دعائي

قلت المدون تم بحمد الله وفضله ثم قلت: اللهم فكما ألهمت بإنشائه وأعنت على إنهائه فاجعله نافعاً في الدنيا وذخيرة صالحة في الأخرى واختم بالسعادة آجالنا وحقق بالزيادة آمالنا واقرن بالعافية غدونا وآصالنا واجعل إلى حصنك مصيرنا ومآلنا وتقبل بفضلك أعمالنا إنك مجيب الدعوات ومفيض الخيرات والحمد الله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم إلى يوم الدين اللهم لنا جميعا يا رب العالمين .وسبحان الله وبحمده  عدد خلقه وزنة عرشه  ورضا نفسه ومداد كلماته  } أقولها ما حييت وبعد موتي  والي يوم الحساب وارحم  واغفر اللهم لوالديَّ ومن مات من اخوتي واهلي والمؤمنين منذ خَلَقْتَ الخلق الي يوم الحساب آمين وفرِّجِ كربي وردَّ اليَّ عافيتي وارضي عني في الدارين  واعِنِّي علي أن اُنْفِقها في سبيلك يا ربي اللهم فرِّج كربي واكفني همي واكشف البأساء والضراء عني وعنا.. وردَّ إليَّ عافيتي وثبتني علي دينك الحق ولا تُزِغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب اللهم وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وتوفنا مع الأبرار وألِّفْ بين قلوبنا اجمعين.يا عزيز يا غفار ... اللهم واشفني شفاءاً لا يُغَادر سقما واعفو عني وعافني وارحمني وفرج كربي واكفني همي واعتقني مما أصابني من مكروه أنت تعلمه واعتقني من النار وقني عذاب القبر وعذاب جهنم وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال ومن المأثم والمغرم ومن غلبة الدين وقهر الرجال اللهم آمين /اللهم ربي اشرح لي صدري ويسر لي أمري وأحلل عُقَد لساني واغنني بك عمن سواك يارب . والحمد الله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم إلى يوم الدين آمين.

الجمعة، 19 أغسطس 2022

مجلد11.ومجلد12. الأم للشافعي

 مجلد11.ومجلد12. الأم للشافعي

 11. مجلد11. الأم للشافعي
محمد بن إدريس الشافعي أبو عبد الله
سنة الولادة 150/ سنة الوفاة 204

بَنَاتِ خَالِهِ وَلَا بَنَاتِ خَالَاتِهِ امْرَأَةٌ وكان عِنْدَهُ عَدَدُ نِسْوَةٍ وَعَلَى أَنَّهُ أَبَاحَ له من الْعَدَدِ ما حَظَرَ على غَيْرِهِ ( 1 ) وَمَنْ لم يأتهب بِغَيْرِ مَهْرٍ ما حَظَرَهُ على غَيْرِهِ (1) قال الشَّافِعِيُّ فَمَنْ ايتهب ( ( ( اتهب ) ) ) مِنْهُنَّ فَهِيَ زوجه لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ وَمَنْ لم يأتهب فَلَيْسَ يَقَعُ عليها اسْمُ زَوْجَةٍ وَهِيَ تَحِلُّ له وَلِغَيْرِهِ
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن أبي حَازِمٍ عن سَهْلِ بن سَعْدٍ أَنَّ امْرَأَةً وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَقَامَتْ قِيَامًا طَوِيلًا فقال رَجُلٌ يا رَسُولَ اللَّهِ زَوِّجْنِيهَا إنْ لم يَكُنْ لَك بها حَاجَةٌ فذكر أَنَّهُ زَوَّجَهُ إيَّاهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وكان مِمَّا خَصَّ اللَّهُ عز وجل بِهِ نَبِيَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَوْلُهُ { النبي أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ من أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } وقال { وما كان لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ من بَعْدِهِ أَبَدًا } فَحَرَّمَ نِكَاحَ نِسَائِهِ من بَعْدِهِ على الْعَالَمِينَ ليس هَكَذَا نِسَاءُ أَحَدٍ غَيْرِهِ وقال عز وجل { يا نِسَاءَ النبي لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ من النِّسَاءِ إنْ اتَّقَيْتُنَّ } فَأَثَابَهُنَّ بِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من نِسَاءِ الْعَالَمِينَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَوْلُهُ { وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } مِثْلُ ما وَصَفْت من اتِّسَاعِ لِسَانِ الْعَرَبِ وَأَنَّ الْكَلِمَةَ الْوَاحِدَةَ تَجْمَعُ مَعَانِيَ مُخْتَلِفَةً وَمِمَّا وَصَفْت من أَنَّ اللَّهَ أَحْكَمَ كَثِيرًا من فَرَائِضِهِ بِوَحْيِهِ وَسَنِّ شَرَائِعَ وَاخْتِلَافِهَا على لِسَانِ نَبِيِّهِ وفي فِعْلِهِ فَقَوْلُهُ { أُمَّهَاتُهُمْ } يَعْنِي في مَعْنًى دُونَ مَعْنًى وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لهم نِكَاحُهُنَّ بِحَالٍ وَلَا يَحْرُمُ عليهم نِكَاحُ بَنَاتٍ لو كُنَّ لَهُنَّ كما يَحْرُمُ عليهم نِكَاحُ بَنَاتِ أُمَّهَاتِهِمْ اللَّاتِي وَلَدْنَهُمْ أو أَرْضَعْنَهُمْ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على ذلك فَالدَّلِيلُ عليه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم زَوَّجَ فَاطِمَةَ بِنْتَه وهو أبو الْمُؤْمِنِينَ وَهِيَ بِنْتُ خَدِيجَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ زَوَّجَهَا عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه وَزَوَّجَ رُقَيَّةَ وَأُمَّ كُلْثُومٍ عُثْمَانَ وهو بِالْمَدِينَةِ وَأَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ تَزَوَّجَتْ وَأَنَّ الزُّبَيْرَ بن الْعَوَّامِ تَزَوَّجَ بِنْتَ أبي بَكْرٍ وَأَنَّ طَلْحَةَ تَزَوَّجَ ابْنَتَهُ الْأُخْرَى وَهُمَا أُخْتَا أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَعَبْدَ الرحمن بن عَوْفٍ تَزَوَّجَ ابْنَةَ جَحْشٍ أُخْتَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ زَيْنَبَ وَلَا يَرِثُهُنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَلَا يَرِثْنَهُمْ كما يَرِثُونَ أُمَّهَاتِهِمْ وَيَرِثْنَهُمْ وَيُشْبِهْنَ أَنْ يَكُنَّ أُمَّهَاتٍ لِعِظَمِ الْحَقِّ عليهم مع تَحْرِيمِ نِكَاحِهِنَّ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وقد يَنْزِلُ الْقُرْآنُ في النَّازِلَةِ يَنْزِلُ على ما يَفْهَمُهُ من أُنْزِلَتْ فيه كَالْعَامَّةِ في الظَّاهِرِ وَهِيَ يُرَادُ بها الْخَاصُّ وَالْمَعْنَى دُونَ ما سِوَاهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِلْمَرْأَةِ تَرُبُّ أَمْرَهُمْ أُمَّنَا وَأُمَّ الْعِيَالِ وَتَقُولُ ذلك لِلرَّجُلِ يَتَوَلَّى أَنْ يَقُوتَهُمْ أُمَّ الْعِيَالِ بِمَعْنَى أَنَّهُ وَضَعَ نَفْسَهُ مَوْضِعَ الْأُمِّ التي تُرَبُّ أَمْرَ الْعِيَالِ ( 2 ) وقال تَأَبَّطَ شَرًّا وهو يَذْكُرُ غَزَاةً غَزَاهَا وَرَجُلٌ من أَصْحَابِهِ وَلِيَ قُوتَهُمْ % وَأُمُّ عِيَالٍ قد شَهِدْت تَقُوتُهُمْ % إذَا أحترتهم أَقْفَرَتْ وَأَقَلَّتْ % % تخاف ( ( ( تخالف ) ) ) عَلَيْنَا الْجُوعُ إنْ هِيَ أَكْثَرَتْ % وَنَحْنُ جِيَاعٌ أَيْ أَوَّل تَأَلَّتْ % % وما إنْ بها ضَنٌّ بِمَا في وِعَائِهَا % وَلَكِنَّهَا من خَشْيَةِ الْجُوعِ أَبْقَتْ %
قُلْت الرَّجُلُ يُسَمَّى أُمًّا وقد تَقُولُ الْعَرَبُ لِلنَّاقَةِ وَالْبَقَرَةِ وَالشَّاةِ وَالْأَرْضِ هذه أُمُّ عِيَالِنَا على مَعْنَى التي تَقُوتُ عِيَالَنَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ عز وجل { الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ من نِسَائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إنْ أُمَّهَاتُهُمْ إلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ }
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ ثُمَّ جَعَلَ له في اللَّاتِي يَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ له أَنْ يأتهب وَيَتْرُكَ فقال { تُرْجِي من تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إلَيْك من تَشَاءُ } إلَى { عَلَيْك }

(5/141)


يَعْنِي أَنَّ اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ أُمَّهَاتُهُمْ بِكُلِّ حَالٍ الْوَارِثَاتُ وَالْمَوْرُوثَاتُ الْمُحَرَّمَاتُ بِأَنْفُسِهِنَّ وَالْمُحَرَّمُ بِهِنَّ غَيْرُهُنَّ اللَّائِي لم يَكُنْ قَطُّ إلَّا أُمَّهَاتٍ ليس اللَّائِي يُحْدِثْنَ رَضَاعًا لِلْمَوْلُودِ فَيَكُنَّ بِهِ أُمَّهَاتٍ وقد كُنَّ قبل إرْضَاعِهِ غير أُمَّهَاتٍ له وَلَا أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ عَامَّةً يَحْرُمْنَ بِحُرْمَةٍ أَحْدَثْنَهَا أو يُحْدِثُهَا الرَّجُلُ أو أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ اللَّائِي حُرِّمْنَ بِأَنَّهُنَّ أَزْوَاجُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَكُلُّ هَؤُلَاءِ يَحْرُمْنَ بِشَيْءٍ يُحْدِثُهُ رَجُلٌ يُحَرِّمُهُنَّ أو يُحْدِثْنَهُ أو حَرَّمَهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْأُمُّ تُحَرِّمُ نَفْسَهَا وَتَرِثُ وَتُورَثُ فَيَحْرُمُ بها غَيْرُهَا فَأَرَادَ بها الْأُمَّ في جَمِيعِ مَعَانِيهَا لَا في بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ كما وَصَفْنَا مِمَّنْ يَقَعُ عليه اسْمُ الْأُمِّ غَيْرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَمِنْ ذلك أَنَّهُ أَرَادَ فِرَاقَ سَوْدَةَ فقالت لَا تُفَارِقْنِي وَدَعْنِي حتى يَحْشُرَنِي اللَّهُ في أَزْوَاجِك وأنا أَهَبُ لَيْلَتِي وَيَوْمِي لِأُخْتِي عَائِشَةَ ( قال ) وقد فَعَلَتْ ابْنَةُ مُحَمَّدِ بن مَسْلَمَةَ شَبِيهًا بهذا حين أَرَادَ زَوْجُهَا طَلَاقَهَا وَنَزَلَ فيها ذِكْرٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ عن الزُّهْرِيِّ عن بن الْمُسَيِّبِ في ذلك { وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ من بَعْلِهَا نُشُوزًا } إلَى { صُلْحًا } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا مَوْضُوعٌ في مَوْضِعِهِ بِحُجَجِهِ
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا أَنَسُ بن عِيَاضٍ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه عن زَيْنَبَ ابْنَةِ أبي سَلَمَةَ عن أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أبي سُفْيَانَ قالت قُلْت يا رَسُولَ اللَّهِ هل لَك في أُخْتِي بِنْتِ أبي سُفْيَانَ قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَفْعَلُ مَاذَا قالت تَنْكِحُهَا قال أُخْتُك قالت نعم قال أو تحبين ذلك قالت نعم لَسْت لَك بِمُخَلِّيَةٍ وَأَحَبُّ من شَرِكَنِي في خَيْرٍ أُخْتِي قال فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لي فَقُلْت وَاَللَّهِ لقد أُخْبِرْت أَنَّك تَخْطُبُ ابْنَةَ أبي سَلَمَةَ قال ابْنَةُ أُمِّ سَلَمَةَ قالت نعم قال فَوَاَللَّهِ لو لم تَكُنْ رَبِيبَتِي في حِجْرِي ما حَلَّتْ لي إنَّهَا لَابْنَةُ أَخِي من الرَّضَاعَةِ أَرْضَعَتْنِي وأباها ( ( ( وإياها ) ) ) ثُوَيْبَةُ فَلَا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَكُلُّ ما وَصَفْت لَك مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَجَعَلَ له دُونَ الناس وَبَيَّنَهُ في كِتَابِ اللَّهِ أو قَوْلِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَفِعْلِهِ أو أَمْرٍ اجْتَمَعَ عليه أَهْلُ الْعِلْمِ عِنْدَنَا لم يَخْتَلِفُوا فيه - * ما جاء في أَمْرِ النِّكَاحِ - *
قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ } إلَى قَوْلِهِ { يُغْنِهِمْ اللَّهُ من فَضْلِهِ } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَمْرُ في الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَكَلَامُ الناس يَحْتَمِلُ مَعَانِيَ أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عز وجل حَرَّمَ شيئا ثُمَّ أَبَاحَهُ فَكَانَ أَمْرُهُ إحْلَالَ ما حَرَّمَ كَقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وإذا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا } وَكَقَوْلِهِ { فإذا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا في الْأَرْضِ } الْآيَةَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ حَرَّمَ الصَّيْدَ على الْمُحْرِمِ وَنَهَى عن الْبَيْعِ عِنْدَ النِّدَاءِ ثُمَّ أَبَاحَهُمَا في وَقْتٍ غَيْرِ الذي حَرَّمَهُمَا فيه كَقَوْلِهِ { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } إلَى { مَرِيئًا } وَقَوْلِهِ { فإذا وَجَبَتْ جَنُوبُهَا فَكُلُوا منها وَأَطْعِمُوا } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَشْبَاهٌ لِهَذَا كَثِيرٌ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ليس أَنَّ حَتْمًا أَنْ يَصْطَادُوا إذَا حَلُّوا وَلَا يَنْتَشِرُوا لِطَلَبِ التِّجَارَةِ إذَا صَلَّوْا وَلَا يَأْكُلُ من صَدَاقِ امْرَأَتِهِ إذَا طَابَتْ عنه بِهِ نَفْسًا وَلَا يَأْكُلُ من بَدَنَتِهِ إذَا نَحَرَهَا ( قال ) وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ دَلَّهُمْ على ما فيه رُشْدُهُمْ بِالنِّكَاحِ لِقَوْلِهِ عز وجل { إنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ من فَضْلِهِ }
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ في هذا دَلَالَةٌ على أَشْبَاهٍ له من الْقُرْآنِ جَهِلَهَا من قَصَرَ عِلْمُهُ بِاللِّسَانِ وَالْفِقْهِ فَأَمَّا ما سِوَى ما وَصَفْنَا من أَنَّ لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم من عَدَدِ النِّسَاءِ أَكْثَرَ مِمَّا لِلنَّاسِ وَمَنْ اتَّهَبَ بِغَيْرِ مَهْرٍ وَمِنْ إن أَزْوَاجَهُ أُمَّهَاتُهُمْ لَا يَحْلُلْنَ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ وما في مِثْلِ مَعْنَاهُ من الْحُكْمِ بين الْأَزْوَاجِ فِيمَا يَحِلُّ مِنْهُنَّ وَيَحْرُمُ بِالْحَادِثِ وَلَا يَعْلَمُ حَالَ الناس يُخَالِفُ حَالَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في ذلك فَمِنْ ذلك أَنَّهُ كان يُقَسِّمُ لِنِسَائِهِ فإذا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَهُنَّ فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بها معه وَهَذَا لِكُلِّ من له أَزْوَاجٌ من الناس
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرني محمد بن عَلِيٍّ أَنَّهُ سمع بن شِهَابٍ يحدث عن عُبَيْدِ اللَّهِ عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان إذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بين نِسَائِهِ فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بها

(5/142)


يَدُلُّ على ما فيه سَبَبُ الْغِنَى وَالْعَفَافِ كَقَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم سَافِرُوا تَصِحُّوا وَتُرْزَقُوا فَإِنَّمَا هذا دَلَالَةٌ لَا حَتْمٌ أَنْ يُسَافِرَ لِطَلَبِ صِحَّةٍ وَرِزْقٍ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما نهى اللَّهُ عنه فَهُوَ مُحَرَّمٌ حتى تُوجَدَ الدَّلَالَةُ عليه بِأَنَّ النَّهْيَ عنه على غَيْرِ التَّحْرِيمِ وَأَنَّهُ إنَّمَا أُرِيدَ بِهِ الْإِرْشَادُ أو تَنَزُّهًا أو أَدَبًا لِلْمَنْهِيِّ عنه وما نهى عنه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كَذَلِكَ أَيْضًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَنْ قال الْأَمْرُ على غَيْرِ الْحَتْمِ حتى تَأْتِيَ دَلَالَةٌ على أَنَّهُ حَتْمٌ انْبَغَى أَنْ تَكُونَ الدَّلَالَةُ على ما وُصِفَتْ من الْفَرْقِ بين الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وما وَصَفْنَا في مُبْتَدَأِ كِتَابِ اللَّهِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَأَشْبَاهٌ لِذَلِكَ سَكَتْنَا عنه اكْتِفَاءً بِمَا ذَكَرْنَا عَمَّا لم نَذْكُرْ
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن مُحَمَّدِ بن عَجْلَانَ عن أبيه عن أبي هُرَيْرَةَ رضي اللَّهُ عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ذَرُونِي ما تَرَكْتُكُمْ فإنه إنَّمَا هَلَكَ من كان قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ على أَنْبِيَائِهِمْ فما أَمَرْتُكُمْ بِهِ من أَمْرٍ فائتوا منه ما اسْتَطَعْتُمْ وما نَهَيْتُكُمْ عنه فَانْتَهُوا
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن أبي الزِّنَادِ عن الْأَعْرَجِ عن أبي هُرَيْرَةَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مِثْلُ مَعْنَاهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وقد يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ في مَعْنَى النَّهْيِ فَيَكُونَانِ لَازِمَيْنِ إلَّا بِدَلَالَةِ أَنَّهُمَا غَيْرُ لَازِمَيْنِ وَيَكُونُ قَوْلُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فائتوا منه ما اسْتَطَعْتُمْ أَنْ يَقُولَ ( 1 ) عليهم إتْيَانُ الْأَمْرِ فِيمَا اسْتَطَعْتُمْ لِأَنَّ الناس إنَّمَا كُلِّفُوا ما اسْتَطَاعُوا في الْفِعْلِ اسْتِطَاعَةَ شَيْءٍ لِأَنَّهُ شَيْءٌ مُتَكَلَّفٌ وَأَمَّا النَّهْيُ فَالتَّرْكُ لِكُلِّ ما أَرَادَ تَرْكُهُ يَسْتَطِيعُ لِأَنَّهُ ليس بِتَكَلُّفِ شَيْءٍ يَحْدُثُ إنَّمَا هو شَيْءٌ يُكَفُّ عنه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَعَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدَ تِلَاوَةِ الْكِتَابِ وَمَعْرِفَةِ السُّنَّةِ طَلَبُ الدَّلَائِلِ لِيُفَرِّقُوا بين الْحَتْمِ وَالْمُبَاحِ وَالْإِرْشَادِ الذي ليس بِحَتْمٍ في الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ مَعًا ( قال ) فَحَتْمٌ لَازِمٌ لِأَوْلِيَاءِ الْأَيَامَى وَالْحَرَائِرِ البوالغ إذَا أَرَدْنَ النِّكَاحَ وَدُعُوا إلَى رِضًا من الْأَزْوَاجِ أَنْ يُزَوِّجُوهُنَّ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { وإذا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنْ شَبَهَ على أَحَدٍ أَنَّ مُبْتَدَأَ الْآيَةِ على ذِكْرِ الْأَزْوَاجِ فَفِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ على أَنَّهُ إنَّمَا نهى عن الْعَضْلِ الْأَوْلِيَاءَ لِأَنَّ الزَّوْجَ إذَا طَلَّقَ فَبَلَغَتْ الْمَرْأَةُ الْأَجَلَ فَهُوَ أَبْعَدُ الناس منها فَكَيْفَ يَعْضُلُهَا من لَا سَبِيلَ وَلَا شِرْكَ له في أَنْ يَعْضُلَهَا في بَعْضِهَا فَإِنْ قال قَائِلٌ قد تَحْتَمِلُ إذَا قَارَبْنَ بُلُوغَ أَجَلِهِنَّ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل يقول لِلْأَزْوَاجِ { وإذا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أو سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } فَالْآيَةُ تَدُلُّ على أَنَّهُ لم يُرِدْ بها هذا الْمَعْنَى وَأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُهُ لِأَنَّهَا إذَا قَارَبَتْ بُلُوغَ أَجَلِهَا أو لم تَبْلُغْهُ فَقَدْ حَظَرَ اللَّهُ تَعَالَى عليها أَنْ تُنْكَحَ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حتى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ } فَلَا يَأْمُرُ بِأَنْ لَا يَمْنَعَ من النِّكَاحِ من قد مَنَعَهَا منه إنَّمَا يَأْمُرُ بِأَنْ لَا يَمْتَنِعَ مِمَّا أَبَاحَ لها من هو بِسَبَبٍ من مَنْعِهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وقد حَفِظَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ هذه الْآيَةَ نَزَلَتْ في مَعْقِلِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِالنِّكَاحِ حَتْمًا وفي كُلٍّ الْحَتْمُ من الله الرُّشْدِ فَيَجْتَمِعُ الْحَتْمُ وَالرُّشْدُ وقال بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ الْأَمْرُ كُلُّهُ على الْإِبَاحَةِ وَالدَّلَالَةِ على الرُّشْدِ حتى تُوجَدَ الدَّلَالَةُ من الْكِتَابِ أو السُّنَّةِ أو الْإِجْمَاعِ على أَنَّهُ إنَّمَا أُرِيدَ بِالْأَمْرِ الْحَتْمُ فَيَكُونُ فَرْضًا لَا يَحِلُّ تَرْكُهُ كَقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ } فَدَلَّ على أَنَّهُمَا حَتْمٌ وَكَقَوْلِهِ { خُذْ من أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً } وَقَوْلِهِ { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } وَقَوْلِهِ { وَلِلَّهِ على الناس حِجُّ الْبَيْتِ من اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا } فذكر الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ مَعًا في الْأَمْرِ وَأَفْرَدَ الْحَجَّ في الْفَرْضِ فلم يَقُلْ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ الْعُمْرَةُ على الْحَتْمِ وَإِنْ كنا نُحِبُّ أَنْ لَا يَدَعَهَا مُسْلِمٌ وَأَشْبَاهُ هذا في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل كَثِيرٌ

(5/143)


بن يَسَارٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ زَوَّجَ أُخْتَهُ رَجُلًا فَطَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ طَلَبَ نِكَاحَهَا وَطَلَبَتْهُ فقال زَوَّجْتُك دُونَ غَيْرِك أُخْتِي ثُمَّ طَلَّقْتهَا لَا أُنْكِحُك أَبَدًا فَنَزَلَتْ { وإذا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } إلَى { أَزْوَاجَهُنَّ } قال وفي هذه الْآيَةِ دَلَالَةٌ على أَنَّ النِّكَاحَ يَتِمُّ بِرِضَا الْوَلِيِّ مع الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَهَذَا مَوْضُوعٌ في ذِكْرِ الْأَوْلِيَاءِ وَالسُّنَّةُ تَدُلُّ على ما يَدُلُّ عليه الْقُرْآنُ من أَنَّ على وَلِيِّ الْحُرَّةِ أَنْ يَنْكِحَهَا
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن عبد اللَّهِ بن الْفَضْلِ عن نَافِعِ بن جُبَيْرٍ عن بن عَبَّاسٍ قال قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا من وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ في نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا وقال أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ من لَا وَلِيَّ له (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَالرَّجُلُ يَدْخُلُ في بَعْضِ أَمْرِهِ في مَعْنَى الْأَيَامَى الَّذِينَ على الْأَوْلِيَاءِ أَنْ يُنْكِحُوهُنَّ إذَا كان مَوْلًى بَالِغًا يَحْتَاجُ إلَى النِّكَاحِ وَيَقْدِرُ بِالْمَالِ فَعَلَى وَلِيِّهِ إنْكَاحُهُ فَلَوْ كانت الْآيَةُ وَالسُّنَّةُ في الْمَرْأَةِ خَاصَّةً لَزِمَ ذلك عِنْدِي الرَّجُلَ لِأَنَّ مَعْنَى الذي أُرِيدَ بِهِ نِكَاحُ الْمَرْأَةِ الْعَفَافُ لِمَا خُلِقَ فيها من الشَّهْوَةِ وَخَوْفِ الْفِتْنَةِ وَذَلِكَ في الرَّجُلِ مَذْكُورٌ في الْكِتَابِ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ من النِّسَاءِ } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا كان الرَّجُلُ وَلِيَّ نَفْسِهِ وَالْمَرْأَةِ أَحْبَبْت لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّكَاحَ إذَا كان مِمَّنْ تَتُوقُ نَفْسُهُ إلَيْهِ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل أَمَرَ بِهِ وَرَضِيَهُ وَنَدَبَ إلَيْهِ وَجَعَلَ فيه أَسْبَابَ مَنَافِعَ قال { وَجَعَلَ منها زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إلَيْهَا } وقال اللَّهُ عز وجل وَاَللَّهُ { جَعَلَ لَكُمْ من أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ من أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً } وَقِيلَ إنَّ الْحَفَدَةَ الْأَصْهَارُ وقال عز وجل { فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا } فَبَلَغَنَا أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال تَنَاكَحُوا تَكْثُرُوا فَإِنِّي أُبَاهِي بِكُمْ الْأُمَمَ حتى بِالسَّقْطِ وَبَلَغَنَا أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من أَحَبَّ فِطْرَتِي فَلْيَسْتَنَّ بِسُنَّتِي وَمِنْ سُنَّتِي النِّكَاحُ وَبَلَغَنَا أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من مَاتَ له ثَلَاثَةٌ من الْوَلَدِ لم تَمَسَّهُ النَّارُ وَيُقَالُ إنَّ الرَّجُلَ لَيُرْفَعُ بِدُعَاءِ وَلَدِهِ من بَعْدِهِ ( قال ) وَبَلَغَنَا أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه قال ما رَأَيْت مِثْلَ من تَرَكَ النِّكَاحَ بَعْدَ هذه الْآيَةِ { إنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ من فَضْلِهِ }
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ أَنْ بن عُمَرَ أَرَادَ أَنْ لَا يَنْكِحَ فقالت له حَفْصَةُ تَزَوَّجْ فَإِنْ وُلِدَ لَك وَلَدٌ فَعَاشَ من بَعْدِك دَعَوْا لَك + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَنْ لم تَتُقْ نَفْسُهُ ولم يَحْتَجْ إلَى النِّكَاحِ من الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ بِأَنْ لم تُخْلَقْ فيه الشَّهْوَةُ التي جُعِلَتْ في أَكْثَرِ الْخَلْقِ فإن اللَّهَ عز وجل يقول { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ من النِّسَاءِ } أو بِعَارِضٍ أَذْهَبَ الشَّهْوَةَ من كِبَرٍ أو غَيْرِهِ فَلَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يَدَعَ النِّكَاحَ بَلْ أُحِبُّ ذلك وَأَنْ يَتَخَلَّى لِعِبَادَةِ اللَّهِ وقد ذَكَرَ اللَّهُ عز وجل الْقَوَاعِدَ من النِّسَاءِ فلم يَنْهَهُنَّ عن الْقُعُودِ ولم يَنْدُبْهُنَّ إلَى نِكَاحٍ فقال { وَالْقَوَاعِدُ من النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غير مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ } الْآيَةَ وَذَكَرَ عَبْدًا أَكْرَمَهُ قال { وَسَيِّدًا وَحَصُورًا } وَالْحَصُورُ الذي لَا يَأْتِي النِّسَاءَ ولم يَنْدُبْهُ إلَى نِكَاحٍ فَدَلَّ ذلك وَاَللَّهُ أَعْلَمُ على أَنَّ الْمَنْدُوبَ إلَيْهِ من يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِمَّنْ يَكُونُ مُحْصَنًا له عن الْمَحَارِمِ وَالْمَعَانِي التي في النِّكَاحِ فإن اللَّهَ عز وجل يقول { وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلَّا على أَزْوَاجِهِمْ أو ما مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَالرَّجُلُ لَا يَأْتِي النِّسَاءَ إذَا نَكَحَ فَقَدْ غَرَّ الْمَرْأَةَ وَلَهَا الْخِيَارُ في الْمُقَامِ أو فِرَاقِهِ إذَا جَاءَتْ سَنَةُ أَجَلِهَا من يَوْمِ يَضْرِبُ له السُّلْطَانُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) أُحِبُّ النِّكَاحَ لِلْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ اللَّاتِي لَا يَطَؤُهُنَّ سَادَاتُهُنَّ احْتِيَاطًا لِلْعَفَافِ وَطَلَبِ فَضْلٍ وَغِنًى فَإِنْ كان إنْكَاحُهُنَّ وَاجِبًا كان قد أَدَّى فَرْضًا وَإِنْ لم يَكُنْ وَاجِبًا كان مَأْجُورًا إذَا احْتَسَبَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا كانت أَحَقَّ بِنَفْسِهَا وكان النِّكَاحُ يَتِمُّ بِهِ لم يَكُنْ له مَنْعُهَا النِّكَاحَ وَقَوْلُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ من لَا وَلِيَّ له يَدُلُّ على أَنَّ السُّلْطَانَ يُنْكِحُ الْمَرْأَةَ لَا وَلِيَّ لها وَالْمَرْأَةُ لها وَلِيٌّ يَمْتَنِعُ من إنْكَاحِهَا إذَا أَخْرَجَ الْوَلِيُّ نَفْسَهُ من الْوِلَايَةِ بِمَعْصِيَتِهِ بِالْعَضْلِ وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ مُثْبَتَانِ في كِتَابِ الْأَوْلِيَاءِ

(5/144)


نِيَّتَهُ على الْتِمَاسِ الْفَضْلِ بِالِاحْتِيَاطِ وَالتَّطَوُّعِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنْ يُحِلَّهُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حتى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ من فَضْلِهِ } فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونُوا إنَّمَا أُمِرُوا بِالِاسْتِعْفَافِ عن أَنْ يَتَنَاوَلَ الْمَرْءُ بِالْفَرْجِ ما لم يُبَحْ له بِهِ فَيَصْبِرُ إلَى أَنْ يُغْنِيَهُ اللَّهُ من فَضْلِهِ فَيَجِدُ السَّبِيلَ إلَى ما أَحَلَّ اللَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وهو يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ في مِثْلِ مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ عز وجل في مَالِ الْيَتِيمِ { وَمَنْ كان غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ } وَإِنَّمَا أَرَادَ بِالِاسْتِعْفَافِ أَنْ لَا يَأْكُلَ منه شيئا فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنَّ لِلْمَرْأَةِ مِلْكَ يَمِينٍ فقال فقال فَلِمَ لَا تَتَسَرَّى عَبْدَهَا كما يَتَسَرَّى الرَّجُلُ امته قُلْنَا إنَّ الرَّجُلَ هو النَّاكِحُ الْمُتَسَرِّي وَالْمَرْأَةَ الْمَنْكُوحَةُ المتسراة فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَاسَ بِالشَّيْءِ خِلَافُهُ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يُخَالِفُهُ قُلْنَا إذَا كان الرَّجُلُ يُطَلِّقُ الْمَرْأَةَ فَتَحْرُمُ عليه وَلَيْسَ لها أَنْ تُطَلِّقَهُ وَيُطَلِّقُهَا وَاحِدَةً فَيَكُونُ له أَنْ يُرَاجِعَهَا في الْعِدَّةِ وَإِنْ كَرِهَتْ دَلَّ على أَنَّ مَنْعَهَا له وَأَنَّهُ الْقَيِّمُ عليها وَأَنَّهَا لَا تَكُونُ قَيِّمَةً عليه وَمُخَالِفَةً له فلم يَجُزْ أَنْ يُقَالَ لها أَنْ تَتَسَرَّى عَبْدًا لِأَنَّهَا المتسراة وَالْمَنْكُوحَةُ لَا الْمُتَسَرِّيَةُ وَلَا النَّاكِحَةُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَمَّا أَبَاحَ اللَّهُ عز وجل لِمَنْ لَا زَوْجَةَ له أَنْ يَجْمَعَ بين أَرْبَعِ زَوْجَاتٍ قُلْنَا حُكْمُ اللَّهِ عز وجل يَدُلُّ على أَنَّ من طَلَّقَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ له طَلَاقًا لَا يَمْلِكُ رَجْعَةً أو يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فَلَيْسَ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ في عِدَّتِهَا منه حَلَّ له أَنْ يَنْكِحَ مَكَانَهُنَّ أَرْبَعًا لِأَنَّهُ لَا زَوْجَةَ له وَلَا عِدَّةَ عليه وَكَذَلِكَ يَنْكِحُ أُخْتَ إحْدَاهُنَّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَمَّا قال اللَّهُ عز وجل { فَانْكِحُوا ما طَابَ لَكُمْ من النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أو ما مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } كان في هذه الْآيَةِ دَلِيلٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ على أَنَّهُ إنَّمَا خَاطَبَ بها الاحرار دُونَ الْمَمَالِيكِ لِأَنَّهُمْ النَّاكِحُونَ بِأَنْفُسِهِمْ لَا المنكحهم غَيْرُهُمْ وَالْمَالِكُونَ لَا الَّذِينَ يَمْلِكُ عليهم غَيْرُهُمْ وَهَذَا ظَاهِرُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا أُوجِبُهُ إيجَابَ نِكَاحِ الْأَحْرَارِ لِأَنِّي وَجَدْت الدَّلَالَةَ في نِكَاحِ الْأَحْرَارِ وَلَا أَجِدُهَا في نِكَاحِ الْمَمَالِيكِ - * ما جاء في عَدَد ما يَحِلّ من الْحَرَائِر وَالْإِمَاء وما تَحِلّ بِهِ الْفُرُوج - * أخبرنا الرَّبِيعُ قال قال الشَّافِعِيُّ قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { قد عَلِمْنَا ما فَرَضْنَا عليهم في أَزْوَاجِهِمْ وما مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } وقال { وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلَّا على أَزْوَاجِهِمْ أو ما مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } وقال عز وجل { فَانْكِحُوا ما طَابَ لَكُمْ من النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ ألا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أو ما مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } فَأَطْلَقَ اللَّهُ عز وجل ما مَلَكَتْ الْأَيْمَانُ فلم يَحُدَّ فِيهِنَّ حَدًّا يَنْتَهِي إلَيْهِ فَلِلرَّجُلِ أَنْ يَتَسَرَّى كَمْ شَاءَ وَلَا اخْتِلَافَ عَلِمْته بين أَحَدٍ في هذا وَانْتَهَى ما أَحَلَّ اللَّهُ بِالنِّكَاحِ إلَى أَرْبَعٍ وَدَلَّتْ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمُبَيَّنَةُ عن اللَّهِ عز وجل على أَنَّ انْتِهَاءَهُ إلَى أَرْبَعٍ تَحْرِيمًا منه لَأَنْ يَجْمَعَ أَحَدٌ غَيْرُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بين أَكْثَرَ من أَرْبَعٍ لَا أَنَّهُ يَحْرُمُ أَنْ يَنْكِحَ في عُمُرِهِ أَكْثَرَ من أَرْبَعٍ إذَا كُنَّ مُتَفَرِّقَاتٍ ما لم يَجْمَعْ بين أَكْثَرَ مِنْهُنَّ وَلِأَنَّهُ أَبَاحَ الْأَرْبَعَ وَحَرَّمَ الْجَمْعَ بين أَكْثَرَ مِنْهُنَّ فقال لِغَيْلَانَ بن سَلَمَةَ وَنَوْفَلِ بن مُعَاوِيَةَ وَغَيْرِهِمَا وَأَسْلَمُوا وَعِنْدَهُمْ أَكْثَرُ من أَرْبَعٍ أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ وقال عز وجل { قد عَلِمْنَا ما فَرَضْنَا عليهم في أَزْوَاجِهِمْ وما مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } وَذَلِكَ مُفَرَّقٌ في مَوَاضِعِهِ في الْقَسْمِ بَيْنَهُنَّ وَالنَّفَقَةِ وَالْمَوَارِيثِ وَغَيْرِ ذلك وَقَوْلُهُ { وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلَّا على أَزْوَاجِهِمْ أو ما مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } دَلِيلٌ على أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَحَلَّ النِّكَاحَ وما مَلَكَتْ الْيَمِينُ وَالثَّانِي يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَبَاحَ الْفِعْلَ لِلتَّلَذُّذِ وَغَيْرِهِ بِالْفَرْجِ في زَوْجَةٍ أو ما مَلَكَتْ يَمِينٌ من الْآدَمِيِّينَ وَمِنْ الدَّلَالَةِ على ذلك قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذلك فَأُولَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ } وَإِنْ لم تَخْتَلِفْ الناس في تَحْرِيمِ ما مَلَكَتْ الْيَمِينُ من الْبَهَائِمِ فَلِذَلِكَ خِفْت أَنْ يَكُونَ الِاسْتِمْنَاءُ حَرَامًا من قِبَلِ أَنَّهُ ليس من الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ أُبِيحَا لِلْفَرْجِ

(5/145)


مَعْنَى الْآيَةِ وَإِنْ احْتَمَلَتْ أَنْ تَكُونَ على كل نَاكِحٍ وَإِنْ كان مَمْلُوكًا أو مَالِكًا وَهَذَا وَإِنْ كان مَمْلُوكًا فَهُوَ مَوْضُوعٌ في نِكَاحِ الْعَبْدِ وَتَسَرِّيه - * الْخِلَافُ في هذا الْبَابِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) قُلْت لِبَعْضِ من يقول هذا الْقَوْلَ هل لِمُطَلِّقِ نِسَائِهِ ثلاثا ( ( ( ثلاثة ) ) ) زَوْجَةٌ قال لَا قُلْت فَقَدْ أَبَاحَ اللَّهُ عز وجل لِمَنْ لَا زَوْجَةَ له أَنْ يَنْكِحَ أَرْبَعًا وَحَرَّمَ الْجَمْعَ بين الْأُخْتَيْنِ ولم يَخْتَلِفْ الناس في إبَاحَةِ كل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إذَا لم يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا على الِانْفِرَادِ فَهَلْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا إذَا طَلَّقَ إحْدَاهُمَا ثَلَاثًا وقد حَكَمَ اللَّهُ بين الزَّوْجَيْنِ أَحْكَامًا فقال { لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ من نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ } وقال { الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ من نِسَائِهِمْ } وقال { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ } وقال { وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ } وقال { وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ } أَفَرَأَيْت الْمُطَلِّقَ ثَلَاثًا إنْ آلَى منها في الْعِدَّةِ أَيَلْزَمُهُ إيلَاءٌ قال لَا قُلْت فَإِنْ تَظَاهَرَ أَيَلْزَمُهُ الظِّهَارُ قال لَا قُلْت فَإِنْ قَذَفَ أَيَلْزَمُهُ اللِّعَانُ أو مَاتَ أَتَرِثُهُ أو مَاتَتْ أَيَرِثُهَا قال لَا قُلْت فَهَذِهِ الْأَحْكَامُ التي حَكَمَ اللَّهُ عز وجل بها بين الزَّوْجَيْنِ تَدُلُّ على أَنَّ الزَّوْجَةَ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ وَإِنْ كانت تَعْتَدُّ قال نعم قُلْت له فَهَذِهِ سَبْعَةُ أَحْكَامٍ لِلَّهِ خَالَفْتهَا وَحَرَّمْت عليه أَنْ يَنْكِحَ أَرْبَعًا وقد أَبَاحَهُنَّ اللَّهُ تَعَالَى له وَأَنْ يَنْكِحَ أُخْتَ امْرَأَتِهِ وهو إذَا نَكَحَهَا لم يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا وَهِيَ في عَدَدِ من أَبَاحَ اللَّهُ له فَأَنْتَ تُرِيدُ زَعَمْت إبْطَالَ الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ بِأَنْ تَقُولَ تُخَالِفُ الْقُرْآنَ وَهِيَ لَا تُخَالِفُهُ وَهِيَ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ تُخَالِفُ أنت سَبْعَ آيَاتٍ من الْقُرْآنِ لَا تَدَّعِي فيها خَبَرًا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا خَبَرًا صَحِيحًا عن أَحَدٍ من أَصْحَابِهِ قال قد قَالَهُ بَعْضُ التَّابِعِينَ قُلْت فإن من سَمَّيْت من التَّابِعِينَ وَأَكْثَرَ منهم إذَا قالوا شيئا ليس فيه كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ لم يُقْبَلْ قَوْلُهُمْ لِأَنَّ الْقَوْلَ الذي يُقْبَلُ ما كان في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل أو سُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أو حَدِيثٍ صَحِيحٍ عن أَحَدٍ من أَصْحَابِهِ أو إجْمَاعٍ فَمَنْ كان عِنْدَك هَكَذَا يُتْرَكُ قَوْلُهُ لَا يُخَالِفُ بِهِ غَيْرَهُ أَتَجْعَلُهُ حُجَّةً على كِتَابِ اللَّهِ عز وجل وَمَنْ قال قَوْلَك في أَنْ لَا يَنْكِحَ ما دَامَ الْأَرْبَعُ في الْعِدَّةِ وَجَعَلَهَا في مَعَانِي الْأَزْوَاجِ لَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ يَلْحَقُهَا الْإِيلَاءُ وَالظِّهَارُ وَاللِّعَانُ وَيَتَوَارَثَانِ قال فما أَقُولُهُ قُلْت فَلِمَ لَا تَكُونُ في حُكْمِ الزَّوْجَةِ عِنْدَك في مَعْنًى وَاحِدٍ دُونَ الْمَعَانِي فقال أَقَالَ قَوْلَك غَيْرُك قُلْت نعم الْقَاسِمُ بن مُحَمَّدٍ وَسَالِمُ بن عبيد ( ( ( عبد ) ) ) اللَّهِ وَعُرْوَةُ وَأَكْثَرُ أَهْلِ دَارِ السُّنَّةِ وَأَهْلِ حَرَمِ اللَّهِ عز وجل ما يَحْتَاجُ فيه إلَى أَنْ يحكى قَوْلَ أَحَدٍ لِثُبُوتِ الْحُجَّةِ فيها بِأَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَنْصُوصَةِ التي لَا يَحْتَاجُ إلَى تَفْسِيرِهَا لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ غير ظَاهِرِهَا
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن رَبِيعَةَ بن أبي عبد الرحمن عن الْقَاسِمِ وَعُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ في الرَّجُلِ عِنْدَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَيُطَلِّقُ إحْدَاهُنَّ البتة إنه يَتَزَوَّجُ إنْ شَاءَ وَلَا يَنْتَظِرُ أَنْ تَمْضِيَ عِدَّتُهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقال فَإِنِّي إنَّمَا قُلْت هذا لِئَلَّا يَجْتَمِعَ مَاؤُهُ في أَكْثَرَ من أَرْبَعٍ وَلِئَلَّا يَجْتَمِعَ في أُخْتَيْنِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقُلْت له فَإِنَّمَا كان ( 1 ) لِلْعَالِمِينَ ذَوِي الْعُقُولِ من أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَقُولُوا من خَبَرٍ أو قِيَاسٍ عليه وَلَا يَكُونَ لهم أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهُمَا عِنْدَنَا وَعِنْدَك وَلَوْ كان لهم أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهُمَا كان لِغَيْرِهِمْ أَنْ يَقُولَ مَعَهُمْ قال أَجَلْ قُلْت أَفَقُلْت قَوْلَك هذا بِخَبَرٍ لَازِمٍ أو قِيَاسٍ فَهُوَ خِلَافُ هذا كُلِّهِ وَلَيْسَ لَك خِلَافٌ وَاحِدٌ منهم في أَصْلِ ما تَقُولُ قال يَتَفَاحَشُ أَنْ يَجْتَمِعَ مَاؤُهُ في أَكْثَرَ من أَرْبَعٍ أو في أُخْتَيْنِ قُلْت الْمُتَفَاحَشُ أَنْ تُحَرِّمَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقال بَعْضُ الناس إذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ له ثَلَاثًا أو طَلَاقًا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ أو لَا رَجْعَةَ له على وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَلَا يَنْكِحُ حتى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهُنَّ وَلَا يَجْمَعُ مَاءَهُ في أَكْثَرَ من أَرْبَعٍ وَلَوْ طَلَّقَ وَاحِدَةً ثَلَاثًا لم يَكُنْ له أَنْ يَنْكِحَ أُخْتَهَا في عِدَّتِهَا

(5/146)


عليه ما أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى له وَإِحْدَى الْأُخْتَيْنِ مِمَّا أَحَلَّ اللَّهُ عز وجل له وَقُلْت له لو كان في قَوْلِك لَا يَجْتَمِعُ مَاؤُهُ في أَكْثَرَ من أَرْبَعٍ حُجَّةً فَكُنْت إنَّمَا حَرَّمْت عليه أَنْ يَنْكِحَ حتى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْأَرْبَعِ لِلْمَاءِ كُنْت مَحْجُوجًا بِقَوْلِك قال وَأَيْنَ قُلْت أَرَأَيْت إذَا نَكَحَ أَرْبَعًا فَأَغْلَقَ عَلَيْهِنَّ أو أَرْخَى الْأَسْتَارَ ولم يَمَسَّ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ أَعَلَيْهِنَّ الْعِدَّةُ قال نعم قُلْت أَفَيَنْكِحُ أَرْبَعًا سِوَاهُنَّ قبل أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهُنَّ قال لَا قُلْت أَفَرَأَيْت لو دخل بِهِنَّ فَأَصَابَهُنَّ ثُمَّ غَابَ عَنْهُنَّ سِنِينَ ثُمَّ طَلَّقَهُنَّ وَلَا عَهْدَ له بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ قبل الطَّلَاقِ بِثَلَاثِينَ سَنَةً أَيَنْكِحُ في عِدَّتِهِنَّ قال لَا قُلْت أَفَرَأَيْت لو كان يَعْزِلُ عَنْهُنَّ ثُمَّ طَلَّقَهُنَّ أَيَنْكِحُ في عِدَّتِهِنَّ قال لَا قُلْت له أَرَأَيْت لو كان قَوْلُك إنَّمَا حَرَّمْت عليه أَنْ يَنْكِحَ في عِدَّتِهِنَّ لِلْمَاءِ كما وَصَفْت أَتُبِيحُ له أَنْ يَنْكِحَ في عِدَّةِ من سَمَّيْت وفي عِدَّةِ الْمَرْأَةِ تَلِدُ فَيُطَلِّقُهَا سَاعَةً تَضَعُ قبل أَنْ يَمَسَّهَا وفي الْمَرْأَةِ يُطَلِّقُهَا حَائِضًا أَتُبِيحُ له أَنْ يَنْكِحَ بِمَا لَزِمَك في هذه الْمَوَاضِعِ وَقُلْت اعزل عَمَّنْ نَكَحْت وَلَا تُصِبْ مَاءَك حتى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ نِسَائِك اللَّاتِي طَلَّقْت قال أَفَأَقِفُهُ عن إصَابَةِ امْرَأَتِهِ فَقُلْت يَلْزَمُك ذلك في قَوْلِك قال وَمِنْ أَيْنَ يَلْزَمُنِي أَفَتَجِدُنِي أَقُولُ مثله قُلْت نعم أنت تَزْعُمُ أَنَّهُ لو نَكَحَ امْرَأَةً فَأَخْطَأَهَا إلَى غَيْرِهَا فَأَصَابَهَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَكَانَتْ امْرَأَةَ الْأَوَّلِ وَاعْتَزَلَهَا زَوْجُهَا حتى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وَتَزْعُمَ أَنَّ له أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْرِمَةَ وَالْحَائِضَ وَلَا يُصِيبُ وَاحِدَةً مِنْهُمَا وَتَقُولُ له أَنْ يَنْكِحَ الْحُبْلَى من زِنًا وَلَا يُصِيبُهَا فَقُلْت له وما الْمَاءُ من النِّكَاحِ أَرَأَيْت لو أَصَابَهُنَّ وَفِيهِنَّ مَاؤُهُ ثُمَّ أَرَادَ الْعَوْدَ لِإِصَابَتِهِنَّ أَمَا ذلك مِمَّا يَحِلُّ له قال بَلَى قُلْت كما يُبَاحُ له لو لم يُصِبْهُنَّ قبل ذلك قال نعم فَقُلْت فإذا طَلَّقَهُنَّ وَفِيهِنَّ مَاؤُهُ ثَلَاثًا أَيَكُونُ له أَنْ يُعِيدَ فِيهِنَّ مَاءً آخَرَ وَإِنَّمَا أَقَرَّ فِيهِنَّ مَاءَهُ قبل ذلك بِسَاعَةٍ قال لَا وقد انْتَقَلَ حُكْمُهُ قُلْت فَالْمَاءُ ها هنا وَغَيْرُ الْمَاءِ سَوَاءٌ فِيمَا يَحِلُّ له وَيَحْرُمُ عليه قال نعم قُلْت فَكَيْفَ لَا يَكُونُ هَكَذَا في مِثْلِ هذا الْمَعْنَى وَمَعَهُ كِتَابُ اللَّهِ عز وجل وَقُلْت أَرَأَيْت الْمَرْأَةَ إذَا أُصِيبَتْ لَيْلًا في شَهْرِ رَمَضَانَ ثُمَّ أَصْبَحَ الزَّوْجَانِ جُنُبَيْنِ أَيُفْسِدُ صَوْمَهُمَا أو صَوْمَ الْمَرْأَةِ كَيْنُونَةُ الْمَاءِ فيها قال لَا قُلْت له فَكَذَلِكَ لو أَصَابَهَا ثُمَّ أَحْرَمَا جُنُبَيْنِ وَفِيهَا الْمَاءُ ثُمَّ حَجَّ بها وَفِيهَا الْمَاءُ قال نعم قُلْت وَلَيْسَ له أَنْ يُصِيبَهَا نَهَارًا وَلَا مُحْرِمًا حين تَحَوَّلَتْ حَالُهُ وَلَا يَصْنَعُ الْمَاءَ في أَنْ يَحِلَّهَا له وَلَا يُفْسِدُ عليه حَجًّا وَلَا صَوْمًا إذَا كان مُبَاحًا ثُمَّ انْتَقَلَتْ حَالُهُمَا إلَى حَالَةٍ حَظَرَتْ إصَابَتَهَا فيه شيئا قال نعم فَقُلْت له فَالْمَاءُ كان فِيهِنَّ وَهُنَّ أَزْوَاجٌ يَحِلُّ ذلك فِيهِنَّ ثُمَّ طَلَّقَهُنَّ ثَلَاثًا فَانْتَقَلَ حُكْمُهُ وَحُكْمُهُنَّ إلَى أَنْ كان غير ذِي زَوْجَةٍ وَكُنَّ أَبْعَدَ الناس منه غير ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ وَلَا يَحْلُلْنَ له إلَّا بِانْقِضَاءِ عِدَّةٍ وَنِكَاحِ غَيْرِهِ وَطَلَاقِهِ أو مَوْتِهِ وَالْعِدَّةِ منه وَالنِّسَاءُ سِوَاهُنَّ يَحْلُلْنَ له من سَاعَتِهِ فَحَرَّمْت عليه أَبْعَدَ النِّسَاءِ من أَنْ تَكُونَ زَوْجًا له إلَّا بِمَا يَحِلُّ له وَزَعَمْت أَنَّ الرَّجُلَ يَعْتَدُّ وقد خَالَفْت اللَّهَ بين حُكْمِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فَجَعَلَ إلَيْهِ أَنْ يُطَلِّقَ وَأَنْ يُنْفِقَ وَزَعَمْت أَنْ ليس له ما جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ وَلَا عليه ما فَرَضَتْ السُّنَّةُ عليه من النَّفَقَةِ وَأَنَّ عليه كُلَّ ما جُعِلَ له وَعَلَيْهِ ثُمَّ جَعَلَ اللَّهُ عليها أَنْ تَعْتَدَّ فَأَدْخَلْته مَعَهَا فِيمَا جُعِلَ عليها دُونَهُ فَخَالَفْت أَيْضًا حُكْمَ اللَّهِ فَأَلْزَمْتهَا الرَّجُلَ وَإِنَّمَا جَعَلَهَا اللَّهُ على الْمَرْأَةِ فَكَانَتْ هِيَ الْمُعْتَدَّةُ وَالزَّوْجُ الْمُطَلِّقُ أو الْمَيِّتُ فَتَلْزَمُهَا الْعِدَّةُ بِقَوْلِهِ أو مَوْتِهِ ثُمَّ قُلْت في عِدَّتِهِ قَوْلًا مُتَنَاقِضًا قال وما قُلْت قُلْت إذَا جَعَلْت عليه الْعِدَّةَ كما جَعَلْتهَا عليها أَفَيُحِدُّ كما تُحِدُّ وَيَجْتَنِبُ من الطِّيبِ كما تَجْتَنِبُ من الصَّبْغِ وَالْحُلِيُّ مِثْلَهَا قال لَا قُلْت وَيَعْتَدُّ من وَفَاتِهَا كما تَعْتَدُّ من وَفَاتِهِ فَلَا يَنْكِحُ أُخْتَهَا وَلَا أَرْبَعًا سِوَاهَا حتى تَأْتِيَ عليه أَرْبَعَةُ أَشْهُرِ وَعَشْرُ قال لَا قُلْت وَلَهُ أَنْ يَنْكِحَ قبل دَفْنِهَا أُخْتَهَا إنْ شَاءَ وَأَرْبَعًا سِوَاهَا قال نعم قُلْت له هذا في قَوْلِك يَعْتَدُّ مَرَّةً وَيَسْقُطُ عنه في عِدَّتِهِ اجْتِنَابُ ما تَجْتَنِبُ الْمُعْتَدَّةُ وَلَا يَعْتَدُّ أُخْرَى أَفَيُقْبَلُ من أَحَدٍ من الناس مِثْلُ هذا الْقَوْلِ الْمُتَنَاقِضِ وما حُجَّتُك على جَاهِلٍ لو قال لَا تَعْتَدُّ من طَلَاقٍ وَلَكِنْ تَجْتَنِبُ الطِّيبَ وَتَعْتَدُّ من الْوَفَاةِ هل هو إلَّا أَنْ يَكُونَ عليه ما عليها من الْعِدَّةِ فَيَكُونَ مِثْلَهَا في كل حَالٍ أَمْ لَا يَكُونُ فَلَا يَعْتَدُّ بِحَالٍ
____________________

(5/147)


- * ما جاء في نِكَاحِ الْمَحْدُودَيْنِ - * قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أو مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إلَّا زَانٍ أو مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلك على الْمُؤْمِنِينَ } (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَرُوِيَ من وَجْهٍ آخَرَ غَيْرِ هذا عن عِكْرِمَةَ أَنَّهُ قال لَا يَزْنِي الزَّانِي إلَّا بِزَانِيَةٍ أو مُشْرِكَةٍ وَالزَّانِيَةُ لَا يَزْنِي بها إلَّا زَانٍ أو مُشْرِكٌ قال أبو عبد اللَّهِ يَذْهَبُ إلَى قَوْلِهِ يَنْكِحُ أَيْ يُصِيبُ فَلَوْ كان كما قال مُجَاهِدٌ نَزَلَتْ في بَغَايَا من بَغَايَا الْجَاهِلِيَّةِ فَحُرِّمْنَ على الناس إلَّا من كان منهم زَانِيًا أو مُشْرِكًا فَإِنْ كُنَّ على الشِّرْكِ فَهُنَّ مُحَرَّمَاتٌ على زُنَاةِ المسلمين ( ( ( المشركين ) ) ) وَغَيْرِ زُنَاتِهِمْ وَإِنْ كُنَّ أَسْلَمْنَ فَهُنَّ بِالْإِسْلَامِ مُحَرَّمَاتٌ على جَمِيعِ الْمُشْرِكِينَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لهم وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالِاخْتِلَافُ بين أَحَدٍ من أَهْلِ الْعِلْمِ في تَحْرِيمِ الْوَثَنِيَّاتِ عَفَائِفَ كُنَّ أو زَوَانِيَ على من آمَنَ زَانِيًا كان أو عَفِيفًا وَلَا في أَنَّ الْمُسْلِمَةَ الزَّانِيَةَ مُحَرَّمَةٌ على الْمُشْرِكِ بِكُلِّ حَالٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَيْسَ فِيمَا رُوِيَ عن عِكْرِمَةَ لَا يَزْنِي الزَّانِي إلَّا بِزَانِيَةٍ أو مُشْرِكَةٍ تَبْيِينُ شَيْءٍ إذَا زَنَى فَطَاوَعَتْهُ مُسْلِمًا كان أو مُشْرِكًا أو مُسْلِمَةً كانت أو مُشْرِكَةً فَهُمَا زَانِيَانِ وَالزِّنَا مُحَرَّمٌ على الْمُؤْمِنِينَ فَلَيْسَ في هذا أَمْرٌ يُخَالِفُ ما ذَهَبْنَا إلَيْهِ فَنَحْتَجُّ عليه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ قال هذا حَكَمَ بَيْنَهُمَا فَالْحُجَّةُ عليه بِمَا وَصَفْنَا من كِتَابِ اللَّهِ عز وجل الذي اجْتَمَعَ على ثُبُوتِ مَعْنَاهُ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ فَاجْتِمَاعُهُمْ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل { فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لهم وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } وَقَوْلُهُ عز وجل { وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حتى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ من مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حتى يُؤْمِنُوا } فَقَدْ قِيلَ إنَّ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ في مُشْرِكَاتِ أَهْلِ الْأَوْثَانِ وقد قِيلَ في الْمُشْرِكَاتِ عَامَّةً ثُمَّ رَخَّصَ مِنْهُنَّ في حَرَائِرِ أَهْلِ الْكِتَابِ ولم يَخْتَلِفْ الناس فِيمَا عَلِمْنَا في أَنَّ الزَّانِيَةَ الْمُسْلِمَةَ لَا تَحِلُّ لِمُشْرِكٍ وَثَنِيٍّ وَلَا كِتَابِيٍّ وَأَنَّ الْمُشْرِكَةَ الزَّانِيَةَ لَا تَحِلُّ لِمُسْلِمٍ زَانٍ وَلَا غَيْرِهِ فَإِجْمَاعُهُمْ على هذا الْمَعْنَى في كِتَابِ اللَّهِ حُجَّةٌ على من قال هو حُكْمٌ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ في قَوْلِهِ إنَّ الزَّانِيَةَ الْمُسْلِمَةَ يَنْكِحُهَا الزَّانِي أو الْمُشْرِكُ وقد اعْتَرَفَ مَاعِزٌ عِنْدَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( 1 ) وقد حَلَّفَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِكْرًا في الزنى فَجَلَدَهُ وَجَلَدَ امْرَأَةً فَلَا نَعْلَمُهُ قال لِلزَّوْجِ هل لَك زَوْجَةٌ فَتَحْرُمُ عَلَيْك إذَا زَنَيْت وَلَا يُزَوَّجْ هذا الزَّانِي وَلَا الزَّانِيَةُ إلَّا زَانِيَةً أو زَانِيًا بَلْ يُرْوَى عنه صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ رَجُلًا شَكَا من امْرَأَتِهِ فُجُورًا فقال طَلِّقْهَا فقال إنِّي أُحِبُّهَا فقال اسْتَمْتِعْ بها وقد رُوِيَ عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ قال لِرَجُلٍ أَرَادَ أَنْ يَنْكِحَ امْرَأَةً أَحْدَثَتْ وَتَذَكَّرَ حَدَثَهَا فقال عُمَرُ انْكِحْهَا نِكَاحَ الْعَفِيفَةِ الْمُسْلِمَةِ - * ما جاء فِيمَا يَحْرُمُ من نِكَاحِ الْقَرَابَةِ وَالرَّضَاعِ وَغَيْرِهِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ قال اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ إلَى
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ في هذه الْآيَةِ اخْتِلَافًا مُتَبَايِنًا وَاَلَّذِي يُشْبِهُهُ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ما قال بن الْمُسَيِّبِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قال هِيَ مَنْسُوخَةٌ نَسَخَتْهَا { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ من عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ } فَهِيَ من أَيَامَى الْمُسْلِمِينَ فَهَذَا كما قال بن الْمُسَيِّبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَعَلَيْهِ دَلَائِلُ من الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ عن عبد اللَّهِ بن أبي يَزِيدَ عن بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ قال في هذه الْآيَةِ إنَّهَا حَكَمٌ بَيْنَهُمَا
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن بن جُرَيْجٍ عن مُجَاهِدٍ أَنَّ هذه الْآيَةَ نَزَلَتْ في بَغَايَا من بَغَايَا الْجَاهِلِيَّةِ كانت على مَنَازِلِهِمْ رَايَاتٌ

(5/148)


قَوْلِهِ إلَّا ما قد سَلَفَ إنَّ اللَّهَ كان غَفُورًا رَحِيمًا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) إذَا حَرُمَ من الرَّضَاعِ ما حَرُمَ من الْوِلَادَةِ حَرُمَ لَبَنُ الْفَحْلِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) لو تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَمَاتَتْ أو طَلَّقَهَا ولم يَدْخُلْ بها فَلَا أَرَى له أَنْ يَنْكِحَ أُمَّهَا لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل قال { وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ } ولم يَشْتَرِطْ فِيهِنَّ كما شَرَطَ في الرَّبَائِبِ وهو قَوْلُ الْأَكْثَرِ مِمَّنْ لَقِيت من الْمُفْتِينَ وَكَذَلِكَ جَدَّاتُهَا وَإِنْ بَعُدْنَ لِأَنَّهُنَّ أُمَّهَاتُ امْرَأَتِهِ وإذا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ فلم يَدْخُلْ بها حتى مَاتَتْ أو طَلَّقَهَا فَأَبَانَهَا فَكُلُّ بِنْتٍ لها وَإِنْ سَفُلَتْ حَلَالٌ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَرَبَائِبُكُمْ اللَّاتِي في حُجُورِكُمْ من نِسَائِكُمْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لم تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } فَإِنْ دخل بِالْأُمِّ لم تَحِلَّ له الِابْنَةُ وَلَا وَلَدُهَا وَإِنْ تَسَفَّلَ كُلُّ من وَلَدَتْهُ قال اللَّهُ عز وجل { وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ من أَصْلَابِكُمْ } فَأَيُّ امْرَأَةٍ نَكَحَهَا رَجُلٌ دخل بها أو لم يَدْخُلْ بها لم يَكُنْ لِلْأَبِ أَنْ يَنْكِحَهَا أَبَدًا وَمِثْلُ الْأَبِ في ذلك آبَاؤُهُ كلهم من قِبَلِ أبيه وَأُمِّهِ فَكَذَلِكَ كُلُّ من نَكَحَ وَلَدُ وَلَدِهِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَإِنْ سَفَلُوا لِأَنَّهُمْ بَنُوهُ قال اللَّهُ عز وجل { وَلَا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آبَاؤُكُمْ من النِّسَاءِ } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَذَلِكَ امْرَأَةُ ابنة الذي أَرْضَعَ تَحْرُمُ هذه بِالْكِتَابِ وَهَذِهِ بِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال يَحْرُمُ من الرَّضَاعِ ما يَحْرُمُ من الْوِلَادَةِ وَلَيْسَ هو خِلَافًا لِلْكِتَابِ لِأَنَّهُ إذَا حَرَّمَ حَلَائِلَ الْأَبْنَاءِ من الْأَصْلَابِ فلم يَقُلْ غير أَبْنَائِهِمْ من أَصْلَابِهِمْ وَكَذَلِكَ الرَّضَاعُ في هذا الْمَوْضِعِ يَقُومُ مَقَامَ النَّسَبِ فَأَيُّ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا رَجُلٌ دخل بها أو لم يَدْخُلْ بها لم يَكُنْ لِوَلَدِهِ وَلَا لِوَلَدِ وَلَدِهِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَإِنْ سَفَلُوا أَنْ يَنْكِحَهَا أَبَدًا لِأَنَّهَا امْرَأَةُ أَبٍ لِأَنَّ الْأَجْدَادَ آبَاءٌ في الْحُكْمِ وفي أُمَّهَاتِ النِّسَاءِ لِأَنَّهُ لم يَسْتَثْنِ فِيهِمَا وَلَا في أُمَّهَاتِ النِّسَاءِ وَكَذَلِكَ أبو الْمُرْضَعِ له وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَالْأُمَّهَاتُ أُمُّ الرَّجُلِ وَأُمَّهَاتُهَا وَأُمَّهَاتُ آبَائِهِ وَإِنْ بعدن ( ( ( بعدت ) ) ) الْجَدَّاتُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُنَّ اسْمُ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتُ بَنَاتُ الرَّجُلِ لِصُلْبِهِ وَبَنَاتُ بَنِيهِ وَبَنَاتُهُ وَإِنْ سَفُلْنَ فَكُلُّهُنَّ يَلْزَمُهُنَّ اسْمُ الْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتُ من وَلَدَ أَبُوهُ لِصُلْبِهِ أو أُمُّهُ بِعَيْنِهَا وَعَمَّاتُهُ من وَلَدِ جَدِّهِ وَجَدَّتِهِ وَمَنْ فَوْقَهُمَا من أَجْدَادِهِ وَجَدَّاتِهِ وَخَالَاتُهُ من وَلَدَتْهُ جَدَّتُهُ أُمُّ أُمِّهِ وَمَنْ فَوْقَهَا من جَدَّاتِهِ من قِبَلِهَا وَبَنَاتُ الْأَخِ كُلٌّ من وَلَدِ الْأَخِ لِأَبِيهِ أو لِأُمِّهِ أو لَهُمَا وَمِنْ وَلَدِ وَلَدِهِ وأولاد ( ( ( وأولاده ) ) ) بَنِي أَخِيهِ وَإِنْ سَفُلُوا وَهَكَذَا بَنَاتُ الْأُخْتِ وَحَرَّمَ اللَّهُ الْأُمَّ وَالْأُخْتَ من الرَّضَاعَةِ فَتَحْرِيمُهُمَا يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا إذَا ذَكَرَ اللَّهُ تَحْرِيمَهُمَا ولم يذكر في الرَّضَاعِ تَحْرِيمَ غَيْرِهِمَا لِأَنَّ الرَّضَاعَةَ أَضْعَفُ سَبَبًا من النَّسَبِ فإذا كان النَّسَبُ الذي هو أَقْوَى سَبَبًا قد يَحْرُمُ بِهِ ذَوَاتُ نَسَبٍ ذُكِرْنَ وَيُحِلُّ ذَوَاتُ نَسَبِ غَيْرِهِنَّ إنْ سَكَتَ عَنْهُنَّ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ الرَّضَاعُ هَكَذَا وَلَا يَحْرُمُ بِهِ إلَّا الْأُمُّ وَالْأُخْتُ وقد تَحْرُمُ على الرَّجُلِ أُمُّ امْرَأَتِهِ وَإِنْ لم يَدْخُلْ بِامْرَأَتِهِ وَلَا تَحْرُمُ عليه ابْنَتُهَا إذَا لم يَدْخُلْ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَالْمَعْنَى الثَّانِي إذَا حَرَّمَ اللَّهُ الْأُمَّ وَالْأُخْتَ من الرَّضَاعَةِ كما حَرَّمَ اللَّهُ الْوَالِدَةَ وَالْأُخْتَ التي وَلَدُهَا أَحَدُ الْوَالِدَيْنِ أو هُمَا ولم يُحَرِّمْهُمَا بِقَرَابَةِ غَيْرِهِمَا وَلَا بِحُرْمَةِ غَيْرِهِمَا كما حَرَّمَ ابْنَةَ امْرَأَتِهِ بِحُرْمَةِ امْرَأَتِهِ وَامْرَأَةَ الإبن بِحُرْمَةِ الإبن وَامْرَأَةَ الْأَبِ بِحُرْمَةِ الْأَبِ فَاجْتَمَعَتْ الْأُمُّ من الرَّضَاعَةِ إذْ حُرِّمَتْ بِحُرْمَةِ نَفْسِهَا وَالْأُخْتُ من الرَّضَاعَةِ إذْ حُرِّمَتْ نَصًّا وَكَانَتْ ابْنَةَ الْأُمِّ أَنْ تَكُونَ من سِوَاهَا من قَرَابَتِهَا تَحْرُمُ كما تَحْرُمُ بِقَرَابَةِ الْأُمِّ الْوَالِدَةِ وَالْأُخْتِ لِلْأَبِ او الْأُمِّ أو لَهُمَا فلما احْتَمَلَتْ الْآيَةُ الْمَعْنَيَيْنِ كان عَلَيْنَا أَنْ نَطْلُبَ الدَّلَالَةَ على أَوْلَى الْمَعْنَيَيْنِ فَنَقُولَ بِهِ فَوَجَدْنَا الدَّلَالَةَ بِسُنَّةِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم على أَنَّ هذا الْمَعْنَى أَوْلَاهُمَا فَقُلْنَا يَحْرُمُ من الرَّضَاعَةِ ما يَحْرُمُ من النَّسَبِ
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن عبد اللَّهِ بن دِينَارٍ عن سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ عن عُرْوَةَ عن عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال يَحْرُمُ من الرَّضَاعَةِ ما يَحْرُمُ من الْوِلَادَةِ

(5/149)


- * ما يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ من النِّسَاءِ في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَأَنْ تَجْمَعُوا بين الْأُخْتَيْنِ } - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يُجْمَعُ بين أُخْتَيْنِ أَبَدًا بِنِكَاحٍ وَلَا وَطْءِ مِلْكٍ وَكُلُّ ما حَرُمَ من الْحَرَائِرِ بِالنَّسَبِ وَالرَّضَاعِ حَرُمَ من الْإِمَاءِ مِثْلُهُ إلَّا الْعَدَدَ وَالْعَدَدُ ليس من النَّسَبِ وَالرَّضَاعِ بِسَبِيلٍ فإذا نَكَحَ امْرَأَةً ثُمَّ نَكَحَ أُخْتَهَا فَنِكَاحُ الاخرة بَاطِلٌ وَنِكَاحُ الْأُولَى ثَابِتٌ وَسَوَاءٌ دخل بها أو لم يَدْخُلْ بها وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخِرَةِ وإذا كانت عِنْدَهُ أَمَةٌ يَطَؤُهَا لم يَكُنْ له وَطْءُ الْأُخْتِ إلَّا بِأَنْ يَحْرُمَ عليه فَرْجُ التي كان يَطَأُ بِأَنْ يَبِيعَهَا أو يُزَوِّجَهَا أو يُكَاتِبَهَا أو يُعْتِقَهَا
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن أبي الزِّنَادِ عن الْأَعْرَجِ عن أبي هُرَيْرَةَ رضي اللَّهُ عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا يَجْمَعُ الرَّجُلُ بين الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَلَا بين الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَيَّتُهُمَا نَكَحَ أَوَّلًا ثُمَّ نَكَحَ عليها أُخْرَى فَسَدَ نِكَاحُ الْآخِرَةِ وَلَوْ نَكَحَهُمَا في عُقْدَةٍ كانت الْعُقْدَةُ مَفْسُوخَةً وَيَنْكِحُ أَيَّتَهمَا شَاءَ بَعْدُ وَلَيْسَ في أَنْ لَا يَجْمَعَ بين الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا خِلَافُ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل لِأَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ من تَحْرُمُ بِكُلِّ حَالٍ من النِّسَاءِ وَمَنْ يَحْرُمُ بِكُلِّ حَالٍ إذَا فُعِلَ في غَيْرِهِ شَيْءٌ مِثْلُ الرَّبِيبَةِ إذَا دخل بِأُمِّهَا حُرِّمَتْ بِكُلِّ حَالٍ وَكَانُوا يَجْمَعُونَ بين الْأُخْتَيْنِ فَنُهُوا عن ذلك وَلَيْسَ في نَهْيِهِ عنه إبَاحَةُ ما سِوَى جَمْعًا بين غَيْرِ الْأُخْتَيْنِ لِأَنَّهُ قد يَذْكُرُ الشَّيْءَ في الْكِتَابِ فَيُحَرِّمُهُ وَيُحَرِّمُ على لِسَانِ نَبِيِّهِ غَيْرَهُ كما ذَكَرَ الْمَرْأَةَ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا فقال { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ له من بَعْدُ حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } فَبَيَّنَ على لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يُصِيبَهَا وَإِلَّا لم تَحِلَّ له مع كَثِيرٍ بَيَّنَهُ اللَّهُ على لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( قال ) وَكَذَلِكَ ليس في قَوْلِهِ { وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَرَاءَ ذَلِكُمْ } إبَاحَةَ غَيْرِهِ مِمَّا حَرَّمَ في غَيْرِ هذه الْآيَةِ على لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَلَا تَرَى أَنَّهُ يقول { فَانْكِحُوا ما طَابَ لَكُمْ من النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ } وقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِرَجُلٍ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ فَبَيَّنَتْ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ انْتِهَاءَ اللَّهِ إلَى أَرْبَعٍ حَظَرَ أَنْ يَجْمَعَ بين أَكْثَرَ مِنْهُنَّ فَلَوْ نَكَحَ رَجُلٌ خَامِسَةً على أَرْبَعٍ كان نِكَاحُهَا مَفْسُوخًا وَيَحْرُمُ من غَيْرِ جِهَةِ الْجَمْعِ كما حَرُمَ نِسَاءٌ مِنْهُنَّ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا وَمِنْهُنَّ الْمُلَاعَنَةُ وَيَحْرُمُ إصَابَةُ الْمَرْأَةِ بِالْحَيْضِ وَالْإِحْرَامِ فَكُلُّ هذا مُتَفَرِّقٌ في مَوَاضِعِهِ * وما حَرُمَ على الرَّجُلِ من أُمِّ امْرَأَتِهِ أو بِنْتِهَا أو امْرَأَةِ أبيه أو امْرَأَةِ ابْنِهِ بِالنِّكَاحِ فَأُصِيبَتْ من غَيْرِ ذلك بالزنى لم تَحْرُمْ لِأَنَّ حُكْمَ النِّكَاحِ مُخَالِفٌ حُكْمَ الزنى وقال اللَّهُ عز وجل { وَالْمُحْصَنَاتُ من النِّسَاءِ إلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } وَالْمُحْصَنَاتُ اسْمٌ جَامِعٌ فَجِمَاعُهُ أَنَّ الْإِحْصَانَ الْمَنْعُ وَالْمَنْعُ يَكُونُ بِأَسْبَابٍ مُخْتَلِفَةٍ منها الْمَنْعُ بِالْحَبْسِ وَالْمَنْعُ يَقَعُ على الْحَرَائِرِ بِالْحُرِّيَّةِ وَيَقَعُ على الْمُسْلِمَاتِ بِالْإِسْلَامِ وَيَقَعُ على الْعَفَائِفِ بِالْعَفَافِ وَيَقَعُ على ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ بِمَنْعِ الْأَزْوَاجِ فَاسْتَدْلَلْنَا بِأَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ لم يَخْتَلِفُوا فِيمَا عَلِمْت بِأَنَّ تَرْكَ تَحْصِينِ الْأَمَةِ وَالْحُرَّةِ بِالْحَبْسِ لَا يُحَرِّمُ إصَابَةَ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِنِكَاحٍ وَلَا مِلْكٍ وَلِأَنِّي لم أَعْلَمْهُمْ اخْتَلَفُوا في أَنَّ الْعَفَائِفَ وَغَيْرَ الْعَفَائِفِ فِيمَا يَحِلُّ مِنْهُنَّ بِالنِّكَاحِ وَالْوَطْءِ بِالْمِلْكِ سَوَاءٌ على أَنَّ هَاتَيْنِ لَيْسَتَا بِالْمَقْصُودِ قَصْدُهُمَا بِالْآيَةِ وَالْآيَةُ تَدُلُّ على أَنَّهُ لم يُرِدْ بِالْإِحْصَانِ ها هنا الْحَرَائِرَ فبين أَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ بِالْآيَةِ قَصَدَ ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ ثُمَّ دَلَّ الْكِتَابُ وَإِجْمَاعُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ من الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ مُحَرَّمَاتٌ على غَيْرِ أَزْوَاجِهِنَّ حتى يُفَارِقَهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ بِمَوْتٍ أو فُرْقَةِ طَلَاقٍ أو فَسْخِ نِكَاحٍ إلَّا السَّبَايَا فَإِنَّهُنَّ مُفَارِقَاتٌ لَهُنَّ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْمَمَالِيكَ غَيْرُ السَّبَايَا لِمَا وَصَفْنَا من هذا وَمِنْ أَنَّ السُّنَّةَ دَلَّتْ أَنَّ الْمَمْلُوكَةَ غير السَّبِيَّةِ إذَا بِيعَتْ أو أُعْتِقَتْ لم يكن بيعها طلاقا لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم خَيَّرَ بَرِيرَةَ حين أُعْتِقَتْ في الْمُقَامِ مع زَوْجِهَا أو فِرَاقِهِ وَلَوْ كان زَوَالُ الْمِلْكِ الذي فيه الْعُقْدَةِ يُزِيلُ عُقْدَةَ النِّكَاحِ كان الْمِلْكُ إذَا زَالَ بِعِتْقٍ أَوْلَى أَنْ يَزُولَ الْعَقْدُ منه إذَا زَالَ بِبَيْعٍ وَلَوْ زَالَ بِالْعِتْقِ لم يُخَيِّرْ بَرِيرَةَ وقد زَالَ مِلْكُ بَرِيرَةَ بِأَنْ بِيعَتْ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَأَنْ تَجْمَعُوا بين الْأُخْتَيْنِ }

(5/150)


فَأُعْتِقَتْ فَكَانَ زَوَالُهُ بِمَعْنَيَيْنِ ولم يَكُنْ ذلك فُرْقَةً لِأَنَّهَا لو كانت فُرْقَةً لم يَقُلْ لَك الْخِيَارُ فِيمَا لَا عَقْدَ له عَلَيْك أَنْ تُقِيمِي معه أو تُفَارِقِيهِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا مَالِكٌ عن رَبِيعَةَ بن أبي عبد الرحمن عن الْقَاسِمِ بن مُحَمَّدٍ عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها أَنَّ بَرِيرَةَ أُعْتِقَتْ فَخَيَّرَهَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( قال ) فإذا لم يَحِلَّ فَرْجُ ذَاتِ الزَّوْجِ بِزَوَالِ الْمِلْكِ في الْعِتْقِ وَالْبَيْعِ فَهِيَ إذَا لم تُبَعْ لم تَحِلَّ بِمِلْكِ يَمِينٍ حتى يُطَلِّقَهَا زَوْجُهَا وَتُخَالِفُ السَّبِيَّةُ في مَعْنًى آخَرَ وَذَلِكَ أنها إنْ بِيعَتْ أو وُهِبَتْ فلم يُغَيَّرْ حَالُهَا من الرِّقِّ وَإِنْ عَتَقَتْ تَغَيَّرَ بِأَحْسَنَ من حَالِهَا الْأَوَّلِ وَالسَّبِيَّةُ تَكُونُ حُرَّةَ الْأَصْلِ فإذا سُبِيَتْ سَقَطَتْ الْحُرِّيَّةُ وَاسْتُوْهِبَتْ فَوُطِئَتْ بِالْمِلْكِ فَلَيْسَ انْتِقَالُهَا من الْحُرِّيَّةِ بِسَبَائِهَا بِأَوْلَى من فَسْخِ نِكَاحِ زَوْجِهَا عنها وما صَارَتْ بِهِ في الرِّقِّ بُعْدٌ أَكْثَرُ من فُرْقَةِ زَوْجِهَا - * الْخِلَافُ في السَّبَايَا - * أخبرنا الرَّبِيعُ قال (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقُلْت له سَبَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نِسَاءَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَنِسَاءَ هَوَازِنَ بِحُنَيْنٍ وَأَوْطَاسَ وَغَيْرِهِ فَكَانَتْ سُنَّتُهُ فِيهِمْ أَنْ لَا تُوطَأَ حَامِلٌ حتى تَضَعَ وَلَا حَائِلٌ حتى تَحِيضَ وَأَمَرَ أَنْ يستبرءان ( ( ( يستبرئان ) ) ) بِحَيْضَةٍ حَيْضَةٍ وقد أَسَرَ رِجَالًا من بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهَوَازِنَ فما عَلِمْنَاهُ سَأَلَ عن ذَاتِ زَوْجٍ وَلَا غَيْرِهَا فَاسْتَدْلَلْنَا على أَنَّ السَّبَاءَ قَطْعٌ لِلْعِصْمَةِ وَالْمَسْبِيَّةُ إنْ لم يَكُنْ السِّبَاءُ يَقْطَعُ عِصْمَتَهَا من زَوْجِهَا إذَا سُبِيَ مَعَهَا لم يَقْطَعْ عِصْمَتَهَا لو لم يُسْبَ مَعَهَا وَلَا يَجُوزُ لِعَالِمٍ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَشْكُلَ عليه بِدَلَالَةِ السُّنَّةِ إذْ لم يَسْأَلْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن ذَاتِ زَوْجٍ وَلَا غَيْرِهَا وقد عَلِمَ أَنَّ فِيهِنَّ ذَوَاتَ أَزْوَاجٍ بِالْحَمْلِ وَأَذِنَ بِوَطْئِهِنَّ بَعْدَ وَضْعِ الْحَمْلِ وقد أَسَرَ من أَزْوَاجِهِنَّ مَعَهُنَّ أَنَّ السِّبَاءَ قَطْعٌ لِلْعِصْمَةِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فقال إنِّي لم أَقُلْ هذا بِخَبَرٍ وَلَكِنِّي قُلْته قِيَاسًا فَقُلْت فَعَلَى مَاذَا قِسْته قال قِسْته على الْمَرْأَةِ تَأْتِي مُسْلِمَةً مع زَوْجِهَا فَيَكُونَانِ على النِّكَاحِ وَلَوْ أَسْلَمَتْ قَبْلَهُ وَخَرَجَتْ من دَارِ الْحَرْبِ انْفَسَخَ النِّكَاحُ فَقُلْت له وَاَلَّذِي قِسْت عليه أَيْضًا خِلَافُ السُّنَّةِ فَتُخْطِئُ خِلَافَهَا وَتُخْطِئُ الْقِيَاسَ قال وَأَيْنَ أَخْطَأْت الْقِيَاسَ قُلْت أَجَعَلْت إسْلَامَ الْمَرْأَةِ مِثْلَ سَبْيِهَا قال نعم قُلْت أَفَتَجِدُهَا إذَا أَسْلَمَتْ ثَبَتَتْ على الْحُرِّيَّةِ فَازْدَادَتْ خَيْرًا بِالْإِسْلَامِ قال نعم قُلْت أَفَتَجِدُهَا إذَا سُبِيَتْ رَقَّتْ وقد كانت حُرَّةً قال نعم قُلْت أَفَتَجِدُ حَالَهَا وَاحِدَةً قال أَمَّا في الرِّقِّ فَلَا وَلَكِنْ في الْفَرْجِ فَقُلْت له فَلَا يَسْتَوِيَانِ في قَوْلِك في الْفَرْجِ قال وَأَيْنَ يَخْتَلِفَانِ قُلْت أَرَأَيْت إذَا سُبِيَتْ الْحُرَّةُ في دَارِ الْحَرْبِ فَاسْتُؤْمِنَتْ وَهَرَبَ زَوْجُهَا وَحَاضَتْ حَيْضَةً وَاحِدَةً أَتُوطَأُ قال أَكْرَهُ ذلك فَإِنْ فَعَلَ فَلَا بَأْسَ قُلْت وَهِيَ لَا تُوطَأُ إلَّا وَالْعِصْمَةُ مُنْقَطِعَةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا قال نعم قُلْت وَحَيْضَةُ اسْتِبْرَاءٍ كما لو لم يَكُنْ لها زَوْجٌ قال وَتُرِيدُ مَاذَا قُلْت أُرِيدُ إنْ قُلْت تَعْتَدُّ من زَوْجٍ اعْتَدَّتْ عِنْدَك حَيْضَتَيْنِ إنْ أَلْزَمْتهَا الْعِدَّةَ بِأَنَّهَا أَمَةٌ وَإِنْ أَلْزَمْتهَا بِالْحُرِّيَّةِ فَحَيْضٌ قال لَيْسَتْ بِعِدَّةٍ قُلْت أَفَتَبَيَّنَ لَك أَنَّ حَالَهَا في النِّسَاءِ إذَا صَارَتْ سَبْيًا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ فِيمَا يَحِلُّ بِهِ من فَرْجِهَا سَوَاءٌ كانت ذَاتَ زَوْجٍ أو غير ذَاتِ زَوْجٍ قال إنَّهَا الْآنَ تُشْبِهُ ما قُلْت قُلْت له فَالْحُرَّةُ تُسْلِمُ قبل زَوْجِهَا بِدَارِ الْحَرْبِ قال فَهُمَا على النِّكَاحِ الْأَوَّلِ حتى تَحِيضَ ثَلَاثَ حِيَضٍ فَإِنْ أَسْلَمَ قبل أَنْ تَحِيضَ ثَلَاثَ حِيَضٍ كَانَا على النِّكَاحِ الْأَوَّلِ قُلْت فَلِمَ خَالَفْت بَيْنَهُمَا في الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ قال
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) ذَكَرْت لِبَعْضِ الناس ما ذَهَبْت إلَيْهِ في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { إلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } فقال هذا كما قُلْت ولم يَزَلْ يقول بِهِ وَلَا يُفَسِّرُهُ هذا التَّفْسِيرَ الْوَاضِحَ غير أَنَّا نُخَالِفُك منه في شَيْءٍ قُلْت وما هو قال نَقُولُ في الْمَرْأَةِ يَسْبِيهَا الْمُسْلِمُونَ قبل زَوْجِهَا تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةٍ وَتُصَابُ ذَاتُ زَوْجٍ كانت أو غير ذَاتِ زَوْجٍ قال وَلَكِنْ إنْ سُبِيَتْ وَزَوْجُهَا مَعَهَا فَهُمَا على النِّكَاحِ

(5/151)


ما وَجَدْت من ذلك بُدًّا قُلْت له فَلِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم سُنَّةٌ في الْحَرَائِرِ يُسْلِمْنَ وَأُخْرَى في الْحَرَائِرِ يُسْبَيْنَ فَيَسْتَرْقِين وَالْأُخْرَى في الْإِمَاءِ لَا يَسْبِينِ فَكَيْفَ جَازَ أَنْ تَصْرِفَ سُنَّةً إلَى سُنَّةٍ وَهُمَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ سُنَّتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ بِاخْتِلَافِ حَالَاتِ النِّسَاءِ فِيهِمَا وَقُلْت له فَالْحُرَّةُ تُسْلِمُ قبل زَوْجِهَا أو زَوْجُهَا قَبْلَهَا أَيُّهُمَا أَسْلَمَ قبل الْآخَرِ ثُمَّ أَسْلَمَ الْآخَرُ قبل انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْمَرْأَةِ فَالنِّكَاحُ الْأَوَّلُ ثَابِتٌ فَإِنْ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ قبل إسْلَامِ الْآخَرِ مِنْهُمَا فَقَدْ انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا وَسَوَاءٌ في ذلك كان إسْلَامُ الْمَرْأَةِ قبل الرَّجُلِ أو الرَّجُلِ قبل الْمَرْأَةِ إذَا افْتَرَقَتْ دَارُهُمَا أو لم تَفْتَرِقْ وَلَا تَصْنَعُ الدَّارُ فِيمَا يَحْرُمُ من الزَّوْجَيْنِ بِالْإِسْلَامِ شيئا سَوَاءٌ خَرَجَ الْمُسْلِمُ مِنْهُمَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أو صَارَتْ دَارُهُ دَارَ الْإِسْلَامِ أو كان مُقِيمًا بِدَارِ الْكُفْرِ لَا تُغَيِّرُ الدَّارُ من الْحُكْمِ بَيْنَهُمَا شيئا (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على ذلك قِيلَ له أَسْلَمَ أبو سُفْيَانَ بن حَرْبٍ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ وَهِيَ دَارُ خُزَاعَةُ وَخُزَاعَةُ مُسْلِمُونَ قبل الْفَتْحِ في دَارِ الْإِسْلَامِ فَرَجَعَ إلَى مَكَّةَ وَهِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ مُقِيمَةٌ على غَيْرِ الْإِسْلَامِ فَأَخَذَتْ بِلِحْيَتِهِ وَقَالَتْ اُقْتُلُوا الشَّيْخَ الضَّالَّ ثُمَّ أَسْلَمَتْ هِنْدُ بَعْدَ إسْلَامِ أبي سُفْيَانَ بِأَيَّامٍ كَثِيرَةٍ وقد كانت كَافِرَةً مُقِيمَةً بِدَارٍ لَيْسَتْ بِدَارِ الْإِسْلَامِ يَوْمئِذٍ وَزَوْجُهَا مُسْلِمٌ في دَارِ الْإِسْلَامِ وَهِيَ في دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ صَارَتْ مَكَّةُ دَارَ الْإِسْلَامِ وأبو سُفْيَانَ بها مُسْلِمٌ وَهِنْدٌ كَافِرَةٌ ثُمَّ أَسْلَمَتْ قبل انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَاسْتَقَرَّا على النِّكَاحِ لِأَنَّ عِدَّتَهَا لم تَنْقَضِ حتى أَسْلَمَتْ وكان كَذَلِكَ حَكِيمُ بن حِزَامٍ وَإِسْلَامُهُ وَأَسْلَمَتْ امْرَأَةُ صَفْوَانَ بن أُمَيَّةَ وَامْرَأَةُ عِكْرِمَةَ بن أبي جَهْلٍ بِمَكَّةَ فَصَارَتْ دَارُهُمَا دَارَ الْإِسْلَامِ وَظَهَرَ حُكْمُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِمَكَّةَ وَهَرَبَ عِكْرِمَةُ إلَى الْيَمَنِ وَهِيَ دَارُ حَرْبٍ وَصَفْوَانُ يُرِيدُ الْيَمَنَ وَهِيَ دَارُ حَرْبٍ ثُمَّ رَجَعَ صَفْوَانُ إلَى مَكَّةَ وَهِيَ دَارُ إسْلَامِ وَشَهِدَ حُنَيْنًا وهو كَافِرٌ ثُمَّ أَسْلَمَ فَاسْتَقَرَّتْ عِنْدَهُ امْرَأَتُهُ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَرَجَعَ عِكْرِمَةُ وَأَسْلَمَ فَاسْتَقَرَّتْ عِنْدَهُ امْرَأَتُهُ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَذَلِكَ أَنَّ عِدَّتَهُمَا لم تَنْقَضِ فَقُلْت له ما وَصَفْت لَك من أَمْرِ أبي سُفْيَانَ وَحَكِيمِ بن حِزَامٍ وَأَزْوَاجِهِمَا وَأَمْرُ صَفْوَانَ وَعِكْرِمَةَ وَأَزْوَاجِهِمَا أَمْرٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي فَهَلْ تَرَى ما احْتَجَجْت بِهِ من أَنَّ الدَّارَ لَا تُغَيِّرُ من الْحُكْمِ شيئا إذَا دَلَّتْ السُّنَّةُ على خِلَافِ ما قُلْت وقد حَفِظَ أَهْلُ الْمَغَازِي أَنَّ امْرَأَةً من الْأَنْصَارِ كانت عِنْدَ رَجُلٍ بِمَكَّةَ فَأَسْلَمَتْ وَهَاجَرَتْ إلَى الْمَدِينَةِ فَقَدِمَ زَوْجُهَا وَهِيَ في الْعِدَّةِ فَأَسْلَمَ فَاسْتَقَرَّا على النِّكَاحِ وَنَحْنُ وَأَنْتَ نَقُولُ إذَا كَانَا في دَارِ حَرْبٍ فَأَيُّهُمَا أَسْلَمَ قبل الْآخَرِ لم يَحِلَّ الْجِمَاعُ وَكَذَلِكَ لو كَانَا في دَارِ الْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا يُمْنَعُ أَحَدُهُمَا من الْآخَرِ في الْوَطْءِ بِالدِّينِ لِأَنَّهُمَا لو كَانَا مُسْلِمَيْنِ في دَارِ حَرْبٍ حَلَّ الْوَطْءُ فقال إنَّ من أَصْحَابِك من يُفَرِّقُ بين الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ وأنا أَقُومُ بِحُجَّتِهِ فَقُلْت له الْقِيَامُ بِقَوْلٍ تَدِينُ بِهِ أَلْزَمُ لَك فَإِنْ كُنْت عَجَزْت عنه فَلَعَلَّك لَا تَقْوَى على غَيْرِهِ قال فَأَنَا أَقُومُ بِهِ فَأَحْتَجُّ بِأَنَّ اللَّهَ عز وجل قال { وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } فَقُلْت له أَيَعْدُو قَوْلُ اللَّهِ عز وجل { وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } أَنْ يَكُونَ إذَا أَسْلَمَ وَزَوْجَتُهُ كَافِرَةٌ كان الْإِسْلَامُ قَطْعًا لِلْعِصْمَةِ بَيْنَهُمَا حين يُسْلِمُ لِأَنَّ الناس لَا يَخْتَلِفُونَ في أَنَّهُ ليس له أَنْ يَطَأَهَا في تِلْكَ الْحَالِ إذَا كانت وَثَنِيَّةً أو يَكُونُ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل { وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } إذَا جَاءَتْ عَلَيْهِنَّ مُدَّةٌ لم يُسْلِمْنَ فيها أو قَبْلَهَا قال ما يَعْدُو هذا قُلْت فَالْمُدَّةُ هل يَجُوزُ بِأَنْ تَكُونَ هَكَذَا أَبَدًا إلَّا بِخَبَرٍ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل أو سُنَّةٍ أو إجْمَاعٍ قال لَا قُلْت وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا لو قال مُدَّتُهَا سَاعَةٌ وقال الْآخَرُ يوما ( ( ( يوم ) ) ) وقال آخَرُ سَنَةٌ وقال آخَرُ مِائَةُ سَنَةٍ لم يَكُنْ ها هنا دَلَالَةٌ على الْحَقِّ من ذلك إلَّا بِخَبَرٍ قال نعم قُلْت وَالرَّجُلُ يُسْلِمُ قبل امْرَأَتِهِ ( 1 ) فَقُلْت بِأَيِّهِمَا شِئْت وَلَيْسَ قَوْلُك من حَكَيْت قَوْلَهُ دَاخِلًا في وَاحِدٍ من هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ قال فَهُمْ يَقُولُونَ إذَا أَسْلَمَ قَبْلَهَا وَتَقَارَبَ ما بين إسْلَامِهِمَا قُلْت أَلَيْسَ قد أَسْلَمَ وَصَارَ من سَاعَتِهِ لَا يَحِلُّ له إصَابَتُهَا ثُمَّ أَسْلَمَتْ فَقَرَّتْ معه على النِّكَاح

(5/152)


الْأَوَّلِ في قَوْلِهِمْ قال بَلَى قُلْت فَلِمَ تَقْطَعُ بِالْإِسْلَامِ بَيْنَهُمَا وَقَطَعْتَهَا بِمُدَّةٍ بَعْدَ الْإِسْلَامِ قال نعم وَلَكِنَّهُ يقول كان بين إسْلَامِ أبي سُفْيَانَ وَهِنْدَ شَيْءٌ يَسِيرٌ قُلْت أَفَتَحُدُّهُ قال لَا وَلَكِنَّهُ شَيْءٌ يَسِيرٌ قُلْت لو كان أَكْثَرَ منه انْقَطَعَتْ عِصْمَتُهَا منه قال وما عَلِمْته يَذْكُرُ ذلك قُلْت فَإِسْلَامُ صَفْوَانَ بَعْدَ إسْلَامِ امْرَأَتِهِ بِشَهْرٍ أو أَقَلَّ منه وَإِسْلَامُ عِكْرِمَةَ بَعْدَ إسْلَامِ امْرَأَتِهِ بِأَيَّامٍ فَإِنْ قُلْنَا إذَا مَضَى الْأَكْثَرُ وهو نَحْوٌ من شَهْرٍ انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ بين الزَّوْجَيْنِ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ أَحَدًا تَرَكَ أَكْثَرَ مِمَّا تَرَكَ صَفْوَانُ أَيَجُوزُ ذلك قال لَا قُلْت هُمْ يَقُولُونَ إنَّ الزُّهْرِيَّ حَمَلَ حَدِيثَ صَفْوَانَ وَعِكْرِمَةَ وقال في الحديث غير هذا قُلْت فقال الزُّهْرِيُّ إلَّا أَنْ يَقْدَمَ زَوْجُهَا وَهِيَ في الْعِدَّةِ فَجَعَلَ الْعِدَّةَ غَايَةَ انْقِطَاعِ ما بين الزَّوْجَيْنِ إذَا أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ فَلِمَ لَا يَكُونُ هَكَذَا إذَا أَسْلَمَ الزَّوْجُ وَالزُّهْرِيُّ لم يَرْوِ في حديث مَالِكٍ أَمْرَ أبي سُفْيَانَ وهو أَشْهَرُ من أَمْرِ صَفْوَانَ وَعِكْرِمَةَ وَالْخَبَرُ فِيهِمَا وَاحِدٌ وَالْقُرْآنُ فِيهِمْ وَالْإِجْمَاعُ وَاحِدٌ قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لهم وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } فلم يُفَرِّقْ بين الْمَرْأَةِ تُسْلِمُ قبل زَوْجِهَا وَلَا الرَّجُلِ يُسْلِمُ قبل امْرَأَتِهِ قُلْت فَحَرَّمَ اللَّهُ عز وجل على الْكُفَّارِ نِسَاءَ الْمُؤْمِنِينَ لم يُبِحْ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ بِحَالٍ ولم يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْعِلْمِ في ذلك وَحَرَّمَ على رِجَالِ الْمُؤْمِنِينَ نِكَاحَ الْكَوَافِرِ إلَّا حَرَائِرَ الْكِتَابِيِّينَ منهم فَزَعَمَ أَنَّ إحْلَالَ الْكَوَافِرِ اللَّاتِي رَخَّصَ في بَعْضِهِنَّ لِلْمُسْلِمِينَ أَشَدُّ من إحْلَالِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ لم يُرَخِّصْ لهم في مُسْلِمَةٍ بِمَا وَصَفْنَا من قَوْلِهِمْ إذَا أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ لم يَنْفَسِخْ النِّكَاحُ إلَّا لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ وإذا أَسْلَمَ الزَّوْجُ انْفَسَخَ نِكَاحُ الْمَرْأَةِ قبل الْعِدَّةِ وَلَوْ كان يَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ خَبَرٍ كان الذي شَدَّدُوا فيه أَوْلَى أَنْ يُرَخِّصُوا فيه وَاَلَّذِي رَخَّصُوا فيه أَوْلَى أَنْ يُشَدِّدُوا فيه وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ - * الْخِلَافُ فِيمَا يُؤْتَى بالزنى - * أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال وَقُلْنَا إذَا نَكَحَ رَجُلٌ امْرَأَةً حُرِّمَتْ على ابْنِهِ وَأَبِيهِ وَحُرِّمَتْ عليه أُمُّهَا بِمَا حَكَيْت من قَوْلِ اللَّهِ عز وجل ( قال ) فَإِنْ زَنَى بِامْرَأَةِ أبيه أو ابْنِهِ أو أُمِّ امْرَأَتِهِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى وَلَا تَحْرُمُ عليه امْرَأَتُهُ وَلَا على أبيه وَلَا على ابْنِهِ امْرَأَتُهُ لو زَنَى بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل إنَّمَا حَرَّمَ بِحُرْمَةِ الْحَلَالِ تعزيزا ( ( ( تعزيرا ) ) ) لِحَلَالِهِ وَزِيَادَةً في نِعْمَتِهِ بِمَا أَبَاحَ منه بِأَنْ أَثْبَت بِهِ الْحُرُمَ التي لم تَكُنْ قَبْلَهُ وَأَوْجَبَ بها الْحُقُوقَ وَالْحَرَامُ خِلَافُ الْحَلَالِ وقال بَعْضُ الناس إذَا زَنَى الرَّجُلُ بِامْرَأَةٍ حُرِّمَتْ عليه أُمُّهَا وَابْنَتُهَا وَإِنْ زَنَى بِامْرَأَةِ أبيه أو ابْنِهِ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمَا امْرَأَتَاهُمَا وَكَذَلِكَ إنْ قَبَّلَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا أو لَمَسَهَا بِشَهْوَةٍ فَهُوَ مِثْلُ الزنى وَالزِّنَا يُحَرِّمُ ما يُحَرِّمُ الْحَلَالَ فقال لي لِمَ قُلْت إنَّ الْحَرَامَ لَا يُحَرِّمُ ما يُحَرِّمُ الْحَلَالَ فَقُلْت له اسْتِدْلَالًا بِكِتَابِ اللَّهِ عز وجل وَالْقِيَاسُ على ما أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عليه بِمَا هو في مَعْنَاهُ وَالْمَعْقُولُ وَالْأَكْثَرُ من قَوْلِ أَهْلِ دَارِ السُّنَّةِ وَالْهِجْرَةِ وَحَرَّمَ اللَّهُ قال فَأَوْجَدَنِي ما وَصَفْت قُلْت قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَلَا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آبَاؤُكُمْ من النِّسَاءِ } وقال تَعَالَى { وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمْ } وقال { وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمْ اللَّاتِي في حُجُورِكُمْ من نِسَائِكُمْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ } أَفَلَسْت تَجِدُ التَّنْزِيلَ إنَّمَا حَرَّمَ من سَمَّى بِالنِّكَاحِ أو النِّكَاحِ وَالدُّخُولِ قال بَلَى قُلْت أَفَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى اسمه ( ( ( باسمه ) ) ) حَرَّمَ بِالْحَلَالِ شيئا فَأُحَرِّمُهُ بِالْحَرَامِ وَالْحَرَامُ ضِدُّ الْحَلَالِ فقال لي فما فَرَّقَ بَيْنَهُمَا قُلْت فَقَدْ فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُمَا قال فَأَيْنَ قُلْت وَجَدْت اللَّهَ عز وجل نَدَبَ إلَى النِّكَاحِ وَأَمَرَ بِهِ وَجَعَلَهُ سَبَبَ النَّسَبِ وَالصِّهْرِ وَالْأُلْفَةِ وَالسَّكَنِ وَأَثْبَتَ بِهِ الْحُرُمَ وَالْحَقَّ لِبَعْضٍ على بَعْضٍ بِالْمَوَارِيثِ وَالنَّفَقَةِ وَالْمَهْرِ وَحَقِّ الزَّوْجِ بِالطَّاعَةِ وَإِبَاحَةِ ما كان مُحَرَّمًا قبل النِّكَاحِ قال نعم قُلْت وَوَجَدْت اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الزنى فقال { وَلَا تَقْرَبُوا الزنى إنَّهُ كان فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا }
____________________

(5/153)


فقال أَجِدُ جِمَاعًا وَجِمَاعًا فَأَقِيسُ أَحَدَ الْجِمَاعَيْنِ بِالْآخَرِ قُلْت فَقَدْ وَجَدْت جِمَاعًا حَلَالًا حَمِدْت بِهِ وَوَجَدْت جِمَاعًا حَرَامًا رَجَمْت بِهِ صَاحِبَهُ أَفَرَأَيْتُك قِسْته بِهِ فقال وما يُشْبِهُهُ فَهَلْ تُوَضِّحُهُ بِأَكْثَرَ من هذا قُلْت في أَقَلَّ من هذا كِفَايَةٌ وَسَأَذْكُرُ لَك بَعْضَ ما يَحْضُرُنِي منه قال ما ذَاكَ قُلْت جَعَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى اسْمَهُ الصِّهْرَ نِعْمَةً فقال { فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا } قال نعم قُلْت وَجَعَلَك مُحَرَّمًا لِأُمِّ امْرَأَتِك وَابْنَتِهَا وَابْنَتُهَا تُسَافِرُ بها قال نعم قُلْت وَجَعَلَ الزنى نِقْمَةً في الدُّنْيَا بِالْحَدِّ وفي الْآخِرَةِ بِالنَّارِ إنْ لم يَعْفُ قال نعم قُلْت أَفَتَجْعَلُ الْحَلَالَ الذي هو نِعْمَةٌ قِيَاسًا على الْحَرَامِ الذي هو نِقْمَةٌ أو الْحَرَامَ قِيَاسًا عليه ثُمَّ تُخْطِئُ الْقِيَاسَ وَتَجْعَلُ الزنى لو زَنَى بِامْرَأَةٍ مُحَرِّمًا لِأُمِّهَا وَابْنَتِهَا قال هذا أَبْيَنُ ما احْتَجَجْت بِهِ منه قُلْت فإن اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قال في الْمُطَلَّقَةِ الثَّالِثَةِ { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ له من بَعْدُ حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } وَجَاءَتْ السُّنَّةُ بِأَنْ يُصِيبَهَا الزَّوْجُ الذي نَكَحَ فَكَانَتْ حلالا ( ( ( حلاله ) ) ) له قبل الثَّلَاثِ وَمُحَرَّمَةً عليه بَعْدَ الثَّلَاثِ حتى تَنْكِحَ ثُمَّ وَجَدْنَاهَا تَنْكِحُ زَوْجًا وَلَا تَحِلُّ له حتى يُصِيبَهَا الزَّوْجُ وَوَجَدْنَا الْمَعْنَى الذي يُحِلُّهَا الْإِصَابَةَ أَفَرَأَيْت إنْ احْتَجَّ بهذا عَلَيْك رَجُلٌ يَغْبَى غَبَاءَك عن مَعْنَى الْكِتَابِ فقال الذي يُحِلُّهَا لِلزَّوْجِ بَعْدَ التَّحْرِيمِ هو الْجِمَاعُ لِأَنِّي قد وَجَدْتهَا مُزَوَّجَةً فَيُطَلِّقُهَا الزَّوْجُ أو يَمُوتُ عنها فَلَا تَحِلُّ لِمَنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا إذَا لم يُصِبْهَا الزَّوْجُ الْآخَرُ وَتَحِلُّ إنْ جَامَعَهَا فَإِنَّمَا مَعْنَى الزَّوْجِ في هذا الْجِمَاعُ وَجِمَاعٌ بِجِمَاعٍ وَأَنْتَ تَقُولُ جِمَاعُ الزنى يُحَرِّمُ ما يُحَرِّمُ جِمَاعَ الْحَلَالِ فَإِنْ جامعها ( ( ( جاء ) ) ) رَجُلٌ بِزِنًا حَلَّتْ له قال إذًا يُخْطِئُ قُلْت وَلِمَ أَلَيْسَ لِأَنَّ اللَّهَ أَحَلَّهَا بِزَوْجٍ وَالسُّنَّةُ دَلَّتْ على إصَابَةِ الزَّوْجِ فَلَا تَحِلُّ حتى يَجْتَمِعَ الْأَمْرَانِ فَتَكُونُ الْإِصَابَةُ من زَوْجٍ قال نعم قُلْت فَإِنْ كان اللَّهُ إنَّمَا حَرَّمَ بِنْتَ الْمَرْأَةِ وَأُمَّهَا وَامْرَأَةَ الْأَبِ بِالنِّكَاحِ فَكَيْفَ جَازَ أَنْ تُحَرِّمَهَا بالزنى وَقُلْت له قال اللَّهُ تَعَالَى { إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ } وقال { فَإِنْ طَلَّقَهَا } فَمَلَكَ الرِّجَالُ الطَّلَاقَ وَجَعَلَ على النِّسَاءِ الْعَدَدَ قال نعم قُلْت أَفَرَأَيْت الْمَرْأَةَ إذَا أَرَادَتْ تُطَلِّقَ زَوْجَهَا أَلَهَا ذلك قال لَا قُلْت فَقَدْ جَعَلْت لها ذلك قال وَأَيْنَ قُلْت زَعَمْت أنها إذَا كَرِهَتْ زَوْجَهَا قَبَّلَتْ ابْنَهُ بِشَهْوَةٍ فَحُرِّمَتْ على زَوْجِهَا بِتَقْبِيلِهَا ابْنَهُ فَجَعَلْت إلَيْهَا ما لم يَجْعَلْ اللَّهُ إلَيْهَا فَخَالَفْت حُكْمَ اللَّهِ ها هنا وفي الْآيِ قَبْلَهُ فقال قد تَزْعُمُ أنت أنها إنْ ارْتَدَّتْ عن الْإِسْلَامِ حُرِّمَتْ على زَوْجِهَا قُلْت وَإِنْ رَجَعَتْ وَهِيَ في الْعِدَّةِ فَهُمَا على النِّكَاحِ أَفَتَزْعُمُ أنت هذا في التي تُقَبِّلُ بن زَوْجِهَا قال لَا قُلْت فَإِنْ مَضَتْ الْعِدَّةُ ثُمَّ رَجَعَتْ إلَى الْإِسْلَامِ كان لِزَوْجِهَا أَنْ يَنْكِحَهَا بَعْدُ أَفَتَزْعُمُ في التي تُقَبِّلُ بن زَوْجِهَا أَنَّ لِزَوْجِهَا أَنْ يَنْكِحَهَا بَعْدُ بِحَالٍ قال لَا قُلْت فَأَنَا أَقُولُ إذَا ثَبَتَتْ على الرِّدَّةِ حَرَّمْتهَا على الْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ لِأَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مِثْلَهَا عليهم أَفَتُحَرِّمُ التي تُقَبِّلُ بن زَوْجِهَا على الْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ قال لَا قُلْت وأنا أَقْتُلُ الْمُرْتَدَّةَ وَأَجْعَلُ مَالَهَا فَيْئًا أَفَتَقْتُل أنت التي تُقَبِّلُ بن زَوْجِهَا وَتَجْعَلُ مَالَهَا فَيْئًا قال لَا قُلْت فَبِأَيِّ شَيْءٍ شَبَّهْتهَا بها قال إنَّهَا لَمُفَارِقَةٌ لها قُلْت نعم في كل أَمْرِهَا وَقُلْت له أَرَأَيْت لو طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا أَتَحْرُمُ عليه حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ قال نعم قُلْت فَإِنْ زَنَى بها ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَتَحْرُمُ عليه حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ قال لَا قُلْت فَأَسْمَعُك قد حَرَّمْت بِالطَّلَاقِ إذَا طَلُقَتْ زَوْجَةُ حَلَالٍ ما لم تُحَرِّمْ بالزنى لو طَلَّقَ مع الزنى قال لَا يَشْتَبِهَانِ قُلْت أَجَلْ وَتَشْبِيهُك إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى الذي أَنْكَرْنَا عَلَيْك قال أَفَيَكُونُ شَيْءٌ يُحَرِّمُهُ الْحَلَالُ لَا يُحَرِّمُهُ الْحَرَامُ قُلْت نعم قال وما هو قُلْت ما وَصَفْنَاهُ وَغَيْرُهُ أَرَأَيْت الرَّجُلَ إذَا نَكَحَ امْرَأَةً أَيَحِلُّ له أَنْ يَنْكِحَ أُخْتَهَا أو عَمَّتَهَا عليها قال لَا قُلْت فإذا نَكَحَ أَرْبَعًا أَيَحِلُّ له أَنْ يَنْكِحَ عَلَيْهِنَّ خَامِسَةً قال لَا قُلْت أَفَرَأَيْت لو زَنَى بِامْرَأَةٍ له أَنْ يَنْكِحَ أُخْتَهَا أو عَمَّتَهَا من سَاعَتِهِ أو زَنَى بِأَرْبَعٍ في سَاعَةٍ أَيَكُونُ له أَنْ يَنْكِحَ أَرْبَعًا سِوَاهُنَّ قال نعم ليس يَمْنَعُهُ الْحَرَامُ مِمَّا يَمْنَعُهُ الْحَلَالُ وَقُلْت له قال اللَّهُ عز وجل { وَاَلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مع اللَّهِ إلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ التي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلك يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ له الْعَذَابُ يوم الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فيه مُهَانًا }
____________________

(5/154)


ثُمَّ حَدُّ الزَّانِي الثَّيِّبِ على لِسَانِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّهُ عليه وسلم وفي فِعْلِهِ أَعْظَمُ حَدًّا حَدُّهُ الرَّجْمُ وَذَلِكَ أَنَّ الْقَتْلَ بِغَيْرِ رَجْمٍ أَخَفُّ منه وَهَتَكَ بالزنى حُرْمَةَ الدَّمِ فَجَعَلَ حَقًّا أَنْ يُقْتَلَ بَعْدَ تَحْرِيمِ دَمِهِ ولم يَجْعَلْ فيه شيئا من الْأَحْكَامِ التي أَثْبَتَهَا بالحلال ( ( ( بإحلال ) ) ) فلم يُثْبِتْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا أَحَدٌ من أَهْلِ دِينِ اللَّهِ بالزنى نَسَبًا وَلَا مِيرَاثًا وَلَا حَرَمًا أَثْبَتَهَا بِالنِّكَاحِ وَقَالُوا في الرَّجُلِ إذَا نَكَحَ الْمَرْأَةَ فَدَخَلَ بها كان مَحْرَمًا لِابْنَتِهَا يَدْخُلُ عليها وَيَخْلُو بها وَيُسَافِرُ وَكَذَلِكَ أُمُّهَا وَأُمَّهَاتُهَا وَكَذَلِكَ يَكُونُ بَنُوهُ من غَيْرِهَا مَحْرَمًا لها يُسَافِرُونَ بها وَيَخْلُونَ وَلَيْسَ يَكُونُ من زَنَى بِامْرَأَةٍ مَحْرَمًا لِأُمِّهَا وَلَا ابْنَتِهَا وَلَا بَنُوهُ مَحْرَمًا لها بَلْ حَمِدُوا بِالنِّكَاحِ وَحَكَمُوا بِهِ وَذَمُّوا على الزنى وَحَكَمُوا بِخِلَافِ حُكْمِ الْحَلَالِ وَإِنَّمَا حَرَّمَ اللَّهُ أُمَّ الْمَرْأَةِ وَامْرَأَةَ الْأَبِ وَالِابْنِ بِحُرْمَةٍ أَثْبَتَهَا اللَّهُ عز وجل لِكُلٍّ على كُلٍّ وَإِنَّمَا ثَبَتَتْ الْحُرْمَةُ بِطَاعَةِ اللَّهِ فَأَمَّا مَعْصِيَةُ اللَّهِ بالزنى فلم يَثْبُتْ بها حُرْمَةٌ بَلْ هُتِكَتْ بها حُرْمَةُ الزَّانِيَةِ وَالزَّانِي فقال ما يَدْفَعُ ما وَصَفْت فَقُلْت فَكَيْفَ امرتني أَنْ أَجْمَعَ بين الزنى وَالْحَلَالِ وقد فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ رَسُولُهُ ثُمَّ الْمُسْلِمُونَ بين أَحْكَامِهِمَا قال فَهَلْ فيه حُجَّةٌ مع هذا قُلْت بَعْضُ هذا عِنْدَنَا وَعِنْدَك يَقُومُ بِالْحُجَّةِ وَإِنْ كانت فيه حُجَجٌ سِوَى هذا قال وما هِيَ قُلْت أَرَأَيْت الْمَرْأَةَ يَنْكِحُهَا وَلَا يَرَاهَا حتى تَمُوتَ أو يُطَلِّقُهَا أَتَحْرُمُ عليه أُمُّهَا وَأُمَّهَاتُهَا وَإِنْ بَعُدْنَ وَالنِّكَاحُ كَلَامٌ قال نعم قُلْت وَيَكُونُ بِالْعُقْدَةِ مَحْرَمًا لِأُمِّهَا يُسَافِرُ وَيَخْلُو بها قال نعم قُلْت أَفَرَأَيْت الْمَرْأَةَ يُوَاعِدُهَا الرَّجُلُ بالزنى تَأْخُذُ عليه الْجُعْلَ وَلَا يَنَالُ منها شيئا أَتَحْرُمُ عليه أُمُّهَا بِالْكَلَامِ بالزنى وَإِلَّا تُعَادُ بِهِ وَبِالْيَمِينِ لَتَفِيَنَّ له بِهِ قال لَا وَلَا تَحْرُمُ إلَّا بالزنى وَاللَّمْسِ وَالْقُبْلَةِ بِالشَّهْوَةِ قُلْت أَرَأَيْت الْمَرْأَةَ إذَا نَكَحَهَا رَجُلٌ ولم يَدْخُلْ بها وَيَقَعْ عليها وَقَذَفَهَا أو نَفَى وَلَدَهَا أَوَيُحَدُّ لها وَيُلَاعِنُ أو آلَى منها أَيَلْزَمُهُ إيلَاءٌ أو ظَاهَرَ أَيَلْزَمُهُ ظِهَارٌ أو مَاتَ أَتَرِثُهُ أو مَاتَتْ ايرثها قال نعم قُلْت فَإِنْ طَلَّقَهَا قبل أَنْ يَدْخُلَ بها وَقَعَ عليها طَلَاقُهُ قال نعم قُلْت أَفَرَأَيْت إنْ زَنَى بها ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَتَحْرُمُ عليه كما حَرَّمَ اللَّهُ عز وجل الْمَنْكُوحَةَ بَعْدَ ثَلَاثٍ أو قَذَفَهَا أَيُلَاعِنُهَا أو آلَى منها أو تَظَاهَرَ أو مَاتَ أَتَرِثُهُ أو مَاتَتْ أَيَرِثُهَا قال لَا قُلْت وَلِمَ أَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ له بِزَوْجَةٍ وَإِنَّمَا أَثْبَتَ اللَّهُ عز وجل هذا بين الزَّوْجَيْنِ قال نعم قُلْت له وَلَوْ نَكَحَ امْرَأَةً حُرِّمَتْ عليه أُمُّهَا وَأُمَّهَاتُهَا وَإِنْ لم يَدْخُلْ بِالْبِنْتِ قال نعم قُلْت له وَلَوْ نَكَحَ الْأُمَّ فلم يَدْخُلْ بها حتى تَمُوتَ أو يُفَارِقَهَا حَلَّتْ له الْبِنْتُ قال نعم فَقُلْت قد وَجَدْت الْعُقْدَةَ تُثْبِتُ لَك عليها أُمُورًا منها لو مَاتَتْ ورثها لِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ وَتُثْبِتُ بَيْنَك وَبَيْنَهَا ما يَثْبُتُ بين الزَّوْجَيْنِ من الظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ وَاللِّعَانِ فلما افْتَرَقْتُمَا قبل الدُّخُولِ حُرِّمَتْ عَلَيْك أُمُّهَا ولم تُحَرَّمْ عَلَيْك بِنْتُهَا فَلِمَ فَرَّقْت بَيْنَهُمَا وَحَرَّمْت مَرَّةً بِالْعُقْدَةِ وَالْجِمَاعِ وَأُخْرَى بِالْعُقْدَةِ دُونَ الْجِمَاعِ قال لَمَّا أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى الرَّبِيبَةَ إنْ لم يَدْخُلْ بِالْأُمِّ وَذَكَرَ الْأُمَّ مُبْهَمَةً فَرَّقْت بَيْنَهُمَا قُلْت فَلِمَ لم تَجْعَلْ الْأُمَّ قِيَاسًا على الرَّبِيبَةِ وقد أَحَلَّهَا غَيْرُ وَاحِدٍ قال لَمَّا أَبْهَمَ اللَّهُ الْأُمَّ أَبْهَمْنَاهَا فَحَرَّمْنَاهَا بِغَيْرِ الدُّخُولِ وَوَضَعْت الشَّرْطَ في الرَّبِيبَةِ وهو الْمَوْضِعُ الذي وَضَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى فيه ولم يَكُنْ اجْتِمَاعُهُمَا في أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا زَوْجَةٌ حُكْمُهَا حُكْمُ الْأَزْوَاجِ بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تُحَرِّمُ صَاحِبَتَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ يُوجِبُ عَلَيَّ أَنْ أَجْمَعَ بَيْنَهُمَا في غَيْرِهِ إذَا لم يَدُلَّ على اجْتِمَاعِهِمَا خَبَرٌ لَازِمٌ قُلْت له فَالْحَلَالُ أَشَدُّ مُبَايَنَةً لِلْحَرَامِ أَمْ الْأُمِّ لِلِابْنَةِ قال بَلْ الزنى لِلْحَلَالِ أَشَدُّ فِرَاقًا قُلْت فَلِمَ فَرَّقْت بين الْأُمِّ وَالِابْنَةِ وقد اجتمعتا ( ( ( اجتمعنا ) ) ) في خِصَالٍ وافترقتا ( ( ( وافترقنا ) ) ) في وَاحِدَةٍ وَجَمَعْت بين الزنى وَالْحَلَالِ وهو مُفَارِقٌ له عِنْدَك في أَكْثَرِ أَمْرِهِ وَعِنْدَنَا في كل أَمْرِهِ فقال فإن صَاحِبَنَا قال يُوجِدُكُمْ الْحَرَامُ يُحَرِّمُ الْحَلَالَ قُلْت له في مِثْلِ ما اخْتَلَفْنَا فيه من أَمْرِ النِّسَاءِ قال لَا وَلَكِنْ في غَيْرِهِ من الصَّلَاةِ وَالْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَالنِّسَاءِ قِيَاسٌ عليه قُلْت له أَفَتُجِيزُ لِغَيْرِك أَنْ يَجْعَلَ الصَّلَاةَ قِيَاسًا على النِّسَاءِ وَالْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ قال أَمَّا في كل شَيْءٍ فَلَا فَقُلْت له الْفَرْقُ لَا يَصْلُحُ إلَّا بِخَبَرٍ أو قِيَاسٍ على خَبَرٍ لَازِمٍ قُلْت فَإِنْ قال قَائِلٌ فَأَنَا أَقِيسُ الصَّلَاةَ بِالنِّسَاءِ وَالنِّسَاءَ بِالْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ حَيْثُ تُفَرِّقُ وَأُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا حَيْثُ تَقِيسُ فما الْحُجَّةُ عليه قال ليس
____________________

(5/155)


له أَنْ يُفَرِّقَ إلَّا بِخَبَرٍ لَازِمٍ قُلْت وَلَا لَك قال أَجَلْ قُلْت له وَصَاحِبُك قد أَخْطَأَ الْقِيَاسَ أن قَاسَ شَرِيعَةً بِغَيْرِهَا وَأَخْطَأَ لو جَازَ له في ذلك الْقِيَاسُ قال وَأَيْنَ أَخْطَأَ قُلْت صِفْ قِيَاسَهُ قال قال الصَّلَاةُ حَلَالٌ وَالْكَلَامُ فيها حَرَامٌ فإذا تَكَلَّمَ فيها فَسَدَتْ صَلَاتُهُ فَقَدْ أَفْسَدَ الْحَلَالَ بِالْحَرَامِ فَقُلْت له لِمَ زَعَمْت أَنَّ الصَّلَاةَ فَاسِدَةٌ لو تَكَلَّمَ فيها الصَّلَاةُ لَا تَكُونُ فَاسِدَةً وَلَكِنَّ الْفَاسِدَ فِعْلُهُ لَا هِيَ وَلَكِنِّي قُلْت لَا تُجْزِئُ عَنْكَ الصَّلَاةُ ما لم تَأْتِ بها كما أُمِرْت فَلَوْ زَعَمْت أنها فَاسِدَةٌ كانت على غَيْرِ مَعْنَى ما أَفْسَدْت بِهِ النِّكَاحَ قال وَكَيْفَ قُلْت أنا أَقُولُ له عُدْ لِصَلَاتِك الْآنَ فَائْتِ بها كما أُمِرْت وَلَا أَزْعُمُ أَنَّ حَرَامًا عليه أَنْ يَعُودَ لها وَلَا أَنَّ كَلَامَهُ فيها يَمْنَعُهُ من الْعَوْدَةِ إلَيْهَا وَلَا تَفْسُدُ عليه صَلَاتُهُ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا وَلَا يُفْسِدُهَا إفْسَادُهُ إيَّاهَا على غَيْرِهِ وَلَا نَفْسِهِ قال وأنا أَقُولُ ذلك قُلْت وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّهُ إذَا قَبَّلَ امْرَأَةً حُرِّمَتْ عليه أُمُّهَا وَابْنَتُهَا أَبَدًا قال أَجَلْ قُلْت وَتَحِلُّ له هِيَ قال نعم قُلْت وَتَحْرُمُ على أبيه وَابْنِهِ قال نعم قُلْت وَهَكَذَا قُلْت في الصَّلَاةِ قال لَا قُلْت أَفَتَرَاهُمَا يَشْتَبِهَانِ قال أَمَّا الْآنَ فَلَا وقد قال صَاحِبُنَا الْمَاءُ حَلَالٌ وَالْخَمْرُ حَرَامٌ فإذا صَبَّ الْمَاءَ في الْخَمْرِ حَرُمَ الْمَاءُ وَالْخَمْرُ فَقُلْت له أَرَأَيْت إذَا صَبَبْت الْمَاءَ في الْخَمْرِ أَمَا يَكُونُ الْمَاءُ الْحَلَالُ مُسْتَهْلَكًا في الْحَرَامِ قال بَلَى قُلْت أَفَتَجِدُ الْمَرْأَةُ التي قَبَّلَهَا لِلشَّهْوَةِ وَابْنَتَهَا كَالْخَمْرِ وَالْمَاءِ قال وَتُرِيدُ مَاذَا قُلْت أَتَجِدُ الْمَرْأَةَ مُحَرَّمَةً على كل أَحَدٍ كما تَجِدُ الْخَمْرَ مُحَرَّمَةً على كل أَحَدٍ قال لَا قُلْت أَوَتَجِدُ الْمَرْأَةَ وَابْنَتَهَا تَخْتَلِطَانِ اخْتِلَاطَ الْمَاءِ وَالْخَمْرِ حتى لَا تَعْرِفَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا من صَاحِبَتِهَا كما لَا يُعْرَفُ الْخَمْرُ من الْمَاءِ قال لَا قُلْت أَفَتَجِدُ الْقَلِيلَ من الْخَمْرِ إذَا صُبَّ في كَثِيرِ الْمَاءِ نَجَّسَ الْمَاءَ قال لَا قُلْت أَفَتَجِدُ قَلِيلَ الزنى وَالْقُبْلَةِ لِلشَّهْوَةِ لَا تُحَرِّمُ وَيُحَرِّم كَثِيرُهَا قال لَا وَلَا يُشْبِهُ أَمْرُ النِّسَاءِ الْخَمْرَ وَالْمَاءَ قُلْت فَكَيْفَ قَاسَهُ بِالْمَرْأَةِ وَلَوْ قَاسَهُ كان يَنْبَغِي أَنْ يُحَرِّمَ الْمَرْأَةَ التي قَبَّلَهَا وَزَنَى بها وَابْنَتَهَا كما حَرَّمَ الْخَمْرَ وَالْمَاءَ قال ما يَفْعَلُ ذلك وما هذا بِقِيَاسٍ قُلْت فَكَيْفَ قَبِلْت هذا منه قال ما وَجَدْنَا أَحَدًا قَطُّ بَيَّنَ هذا لنا كما بَيَّنْته وَلَوْ كَلَّمَ صَاحِبُنَا بهذا لَظَنَنْت أَنَّهُ لَا يُقِيمُ على قَوْلِهِ وَلَكِنَّهُ ( 1 ) عَقْلٌ وَضَعْفٌ من كلمه قُلْت أَفَيَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ في رَجُلٍ يَعْصِي اللَّهَ في امْرَأَةٍ فَيَزْنِي بها فَلَا يُحَرِّمُ الزنى عليه أَنْ يَنْكِحَهَا وَهِيَ التي عَصَى اللَّهَ فيها إذَا أَتَاهَا بِالْوَجْهِ الذي أَحَلَّهُ اللَّهُ له وَتَحْرُمُ عليه ابْنَتُهَا وهو لم يَعْصِ اللَّهَ في ابْنَتِهَا فَهَلْ رَأَيْت قَطُّ عَوْرَةً أَبْيَنَ من عَوْرَةِ هذا الْقَوْلِ قال فَالشَّعْبِيُّ قال قَوْلُنَا قُلْت فَلَوْ لم يَكُنْ في قَوْلِنَا كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَا ما أَوْجَدْنَاك من الْقِيَاسِ وَالْمَعْقُولِ أَكَانَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ عِنْدَك حُجَّةً قال لَا وقد روي عن عِمْرَانَ بن الْحُصَيْنِ قُلْت من وَجْهٍ لَا يَثْبُتُ قال نُقِلَ وَرُوِيَ عن بن عَبَّاسٍ قَوْلُنَا (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَرَجَعَ عن قَوْلِهِمْ وقال الْحَقُّ عِنْدَك وَالْعَدْلُ في قَوْلِكُمْ ولم يَصْنَعْ أَصْحَابُنَا شيئا وَالْحُجَّةُ عَلَيْنَا بِمَا وَصَفْت وَأَقَامَ أَكْثَرُهُمْ على خِلَافِ قَوْلِنَا وَالْحُجَّةُ عليهم بِمَا وَصَفْت ( قال ) فقال لي فَاجْمَعْ في هذا قَوْلًا قُلْت إذَا حُرِّمَ الشَّيْءُ بِوَجْهٍ اسْتَدْلَلْنَا على أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ بِاَلَّذِي يُخَالِفُهُ كما إذَا أُحِلَّ شَيْءٌ بِوَجْهٍ لم يَحِلَّ بِاَلَّذِي يُخَالِفُهُ وَالْحَلَالُ ضِدُّ الْحَرَامِ وَالنِّكَاحُ حَلَالٌ وَالزِّنَا ضِدُّ النِّكَاحِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَحِلُّ لَك الْفَرْجُ بِالنِّكَاحِ وَلَا يَحِلُّ لَك بالزنى الذي يُخَالِفُهُ فقال لي منهم قَائِلٌ فَإِنَّا رَوَيْنَا عن وَهْبِ بن مُنَبِّهٍ قال مَكْتُوبٌ في التَّوْرَاةِ مَلْعُونٌ من نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ وَابْنَتِهَا ( قال ) قُلْت له وَلَا يَدْفَعُ هذا وَأَصْغَرُ ذَنْبًا من الزَّانِي بِالْمَرْأَةِ وَابْنَتِهَا وَالْمَرْأَةِ بِلَا ابْنَةٍ مَلْعُونٌ قد لُعِنَتْ الْوَاصِلَةُ وَالْمَوْصُولَةُ وَالْمُخْتَفِي ( قال الرَّبِيعُ ) الْمُخْتَفِي النَّبَّاشُ وَالْمُخْتَفِيَةُ فالزنى ( ( ( فالزنا ) ) ) أَعْظَمُ من هذا كُلِّهِ وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ مَلْعُونًا بالزنى بِأَحَدِهِمَا وَإِنْ لم يَنْظُرْ إلَى فَرْجِ أُمٍّ وَلَا ابْنَتِهَا لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قد أَوْعَدَ على الزنى وَلَوْ كُنْت إنَّمَا حَرَّمْته من أَجْلِ أَنَّهُ مَلْعُونٌ من نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ وَابْنَتِهَا لم يَجُزْ أَنْ تُحَرِّمَ على الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ إنْ زَنَى بها أَبُوهُ فإنه لم يَنْظُرْ مع فَرْجِ امْرَأَتِهِ إلَى فَرْجِ أُمِّهَا وَلَا ابْنَتِهَا وَلَوْ كُنْت حَرَّمْته لِقَوْلِهِ مَلْعُونٌ لَزِمَك مَكَانُ هذا في آكِلِ الرِّبَ

(5/156)


وَمُؤْكِلِهِ وَأَنْتَ لَا تَمْنَعُ من أَرْبَى إذَا اشْتَرَى بِأَجَلٍ أَنْ يَحِلَّ له غَيْرُ السِّلْعَةِ التي أَرْبَى فيها وَلَا إذَا اخْتَفَى قَبْرًا من الْقُبُورِ أَنْ يَحِلَّ له أَنْ يَحْفِرَ غَيْرَهُ وَيَحْفِرَ هو إذَا ذَهَبَ الْمَيِّتُ بِالْبِلَى قال أَجَلْ قُلْت فَكَيْفَ لم تَقُلْ لَا يَمْنَعُ الْحَرَامُ الْحَلَالَ كما قُلْت في الذي أَرْبَى وَاخْتَفَى - * ما جاء في نِكَاحِ إمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَحَرَائِرِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَإِمَائِهِمْ - * أخبرنا الرَّبِيعُ قال (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَبِهَذَا كُلِّهِ نَقُولُ لَا تَحِلُّ مُشْرِكَةٌ من غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ بِنِكَاحٍ وَلَا يَحِلُّ أَنْ يَنْكِحَ من أَهْلِ الْكِتَابِ إلَّا حُرَّةً وَلَا من الْإِمَاءِ إلَّا مُسْلِمَةً وَلَا تَحِلُّ الْأَمَةُ الْمُسْلِمَةُ حتى يَجْتَمِعَ الشَّرْطَانِ مَعًا فَيَكُونَ نَاكِحُهَا لَا يَجِدُ طَوْلًا لِحُرَّةٍ وَيَكُونَ يَخَافُ الْعَنَتَ إنْ لم يَنْكِحْهَا وَهَذَا أَشْبَهُ بِظَاهِرِ الْكِتَابِ وَأَحَبُّ إلَيَّ لو تَرَكَ نِكَاحَ الْكِتَابِيَّةِ وَإِنْ نَكَحَهَا فَلَا بَأْسَ وَهِيَ كَالْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ في الْقَسْمِ لها وَالنَّفَقَةِ وَالطَّلَاقِ وَالْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ وَالْعِدَّةِ وَكُلِّ أَمْرٍ غير أَنَّهُمَا لَا يَتَوَارَثَانِ وَتَعْتَدُّ منه عِدَّةَ الْوَفَاةِ وَعِدَّةَ الطَّلَاقِ وَتَجْتَنِبُ في عِدَّتِهَا ما تَجْتَنِبُ الْمُعْتَدَّةُ وَكَذَلِكَ الصَّبِيَّةُ وَيُجْبِرُهَا على الْغُسْلِ من الْجَنَابَةِ وَالتَّنْظِيفِ فَأَمَّا الْأَمَةُ الْمُسْلِمَةُ فَإِنْ نَكَحَهَا وهو يَجِدُ طَوْلًا لِحُرَّةٍ فُسِخَ النِّكَاحُ وَلَكِنَّهُ إنْ لم يَجِدْ طَوْلًا ثُمَّ نَكَحَهَا ثُمَّ أَيْسَرَ لم يُفْسَخْ النِّكَاحُ لِأَنَّ الْعُقْدَةَ انْعَقَدَتْ صَحِيحَةً فَلَا يُفْسِدُهَا ما بَعْدَهَا وَلَوْ عَقَدَ نِكَاحَ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ فَقَدْ قِيلَ تَثْبُتُ عُقْدَةُ الْحُرَّةِ وَعُقْدَةُ الْأَمَةِ مَفْسُوخَةٌ وقد قِيلَ هِيَ مَفْسُوخَةٌ مَعًا
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرٍو عن أبي الشَّعْثَاءِ قال لَا يَصْلُحُ نِكَاحُ الْإِمَاءِ الْيَوْمَ لِأَنَّهُ يَجِدُ طَوْلًا إلَى حُرَّةٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقال بَعْضُ الناس لِمَ قُلْت لَا يَحِلُّ نِكَاحُ إمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَقُلْت اسْتِدْلَالًا بِكِتَابِ اللَّهِ عز وجل قال وَأَيْنَ ما اسْتَدْلَلْت به منه فَقُلْت قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حتى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ من مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ } وقال { إذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ } الْآيَةَ فَقُلْنَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ لَا يُحِلُّ لِمَنْ لَزِمَهُ اسْمُ كُفْرٍ نِكَاحُ مُسْلِمَةٍ حُرَّةٍ وَلَا أَمَةٍ بِحَالٍ أَبَدًا وَلَا يَخْتَلِفُ في هذا أَهْلُ الْكِتَابِ وَغَيْرُهُمْ من الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّ الْآيَتَيْنِ عَامَّتَانِ وَاسْمَ الْمُشْرِكِ لَازِمٌ لِأَهْلِ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِمْ من الْمُشْرِكِينَ وَوَجَدْنَا اللَّهَ عز وجل قال { وَالْمُحْصَنَاتُ من الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ } فلم نَخْتَلِفْ نَحْنُ وَأَنْتُمْ أَنَّهُنَّ الْحَرَائِرُ من أَهْلِ الْكِتَابِ خَاصَّةً إذَا خُصِّصَ وَتَكُونُ الْإِمَاءُ مِنْهُنَّ من جُمْلَةِ الْمُشْرِكَاتِ الْمُحَرَّمَاتِ فقال إنَّا نَقُولُ قد يُحِلُّ اللَّهُ الشَّيْءَ وَيَسْكُتُ عن غَيْرِهِ غير مُحَرِّمٍ لِمَا سَكَتَ عنه وإذا أَحَلَّ حَرَائِرَهُمْ دَلَّ ذلك على إحْلَالِ إمَائِهِمْ وَدَلَّ ذلك على أَنَّهُ عَنَى بِالْآيَتَيْنِ الْمُشْرِكِينَ غَيْرَهُمْ من أَهْلِ الْأَوْثَانِ فَقُلْت أَرَأَيْت إنْ عَارَضَك مُعَارِضٌ بِمِثْلِ حُجَّتِك التي قُلْت فقال وَجَدْت في أَهْلِ الْكِتَابِ حُكْمًا مُخَالِفًا حُكْمَ أَهْلِ الْأَوْثَانِ فَوَجَدْت اللَّهَ عز وجل أَبَاحَ نِكَاحَ حَرَائِرِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَإِنَّمَا تُقَاسُ إمَاؤُهُمْ بِحَرَائِرِهِمْ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { إذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لهم وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } وقال تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حتى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ من مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ } الْآيَةَ فَنَهَى اللَّهُ عز وجل في هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ عن نِكَاحِ نِسَاءِ الْمُشْرِكِينَ كما نهى عن إنْكَاحِ رِجَالِهِمْ 0 قال ) وَهَاتَانِ الْآيَتَانِ تَحْتَمِلَانِ مَعْنَيَيْنِ أَنْ يَكُونَ أُرِيدَ بِهِمَا مُشْرِكُو أَهْلِ الْأَوْثَانِ خَاصَّةً فَيَكُونُ الْحُكْمُ فِيهِمَا بِحَالِهِ لم يُنْسَخْ وَلَا شَيْءٌ منه لِأَنَّ الْحُكْمَ في أَهْلِ الْأَوْثَانِ أَنْ لَا يَنْكِحَ مُسْلِمٌ منهم امْرَأَةً كما لَا يَنْكِحُ رَجُلٌ منهم مُسْلِمَةً ( قال ) وقد قِيلَ هذا فيها وَفِيمَا هو مِثْلُهُ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ اعلم بِهِ ( قال ) وَتَحْتَمِلَانِ أَنْ تَكُونَا في جَمِيعِ الْمُشْرِكِينَ وَتَكُونُ الرُّخْصَةُ نَزَلَتْ بَعْدَهَا في حَرَائِرِ أَهْلِ الْكِتَابِ خَاصَّةً كما جَاءَتْ في ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ من بَيْنِ الْمُشْرِكِينَ خَاصَّةً قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ } الْآيَةَ وقال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَمَنْ لم يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ } إلَى قَوْلِهِ { ذلك لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ }

(5/157)


فَكَذَلِكَ أنا أَقِيسُ رِجَالَهُمْ بِنِسَائِهِمْ فَأَجْعَلُ لِرِجَالِهِمْ أَنْ يَنْكِحُوا الْمُسْلِمَاتِ إذَا كَانُوا خَارِجِينَ من الْآيَتَيْنِ قال ليس ذلك له وَالْإِرْخَاصُ في حَرَائِرِ نِسَائِهِمْ ليس الْإِرْخَاصُ في أَنْ يَنْكِحَ رِجَالُهُمْ الْمُسْلِمَاتِ قُلْت فَإِنْ قال لَك وَلَكِنَّهُ في مِثْلِ مَعْنَاهُ قِيَاسًا عليه قال وَلَا يَكُونُ عليه قِيَاسًا وَإِنَّمَا قُصِدَ بِالتَّحْلِيلِ عَيْنٌ من جُمْلَةٍ مُحَرَّمَةٍ قُلْت فَهَذِهِ الْحُجَّةُ عَلَيْك لِأَنَّ إمَاءَهُمْ غَيْرُ حَرَائِرِهِمْ كما رِجَالُهُمْ غَيْرُ نِسَائِهِمْ وَإِنَّمَا حَرَائِرُهُمْ مُسْتَثْنَوْنَ من جُمْلَةٍ مُحَرَّمَةٍ قال قد اجْتَمَعَ الناس على أَنْ لَا يَحِلَّ لِرَجُلٍ منهم أَنْ يَنْكِحَ مُسْلِمَةً قُلْت فَإِجْمَاعُهُمْ على ذلك حُجَّةٌ عَلَيْك لِأَنَّهُمْ إنَّمَا حَرَّمُوا ذلك بِكِتَابِ اللَّهِ عز وجل فَرَخَّصُوا في الْحَرَائِرِ بِكِتَابِ اللَّهِ قال قد اخْتَلَفُوا في الْإِمَاءِ من أَهْلِ الْكِتَابِ قُلْت فإذا اخْتَلَفُوا فَالْحُجَّةُ عِنْدَهُ وَعِنْدَك لِمَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ مَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ عز وجل وَمَنْ حَرَّمَهُنَّ فَقَدْ وَافَقَ مَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ لِأَنَّهُنَّ من جُمْلَةِ الْمُشْرِكَاتِ وَبَرِئُوا من أَنْ يَكُونُوا من الْحَرَائِر الْمَخْصُوصَات بِالتَّحْلِيلِ ( قال ) وَقُلْنَا لَا يَحِلُّ نِكَاحُ أَمَةٍ مُسْلِمَةٍ إلَّا بِأَنْ لَا يَجِدَ نَاكِحُهَا طَوْلًا لِحُرَّةٍ وَلَا تَحِلُّ وَإِنْ لم يَجِدْ طَوْلًا لِحُرَّةٍ حتى يَخَافَ الْعَنَتَ فَيَجْتَمِعُ فيه الْمَعْنَيَانِ اللَّذَانِ لَهُمَا أُبِيحَ له نِكَاحُ الْأَمَةِ وَخَالَفَنَا فقال يَحِلُّ نِكَاحُ الْأَمَةِ بِكُلِّ حَالٍ كما يَحِلُّ نِكَاحُ الْحُرَّةِ فقال لنا ما الْحُجَّةُ فيه فَقُلْت كِتَابُ اللَّهِ الْحُجَّةُ فيه وَالدَّلِيلُ على أَنْ لَا يَحِلَّ نِكَاحُ إمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ مع ما وَصَفْنَا من الدَّلَالَةِ عليه فَقُلْت له قد حَرَّمَ اللَّهُ الْمَيْتَةَ فقال { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ } وَاسْتَثْنَى إحْلَالَهُ لِلْمُضْطَرِّ أَفَيَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ لَمَّا حَلَّتْ الْمَيْتَةُ بِحَالٍ لِوَاحِدٍ مَوْصُوفٍ وهو الْمُضْطَرُّ حَلَّتْ لِمَنْ ليس في صِفَتِهِ قال لَا قُلْت وقد أَمَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِالطَّهُورِ وَأَرْخَصَ في السَّفَرِ وَالْمَرَضِ أَنْ يَقُومَ الصَّعِيدُ مَقَامَ الْمَاءِ لِمَنْ يَعُوزُهُ الْمَاءُ في السَّفَرِ وَلِلْمَرِيضِ مِثْلُ الْمَحْذُورِ في السَّفَرِ وَالْحَضَرِ بِغَيْرِ إعْوَازٍ أَفَيَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ أُجِيزَ له التَّيَمُّمُ في السَّفَرِ على غَيْرِ إعْوَازٍ كما يَجُوزُ لِلْمَرِيضِ قال لَا يَجُوزُ أَبَدًا إلَّا لِمَعُوزٍ مُسَافِرٍ وإذا أُحِلَّ شَيْءٌ بِشَرْطٍ لم يَحْلُلْ إلَّا بِالشَّرْطِ الذي أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَاحِدًا كان أو اثْنَيْنِ قُلْت وَكَذَلِكَ حين أَوْجَبَ عِتْقَ رَقَبَةٍ في الظِّهَارِ ثُمَّ قال { فَمَنْ لم يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ } لم يَكُنْ له أَنْ يَصُومَ وهو يَجِدُ عِتْقَ رَقَبَةٍ قال نعم فَقُلْت له قد أَصَبْت فَإِنْ كانت لَك بهذا حُجَّةٌ على أَحَدٍ لو خَالَفَك فَكَذَلِكَ هِيَ عَلَيْك في إحْلَالِك نِكَاحَ إمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَإِنَّمَا أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى في حَرَائِرِهِمْ وَنِكَاحِ إمَاءِ الْمُؤْمِنِينَ بِكُلِّ حَالٍ وَإِنَّمَا أَذِنَ اللَّه فِيهِنَّ لِمَنْ لم يَجِدْ طَوْلًا وَلِمَنْ يَخَافُ الْعَنَتَ وما يَلْزَمُهُ في هذا أَكْثَرُ مِمَّا وَصَفْنَا وَفِيمَا وَصَفْت كِفَايَةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قال فَمِنْ أَصْحَابِك من قال يَجُوزُ نِكَاحُ الْإِمَاءِ الْمُسْلِمَاتِ بِكُلِّ حَالٍ قُلْت فَالْحُجَّةُ على من أَجَازَ نِكَاحَ إمَاءِ الْمُؤْمِنِينَ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ الْحُجَّةُ عَلَيْك وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ على أَنْ لَا يَجُوزَ نِكَاحُهُنَّ إلَّا بِمَعْنَى الضَّرُورَةِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ النَّاكِحُ طَوْلًا لِحُرَّةٍ وَيَخَافَ الْعَنَتَ فَمَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ كِتَابَ اللَّهِ عز وجل كان معه الْحَقُّ - * بَابُ التَّعْرِيضِ في خِطْبَة النِّكَاح - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) كِتَابُ اللَّهِ يَدُلُّ على أَنَّ التَّعْرِيضَ في الْعِدَّةِ جَائِزٌ لِمَا وَقَعَ عليه اسْمُ التَّعْرِيضِ إلَّا ما نهى اللَّهُ عز وجل عنه من السِّرِّ وقد ذَكَرَ الْقَاسِمُ بَعْضَهُ وَالتَّعْرِيضُ كَثِيرٌ وَاسِعٌ جَائِزٌ كُلُّهُ وهو خِلَافُ التَّصْرِيحِ وهو ما يُعَرِّضُ بِهِ الرَّجُلُ لِلْمَرْأَةِ مِمَّا يَدُلُّهَا على أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ خِطْبَتَهَا بِغَيْرِ تَصْرِيحٍ وَالسِّرُّ الذي نهى اللَّهُ عنه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ يَجْمَعُ بين أَمْرَيْنِ أَنَّهُ تَصْرِيحٌ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل { وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ من خِطْبَةِ النِّسَاءِ أو أَكْنَنْتُمْ في أَنْفُسِكُمْ } الْآيَةَ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن عبد الرحمن بن الْقَاسِمِ عن أبيه أَنَّهُ كان يقول في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ من خِطْبَةِ النِّسَاءِ } أن ( ( ( أنه ) ) ) يقول الرَّجُلُ لِلْمَرْأَةِ وَهِيَ في عِدَّتِهَا من وَفَاةِ زَوْجِهَا إنَّك عَلَيَّ لَكَرِيمَةٌ وإني فِيك لَرَاغِبٌ فإن اللَّهَ لَسَائِقٌ إلَيْك خَيْرًا وَرِزْقًا وَنَحْوَ هذا من الْقَوْلِ

(5/158)


وَالتَّصْرِيحُ خِلَافُ التَّعْرِيضِ وَتَصْرِيحٌ بِجِمَاعٍ وَهَذَا كَأَقْبَحِ التَّصْرِيحِ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على أَنَّ السِّرَّ الْجِمَاعُ قِيلَ فَالْقُرْآنُ كَالدَّلِيلِ عليه إذَا أَبَاحَ التَّعْرِيضَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ جَائِزٌ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فإذا كان هذا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ السِّرَّ سِرُّ التَّعْرِيضِ وَلَا بُدَّ من مَعْنًى غَيْرِهِ وَذَلِكَ الْمَعْنَى الْجِمَاعُ وقال امْرُؤُ الْقَيْسِ % أَلَا زَعَمْت بَسْبَاسَةُ الْقَوْمِ أَنَّنِي % كَبُرْت وَأَنْ لَا يُحْسِنَ السِّرَّ أَمْثَالِي % % كَذَبْت لقد أَصْبَى على الْمَرْءِ عُرْسُهُ % وَأَمْنَعُ عُرْسِي أَنْ يَزْنِ بها الْخَالِي % وقال جَرِيرٌ يَرْثِي امْرَأَتَهُ % كانت إذَا هَجَرَ الْخَلِيلُ فِرَاشَهَا % خَزْنَ الحديث وَعَفَّتْ الأسرارا ( ( ( الأسرار ) ) ) % (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } وقال عز وجل { فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } وقال { أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غير مُسَافِحِينَ فما اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } وقال { وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ } وقال { وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وآتيتم ( ( ( وءاتيتم ) ) ) } الْآيَةَ وقال { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ على النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا من أَمْوَالِهِمْ } وقال { وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حتى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ من فَضْلِهِ } فَأَمَرَ اللَّهُ الْأَزْوَاجَ أَنْ يُؤْتُوا النِّسَاءَ أُجُورَهُنَّ وَصَدُقَاتِهِنَّ وَالْأَجْرُ هو الصَّدَاقُ وَالصَّدَاقُ هو الْأَجْرُ وَالْمَهْرُ وَهِيَ كَلِمَةٌ عَرَبِيَّةٌ تُسَمَّى بِعِدَّةِ أَسْمَاءٍ فَيَحْتَمِلُ هذا أَنْ يَكُونَ مَأْمُورًا بِالصَّدَاقِ من فَرَضَهُ دُونَ من لم يَفْرِضْهُ دخل أو لم يَدْخُلْ لِأَنَّهُ حَقٌّ أَلْزَمَهُ نَفْسَهُ وَلَا يَكُونُ له حَبْسٌ لِشَيْءٍ منه إلَّا بِالْمَعْنَى الذي جَعَلَهُ اللَّهُ له وهو أَنْ يُطَلِّقَ قبل الدُّخُولِ قال اللَّهُ عز وجل { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ من قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وقد فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إلَّا أَنْ يَعْفُونَ أو يَعْفُوَ الذي بيده عُقْدَةُ النِّكَاحِ } وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ يَجِبُ بِالْعُقْدَةِ وَإِنْ لم يُسَمِّ مَهْرًا ولم يَدْخُلْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ لَا يَلْزَمُ إلَّا بِأَنْ يَلْزَمَهُ الْمَرْءُ نَفْسُهُ أو يَدْخُلَ بِالْمَرْأَةِ وَإِنْ لم يُسَمِّ لها مَهْرًا فلما احْتَمَلَ الْمَعَانِيَ الثَّلَاثَ كان أَوْلَاهَا أَنْ يُقَالَ بِهِ ما كانت عليه الدَّلَالَةُ من كِتَابِ اللَّهِ أو سُنَّةٍ أو إجْمَاعٍ فَاسْتَدْلَلْنَا بِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ ما لم تَمَسُّوهُنَّ أو تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ } على أَنَّ عُقْدَةَ النِّكَاحِ تَصِحُّ بِغَيْرِ فَرِيضَةِ صَدَاقٍ وَذَلِكَ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ إلَّا على من تَصِحُّ عُقْدَةُ نِكَاحِهِ وإذا جَازَ أَنْ يَعْقِدَ النِّكَاحَ بِغَيْرِ مَهْرٍ فَيَثْبُتُ بهذا دَلِيلٌ على أَنَّ الْخِلَافَ بين النِّكَاحِ وَالْبُيُوعِ الْبُيُوعُ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَالنِّكَاحُ يَنْعَقِدُ بِغَيْرِ مَهْرٍ وإذا جَازَ أَنْ يَنْعَقِدَ بِغَيْرِ مَهْرٍ فَيَثْبُتُ اسْتِدْلَالُنَا على أَنَّ الْعُقْدَةَ تَصِحُّ بِالْكَلَامِ وَأَنَّ الصَّدَاقَ لَا يُفْسِدُ عُقْدَةَ النِّكَاحِ أَبَدًا وإذا كان هَكَذَا فَلَوْ عَقَدَ النِّكَاحَ بِمَهْرٍ مَجْهُولٍ أو حَرَامٍ ثَبَتَتْ الْعُقْدَةُ بِالْكَلَامِ وكان للمراة مَهْرُ مِثْلِهَا إذَا أُصِيبَتْ على أَنَّهُ لَا صَدَاقَ على من طَلَّقَ إذَا لم يُسَمِّ مَهْرًا ولم يَدْخُلْ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَجِبُ بِالْعُقْدَةِ وَالْمَسِيسِ وَإِنْ لم يُسَمِّ مَهْرًا بِالْآيَةِ وَبِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إنْ أَرَادَ النبي أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لك من دُونِ الْمُؤْمِنِينَ } يُرِيدُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالنِّكَاحِ وَالْمَسِيسِ بِغَيْرِ مَهْرٍ على أَنَّهُ ليس لِأَحَدٍ غَيْرِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يَنْكِحَ فَيَمَسَّ إلَّا لَزِمَهُ مَهْرٌ مع دَلَالَةِ الْآيِ قَبْلَهُ وَدَلَّ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَآتَيْتُمْ إحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا } على أَنْ لَا وَقْتَ في الصَّدَاقِ كَثُرَ أو قَلَّ لِتَرْكِهِ النَّهْيَ عن الْقِنْطَارِ وهو كَثِيرٌ وَتَرْكِهِ حَدًّا لِلْقَلِيلِ وَدَلَّتْ عليه السُّنَّةُ وَالْقِيَاسُ على الْإِجْمَاعِ فَنَقُولُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا عَلِمَ أَنَّ حَدِيثَهَا مَخْزُونٌ فَخَزْنُ الحديث أَنْ لَا يُبَاحَ بِهِ سِرًّا وَلَا عَلَانِيَةً فإذا وَصَفَهَا فَلَا مَعْنَى لِلْعَفَافِ غير الْإِسْرَارِ وَالْإِسْرَارُ الْجِمَاعُ - * ما جاء في الصَّدَاقِ - *

(5/159)


أَقَلُّ ما يَجُوزُ في الْمَهْرِ أَقَلُّ ما يَتَمَوَّلُ الناس مِمَّا لو اسْتَهْلَكَهُ رَجُلٌ لِرَجُلٍ كانت له قِيمَةٌ وما يَتَبَايَعُهُ الناس بَيْنَهُمْ فَإِنْ قال قَائِلٌ وما دَلَّ على ذلك قِيلَ قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَدُّوا الْعَلَائِقَ قِيلَ وما الْعَلَائِقُ يا رَسُولَ اللَّهِ قال ما تَرَاضَى عليه الْأَهْلُونَ وَلَا يَقَعُ اسْمُ عَلَقٍ إلَّا على ما يُتَمَوَّلُ وَإِنْ قَلَّ وَلَا يَقَعُ اسْمُ مَالٍ إلَّا على ما له قِيمَةٌ يُبَاعُ بها وَتَكُونُ إذَا اسْتَهْلَكَهَا مُسْتَهْلِكٌ أَدَّى قِيمَتَهَا وَإِنْ قَلَّتْ وما لَا يَطْرَحُهُ الناس من أَمْوَالِهِمْ مِثْلُ الْفَلْسِ وما أَشْبَهَ ذلك الذي يَطْرَحُونَهُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَالْخَاتَمُ من الْحَدِيدِ لَا يَسْوَى دِرْهَمًا وَلَا قَرِيبًا منه وَلَكِنْ له ثَمَنٌ قَدْرُ ما يَتَبَايَعُ بِهِ الناس على ما وَصَفْنَا في الذي قبل هذا
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ عن حُمَيْدٍ عن أَنَسٍ أَنَّ عَبْدَ الرحمن بن عَوْفٍ تَزَوَّجَ على وَزْنِ نَوَاةٍ - * بَابُ الْخِلَافِ في الصَّدَاقِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ عز وجل الصَّدَاقَ غير مؤقت وَاخْتَلَفَ الصَّدَاقُ في زَمَنِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَارْتَفَعَ وَانْخَفَضَ وَأَجَازَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم منه ما وَصَفْنَا من خَاتَمِ الْحَدِيدِ وقال ما تَرَاضَى بِهِ الْأَهْلُونَ وَرَأَيْنَا الْمُسْلِمِينَ قالوا في التي لَا يُفْرَضُ لها إذَا أُصِيبَتْ لها مَهْرُ مِثْلِهَا اسْتَدْلَلْنَا على أَنَّ الصَّدَاقَ ثَمَنٌ من الْأَثْمَانِ وَالثَّمَنُ ما تَرَاضَى بِهِ من يَجِبُ له وَمَنْ يَجِبُ عليه من مَالِهِ من قَلَّ أو كَثُرَ فَعَلِمْنَا أَنَّ كُلَّ ما كانت له قِيمَةٌ قَلَّتْ أو كَثُرَتْ فَتَرَاضَى بِهِ الزَّوْجَانِ كان صَدَاقًا وَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس في هذا فقال لَا يَكُونُ الصَّدَاقُ أَقَلَّ من عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَسَأَلْنَا عن حُجَّتِنَا بِمَا قُلْنَا فَذَكَرْنَا له ما قُلْنَا من هذا الْقَوْلِ فِيمَا كَتَبْنَا وَقُلْنَا بِأَيِّ شَيْءٍ خَالَفْتنَا قال رَوَيْنَا عن بَعْضِ أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يَكُونُ الصَّدَاقُ أَقَلَّ من عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَذَلِكَ ما تُقْطَعُ فيه الْيَدُ قُلْت قد حَدَّثْنَاكَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حَدِيثًا ثَابِتًا وَلَيْسَ في أَحَدٍ مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حُجَّةٌ وَحَدِيثُك عَمَّنْ حَدَّثْت عنه لو كان ثَابِتًا لم يَكُنْ فيه حُجَّةٌ مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَكَيْفَ وَلَيْسَ بِثَابِتٍ قال فَيَقْبُحُ أَنْ نُبِيحَ فَرْجًا بِشَيْءٍ تَافِهٍ قُلْنَا أَرَأَيْت رَجُلًا لو اشْتَرَى جَارِيَةً بِدِرْهَمٍ أَيَحِلُّ له فَرْجُهَا قال نعم قُلْت فَقَدْ أَحْلَلْت الْفَرْجَ بِشَيْءٍ تَافِهٍ وَزِدْت مع الْفَرْجِ رَقَبَةً وَكَذَلِكَ تُبِيحُ عَشْرَ جَوَارٍ بِدِرْهَمٍ في الْبَيْعِ وَقُلْت له أَرَأَيْت شَرِيفًا يَنْكِحُ امْرَأَةً دَنِيَّةً سَيِّئَةَ الْحَالِ بِدِرْهَمٍ أَدِرْهَمٌ أَكْثَرُ لها على قَدْرِهَا وَقَدْرِهِ أو عَشَرَةُ دَرَاهِمَ لِامْرَأَةٍ شَرِيفَةٍ جَمِيلَةٍ فَاضِلَةٍ من رَجُلٍ دَنِيءٍ صَغِيرِ الْقَدْرِ قال بَلْ عَشْرَةٌ لِهَذِهِ لِقَدْرِهَا أَقَلَّ قُلْت فَلِمَ تُجِيزُ لها التَّافِهَ في قَدْرِهَا وَأَنْتَ لو فَرَضْت لها مَهْرًا فَرَضْته الْأَقَلَّ وَلَوْ فَرَضْت لِأُخْرَى لم تُجَاوِزْ بها عَشَرَةَ دَرَاهِمَ لِأَنَّ ذلك كَثِيرٌ لها وَلَا يُجَاوِزُ بِهِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْقَصْدُ في الْمَهْرِ أَحَبُّ إلَيْنَا واستحب أَنْ لَا يَزِيدَ في الْمَهْرِ على ما أَصْدَقَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نِسَاءَهُ وَبَنَاتِهِ وَذَلِكَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ طَلَبُ الْبَرَكَةِ في كل أَمْرٍ فَعَلَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا عبد الْعَزِيزِ بن مُحَمَّدٍ عن يَزِيدَ بن الْهَادِ عن مُحَمَّدِ بن إبْرَاهِيمَ عن أبي سَلَمَةَ قال سَأَلْت عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها كَمْ كان صَدَاقُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قالت كان صَدَاقُهُ لِأَزْوَاجِهِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشَّ قالت أَتَدْرِي ما النَّشُّ قُلْت لَا قالت نِصْفُ أُوقِيَّةٍ فَذَلِكَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ فَذَاكَ صَدَاقُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِأَزْوَاجِهِ
( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن أبي حَازِمٍ عن سَهْلِ بن سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فقالت إنِّي وَهَبْت نَفْسِي لَك فَقَامَتْ قِيَامًا طَوِيلًا فَقَامَ رَجُلٌ من الْأَنْصَارِ فقال يا رَسُولَ اللَّهِ زَوِّجْنِيهَا إنْ لم يَكُنْ لَك بها حَاجَةٌ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم هل عِنْدَك شَيْءٌ تَصْدُقُهَا إيَّاهُ فقال ما عِنْدِي إلَّا إزَارِي هذا فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إنْ أَعْطَيْتهَا إيَّاهُ جَلَسْت لَا إزَارَ لَك قال فَالْتَمِسْ شيئا قال ما أَجِدُ شيئا فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا من حَدِيدٍ

(5/160)


مَهْرَ مِثْلِهَا قال رَضِيت بِهِ قُلْت فَلَوْ كان أَقَلَّ من مَهْرِ مِثْلِهَا مِائَةَ مَرَّةٍ أَجَزْته لها وَعَلَيْهَا قال نعم قُلْت أَلَيْسَ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِهِ قال بَلَى قُلْت قد رَضِيت الدَّنِيئَةَ بِدِرْهَمٍ وهو لها بِقَدْرِهَا أَكْثَرُ فَزِدْتهَا عليه تِسْعَةَ دَرَاهِمَ قُلْت أَرَأَيْت لو قال لَك قَائِلٌ لو أَنَّ امْرَأَةً كان مَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفًا فَرَضِيَتْ بِمِائَةٍ أَلْحَقْتهَا بِمَهْرِ مِثْلِهَا وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً كان مَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفًا فَأَصْدَقَهَا رَجُلٌ عَشْرَةَ آلَافٍ رَدَدْتهَا إلَى أَلْفٍ حتى يَكُونَ الصَّدَاقُ موقتا على أَلْفٍ قَدْرَ مَهْرِ مِثْلِهَا قال ليس ذلك له قُلْت وَتَجْعَلُهُ ها هنا كَالْبُيُوعِ تُجِيزُ فيه التَّغَابُنَ لِأَنَّ النَّاكِحَ رضي بِالزِّيَادَةِ وَالْمَنْكُوحَةَ رَضِيَتْ بِالنُّقْصَانِ وَأَجَزْت على كُلٍّ ما رضي بِهِ قال نعم قُلْت فَكَذَلِكَ لو نَكَحَتْ بِغَيْرِ مَهْرٍ فَأَصَابَهَا جَعَلْت لها مَهْرَ مِثْلِهَا عَشْرَةً كان أو أَلْفًا قال نعم قُلْت فَأَسْمَعُك تُشَبِّهُ الْمَهْرَ بِالْبَيْعِ في كل شَيْءٍ بَلَغَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَتُجِيزُ فيه ما تَرَاضَيَا عليه ثُمَّ تَرُدُّهُ إلَى مَهْرِ مِثْلِهَا إذَا لم يَكُنْ بِصَدَاقٍ وَتُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبُيُوعِ في أَقَلَّ من عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَتَقُولُ إذَا رَضِيت بِأَقَلَّ من عَشَرَةِ دَرَاهِمَ رَدَدْتهَا حتى أَبْلُغَ بها عَشْرَةَ وَالْبَيْعُ عِنْدَك إذَا رضي فيه بِأَقَلَّ من دِرْهَمٍ أَجَزْته قُلْت أَرَأَيْت لو قال لَك قَائِلٌ لَا أَرَاك قُمْت من الصَّدَاقِ على شَيْءٍ يَعْتَدِلُ فيه قَوْلُك فَأَرْجِعُ بِك في الصَّدَاقِ إلَى أَنَّ اللَّهَ عز وجل قال { وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا } وَذِكْرُ الصَّدَاقِ في غَيْرِ مَوْضِعٍ من الْقُرْآنِ سَوَاءٌ فلم يحد ( ( ( يجد ) ) ) فيه حَدًّا فَتَجْعَلُ الصَّدَاقَ قِنْطَارًا لَا أَنْقَصَ منه وَلَا أَزْيَدَ عليه قال ليس ذلك له لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل لم يَفْرِضْهُ على الناس وَأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَصْدَقَ أَقَلَّ منه وَأَصْدَقَ في زَمَانِهِ وَأَجَازَ أَقَلَّ منه فَقُلْنَا قد أَوْجَدْنَاك رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَجَازَ في الصَّدَاقِ أَقَلَّ من عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَتَرَكْته وَقُلْت بِخِلَافِهِ وَقُلْت ما تُقْطَعُ فيه الْيَدُ وما لِلْيَدِ وَالْمَهْرُ وَقُلْت أَرَأَيْت لو قال قَائِلٌ أُحِدُّ الصَّدَاقَ وَلَا أُجِيزُ أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ من مَهْرِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ أو قال هو ثَمَنٌ لِلْمَرْأَةِ لَا يَكُونُ أَقَلَّ من خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ أو قال في الْبِكْرِ كَالْجِنَايَةِ فَفِيهِ أَرْشُ جَائِفَةٍ أو قال لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِمَّا تَجِبُ فيه الزَّكَاةُ وهو مِائَتَا دِرْهَمٍ أو عِشْرُونَ دِينَارًا ما الْحُجَّةُ عليه قال ليس الْمَهْرُ من هذا بِسَبِيلٍ قُلْت أَجَلْ وَلَا مِمَّا تُقْطَعُ فيه الْيَدُ بَلْ بَعْضُ هذا أَوْلَى أَنْ يُقَاسَ عليه مِمَّا تُقْطَعُ فيه الْيَدُ إنْ كان هذا منه بَعِيدًا - * بَابُ ما جاء في النِّكَاحِ على الْإِجَارَةِ - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الصَّدَاقُ ثَمَنٌ من الْأَثْمَانِ فَكُلُّ ما يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا صَلُحَ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ الرَّجُلِ على أَنْ يَخِيطَ لها الثَّوْبَ وَيَبْنِيَ لها الْبَيْتَ وَيَذْهَبَ بها الْبَلَدَ وَيَعْمَلَ لها الْعَمَلَ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على هذا قِيلَ إذَا كان الْمَهْرُ ثَمَنًا كان في مَعْنَى هذا وقد أَجَازَهُ اللَّهُ عز وجل في الْإِجَارَةِ في كِتَابِهِ وَأَجَازَهُ الْمُسْلِمُونَ وقال اللَّهُ عز وجل { فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } وقال عز وجل { وَعَلَى الْمَوْلُودِ له رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } وَذَكَرَ قِصَّةَ شُعَيْبٍ وَمُوسَى صلى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وسلم في النِّكَاحِ فقال { قالت إحداهما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إنَّ خَيْرَ من اسْتَأْجَرْت الْقَوِيُّ الْأَمِينُ قال إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَك إحْدَى ابْنَتَيْ هَاتَيْنِ } الْآيَةَ وقال { فلما قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ من جَانِبِ الطُّورِ نَارًا } قال وَلَا أَحْفَظُ من أَحَدٍ خِلَافًا في أَنَّ ما جَازَتْ عليه الْإِجَارَةُ جَازَ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا فَمَنْ نَكَحَ بِأَنْ يَعْمَلَ عَمَلًا فَعَمِلَهُ كُلَّهُ ثُمَّ طَلَّقَ قبل الدُّخُولِ رَجَعَ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْعَمَلِ وَمَنْ لم يَعْمَلْهُ ثُمَّ طَلَّقَ قبل الدُّخُولِ عَمِلَ نِصْفَهُ فَإِنْ فَاتَ الْمَعْمُولُ بِأَنْ يَكُونَ ثَوْبًا فَهَلَكَ كان لِلْمَرْأَةِ مِثْلُ نِصْفِ أَجْرِ خِيَاطَةِ الثَّوْبِ أو عَمَلِهِ ما كان ( قال الرَّبِيعُ ) رَجَعَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فقال يَكُونُ لها نِصْفُ مَهْرِ مِثْلِهَا غير أَنَّ بَعْضَ الناس قال يَجُوزُ هذا في كل شَيْءٍ غير تَعْلِيمِ الْخَيْرِ فإنه لَا أَجْرَ على تَعْلِيمِ الْخَيْرِ وَلَوْ نَكَحَ رَجُلٌ امْرَأَةً على أَنْ يُعَلِّمَهَا خَيْرًا كان لها مَهْرُ مِثْلِهَا لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ رَجُل

(5/161)


رَجُلًا على أَنْ يُعَلِّمَهُ خَيْرًا قُرْآنًا وَلَا غَيْرَهُ وَلَوْ صَلُحَ هذا كان تَعْلِيمُ الْخَيْرِ كَخِيَاطَةِ الثَّوْبِ يَجُوزُ النِّكَاحُ عليه وَيَكُونُ الْقَوْلُ فيه كَالْقَوْلِ في خِيَاطَةِ الثَّوْبِ إذَا عَلَّمَهَا الْخَيْرَ وَطَلَّقَهَا رَجَعَ عليها بِنِصْفِ أَجْرِ تَعْلِيمِ ذلك الْخَيْرِ وَإِنْ طَلَّقَهَا قبل أَنْ يُعَلِّمَهَا رَجَعَتْ عليه بِنِصْفِ أَجْرِ تَعْلِيمِ ذلك الْخَيْرِ لِأَنَّهُ ليس له أَنْ يَخْلُوَ بها وَيُعَلِّمَهَا وَهَذَا قَوْلٌ صَحِيحٌ على السُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ مَعًا لو تَابَعْنَا في تَجْوِيزِ الْأَجْرِ على تَعْلِيمِ الْخَيْرِ ( رَجَعَ الشَّافِعِيُّ فقال لها مَهْرُ مِثْلِهَا ) قال الرَّبِيعُ لِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ إذَا تَزَوَّجَهَا على أَنْ يَخِيطَ لها ثَوْبًا بِعَيْنِهِ أو يُعْطِيَهَا شيئا بِعَيْنِهِ فَطَلَّقَهَا قبل أَنْ يَدْخُلَ بها فَهَلَكَ الثَّوْبُ قبل أَنْ يَخِيطَهُ أو هَلَكَ الشَّيْءُ الذي بِعَيْنِهِ رَجَعَتْ عليه بِنِصْفِ صَدَاقِ مِثْلِهَا وَاحْتَجَّ بِأَنَّ من اشْتَرَى شيئا بِدِينَارٍ فَهَلَكَ الشَّيْءُ قبل أَنْ يَقْبِضَهُ رَجَعَ بِدِينَارِهِ فَأَخَذَهُ فَهَذِهِ الْمَرْأَةُ إنَّمَا مَلَكَتْ خِيَاطَةَ الثَّوْبِ بِبُضْعِهَا فلما هَلَكَ الثَّوْبُ قبل أَنْ تَقْبِضَهُ فلم يَقْدِرْ على خِيَاطَتِهِ رَجَعَتْ عليه بِمَا مَلَكَتْ بِهِ الْخِيَاطَةَ وهو بُضْعُهَا وهو الثَّمَنُ الذي اشْتَرَتْ بِهِ الْخِيَاطَةَ ( قال الرَّبِيعُ ) وَهَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ وهو آخِرُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - * بَابُ النَّهْيِ أَنْ يَخْطُب الرَّجُلُ على خِطْبَةِ أَخِيهِ - *
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا يَخْطُبُ أحدكم على خِطْبَةِ أَخِيهِ
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن أبي الزِّنَادِ وَمُحَمَّدِ بن يحيى بن حِبَّانَ عن الْأَعْرَجِ عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا يَخْطُبُ أحدكم على خِطْبَةِ أَخِيهِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقُلْت له قد أَخْبَرَتْهُ فَاطِمَةُ أَنَّ رَجُلَيْنِ خَطَبَاهَا وَلَا أَحْسِبُهُمَا يَخْطُبَانِهَا إلَّا وقد تَقَدَّمَتْ خِطْبَةُ أَحَدِهِمَا خِطْبَةَ الاخر لِأَنَّهُ قَلَّ ما يَخْطُبُ اثْنَانِ مَعًا في وَقْتٍ فلم تَعْلَمْهُ قال لها ما كان يَنْبَغِي لَك أَنْ يَخْطُبَك وَاحِدٌ حتى يَدَعَ الْآخَرُ خِطْبَتَك وَلَا قال ذلك لهما ( ( ( لها ) ) ) وَخَطَبَهَا هو صلى اللَّهُ عليه وسلم على غَيْرِهِمَا ولم يَكُنْ في حَدِيثِهَا أنها رَضِيَتْ وَاحِدًا مِنْهُمَا وَلَا سَخِطَتْهُ وَحَدِيثُهَا يَدُلُّ على أنها مُرْتَادَةٌ وَلَا رَاضِيَةٌ بِهِمَا وَلَا بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَمُنْتَظِرَةٌ غَيْرَهُمَا أو مُمِيلَةٌ بَيْنَهُمَا فلما خَطَبَهَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على أُسَامَةَ وَنَكَحَتْهُ دَلَّ على ما وَصَفْت من أَنَّ الْخِطْبَةَ وَاسِعَةٌ لِلْخَاطِبَيْنِ ما لم تَرْضَ الْمَرْأَةُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ يَحْتَمِلَانِ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مِنْهُمَا إذَا خَطَبَ غَيْرُهُ امْرَأَةً أَنْ لَا يَخْطُبَهَا حتى تَأْذَنَ أو يَتْرُكَ رَضِيَتْ الْمَرْأَةُ الْخَاطِبَ أو سَخِطَتْهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ عنه إنَّمَا هو عِنْدَ رِضَا الْمَخْطُوبَةِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كان الْخَاطِبُ الْآخَرُ أَرْجَحَ عِنْدَهَا من الْخَاطِبِ الْأَوَّلِ الذي رَضِيَتْهُ تَرَكَتْ ما رَضِيَتْ بِهِ الْأَوَّلَ فَكَانَ هذا فَسَادًا عليه وفي الْفَسَادِ ما يُشْبِهُ الْإِضْرَارَ بِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فلما احْتَمَلَ الْمَعْنَيَيْنِ وَغَيْرِهِمَا كان أَوْلَاهُمَا أَنْ يُقَالَ بِهِ ما وَجَدْنَا الدَّلَالَةَ تُوَافِقُهُ فَوَجَدْنَا الدَّلَالَةَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على أَنَّ أَنْهَى أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ على خِطْبَةِ أَخِيهِ إذَا كانت الْمَرْأَةُ رَاضِيَةً ( قال ) وَرِضَاهَا إنْ كانت ثَيِّبًا أَنْ تَأْذَنَ بِالنِّكَاحِ بِنَعَمْ وَإِنْ كانت بِكْرًا أَنْ تَسْكُتَ فَيَكُونَ ذلك إذْنَهَا وقال لي قَائِلٌ أنت تَقُولُ الْحَدِيثُ على عُمُومِهِ وَظُهُورِهِ وَإِنْ احْتَمَلَ مَعْنًى غير الْعَامِّ وَالظَّاهِرِ حتى تَأْتِيَ دَلَالَةٌ على أَنَّهُ خَاصٌّ دُونَ عَامٍّ وَبَاطِنٌ دُونَ ظَاهِرٍ قُلْت فَكَذَلِكَ أَقُولُ قال فما مَنَعَك أَنْ تَقُولَ في هذا الحديث لَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ على خِطْبَةِ أَخِيهِ وَإِنْ لم تُظْهِرْ الْمَرْأَةُ رِضَا أَنَّهُ لَا يَخْطُبُ حتى يَتْرُكَ الْخِطْبَةَ فَكَيْفَ صِرْت فيه إلَى ما لَا يَحْتَمِلُهُ الْحَدِيثُ بَاطِنًا خَاصًّا دُونَ ظَاهِرٍ عَامٍّ قُلْت بِالدَّلَالَةِ قال وما الدَّلَالَةُ قُلْت
أخبرنا مَالِكٌ عن عبد اللَّهِ بن يزيد ( ( ( زيد ) ) ) مولى الْأَسْوَدِ بن سُفْيَانَ عن أبي سَلَمَةَ بن عبد الرحمن عن فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لها إذَا حَلَلْت فَآذِنِينِي قالت فلما حَلَلْت أَخْبَرْته أَنَّ مُعَاوِيَةَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي فقال أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ له وَأَمَّا أبو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عن عَاتِقِهِ انْكِحِي أُسَامَةَ فَكَرِهَتْهُ فقال انْكِحِي أُسَامَةَ فَنَكَحْته فَجَعَلَ اللَّهُ لي فيه خَيْرًا وَاغْتَبَطْت بِهِ

(5/162)


(1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ { فَانْكِحُوا ما طَابَ لَكُمْ من النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ } فَانْتَهَى عَدَدُ ما رَخَّصَ فيه لِلْمُسْلِمِينَ إلَى أَرْبَعٍ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَجْمَعَ بين أَكْثَرَ من أَرْبَعٍ إلَّا ما خَصَّ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم دُونَ الْمُسْلِمِينَ من نِكَاحِ أَكْثَرَ من أَرْبَعٍ يَجْمَعُهُنَّ وَمِنْ النِّكَاحِ بِغَيْرِ مَهْرٍ فقال عز وَعَلَا { خَالِصَةً لَك من دُونِ الْمُؤْمِنِينَ }
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا الثِّقَةُ أَحْسِبُهُ إسْمَاعِيلَ بن إبْرَاهِيمَ شَكَّ الشَّافِعِيُّ عن مَعْمَرٍ عن الزُّهْرِيِّ عن سَالِمٍ عن أبيه أَنَّ غَيْلَانَ بن سَلَمَةَ الثَّقَفِيَّ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ فقال له النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بَعْضُ أَصْحَابِنَا عن أبي الزِّنَادِ عن عبدالمجيد بن سُهَيْلِ بن عبد الرحمن بن عَوْفٍ عن عَوْفِ بن الحرث عن نَوْفَلِ بن مُعَاوِيَةَ الديلي ( ( ( الديلمي ) ) ) قال أَسْلَمْت وَتَحْتِي خَمْسُ نِسْوَةٍ فَسَأَلْت النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال فَارِقْ وَاحِدَةً وَأَمْسِكْ أَرْبَعًا فَعَمَدْت إلَى أَقْدَمِهِنَّ عِنْدِي عَجُوزًا عَاقِرًا مُنْذُ سِتِّينَ سَنَةً فَفَارَقْتهَا
أخبرنا الشَّافِعِيُّ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقال أرايت إنْ قُلْت هذا مُخَالِفٌ حَدِيثَ لَا يَخْطُبُ الْمَرْءُ على خِطْبَةِ أَخِيهِ وهو نَاسِخٌ له فَقُلْت له أَوَيَكُونُ نَاسِخٌ أَبَدًا إلَّا ما يُخَالِفُهُ الْخِلَافُ الذي لَا يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُ الْحَدِيثَيْنِ مَعًا قال لَا قُلْت أَفَيُمْكِنُ اسْتِعْمَالُ الْحَدِيثَيْنِ مَعًا على ما وَصَفْت من أَنَّ الْحَالَ التي يَخْطُبُ الْمَرْءُ على خِطْبَةِ أَخِيهِ بَعْدَ الرِّضَا مَكْرُوهَةٌ وَقَبْلَ الرِّضَا غَيْرُ مَكْرُوهَةٍ لِاخْتِلَافِ حَالِ الْمَرْأَةِ قبل الرِّضَا وَبَعْدَهُ قال نعم قُلْت له فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُطْرَحَ حَدِيثٌ وقد يُمْكِنُ أَنْ لَا يُخَالِفَهُ وَلَا يدرى أَيُّهُمَا النَّاسِخُ أَرَأَيْت إنْ قال قَائِلٌ حَدِيثُ فَاطِمَةَ النَّاسِخُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ بِكُلِّ حَالٍ ما حُجَّتُك عليه إلَّا مِثْلُ حُجَّتِك على من خَالَفَك فقال أنت وَنَحْنُ نَقُولُ إذَا احْتَمَلَ الْحَدِيثَانِ أَنْ يُسْتَعْمَلَا لم يُطْرَحْ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ فَأَبِنْ لي ذلك قُلْت له نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حَكِيمَ بن حِزَامٍ عن بَيْعِ ما ليس عِنْدَهُ وَأَرْخَصَ في أَنْ يُسْلِفَ في الْكَيْلِ الْمَعْلُومِ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَهَذَا بَيْعُ ما ليس عِنْدَ الْبَائِعِ فَقُلْت النَّهْيُ عن بَيْعِ ما ليس عِنْدَك بِعَيْنِهِ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْك فَأَمَّا الْمَضْمُونُ فَهُوَ بَيْعُ صِفَةٍ فَاسْتَعْمَلْنَا الْحَدِيثَيْنِ مَعًا قال هَكَذَا نَقُولُ قُلْت هذه حُجَّةٌ عَلَيْك قال فإن صَاحِبَنَا قال لَا يَخْطُبُ رَضِيَتْ أو لم تَرْضَ حتى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ قُلْت فَهَذَا خِلَافَ الحديث ضَرَرٌ على الْمَرْأَةِ في أَنْ يَكُفَّ عن خِطْبَتِهَا حتى يَتْرُكَهَا من لَعَلَّهُ يُضَارُّهَا وَلَا يَتْرُكُ خِطْبَتَهَا أَبَدًا قال هذا أَحْسَنُ مِمَّا قال أَصْحَابُنَا وأنا أَرْجِعُ إلَيْهِ وَلَكِنْ قد قال غَيْرُك لَا يَخْطُبُهَا إذَا رَكَنَتْ وَجَاءَتْ الدَّلَالَةُ على الرِّضَا بِأَنْ تَشْتَرِطَ لِنَفْسِهَا فَكَيْفَ زَعَمْت بِأَنَّ الْخَاطِبَ لَا يَدَعُ الْخِطْبَةَ في هذه الْحَالِ وَلَا يَدَعُهَا حتى تَنْطِقَ الثَّيِّبُ بِالرِّضَا وَتَسْكُتَ الْبِكْرُ فَقُلْت له لَمَّا وَجَدْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يَرُدُّ خِطْبَةَ أبي جهم ( ( ( جهيم ) ) ) وَمُعَاوِيَةَ فَاطِمَةَ وَيَخْطُبُهَا على أُسَامَةَ على خِطْبَتِهِمَا لم يَكُنْ لِلْحَدِيثِ مَخْرَجٌ إلَّا ما وَصَفْت من أنها لم تَذْكُرْ رِضًا ولم يَكُنْ بين النُّطْقِ بِالرِّضَا وَالسُّكُوتِ عنه عِنْدَ الْخِطْبَةِ مَنْزِلَةٌ مُبَايِنَةٌ لِحَالِهَا الْأُولَى عِنْدَ الْخِطْبَةِ فَإِنْ قُلْت الرُّكُونُ وَالِاشْتِرَاطُ قُلْت له أَوَيَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُزَوِّجَهَا عِنْدَ الرُّكُونِ وَالِاشْتِرَاطِ قال لَا حتى تَنْطِقَ بِالرِّضَا إنْ كانت ثَيِّبًا وَتَسْكُتَ إنْ كانت بِكْرًا فَقُلْت له أَرَى حَالَهَا عِنْدَ الرُّكُونِ وَبَعْدَ غَيْرِ الرُّكُونِ بَعْدَ الْخِطْبَةِ سَوَاءٌ لَا يُزَوِّجُهَا الْوَلِيُّ في وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا قال أَجَلْ وَلَكِنَّهَا رَاكِنَةٌ مُخَالِفَةٌ حَالَهَا غير رَاكِنَةٍ قُلْت أَرَأَيْت إذَا خَطَبَهَا فَشَتَمَتْهُ وَقَالَتْ لَسْت لِذَلِكَ بِأَهْلٍ وَحَلَفَتْ لَا تَنْكِحُهُ ثُمَّ عَاوَدَ الْخِطْبَةَ فلم تَقُلْ لَا وَلَا نعم أحالها ( ( ( أحال ) ) ) الْأُخْرَى مُخَالِفَةٌ لِحَالِهَا الْأُولَى قال نعم قُلْت أَفَتَحْرُمُ خِطْبَتُهَا على الْمَعْنَى الذي ذَكَرْت لِاخْتِلَافِ حَالِهَا قال لَا لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَتَغَيَّرُ في جَوَازِ تَزْوِيجِهَا إنَّمَا تَسْتَبِينُ في قَوْلِك إذَا كَشَفَ ما يَدُلُّ على أَنَّ الْحَالَةَ التي تَكُفُّ فيها عن الرِّضَا غَيْرُ الْحَالِ التي تَنْطِقُ فيها بِالرِّضَا حتى يَجُوزَ لِلْوَلِيِّ تَزْوِيجُهَا فيها قال هذا أَظْهَرُ مَعَانِيهَا قُلْت فَأَظْهَرُهَا أَوْلَاهَا بِنَا وَبِك - * ما جاء في نِكَاحِ الْمُشْرِكِ - *

(5/163)


قال أخبرني بن أبي يحيى عن إِسْحَاقَ بن عبد اللَّهِ عن أبي وَهْبٍ الْجَيَشَانِيَّ عن أبي خِرَاشٍ عن الدَّيْلَمِيِّ أو بن الدَّيْلَمِيِّ قال أسلمك ( ( ( أسلمت ) ) ) وَتَحْتِي أُخْتَانِ فَسَأَلْت النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَمَرَنِي أَنْ أُمْسِكَ أَيَّتَهمَا شِئْت وَأُفَارِقَ الْأُخْرَى (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا أُبَالِي كُنَّ في عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ أو عُقَدٍ مُتَفَرِّقَةٍ أو أَيَّتُهُنَّ فَارَقَ الْأُولَى مِمَّنْ نَكَحَ أَمْ الْآخِرَةَ إذَا كان من يَمْسِكُ مِنْهُنَّ غير ذَاتِ مَحْرَمٍ يَحْرُمُ عليه في الْإِسْلَامِ أَنْ يَبْتَدِئَ نِكَاحَهَا بِكُلِّ وَجْهٍ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يُسْلِمَ وَعِنْدَهُ أُخْتَانِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُفَارِقَ أَيَّتَهمَا شَاءَ لِأَنَّ مُحَرَّمًا بِكُلِّ وَجْهٍ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا في الْإِسْلَامِ وَمِثْلُهُ أَنْ يَكُونَ نَكَحَ امْرَأَةً وَابْنَتَهَا فَأَصَابَهُمَا فَيَحْرُمُ أَنْ يَبْتَدِئَ نِكَاحَ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا في الْإِسْلَامِ وقد أَصَابَهُمَا بِالنِّكَاحِ الذي قد يَجُوزُ مِثْلُهُ وَلَوْ نَكَحَ أُخْتَيْنِ مَعًا ولم يَدْخُلْ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا قُلْت له فَارِقْ أَيَّتَهمَا شِئْت وَأَمْسِكْ الْأُخْرَى وَلَا أَنْظُرُ في ذلك إلَى أَيَّتِهِمَا نَكَحَ أَوَّلًا وَهَذَا الْقَوْلُ كُلُّهُ مُوَافِقٌ لِمَعْنَى السُّنَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَوْ اسلم رَجُلٌ وَعِنْدَهُ يَهُودِيَّةٌ أو نَصْرَانِيَّةٌ كَانَا على النِّكَاحِ لِأَنَّهُ يَحِلُّ له نِكَاحُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وهو مُسْلِمٌ وَلَوْ اسلم وَعِنْدَهُ وَثَنِيَّةٌ أو مَجُوسِيَّةٌ لم يَكُنْ له إصَابَتُهَا إلَّا أَنْ تُسْلِمَ قبل أَنْ تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ وَلَهُ وَطْءُ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّة بِالْمِلْكِ وَلَيْسَ له وَطْءُ وَثَنِيَّةٍ وَلَا مَجُوسِيَّةٍ بِمِلْكٍ إذَا لم يَحِلَّ له نِكَاحُهَا لم يَحِلَّ له وَطْؤُهَا وَذَلِكَ لِلدِّينِ فِيهِمَا وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وطىء سَبِيَّةً عَرَبِيَّةً حتى أَسْلَمَتْ وَإِذْ حَرَّمَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم على من أَسْلَمَ أَنْ يَطَأَ امْرَأَةً وَثَنِيَّةً حتى تُسْلِمَ في الْعِدَّةِ دَلَّ ذلك على أَنْ لَا تُوطَأَ من كانت على دِينِهَا حتى تُسْلِمَ من حُرَّةٍ أو أَمَةٍ - * بَابُ الْخِلَافِ في الرَّجُلِ يُسْلِمُ وَعِنْدَهُ أَكْثَرُ من أَرْبَعِ نِسْوَةٍ - *
أخبرنا الرَّبِيعُ قال + ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال لي بَعْضُ الناس ما حُجَّتُك أَنْ يُفَارِقَ ما زَادَ على أَرْبَعٍ وَإِنْ فَارَقَ اللَّاتِي نَكَحَ أَوَّلًا ولم تَقُلْ يَمْسِكُ الْأَرْبَعَ الْأَوَائِلَ وَيُفَارِقُ سَائِرَهُنَّ فَقُلْت له بِحَدِيثِ الدَّيْلَمِيِّ وَحَدِيثِ نَوْفَلِ بن مُعَاوِيَةَ قال أَفَرَأَيْت ( 1 ) لو لم يَكُنْ ثَابِتًا أو كَانَا غير ثَابِتَيْنِ أَيَكُونُ لَك في حديث بن عُمَرَ حُجَّةٌ قُلْت نعم وما على فِيمَا يَثْبُتُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يُقَالَ هل فيه حُجَّةٌ غَيْرُهُ بَلْ عَلَيَّ وَعَلَيْك التَّسْلِيمُ وَذَلِكَ طَاعَةُ اللَّهِ عز وجل قال هذا كُلُّهُ كما قُلْت وَعَلَيْنَا أَنْ نَقُولَ بِهِ إنْ كان ثَابِتًا قُلْت إنْ كُنْت لَا تُثْبِتُ مثله وَأَضْعَفَ منه فَلَيْسَ عَلَيْك حُجَّةٌ فيه فَارْدُدْ ما كان مثله قال فَأُحِبُّ أَنْ تُعْلِمَنِي هل في حديث بن عُمَرَ حُجَّةٌ لو لم يَأْتِ غَيْرُهُ قُلْت نعم قال وَأَيْنَ هِيَ قُلْت لَمَّا أَعْلَمَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم غَيْلَانَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ له أَنْ يَمْسِكَ أَكْثَرَ من أَرْبَعٍ ولم يَقُلْ له الْأَرْبَعَ الْأَوَائِلَ اسْتَدْلَلْنَا على أَنَّهُ لو بَقِيَ فِيمَا يَحِلُّ له وَيَحْرُمُ عليه مَعْنًى غَيْرُهُ عَلَّمَهُ إيَّاهُ لِأَنَّهُ مُبْتَدِئٌ للاسلام لَا عِلْمَ له قبل إسْلَامِهِ فَيَعْلَمُ بَعْضًا وَيَسْكُتُ له عَمَّا يَعْلَمُ في غَيْرِهِ قال أو ليس قد يُعَلِّمُهُ الشَّيْئَيْنِ فَيُؤَدِّي أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ قُلْت بَلَى قال فَلِمَ جَعَلْت هذا حُجَّةً وقد يُمْكِنُ فيه ما قُلْت قُلْت له في حديث النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا الْعَفْوُ عَمَّا فَاتَ من ابْتِدَاءِ عُقْدَةِ النِّكَاحِ وَمَنْ يَقَعُ عليه النِّكَاحُ من الْعَدَدِ فلما لم يَسْأَلْ عَمَّا وَقَعَ عليه الْعَقْدُ أَوَّلًا ولم يَسْأَلْ عن أَصْلِ عُقْدَةِ نِكَاحِهِنَّ وكان أَهْلُ الْأَوْثَانِ لَا يَعْقِدُونَ نِكَاحًا إلَّا نِكَاحًا لَا يَصْلُحُ أَنْ يُبْتَدَأَ في الْإِسْلَامِ فَعَفَاهُ وإذا عَفَا عَقْدًا وَاحِدًا فَاسِدًا لِأَنَّهُ فَائِتٌ في الشِّرْكِ فَسَوَاءٌ كُلُّ عَقْدٍ فَاسِدٍ فيه بِأَنْ يَنْكِحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَبِغَيْرِ شُهُودٍ وما أَشْبَهَ ذلك مِمَّا لَا يَجُوزُ ابْتِدَاؤُهُ في الْإِسْلَامِ فَأَكْثَرُ ما في النِّكَاحِ الزَّوَائِدُ على الْأَرْبَعِ في الشِّرْكِ بِأَنْ يَكُونَ نِكَاحُهُنَّ فَاسِدًا كَفَسَادِ ما وَصَفْنَا فإذا كان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَعْفُو عن ذلك
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَبِهَذَا نَقُولُ إذَا أَسْلَمَ الْمُشْرِكُ وَعِنْدَهُ أَكْثَرُ من أَرْبَعِ نِسْوَةٍ أَمْسَكَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا أَيَّتَهنَّ شَاءَ وَفَارَقَ سَائِرَهُنَّ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ له غَيْرُ ذلك لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل وما جاء عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ لَا يُجْمَعَ بين أَكْثَرَ من أَرْبَعِ نِسْوَةٍ في الْإِسْلَامِ

(5/164)


لِكُلِّ من أَسْلَمَ من أَهْلِ الشِّرْكِ وَيُقِرُّهُمْ على نِكَاحِهِمْ وَإِنْ كان فَاسِدًا عِنْدَنَا فَكَذَلِكَ إنْ أَرَادَ أَنْ يَحْبِسَ ما عَقَدَ بَعْدَ الْأَرْبَعِ في الشِّرْكِ يَجُوزُ ذلك له لِأَنَّ أَكْثَرَ حَالَاتِهِنَّ أَنْ يَكُونَ نِكَاحُهُنَّ فَاسِدًا وَلَا شَيْءَ أَوْلَى أَنْ يُشَبَّهَ بِشَيْءٍ من عَقْدٍ فَاسِدٍ يُعْفَى عنه بِعَقْدٍ يُعْفَى عنه وَلَوْ لم يَكُنْ في هذا حُجَّةٌ غَيْرُ هذا لاكتفي بها فَكَيْفَ وَمَعَهُ تَخْيِيرُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إيَّاهُ وَتَرَكَ مَسْأَلَتَهُ عن الْأَوَائِلِ وَالْأَوَاخِرِ كما تَرَكَ مَسْأَلَةَ من أَسْلَمَ من أَهْلِ الشِّرْكِ عن نِكَاحِهِ لِيَعْلَمَ أَفَاسِدٌ أَمْ صَحِيحٌ وهو مَعْفُوٌّ يَجُوزُ كُلُّهُ والاخر أَنَّهُ حَظَرَ عليه في الْإِسْلَامِ ما لَا يَجُوزُ أَنْ يُجَاوِزَ بَعْدَهُ أَرْبَعًا وَمِنْ الْجَمْعِ بين الْأُخْتَيْنِ فَحَكَمَ في الْعَقْدِ بِفَوَاتِهِ في الْجَاهِلِيَّةِ حُكْمَ ما قَبَضَ من الرِّبَا قال اللَّهُ تَعَالَى { اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ من الرِّبَا إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } فَحَكَمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِحُكْمِ اللَّهِ في أَنْ لم يَرُدَّ ما قُبِضَ من الرِّبَا لِأَنَّهُ فَاتَ وَرَدَّ ما لم يُقْبَضْ منه لِأَنَّ الْإِسْلَامَ أَدْرَكَهُ غير فَائِتٍ فَكَذَلِكَ حُكْمُ اللَّهِ عز وجل في عَقْدِ النِّكَاحِ في الْجَاهِلِيَّةِ إنْ لم يُرِدْهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِأَنَّهُ فَاتَ إنَّمَا هو شَيْءٌ وَاحِدٌ لَا يَتَبَعَّضُ فَيُجَازُ بَعْضُهُ وَيُرَدُّ بَعْضُهُ وَحَكَمَ فِيمَنْ أَدْرَكَهُ الْإِسْلَامُ من النِّسَاءِ عُقْدَةَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ فلم يَجُزْ أَنْ يَجْمَعَ بين أَكْثَرَ من أَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَلَا أَنْ يَجْمَعَ بين الْأُخْتَيْنِ لِأَنَّ هذا غَيْرُ فَائِتٍ أَدْرَكَهُنَّ الْإِسْلَامُ معه كما أَدْرَكَ ما لم يَفُتْ من الرِّبَا بِقَبْضٍ قال أَفَتُوجِدُنِي سِوَى هذا ما يَدُلُّ على أَنَّ الْعُقْدَةَ في النِّكَاحِ تَكُونُ كَالْعُقْدَةِ في الْبُيُوعِ وَالْفَوْتُ مع الْعُقْدَةِ فَقُلْت فِيمَا أَوْجَدْتُك كِفَايَةٌ قال فَاذْكُرْ غَيْرَهُ إنْ عَلِمْته قُلْت أَرَأَيْت امْرَأَةً نَكَحْتهَا بِغَيْرِ مَهْرٍ فَأَصَبْتهَا أو بِمَهْرٍ فَاسِدٍ قال فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ لَا يَنْفَسِخُ قُلْت له وَلَوْ عَقَدْت الْبَيْعَ بِغَيْرِ ثَمَنٍ مُسَمًّى أو ثَمَنٍ مُحَرَّمٍ رُدَّ الْبَيْعُ إنْ وُجِدَ فَإِنْ هَلَكَ في يَدَيْك كان عَلَيْك قِيمَتُهُ قال نعم قُلْت أَفَتَجِدُ عَقْدَ النِّكَاحِ ها هنا أُخِذَ كَعَقْدِ الْبَيْعِ يَرْبُونَهُ قال نعم قُلْت فما مَنَعَك في عَقْدِ النِّكَاحِ في الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ تَقُولَ هو كَفَائِتِ ما اقْتَسَمُوا عليه وَقَبَضُوا الْقَسْمَ وما أَرْبَوْا فَمَضَى قَبْضُهُ وَلَا أَرُدُّهُ وَقُلْت أرايت قَوْلَك أنظر إلَى الْعُقْدَةِ فَإِنْ كانت لو اُبْتُدِئَتْ في الْإِسْلَامِ جَازَتْ أَجَزْتهَا وَإِنْ كانت لو اُبْتُدِئَتْ في الْإِسْلَامِ رُدَّتْ رَدَدْتهَا أَمَّا ذلك فِيمَا جاء عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في حديث بن الدَّيْلَمِيِّ وَنَوْفَلِ بن مُعَاوِيَةَ ما قَطَعَ عَنْك مَوْضِعَ الشَّكِّ قال فَإِنَّمَا كَلَّمْتُك على حديث الزُّهْرِيِّ لِأَنَّ جُمْلَتَهُ قد يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَامًّا على ما وَصَفْت وَإِنْ لم يَكُنْ عَامًّا في الحديث فَقُلْت له هذا لو كان كان أَشَدَّ عَلَيْك وَلَوْ لم يَكُنْ فيه إلَّا حَدِيثُ بن عُمَرَ ولم يَكُنْ في حديث بن عُمَرَ دَلَالَةٌ كُنْت مَحْجُوجًا على لِسَانِك مع أَنَّ في حديث بن عُمَرَ دَلَالَةً عِنْدَنَا على قَوْلِنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قال فَأَوْجَدَنِي ما يَدُلُّ على خِلَافِ قَوْلِي لو لم يَكُنْ في حديث بن عُمَرَ دَلَالَةٌ بَيِّنَةٌ قُلْت أَرَأَيْت رَجُلًا ابْتَدَأَ في الْإِسْلَامِ نِكَاحًا بِشَهَادَةِ أَهْلِ الْأَوْثَانِ أَيَجُوزُ قال لَا وَلَا بِشَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ لِأَنَّهُمْ لَا يَكُونُونَ شُهَدَاءَ على الْمُسْلِمِينَ قُلْت أَفَرَأَيْت غَيْلَانَ بن سَلَمَةَ أَمِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ كان قبل الْإِسْلَامِ قال نعم قُلْت أَفَرَأَيْت أَحْسَنَ ما كان عِنْدَهُ أَلَيْسَ أَنْ يَنْكِحَ بِشَهَادَةِ أَهْلِ الْأَوْثَانِ قال بَلَى قُلْت فإذا زَعَمْت أَنْ يُقِرَّ مع أَرْبَعٍ وَأَحْسَنُ حَالِهِ فِيهِنَّ أَنْ يَكُونَ نِكَاحُهُنَّ بِشَهَادَةِ أَهْلِ الْأَوْثَانِ أَمَا خَالَفْت أَصْلَ قَوْلِك قال إنَّ هذا لَيَلْزَمُنِي قُلْت فَلَوْ لم يَكُنْ عَلَيْك حُجَّةٌ غَيْرُهُ كُنْت مَحْجُوجًا مع أَنَّا لَا نَدْرِي لَعَلَّهُمْ كَانُوا يَنْكِحُونَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَبِغَيْرِ شُهُودٍ وفي الْعِدَّةِ قال إنَّ هذا لَيُمْكِنُ فِيهِمْ وَيُرْوَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَنْكِحُونَ بِغَيْرِ شُهُودٍ وفي الْعِدَّةِ قال أَجَلْ وَلَكِنْ لم أَسْمَعْ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كَيْفَ سَأَلَهُمْ أَصْلَ نِكَاحِهِمْ قُلْت أَفَرَأَيْت إنْ قال لَك قَائِلٌ كما قُلْت لنا قد يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَأَلَهُمْ ولم يُؤَدِّ إلَيْك في الْخَبَرِ قال إذًا يَكُونُ ذلك له عَلَيَّ قُلْت له أَفَتَجِدُ بُدًّا من أَنْ يَكُونَ لِمَا لم يُؤَدِّ في الْخَبَرِ أَنَّهُ سَأَلَهُمْ عن اصل الْعُقْدَةِ كان ذلك عَفْوًا عن الْعُقْدَةِ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ لِأَهْلِ الْأَوْثَانِ إلَّا على ما لا يَصْلُحُ أَنْ يَبْتَدِئَهَا في الْإِسْلَامِ مُسْلِمٌ أو تَكُونُ تَقُولُ في الْعُقْدَةِ قَوْلَك
____________________

(5/165)


في عَدَدِ النِّسَاءِ أَنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ من تَحْرُمُ بِكُلِّ وَجْهٍ عليه فَتَقُولُ يَبْتَدِئُونَ مَعًا لِلنِّكَاحِ في الْإِسْلَامِ قال لَا أَقُولُهُ قُلْت وما مَنَعَك أَنْ تَقُولَهُ أَلَيْسَ بِأَنَّ السُّنَّةَ دَلَّتْ على أَنَّ الْعُقْدَةَ مَعْفُوَّةٌ لهم قال بَلَى قُلْت وإذا كانت مَعْفُوَّةً لم يَنْظُرْ إلَى فَسَادِهَا كما لَا يَنْظُرُ إلَى فَسَادِ نِكَاحِ من لَا يَجُوزُ نِكَاحُهُ وَلَا الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَلَا ما جَاوَزَتْ أَرْبَعًا قال وَالْعُقْدَةُ مُخَالِفَةٌ لِهَذَا قال قُلْت فَكَيْفَ جَمَعْت بين الْمُخْتَلِفِ وَنَظَرْت إلَى فَسَادِهَا مَرَّةً ولم تَنْظُرْ إلَيْهِ أُخْرَى فَرَجَعَ بَعْضُهُمْ إلَى قَوْلِنَا قال يُمْسِكُ أَرْبَعًا أَيَّتَهنَّ شَاءَ وَيُفَارِقُ سَائِرَهُنَّ وَعَابَ قَوْلَ أَصْحَابِهِ وقال نَحْنُ نُفَرِّقُ بين ما لَا يَتَفَرَّقُ في الْعُقُولِ بِقَوْلِ الرَّجُلِ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَكَيْفَ إذَا جاء قَوْلُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وهو الذي أَلْزَمَنَاهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَلَكِنْ حُدَّ لي فيه حَدًّا قُلْت في نِكَاحِ الشِّرْكِ شَيْئَانِ عُقْدَةٌ وما يَحْرُمُ مِمَّا تَقَعُ عليه الْعُقْدَةُ بِكُلِّ وَجْهٍ وَمُجَاوَزَةُ أَرْبَعٍ فلما رَدَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ما جَاوَزَ أَرْبَعًا دَلَّ على أَنَّهُ يَرُدُّ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ على النَّاكِحِ وَذَلِكَ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل وَلَمَّا لم يَسْأَلْ عن الْعُقْدَةِ عَلِمْت أَنَّهُ عَفَا عن الْعُقْدَةِ فَعَفَوْنَا عَمَّا عَفَا عنه وَانْتَهَيْنَا عن إفْسَادِ عَقْدِهَا إذَا كانت الْمَعْقُودُ عليها مِمَّنْ تَحِلُّ بِحَالٍ وَلَوْلَا ذلك رَدَدْنَا نِكَاحَ أَهْلِ الْأَوْثَانِ كُلَّهُ وَقُلْنَا ابتدءوه ( ( ( ابتدئوه ) ) ) في الْإِسْلَامِ حتى يُعْقَدَ بِمَا يَحِلَّ في الْإِسْلَامِ - * بَابُ نِكَاحِ الْوُلَاةِ وَالنِّكَاحُ بِالشَّهَادَةِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَهَذِهِ الْآيَةُ أَبْيَنُ آيَةٍ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل دَلَالَةً على أَنْ ليس للمراة الْحُرَّةِ أَنْ تَنْكِحَ نَفْسَهَا فَإِنْ قال قَائِلٌ نرى ( ( ( ترى ) ) ) ابْتِدَاءَ الْآيَةِ مُخَاطَبَةُ الْأَزْوَاجِ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يقول { وإذا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ } فَدَلَّ على أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ غير الْأَزْوَاجِ من قِبَلِ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا انْقَضَتْ عِدَّةُ الْمَرْأَةِ بِبُلُوغِ أَجَلِهَا لَا سَبِيلَ له عليها فَإِنْ قال قَائِلٌ فَقَدْ يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ { فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } إذَا شَارَفْنَ بُلُوغَ أَجَلِهِنَّ لِأَنَّ الْقَوْلَ لِلْأَزْوَاجِ { فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أو سرحوهن ( ( ( فارقوهن ) ) ) بِمَعْرُوفٍ } نَهَيَا أَنْ يَرْتَجِعَهَا ضِرَارًا لِيَعْضُلَهَا فَالْآيَةُ تَدُلُّ على أَنَّهُ لم يُرِدْ بها هذا الْمَعْنَى لِأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُهُ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ الْمُشَارِفَةَ بُلُوغَ أَجَلِهَا ولم تَبْلُغْهُ لَا يَحِلُّ لها أَنْ تَنْكِحَ وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ من النِّكَاحِ بِآخِرِ الْعِدَّةِ كما كانت مَمْنُوعَةً منه بِأَوَّلِهَا فإن اللَّهَ عز وجل يقول { فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إذَا تَرَاضَوْا } فَلَا يُؤْمَرُ بِأَنْ يَحِلَّ إنْكَاحُ الزَّوْجِ إلَّا من قد حَلَّ له الزَّوْجُ وقال بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إنَّ هذه الْآيَةَ نَزَلَتْ في مَعْقِلِ بن يَسَارٍ زَوَّجَ أُخْتَهُ فَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَأَرَادَ زَوْجُهَا أو أَرَادَتْ أَنْ يَتَنَاكَحَا فَمَنَعَهُ مَعْقِلُ بن يَسَارٍ أَخُوهَا وقال زَوَّجْتُك أُخْتِي وَآثَرْتُك على غَيْرِك ثُمَّ طَلَّقْتهَا فَلَا أُزَوِّجُكَهَا أَبَدًا فَنَزَلَتْ { فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ } وفي هذه الْآيَةِ الدَّلَالَةُ على أَنَّ النِّكَاحَ يَتِمُّ بِرِضَا الْوَلِيِّ وَالْمُنْكَحَةِ وَالنَّاكِحِ وَعَلَى أَنَّ على الْوَلِيِّ أَنْ لَا يَعْضُلَ فإذا كان عليه أَنْ لَا يَعْضُلَ فَعَلَى السُّلْطَانِ التَّزْوِيجُ إذَا عَضَلَ لِأَنَّ من مَنَعَ حَقًّا فَأَمْرُ السُّلْطَانِ جَائِزٌ عليه أَنْ يَأْخُذَهُ منه وَإِعْطَاؤُهُ عليه وَالسُّنَّةُ تَدُلُّ على ما دَلَّ عليه الْقُرْآنُ وما وَصَفْنَا من الْأَوْلِيَاءِ وَالسُّلْطَانِ
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال حدثنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن سُلَيْمَانَ بن مُوسَى عن بن شِهَابٍ عن عُرْوَةَ عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال أَيُّمَا امراة نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ثَلَاثًا فَإِنْ أَصَابَهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ من فَرْجِهَا فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ من لَا وَلِيَّ له + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَفِي سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم دَلَالَاتٌ منها أَنَّ لِلْوَلِيِّ شِرْكًا في بُضْعِ الْمَرْأَةِ وَلَا يَتِمُّ النِّكَاحُ إلَّا بِهِ ما لم يَعْضُلْهَا ثُمَّ لَا نَجِدُ لِشِرْكِهِ في بُضْعِهَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ على النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ } وقال في الْإِمَاءِ { فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ } وقال عز وجل { وإذا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ }

(5/166)


مَعْنَى تَمَلُّكِهِ وهو مَعْنَى فَضْلٍ نُظِرَ بِحِيَاطَةِ الْمَوْضِعِ أَنْ يَنَالَ الْمَرْأَة من لَا يُسَاوِيهَا وَعَلَى هذا الْمَعْنَى اعْتَمَدَ من ذَهَبَ إلَى الْأَكْفَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَدْعُوَ الْمَرْأَةَ الشَّهْوَةُ إلَى أَنْ تَصِيرَ إلَى ما لَا يَجُوزُ من النِّكَاحِ فَيَكُونُ الْوَلِيُّ أَبْرَأَ لها من ذلك فيها وفي قَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْبَيَانُ من أَنَّ الْعُقْدَةَ إذَا وَقَعَتْ بِغَيْرِ وَلِيٍّ فَهِيَ مُنْفَسِخَةٌ لِقَوْلِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ وَالْبَاطِلُ لَا يَكُونُ حَقًّا إلَّا بِتَجْدِيدِ نِكَاحِ غَيْرِهِ وَلَا يَجُوزُ لو أَجَازَهُ الْوَلِيُّ أَبَدًا لِأَنَّهُ إذَا انْعَقَدَ النِّكَاحُ بَاطِلًا لم يَكُنْ حَقًّا إلَّا بِأَنْ يَعْقِدَ عَقْدًا جَدِيدًا غير بَاطِلٍ وفي السُّنَّةِ دَلَالَةٌ على أَنَّ الْإِصَابَةَ إذَا كانت بِالشُّبْهَةِ فَفِيهَا الْمَهْرُ وَدُرِئَ الْحَدُّ لِأَنَّهُ لم يذكر حَدًّا وَفِيهَا أَنَّ على الْوَلِيِّ أَنْ يُزَوِّجَ إذَا رَضِيَتْ الْمَرْأَةُ وكان الْبَعْلُ رِضًا فإذا مَنَعَ ما عليه زَوَّجَ السُّلْطَانُ كما يُعْطِي السُّلْطَانُ وَيَأْخُذُ ما مَنَعَ مِمَّا عليه
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن عبد اللَّهِ بن الْفَضْلِ عن نَافِعٍ عن جُبَيْرِ بن مُطْعِمٍ عن بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا من وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ في نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) زَوَّجَهُ إيَّاهَا أَبُوهَا فَدَلَّ ذلك على أَنَّ أَبَا الْبِكْرِ أَحَقُّ بِإِنْكَاحِهَا من نَفْسِهَا لِأَنَّ ابْنَةَ سَبْعِ سِنِينَ وَتِسْعٍ لَا أَمْرَ لها في نَفْسِهَا وَلَيْسَ لِأَحَدٍ غَيْرِ الْآبَاءِ أَنْ يُزَوِّجُوا بِكْرًا حتى تَبْلُغَ وَيَكُونَ لها أَمْرٌ في نَفْسِهَا فَإِنْ قال قَائِلٌ فَلِمَ لَا تَقُولُ في وَلِيٍّ غَيْرِ الْأَبِ له أَنْ يُزَوِّجَ الْبِكْرَ وَإِنْ لم تَأْذَنْ وَجَعَلْتهَا فِيمَنْ بَقِيَ من الْأَوْلِيَاءِ بِمَنْزِلَةِ الثَّيِّبِ قُلْت فإن الْوَلِيَّ الْأَبُ الْكَامِلُ بِالْوِلَايَةِ كَالْأُمِّ الْوَالِدَةِ وَإِنَّمَا تَصِيرُ الْوِلَايَةُ بَعْدَ الْأَبِ لِغَيْرِهِ بِمَعْنَى فَقْدِهِ أو إخْرَاجِهِ نَفْسَهُ من الْوِلَايَةِ بِالْعَضْلِ كما تَصِيرُ الْأُمُّ غير الْأُمِّ كَالْوَالِدَةِ بِمَعْنَى رَضَاعٍ أو نِكَاحِ أَبٍ أو ما يَقَعُ عليه اسْمُ الْأُمِّ لِأَنَّهَا إذَا قِيلَ أُمٌّ كانت الْأُمُّ التي تُعْرَفُ الْوَالِدَةَ أَلَا تَرَى أَنْ لَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ مع أَبٍ وَمَنْ كان وَلِيًّا بَعْدَهُ ( 1 ) فَقَدْ يُشْرِكُهُ في الْوِلَايَةِ غير الْإِخْوَةِ وَبَنُو الْعَمِّ مع
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَفِي هذا الحديث دَلَالَةٌ على الْفَرْقِ بين الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ في أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا ما يَكُونُ فيه إذْنُهُمَا وهو أَنَّ إذْنَ الْبِكْرِ الصَّمْتُ فإذا كان إذْنُهَا الصَّمْتَ فَإِذْنُ التي تُخَالِفُهَا الْكَلَامُ لِأَنَّهُ خِلَافُ الصَّمْتِ وَهِيَ الثَّيِّبُ وَالثَّانِي أَنَّ أَمَرَهُمَا في وِلَايَةِ أَنْفُسِهِمَا لِأَنْفُسِهِمَا مُخْتَلِفٌ فَوِلَايَةُ الثَّيِّبِ أنها أَحَقُّ من الْوَلِيِّ وَالْوَلِيُّ ها هنا الْأَبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ دُونَ الْأَوْلِيَاءِ وَمِثْلُ هذا حَدِيثُ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَامٍ حين زَوَّجَهَا أَبُوهَا ثَيِّبًا وَهِيَ كَارِهَةٌ فَرَدَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نِكَاحَهُ وَالْبِكْرُ مُخَالِفَةٌ لها حين اخْتَلَفَ في أَصْلِ لَفْظِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فإذا خَالَفَتْهَا كان الْأَبُ أَحَقَّ بِأَمْرِهَا من نَفْسِهَا فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على ذلك قِيلَ اللَّفْظُ بِالْحَدِيثِ يَدُلُّ على فَرْقٍ بَيْنَهُمَا إذْ قال الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا وَأَمَرَ في الْبِكْرِ أَنْ تُسْتَأْذَنَ وَلَوْ كَانَتَا مَعًا سَوَاءٌ كان اللَّفْظُ هُمَا أَحَقُّ بِأَنْفُسِهِمَا وَإِذْنُ الْبِكْرِ الصَّمْتُ وَإِذْنُ الثَّيِّبِ الْكَلَامُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَقَدْ أَمَرَ بِاسْتِئْمَارِهَا فَاسْتِئْمَارُهَا يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْأَبِ تَزْوِيجُهَا إلَّا بِأَمْرِهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُسْتَأْمَرَ على مَعْنَى اسْتِطَابَةِ نَفْسِهَا وَأَنْ تَطَّلِعَ من نَفْسِهَا على أَمْرٍ لو أَطْلَعَتْهُ لِأَبٍ كان شَبِيهًا أَنْ يُنَزِّهَهَا بِأَنْ لَا يُزَوِّجَهَا فَإِنْ قال قَائِلٌ فَلِمَ قُلْت يَجُوزُ نِكَاحُهَا وَإِنْ لم يَسْتَأْمِرْهَا قِيلَ له بِمَا وَصَفْت من الِاسْتِدْلَالِ بِفَرْقِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بين الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ إذْ قال الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا من وَلِيِّهَا ثُمَّ قال وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ في نَفْسِهَا فَلَا يَجُوزُ عِنْدِي إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ حَالُهُمَا في أَنْفُسِهِمَا وَلَا يُفَرَّقُ حَالُهُمَا في أَنْفُسِهِمَا إلَّا بِمَا قُلْت من ان لِلْأَبِ على الْبِكْرِ ما ليس له على الثَّيِّبِ كما اسْتَدْلَلْنَا إذْ قال في الْبِكْرِ وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا ولم يَقُلْ في الثَّيِّبِ إذْنُهَا الْكَلَامُ على أَنَّ إذْنَ الثَّيِّبِ خِلَافُ الْبِكْرِ وَلَا يَكُونُ خِلَافَ الصَّمْتِ إلَّا النُّطْقُ بِالْإِذْنِ قال فَهَلْ على ما وَصَفْت من دَلَالَةٍ قِيلَ نعم
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن هِشَامٍ عن أبيه عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها قالت تَزَوَّجَنِي رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وأنا ابْنَةُ سَبْعٍ وَبَنَى بِي وأنا بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ

(5/167)


الْمَوْلَى يَكُونُونَ شُرَكَاءَ في الْوِلَايَةِ وَلَا يُشْرِكُ الْأَبُ أحد ( ( ( أحدا ) ) ) في الْوِلَايَةِ بِانْفِرَادِهِ بِالْوِلَايَةِ بِمَا وَجَبَ له من اسْمِ الْأُبُوَّةِ مُطْلَقًا له دُونَ غَيْرِهِ كما أَوْجَبَ لِلْأُمِّ الْوَالِدَةِ اسْمَ الْأُمِّ مُطْلَقًا لها دُونَ غَيْرِهَا فَإِنْ قال قَائِلٌ فَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِالِاسْتِئْمَارِ من له أَمْرٌ في نَفْسِهِ يُرَدُّ عنه إنْ خُولِفَ أَمْرُهُ وَسَأَلَ عن الدَّلَالَةِ على ما قُلْنَا من أَنَّهُ قد يُؤْمَرُ بِالِاسْتِئْمَارِ من لَا يَحِلُّ مَحَلَّ أَنْ يَرُدَّ عنه خِلَافَ ما أُمِرَ بِهِ فَالدَّلَالَةُ عليه أَنَّ اللَّهَ عز وجل يقول لِنَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم { فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لهم وَشَاوِرْهُمْ في الْأَمْرِ } فَإِنَّمَا افْتَرَضَ عليهم طَاعَتَهُ فيما أَحَبُّوا وَكَرِهُوا وَإِنَّمَا أُمِرَ بِمُشَاوَرَتِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِجَمْعِ الْأُلْفَةِ وَأَنْ يَسْتَنَّ بِالِاسْتِشَارَةِ بَعْدَهُ من ليس له من الْأَمْرِ ما له وَعَلَى أَنَّ أَعْظَمَ لِرَغْبَتِهِمْ وَسُرُورِهِمْ أَنْ يُشَاوِرُوا لَا على أَنَّ لِأَحَدٍ من الادميين مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يَرُدَّهُ عنه ( ( ( عنده ) ) ) إذَا عَزَمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على الْأَمْرِ بِهِ وَالنَّهْيِ عنه أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ عز وجل { فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عن أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أو يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } وقال عز وجل { النبي أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ من أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } وَقَوْلُهُ { فَلَا وَرَبِّك لَا يُؤْمِنُونَ حتى يُحَكِّمُوك فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا في أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْت وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مُسْلِمٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ نُعَيْمًا أَنْ يُؤَامِرَ أُمَّ ابْنَتِهِ فيها وَلَا يَخْتَلِفُ الناس أَنْ ليس لِأُمِّهَا فيها أَمْرٌ وَلَكِنْ على مَعْنَى اسْتِطَابَةِ النَّفْسِ وما وَصَفْت أَوَّلًا تَرَى أَنَّ في حديث نُعَيْمٍ ما بَيَّنَ ما وَصَفْت لِأَنَّ ابْنَةَ نُعَيْمٍ لو كان لها أَنْ تَرُدَّ أَمْرَ أَبِيهَا وَهِيَ بِكْرٌ أَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بمسئلتها ( ( ( بمسألتها ) ) ) فَإِنْ أَذِنَتْ جَازَ عليها وَإِنْ لم تَأْذَنْ رَدَّ عنها كما رَدَّ عن خَنْسَاءَ ابنة ( ( ( بنت ) ) ) خذام ( ( ( خدام ) ) ) وَلَوْ كان نُعَيْمٌ اسْتَأْذَنَ ابْنَتَهُ وكان شَبِيهًا أَنْ لَا يُخَالِفَ أُمَّهَا وَلَوْ خَالَفَهَا أو تَفَوَّتَ عليها فَكَانَ نِكَاحُهَا بِإِذْنِهَا كانت أُمُّهَا شَبِيهًا أَنْ لَا تُعَارِضَ نُعَيْمًا في كَرَاهِيَةِ إنْكَاحِهَا من رَضِيَتْ وَلَا أَحْسِبُ أُمَّهَا تَكَلَّمَتْ إلَّا وقد سَخِطَتْ ابْنَتُهَا أو لم تَعْلَمْهَا رَضِيَتْ
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن عبد الرحمن بن الْقَاسِمِ عن أبيه عن عبد الرحمن وَمُجَمِّعٍ ابْنَيْ يَزِيدَ بن حَارِثَةَ عن خَنْسَاءَ بِنْتِ خذام ( ( ( خدام ) ) ) الْأَنْصَارِيَّةِ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ فَكَرِهَتْ ذلك فَأَتَتْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَرَدَّ نِكَاحَهَا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَرُوِيَ عن الْحَسَنِ بن أبي الْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ وَهَذَا وَإِنْ كان مُنْقَطِعًا دُونَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فإن أَكْثَرَ اهل الْعِلْمِ يقول بِهِ وَيَقُولُ الْفَرْقُ بين النِّكَاحِ وَالسِّفَاحِ الشُّهُودُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وهو ثَابِتٌ عن بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما وَغَيْرِهِ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَالنِّكَاحُ يَثْبُتُ بِأَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ الْوَلِيُّ وَرِضَا الْمَنْكُوحَةِ وَرِضَا النَّاكِحِ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ إلَّا ما وَصَفْنَا من الْبِكْرِ يُزَوِّجُهَا الْأَبُ وَالْأَمَةُ يُزَوِّجُهَا السَّيِّدُ بِغَيْرِ رِضَاهُمَا فَإِنَّهُمَا مُخَالِفَانِ ما سِوَاهُمَا وقد تَأَوَّلَ فيها بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَوْلَ اللَّهِ عز وجل أو يَعْفُوَ الذي بيده عُقْدَةُ النِّكَاحِ وقال الْأَبُ في ابْنَتِهِ الْبِكْرِ وَالسَّيِّدُ في أَمَتِهِ وقد خَالَفَهُ غَيْرُهُ فِيمَا تَأَوَّلَ وقال هو الزَّوْجُ يَعْفُو فَيَدَعُ مَالَهُ من أَخْذِ نِصْفِ الْمَهْرِ وفي الْآيَةِ كَالدَّلَالَةِ على أَنَّ الذي بيده عُقْدَةُ النِّكَاحِ هو الزَّوْجُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَهَذَا مَكْتُوبٌ في كِتَابِ الطَّلَاقِ فإذا كان يَتِمُّ بِأَشْيَاءَ فَنَقَصَ منها وَاحِدٌ فَهُوَ غَيْرُ تَامٍّ وَلَا جَائِزٍ فَأَيُّ هذه الْأَرْبَعَةِ نَقَصَ لم يَجُزْ معه النِّكَاحُ وَيَجِبُ خَامِسَةً أَنْ يسمى الْمَهْرَ وَإِنْ لم يَفْعَلْ كان النِّكَاحُ جَائِزًا فِيمَا ذَكَرْنَا من حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى في الْمُهُورِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَذَا مُوَافِقٌ قَوْلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا من وَلِيِّهَا وَالدَّلِيلُ على ما قُلْنَا من أَنْ ليس للمراة أَنْ تَنْكِحَ إلَّا بِإِذْنِ وَلِيٍّ وَلَا لِلْوَلِيِّ أَنْ يُزَوِّجَهَا إلَّا بِإِذْنِهَا وَلَا يَتِمُّ نِكَاحٌ إلَّا بِرِضَاهُمَا مَعًا وَرِضَا الزَّوْجِ

(5/168)


- * الْخِلَافُ في نِكَاح الْأَوْلِيَاءِ وَالسُّنَّة في النِّكَاحِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَقُلْت له وَإِنَّمَا فَارَقْت قَوْلَ صَاحِبِك وَرَأَيْته مَحْجُوجًا بِأَنَّهُ يُخَالِفُ الحديث وَإِنَّمَا الْقِيَاسُ الْجَائِزُ أَنْ يُشَبِّهَ ما لم يَأْتِ فيه حَدِيثٌ بِحَدِيثٍ لَازِمٍ فَأَمَّا أَنْ تَعْمِدَ إلَى حَدِيثٍ وَالْحَدِيثُ عَامٌّ فَتَحْمِلُهُ على أَنْ يُقَاسَ فما لِلْقِيَاسِ وَلِهَذَا الْمَوْضِعِ إنْ كان الْحَدِيثُ يُقَاسُ فَأَيْنَ الْمُنْتَهَى إذَا كان الْحَدِيثُ قِيَاسًا قُلْت من قال هذا فَهُوَ منه جَهْلٌ وَإِنَّمَا الْعِلْمُ اتِّبَاعُ الحديث كما جاء قال نعم قُلْت فَأَنْتَ قد دَخَلْت في بَعْضِ مَعْنَى قَوْلِ صَاحِبِك قال وَأَيْنَ قُلْت زَعَمْت أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَالنِّكَاحُ مَوْقُوفٌ حتى يُجِيزَهُ السُّلْطَانُ إذَا رَآهُ احْتِيَاطًا أو يَرُدَّهُ قال نعم قُلْت فَقَدْ خَالَفْت الحديث يقول النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نِكَاحُهَا بَاطِلٌ وَعُمَرُ رضي اللَّهُ عنه يَرُدُّهُ فَخَالَفْتهمَا مَعًا فَكَيْفَ يُجِيزُ السُّلْطَانُ عُقْدَةً إذَا كان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَبْطَلَهَا قال وَكَيْفَ تَقُولُ قُلْت يَسْتَأْنِفُهَا بِأَمْرٍ يُحْدِثُهُ فإذا فَعَلَ ذلك فَلَيْسَ ذلك بِإِجَازَةِ الْعُقْدَةِ الْفَاسِدَةِ بَلْ الِاسْتِئْنَافِ وهو نِكَاحٌ جَدِيدٌ يَرْضَيَانِ بِهِ قُلْت أَرَأَيْت رَجُلًا نَكَحَ امْرَأَةً على أَنَّهُ بِالْخِيَارِ أو هِيَ أَيَجُوزُ الْخِيَارُ قال لَا قُلْت وَلِمَ لَا يَجُوزُ كما يَجُوزُ في الْبُيُوعِ قال ليس كَالْبُيُوعِ قُلْت وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْجِمَاعَ كان مُحَرَّمًا قبل الْعُقْدَةِ فلما انْعَقَدَتْ حَلَّ الْجِمَاعُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْعُقْدَةُ التي بها يَكُونُ الْجِمَاعُ بِالنِّكَاحِ تَامًّا أَبَدًا إلَّا وَالْجِمَاعُ مُبَاحٌ وَإِنْ كان غير مُبَاحٍ فَالْعُقْدَةُ غَيْرُ ثَابِتَةٍ لِأَنَّ الْجِمَاعَ ليس بِمِلْكِ مَالٍ يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي هِبَتُهُ لِلْبَائِعِ وَلِلْبَائِعِ هِبَتُهُ لِلْمُشْتَرِي إنَّمَا هِيَ إبَاحَةُ شَيْءٍ كان مُحَرَّمًا يَحِلُّ بها لَا شَيْءَ يَمْلِكُهُ مِلْكَ الْأَمْوَالِ قال ما فيه فَرْقٌ أَحْسَنُ من هذا وَإِنَّمَا دُونَ هذا الْفَرْقِ قُلْت له تَرَكْت في الْمَرْأَةِ تُنْكَحُ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيٍّ الحديث وَالْقِيَاسَ وَزَعَمْت أَنَّ الْعُقْدَةَ مَرْفُوعَةٌ وَالْجِمَاعَ غَيْرُ مُبَاحٍ فَإِنْ أَجَازَهَا الْوَلِيُّ جَازَتْ وقد كان الْعَقْدُ فيها غير تَامٍّ ثُمَّ زَعَمْت هذا أَيْضًا في الْمَرْأَةِ يُزَوِّجُهَا الْوَلِيُّ بِغَيْرِ إذْنِهَا فَقُلْت إنْ أَجَازَتْ النِّكَاحَ جَازَ وَإِنْ رَدَّتْهُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس في الْأَوْلِيَاءِ فقال إذَا نَكَحَتْ الْمَرْأَةُ كفؤا ( ( ( كفئا ) ) ) بِمَهْرِ مِثْلِهَا فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَإِنْ لم يُزَوِّجْهَا وَلِيٌّ وَإِنَّمَا أُرِيدَ بهذا أَنْ يَكُونَ ما يُفْعَلُ أَنْ يَأْخُذَ بِهِ حَظَّهَا فإذا أَخَذَتْهُ كما يَأْخُذُهُ الْوَلِيُّ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَذَكَرْت له بعض ( ( ( لبعض ) ) ) ما وَصَفْت من الْحُجَّةِ في الْأَوْلِيَاءِ وَقُلْت له أَرَأَيْت لو عَارَضَك مُعَارِضٌ بِمِثْلِ حُجَّتِك فقال إنَّمَا أُرِيدَ من الْإِشْهَادِ أَنْ لَا يتجاحد الزَّوْجَانِ فإذا نَكَحَهَا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ فَهُوَ كَالْبُيُوعِ تَثْبُتُ وَإِنْ عُقِدَتْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ قال ليس ذلك له قُلْنَا وَلِمَ قال لِأَنَّ سُنَّةَ النِّكَاحِ الْبَيِّنَةُ فَقُلْت له الْحَدِيثُ في الْبَيِّنَةِ في النِّكَاحِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مُنْقَطِعٌ وَأَنْتَ لَا تُثْبِتُ الْمُنْقَطِعَ وَلَوْ أَثْبَتَّهُ دخل عَلَيْك الْوَلِيُّ قال فإنه عن بن عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ مُتَّصِلٌ قُلْت وَهَكَذَا أَيْضًا الْوَلِيُّ عَنْهُمْ وَالْحَدِيثُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ وَعَنْ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ رَدَّ النِّكَاحَ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيٍّ وَعَنْ غَيْرِهِ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَكَيْفَ أَفْسَدْت النِّكَاحَ بِتَرْكِ الشَّهَادَةِ فيه وَأَثْبَته بِتَرْكِ الْوَلِيِّ وهو أَثْبَت في الْإِخْبَارِ من الشَّهَادَةِ ولم تَقُلْ إنَّ الشُّهُودَ إنَّمَا جُعِلُوا لِاخْتِلَافِ الْخَصْمَيْنِ فَيَجُوزُ إذَا تَصَادَقَ الزَّوْجَانِ وَقُلْت لَا يَجُوزُ لِعِلَّةٍ في شَيْءٍ جَاءَتْ بِهِ سُنَّةٌ وما جَاءَتْ بِهِ سُنَّةٌ فإنه يَثْبُتُ بِنَفْسِهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُقَاسَ على سُنَّةٍ أُخْرَى لِأَنَّا لَا نَدْرِي لَعَلَّهُ أَمَرَ بِهِ لِعِلَّةٍ أَمْ لِغَيْرِهَا وَلَوْ جَازَ هذا لنا أَبْطَلْنَا عَامَّةَ السُّنَنِ وَقُلْنَا إذَا نَكَحَتْ بِغَيْرِ صَدَاقٍ وَرَضِيَتْ لم يَكُنْ لها صَدَاقٌ وَإِنْ دخل بها لِأَنَّا إنَّمَا نَأْخُذُ الصَّدَاقَ لها وَأَنَّهَا إذَا عَفَتْ الصَّدَاقَ جَازَ فَنُجِيزُ النِّكَاحَ وَالدُّخُولَ بِلَا مَهْرٍ فَكَيْفَ لم تَقُلْ في الْأَوْلِيَاءِ هَكَذَا قال فَقَدْ خَالَفْت صَاحِبِي في قَوْلِهِ في الْأَوْلِيَاءِ وَعَلِمْت أَنَّهُ خِلَافُ الحديث فَلَا يَكُونُ النِّكَاحُ إلَّا بِوَلِيٍّ

(5/169)


فَهُوَ مَرْدُودٌ وفي الرَّجُلِ يُزَوِّجُ الْمَرْأَةَ بِغَيْرِ عِلْمِهِ إنْ أَجَازَ النِّكَاحَ جَازَ وَإِنْ رَدَّهُ فَهُوَ مَرْدُودٌ وَأَجَزْت أَنْ تَكُونَ الْعُقْدَةُ مُنْعَقِدَةً وَالْجِمَاعُ غير مُبَاحٍ وَأَجَزْت الْخِيَارَ في النِّكَاحِ وهو خِلَافُ السُّنَّةِ وَخِلَافُ أَصْلٍ من ذلك قال فما تَقُولُ أنت قُلْت كُلُّ عِدَّةٍ انْعَقَدَتْ غير تَامَّةٍ ( 1 ) يَكُونُ الْجِمَاعُ بها مُبَاحًا فَهِيَ مَفْسُوخَةٌ لَا نُجِيزُهَا بِإِجَازَةِ رَجُلٍ وَلَا امْرَأَةٍ وَلَا وَلِيٍّ وَلَا سُلْطَانٍ وَلَا بُدَّ فيها من اسْتِئْنَافٍ بِالسُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ عليها وَكُلُّ ما زَعَمْت أنت من هذا أَنَّهُ مَوْقُوفٌ على رِضَا امْرَأَةٍ أو رَجُلٍ أو وَلِيٍّ أو سُلْطَانٍ فَهُوَ مَفْسُوخٌ عِنْدِي وَقُلْت له قال صَاحِبُك في الصَّبِيَّةِ يُزَوِّجُهَا غَيْرُ الْأَبِ النِّكَاحُ ثَابِتٌ وَلَهَا الْخِيَارُ إذَا بَلَغَتْ فَجَعْلُهَا وَارِثَةً مَوْرُوثَةً يُحِلُّ جِمَاعَهَا وَتَخْتَارُ إذَا بَلَغَتْ فَأَجَازَ الْخِيَارَ بَعْدَ إبَاحَةِ جِمَاعِهَا إذَا احْتَمَلَتْ الْجِمَاعَ قبل تَبْلُغَ قال فَقَدْ خَالَفْنَاهُ في هذا فَقُلْنَا لَا خِيَارَ لها وَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ فَقُلْت له وَلِمَ أَثْبَتَّ النِّكَاحَ على الصَّغِيرَةِ لِغَيْرِ الْأَبِ فَجَعَلْتهَا يَمْلِكُ عليها أَمْرَهَا غَيْرُ أَبِيهَا وَلَا خِيَارَ لها وقد زَعَمْت أَنَّ الْأَمَةَ إنَّمَا جُعِلَ لها الْخِيَارُ إذَا عَتَقَتْ لِأَنَّهَا كانت لَا تَمْلِكُ نَفْسَهَا بِأَنْ تَأْذَنَ فَيَجُوزُ عليها وَلَا تُرَدُّ فَيَرُدُّ عنها فلم يَصْلُحْ عِنْدَك أَنْ تَتِمَّ عليها عُقْدَةٌ انْعَقَدَتْ قبل أَنْ يَكُونَ لها الْأَمْرُ ثُمَّ يَكُونَ لها أَمْرٌ فَلَا تَمْلِكُ النِّكَاحَ وَلَا رَدَّ إجَازَتِهِ قال فَتَقُولُ مَاذَا قُلْت لَا يُثْبِتُ على صَغِيرَةٍ وَلَا صَغِيرٍ إنْكَاحَ أَحَدٍ غَيْرُ أَبِيهَا وَأَبِيهِ وَلَا يَتَوَارَثَانِ قال فَإِنَّا إنَّمَا أَجَزْنَاهُ عليها على وَجْهِ النَّظَرِ لها قُلْت فَيَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ لها نَظَرًا يَقْطَعُ بِهِ حَقَّهَا الذي أَثْبَته لها الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ من أَنَّهُ ليس لِغَيْرِ الْأَبِ أَنْ يُزَوِّجَ حُرَّةً بَالِغَةً إلَّا بِرِضَاهَا وَذَلِكَ أَنَّ تَزْوِيجَهَا إثْبَاتُ حَقٍّ عليها لَا تَخْرُجُ منه فَإِنْ زَوَّجَهَا صَغِيرَةً ثُمَّ صَارَتْ بَالِغَةً لَا أَمْرَ لها في رَدِّ النِّكَاحِ فَقَدْ قَطَعَتْ حَقَّهَا الْمَجْعُولَ لها وَإِنْ جَعَلْت لها الْخِيَارَ دَخَلَتْ في الْمَعْنَى الذي عِبْت من أَنْ تَكُونَ وَارِثَةً مَوْرُوثَةً وَلَهَا بَعْدُ خِيَارٌ (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقال لي فَقَدْ يَدْخُلُ عَلَيْك في الْأَمَةِ مِثْلُ ما دخل عَلَيَّ قُلْت لَا الْأَمَةُ أنا أُخَيِّرُهَا عِنْدَ الْعَبْدِ بِالِاتِّبَاعِ وَلَا أُخَيِّرُهَا عِنْدَ الْحُرِّ لِاخْتِلَافِ حَالِ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَأَنَّ الْعَبْدَ لو انْتَسَبَ حُرًّا فَتَزَوَّجَهَا على ذلك خَيَّرْتهَا لِأَنَّهُ لَا يَصِلُ من أَدَاءِ الْحَقِّ لها وَالتَّوَصُّلِ إلَيْهَا إلَى ما يَصِلُ إلَيْهِ الْحُرُّ وَالْأَمَةُ مُخَالِفَةٌ لها وَالْأَمَةُ الثَّيِّبُ الْبَالِغُ يُزَوِّجُهَا سَيِّدُهَا كَارِهَةً وَلَا يُزَوِّجُ الْبَالِغَةَ الْبِكْرَ وَلَا الصَّغِيرَةَ غَيْرُ الْأَبِ كَارِهَةً قال فما تَرَى لو كانت فَقِيرَةً فَزُوِّجَتْ نظرا ( ( ( نظيرا ) ) ) لها أَنَّ النِّكَاحَ جَائِزٌ قُلْت أَيَجُوزُ أَنْ أَنْظُرَ إلَيْهَا بِأَنْ أَقْطَعَ الْحَقَّ الذي جُعِلَ لها في نَفْسِهَا هل رايت فَقِيرًا يَقْطَعُ حقه حَقَّهُ في نَفْسِهِ وَلَا يَقْطَعُ حَقَّ الْغَنِيِّ قال فَقَدْ بِيعَ عليها في مَالِهَا قُلْت فِيمَا لَا بُدَّ لها منه وَكَذَلِكَ أَبِيعُ على الْغَنِيَّةِ وفي النَّظَرِ لَهُمَا أَبِيعُ وَحَقُّهُمَا في أَمْوَالِهِمَا مُخَالِفٌ حَقَّهُمَا في أَنْفُسِهِمَا قال فما فَرْقٌ بَيْنَهُمَا قُلْت أَفَرَأَيْت لو دَعَتْ الْمَرْأَةُ الْبَالِغَةُ أو الرَّجُلُ الْبَالِغُ الْمَوْلَى عَلَيْهِمَا إلَى بَيْعِ شَيْءٍ من أَمْوَالِهِمَا إمْسَاكُهُ خَيْرٌ لَهُمَا بِلَا ضَرُورَةٍ في مَطْعَمٍ وَلَا غَيْرِهِ أَتَبِيعُهُ قال لَا قُلْت وَلَوْ وَجَبَ على أَحَدِهِمَا أو اُحْتِيجَ إلَى بَيْعِ بَعْضِ مَالِهِ في ضَرُورَةٍ نَزَلَتْ بِهِ أو حَقٍّ يَلْزَمُهُ أَتَبِيعُهُ وهو كَارِهٌ قال نعم قُلْت فَلَوْ دعت ( ( ( دعيت ) ) ) الْبَالِغُ إلَى مُنْكِحٍ كُفْءٍ أَتَمْنَعُهَا قال لَا قُلْت وَلَوْ خَطَبَهَا فَمَنَعْته أَتُنْكِحُهَا قال لَا قُلْت أَفَتَرَى حَقَّهَا في نَفْسِهَا يُخَالِفُ حَقَّهَا في مَالِهَا قال نعم وقد يَكُونُ النِّكَاحُ لِلْفَقِيرَةِ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ سَوَاءً قُلْت له وَكَيْفَ زَعَمْت أَنْ لَا نَفَقَةَ لها حتى تَبْلُغَ الْجِمَاعَ فَعَقَدْت عليها النِّكَاحَ ولم تَأْخُذْ لها مَهْرًا وَلَا نَفَقَةً وَمَنَعْتهَا بِذَلِكَ من غَيْرِ من زَوَّجْته إيَّاهَا وَلَعَلَّ غَيْرَهُ خَيْرٌ لها أو أَحَبُّ إلَيْهَا أو أَوْفَقُ لها في دِينٍ أو خُلُقٍ أو غَيْرِ ذلك فَلَسْت أَرَى عَقْدَك عليها إلَّا خِلَافَ النَّظَرِ لها لِأَنَّهَا لو كانت بَالِغًا كانت أَحَقَّ بِنَفْسِهَا مِنْك كان النَّظَرُ يَكُونُ بِوُجُوهٍ منها أَنْ تُوضَعَ في كَفَاءَةٍ أو عِنْدَ ذِي دِينٍ أو عِنْدَ ذِي خُلُقٍ أو عِنْدَ ذِي مَالٍ أو عِنْدَ من تَهْوَى فَتُعَفُّ بِهِ عن التَّطَلُّعِ إلَى غَيْرِهِ وكان أَحَدٌ لَا يَقُومُ في النَّظَرِ لها في الْهَوَى وَالْمَعْرِفَةِ وَالْمُوَافَقَةِ لها مَقَامَ نَفْسِهَا لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ ذَاتَ نَفْسِهَا من الناس إلَّا هِي

(5/170)


فَإِنْكَاحُهَا وَإِنْ كانت فَقِيرَةً قد يَكُونُ نَظَرًا عليها وَخِلَافُ النَّظَرِ لها قال أَمَّا في مَوْضِعِ الْهَوَى في الزَّوْجِ فَنَعَمْ قُلْت فَهِيَ لو كانت بَالِغَةً فَدَعَوْتهَا إلَى خَيْرِ الناس وَدَعَتْ إلَى دُونِهِ إذَا كان كفؤا ( ( ( كفئا ) ) ) كان الْحَقُّ عِنْدَك أَنَّ زَوْجَهَا من دَعَتْ إلَيْهِ وَكَانَتْ أَعْلَمَ بِمَنْ يُوَافِقُهَا وَحَرَامٌ عِنْدَك أَنْ تَمْنَعَهَا إيَّاهُ وَلَعَلَّهَا تُفْتَتَنُ بِهِ أَلَيْسَ تَزَوَّجُهُ قال نعم قُلْت فَأَرَاهَا أَوْلَى بِالنَّظَرِ لِنَفْسِهَا مِنْك وَأَرَى نَظَرَك لها في الْحَالِ التي لَا تَنْظُرُ فيه لِنَفْسِهَا قد يَكُونُ عليها قُلْت أَفَتُزَوِّجُ الصَّغِيرَةَ الْغَنِيَّةَ قال نعم قُلْت قد يَكُونُ تَزْوِيجُهَا نَظَرًا عليها تَمُوتُ فَيَرِثُهَا الذي زَوَّجْتهَا إيَّاهُ وَتَعِيشُ عُمُرًا غير مُحْتَاجَةٍ إلَى مَالِ الزَّوْجِ وَمُحْتَاجَةٍ إلَى مُوَافَقَتِهِ وَتَكُونُ أَدْخَلْتهَا فِيمَا لَا يوافقها ( ( ( توافقها ) ) ) وَلَيْسَتْ فيها الْحَاجَةُ التي اعْتَلَلْت بها في الْفَقِيرَةِ قال فَيَقْبُحُ أَنْ نَقُولَ تُزَوَّجُ الْفَقِيرَةُ وَلَا تُزَوَّجُ الْغَنِيَّةُ قُلْت كِلَاهُمَا قَبِيحٌ قال فَقَدْ تَزَوَّجَ بَعْضُ التَّابِعِينَ قُلْت قد نُخَالِفُ نَحْنُ بَعْضَ التَّابِعِينَ بِمَا حُجَّتُنَا فيه أَضْعَفُ من هذه الْحُجَّةِ وَأَنْتَ لَا تَرَى قَوْلَ أَحَدٍ من التَّابِعِينَ يَلْزَمُ فَكَيْفَ تَحْتَجُّ بِهِ ( 1 ) قُلْت له أَرَأَيْت إذَا جَامَعْتَنَا في أَنْ لَا نِكَاحَ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ وَاكْتَفَيْنَا إذَا قُلْت بِشَاهِدَيْنِ إني إنَّمَا أَرَدْت الشَّاهِدَيْنِ اللذين ( ( ( الذين ) ) ) تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا فَأَمَّا من لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فَلَا يَجُوزُ النِّكَاحُ بِهِ كما يَكُونُ من شَهِدَ بِحَقٍّ مِمَّنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ غير مَأْخُوذٍ بِشَهَادَتِهِ حَقٌّ فَقُلْت أنت تُجِيزُ النِّكَاحَ بِغَيْرِ من تَجُوزُ شَهَادَتُهُ إذَا وَقَعَ عليها اسْمُ الشَّهَادَةِ فَكَيْفَ قُلْت بِالِاسْمِ دُونَ الْعَدْلِ هُنَا ولم تَقُلْ هُنَاكَ قال لَمَّا جاء الْحَدِيثُ فلم يذكر عَدْلًا قُلْت هذا مَعْفُوٌّ عن الْعَدْلِ فيه فَقُلْت له قد ذَكَرَ اللَّهُ عز وجل شُهُودَ الزنى وَالْقَذْفِ وَالْبَيْعِ في الْقُرْآنِ ولم يذكر عَدْلًا وَشَرَطَ الْعَدْلَ في مَوْضِعٍ غَيْرِ هذا الْمَوْضِعِ أَفَرَأَيْت إنْ قال لَك رَجُلٌ بِمِثْلِ حُجَّتِك إذَا سَكَتَ عن ذِكْرِ الْعَدْلِ وَسَمَّى الشُّهُودَ اكْتَفَيْت بِتَسْمِيَةِ الشُّهُودِ دُونَ الْعَدْلِ قال ليس ذلك له إذَا ذَكَرَ اللَّهُ الشُّهُودَ وَشَرَطَ فِيهِمْ الْعَدَالَةَ في مَوْضِعٍ ثُمَّ سَكَتَ عن ذِكْرِ الْعَدَالَةِ فِيهِمْ في غَيْرِهِ اسْتَدْلَلْت على أَنَّهُ لم يُرِدْ بِالشُّهُودِ إلَّا أَنْ يَكُونُوا عُدُولًا قُلْت وَكَذَلِكَ إذَا قُلْت لِرَجُلٍ في حَقٍّ ائْتِ بِشَاهِدَيْنِ لم تَقْبَلْ إلَّا عُدُولًا قال نعم قُلْت أَفَيَعْدُو النِّكَاحُ أَنْ يَكُونَ كَبَعْضِ هذا فَلَا يُقْبَلُ فيه إلَّا الْعَدْلُ وَكَالْبُيُوعِ لَا يُسْتَغْنَى فيه عن الشَّهَادَةِ إذَا تَشَاجَرَ الزَّوْجَانِ أو يَكُونُ فيه خَبَرٌ عن أَحَدٍ يَلْزَمُ قَوْلُهُ فينتهى إلَيْهِ قال ما فيه خَبَرٌ وما هو بِقِيَاسٍ وَلَكِنَّا اسْتَحْسَنَّاهُ وَوَجَدْنَا بَعْضَ أَصْحَابِك يقول قَرِيبًا منه فَقُلْت له إذَا لم يَكُنْ خَبَرًا وَلَا قِيَاسًا وَجَازَ لَك أَنْ تَسْتَحْسِنَ خِلَافَ الْخَبَرِ فلم يَبْقَ عِنْدَك من الْخَطَأِ شَيْءٌ إلَّا قد أَجَزْته قال فَقَدْ قال بَعْضُ أَصْحَابِك إذَا أُشِيدَ بِالنِّكَاحِ ولم يَعْقِدْ بِالشُّهُودِ جَازَ وَإِنْ عَقَدَ بِشُهُودٍ ولم يَشِدْ بِهِ لم يَجُزْ قال الرَّبِيعُ أُشِيدُ يَعْنِي إذَا تَحَدَّثَ الناس بَعْضُهُمْ في بَعْضٍ فُلَانٌ تَزَوَّجَ وَفُلَانَةُ خِدْرٌ فَقُلْت له أَفَتَرَى ما احْتَجَجْت بِهِ من هذا فَتُشْبِهُ بِهِ على أَحَدٍ قال لَا هو خِلَافُ الحديث وَخِلَافُ الْقِيَاسِ لِأَنَّهُ لَا يَعْدُو أَنْ يَكُونَ كَالْبُيُوعِ فَالْبُيُوعُ يُسْتَغْنَى فيها عن الشُّهُودِ وَعَنْ الْإِشَادَةِ وَلَا يَنْقُضُهَا الْكِتْمَانُ أو تَكُونُ سُنَّتُهُ الشُّهُودَ وَالشُّهُودُ إنَّمَا يَشْهَدُونَ على الْعَقْدِ وَالْعَقْدُ ما لم يُعْقَدْ فإذا وَقَعَ الْعَقْدُ بِلَا شُهُودٍ لم تُجْزِهِ الْإِشَادَةُ وَالْإِشَادَةُ غَيْرُ شَهَادَةٍ قُلْت له فإذا كان هذا الْقَوْلُ خَطَأً عِنْدَك فَكَيْفَ احْتَجَجْت بِهِ وَبِالسُّنَّةِ عليه قال غَيْرُهُ من أَصْحَابِهِ فَإِنْ احْتَجَجْت بِاَلَّذِي قال بِالْإِشَادَةِ فَقُلْت إنَّمَا أُرِيدَ بِالْإِشَادَةِ أَنْ يَكُونَ يُذْهِبُ التُّهْمَةَ وَيَكُونُ أَمْرُهُمَا عِنْدَ غَيْرِ الزَّوْجَيْنِ أَنَّهُمَا زَوْجَانِ قُلْت فَإِنْ قال لَك قَائِلٌ هذا في الْمُتَنَازِعَيْنِ في الْبَيْعِ فَجَاءَ الْمُدَّعِي بِمَنْ يَذْكُرُ أَنَّهُ سمع في الْإِشَادَةِ أَنَّ فُلَانًا اشْتَرَى دَارَ فُلَانٍ أَتَجْعَلُ هذه بَيْعًا قال لَا قُلْت فَإِنْ كَانُوا أَلْفًا قال فَإِنِّي لَا أَقْبَلُ إلَّا الْبَيِّنَةَ الْقَاطِعَةَ قُلْت فَهَكَذَا نَقُولُ لَك في النِّكَاحِ بَلْ النِّكَاحُ أَوْلَى لِأَنَّ أَصْلَ النِّكَاحِ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ وَأَصْلَ الْبَيْعِ يَحِلُّ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَقُلْت أَرَأَيْت لو أُشِيدَ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ النِّكَاحَ أَكُنَّا نُلْزِمُهَا النِّكَاحَ بِلَا بَيِّنَةٍ
____________________

(5/171)


- * بَابُ طُهْرِ الْحَائِضِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ عز وجل { وَيَسْأَلُونَك عن الْمَحِيضِ قُلْ هو أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ في الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حتى يَطْهُرْنَ } يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا فَاعْتَزِلُوهُنَّ في غَيْرِ الْجِمَاعِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ في الْجِمَاعِ فَيَكُونُ اعْتِزَالُهُنَّ من وَجْهَيْنِ وَالْجِمَاعُ أَظْهَرُ مَعَانِيه لِأَمْرِ اللَّهِ بِالِاعْتِزَالِ ثُمَّ قال { وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ } فَأَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا بَيِّنًا وَبِهَذَا نَقُولُ لِأَنَّهُ قد يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَمَرَ بِاعْتِزَالِهِنَّ وَيَعْنِي أَنَّ اعْتِزَالَهُنَّ الِاعْتِزَالُ في الْجِمَاعِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنَّمَا قُلْنَا بِمَعْنَى الْجِمَاعِ مع أَنَّهُ ظَهْرَ الْآيَةِ بِالِاسْتِدْلَالِ بِالسُّنَّةِ - * الْخِلَافُ في اعْتِزَالِ الْحَائِضِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ قال بَعْضُ الناس إذَا اجْتَنَبَ الرَّجُلُ مَوْضِعَ الدَّمِ من امْرَأَتِهِ وَجَارِيَتِهِ حَلَّ له ما سِوَى الْفَرْجِ الذي فيه الْأَذَى قال اللَّهُ عز وجل { فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ في الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حتى يَطْهُرْنَ } فَاسْتَدْلَلْنَا على أَنَّهُ إنَّمَا امر بِاعْتِزَالِ الدَّمِ قُلْت فلما كان ظَاهِرُ الْآيَةِ أَنْ يَعْتَزِلْنَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ } وقَوْله تَعَالَى { وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حتى يَطْهُرْنَ } فإذا تَطَهَّرْنَ كانت الْآيَةُ مُحْتَمِلَةً اعْتِزَالَهَا اعْتِزَالًا غير اعْتِزَالِ الْجِمَاعِ فلما نهى أَنْ يَقْرُبْنَ دَلَّ ذلك على أَنْ لَا يُجَامِعْنَ قال إنَّهَا تَحْتَمِلُ ذلك وَلَكِنْ كَيْفَ قُلْت يَعْتَزِلُ ما تَحْتَ الْإِزَارِ دُونَ سَائِرِ بَدَنِهَا قُلْت له احْتَمَلَ اعْتِزَالُهُنَّ { فاعتزلوا ( ( ( اعتزلوا ) ) ) } جَمِيعَ أَبْدَانِهِنَّ وَاحْتَمَلَ بَعْضَ أَبْدَانِهِنَّ دُونَ بَعْضٍ فَاسْتَدْلَلْنَا بِالسُّنَّةِ على ما أَرَادَ اللَّهُ من اعْتِزَالِهِنَّ فَقُلْت بِهِ كما بَيَّنَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم - * بَابُ ما يُنَالُ من الْحَائِضِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ عز وجل { وَيَسْأَلُونَك عن الْمَحِيضِ قُلْ هو أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ في الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَالْبَيِّنُ في كِتَابِ اللَّهِ ان يَعْتَزِلَ إتْيَانَ الْمَرْأَةِ في فَرْجِهَا لِلْأَذَى فيه وَقَوْلُهُ { حتى يَطْهُرْنَ } يَعْنِي يَرَيْنَ الطُّهْرَ بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ { فإذا تَطَهَّرْنَ } إذَا اغْتَسَلْنَ { فَأْتُوهُنَّ من حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ } قال بَعْضُ الناس من أَهْلِ الْعِلْمِ من حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ أَنْ تَعْتَزِلُوهُنَّ يَعْنِي عَادَ الْفَرْجُ إذَا طَهَّرَهُنَّ فَتَطَهَّرْنَ بِحَالِهِ قبل تَحَيُّضٍ حَلَالًا قال جَلَّ ثَنَاؤُهُ { فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ في الْمَحِيضِ } يَحْتَمِلُ فَاعْتَزِلُوا فُرُوجَهُنَّ بِمَا وُصِفَتْ من الْأَذَى وَيَحْتَمِلُ اعْتِزَالَ فُرُوجِهِنَّ وَجَمِيعِ أَبْدَانِهِنَّ وَفُرُوجِهِنَّ وَبَعْضِ أَبْدَانِهِنَّ دُونَ بَعْضٍ وَأَظْهَرُ مَعَانِيه اعْتِزَالُ أَبْدَانِهِنَّ كُلِّهَا لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ في الْمَحِيضِ } فلما احْتَمَلَ هذه الْمَعَانِي طَلَبْنَا الدَّلَالَةَ على مَعْنَى ما أَرَادَ جَلَّ وَعَلَا بِسُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَوَجَدْنَاهَا تَدُلُّ مع نَصِّ كِتَابِ اللَّهِ على اعْتِزَالِ الْفَرْجِ وَتَدُلُّ مع كِتَابِ اللَّهِ عز وجل
____________________
1- ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا انْقَطَعَ عن الْحَائِضِ الدَّمُ لم يَقْرُبْهَا زَوْجُهَا حتى تَطْهُرَ لِلصَّلَاةِ فَإِنْ كانت وَاجِدَةً لِلْمَاءِ فَحَتَّى تَغْتَسِلَ وَإِنْ كانت مُسَافِرَةً غير وَاجِدَةٍ لِلْمَاءِ فَحَتَّى تَتَيَمَّمَ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حتى يَطْهُرْنَ } أَيْ حتى يَنْقَطِعَ الدَّمُ وَيَرَيْنَ الطُّهْرَ { فإذا تَطَهَّرْنَ } يَعْنِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ الطَّهَارَةَ التي تَحِلُّ بها الصَّلَاةُ لها وَلَوْ أتى رَجُلٌ امْرَأَتَهُ حَائِضًا أو بَعْدَ تَوْلِيَةِ الدَّمِ ولم تَغْتَسِلْ فَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَلَا يَعُدْ حتى تَطْهُرَ وَتَحِلَّ لها الصَّلَاةُ وقد رُوِيَ فيه شَيْءٌ لو كان ثَابِتًا أَخَذْنَا بِهِ وَلَكِنَّهُ لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ - * بَابٌ في إتْيَانِ الْحَائِضِ - *

(5/172)


على أَنْ يَعْتَزِلَ من الْحَائِضِ في الْإِتْيَانِ وَالْمُبَاشَرَةِ ما حَوْلَ الْإِزَارِ فَأَسْفَلَ وَلَا يَعْتَزِلُ ما فَوْقَ الْإِزَارِ إلَى أَعْلَاهَا فَقُلْنَا بِمَا وَصَفْنَا لِتَشْدُدْ الْحَائِضُ إزَارًا على أَسْفَلِهَا ثُمَّ يُبَاشِرُهَا الرَّجُلُ وينال من إتْيَانِهَا من فَوْقَ الْإِزَارِ ما شَاءَ فَإِنْ أَتَاهَا حَائِضًا فَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَلَا يَعُدْ
( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن نافع أَنَّ بن عُمَرَ رضي اللَّهُ عنهما أَرْسَلَ إلَى عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها يَسْأَلُهَا هل يُبَاشِرُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فقالت لِتَشْدُدْ إزَارَهَا على أَسْفَلِهَا ثُمَّ يُبَاشِرُهَا إنْ شَاءَ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس في مُبَاشَرَةِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَإِتْيَانِهِ إيَّاهَا وَهِيَ حَائِضٌ فقال وَلِمَ قُلْت لَا يَنَالُ منها بِفَرْجِهِ وَلَا يُبَاشِرُهَا فِيمَا تَحْتَ الْإِزَارِ وَيَنَالُ فِيمَا فَوْقَ الْإِزَارِ فَقُلْت له بِاَلَّذِي ليس لي وَلَا لَك وَلَا لِمُسْلِمٍ الْقَوْلُ بِغَيْرِهِ وَذَكَرَتْ فيه السُّنَّةُ فقال قد رَوَيْنَا خِلَافَ ما رَوَيْتُمْ فَرَوَيْنَا أَنْ يَخْلُفَ مَوْضِعَ الدَّمِ ثُمَّ يَنَالُ ما شَاءَ فذكر حَدِيثًا لَا يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ فقال فَهَلْ تَجِدُ لِمَا بين تَحْتِ الْإِزَارِ وما فَوْقَهُ فَرْقًا مع الحديث فَقُلْت له نعم وما فَرْقٌ أَقْوَى من الحديث أَحَدُ الذي يَتَلَذَّذُ بِهِ منها سِوَى الْفَرْجِ مِمَّا تَحْتَ الْإِزَارِ الإليتان وَالْفَخْذَانِ فَأَجِدُهُمَا يُفَارِقَانِ ما فَوْقَ الْإِزَارِ في مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا الدَّمُ إذَا سَالَ من الْفَرْجِ جَرَى فِيهِمَا وَعَلَيْهِمَا وَالثَّانِي أَنَّ الْفَرْجَ عَوْرَةٌ والإليتين عَوْرَةٌ ( 1 ) فَهُمَا فَرْجٌ وَاحِدٌ من بَطْنِ الْفَخْذَيْنِ مُتَّصِلَيْنِ بِالْفَرْجِ نَفْسِهِ وإذا كَشَفَ عنهما الْإِزَارَ كَادَ أَنْ يَنْكَشِفَ عنه وَالْإِزَارُ يُكْشَفُ عن الْفَرْجِ وَيَكُونُ عليه وَلَيْسَ على ما فَوْقَهُ - * بَابُ إتْيَانِ النِّسَاءِ في أَدْبَارِهِنَّ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ عنه قال اللَّهُ عز وجل { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ } الْآيَةَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) احْتَمَلَتْ الْآيَةُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ تُؤْتَى الْمَرْأَةُ من حَيْثُ شَاءَ زَوْجُهَا لِأَنَّ { أَنَّى شِئْتُمْ } يُبَيِّنُ أَيْنَ شِئْتُمْ لَا مَحْظُورَ منها كما لَا مَحْظُورَ من الْحَرْثِ وَاحْتَمَلَتْ أَنَّ الْحَرْثَ إنَّمَا يُرَادُ بِهِ النَّبَاتُ وَمَوْضِعُ الْحَرْثِ الذي يُطْلَبُ بِهِ الْوَلَدُ الْفَرْجُ دُونَ ما سِوَاهُ لَا سَبِيلَ لِطَلَبِ الْوَلَدِ غَيْرَهُ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا في إتْيَانِ النِّسَاءِ في أَدْبَارِهِنَّ فَذَهَبَ ذَاهِبُونَ منهم إلَى إحْلَالِهِ وَآخَرُونَ إلَى تَحْرِيمِهِ وَأَحْسِبُ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ تَأَوَّلُوا ما وَصَفْت من احْتِمَالِ الْآيَةِ على مُوَافَقَةِ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَطَلَبْنَا الدَّلَالَةَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَوَجَدْنَا حَدِيثَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ أَحَدُهُمَا ثَابِتٌ وهو حَدِيثُ
بن عُيَيْنَةَ عن مُحَمَّدِ بن الْمُنْكَدِرِ أَنَّهُ سمع جَابِرَ بن عبد اللَّهِ يقول كانت الْيَهُودُ تَقُولُ من أتى امْرَأَتَهُ في قُبُلِهَا من دُبُرِهَا جاء الْوَلَدُ أَحْوَلَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ }
( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) قال أخبرنا عَمِّي محمد بن عَلِيِّ بن شَافِعٍ قال أخبرني عبد اللَّهِ بن عَلِيِّ بن السَّائِبِ عن عَمْرِو بن أحيحة بن الْجُلَاحِ أو عَمْرِو بن فُلَانِ بن أحيحة بن الْجُلَاحِ أنا شَكَكْت ( يَعْنِي الشَّافِعِيُّ ) عن خُزَيْمَةَ بن ثَابِتٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عن إتْيَانِ النِّسَاءِ في أَدْبَارِهِنَّ أو إتْيَانِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ في دُبُرِهَا فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إي حَلَالٌ فلما وَلَّى الرَّجُلُ دَعَاهُ أو أَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ فقال كَيْفَ قُلْت في أَيِّ الْخَرِبَتَيْنِ أو في أَيِّ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يُبَاشِرَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا لم يُبَاشِرْهَا حتى تَشُدَّ إزَارَهَا على أَسْفَلِهَا ثُمَّ يُبَاشِرُهَا من فَوْقِ الْإِزَارِ منها مُفْضِيًا إلَيْهِ وَيَتَلَذَّذُ بِهِ كَيْفَ شَاءَ منها وَلَا يَتَلَذَّذُ بِمَا تَحْتَ الْإِزَارِ منها وَلَا يُبَاشِرُهَا مُفْضِيًا إلَيْهَا وَالسُّرَّةُ ما فَوْقَ الْإِزَارِ - * الْخِلَافُ في مُبَاشَرَةِ الْحَائِضِ - *

(5/173)


الْخَرَزَتَيْنِ أو في أَيِّ الْخَصْفَتَيْنِ أَمِنْ دُبُرِهَا في قُبُلِهَا فَنَعَمْ أَمْ من دُبُرِهَا في دُبُرِهَا فَلَا فإن اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِ من الْحَقِّ لَا تاتوا النِّسَاءَ في أَدْبَارِهِنَّ قال فما تَقُول قُلْت عَمِّي ثِقَةٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بن عَلِيٍّ ثِقَةٌ وقد أخبرني مُحَمَّدٌ عن الْأَنْصَارِيِّ الْمُحَدِّثُ بها أَنَّهُ أَثْنَى عليه خَيْرًا وَخُزَيْمَةَ مِمَّنْ لَا يَشُكُّ عَالِمٌ في ثِقَتِهِ فَلَسْت أُرَخِّصُ فيه بَلْ أُنْهَى عنه - * بَابُ ما يُسْتَحَبُّ من تَحْصِينِ الْإِمَاءِ عن الزنى - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ عز وجل { وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ على الْبِغَاءِ إنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا } الْآيَةَ فَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالتَّفْسِيرِ أنها نَزَلَتْ في رَجُلٍ قد سَمَّاهُ له إمَاءٌ يُكْرِهُهُنَّ على الزنى لِيَأْتِينَهُ بالآولاد فَيَتَخَوَّلَهُنَّ وقد قِيلَ نَزَلَتْ قبل حَدِّ الزنى وَاَللَّهُ اعلم فَإِنْ كانت نَزَلَتْ قبل حَدِّ الزنى ثُمَّ جاء حَدُّ الزنى فما قبل الْحُدُودِ مَنْسُوخٌ بِالْحُدُودِ وَهَذَا مَوْضُوعٌ في كِتَابِ الْحُدُودِ وَإِنْ كانت نَزَلَتْ بَعْدَ حَدِّ الزنى فَقَدْ قِيلَ إنَّ قَوْلَ اللَّهِ عز وجل { فإن اللَّهَ من بَعْدِ إكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ } نَزَلَتْ في الْإِمَاءِ الْمُكْرَهَاتِ أَنَّهُ مَغْفُورٌ لَهُنَّ بِمَا أُكْرِهْنَ عليه وَقِيلَ غَفُورٌ أَيْ هو أَغْفَرُ وَأَرْحَمُ من أَنْ يُؤَاخِذَهُنَّ بِمَا أُكْرِهْنَ عليه وفي هذا كَالدَّلَالَةِ على إبْطَالِ الْحَدِّ عَنْهُنَّ إذَا أُكْرِهْنَ علي الزنى وقد أَبْطَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَمَّنْ أُكْرِهَ على الكفر الْكُفْرَ وقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فِيمَا وَضَعَ اللَّهُ عن أُمَّتِهِ وما اُسْتُكْرِهُوا عليه - * بَابُ نِكَاحِ الشِّغَارِ - *
( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) قال أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن الشِّغَارِ وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ ابْنَتَهُ على أَنْ يُزَوِّجَهُ الرَّجُلُ الْآخَرُ ابْنَتَهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ
( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) قال أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن بن أبي نَجِيحٍ عن مُجَاهِدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا شِغَارَ في الْإِسْلَامِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْمُتْعَةُ أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ فإذا وَقَعَ النِّكَاحُ على هذا فَهُوَ مَفْسُوخٌ دخل بها أو لم يَدْخُلْ فَإِنْ أَصَابَهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِالْمَسِيسِ - * الْخِلَافُ في نِكَاحِ الشِّغَارِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فقال بَعْضُ الناس أَمَّا الشِّغَارُ فَالنِّكَاحُ فيه ثَابِتٌ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ من الْمَنْكُوحَتَيْنِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَأَمَّا الْمُتْعَةُ فَإِنْ قُلْت فَهُوَ فَاسِدٌ فما يَدْخُلُ عَلَيَّ قُلْت ما لَا يُشْتَبَهُ فيه خَطَؤُك قال وما هو قُلْت ثَبَتَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ نهى عن الشِّغَارِ ولم تَخْتَلِفْ الرِّوَايَةُ عنه صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَجَزْت الشِّغَارَ الذي لَا مُخَالِفَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في النَّهْيِ عنه وَرَدَدْت نِكَاحَ الْمُتْعَةِ وقد اُخْتُلِفَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فيها قال فَإِنْ قُلْت فَإِنْ أَبْطَلَا الشَّرْطَ في الْمُتْعَةِ جَازَ النِّكَاحُ وَإِنْ لم يُبْطِلَاهُ فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ قُلْت له إذًا تُخْطِئُ خَطَأً بَيِّنًا قال فَكَيْفَ قُلْت رُوِيَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم النَّهْيُ عنها وما نهى عنه حَرَامٌ ما لم يَكُنْ فيه رُخْصَةٌ بِحَلَالٍ وَرُوِيَ عنه أَنَّهُ أَحَلَّهُ فلم يحلله ( ( ( تحلله ) ) ) وَأَحْدَثْت بين الْحَدِيثَيْنِ شيئا خَارِجًا مِنْهُمَا خَارِجًا من مَذَاهِبِ الْفِقْهِ مُتَنَاقِضًا قال وما ذَاكَ قُلْت أنت تَزْعُمُ أَنَّهُ لو نَكَحَ رَجُلٌ امْرَأَةً
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَبِهَذَا نَقُولُ وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ الرَّجُلَ على أَنْ يُزَوِّجَهُ ابْنَتَهُ صَدَاقُ كل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِضْعُ الْأُخْرَى فإذا وَقَعَ النِّكَاحُ على هذا فَهُوَ مَفْسُوخٌ فَإِنْ دخل بها فَلَهَا الْمَهْرُ بِالْوَطْءِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن عبد اللَّهِ وَالْحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بن عَلِيٍّ قال الزُّهْرِيُّ وكان الْحَسَنُ أَرْضَاهُمَا عن أَبِيهِمَا عن عَلِيٍّ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَذَكَرَ تَحْرِيمَ الْمُتْعَةِ

(5/174)


على أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ كان النِّكَاحُ بَاطِلًا لِأَنَّ الْخِيَارَ لَا يَجُوزُ في النِّكَاحِ لِأَنَّ ما شُرِطَ في عَقْدِهِ الْخِيَارُ لم يَكُنْ الْعَقْدُ فيه تَامًّا وَهَذَا وَإِنْ جَازَ في الشَّرْعِ لم يَجُزْ في النِّكَاحِ عِنْدَنَا وَعِنْدَك فَإِنْ قُلْت فَإِنْ أَبْطَلَ الْمُتَنَاكِحَانِ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ الشَّرْطَ فَقَدْ زَعَمْت أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ وَقَعَ وَالْجِمَاعُ لَا يَحِلُّ فيه وَلَا الْمِيرَاثُ إنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قبل إبْطَالِ الشَّرْطِ لم تُجِزْهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ غير جَائِزٍ فَقَدْ أَجَزْت فيه الْخِيَارَ لِلزَّوْجَيْنِ وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ الْخِيَارَ لَهُمَا يُفْسِدُ الْعُقْدَةَ ثُمَّ أَحْلَلْته بِشَيْءٍ آخَرَ عُقْدَةٍ لم يُشْتَرَطْ فيها خِيَارٌ ثُمَّ أَحْدَثْت لَهُمَا شيئا من قِبَلِك أَنْ جَعَلْت لَهُمَا خِيَارًا وَلَوْ قِسْتَهُ بِالْبُيُوعِ كُنْت قد أَخْطَأْت فيه الْقِيَاسَ قال وَمِنْ أَيْنَ قُلْت الْخِيَارُ في الْبُيُوعِ لَا يَكُونُ عِنْدَك إلَّا بِأَنْ يشترى ما لم يَرَ عَيْنَهُ فَيَكُونَ له الْخِيَارُ إذَا رَآهُ أو يشترى فَيَجِدَ عَيْبًا فَيَكُونَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَدَّهُ وَإِنْ شَاءَ حَبَسَ وَالنِّكَاحُ بَرِيءٌ من هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَك قال نعم قُلْت وَالْوَجْهُ الثَّانِي الذي تُجِيزُ فيه الْخِيَارَ في الْبُيُوعِ أَنْ يَتَشَارَطَ الْمُتَبَايِعَانِ أو أَحَدُهُمَا الْخِيَارَ وَإِنْ وَقَعَ عَقْدُهُمَا الْبَيْعَ على غَيْرِ الشَّرْطِ لم يَكُنْ لَهُمَا وَلَا لِأَحَدٍ مِنْهُمَا خِيَارٌ إلَّا بِمَا وَصَفْت من أَنْ لَا يَكُونَ المشترى رَأَى ما اشْتَرَاهُ أو دَلَّسَ له بِعَيْبٍ قال نعم قُلْت فَالْمُتَنَاكِحَانِ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ إنَّمَا نَكَحَا نِكَاحًا يَعْرِفَانِهِ إلَى مُدَّةٍ لم يَشْتَرِطَا خِيَارًا فَكَيْفَ يَكُونُ زَوْجَهَا الْيَوْمَ وَغَدًا غير زَوْجِهَا بِغَيْرِ طَلَاقٍ يُحْدِثُهُ وَالْعَقْدُ إذَا عُقِدَ ثَبَتَ إلَّا أَنْ يُحْدِثَ فُرْقَةً عِنْدَك أو كَيْفَ تَكُونُ زَوْجَةً وَلَا يَتَوَارَثَانِ أَمْ كَيْفَ يَتَوَارَثَانِ يَوْمًا وَلَا يَتَوَارَثَانِ في غَدِهِ قال فَإِنْ قُلْت فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ في الْمُدَّةِ في النِّكَاحِ بَاطِلٌ قُلْت فَأَنْتَ تُحْدِثُ للمراة وَالرَّجُلِ نِكَاحًا بِغَيْرِ رِضَاهُمَا ولم يَعْقِدَاهُ على أَنْفُسِهِمَا وَإِنَّمَا قِسْتُهُ بِالْبَيْعِ وَالْبَيْعُ لو عُقِدَ ( 1 ) فقال الْبَائِعُ والمشترى أَشْتَرِي مِنْك هذا عَشْرَةَ أَيَّامٍ كُلَّ يَوْمٍ كان الْبَيْعُ مَفْسُوخًا لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ أَمْلِكَهُ إيَّاهُ عَشْرًا دُونَ الْأَبَدِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ أُمَلِّكَهُ إيَّاهُ عَشْرًا وقد شَرَطَ أَنْ لَا يَمْلِكَهَا إلَّا عَشْرًا فَكَانَ يَلْزَمُك أَنْ لو لم يَكُنْ في نِكَاحِ الْمُتْعَةِ خَبَرٌ يُحَرِّمُهُ أَنْ تُفْسِدَهُ إذَا جَعَلْته قِيَاسًا على الْبَيْعِ فَأَفْسَدْت الْبَيْعَ قال فقال فَإِنْ جَعَلْته قِيَاسًا على الرَّجُلِ يَشْتَرِطُ للمراة دَارَهَا أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ ثَابِتًا وَالشَّرْطُ بَاطِلًا قُلْت له فَإِنْ جَعَلْته قِيَاسًا على هذا أَخْطَأْت من وُجُوهٍ قال وما هِيَ قُلْت من الناس من يقول لها شَرْطُهَا ما كان وَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَهَا وَبَيْنَهُ ما ( ( ( وما ) ) ) بين الزَّوْجَيْنِ من الْمِيرَاثِ وَغَيْرِهِ فَإِنْ قِسْته على هذا الْقَوْلِ لَزِمَك أَنْ تَقُولَ ذلك في الْمُتَنَاكِحَيْنِ نِكَاحَ مُتْعَةٍ قال لَا أَقِيسُهُ على هذا الْقَوْلِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُثْبِتَ بَيْنَهُمَا ما يُثْبِتُ بين الزَّوْجَيْنِ وَهِيَ زَوْجَةٌ في أَيَّامٍ غَيْرُ زَوْجَةٍ بَعْدَهُ فَقُلْت فَإِنْ قِسْته على من قال إنَّ النِّكَاحَ ثَابِتٌ وَشَرْطُهَا دَارَهَا بَاطِلٌ فَقَدْ أَحْدَثْت لَهُمَا تَزْوِيجًا بِغَيْرِ شَرْطِهِمَا أَنْ لَيْسَا بِزَوْجَيْنِ ما لم يَرْضَهُ أَحَدٌ مِنْهُمَا فَكُنْت رَجُلًا زَوَّجَ اثْنَيْنِ بِلَا رِضَاهُمَا وَلَزِمَك أن أَخْطَأْت الْقِيَاسَ من وَجْهٍ آخَرَ قال وَأَيْنَ قُلْت النَّاكِحَةُ الْمُشْتَرِطَةُ دَارِهَا نُكِحَتْ على الْأَبَدِ وَالشَّرْطِ فَهِيَ وَإِنْ كان لها شَرْطُهَا أو أُبْطِلَ عنها فَهِيَ حَلَالُ الْفَرْجِ في دَارِهَا وَغَيْرِ دَارِهَا وَالشَّرْطُ زِيَادَةٌ في مَهْرِهَا وَالزِّيَادَةُ في الْمَهْرِ عِنْدَنَا وَعِنْدَك كانت جَائِزَةً أو فَاسِدَةً لَا تُفْسِدُ الْعُقْدَةَ وَالنَّاكِحَةُ مُتْعَةً لم يَنْكِحْهَا على الْأَبَدِ إنَّمَا نَكَحَتْهُ يَوْمًا أو عَشْرًا فَنَكَحَتْهُ على أَنَّ زَوْجَهَا حَلَالٌ في الْيَوْمِ أو الْعَشْرِ مُحَرَّمٌ بَعْدَهُ لِأَنَّهَا بَعْدَهُ غَيْرُ زَوْجَةٍ فلا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَرْجٌ يُوطَأُ بِنِكَاحٍ يَحِلُّ في هذه وَيُحَرَّمُ في أُخْرَى قال ما هِيَ بِقِيَاسٍ عليها أَنْ تَكُونَ زَوْجَتَهُ الْيَوْمَ وَغَيْرَ زَوْجَتِهِ الْغَدَ بِلَا إحْدَاثِ فُرْقَةٍ (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَقُلْت له أرايت لو اسْتَقَامَتْ قِيَاسًا على وَاحِدٍ مِمَّا أَرَدْت أَنْ تَقِيسَهَا عليه أَيَجُوزُ في الْعِلْمِ عِنْدَنَا وَعِنْدَك أَنْ يَعْمِدَ إلَى الْمُتْعَةِ وقد جاء فيها خَبَرٌ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِتَحْرِيمٍ وَخَبَرٌ بِتَحْلِيلٍ فَزَعَمْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ أَنَّ التَّحْلِيلَ مَنْسُوخٌ فَتَجْعَلُهُ قِيَاسًا على شَيْءٍ غَيْرِهِ ولم يَأْتِ فيه ع

(5/175)


النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم خَبَرٌ فَإِنْ جَازَ هذا لَك جَازَ عَلَيْك أَنْ يَقُولَ لَك قَائِلٌ حُرِّمَ الطَّعَامُ وَالْجِمَاعُ في الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَحُرِّمَ الْجِمَاعُ في الْإِحْرَامِ فَأُحَرِّمُ الطَّعَامَ فيه أو أُحَرِّمُ الْكَلَامَ في الصَّوْمِ كما حُرِّمَ في الصَّلَاةِ قال لَا يَجُوزُ هذا في شَيْءٍ من الْعِلْمِ تمضى كُلُّ شَرِيعَةٍ على ما شُرِعَتْ عليه وَكُلُّ ما جاء فيه خَبَرٌ على ما جاء قُلْت فَقَدْ عَمَدْت في نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَفِيهِ خَبَرٌ فَجَعَلْته قِيَاسًا في النِّكَاحِ على ما لَا خَبَرَ فيه فَجَعَلْته قِيَاسًا على الْبُيُوعِ وهو شَرِيعَةٌ غَيْرُهُ ثُمَّ تَرَكْت جَمِيعَ ما قِسْت عليه وَتُنَاقِضُ قَوْلَك فقال فإنه كان من قَوْلِ أَصْحَابِنَا إفْسَادُهُ فَقُلْت فَلِمَ لم تُفْسِدْهُ كما أَفْسَدَهُ من زَعَمَ أَنَّ الْعُقْدَةَ فيه فَاسِدَةٌ ولم تُجِزْهُ كما أَجَازَهُ من زَعَمَ أَنَّهُ حَلَالٌ على ما تَشَارَطَا ولم يَقُمْ لَك فيه قَوْلٌ على خَبَرٍ وَلَا قِيَاسٍ وَلَا مَعْقُولٍ قال فَلِأَيِّ شَيْءٍ أَفْسَدْت أنت الشِّغَارَ وَالْمُتْعَةَ قُلْت بِاَلَّذِي أَوْجَبَ اللَّهُ عز وجل عَلَيَّ من طَاعَةِ رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وما أَجِدُ في كِتَابِ اللَّهِ من ذلك فقال { وما كان لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لهم الْخِيَرَةُ من أَمْرِهِمْ } وقال { فَلَا وَرَبِّك لَا يُؤْمِنُونَ حتى يُحَكِّمُوك فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا في أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْت } قال فَكَيْفَ يَخْرُجُ نَهْيُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عِنْدَك قُلْت ما نهى عنه مِمَّا كان مُحَرَّمًا حتى أُحِلَّ بِنَصٍّ من كِتَابِ اللَّهِ عز وجل أو خَبَرٍ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَنَهَى من ذلك عن شَيْءٍ فَالنَّهْيُ يَدُلُّ على أَنَّ ما نهى عنه لَا يَحِلُّ قال وَمِثْلُ مَاذَا قُلْت مِثْلُ النِّكَاحِ كُلُّ النِّسَاءِ مُحَرَّمَاتُ الْجِمَاعِ إلَّا بِمَا أَحَلَّ اللَّهُ وَسَنَّ رسوله ( ( ( رسول ) ) ) صلى اللَّهُ عليه وسلم من النِّكَاحِ الصَّحِيحِ أو مِلْكِ الْيَمِينِ فَمَتَى انْعَقَدَ النِّكَاحُ أو الْمِلْكُ بِمَا نهى عنه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من النِّكَاحِ الصَّحِيحِ أو مِلْكِ الْيَمِينِ فَمَتَى انْعَقَدَ النِّكَاحُ أو الْمِلْكُ بِمَا نهى عنه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يُحَلَّلْ ما كان منه مُحَرَّمًا وَكَذَلِكَ الْبُيُوعُ ثُمَّ أَمْوَالُ الناس مُحَرَّمَةٌ على غَيْرِهِمْ إلَّا بِمَا أَحَلَّ اللَّهُ من بَيْعٍ وَغَيْرِهِ فَإِنْ انْعَقَدَ الْبَيْعُ بِمَا نهى عنه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَحِلَّ بِعُقْدَةِ مَنْهِيٍّ عنه فلما نهى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عن الشِّغَارِ وَالْمُتْعَةِ قُلْت الْمَنْكُوحَاتُ بِالْوَجْهَيْنِ كَانَتَا غير مُبَاحَتَيْنِ إلَّا بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ وَلَا يَكُونُ ما نهى عنه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من النِّكَاحِ وَلَا الْبَيْعِ صَحِيحًا قال هذا عِنْدِي كما زَعَمْت وَلَكِنْ قد يقول بَعْضُ الْفُقَهَاءِ في النَّهْيِ ما قُلْت وَيَأْتِي نَهْيٌ آخَرُ فَيَقُولُونَ فيه خِلَافَهُ وَيُوَجِّهُونَهُ على أَنَّهُ لم يُرِدْ بِهِ الْحَرَامَ فَقُلْت له إنْ كان ذلك بِدَلَالَةٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ لم يُرِدْ بِالنَّهْيِ الْحَرَامَ فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لهم وَإِنْ لم يَكُنْ فيه عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم دَلَالَةٌ لم يَكُنْ لهم أَنْ يَزْعُمُوا أَنَّ النَّهْيَ مَرَّةً مُحَرَّمٌ وَأُخْرَى غَيْرُ مُحَرَّمٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال فَدُلَّنِي في غَيْرِ هذا على مِثْلِهِ فَقُلْت أَرَأَيْت لو قال لَك قَائِلٌ نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ على عَمَّتِهَا أو خَالَتِهَا فَعَلِمْت أَنَّهُ لم يَنْهَ عن الْجَمْعِ بين ابْنَتَيْ الْعَمِّ وَلَهُمَا قَرَابَةٌ وَلَا بين الْقَرَابَاتِ غَيْرِهِمَا فَكَانَتْ الْعَمَّةُ وَالْخَالَةُ وَابْنَةُ الْأَخِ وَالْأُخْتِ حَلَالًا أَنْ يُبْتَدَأَ بِنِكَاحِ كل وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ على الِانْفِرَادِ أَنَّهُنَّ أُحْلِلْنَ وَخَرَجْنَ عن مَعْنَى الْأُمِّ وَالْبِنْتِ وما حُرِّمَ على الْأَبَدِ بِحُرْمَةِ نَفْسِهِ أو بِحُرْمَةِ غَيْرِهِ فَاسْتَدْلَلْت على أَنَّ النَّهْيَ عن ذلك إنَّمَا هو كَرَاهِيَةُ أَنْ يُفْسِدَ ما بَيْنَهُمَا وَالْعَمَّةُ وَالْخَالَةُ وَالِدَتَانِ لَيْسَتَا كَابْنَتَيْ الْعَمِّ اللَّتَيْنِ لَا شَيْءَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا على الْأُخْرَى إلَّا لِلْأُخْرَى مِثْلُهُ فَإِنْ كَانَتَا رَاضِيَتَيْنِ بِذَلِكَ مَأْمُونَتَيْنِ بِإِذْنِهِمَا وَأَخْلَاقِهِمَا على أَنْ لَا يَتَفَاسَدَا بِالْجَمْعِ حَلَّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا قال ليس ذلك له قُلْت وَكَذَلِكَ الْجَمْعُ بين الْأُخْتَيْنِ قال نعم قُلْت فَإِنْ نَكَحَ امراة على عَمَّتِهَا فلما انْعَقَدَتْ الْعُقْدَةُ قبل ( ( ( قيل ) ) ) يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مَاتَتْ التي كانت عِنْدَهُ وَبَقِيَتْ التي نَكَحَ قال فَعُقْدَةُ الْآخِرَةِ فَاسِدَةٌ قُلْت فَإِنْ قال قد ذَهَبَ الْجَمْعُ وَصَارَتْ التي نهى أَنْ يَنْكِحَ على هذه الْمَرْأَةِ الْمَيِّتَةِ فقال لَك أنا لو ابْتَدَأْت نِكَاحَهَا الْآنَ جَازَ فَأُقَرِّرُ نِكَاحَهَا الْأَوَّلَ قال ليس ذلك له إنْ انْعَقَدَتْ الْعُقْدَةُ بِأَمْرٍ نهى عنه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم تَصِحَّ بِحَالٍ يَحْدُثُ بَعْدَهَا فَقُلْت له فَهَكَذَا قُلْت في الشِّغَارِ وَالْمُتْعَةِ قد انْعَقَدَ بِأَمْرٍ نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عنه لَا نَعْلَمُهُ في غَيْرِهِ وما نهى عنه بِنَفْسِهِ أَوْلَى أَنْ لَا يَصِحَّ مِمَّا نهى عنه بِغَيْرِهِ فَإِنْ افْتَرَقَ الْقَوْلُ في النَّهْيِ كان الْجَمْعُ بين الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَنِكَاحِ الْأُخْتِ
____________________

(5/176)


على أُخْتِهَا إذَا مَاتَتْ الْأُولَى مِنْهُمَا قبل أَنْ تَجْتَمِعَ هِيَ وَالْآخِرَةُ أَوْلَى أَنْ يَجُوزَ لِأَنَّهُ إنَّمَا نهى عنه لِعِلَّةِ الْجَمْعِ وقد زَالَ الْجَمْعُ قال فَإِنْ زَالَ الْجَمْعُ فإن الْعَقْدَ كان وهو ثَابِتٌ على الْأُولَى فَلَا يَثْبُتُ على الْآخِرَةِ وهو مَنْهِيٌّ عنه قُلْت له فَاَلَّذِي أَجَزْته في الشِّغَارِ وَالْمُتْعَةِ هَكَذَا أو أَوْلَى أَنْ لَا يَجُوزَ من هذا فَقُلْت له أَرَأَيْت لو قال قَائِلٌ إنَّهُ أَمَرَ بِالشُّهُودِ في النِّكَاحِ أَنْ لَا يتجاحد الزَّوْجَانِ فَيَجُوزُ النِّكَاحُ على غَيْرِ الشُّهُودِ ما تَصَادَقَا قال لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ بِغَيْرِ شُهُودٍ قُلْت وَإِنْ تَصَادَقَا على أَنَّ النِّكَاحَ كان جَائِزًا أو أَشْهَدَا على إقْرَارِهِمَا بِذَلِكَ قال لَا يَجُوزُ قُلْت وَلِمَ ألإن الْمَرْأَةَ كانت غير حَلَالٍ إلَّا بِمَا أَحَلَّهَا اللَّهُ ثُمَّ رَسُولُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِهِ فلما انْعَقَدَتْ عُقْدَةُ النِّكَاحِ بِغَيْرِ ما أَمَرَ بِهِ لم يَحِلَّ الْمُحَرَّمُ إلَّا من حَيْثُ أُحِلَّ قال نعم قُلْت فَالْأَمْرُ بِالشُّهُودِ لَا يُثْبِتُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم خَبَرًا بِثُبُوتِ النَّهْيِ عن الشِّغَارِ وَالْمُتْعَةِ وَلَوْ ثَبَتَ كُنْت بِهِ مَحْجُوجًا لِأَنَّك إذَا قُلْت في النِّكَاحِ بِغَيْرِ سُنَّةٍ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ كان بِغَيْرِ كَمَالِ ما أُمِرَ بِهِ وَإِنْ انْعَقَدَتْ بِغَيْرِ كَمَالِ ما أُمِرَ بِهِ فَهِيَ فَاسِدَةٌ قُلْنَا لَك فَأَيُّهُمَا أَوْلَى أَنْ يَفْسُدَ الْعُقْدَةَ التي انْعَقَدَتْ بِغَيْرِ ما أُمِرَ بِهِ أو الْعُقْدَةُ التي انْعَقَدَتْ بِمَا نهى عنه وَالْعُقْدَةُ التي تُعْقَدُ بِمَا نُهِيَ عنه تَجْمَعُ النَّهْيَ وَخِلَافَ الْأَمْرِ قال كُلٌّ سَوَاءٌ قُلْت وَإِنْ كَانَا سَوَاءً لم يَكُنْ لَك أَنْ تُجِيزَ وَاحِدَةً وَتَرُدَّ مِثْلَهَا أو أَوْكَدَ وَإِنَّ من الناس لَمَنْ يَزْعُمُ أَنَّ النِّكَاحَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ جَائِزٌ غَيْرُ مَكْرُوهٍ كَالْبُيُوعِ وما من الناس أَحَدٌ إلَّا يَكْرَهُ الشِّغَارَ وينهى عنه وَأَكْثَرُهُمْ يَكْرَهُ الْمُتْعَةَ وينهى عنها وَمِنْهُمْ من يقول يُرْجَمُ فيها من يَنْكِحُهَا وقد نهى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عن بَيْعِ الطَّعَامِ قبل أَنْ يُقْبَضَ أَفَرَأَيْت لو تَبَايَعَ رَجُلَانِ بِطَعَامٍ قبل أَنْ يَقْبِض ثُمَّ تَقَابَضَا فَذَهَبَ الْغَرَرُ أَيَجُوزُ قال لَا لِأَنَّ الْعُقْدَةَ انْعَقَدَتْ فَاسِدَةً مَنْهِيًّا عنها قُلْت وَكَذَلِكَ إذَا نُهِيَ عن بَيْعٍ وَسَلَفٍ وَتَبَايَعَا أَيَتِمُّ الْبَيْعُ وَيُرَدُّ السَّلَفُ لو رُفِعَا إلَيْك قال لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْعُقْدَةَ انْعَقَدَتْ فَاسِدَةً قِيلَ وما فَسَادُهَا وقد ذَهَبَ الْمَكْرُوهُ منها قال انْعَقَدَتْ بِأَمْرٍ مَنْهِيٍّ عنه قُلْنَا وَهَكَذَا أَفْعَلُ في كل أَمْرٍ يُنْهَى عنه وَلَوْ لم يَكُنْ في إفْسَادِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ إلَّا الْقِيَاسُ انْبَغَى أَنْ يَفْسُدَ من قِبَلِ أنها إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا يَوْمَيْنِ كُنْت قد زَوَّجْت كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ما لم يُزَوِّجْ نَفْسَهُ وَأَبَحْت له ما لم يُبِحْ لِنَفْسِهِ قال فَكَيْفَ تُفْسِدُهُ قُلْت لَمَّا كان الْمُسْلِمُونَ لَا يُجِيزُونَ أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ إلَّا على الْأَبَدِ حتى يَحْدُثَ فُرْقَةٌ لم يَجُزْ أَنْ يَحِلَّ يَوْمَيْنِ وَيَحْرُمَ أَكْثَرَ مِنْهُمَا ولم يَجُزْ أَنْ يَحِلَّ في أَيَّامٍ لم يَنْكِحْهَا فَكَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا - * نِكَاحُ الْمُحْرِمِ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن نَبِيهِ بن وَهْبٍ أَخِي بَنِي عبد الدَّارِ أخبره أَنَّ عُمَرَ بن عُبَيْدِ اللَّهِ أَرْسَلَ إلَى أَبَانَ بن عُثْمَانَ وَأَبَانُ يَوْمئِذٍ أَمِيرُ الْحَاجِّ وَهُمَا مُحْرِمَانِ إنِّي قد أَرَدْت أَنْ أُنْكِحَ طَلْحَةَ بن عُمَرَ بِنْتَ شَيْبَةَ بن جُبَيْرٍ وَأَرَدْت أَنْ تَحْضُرَ فَأَنْكَرَ ذلك أَبَانُ وقال سَمِعْت عُثْمَانَ بن عَفَّانَ يقول قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن أَيُّوبَ بن مُوسَى عن نَبِيهِ بن وَهْبٍ عن أَبَانَ بن عُثْمَانَ أَظُنُّهُ عن عُمَرَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مِثْلَ مَعْنَاهُ
( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) قال أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن يَزِيدَ بن الْأَصَمِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وهو حَلَالٌ
( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) قال أخبرنا مَالِكٌ عن رَبِيعَةَ عن سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بَعَثَ أَبَا رَافِعٍ مَوْلَاهُ وَرَجُلًا من الْأَنْصَارِ فَزَوَّجَاهُ مَيْمُونَةَ ابْنَةَ الحرث وَرَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ أَنْ يَخْرُجَ
( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) قال أخبرنا سَعِيدُ بن مَسْلَمَةَ عن إسْمَاعِيلَ بن أُمَيَّةَ عن بن الْمُسَيِّبِ
____________________

(5/177)


قال ما نَكَحَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مَيْمُونَةَ إلَّا وهو حَلَالٌ
( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) قال أخبرنا مَالِكٌ عن دَاوُد بن الْحُصَيْنِ أَنَّ أَبَا غَطَفَانَ بن طَرِيفٍ الْمُرِّيُّ أخبره أَنَّ أَبَاهُ طَرِيفًا تَزَوَّجَ امراة وهو مُحْرِمٌ فَرَدَّ عُمَرُ نِكَاحَهُ
( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) قال أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ أَنَّ بن عُمَرَ كان يقول لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ وَلَا يَخْطُبُ على نَفْسِهِ وَلَا على غَيْرِهِ
( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) قال أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدٍ عن قُدَامَةَ بن مُوسَى عن شَوْذَبٍ أَنَّ زَيْدَ بن ثَابِتٍ رَدَّ نِكَاحَ مُحْرِمٍ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس في نِكَاحِ الْمُحْرِمِ فقال لَا بَأْسَ أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْرِمُ ما لم يُصِبْ وقال رَوَيْنَا خِلَافَ ما رَوَيْتُمْ فَذَهَبْنَا إلَى ما رَوَيْنَا وَذَهَبْتُمْ إلَى ما رَوَيْتُمْ رَوَيْنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نَكَحَ وهو مُحْرِمٌ فَقُلْت له أَرَأَيْت إذَا اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِأَيِّهَا تَأْخُذُ قال بِالثَّابِتِ عنه قُلْت أَفَتَرَى حَدِيثَ عُثْمَانَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ثَابِتًا قال نعم قُلْت وَعُثْمَانُ غَيْرُ غَائِبٍ عن نِكَاحِ مَيْمُونَةَ لِأَنَّهُ مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ وفي سَفَرِهِ الذي بَنَى بِمَيْمُونَةَ فيه في عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ وهو السَّفَرُ الذي زَعَمْت أنت بِأَنَّهُ نَكَحَهَا فيه وَإِنَّمَا نَكَحَهَا قَبْلَهُ وَبَنَى بها فيه قال نعم وَلَكِنَّ الذي رَوَيْنَا عنه روي أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نَكَحَهَا وهو مُحْرِمٌ فَهُوَ وَإِنْ لم يَكُنْ يوم نَكَحَهَا بَالِغًا وَلَا له يَوْمئِذٍ صُحْبَةٌ فإنه لَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ خَفِيَ عليه الْوَقْتُ الذي نَكَحَهَا فيه مع قَرَابَتِهِ بها وَلَا يَقْبَلُهُ هو وَإِنْ لم يَشْهَدْهُ إلَّا عن ثِقَةٍ فَقُلْت له يَزِيدُ بن الْأَصَمِّ بن أُخْتِهَا يقول نَكَحَهَا حَلَالًا وَمَعَهُ سُلَيْمَانُ بن يَسَارٍ عَتِيقُهَا أو بن عَتِيقِهَا فقال نَكَحَهَا حَلَالًا فَيُمْكِنُ عَلَيْك ما أَمْكَنَك فقال هَذَانِ ثِقَةٌ وَمَكَانَهُمَا منها الْمَكَانَ الذي لَا يَخْفَى عَلَيْهِمَا الْوَقْتُ الذي نَكَحَهَا فيه لِحَطِّهَا وَحَطِّ من هو منها نِكَاحُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْبَلَا ذلك وَإِنْ لم يَشْهَدَاهُ إلَّا بِخَبَرِ ثِقَةٍ فيه فَتَكَافَأَ خَبَرُ هَذَيْنِ وَخَبَرُ من رَوَيْت عنه في الْمَكَانِ منها وَإِنْ كان أَفْضَلَ مِنْهُمَا فَهُمَا ثِقَةٌ أو يَكُونُ خَبَرُ اثْنَيْنِ أَكْثَرَ من خَبَرِ وَاحِدٍ وَيَزِيدُونَك مَعَهُمَا ثَالِثًا بن الْمُسَيِّبِ وَتَنْفَرِدُ عَلَيْك رِوَايَةُ عُثْمَانَ التي هِيَ أَثْبَتُ من هذا كُلِّهِ فَقُلْت له أو ما أَعْطَيْتنَا أَنَّ الْخَبَرَيْنِ لو تكافئا ( ( ( تكافآ ) ) ) نَظَرْنَا فِيمَا فَعَلَ أَصْحَابُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَعْدَهُ فَنَتَّبِعُ أَيَّهمَا كان فِعْلُهُمَا أَشْبَهَ وَأَوْلَى الْخَبَرَيْنِ أَنْ يَكُونَ مَحْفُوظًا فَنَقْبَلَهُ وَنَتْرُكَ الذي خَالَفَهُ قال بَلَى قُلْت فَعُمَرُ وَيَزِيدُ بن ثَابِتٍ يَرُدَّانِ نِكَاحَ الْمُحْرِمِ وَيَقُولُ بن عُمَرَ لَا يَنْكِحُ وَلَا يُنْكَحُ وَلَا أَعْلَمُ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَهُمَا مُخَالِفًا قال فإن الْمَكِّيِّينَ يَقُولُونَ يَنْكِحُ فَقُلْت مِثْلَ ما ذَهَبْت إلَيْهِ وَالْحُجَّةُ تَلْزَمُهُمْ مِثْلَ ما لَزِمَتْك وَلَعَلَّهُمْ خَفِيَ عليهم ما خَالَفَ ما رَوَوْا من نِكَاحِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مُحْرِمًا قال فإن من أَصْحَابِك من قال إنَّمَا قُلْنَا لَا يَنْكِحُ لِأَنَّ الْعُقْدَةَ تُحِلُّ الْجِمَاعَ وهو مُحَرَّمٌ عليه قُلْت له الْحُجَّةُ فِيمَا حَكَيْنَا لَك عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ لَا فِيمَا وَصَفْت أَنَّهُمْ ذَهَبُوا إلَيْهِ من هذا وَإِنْ كُنْت أنت قد تَذْهَبُ أَحْيَانًا إلَى أَضْعَفَ منه وَلَيْسَ هذا عِنْدَنَا مَذْهَبَ الْمَذَاهِبِ في الْخَبَرِ أو عِلَّةً بَيِّنَةً فيه قال فَأَنْتُمْ قُلْتُمْ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يُرَاجِعَ امْرَأَتَهُ إذَا كانت في عِدَّةٍ منه وَأَنْ يَشْتَرِيَ الْجَارِيَةَ للاصابة قُلْت إنَّ الرَّجْعَةَ لَيْسَتْ بِعَقْدِ نِكَاحٍ إنَّمَا هِيَ شَيْءٌ جَعَلَهُ اللَّهُ لِلْمُطَلِّقِ في عُقْدَةِ النِّكَاحِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ فإذا نَكَحَ الْمُحْرِمُ أو أَنْكَحَ غَيْرَهُ فَنِكَاحُهُ مَفْسُوخٌ وَلِلْمُحْرِمِ أَنْ يُرَاجِعَ امْرَأَتَهُ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ قد ثَبَتَتْ بِابْتِدَاءِ النِّكَاحِ وَلَيْسَتْ بِالنِّكَاحِ إنَّمَا هِيَ شَيْءٌ له في نِكَاحٍ كان وهو غَيْرُ مُحْرِمٍ وَكَذَلِكَ له أَنْ يَشْتَرِيَ الْأَمَةَ لِلْوَطْءِ وَغَيْرِهِ وَبِهَذَا نَقُولُ فَإِنْ نَكَحَ الْمُحْرِمُ فَنِكَاحُهُ مَفْسُوخٌ - * بَابُ الْخِلَافِ في نِكَاحِ الْمُحْرِمِ - *
أخبرنا الرَّبِيعُ قال

(5/178)


أَنْ يَكُونَ له الرَّجْعَةُ في الْعِدَّةِ وَعُقْدَةُ النِّكَاحِ كان وهو حَلَالٌ فَلَا يُبْطِلُ الْعُقْدَةَ حَقُّ الْإِحْرَامِ وَلَا يُقَالُ لِلْمُرَاجِعِ نَاكِحٌ بِحَالِ فَأَمَّا الْجَارِيَةُ تُشْتَرَى فإن الْبَيْعَ مُخَالِفٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَك لِلنِّكَاحِ من قِبَلِ أَنَّهُ قد يَشْتَرِي الْمَرْأَةَ قد أَرْضَعَتْهُ وَلَا يَحِلُّ له إصَابَتُهَا وَيَشْتَرِي الْجَارِيَةَ وَأُمَّهَا وَوَلَدَهَا لَا يَحِلُّ له أَنْ يَجْمَعَ بين هَؤُلَاءِ فَأُجِيزَ الْمِلْكُ بِغَيْرِ جِمَاعٍ وَأَكْثَرُ ما في مِلْكِ النِّكَاحِ الْجِمَاعُ وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَنْكِحَ امْرَأَةً لَا يَحِلُّ له جِمَاعُهَا وقد يَصْلُحُ أَنْ يَشْتَرِيَ من لَا يَحِلُّ له جِمَاعُهَا - * بَابٌ في إنْكَاحِ الْوَلِيَّيْنِ - *
( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) قال أخبرنا إسْمَاعِيلُ بن عُلَيَّةَ عن سَعِيدِ بن أبي عَرُوبَةَ عن قَتَادَةُ عن الْحَسَنِ عن رَجُلٍ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إذَا أَنْكَحَ الْوَلِيَّانِ فَالْأَوَّلُ أَحَقُّ وإذا بَاعَ الْمُجِيزَانِ فَالْأَوَّلُ أَحَقُّ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فإذا كان لِلرَّجُلِ إمَاءٌ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْتِيَهُنَّ مَعًا قبل أَنْ يَغْتَسِلَ وَلَوْ أَحْدَثَ وُضُوءًا كُلَّمَا أَرَادَ إتْيَانَ وَاحِدَةٍ كان أَحَبَّ إلَيَّ لِمَعْنَيَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّهُ قد رُوِيَ فيه حَدِيثٌ وَإِنْ كان مِمَّا لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ وَالْآخَرِ أَنَّهُ أَنْظَفُ وَلَيْسَ عِنْدِي بِوَاجِبٍ عليه وَأَحَبُّ إلَيَّ لو غَسَلَ فَرْجَهُ قبل إتْيَانِ التي يُرِيدُ ابْتِدَاءَ إتْيَانِهَا وَإِتْيَانُهُنَّ مَعًا وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ كَإِتْيَانِ الْوَاحِدَةِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَإِنْ كُنَّ حَرَائِرَ فَحَلَلْنَهُ فَكَذَلِكَ وَإِنْ لم يَحْلِلْنَهُ لم أَرَ أَنْ يَأْتِيَ وَاحِدَةً في لَيْلَةِ الْأُخْرَى التي يَقْسِمُ لها فَإِنْ قِيلَ فَهَلْ في هذا حَدِيثٌ قِيلَ إنَّهُ يُسْتَغْنَى فيه عن الحديث بِمَا قد يَعْرِفُ الناس وقد رُوِيَ فيه شَيْءٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) من أَصَابَ امْرَأَةً حُرَّةً أو أَمَةً ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَنَامَ فَلَا يَنَامَ حتى يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ بِالسُّنَّةِ - * إبَاحَةُ الطَّلَاقِ - * أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال + ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ عز وجل { إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } الْآيَةَ وقال { لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ ما لم تَمَسُّوهُنَّ } وقال { إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ } الْآيَةَ وقال { وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ } وقال { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أو تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } مع ما ذَكَرْته من الطَّلَاقِ في غَيْرِ ما ذَكَرْت وَدَلَّتْ عليه سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من إبَاحَةِ الطَّلَاقِ فَالطَّلَاقُ مُبَاحٌ لِكُلِّ زَوْجٍ لَزِمَهُ الْفَرْضُ وَمَنْ كانت زَوْجَتُهُ لَا تُحَرَّمُ من مُحْسِنَةٍ وَلَا مُسِيئَةٍ في حَالٍ إلَّا أَنَّهُ يُنْهَى عنه لِغَيْرِ قبل الْعِدَّةِ وَإِمْسَاكُ كل زَوْجٍ مُحْسِنَةٍ أو مُسِيئَةٍ بِكُلِّ حَالٍ مُبَاحٌ إذَا أَمْسَكَهَا بِمَعْرُوفٍ وَجِمَاعُ الْمَعْرُوفِ ( 1 ) إعفاها بِتَأْدِيَةِ الْحَقِّ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَبِهَذَا نَقُولُ وَهَذَا في الْمَرْأَةِ تُوَكِّلُ رَجُلَيْنِ فَيُزَوِّجَانِهَا فَيُزَوِّجُهَا أَحَدُهُمَا وَلَا يَعْلَمُ الْآخَرُ حين زَوَّجَهَا فَنِكَاحُ الْأَوَّلِ ثَابِتٌ لِأَنَّهُ وَلِيٌّ مُوَكَّلٌ وَمَنْ نَكَحَهَا بَعْدَهُ فَقَدْ بَطَلَ نِكَاحُهُ وَهَذَا قَوْلُ عَوَامِّ الْفُقَهَاءِ لَا أَعْرِفُ بَيْنَهُمْ فيه خِلَافًا وَلَا أَدْرِي أَسَمِعَ الْحَسَنُ منه أَمْ لَا
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ عن الزُّهْرِيِّ عن بن الْمُسَيِّبِ أَنَّ عَلِيَّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قال إذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِرَجْعَتِهَا حتى تَغْتَسِلَ من الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ في الْوَاحِدَةِ وَالِاثْنَتَيْنِ - * بَابٌ في إتْيَانِ النِّسَاءِ قبل إحْدَاثِ غُسْلٍ - *

(5/179)


- * كَيْفَ إبَاحَةُ الطَّلَاقِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ تَعَالَى { إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } وَقُرِئَتْ لِقِبَلِ عِدَّتِهِنَّ وَهُمَا لَا يَخْتَلِفَانِ في معنى ( ( ( المعنى ) ) )
أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ في زَمَانِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَهِيَ حَائِضٌ قال عُمَرُ فَسَأَلْتُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عن ذلك فقال مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حتى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ فَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا قبل أَنْ يَمَسَّ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ التي أَمَرَ اللَّهُ عز وجل أَنْ تَطْلُقَ لها النِّسَاءُ
أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ وَسَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ قال أخبرني أبو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سمع عَبْدَ الرحمن بن أَيْمَنَ مولى عَزَّةَ يَسْأَلُ عَبْدَ اللَّهَ بن عُمَرَ وأبو الزُّبَيْرِ يَسْمَعُ فقال كَيْفَ تَرَى في رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا فقال بن عُمَرَ طَلَّقَ عبد اللَّهِ بن عُمَرَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا فإذا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْ أو لِيُمْسِكْ قال بن عُمَرَ قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى < يا أَيُّهَا النبي إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لقبل ( ( ( لعدتهن ) ) ) عِدَّتِهِنَّ > أو لِقِبَلِ عِدَّتِهِنَّ شَكَّ الشَّافِعِيُّ
أخبرنا مُسْلِمٌ وَسَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن مُجَاهِدٍ أَنَّهُ كان يَقْرَؤُهَا كَذَلِكَ أخبرنا مَالِكٌ عن عبد اللَّهِ بن دِينَارٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كان يَقْرَؤُهَا < إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِقِبَلِ عِدَّتِهِنَّ > + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَبَيَّنَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل بِدَلَالَةِ سُنَّةِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ في الْمَرْأَةِ الْمَدْخُولِ بها التي تَحِيضُ دُونَ من سِوَاهَا من الْمُطَلَّقَاتِ أَنْ تَطْلُقَ لِقِبَلِ عِدَّتِهَا وَذَلِكَ أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ الْعِدَّةَ على الْمَدْخُولِ بها وَأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا يَأْمُرُ بِطَلَاقٍ طَاهِرٍ من حَيْضِهَا التي يَكُونُ لها طُهْرٌ وَحَيْضٌ وَبَيَّنَ أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ على الْحَائِضِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُؤْمَرُ بِالْمُرَاجَعَةِ من لَزِمَهُ الطَّلَاقُ فَأَمَّا من لم يَلْزَمْهُ الطَّلَاقُ فَهُوَ بِحَالِهِ قبل الطَّلَاقِ وقد أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ وَالتَّسْرِيحِ بِالْإِحْسَانِ وَنَهَى عن الضَّرَرِ وَطَلَاقُ الْحَائِضِ ضَرَرٌ عليها لِأَنَّهَا لَا زَوْجَةَ وَلَا في أَيَّامٍ تَعْتَدُّ فيها من زَوْجٍ ما كانت في الْحَيْضَةِ وَهِيَ إذَا طَلُقَتْ وَهِيَ تَحِيضُ بَعْدَ جِمَاعٍ لم تَدْرِ وَلَا زَوْجُهَا عِدَّتَهَا الْحَمْلُ أو الْحَيْضُ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنْ يَعْلَمَا مَعًا الْعِدَّةَ لِيَرْغَبَ الزَّوْجُ وَتَقْصُرَ الْمَرْأَةُ عن الطَّلَاقِ إنْ طَلَبَتْهُ وإذا أَمَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عُمَرَ أَنْ يُعَلِّمَ بن عُمَرَ مَوْضِعَ الطَّلَاقِ فلم يُسَمِّ له من الطَّلَاقِ عَدَدًا فَهُوَ يُشْبِهُ أَنْ لَا يَكُونَ في عَدَدِ ما يُطَلِّقُ سُنَّةٌ إلَّا أَنَّهُ أَبَاحَ له الطَّلَاقَ وَاحِدَةً وَاثْنَتَيْنِ وَثَلَاثًا مع دَلَائِلَ تُشْبِهُ هذا الحديث وَدَلَائِلَ الْقِيَاسِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أَخْتَارُ لِلزَّوْجِ أَنْ لَا يُطَلِّقَ إلَّا وَاحِدَةً لِيَكُونَ له الرَّجْعَةُ في الْمَدْخُولِ بها وَيَكُونَ خَاطِبًا في غَيْرِ الْمَدْخُولِ بها وَمَتَى نَكَحَهَا بَقِيَتْ له عليها اثْنَتَانِ من الطَّلَاقِ وَلَا يُحَرَّمُ عليه أَنْ يُطَلِّقَ اثْنَتَيْنِ وَلَا ثَلَاثًا لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَبَاحَ الطَّلَاقَ وما أَبَاحَ فَلَيْسَ بِمَحْظُورٍ على أَهْلِهِ وَأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بن عُمَرَ مَوْضِعَ الطَّلَاقِ وَلَوْ كان في عَدَدِ الطَّلَاقِ مُبَاحٌ وَمَحْظُورٌ عَلَّمَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إيَّاهُ لِأَنَّ من خَفِيَ عليه أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ طَاهِرًا كان ما يُكْرَهُ من عَدَدِ الطَّلَاقِ وَيُحَبُّ لو كان فيه مَكْرُوهٌ أَشْبَهَ أَنْ يَخْفَى عليه وَطَلَّقَ عُوَيْمِرٌ الْعَجْلَانِيُّ امْرَأَتَهُ بين يَدَيْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ثَلَاثًا قبل أَنْ يَأْمُرَهُ وَقَبْلَ أَنْ يُخْبِرَهُ أنها تَطْلُقُ عليه بِاللِّعَانِ وَلَوْ كان ذلك شيئا مَحْظُورًا عليه نَهَاهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِيُعَلِّمَهُ وَجَمَاعَةَ من حَضَرَهُ وَحَكَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا البتة يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ثَلَاثًا فلم يَبْلُغْنَا أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن ذلك وَطَلَّقَ رُكَانَةُ امْرَأَتَهُ البتة وَهِيَ تَحْتَمِلُ وَاحِدَةً وَتَحْتَمِلُ ثَلَاثًا فَسَأَلَهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عن نِيَّتِهِ وَأَحْلَفَهُ عليها ولم نَعْلَمْهُ نهى أَنْ يُطَلِّقَ البتة يُرِيدُ بها ثَلَاثًا وَطَلَّقَ عبد الرحمن بن عَوْفٍ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا - * جِمَاعُ وَجْهِ الطَّلَاقِ - *

(5/180)


- * تَفْرِيع طَلَاق السَّنَة في غَيْر الْمَدْخُول بها وَالَّتِي لَا تَحِيض - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا كان الرَّجُلُ غَائِبًا عن امْرَأَتِهِ فَأَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا لِلسُّنَّةِ كَتَبَ إلَيْهَا إذَا أَتَاك كِتَابِي هذا وقد حِضْت بَعْدَ خُرُوجِي من عِنْدِك فَإِنْ كُنْت طَاهِرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ كان عَلِمَ أنها قد حَاضَتْ قبل أَنْ يَخْرُجَ ولم يَمَسَّهَا بَعْدَ الطُّهْرِ أو عَلِمَ أنها قد حَاضَتْ وَطَهُرَتْ وهو غَائِبٌ كَتَبَ إلَيْهَا إذَا أَتَاك كِتَابِي فَإِنْ كُنْت طَاهِرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ كُنْت حَائِضًا فإذا طَهُرْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ( قال ) وإذا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ التي تَحِيضُ وقد دخل بها أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ سَأَلَتْهُ فَإِنْ قال أَرَدْت أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ عليها لِلسُّنَّةِ أو لم يَكُنْ له نِيَّةٌ فَإِنْ كانت طَاهِرًا ولم يُجَامِعْهَا في طُهْرِهَا ذلك وَقَعَ الطَّلَاقُ عليها في حَالِهَا تِلْكَ وَإِنْ كانت طَاهِرًا قد جَامَعَهَا في ذلك الطُّهْرِ أو حَائِضًا أو نُفَسَاءَ وَقَعَ الطَّلَاقُ عليها حين تَطْهُرُ من النِّفَاسِ أو الْحَيْضِ وَوَقَعَ على الطاهر ( ( ( الطاهرة ) ) ) الْمُجَامَعَةِ حين ( ( ( حيث ) ) ) تَطْهُرُ من أَوَّلِ حَيْضَةٍ تَحِيضُهَا بَعْدَ قَوْلِهِ يَقَعُ على كل وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ حين تَرَى الطُّهْرَ وَقَبْلَ الْغُسْلِ وَإِنْ قال أَرَدْت أَنْ يَقَعَ حين تَكَلَّمْت وَقَعَتْ حَائِضًا كانت أو طَاهِرًا بِإِرَادَتِهِ وإذا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ التي تَحِيضُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَقَعْنَ جميعا مَعًا في وَقْتِ طَلَاقِ السُّنَّةِ إذَا كانت طَاهِرًا من غَيْرِ جِمَاعٍ وَقَعْنَ حين قَالَهُ وَإِنْ كانت نُفَسَاءَ أو حَائِضًا أو طَاهِرًا مجامعة فإذا طَهُرَتْ قبل تَجَامُعٍ وَلَوْ نَوَى أَنْ يَقَعْنَ عِنْدَ كل طُهْرٍ وَاحِدَةً وَقَعْنَ مَعًا كما وَصَفْت في الْحُكْمِ فَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَيَقَعْنَ على ما نَوَاهُ وَيَسَعُهُ رَجْعَتُهَا وَإِصَابَتُهَا بين كل تَطْلِيقَتَيْنِ ما لم تَنْقَضِ عِدَّتُهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَتَنْقَضِي عِدَّةُ الْمَرْأَةِ بِأَنْ تَدْخُلَ في الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ من يَوْمِ وَقَعَ الطَّلَاقُ في الْحُكْمِ وَلَهَا أَنْ لَا تَنْكِحَهُ وَتَمْتَنِعَ منه وإذا قال أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا عِنْدَ كل قُرْءٍ لَك وَاحِدَةٌ فَإِنْ كانت طَاهِرًا مُجَامَعَةً أو غير مُجَامَعَةٍ وَقَعَتْ الْأُولَى لِأَنَّ ذلك قُرْءٌ وَلَوْ طَلُقَتْ فيه اعْتَدَّتْ بِهِ وَإِنْ كانت حَائِضًا أو نُفَسَاءَ وَقَعَتْ الْأُولَى إذَا طَهُرَتْ من النِّفَاسِ وَوَقَعَتْ الْأُخْرَى إذَا طَهُرَتْ من الْحَيْضَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ إذَا طَهُرَتْ من الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ وَيَبْقَى عليها من عِدَّتِهَا قُرْءٌ فإذا دَخَلَتْ في الدَّمِ من الْحَيْضَةِ الرَّابِعَةِ فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا من الطَّلَاقِ كُلِّهِ ( قال ) وَلَوْ قال لها هذا الْقَوْلَ وَهِيَ طَاهِرٌ أو وَهِيَ حُبْلَى وَقَعَتْ الْأُولَى ولم تَقَعْ الثِّنْتَانِ كانت تَحِيضُ على الْحَبَلِ أو لَا تَحِيضُ حتى تَلِدَ ثُمَّ تَطْهُرَ فَيَقَعَ عليها إنْ ارْتَجَعَ فَإِنْ لم يُحْدِثْ لها رَجْعَةً فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَلَا تَقَعُ الثِّنْتَانِ لِأَنَّهَا قد بَانَتْ منه وَحَلَّتْ لِغَيْرِهِ وَلَا يَقَعُ عليها طَلَاقُهُ وَلَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ له ( قال ) وَسَوَاءٌ قال طَالِقٌ وَاحِدَةً او ثِنْتَيْنِ أو ثَلَاثًا يَقَعْنَ مَعًا لِأَنَّهُ ليس في عَدَدِ الطَّلَاقِ سُنَّةٌ إلَّا أَنِّي أُحِبُّ له أَنْ لَا يُطَلِّقَ إلَّا وَاحِدَةً وَكَذَلِكَ إنْ قال أَرَدْت طَلَاقًا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فلم يَدْخُلْ بها وَكَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ أو لَا تَحِيضُ فَلَا سُنَّةَ في طَلَاقِهَا إلَّا أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ مَتَى طَلَّقَهَا فَيُطَلِّقُهَا مَتَى شَاءَ فَإِنْ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ أو أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ أو أَنْتِ طَالِقٌ لَا لِلسُّنَّةِ وَلَا لِلْبِدْعَةِ طَلُقَتْ مَكَانَهَا ( قال ) وَلَوْ تَزَوَّجَ رَجُلٌ امْرَأَةً وَدَخَلَ بها وَحَمَلَتْ فقال لها أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ أو لِلْبِدْعَةِ أو بِلَا سُنَّةٍ وَلَا بِدْعَةٍ كانت مِثْلَ الْمَرْأَةِ التي لم يَدْخُلْ بها لَا تَخْتَلِفُ هِيَ وَهِيَ في شَيْءٍ مِمَّا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ عليها حين يَتَكَلَّمُ بِهِ ( قال ) وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَدَخَلَ بها وَأَصَابَهَا وَكَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ من صِغَرٍ أو كِبَرٍ فقال لها أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ فَهِيَ مِثْلُ الْمَرْأَتَيْنِ قَبْلَهَا لَا يَخْتَلِفُ ذلك في وُقُوعِ الطَّلَاقِ عليها حين يَتَكَلَّمُ بِهِ لِأَنَّهُ ليس في طَلَاقِ وَاحِدَةٍ مِمَّنْ سُمِّيَتْ سُنَّةً إلَّا أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ عليها حين يَتَكَلَّمُ بِهِ بِلَا وَقْتٍ لِعِدَّةٍ لِأَنَّهُنَّ خَوَارِجُ من أَنْ يَكُنَّ مَدْخُولًا بِهِنَّ وَمِمَّنْ لَيْسَتْ عِدَدُهُنَّ الْحَيْضَ وَإِنْ نَوَى أَنْ يَقَعْنَ في وَقْتٍ لم يُدَيَّنْ في الْحُكْمِ وَدُيِّنَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عز وجل - * تَفْرِيع طَلَاق السَّنَة في الْمَدْخُول بها التي تَحِيض إذَا كان الزَّوْج غَائِبًا - *

(5/181)


لِلسُّنَّةِ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ عليها إذَا طَلُقَتْ فَهِيَ طَالِقٌ مَكَانَهُ وَلَوْ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ وَلَا نِيَّةَ له أو وهو يَنْوِي وُقُوعَ الطَّلَاقِ على ظَاهِرِ قَوْلِهِ وَقَعَ الطَّلَاقُ حين تَكَلَّمَ بِهِ وَلَوْ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَاحِدَةً وَأُخْرَى لِلْبِدْعَةِ فَإِنْ كانت طَاهِرًا قد جُومِعَتْ أو حَائِضًا أو نُفَسَاءَ وَقَعَتْ تَطْلِيقَةُ الْبِدْعَةِ فإذا طَهُرَتْ وَقَعَتْ تَطْلِيقَةُ السُّنَّةِ وَسَوَاءٌ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً سُنِّيَّةً وَأُخْرَى بِدْعِيَّةً أو تَطْلِيقَةً لِلسُّنَّةِ وَأُخْرَى لِلْبِدْعَةِ ( قال ) وَلَوْ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَثَلَاثًا لِلْبِدْعَةِ وَقَعَتْ عليها ثلاث ( ( ( ثلاثا ) ) ) حين تَكَلَّمَ بِهِ لِأَنَّهَا لَا تَعْدُو أَنْ تَكُونَ في حَالِ سُنَّةٍ أو حَالِ بِدْعَةٍ فَيَقَعْنَ في أَيِّ الْحَالَيْنِ كانت (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَذَلِكَ لو قال لها أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا بَعْضُهُنَّ لِلسُّنَّةِ وَبَعْضُهُنَّ لِلْبِدْعَةِ جَعَلْنَا الْقَوْلَ قَوْلَهُ فَإِنْ أَرَادَ ثنتين ( ( ( اثنتين ) ) ) لِلسُّنَّةِ وَوَاحِدَةً لِلْبِدْعَةِ أَوْقَعْنَا اثْنَتَيْنِ لِلسُّنَّةِ في مَوْضِعِهِمَا وَوَاحِدَةً لِلْبِدْعَةِ في مَوْضِعِهَا وَهَكَذَا لو قال لها أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَلِلْبِدْعَةِ فَإِنْ قال أَرَدْت بِثَلَاثٍ لِلسُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ أَنْ يَقَعْنَ مَعًا وَقَعْنَ في أَيِّ حَالٍ كانت الْمَرْأَةُ وَهَكَذَا إنْ قال أَرَدْت أَنَّ السُّنَّةَ وَالْبِدْعَةَ في هذا سَوَاءٌ وَلَوْ قال بَعْضُهُنَّ لِلسُّنَّةِ وَبَعْضُهُنَّ لِلْبِدْعَةِ وَلَا نِيَّةَ له فَإِنْ كانت طَاهِرًا من غَيْرِ جِمَاعٍ وَقَعَتْ اثنتان ( ( ( ثنتان ) ) ) لِلسُّنَّةِ حين يَتَكَلَّمُ بِالطَّلَاقِ وَوَاحِدَةٌ لِلْبِدْعَةِ حين تَحِيضُ وَإِنْ كانت مُجَامَعَةً أو في دَمِ نِفَاسٍ أو حَيْضٍ وَقَعَتْ حين تَكَلَّمَ اثْنَتَانِ لِلْبِدْعَةِ وإذا طَهُرَتْ وَاحِدَةٌ لِلسُّنَّةِ ( قال ) وَلَوْ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ أو أَجْمَلَ الطَّلَاقِ أو أَفْضَلَ الطَّلَاقِ أو أَكْمَلَ الطَّلَاقِ أو خَيْرَ الطَّلَاقِ أو ما أَشْبَهَ هذا من تَفْصِيلِ الْكَلَامِ سَأَلَتْهُ عن نِيَّتِهِ فَإِنْ قال لم أَنْوِ شيئا وَقَعَ الطَّلَاقُ لِلسُّنَّةِ وَكَذَلِكَ لو قال ما نَوَيْت إيقَاعَهُ في وَقْتٍ أَعْرِفُهُ وَكَذَلِكَ لو قال ما أَعْرِفُ حَسَنَ الطَّلَاقِ وَلَا قَبِيحَهُ بِصِفَةٍ غير أَنِّي نَوَيْت أَنْ يَكُونَ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ وما قُلْت معه أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ حين تَكَلَّمْت بِهِ لَا يَكُونُ له مُدَّةٌ غَيْرُ الْوَقْتِ الذي تَكَلَّمْت بِهِ فيه فَيَقَعُ حِينَئِذٍ حين يَتَكَلَّمُ بِهِ أو يقول أَرَدْت بِأَحْسَنِهِ أَنِّي طَلَّقْت من الْغَضَبِ أو غَيْرِهِ فَيَقَعُ حين يَتَكَلَّمُ بِهِ إذَا جاء بِدَلَالَةٍ ( قال ) وَلَوْ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ أَقْبَحَ أو أَسْمَجَ أو أَقْذَرَ أو أَشَرَّ أو أَنْتَنَ أو آلَمَ أو أَبْغَضَ الطَّلَاقِ أو ما أَشْبَهَ هذا مِمَّا يَقْبُحُ بِهِ الطَّلَاقُ سَأَلْنَاهُ عن نِيَّتِهِ فَإِنْ قال أَرَدْت ما يُخَالِفُ السُّنَّةَ منه أو قال أَرَدْت إنْ كان فيه شَيْءٌ يُقَبِّحُ الْأَقْبَحَ وَقَعَ طَلَاقَ بِدْعَةٍ إنْ كانت طَاهِرًا مُجَامَعَةً أو حَائِضًا أو نُفَسَاءَ حين تَكَلَّمَ بِهِ وَقَعَ مَكَانَهُ وَإِنْ كانت طَاهِرًا من غَيْرِ جِمَاعٍ وَقَعَ إذَا حَاضَتْ أو نَفِسَتْ أو جُومِعَتْ وَإِنْ قال لم أَنْوِ شيئا أو خَرِسَ أو عَتِهَ قبل يَسْأَلَ وَقَعَ الطَّلَاقُ في مَوْضِعِ الْبِدْعَةِ فَإِنْ سُئِلَ فقال نَوَيْت أَقْبَحَ الطَّلَاقِ لها إذَا طَلَّقْتهَا لِرِيبَةٍ رَأَيْتهَا منها أو سُوءِ عِشْرَةٍ أو بَغْضَةً مِنِّي لها أو لِبُغْضِهَا من غَيْرِ رِيبَةٍ فَيَكُونُ ذلك يَقْبُحُ بها وَقَعَ الطَّلَاقُ حين تَكَلَّمَ بِهِ لِأَنَّهُ لم يَصِفْهُ في أَنْ يَقَعَ في وَقْتٍ فَيُوقِعَهُ فيه ( قال ) وَلَوْ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً حَسَنَةً قَبِيحَةً أو جَمِيلَةً فَاحِشَةً أو ما أَشْبَهَ هذا مِمَّا يَجْمَعُ الشَّيْءَ وَخِلَافَهُ كانت طَالِقًا حين تَكَلَّمَ بِالطَّلَاقِ لِأَنَّ ما أَوْقَعَ في ذلك وَقَعَ بِإِحْدَى الصِّفَتَيْنِ وَإِنْ قال نَوَيْت أَنْ يَقَعَ في وَقْتٍ غَيْرِ هذا الْوَقْتِ لم أَقْبَلْ منه لِأَنَّ الْحُكْمَ في ظَاهِرِ قَوْلِهِ اثنتان ( ( ( ثنتان ) ) ) أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ حين تَكَلَّمَ بِهِ وَيَسَعُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ لَا يَقَعَ الطَّلَاقُ إلَّا على نِيَّتِهِ وَلَوْ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كان الطَّلَاقُ السَّاعَةَ أو الْآنَ أو في هذا الْوَقْتِ أو في هذا الْحِينِ يَقَعُ عَلَيْك لِلسُّنَّةِ فَإِنْ كانت طَاهِرًا من غَيْرِ جِمَاعٍ وَقَعَ عليها الطَّلَاقُ وَإِنْ كانت في تِلْكَ الْحَالِ مُجَامَعَةً أو حَائِضًا أو نُفَسَاءَ لم يَقَعْ عليها الطَّلَاقُ في تِلْكَ الْحَالِ وَلَا غَيْرِهَا بهذا الطَّلَاقِ وَلَوْ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كان الطَّلَاقُ الْآنَ أو السَّاعَةَ أو في هذا الْوَقْتِ أو في هذا الْحِينِ يَقَعُ عَلَيْك لِلْبِدْعَةِ فَإِنْ كانت مُجَامَعَةً أو حَائِضًا أو نُفَسَاءَ طَلُقَتْ وَإِنْ كانت طَاهِرًا من غَيْرِ جِمَاعٍ لم تَطْلُقْ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى في هذا كُلِّهِ غير مَدْخُولٍ بها أو مَدْخُولًا بها لَا تَحِيضُ من صِغَرٍ أو كِبَرٍ أو حُبْلَى وَقَعَ هذا كُلُّهُ حين تَكَلَّمَ بِهِ وَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ في الْمَدْخُولِ بها التي تَحِيضُ في جَمِيعِ الْمَسَائِلِ أَرَدْت طَلَاقًا ثَلَاثًا أو أَرَادَ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ أو بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَقْبَحَ الطَّلَاقِ ثَلَاثًا كان ثَلَاثًا وَكَذَلِكَ إنْ أَرَادَ اثْنَتَيْنِ وَإِنْ لم يُرِدْ زِيَادَةً في عَدَدِ الطَّلَاق

(5/182)


كانت في هذا كُلِّهِ وَاحِدَةً وَلَوْ قال أَنْتِ طَالِقٌ أَكْمَلَ الطَّلَاقِ فَهَكَذَا وَلَوْ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ أَكْثَرَ الطَّلَاقِ عَدَدًا أو قال أَكْثَرَ الطَّلَاقِ ولم يَزِدْ على ذلك فَهُنَّ ثَلَاثٌ وَيُدَيَّنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ ظَاهِرَ هذا ثَلَاثٌ ( قال ) وَطَلَاقُ الْمَدْخُولِ بها حُرَّةً مُسْلِمَةً أو ذِمِّيَّةً أو أَمَةً مُسْلِمَةً سَوَاءٌ في وَقْتِ إيقَاعِهِ وَإِنْ نَوَى شيئا وَسِعَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ لَا يَقَعَ الطَّلَاقُ إلَّا في الْوَقْتِ الذي نَوَى وَلَوْ قال أَنْتِ طَالِقٌ مِلْءَ مَكَّةَ فَهِيَ وَاحِدَةٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَكْثَرَ منها وَكَذَلِكَ إنْ قال مِلْءَ الدُّنْيَا أو قال مِلْءَ شَيْءٍ من الدُّنْيَا لِأَنَّهَا لَا تَمْلَأُ شيئا إلَّا بِكَلَامٍ فَالْوَاحِدَةُ وَالثَّلَاثُ سَوَاءٌ فِيمَا يُمْلَأُ بِالْكَلَامِ ( قال ) وَلَوْ وَقَّتَ فقال أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا أو إلَى سَنَةٍ أو إذَا فَعَلْت كَذَا وَكَذَا أو كان مِنْك كَذَا طَلُقَتْ في الْوَقْتِ الذي وَقَّتَ وَلَا تَطْلُقْ قَبْلَهُ وَلَوْ قال لِلْمَدْخُولِ بها التي تَحِيضُ إذَا قَدِمَ فُلَانٌ أو عَتَقَ فُلَانٌ أو إذَا فَعَلَ فُلَانٌ كَذَا وَكَذَا أو إذَا فَعَلْت كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ لم يَقَعْ ذلك إلَّا في الْوَقْتِ الذي يَكُونُ فيه ما أَوْقَعَ بِهِ الطَّلَاقَ حَائِضًا كانت أو طَاهِرًا وَلَوْ قال أَنْتِ طَالِقٌ في وَقْتِ كَذَا لِلسُّنَّةِ فَإِنْ كان ذلك الْوَقْتُ وَهِيَ طَاهِرٌ من غَيْرِ جِمَاعٍ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَإِنْ كان وَهِيَ حَائِضٌ أو نُفَسَاءُ أو مُجَامَعَةٌ لم يَقَعْ إلَّا بَعْدَ طُهْرِهَا من حَيْضَةٍ قبل الْجِمَاعِ وَلَوْ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ لَا لِلسُّنَّةِ وَلَا لِلْبِدْعَةِ أو لِلسُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ كانت طَالِقًا حين تَكَلَّمَ بِالطَّلَاقِ - * طَلَاقُ التي لم يَدْخُل بها - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ على أَنَّ من طَلَّقَ زَوْجَةً له دخل بها أو لم يَدْخُلْ بها ثَلَاثًا لم تَحِلَّ له حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فإذا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ التي لم يَدْخُلْ بها أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَقَدْ حُرِّمَتْ عليه حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ
أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن الزُّهْرِيِّ عن مُحَمَّدِ بن عبد الرحمن بن ثَوْبَانَ عن مُحَمَّدِ بن إيَاسِ بن الْبُكَيْرِ قال طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قبل أَنْ يَدْخُلَ بها ثُمَّ بَدَا له أَنْ يَنْكِحَهَا فَجَاءَ يَسْتَفْتِي فَسَأَلَ أبو ( ( ( أبا ) ) ) هُرَيْرَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بن عَبَّاسٍ فَقَالَا لَا نَرَى أَنْ تَنْكِحَهَا حتى تَتَزَوَّجَ زَوْجًا غَيْرَك فقال إنَّمَا كان طَلَاقِي إيَّاهَا وَاحِدَةً فقال بن عَبَّاسٍ إنَّك أَرْسَلْت من يَدِك ما كان لَك من فَضْلٍ
أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن بُكَيْرِ بن عبد اللَّهِ بن الْأَشَجِّ عن النُّعْمَانِ بن أبي عَيَّاشٍ الْأَنْصَارِيِّ عن عَطَاءِ بن يَسَارٍ قال جاء رَجُلٌ يَسْأَلُ عَبْدَ اللَّهِ بن عمرو بن الْعَاصِ عن رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قبل أَنْ يَمَسَّهَا قال عَطَاءٌ فَقُلْت إنَّمَا طَلَاقُ الْبِكْرِ وَاحِدَةٌ فقال عبد اللَّهِ بن عَمْرٍو إنَّمَا أنت قاص ( ( ( قاض ) ) ) الْوَاحِدَةُ تُبِينُهَا وَالثَّلَاثُ تُحَرِّمُهَا حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ عز وجل { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } وقال { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ في ذلك } الْآيَةَ فَالْقُرْآنُ يَدُلُّ على أَنَّ الرَّجْعَةَ لِمَنْ طَلَّقَ وَاحِدَةً أو اثْنَتَيْنِ انما هِيَ على الْمُعْتَدَّةِ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل إنَّمَا جَعَلَ الرَّجْعَةَ في الْعِدَّةِ وكان الزَّوْجُ لَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ إذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ لِأَنَّهُ يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ في تِلْكَ الْحَالِ أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غير الْمُطَلِّقِ فَمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ولم يَدْخُلْ بها تَطْلِيقَةً أو تَطْلِيقَتَيْنِ فَلَا رَجْعَةَ له عليها وَلَا عِدَّةَ وَلَهَا أَنْ تَنْكِحَ من شَاءَتْ مِمَّنْ يَحِلُّ لها نِكَاحُهُ وَسَوَاءٌ الْبِكْرُ في هذا وَالثَّيِّبُ ( قال ) وَلَوْ قال لِلْمَرْأَةِ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بها أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ أو ثَلَاثًا لِلْبِدْعَةِ أو ثَلَاثًا بَعْضُهُنَّ لِلسُّنَّةِ وَبَعْضُهُنَّ لِلْبِدْعَةِ وَقَعْنَ مَعًا حين تَكَلَّمَ بِهِ لِأَنَّهُ ليس فيها سُنَّةٌ وَلَا بِدْعَةٌ وَهَكَذَا لو كانت مَدْخُولًا بها لَا تَحِيضُ من صِغَرٍ أو كِبَرٍ أو حُبْلَى وإذا أَرَادَ في الْمَدْخُولِ بها ثَلَاثًا أَنْ يَقَعْنَ في رَأْسِ كل شَهْرٍ وَاحِدَةً لَزِمَهُ في حُكْمِ الطَّلَاقِ ثَلَاثًا يَقَعْنَ مَعًا وَيَسَعُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عز وجل أَنْ يُطَلِّقَهَا في رَأْسِ كل شَهْرٍ وَاحِدَةً وَيَرْتَجِعَهَا فِيمَا بين ذلك وَيُصِيبَهَا وَيَسَعُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَسَعُهَا هِيَ أَنْ تُصَدِّقَهُ وَلَا تَتْرُكَهُ وَنَفْسَهَا لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُنَّ وَقَعْنَ مَعًا وَهِيَ لَا تَعْلَمُ ذلك كما قال وقد يَكْذِبُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أو تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } وقال تَبَارَكَ وَتَعَالَى { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ له من بَعْدُ حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ }

(5/183)


على قَلْبِهِ وَلَوْ قال لِلَّتِي لم يَدْخُلْ بها أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَقَعْنَ حين تَكَلَّمَ بِهِ فَإِنْ نَوَى أَنْ يَقَعْنَ في رَأْسِ كل شَهْرٍ فَلَا يَسَعُهَا أَنْ تُصَدِّقَهُ لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ عليها فَتَقَعُ الثِّنْتَانِ عليها في رَأْسِ كل شَهْرٍ وَاحِدَةً وَيَسَعُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عز وجل أَنْ تَقَعَ وَاحِدَةٌ وَلَا تَقَعُ اثْنَتَانِ لِأَنَّهُمَا يَقَعَانِ وَهِيَ غَيْرُ زَوْجَةٍ وَلَا مُعْتَدَّةٍ وَلَوْ قال لِامْرَأَةٍ تَحِيضُ ولم يَدْخُلْ بها أَنْتِ طَالِقٌ إذَا قَدِمَ فُلَانٌ وَاحِدَةً لِلسُّنَّةِ أو ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ فَدَخَلَ بها قبل أَنْ يَقْدُمَ فُلَانٌ وَقَعَتْ عليها الْوَاحِدَةُ أو الثَّلَاثُ إذَا قَدِمَ فُلَانٌ وَهِيَ طَاهِرٌ من غَيْرِ جِمَاعٍ وَإِنْ قَدِمَ فُلَانٌ وَهِيَ طَاهِرٌ من أَوَّلِ حَيْضٍ طَلُقَتْ قبل يُجَامِعُ وَأَسْأَلُهُ هل أَرَادَ إيقَاعَ الطَّلَاقِ بِقُدُومِ فُلَانٍ فَقَطْ فَإِنْ قال نعم أو قال أَرَدْت إيقَاعَ الطَّلَاقِ بِقُدُومِ فُلَانٍ لِلسُّنَّةِ في غَيْرِ الْمَدْخُولِ بها لَا سُنَّةَ التي دخل بها أَوْقَعْته عليه كَيْفَمَا كانت امْرَأَتُهُ لِأَنَّهَا لم يَكُنْ فيها حين حَلَفَ وَلَا حين نَوَى السُّنَّةَ في التي لم يَدْخُلْ بها وَبَنَى وَإِنِّي أُوقِعُ الطَّلَاقَ بِنِيَّتِهِ مع كَلَامِهِ وإذا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ لم يَدْخُلْ بها أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ وَقَعَتْ عليها الْأُولَى ولم تَقَعْ عليها الثِّنْتَانِ من قِبَلِ أَنَّ الْأُولَى كَلِمَةٌ تَامَّةٌ وَقَعَ بها الطَّلَاقُ فَبَانَتْ من زَوْجِهَا بِلَا عِدَّةٍ عليها وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ على غَيْرِ زَوْجَةٍ أخبرنا محمد بن إسْمَاعِيلَ بن أبي فُدَيْكٍ عن بن أبي ذِئْبٍ عن أبي قُسَيْطٍ عن أبي بَكْرِ بن عبد الرحمن بن الحرث بن هِشَامٍ أَنَّهُ قال في رَجُلٍ قال لِامْرَأَتِهِ ولم يَدْخُلْ بها أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ أَنْتِ طَالِقٌ فقال أبو بَكْرٍ أَيُطَلِّقُ امْرَأَةً على ظَهْرِ الطَّرِيقِ قد بَانَتْ منه من حِينِ طَلَّقَهَا التَّطْلِيقَةَ الْأُولَى - * ما جاء في الطَّلَاقِ إلَى وَقْتٍ من الزَّمَانِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ أو طَالِقٌ عَامَ أَوَّلٍ أو طَالِقٌ في الشَّهْرِ الْمَاضِي أو في الْجُمُعَةِ الْمَاضِيَةِ ثُمَّ مَاتَ أو خَرِسَ فَهِيَ طَالِقٌ السَّاعَةَ وَتَعْتَدُّ من سَاعَتِهَا وَقَوْلُهُ طَالِقٌ في وَقْتٍ قد مَضَى يُرِيدُ إيقَاعَهُ الْآنَ مُحَالٌ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا فإذا طَلَعَ الْفَجْرُ من ذلك الْيَوْمِ فَهِيَ طَالِقٌ وَكَذَلِكَ إنْ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ في غُرَّةِ شَهْرِ كَذَا فإذا رَأَى غُرَّةَ شَهْرِ كَذَا فَتِلْكَ غُرَّتُهُ فَإِنْ أَصَابَهَا وهو لَا يَعْلَمُ أَنَّ الْفَجْرَ طَلَعَ يوم أَوْقَعَ عليها الطَّلَاقَ أو لَا يَعْلَمُ أَنَّ الْهِلَالَ رؤي ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ الْفَجْرَ طَلَعَ قبل إصَابَتِهِ إيَّاهَا أو الْهِلَالَ رؤي قَبْلِ إصَابَتِهِ إيَّاهَا إلَّا أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ إصَابَتَهُ كانت بَعْدَ الْمَغْرِبِ ثُمَّ رؤي الْهِلَالُ فَقَدْ وَقَعَ الطَّلَاقُ قبل إصَابَتِهِ إيَّاهَا وَلَهَا عليه مَهْرُ مِثْلِهَا بِإِصَابَتِهِ إيَّاهَا بَعْدَ وُقُوعِ طَلَاقِهِ عليها ثَلَاثًا إنْ كان طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أو تَطْلِيقَةً لم يَكُنْ بَقِيَ عليها من الطَّلَاقِ إلَّا هِيَ وَإِنْ كان طَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَلَهَا عليه مَهْرُ مِثْلِهَا وَلَا تَكُونُ إصَابَتُهُ إيَّاهَا رَجْعَةً وَالْقَوْلُ في الْإِصَابَةِ قَوْلُ الزَّوْجِ مع يَمِينِهِ وَكَذَلِكَ هو في الْحِنْثِ إلَّا أَنْ تَقُومَ عليه بَيِّنَةٌ في الْحِنْثِ بِخِلَافِ ما قال أو بينة بِإِقْرَارِهِ بِإِصَابَةٍ تُوجِبُ عليه شيئا فَيُؤْخَذُ لها ( قال ) وَلَوْ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ في شَهْرِ كَذَا أو إلَى شَهْرِ كَذَا أو في غُرَّةِ هِلَالِ شَهْرِ كَذَا أو في دُخُولِ شَهْرِ كَذَا أو في اسْتِقْبَالِ شَهْرِ كَذَا كانت طَالِقًا سَاعَةَ تَغِيبُ الشَّمْسُ من اللَّيْلَةِ التي يَرَى فيها هِلَالَ ذلك الشَّهْرِ وَلَوْ رؤي هِلَالُ ذلك الشَّهْرِ بِعَشِيٍّ لم تَطْلُقْ إلَّا بِمَغِيبِ الشَّمْسِ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ الْهِلَالُ إلَّا من لَيْلَتِهِ لَا من نَهَارٍ يُرَى فيه لم يُرَ قبل ذلك في لَيْلَتِهِ وَلَوْ قال أَنْتِ طَالِقٌ إذَا دَخَلَتْ سَنَةُ كَذَا أو في مَدْخَلِ سَنَةِ كَذَا أو في سَنَةِ كَذَا أو إذَا أَتَتْ سَنَةُ كَذَا كان هذا كَالشَّهْرِ لَا يَخْتَلِفُ إذَا دَخَلَتْ السَّنَةُ التي أَوْقَعَ فيها الطَّلَاقَ وَقَعَ عليها الطَّلَاقُ وَلَوْ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ في انْسِلَاخِ شَهْرِ كَذَا أو بِمُضِيِّ شَهْرِ كَذَا أو نَفَادِ شَهْرِ كَذَا فإذا نَفَذَ ذلك الشَّهْرُ فرؤي ( ( ( فرئي ) ) ) الْهِلَالُ من أَوَّلَ لَيْلَةٍ من الشَّهْرِ الذي يَلِيهِ فَهِيَ طَالِقٌ - * الطَّلَاقُ بِالْوَقْتِ الذي قد مَضَى - *

(5/184)


( قال الرَّبِيعُ ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ إذَا قال لها أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ وَأَرَادَ إيقَاعَهُ السَّاعَةَ في أَمْسِ فَلَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ لِأَنَّ أَمْسِ قد مَضَى فَلَا يَقَعُ في وَقْتٍ غَيْرِ مَوْجُودٍ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَكُلُّ فَسْخٍ كان بين الزَّوْجَيْنِ فَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ لَا وَاحِدَةٌ وَلَا ما بَعْدَهَا وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ عَبْدٌ تَحْتَهُ أَمَةٌ فَتُعْتَقُ فَتَخْتَارُ فِرَاقَهُ أو يَكُونَ عِنِّينًا فَتُخَيَّرَ فَتَخْتَارَ فِرَاقَهُ أو يَنْكِحَهَا مُحْرِمًا فَيُفْسَخَ نِكَاحُهُ أو نِكَاحُ مُتْعَةٍ وَلَا يَقَعُ بهذا نَفْسِهِ طَلَاقٌ وَلَا بَعْدَهُ لِأَنَّ هذا فَسْخٌ بِلَا طَلَاقٍ وَلَوْ قال رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَيْنَ كُنْت فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً لم يَقَعْ عليها إلَّا هِيَ لِأَنَّهَا إذَا طَلُقَتْ وَاحِدَةً فَهِيَ طَالِقٌ أَيْنَ كانت وَهَكَذَا لو قال لها أَنْتِ طَالِقٌ حَيْثُ كُنْت وَأَنَّى كُنْت وَمِنْ أَيْنَ كُنْت وَلَوْ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقًا كانت طَالِقًا وَاحِدَةً وَيُسْأَلُ عن قَوْلِهِ طَالِقًا فَإِنْ قال أَرَدْت
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ سُئِلَ فقال قُلْته بِلَا نِيَّةِ شَيْءٍ أو قال قُلْته لَأَنْ يَقَعَ عليها الطَّلَاقُ في هذا الْوَقْتِ وَقَعَ عليها الطَّلَاقُ سَاعَةَ تَكَلَّمَ بِهِ وَاعْتَدَّتْ من ذلك الْوَقْتِ وَلَوْ قال قُلْته مقرى ( ( ( مقرا ) ) ) أَنِّي قد طَلَّقْتهَا في هذا الْوَقْتِ ثُمَّ أَصَبْتهَا فَلَهَا عليه مَهْرُ مِثْلِهَا وَتَعْتَدُّ من يَوْمِ أَصَابَهَا وَإِنْ لم يُصِبْهَا بَعْدَ الْوَقْتِ الذي قال لها أَنْتِ طَالِقٌ في وَقْتِ كَذَا وَصَدَّقَتْهُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا في ذلك الْوَقْتِ اعْتَدَّتْ منه من حِينِ قَالَهُ وَإِنْ قالت لَا أَدْرِي اعْتَدَّتْ من حِينِ اسْتَيْقَنَتْ وَكَانَتْ كَامْرَأَةٍ طَلُقَتْ ولم تَعْلَمْ ( قال ) وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فقال قد كُنْت طَلَّقْتهَا في هذا الْوَقْتِ فَعَنَيْت أَنَّك كُنْت طَالِقًا فيه بِطَلَاقِي إيَّاكِ أو طَلَّقَهَا زَوْجٌ في هذا الْوَقْتِ فَقُلْت أَنْتِ طَالِقٌ أَيْ مُطَلَّقَةٌ في هذا الْوَقْتِ فَإِنْ عَلِمَ أنها كانت مُطَلَّقَةً في هذا الْوَقْتِ منه أو من غَيْرِهِ بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ أو بِإِقْرَارٍ منها أُحْلِفَ ما أَرَادَ بِهِ إحْدَاثَ طَلَاقٍ وكان الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ وَطَلُقَتْ وَهَكَذَا لو قال لها أَنْتِ مُطَلَّقَةٌ في بَعْضِ هذه الْأَوْقَاتِ وَهَكَذَا إنْ قال كُنْت مُطَلَّقَةً أو يا مُطَلَّقَةُ في بَعْضِ هذه الْأَوْقَاتِ ( قال ) وإذا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ وقد أَصَابَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إذَا طَلَّقْتُك أو حين طَلَّقْتُك أو مَتَى ما طَلَّقْتُك أو ما أَشْبَهَ هذا لم تَطْلُقْ حتى يُطَلِّقَهَا فإذا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَقَعَتْ عليها التَّطْلِيقَةُ بِابْتِدَائِهِ الطَّلَاقَ وكان وُقُوعُ الطَّلَاقِ عليها غَايَةً طَلْقِهَا إليها ( ( ( إليه ) ) ) كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا قَدِمَ فُلَانٌ وإذا دَخَلْت الدَّارَ وما أَشْبَهَ هذا فَتَطْلُقُ الثَّانِيَةَ بِالْغَايَةِ ولم يَقَعْ عليها بَعْدَهُ طَلَاقٌ وَلَوْ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي أو ما أَشْبَهَ هذا لم تَطْلُقْ حتى يَقَعَ عليها طَلَاقُهُ فإذا أَوْقَعَ عليها تَطْلِيقَةً يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَقَعَتْ عليها الثَّلَاثُ الْأُولَى بِإِيقَاعِهِ لِلطَّلَاقِ وَالثَّانِيَةُ بِوُقُوعِ التَّطْلِيقَةِ الْأُولَى التي هِيَ غَايَةٌ لها وَالثَّالِثَةُ بِأَنَّ الثَّانِيَةَ غَايَةٌ لها وكان هذا كَقَوْلِهِ كُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ وَكُلَّمَا كَلَّمْت فُلَانًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَكُلَّمَا أَحْدَثَتْ شيئا مِمَّا جَعَلَهُ غَايَةً يَقَعُ عليها الطَّلَاقُ بِهِ طَلُقَتْ وَلَوْ قال إنَّمَا أَرَدْت بهذا كُلِّهِ أَنَّك إذَا طَلَّقْتُك طَالِقٌ بِطَلَاقِي لم يُدَيَّنْ في الْقَضَاءِ لِأَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ غَيْرُ ما قال وكان له فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَحْبِسَهَا وَلَا يَسَعُهَا هِيَ أَنْ تُقِيمَ معه لِأَنَّهَا لَا تَعْرِفُ من صِدْقِهِ ما يَعْرِفُ من صِدْقِ نَفْسِهِ وَهَكَذَا إنْ طَلَّقَهَا بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ أو كَلَامٍ يُشْبِهُ الطَّلَاقَ نِيَّتُهُ فيه الطَّلَاقُ وَهَكَذَا إنْ خَيَّرَهَا فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا أو مَلَّكَهَا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً لِأَنَّ كُلَّ هذا بِطَلَاقِهِ وَقَعَ عليها وَكَذَلِكَ كُلُّ طَلَاقٍ من قِبَلِ الزَّوْجِ مِثْلُ الْإِيلَاءِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ ( قال ) وَإِنْ وَقَعَ الطَّلَاقُ الذي أَوْقَعَ لَا يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ لم يَقَعْ عليها إلَّا الطَّلَاقُ الذي أَوْقَعَ يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ لَا يَقَعُ إلَّا بِغَايَةِ الْأُولَى بَعْدَ وُقُوعِهَا فَلَا يَقَعُ طَلَاقُهُ على امْرَأَةٍ لَا يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ إذَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَالَعَهَا فَوَقَعَتْ عليها تَطْلِيقَةُ الْخُلْعِ وَلَا يَقَعُ عليها غَيْرُهَا لِأَنَّ الطَّلَاقَ الذي أُوقِعَ بِالْخُلْعِ يَقَعُ وَهِيَ بَعْدَهُ غَيْرُ زَوْجَةٍ وَلَا يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا ( قال الرَّبِيعُ ) إذَا قال لها أَنْتِ طَالِقٌ إذَا طَلَّقْتُك فَأَرَادَ أَنْ تَكُونَ طَالِقًا بِالطَّلَاقِ إذَا طَلَّقَهَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ - * الفسخ ( ( ( فسخ ) ) ) - *

(5/185)


أَنْتِ طَالِقٌ إذَا كُنْت طَالِقًا وَقَعَ اثْنَتَانِ الْأُولَى بِإِيقَاعِهِ الطَّلَاقِ وَالثَّانِيَةُ بِالْحِنْثِ وَالْأُولَى لها غَايَةٌ فَإِنْ قال أَرَدْت اثْنَتَيْنِ وَقَعَتْ اثْنَتَانِ مَعًا وَإِنْ قال أَرَدْت إفْهَامَ الْأُولَى بِالثَّانِيَةِ أُحْلِفَ وَكَانَتْ وَاحِدَةً ( قال ) وَلَوْ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ إذَا قَدِمَ فُلَانٌ بَلَدَ كَذَا وَكَذَا فَقَدِمَ فُلَانٌ ذلك الْبَلَدَ طَلُقَتْ وَإِنْ لم يَقْدُمُ ذلك الْبَلَدَ وَقَدِمَ بَلَدًا غَيْرَهُ لم تَطْلُقْ وَلَوْ قال أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا قَدِمَ فُلَانٌ فَكُلَّمَا قَدِمَ فُلَانٌ طَلُقَتْ تَطْلِيقَةً ثُمَّ كُلَّمَا غَابَ من الْمِصْرِ وَقَدِمَ فَهِيَ طَالِقٌ أُخْرَى حتى يَأْتِيَ على جَمِيعِ الطَّلَاقِ وَلَوْ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ إذَا قَدِمَ فُلَانٌ فَقُدِمَ بِفُلَانٍ مَيِّتًا لم تَطْلُقْ لِأَنَّهُ لم يَقْدَمْ وَلَوْ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ إذَا قَدِمَ فُلَانٌ فَقُدِمَ بِفُلَانٍ مُكْرَهًا لم تَطْلُقْ لِأَنَّ حُكْمَ ما فُعِلَ بِهِ مُكْرَهًا كما لم يَكُنْ وَلَوْ قال أَنْتِ طَالِقٌ مَتَى رَأَيْتِ فُلَانًا بهذا الْبَلَدِ فَرَأَتْهُ وقد قُدِمَ بِهِ مُكْرَهًا طَلُقَتْ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ بِرُؤْيَتِهَا نَفْسَ فُلَانٍ وَلَيْسَ في رُؤْيَتِهَا فُلَانًا إكْرَاهٌ لها يُبْطِلُ بِهِ عنها الطَّلَاقَ ( قال الرَّبِيعُ ) إذَا كان كُلُّ قُدُومِهِ وَهِيَ في الْعِدَّةِ فَأَمَّا إذَا خَرَجَتْ من الْعِدَّةِ فَغَابَ ثُمَّ قَدِمَ لم يَقَعْ عليها طَلَاقٌ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ وَهِيَ كَأَجْنَبِيَّةٍ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ أو وَاحِدَةٌ بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ كانت طَالِقًا اثْنَتَيْنِ فَإِنْ قال أَرَدْت وَاحِدَةً ولم أُرِدْ بِاَلَّتِي قَبْلَهَا أو بَعْدَهَا طَلَاقًا لم يُدَيَّنْ في الْحُكْمِ وَدِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً ثُمَّ رَاجَعَهَا ثُمَّ قال أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ فقال أَرَدْت أَنِّي كُنْت قد طَلَّقْتهَا قَبْلَهَا وَاحِدَةً أُحْلِفَ وَدِينَ في الْحُكْمِ وَلَوْ قال أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ ثُمَّ سَكَتَ ثُمَّ قال أَرَدْت بَعْدَهَا وَاحِدَةً أُوقِعُهَا عَلَيْك بَعْدَ وَقْتٍ أو لَا أُوقِعُهَا عَلَيْك إلَّا بَعْدَهُ لم يُدَيَّنْ في الْحُكْمِ وَدِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وإذا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ بَدَنُك أو رَأْسُك أو فَرْجُك أو رِجْلُك أو يَدُك أو سَمَّى عُضْوًا من جَسَدِهَا أو إصْبَعَهَا أو
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَكَلَّمَتْ فُلَانًا وهو حَيٌّ طَلُقَتْ وَإِنْ كَلَّمَتْهُ حَيْثُ يَسْمَعُ كَلَامَهَا طَلُقَتْ وَإِنْ لم يَسْمَعْهُ وَإِنْ كَلَّمَتْهُ مَيِّتًا أو نَائِمًا أو بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ أَحَدٌ كَلَامَ من كَلَّمَهُ بِمِثْلِ كَلَامِهَا لم تَطْلُقْ وَلَوْ كَلَّمَتْهُ وَهِيَ نَائِمَةٌ أو مَغْلُوبَةٌ على عَقْلِهَا لم تَطْلُقْ لِأَنَّهُ ليس بِالْكَلَامِ الذي يَعْرِفُ الناس وَلَا يَلْزَمُهَا بِهِ حُكْمٌ بِحَالٍ وَكَذَلِكَ لو أُكْرِهَتْ على كَلَامِهِ لم تَطْلُقْ وإذا قال لِامْرَأَتِهِ وقد دخل بها أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ وَقَعَتْ الْأُولَى وَيُسْأَلُ عَمَّا نَوَى في اللَّتَيْنِ بَعْدَهَا فَإِنْ كان أَرَادَ تَبْيِينَ الْأُولَى فَهِيَ وَاحِدَةٌ وَإِنْ كان أَرَادَ إحْدَاثَ طَلَاقٍ بَعْدَ الْأُولَى فَهُوَ ما أَرَادَ وَإِنْ إراد بِالثَّالِثَةِ تَبْيِينَ الثَّانِيَةَ فَهِيَ اثْنَتَانِ وَإِنْ أَرَادَ بها طَلَاقًا ثَالِثًا فَهِيَ ثَالِثَةٌ وَإِنْ مَاتَ قبل أَنْ يُسْأَلَ فَهِيَ ثَلَاثٌ لِأَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ إنها ثَلَاثٌ وَلَوْ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ طَالِقٌ وَقَعَتْ عليها اثْنَتَانِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ التي كانت بِالْوَاوِ لِأَنَّهَا اسْتِئْنَافُ كَلَامٍ في الظَّاهِرِ وَدِينَ في الثَّالِثَةِ فَإِنْ أَرَادَ بها طَلَاقًا فَهِيَ طَالِقٌ وَإِنْ لم يُرِدْ بها طَلَاقًا وَأَرَادَ إفْهَامَ الْأَوَّلَ أو تَكْرِيرَهُ فَلَيْسَ بِطَلَاقٍ وَلَوْ قال أَرَدْت بِالثَّانِيَةِ إفْهَامَ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثَةِ إحْدَاثَ طَلَاقٍ كانت طَالِقًا ثَالِثًا في الْحُكْمِ لِأَنَّ ظَاهِرَ الثَّانِيَةِ ابْتِدَاءُ طَلَاقٍ لَا إفْهَامٌ وَدِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَدِينُ في الْقَضَاءِ وَتَقَعُ الثَّالِثَةُ لِأَنَّهُ أَرَادَ بها ابْتِدَاءَ طَلَاقٍ لَا إفْهَامًا وَإِنْ احْتَمَلَتْهُ وَهَكَذَا إنْ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ أَنْتِ طَالِقٌ وَقَعَتْ اثْنَتَانِ وَدِينَ في الثَّالِثَةِ كما وَصَفْت وَلَوْ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ أَنْتِ طَالِقٌ وَقَعَتْ ثَلَاثٌ لِأَنَّ الْأُولَى ابْتِدَاءُ طَلَاقٍ وَالثَّانِيَةَ اسْتِئْنَافٌ وَكَذَلِكَ الثَّالِثَةُ لَا تَكُونُ في الظَّاهِرِ إلَّا اسْتِئْنَافًا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ على سِيَاقِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ وَلَوْ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ بَلْ طَالِقٌ كانت طَالِقًا اثْنَتَيْنِ وَلَوْ قال أَرَدْت إفْهَامًا أو تَكْرِيرَ الْأُولَى عليها لم يُدَيَّنْ في الْحُكْمِ لِأَنَّ بَلْ إيقَاعُ طَلَاقٍ حَادِثٍ لَا إفْهَامُ مَاضٍ غَيْرِهِ وَلَوْ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا كانت وَاحِدَةً إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ طَلَاقًا ثَانِيَةً لِأَنَّ طَالِقَ طَلَاقًا ابْتِدَاءً صِفَةُ طَلَاقٍ كَقَوْلِهِ طَلَاقًا حَسَنًا أو طَلَاقًا قَبِيحًا - * الطَّلَاقُ بِالْحِسَابِ - *

(5/186)


طَرَفًا ما كان منها طَالِقٌ فَهِيَ طَالِقٌ وَلَوْ قال لها بَعْضُك طَالِقٌ أو جُزْءٌ مِنْك طَالِقٌ أو سَمَّى جُزْءًا من أَلْفِ جُزْءٍ طَالِقًا كانت طَالِقًا وَالطَّلَاقُ لَا يَتَبَعَّضُ وإذا قال لها أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ أو ثُلُثَ أو رُبُعَ تَطْلِيقَةٍ أو جزء ( ( ( جزءا ) ) ) من أَلْفِ جُزْءٍ كانت طَالِقًا وَالطَّلَاقُ لَا يَتَبَعَّضُ وَلَوْ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ نصفي ( ( ( نصف ) ) ) تَطْلِيقَةٍ كانت طَالِقًا وَاحِدَةً إلَّا أَنْ يُرِيدَ اثْنَتَيْنِ أو يَقُولَ أَرَدْت أَنْ يَقَعَ نِصْفٌ بِحُكْمِهِ ما كان وَنِصْفٌ مُسْتَأْنَفٌ بِحُكْمِهِ ما كان فَتَطْلُقُ اثْنَتَيْنِ وَكَذَلِكَ لو قال لها أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثَةَ أَثْلَاثِ تَطْلِيقَةٍ أو أَرْبَعَةَ أَرْبَاعِ تَطْلِيقَةٍ كان كُلُّ وَاحِدٍ من هَؤُلَاءِ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً لِأَنَّ كُلَّ تَطْلِيقَةٍ تَجْمَعُ نِصْفَيْنِ أو ثَلَاثَةَ أَثْلَاثٍ أو أَرْبَعَةَ أَرْبَاعٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ أَكْثَرَ فَيَقَعَ بِالنِّيَّةِ مع اللَّفْظِ وَهَكَذَا لو قال لها أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ وَثُلُثَ وَسُدُسَ تَطْلِيقَةٍ أو نِصْفَ وَرُبُعَ وَسُدُسَ تَطْلِيقَةٍ وَلَوْ نَظَرَ رَجُلٌ إلَى امْرَأَةٍ له وأمرأة مَعَهَا لَيْسَتْ له بِامْرَأَةٍ فقال إحْدَاكُمَا طَالِقٌ كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَإِنْ اراد امْرَأَتَهُ فَهِيَ طَالِقٌ وَإِنْ أَرَادَ الْأَجْنَبِيَّةَ لم تَطْلُقْ امْرَأَتُهُ وَإِنْ قال أَرَدْت الْأَجْنَبِيَّةَ أُحْلِفَ وَكَانَتْ امْرَأَتُهُ بِحَالِهَا لم يَقَعْ عليها طَلَاقٌ وَلَوْ قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً في ثِنْتَيْنِ كانت طَالِقًا وَاحِدَةً وَسُئِلَ عن قَوْلِهِ في اثْنَتَيْنِ فَإِنْ قال ما نَوَيْت شيئا لم تَكُنْ طَالِقًا إلَّا وَاحِدَةً لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ لَا تَكُونُ دَاخِلَةً في اثْنَتَيْنِ بِالْحِسَابِ فَهُوَ ما أَرَادَ فَهِيَ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ وَإِنْ قال أَرَدْت وَاحِدَةً في اثْنَتَيْنِ مَقْرُونَةً بِثِنْتَيْنِ كانت طَالِقًا ثَلَاثًا في الْحُكْمِ ( قال ) وَلَوْ قال أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً كانت طَالِقًا اثْنَتَيْنِ وَلَوْ قال وَاحِدَةً وَاثْنَتَيْنِ بَاقِيَةٌ لي عَلَيْك كانت طَالِقًا وَاحِدَةً وَكَذَلِكَ لو قال وَاحِدَةً وَوَاحِدَةٌ بَاقِيَةٌ لي عَلَيْك وَوَاحِدَةٌ لَا أُوقِعُهَا عَلَيْك إلَّا وَاحِدَةً وَلَوْ قال أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً لَا يَقَعُ عَلَيْك إلَّا وَاحِدَةٌ تَقَعُ عَلَيْك وَقَعَتْ عليها وَاحِدَةٌ حين تَكَلَّمَ بِالطَّلَاقِ وإذا كان لِرَجُلٍ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فقال قد أَوْقَعْت بَيْنَكُنَّ تَطْلِيقَةً كانت كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ طَالِقًا وَاحِدَةً وَكَذَلِكَ لو قال اثْنَتَيْنِ أو ثَلَاثًا أو أَرْبَعًا إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ من الطَّلَاقِ تُقْسَمُ بَيْنَهُنَّ فَتَكُونُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ طَالِقًا ما سَمَّى من جَمَاعَتِهِنَّ وَاحِدَةً او ثِنْتَيْنِ أو ثَلَاثًا أو أَرْبَعًا فَإِنْ قال قد أَوْقَعْتُ بَيْنَكُنَّ خَمْسَ تَطْلِيقَاتٍ فَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ وَكَذَلِكَ ما زَادَ إلَى أَنْ يَبْلُغَ ثَمَانِ تَطْلِيقَاتٍ فَإِنْ زَادَ على الثَّمَانِ شيئا من الطَّلَاقِ كُنَّ طَوَالِقَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا فَإِنْ قال أَرَدْت أَنْ يَكُونَ ثَلَاثًا أو أَرْبَعًا أو خَمْسًا لِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ كانت التي أَرَادَ طَالِقًا ثَلَاثًا ولم يُدَيَّنْ في الْأُخَرِ مَعَهَا في الْحُكْمِ وَدِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وكان من بَقِيَ طَالِقًا اثْنَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ وَلَوْ كان قال بَيْنَكُنَّ خَمْسُ تَطْلِيقَاتٍ لِبَعْضِكُنَّ فيها أَكْثَرُ مِمَّا لِبَعْضٍ كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَأَقَلُّ ما تَطْلُقُ عليه مِنْهُنَّ وَاحِدَةٌ في الْحُكْمِ ثُمَّ يُوقَفُ حتى يُوقِعَ على من أَرَادَ بِالْفَضْلِ مِنْهُنَّ الْفَضْلَ وَلَا يَكُونَ له أَنْ يُحْدِثَ إيقَاعًا لم يَكُنْ أَرَادَهُ في أَصْلِ الطَّلَاقِ فَإِنْ لم يَكُنْ نَوَى بِالْفَضْلِ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ فَشَاءَ أَنْ تَكُونَ التَّطْلِيقَةُ الْفَضْلُ بَيْنَهُنَّ أَرْبَاعًا فَكُنَّ جميعا تَطْلِيقَتَيْنِ وَيَكُونُ أَحَقَّ بِالرَّجْعَةِ كان ذلك له * وإذا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ فَهِيَ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَإِنْ قال أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً فَهِيَ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ وَإِنْ قال أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا كانت طَالِقًا ثَلَاثًا إنَّمَا يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ جَائِزًا إذَا بَقِيَ مِمَّا سمي شَيْءٌ يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ مِمَّا أَوْقَعَ فَأَمَّا إذَا لم يَبْقَ مِمَّا سَمَّى شيئا مِمَّا اسْتَثْنَى فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِثْنَاءُ وَالِاسْتِثْنَاءُ حِينَئِذٍ مُحَالٌ وَلَوْ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ وَطَالِقٌ إلَّا وَاحِدَةً كانت طَالِقًا ثَلَاثًا لِأَنَّهُ قد أَوْقَعَ كُلَّ تَطْلِيقَةٍ وَحْدَهَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ وَاحِدَةً من وَاحِدَةٍ كما لو قال لِغُلَامَيْنِ له مُبَارَكٌ حُرٌّ وَسَالِمٌ حُرٌّ إلَّا سالم ( ( ( سالما ) ) ) لم يَجُزْ الِاسْتِثْنَاءُ وَوَقَعَ الْعِتْقُ عَلَيْهِمَا مَعًا كما لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ سَالِمٌ حُرٌّ إلَّا سالم ( ( ( سالما ) ) ) لَا يَجُوزُ الِاسْتِثْنَاءُ إذَا فَرَّقَ الْكَلَامَ وَيَجُوزُ إذَا جَمَعَهُ ثُمَّ بَقِيَ شَيْءٌ يَقَعُ بِهِ بَعْضُ ما أَوْقَعَ وإذا طَلَّقَ وَاحِدَةً وَاسْتَثْنَى نِصْفَهَا فَهِيَ طَالِقٌ وَاحِدَةً لِأَنَّ ما بَقِيَ من الطَّلَاقِ يَكُونُ تَطْلِيقَةً تَامَّةً لو ابْتَدَأَهُ وإذا قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ لم تَطْلُقْ وَالِاسْتِثْنَاءُ في الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالنَّذْرِ كَهُوَ في الْأَيْمَانِ لَا يُخَالِفُهَا وَلَوْ قال أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ فُلَانٌ لم تَطْلُقْ حتى يَشَاءَ فُلَانٌ وَإِنْ مَاتَ فُلَانٌ قبل أَنْ يَشَاءَ أو خَرِسَ أو غَابَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ بِحَالِهَا فَإِنْ قالت قد شَاءَ فُلَانٌ وقال الزَّوْجُ لم يَشَأْ فُلَانٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مع يَمِينِهِ وَلَوْ شَاءَ فُلَانٌ وهو مَعْتُوهٌ أو مَغْلُوبٌ
____________________

(5/187)


على عَقْلِهِ من غير سُكْرٍ لم تَكُنْ طَالِقًا وَلَوْ شَاءَ وهو سَكْرَانُ كانت طَالِقًا لِأَنَّ كَلَامَهُ سَكْرَانَ كَلَامٌ يَقَعُ بِهِ الْحُكْمُ وإذا قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً بَائِنًا فَهِيَ طَالِقٌ وَاحِدَةً يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَلَا يَكُونُ الْبَائِنُ بَائِنًا مِمَّا ابْتَدَأَ من الطَّلَاقِ إلَّا ما أُخِذَ عليه جُعْلًا كما لو قال لعبده ( ( ( لعبد ) ) ) أنت حُرٌّ وَلَا وَلَاءَ لي عَلَيْك كان حُرًّا وَلَهُ وَلَاؤُهُ لِأَنَّ قَضَاءَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ وَقَضَاءَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّ الْمُطَلِّقَ وَاحِدَةً وَاثْنَتَيْنِ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ في الْعِدَّةِ فَلَا يَبْطُلُ ما جَعَلَ اللَّهُ عز وجل وَرَسُولُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِامْرِئٍ بِقَوْلِ نَفْسِهِ وَإِنْ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً غَلِيظَةً أوواحدة أَغْلَظَ أو أَشَدَّ أو أَفْظَعَ أو أَعْظَمَ أو أَطْوَلَ أو أَكْبَرَ فَهِيَ طَالِقٌ وَاحِدَةً لَا أَكْثَرَ منها وَيَكُونُ الزَّوْجُ في كُلِّهَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ لِمَا وَصَفْت وإذا قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا تَقَعُ في كل يَوْمٍ وَاحِدَةٌ كان كما قال وَلَوْ وَقَعَتْ عليها وَاحِدَةٌ في أَوَّلِ يَوْمٍ فَإِنْ أَلْقَتْ حَمْلًا فَبَانَتْ منه ثُمَّ جاء الْغَدُ وَلَا عِدَّةَ عليها منه لم تَقَعْ الثَّانِيَةُ وَلَا الثَّالِثَةُ فَإِنْ قال أَنْتِ طَالِقٌ في كل شَهْرٍ فَوَقَعَتْ الْأُولَى في أَوَّلِ شَهْرٍ وَوَقَعَتْ الْآخِرَتَانِ وَاحِدَةٌ في كل شَهْرٍ قبل مُضِيِّ الْعِدَّةِ وَقَعَتْ الثَّلَاثُ وَلَوْ مَضَتْ الْعِدَّةُ فَوَقَعَ مِنْهُنَّ شَيْءٌ بَعْدَ مُضِيِّ الْعِدَّةِ لم يَلْزَمْهَا لِأَنَّهُ وَقَعَ وَهِيَ غَيْرُ زَوْجَةٍ وَلَوْ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا كُلُّ سَنَةٍ وَاحِدَةٌ فَوَقَعَتْ الْأُولَى فلم تَنْقَضِ عِدَّتُهَا منها حتى رَاجَعَهَا فَجَاءَتْ السَّنَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ زَوْجَةٌ وَقَعَتْ الثَّانِيَةُ فَإِنْ رَاجَعَهَا في الْعِدَّةِ وَجَاءَتْ السَّنَةُ الثَّالِثَةُ وَقَعَتْ الثَّالِثَةُ وَكَذَلِكَ لو لم يُرَاجِعْهَا في الْعِدَّةِ وَلَكِنْ نَكَحَهَا بَعْدَ مُضِيِّ الْعِدَّةِ فَجَاءَتْ السَّنَةُ وَهِيَ عِنْدَهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَوْ وَقَعَتْ الْأُولَى ثُمَّ جَاءَتْ السَّنَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ غَيْرُ زَوْجَةٍ وَلَا في عِدَّةٍ منه لم تَقَعْ الثَّانِيَةُ وَلَوْ نَكَحَهَا بَعْدَهُ وَجَاءَتْ السَّنَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ عِنْدَهُ وَقَعَتْ الثَّانِيَةُ وَإِنْ نَكَحَهَا بَعْدَهُ وَجَاءَتْ السَّنَةُ الثَّالِثَةُ وَهِيَ عِنْدَهُ وَقَعَتْ الثَّالِثَةُ لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ وَلَوْ خَالَعَهَا فَكَانَتْ في عِدَّةٍ منه وَجَاءَتْ سَنَةٌ وَهِيَ في عِدَّةٍ إلَّا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا لم يَقَعْ عليها الطَّلَاقُ في عِدَّةٍ لَا يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا فيها وَلَوْ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا مَضَتْ سَنَةٌ فَخَالَعَهَا ثُمَّ مَضَتْ السَّنَةُ الْأُولَى وَلَيْسَتْ له بِزَوْجَةٍ كانت في عِدَّةٍ منه أو في غَيْرِ عِدَّةٍ لم يَلْزَمْهُ الطَّلَاقُ لِأَنَّ وَقْتَ الطَّلَاقِ وَقَعَ وَلَيْسَتْ له بِزَوْجَةٍ فَإِنْ نَكَحَهَا نِكَاحًا جَدِيدًا فَكُلَّمَا مَضَتْ سَنَةٌ من يَوْمِ نُكِحَتْ وَقَعَتْ تَطْلِيقَةٌ حتى يَنْقَضِيَ طَلَاقُ الْمِلْكِ كُلِّهِ ( قال الرَّبِيعُ ) وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ إذَا خَالَعَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لم يَقَعْ عليها الطَّلَاقُ بِمَجِيءِ السَّنَةِ لِأَنَّ هذا غَيْرُ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ في كل شَهْرٍ واحدة وَاحِدَةٌ أو في مُضِيِّ كل شَهْرٍ وَاحِدَةٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا قبل أَنْ يَقَعَ مِنْهُنَّ شَيْءٌ أو بَعْدَ ما وَقَعَ بَعْضُهُنَّ وَنَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ فَأَصَابَهَا ثُمَّ نَكَحَهَا فَمَرَّتْ تِلْكَ الشُّهُورُ لم يَلْزَمْهَا من الطَّلَاقِ شَيْءٌ لِأَنَّ طَلَاقَ ذلك الْمِلْكِ مَضَى عليه كُلَّهُ وَحُرِّمَتْ عليه فَلَا تَحِلُّ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ وَنِكَاحٍ جَدِيدٍ وَكَانَتْ كَمَنْ لم تُنْكَحْ قَطُّ في أَنْ لَا يَقَعَ عليها طَلَاقٌ عَقَدَهُ في الْمِلْكِ الذي بَعْدَ الزَّوْجِ وَلَوْ كان طَلَّقَهَا وَاحِدَةً أو اثْنَتَيْنِ فَبَقِيَ من طَلَاقِ ذلك الْمِلْكِ شَيْءٌ ثُمَّ مَرَّتْ لها مُدَّةٌ أَوْقَعَ عليها فيها الطَّلَاقَ وهو يَمْلِكُهَا وَقَعَ وَهَكَذَا لو قال كُلَّمَا دَخَلْت هذه الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَكُلَّمَا دَخَلَتْهَا وَهِيَ زَوْجَةٌ له أو في عِدَّةٍ من الطَّلَاقِ يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ فَهِيَ طَالِقٌ وَكُلَّمَا دَخَلَتْهَا وَهِيَ غَيْرُ زَوْجَةٍ له أو في عِدَّةٍ من فُرْقَةٍ لَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فَهِيَ غَيْرُ طَالِقٍ فإذا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَحُرِّمَتْ عليه حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ثُمَّ نَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ فَأَصَابَهَا ثُمَّ نَكَحَهَا ثُمَّ دخل بها لم يَقَعْ عليها الطَّلَاقُ بِكَلَامٍ مُتَقَدِّمٍ في مِلْكِ نِكَاحٍ قد حُرِّمَ حتى كان بَعْدَهُ زَوْجًا أَحَلَّ اسْتِئْنَافَ النِّكَاحِ وإذا هَدَمَ نِكَاحُ الزَّوْجِ الطَّلَاقَ حتى صَارَتْ كَمَنْ ابْتَدَأَ نِكَاحَهُ مِمَّنْ لم تَنْكِحْهُ قَطُّ هَدَمَ الْيَمِينَ التي يَقَعُ بها الطَّلَاقُ لِأَنَّهَا أَضْعَفُ من الطَّلَاقِ وَهَكَذَا لو قال أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا حِضْت وَغَيْرَ ذلك مِمَّا يَقَعُ الطَّلَاقُ فيه في وَقْتٍ فَعَلَى هذا الْبَابِ كُلِّهِ وَقِيَاسِهِ وَلَوْ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّ سَنَةٍ ثَلَاثًا فَطَلُقَتْ ثَلَاثًا في أَوَّلِ سَنَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ زَوْجًا أَصَابَهَا ثُمَّ نَكَحَهَا زوجها نِكَاحًا جَدِيدًا لم يَقَعْ عليها فِيمَا يَمْضِي من السِّنِينَ بَعْدُ شَيْءٌ لِأَنَّ طَلَاقَ الْمِلْكِ الذي عُقِدَ فيه الطَّلَاقُ بِوَقْتٍ قد مَضَ

(5/188)


وَلَوْ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ في كل سَنَةٍ تَطْلِيقَةً فَوَقَعَتْ عليها وَاحِدَةٌ أو اثْنَتَانِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا زَوْجٌ غَيْرُهُ ثُمَّ دخل بها ثُمَّ طَلَّقَهَا أو مَاتَ عنها فَنَكَحَهَا الْأَوَّلُ ثُمَّ مَضَتْ سَنَةٌ وَقَعَتْ عليها تَطْلِيقَةٌ حتى تَعُدَّ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَهْدِمُ الثَّلَاثَ وَلَا يَهْدِمُ الْوَاحِدَةَ وَلَا الثِّنْتَيْنِ - * الْخُلْعُ وَالنُّشُوزُ - *
( أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ ) قال أخبرنا محمد بن إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ قال قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ من بَعْلِهَا نُشُوزًا أو إعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ }
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن الزُّهْرِيِّ عن سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ أَنَّ ابْنَةَ مُحَمَّدِ بن مَسْلَمَةَ كانت عِنْدَ رَافِعِ بن خَدِيجٍ فَكَرِهَ منها أَمْرًا إمَّا كِبْرًا أو غَيْرَهُ فَأَرَادَ طَلَاقَهَا فقالت لَا تُطَلِّقْنِي وأمسكني وَاقْسِمْ لي ما بَدَا لَك فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى { وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ من بَعْلِهَا نُشُوزًا أو إعْرَاضًا } الْآيَةَ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ على مِثْلِ مَعَانِي الْأَحَادِيثِ بان بَيَّنَّا فيه إذَا خَافَتْ الْمَرْأَةُ نُشُوزَ بَعْلِهَا أَنْ لَا بَأْسَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصَالَحَا وَنُشُوزُ الْبَعْلِ عنها بِكَرَاهِيَتِهِ لها فَأَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى له حَبْسَهَا على الْكُرْهِ لها فَلَهَا وَلَهُ أَنْ يُصَالِحَا وفي ذلك دَلِيلٌ على أَنَّ صُلْحَهَا إيَّاهُ بِتَرْكِ بَعْضِ حَقِّهَا له وقد قال اللَّهُ عز وجل { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } إلَى { خَيْرًا كَثِيرًا } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَيَحِلُّ لِلرَّجُلِ حَبْسُ الْمَرْأَةِ على تَرْكِ بَعْضِ الْقِسْمِ لها أو كُلِّهِ ما طَابَتْ بِهِ نَفْسًا فإذا رَجَعَتْ فيه لم يَحِلَّ له إلَّا الْعَدْلُ لها أو فِرَاقُهَا لِأَنَّهَا إنَّمَا تَهَبُ في الْمُسْتَأْنَفِ ما لم يَجِبْ لها فما أَقَامَتْ على هِبَتِهِ حَلَّ وإذا رَجَعَتْ في هِبَتِهِ حَلَّ ما مَضَى بِالْهِبَةِ ولم يَحِلَّ ما يَسْتَقْبِلُ إلَّا بِتَجْدِيدِ الْهِبَةِ له ( قال ) وإذا وَهَبَتْ له ذلك فَأَقَامَ عِنْدَ امْرَأَةٍ له أَيَّامًا ثُمَّ رَجَعَتْ اسْتَأْنَفَ الْعَدْلَ عليها وَحَلَّ له ما مَضَى قبل رُجُوعِهَا ( قال ) فَإِنْ رَجَعَتْ وَلَا يَعْلَمُ بِالرُّجُوعِ فَأَقَامَ على ما حَلَّلَتْهُ منه ثُمَّ عَلِمَ أَنْ قد رَجَعَتْ اسْتَأْنَفَ الْعَدْلَ من يَوْمِ عَلِمَ وَلَا بَأْسَ عليه فِيمَا مَضَى وَإِنْ قال لَا أُفَارِقُهَا وَلَا أَعْدِلُ لها أُجْبِرَ على الْقَسْمِ لها وَلَا يُجْبَرُ على فِرَاقِهَا ( قال ) وَلَا يُجْبَرُ على أَنْ يَقْسِمَ لها الْإِصَابَةَ وَيَنْبَغِي له أَنْ يَتَحَرَّى لها الْعَدْلَ فيها ( قال ) وَهَكَذَا لو كانت مُنْفَرِدَةً بِهِ أو مع أَمَةٍ له يَطَؤُهَا أُمِرَ بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى وَأَنْ لَا يضر بها في الْجِمَاعِ ولم يُفْرَضْ عليه منه شَيْءٌ بِعَيْنِهِ إنَّمَا يُفْرَضُ عليه ما لَا صَلَاحَ لها إلَّا بِهِ من نَفَقَةٍ وَسُكْنَى وَكِسْوَةٍ وَأَنْ يَأْوِيَ إلَيْهَا فَأَمَّا الْجِمَاعُ فَمَوْضِعُ تَلَذُّذٍ وَلَا يُجْبَرُ أَحَدٌ عليه ( قال ) وَلَوْ أَعْطَاهَا مَالًا على أَنْ تُحَلِّلَهُ من يَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا فَقَبِلَتْهُ فَالْعَطِيَّةُ مَرْدُودَةٌ عليه غَيْرُ جَائِزَةٍ لها وكان عليه أَنْ يَعْدِلَ لها فَيُوَفِّيَهَا ما تَرَكَ من الْقَسْمِ لها لِأَنَّ ما أَعْطَاهَا عليه لَا عَيْنَ مَمْلُوكَةً وَلَا مَنْفَعَةً ( قال ) وَلَوْ حَلَّلَتْهُ فَوَهَبَ لها شيئا على غَيْرِ شَرْطٍ كانت الْهِبَةُ لها جَائِزَةً ولم يَكُنْ له الرُّجُوعُ فيها إذَا قَبَضَتْهَا وَإِنْ رَجَعَتْ هِيَ في تَحْلِيلِهِ فِيمَا مَضَى لم يَكُنْ لها وَإِنْ رَجَعَتْ في تَحْلِيلِهِ فِيمَا لم يَمْضِ كان لها وَعَلَيْهِ أَنْ يَعْدِلَ لِأَنَّهَا لم تَمْلِكْ ما لم يَمْضِ فَيَجُوزُ تَحْلِيلُهَا له فِيمَا مَلَكَتْ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم هَمَّ بِطَلَاقِ بَعْضِ نِسَائِهِ فقالت لَا تُطَلِّقْنِي وَدَعْنِي يَحْشُرُنِي اللَّهُ تَعَالَى في نِسَائِك وقد وَهَبْت يَوْمِي وَلَيْلَتِي لِأُخْتِي عَائِشَةَ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه أَنَّ سَوْدَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مُسْلِمٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم تُوُفِّيَ عن تِسْعِ نِسْوَةٍ وكان يَقْسِمُ لِثَمَانٍ

(5/189)


- * جِمَاعُ الْقَسْمِ لِلنِّسَاءِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) سَمِعْت بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يقول قَوْلًا مَعْنَاهُ ما أَصِفُ { ولن ( ( ( لن ) ) ) تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا } إنَّمَا ذلك في الْقُلُوبِ { فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ } لَا تُتْبِعُوا أَهْوَاءَكُمْ أَفْعَالَكُمْ فَيَصِيرُ الْمَيْلُ بالفعل الذي ليس لَكُمْ فَتَذَرُوهَا وما أَشْبَهَ ما قالوا عِنْدِي بِمَا قالوا لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل تَجَاوَزَ عَمَّا في الْقُلُوبِ وَكَتَبَ على الناس الْأَفْعَالَ وَالْأَقَاوِيلَ فإذا مَالَ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ فَذَلِكَ كُلُّ الْمَيْلِ قال اللَّهُ عز وجل { قد عَلِمْنَا ما فَرَضْنَا عليهم في أَزْوَاجِهِمْ وما مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } وقال في النِّسَاءِ { وَلَهُنَّ مِثْلُ الذي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ } وقال { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَسَنَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْقَسْمَ بين النِّسَاءِ فِيمَا وَصَفْت من قَسْمِهِ لِأَزْوَاجِهِ في الْحَضَرِ وَإِحْلَالِ سَوْدَةَ له يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) ولم أَعْلَمْ مُخَالِفًا في أَنَّ على الْمَرْءِ أَنْ يَقْسِمَ لِنِسَائِهِ فَيَعْدِلَ بَيْنَهُنَّ وقد بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يَقْسِمُ فَيَعْدِلُ ثُمَّ يقول اللَّهُمَّ هذا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِمَا لَا أَمْلِكُ يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَلْبَهُ وقد بَلَغَنَا أَنَّهُ كان يُطَافُ بِهِ مَحْمُولًا في مَرَضِهِ على نِسَائِهِ حتى حللته ( ( ( مللنه ) ) ) - * تفريع القسم والعدل بينهن - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) عِمَادُ الْقَسْمِ اللَّيْلُ لِأَنَّهُ سَكَنٌ قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فيه } وقال { خلق ( ( ( جعل ) ) ) لَكُمْ من أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إلَيْهَا } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا كان عِنْدَ الرَّجُلِ أَزْوَاجٌ حَرَائِرُ مُسْلِمَاتٌ أو كِتَابِيَّاتٌ أو مُسْلِمَاتٌ وَكِتَابِيَّاتٌ فَهُنَّ في الْقَسْمِ سَوَاءٌ وَعَلَيْهِ أَنْ يَبِيتَ عِنْدَ كل وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ لَيْلَةً + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان فِيهِنَّ أَمَةٌ قَسَمَ لِلْحُرَّةِ لَيْلَتَيْنِ وَلِلْأَمَةِ لَيْلَةً ( قال ) وَلَا يَكُونُ له أَنْ يَدْخُلَ في اللَّيْلِ على التي لم يَقْسِمْ لها لِأَنَّ اللَّيْلَ هو الْقَسْمُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْخُلَهُ في النَّهَارِ لِلْحَاجَةِ لَا لِيَأْوِيَ فإذا أَرَادَ أَنْ يَأْوِيَ إلَى مَنْزِلِهِ أَوَى إلَى مَنْزِلِ التي يَقْسِمُ لها وَلَا يُجَامِعُ امْرَأَةً في غَيْرِ يَوْمِهَا فَإِنْ فَعَلَ فَلَا كَفَّارَةَ عليه ( قال ) وَإِنْ مَرِضَتْ إحْدَى نِسَائِهِ عَادَهَا في النَّهَارِ ولم يُعِدْهَا في اللَّيْلِ وَإِنْ مَاتَتْ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهَا حتى يُوَارِيَهَا ثُمَّ يَرْجِعَ إلَى التي لها الْقَسْمُ وَإِنْ ثَقُلَتْ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهَا حتى تَخِفَّ أو تَمُوتَ ثُمَّ يُوَفِّيَ من بَقِيَ من نِسَائِهِ مِثْلَ ما أَقَامَ عِنْدَهَا ( قال ) وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَقْسِمَ لَيْلَتَيْنِ لَيْلَتَيْنِ وَثَلَاثًا ثَلَاثًا كان ذلك له وَأَكْرَهُ مُجَاوَزَةَ الثَّلَاثِ من الْعَدَدِ من غَيْرِ أَنْ أُحَرِّمَهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ قد يَمُوتُ قبل أَنْ يَعْدِلَ لِلثَّانِيَةِ وَيَمْرَضَ وَإِنْ كان هذا قد يَكُونُ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ ( قال ) وإذا قَسَمَ لِامْرَأَةٍ ثُمَّ غَابَ ثُمَّ قَدِمَ ابْتَدَأَ الْقَسْمَ لِلَّتِي تَلِيهَا في الْقَسْمِ وَهَكَذَا إنْ كان حَاضِرًا فَشُغِلَ عن الْمَبِيتِ عِنْدَهَا ابْتَدَأَ الْقَسْمَ كما يَبْتَدِئُهُ الْقَادِمُ من الْغَيْبَةِ فَيَبْدَأُ بِالْقَسْمِ لِلَّتِي كانت لَيْلَتُهَا ( قال ) وَإِنْ كان عِنْدَهَا بَعْضُ اللَّيْلِ ثُمَّ غَابَ ثُمَّ قَدِمَ ابْتَدَأَ فَأَوْفَاهَا قَدْرَ ما بَقِيَ من اللَّيْلِ ثُمَّ كان عِنْدَ التي تَلِيهَا في آخِرِ اللَّيْلِ حتى يَعْدِلَ بَيْنَهُنَّ في الْقَسْمِ ( قال ) وَإِنْ كان عِنْدَهَا مَرِيضًا أو مُتَدَاوِيًا أو هِيَ مَرِيضَةً أو حائض ( ( ( حائضا ) ) ) أو نُفَسَاءَ فَذَلِكَ قَسْمٌ يَحْسِبُهُ عليها وَكَذَلِكَ لو كان عِنْدَهَا صَحِيحًا فَتَرَكَ جِمَاعَهَا حَسِبَ ذلك من الْقَسْمِ عليها إنَّمَا الْقَسْمُ على الْمَبِيتِ كَيْفَ كان الْمَبِيتُ ( قال ) وَلَوْ كان مَحْبُوسًا في مَوْضِعٍ يَصِلْنَ إلَيْهِ فيه عَدَلَ بَيْنَهُنَّ كما يَعْدِلُ بَيْنَهُنَّ لو كان خَارِجًا ( قال ) وَالْمَرِيضُ وَالصَّحِيحُ في الْقَسْمِ سَوَاءٌ وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَلْزَمَ مَنْزِلًا لِنَفْسِهِ ثُمَّ يَبْعَثَ إلَى كل وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا فَتَأْتِيَهُ كان ذلك له وَعَلَيْهِنَّ فَأَيَّتُهُنَّ امْتَنَعَتْ من إتْيَانِهِ كانت تَارِكَةً لِحَقِّهَا عَاصِيَةً ولم يَكُنْ عليه الْقَسْمُ لها ما كانت مُمْتَنِعَةً ( قال ) وَهَكَذَا لو كانت في مَنْزِلِهِ أو في مَنْزِلٍ يَسْكُنُهُ فَغَلَّقَتْهُ دُونَهُ وَامْتَنَعَتْ منه إذَا جَاءَهَا أو هَرَبَتْ أو ادَّعَتْ عليه طَلَاقًا كَاذِبَةً حَلَّ له تَرْكُهَا وَالْقَسْمُ لِغَيْرِهَا وَتَرْكُ أَنْ يُنْفِقَ عليها حتى
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بين النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ }

(5/190)


تَعُودَ إلَى أَنْ لَا تَمْتَنِعَ منه وَهَذِهِ نَاشِزٌ وقد قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَاَللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ في الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ } فإذا أَذِنَ في هِجْرَتِهَا في الْمَضْجَعِ لِخَوْفِ نُشُوزِهَا كان مُبَاحًا له أَنْ يَأْتِيَ غَيْرَهَا من أَزْوَاجِهِ في تِلْكَ الْحَالِ وَفِيمَا كان مِثْلَهَا (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَكَذَا الْأَمَةُ إذَا امْتَنَعَتْ بِنَفْسِهَا أو مَنَعَهَا أَهْلُهَا منه فَلَا نَفَقَةَ وَلَا قَسْمَ لها حتى تَعُودَ إلَيْهِ وَكَذَلِكَ إذَا سَافَرَ بها أَهْلُهَا بِإِذْنِهِ أو غَيْرِ إذْنِهِ فَلَا نَفَقَةَ وَلَا قَسْمَ ( قال ) وإذا سَافَرَتْ الْحُرَّةُ بِإِذْنِهِ أو بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَا قَسْمَ لها وَلَا نَفَقَةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ هو الذي أَشْخَصَهَا فَلَا يَسْقُطُ عنه نَفَقَتُهَا وَلَا قَسْمُهَا وَهِيَ إذَا أَشْخَصَهَا مُخَالِفَةً لها إذَا شَخَصَ هو وَهِيَ مُقِيمَةٌ لِأَنَّ إشْخَاصَهُ إيَّاهَا كَنَقْلِهَا إلَى مَنْزِلٍ فَلَيْسَ له تَرْكُهَا فيه بِلَا نَفَقَةٍ وَلَا قَسْمٍ وَشُخُوصُهُ هو شُخُوصٌ بِنَفْسِهِ وهو الذي عليه الْقَسْمُ لَا له ( قال ) وإذا جُنَّتْ امْرَأَةٌ من نِسَائِهِ أو خَبِلَتْ فَغُلِبَتْ على عَقْلِهَا فَكَانَتْ تَمْتَنِعُ منه سَقَطَ حَقُّهَا في الْقَسْمِ فَإِنْ لم تَكُنْ تَمْتَنِعُ فَلَهَا حَقُّهَا في الْقَسْمِ وَكَذَلِكَ لو خَرِسَتْ أو مَرِضَتْ أو ارْتَتَقَتْ كان لها حَقُّهَا في الْقَسْمِ ما لم تَمْتَنِعْ منه أو يُطَلِّقُهَا وَإِنَّمَا قُلْنَا يَقْسِمُ لِلرَّتْقَاءِ وَإِنْ لم يَقْدِرْ عليها كما قُلْنَا يَقْسِمُ لِلْحَائِضِ وَلَا يَحِلُّ له جِمَاعُهَا لِأَنَّ الْقَسْمَ على السَّكَنِ لَا على الْجِمَاعِ أَلَا تَرَى أَنَّا لَا نُجْبِرُهُ في الْقَسْمِ على الْجِمَاعِ وقد يَسْتَمْتِعُ منها وَتَسْتَمْتِعُ منه بِغَيْرِ جِمَاعٍ ( قال ) وإذا كان الزَّوْجُ عِنِّينًا أو خَصِيًّا أو مَجْبُوبًا أو من لَا يَقْدِرُ على النِّسَاءِ بِحَالٍ أو لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِنَّ إلَّا بِضَعْفٍ أو إعْيَاءٍ فَهُوَ وَالصَّحِيحُ الْقَوِيُّ في الْقَسْمِ سَوَاءٌ لِأَنَّ الْقَسْمَ على ما وَصَفْت من السَّكَنِ وَكَذَلِكَ هو في النَّفَقَةِ على النِّسَاءِ وما يَلْزَمُ لَهُنَّ ( قال ) وإذا تَزَوَّجَ الْمَخْبُولُ أو الصَّحِيحُ فَغُلِبَ على عَقْلِهِ وَعِنْدَهُ نِسْوَةٌ انْبَغَى لِوَلِيِّهِ الْقَائِمِ بِأَمْرِهِ أَنْ يَطُوفَ بِهِ عَلَيْهِنَّ أو يَأْتِيَهُ بِهِنَّ حتى يَكُنَّ عِنْدَهُ وَيَكُونَ عِنْدَهُنَّ كما يَكُونَ الصَّحِيحُ الْعَقْلُ عِنْدَ نِسَائِهِ وَيَكُنَّ عِنْدَهُ وَإِنْ أَغْفَلَ ذلك فَبِئْسَ ما صَنَعَ وَإِنْ عَمَدَ أَنْ يجور ( ( ( يجوز ) ) ) بِهِ أَثِمَ هو وَلَا مَأْثَمَ على مَغْلُوبٍ على عَقْلِهِ ( قال ) وَلَوْ كان رَجُلٌ يُجَنُّ وَيُفِيقُ وَعِنْدَهُ نِسْوَةٌ فَعُزِلَ في يَوْمِ جُنُونِهِ عن نِسَائِهِ جَعَلَ يوم جُنُونِهِ كَيَوْمٍ من غَيْبَتِهِ وَاسْتَأْنَفَ الْقَسْمَ بَيْنَهُنَّ وَإِنْ لم يَفْعَلْ فَكَانَ في يَوْمِ جُنُونِهِ عِنْدَ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ حُسِبَ كما إذَا كان مَرِيضًا فَقَسَمَ لها وَقَسَمَ لِلْأُخْرَى يَوْمَهَا وهو صَحِيحٌ ( قال ) وَلَوْ قَسَمَ لها صَحِيحًا فَجُنَّ في بَعْضِ اللَّيْلِ وكان عِنْدَهَا كانت قد اسْتَوْفَتْ وَإِنْ خَرَجَ من عِنْدِهَا أَوْفَى لها ما بَقِيَ من اللَّيْلِ ( قال ) وَإِنْ جُنَّتْ هِيَ أو خَرَجَتْ في بَعْضِ اللَّيْلِ كان له أَنْ يَكُونَ عِنْدَ غَيْرِهَا وَلَا يُوَفِّيَهَا شيئا من قَسْمِهَا ما كانت مُمْتَنِعَةً منه وَيَقْسِمَ لِنِسَائِهِ الْبَوَاقِي قَسْمَ النِّسَاءِ لَا امْرَأَةً مَعَهُنَّ غَيْرَهُنَّ ( قال ) وَلَوْ اسْتَكْرَهَهُ سُلْطَانٌ أو غَيْرُهُ أو خَرَجَ طَائِعًا من عِنْدِ امْرَأَةٍ في اللَّيْلِ عَادَ فَأَوْفَاهَا ما بَقِيَ من اللَّيْلِ ( قال ) وَإِنْ كان ذلك في النَّهَارِ لم يَكُنْ عليه فيه شَيْءٌ إذَا لم يَكُنْ ذَاهِبًا إلَى غَيْرِهَا من نِسَائِهِ وَلَا أَكْرَهُ في النَّهَارِ شيئا إلَّا أَثَرَةُ غَيْرِهَا من أَزْوَاجِهِ فيه بِمُقَامٍ أو جِمَاعٍ فإذا أَقَامَ عِنْدَ غَيْرِهَا في نَهَارِهَا أَوْفَاهَا ذلك من يَوْمِ التي أَقَامَ عِنْدَهَا ( قال ) وَلَوْ كان له مع نِسَائِهِ إمَاءٌ يَطَؤُهُنَّ لم يَكُنْ للاماء قَسْمٌ مع الْأَزْوَاجِ وَيَأْتِيهِنَّ كَيْفَ شَاءَ أَكْثَرَ مِمَّا يَأْتِي النِّسَاءَ في الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِيِ وَالْجِمَاعِ وَأَقَلَّ كما يَكُونُ له أَنْ يُسَافِرَ وَيَغِيبَ في الْمِصْرِ عن النِّسَاءِ فإذا صَارَ إلَى النِّسَاءِ عَدَلَ بَيْنَهُنَّ وَكَذَلِكَ يَكُونُ له تَرْكُ الْجَوَارِي وَالْمُقَامُ مع النِّسَاءِ غير أَنِّي أُحِبُّ في الْأَحْوَالِ كُلِّهَا أَنْ لَا يُؤْثِرَ على النِّسَاءِ وَأَنْ لَا يُعَطِّلَ الْجَوَارِيَ ( قال ) وَهَكَذَا إذَا كان له جَوَارٍ لَا امْرَأَةَ مَعَهُنَّ كان عِنْدَ أَيَّتِهِنَّ شَاءَ ما شَاءَ وَكَيْفَمَا شَاءَ وَأُحِبُّ له أَنْ يَتَحَرَّى اسْتِطَابَةَ أَنْفُسِهِنَّ بمقاربة ( ( ( بمقارنة ) ) ) وَأَنْ يَجْعَلَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ حَظًّا منه ( قال ) وإذا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ وخلى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا وَالْقَسْمُ لها من يَوْمِ يُخَلُّونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا ( قال ) وإذا كان لِرَجُلٍ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَقَسَمَ لِثَلَاثٍ وَتَرَكَ وَاحِدَةً عَامِدًا أو نَاسِيًا قَضَاهَا الْأَيَّامَ التي تَرَكَ الْقَسْمَ لها فيها مُتَتَابِعَاتٍ لَا فَرْقَ بَيْنَهُنَّ وَاسْتَحَلَّهَا إنْ كان تَرَكَ الْقَسْمَ لها أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَلَهَا منه

(5/191)


عَشْرٌ فَيَقْضِيهَا الْعَشْرَ مُتَتَابِعَاتٍ وَلَوْ كان نِسَاؤُهُ الْحَوَاضِرُ ثَلَاثًا فَتَرَكَ الْقَسْمَ ( 1 ) لَهُنَّ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَقَدِمَتْ امْرَأَةٌ له كانت غَائِبَةً بَدَأَ فَقَسَمَ لِلَّتِي تَرَكَ الْقَسْمَ لها يَوْمَهَا وَيَوْمَ الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَسَمَ لَهُمَا وَتَرَكَهَا وَذَلِكَ ثَلَاثٌ ثُمَّ قَسَمَ لِلْغَائِبَةِ يَوْمًا ثُمَّ قَسَمَ لِلَّتِي تَرَكَ الْقَسْمَ لها ثَلَاثًا حتى يُوَفِّيَهَا جَمِيعَ ما تَرَكَ لها من الْقَسْمِ وَلَوْ قَسَمَ رَجُلٌ بين نِسَائِهِ يَوْمَيْنِ أو ثَلَاثًا لِكُلِّ امْرَأَةٍ ثُمَّ طَلَّقَ امْرَأَةً لم يَقْسِمْ لها أو تَرَكَ الْقَسْمَ لها لم يَكُنْ عليه إلَّا أَنْ يَسْتَحِلَّ التي تَرَكَ الْقَسْمَ لها وَلَوْ رَاجَعَهَا أو نَكَحَهَا نِكَاحًا جَدِيدًا أَوْفَاهَا ما كان لها من الْقَسْمِ ( قال ) وَلَوْ كان لِرَجُلٍ زَوْجَةٌ مَمْلُوكَةٌ وَحُرَّةٌ فَقَسَمَ لِلْحُرَّةِ يَوْمَيْنِ ثُمَّ دَارَ إلَى الْمَمْلُوكَةِ فَعَتَقَتْ فَإِنْ كانت عَتَقَتْ وقد أَوْفَاهَا يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا دَارَ إلَى الْحُرَّةِ فَقَسَمَ لها يَوْمًا وَلِلْأَمَةِ التي أَعْتَقَتْ يَوْمًا وَإِنْ لم يَكُنْ أَوْفَاهَا لَيْلَتَهَا حتى عَتَقَتْ يَبِيتُ عِنْدَهَا لَيْلَتَيْنِ حتى يُسَوِّيَهَا بِالْحُرَّةِ لِأَنَّهَا قد صَارَتْ كَهِيَ قبل أَنْ تَسْتَكْمِلَ حَظَّهَا من الْقَسْمِ ( قال ) وَيَقْسِمُ لِلْمَرْأَةِ قد آلَى منها وَلِلْمَرْأَةِ قد تَظَاهَرَ منها وَلَا يَقْرَبُ التي تَظَاهَرَ منها وَكَذَلِكَ إذَا أَحْرَمَتْ بِأَمْرِهِ قَسَمَ لها ولم يَقْرَبْهَا وَكَذَلِكَ الْقَسْمُ لو كان هو مُحْرِمًا وَلَا يَقْرَبُ وَاحِدَةً مِمَّنْ معه في إحْرَامِهِ - * الْقَسْمُ للمراة الْمَدْخُولِ بها - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا مَالِكٌ عن عبد اللَّهِ بن أبي بَكْرِ بن مُحَمَّدِ بن عَمْرِو بن حَزْم عن عبد الْمَلِكِ بن أبي بَكْرِ بن عبد الرحمن أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حين تَزَوَّجَ أُمَّ سَلَمَةَ وَأَصْبَحَتْ عِنْدَهُ قال لها ليس بِك على أَهْلِك هَوَانٌ إنْ شِئْت سَبَّعْت عِنْدِك وَسَبَّعْت عِنْدَهُنَّ وَإِنْ شِئْت ثَلَّثْت عِنْدِك وَدُرْت
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا عبدالمجيد عن بن جُرَيْجٍ عن حَبِيبِ بن أبي ثَابِتٍ أَنَّ عَبْدَ الْحَمِيدِ بن عبد اللَّهِ بن أبي عَمْرٍو وَالْقَاسِمَ بن مُحَمَّدِ بن عبد الرحمن بن الحرث بن هِشَامٍ أَخْبَرَاهُ أَنَّهُمَا سَمِعَا أَبَا بَكْرِ بن عبد الرحمن بن الحرث بن هِشَامٍ يحدث عن أُمِّ سَلَمَةَ أنها أَخْبَرَتْهُ أنها لَمَّا قَدِمَتْ الْمَدِينَةَ أَخْبَرَتْهُمْ أنها ابْنَةُ أبي أُمَيَّةَ بن الْمُغِيرَةِ فَكَذَّبُوهَا وَقَالُوا ما أَكْذَبَ الْغَرَائِبَ حتى أَنْشَأَ أُنَاسٌ منهم الْحَجَّ فَقَالُوا أَتَكْتُبِينَ إلَى أَهْلِك فَكَتَبَتْ مَعَهُمْ فَرَجَعُوا إلَى الْمَدِينَةِ قالت فَصَدَّقُونِي وَازْدَدْت عليهم كَرَامَةً فلما حَلَلْت جَاءَنِي رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَخَطَبَنِي فَقُلْت له ما مِثْلِي نُكِحَ أَمَّا أنا فَلَا وَلَدَ في وأنا غَيُورٌ ذَاتُ عِيَالٍ قال ( ( ( فقال ) ) ) أنا أَكْبَرُ مِنْك وَأَمَّا الْغَيْرَةُ فَيُذْهِبُهَا اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا الْعِيَالُ فَإِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَتَزَوَّجَهَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَجَعَلَ يَأْتِيَهَا وَيَقُولُ أَيْنَ زناب حتى جاء عَمَّارُ بن يَاسِرٍ فَاخْتَلَجَهَا فقال هذه تَمْنَعُ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَكَانَتْ تُرْضِعُهَا فَجَاءَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال أَيْنَ زناب فقالت قَرِيبَةُ بِنْتِ أبي أُمَيَّةَ وَوَاقَفَهَا عند ما أَخَذَهَا عَمَّارُ بن يَاسِرٍ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنِّي آتِيكُمْ اللَّيْلَةَ قالت فَقُمْت فَوَضَعْت ثِقَالِي وَأَخْرَجْت حَبَّاتٍ من شَعِيرٍ كانت في جَرَّةٍ وَأَخْرَجْت شَحْمًا فَعَصَدْته له أو صَعْدَتُهُ شَكَّ الرَّبِيعُ قالت فَبَاتَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَصْبَحَ فقال حين أَصْبَحَ إنَّ لَك على أَهْلِك كَرَامَةً فَإِنْ شِئْت سَبَّعْت لَك وَإِنْ أُسَبِّعْ أُسَبِّعْ لِنِسَائِي
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن حُمَيْدٍ عن أَنَسٍ أَنَّهُ قال لِلْبِكْرِ سَبْعٌ وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثٌ (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَحَدِيثُ بن جُرَيْجٍ ثَابِتٌ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَفِيهِ دَلَالَةٌ على أَنَّ الرَّجُلَ إذَا تَزَوَّجَ الْبِكْرَ كان له أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهَا سَبْعًا وإذا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ كان له أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا وَلَا يُحْسَبَ عليه لِنِسَائِهِ اللَّاتِي كُنَّ عِنْدَهُ قَبْلَهَا فَيَبْدَأُ من السَّبْعِ وَمِنْ الثَّلَاثِ ( قال ) وَلَيْسَ له في الْبِكْرِ وَلَا الثَّيِّبِ إلَّا إيفَاؤُهُمَا هذا الْعَدَدَ إلَّا أَنْ يُحَلِّلَاهُ منه ( قال ) وَإِنْ لم يَفْعَلْ وَقَسَمَ لِنِسَائِهِ عَادَ فَأَوْفَاهُمَا هذا الْعَدَدَ كما يَعُودُ فِيمَا تَرَكَ من حَقِّهِمَا في الْقَسْمِ فَيُوَفِّيهِمَا ( قال ) وَلَوْ دَخَلَتْ عليه بِكْرَانِ في لَيْلَةٍ أو ثَيِّبَانِ أو بِكْرٌ وَثَيِّبٌ كَرِهْت له ذلك وَإِنْ دَخَلَتَا مَعًا عليه أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا فَأَيَّتُهُمَا خَرَجَ سَهْمُهَا بَدَأَ فَأَوْفَاهَا أَيَّامَهَا وَلَيَالِيَهَا وَإِنْ لم يُقْرِعْ فَبَدَأَ بِإِحْدَاهُمَا رَجَوْت أَنْ يَسَعَهُ لِأَنَّه

(5/192)


لَا يَصِلُ إلَى أَنْ يُوَفِّيَهُمَا حَقَّهُمَا إلَّا بِأَنْ يَبْدَأَ بِإِحْدَاهُمَا وَلَا أُحِبُّ له أَنْ يَقْسِمَ بَيْنَهُمَا أَرْبَعَ عَشْرَةَ لِأَنَّ حَقَّ كل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُوَالَاةُ أَيَّامِهَا ( قال ) فَإِنْ فَعَلَ لم أَرَ عليه إعَادَةَ أَيَّامٍ لها بَعْدَ الْعِدَّةِ التي أَوْفَاهَا إيَّاهَا وَإِنْ دَخَلَتْ عليه إحْدَاهُمَا بَعْدَ الْأُخْرَى بَدَأَ فَأَوْفَى التي دَخَلَتْ عليه أَوَّلًا أَيَّامَهَا ( قال ) وإذا بَدَأَ بِاَلَّتِي دَخَلَتْ عليه آخِرًا أَحْبَبْت له أَنْ يَقْطَعَ وَيُوَفِّيَ الْأُولَى قَبْلَهَا فَإِنْ لم يَفْعَلْ ثُمَّ أَوْفَى الْأُولَى لم يَكُنْ لها زِيَادَةٌ على أَيَّامِهَا وَلَا يُزَادُ أَحَدٌ في الْعَدَدِ بِتَأْخِيرِ حَقِّهَا ( قال ) وإذا فَرَغَ من أَيَّامِ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ اسْتَأْنَفَ الْقَسْمَ بين أَزْوَاجِهِ فَعَدَلَ بَيْنَهُنَّ ( قال ) فَإِنْ كانت عِنْدَهُ امْرَأَتَانِ ثُمَّ نَكَحَ عَلَيْهِمَا وَاحِدَةً فَدَخَلَتْ بَعْدَ ما قَسَمَ لِوَاحِدَةٍ فإذا أَوْفَى التي دَخَلَتْ عليه أَيَّامَهَا بَدَأَ بِاَلَّتِي كان لها الْقَسْمُ بَعْدَ التي كانت عِنْدَهُ ( قال ) وَلَا يُضَيَّقُ عليه أَنْ يَدْخُلَ عليها في أَيِّ يَوْمٍ أو أَيِّ لَيْلَةٍ شَاءَ من لَيَالِي نِسَائِهِ ( قال ) وَلَا أُحِبُّ في مُقَامِهِ عِنْدَ بِكْرٍ وَلَا ثَيِّبٍ أَنْ يَتَخَلَّفَ عن صَلَاةٍ وَلَا بِرٍّ كان يَعْمَلُ قبل الْعُرْسِ وَلَا شُهُودِ جِنَازَةٍ وَلَا يَجُوزُ له أَنْ يَتَخَلَّفَ عن إجَابَةِ دَعْوَةٍ - * سَفَرُ الرَّجُلِ بِالْمَرْأَةِ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرني عَمِّي محمد بن عَلِيِّ بن شَافِعٍ عن بن شِهَابٍ عن عُبَيْدِ اللَّهِ عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها قالت كان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بين نِسَائِهِ فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بها (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ على النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ } إلَى قَوْلِهِ { سَبِيلًا }
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن الزُّهْرِيِّ عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ عن إيَاسِ بن عبد اللَّهِ بن أبي ذُبَابٍ قال قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا تَضْرِبُوا إمَاءَ اللَّهِ قال فَأَتَاهُ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ فقال يا رَسُولَ اللَّهِ ذَئِرَ النِّسَاءُ على أَزْوَاجِهِنَّ فَأَذِنَ في ضَرْبِهِنَّ فَأَطَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرٌ كُلُّهُنَّ يَشْتَكِينَ أَزْوَاجَهُنَّ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لقد أَطَافَ اللَّيْلَةَ بِآلِ مُحَمَّدٍ سَبْعُونَ امْرَأَةً كُلُّهُنَّ يَشْتَكِينَ أَزْوَاجَهُنَّ وَلَا تَجِدُونَ أُولَئِكَ خِيَارَكُمْ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا كان لِلرَّجُلِ نِسْوَةٌ فَأَرَادَ سَفَرًا فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ أَنْ يَخْرُجَ بِهِنَّ وَلَا بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَإِنْ أَرَادَ الْخُرُوجَ بِهِنَّ أو بِبَعْضِهِنَّ فَذَلِكَ له فَإِنْ اراد الْخُرُوجَ بِوَاحِدَةٍ أو اثْنَتَيْنِ أَقْرَعَ بين نِسَائِهِ فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بها ولم يَكُنْ له أَنْ يَخْرُجَ بِغَيْرِهَا وَلَهُ أَنْ يَتْرُكَهَا إنْ شَاءَ وَهَكَذَا إنْ أَرَادَ الْخُرُوجَ بِاثْنَتَيْنِ أو ثَلَاثٍ لم يَخْرُجْ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ إلَّا بِقُرْعَةٍ فَإِنْ خَرَجَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ كان عليه أَنْ يَقْسِمَ لِمَنْ بَقِيَ بِقَدْرِ مَغِيبِهِ مع التي خَرَجَ بها ( قال ) فإذا خَرَجَ بِامْرَأَةٍ بِالْقُرْعَةِ كان لها السَّفَرُ خَالِصًا دُونَ نِسَائِهِ لَا يَحْتَسِبُ عليها وَلَا لَهُنَّ من مَغِيبِهَا معه في السَّفَرِ مُنْفَرِدَةً شَيْءٌ وَسَوَاءٌ قَصُرَ سَفَرُهُ أو طَالَ ( قال ) وَلَوْ أَرَادَ السَّفَرَ لنقلة لم يَكُنْ له أَنْ يَنْتَقِلَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ إلَّا أَوْفَى الْبَوَاقِيَ مِثْلَ مُقَامِهِ مَعَهَا ( قال ) وَلَوْ خَرَجَ مُسَافِرًا بِقُرْعَةٍ ثُمَّ أَزْمَعَ الْمُقَامَ لنقلة كان لِلَّتِي سَافَرَ بها بِالْقُرْعَةِ ما مَضَى قبل إزْمَاعِهِ الْمُقَامَ على النَّقْلَةِ وَحُسِبَ عليها مُقَامُهُ مَعَهَا بَعْدَ النَّقْلَةِ فَأَوْفَى الْبَوَاقِيَ حُقُوقَهُنَّ فيها ( قال ) وَلَوْ أَقْرَعَ بين نِسَائِهِ على سَفَرٍ فَخَرَجَ سَهْمُ وَاحِدَةٍ فَخَرَجَ بها ثُمَّ أَرَادَ سَفَرًا قبل رُجُوعِهِ من ذلك السَّفَرِ كان ذلك كُلُّهُ كَالسَّفَرِ الْوَاحِدِ ما لم يَرْجِعْ فإذا رَجَعَ فَأَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ ( قال ) وَلَوْ سَافَرَ بِوَاحِدَةٍ فَنَكَحَ في سَفَرِهِ أُخْرَى كان لِلَّتِي نَكَحَ ما لِلْمَنْكُوحَةِ من الْأَيَّامِ دُونَ التي سَافَرَ بها ثُمَّ اسْتَأْنَفَ الْقَسْمَ بَيْنَهُمَا بِالْعَدَدِ وَلَا يَحْسِبُ لِنِسَائِهِ اللَّاتِي خَلَفَ من الْأَيَّامِ التي نَكَحَ في سَفَرِهِ شيئا لِأَنَّهُ لم يَكُنْ حَيْثُ يُمْكِنُهُ الْقَسْمُ لَهُنَّ - * نُشُوزُ الْمَرْأَةِ على الرَّجُلِ - *

(5/193)


(1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وفي قَوْلِهِ لَنْ يَضْرِبَ خِيَارُكُمْ دَلَالَةٌ على أَنَّ ضَرْبَهُنَّ مُبَاحٌ لَا فَرْضٌ أَنْ يُضْرَبْنَ وَنَخْتَارُ له من ذلك ما اخْتَارَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَنُحِبُّ لِلرَّجُلِ أَنْ لَا يَضْرِبَ امْرَأَتَهُ في انْبِسَاطِ لِسَانِهَا عليه وما أَشْبَهَ ذلك + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَشْبَهَ ما سَمِعْت وَاَللَّهُ أَعْلَمُ في قَوْلِهِ { وَاَللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ } أَنَّ لِخَوْفِ النُّشُوزِ دَلَائِلَ فإذا كانت { فَعِظُوهُنَّ } لِأَنَّ الْعِظَةَ مُبَاحَةٌ فَإِنْ لَجَجْنَ فَأَظْهَرْنَ نُشُوزًا بِقَوْلٍ أو فِعْلٍ { وَاهْجُرُوهُنَّ في الْمَضَاجِعِ } فَإِنْ أَقَمْنَ بِذَلِكَ على ذلك { واضربوهن ( ( ( فاضربوهن ) ) ) } وَذَلِكَ بَيِّنٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ هِجْرَةٌ في الْمَضْجَعِ وهو مَنْهِيٌّ عنه وَلَا ضَرْبٌ إلَّا بِقَوْلٍ أو فِعْلٍ أو هُمَا ( قال ) وَيُحْتَمَلُ في { تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ } إذَا نَشَزْنَ فأبن ( ( ( فبان ) ) ) النُّشُوزُ فَكُنَّ عَاصِيَاتٍ بِهِ أَنْ تَجْمَعُوا عَلَيْهِنَّ الْعِظَةَ وَالْهِجْرَةَ وَالضَّرْبَ ( قال ) وَلَا يَبْلُغُ في الضَّرْبِ حَدًّا وَلَا يَكُونُ مُبَرِّحًا وَلَا مُدْمِيًا وَيَتَوَقَّى فيه الْوَجْهَ ( قال ) وَيَهْجُرُهَا في الْمَضْجَعِ حتى تَرْجِعَ عن النُّشُوزِ وَلَا يُجَاوِزُ بها في هِجْرَةِ الْكَلَامِ ثَلَاثًا لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل إنَّمَا أَبَاحَ الْهِجْرَةَ في الْمَضْجَعِ وَالْهِجْرَةُ في الْمَضْجَعِ تَكُونُ بِغَيْرِ هِجْرَةِ كَلَامٍ وَنَهَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يُجَاوِزَ بِالْهِجْرَةِ في الْكَلَامِ ثَلَاثًا ( قال ) وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَضْرِبَ وَلَا يَهْجُرَ مَضْجَعًا بِغَيْرِ بَيَانِ نُشُوزِهَا ( قال ) وَأَصْلُ ما ذَهَبْنَا إلَيْهِ من أَنْ لَا قَسْمَ لِلْمُمْتَنِعَةِ من زَوْجِهَا وَلَا نَفَقَةَ ما كانت مُمْتَنِعَةً لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَبَاحَ هِجْرَةَ مَضْجَعِهَا وَضَرْبَهَا في النُّشُوزِ وَالِامْتِنَاعُ نُشُوزٌ ( قال ) وَمَتَى تَرَكَتْ النُّشُوزَ لم تَحِلَّ هِجْرَتُهَا وَلَا ضَرْبُهَا وَصَارَتْ على حَقِّهَا كما كانت قبل النُّشُوزِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في قَوْلِهِ عز وجل { وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } وَقَوْلِهِ { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } وهو ما ذَكَرْنَا مِمَّا لها عليه في بَعْضِ الْأُمُورِ من مُؤْنَتِهَا وَلَهُ عليها مِمَّا ليس لها عليه وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على صَاحِبِهِ - * الْحَكَمَيْنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ عز وجل { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا من أَهْلِهِ وَحَكَمًا من أَهْلِهَا } الْآيَةَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَعْنَى ما أَرَادَ فَأَمَّا ظَاهِرُ الْآيَةِ فإن خَوْفَ الشِّقَاقِ بين الزَّوْجَيْنِ أَنْ يَدَّعِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على صَاحِبِهِ مَنْعَ الْحَقِّ وَلَا يَطِيبُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ بِإِعْطَاءِ ما يَرْضَى بِهِ وَلَا يَنْقَطِعُ ما بَيْنَهُمَا بِفُرْقَةٍ وَلَا صُلْحٍ وَلَا تَرْكِ الْقِيَامِ بِالشِّقَاقِ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عز وجل أَذِنَ في نُشُوزِ الْمَرْأَةِ بِالْعِظَةِ وَالْهِجْرَةِ وَالضَّرْبِ وَلِنُشُوزِ الرَّجُلِ بِالصُّلْحِ فإذا خَافَا أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ وَنَهَى إذَا أَرَادَ الزَّوْجُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ أَنْ يَأْخُذَ مِمَّا آتَاهَا شيئا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فاذا ارْتَفَعَ الزَّوْجَانِ الْمَخُوفُ شِقَاقُهُمَا إلَى الْحَاكِمِ فَحَقَّ عليه أَنْ يَبْعَثَ حَكَمًا من أَهْلِهِ وَحَكَمًا من أَهْلِهَا من أَهْلِ الْقَنَاعَةِ وَالْعَقْلِ لِيَكْشِفَا أَمْرَهُمَا وَيُصْلِحَا بَيْنَهُمَا إنْ قَدَرَا ( قال ) وَلَيْسَ له أَنْ يَأْمُرَهُمَا يفرقان ( ( ( بفرقان ) ) ) إنْ رايا إلَّا بِأَمْرِ الزَّوْجِ وَلَا يُعْطِيَا من مَالِ الْمَرْأَةِ إلَّا بِإِذْنِهَا ( قال ) فَإِنْ اصْطَلَحَ الزَّوْجَانِ وَإِلَّا كان على الْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على صَاحِبِهِ بِمَا يَلْزَمُهُ من حَقٍّ في نَفْسٍ وَمَالٍ وَأَدَبٍ ( قال ) وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عز وجل إنَّمَا ذَكَرَ أَنَّهُمَا { إنْ يُرِيدَا إصْلَاحًا يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا } ولم يذكر تَفْرِيقًا ( قال ) وَأَخْتَارُ للامام أَنْ يَسْأَلَ الزَّوْجَيْنِ أَنْ يَتَرَاضَيَا بِالْحَكَمَيْنِ وَيُوَكِّلَاهُمَا مَعًا فَيُوَكِّلُهُمَا الزَّوْجُ إنْ رَأَيَا أَنْ يُفَرِّقَا بَيْنَهُمَا فَرْقًا على ما رَأَيَا من أَخْذِ شَيْءٍ أو غَيْرِ أَخْذِهِ إنْ اُخْتُبِرَا تَوَلَّيَا من الْمَرْأَةِ عنه ( قال ) وَإِنْ جَعَلَ إلَيْهِمَا إنْ رَضِيَتْ بِكَذَا وَكَذَا فَأَعْطِيَاهَا ذلك عَنِّي وَاسْأَلَاهَا أَنْ تَكُفَّ عَنِّي كَذَا وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تُوَكِّلَهُمَا إنْ شَاءَتْ بِأَنْ يُعْطِيَا عنها في الْفُرْقَةِ شيئا تُسَمِّيهِ إنْ رَأَيَا أَنَّهُ لَا يُصْلِحُ الزَّوْجَ غَيْرُهُ ( 1 ) وَإِنْ رايا أَنْ يُعْطِيَاهُ أَنْ يَفْعَلَا أو له كَذَا وَيَتْرُكُ لها كَذَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) في نَهْيِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عن ضَرْبِ النِّسَاءِ ثُمَّ إذْنِهِ في ضَرْبِهِنَّ وَقَوْلِهِ لَنْ يَضْرِبَ خِيَارُكُمْ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عنه على اخْتِيَارِ النَّهْيِ وَأَذِنَ فيه بِأَنَّ مُبَاحًا لهم الضَّرْبُ في الْحَقِّ وَاخْتَارَ لهم أَنْ لَا يُضْرَبُوا لِقَوْلِهِ لَنْ يَضْرِبَ خِيَارُكُمْ ( قال ) وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قبل نُزُولِ الْآيَةِ بِضَرْبِهِنَّ ثُمَّ أَذِنَ لهم بَعْدَ نُزُولِهَا بِضَرْبِهِنَّ

(5/194)


فَإِنْ فَعَلَ ذلك الزَّوْجَانِ أَمَرَ الْحَكَمَيْنِ بِأَنْ يَجْتَهِدَا فَإِنْ رَأَيَا الْجَمْعَ خَيْرًا لم يَصِيرَا إلَى الْفِرَاقِ وَإِنْ رَأَيَا الْفِرَاقَ خَيْرًا أَمَرَهُمَا فَصَارَا إلَيْهِ وَإِنْ رَجَعَ الزَّوْجَانِ أو أَحَدُهُمَا بعد ما يُوَكِّلَانِهِمَا عن الْوَكَالَةِ أو بَعْضِهَا أَمَرَهُمَا بِمَا أَمَرَهُمَا بِهِ أَوَّلًا من الْإِصْلَاحِ ولم يَجْعَلْهُمَا وَكِيلَيْهِمَا إلَّا فِيمَا وُكِّلَا فيه ( قال ) وَلَا يُجْبَرُ الزَّوْجَانِ على تَوْكِيلِهِمَا إنْ لم يُوَكِّلَا وإذا وَكَّلَاهُمَا مَعًا كما وَصَفْت لم يَجُزْ أَمْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دُونَ صَاحِبِهِ فَإِنْ فَرَّقَ أَحَدُهُمَا ولم يُفَرِّقْ الْآخَرُ لم تَجُزْ الْفُرْقَةُ وَكَذَلِكَ إنْ أعطي أَحَدُهُمَا على الْآخَرِ شيئا ( قال ) وَإِنْ غَابَ أَحَدُ الْحَكَمَيْنِ أو غُلِبَ على عَقْلِهِ بَعَثَ حَكَمًا غير الْغَائِبِ أو الْمَغْلُوبِ الْمُصْلِحِ من قِبَلِ الْحَاكِمِ وَبِالْوَكَالَةِ إنْ وَكَّلَهُ بها الزَّوْجَانِ ( قال ) وَإِنْ غُلِبَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ على عَقْلِهِ لم يُمْضِ الْحَكَمَانِ بَيْنَهُمَا شيئا حتى يَعُودَ إلَيْهِ عَقْلُهُ ثُمَّ يُجَدِّدَ وَكَالَةً ( قال ) وَإِنْ غَابَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ ولم يَفْسَخْ الْوَكَالَةَ أَمْضَى الْحَكَمَانِ رَأْيَهُمَا ولم تَقْطَعْ غَيْبَةُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْوَكَالَةَ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا الثَّقَفِيُّ عن أَيُّوبَ بن أبي تَمِيمَةَ عن بن سِيرِينَ عن عُبَيْدَة السَّلْمَانِيِّ أَنَّهُ قال في هذه الْآيَةِ { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا من أَهْلِهِ وَحَكَمًا من أَهْلِهَا } قال جاء رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ إلَى عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه وَمَعَ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِئَامٌ من الناس فَأَمَرَهُمْ عَلِيٌّ فَبَعَثُوا حَكَمًا من أَهْلِهِ وَحَكَمًا من أَهْلِهَا ثُمَّ قال لِلْحَكَمَيْنِ تَدْرِيَانِ ما عَلَيْكُمَا عَلَيْكُمَا إنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تَجْمَعَا أَنْ تَجْمَعَا وَإِنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تُفَرِّقَا أَنْ تُفَرِّقَا قالت الْمَرْأَةُ رَضِيت بِكِتَابِ اللَّهِ بِمَا عَلَيَّ فيه وَلِيَ وقال الرَّجُلُ أَمَّا الْفُرْقَةُ فَلَا فقال عَلِيٌّ رضي اللَّهُ عنه كَذَبْت وَاَللَّهِ حتى تُقِرَّ بِمِثْلِ الذي أَقَرَّتْ بِهِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مُسْلِمٌ عن بن جُرَيْجٍ عن بن أبي مُلَيْكَةَ سَمِعَهُ يقول تَزَوَّجَ عَقِيلُ بن أبي طَالِبٍ فَاطِمَةَ بِنْتَ عُتْبَةَ فقالت له اصْبِرْ لي وَأُنْفِقُ عَلَيْك فَكَانَ إذَا دخل عليها قالت أَيْنَ عُتْبَةُ بن رَبِيعَةَ أَيْنَ شَيْبَةُ بن رَبِيعَةَ فَيَسْكُتُ عنها حتى دخل عليها يَوْمًا وهو بَرِمٌ فقالت أَيْنَ عُتْبَةُ بن رَبِيعَةَ أَيْنَ شَيْبَةُ بن رَبِيعَةَ فقال علي يَسَارِك في النَّارِ إذَا دَخَلْتِ فَشَدَّتْ عليها ثِيَابَهَا فَجَاءَتْ عُثْمَانَ بن عَفَّانَ فَذَكَرَتْ له ذلك فَأَرْسَلَ بن عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةَ فقال بن عَبَّاسٍ لَأُفَرِّقَن بَيْنَهُمَا وقال مُعَاوِيَةُ ما كُنْت لِأُفَرِّقَ بين شَيْخَيْنِ من بَنِي عبد مَنَافٍ قال فَأَتَيَاهُمَا فَوَجَدَاهُمَا قد شَدَّا عَلَيْهِمَا أَثْوَابَهُمَا وَأَصْلَحَا أَمْرَهُمَا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ عز وجل { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } الْآيَةَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَكَانَ في هذه الْآيَةِ إبَاحَةُ أَكْلِهِ إذَا طَابَتْ نَفْسُهَا وَدَلِيلٌ على أنها إذَا لم تَطِبْ بِهِ نَفْسًا لم يَحِلَّ أَكْلُهُ ( قال ) وقد قال اللَّهُ عز وجل { وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ } إلَى { مُبِينًا } قال وَهَذِهِ الْآيَةُ في مَعْنَى الْآيَةِ التي كَتَبْنَا قَبْلَهَا وإذا أَرَادَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) حَدِيثُ عَلِيٍّ ثَابِتٌ عِنْدَنَا وهو إنْ شَاءَ اللَّهُ كما قُلْنَا لَا نُخَالِفُهُ لِأَنَّ عَلِيًّا إذْ قال لهم ابْعَثُوا حَكَمًا من أَهْلِهِ وَحَكَمًا من أَهْلِهَا وَالزَّوْجَانِ حَاضِرَانِ فَإِنَّمَا خَاطَبَ بِهِ الزَّوْجَيْنِ أو من أَعْرَبَ عنهما بِحَضْرَتِهِمَا بِوَكَالَةِ الزَّوْجَيْنِ أو رِضَاهُمَا بِمَا قال وَقَوْلُهُ لِلرَّجُلِ لَا وَاَللَّهِ حتى تُقِرَّ بِمِثْلِ ما أَقَرَّتْ بِهِ أَنْ لَا يَقْضِيَ الْحَكَمَانِ إنْ رايا الْفُرْقَةَ إذَا رَجَعَتْ عن تَوْكِيلِهِمَا حتى تَعُودَ إلَى الرِّضَا بِأَنْ يَكُونَا بِوَكَالَتِك نَاظِرَيْنِ بِمَا يُصْلِحُ أَمْرَكُمَا وَلَوْ كان لِلْحَاكِمِ أَنْ يَبْعَثَ حَكَمَيْنِ بِفُرْقَةٍ بِلَا وَكَالَةِ الزَّوْجِ ما احْتَاجَ عَلِيٌّ رضي اللَّهُ عنه إلَى أَنْ يَقُولَ لَهُمَا ابْعَثُوا وَلَبَعَثَ هو وَلَقَالَ لِلزَّوْجِ إنْ رايا الْفِرَاقَ أَمْضِيَا ذلك عَلَيْك وَإِنْ لم تَأْذَنْ بِهِ ولم يَحْلِفْ لَا يَمْضِي الْحَكَمَانِ حتى يُقِرَّ وَلَوْ كان لِلْحَاكِمِ جَبْرُ الزَّوْجَيْنِ على أَنْ يُوَكِّلَا كان له أَنْ يُمْضِيَهُ بِلَا أَمْرِهِمَا ( قال ) وَلَيْسَ في الحديث الذي رُوِيَ عن عُثْمَانَ دَلَالَةٌ كَالدَّلَائِلِ في حديث عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه وهو يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ كَالْحَدِيثِ عن عَلِيٍّ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَقَدْ يَحْتَمِلُ خِلَافَهُ قِيلَ نعم وَمُوَافَقَتُهُ فَلَسْت بِأَوْلَى بِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ من غَيْرِك بَلْ هو إلَى مُوَافَقَةِ حديث عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَقْرَبُ من أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ خِلَافَهُ - * ما يَجُوزُ بِهِ أَخْذُ مَالِ الْمَرْأَةِ منها - *

(5/195)


الرَّجُلُ الِاسْتِبْدَالَ بِزَوْجَتِهِ ولم تُرِدْ هِيَ فُرْقَتَهُ لم يَكُنْ له أَنْ يَأْخُذَ من مَالِهَا شيئا بِأَنْ يَسْتَكْرِهَهَا عليه وَلَا أَنْ يُطَلِّقَهَا لِتُعْطِيَهُ فِدْيَةً منه فَإِنْ فَعَلَ وَأَقَرَّ بِذَلِكَ أو قَامَتْ عليه بَيِّنَةٌ رَدَّ ما أَخَذَ منها عليها وَإِنْ كان طَلَّقَهَا عليه لَزِمَهُ ما سَمَّى من عَدَدِ الطَّلَاقِ وكان يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ إنْ لم يَأْتِ على جَمِيعِ طَلَاقِهَا ( قال ) وَيُشْبِهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ لَا يَكُونَ له إذَا أَزْمَعَ على فِرَاقِهَا أَنْ ياتهب من مَالِهَا شيئا ثُمَّ يُطَلِّقَهَا وَذَلِكَ أَنَّ إعْطَاءَهَا يَكُونُ على اسْتِطَابَةِ نَفْسِهِ بِحَبْسِهَا لَا على فِرَاقِهَا وَيُشْبِهُ مَعَانِيَ الْخَدِيعَةِ لها ( قال ) وَلَا يَبِينُ لي رَدُّ ذلك عليها لو وَهَبَتْهُ بِلَا ضَرُورَةٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أنها طَابَتْ بِهِ نَفْسًا ( قال ) وَلَوْ عَلِمَتْهُ يُرِيدُ الِاسْتِبْدَالَ بها ولم يَمْنَعْهَا حَقَّهَا فَنَشَزَتْ وَمَنَعَتْهُ بَعْضَ الْحَقِّ وَأَعْطَتْهُ مَالًا جَازَ له أَخْذُهُ وَصَارَتْ في مَعْنَى من يَخَافُ أَنْ لَا يُقِيمَ حُدُودَ اللَّهِ وَخَرَجَتْ من أَنْ يَكُونَ يُرَادَ فِرَاقُهَا فَيُفَارِقُ بِلَا سَبَبٍ منها وَلَا مَنْعٍ لِحَقٍّ في حَالٍ مُتَقَدِّمَةٍ لِإِرَادَتِهِ وَلَا مُتَأَخِّرَةٍ - * حَبَسَ الْمَرْأَة على الرَّجُل يُكْرِههَا لِيَرِثهَا - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا } الْآيَةَ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد قِيلَ فَإِنْ أَتَتْ عِنْدَهُ بِفَاحِشَةٍ وَهِيَ الزنى فَحَبَسَهَا على مَنْعِ الْحَقِّ في الْقَسْمِ لَا أَنْ ضَرَبَهَا وَلَا مَنَعَهَا نَفَقَةً فَأَعْطَتْهُ بَعْضَ ما آتَاهَا حَلَّ له أَخْذُهُ وَكَانَتْ مَعْصِيَتُهَا اللَّهَ بالزنى ثُمَّ مَعْصِيَتُهُ أَكْبَرَ من مَعْصِيَتِهَا في غَيْرِ الزنى وَهِيَ إذَا عَصَتْهُ فلم تُقِمْ حُدُودَ اللَّهِ لم يَكُنْ عليه جُنَاحٌ فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ( قال ) فَإِنْ حَبَسَهَا مَانِعًا لها الْحَقَّ ولم تَأْتِ بِفَاحِشَةٍ لِيَرِثَهَا فَمَاتَتْ عِنْدَهُ لم يَحِلَّ له أَنْ يَرِثَهَا وَلَا يَأْخُذَ منها شيئا في حَيَاتِهَا فَإِنْ أَخَذَهُ رَدَّ عليها وكان أَمْلَكَ بِرَجْعَتِهَا وَقِيلَ إنَّ هذه الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ وفي مَعْنَى { وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ من نِسَائِكُمْ } إلَى { سَبِيلًا } فَنُسِخَتْ بِآيَةِ الْحُدُودِ { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم خُذُوا عَنِّي خُذُوا عَنِّي خُذُوا عَنِّي قد جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ الرَّجْمُ فلم يَكُنْ على امْرَأَةٍ حَبْسٌ يَمْنَعُ بِهِ حَقَّ الزَّوْجَةِ على الزَّوْجِ وكان عليها الْحَدُّ ( قال ) وما أَشْبَهَ ما قِيلَ من هذا بِمَا قِيلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّ لِلَّهِ أَحْكَامًا بين الزَّوْجَيْنِ بِأَنْ جَعَلَ له عليها أَنْ يُطَلِّقَهَا مُحْسِنَةً وَمُسِيئَةً وَيَحْبِسَهَا مُحْسِنَةً وَمُسِيئَةً وَكَارِهًا لها وَغَيْرَ كَارِهٍ ولم يَجْعَلْ له مَنْعَهَا حَقَّهَا في حَالٍ - * ما تَحِلُّ بِهِ الْفِدْيَةُ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أو تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } إلَى { فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ }
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن عَمْرَةَ أَنَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ أَخْبَرَتْهَا أنها كانت عِنْدَ ثَابِتِ بن قَيْسِ بن شِمَاسٍ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم خَرَجَ إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ فَوَجَدَ حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ عِنْدَ بَابِهِ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من هذه قالت أنا حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ يا رَسُولَ اللَّهِ لَا أنا وَلَا ثَابِتٌ لِزَوْجِهَا فلما جاء ثَابِتٌ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) يُقَالُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ نَزَلَتْ في الرَّجُلِ يَمْنَعُ الْمَرْأَةَ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى عليه في عِشْرَتِهَا بِالْمَعْرُوفِ عن غَيْرِ طِيبِ نَفْسِهَا وَيَحْبِسُهَا لِتَمُوتَ فَيَرِثُهَا أو يَذْهَبُ بِبَعْضِ ما آتَاهَا واستثنى ( ( ( استثنى ) ) ) إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَحْبِسَهَا كَارِهًا لها إذَا أَدَّى حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فيها لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } قَرَأَ إلَى { كَثِيرًا } قال وَقِيلَ في هذه الْآيَةِ دَلَالَةٌ على أَنَّهُ إنَّمَا حَرَّمَ عليه حَبْسَهَا مع مَنْعِهَا الْحَقَّ لِيَرِثَهَا أو يَذْهَبَ بِبَعْضِ ما آتَاهَا قال ) وإذا مَنَعَهَا الْحَقَّ وَحَبَسَهَا وَذَهَبَ بِبَعْضِ ما آتَاهَا فَطَلَبَتْهُ فَهُوَ مَرْدُودٌ عليها إذَا أَقَرَّ بِذَلِكَ أو قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ

(5/196)


قال له رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم هذه حَبِيبَةُ قد ذَكَرَتْ ما شَاءَ اللَّهُ ان تَذْكُرَ فقالت حَبِيبَةُ يا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّ ما أَعْطَانِي عِنْدِي فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم خُذْ منها فَأَخَذَ منها وَجَلَسَتْ في أَهْلِهَا
قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن عَمْرَةَ عن حَبِيبَةَ بِنْتِ سَهْلٍ أنها أَتَتْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْغَلَسِ وَهِيَ تَشْكُو شيئا بِبَدَنِهَا وَهِيَ تَقُولُ لَا أنا وَلَا ثَابِتُ بن قَيْسٍ فقالت فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يا ثَابِتُ خُذْ منها فَأَخَذَ منها وَجَلَسَتْ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ الْخُلْعُ طَلَاقٌ فَلَا يَقَعُ إلَّا بِمَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ فإذا قال لها إنْ أَعْطَيْتنِي كَذَا وَكَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ أو قد فَارَقْتُك أو سَرَّحْتُك وَقَعَ الطَّلَاقُ ثُمَّ لم أَحْتَجْ إلَى النِّيَّةِ ( قال ) وَإِنْ قال لم أَنْوِ طَلَاقًا دِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عز وجل وَأُلْزِمَ في الْقَضَاءِ وإذا قال لها إنْ أَعْطَيْتنِي كَذَا فَأَنْتِ بَائِنٌ أو خَلِيَّةٌ أو بَرِيَّةٌ سُئِلَ فَإِنْ أَرَادَ الطَّلَاقَ فَهِيَ طَالِقٌ وَإِنْ لم يُرِدْ الطَّلَاقَ فَلَيْسَ بِطَلَاقٍ وَيَرُدُّ شيئا إنْ أَخَذَهُ منها 0 قال ) وإذا قال لها قد خَالَعْتُكِ أو فَادَيْتُكِ أو ما أَشْبَهَ هذا لم يَكُنْ طَلَاقًا إلَّا بِإِرَادَتِهِ الطَّلَاقَ لِأَنَّهُ ليس بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ ( قال ) وَسَوَاءٌ كان هذا عِنْدَ غَضَبٍ أو رِضًا وَذِكْرِ طَلَاقٍ أو غَيْرِ ذِكْرِهِ إنَّمَا أَنْظُرُ إلَى عَقْدِ الْكَلَامِ الذي يَلْزَمُ لَا سَبَبَهُ وإذا قالت الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا اخْلَعْنِي أو بتني ( ( ( بني ) ) ) أو أَبِنِّي أو بَارِئْنِي أو ابْرَأْ مِنِّي وَلَك عَلَيَّ أَلْفٌ أو لَك هذه الْأَلْفُ أو لَك هذا الْعَبْدُ وَهِيَ تُرِيدُ الطَّلَاقَ فَطَلَّقَهَا فَلَهُ ما ضَمِنَتْ له وما أَعْطَتْهُ ( قال ) وَكَذَلِكَ لو قالت له اخْلَعْنِي على أَلْفٍ فَفَعَلَ كانت له الْأَلْفُ ما لم يَتَنَاكَرَا فَإِنْ قالت إنَّمَا قُلْت عَلَيَّ أَلْفٌ ضَمِنَهَا لَك غَيْرِي أو على أَلْفٌ لي عَلَيْك لَا أُعْطِيك أو على أَلْفُ فَلْسٍ وَأَنْكَرَ تَحَالَفَا وكان له عليها مَهْرُ مِثْلِهَا وإذا قالت الْمَرْأَةُ لِلرَّجُلِ طَلِّقْنِي وَلَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فقال أَنْتِ طَالِقٌ على أَلْفٍ إنْ شِئْت
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقِيلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ في قَوْله تَعَالَى { فَإِنْ خِفْتُمْ ألا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ تَكْرَهُ الرَّجُلَ حتى تَخَافَ أَنْ لَا تُقِيمَ حُدُودَ اللَّهِ بِأَدَاءِ ما يَجِبُ عليها له أو أَكْثَرِهِ إلَيْهِ وَيَكُونَ الزَّوْجُ غير مَانِعٍ لها ما يَجِبُ عليه أو أَكْثَرَهُ فإذا كان هذا حَلَّتْ الْفِدْيَةُ لِلزَّوْجِ وإذا لم يُقِمْ أَحَدُهُمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَيْسَا مَعًا مُقِيمَيْنِ حُدُودَ اللَّهِ وَقِيلَ وَهَكَذَا قَوْلُ اللَّهِ عز وجل { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } إذَا حَلَّ ذلك لِلزَّوْجِ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ على الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةُ في كل حَالٍ لَا يَحْرُمُ عليها ما أَعْطَتْ من مَالِهَا وإذا حَلَّ له ولم يَحْرُمْ عليها فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا مَعًا وَهَذَا كَلَامٌ صَحِيحٌ جَائِزٌ إذَا اجْتَمَعَا مَعًا في أَنْ لَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وقد يَكُونُ الْجُنَاحُ على أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَعَلَى أَحَدِهِمَا جُنَاحٌ ( قال ) وما أَشْبَهَ ما قِيلَ من هذا بِمَا قِيلَ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل حَرَّمَ على الرَّجُلِ إذَا أَرَادَ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ أَنْ يَأْخُذَ مِمَّا آتَاهَا شيئا ( قال ) وَقِيلَ أَنْ تَمْتَنِعَ الْمَرْأَةُ من أَدَاءِ الْحَقِّ فَتَخَافَ على الزَّوْجِ أَنْ لَا يُؤَدِّيَ الْحَقَّ إذَا مَنَعَتْهُ حَقًّا فَتَحِلَّ الْفِدْيَةُ ( قال ) وَجِمَاعُ ذلك أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ الْمَانِعَةُ لِبَعْضِ ما يَجِبُ عليها له الْمُفْتَدِيَةُ تَحَرُّجًا من أَنْ لَا تُؤَدِّيَ حَقَّهُ أو كَرَاهِيَةً له فإذا كان هَكَذَا حَلَّتْ الْفِدْيَةُ لِلزَّوْجِ وَلَوْ خَرَجَ في بَعْضِ ما تَمْنَعُهُ من الْحَقِّ إلَى إيذَائِهَا بِالضَّرْبِ أَجَزْت ذلك له لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قد أَذِنَ لِثَابِتٍ بِأَخْذِ الْفِدْيَةِ من حَبِيبَةَ وقد نَالَهَا بِالضَّرْبِ ( قال ) وَكَذَلِكَ لو لم تَمْنَعْهُ بَعْضَ الْحَقِّ وَكَرِهَتْ صُحْبَتَهُ حتى خَافَتْ تَمْنَعَهُ كَرَاهِيَةَ صُحْبَتِهِ بَعْضَ الْحَقِّ فَأَعْطَتْهُ الْفِدْيَةَ طَائِعَةً حَلَّتْ له وإذا حَلَّ له أَنْ يَأْكُلَ ما طَابَتْ بِهِ نَفْسًا على غَيْرِ فِرَاقٍ حَلَّ له أَنْ يَأْكُلَ ما طَابَتْ به نَفْسًا وَيَأْخُذَ عِوَضًا بِالْفِرَاقِ ( قال ) وَلَا وَقْتَ في الْفِدْيَةِ كانت أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا أو أَقَلَّ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل يقول { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } وَتَجُوزُ الْفِدْيَةُ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَدُونِهِ كما يَجُوزُ إعْطَاءُ الْمَالِ وَالطَّلَاقِ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَدُونِهِ - * الْكَلَامُ الذي يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ وَلَا يَقَعُ - *

(5/197)


فَلَهَا الْمَشِيئَةُ وَقْتَ الْخِيَارِ فَإِنْ لم تَشَأْ حتى مَضَى وَقْتُ الْخِيَارِ لم يَكُنْ لها مَشِيئَةٌ وَإِنْ شَاءَتْ بَعْدَ ذلك كانت مَشِيئَتُهَا بَاطِلَةً وَهِيَ امراته بِحَالِهَا ( قال ) وَهَكَذَا إن قال لها أَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَعْطَيْتنِي أَلْفًا فقالت خُذْهَا مِمَّا لي عَلَيْك أو قالت أنا أَضْمَنُهَا لَك وَأُعْطِيك بها رَهْنًا لم يَكُنْ هذا طَلَاقًا لِأَنَّهَا لم تُعْطِهِ أَلْفًا في وَاحِدٍ من هذه الْأَحْوَالِ ( قال ) وَلَوْ أَعْطَتْهُ أَلْفًا في وَقْتِ الْخِيَارِ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ فَإِنْ لم تُعْطِهِ الْأَلْفَ حتى يَمْضِيَ وَقْتُ الْخِيَارِ ثُمَّ أَعْطَتْهُ إيَّاهَا لم يَلْزَمْهُ الطَّلَاقُ وَسَوَاءٌ هَرَبَ الزَّوْجُ أو غَابَ حتى مَضَى وَقْتُ الْخِيَارِ أو أَبْطَأَتْ هِيَ بِإِعْطَائِهِ الْأَلْفَ حتى مَضَى وَقْتُ الْخِيَارِ ( قال ) وإذا كان لِلرَّجُلِ امْرَأَتَانِ فَسَأَلَتَاهُ أَنْ يُطَلِّقَهُمَا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهُمَا في ذلك الْمَجْلِسِ لَزِمَهُمَا الطَّلَاقُ وفي الْمَالِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْأَلْفَ عَلَيْهِمَا على قَدْرِ مُهُورِ مِثْلِهِمَا وَالْآخَرُ أَنَّ على كل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَهْرَ مِثْلِهَا لِأَنَّ الْخُلْعَ وَقَعَ على كل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِشَيْءٍ مَجْهُولٍ ( قال الرَّبِيعُ ) وَهَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ عِنْدِي ( قال ) وَإِنْ قالت له امْرَأَتَانِ له لَك أَلْفٌ فَطَلِّقْنَا مَعًا فَطَلَّقَ إحْدَاهُمَا في وَقْتِ الْخِيَارِ ولم يُطَلِّقْ الْأُخْرَى لَزِمَ الْمُطَلَّقَةَ مَهْرُ مِثْلِهَا وَلَوْ طَلَّقَ الْأُخْرَى بَعْدَ ذلك الْوَقْتِ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ وكان يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ ولم يَلْزَمْهَا من الْمَالِ شَيْءٌ إنَّمَا يَلْزَمُهَا الْمَالُ إذَا طَلَّقَهَا في وَقْتِ الْخِيَارِ ( قال ) وَلَوْ قَالَتَا طَلِّقْنَا بِأَلْفٍ فقال إنْ شِئْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ لم تَطْلُقَا حتى يَشَاءَا مَعًا في وَقْتِ الْخِيَارِ فَإِنْ شَاءَتْ إحْدَاهُمَا ولم تَشَأْ الآخرى حتى مَضَى وَقْتُ الْخِيَارِ لم تَطْلُقَا قال فَإِنْ شَاءَتَا مَعًا فَلَهُ على كل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَهْرُ مِثْلِهَا ( قال ) وإذا قال رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ إنْ أَعْطَيْتِنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَعْطَتْهُ أَلْفًا في وَقْتِ الْخِيَارِ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَيْسَ له أَنْ يَمْتَنِعَ إذَا دَفَعَتْهَا إلَيْهِ في ذلك الْوَقْتِ وَلَا لها أَنْ تَرْجِعَ فيها ( قال ) وَهَكَذَا إنْ قال أعطيني ( ( ( أعطيتني ) ) ) أو إنْ أَعْطَيْتنِي وما أَشْبَهَ هذا فَإِنَّمَا ذلك على وَقْتِ الْخِيَارِ فإذا مَضَى لم يَقَعْ في شَيْءٍ ( قال ) وَإِنْ قال مَتَى أَعْطَيْتنِي أو أَيُّ وَقْتٍ أَعْطَيْتنِي أو أَيُّ حِينٍ أَعْطَيْتنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَهَا أَنْ تُعْطِيَهُ أَلْفًا مَتَى شَاءَتْ وَلَيْسَ له أَنْ يَمْتَنِعَ من أَخْذِهَا وَلَا لها إذَا أَعْطَتْهُ أَلْفًا أَنْ تَرْجِعَ فيها لِأَنَّ هذا كُلَّهُ غَايَةٌ كَقَوْلِهِ مَتَى دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أو مَتَى قَدِمَ فُلَانٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَيْسَ له أَنْ يَقُولَ قد رَجَعْت فِيمَا قُلْت وَعَلَيْهِ مَتَى دَخَلَتْ الدَّارَ أو قَدِمَ فُلَانٌ أَنْ تَطْلُقَ - * ما يَقَعُ بالخلع ( ( ( الخلع ) ) ) من الطَّلَاقِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا كما رُوِيَ عن عُثْمَانَ رضي اللَّهُ عنه إنْ لم يُسَمَّ بِالْخُلْعِ تَطْلِيقَةً لِأَنَّهُ من قِبَلِ الزَّوْجِ وَلَوْ سمي أَكْثَرَ من تَطْلِيقَةٍ فَهُوَ ما سَمَّى ( قال ) وَالْمُخْتَلِعَةُ مُطَلَّقَةٌ فَعِدَّتُهَا عِدَّتُهَا وَلَهَا السُّكْنَى وَلَا نَفَقَةَ لها لِأَنَّ زَوْجَهَا لَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ ( قال ) وإذا خَالَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا في الْعِدَّةِ لم يَقَعْ عليها الطَّلَاقُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ وَلَا في مَعَانِي الْأَزْوَاجِ بِحَالٍ بِأَنْ يَكُونَ له عليها رَجْعَةٌ وَلَا تَحِلَّ له إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ كما كانت قبل أَنْ يَنْكِحَهَا وَكَذَلِكَ لو آلَى منها أو تَظَاهَرَ أو قَذَفَهَا لم يَقَعْ عليها إيلَاءٌ وَلَا ظِهَارٌ وَلَا لِعَانٌ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا خَالَعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَنَوَى الطَّلَاقَ ولم يَنْوِ عَدَدًا منه بِعَيْنِهِ فَالْخُلْعُ تَطْلِيقَةٌ لَا يَمْلِكُ فيها الرَّجْعَةَ لِأَنَّهَا بَيْعٌ من الْبُيُوعِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَ عليها مَالَهَا وَيَكُونَ أَمْلَكَ بها وَإِنَّمَا جَعَلْنَاهَا تَطْلِيقَةً لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يقول { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ } فَعَقَلْنَا عن اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ ذلك إنَّمَا يَقَعُ بِإِيقَاعِ الزَّوْجِ وَعَلِمْنَا أَنَّ الْخُلْعَ لم يَقَعْ إلَّا بِإِيقَاعِ الزَّوْجِ ( قال ) وإذا خَالَعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فسمي طَلَاقًا على خُلْعٍ أو فِرَاقٍ أو سَرَاحٍ فَهُوَ طَلَاقٌ وهو ما نَوَى وَكَذَلِكَ إنْ سَمَّى ما يُشْبِهُ الطَّلَاقَ من الْكَلَامِ بِنِيَّةِ الطَّلَاقِ ( قال ) وَجِمَاعُ هذا أَنْ يَنْظُرَ إلَى كل كَلَامٍ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ بِلَا خُلْعٍ فَنُوقِعَهُ بِهِ في الْخُلْعِ وَكُلُّ ما لَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ بِحَالٍ على الِابْتِدَاءِ يُوقَعُ بِهِ خُلْعٌ فَلَا نُوقِعُ بِهِ خُلْعًا حتى يَنْوِيَ بِهِ الطَّلَاقَ وإذا لم يَقَعْ بِهِ طَلَاقٌ فما أَخَذَ الزَّوْجُ من الْمَرْأَةِ مَرْدُودٌ عليها ( قال ) فَإِنْ نَوَى بِالْخُلْعِ اثْنَتَيْنِ أو ثَلَاثًا فَهُوَ ما نَوَى ( قال ) وَكَذَلِكَ إنْ سَمَّى عَدَدًا من الطَّلَاقِ فَهُوَ ما سَمَّى وقد رُوِيَ نَحْوٌ من هذا عن عُثْمَانَ رضي اللَّهُ عنه
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن هِشَامٍ عن أبيه عن طَهْمَانَ مولى الأسلميين عن أُمِّ بَكْرَةَ الْأَسْلَمِيَّةِ

(5/198)


إنْ لم يَكُنْ وَلَدٌ وَلَوْ مَاتَتْ او مَاتَ لم يَتَوَارَثَا ( قال ) وَإِنَّمَا قُلْت هذا بِدَلَالَةِ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَكَمَ بِهَذِهِ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ من الْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ وَاللِّعَانِ وَالطَّلَاقِ وَالْمِيرَاثِ بين الزَّوْجَيْنِ فلما عَقَلْنَا عن اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ هَذَيْنِ غَيْرُ زَوْجَيْنِ لم يَجُزْ أَنْ يَقَعَ عليها طَلَاقُهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ فيه من أَثَرٍ فَأَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ عن بن عَبَّاسٍ وبن الزُّبَيْرِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى جِمَاعُ مَعْرِفَةِ من يَجُوزُ خُلْعُهُ من النِّسَاءِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى كل من جَازَ أَمْرُهُ في مَالِهِ فَنُجِيزُ خُلْعَهُ وَمَنْ لم يَجُزْ أَمْرُهُ في مَالِهِ فَنَرُدُّ خُلْعَهُ فَإِنْ كانت الْمَرْأَةُ صَبِيَّةً لم تَبْلُغْ أو بَالِغًا لَيْسَتْ بِرَشِيدَةٍ أو مَحْجُورًا عليها أو مَغْلُوبَةً على عَقْلِهَا فَاخْتَلَعَتْ من زَوْجِهَا بِشَيْءٍ قَلَّ أو كَثُرَ فَكُلُّ ما أَخَذَ منها مَرْدُودٌ عليها وما طَلَّقَهَا على ما أَخَذَ منها وَاقِعٌ عليها وَهَذَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فإذا بَطَلَ ما أَخَذَ مَلَكَ الرَّجْعَةَ في الطَّلَاقِ الذي وَقَعَ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أو تَطْلِيقَةً لم يَكُنْ بَقِيَ له عليها غَيْرُهَا ( قال ) وَهَكَذَا إنْ خَالَعَ عنها وَلِيُّهَا بِأَمْرِهَا من مَالِهَا كان ( 1 ) أو غَيْرُهُ فَالْمَالُ مَرْدُودٌ وَلَيْسَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُخَالِعَ عنها من مَالِهَا فَإِنْ فَعَلَ فَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ وَالْخُلْعُ مَرْدُودٌ عليها وَلَوْ خَالَعَ عنها وَهِيَ صَبِيَّةٌ بِأَنْ أَبْرَأَ زَوْجَهَا من مَهْرِهَا أو دَيْنٍ لها عليه أو أَعْطَاهُ شيئا من مَالِهَا كان الطَّلَاقُ الذي وَقَعَ بِالْمَالِ وَاقِعًا عليها وكان مَالُهَا الذي دَفَعَتْهُ إلَيْهِ مَرْدُودًا عليها وَحَقُّهَا ثَابِتٌ عليه من الصَّدَاقِ وَغَيْرِهِ وَلَا يَبْرَأُ الزَّوْجُ من شَيْءٍ مِمَّا أَبْرَأَهُ منه الْأَبُ وَالْوَلِيُّ غَيْرُ الْأَبِ ( قال ) وَلَوْ كان أبو الصَّغِيرَةِ وَوَلِيُّ الْمَحْجُورِ عليها خَالَعَ عنها بِأَنْ أَبْرَأَهُ من صَدَاقِهَا وهو يَعْرِفُهُ على أَنَّهُ ضَامِنٌ لِمَا أَدْرَكَهُ فيه كان صَدَاقُهَا على الزَّوْجِ يُؤْخَذُ بِهِ وَيَرْجِعُ بِهِ الزَّوْجُ على الذي ضَمِنَهُ أَيًّا كان أو وَلِيًّا أو أَجْنَبِيًّا وَلَا يَرْجِعُ بِهِ الضَّامِنُ على الْمَرْأَةِ لِأَنَّهُ ضَمِنَ عنها مُتَطَوِّعًا في غَيْرِ نَظَرٍ لها + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان دَفَعَ إلَى الزَّوْجِ عَبْدًا من مَالِهَا على أَنْ ضَمِنَ له ما أَدْرَكَهُ في الْعَبْدِ فَالْعَبْدُ مَرْدُودٌ عليها وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ على الضَّامِنِ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ إنَّمَا ضَمِنَ له الْعَبْدَ لَا غَيْرَهُ وَلَا يُشْبِهُ الضَّامِنُ الْبَائِعَ وَلَا الْمُخْتَلِعَةَ وقد قِيلَ له صَدَاقُ مِثْلِهَا وَإِنْ أَفْلَسَ الضَّامِنُ فَالزَّوْجُ غَرِيمٌ له وَلَا يَرْجِعُ على الْمَرْأَةِ بِحَالٍ ( قال ) وَلَا يَجُوزُ خُلْعُ الْمَحْجُورِ عليها بِحَالٍ إلَّا بِأَنْ يَتَطَوَّعَ عنها أَحَدٌ يَجُوزُ أَمْرُهُ في مَالِهِ فيعطى الزَّوْجَ شيئا على أَنْ يُفَارِقَهَا ( 3 ) فَيَجُوزُ لِلزَّوْجِ ( قال ) وَالذِّمِّيَّةُ الْمَحْجُورُ عليها في هذا كَالْمُسْلِمَةِ الْمَحْجُورِ عليها ( قال ) وَالْأَمَةُ هَكَذَا وفي أَكْثَرَ من هذا لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ شيئا بِحَالٍ وَسَوَاءٌ كانت رَشِيدَةً بَالِغًا أو سَفِيهَةً مَحْجُورًا عليها لَا يَجُوزُ خُلْعُهَا بِحَالٍ إلَّا أَنْ يُخَالِعَ عنها سَيِّدُهَا أو من يَجُوزُ أَمْرُهُ في مَالِ نَفْسِهِ من مَالِ نَفْسِهِ مُتَطَوِّعًا بِهِ فَيَجُوزُ لِلزَّوْجِ ( قال ) وَإِنْ أَذِنَ لها سَيِّدُهَا بِشَيْءٍ تَخْلَعُهُ فَالْخُلْعُ جَائِزٌ وَكَذَلِكَ الْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ ( قال ) وَلَا يَجُوزُ ما جَعَلَتْ الْمُكَاتَبَةُ على الْخُلْعِ وَلَوْ أَذِنَ لها الذي كَاتَبَهَا لِأَنَّهُ ليس بِمَالٍ له فَيَجُوزُ إذْنُهُ فيه وَلَا لها فَيَجُوزُ ما صَنَعْت
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ خَالَعَهَا ثُمَّ أَخَذَ منها شيئا على أَنْ طَلَّقَهَا ثَانِيَةً أو ثَالِثَةً لم يَلْزَمْهَا الطَّلَاقُ وكان الْخُلْعُ عليها مَرْدُودًا لِأَنَّهُ أَخَذَهُ على ما لَا يَلْزَمُهُ لها ( قال ) وإذا جَازَ ما أَخَذَ من الْمَالِ على الْخُلْعِ وَالطَّلَاقُ فيه وَاقِعٌ فَلَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ فيه الرَّجْعَةَ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل يقول { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } وَلَا تَكُونُ مُفْتَدِيَةً وَلَهُ عليها الرَّجْعَةُ وَلَا يَمْلِكُ الْمَالَ وهو يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ لِأَنَّ من مَلَكَ شيئا بِعِوَضٍ أَعْطَاهُ لم يَجُزْ أَنْ يَكُونَ يَمْلِكُ ما خَرَجَ منه وَأَخَذَ الْمَالَ عليه ( قال ) وَلَوْ خَالَعَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا بِأَلْفٍ وَدَفَعَتْهَا إلَيْهِ ثُمَّ أَقَامَتْ بَيِّنَةً أو أَقَرَّ أَنَّ نِكَاحَهَا كان فَاسِدًا أو أَنَّهُ قد كان طَلَّقَهَا ثَلَاثًا قبل الْخُلْعِ أو تَطْلِيقَةً لم يَبْقَ له عليها غَيْرُهَا أو خَالَعَهَا ولم يُجَدِّدْ لها نِكَاحًا رَجَعَتْ عليه في كل هذا بِمَا أَخَذَ منها 0 قال ) وَهَكَذَا لو خَالَعَتْهُ ثُمَّ وَجَدَ نِكَاحَهَا فَاسِدًا كان الْخُلْعُ بَاطِلًا وَتَرْجِعُ بِمَا أَخَذَ منها وَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا - * ما يَجُوزُ خُلْعُهُ وما لَا يَجُوزُ - *

(5/199)


في مَالِهَا ( قال ) وَلَا يَجُوزُ خُلْعُ زَوْجٍ حتى يَجُوزَ طَلَاقُهُ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا غير مَغْلُوبٍ على عَقْلِهِ فإذا كان غير مَغْلُوبٍ على عَقْلِهِ فَخُلْعُهُ جَائِزٌ مَحْجُورًا عليه كان أو رَشِيدًا أو ذِمِّيًّا أو مَمْلُوكًا من قِبَلِ أَنَّ طَلَاقَهُ جَائِزٌ فإذا جَازَ طَلَاقُهُ بِلَا شَيْءٍ يَأْخُذُهُ كان أَخْذُهُ ما أَخَذَ عليه فَضْلًا أَوْلَى أَنْ يَجُوزَ من طَلَاقِهِ بِلَا شَيْءٍ وهو في الْخُلْعِ كَالْبَالِغِ الرَّشِيدِ فَلَوْ كان مَهْرُ امْرَأَتِهِ أَلْفًا وَخَالَعَتْهُ بِدِرْهَمٍ جَازَ عليه وَلِوَلِيِّ الْمَحْجُورِ أَنْ يَلِيَ عليه ما أَخَذَ بِالْخُلْعِ لِأَنَّهُ مَالٌ من مَالِهِ وما أَخَذَ الْعَبْدُ بِالْخُلْعِ فَهُوَ لِسَيِّدِهِ ( قال ) فَإِنْ اسْتَهْلَكَا ما أَخَذَا قبل إذْنِ وَلِيِّ الْمَحْجُورِ وَسَيِّدِ الْعَبْدِ له رَجَعَ وَلِيُّ الْمَحْجُورِ وَسَيِّدُ الْعَبْدِ بِهِ على الْمُخْتَلِعَةِ من قِبَلِ أَنَّهُ حَقٌّ لَزِمَهَا له كما لو كان له عليها دَيْنٌ أو أَرْشُ جِنَايَةٍ فَدَفَعَتْهُ إلَيْهِ رَجَعَ بِهِ وَلِيُّهُ وَسَيِّدُ الْعَبْدِ عليها (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْخُلْعُ في الْمَرَضِ وَالصِّحَّةِ جَائِزٌ كما يَجُوزُ الْبَيْعُ في الْمَرَضِ وَالصِّحَّةِ وَسَوَاءٌ أَيَّهُمَا كان الْمَرِيضُ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ أو هُمَا مَعًا وَيَلْزَمُهُ فيه ما سَمَّى الزَّوْجُ من الطَّلَاقِ ( قال ) فَإِنْ كان الزَّوْجُ الْمَرِيضُ فَخَالَعَهَا بِأَقَلَّ من مَهْرِ مِثْلِهَا ما كان أو أَكْثَرَ فَالْخُلْعُ جَائِزٌ وَإِنْ مَاتَ من الْمَرَضِ لِأَنَّهُ لو طَلَّقَهَا بِلَا شَيْءٍ كان الطَّلَاقُ جَائِزًا ( قال ) وَإِنْ كانت هِيَ الْمَرِيضَةُ وهو صَحِيحٌ أو مَرِيضٌ فَسَوَاءٌ وَإِنْ خَالَعَتْهُ بِمَهْرِ مِثْلِهَا أو أَقَلَّ فَالْخُلْعُ جَائِزٌ وَإِنْ خَالَعَتْهُ بِأَكْثَرَ من مَهْرِ مِثْلِهَا ثُمَّ مَاتَتْ من مَرَضِهَا قبل أَنْ تَصِحَّ جَازَ لها مَهْرُ مِثْلِهَا من الْخُلْعِ وكان الْفَضْلُ على مَهْرِ مِثْلِهَا وَصِيَّةً يُحَاصَّ أَهْلَ الْوِصَايَةِ بها وَلَا تَرِثُ الْمُخْتَلِعَةُ في الْمَرَضِ وَلَا في الصِّحَّةِ زَوْجَهَا وَلَا يَرِثُهَا وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَهِيَ في الْعِدَّةِ ( قال ) وَلَوْ خَالَعَهَا على عَبْدٍ بِعَيْنِهِ أو دَارٍ بِعَيْنِهَا وَقِيمَةُ الْعَبْدِ وَالدَّارِ مِائَةٌ وَمَهْرُ مِثْلِهَا خَمْسُونَ ثُمَّ مَاتَتْ من مَرَضِهَا كان له الْخِيَارُ في أَنْ يَكُونَ له نِصْفُ الْعَبْدِ أو الدَّارِ أو يَرْجِعَ بِمَهْرِ مِثْلِهَا نَقْدًا كما لو اشْتَرَاهُ فَاسْتَحَقَّ نِصْفَهُ كان له إنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ النِّصْفَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ نَقَضَ الْبَيْعَ وَرَجَعَ بِالثَّمَنِ ( قال الرَّبِيعُ ) وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ إنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَاسْتُحِقَّ بَعْضُهُ أَنَّ الصَّفْقَةَ بَاطِلَةٌ من قِبَلِ أنها جَمَعَتْ شَيْئَيْنِ احدهما حَرَامٌ وَالْآخَرَ حَلَالٌ فَبَطَلَتْ كُلُّهَا وَهَكَذَا الْخُلْعُ على عَبْدٍ اُسْتُحِقَّ بَعْضُهُ لِأَنَّ الْخُلْعَ بَيْعٌ من الْبُيُوعِ وَلَهُ مَهْرُ مِثْلِهَا وَالْعَبْدُ مَرْدُودٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَسَوَاءٌ كان لِلْمَرْأَةِ مِيرَاثٌ ( 1 ) أو كان الزَّوْجُ بِحَالِهِ أَصَابَ منه أَقَلَّ أو أَكْثَرَ أو مِثْلَ صَدَاقِ مِثْلِهَا أو الصَّدَاقُ الذي أَعْطَاهَا أو لم يَكُنْ إنَّمَا الْخُلْعُ كَالْبَيْعِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْخُلْعَ يَفْسُدُ فَيَرْجِعُ عليها بِمَهْرِ مِثْلِهَا كما يَرْجِعُ في الْبُيُوعِ الْفَائِتَةِ الْفَاسِدَةِ بِقِيمَةِ السِّلْعَةِ ( 2 ) مال ( ( ( ومال ) ) ) والميراث ( ( ( الميراث ) ) ) وهو لَا يَمْلِكُ حتى تَمُوتَ الْمَرْأَةُ وهو زَوْجٌ وَالْخُلْعُ الذي هو عِوَضٌ من الْبُضْعِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ خَلَعَ أبو الصَّبِيِّ أو الْمَعْتُوهِ أو وَلِيُّهُ عنه امْرَأَتَهُ أو أَبَا امْرَأَتِهِ فَالْخُلْعُ بَاطِلٌ وَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ وما أخذ ( ( ( أخذا ) ) ) من الْمَرْأَةِ أو وَلِيِّهَا على الْخُلْعِ فَهُوَ مَرْدُودٌ كُلُّهُ وَهِيَ امْرَأَتُهُ بِحَالِهَا وَكَذَلِكَ إنْ كان مَغْلُوبًا على عَقْلِهِ أو غير بَالِغٍ فَخَالَعَ عن نَفْسِهِ فَهِيَ امْرَأَتُهُ بِحَالِهَا وَكَذَلِكَ سَيِّدُ الْعَبْدِ إنْ خَالَعَ عن عَبْدِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِأَنَّ الْخُلْعَ طَلَاقٌ فَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ أَنْ يُطَلِّقَ عن أَحَدٍ أَبٍ وَلَا سَيِّدٍ وَلَا وَلِيٍّ وَلَا سُلْطَانٍ إنَّمَا يُطَلِّقُ الْمَرْءُ عن نَفْسِهِ أو يُطَلِّقُ عليه السُّلْطَانُ بِمَا لَزِمَهُ من نَفْسِهِ إذَا امْتَنَعَ هو أَنْ يُطَلِّقَ وكان مِمَّنْ له طَلَاقٌ وَلَيْسَ الْخُلْعُ من هذا الْمَعْنَى بِسَبِيلٍ - * الْخُلْعُ في الْمَرَضِ - *

(5/200)


- * ما يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِهِ الْخُلْعُ وما لَا يَجُوزُ - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ جِمَاعُ ما يَجُوزُ بِهِ الْخُلْعُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى كل ما وَقَعَ عليه الْخُلْعُ فَإِنْ كان يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَبِيعًا فَالْخُلْعُ بِهِ جَائِزٌ وَإِنْ كان لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَبِيعًا فَهُوَ مَرْدُودٌ وَكَذَلِكَ إنْ صَلَحَ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْجِرًا فَهُوَ كَالْمَبِيعِ ( قال ) وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يُخَالِعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بِخَمْرٍ أو خِنْزِيرٍ أو بِجَنِينٍ في بَطْنِ أُمِّهِ أو عَبْدٍ آبِقٍ أو طَائِرٍ في السَّمَاءِ أو حُوتٍ في مَاءٍ أو بِمَا في يَدِهِ أو بِمَا في يَدِهَا وَلَا يَعْرِفُ الذي هو في يَدِهِ أو بِثَمَرَةٍ لم يَبْدُ صَلَاحُهَا على أَنْ يَتْرُكَ أو بِعَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَلَا صِفَةٍ أو بِمِائَةِ دِينَارٍ إلَى مَيْسَرَةٍ إو إلَى ما شَاءَ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ أَجَلٍ مَعْلُومٍ أو ما في مَعْنَى هذا أو يُخَالِعُهَا بِحُكْمِهِ أو حكمها أو بِمَا شَاءَ فُلَانٌ أو بِمَالِهَا كُلِّهِ وهو لَا يَعْرِفُهُ أو بِمَا في بَيْتِهَا وهو لَا يَعْرِفُهُ ( قال ) وإذا وَقَعَ الْخُلْعُ على هذا فَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ لَا يُرَدُّ وَيَرْجِعُ عليها أَبَدًا بِمَهْرِ مِثْلِهَا وَكَذَلِكَ إنْ خَالَعَهَا على عبد رَجُلٍ أو دَارِ رَجُلٍ فَسَلَّمَ ذلك الرَّجُلُ الْعَبْدَ أو الدَّارَ لم يَجُزْ لِأَنَّ الْبَيْعَ كان لَا يَجُوزُ فِيهِمَا حين عُقِدَ وَهَكَذَا إنْ خَالَعَهَا على عَبْدٍ فَاسْتُحِقَّ أو وَجَدَ حُرًّا أو مُكَاتَبًا رَجَعَ عليها بِصَدَاقِ مِثْلِهَا لَا قِيمَةِ ما خَالَعَهَا عليه وَلَا ما أَخَذَتْ منه من الْمَهْرِ كما يشترى الشَّيْءَ شِرَاءً فَاسِدًا فَيَهْلِكُ في يَدَيْ الْمُشْتَرِي فَيَرْجِعُ الْبَائِعُ بِقِيمَةِ الشَّيْءِ الْمُشْتَرَى الْفَائِتِ لَا بِقِيمَةِ ما اشْتَرَاهُ بِهِ وَالطَّلَاقُ لَا يَرْجِعُ فَهُوَ كَالْمُسْتَهْلِكِ فَيَرْجِعُ بِمَا فَاتَ منه وَقِيمَةُ ما فَاتَ منه صَدَاقُ مِثْلِهَا كَقِيمَةِ السِّلْعَةِ الْفَائِتَةِ ( قال ) وَلَوْ اخْتَلَعَتْ منه بِعَبْدٍ فَاسْتُحِقَّ نِصْفُهُ أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ كان الزَّوْجُ بِالْخِيَارِ بين أَنْ يَأْخُذَ النِّصْفَ وَيَرْجِعَ عليها بِنِصْفِ مَهْرِ مِثْلِهَا أو يَرُدَّ الْعَبْدَ وَيَرْجِعَ عليها بِمَهْرِ مِثْلِهَا كَحُكْمِهِ لو اشْتَرَاهُ فَاسْتُحِقَّ نِصْفُهُ ( قال الرَّبِيعُ ) وَقَوْلُ الشَّافِعِيُّ الذي نَأْخُذُ بِهِ إنْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُهُ بَطَلَ كُلُّهُ وَرَجَعَ بِصَدَاقِ مِثْلِهَا ( قال ) وَكَذَلِكَ لو خَالَعَهَا على أَنَّهُ بَرِيءٌ من سُكْنَاهَا كان الطَّلَاقُ وَاقِعًا وكان ما اخْتَلَعَتْ بِهِ غير جَائِزٍ لِأَنَّ إخْرَاجَهَا من الْمَسْكَنِ مُحَرَّمٌ وَلَهَا السُّكْنَى وَيَرْجِعُ عليها بِمَهْرِ مِثْلِهَا وَلَوْ خَالَعَهَا على أَنَّ عليها رَضَاعَ ابْنِهَا وَقْتًا مَعْلُومًا كان جَائِزًا لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَصِحُّ على الرَّضَاعِ بِوَقْتٍ مَعْلُومٍ فَلَوْ مَاتَ الْمَوْلُودُ وقد مَضَى نِصْفُ الْوَقْتِ رَجَعَ عليها بِنِصْفِ مَهْرِ مِثْلِهَا وَلَوْ لم تُرْضِعْ الْمَوْلُودَ حتى مَاتَ أو انْقَطَعَ لَبَنُهَا أو هَرَبَتْ منه حتى مَضَى الرَّضَاعُ رَجَعَ عليها بِمَهْرِ مِثْلِهَا وَإِنَّمَا قُلْت إذَا مَاتَ الْمَوْلُودُ رَجَعَ عليها بِمَهْرِ مِثْلِهَا ولم أَقُلْ يَأْتِيهَا بِمَوْلُودٍ مِثْلِهِ تُرْضِعُهُ كما يَتَكَارَى منها الْمَنْزِلَ فَيُسْكِنُهُ غَيْرَهُ وَالدَّابَّةَ فَتَحْمِلُ عليها وَرَثَتُهُ غَيْرَهُ إذَا مَاتَ وَيَفْعَلُ ذلك هو وهو حَيٌّ لِأَنَّ إبْدَالَهُ مِثْلِهَا مِمَّنْ يَسْكُنُ سَكَنَهُ وَيَرْكَبُ رُكُوبَهُ سَوَاءٌ لَا يُفَرَّقُ السَّكَنُ وَلَا الدَّابَّةُ بَيْنَهُمَا وَأَنَّ الْمَرْأَةَ تُدِرُّ على الْمَوْلُودِ وَلَا تُدِرُّ على غَيْرِهِ وَيَقْبَلُ الْمَوْلُودُ ثَدْيَهَا وَلَا يَقْبَلُهُ غَيْرُهُ ويستمريه منها وَلَا يستمريه من غَيْرِهَا وَلَا تُرَى أُمَّهُ وَلَا تَطِيبُ نَفْسُهَا له وَلَيْسَ هذا في دَارٍ وَلَا دَابَّةٍ يَرْكَبُهَا رَاكِبٌ وَلَا يَسْكُنُهَا سَاكِنٌ ( قال ) وَلَوْ اخْتَلَعَتْ منه بان عليها ما يُصْلِحُ الْمَوْلُودَ من نَفَقَةٍ وَشَيْءٍ إنْ نَابَهُ وَقْتًا مَعْلُومًا لم يَجُزْ لِأَنَّ ما يَنُوبُهُ مَجْهُولٌ لِمَا يَعْرِضُ له من مَرَضٍ وَغَيْرِهِ وَكَذَلِكَ نَفَقَتُهُ إلَّا أَنْ تُسَمَّى مَكِيلَةً مَعْلُومَةً وَدَرَاهِمَ مَعْلُومَةً تَخْتَلِعُ منه بها وَيَأْمُرُهَا بِنَفَقَتِهَا عليه وَيَصْدُقُهَا بها أو يَدْفَعُهَا إلَى غَيْرِهِ أو يُوَكِّلُ غَيْرَهَا بها فَيَقْبِضُهَا في أَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ فَإِنْ وَكَّلَ غَيْرَهَا بِأَنْ يَقْبِضَهَا إذَا احْتَاجَ لم يَجُزْ لِأَنَّ حَاجَتَهُ قد تُقَدَّمُ وَتُؤَخَّرُ وَتَكْثُرُ وَتَقِلُّ وإذا لم يَجُزْ رَجَعَ عليها بِمَهْرِ مِثْلِهَا وَإِنْ قَبَضَ منها مع الشَّرْطِ الْفَاسِدِ شيئا لَا يَجُوزُ رَدُّهُ عليها أو مِثْلِهِ إنْ كان له مِثْلٌ أو قِيمَتُهُ إنْ لم يَكُنْ له مِثْلٌ ( قال ) وَهَكَذَا لو خَالَعَهَا على نَفَقَةٍ مَعْلُومَةٍ في وَقْتٍ مَعْلُومٍ وَأَنْ تُكَفِّنَهُ وَتَدْفِنَهُ إنْ مَاتَ أو نَفَقَتِهِ وَجُعْلِ طَبِيبٍ إنْ مَرِضَ لِأَنَّ هذا يَكُونُ وَلَا يَكُونُ وَتَكُونُ نَفَقَةُ الْمَرَضِ مَجْهُولَةً وَجُعْلُ الطَّبِيبِ فإذا أَنْفَقَتْ عليه رَجَعَتْ عليه بِالنَّفَقَةِ وَانْفَسَخَ الشَّرْطُ وكان عليها مَهْرُ مِثْلِهَا ( قال ) وَلَوْ خَالَعَهَا بِسُكْنَى دَارٍ لها سَنَة

(5/201)


مَعْلُومَةً أو خِدْمَةِ عَبْدٍ سَنَةً مَعْلُومَةً جَازَ الْخُلْعُ فَإِنْ انْهَدَمَتْ الدَّارُ أو مَاتَ الْعَبْدُ رَجَعَ عليها بِمَهْرِ مِثْلِهَا ( قال ) وَلَوْ اخْتَلَعَتْ منه بِمَا في بَيْتِهَا من مَتَاعٍ فَإِنْ تَصَادَقَا على أَنَّهُمَا كَانَا يَعْرِفَانِ جَمِيعَ ما في بَيْتِهَا وَلَا بَيْتَ لها غَيْرَهُ أو سَمَّيَا الْبَيْتَ بِعَيْنِهِ جَازَ وَإِنْ كَانَا أو أَحَدُهُمَا لَا يَعْرِفُهُ أو كان لها بَيْتٌ غَيْرُهُ فلم يُسَمِّيَا الْبَيْتَ وَإِنْ عَرَفَا ما فيه فَالْخُلْعُ جَائِزٌ وَلَهُ مَهْرُ مِثْلِهَا ( قال ) وَإِنْ اخْتَلَعَتْ منه بِالْحِسَابِ الذي كان بَيْنَهُمَا فَإِنْ كانت تَعْرِفُهُ وَيَعْرِفُهُ جَازَ وَإِنْ كَانَا يَجْهَلَانِهِ وَقَعَ الْخُلْعُ وَلَهُ عليها مَهْرُ مِثْلِهَا وَإِنْ عَرَفَهُ أَحَدُهُمَا وَادَّعَى الْآخَرُ جَهَالَتَهُ تَحَالَفَا وَلَهُ مَهْرُ مِثْلِهَا وَإِنْ عَرَفَاهُ فَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ كان في الْبَيْتِ شَيْءٌ فَأُخْرِجَ منه أو الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لم يَكُنْ في الْبَيْتِ شَيْءٌ فَأَدْخَلَهُ تَحَالَفَا وَلَهُ عليها مَهْرُ مِثْلِهَا - * الْمَهْرُ الذي مع الْخُلْعِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اخْتَلَعَتْ الْمَرْأَةُ من زَوْجِهَا بِعَبْدٍ بِعَيْنِهِ فلم تَدْفَعْهُ إلَيْهِ حتى مَاتَ الْعَبْدُ رَجَعَ عليها بِمَهْرِ مِثْلِهَا كما يَرْجِعُ لو اشْتَرَاهُ منها فَمَاتَ قبل أَنْ يَقْبِضَهُ رَجَعَ عليها بِثَمَنِهِ الذي قَبَضَتْ منه وَيُنْتَقَضُ فيه الْبَيْعُ وَلَوْ قَبَضَهُ منها ثُمَّ غَصَبَتْهُ إيَّاهُ أو قَتَلَتْهُ كان له عليها قِيمَتُهُ وكان كَعَبْدٍ له لم تَمْلِكْهُ قَطُّ جَنَتْ عليه أو غَصَبَتْهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَلِكَ لو اخْتَلَعَتْ منه على دَابَّةٍ أو ثَوْبٍ أو عَرَضٍ فَمَاتَ او تَلِفَ رَجَعَ عليها بِمَهْرِ مِثْلِهَا وَلَوْ اخْتَلَعَتْ منه على دَارٍ فَاحْتَرَقَتْ قبل أَنْ يَقْبِضَهَا كان له الْخِيَارُ في أَنْ يَرْجِعَ بِمَهْرِ مِثْلِهَا أو تَكُونَ له الْعَرْصَةُ بِحِصَّتِهَا من الثَّمَنِ فَإِنْ كانت حِصَّتُهَا من الثَّمَنِ النِّصْفَ كانت له بِهِ وَرَجَعَ عليها بِنِصْفِ مَهْرِ مِثْلِهَا ( قال ) وَلَوْ اخْتَلَعَتْ منه بِعَبْدٍ مَعِيبٍ فَرَدَّهُ بِالْعَيْبِ رَجَعَ عليها بِمَهْرِ مِثْلِهَا وَلَوْ خَالَعَتْهُ على ثَوْبٍ وَشَرَطَتْ أَنَّهُ هَرَوِيٌّ فإذا هو غَيْرُ هَرَوِيٍّ فَرَدَّهُ بِأَنَّهُ ليس كما شَرَطَتْ رَجَعَ عليها بِالْمَهْرِ وَالْخُلْعُ في كل ما وَصَفْت كَالْبَيْعِ لَا يَخْتَلِفُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا خَالَعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ دخل بها أو لم يَدْخُلْ بها قَبَضَتْ منه الصَّدَاقَ أو لم تَقْبِضْهُ فَالْخُلْعُ جَائِزٌ فَإِنْ كانت خَالَعَتْهُ على دَارٍ أو دَابَّةٍ أو عَبْدٍ بِعَيْنِهِ أو شَيْءٍ أو دَنَانِيرَ مُسَمَّاةٍ أو شَيْءٍ يَجُوزُ عليه الْخُلْعُ ولم يذكر وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْمَهْرَ فَالْخُلْعُ جَائِزٌ وَلَا يَدْخُلُ الْمَهْرُ في شَيْءِ منه فَإِنْ كان دَفَعَ إلَيْهَا الْمَهْرَ وقد دخل بها فَهُوَ لها لَا يَأْخُذُ منه شيئا وَإِنْ لم يَكُنْ دَفَعَ إلَيْهَا فَالْمَهْرُ لها عليه وَإِنْ كان لم يَدْخُلْ بها وقد دَفَعَ الْمَهْرَ إلَيْهَا رَجَعَ عليها بِنِصْفِ الْمَهْرِ وَإِنْ كان لم يَدْفَعْ منه شيئا إلَيْهَا أَخَذَتْ منه نِصْفَ الْمَهْرِ وَإِنْ كان الْمَهْرُ فَاسِدًا أَخَذَتْ منه نِصْفَ مَهْرِ مِثْلِهَا ( قال ) وَالْخُلْعُ وَالْمُبَارَأَةُ وَالْفِدْيَةُ سَوَاءٌ كُلُّهُ في هذا إذَا أُرِيدَ بِهِ الْفِرَاقُ وَلَا يَخْتَلِفُ وَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ على شَيْءٍ مَوْصُوفٍ ( قال ) وَإِنْ تَخَالَعَا وقد سَمَّى لها صَدَاقًا ولم يَذْكُرَاهُ فَهُوَ كما وَصَفْتُ لها الصَّدَاقُ إنْ دخل وَنِصْفُهُ إنْ لم يَدْخُلْ فَإِنْ كان الصَّدَاقُ فَاسِدًا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا إنْ دخل وَنِصْفُ مَهْرِ مِثْلِهَا إنْ لم يَدْخُلْ وَإِنْ لم يَكُنْ سمي صَدَاقًا فَلَهَا الْمُتْعَةُ وَالْخُلْعُ جَائِزٌ ( قال ) فَإِنْ قالت أُبَارِئُك على مِائَةِ دِينَارٍ وَأَدْفَعُهَا إلَيْك فَهُوَ كَقَوْلِهَا أُخَالِعُكَ وَإِنْ قالت أُبَارِئُك على مِائَةِ دِينَارٍ على أَنْ لَا تَبَاعَةَ لِوَاحِدٍ مِنَّا على صَاحِبِهِ فَتَصَادَقَا على الْبَرَاءَةِ من الصَّدَاقِ جَازَ وَإِنْ لم يَتَصَادَقَا وَأَرَادَ الْبَرَاءَةَ من الصَّدَاقِ وَقَالَتْ لم أُبَرِّئْك منه تَحَالَفَا وكان لها مَهْرُ مِثْلِهَا وَلَيْسَ هذا كَالْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا الْمُبَارَأَةُ ها هنا مُطْلَقَةٌ على الْمُبَارَأَةِ من عَقْدِ النِّكَاحِ وَالْمُبَارَأَةُ ها هنا على أَنْ لَا تَبَاعَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا على صَاحِبِهِ تَحْتَمِلُ عَقْدَ النِّكَاحِ وَالْمَالِ فَلِذَلِكَ جَعَلْنَا هذا مُبَارَأَةً مَجْهُولَةً وَرَدَدْنَاهَا إلَى مَهْرِ مِثْلِهَا فيها إذَا تَنَاكَرَا في الصَّدَاقِ - * الْخُلْعُ على الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ فَيَتْلَفُ - *

(5/202)


- * خُلْعُ الْمَرْأَتَيْنِ - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت لِلرَّجُلِ امْرَأَتَانِ فَقَالَتَا له طَلِّقْنَا مَعًا بِأَلْفٍ لَك عَلَيْنَا فَطَلَّقَهُمَا في ذلك الْمَجْلِسِ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ وهو بَائِنٌ لَا يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ وَالْقَوْلُ في الْأَلْفِ وَاحِدٌ من قَوْلَيْنِ فَمَنْ أَجَازَ أَنْ يَنْكِحَ امْرَأَتَيْنِ مَعًا بِمَهْرٍ مُسَمًّى فَيَكُونَ بَيْنَهُمَا على قَدْرِ مَهْرِ مِثْلِهِمَا أَجَازَ هذا وَجَعَلَ على كل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا من الْأَلْفِ بِقَدْرِ مَهْرِ مِثْلِهَا كان مَهْرُ مِثْلِ إحْدَاهُمَا مِائَةً وَالْأُخْرَى مِائَتَيْنِ فَعَلَى التي مَهْرُ مِثْلِهَا مِائَةٌ ثُلُثُ الْأَلْفِ وَاَلَّتِي مَهْرُ مِثْلِهَا مِائَتَانِ ثُلُثَاهَا ( قال ) وَمَنْ قال هذا قال فَإِنْ طَلَّقَ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى في وَقْتِ الْخِيَارِ وَقَعَ عليها الطَّلَاقُ وَكَانَتْ عليها حِصَّتُهَا من الْأَلْفِ ثُمَّ إنْ طَلَّقَ الْأُخْرَى قبل مُضِيِّ وَقْتِ الْخِيَارِ لَزِمَهَا الطَّلَاقُ وَكَانَتْ عليها حِصَّتُهَا من الْأَلْفِ وَإِنْ مَضَى وَقْتُ الْخِيَارِ فَطَلَّقَهَا لَزِمَهَا الطَّلَاقُ وهو يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ وَلَا شَيْءَ له من الْأَلْفِ ( 1 ) وَلَوْ طَلَّقَ إحْدَاهُمَا في وَقْتِ الْخِيَارِ ولم يُطَلِّقْ الْأُخْرَى حتى يَمْضِيَ وَقْتُ الْخِيَارِ لَزِمَ التي طَلَّقَ في وَقْتِ الْخِيَارِ حِصَّتُهَا من الْأَلْفِ وكان طَلَاقًا بَائِنًا ولم يَلْزَمْ التي طَلَّقَ بَعْدَ وَقْتِ الْخِيَارِ شَيْءٌ وكان يَمْلِكُ في طَلَاقِهَا الرَّجْعَةَ ( قال ) وَلَهُ أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا في وَقْتِ الْخِيَارِ وَلَا بَعْدُ وَإِنْ أَرَادَتَا الرُّجُوعَ فِيمَا جَعَلَتَا له في وَقْتِ الْخِيَارِ لم يَكُنْ لَهُمَا وَكَذَلِكَ لو قال هو لَهُمَا إنْ أَعْطَيْتُمَانِي أَلْفًا فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ لم يَكُنْ ذلك له في وَقْتِ الْخِيَارِ فإذا مَضَى فَأَعْطَيَاهُ أَلْفًا لم يَكُنْ عليه أَنْ يُطَلِّقَهُمَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يَبْتَدِئَ لَهُمَا طَلَاقًا ( قال ) وَإِنْ قَالَتَا طَلِّقْنَا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهُمَا ثُمَّ ارْتَدَّتَا لَزِمَتْهُمَا الْأَلْفُ بِالطَّلَاقِ وَأُخِذَتْ مِنْهُمَا ( قال ) وَلَوْ قَالَتَا هذا له ثُمَّ ارْتَدَّتَا فَطَلَّقَهُمَا بَعْدَ الرِّدَّةِ وَقَفَ الطَّلَاقُ فَإِنْ رَجَعَتَا إلَى الْإِسْلَامِ في الْعِدَّةِ لَزِمَتْهُمَا وَكَانَتَا طَالِقَيْنِ بِاثْنَتَيْنِ لَا يَمْلِكُ رَجْعَتَهُمَا وَعِدَّتُهُمَا من يَوْمِ تَكَلَّمَ بِالطَّلَاقِ لَا من يَوْمِ ارْتَدَّتَا وَلَا من يَوْمِ رَجَعَتَا إلَى الْإِسْلَامِ وَإِنْ لم تَرْجِعَا إلَى الْإِسْلَامِ حتى تَمْضِيَ الْعِدَّةُ أو تُقْتَلَا أو تَمُوتَا لم يَقَعْ الطَّلَاقُ ولم يَكُنْ له من الْأَلْفِ شَيْءٌ ( قال ) وَلَوْ كانت لِرَجُلٍ امْرَأَتَانِ مَحْجُورَتَانِ فَقَالَتَا طَلِّقْنَا على أَلْفٍ فَطَلَّقَهُمَا فَالطَّلَاقُ لَازِمٌ وهو يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ إذَا لم يَكُنْ جاء على طَلَاقِهِمَا كُلِّهِ وَلَا شَيْءَ له عَلَيْهِمَا من الْأَلْفِ ( قال ) وَإِنْ كانت إحْدَاهُمَا مَحْجُورًا عليها وَالْأُخْرَى غير مَحْجُورٍ عليها لَزِمَهُمَا الطَّلَاقُ وَطَلَاقُ غَيْرِ الْمَحْجُورِ عليها جَائِزٌ بَائِنٌ وَعَلَيْهَا حِصَّتُهَا من الْأَلْفِ وَطَلَاقُ الْمَحْجُورِ عليها يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ إذَا أَبْطَلَتْ مَالَهُ بِكُلِّ حَالٍ جَعَلَتْ الطَّلَاقَ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَإِنْ كان أَرَادَ هو أَنْ لَا يَمْلِكَ الرَّجْعَةَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً بَائِنٌ كانت وَاحِدَةً يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ ( قال ) وَلَوْ كانت امْرَأَتُهُ أَمَةً فَخَالَعَهَا كانت التَّطْلِيقَةُ بَائِنًا وَلَا شَيْءَ عليها ما كانت مَمْلُوكَةً إذَا لم يَأْذَنْ لها السَّيِّدُ وَيَتْبَعْهَا بِالْخُلْعِ إذَا عَتَقَتْ وَإِنَّمَا أَبْطَلْته عنها في الرِّقِّ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ شيئا كما أَبْطَلْته عن الْمُفْلِسِ حتى يُوسِرَ فَلَوْ خَلَعَ رَجُلٌ امْرَأَةً له مُفْلِسَةً كان الْخُلْعُ في ذِمَّتِهَا إذَا أَيْسَرَتْ لِأَنِّي لم أُبْطِلْهُ من جِهَةِ الْحَجْرِ فَيَبْطُلُ بِكُلِّ حَالٍ ( قال ) وإذا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ اخْتَلِعِي على أَلْفٍ على أَنْ أُعْطِيَك هذا الْعَبْدَ ففعل فَمَنْ أَجَازَ نِكَاحًا وَبَيْعًا مَعًا أَجَازَ هذا الْخُلْعَ وَجَعَلَ الْعَبْدَ مَبِيعًا وَمَهْرُ مِثْلِهَا بِأَلْفٍ كَأَنَّ قِيمَةَ الْعَبْدِ أَلْفٌ وَقِيمَةَ مَهْرِ مِثْلِهَا أَلْفٌ فَالْعَبْدُ مَبِيعٌ بِخَمْسِمِائَةٍ فإذا وَجَدَتْ بِهِ عَيْبًا فَمَنْ قال إذَا جَمَعَتْ الصَّفْقَةُ شَيْئَيْنِ لم يُرَدَّا إلَّا مَعًا فَرَدَّتْ الْعَبْدَ رَجَعَ عليها بِمَهْرِ مِثْلِهَا وكان لها الْأَلْفُ يُحَاصُّهَا بها وَمَنْ قال إذَا جَمَعَتْ الصَّفْقَةُ شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ رُدَّ أَحَدُهُمَا بِعَيْبِهِ بِحِصَّتِهِ من الثَّمَنِ رَدَّهُ بِخَمْسِمِائَةٍ ( قال ) وقد يَفْتَرِقُ هذا وَالْبَيْعُ لِأَنَّ أَصْلَ ما عُقِدَ هذا عليه أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يُرَدُّ بِحَالٍ فَيَجُوزُ لِمَنْ قال لَا يُرَدُّ الْبَيْعُ إلَّا مَعًا أَنْ يُرَدَّ الْعَبْدُ بِخَمْسِمِائَة

(5/203)


من الثَّمَنِ وَيُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْعِ ( قال ) وإذا كانت لِلرَّجُلِ امْرَأَتَانِ فقالت إحْدَاهُمَا طَلِّقْنِي وَفُلَانَةَ على أَنَّ لَك عَلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ أو عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَفَعَلَ فَالْأَلْفُ لِلَّتِي خَاطَبَهُ لَازِمَةٌ يَتْبَعُهَا بها وَهَكَذَا لو قال ذلك له أَجْنَبِيٌّ فَإِنْ طَلَّقَ التي لم تُخَاطِبْهُ وَأَمْسَكَ التي خَاطَبَتْهُ لَزِمَتْ الْمُخَاطَبَةَ حِصَّةُ التي طَلُقَتْ من الصَّدَاقِ على ما وَصَفْت من أَنْ يَقْسِمَ الصَّدَاقَ على مَهْرِ مِثْلِهَا فَيُلْزِمُهَا حِصَّةَ مَهْرِ مِثْلِ مُطَلَّقَةٍ ( قال ) وَهَكَذَا لو قال هذا له أَجْنَبِيٌّ ( قال ) وإذا كان لِرَجُلٍ امْرَأَتَانِ فقالت له إحْدَاهُمَا لَك عَلَيَّ إنْ طَلَّقْتَنِي أَلْفٌ وَحَبَسْت صَاحِبَتِي فلم تُطَلِّقْهَا أَبَدًا فَطَلَّقَهَا كان له عليها مَهْرُ مِثْلِهَا لِفَسَادِ الشَّرْطِ في حَبْسِ صَاحِبَتِهَا أَبَدًا وهو مُبَاحٌ له أَنْ يُطَلِّقَهَا ( قال ) وَلَوْ قالت لَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ على أَنْ تُطَلِّقَ صَاحِبَتِي وَلَا تُطَلِّقَنِي أَبَدًا فَأَخَذَهَا رَجَعَتْ بها عليه وكان له أَنْ يُطَلِّقَهَا وَلَوْ قالت لَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ على أَنْ تُطَلِّقَ صَاحِبَتِي وَلَا تُطَلِّقَنِي أَبَدًا فَطَلَّقَ صَاحِبَتَهَا كان له عليها مِثْلُ مَهْرِ صَاحِبَتِهَا كان أَقَلَّ من أَلْفٍ أو أَكْثَرَ ولم تَكُنْ له الْأَلْفُ لِفَسَادِ الشَّرْطِ وكان له أَنْ يُطَلِّقَهَا مَتَى شَاءَ ( قال ) وَلَوْ قالت له لَك على أَلْفُ دِرْهَمٍ على أَنْ تُطَلِّقَنِي وَصَاحِبَتِي فَطَلَّقَهُمَا لَزِمَتْهَا الْأَلْفُ وَإِنْ طَلَّقَ إحْدَاهُمَا كان له من الْأَلْفِ بِقَدْرِ حِصَّةِ مَهْرِ مِثْلِ الْمُطَلَّقَةِ مِنْهُمَا ( قال وَالْقَوْلُ الثَّانِي ) أَنَّ رَجُلًا لو كانت له امْرَأَتَانِ فَأَعْطَتَاهُ أَلْفًا على أَنْ يُطَلِّقَهُمَا فَطَلَّقَهُمَا كان له عَلَيْهِمَا مُهُورُ أَمْثَالِهِمَا ولم يَكُنْ له من الْأَلْفِ شَيْءٌ وَكَذَلِكَ لو أَعْطَتْهُ وَاحِدَةٌ أَلْفَ دِرْهَمٍ على أَنْ يُطَلِّقَهَا وَيُعْطِيَهَا عَبْدًا له لم يَكُنْ لها الْعَبْدُ وكان له عليها مَهْرُ مِثْلِهَا وَأَصْلُ هذا إذَا كان مع طَلَاقِ وَاحِدَةٍ شَيْءٌ غَيْرُ طَلَاقِهَا أو شَيْءٌ تَأْخُذُهُ مع طَلَاقِهَا كان الشَّرْطُ بَاطِلًا وَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ وَرَجَعَ عليها بِمَهْرِ مِثْلِهَا وَأَصْلُ هذا إذَا كان مع شَيْءٍ تَأْخُذُهُ مع طَلَاقِهَا في هذه الْوُجُوهِ كُلِّهَا ( قال ) وما أَعْطَتْهُ الْمَرْأَةُ عن نَفْسِهَا أو أَعْطَاهُ أَجْنَبِيٌّ عنها أَنْ يُطَلِّقَهَا فَسَوَاءٌ إذَا كان ما أَعْطَاهُ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَ تَمَّ له وَجَازَ الطَّلَاقُ وإذا كان مِمَّا لَا يَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَ رَجَعَ عليها إنْ كانت الْمُعْطِيَةُ عن نَفْسِهَا أو غَيْرِهَا أو أَعْطَتْ عن غَيْرِهَا أو أَعْطَى عنها أَجْنَبِيٌّ ما لَزِمَهَا من ذلك في نَفْسِهَا لَزِمَهَا في غَيْرِهَا وما لَزِمَهَا في نَفْسِهَا لَزِمَ الْأَجْنَبِيَّ فيها إذَا أَعْطَاهُ عنها لَا يَفْتَرِقُ ذلك كما يَلْزَمُ ما يُؤْخَذُ في الْبُيُوعِ ( قال ) وإذا قالت الْمَرْأَةُ لِلرَّجُلِ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا وَلَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَلَهُ الْأَلْفُ وَإِنْ طَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُ ثُلُثَا الْأَلْفِ وَإِنْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَلَهُ ثُلُثُ الْأَلْفِ وَالطَّلَاقُ بَائِنٌ في الْوَاحِدَةِ وَالثِّنْتَيْنِ ( قال ) وَلَوْ لم يَبْقَ له عليها من الطَّلَاقِ إلَّا وَاحِدَةٌ فقالت له طَلِّقْنِي ثَلَاثًا وَلَك أَلْفُ دِرْهَمٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً كانت له الْأَلْفُ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ تَقُومُ مَقَامَ الثَّلَاثِ في أَنْ تُحَرِّمَهَا عليه حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ( قال ) وَلَوْ كانت بَقِيَتْ له عليها اثْنَتَانِ فقالت له طَلِّقْنِي ثَلَاثًا وَلَك أَلْفُ دِرْهَمٍ فَطَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ كانت له الْأَلْف لِأَنَّهَا تُحَرَّمُ عليه بِالِاثْنَتَيْنِ حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَلَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً كان له ثُلُثَا الْأَلْفِ لِأَنَّهَا تَبْقَى معه بِوَاحِدَةٍ وَلَا تُحَرَّمُ عليه حتى يُطَلِّقَهَا إيَّاهَا فَلَا تَأْخُذُ أَكْثَرَ من حِصَّتِهَا من الْأَلْفِ ( قال ) وَلَوْ قالت طَلِّقْنِي وَاحِدَةً بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا كانت له الْأَلْفُ وكان مُتَطَوِّعًا بِالثِّنْتَيْنِ اللَّتَيْنِ زَادَهُمَا ( قال ) وَلَوْ قالت له إنْ طَلَّقْتنِي وَاحِدَةً فَلَكَ أَلْفٌ أو أَلْفَانِ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً كان له مَهْرُ مِثْلِهَا لِأَنَّ الطَّلَاقَ لم يَنْعَقِدْ على شَيْءٍ مَعْلُومٍ وَكَذَلِكَ لو قالت لي الْخِيَارُ أَنْ أُعْطِيَك أَلْفًا لَا أُنْقِصَك منها أو أَلْفَيْنِ أو لَك الْخِيَارُ أو لي وَلَك الْخِيَارُ ( قال ) وَلَوْ كانت بَقِيَتْ عليها وَاحِدَةٌ من الطَّلَاقِ فقالت طَلِّقْنِي ثَلَاثًا وَاحِدَةً أُحَرَّمُ بها وَاثْنَتَيْنِ إنْ نَكَحْتنِي بَعْدَ الْيَوْمِ كان له مَهْرُ مِثْلِهَا إذَا طَلَّقَهَا كما قالت ( قال ) وَلَوْ قالت له إنْ طَلَّقْتنِي فَعَلَيَّ أَنْ أُزَوِّجَك امْرَأَةً تُغْنِيك وَأُعْطِيَك صَدَاقَهَا أو أَيَّ امْرَأَةٍ شِئْت وَأُعْطِيَك صَدَاقَهَا وَسَمَّتْ صَدَاقَهَا أو لم تُسَمِّهِ فَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ وَلَهُ مَهْرُ مِثْلِهَا وَإِنَّمَا مَنَعَنِي أَنْ أُجِيزَهُ إذَا سَمَّتْ الْمَهْرَ أنها ضَمِنَتْ له تَزْوِيجَ امْرَأَةٍ قد لَا تُزَوِّجُهُ فَفَسَدَ الشَّرْطُ فإذا فَسَدَ فَإِنَّمَا له مَهْرُ مِثْلِهَا ( قال ) وَهَكَذَا لو قالت له إنْ طَلَّقْتنِي وَاحِدَةً فَلَكَ أَلْفٌ وَلَك أن خَطَبْتنِي أَنْ أَنْكِحَك بِمِائَةٍ
____________________

(5/204)


فَطَلَّقَهَا فَلَهُ مَهْرُ مِثْلِهَا وَلَا يَكُونُ له عليها أَنْ تَنْكِحَهُ إنْ طَلَّقَهَا قال وَهَكَذَا لو قالت له طَلِّقْنِي وَلَك أَلْفٌ وَلَك أَنْ لَا أَنْكِحَ بَعْدَك أَبَدًا فَطَلَّقَهَا فَلَهُ مَهْرُ مِثْلِهَا وَلَهَا أَنْ تَنْكِحَ من شَاءَتْ ( قال ) وإذا وَكَّلَ الزَّوْجُ في الْخُلْعِ فَالْوَكَالَةُ جَائِزَةٌ وَالْخُلْعُ جَائِزٌ فَمَنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا بِمَالٍ أو خُصُومَةٍ جَازَ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا بِالْخُلْعِ لِلرَّجُلِ وَلِلْمَرْأَةِ مَعًا وَسَوَاءٌ كان الْوَكِيلُ حُرًّا أو عَبْدًا أو مَحْجُورًا أو رَشِيدًا أو ذِمِّيًّا كُلُّ هَؤُلَاءِ تَجُوزُ وَكَالَتُهُ ( قال ) وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ غير بَالِغٍ وَلَا مَعْتُوهًا فَإِنْ فَعَلَ فَالْوَكَالَةُ بَاطِلَةٌ إذَا كان هَذَانِ لَا حُكْمَ لِكِلَيْهِمَا على أَنْفُسِهِمَا فِيمَا لِلَّهِ عز وجل وللادميين فَلَا يَلْزَمُهُمَا لم يَجُزْ أَنْ يَكُونَا وَكِيلَيْنِ يَلْزَمُ غَيْرَهُمَا بِهِمَا قَوْلٌ ( قال ) وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يسمى الْمُوَكِّلَانِ ما يَبْلُغُ الْوَكِيلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الرَّجُلُ بِأَنْ يَقُولَ وَكَّلْته بِكَذَا لَا يُقْبَلُ أَقَلُّ منه وَالْمَرْأَةُ بِأَنْ يعطى عنها وَكِيلُهَا كَذَا لَا يُعْطَى أَكْثَرَ منه ( قال ) وَإِنْ لم يَفْعَلَا جَازَتْ وَكَالَتُهُمَا وَجَازَ لَهُمَا ما يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ وَرُدَّ من فِعْلِهِمَا ما يُرَدُّ من فِعْلِ الْوَكِيلِ فَإِنْ أَخَذَ وَكِيلُ الرَّجُلِ من الْمَرْأَةِ أو وَكِيلِهَا أَقَلَّ من مَهْرِ مِثْلِهَا فَشَاءَ الْمُوَكِّلُ أَنْ يَقْبَلَهُ وَيُجَوِّزُ عليه الْخُلْعَ فَيَكُونُ الطَّلَاقُ فيه بَائِنًا فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَرُدَّهُ فَعَلَ فإذا رَدَّهُ فَالطَّلَاقُ فيه جَائِزٌ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وهو في هذه الْحَالِ في حُكْمِ من اخْتَلَعَ من مَحْجُورٍ عليها لَا أَنَّهُ قِيَاسٌ عليه ( قال ) وَكَذَلِكَ إنْ خَالَعَهَا بِعَرَضٍ أو بِدَيْنٍ فَشَاءَ أَنْ يَكُونَ له الدَّيْنُ ما كان كان له وَإِنْ شَاءَ أَنْ لَا يَكُونَ له وَيَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ ثُمَّ يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ كان ( قال ) وَإِنْ أَخَذَ وَكِيلُ الرَّجُلِ من الْمَرْأَةِ نَفْسِهَا أَكْثَرَ من مَهْرِ مِثْلِهَا جَازَ الْخُلْعُ وكان قد ازْدَادَ لِلَّذِي وَكَّلَهُ ( قال ) وَإِنْ أَعْطَى وَكِيلُ الْمَرْأَةِ عنها الزَّوْجَ نَفْسَهُ مَهْرَ مِثْلِهَا أو أَقَلَّ نَقْدًا أو دَيْنًا جَازَ عليها وَإِنْ أَعْطَى عليها دَيْنًا أَكْثَرَ من مَهْرِ مِثْلِهَا فَشَاءَتْ لَزِمَهَا وَتَمَّ الْخُلْعُ وَإِنْ شَاءَتْ رُدَّ عليها كُلُّهُ وَلَزِمَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وكان حُكْمُهَا حُكْمَ امْرَأَةٍ اخْتَلَعَتْ بِمَا لَا يَجُوزُ أو بِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَتَلِفَ فَيَلْزَمُهَا مَهْرُ مِثْلِهَا نَقْدًا يَجُوزُ في الْخُلْعِ ما يَجُوزُ في الْبَيْعِ وَلَا يَلْزَمُ الزَّوْجُ أَنْ يُؤْخَذَ له عَرَضٌ وَلَا دَيْنٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ وَلَا الْمَرْأَةُ ان يُعْطَى عليها عَرَضٌ وَيُعْطَى عليها دَيْنُ مِثْلٍ أو أَقَلُّ من مَهْرِ مِثْلِهَا نَقْدًا وَإِنَّمَا لَزِمَهَا أنها إنْ شَاءَتْ أَدَّتْهُ نَقْدًا وَإِنْ شَاءَتْ حَسِبَتْهُ فَاسْتَفْضَلَتْ تَأْخِيرَهُ ولم تَزِدْ عليها في عَدَدِهِ فَلَا يَكُونُ الْخُلْعُ لِوَكِيلٍ إلَّا بِدَنَانِيرَ أو دَرَاهِمَ كما لَا يَكُونُ الْبَيْعُ لِوَكِيلٍ إلَّا بِدَنَانِيرَ أو دَرَاهِمَ ( قال ) وَلَا يَغْرَمُ وَكِيلُ الْمَرْأَةِ وَلَا الرَّجُلِ شيئا وَإِنْ تَعَدَّيَا إلَّا أَنْ يعطى وَكِيلُ الْمَرْأَةِ أَكْثَرَ من مَهْرِ مِثْلِهَا فَيَتْلَفُ ما أَعْطَى فَيَضْمَنُ الْفَضْلَ من مَهْرِ مِثْلِهَا فَأَمَّا إذَا كان قَائِمًا بِعَيْنِهِ في يَدِ الزَّوْجِ فَيَنْتَزِعُ منه لَا يَغْرَمُ الْوَكِيلُ وَلَا يُشْبِهُ هذا الْبُيُوعَ وَذَلِكَ أَنَّهُ إنْ وَكَّلَهُ بِسِلْعَةٍ فَاشْتَرَاهَا بِأَكْثَرَ من ثَمَنِ مِثْلِهَا لَزِمَتْهُ السِّلْعَةُ بَيْعًا لِنَفْسِهِ وَأَخَذَ منه الْمُوَكِّلُ الثَّمَنَ الذي أَعْطَاهُ إنْ لم يَخْتَرْ أَخْذَ السِّلْعَةِ وَالْوَكِيلُ لَا يَمْلِكُ الْمَرْأَةَ وَلَا يَرُدُّ الطَّلَاقَ بِحَالٍ وَطَلَاقُهَا كَشَيْءٍ اشْتَرَاهُ لها فَاسْتَهْلَكَتْهُ فإذا كان الثَّمَنُ مَجْهُولًا أو فَاسِدًا ضَمِنَتْ قِيمَتَهُ ولم يَضْمَنْهَا الْوَكِيلُ ( قال ) وَلَوْ وَكَّلَهُ رَجُلٌ بِأَنْ يَأْخُذَ من امْرَأَتِهِ مِائَةً وَيُخَالِعَهَا فَأَخَذَ منها خَمْسِينَ لم يَجُزْ الْخُلْعُ وَكَانَتْ امْرَأَتُهُ بِحَالِهَا كما لو قال لها إنْ أَعْطَيْتنِي مِائَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَعْطَتْهُ خَمْسِينَ لم تَكُنْ طَالِقًا وَلَوْ وَكَّلَتْ هِيَ رَجُلًا على أَنْ يُعْطِيَ عنها مِائَةً على أَنْ يُطَلِّقَهَا زَوْجُهَا فَأَعْطَى عنها مِائَتَيْنِ فَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا بِالْمِائَتَيْنِ فَإِنْ قال الْوَكِيلُ لَك مِائَتَا دِينَارٍ على أَنْ تُطَلِّقَهَا فَطَلَّقَهَا فَالْمِائَتَانِ لَازِمَةٌ لِلْوَكِيلِ تُؤْخَذُ منها الْمِائَةُ التي وَكَّلَتْهُ بها وَمِائَةً بِضَمَانِهِ إيَّاهَا وَإِنْ كان قال له لَك مِائَتَا دِينَارٍ من مَالِ فُلَانَةَ لَا أَضْمَنُهَا لَك أو قَالَهُ وَسَكَتَ فَفَعَلَ فَطَلَّقَهَا لَزِمَهَا الْأَكْثَرُ من الْمِائَةِ التي وَكَّلَتْ بها الْوَكِيلَ أو مَهْرِ مِثْلِهَا ولم يَلْزَمْهَا ما زَادَ على ذلك من الْمِائَتَيْنِ وَلَا الْوَكِيلُ لِأَنَّهُ لم يَضْمَنْ له شيئا وَلَوْ كان الْوَكِيلُ قال له طَلِّقْهَا على أَنْ أُسَلِّمَ لَك مِائَتَيْ دِينَارٍ من مَالِهَا فَالْوَكِيلُ ضَامِنٌ إنْ لم تُسَلِّمْ ذلك له الْمَرْأَةُ أَخَذَ الزَّوْجُ من مَالِ الْمَرْأَةِ الْأَكْثَرَ من مِائَةِ دِينَارٍ وَمَهْرِ مِثْلِهَا وَرَجَعَ على الْوَكِيلِ بِالْفَضْلِ عن ذلك حتى يَسْتَوْفِيَ مِائَتَيْ دِينَارٍ وَلَوْ أَفْلَسَتْ الْمَرْأَةُ كانت الْمِائَتَا الدِّينَارُ له على الْوَكِيلِ
____________________

(5/205)


بِالضَّمَانِ بِتَسْلِيمِ الْمِائَتَيْنِ وَلَوْ كان مَكَانَ الْوَكِيلِ أَبٌ أو أُمٌّ أو وَلِيٌّ أو أَجْنَبِيٌّ لم تُوَكِّلْهُ وَلَا وَاحِدًا منهم فقال لِلزَّوْجِ اخْلَعْهَا على أَنْ أُسَلِّمَ لَك من مَالِهَا مِائَتَيْ دِينَارٍ فَفَعَلَ الزَّوْجُ ثُمَّ رَجَعَ كان له عليه مِائَتَا دِينَارٍ ولم يَرْجِعْ الْمُتَطَوِّعُ بِالضَّمَانِ عنها عليها بِشَيْءٍ لِأَنَّهَا لم تُوَكِّلْهُ بِأَنْ يُخَالِعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا - * مُخَاطَبَةُ الْمَرْأَةِ بِمَا يَلْزَمُهَا من الْخُلْعِ وما لَا يَلْزَمُهَا - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ إذَا دَفَعْت إلَيَّ أَلْفًا فَدَفَعَتْ إلَيْهِ شيئا رَهْنًا قِيمَتُهُ أَكْثَرُ من أَلْفٍ لم تَطْلُقْ وَلَا تَطْلُقُ إلَّا بِأَنْ تَدْفَعَ إلَيْهِ الْأَلْفَ ( قال ) وَلَوْ قال لها إنْ أَعْطَيْتنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ طَلَّقْتُك فَأَعْطَتْهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ لم يَلْزَمْهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَرُدَّ الْأَلْفَ عليها وَهَذَا مَوْعِدٌ لَا إيجَابُ طَلَاقٍ وَكَذَلِكَ إنْ قال إذَا أَعْطَيْتنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ طَلَّقْتُك وَهَكَذَا إنْ قالت له إنْ أَعْطَيْتُك أَلْفَ دِرْهَمٍ تُطَلِّقُنِي أو طَلَّقْتنِي قال نعم وَلَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ بِمَا أَعْطَتْهُ حتى يَقُولَ إذَا أَعْطَيْتنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ أو أَنْتِ طَالِقٌ إذَا أَعْطَيْتنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ فَتُعْطِيهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ في وَقْتِ الْخِيَارِ وَلَوْ قال لها إذَا أَعْطَيْتنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَعْطَتْهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ طَبَرِيَّةً لم تَطْلُقْ إلَّا بِأَنْ تُعْطِيَهُ وَزْنَ سَبْعَةٍ وَلَوْ أَعْطَتْهُ أَلْفًا بَغْلِيَّةٍ طَلُقَتْ لِأَنَّهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ وَزِيَادَةٌ وكان كَمَنْ قال إنْ أَعْطَيْتنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَعْطَتْهُ أَلْفًا وَزِيَادَةً + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَعْطَتْهُ أَلْفًا رَدِيئَةً مَرْدُودَةً فَإِنْ كانت فِضَّةً يَقَعُ عليها اسْمُ الدَّرَاهِمِ طَلُقَتْ وكان له عليها أَنْ تُبَدِّلَهُ إيَّاهَا وَإِنْ كانت لَا يَقَعُ عليها اسْمُ الدَّرَاهِمِ أو على بَعْضِهَا اسْمُ فِضَّةٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِضَّةً لم تَطْلُقْ وَلَوْ قال إنْ أَعْطَيْتنِي عَبْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَعْطَتْهُ عَبْدًا أَيَّ عَبْدٍ ما كان أَعْوَرَ أو مَعِيبًا فَهِيَ طَالِقٌ وَلَا يَمْلِكُ الْعَبْدَ وَلَهُ عليها صَدَاقُ مِثْلِهَا وَكَذَلِكَ لو قال لها إنْ أَعْطَيْتنِي شَاةً مَيِّتَةً أو خِنْزِيرًا أو زِقَّ خَمْرٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَعْطَتْهُ بَعْضَ هذا كانت طَالِقًا لِأَنَّ هذا كَقَوْلِهِ لها إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَلَا يَمْلِكُ شيئا من هذا وَيَرْجِعُ عليها بِمَهْرِ مِثْلِهَا في كل مَسْأَلَةٍ من هذا وَإِنْ قال لها إنْ أَعْطَيْتنِي شيئا يَعْرِفَانِهِ جميعا بِعَيْنِهِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَعْطَتْهُ إيَّاهُ كانت طَالِقًا فَإِنْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا كان له رَدُّهُ وَيَرْجِعُ عليها بِمَهْرِ مِثْلِهَا وَإِنْ أَعْطَتْهُ عَبْدًا فَوَجَدَهُ مُدَبَّرًا لها لم يَكُنْ له رَدُّهُ لِأَنَّ لها بَيْعَهُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا قالت الْمَرْأَةُ لِلرَّجُلِ إنْ طَلَّقْتنِي ثَلَاثًا فَلَكَ عَلَيَّ مِائَةٌ فَسَوَاءٌ هو كَقَوْلِ الرَّجُلِ بِعْنِي ثَوْبَك هذا بِمِائَةٍ لَك عَلَيَّ أو بِعْنِي ثَوْبَك هذا بِمِائَةٍ قال فَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَلَهُ عليها مِائَةُ دِينَارٍ ( قال ) وَلَوْ قالت له طَلِّقْنِي بِأَلْفٍ فقال أَنْتِ طَالِقٌ بِأَلْفٍ فقالت أَرَدْت فُلُوسًا وقال هو أَرَدْت دَرَاهِمَ أو قالت أَرَدْت دَرَاهِمَ وقال هو أَرَدْت دَنَانِيرَ تَحَالَفَا وكان له مَهْرُ مِثْلِهَا ( قال ) وَلَوْ قالت له طَلِّقْنِي على أَلْفٍ فقال أَنْتِ طَالِقٌ على أَلْفٍ فقالت أَرَدْت طَلِّقْنِي على أَلْفٍ على أبي أو أَخِي أو جَارِي أو أَجْنَبِيٍّ فَالْأَلْفُ لَازِمَةٌ لها لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يُرَدُّ وَظَاهِرُ هذا أَنَّهُ كَقَوْلِهَا طَلِّقْنِي على أَلْفٍ عَلَيَّ ( قال ) وَلَوْ قالت إنْ طَلَّقْتنِي فَلَكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَطَلَّقَهَا في وَقْتِ الْخِيَارِ كانت له عليها أَلْفُ دِرْهَمٍ وَالطَّلَاقُ بَائِنٌ وَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ مُضِيِّ وَقْتِ الْخِيَارِ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ وهو يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ وَلَا شَيْءَ له عليها ( قال ) وَكَذَلِكَ لو قال لها أَنْتِ طَالِقٌ إنْ ضَمِنْت لي أَلْفَ دِرْهَمٍ أو أَمْرُك بِيَدِك تُطَلِّقِينَ نَفْسَك إنْ ضَمِنْت لي أَلْفَ دِرْهَمٍ أو قد جَعَلْتُ طَلَاقَكِ إلَيْكِ إنْ ضَمِنْتِ لي أَلْفَ دِرْهَمٍ فَضَمِنَتْهَا في هذه الْمَسَائِلِ في وَقْتِ الْخِيَارِ كانت طَالِقًا وَكَانَتْ عليها أَلْفٌ وَإِنْ ضَمِنَتْهَا بَعْدَ وَقْتِ الْخِيَارِ لم تَكُنْ طَالِقًا ولم يَكُنْ عليها شَيْءٌ ( قال ) وَجِمَاعُ هذا إذَا كان الشَّيْءُ يَتِمُّ بها وَبِهِ لم يَجُزْ إلَى مُدَّةٍ ولم يَجُزْ إلَّا في وَقْتِ الْخِيَارِ كما لَا يَجُوزُ ما جَعَلَ إلَيْهَا من أَمْرِهَا إلَّا في وَقْتِ الْخِيَارِ لِأَنَّهُ قد تَمَّ بها وَبِهِ ( قال ) وَلَوْ قال لها إنْ أَعْطَيْتنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فقالت قد ضَمِنْت لَك أَلْفًا أو أَعْطَتْهُ عَرَضًا بِأَلْفٍ أو نَقْدًا أَقَلَّ من أَلْفٍ لم يَكُنْ طَلَاقًا إلَّا بِأَنْ تُعْطِيَهُ أَلْفًا في وَقْتِ الْخِيَارِ فَإِنْ مَضَى وَقْتُ الْخِيَارِ لم تَطْلُقْ وَإِنْ أَعْطَتْهُ أَلْفًا إلَّا بِأَنْ يُحْدِثَ لها طَلَاقًا بَعْدُ

(5/206)


وَإِنْ وَجَدَهُ مُكَاتَبًا لم يَكُنْ له وَلَوْ عَجَزَ بعد ما يُطَلِّقُهَا لم يَكُنْ له لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عليه وهو لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَإِنْ وَجَدَهُ حُرًّا أو لِغَيْرِهَا فيه شِرْكٌ لم يَكُنْ له وَلَوْ سَلَّمَهُ صَاحِبَهُ وكان له في هذا كُلِّهِ مَهْرُ مِثْلِهَا - * اخْتِلَافُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ في الْخُلْعِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اخْتَلَفَتْ المراة وَالرَّجُلُ في الْخُلْعِ على الطَّلَاقِ فَهُوَ كَاخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فَإِنْ قالت طَلَّقْتنِي وَاحِدَةً أو أَكْثَرَ على أَلْفِ دِرْهَمٍ وقال بَلْ على أَلْفَيْنِ تَحَالَفَا وَلَهُ صَدَاقُ مِثْلِهَا كان أَقَلَّ من أَلْفٍ أو أَكْثَرَ من أَلْفَيْنِ وَهَكَذَا لو قالت له خَالَعْتَنِي على أَلْفٍ إلَى سَنَةٍ وقال بَلْ خَالَعْتُكِ على أَلْفٍ نَقْدًا أو قالت له خَالَعْتَنِي على إبْرَائِك من مَهْرِي فقال بَلْ خَالَعْتُكِ على أَلْفٍ آخُذُهَا مِنْك لَا على مَهْرِك أو على أَلْفٍ مع مَهْرِك تَحَالَفَا وكان مَهْرُهَا بِحَالِهِ وَيَرْجِعُ عليها بِصَدَاقِ مِثْلِهَا ( قال ) وَهَكَذَا لو قالت له ضَمِنْت لَك أَلْفًا أو أَعْطَيْتُك أَلْفًا على أَنْ تُطَلِّقَنِي وَفُلَانَةَ أو تُطَلِّقَنِي وَتُعْتِقَ عَبْدَك فَطَلَّقْتنِي ولم تُطَلِّقْهَا أو طَلَّقْتنِي ولم تُعْتِقْ عَبْدَك وقال بَلْ طَلَّقْتُك بِأَلْفٍ وَحْدَك تَحَالَفَا وَرَجَعَ عليها بِمَهْرِ مِثْلِهَا وَكَذَلِكَ لو قالت له أَعْطَيْتُك أَلْفًا على أَنْ تُطَلِّقَنِي ثَلَاثًا فلم تُطَلِّقْنِي إلَّا وَاحِدَةً وقال بَلْ أَخَذْت مِنْك الْأَلْفَ على الْخُلْعِ وَبَيْنُونَةِ طَلَاقٍ فَإِنَّمَا هِيَ وَاحِدَةٌ أو على ثِنْتَيْنِ فَطَلَّقْتُكِهُمَا تَحَالَفَا وَرَجَعَ بِمَهْرِ مِثْلِهَا ولم يَلْزَمْهُ من الطَّلَاقِ إلَّا ما أَقَرَّ بِهِ وَهَكَذَا لو قالت له أَعْطَيْتُك أَلْفًا على أَنْ تُطَلِّقَنِي ثَلَاثًا وَتُطَلِّقَنِي كُلَّمَا نَكَحْتنِي ثَلَاثًا فقال ما أَخَذْت الْأَلْفَ إلَّا على الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ تَحَالَفَا وَرَجَعَ عليها بِمَهْرِ مِثْلِهَا وَكَذَلِكَ لو أَقَرَّ لها بِمَا قالت رَجَعَ عليها بِمَهْرِ مِثْلِهَا لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ الْجُعْلَ على أَنْ يُطَلِّقَهَا قبل أَنْ يَنْكِحَهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو أَخَذَ من أَجْنَبِيَّةٍ مَالًا على أنها طَالِقٌ مَتَى نَكَحَهَا كان الْمَالُ مَرْدُودًا لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ من طَلَاقِهَا شيئا وقد لَا يَنْكِحُهَا أَبَدًا ( قال ) وَلَوْ قالت له سَأَلْتُك أَنْ تُطَلِّقَنِي ثَلَاثًا بِمِائَةٍ وقال بَلْ سَأَلْتنِي أَنْ أُطَلِّقَك وَاحِدَةً بِأَلْفٍ تَحَالَفَا وَلَهُ مَهْرُ مِثْلِهَا فَإِنْ اقامت الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ على دَعْوَاهَا وَأَقَامَ الزَّوْجُ الْبَيِّنَةَ على دَعْوَاهُ وَشَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّ ذلك بِوَقْتٍ وَاحِدٍ وَأَقَرَّ بِهِ الزَّوْجَانِ تَحَالَفَا وَلَهُ صَدَاقُ مِثْلِهَا وَسَقَطَتْ الْبَيِّنَةُ كما تَسْقُطُ في الْبُيُوعِ إذَا اخْتَلَفَا وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا وَيَرُدُّ الْبَيْعَ وَإِنْ كان مُسْتَهْلِكًا فَقِيمَةُ الْمَبِيعِ ( قال ) وَالطَّلَاقُ لَا يُرَدُّ وَقِيمَةُ مِثْلِ الْبُضْعِ مَهْرُ مِثْلِهَا ( قال ) وَهَكَذَا لو اخْتَلَفَا فَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ ولم تُوَقِّتْ بَيِّنَتُهُمَا وَقْتًا يَدُلُّ على الْخُلْعِ الْأَوَّلِ فَإِنْ وَقَّتَتْ بَيِّنَتُهُمَا وَقْتًا يَدُلُّ على الْخُلْعِ الْأَوَّلِ فَالْخُلْعُ الْأَوَّلُ هو الْخُلْعُ الْجَائِزُ وَالثَّانِي بَاطِلٌ إذَا تَصَادَقَا إنْ لم يَكُنْ ثَمَّ نِكَاحٌ ثُمَّ خُلْعٌ فَيَكُونَانِ خلعين أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لو خَالَعَ امْرَأَتَهُ بِمِائَةٍ ثُمَّ خَالَعَهَا بَعْدُ ولم يُحْدِثْ نِكَاحًا بِأَلْفٍ كانت الْأَلْفُ بَاطِلًا ولم يَقَعْ بها طَلَاقٌ لِأَنَّهُ طَلَّقَ ما لَا يَمْلِكُ وَالْأَوَّلُ جَائِزٌ لِأَنَّهُ طَلَّقَ ما يَمْلِكُ ( قال ) وَلَوْ قالت طَلَّقْتنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فقال بَلْ طَلَّقْتُك وَاحِدَةً بِأَلْفَيْنِ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ على ما قال وَتَصَادَقَا أَنْ لم يَكُنْ طَلَاقٌ إلَّا وَاحِدَةً تَحَالَفَا وكان له مَهْرُ مِثْلِهَا ( قال ) وَلَوْ قالت له طَلَّقْتنِي على أَلْفٍ وَأَقَامَتْ شَاهِدًا حَلَفَ وَكَانَتْ امْرَأَتُهُ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فقال طَلَّقْتُك على أَلْفَيْنِ فلم تَقْبَلِي وَجَحَدَتْ كان الْقَوْلُ قَوْلَهَا في الْمَالِ ولم يَلْزَمْهُ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ لم يُقِرَّ بِالطَّلَاقِ إذْ زَعَمَ أَنَّهُ لم يَقَعْ ( قال ) وَلَوْ ادَّعَتْ أَنَّهُ خَالَعَهَا وَجَحَدَ فَأَقَامَتْ شَاهِدًا بِأَنَّهُ خَالَعَهَا على مِائَةٍ وَشَاهِدًا أَنَّهُ خَالَعَهَا على أَلْفٍ أو عَرَضٍ فَالشَّهَادَةُ لِاخْتِلَافِهِمَا بَاطِلَةٌ كُلُّهَا وَيَحْلِفُ ( قال ) وَهَكَذَا لو كان هو الْمُدَّعِي أَنَّهُ خَالَعَهَا على أَلْفٍ وَأَقَامَ بها شَاهِدًا وَشَاهِدًا آخَرَ بِأَلْفَيْنِ أو بِعَرَضٍ فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ وَهِيَ تَجْحَدُ لَزِمَهَا الطَّلَاقُ بِإِقْرَارِهِ ولم يَلْزَمْهَا الْمَالُ وَحَلَفَتْ عليه وَلَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ لِأَنَّهُ يُقِرُّ أَنَّ طَلَاقَهُ طَلَاقُ خُلْعٍ لَا يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ ( قال ) وَلَوْ قالت له سَأَلْتُك أَنْ تُطَلِّقَنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فلم تُطَلِّقْنِي إلَّا وَاحِدَةً وقال بَلْ طَلَّقْتُك ثَلَاثًا فَإِنْ كان ذلك في وَقْتِ الْخِيَارِ فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَلَهُ الْأَلْفُ وَإِنْ كان اخْتِلَافُهُمَا وقد مَضَى وَقْتُ الْخِيَارِ تَحَالَفَا وكان له مَهْرُ مِثْلِهَا

(5/207)


اخْتَلَفَ الزَّوْجُ وَالْمَرْأَةُ فقال الزَّوْجُ طَلَّقْتُك على أَلْفٍ وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ طَلَّقْتنِي على غَيْرِ شَيْءٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ وَعَلَى الزَّوْجِ الْبَيِّنَةُ وَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ وَلَا يَمْلِكُ فيه الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ أَنْ لَا رَجْعَةَ له على الْمَرْأَةِ فيه وَأَنَّ عليها له مَالًا فَلَا يَصْدُقُ فِيمَا يَدَّعِي عليها وَيَصْدُقُ على نَفْسِهِ ( قال ) وَلَوْ قالت الْمَرْأَةُ سَأَلْتُك أَنْ تُطَلِّقَنِي بِأَلْفٍ فَمَضَى وَقْتُ الْخِيَارِ ولم تُطَلِّقْنِي ثُمَّ طَلَّقْتَنِي بَعْدُ على غَيْرِ شَيْءٍ وقال هو بَلْ طَلَّقْتُك قبل أَنْ يَمْضِيَ وَقْتُ الْخِيَارِ كان الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَرْأَةِ في الْأَلْفِ وَعَلَى الزَّوْجِ الْبَيِّنَةُ وَالطَّلَاقُ لَازِمٌ له وَلَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ ( قال ) وَلَوْ قالت طَلَّقْتنِي أَمْسِ على غَيْرِ شَيْءٍ فقال بَلْ طَلَّقْتُك الْيَوْمَ بِأَلْفٍ فَهِيَ طَالِقٌ الْيَوْمَ بِإِقْرَارِهِ وَلَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَلَا شَيْءَ له عليها من الْمَالِ لِأَنَّهَا لم تُقِرَّ بِهِ - * بَابُ ما يَفْتَدِي بِهِ الزَّوْجُ من الْخُلْعِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اخْتَلَعَتْ الْمَرْأَةُ الذِّمِّيَّةُ من زَوْجِهَا بِخَمْرٍ بِعَيْنِهِ أو بِصِفَةٍ فَدَفَعَتْهَا إلَيْهِ ثُمَّ جاؤوا بَعْدُ إلَيْنَا أَجَزْنَا الْخُلْعَ ولم نَرُدَّهُ عليها بِشَيْءٍ وَلَوْ لم تَدْفَعْهَا إلَيْهِ ثُمَّ تَرَافَعُوا إلَيْنَا أَجَزْنَا الْخُلْعَ وَأَبْطَلْنَا الْخَمْرَ وَجَعَلْنَا له عليها مَهْرَ مِثْلِهَا ( قال ) وَهَكَذَا أَهْلُ الْحَرْبِ إنْ رَضُوا بِحُكْمِنَا لَا يُخَالِفُونَ الذِّمِّيِّينَ في شَيْءٍ إلَّا أَنَّا لَا نَحْكُمُ على الْحَرْبِيِّينَ حتى يَجْتَمِعَا على الرِّضَا وَنَحْكُمُ على الذِّمِّيِّينَ إذَا جاء أَحَدُهُمَا ( قال ) وَلَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ وقد تَقَابَضَا فَهَكَذَا وَإِنْ لم يَتَقَابَضَا بَطَلَ الْخَمْرُ بَيْنَهُمَا وكان له عليها مَهْرُ مِثْلِهَا لَا يَجُوزُ إنْ كان هو الْمُسْلِمُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَأْخُذَ خَمْرًا وَلَا إنْ كانت هِيَ الْمُسْلِمَةُ أَنْ تُعْطِيَ خَمْرًا وَلَوْ قَبَضَهَا منها بَعْدَ ما يُسْلِمُ عُزِّرَ وكان له عليها مَهْرُ مِثْلِهَا إنْ طَلَبَهُ وَكَذَلِكَ لو كانت هِيَ الْمُسْلِمَةُ فَدَفَعَتْهَا إلَيْهِ عُزِّرَتْ وكان له عليها مَهْرُ مِثْلِهَا إنْ طَلَبَهُ وَهَكَذَا كُلُّ ما حُرِّمَ وَإِنَّ اسْتَحَلُّوهُ مَالًا مِثْلُ الْخِنْزِيرِ وَغَيْرِهِ فَهُمَا في جَمِيعِ الْأَحْكَامِ كَالْمُسْلِمِينَ لَا يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ عليهم وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ إلَّا فِيمَا وَصَفْت مِمَّا مَضَى في الشِّرْكِ وَلَا يُرَدُّ في الْإِسْلَامِ - * الْخُلْعُ إلَى أَجَلٍ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اخْتَلَعَتْ الْمَرْأَةُ من زَوْجِهَا بِشَيْءٍ مُسَمًّى إلَى أَجَلٍ فَالْخُلْعُ جَائِزٌ وما سَمَّيَا من الْمَالِ إلَى ذلك الْأَجَلِ كما تَكُونُ الْبُيُوعُ وَيَجُوزُ فيه ما يَجُوزُ في الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ إلَى الْآجَالِ وإذا اخْتَلَعَتْ بِثِيَابٍ مَوْصُوفَةٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَالْخُلْعُ جَائِزٌ وَالثِّيَابُ لها لَازِمَةٌ وَكَذَلِكَ رَقِيقٌ وَمَاشِيَةٌ وَطَعَامٌ يَجُوزُ فيه ما يَجُوزُ في السَّلَفِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا على أَنْ تُعْطِيَنِي أَلْفًا فلم تُعْطِهِ أَلْفًا فَلَيْسَتْ طَالِقًا وهو كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَعْطَيْتنِي أَلْفًا وَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَهَكَذَا إنْ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ على أَنَّ عَلَيْك أَلْفًا فَإِنْ أَقَرَّتْ بِأَلْفٍ كانت طَالِقًا وَإِنْ لم تَضْمَنْهَا لم تَكُنْ طَالِقًا ( قال ) وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ لها أَنْتِ طَالِقٌ إنْ ضَمِنْت لي أَلْفًا ( قال ) وَلَوْ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْك أَلْفٌ كانت طَالِقًا وَاحِدَةً يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَلَيْسَ عليها أَلْفٌ وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْك حَجٌّ وَأَنْتِ طَالِقٌ وَحَسَنَةٌ وَطَالِقٌ وَقَبِيحَةٌ ( قال ) وَإِنْ ضَمِنَتْ له الْأَلْفَ على الطَّلَاقِ لم يَلْزَمْهَا وهو يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ كما لو ابْتَدَأَ الْآنَ طَلَاقَهَا فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً ثُمَّ قالت له اجْعَلْ الْوَاحِدَةَ التي طَلَّقْتنِي بَائِنًا بِأَلْفٍ لم تَكُنْ بَائِنًا وَإِنْ أَخَذَ منها عليها أَلْفًا فَعَلَيْهِ رَدُّهَا عليها ( قال ) وَلَوْ تَصَادَقَا على أنها سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ بِأَلْفٍ فقال أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْك أَلْفٌ كانت عليها وكان الطَّلَاقُ بَائِنًا ( قال ) وَلَوْ قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَعْطَيْتنِي عَبْدَك فَأَعْطَتْهُ إيَّاهُ فإذا هو حُرٌّ طَلُقَتْ وَرَجَعَ عليها بِمَهْرِ مِثْلِهَا وَلَوْ قالت له اخْلَعْنِي على ما في هذه الْجَرَّةِ من الْخَلِّ وَهِيَ مَمْلُوءَةٌ فَخَالَعَهَا فَوَجَدَهُ خَمْرًا وَقَعَ الطَّلَاقُ وكان عليها له مَهْرُ مِثْلِهَا - * خُلْعُ الْمُشْرِكِينَ - *

(5/208)


وَيَرِدُ فيه ما يَرِدُ في السَّلَفِ ( قال ) وَلَوْ تَرَكَتْ أَنْ تُسَمِّيَ حَيْثُ يُقْبَضُ منه الطَّعَامُ أو تَرَكَتْ أَنْ تُسَمِّيَ بَعْضَ صِفَةِ الطَّعَامِ جَازَ الطَّلَاقُ وَرَجَعَ عليها بِمَهْرِ مِثْلِهَا ( قال ) وَلَوْ قالت الْمَرْأَةُ سَأَلْتُك أَنْ تُطَلِّقَنِي بِأَلْفٍ فَمَضَى وَقْتُ الْخِيَارِ ولم تُطَلِّقْنِي ثُمَّ طَلَّقْتنِي بَعْدُ على غَيْرِ شَيْءٍ وقال هو بَلْ طَلَّقْتُك قبل أَنْ يَمْضِيَ وَقْتُ الْخِيَارِ كان الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَرْأَةِ في الْأَلْفِ وَعَلَى الزَّوْجِ الْبَيِّنَةُ وَالطَّلَاقُ لَازِمٌ له وَلَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ - * الْعِدَدُ - * - * عِدَّةُ الْمَدْخُولِ بها التي تَحِيضُ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أنا شَكَكْت + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَخْبَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن اللَّهِ عز وجل أَنَّ الْعِدَّةَ الطُّهْرُ دُونَ الْحَيْضِ وَقَرَأَ < فَطَلِّقُوهُنَّ لِقِبَلِ عِدَّتِهِنَّ > أَنْ تَطْلُقَ طَاهِرًا لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تَسْتَقْبِلُ عِدَّتَهَا وَلَوْ طَلُقَتْ حَائِضًا لم تَكُنْ مُسْتَقْبِلَةً عِدَّتَهَا إلَّا بَعْدَ الْحَيْضِ فَإِنْ قال فما اللِّسَانُ قِيلَ الْقُرْءُ اسْمٌ وُضِعَ لِمَعْنًى فلما كان الْحَيْضُ دَمًا يُرْخِيهِ الرَّحِمُ فَيَخْرُجُ وَالطُّهْرُ دَمٌ يُحْتَبَسُ فَلَا يَخْرُجُ كان مَعْرُوفًا من لِسَانِ الْعَرَبِ أَنَّ الْقُرْءَ الْحَبْسُ لِقَوْلِ الْعَرَبِ هو يَقْرِي الْمَاءَ في حَوْضِهِ وفي سِقَائِهِ وَتَقُولُ الْعَرَبُ هو يَقْرِي الطَّعَامَ في شَدْقِهِ يَعْنِي يَحْبِسُ الطَّعَامَ في شَدْقِهِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن عُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ تعالى عنها أنها انْتَقَلَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عبد الرحمن حِين دَخَلَتْ في الدَّمِ من الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ قال بن شِهَابٍ فَذَكَر ذلك لِعَمْرَةَ بِنْتِ عبد الرحمن فقالت صَدَقَ عُرْوَةُ وقد جَادَلَهَا في ذلك نَاسٌ فَقَالُوا إنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ اسْمُهُ يقول ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ فقالت عَائِشَةُ رضي اللَّهُ تعالى عنها صَدَقْتُمْ وَهَلْ تَدْرُونَ ما الْأَقْرَاءُ الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ قال سَمِعْت أَبَا بَكْرِ بن عبد الرحمن يقول ما أَدْرَكْت أَحَدًا من فُقَهَائِنَا إلَّا وهو يقول هذا يُرِيدُ الذي قالت عَائِشَةُ
أخبرنا سُفْيَانُ عن الزُّهْرِيِّ عن عَمْرَةَ بِنْتِ عبد الرحمن عن عَائِشَةَ قالت إذَا طَعَنَتْ الْمُطَلَّقَةُ في الدَّمِ من الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَرِئَتْ منه
أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ وَزَيْدِ بن أَسْلَمَ عن سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ أَنَّ الْأَحْوَصَ بن حَكِيمٍ هَلَكَ بِالشَّامِ حين دَخَلَتْ امْرَأَتُهُ في الدَّمِ من الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ وقد كان طَلَّقَهَا فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إلَى زَيْدِ بن ثَابِتٍ يَسْأَلُهُ عن ذلك فَكَتَبَ إلَيْهِ زَيْدٌ إنَّهَا إذَا دَخَلَتْ في الدَّمِ من الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَرِئَتْ منه وَبَرِئَ منها وَلَا تَرِثُهُ وَلَا يَرِثُهَا
أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن الزُّهْرِيِّ قال حدثنا سُلَيْمَانُ بن يَسَارٍ عن زَيْدِ بن ثَابِتٍ قال إذَا طَعَنَتْ الْمُطَلَّقَةُ في الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَرِئَتْ منه وَبَرِئَ منها وَلَا تَرِثُهُ وَلَا يَرِثُهَا
____________________
1- ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } قال وَالْأَقْرَاءُ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ الْأَطْهَارُ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على أنها الْأَطْهَارُ وقد قال غَيْرُكُمْ الْحَيْضَ قِيلَ له دَلَالَتَانِ أَوَّلُهُمَا الْكِتَابُ الذي دَلَّتْ عليه السُّنَّةُ وَالْآخَرُ اللِّسَانُ فَإِنْ قال وما الْكِتَابُ قِيلَ قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ }
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ في عَهْدِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَسَأَلَ عُمَرُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن ذلك فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حتى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثم تطهر ثُمَّ إنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قبل أَنْ يَمَسَّ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ التي أَمَرَ اللَّهُ عز وجل أَنْ تَطْلُقَ لها النِّسَاءُ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مُسْلِمٌ وَسَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن أبي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سمع بن عُمَرَ يَذْكُرُ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ حَائِضًا وقال قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فإذا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْ أو لِيُمْسِكْ وَتَلَا النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم < إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِقِبَلِ عِدَّتِهِنَّ > أو في قَبْلِ عِدَّتِهِنَّ

(5/209)



أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ قال إذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَدَخَلَتْ في الدَّمِ من الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَرِئَتْ منه وَبَرِئَ منها وَلَا تَرِثُهُ وَلَا يَرِثُهَا أخبرنا مَالِكٌ عن الْفُضَيْلِ بن أبي عبد اللَّهِ مولى الْمَهْرِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ الْقَاسِمَ بن مُحَمَّدٍ وَسَالِمَ بن عبد اللَّهِ عن الْمَرْأَةِ إذَا طَلُقَتْ فَدَخَلَتْ في الدَّمِ من الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَالَا قد بَانَتْ منه وَحَلَّتْ أخبرنا مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عن الْقَاسِمِ بن مُحَمَّدٍ وَسَالِمِ بن عبد اللَّهِ وَأَبِي بَكْرِ بن عبد الرحمن وَسُلَيْمَانِ بن يَسَارٍ وبن شِهَابٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ إذَا دَخَلَتْ الْمُطَلَّقَةُ في الدَّمِ من الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَانَتْ منه وَلَا مِيرَاثَ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَاحِدَةً او اثْنَتَيْنِ فَهُوَ أَحَقُّ بها ما لم تَرَ الدَّمَ من الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فإذا رَأَتْ الدَّمَ من الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ حَلَّتْ منه وهو خَاطِبٌ من الْخُطَّابِ لَا يَكُونُ له عليها رَجْعَةٌ وَلَا يَنْكِحُهَا إلَّا كما يَنْكِحُهَا مُبْتَدِئًا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ وَرِضَاهَا وإذا رَأَتْ الدَّمَ في وَقْتِ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ يَوْمًا ثُمَّ انْقَطَعَ ثُمَّ عَاوَدَهَا بَعْدُ أو لم يُعَاوِدْهَا أَيَّامًا كَثُرَتْ أو قَلَّتْ فَذَلِكَ حَيْضٌ تَحِلُّ بِهِ ( قال ) وَتُصَدَّقُ على ثَلَاثِ حِيَضٍ في أَقَلَّ ما حَاضَتْ له امْرَأَةُ قَطُّ وَأَقَلُّ ما عَلِمْنَا من الْحَيْضِ يَوْمٌ وَإِنْ عَلِمْنَا ان طُهْرَ امْرَأَةٍ أَقَلُّ من خَمْسَ عَشْرَةَ صَدَّقْنَا الْمُطَلَّقَةَ على أَقَلَّ ما عَلِمْنَا من طُهْرِ امْرَأَةٍ وَجَعَلْنَا الْقَوْلَ قَوْلَهَا وَكَذَلِكَ إنْ كان يَعْلَمُ منها أنها تَذْكُرُ حَيْضَهَا وَطُهْرَهَا وَهِيَ غَيْرُ مُطَلَّقَةٍ على شَيْءٍ فَادَّعَتْ مثله قَبِلْنَا قَوْلَهَا مع يَمِينِهَا وَإِنْ ادَّعَتْ ما لم يَكُنْ يُعْرَفُ منها قبل الطَّلَاقِ ولم يُوجَدْ في امْرَأَةٍ لم تُصَدَّقْ إنَّمَا يُصَدَّقُ من ادَّعَى ما يَعْلَمُ أَنَّهُ يَكُونُ مِثْلُهُ فَأَمَّا من ادَّعَى ما لم يُعْلَمْ أَنَّهُ يَكُونُ مِثْلُهُ فَلَا يُصَدَّقُ وإذا لم أُصَدِّقْهَا فَجَاءَتْ مُدَّةٌ تُصَدَّقُ في مِثْلِهَا وَأَقَامَتْ على قَوْلِهَا قد حِضْت ثَلَاثًا أَحَلَفْتهَا وَخَلَّيْت بَيْنَهَا وَبَيْنَ النِّكَاحِ حين أَنْ يُمْكِنَ أَنْ تَكُونَ صَدَقَتْ وَمَتَى شَاءَ زَوْجُهَا أَنْ أُحَلِّفَهَا ما انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَعَلْت وَلَوْ رَأَتْ الدَّمَ من الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ سَاعَةً أو دَفْعَةً ثُمَّ ارْتَفَعَ عنها يَوْمَيْنِ أو ثَلَاثًا أو أَكْثَرَ من ذلك فَإِنْ كانت السَّاعَةُ التي رَأَتْ فيها الدَّمَ أو الدَّفْعَةُ التي رَأَتْ فيها الدَّمَ في أَيَّامِ حَيْضِهَا نَظَرْنَا فَإِنْ رَأَتْ صُفْرَةً أو كَدِرَةً ولم تَرَ طُهْرًا حتى تُكْمِلَ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَهِيَ حَيْضٌ تَخْلُو عِدَّتُهَا بها من الزَّوْجِ وَإِنْ كانت في غَيْرِ أَيَّامِ الْحَيْضِ فَكَذَلِكَ إذَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ بين رُؤْيَتِهَا الدَّمَ وَالْحَيْضَ قَبْلَهُ قَدْرُ طُهْرٍ فَإِنْ كان أتى عليها من الطُّهْرِ الذي يَلِي هذا الدَّمَ أَقَلَّ ما يَكُونُ بين حَيْضَتَيْنِ من الطُّهْرِ كان حَيْضًا تَنْقَضِي فيه عِدَّتُهَا وَتَنْقَطِعُ بِهِ نَفَقَتُهَا إنْ كان يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَتَرَكَتْ الصَّلَاةَ في تِلْكَ السَّاعَةِ وَصَلَّتْ إذَا طَهُرَتْ وَتَرَكَتْ الصَّلَاةَ إذَا عَاوَدَهَا الدَّمُ وَإِنْ كانت رَأَتْ الدَّمَ بَعْدَ الطُّهْرِ الْأَوَّلِ بِيَوْمَيْنِ أو ثَلَاثًا أو أَكْثَرَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ طُهْرًا لم تَحِلَّ بِهِ من زَوْجِهَا ولم تَنْقَطِعْ نَفَقَتُهَا وَنَظَرْنَا أَوَّلَ حَيْضٍ تَحِيضُهُ فَجَعَلْنَا عِدَّتَهَا تَنْقَضِي بِهِ وَإِنْ رَأَتْ الدَّمَ أَقَلَّ من يَوْمٍ ثُمَّ رَأَتْ الطُّهْرَ لم يَكُنْ حَيْضًا وَأَقَلُّ الْحَيْضِ يوما ( ( ( يوم ) ) ) وَلَيْلَةٌ وَالْكَدِرَةُ وَالصُّفْرَةُ في
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فإذا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ طَاهِرًا قبل جِمَاعٍ أو بَعْدَهُ اعْتَدَّتْ بِالطُّهْرِ الذي وَقَعَ عليها فيه الطَّلَاقُ وَلَوْ كان سَاعَةً من نَهَارٍ وَتَعْتَدُّ بِطُهْرَيْنِ تَامَّيْنِ بين حَيْضَتَيْنِ فإذا دَخَلَتْ في الدَّمِ من الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ حَلَّتْ وَلَا يُؤْخَذُ أَبَدًا في الْقُرْءِ الْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيمَا بين أَنْ يُوقِعَ الطَّلَاقَ وَبَيْنَ أَوَّلِ حَيْضٍ وَلَوْ طَلَّقَهَا حَائِضًا لم تَعْتَدَّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ فإذا طَهُرَتْ اسْتَقْبَلَتْ الْقُرْءَ ( قال ) وَلَوْ طَلَّقَهَا فلما أَوْقَعَ الطَّلَاقَ حَاضَتْ فَإِنْ كانت على يَقِينٍ من إنها كانت طَاهِرًا حين تَمَّ الطَّلَاقُ ثُمَّ حَاضَتْ بَعْدَ تَمَامِهِ بِطَرْفَةِ عَيْنٍ فَذَلِكَ قُرْءٌ وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّ الْحَيْضَ وَتَمَامَ الطَّلَاقِ كَانَا مَعًا اسْتَأْنَفَتْ الْعِدَّةَ في طُهْرِهَا من الْحَيْضِ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَإِنْ اخْتَلَفَا فقال الزَّوْجُ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَأَنْتِ حَائِضٌ وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ بَلْ وَقَعَ وأنا طَاهِرٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا بِيَمِينِهَا أخبرنا سُفْيَانُ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن عُبَيْدِ بن عُمَيْرٍ قال أؤتمنت الْمَرْأَةُ على فَرْجِهَا

(5/210)


الْحَيْضِ حَيْضٌ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَطَهُرَتْ من حَيْضَةٍ أو حَيْضَتَيْنِ ثُمَّ رَأَتْ دَمًا فَطَبَّقَ عليها فَإِنْ كان دَمُهَا يَنْفَصِلُ فَيَكُونُ في أَيَّامٍ أَحْمَرَ قَانِئًا مُحْتَدِمًا وفي الْأَيَّامِ التي بَعْدَهُ رَقِيقًا قَلِيلًا فَحَيْضُهَا أَيَّامُ الدَّمِ الْمُحْتَدِمِ الْكَثِيرِ وَطُهْرُهَا أَيَّامُ الدَّمِ الرَّقِيقِ الْقَلِيلِ وَإِنْ كان دَمُهَا مُشْتَبَهًا كُلَّهُ كان حَيْضُهَا بِقَدْرِ عَدَدِ أَيَّامِ حَيْضِهَا فِيمَا مَضَى قبل الِاسْتِحَاضَةِ وإذا رَأَتْ الدَّمَ في أَوَّلِ الْأَيَّامِ التي أَجْعَلُهَا أَيَّامَ حَيْضِهَا في الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ حَلَّتْ من زَوْجِهَا (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى جَعَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عِدَّةَ من تَحِيضُ من النِّسَاءِ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَعِدَّةَ من لم تَحِضْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَأَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمُسْتَحَاضَةَ أَنْ تَتْرُكَ الصَّلَاةَ في ايام حَيْضِهَا إذَا كان دَمُهَا يَنْفَصِلُ وفي قَدْرِ عَدَدِ أَيَّامِ حَيْضِهَا قبل أَنْ يُصِيبَهَا ما أَصَابَهَا وَذَلِكَ فِيمَا نَرَى إذَا كان دَمُهَا لَا يَنْفَصِلُ نَجْعَلُهَا حَائِضًا تَارِكًا لِلصَّلَاةِ في بَعْضِ دَمِهَا وَطَاهِرًا تُصَلِّي في بَعْضِ دَمِهَا فَكَانَ الْكِتَابُ ثُمَّ السُّنَّةُ يَدُلَّانِ على أَنَّ لِلْمُسْتَحَاضَةِ طُهْرًا وَحَيْضًا فلم يَجُزْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ تَعْتَدَّ الْمُسْتَحَاضَةُ إلَّا بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ * قال فإذا أَرَادَ زَوْجُ الْمُسْتَحَاضَةِ طَلَاقَهَا لِلسُّنَّةِ طَلَّقَهَا طَاهِرًا من غَيْرِ جِمَاعٍ في الْأَيَّامِ التي نَأْمُرُهَا فيها بِالْغُسْلِ من دَمِ الْحَيْضِ وَالصَّلَاةِ فإذا طَلُقَتْ الْمُسْتَحَاضَةُ أو اُسْتُحِيضَتْ بعد ما طَلُقَتْ فَإِنْ كان دَمُهَا مُنْفَصِلًا فَيَكُونُ منه شَيْءٌ أَحْمَرُ قانئ ( ( ( قاني ) ) ) وَشَيْءٌ رَقِيقٌ إلَى الصُّفْرَةِ فَأَيَّامُ حَيْضِهَا هي أَيَّامُ الْأَحْمَرِ القانئ ( ( ( القاني ) ) ) وَأَيَّامُ طُهْرِهَا هِيَ أَيَّامُ الصفرة ( ( ( الصفري ) ) ) فَعِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ إذَا رَأَتْ الدَّمَ الْأَحْمَرَ الْقَانِئَ من الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا ( قال ) وَإِنْ كان دَمُهَا مُشْتَبَهًا غير مُنْفَصِلٍ كما وَصَفْنَا فَإِنْ كان لها أَيَّامُ حَيْضٍ مَعْرُوفَةٌ فَأَيَّامُ حَيْضِهَا في الِاسْتِحَاضَةِ عَدَدُ ايام حَيْضِهَا الْمَعْرُوفِ وَوَقْتُهَا وَقْتُهَا إنْ كان حَيْضُهَا في أَوَّلِ الشَّهْرِ أو وَسَطِهِ أو آخِرِهِ فَتِلْكَ أَيَّامُ حَيْضِهَا فإذا كان أَوَّلُ يَوْمٍ من الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَإِنْ كان حَيْضُهَا يَخْتَلِفُ فَيَكُونُ مَرَّةً ثَلَاثًا وَمَرَّةً خَمْسًا وَمَرَّةً سَبْعًا ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ أَمَرْتهَا أَنْ تَدَعَ الصَّلَاةَ أَقَلَّ ايام حَيْضِهَا ثَلَاثًا وَتَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ وَتَصُومَ لِأَنَّهَا أَنْ تُصَلِّيَ وَتَصُومَ وَلَيْسَ ذلك عليها إذَا لم تَسْتَيْقِنْ أنها حَائِضٌ خَيْرٌ من أَنْ تَدَعَ الصَّلَاةَ وَهِيَ عليها وَاجِبٌ وَأَحَبُّ إلَيَّ لو أَعَادَتْ صَوْمَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَلَيْسَ ذلك بِلَازِمٍ لها وَتَخْلُو من زَوْجِهَا بِدُخُولِ أَوَّلِ يَوْمٍ من أَيَّامِ حَيْضَتِهَا الثَّالِثَةِ وَلَيْسَ في عَدَدِ الْحَيْضَتَيْنِ الْأَوَّلِيَّيْنِ شَيْءٌ يَحْتَاجُ إلَيْهِ إذَا أَتَتْ على ثَلَاثٍ وَسَبْعٍ وَأَيَّامِ طُهْرٍ فَلَا حَاجَةَ بِنَا إلَى عِلْمِهَا * ( قال ) وَإِنْ كانت امْرَأَةٌ ليس لها أَيَّامُ حَيْضٍ اُبْتُدِئَتْ مُسْتَحَاضَةً أو كانت فَنَسِيَتْهَا تَرَكَتْ الصَّلَاةَ أَقَلَّ ما حَاضَتْ امْرَأَةٌ قَطُّ وَذَلِكَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وهو أَقَلُّ ما عَلِمْنَا امْرَأَةً حَاضَتْ فَإِنْ كانت قد عَرَفَتْ وَقْتَ حَيْضَتِهَا فمبتدأ ( ( ( فبدأ ) ) ) تَرْكُهَا الصَّلَاةِ في مبتدإ حَيْضَتِهَا وَإِنْ كانت لم تَعْرِفْهُ اسْتَقْبَلْنَا بها الْحَيْضَ من أَوَّلِ هِلَالٍ يَأْتِي عليها بَعْدَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فإذا اسْتَهَلَّ الْهِلَالُ الثَّالِثُ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا منه وَلَوْ طَلُقَتْ امْرَأَةٌ فَاسْتُحِيضَتْ أو مُسْتَحَاضَةً فَكَانَتْ تَحِيضُ يَوْمًا وَتَطْهُرُ يَوْمًا أو يَوْمَيْنِ وَتَطْهُرُ يَوْمَيْنِ أو ما أَشْبَهَ هذا جُعِلَتْ عِدَّتُهَا تَنْقَضِي بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَذَلِكَ الْمَعْرُوفُ من أَمْرِ النِّسَاءِ أَنَّهُنَّ يَحِضْنَ في كل شَهْرٍ حَيْضَةً فأنظر اي وَقْتٍ طَلَّقَهَا فيه فأحسبها شَهْرًا ثُمَّ هَكَذَا حتى إذَا دَخَلَتْ في الشَّهْرِ الثَّالِثِ حَلَّتْ من زَوْجِهَا وَذَلِكَ أَنَّ هذه مُخَالِفَةٌ لِلْمُسْتَحَاضَةِ التي لها أَيَّامُ حَيْضٍ كَحَيْضِ النِّسَاءِ فَلَا أَجِدُ مَعْنًى أَوْلَى بِتَوْقِيتِ حَيْضَتِهَا من الشُّهُورِ لِأَنَّ حَيْضَهَا ليس بِبَيِّنٍ وَلَوْ كانت تَحِيضُ خَمْسَةَ عَشْرَ مُتَتَابِعَةً أو بَيْنَهَا فَصْلٌ وَتَطْهُرُ خَمْسَةَ عَشْرَ مُتَتَابِعَةً لَا فَصْلَ بَيْنَهَا جَعَلْتُ عِدَّتَهَا بِالطُّهْرِ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ( قال ) وَعِدَّةُ التي تَحِيضُ الْحَيْضُ وَإِنْ تَبَاعَدَ كَأَنَّهَا كانت تَحِيضُ في كل سَنَةٍ أو سَنَتَيْنِ فَعِدَّتُهَا الْحَيْضُ وَهَكَذَا إنْ كانت مُسْتَحَاضَةً فَكَانَتْ لها ايام تَحِيضُهَا كما تَكُونُ تَطْهُرُ في أَقَلَّ من شَهْرٍ فَتَخْلُو بِدُخُولِ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَكَذَلِكَ لَا تَخْلُو إلَّا بِدُخُولِ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ وَإِنْ تَبَاعَدَتْ وَكَذَلِكَ لو أَرْضَعَتْ فَكَانَ حَيْضُهَا يَرْتَفِعُ لِلرَّضَاعِ اعْتَدَّتْ بِالْحَيْضِ ( قال ) وإذا كان

(5/211)


تَحِيضُ في كل شَهْرٍ أو شَهْرَيْنِ فَطَلُقَتْ فَرَفَعَتْهَا حَيْضَتُهَا سَنَةً أو حَاضَتْ حَيْضَةً ثُمَّ رَفَعَتْهَا حَيْضَتُهَا سَنَةً أنها لَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ إلَّا بِدُخُولِهَا في الدَّمِ من الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ وَإِنْ تَبَاعَدَ ذلك وَطَالَ وَهِيَ من أَهْلِ الْحَيْضِ حتى تَبْلُغَ أَنْ تَيْأَسَ من الْمَحِيضِ وَهِيَ لَا تَيْأَسُ من الْمَحِيضِ حتى تَبْلُغَ السِّنَّ التي من بَلَغَتْهَا من نِسَائِهَا لم تَحِضْ بَعْدَهَا فإذا بَلَغَتْ ذلك خَرَجَتْ من أَهْلِ الْحَيْضِ وَكَانَتْ من الْمُؤَيَّسَاتِ من الْمَحِيضِ اللَّاتِي جَعَلَ اللَّهُ عز وجل عِدَدَهُنَّ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَاسْتَقْبَلَتْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ من يَوْمِ بَلَغَتْ سِنَّ الْمُؤَيَّسَاتِ من الْمَحِيضِ لَا تَخْلُو إلَّا بِكَمَالِ الثَّلَاثَةِ الْأَشْهُرِ وَهَذَا يُشْبِهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى جَعَلَ على الْحَيْضِ الْأَقْرَاءَ وَعَلَى الْمُؤَيَّسَاتِ وَغَيْرِ البوالغ الشُّهُورَ فقال { وَاَللَّائِي يَئِسْنَ من الْمَحِيضِ من نِسَائِكُمْ إنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ } فإذا كانت تَحِيضُ فَإِنَّهَا تَصْبِرُ إلَى الْإِيَاسِ من الْمَحِيضِ بِالسِّنِّ التي من بَلَغَتْهَا من نِسَائِهَا أو أَكْثَرِهِنَّ لم تَحِضْ فَيَنْقَطِعُ عنها الْحَيْضُ في تِلْكَ الْمُدَّةِ وقد قِيلَ إنَّ مُدَّتَهَا أَكْثَرُ الْحَمْلِ ( 1 ) وهو أَرْبَعُ سِنِينَ ولم تَحِضْ كانت مُؤَيَّسَةً من الْمَحِيضِ فَاعْتَدَّتْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَقِيلَ تَتَرَبَّصُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ثُمَّ تَعْتَدُّ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ ( قال ) وَالْحَيْضُ يَتَبَاعَدُ فَعِدَّةُ الْمَرْأَةِ تَنْقَضِي بِأَقَلَّ من شَهْرَيْنِ إذَا حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ وَلَا تَنْقَضِي إلَّا بِثَلَاثِ سِنِينَ وَأَكْثَرَ إنْ كان حَيْضُهَا يَتَبَاعَدُ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَعَلَ عَلَيْهِنَّ الْحَيْضَ فَيَعْتَدِدْنَ بِهِ وَإِنْ تَبَاعَدَ وَإِنْ كانت الْبَرَاءَةُ من الْحَمْلِ تُعْرَفُ بِأَقَلَّ من هذا فإن اللَّهَ عز وجل حَكَمَ بِالْحَيْضِ فَلَا أُحِيلَهُ إلَى غَيْرِهِ فَلِهَذَا قُلْنَا عِدَّتُهَا الْحَيْضُ حتى تُؤَيَّسَ من الْمَحِيضِ بِمَا وَصَفْت من أَنْ تَصِيرَ إلَى السِّنِّ التي من بَلَغَهَا من أَكْثَرِ نِسَائِهَا لم تَحِضْ وقد يُرْوَى عن بن مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ مِثْلُ هذا الْقَوْلِ
أخبرنا مَالِكٌ عن مُحَمَّدِ بن يحيى بن حِبَّانَ أَنَّهُ كان عِنْدَ جَدِّهِ هَاشِمِيَّةٌ وَأَنْصَارِيَّةٌ فَطَلَّقَ الْأَنْصَارِيَّةَ وَهِيَ تُرْضِعُ فَمَرَّتْ بها سَنَةٌ ثُمَّ هَلَكَ ولم تَحِضْ فقالت أنا أَرِثُهُ لم أَحِضْ فَاخْتَصَمُوا إلَى عُثْمَانَ فَقَضَى لِلْأَنْصَارِيَّةِ بِالْمِيرَاثِ فَلَامَتْ الْهَاشِمِيَّةُ عُثْمَانَ فقال هذا عَمَلُ بن عَمِّك هو أَشَارَ عَلَيْنَا بهذا يَعْنِي عَلِيَّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عبد اللَّهِ أبي بَكْرَةَ أخبره أَنَّ رَجُلًا من الْأَنْصَارِ يُقَالُ له حِبَّانُ بن مُنْقِذٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وهو صَحِيحٌ وَهِيَ تُرْضِعُ ابْنَتَهُ فَمَكَثَتْ سَبْعَةَ عَشْرَ شَهْرًا لَا تَحِيضُ يَمْنَعُهَا الرَّضَاعُ أَنْ تَحِيضَ ثُمَّ مَرِضَ حِبَّانَ بَعْدَ أَنْ طَلَّقَهَا بِسَبْعَةِ أَشْهُرٍ أو ثَمَانِيَةٍ فَقُلْت له إنَّ امْرَأَتَك تُرِيدُ أَنْ تَرِثَ فقال لِأَهْلِهِ احْمِلُونِي إلَى عُثْمَانَ فَحَمَلُوهُ إلَيْهِ فذكر له شَأْنَ امْرَأَتِهِ وَعِنْدَهُ عَلِيُّ بن أبي طَالِبٍ وَزَيْدُ بن ثَابِتٍ فقال لَهُمَا عُثْمَانُ ما تَرَيَانِ فَقَالَا نَرَى أنها تَرِثُهُ إنْ مَاتَ ويرثها ( ( ( يرثها ) ) ) إنْ مَاتَتْ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ من الْقَوَاعِدِ التي قد يَئِسْنَ من الْمَحِيضِ وَلَيْسَتْ من الْأَبْكَارِ اللَّاتِي لم يَبْلُغْنَ الْمَحِيضَ ثُمَّ هِيَ على عِدَّةِ حَيْضِهَا ما كان من قَلِيلٍ أو كَثِيرٍ فَرَجَعَ حِبَّانُ إلَى أَهْلِهِ فَأَخَذَ ابْنَتَهُ فلما فَقَدَتْ الرَّضَاعَ حَاضَتْ حَيْضَةً ثُمَّ حَاضَتْ حَيْضَةً أُخْرَى ثُمَّ تُوُفِّيَ حِبَّانُ من قبل أَنْ تَحِيضَ الثَّالِثَةَ فَاعْتَدَّتْ عِدَّةَ الْمُتَوَفَّى عنها زَوْجُهَا وَوَرِثَتْهُ أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عن عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ في امْرَأَةِ حِبَّانَ مِثْلُ خَبَرِ عبد اللَّهِ بن ابي بَكْرَةَ أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ الْمَرْأَةُ تَطْلُقُ وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنْ يَكُونَ الْمَحِيضُ قد أَدْبَرَ عنها ولم يَبِنْ لهم ذلك كَيْفَ تَفْعَلُ ( قال ) كما قال اللَّهُ عز وجل إذَا يَئِسَتْ اعْتَدَّتْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ قُلْت ما يَنْتَظِرُ بين ذلك قال إذَا يَئِسَتْ اعْتَدَّتْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ كما قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ أَتَعْتَدُّ أَقْرَاءَهَا ما كانت إنْ تَقَارَبَتْ وَإِنْ تَبَاعَدَتْ قال نعم كما قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أخبرنا سَعِيدٌ عن الْمُثَنَّى عن عَمْرِو بن دِينَارٍ في امْرَأَةٍ طَلُقَتْ فَحَاضَتْ حَيْضَةً أو حَيْضَتَيْنِ ثُمَّ رَفَعَتْهَا حَيْضَتُهَا فقال أَمَّا أبو الشَّعْثَاءِ فَكَانَ يقول أَقْرَاؤُهَا حتى يُعْلَمَ أنها قد يَئِسَتْ من الْمَحِيضِ أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يقول عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ الْأَقْرَاءُ وَإِنْ تَبَاعَدَتْ (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ طَلُقَتْ فَارْتَفَع

(5/212)


مَحِيضُهَا أو حَاضَتْ حَيْضَةً أو حَيْضَتَيْنِ لم تَحِلَّ إلَّا بِحَيْضَةٍ ثَالِثَةٍ وَإِنْ بَعُدَ ذلك فإذا بَلَغَتْ تِلْكَ السِّنَّ اسْتَأْنَفَتْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ من يَوْمِ تَبْلُغُهَا
أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ وَيَزِيدَ بن عبد اللَّهِ بن قُسَيْطٍ عن بن الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قال قال عُمَرُ بن الْخَطَّابِ أَيُّمَا امْرَأَةٍ طَلُقَتْ فَحَاضَتْ حَيْضَةً أو حَيْضَتَيْنِ ثُمَّ رَفَعَتْهَا حَيْضَتُهَا فَإِنَّهَا تَنْتَظِرُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ فَإِنْ بَانَ بها حَمْلٌ فَذَلِكَ وَإِلَّا اعْتَدَّتْ بَعْدَ التِّسْعَةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ حَلَّتْ
( قال الشَّافِعِيُّ ) قد يَحْتَمِلُ قَوْلُ عُمَرَ أَنْ يَكُونَ في الْمَرْأَةِ قد بَلَغَتْ السِّنَّ التي من بَلَغَهَا من نِسَائِهَا يَئِسْنَ من الْمَحِيضِ فَلَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِقَوْلِ بن مَسْعُودٍ وَذَلِكَ وَجْهُهُ عِنْدَنَا * وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً يَئِسَتْ من الْمَحِيضِ طَلُقَتْ فَاعْتَدَّتْ بِالشُّهُورِ ثُمَّ حَاضَتْ قبل أَنْ تُكْمِلَ بِالشُّهُورِ فَسَقَطَتْ عِدَّةُ الشُّهُورِ وَاسْتَقْبَلَتْ الْحَيْضَ فَإِنْ حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ فَقَدْ قَضَتْ عِدَّتَهَا وَإِنْ لم تَحُضْهَا حتى مَرَّتْ عليها بَعْدَ الْحَيْضَةِ الْأُولَى تِسْعَةُ أَشْهُرٍ اسْتَقْبَلَتْ الْعِدَّةَ بِالشُّهُورِ وَإِنْ جَاءَتْ عليها ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ قبل أَنْ تَحِيضَ فَقَدْ أَكْمَلَتْ عِدَّتَهَا لِأَنَّهَا من اللَّائِي يَئِسْنَ من الْمَحِيضِ فَإِنْ حَاضَتْ قبل أَنْ تُكْمِلَ الثَّلَاثَةَ الْأَشْهُرَ فَقَدْ حَاضَتْ حَيْضَتَيْنِ فَتَسْتَقْبِلُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ فَإِنْ حَاضَتْ فيها أو بَعْدَهَا في الثَّلَاثَةِ الْأَشْهُرِ فَقَدْ أَكْمَلَتْ وَإِنْ لم تَحِضْ فيها اعْتَدَّتْ فإذا مَرَّتْ بها تِسْعَةُ أَشْهُرٍ ثُمَّ ثَلَاثَةٌ بَعْدَهَا حَلَّتْ وَلَوْ حَاضَتْ بَعْدَ ذلك لم تَعْتَدَّ بَعْدُ بِالشُّهُورِ ( قال ) وَاَلَّذِي يُرْوَى عن عُمَرَ عِنْدِي يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا قَالَهُ في الْمَرْأَةِ قد بَلَغَتْ السِّنَّ التي يُؤَيَّسُ مِثْلُهَا من الْمَحِيضِ فَأَقُولُ بِقَوْلِ عُمَرَ على هذا الْمَعْنَى وهو قَوْلُ بن مَسْعُودٍ على مَعْنَاهُ في اللَّائِي لم يُؤَيَّسْنَ من الْمَحِيضِ وَلَا يَكُونَانِ مُخْتَلِفَيْنِ عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * قال اللَّهُ عز وجل في الْآيَةِ التي ذَكَرَ فيها الْمُطَلَّقَاتِ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } الْآيَةَ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كما قال مُجَاهِدٌ لَمَعَانٍ منها أَنْ لَا يَحِلَّ الْكَذِبُ وَالْآخَرُ أَنْ لَا تَكْتُمَهُ الْحَبَلَ وَالْحَيْضَ لَعَلَّهُ يَرْغَبُ فَيُرَاجِعُ وَلَا تَدَّعِيهِمَا لَعَلَّهُ يُرَاجِعُ وَلَيْسَتْ له حَاجَةٌ بِالرَّجْعَةِ لَوْلَا ما ذَكَرَتْ من الْحَمْلِ وَالْحَيْضِ فَتَغُرُّهُ وَالْغُرُورُ لَا يَجُوزُ أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ أرايت إنْ أَرْسَلَ إلَيْهَا فَأَرَادَ ارْتِجَاعَهَا فقالت قد انْقَضَتْ عِدَّتِي وَهِيَ كَاذِبَةٌ فلم تَزَلْ تَقُولُهُ حتى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَكَانَ بَيِّنًا في الْآيَةِ بِالتَّنْزِيلِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمُطَلَّقَةِ أَنْ تَكْتُمَ ما في رَحِمِهَا من الْمَحِيضِ وَذَلِكَ أَنْ يَحْدُثَ لِلزَّوْجِ عِنْدَ خَوْفِهِ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا رَأْيٌ في ارْتِجَاعِهَا أو يَكُونَ طَلَاقُهُ إيَّاهَا أَدَبًا لها لَا إرَادَةَ أَنْ تَبِينَ منه فَلْتُعْلِمْهُ ذلك لِئَلَّا تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا فَلَا يَكُونُ له سَبِيلٌ إلَى رَجْعَتِهَا وكان ذلك يَحْتَمِلُ الْحَمْلَ مع الْحَيْضِ لِأَنَّ الْحَمْلَ مِمَّا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى في أَرْحَامِهِنَّ وإذا سَأَلَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ الْمُطَلَّقَةَ أَحَامِلٌ هِيَ أو هل حَاضَتْ فَبَيِّنٌ عِنْدِي أَنْ لَا يَحِلَّ لها أَنْ تَكْتُمَهُ وَاحِدًا مِنْهُمَا وَلَا أَحَدًا رَأَتْ أَنَّهُ يُعْلِمُهُ إيَّاهُ وَإِنْ لم يَسْأَلْهَا وَلَا أَحَدٌ يُعْلِمُهُ إيَّاهُ فَأَحَبُّ إلَيَّ لو أَخْبَرَتْهُ بِهِ وَإِنْ لم يَسْأَلْهَا لِأَنَّهُ قد يَقَعُ اسْمُ الْكِتْمَانِ على من ظَنَّ أَنَّهُ يُخْبِرُ الزَّوْجَ لِمَا له في إخْبَارِهِ من رَجْعَةٍ أو تَرْكٍ كما يَقَعُ الْكِتْمَانُ على من كَتَمَ شَهَادَةً لِرَجُلٍ عِنْدَهُ وَلَوْ كَتَمَتْهُ بَعْدَ الْمَسْأَلَةِ الْحَمْلَ وَالْأَقْرَاءَ حتى خَلَتْ عِدَّتُهَا كانت عِنْدِي آثِمَةً بِالْكِتْمَانِ إذْ سُئِلَتْ وَكَتَمَتْ وَخِفْت عليها الْإِثْمَ إذَا كَتَمَتْهُ وَإِنْ لم تُسْأَلْ ولم يَكُنْ له عليها رَجْعَةٌ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل إنَّمَا جَعَلَهَا له حتى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا فإذا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَلَا رَجْعَةَ له عليها
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ ما قَوْلُهُ { وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ في أَرْحَامِهِنَّ } قال الْوَلَدُ لَا تَكْتُمُهُ لِيَرْغَبَ فيها وما أَدْرِي لَعَلَّ الْحَيْضَةَ معه أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَطَاءً أَيَحِقُّ عليها أَنْ تُخْبِرَهُ بِحَمْلِهَا وَإِنْ لم يُرْسِلْ إلَيْهَا يَسْأَلُهَا عنه لِيَرْغَبَ فيها ( قال ) تُظْهِرُهُ وَتُخْبِرُ بِهِ أَهْلَهَا فَسَوْفَ يَبْلُغُهُ أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّ مُجَاهِدًا قال في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ في أَرْحَامِهِنَّ } الْمَرْأَةُ الْمُطَلَّقَةُ لَا يَحِلُّ لها أَنْ تَقُولَ أنا حُبْلَى وَلَيْسَتْ بِحُبْلَى وَلَا لَسْت بِحُبْلَى وَهِيَ حُبْلَى وَلَا أنا حَائِضٌ وَلَيْسَتْ بِحَائِضٍ وَلَا لَسْت بِحَائِضٍ وَهِيَ حَائِضٌ

(5/213)


قال لَا وقد خَرَجَتْ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى سَمِعْت من أَرْضَى من أَهْلِ الْعِلْمِ يقول إنَّ أَوَّلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل من الْعِدَدِ { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } فلم يَعْلَمُوا ما عِدَّةُ الْمَرْأَةِ التي لَا أَقْرَاءَ لها وَهِيَ التي لَا تَحِيضُ وَلَا الْحَامِلُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز ذِكْرَهُ { وَاَللَّائِي يَئِسْنَ من الْمَحِيضِ من نِسَائِكُمْ إنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاَللَّائِي لم يَحِضْنَ } فَجَعَلَ عِدَّةَ الْمُؤَيَّسَةِ وَاَلَّتِي لم تَحِضْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَقَوْلُهُ { إنْ ارْتَبْتُمْ } فلم تَدْرُوا ما تَعْتَدُّ غَيْرُ ذَاتِ الْأَقْرَاءِ وقال { وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } قال وَهَذَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ يُشْبِهُ ما قالوا * وإذا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يُطَلِّقَ التي لَا تَحِيضُ لِلسُّنَّةِ فَطَلَّقَهَا أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ ليس في وَجْهِ طَلَاقِهَا سُنَّةٌ إنَّمَا السُّنَّةُ في التي تَحِيضُ وَكَذَلِكَ ليس في وَقْتِ طَلَاقِ الْحَامِلِ سُنَّةٌ وإذا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ ممن ( ( ( كمن ) ) ) لَا تَحِيضُ من صِغَرٍ أو كِبَرٍ فَأَوْقَعَ الطَّلَاقَ عليها في أَوَّلِ الشَّهْرِ أو آخِرِهِ اعْتَدَّتْ شَهْرَيْنِ بِالْأَهِلَّةِ وَإِنْ كان الْهِلَالَانِ مَعًا تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَشَهْرًا ثَلَاثِينَ لَيْلَةً في أَيِّ الشَّهْرِ طَلَّقَهَا وَذَلِكَ أَنَّا نَجْعَلُ عِدَّتَهَا من سَاعَةِ وَقَعَ الطَّلَاقُ عليها فَإِنْ طَلَّقَهَا قبل الْهِلَالِ بِيَوْمٍ عَدَدْنَا لها ذلك الْيَوْمَ فإذا أَهَلَّ الْهِلَالُ عَدَدْنَا لها هِلَالَيْنِ بِالْأَهِلَّةِ ثُمَّ عَدَدْنَا لها تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً حتى تُكْمِلَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَيْلَةً بِالْيَوْمِ الذي كان قبل الْهِلَالَيْنِ وَكَذَلِكَ لو كان قبل الْهِلَالِ بِأَكْثَرَ من يَوْمٍ وَعَشْرٍ أَكْمَلْنَا ثَلَاثِينَ بَعْدَ هِلَالَيْنِ وَحَلَّتْ وَأَيُّ سَاعَةٍ طَلَّقَهَا من لَيْلٍ أو نَهَارٍ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِأَنْ تَأْتِيَ عليها تِلْكَ السَّاعَةُ من الْيَوْمِ الذي يُكْمِلُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا بَعْدَ الشَّهْرَيْنِ بِذَلِكَ الْيَوْمِ فَتَكُونُ قد أَكْمَلَتْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا عَدَدًا وَشَهْرَيْنِ بِالْأَهِلَّةِ وَلَهُ عليها الرَّجْعَةُ في الطَّلَاقِ الذي ليس بِبَائِنٍ حتى تَمْضِيَ جَمِيعُ عِدَّتِهَا وَلَوْ طَلَّقَهَا ولم تَحِضْ فَاعْتَدَّتْ بِالشُّهُورِ حتى أَكْمَلَتْهَا ثُمَّ حَاضَتْ مَكَانَهَا كانت عِدَّتُهَا قد انْقَضَتْ وَلَوْ بَقِيَ من إكْمَالِهَا طُرْفَةُ عَيْنٍ فَأَكْثَرُ خَرَجَتْ من اللَّائِي لم يَحِضْنَ لِأَنَّهَا لم تُكْمِلْ ما عليها من الْعِدَّةِ بِالشُّهُورِ حتى صَارَتْ مِمَّنْ له الْأَقْرَاءُ وَاسْتَقْبَلَتْ الْأَقْرَاءَ وَكَانَتْ من أَهْلِهَا فَلَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا إلَّا بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ الْمَرْأَةُ تَطْلُقُ ولم تَحِضْ فَتَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ فَتَحِيضُ بِعِدِّ ما يَمْضِي شَهْرَانِ من الثَّلَاثَةِ الْأَشْهُرِ ( قال ) لِتَعْتَدَّ حِينَئِذٍ بِالْحَيْضِ وَلَا يُعْتَدُّ بِالشَّهْرِ الذي قد مَضَى + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ ارْتَفَعَ عنها الْحَيْضُ بَعْدَ أَنْ حَاضَتْ كانت في الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا حتى تَبْلُغَ أَنْ تُؤَيَّسَ من الْمَحِيضِ إلَّا أَنْ تَكُونَ بَلَغَتْ السِّنَّ التي يُؤَيَّسُ مِثْلُهَا فيها من الْمَحِيضِ فَتَتَرَبَّصُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ تَعْتَدُّ بَعْدَ التِّسْعَةِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ ( قال ) وَأَعْجَلُ من سَمِعْت بِهِ من النِّسَاءِ حِضْنَ نِسَاءُ تِهَامَةَ يَحِضْنَ لِتِسْعِ سِنِينَ فَلَوْ رَأَتْ امْرَأَةٌ الْحَيْضَ قبل تِسْعِ سِنِينَ فَاسْتَقَامَ حَيْضُهَا اعْتَدَّتْ بِهِ وَأَكْمَلَتْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ في ثَلَاثِ حِيَضٍ فَإِنْ ارْتَفَعَ عنها الْحَيْضُ وقد رَأَتْهُ في هذه السِّنِينَ فَإِنْ رَأَتْهُ كما تَرَى الْحَيْضَةَ وَدَمُ الْحَيْضَةِ بِلَا عِلَّةٍ إلَّا كَعِلَلِ الْحَيْضَةِ وَدَمِ الْحَيْضَةِ ثُمَّ ارْتَفَعَ لم تَعْتَدَّ إلَّا بِالْحَيْضِ حتى تُؤَيَّسَ من الْمَحِيضِ فَإِنْ رَأَتْ دَمًا يُشْبِهُ دَمَ الْحَيْضَةِ لِعِلَّةٍ في هذه السِّنِّ اكْتَفَتْ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ إذَا لم يَتَتَابَعْ عليها في هذه السِّنِّ ولم تَعْرِفْ أَنَّهُ حَيْضٌ لم يَكُنْ حَيْضًا إلَّا أَنْ تَرْتَابَ فَتَسْتَبْرِئَ نَفْسَهَا من الرِّيبَةِ وَمَتَى رَأَتْ الدَّمَ بَعْدَ التِّسْعِ سِنِينَ فَهُوَ حَيْضٌ إلَّا أَنْ تَرَاهُ من شَيْءٍ أَصَابَهَا في فَرْجِهَا من جُرْحٍ أو قُرْحَةٍ أو دَاءٍ فَلَا يَكُونُ حَيْضًا وَتَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً بَالِغًا بِنْتَ عِشْرِينَ سَنَةً
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) هذا كما قال عَطَاءٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهِيَ آثِمَةٌ إلَّا أَنْ يَرْتَجِعَهَا فَإِنْ ارْتَجَعَهَا وقد قالت قد انْقَضَتْ عِدَّتِي ثُمَّ أَكَذَبَتْ نَفْسَهَا فَرَجَعَتْهُ عليها ثَابِتَةً أَلَا تَرَى أَنَّهُ إنْ ارْتَجَعَهَا فقالت قد انْقَضَتْ عِدَّتِي فَأُحْلِفَتْ فَنَكَلَتْ فَحَلَفَ كانت له عليها الرَّجْعَةُ وَلَوْ أَقَرَّتْ أَنْ لم تَنْقَضِ عِدَّتُهَا كانت له عليها الرَّجْعَةُ لِأَنَّهُ حَقٌّ له جَحَدَتْهُ ثُمَّ أَقَرَّتْ بِهِ - * عِدَّةُ التي يَئِسَتْ من الْمَحِيضِ وَاَلَّتِي لم تَحِضْ - *

(5/214)


أو أَكْثَرَ لم تَحِضْ قَطُّ فَاعْتَدَّتْ بِالشُّهُورِ فَأَكْمَلَتْهَا ثُمَّ حَاضَتْ كانت مُنْقَضِيَةَ الْعِدَّةِ بِالشُّهُورِ كَاَلَّتِي لم تَبْلُغْ تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ تَحِيضُ فَلَا يَكُونُ عليها عِدَّةٌ مُسْتَقْبَلَةٌ وقد أَكْمَلَتْهَا بِالشُّهُورِ وَلَوْ لم تُكْمِلْهَا حتى حَاضَتْ اسْتَقْبَلَتْ الْحَيْضَ وَسَقَطَتْ الشُّهُورُ - * بَابُ لَا عِدَّةَ على التي لم يَدْخُلْ بها زَوْجُهَا - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَكَانَ بَيِّنًا في حُكْمِ اللَّهِ عز وجل أَنْ لَا عِدَّةَ على الْمُطَلَّقَةِ قبل أَنْ تُمَسَّ وَأَنَّ الْمَسِيسَ هو الْإِصَابَةُ ولم أَعْلَمْ في هذا خِلَافًا ثُمَّ اخْتَلَفَ بَعْضُ الْمُفْتِينَ في الْمَرْأَةِ يَخْلُو بها زَوْجُهَا فَيُغْلِقُ بَابًا وَيُرْخِي سِتْرًا وَهِيَ غَيْرُ مُحْرِمَةٍ وَلَا صَائِمَةٍ فقال بن عَبَّاسٍ وَشُرَيْحٌ وَغَيْرُهُمَا لَا عِدَّةَ عليها إلَّا بِالْإِصَابَةِ نَفْسِهَا لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل هَكَذَا قال
أخبرنا مُسْلِمٌ عن بن جُرَيْجٍ عن لَيْثٍ عن طَاوُسٍ عن بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما أَنَّهُ قال في الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ فَيَخْلُو بها وَلَا يَمَسُّهَا ثُمَّ يُطَلِّقُهَا ليس لها إلَّا نِصْفُ الصَّدَاقِ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل يقول { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ من قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وقد فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهَذَا أَقُولُ وهو ظَاهِرُ كِتَابِ اللَّهِ عز ذِكْرُهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ وَلَدَتْ الْمَرْأَةُ التي قال زَوْجُهَا لم أَدْخُلْ بها إلَى أَرْبَعِ سِنِينَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ من يَوْمِ عَقَدَ عُقْدَةَ نكاحها ( ( ( إنكاحها ) ) ) لَزِمَ الزَّوْجَ الْوَلَدُ إلَّا بِأَنْ يَلْتَعِنَ فَإِنْ لم يَلْتَعِنْ حتى مَاتَ او عُرِضَ عليه اللِّعَانُ وقد أَقَرَّ بِهِ أو نَفَاهُ أو لم يُقِرَّ بِهِ ولم يَنْفِهِ لَحِقَ نَسَبُهُ بِأَبِيهِ وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ تَامًّا إذَا أَلْزَمْنَاهُ الْوَلَدَ حَكَمْنَا عليه بِأَنَّهُ مُصِيبٌ لها ( قال الرَّبِيعُ ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ إذَا لم يَلْتَعِنْ أَلْحَقْنَا بِهِ الْوَلَدَ ولم نُغَرِّمْهُ إلَّا نِصْفَ الصَّدَاقِ لِأَنَّهَا قد تُسْتَدْخَلُ نُطْفَةً فَتَحْبَلُ فَيَكُونُ وَلَدُهُ من غَيْرِ مَسِيسٍ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ ما اصابها + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ الْتَعَنَ نَفَيْنَا عنه الْوَلَدَ وأحلفناه ما أَصَابَهَا وكان عليه نِصْفُ الْمَهْرِ وَلَوْ أَقَرَّ بِالْخَلْوَةِ بها فقال لم أُصِبْهَا وَقَالَتْ أَصَابَنِي وَلَا وَلَدَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ إذَا جَعَلَتْهُ إذَا طَلَّقَ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا نِصْفُ الصَّدَاقِ إلَّا أَنْ يُصِيبَ وَهِيَ مُدَّعِيَةٌ بِالْإِصَابَةِ عليه نِصْفَ الصَّدَاقِ لَا يَجِبُ إلَّا بِالْإِصَابَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيمَا يدعي عليه مع يَمِينِهِ وَعَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ فَإِنْ جَاءَتْ بِبَيِّنَةٍ بِأَنَّهُ أَقَرَّ بِإِصَابَتِهَا أَخَذَتْهُ بِالصَّدَاقِ كُلِّهِ وَكَذَلِكَ إنْ جَاءَتْ بِشَاهِدٍ أَحَلَفْتهَا مع شَاهِدِهَا وَأَعْطَيْتهَا الصَّدَاقَ فَإِنْ جَاءَتْ بِشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ قَضَيْت لها بِلَا يَمِينٍ وَإِنْ جَاءَتْ بِامْرَأَتَيْنِ لم أُحَلِّفْهَا أو بِأَرْبَعٍ لم أُعْطِهَا بِهِنَّ لَا أُجِيزَ شَهَادَةَ النِّسَاءِ وَحْدَهُنَّ إلَّا على ما لَا يَرَاهُ الرِّجَالُ من عُيُوبِ النِّسَاءِ خَاصَّةً وَوِلَادِهِنَّ أو مع رَجُلٍ * وقد قال غَيْرُنَا إذَا خَلَا بها فَأَغْلَقَ بَابًا وَأَرْخَى سِتْرًا وَلَيْسَ بِمُحْرِمٍ وَلَا هِيَ صَائِمَةٌ جَعَلْت لها الْمَهْرَ تَامًّا وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ تَامَّةً وَلَوْ صَدَّقَتْهُ أَنَّهُ لم يَمَسَّهَا لِأَنَّ الْعَجْزَ جاء من قِبَلِهِ وقال غَيْرُهُ لَا يَكُونُ لها الْمَهْرُ تَامًّا إلَّا بِالْإِصَابَةِ أو بِأَنْ يَسْتَمْتِعَ منها حتى يُخْلِقَ ثِيَابَهَا وَنَحْوَ هذا - * عِدَّةُ الْحُرَّةِ من أَهْلِ الْكِتَابِ عِنْدَ الْمُسْلِمِ وَالْكِتَابِيِّ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْحُرَّةُ وَالْكِتَابِيَّةُ يُطَلِّقُهَا الْمُسْلِمُ أو يَمُوتُ عنها مِثْلُ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ في الْعِدَّةِ وَالنَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى لَا يَخْتَلِفَانِ في شَيْءٍ من الْعِدَّةِ وَالنَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى وَجَمِيعُ ما لَزِمَ الْمُسْلِمَةَ لَازِمٌ لها من الْإِحْدَادِ وَغَيْرِ ذلك وَإِنْ أَسْلَمَتْ في الْعِدَّةِ قبل أَنْ تُكْمِلَهَا لم تَسْتَأْنِفْ وَبَنَتْ على عِدَّتِهَا وَهَكَذَا إنْ طَلَّقَهَا الْكِتَابِيُّ أو مَاتَ عنها وَإِنْ أَرَادَتْ أَنْ تَخْرُجَ في الْعِدَّةِ كان لِلزَّوْجِ حَيًّا وَوَرَثَتِهِ مَيِّتًا من مَنْعِهَا الْخُرُوجَ ما لهم من مَنْعِ الْمُسْلِمَةِ لَا يَخْتَلِفَانِ في شَيْءٍ غير أنها لَا تَرِثُ الْمُسْلِمَ وَلَا يَرِثُهَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ من قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ من عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا }

(5/215)


- * الْعِدَّةُ من الْمَوْتِ وَالطَّلَاقِ وَالزَّوْجُ غَائِبٌ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ ذَكَرَ اللَّهُ عز وجل الْعِدَدَ من الطَّلَاقِ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ وَثَلَاثَةِ اشهر وَمِنْ الْوَفَاةِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ وَذَكَرَ اللَّهُ الطَّلَاقَ لِلرِّجَالِ بِاثْنَتَيْنِ وَثَلَاثَةٍ فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ ذلك كُلُّهُ على الْأَحْرَارِ وَالْحَرَائِرِ وَالْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ ذلك على بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ وكان عز وجل قد فَرَّقَ في حَدِّ الزَّانِي بين الْمَمَالِيكِ وَالْأَحْرَارِ فقال { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } وقال في الْإِمَاءِ { فإذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما على الْمُحْصَنَاتِ من الْعَذَابِ } وقال في الشَّهَادَاتِ { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } فلم يَخْتَلِفْ من لَقِيت أنها على الْأَحْرَارِ دُونَ الْعَبِيدِ وَذَكَرَ الْمَوَارِيثَ فلم يَخْتَلِفْ أَحَدٌ لَقِيته في أَنَّ الْمَوَارِيثَ لِلْأَحْرَارِ دُونَ الْعَبِيدِ وَرَجَمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الثَّيِّبَ الْحُرَّ الزَّانِيَ ولم يَخْتَلِفْ من لَقِيت أَنْ لَا رَجْمَ على عَبْدٍ ثَيِّبٍ ( قال ) وَفَرَضَ اللَّهُ عز وجل الْعِدَّةَ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ أو ثَلَاثَةَ اشهر وفي الْمَوْتِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَسَنَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ تُسْتَبْرَأَ الْأَمَةُ بِحَيْضَةٍ فَفَرَّقَ بين اسْتِبْرَاءِ الْأَمَةِ وَالْحُرَّةِ وَكَانَتْ الْعِدَّةُ في الْحَرَائِرِ اسْتِبْرَاءً وَتَعَبُّدًا وَكَذَلِكَ الْحَيْضَةُ في الْأَمَةِ اسْتِبْرَاءٌ وَتَعَبُّدٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فلم أَعْلَمْ مُخَالِفًا مِمَّنْ حَفِظْت عنه من أَهْلِ الْعِلْمِ في أَنَّ عِدَّةَ الْأَمَةِ نِصْفُ عِدَّةِ الْحُرَّةِ فِيمَا كان له نِصْفٌ مَعْدُودٌ ما لم تَكُنْ حَامِلًا فلم يَجُزْ إذْ وَجَدْنَا ما وَصَفْت من الدَّلَائِلِ على الْفَرْقِ فِيمَا ذَكَرْنَا وَغَيْرِهِ بين عِدَّةِ الْأَمَةِ وَالْحُرَّةِ إلَّا أَنْ تُجْعَلَ عِدَّةُ الْأَمَةِ نِصْفَ عِدَّةِ الْحُرَّةِ فِيمَا له نِصْفٌ وَذَلِكَ الشُّهُورُ فَأَمَّا الْحَيْضُ فَلَا يُعْرَفُ له نِصْفٌ فَتَكُونُ عِدَّتُهَا فيه أَقْرَبَ الْأَشْيَاءِ من النِّصْفِ إذَا لم يَسْقُطْ من النِّصْفِ شَيْءٌ وَذَلِكَ حَيْضَتَانِ وَلَوْ جَعَلْنَاهَا حَيْضَةً أَسْقَطْنَا نِصْفَ حَيْضَةٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْقُطَ عنها من الْعِدَّةِ شَيْءٌ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ قال اللَّهُ عز وجل { وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } وقال { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } وقال عز ذِكْرُهُ { وَاَللَّائِي يَئِسْنَ من الْمَحِيضِ من نِسَائِكُمْ إنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاَللَّائِي لم يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } قال فَكَانَ بَيِّنًا في حُكْمِ اللَّهِ عز ذِكْرُهُ أَنَّ الْعِدَّةَ من يَوْمِ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَتَكُونُ الْوَفَاةُ ( قال ) وإذا عَلِمَتْ الْمَرْأَةُ يَقِينَ وَفَاةِ الزَّوْجِ أو طَلَاقِهِ بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ لها على مَوْتِهِ أو طَلَاقِهِ أو أَيِّ عِلْمٍ صَادِقٍ ثَبَتَ عِنْدَهَا اعْتَدَّتْ من يَوْمِ يَكُونُ الطَّلَاقُ وَتَكُونُ الْوَفَاةُ ( 1 ) وَإِنْ لم تَعْتَدَّ حتى تَمْضِيَ عِدَّةُ الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ لم يَكُنْ عليها عِدَّةٌ لِأَنَّ الْعِدَّةَ إنَّمَا هِيَ مُدَّةٌ تَمُرُّ عليها فإذا مَرَّتْ عليها فَلَيْسَ عليها مَقَامُ مِثْلِهَا ( قال ) وإذا خَفِيَ ذلك عليها وقد اسْتَيْقَنَتْ بِالطَّلَاقِ أو الْوَفَاةِ اعْتَدَّتْ من يَوْمِ اسْتَيْقَنَتْ أنها اعْتَدَّتْ منه وقد رُوِيَ عن غَيْرِ وَاحِدٍ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم انه قال تَعْتَدُّ من يَوْمِ يَكُونُ الطَّلَاقُ أو الْوَفَاةُ أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ الرَّجُلُ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ أو يَمُوتُ عنها وهو بِمِصْرٍ وَهِيَ بِمِصْرٍ آخَرَ من أَيِّ يَوْمٍ تَعْتَدُّ قال من يَوْمِ مَاتَ أو طَلَّقَهَا تَعْتَدُّ
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن دَاوُد بن أبي عَاصِمٍ قال سمعت سَعِيدَ بن الْمُسَيِّبِ يقول إذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ فَمِنْ يَوْمِ طَلَّقَهَا أو مَاتَ عنها
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن بن شِهَابٍ أَنَّهُ قال في رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قال تَعْتَدُّ من يَوْمِ طَلُقَتْ
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن أبي ذِئْبٍ عن الزُّهْرِيِّ قال الْمُتَوَفَّى عنها تَعْتَدُّ من يَوْمِ مَاتَ وَالْمُطَلَّقَةُ من يَوْمِ طَلُقَتْ - * عِدَّةُ الْأَمَةِ - *

(5/216)


فَأَمَّا الْحَمْلُ فَلَا نِصْفَ له قد يَكُونُ يَوْمًا من يَوْمٍ وَقَعَ عليها الطَّلَاقُ وَسُنَّةً وَأَكْثَرَ كما لم يَكُنْ لِلْقَطْعِ نِصْفٌ فَيُقْطَعُ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَالْأَمَةُ وَالْحُرَّةُ وكان لِلزِّنَا حَدَّانِ أَحَدُهُمَا الْجَلْدُ فَكَانَ له نِصْفٌ فَجُعِلَ عليها النِّصْفُ ولم يَكُنْ لِلرَّجْمِ نِصْفٌ فلم يُجْعَلْ عليها ولم يُبْطِلْ عنها حَدَّ الزنى وَحُدَّتْ بِأَحَدِ حَدَّيْهِ على الْأَحْرَارِ وَبِهَذَا مَضَتْ الْآثَارُ عَمَّنْ رَوَيْنَا عنه من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا تَزَوَّجَتْ الْأَمَةُ الْحُرَّ أو الْعَبْدَ فَطَلَّقَهَا أو مَاتَ عنها فَسَوَاءٌ وَالْعِدَّةُ بها تَعْتَدُّ إذَا كانت مِمَّنْ تَحِيضُ حَيْضَتَيْنِ إذَا دَخَلَتْ في الدَّمِ من الْحَيْضَةِ الثَّانِيَةِ حَلَّتْ وَتَعْتَدُّ في الشُّهُورِ خَمْسًا وَأَرْبَعِينَ إذَا كانت مِمَّنْ لَا تَحِيضُ من صِغَرٍ أو كِبَرٍ وَتَعْتَدُّ في الْوَفَاةِ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَ لَيَالٍ وفي الْحَمْلِ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا مُتَوَفًّى عنها أو كانت مُطَلَّقَةً ( قال ) وَلِزَوْجِهَا في الطَّلَاقِ إذَا كانت يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ عليها ما على الْحُرَّةِ في عِدَّتِهَا وَكَذَلِكَ عليه من نَفَقَتِهَا في الْعِدَّةِ ما عليه من نَفَقَةِ الْحُرَّةِ وَلَا يَسْقُطُ ذلك عنه إلَّا أَنْ يُخْرِجَهَا سَيِّدُهَا فَيَمْنَعَهَا الْعِدَّةَ في مَنْزِلِهِ فَتَسْقُطَ النَّفَقَةُ عنه كما تَسْقُطُ لو كانت له زَوْجَةٌ فَأَخْرَجَهَا عنه إلَى بَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِهِ وَكَذَلِكَ إنْ كانت مُطَلَّقَةً طَلَاقًا لَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ كانت عليه نَفَقَتُهَا حَامِلًا ما لم يُخْرِجْهَا سَيِّدُهَا من مَنْزِلِهِ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل يقول في الْمُطَلَّقَاتِ { وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حتى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } ولم نَجِدْ أَثَرًا لَازِمًا وَلَا إجْمَاعًا بِأَنْ لَا يُنْفَقَ على الْأَمَةِ الْحَامِلِ وَلَوْ ذَهَبْنَا إلَى أَنْ نَزْعُمَ أَنَّ النَّفَقَةَ على الْحَامِلِ إنَّمَا هِيَ لِلْحَمْلِ كانت نَفَقَةُ الْحَمْلِ لَا تَبْلُغُ بَعْضَ نَفَقَةِ أمه وَكَمَا يَكُونُ لو كان مَوْلُودًا لم تَبْلُغْ نَفَقَتُهُ بَعْضَ نَفَقَةِ أُمِّهِ وَلَكِنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا اتِّبَاعُهُ تَعَبُّدًا وقد ذَهَبَ بَعْضُ الناس إلَى أَنْ جَعَلَ لِلْمُطَلَّقَةِ لَا يَمْلِكُ زَوْجُهَا رَجْعَتَهَا النَّفَقَةَ قِيَاسًا على الْحَامِلِ فقال الْحَامِلُ مَحْبُوسَةٌ بِسَبَبِهِ وَكَذَلِكَ الْمُعْتَدَّةُ بِغَيْرِ الْحَمْلِ مَحْبُوسَةٌ بِسَبَبِهِ عن الْأَزْوَاجِ فَذَهَبْنَا إلَى أَنَّهُ غَلَطٌ وَإِنَّمَا أَنْفَقْنَا على الْحَامِلِ بِحُكْمِ اللَّهِ عز وجل لَا بِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ بِسَبَبِهِ وقد تَكُونُ مَحْبُوسَةً بِسَبَبِهِ بِالْمَوْتِ وَلَا نَفَقَةَ لها وَاسْتَدْلَلْنَا بِالسُّنَّةِ على أَنْ لَا نَفَقَةَ لِلَّتِي لَا يَمْلِكُ زَوْجُهَا رَجْعَتَهَا إذَا لم تَكُنْ حَامِلًا ( قال ) وَالْأَمَةُ في النَّفَقَةِ بَعْدَ الْفِرَاقِ وَالسُّكْنَى ما كانت في الْعِدَّةِ كَالْحُرَّةِ إلَّا ما وَصَفْت من أَنْ يُخْرِجَهَا سَيِّدُهَا
أخبرنا سُفْيَانُ عن مُحَمَّدِ بن عبد الرحمن مولى أبي طَلْحَةَ عن سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ عن عبد اللَّهِ بن عُتْبَةَ عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّهُ قال يَنْكِحُ الْعَبْدُ امْرَأَتَيْنِ وَيُطَلِّقُ تَطْلِيقَتَيْنِ وَتَعْتَدُّ الْأَمَةُ حَيْضَتَيْنِ فَإِنْ لم تَكُنْ تَحِيضُ فَشَهْرَيْنِ أو شَهْرًا وَنِصْفًا قال سُفْيَانُ وكان ثِقَةً
أخبرنا سُفْيَانُ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن عَمْرِو بن أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ عن رَجُلٍ من ثَقِيفٍ أَنَّهُ سمع عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تعالى عنه يقول لو اسْتَطَعْت لَجَعَلْتهَا حَيْضَةً وَنِصْفًا فقال رَجُلٌ فَاجْعَلْهَا شَهْرًا وَنِصْفًا فَسَكَتَ عُمَرُ ( قال ) وإذا طَلَّقَ الْحُرُّ أو الْعَبْدُ الْأَمَةَ طَلَاقًا يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ فَعِدَّتُهَا عِدَّةُ أَمَةٍ وإذا مَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ عَتَقَتْ لم تَعُدْ لِعِدَّةٍ ولم تَزِدْ على عِدَّتِهَا الْأُولَى وَإِنْ أُعْتِقَتْ قبل مُضِيِّ الْعِدَّةِ بِسَاعَةٍ أو أَقَلَّ أَكْمَلَتْ عِدَّةَ حُرَّةٍ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَقَعَ وَهِيَ في مَعَانِي الْأَزْوَاجِ في عَامَّةِ أَمْرِهَا فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الطَّلَاقِ الذي يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ قبل الْعِتْقِ لم تَرِثْهُ وَكَذَلِكَ لو مَاتَتْ لم يَرِثْهَا وَإِنْ مَاتَ أو مَاتَتْ وقد عَتَقَتْ قبل مُضِيِّ عِدَّتِهَا عِدَّةَ الْأَمَةِ وَقَبْلَ مُضِيِّ عِدَّةِ الْحُرَّةِ تَوَارَثَا وَيَقَعُ عليها ايلاؤه وَطَلَاقُهُ وَظِهَارُهُ وما يَقَعُ بين الزَّوْجَيْنِ ( قال ) وإذا كان طَلَاقُهُ وَإِيلَاؤُهُ وَظِهَارُهُ يَقَعُ عليها إذَا طَلُقَتْ طَلَاقًا يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا فَعَتَقَتْ قبل أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا لم يَجُزْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ إلَّا أَنْ تَعْتَدَّ عِدَّةَ حُرَّةٍ وَيَتَوَارَثَانِ قبل انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا التي لَزِمَتْهَا بِالْحُرِّيَّةِ وَلَوْ كانت الْأَمَةُ عِنْدَ عَبْدٍ فَطَلَّقَهَا طَلَاقًا يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ فلم تَنْقَضِ عِدَّتُهَا حتى عَتَقَتْ فَاخْتَارَتْ فِرَاقَهُ كان ذلك لها وكان اخْتِيَارُهَا فِرَاقَهُ فَسْخًا بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَتُكْمِلُ منه عِدَّةَ حُرَّةٍ من الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهَا صَارَتْ حُرَّةً قبل أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا من طَلَاقٍ يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ وَلَا تَسْتَأْنِفُ عِدَّةً لِأَنَّهُ لو كان أَحْدَثَ لها رَجْعَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا ولم يُصِبْهَا بَنَتْ على الْعِدَّةِ الْأُولَى لِأَنَّهَا مُطَلَّقَة

(5/217)


لم تُمَسَّ فَإِنَّمَا عليها من الْعِدَّةِ الْأُولَى إكْمَالُ عِدَّةِ حُرَّةٍ وَلَوْ كان طَلَاقُ الْأَمَةِ طَلَاقًا لَا يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ ثُمَّ عَتَقَتْ في الْعِدَّةِ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَبْنِيَ على الْعِدَّةِ الْأُولَى وَأَنْ لَا خِيَارَ لها لِأَنَّهَا غَيْرُ زَوْجَةٍ وَلَا تَسْتَأْنِفُ عِدَّةً لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ وَلَا في مَعَانِي الْأَزْوَاجِ لَا يَقَعُ عليها طَلَاقُهُ وَلَا إيلَاؤُهُ وَلَا ظِهَارُهُ وَلَا يَتَوَارَثَانِ لو كَانَا في تِلْكَ الْحَالِ حُرَّيْنِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ عليها أَنْ تُكْمِلَ عِدَّةَ حُرَّةٍ وَلَا تَكُونُ حُرَّةً تُكْمِلُ عِدَّةَ أَمَةٍ وَمَنْ ذَهَبَ إلَى هذا ذَهَبَ إلَى أَنْ يَقِيسَهُ على الْعِدَّةِ في الطَّلَاقِ الذي يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ وقال الْمَرْأَةُ تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ ثُمَّ تَحِيضُ تَسْتَقْبِلُ الْحَيْضَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ في بَعْضِ عِدَّتِهَا مِمَّنْ تَحِيضُ وَهِيَ تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ فيقول وَهَكَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ في بَعْضِ عِدَّتِهَا حُرَّةً وَهِيَ تَعْتَدُّ عِدَّةَ أَمَةٍ وقال في الْمُسَافِرِ يُصَلِّي رَكْعَةً ثُمَّ يَنْوِي الْمُقَامَ يُتِمُّ أَرْبَعًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ في بَعْضِ صَلَاتِهِ مُقِيمًا يُصَلِّي صَلَاةَ مُسَافِرٍ وَهَذَا أَشْبَهَ الْقَوْلَيْنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالْقِيَاسِ ( قال ) وَالْأَمَةُ من الْأَزْوَاجِ فإذا اجْتَمَعَتْ عليها عِدَّتَانِ قَضَتْهُمَا كما تَقْضِيهِمَا الْحُرَّةُ وَهِيَ في النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَالْإِحْدَادِ كَالْحُرَّةِ يَثْبُتُ عليها ما يَثْبُتُ على الْحُرَّةِ وَيُرَدُّ عنها ما يُرَدُّ عنها - * اسْتِبْرَاء أُمّ الْوَلَدِ - *
أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ قال في أُمِّ الْوَلَدِ يُتَوَفَّى عنها سَيِّدُهَا قال تَعْتَدُّ بِحَيْضَةٍ (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا وَلَدَتْ الْأَمَةُ من سَيِّدِهَا فَأَعْتَقَهَا أو مَاتَ عنها اسْتَبْرَأَتْ بِحَيْضَةٍ وَلَا تَحِلُّ من الْحَيْضَةِ لِلْأَزْوَاجِ حتى تَرَى الطُّهْرَ فإذا رَأَتْهُ حَلَّتْ وَإِنْ لم تَغْتَسِلْ وَإِنْ أَعْتَقَهَا أو مَاتَ عنها وَهِيَ حَائِضٌ لم يُعْتَدَّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ وَإِنْ أَعْتَقَهَا أو مَاتَ عنها وَهِيَ لَا تَعْلَمُ فَاسْتَيْقَنَتْ أنها قد حَاضَتْ بَعْدَ الْعِتْقِ حَلَّتْ وَإِنْ لم تَسْتَيْقِنْ اسْتَبْرَأَتْ نَفْسَهَا بِحَيْضَةٍ من سَاعَةِ يَقِينِهَا ثُمَّ حَلَّتْ ( قال ) وَإِنْ كانت حَامِلًا فَأَجَلُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا وَإِنْ اسْتَرَابَتْ لم تُنْكَحْ حتى تُسْتَبْرَأَ وَهِيَ كَالْحُرَّةِ في الِاسْتِبْرَاءِ من الْعِدَّةِ سَوَاءٌ وإذا وَلَدَتْ جَارِيَةُ الرَّجُلِ منه أَحْبَبْت له أَنْ لَا يُزَوِّجَهَا وَإِنْ اسْتَبْرَأَهَا ثُمَّ زَوَّجَهَا فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ عليها رَضِيَتْ أو لم تَرْضَ فَإِنْ مَاتَ سَيِّدُهَا ولم يُطَلِّقْهَا زَوْجُهَا ولم يَمُتْ فَلَا اسْتِبْرَاءَ عليها من سَيِّدِهَا وَإِنْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا طَلَاقًا يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ أو طَلَاقًا بَائِنًا فلم تَنْقَضِ عِدَّتُهَا حتى مَاتَ سَيِّدُهَا لم يَكُنْ عليها اسْتِبْرَاءٌ من سَيِّدِهَا لِأَنَّ فَرْجَهَا مَمْنُوعٌ منه بِشَيْءٍ أَبَاحَهُ لِغَيْرِهِ بِنِكَاحٍ وَعِدَّةٍ من نِكَاحٍ وَكَذَلِكَ لو مَاتَ عنها زَوْجُهَا فلم تَنْقَضِ عِدَّتُهَا منه حتى يَمُوتَ سَيِّدُهَا لم تَسْتَبْرِئْ من سَيِّدِهَا لِأَنَّ فَرْجَهَا مَمْنُوعٌ منه بِعِدَّةٍ من نِكَاحٍ وَلَوْ مَاتَ زَوْجُهَا أو طَلَّقَهَا فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا منه ثُمَّ مَاتَ سَيِّدُهَا اسْتَبْرَأَتْ من سَيِّدِهَا بِحَيْضَةٍ ( قال ) وَلَوْ مَاتَ زَوْجُهَا وَسَيِّدُهَا وَيُعْلَمُ أَنَّ أَحَدَهُمَا مَاتَ قبل الْآخَرِ بِيَوْمٍ أو شَهْرَيْنِ وَخَمْسِ لَيَالٍ أو أَكْثَرَ وَلَا يُعْلَمُ أَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلُ اعْتَدَّتْ من حِينِ مَاتَ الْآخَرُ مِنْهُمَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا تَأْتِي فيها بِحَيْضَةٍ وَإِنَّمَا قُلْنَا تَدْخُلُ إحْدَى الْعِدَّتَيْنِ في الْأُخْرَى أَنَّهُمَا لَا يَلْزَمَانِهَا مَعًا وَإِنَّمَا يَلْزَمُهَا إحْدَاهُمَا فإذا جَاءَتْ بِهِمَا مَعًا على الْكَمَالِ في وَقْتٍ وَاحِدٍ فَذَلِكَ أَكْثَرُ ما يَلْزَمُهَا إنْ كان سَيِّدُهَا مَاتَ قبل زَوْجِهَا فَلَا اسْتِبْرَاءَ عليها من سَيِّدِهَا وَعَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَإِنْ كان زَوْجُهَا مَاتَ قبل سَيِّدِهَا ولم تَسْتَكْمِلْ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَ لَيَالٍ فَلَا اسْتِبْرَاءَ عليها من سَيِّدِهَا وَإِنْ كان سَيِّدُهَا مَاتَ بَعْدَ مُضِيِّ شَهْرَيْنِ وَخَمْسِ لَيَالٍ فَعَلَيْهَا أَنْ تَسْتَبْرِئَ من سَيِّدِهَا بِحَيْضَةٍ وَلَا تَرِثُ زَوْجَهَا حتى تَسْتَيْقِنَ أَنَّ سَيِّدَهَا مَاتَ قبل زَوْجِهَا وَلَوْ كان زَوْجُ هذه طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ ثُمَّ مَاتَ سَيِّدُهَا ثُمَّ مَاتَ زَوْجُهَا وَهِيَ في الْعِدَّةِ وكان الزَّوْجُ حُرًّا اعْتَدَّتْ عِدَّةَ الْوَفَاةِ من يَوْمِ مَاتَ زَوْجُهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَوَرِثَتْ زَوْجَهَا ولم تُبَالِ أَنْ لَا تَأْتِيَ بِحَيْضَةٍ لِأَنَّهُ لَا اسْتِبْرَاءَ عليها من سَيِّدِهَا إذَا كانت في عِدَّةٍ من زَوْجِهَا وَلَوْ كان زَوْجُهَا عَبْدًا فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ ثُمَّ مَاتَ سَيِّدُهَا وَهِيَ في عِدَّتِهَا من الطَّلَاقِ أ

(5/218)


أَعْتَقَهَا فلم تَخْتَرْ فِرَاقَ الزَّوْجِ حتى مَاتَ الزَّوْجُ حُرًّا كان لها منه الْمِيرَاثُ وَتَسْتَقْبِلُ منه عِدَّةَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا من يَوْمِ مَاتَ الزَّوْجُ وَلَا اسْتِبْرَاءَ عليها من سَيِّدِهَا وَلَوْ اخْتَارَتْ فِرَاقَهُ حين عَتَقَتْ قبل أَنْ يَمُوتَ كان الْفِرَاقُ فَسْخًا بِغَيْرِ طَلَاقٍ ولم يَكُنْ عليها عِدَّةُ وَفَاةٍ ولم تَرِثْهُ وَأَكْمَلَتْ عِدَّةَ الطَّلَاقِ ولم يَكُنْ له عليها رَجْعَةٌ بَعْدَ اخْتِيَارِهَا فِرَاقَهُ قبل مَوْتِهِ وَلَا اسْتِبْرَاءَ لِسَيِّدِهَا ( قال ) وإذا جَاءَتْ أُمُّ وَلَدِ رَجُلٍ بَعْدَ مَوْتِهِ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ ما تَلِدُ له النِّسَاءُ من آخِرِ سَاعَاتِ حَيَاتِهِ فَالْوَلَدُ لَاحِقٌ بِهِ وَهَكَذَا في الْحَيَاةِ لو أَعْتَقَهَا إذَا لم يَدَّعِ أَنَّهُ اسْتَبْرَأَهَا وَلَوْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِمَّا تَلِدُ له النِّسَاءُ من يَوْمِ مَاتَ أو أَعْتَقَ لم يَلْزَمْهُ ( قال ) وَعِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ إذَا كانت حَامِلًا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا وَإِنْ لم تَكُنْ حَامِلًا فَحَيْضَةٌ ( قال ) وإذا مَاتَ الرَّجُلُ عن مُدَبَّرَةٍ له كان يَطَؤُهَا أو أَمَةٍ كان يَطَؤُهَا اسْتَبْرَأَتْ بِحَيْضَةٍ فَإِنْ نَكَحَتْ هِيَ أو أُمُّ الْوَلَدِ قَبْلَهَا فُسِخَ النِّكَاحُ وَإِنْ كانت أمة ( ( ( امرأة ) ) ) لَا يَطَؤُهَا فَلَا اسْتِبْرَاءَ عليها وَأَحَبُّ إلَيَّ لو لم تَنْكِحْ حتى تَسْتَبْرِئَ نَفْسَهَا وإذا كانت لِلْعَبْدِ امْرَأَةٌ ثُمَّ كَاتَبَ فَاشْتَرَاهَا لِلتِّجَارَةِ فَالشِّرَاءُ جَائِزٌ كما يَجُوزُ شِرَاؤُهُ لِغَيْرِهَا وَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ إذَا جَعَلْته يَمْلِكُهَا لم أَجْعَلْ له نِكَاحَهَا وَتَعْتَدُّ من النِّكَاحِ بِحَيْضَتَيْنِ فَإِنْ لم تَكُنْ تَحِيضُ فَشَهْرٌ وَنِصْفٌ وَلَيْسَ له أَنْ يَطَأَهَا بِالْمِلْكِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مِلْكًا تَامًّا وَإِنْ عَتَقَ قبل مُضِيِّ عِدَّتِهَا كان له أَنْ يَطَأَهَا وَهِيَ تَعْتَدُّ من مِائَةٍ إنَّمَا تَحْرُمُ على غَيْرِهِ في عِدَّتِهَا منه وَلَا تَحْرُمُ عليه وَلَا أَكْرَهُ له وَطْأَهَا في هذه الْحَالِ إنَّمَا أَكْرَهُ له ذلك في الْمَاءِ الْفَاسِدِ وَلَا أُحَرِّمُهُ عليه وَلَا أُفْسِدُ النِّكَاحَ وَلَوْ وَقَعَ وَهِيَ تَعْتَدُّ من الْمَاءِ الْفَاسِدِ وَلَوْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ قبل أَنْ يُؤَدِّيَ أَكْمَلَتْ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا من انْفِسَاخِ نِكَاحِهِ وَكَانَتْ مَمْلُوكَةً لِلسَّيِّدِ تَرَكَ وَفَاءً أو لم يَتْرُكْهُ أو وَلَدًا كَانُوا معه في الْكِتَابَةِ أو أَحْرَارًا ولم يَدَّعِهِمْ وَلَوْ رضي السَّيِّدُ أَنْ يُزَوِّجَهُ إيَّاهَا فَزَوَّجَهُ إيَّاهَا لم يَجُزْ لِأَنَّهَا مِلْكٌ لِلْمُكَاتَبِ كما يَمْلِكُ مَالَهُ وَلَوْ رضي أَنْ يَتَسَرَّاهَا لم يَكُنْ ذلك له وَلَوْ تَسَرَّاهَا الْمُكَاتَبُ فَوَلَدَتْ أَلْحَقْت بِهِ الْوَلَدَ وَمَنَعْته الْوَطْءَ وَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَبِيعُهَا بِحَالٍ خَافَ الْعَجْزَ أو لم يَخَفْهُ لِأَنِّي قد حَكَمْت لِوَلَدِهَا بِحُكْمِ الْحُرِّيَّةِ إنْ عَتَقَ أَبُوهُ وَالثَّانِي أَنَّ له بَيْعَهَا إنْ خَافَ الْعَجْزَ وَلَا يَجُوزُ له أَنْ يَبِيعَهَا إنْ لم يَخَفْهُ وَإِنْ مَاتَ اسْتَبْرَأَتْ بِحَيْضَةٍ كما تَسْتَبْرِئُ الْأَمَةُ وَكَذَلِكَ إذَا مَنَعْته وَطْأَهَا أو أَرَادَ بَيْعَهَا اسْتَبْرَأَتْ بِحَيْضَةٍ لَا تَزِيدُ عليها وإذا تَزَوَّجَ الْمُكَاتَبُ امْرَأَةً حُرَّةً ثُمَّ وَرِثَتْهُ فَسَدَ النِّكَاحُ وَاعْتَدَّتْ منه عِدَّةَ مُطَلَّقَةٍ وَإِنْ مَاتَ ( 1 ) حين تَمْكُثُهُ حُرًّا أو مَمْلُوكًا فَسَوَاءٌ النِّكَاحُ يَنْفَسِخُ وَعِدَّتُهَا عِدَّةُ مُطَلَّقَةٍ لَا عِدَّةُ مُتَوَفًّى عنها زَوْجُهَا وَلَا تَرِثُ منه إنْ كان حُرًّا لِأَنَّ النِّكَاحَ انْفَسَخَ سَاعَةَ وَقَعَ عَقْدُ الْمِلْكِ وَهَذَا لو كانت بِنْتَ سَيِّدِهِ زَوَّجَهُ إيَّاهَا بِإِذْنِهَا فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ وَمَتَى وَرِثَتْ منه شيئا كان كما وَصَفْت وإذا مَاتَ الرَّجُلُ وَجَاءَتْ امْرَأَتُهُ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ ما تَلِدُ له النِّسَاءُ أَلْزَمْت الْمَيِّتَ الْوَلَدَ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أو لم تُقِرَّ بها ما لم تَنْكِحْ زَوْجًا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ منه وَلَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَأَنْكَرَ الْوَرَثَةُ أَنْ تَكُونَ وَلَدَتْهُ فَجَاءَتْ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ يَشْهَدْنَ على أنها وَلَدَتْهُ لَزِمَ الْمَيِّتَ وَهَكَذَا كُلُّ زَوْجٍ جَحَدَ ولد ( ( ( ولاد ) ) ) امْرَأَتِهِ ولم يَقْذِفْهَا فقال لم تَلِدِي هذا الْوَلَدَ لم يَلْزَمْهُ إلَّا بِأَنْ يُقِرَّ بِهِ أو بِالْحَمْلِ بِهِ أو تَأْتِيَ الْمَرْأَةُ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ يَشْهَدْنَ على وِلَادِهَا فَيَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ بِلِعَانٍ وإذا نَكَحَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فلم يُقِرَّ بِالدُّخُولِ بها وَلَا وَرَثَتُهُ وَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ من يَوْمِ نَكَحَهَا أو أَكْثَرَ لَزِمَهُ وَكَذَلِكَ لو طَلَّقَهَا لَزِمَهُ لِأَكْثَرَ ما تَلِدُ له النِّسَاءُ إلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ بِلِعَانٍ وإذا مَاتَ الصَّبِيُّ الذي لَا يُجَامِعُ مِثْلُهُ عن امْرَأَتِهِ دخل بها أو لم يَدْخُلْ بها حتى مَاتَ فَعِدَّتُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ لِأَنَّ الْحَمْلَ ليس منه وَلَا يَلْحَقُ بِهِ إذَا أَحَاطَ الْعِلْمُ أَنَّ مثله لَا يُنْزِلُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَا في حَيَاتِهِ وَإِنْ وَضَعَتْ الْحَمْلَ قبل أَرْبَعَةِ اشهر وَعَشْرٍ أَكْمَلَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَإِنْ
____________________

(5/219)


مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ وَالْعَشْرِ قبل وَضْعِ الْحَمْلِ حَلَّتْ منه وَتَحِدُّ في الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَالْعَشْرِ وَلَا تَحِدُّ بَعْدَهَا وإذا نَكَحَ الْخَصِيُّ غَيْرُ الْمَجْبُوبِ وَالْخَصِيُّ الْمَجْبُوبُ وَعَلِمَتْ زَوْجَتَاهُمَا قبل النِّكَاحِ فَرَضِيَتَا أو بَعْدَ النِّكَاحِ فَاخْتَارَتَا الْمُقَامَ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وإذا أَصَابَ الْخَصِيُّ غَيْرُ الْمَجْبُوبِ فَهُوَ كَالرَّجُلِ غَيْرِ الْخَصِيِّ يَجِبُ الْمَهْرُ بِإِصَابَتِهِ وإذا كان أبقى لِلْخَصِيِّ شَيْءٌ يَغِيبُ في الْفَرْجِ فَهُوَ كَالْخَصِيِّ غَيْرِ الْمَجْبُوبِ وَإِنْ لم يَبْقَ شَيْءٌ وكان وَالْخَصِيُّ يُنْزِلَانِ لَحِقَهُمَا الْوَلَدُ كما يَلْحَقُ الْفَحْلَ وَاعْتَدَّتْ زَوْجَتَاهُمَا مِنْهُمَا كما تَعْتَدُّ زَوْجَةُ الْفَحْلِ من الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ وَطَلَاقُهُمَا بِكُلِّ حَالٍ إذَا كَانَا بَالِغَيْنِ كَطَلَاقِ الْفَحْلِ الْبَالِغِ وَلَا يَجُوزُ طَلَاقُ الصَّبِيِّ حتى يَسْتَكْمِلَ خَمْسَ عَشْرَةَ أو يَحْتَلِمَ قَبْلَهَا وَلَا طَلَاقُ الْمَعْتُوهِ وَلَا طَلَاقُ الْمَجْنُونِ الذي يُجَنُّ وَيُفِيقُ إذَا طَلَّقَ في حَالِ جُنُونِهِ وَإِنْ طَلَّقَ في حَالِ صِحَّتِهِ جَازَ ( قال ) وَيَجُوزُ طَلَاقُ السَّكْرَانِ وَمَنْ لم يُجِزْ طَلَاقُهُ فَالْمَرْأَةُ امْرَأَتُهُ حتى يَمُوتَ أو يَصِيرَ إلَى أَنْ يَجُوزَ طَلَاقُهُ وَكُلُّ بَالِغٍ مَغْلُوبٍ على عَقْلِهِ يَلْزَمُهُ الْوَلَدُ كما يَلْزَمُ الصَّحِيحَ وَلَا يَكُونُ له أَنْ يَنْفِيَ الْوَلَدَ بِلِعَانٍ لِأَنَّهُ ليس مِمَّنْ يَعْقِلُ لِعَانًا وَلَا تَبِينُ منه امْرَأَتُهُ - * عِدَّةُ الْحَامِلِ - * قال اللَّهُ عز وجل في الْمُطَلَّقَاتِ { وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا تُنْكَحُ الْمُرْتَابَةُ من الْمُطَلَّقَاتِ وَلَا الْمُتَوَفَّى عنها زَوْجُهَا من الْحَمْلِ وَإِنْ أَوْفَيْنَ عِدَدَهُنَّ لِأَنَّهُنَّ لَا يَدْرِينَ ما عِدَدُهُنَّ الْحَمْلُ أو ما اعْتَدْنَ بِهِ وَإِنْ نَكَحْنَ لم نَفْسَخْ النِّكَاحَ وَوَقَفْنَاهُ فَإِنْ بَرِئْنَ من الْحَمْلِ فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ وقد أَسَأْنَ حين نَكَحْنَ وَهُنَّ مُرْتَابَاتٌ وَإِنْ كان الْحَمْلُ مَنَعْنَاهُنَّ الدُّخُولَ حتى يَتَبَيَّنَ أَنْ ليس حَمْلٌ فَإِنْ وَضَعْنَ أَبْطَلْنَا النِّكَاحَ وَإِنْ بَانَ أَنْ لَا حَمْلَ خَلَّيْنَا بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ الدُّخُولِ ( قال ) وَمَتَى وَضَعَتْ الْمُعْتَدَّةُ ما في بَطْنِهَا كُلِّهِ فَقَدْ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَأَيُّ مُطَلَّقَةٍ طَلُقَتْ حَامِلًا فَأَجَلُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا ( قال ) وَلَوْ كانت تَحِيضُ على الْحَمْلِ تَرَكَتْ الصَّلَاةَ وَاجْتَنَبَهَا زَوْجُهَا ولم تَنْقَضِ عِدَّتُهَا بِالْحَيْضِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ من أَهْلِهِ إنَّمَا أَجَلُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا ( قال ) فَإِنْ كانت تَرَى أنها حَامِلٌ وَهِيَ تَحِيضُ فَارْتَابَتْ أَحْصَتْ الْحَيْضَ وَنَظَرَتْ في الْحَمْلِ فَإِنْ مَرَّتْ لها ثَلَاثُ حِيَضٍ فَدَخَلَتْ في الدَّمِ من الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ وقد بَانَ لها أَنْ ليس بها حَمْلٌ فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالثَّلَاثِ الْحِيَضِ فَإِنْ ارْتَجَعَهَا زَوْجُهَا في حَالِ ارْتِيَابِهَا بَعْدَ ثَلَاثِ حِيَضٍ وَقَفْنَا الرَّجْعَةَ فَإِنْ بَانَ بها حَمْلٌ فَالرَّجْعَةُ ثَابِتَةٌ وَإِنْ بَانَ أَنْ ليس بها حَمْلٌ فَالرَّجْعَةُ بَاطِلَةٌ وَإِنْ عَجِلَ فَأَصَابَهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا أَصَابَ منها وَتَسْتَقْبِلُ عِدَّةً أُخْرَى وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وهو خَاطِبٌ وَهَكَذَا الْمَرْأَةُ الْمُطَلَّقَةُ التي لم تَحِضْ تَرْتَابُ من الْحَمْلِ فَتَمُرُّ بها ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ لَا تُخَالِفُ حَالَ التي ارْتَابَتْ من الْحَمْلِ وَهِيَ تَحِيضُ فَحَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ إنْ بَرِئَتْ من الْحَمْلِ بَرِئَتْ من الْعِدَّةِ في الثَّلَاثَةِ الْأَشْهُرِ التي مَرَّتْ بها بَعْدَ الطَّلَاقِ في حَالِ رِيبَةٍ مَرَّتْ بها أو غَيْرِ رِيبَةٍ وَإِنْ لم تَبْرَأْ من الْحَمْلِ وَبَانَ بها الْحَمْلُ فَأَجَلُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا وَإِنْ رَاجَعَهَا زَوْجُهَا في الثَّلَاثَةِ الْأَشْهُرِ ثَبَتَتْ الرَّجْعَةُ كانت حَامِلًا أو لم تَكُنْ فإذا رَاجَعَهَا بَعْدَ الثَّلَاثَةِ الْأَشْهُرِ وَقَفَتْ الرَّجْعَةُ فَإِنْ بَرِئَتْ من الْحَمْلِ فَالرَّجْعَةُ بَاطِلَةٌ وَإِنْ كان الطَّلَاقُ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ أَنْفَقَ عليها في الْحَيْضِ أو الشُّهُورِ وَإِنْ أَنْفَقَ عليها وهو يَرَاهُ حَمْلًا بَطَلَتْ النَّفَقَةُ من يَوْمِ أَكْمَلَتْ الْحَيْضَ وَالشُّهُورَ وَيَرْجِعُ عليها بِمَا أَنْفَقَ بَعْدَ مُضِيِّ الْعِدَّةِ بِالشُّهُورِ وَالْحَيْضِ وَيَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ حين كان يَرَاهَا حَامِلًا فَإِنْ كانت حَامِلًا فَالرَّجْعَةُ ثَابِتَةٌ وَلَهَا النَّفَقَةُ فَإِنْ دخل بها فَأَبْطَلَتْ الرَّجْعَةَ جَعَلْت لها الصَّدَاقَ بِالْمَسِيسِ وَاسْتَأْنَفَتْ الْعِدَّةَ من يَوْمِ أَصَابَهَا وكان خَاطِبًا فَإِنْ رَاجَعَهَا وَهِيَ تَرَى أنها حَامِلٌ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ الْأَشْهُرِ ثُمَّ انْفَشَّ ما في بَطْنِهَا فَعَلِمَ أنها غَيْرُ حَامِلٍ فَالرَّجْعَةُ بَاطِلَةٌ ( قال الرَّبِيعُ ) انْفَشَّ ذَهَبَ

(5/220)


انْقَضَتْ عِدَّتُهَا مُطَلَّقَةً كانت أو مُتَوَفًّى عنها وَلَوْ كان ذلك بَعْدَ الطَّلَاقِ أو الْمَوْتِ بِطَرْفَةِ عَيْنٍ وَإِنْ كانت حَامِلًا بِاثْنَيْنِ أو ثَلَاثَةٍ فَوَضَعَتْ الْأَوَّلَ فَلِزَوْجِهَا عليها الرَّجْعَةُ حتى تَضَعَ الثَّانِيَ فَإِنْ رَاجَعَهَا بَعْدَ وَضْعِ الْأَوَّلِ وَهِيَ تَجِدُ حَرَكَةَ وَلَدٍ أَوْقَفْنَا الرَّجْعَةَ فَإِنْ وَلَدَتْ وَلَدًا آخَرَ أو أَسْقَطَتْ سِقْطًا تَبَيَّنَ له من خَلْقِ الْآدَمِيِّينَ شَيْءٌ فَرَجْعَتُهُ ثَابِتَةٌ وَإِنْ لم تَضَعْ شيئا إلَّا ما يَخْرُجُ من النِّسَاءِ مِمَّا يَتْبَعُ الْوَلَدَ أو ما لَا يَتَبَيَّنُ فيه شَيْءٌ من خَلْقِ الْآدَمِيِّينَ فَالرَّجْعَةُ بَاطِلَةٌ وَكَذَلِكَ هذا لو وَضَعَتْ الْأَوَّلَيْنِ وَبَقِيَ ثَالِثٌ أو شَيْءٌ تَجِدُهُ تَرَاهُ ثَالِثًا أو ثَلَاثَةً وَبَقِيَ رَابِعٌ لَا تَخْلُوَا أَبَدًا من زَوْجِهَا إلَّا بِوَضْعِ آخِرِ حَمْلِهَا وَلَيْسَ ما يَتْبَعُ الْحَمْلَ من الْمَشِيمَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَا يَبِينُ له خَلْقُ آدَمِيٍّ حَمْلًا قال وَلَوْ ارْتَجَعَهَا وقد خَرَجَ بَعْضُ وَلَدِهَا وَبَقِيَ بَعْضُهُ كانت له عليها الرَّجْعَةُ وَلَا تَخْلُو منه حتى يُفَارِقَهَا كُلُّهُ خَارِجًا منها فإذا فَارَقَهَا كُلُّهُ فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَإِنْ لم يَقَعْ في طَسْتٍ وَلَا غَيْرِهِ ( قال ) وَأَقَلُّ ما تَخْلُو بِهِ الْمُعْتَدَّةُ من الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ من وَضْعِ الْحَمْلِ أَنْ تَضَعَ سِقْطًا قد بَانَ له من خَلْقِ بَنِي آدَمَ شَيْءٌ عَيْنٌ أو ظُفْرٌ أو إصبع أو رَأْسٌ أو يَدٌ أو رَجُلٌ أو بَدَنٌ أو ما إذَا رؤي عَلِمَ من رَآهُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا خَلْقَ آدَمِيٍّ لَا يَكُونُ دَمًا في بَطْنٍ وَلَا حَشْوَةً وَلَا شيئا لَا يَبِينُ خَلْقُهُ فإذا وَضَعَتْ ما هو هَكَذَا حَلَّتْ بِهِ من عِدَّةِ الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ ( قال ) وإذا أَلْقَتْ شيئا مُجْتَمِعًا شَكَّ فيه أَهْلُ الْعَدْلِ من النِّسَاءِ أَخُلِقَ هو أَمْ لَا لم تَحِلَّ بِهِ وَلَا تَخْلُو إلَّا بِمَا لَا يَشْكُكْنَ فيه وَإِنْ اخْتَلَفَتْ هِيَ وَزَوْجُهَا فقالت قد وَضَعْت وَلَدًا أو سِقْطًا قد بَانَ خَلْقُهُ وقال زَوْجُهَا لم تَضَعِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مع يَمِينِهَا وَإِنْ لم تَحْلِفْ رُدَّتْ الْيَمِينُ على زَوْجِهَا فَإِنْ حَلَفَ على الْبَتِّ ما وَضَعَتْ كانت له الرَّجْعَةُ وَإِنْ لم يَحْلِفْ لم يَكُنْ له الرَّجْعَةُ قال وَلَوْ قالت وَضَعْت شيئا أَشُكُّ فيه أو شيئا لَا أَعْقِلُهُ وقد حَضَرَهُ نِسَاءٌ فَاسْتَشْهَدَتْ بِهِنَّ وَأَقَلُّ من يُقْبَلُ في ذلك أَرْبَعُ نِسْوَةٍ حَرَائِرُ عُدُولٌ مُسْلِمَاتٌ لَا يُقْبَلُ أَقَلُّ مِنْهُنَّ وَلَا يُقْبَلُ فِيهِنَّ وَالِدَةٌ وَلَا وَلَدٌ وَتُقْبَلُ أَخَوَاتُهَا وَغَيْرُهُنَّ من ذَوِي قَرَابَتِهَا وَالْأَجْنَبِيَّات وَمَنْ أَرْضَعَهَا من النِّسَاءِ وَلَوْ طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ وَوَلَدَتْ فلم تَدْرِ هِيَ أَوَقَعَ الطَّلَاقُ عليها قبل وِلَادِهَا أو بَعْدَهُ وقال هو وَقَعَ بَعْدَ ما وَلَدْت فَلِي عَلَيْك الرَّجْعَةُ وَكَذَّبَتْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وهو أَحَقُّ بها لِأَنَّ الرَّجْعَةَ حَقٌّ له وَالْخُلُوُّ من الْعِدَّةِ حَقٌّ لها فإذا لم تَدَعْ حَقَّهَا فَتَكُونُ أَمْلَكَ بِنَفْسِهَا لِأَنَّهُ فيها دُونَهُ لم يَزُلْ حَقُّهُ إنَّمَا يَزُولُ بِأَنْ تَزْعُمَ هِيَ أَنَّهُ زَالَ ( قال ) وَلَوْ لم يَدْرِ هو وَلَا هِيَ أَوَقَعَ الطَّلَاقُ قبل الْوِلَادِ أو بَعْدَهُ بِأَنْ كان عنها غَائِبًا حين طَلَّقَهَا بِنَاحِيَةٍ من مِصْرِهَا أو خَارِجَ منه كانت عليها الْعِدَّةُ لِأَنَّ الْعِدَّةَ تَجِبُ على الْمُطَلَّقَةِ فَلَا تُزِيلُهَا عنها إلَّا بِيَقِينٍ أَنْ تَأْتِيَ بها وكان الْوَرَعُ أَنْ لَا يَرْتَجِعَهَا لِأَنِّي لَا أَدْرِي لَعَلَّهَا قد حَلَّتْ منه وَلَوْ ارْتَجَعَهَا لم أَمْنَعْهُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لي مَنْعُهُ رَجْعَتَهَا إلَّا بِيَقِينِ أَنْ قد حَلَّتْ منه ( قال ) وَالْحُرَّةُ الْكِتَابِيَّةُ تَكُونُ تَحْتَ الْمُسْلِمِ أو الْكِتَابِيِّ في عِدَدِ الطَّلَاقِ أو الْوَفَاةِ وما يَلْزَمُ الْمُعْتَدَّةَ من تَرْكِ الْخُرُوجِ وَالْإِحْدَادِ وَغَيْرِ ذلك وَيَلْزَمُ لها بِكُلِّ وَجْهٍ سَوَاءٌ لَا يَخْتَلِفَانِ في ذلك وَالْحُرَّةُ الْمُسْلِمَةُ الصَّغِيرَةُ كَذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ الْمُسْلِمَةُ إلَّا أَنَّ عِدَّةَ الْأَمَةِ في غَيْرِ الْحَمْلِ نِصْفُ عِدَّةِ الْحُرَّةِ وَأَنَّ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ أَنْ يُخْرِجَهَا وإذا أَخْرَجَهَا لم يَكُنْ لها نَفَقَةٌ على مُطَلِّقٍ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَلَا حَمْلَ ( قال ) وَتَجْتَمِعُ الْعِدَّةُ من النِّكَاحِ الثَّابِتِ وَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ في شَيْءٍ وَتَفْتَرِقُ في غَيْرِهِ وإذا اعْتَدَّتْ الْمَرْأَةُ من الطَّلَاقِ وَالْمَنْكُوحَةُ نِكَاحًا فَاسِدًا بِالْفُرْقَةِ فَعِدَّتُهُمَا سَوَاءٌ لَا يَخْتَلِفَانِ في مَوْضِعِ الْحَمْلِ وَالْأَقْرَاءِ وَالشُّهُورِ غير أَنْ لَا نَفَقَةَ لِمَنْكُوحَةٍ نِكَاحًا فَاسِدًا في الْحَمْلِ وَلَا سُكْنَى إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ الْمُصِيبُ لها بِالسُّكْنَى لِيُحْصِنَهَا فَيَكُونَ ذلك لها بِتَطَوُّعِهِ وَلَهُ بِتَحْصِينِهَا وإذا نَكَحَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ نِكَاحًا فَاسِدًا فَمَاتَ عنها ثُمَّ عَلِمَ فَسَادَ النِّكَاحِ بَعْدَ مَوْتِهِ أو قَبْلَهُ فلم يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا حتى مَاتَ فَعَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ عِدَّةَ مُطَلَّقَةٍ وَلَا تَعْتَدُّ عِدَّةَ مُتَوَفًّى عنها وَلَا تَحِدُّ في شَيْءٍ من عِدَّتِهِ وَلَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهَا لم تَكُنْ زَوْجَةً وَإِنَّمَا تُسْتَبْرَأُ بِعِدَّةِ مُطَلَّقَةٍ لِأَنَّ ذلك أَقَلُّ ما تَعْتَدُّ بِهِ
____________________

(5/221)


حُرَّةٌ فَتَعْتَدُّ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا فَتَضَعَ حَمْلَهَا فَتَحِلَّ لِلْأَزْوَاجِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ وإذا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ أو لَا يَمْلِكُهَا فلم يُحْدِثْ لها الزَّوْجُ رَجْعَةً وَلَا نِكَاحًا حتى وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ من أَرْبَعِ سِنِينَ من يَوْمِ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ الْوَلَدَ ولم يُقِرَّ بِالْحَمْلِ فَالْوَلَدُ مَنْفِيٌّ عنه بِلَا لِعَانٍ لِأَنَّهَا وَلَدَتْ بَعْدَ الطَّلَاقِ لِمَا لَا تَلِدُ له النِّسَاءُ وَإِنْ كان الطَّلَاقُ لَا يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ رَدَّتْ نَفَقَةَ الْحَمْلِ إنْ كانت أَخَذَتْهَا وَإِنْ كان يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فلم تُقِرَّ بِثَلَاثِ حِيَضٍ مَضَتْ أو تَكُونُ مِمَّنْ تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ فَتُقِرُّ بِمُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَلَهَا النَّفَقَةُ في أَقَلَّ ما تَحِيضُ له ثَلَاثَ حِيَضٍ وَذَلِكَ أَنِّي أَجْعَلُهَا طَاهِرًا حين طَلَّقَهَا ثُمَّ تَحِيضُ من يَوْمِهَا ثُمَّ أَحْسِبُ لها أَقَلَّ ما كانت تَحِيضُ فيه ثَلَاثَ حِيَضٍ فَأَجْعَلُ لها فيه النَّفَقَةَ إلَى أَنْ تَدْخُلَ في الدَّمِ من الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ أَبْتَدِئُ ذلك بِمَا وَصَفْت من أَنْ أَجْعَلَ طُهْرَهَا قبل حَيْضِهَا من يَوْمِ طَلَّقَهَا وَأَقَلُّ ما تَحِيضُ وَتَطْهُرُ وَإِنْ كان حَيْضُهَا يَخْتَلِفُ فَيَطُولُ وَيَقْصُرُ لم أَجْعَلْ لها إلَّا أَقَلَّ ما كانت تَحِيضُ لِأَنَّ ذلك الْيَقِينُ وَأَطْرَحُ عنه الشَّكَّ وَأَجْعَلُ الْعِدَّةَ مُنْقَضِيَةً بِالْحَمْلِ لِأَنَّهَا مُفْسِدَةٌ لِلْحَيْضَةِ وَوَاضِعَةٌ لِلْحَمْلِ فَلَوْ كانت عِدَّتُهَا الشُّهُورَ جَعَلْت لها نَفَقَةَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ من يَوْمِ طَلَّقَهَا وَبَرِئَتْ من الْعِدَّةِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ وَإِنْ لم يَلْزَمْهُ الْوَلَدُ كان من غَيْرِهِ ( قال ) وَلَوْ أَقَرَّ بِهِ الزَّوْجُ كان ابْنَهُ لِأَنَّهُ قد يَرْتَجِعُ وَيَنْكِحُ نِكَاحًا جَدِيدًا وَيُصِيبُ بِشُبْهَةٍ في الْعِدَّةِ فيكون ( ( ( ليكون ) ) ) وَلَدَهُ وَلَوْ لم يُقِرَّ بِهِ الزَّوْجُ وَلَكِنَّ الْمَرْأَةَ ادَّعَتْ أَنَّهُ رَاجَعَهَا في الْعِدَّةِ أو نَكَحَهَا إذَا كان الطَّلَاقُ بَائِنًا وَأَصَابَهَا وَهِيَ تَرَى أَنَّ له عليها الرَّجْعَةَ وَأَنْكَرَ ذلك كُلَّهُ أو مَاتَ ولم يُقِرَّ لم يَلْزَمْهُ الْوَلَدُ في شَيْءٍ من هذا وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ على دَعْوَاهَا إنْ كان حَيًّا وَعَلَى وَرَثَتِهِ على عِلْمِهِمْ إنْ كان مَيِّتًا وَسَأَلْت أَيْمَانَهُمْ وإذا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ أو لَا يَمْلِكُهَا فَأَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أو لم تُقِرَّ بها حتى وَلَدَتْ وَلَدًا لم يُجَاوِزْ أَرْبَعَ سِنِينَ من السَّاعَةِ التي وَقَعَ فيها الطَّلَاقُ أو أَقَلَّ فَالْوَلَدُ أَبَدًا لَاحِقٌ بِالْأَبِ لِأَكْثَرَ ما يَكُونُ له حَمْلُ النِّسَاءِ من يَوْمِ طَلَّقَهَا كان الْأَبُ حَيًّا أو مَيِّتًا لَا ينفي الْوَلَدُ عن الْأَبِ إلَّا بِأَنْ تَأْتِيَ بِهِ لِأَكْثَرَ مِمَّا تَحْمِلُ النِّسَاءُ من يَوْمِ طَلَّقَهَا أو يَلْتَعِنَ فَيَنْفِيَهُ بِلِعَانٍ أو تَزَوَّجَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ فَتَكُونُ فِرَاشًا وإذا تَزَوَّجَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ وقد أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَأَقَرَّ بِالدُّخُولِ بها أو لم يُقِرَّ حتى جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ من يَوْمِ وَقَعَتْ عُقْدَةُ النِّكَاحِ فَالْوَلَدُ له إلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ بِلِعَانٍ وَكَذَلِكَ لو قالت كَذَبْت في قَوْلِي انْقَضَتْ الْعِدَّةُ لم تَصْدُقْ على الزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَلَوْ وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ من يَوْمِ وَقَعَتْ عُقْدَةُ النِّكَاحِ الْآخَرِ وَتَمَامِ أَرْبَعِ سِنِينَ أو أَقَلَّ من يَوْمِ فَارَقَهَا الْأَوَّلُ كان لِلْأَوَّلِ وَلَوْ وَضَعَتْهُ لِأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ من يَوْمِ فَارَقَهَا الْأَوَّلُ كان لِلْأَوَّلِ وَلَوْ وَضَعَتْهُ لِأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ من يَوْمِ نَكَحَهَا الْآخَرُ وَأَكْثَرُ من أَرْبَعِ سِنِينَ من يَوْمِ طَلَّقَهَا الْأَوَّلُ لم يَكُنْ بن وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّهَا وَضَعَتْهُ من طَلَاقِ الْأَوَّلِ لِمَا لَا تَحْمِلُ له النِّسَاءُ وَمِنْ نِكَاحِ الْآخَرِ لِمَا لَا تَلِدُ له النِّسَاءُ وإذا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ كُلَّمَا وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ وَلَدَيْنِ في بَطْنٍ وَاحِدٍ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِالْوَلَدِ الْأَوَّلِ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالْوَلَدِ الْآخَرِ ولم يَقَعْ بِهِ طَلَاقٌ لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَقَعَ وَلَا عِدَّةَ عليها وَلَوْ وَلَدَتْ ثَلَاثَةً في بَطْنٍ وَقَعَتْ تَطْلِيقَتَانِ بِالْوَلَدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَقَعَ وهو يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالثَّالِثِ وَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَوَلَدَتْ أَرْبَعَةً في بَطْنٍ وَقَعَ الثَّلَاثُ بِالثَّلَاثِ الْأَوَائِلِ وَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ بِالْوَلَدِ الرَّابِعِ وَلَوْ قال رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ كُلَّمَا وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ وَلَدَيْنِ بين كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَنَةٌ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِالْأَوَّلِ وَحَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ بِالْآخَرِ وَإِنْ كان الطَّلَاقُ لَا يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ فَلَا نَفَقَةَ فيه وَإِنْ كان يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فَلَهَا النَّفَقَةُ كما وَصَفْت في أَقَلَّ ما كانت تَحِيضُ فيه ثَلَاثَ حِيَضٍ حتى تَدْخُلَ في الدَّمِ من الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ ( قال ) وَإِنَّمَا فَرَّقْت بين هذا وَالْمَسَائِلِ قَبْلَهُ لِأَنَّ الزَّوْجَ ( 1 ) ابْتَدَأَ الطَّلَاقَ كما يَقَعُ على الْحَانِثِ بِكَلَامٍ تَقَدَّمَ قبل وَضْعِ حَمْلِهَا وَقَعَ بِوَضْعِ حَمْلِهَا
____________________

(5/222)


منه ثُمَّ لم يُحْدِثْ نِكَاحًا وَلَا رَجْعَةً فَيَلْزَمُهُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ولم يُقِرَّ بِهِ فَيَلْزَمْهُ إقْرَارُهُ وكان الْوَلَدُ مَنْفِيًّا عنه بِلَا لِعَانٍ وَغَيْرُ مُمْكِنٍ أَنْ يَكُونَ أَبَدًا في الظَّاهِرِ منه فَإِنْ قال قَائِلٌ فَكَيْفَ لم يُنْفَ الْوَلَدُ إذَا أَقَرَّتْ أُمُّهُ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ثُمَّ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ إقْرَارِهَا قِيلَ لَمَّا أَمْكَنَ أَنْ تَكُونَ تَحِيضُ وَهِيَ حَامِلٌ فَتُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ على الظَّاهِرِ وَالْحَمْلُ قَائِمٌ لم نَقْطَعْ حَقَّ الْوَلَدِ بِإِقْرَارِهَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَأَلْزَمْنَاهُ الْأَبَ ما أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ حَمْلًا منه وَذَلِكَ أَكْثَرُ ما تَحْمِلُ له النِّسَاءُ من يَوْمِ طَلَّقَهَا وكان الذي يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَاَلَّذِي لَا يَمْلِكُهَا في ذلك سَوَاءً وَلَمَّا كان هذا هَكَذَا كانت إذَا لم تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ ما تَلِدُ له النِّسَاءُ من يَوْمِ وَقَعَ الطَّلَاقُ لم أَجْعَلْ الْوَلَدَ وَلَدَهُ في وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنْ قال فإن التي يَمْلِكُ عليها الرَّجْعَةَ في مَعَانِي الْأَزْوَاجِ ما لم تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَفِي بَعْضِ الْأَمْرِ دُونَ بَعْضٍ أَلَا تَرَى أنها تَحِلُّ بِالْعِدَّةِ لِغَيْرِهِ وَلَيْسَ هَكَذَا امرأته وَقِيلَ له أَيَحِلُّ له إصَابَتُهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ بِغَيْرِ رَجْعَةٍ فَإِنْ قال لَا وَلَكِنَّهُ لو أَصَابَهَا جَعَلْتهَا رَجْعَةً قِيلَ فَكَيْفَ يَكُونُ عَاصِيًا بِالْإِصَابَةِ مُرَاجِعًا بِالْمَعْصِيَةِ وَيُقَالُ له أَرَأَيْت لو أَصَابَهَا في عِدَّةٍ من طَلَاقٍ بَائِنٍ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَى الشُّبْهَةَ فَإِنْ قال يَلْزَمُهُ قِيلَ فَقَدْ أَلْزَمْته الْوَلَدَ بِالْإِصَابَةِ في الْعِدَّةِ من طَلَاقٍ بَائِنٍ إلزامكه الْوَلَدَ في الْعِدَّةِ من طَلَاقٍ يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ فَكَيْفَ نَفَيْته عنه في أَحَدِهِمَا وَأَثْبَتَّهُ عليه في الْآخَرِ وَحُكْمُهُمَا في إلْحَاقِ الْوَلَدِ عِنْدَك سَوَاءٌ - * عِدَّةُ الْوَفَاةِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) حَفِظْت عن غَيْرِ وَاحِدٍ من أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ أَنَّ هذه الْآيَةَ نَزَلَتْ قبل نُزُولِ آيِ الْمَوَارِيثِ وَأَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ وَحَفِظْت أَنَّ بَعْضَهُمْ يَزِيدُ على بَعْضٍ فِيمَا يُذْكَرُ مِمَّا أَحْكِي من مَعَانِي قَوْلِهِمْ وَإِنْ كُنْت قد أَوْضَحْت بَعْضَهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا أَوْضَحُوهُ بِهِ وكان بَعْضُهُمْ يَذْهَبُ إلَى أنها نَزَلَتْ مع الْوَصِيَّةِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَأَنَّ وَصِيَّةَ الْمَرْأَةِ محدودة بِمَتَاعِ سَنَةٍ وَذَلِكَ نَفَقَتُهَا وَكِسْوَتُهَا وَسَكَنُهَا وَأَنْ قد حُظِرَ على أَهْلِ زَوْجِهَا إخْرَاجُهَا ولم يُحْظَرْ عليها أَنْ تَخْرُجَ ولم يخرج ( ( ( تخرج ) ) ) زَوْجُهَا وَلَا وَارِثُهُ بِخُرُوجِهَا إذَا كان غير إخْرَاجٍ منهم لها وَلَا هِيَ لِأَنَّهَا إنَّمَا هِيَ تَارِكَةٌ لحق ( ( ( الحق ) ) ) لها وكان مَذْهَبُهُمْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لها بِالْمَتَاعِ إلَى الْحَوْلِ وَالسُّكْنَى مَنْسُوخَةٌ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَرَّثَهَا الرُّبُعَ إنْ لم يَكُنْ لِزَوْجِهَا وَلَدٌ وَالثُّمُنَ إنْ كان له وَلَدٌ وَبَيَّنَ أَنَّ اللَّهَ عز وجل أَثْبَتَ عليها عِدَّةً أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ليس لها الْخِيَارُ في الْخُرُوجِ منها وَلَا النِّكَاحُ قَبْلَهَا قال وَدَلَّتْ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على أَنَّ عليها أَنْ تَمْكُثَ في بَيْتِ زَوْجِهَا حتى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا فَيَكُونَ أَجَلُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا بَعُدَ أو قَرُبَ وَيَسْقُطُ بِوَضْعِ حَمْلِهَا عِدَّةُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ ( قال ) وما وَصَفْت من نَسْخِ الْوَصِيَّةِ لها بِالْمَتَاعِ إلَى الْحَوْلِ بِالْمِيرَاثِ ما لَا اخْتِلَافَ فيه من أَحَدٍ عَلِمْته من أَهْلِ الْعِلْمِ وَكَذَلِكَ لَا اخْتِلَافَ عَلِمْته في أَنَّ عليها ( ( ( إليها ) ) ) عِدَّةَ أربعة ( ( ( الأربعة ) ) ) أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ وَقَوْلُ الْأَكْثَرِ من أَهْلِ الْعِلْمِ مع السُّنَّةِ أَنَّ أَجَلَهَا إذَا كانت حَامِلًا وَكُلِّ ذَاتِ عِدَّةٍ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا ( قال ) وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ بِأَنَّ عليها أَنْ تَعْتَدَّ في بَيْتِ زَوْجِهَا وَلَيْسَ لها الْخِيَارُ في أَنْ تَخْرُجَ مع الِاسْتِدْلَالِ بِالسُّنَّةِ ( قال ) وكان قَوْلُ اللَّهِ عز وجل { وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ على كل زَوْجَةٍ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ حَامِلٍ وَغَيْرِ حَامِلٍ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ على الْحَرَائِرِ دُونَ الْإِمَاءِ وَغَيْرِ ذَوَاتِ الْحَمْلِ دُونَ الْحَوَامِلِ وَدَلَّتْ السُّنَّةُ على أنها على غَيْرِ الْحَوَامِلِ من الْأَزْوَاجِ وَأَنَّ الطَّلَاقَ وَالْوَفَاةَ في الْحَوَامِلِ الْمُعْتَدَّاتِ سَوَاءٌ وَأَنَّ أَجَلَهُنَّ كُلَّهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ولم أَعْلَمْ مُخَالِفًا في أَنَّ الْأَمَةَ الْحَامِلَ في الْوَفَاةِ وَالطَّلَاقِ كَالْحُرَّةِ تَحِلُّ بِوَضْعِ حَمْلِهَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل { وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إلَى الْحَوْلِ غير إخْرَاجٍ } الْآيَةَ

(5/223)



أخبرنا مَالِكٌ عن عبد رَبِّهِ بن سَعِيدٍ عن أبي سَلَمَةَ بن عبد الرحمن قال سُئِلَ بن عَبَّاسٍ وأبو هُرَيْرَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما عن الْمُتَوَفَّى عنها زَوْجُهَا وَهِيَ حَامِلٌ فقال بن عَبَّاسٍ آخِرُ الْأَجَلَيْنِ وقال أبو هُرَيْرَةَ إذَا وَلَدَتْ فَقَدْ حَلَّتْ فَدَخَلَ أبو سَلَمَةَ على أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَسَأَلَهَا عن ذلك فقالت وَلَدَتْ سُبَيْعَةُ الْأَسْلَمِيَّةُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِنِصْفِ شَهْرٍ فَخَطَبَهَا رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا شَابٌّ وَالْآخَرُ كَهْلٌ فَخُطِبَتْ إلَى الشَّابِّ فقال الْكَهْلُ لم تَحْلِلْ وكان أَهْلُهَا غُيَّبًا وَرَجَا إذَا جاء أَهْلُهَا أَنْ يُؤْثِرُوهُ بها فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال قد حَلَلْت فَانْكِحِي من شِئْت
أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بن عَبَّاسٍ وَأَبَا سَلَمَةَ اخْتَلَفَا في الْمَرْأَةِ تَنْفَسُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ فقال بن عَبَّاسٍ آخِرُ الْأَجَلَيْنِ وقال أبو سَلَمَةَ إذَا نَفِسَتْ فَقَدْ حَلَّتْ قال فَجَاءَ أبو هُرَيْرَةَ فقال أنا مع بن اخي يَعْنِي أَبَا سَلَمَةَ فَبَعَثُوا كُرَيْبًا مولى بن عَبَّاسٍ إلَى أُمِّ سَلَمَةَ يَسْأَلُهَا عن ذلك فَجَاءَهُمْ فَأَخْبَرَهُمْ أنها قالت وَلَدَتْ سُبَيْعَةُ الْأَسْلَمِيَّةُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ فَذَكَرَتْ ذلك لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال لها قد حَلَلْت فَانْكِحِي
أخبرنا مَالِكٌ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه عن الْمِسْوَرِ بن مَخْرَمَةَ أَنَّ سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةَ نَفِسَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَاسْتَأْذَنَتْهُ في أَنْ تَنْكِحَ فَأَذِنَ لها
أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن بن شِهَابٍ عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عبد اللَّهِ بن عُتْبَةَ بن مَسْعُودٍ عن أبيه أَنَّ سُبَيْعَةَ بِنْتَ الحرث وَضَعَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِأَيَّامٍ فَمَرَّ بها أبو السَّنَابِلِ بن بَعْكَكٍ بَعْدَ ذلك بِأَيَّامٍ فقال قد تَصَنَّعْت لِلْأَزْوَاجِ إنَّهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ فَذَكَرَتْ ذلك لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال كَذَبَ أبو السَّنَابِلِ وَلَيْسَ كما قال إنَّك قد حَلَلْت فَتَزَوَّجِي
أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عن الْمَرْأَةِ يُتَوَفَّى عنها زَوْجُهَا وَهِيَ حَامِلٌ فقال بن عُمَرَ إذَا وَضَعَتْ حَمْلَهَا فَقَدْ حَلَّتْ فَأَخْبَرَهُ رَجُلٌ من الْأَنْصَارِ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قال لو وَلَدَتْ وَزَوْجُهَا على سَرِيرِهِ لم يُدْفَنْ لَحَلَّتْ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَذَلِكَ لو كانت مُشْرِكَةً أو مَمْلُوكَةً لَا تَرِثُ لم يَكُنْ لها النَّفَقَةُ لِأَنَّ مِلْكَهُ عن الْمَالِ قد انْقَطَعَ بِالْمَوْتِ وإذا وَضَعَتْ الْمُتَوَفَّى عنها جَمِيعَ حَمْلِهَا حَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ مَكَانَهَا ولم تَنْتَظِرْ أَنْ تَطْهُرَ وكان لها أَنْ تَنْكِحَ ولم يَكُنْ لِزَوْجِهَا أَنْ يُصِيبَهَا حتى تَطْهُرَ وَهَكَذَا هِيَ إنْ كانت مُطَلَّقَةً وَهَكَذَا الْمُعْتَدَّةُ من الطَّلَاقِ إذَا دَخَلَتْ في الدَّمِ من الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ حَلَّ لها أَنْ تَنْكِحَ ولم يَكُنْ لِزَوْجِهَا أَنْ يُصِيبَهَا حتى تَطْهُرَ فإذا وَلَدَتْ وَلَدًا وَكَانَتْ تَجِدُ حَرَكَةً تَخَافُ أَنْ يَكُونَ وَلَدًا ثَانِيًا أو وَضَعَتْ ثَانِيًا وَخَافَتْ أَنْ تَكُونَ الْحَرَكَةُ وَلَدًا ثَالِثًا لم تَنْكِحْ حتى تَعْلَمَ أَنْ ليس في بَطْنِهَا وَلَدٌ غَيْرُ الذي وَلَدَتْ أَوَّلًا وَإِنْ نَكَحَتْ بَعْدَ وِلَادِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَهِيَ تَجِدُ حَرَكَةً فَالنِّكَاحُ مَوْقُوفٌ فَإِنْ وَلَدَتْ فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ ليس ولد ( ( ( ولدا ) ) ) فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ فَإِنْ كانت مُطَلَّقَةً لِزَوْجِهَا عليها الرَّجْعَةُ فَوَضَعَتْ وَلَدًا فَارْتَجَعَهَا زَوْجُهَا وَهِيَ تَجِدُ حَرَكَةً وُقِفَتْ الرَّجْعَةُ فَإِنْ وَلَدَتْ آخَرَ أو أَسْقَطَتْهُ قد تَبَيَّنَّ بَعْضُ خَلْقِهِ فَالرَّجْعَةُ ثَابِتَةٌ وَإِنْ لم تَضَعْهُ فَالرَّجْعَةُ بَاطِلَةٌ ( قال ) وَسَوَاءٌ وَلَدَتْهُ سِقْطًا أو تَمَامًا أو ضَرَبَهُ إنْسَانٌ أو هِيَ فَأَلْقَتْهُ مَيِّتًا أو حَيًّا تَخْلُو عِدَّتُهَا بِذَلِكَ كُلِّهِ لِأَنَّهَا قد وَضَعَتْ حَمْلَهَا وَهِيَ وَمَنْ ضَرَبَهُ آثِمَانِ بِضَرْبِهِ وَهَذَا هَكَذَا في الطَّلَاقِ وَكُلِّ عِدَّةٍ على كل امْرَأَةٍ بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ وَسَوَاءٌ هذا في الِاسْتِبْرَاءِ وفي كل عِدَّةٍ من نِكَاحٍ فَاسِدٍ تَحِلُّ بِوَضْعِ الْحَمْلِ وَلَا تَحِلُّ بِهِ حتى يَتَبَيَّنَ له خَلْقٌ من خلق ( ( ( خلف ) ) ) بَنِي آدَمَ رَأْسٌ أو يَدٌ أو رِجْلٌ أو ظُفْرٌ أو عَيْنٌ أو شَعْرٌ أو فَرْجٌ أو ما يُعْرَفُ بِهِ أَنَّهُ من خَلْقِ الْآدَمِيِّينَ فَأَمَّا ما لَا يُعْرَفُ بِهِ أَنَّهُ خَلْقُ آدَمِيٍّ فَلَا تَحِلُّ بِهِ وَعِدَّتُهَا فيه ما فُرِضَ عليها من الْعِدَّةِ غَيْرِ عِدَّةِ أُولَاتِ الْأَحْمَالِ وَسَوَاءٌ في الْخُرُوجِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ من الْعِدَّةِ بِالْوَفَاةِ وَالطَّلَاقِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَيْسَ لِلْمُتَوَفَّى عنها نَفَقَةٌ حَامِلًا كانت أو غير حَامِلٍ
أخبرنا عبدالمجيد عن بن جُرَيْجٍ عن أبي الزُّبَيْرِ عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ أَنَّهُ قال ليس لِلْمُتَوَفَّى عنها زَوْجُهَا نَفَقَةٌ حَسْبُهَا الْمِيرَاثُ

(5/224)


وَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَالْمَفْسُوخِ وَالِاسْتِبْرَاءِ كُلُّ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ وَذِمِّيَّةٍ وَبِأَيِّ وَجْهٍ اعْتَدَّتْ واي أَمَةٍ اسْتَبْرَأَتْ وَتَعْتَدُّ الْمُتَوَفَّى عنها زَوْجُهَا الْحُرَّةُ الْمُسْلِمَةُ وَالذِّمِّيَّةُ من أَيْ زَوْجٍ كان حُرٍّ أو عَبْدٍ أو ذِمِّيٍّ لِحُرَّةٍ ذِمِّيَّةٍ عِدَّةً وَاحِدَةً إذَا لم تَكُنْ حَامِلًا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا يُنْظَرُ إلَى السَّاعَةِ التي تُوُفِّيَ فيها الزَّوْجُ فَتَعْتَدُّ منها بِالْأَيَّامِ فإذا رَأَتْ الْهِلَالَ اعْتَدَّتْ بِالْأَهِلَّةِ ( قال ) كَأَنَّهُ مَاتَ نِصْفَ النَّهَارِ وقد بَقِيَ من الشَّهْرِ خَمْسُ لَيَالٍ سِوَى يَوْمِهَا الذي مَاتَ فيه فَاعْتَدَّتْ خَمْسًا ثُمَّ رؤي الْهِلَالُ فتحصى الْخَمْسَ التي قبل الْهِلَالِ ثُمَّ تَعْتَدُّ أَرْبَعَةَ أَهِلَّةٍ بِالْأَهِلَّةِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ فَكَانَ ثَلَاثٌ منها تِسْعًا وَعِشْرِينَ وكان وَاحِدٌ منها ثَلَاثِينَ أو كانت كُلُّهَا ثَلَاثِينَ إنَّمَا الْوَقْتُ فيها الْأَهِلَّةُ فإذا أَوْفَتْ الْأَهِلَّةَ الْأَرْبَعَةَ اعْتَدَّتْ أَرْبَعَةَ ايام بِلَيَالِيِهِنَّ وَالْيَوْمَ الْخَامِسَ إلَى نِصْفِ النَّهَارِ حتى يَكْمُلَ لها عَشْرٌ سِوَى الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَإِنْ مَاتَ وقد مَضَى من الْهِلَالِ عَشْرُ لَيَالٍ أَحْصَتْ ما بَقِيَ من الْهِلَالِ فَإِنْ كان عِشْرِينَ أو تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا حَفِظَتْهَا ثُمَّ اعْتَدَّتْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ بِالْأَهِلَّةِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَتْ الشَّهْرَ الرَّابِعَ فَأَحْصَتْ عَدَدَ أَيَّامِهِ فإذا كَمُلَ لها ثَلَاثُونَ يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا فَقَدْ أَوْفَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاسْتَقْبَلَتْ عَشْرًا بِلَيَالِيِهَا فإذا أَوْفَتْ لها عَشْرًا إلَى السَّاعَةِ التي مَاتَ فيها فَقَدْ مَضَتْ عِدَّتُهَا وَلَوْ كانت مَحْبُوسَةً أو عَمْيَاءَ لَا تَرَى الْهِلَالَ وَلَا تُخْبَرُ عنه أو أَطْبَقَ عليها الْغَيْمُ اعْتَدَّتْ بِالْأَيَّامِ على الْكَمَالِ الْأَرْبَعَةَ الْأَشْهُرَ مِائَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَالْعَشْرُ بَعْدُهَا عَشْرٌ فَذَلِكَ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا ولم تَحِلَّ في شَيْءٍ من ذلك من زَوْجِهَا حتى تُوَفِّيَ هذه الْعِدَّةَ أو يَثْبُتَ لها أَنْ قد خَلَتْ عِدَّتُهَا قَبْلَهُ بِالْأَهِلَّةِ وَالْعَشْرِ كما وَصَفْت وَلَيْسَ عليها أَنْ تَأْتِيَ في الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَالْعَشْرِ بِحَيْضَةٍ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل جَعَلَ لِلْحَيْضِ مَوْضِعًا فَكَانَ بِفَرْضِ اللَّهِ الْعِدَّةَ لَا الشُّهُورَ فَكَذَلِكَ إذَا جَعَلَ الشُّهُورَ وَالْأَيَّامَ عِدَّةً فَلَا مَوْضِعَ لِلْحَيْضَةِ فيها وَمَنْ قال تَأْتِي فيها بِحَيْضَةٍ جَعَلَ عليها ما لم يَجْعَلْ اللَّهُ عليها أرايت لو كانت تَعْرِفُ أنها لَا تَحِيضُ في كل سَنَةٍ أو سَنَتَيْنِ إلَّا مَرَّةً أَمَا يَكُونُ من جَعَلَهَا تَعْتَدُّ سَنَةً أو سَنَتَيْنِ جَعَلَ عليها ما ليس عليها وَلَكِنْ لو ارْتَابَتْ من نَفْسِهَا اسْتَبْرَأَتْ نَفْسَهَا من الرِّيبَةِ كما يَكُونُ ذلك في جَمِيعِ الْعِدَدِ وَكَذَلِكَ لو جَاءَتْ في الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَالْعَشْرِ بِحَيْضَةٍ وَحَيْضٍ ثُمَّ ارْتَابَتْ اسْتَبْرَأَتْ من الرِّيبَةِ ( قال ) وَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أو تَطْلِيقَةً لم يَبْقَ له عليها من الطَّلَاقِ غَيْرُهَا حتى يَكُونَ لَا يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا وهو صَحِيحٌ ثُمَّ مَاتَ لم تَرِثْهُ وَاعْتَدَّتْ عِدَّةَ الطَّلَاقِ وَلَوْ طَلَّقَهَا مَرِيضًا ثُمَّ صَحَّ من مَرَضِهِ ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ في الْعِدَّةِ لم تَرِثْهُ وَاعْتَدَّتْ عِدَّةَ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ قد صَحَّ في حَالٍ لو ابْتَدَأَ طَلَاقَهَا فيها ثُمَّ مَاتَ لم تَرِثْهُ فَكَانَ في الصِّحَّةِ مُطَلِّقًا ولم يُحْدِثْ رَجْعَةً وَلَوْ طَلَّقَهَا مَرِيضًا ثُمَّ مَاتَ من مَرَضِهِ وَهِيَ في الْعِدَّةِ فَإِنْ كان الطَّلَاقُ يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ وَرِثَتْهُ وَوَرِثَهَا لو مَاتَتْ لِأَنَّهَا في مَعَانِي الْأَزْوَاجِ وَهَكَذَا لو كان هذا الطَّلَاقُ في الصِّحَّةِ ( قال ) وَلَوْ طَلَّقَهَا طلاقا لَا يَمْلِكُ فيه رَجْعَتَهَا وهو مَرِيضٌ ثُمَّ ماتت ( ( ( مات ) ) ) في الْعِدَّةِ لم يَرِثْهَا وَإِنْ مَاتَ وَهِيَ في الْعِدَّةِ فَقَوْلُ كَثِيرٍ من أَهْلِ الْفُتْيَا أنها تَرِثُهُ في الْعِدَّةِ وَقَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أنها تَرِثُهُ وَإِنْ مَضَتْ الْعِدَّةُ وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ لَا تَرِثُ مَبْتُوتَةً هذا مِمَّا أَسْتَخِيرُ اللَّهَ عز وجل فيه ( قال الرَّبِيعُ ) وقد اسْتَخَارَ اللَّهَ تَعَالَى فيه فقال لَا تَرِثُ الْمَبْتُوتَةُ طَلَّقَهَا مَرِيضًا أو صَحِيحًا ( قال الرَّبِيعُ ) من قِبَلِ أَنَّهُ لو آلَى منها لم يَكُنْ مُولِيًا وَلَوْ تَظَاهَرَ منها لم يَكُنْ مُظَاهِرًا وَلَوْ قَذَفَهَا كان عليه الْحَدُّ وَلَوْ مَاتَتْ لم يَرِثْهَا فلما كانت خَارِجَةً من مَعَانِي الْأَزْوَاجِ وَإِنَّمَا وَرَّثَ اللَّهُ تَعَالَى الزَّوْجَةَ فقال { وَلَهُنَّ الرُّبُعُ } وَإِنَّمَا خَاطَبَ اللَّهُ عز ذِكْرُهُ الزَّوْجَةَ فَكَانَتْ غير زَوْجَةٍ في جَمِيعِ الْأَحْكَامِ لم تَرِثْ وَهَذَا قَوْلُ بن الزُّبَيْرِ وَعَبْدِ الرحمن بن عَوْفٍ طَلَّقَهَا على أنها ( ( ( أهنا ) ) ) لَا تَرِثُ إنْ شَاءَ اللَّهُ عِنْدَهُ (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فيها إنْ نَكَحَتْ فَاَلَّذِي اختار إنْ وَرِثَتْ بَعْدَ مُضِيِّ الْعِدَّةِ أَنْ تَرِثَ ما لم تَتَزَوَّجْ فإذا تَزَوَّجَتْ فَلَا تَرِثُهُ فَتَرِثُ زَوْجَيْن

(5/225)


وَتَكُونُ كَالتَّارِكَةِ لِحَقِّهَا بِالتَّزْوِيجِ وقد قال بَعْضُ أَصْحَابِنَا تَرِثُهُ وَإِنْ تَزَوَّجَتْ عَدَدًا وَتَرِثُ أَزْوَاجًا وقال غَيْرُهُمْ تَرِثُ في الْعِدَّةِ لَا تَرِثُ بَعْدَهَا
أخبرنا عبدالمجيد عن بن جُرَيْجٍ عن أبي مُلَيْكَةَ أَنَّهُ سَأَلَ بن الزُّبَيْرِ عن الْمَرْأَةِ يُطَلِّقُهَا الرَّجُلُ فَيَبُتُّهَا ثُمَّ يَمُوتُ وَهِيَ في عِدَّتِهَا فقال بن الزُّبَيْرِ طَلَّقَ عبد الرحمن بن عَوْفٍ تُمَاضِرَ بِنْتَ الْأَصْبَغِ الْكَلْبِيَّةَ فَبَتَّهَا ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ في عِدَّتهَا فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ فقال بن الزُّبَيْرِ فَأَمَّا أنا فَلَا أَرَى أَنْ تَرِثَ مَبْتُوتَةٌ وقال غَيْرُهُمْ إنْ كانت مَبْتُوتَةً لم تَرِثْهُ في عِدَّةٍ وَلَا غَيْرِهَا وَهَذَا قَوْلٌ يَصِحُّ لِمَنْ قال بِهِ وقد ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ أَهْلِ الْآثَارِ وَالنَّظَرِ فقال وَكَيْفَ تَرِثُهُ امْرَأَةٌ لَا يَرِثُهَا وَلَا تحل ( ( ( يحل ) ) ) له وَإِنَّمَا وَرَّثَ اللَّهُ تَعَالَى عز ذِكْرُهُ الْأَزْوَاجَ وَهِيَ لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ وَجَعَلَ على الْأَزْوَاجِ الْعِدَّةَ فَإِنْ قُلْتُمْ لَا تَعْتَدُّ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ فَكَيْفَ تَرِثُهُ من لَا تَعْتَدُّ منه من وَفَاتِهِ فَإِنْ قُلْتُمْ تَعْتَدُّ فَكَيْفَ تَعْتَدُّ منه غَيْرُ زَوْجَةٍ له وَإِنْ مَضَتْ بها ثَلَاثُ حِيَضٍ قبل مَوْتِهِ أَفَتَعْتَدُّ امْرَأَةٌ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا بَعْدَ ثَلَاثِ حِيَضٍ وَإِنْ كانت إذَا مَضَتْ لها ثَلَاثُ حِيَضٍ وهو مَرِيضٌ فَنَكَحَتْ جَازَ لها النِّكَاحُ أَفَتَعْتَدُّ منه إنْ تُوُفِّيَ وَهِيَ تَحِلُّ لِغَيْرِهِ وَمَنْ وَرَّثَهَا في الْعِدَّةِ أو بَعْدَ مُضِيِّهَا انْبَغَى أَنْ يَقُولَ أُوَرِّثُهَا بِالِاتِّبَاعِ وَلَا أَجْعَلُ عليها عِدَّةً لِأَنَّهَا لَيْسَتْ من الْأَزْوَاجِ وَإِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْعِدَّةَ على الْأَزْوَاجِ وإذا مَاتَ عنها فلم تَعْلَمْ وَقْتَ مَوْتِهِ اعْتَدَّتْ من يَوْمِ تَسْتَيْقِنُ مَوْتَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ( قال ) وَإِنْ لم يَبْلُغْهَا مَوْتُهُ حتى يَمْضِيَ لها أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ ثُمَّ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِمَوْتِهِ فَقَدْ مَضَتْ عِدَّتُهَا وَلَا تَعُودُ لِعِدَّةٍ وَلَا إحْدَادٍ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى في الْمُطَلَّقَاتِ { لَا تُخْرِجُوهُنَّ من بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ } قال فَكَانَتْ هذه الْآيَةُ في الْمُطَلَّقَاتِ وَكَانَتْ الْمُعْتَدَّاتُ من الْوَفَاةِ مُعْتَدَّاتٍ كَعِدَّةِ الْمُطَلَّقَةِ فَاحْتَمَلَتْ أَنْ تَكُونَ في فَرْضِ السُّكْنَى لِلْمُطَلَّقَاتِ وَمَنْعُ إخْرَاجِهِنَّ تَدُلُّ على أَنَّ في مِثْلِ مَعْنَاهُنَّ في السُّكْنَى وَمَنَعَ الْإِخْرَاجَ الْمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ لِأَنَّهُنَّ في مَعْنَاهُنَّ في الْعِدَّةِ ( قال ) وَدَلَّتْ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على أَنَّ على الْمُتَوَفَّى عنها أَنْ تَمْكُثَ في بَيْتِهَا حتى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ ذلك على الْمُطَلَّقَاتِ دُونَ الْمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَذَا الْمُطَلَّقَةُ في هذا كُلِّهِ وَلَوْ ارْتَدَّ زَوْجُ الْمَرْأَةِ عن الْإِسْلَامِ أَمَرْنَاهَا تَعْتَدُّ عِدَّةَ الطَّلَاقِ فَإِنْ قَضَتْهَا قبل أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْإِسْلَامِ فَقَدْ بَانَتْ منه وَإِنْ لم تَقْضِهَا حتى تَابَ الزَّوْجُ بِالرُّجُوعِ إلَى الْإِسْلَامِ ثُمَّ مَاتَ قبل مُضِيِّ آخِرِ عِدَّتِهَا أو بَعْدَهُ فَسَوَاءٌ وَتَرِثُهُ في هذا كُلِّهِ لِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ بِحَالِهَا وَلَوْ اخْتَلَفَتْ هِيَ وَوَرَثَةُ الزَّوْجِ فَقَالُوا قد مَضَتْ عِدَّتُك قبل أَنْ يَتُوبَ وَقَالَتْ لم تَمْضِ حتى تَابَ وَهُمْ يَتَصَادَقُونَ على تَوْبَةِ الزَّوْجِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ مع يَمِينِهَا وَلَوْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ قبل أَنْ يَتُوبَ فَلَا شَيْءَ لها في مَالِهِ وَكَانَتْ عليها عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَالْإِحْدَادُ تَأْتِي فيها بِثَلَاثِ حِيَضٍ لِأَنَّهَا مُقِرَّةٌ بِأَنَّ عليها الْعِدَّتَيْنِ في إقرارين ( ( ( إقرارتين ) ) ) مُخْتَلِفَيْنِ وَلَوْ لم يَمُتْ وَلَكِنْ قالت قد انْقَضَتْ عِدَّتِي قبل أَنْ يَتُوبَ ثُمَّ قالت بَعْدَ ما تَابَ وَقَبْلَ أَنْ يَمُوتَ لم تَنْقَضِ عِدَّتِي كانت امْرَأَتَهُ بِحَالِهَا وَأُصَدِّقُهَا أَنَّ عِدَّتَهَا لم تَنْقَضِ وَهَكَذَا كُلُّ مُطَلَّقَةٍ لِزَوْجِهَا عليها الرَّجْعَةُ قالت قد انْقَضَتْ عِدَّتِي ثُمَّ قالت لم تَنْقَضِ فَلِزَوْجِهَا الرَّجْعَةُ وَإِنْ قالت قد انْقَضَتْ عِدَّتِي فَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ أُحْلِفَتْ فَإِنْ حَلَفَتْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مع يَمِينِهَا وَإِنْ لم تَحْلِفْ حَلَفَ هو على الْبَتِّ ما انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَإِنْ نَكَلَ لم تُرَدَّ عليها وإذا مَاتَ الرَّجُلُ وَلَهُ امْرَأَتَانِ قد طَلَّقَ إحْدَاهُمَا طَلَاقًا لَا يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ وَلَا تُعْرَفُ بِعَيْنِهَا اعْتَدَّتَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وعشر ( ( ( وعشرا ) ) ) تُكْمِلُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فيها ثَلَاثَ حِيَضٍ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ - * مَقَامُ الْمُتَوَفَّى عنها وَالْمُطَلَّقَةِ في بَيْتِهَا - *

(5/226)


فَيَكُونُ على زَوْجِ الْمُطَلَّقَةِ أَنْ يُسْكِنَهَا لِأَنَّهُ مَالِكٌ مَالَهُ وَلَا يَكُونُ على زَوْجِ الْمَرْأَةِ الْمُتَوَفَّى عنها سَكَنُهَا لِأَنَّ مَالَهُ مَمْلُوكٌ لِغَيْرِهِ ( 1 ) وَإِنَّمَا كانت السُّكْنَى بِالْمَوْتِ إذْ لَا مَالَ له وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
أخبرنا مَالِكٌ عن سَعْدِ بن إِسْحَاقَ بن كَعْبِ بن عُجْرَةَ عن عَمَّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبِ بن عُجْرَةَ أَنَّ الْفُرَيْعَةَ بِنْتَ مَالِكِ بن سِنَانٍ وَهِيَ أُخْتُ أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَخْبَرَتْهَا أنها جَاءَتْ إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم تَسْأَلُهُ أَنْ تَرْجِعَ إلَى أَهْلِهَا في بَنِي خَدْرَةَ فإن زَوْجَهَا خَرَجَ في طَلَبِ أَعْبُدٍ له أُبْقُوا حتى إذَا كان في طَرَفِ الْقُدُومِ لَحِقَهُمْ فَقَتَلُوهُ فَسَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ أَرْجِعَ إلَى أَهْلِي فإن زَوْجِي لم يَتْرُكْنِي في مَسْكَنٍ يَمْلِكُهُ وَلَا نَفَقَةٍ قالت فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نعم فَانْصَرَفْت حتى إذَا كُنْت في الْحُجْرَةِ أو في الْمَسْجِدِ دَعَانِي أو أَمَرَ بِي رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَدُعِيت له فقال كَيْفَ قُلْت قالت فَرَدَدْت عليه الْقِصَّةَ التي ذَكَرْت له من شَأْنِ زَوْجِي فقال اُمْكُثِي في بَيْتِك حتى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ قالت فَاعْتَدَدْت فيه أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا قالت فلما كان عُثْمَانُ بن عَفَّانَ رضي اللَّهُ عنه أَرْسَلَ إلَيَّ فَسَأَلَنِي عن ذلك فَأَخْبَرْته فَاتَّبَعَهُ وَقَضَى بِهِ قال وَبِهَذَا نَأْخُذُ ( قال ) وإذا طَلَّقَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَلَهَا سُكْنَاهَا في منزله ( ( ( منزل ) ) ) حتى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا ما كانت الْعِدَّةُ حَمْلًا أو شُهُورًا كان الطَّلَاقُ يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ أو لَا يَمْلِكُهَا ( قال ) وَإِنْ كان الْمَنْزِلُ بِكِرَاءٍ فَالْكِرَاءُ على الزَّوْجِ الْمُطَلِّقِ أو في مَالِ الزَّوْجِ الْمَيِّتِ وَلَا يَكُونُ لِلزَّوْجِ الْمُطَلِّقِ إخْرَاجُ الْمَرْأَةِ من مَسْكَنِهَا الذي كانت تَسْكُنُ معه كان له الْمَسْكَنُ أو لم يَكُنْ وَلِزَوْجِهَا إذَا تَرَكَهَا فِيمَا يَسَعُهَا من الْمَسْكَنِ وَسِتْرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا أَنْ يَسْكُنَ فِيمَا سِوَى ما يَسَعُهَا ( قال ) وَإِنْ كان على زَوْجِهَا دَيْنٌ لم يُبَعْ مَسْكَنُهَا فِيمَا يُبَاعُ من مَالِهِ حتى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا ( قال ) وَهَذَا إذَا كان قد أَسْكَنَهَا مَسْكَنًا له أو مَنْزِلًا قد أَعْطَى كِرَاءَهُ ( قال ) وَذَلِكَ أنها قد مَلَكَتْ عليه سُكْنَاهَا فِيمَا يَكْفِيهَا طلقها ( ( ( طلاقها ) ) ) كما يَمْلِكُ من اكْتَرَى من رَجُلٍ مَسْكَنَهُ سُكْنَى مَسْكَنِهِ دُونَ مَالِكِ الدَّارِ حتى يَنْقَضِيَ كِرَاؤُهُ ( قال ) فَأَمَّا إنْ كان أَنْزَلَهَا مَنْزِلًا عَارِيَّةً أو في كِرَاءٍ فَانْقَضَى أو بِكِرَاءٍ لم يَدْفَعْهُ وَأَفْلَسَ فَلِأَهْلِ هذا كُلِّهِ أَنْ يُخْرِجُوهَا منه وَعَلَيْهِ أَنْ يُسْكِنَهَا غَيْرَهُ إلَّا أَنْ يُفْلِسَ فَإِنْ أَفْلَسَ ضَرَبَتْ مع الْغُرَمَاءِ بِأَقَلِّ قِيمَةِ سُكْنَى ما يَكْفِيهَا بَالِغًا ما بَلَغَ وَاتَّبَعَتْهُ بِفَضْلِهِ مَتَى أَيْسَرَ ( قال ) وَهَكَذَا تَضْرِبُ مع الْغُرَمَاءِ بِنَفَقَتِهَا حَامِلًا وفي الْعِدَّةِ من طَلَاقِهِ ( قال ) وَلَوْ كانت هذه الْمَسَائِلُ كُلُّهَا في مَوْتِهِ كان الْقَوْلُ فيها وَاحِدًا من قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا ما وَصَفْت في الطَّلَاقِ لَا يُخَالِفُهُ وَمَنْ قال هذا قال وفي قَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِلْفُرَيْعَةِ اُمْكُثِي في بَيْتِك حتى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ دَلِيلٌ على أَنَّ لِلْمُتَوَفَّى عنها السُّكْنَى ( قال ) وَيُجْعَلُ لها السُّكْنَى في مَالِ الْمَيِّتِ بَعْدَ كَفَنِهِ من رَأْسِ مَالِهِ وَيُمْنَعُ مَنْزِلُهَا الذي تَرَكَهَا فيه أَنْ يُبَاعَ أو يُقَسَّمَ حتى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وَيَتَكَارَى لها إنْ أُخْرِجَتْ من مَنْزِلٍ كان بيده عَارِيَّةً أو بِكِرَاءٍ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الِاخْتِيَارَ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يُسْكِنُوهَا وَإِنْ لم يَفْعَلُوا هذا فَقَدْ مَلَكُوا الْمَالَ دُونَهُ ولم يَكُنْ لها السُّكْنَى حين كان مَيِّتًا لَا يَمْلِكُ شيئا وَلَا سُكْنَى لها كما لَا نَفَقَةَ لها وَمَنْ قال هذا قال إنَّ قَوْلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم اُمْكُثِي في بَيْتِك يَحْتَمِلُ ما لم تُخْرَجِي منه إنْ كان لِغَيْرِك لِأَنَّهَا قد وَصَفْت أَنَّ الْمَنْزِلَ ليس لِزَوْجِهَا فَإِنْ كان لها الْمَنْزِلُ أو لِلْقَوْمِ فلم يُخْرِجُوهَا منه لم يَجُزْ أَنْ تَخْرُجَ منه حتى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا ( قال ) وإذا أَسْكَنَهَا وَرَثَتُهُ فَلَهُمْ أَنْ يُسْكِنُوهَا حَيْثُ شاؤوا لَا حَيْثُ شَاءَتْ إذَا كان مَوْضِعُهَا حَرِيزًا ولم يَكُنْ لها أَنْ تَمْتَنِعَ من ذلك وَإِنْ لم يُسْكِنُوهَا اعْتَدَّتْ حَيْثُ شَاءَتْ من الْمِصْرِ ( قال ) وَلَوْ كانت تَسْكُنُ في مَنْزِلٍ لها معه فَطَلَّقَهَا وَطَلَبَتْ أَنْ تَأْخُذَ كِرَاءَ مَسْكَنِهَا منه كان لها في مَالِهِ أَنْ تَأْخُذَ كِرَاءَ أَقَلِّ ما يَسَعُهَا من الْمَسْكَنِ فَقَطْ ( قال ) وَلَوْ كان
____________________

(5/227)


نَقَلَهَا إلَى مَنْزِلٍ غَيْرِ مَنْزِلِهِ الذي كانت معه فيه ثُمَّ طَلَّقَهَا أو مَاتَ عنها بَعْدَ أَنْ صَارَتْ في الْمَنْزِلِ الذي نَقَلَهَا إلَيْهِ اعْتَدَّتْ في ذلك الْمَنْزِلِ الذي نَقَلَهَا إلَيْهِ وَأَذِنَ لها أَنْ تَنْتَقِلَ إلَيْهِ وَلَوْ كان أَذِنَ لها في النُّقْلَةِ إلَى مَنْزِلٍ بِعَيْنِهِ أو أَمَرَهَا تَنْتَقِلُ حَيْثُ شَاءَتْ فَنَقَلَتْ مَتَاعَهَا وَخَدَمَهَا ولم تَنْتَقِلْ بِبَدَنِهَا حتى مَاتَ أو طَلَّقَهَا اعْتَدَّتْ في بَيْتِهَا الذي كانت فيه وَلَا تَكُونُ مُنْتَقِلَةً إلَّا بِبَدَنِهَا فإذا انْتَقَلَتْ بِبَدَنِهَا وَإِنْ لم تَنْتَقِلْ بِمَتَاعِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا أو مَاتَ عنها اعْتَدَّتْ في الْمَوْضِعِ الذي انْتَقَلَتْ إلَيْهِ بِإِذْنِهِ ( قال ) سَوَاءٌ أَذِنَ لها في مَنْزِلٍ بِعَيْنِهِ أو قال لها انْتَقِلِي حَيْثُ شِئْت أو انْتَقَلَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَأَذِنَ لها بَعْدُ في الْمَقَامِ في ذلك الْمَنْزِلِ كُلُّ هذا في أَنْ تَعْتَدَّ فيه سَوَاءٌ ( قال ) وَلَوْ انْتَقَلَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ ثُمَّ لم يُحْدِثُ لها إذْنًا حتى طَلَّقَهَا أو مَاتَ عنها رَجَعَتْ فَاعْتَدَّتْ في بَيْتِهَا الذي كانت تَسْكُنُ معه فيه وَهَكَذَا السَّفَرُ يَأْذَنُ لها بِهِ فَإِنْ لم تَخْرُجْ حتى يُطَلِّقَهَا أو يُتَوَفَّى عنها أَقَامَتْ في مَنْزِلِهَا ولم تَخْرُجْ منه حتى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وَإِنْ أَذِنَ لها بِالسَّفَرِ فَخَرَجَتْ أو خَرَجَ بها مُسَافِرًا إلَى حَجٍّ أو بَلَدٍ من الْبُلْدَانِ فَمَاتَ عنها أو طَلَّقَهَا طَلَاقًا لَا يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ فَسَوَاءٌ وَلَهَا الْخِيَارُ في أَنْ تَمْضِيَ في سَفَرِهَا ذَاهِبَةً أو جَائِيَةً وَلَيْسَ عليها أَنْ تَرْجِعَ إلَى بَيْتِهِ قبل أَنْ يَنْقَضِيَ سَفَرُهَا فَلَا تُقِيمَ في الْمِصْرِ الذي أَذِنَ لها في السَّفَرِ إلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَذِنَ لها في الْمَقَامِ فيه أو في النُّقْلَةِ إلَيْهِ فَيَكُونَ ذلك عليها إذَا بَلَغَتْ ذلك الْمِصْرَ وَإِنْ كان أَخْرَجَهَا مُسَافِرَةً أَقَامَتْ ما يُقِيمُ الْمُسَافِرُ مِثْلُهَا ثُمَّ رَجَعَتْ فَإِنْ بَقِيَ من عِدَّتِهَا شَيْءٌ أَكْمَلَتْهُ في بَيْتِهِ وَإِنْ لم يَبْقَ منها شَيْءٌ فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا ( قال ) وَسَوَاءٌ كانت قَرِيبًا من مِصْرِهَا الذي خَرَجَتْ منه إذَا مَاتَ أو طَلَّقَهَا أو بَعِيدًا وَإِذْنُهُ لها بِالسَّفَرِ وَخُرُوجُهَا فيه كَإِذْنِهِ بِالنُّقْلَةِ وَانْتِقَالِهَا لِأَنَّ نَقْلَةَ الْمُسَافِرِ هَكَذَا وَإِنْ رَجَعَتْ قبل أَنْ يَنْقَضِيَ سَفَرُهَا اعْتَدَّتْ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا في مَنْزِلِهِ وَلَهَا الرُّجُوعُ لِأَنَّهُ لم يَأْذَنْ لها بِالسَّفَرِ إذْنَ مَقَامٍ فيه إلَّا مَقَامَ مُسَافِرٍ وَإِنْ كان أَذِنَ لها بِالنُّقْلَةِ إلَى مِصْرٍ أو مَقَامٍ فيه فَخَرَجَتْ ثُمَّ مَاتَ أو بَقِيَ حَيًّا فإذا بَلَغَتْ ذلك الْمِصْرَ فَلَهُ إنْ كان حَيًّا وَلِوَلِيِّهِ إنْ كان حَاضِرًا أو وَكِيلٍ له أَنْ يُنْزِلَهَا حَيْثُ يَرْضَى من الْمِصْرِ حتى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وَعَلَيْهِ سُكْنَاهَا حتى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا في ذلك الْمِصْرِ وَإِنْ لم يَكُنْ حَاضِرًا وَلَا وَكِيلَ له وَلَا وَارِثَ حَاضِرٌ كان على السُّلْطَانِ أَنْ يُحْصِنَهَا حَيْثُ تَرْضَى لِئَلَّا يَلْحَقَ بِالْمَيِّتِ أو بِالْمُطَلِّقِ ولدا ( ( ( ولد ) ) ) ليس منه وإذا أَذِنَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْ تَنْتَقِلَ إلَى أَهْلِهَا أو غَيْرِهِمْ أو مَنْزِلٍ من الْمَنَازِلِ أو قال أَقِيمِي في أَهْلِك أو في مَنْزِلٍ فلم تَخْرُجْ حتى طَلَّقَهَا طَلَاقًا لَا رَجْعَةَ له عليها فيه أو مَاتَ اعْتَدَّتْ في مَنْزِلِهِ وَإِنْ خَرَجَتْ إلَى ذلك الْمَوْضِعِ فَبَلَغَتْهُ أو لم تَبْلُغْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا طَلَاقًا لَا يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ أو مَاتَ عنها مَضَتْ إلَيْهِ وَحِينَ زَايَلَتْ مَنْزِلَهُ بِإِذْنِهِ إلَى حَيْثُ أَمَرَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ أو تُقِيمَ فَمَنْزِلُهَا حَيْثُ أَمَرَهَا وَسَوَاءٌ في هذا كُلِّهِ أَخْرَجَتْ مَتَاعَهَا أو تَرَكَتْهُ أو مَنَعَهَا مَتَاعَهَا أو تَرَكَهَا وَإِيَّاهُ وَهَكَذَا إنْ قال لها أَقِيمِي فيه حتى يَأْتِيَك أَمْرِي وَقَوْلُهُ هذا وَسُكُوتُهُ سَوَاءٌ لِأَنَّ الْمَقَامَ ليس بِمَوْضِعِ زِيَارَةٍ وَلَيْسَ عليها لو نَقَلَهَا ثُمَّ أَمَرَهَا أَنْ تَعُودَ إلَى مَنْزِلِهِ أَنْ تَعُودَ إلَيْهِ وَسَوَاءٌ قال إنَّمَا قُلْت هذا لها لِتَزُورَ أَهْلَهَا أو لم يَقُلْهُ إذَا طَلَّقَهَا طَلَاقًا يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ أو لَا يَمْلِكُهَا لم يَكُنْ له نَقْلُهَا عن الْمَوْضِعِ الذي قال لها انْتَقِلِي إلَيْهِ أَقِيمِي فيه حتى يُرَاجِعَهَا فَيَنْقُلَهَا إنْ شَاءَ (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ كان أَذِنَ لها في زِيَارَةِ أَهْلِهَا أو غَيْرِهِمْ أو النُّزْهَةِ إلَى مَوْضِعٍ في الْمِصْرِ أو خَارِجًا منه فَخَرَجَتْ إلَى ذلك الْمَوْضِعِ الذي أَذِنَ لها فيه ثُمَّ مَاتَ عنها أو طَلَّقَهَا طَلَاقًا لَا يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ فَعَلَيْهَا أَنْ تَرْجِعَ إلَى مَنْزِلِهِ فَتَعْتَدَّ فيه لِأَنَّ الزِّيَارَةَ لَيْسَتْ مَقَامًا فَإِنْ قال في هذا كُلِّهِ قبل الطَّلَاقِ أو الْمَوْتِ إنَّمَا نَقَلْتهَا إلَيْهِ ولم تَعْلَمْ هِيَ كان لها أَنْ تُقِيمَ حَيْثُ أَقَرَّ أَنَّهُ أَمَرَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ لِأَنَّ النُّقْلَةَ إلَيْهِ وَهِيَ مُتَنَقِّلَةٌ لم يَكُنْ لها أَنْ تَرْجِعَ وَلَوْ أَذِنَ لها بَعْدَ الطَّلَاقِ الذي لَا يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ أو يَمْلِكُهَا قبل أَنْ يَرْتَجِعَهَا أو قال لها في مَرَضِهِ إذَا مِتُّ فَانْتَقِلِي حَيْثُ شِئْت فَمَاتَ لم يَكُنْ لها أَنْ تَعْتَدَّ في غَيْرِهِ ( قال ) وَلَوْ كان أَذِنَ لها فِيمَا وَصَفْت فَنَوَتْ هِيَ النُّقْلَةَ وَقَالَتْ أنا أَنْتَقِلُ ولم يَنْوِ هو النُّقْلَةَ وقال هو إنَّمَ

(5/228)


أَرْسَلْتُك زَائِرَةً ثُمَّ مَاتَ أو طَلَّقَهَا طَلَاقًا لَا يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ كان عليها أَنْ تَرْجِعَ فَتَعْتَدَّ في بَيْتِهِ لِأَنَّ النُّقْلَةَ لَيْسَتْ لها إلَّا بِإِذْنِهِ ( قال ) وَإِذْنُهُ لها في الْمِصْرِ إلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ وَإِلَى أَيْنَ شَاءَتْ سَوَاءٌ أن أَذِنَ لها في النُّقْلَةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا لم يَكُنْ عليها أَنْ تَرْجِعَ إلَى مَنْزِلِهِ حتى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا إلَّا أَنْ يُرَاجِعَهَا فَيَكُونَ أَحَقَّ بها وَإِنْ أَذِنَ لها في الزِّيَارَةِ أو النُّزْهَةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَعَلَيْهَا أَنْ تَرْجِعَ إلَى مَنْزِلِهِ لِأَنَّ الزِّيَارَةَ وَالنُّزْهَةَ لَيْسَتْ بِنَقْلَةٍ وَلَوْ انْتَقَلَتْ لم يَكُنْ ذلك لها وَلَا له وكان عليها أَنْ تَرْجِعَ فَتَعْتَدَّ في بَيْتِهِ ( قال ) وَلَوْ كان أَذِنَ لها أَنْ تَخْرُجَ إلَى الْحَجِّ فلم تَخْرُجْ حتى طَلَّقَهَا أو مَاتَ عنها لم يَكُنْ لها أَنْ تَخْرُجَ وَلَوْ خَرَجَتْ من مَنْزِلِهِ فَفَارَقَتْ الْمِصْرَ أو لم تُفَارِقْهُ إلَّا أنها قد فَارَقَتْ مَنْزِلَهُ بِإِذْنِهِ لِلْخُرُوجِ إلَى الْحَجِّ ثُمَّ مَاتَ عنها أو طَلَّقَهَا كان لها أَنْ تَمْضِيَ في وَجْهِهَا وَتُقِيمَ فيه مَقَامَ الْحَاجِّ وَلَا تَزِيدُ فيه وَتَعُودَ مع الْحَاجِّ فَتُكْمِلَ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا في مَنْزِلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَذِنَ لها في هذا أَنْ تُقِيمَ بِمَكَّةَ أو في بَلَدٍ غَيْرِهَا إذَا قَضَتْ الْحَجَّ فَتَكُونُ هذه كَالنُّقْلَةِ وَتُقِيمُ في ذلك الْبَلَدِ (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا تَخْرُجُ إلَى الْحَجِّ بَعْدَ مُضِيِّ الْعِدَّةِ إلَّا مع ذِي مَحْرَمٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَتَكُونَ مع نِسَاءٍ ثِقَاتٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ تَخْرُجَ مع غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ وَلَوْ أَذِنَ لها إلَى سَفَرٍ يَكُونُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ غَيْرِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ لم يَكُنْ لها أَنْ تَخْرُجَ إلَّا مع ذِي مَحْرَمٍ فَإِنْ خَرَجَتْ من مَنْزِلِهِ ولم تَبْلُغْ السَّفَرَ حتى طَلَّقَهَا أو مَاتَ عنها كان عليها أَنْ تَرْجِعَ فَتَعْتَدَّ في مَنْزِلِهِ وَلَوْ بَلَغَتْ ذلك الْمَوْضِعَ وقد سمي لها وَقْتًا تُقِيمُهُ في ذلك الْمَوْضِعِ أو قال زُورِي أَهْلَك فَنَوَتْ هِيَ النُّقْلَةَ أو لم تَنْوِهَا أو خَرَجَتْ إلَيْهِ فَلَا أَنْظُرُ إلَى نِيَّتِهَا هِيَ في النُّقْلَةِ لِأَنَّ ذلك لَا يَتِمُّ لها إلَّا بِقَوْلِهِ قبل الطَّلَاقِ أو الْمَوْتِ قد أَذِنْت لها في النُّقْلَةِ فإذا قال ذلك فَهِيَ مُنْتَقِلَةٌ تَعْتَدُّ في ذلك الْمَوْضِعِ الذي أَذِنَ لها في النُّقْلَةِ إلَيْهِ وَلَا تَعْتَدُّ في غَيْرِهِ وَإِنْ لم يَقُلْ هو شيئا حتى مَاتَ فقالت هِيَ قد أَذِنَ لي فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَتَعْتَدُّ حَيْثُ أَذِنَ لها من ذلك الْمِصْرِ إذَا كانت هِيَ قد انْتَقَلَتْ قبل أَنْ يَقَعَ عليها الطَّلَاقُ أو يَمُوتَ زَوْجُهَا وَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يَمْنَعُوهَا منه وَلَا إكْذَابُهَا وَإِنْ أَكْذَبُوهَا كان الْقَوْلُ قَوْلَهَا ( قال ) وَلَوْ قال لها اُخْرُجِي إلَى مِصْرِ كَذَا أو مَوْضِعِ كَذَا فَخَرَجَتْ إلَيْهِ أو مَنْزِلِ كَذَا من مِصْرٍ فَخَرَجَتْ إلَيْهِ ولم يَقُلْ لها حُجِّي وَلَا أَقِيمِي وَلَا تَرْجِعِي منه وَلَا لَا تَرْجِعِي إلَّا أَنْ تَشَائِي وَلَا تَزُورِي فيه أَهْلَك أو بَعْضَ مَعْرِفَتِك وَلَا تَتَنَزَّهِي إلَيْهِ كانت هذه نَقْلَةٌ وَعَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ في ذلك الْمَوْضِعِ من طَلَاقِهِ وَوَفَاتِهِ إلَّا أَنْ تُقِرَّ هِيَ أَنَّ ذلك الْإِذْنَ إنَّمَا كان لِزِيَارَةٍ أو لِمُدَّةٍ تقيمها ( ( ( نقيمها ) ) ) فَيَكُونُ عليها أَنْ تَرْجِعَ إذَا بَلَغَهَا الْوَفَاةُ فَتَعْتَدَّ في بَيْتِهِ وفي مَقَامِهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ لها أَنْ تُقِيمَ إلَى الْمُدَّةِ التي أَمَرَهَا أَنْ تُقِيمَ إلَيْهَا لِأَنَّهُ نَقَلَهَا إلَى مُدَّةٍ فَإِنْ كانت الْمُدَّةُ حتى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا فَقَدْ أَكْمَلَتْ عِدَّتَهَا إنْ شَاءَتْ رَجَعَتْ وَإِنْ شَاءَتْ لم تَرْجِعْ وَإِنْ كانت الْمُدَّةُ ما لَا تَنْقَضِي فيها عِدَّتُهَا رَجَعَتْ إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَالثَّانِي أَنَّ هذه زِيَارَةٌ لَا نَقْلَةٌ إلَى مُدَّةٍ فَعَلَيْهَا الرُّجُوعُ إذَا طَلَّقَهَا أو مَاتَ عنها لِأَنَّ الْعِلْمَ قد أَحَاطَ أنها لَيْسَتْ بِنَقْلَةٍ ( قال ) وَلَوْ قال لها في الْمِصْرِ اُسْكُنِي هذا الْبَيْتَ شَهْرًا أو هذه الدَّارَ شَهْرًا أو سَنَةً كان هذا مِثْلَ قَوْلِهِ في السَّفَرِ أَقِيمِي في بَلَدِ كَذَا شَهْرًا أو سَنَةً وَهَذَا كُلُّهُ في كل مُطَلَّقَةٍ وَمُتَوَفًّى عنها سَوَاءٌ غير أَنَّ لِزَوْجِ الْمُطَلَّقَةِ التي يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا أَنْ يَرْتَجِعَهَا فَيَنْقُلَهَا من حَيْثُ شَاءَ إلَى حَيْثُ شَاءَ وَلَوْ أَرَادَ نَقْلَتَهَا قبل أَنْ يَرْتَجِعَهَا من مَنْزِلِهَا الذي طَلَّقَهَا فيه أو من سَفَرٍ أَذِنَ لها إلَيْهِ أو من مَنْزِلٍ حَوَّلَهَا إلَيْهِ لم يَكُنْ ذلك له عِنْدِي كما لَا يَكُونُ له في التي لَا يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا ( قال ) وَإِنْ كانت الْمُتَوَفَّى عنها أو الْمُطَلَّقَةُ طَلَاقًا بَائِنًا بَدْوِيَّةً لم تَخْرُجْ من مَنْزِلِ زَوْجِهَا حتى يَنْتَوِيَ أَهْلُهَا فَإِنْ انْتَوَى أَهْلُهَا انْتَوَتْ وَذَلِكَ أَنَّ هَكَذَا سَكَنَ أَهْلِ الْبَادِيَةِ إنَّمَا سَكَنُهُمْ سَكَنُ مَقَامٍ ما كان الْمَقَامُ غِبْطَةً فإذا كان الِانْتِوَاءُ غِبْطَةً انْتَوَوْا
( أخبرنا مَالِكٌ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه أَنَّهُ قال في الْمَرْأَةِ الْبَدْوِيَّةِ يُتَوَفَّى عنها زَوْجُهَا إنَّهَا تَنْتَوِي حَيْثُ يَنْتَوِي أَهْلُهَا )
أخبرنا عبدالمجيد بن عبد الْعَزِيزِ عن بن جُرَيْجٍ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّه

(5/229)


بن عبد اللَّهِ بن عُتْبَةَ مثله أو مِثْلُ مَعْنَاهُ لَا يُخَالِفُهُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلِلْحَاكِمِ أَنْ يُخْرِجَ الْمَرْأَةَ في الْعِدَّةِ في كل ما لَزِمَهَا من حَدٍّ أو قِصَاصٍ أو خُصُومَةٍ ( قال ) وإذا أُخْرِجَتْ الْمَرْأَةُ فِيمَا يَلْزَمُهَا من حُكُومَةٍ أو حَدٍّ أو غَيْرِهِ من الْمِصْرِ فَانْقَضَى ما أُخْرِجَتْ له رَجَعَتْ إلَى مَنْزِلِهَا حَيْثُ كان فَإِنْ كان الْحَاكِمُ الذي يُخْرِجُهَا إلَيْهِ بِالْمِصْرِ فَمَتَى انْصَرَفَتْ من عِنْدِهِ انْصَرَفَتْ إلَى بَيْتِهَا ( قال ) وَكُلُّ ما جَعَلْت على الزَّوْجِ الْمُطَلِّقِ فيه السُّكْنَى وَالنَّفَقَةَ قَضَيْت بِذَلِكَ في مَالِهِ إنْ غَابَ وَكُلُّ ما جَعَلْت لِلزَّوْجِ تَصْيِيرُ الْمَرْأَةُ إلَيْهِ من الْمَنَازِلِ إذَا كان الْعُذْرُ الذي تَنْتَقِلُ بِهِ الْمَرْأَةُ جَعَلْت لِمَنْ أَسْكَنَهَا أَجْنَبِيًّا مُتَطَوِّعًا كان الذي أَسْكَنَهَا أو السُّلْطَانُ ولم أَقْضِ على الزَّوْجِ بِكِرَاءِ سَكَنِهَا وَقَضَيْت عليه بِنَفَقَتِهَا إنْ كانت عليه نَفَقَةٌ ( قال ) وإذا مَاتَ الزَّوْجُ فَأَسْكَنَهَا وَارِثُهُ مَنْزِلَهُ فَلَيْسَ لها أَنْ تَخْرُجَ حتى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وَوَارِثُهُ يَقُومُ في ذلك مَقَامَهُ فَأَمَّا امْرَأَةُ صَاحِبِ السَّفِينَةِ إذَا كانت مُسَافِرَةً معه فَكَالْمَرْأَةِ الْمُسَافِرَةِ لَا تُخَالِفُهَا في شَيْءٍ إنْ شَاءَتْ مَضَتْ إلَى الْمَوْضِعِ الذي خَرَجَا في السَّفَرِ إلَيْهِ وَرَجَعَتْ فَأَكْمَلَتْ عِدَّتَهَا في مَنْزِلِهِ وَإِنْ شَاءَتْ رَجَعَتْ إلَى مَنْزِلِهِ فَاعْتَدَّتْ فيه وَكَذَلِكَ لو أَذِنَ لها فَخَرَجَتْ في سَفِينَةٍ ( قال ) وَلَوْ كان الزَّوْجُ خَرَجَ بِامْرَأَتِهِ إلَى بَادِيَةٍ زَائِرًا أو مُتَنَزِّهًا ثُمَّ طَلَّقَهَا أو مَاتَ عنها رَجَعَتْ إلَى مَنْزِلِهَا فَاعْتَدَّتْ فيه وَلَيْسَ هذا كَالنُّقْلَةِ وَلَا كَالسَّفَرِ يَأْذَنُ لها بِهِ إلَى غَايَةٍ وَذَلِكَ مِثْل النَّقْلَةِ وَهَذِهِ زِيَارَةٌ لَا نَقْلَةٌ - * الْإِحْدَادُ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى عِدَّةَ الْوَفَاةِ وَالطَّلَاقِ وَسُكْنَى الْمُطَلَّقَةِ بِغَايَةٍ إذَا بَلَغَتْهَا الْمُعْتَدَّةُ حَلَّتْ وَخَرَجَتْ وَجَاءَتْ السُّنَّةُ بِسُكْنَى الْمُتَوَفَّى عنها كما وَصَفْت ولم يذكر إحْدَادًا فلما أَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمُتَوَفَّى عنها أَنْ تَحِدَّ كان ذلك كما أَحْكَمَ اللَّهُ عز وجل فَرْضَهُ في كِتَابِهِ وَبَيَّنَ كَيْفَ فَرَضَهُ على لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من عَدَدِ الصَّلَوَاتِ وَالْهَيْئَةِ فيها فَكَانَ على الْمُتَوَفَّى عنها وَالْمُطَلَّقَةِ عِدَّةٌ بِنَصِّ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِلْمُطَلَّقَةِ سَكَنٌ بِالْكِتَابِ وَلِلْمُتَوَفَّى عنها بِالسُّنَّةِ كما وَصَفْت وَعَلَى الْمُتَوَفَّى عنها إحْدَادٌ بِنَصِّ السُّنَّةِ وَكَانَتْ الْمُطَلَّقَةُ إذَا كان لها السُّكْنَى وكان لِلْمُتَوَفَّى عنها بِالسُّنَّةِ وَبِأَنَّهُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ لها السُّكْنَى لِأَنَّهُمَا مَعًا في عِدَّةٍ غَيْرِ ذَوَاتَيْ زَوْجَيْنِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ على الْمُعْتَدَّةِ من طَلَاقٍ لَا يَمْلِكُ زَوْجُهَا عليه فيه الرَّجْعَةَ إحْدَادٌ كَهُوَ على الْمُتَوَفَّى عنها وَأَحَبُّ إلَيَّ لِلْمُطَلَّقَةِ طَلَاقًا لَا يَمْلِكُ زَوْجُهَا فيه عليها الرَّجْعَةَ تَحِدُّ إحْدَادَ الْمُتَوَفَّى عنها حتى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا من الطَّلَاقِ لِمَا وَصَفْت وقد قَالَهُ بَعْضُ التَّابِعِينَ وَلَا يَبِينُ لي أَنْ أُوجِبَهُ عليها لِأَنَّهُمَا قد يَخْتَلِفَانِ في حَالٍ وَإِنْ اجْتَمَعَا في غَيْرِهِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا مَالِكٌ عن عبد اللَّهِ بن أبي بَكْرِ بن مُحَمَّدِ بن عَمْرِو بن حَزْمٍ عن حُمَيْدِ بن نَافِعٍ عن زَيْنَبَ بِنْتِ أبي سَلَمَةَ أنها أَخْبَرَتْهُ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الثَّلَاثَةِ ( قال ) قالت زَيْنَبُ دَخَلْت على أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم حين تُوُفِّيَ أبو سُفْيَانَ فَدَعَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِطِيبٍ فيه صُفْرَةُ خَلُوقٍ أو غَيْرِهِ فَدَهَنَتْ منه جَارِيَةً ثُمَّ مَسَّتْ بِعَارِضَيْهَا ثُمَّ قالت وَاَللَّهِ مَالِي بِالطِّيبِ من حَاجَةٍ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّمَا كان لها أَنْ تَنْتَوِيَ لِأَنَّ سَكَنَ أَهْلِ الْبَادِيَةِ هَكَذَا إنَّمَا هو سَكَنُ مُقَامٍ غِبْطَةً وَظَعْنٍ غِبْطَةً وَأَنَّ الظَّعْنَ إذ أَجْدَبَ مَوْضِعُهَا أو خَفَّ أَهْلُهَا عُذْرٌ بِأَنَّهَا تَبْقَى بِمَوْضِعٍ مَخُوفٍ أو غَيْرِ سَتِيرٍ بِنَفْسِهَا وَلَا مَعَهَا من يَسْتُرُهَا فيه ( قال ) فإذا كانت السُّنَّةُ تَدُلُّ على أَنَّ الْمَرْأَةَ تَخْرُجُ من الْبَذَاءِ عن أَهْلِ زَوْجِهَا فإذا كان الْعُذْرُ كان في ذلك الْمَعْنَى أو أَكْثَرَ وَذَلِكَ أَنْ يَتَهَدَّمَ الْمَسْكَنُ الذي كانت تَسْكُنُهُ وَتَحْدُثَ الْفِتْنَةُ في نَاحِيَتِهَا أو الْمُكَاثَرَةُ أو في مِصْرِهَا أو تَخَافَ سُلْطَانًا أو لُصُوصًا فَلَهَا في هذا كُلِّهِ أَنْ تَنْتَقِلَ عن الْمِصْرِ إنْ كان عَامًّا في الْمِصْرِ وَعَنْ النَّاحِيَةِ التي هِيَ فيها إلَى نَاحِيَةٍ آمَنَ منها وَلِزَوْجِهَا أَنْ يُحْصِنَهَا حَيْثُ شَاءَ إذَا كان مَوْضِعًا آمِنًا وَيُجْبَرُ زَوْجُهَا على الْكِرَاءِ لها إذَا انْهَدَمَ الْمَنْزِلُ الذي كانت تَسْكُنُهُ أو غُصِبَ عليه

(5/230)


غير أَنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تَحِدَّ على مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا على زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَقَالَتْ زَيْنَبُ دَخَلْت على زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ حين تُوُفِّيَ أَخُوهَا عبد اللَّهِ فَدَعَتْ بِطِيبٍ فَمَسَّتْ منه ثُمَّ قالت مَالِي بِالطِّيبِ من حَاجَةٍ غير أَنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول على الْمِنْبَرِ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تَحِدَّ على مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ إلَّا على زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا قالت زَيْنَبُ وَسَمِعْت أُمِّي أُمَّ سَلَمَةَ تَقُولُ جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقالت يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ عنها زَوْجُهَا وقد اشْتَكَتْ عينيها ( ( ( عينها ) ) ) أَفَنُكَحِّلُهَا فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا مَرَّتَيْنِ أو ثَلَاثًا كُلُّ ذلك يقول لَا ثُمَّ قال إنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وعشرا ( ( ( وعشر ) ) ) وقد كانت إحْدَاكُنَّ في الْجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ على رَأْسِ الْحَوْلِ قال حُمَيْدٌ فَقُلْت لِزَيْنَبِ وما تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ على رَأْسِ الْحَوْلِ قالت زَيْنَبُ كانت الْمَرْأَةُ إذَا تُوُفِّيَ عنها زَوْجُهَا دَخَلَتْ حِفْشًا وَلَبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِهَا ولم تَمَسَّ طِيبًا وَلَا شيئا حتى تَمُرَّ بها سَنَةٌ ثُمَّ تُؤْتَى بِدَابَّةٍ حِمَارٍ أو شَاةٍ أو طَيْرٍ فتقبص ( ( ( فتقبض ) ) ) بِهِ فَقَلَّمَا تقبص ( ( ( تقبض ) ) ) بِشَيْءٍ إلَّا مَاتَ ثُمَّ تَخْرُجُ فتعطي بَعْرَةً فَتَرْمِي بها ثُمَّ تُرَاجِعُ بَعْدُ ما شَاءَتْ من طِيبٍ أو غَيْرِهِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَتَرْمِي بِالْبَعْرَةِ من وَرَائِهَا على مَعْنَى أنها قد بَلَغَتْ الْغَايَةَ التي لها أَنْ تَكُونَ نَاسِيَةً زِمَامَ الزَّوْجِ بِطُولِ ما حَدَثَ عليه كما تَرَكَتْ الْبَعْرَةَ وَرَاءَ ظَهْرِهَا
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن صَفِيَّةَ بِنْتِ أبي عُبَيْدٍ عن عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ أو عَائِشَةَ أو حَفْصَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تَحِدُّ على مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ إلَّا على زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) كان الْإِحْدَادُ على الْمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ الزَّوْجُ في الْجَاهِلِيَّةِ سَنَةً فَأَقَرَّ الْإِحْدَادَ على الْمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ في عِدَدِهِنَّ وَأَسْقَطَ عَنْهُنَّ في غَيْرِ عِدَدِهِنَّ ولم يَكُنْ الْإِحْدَادُ في سُكْنَى الْبُيُوتِ فَتَسْكُنُ الْمُتَوَفَّى عنها أَيَّ بَيْتٍ كانت فيه جَيِّدٍ أو رَدِيءٍ وَذَلِكَ أَنَّ الْإِحْدَادَ إنَّمَا هو في الْبَدَنِ وَتَرْكٌ لِزِينَةِ الْبَدَنِ ( 1 ) وهو أَنْ يَدْخُلَ على الْبَدَنِ من غَيْرِ شَيْءٍ بِزِينَةٍ أو طِيبٍ مَعَهَا عليها يَظْهَرُ بها فتدعو ( ( ( فيدعو ) ) ) إلَى شَهْوَتِهَا فَأَمَّا اللُّبْسُ نَفْسُهُ فَلَا بُدَّ منه قال فَزِينَةُ الْبَدَنِ الْمُدْخَلِ عليه من غَيْرِهِ الدُّهْنُ كُلُّهُ في الرَّأْسِ فَلَا خَيْرَ في شَيْءٍ منه طِيبٍ وَلَا غَيْرِهِ زَيْتٍ وَلَا شَيْرَقٍ وَلَا غَيْرِهِمَا وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ الْأَدْهَانِ تَقُومُ مَقَامًا وَاحِدًا في تَرْجِيلِ الشَّعْرِ وَإِذْهَابُ الشَّعْرِ الشعث ( ( ( كرها ) ) ) وَذَلِكَ هو الزِّينَةُ وَإِنْ كان بَعْضُهَا أَطْيَبُ من بَعْضٍ وَهَكَذَا رايت الْمُحْرِمَ يَفْتَدِي بِأَنْ يَدْهُنَ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ بِزَيْتٍ أو دُهْنِ طِيبٍ لِمَا وَصَفْت من التَّرْجِيلِ وَإِذْهَابِ الشَّعَثِ ( قال ) فَأَمَّا بَدَنُهَا فَلَا بَأْسَ أَنْ تَدْهُنَهُ بِالزَّيْتِ وَكُلِّ ما لَا طِيبَ فيه من الدُّهْنِ كما لَا يَكُونُ بِذَلِكَ بَأْسٌ لِلْمُحْرِمِ وَإِنْ كانت الْحَادُّ تُخَالِفُ الْمُحْرِمَ في بَعْضِ أَمْرِهَا لِأَنَّهُ ليس بِمَوْضِعِ زِينَةٍ لِلْبَدَنِ وَلَا طِيبٍ تَظْهَرُ رِيحُهُ فَيَدْعُو إلَى شَهْوَتِهَا فَأَمَّا الدُّهْنُ الطَّيِّبُ وَالْبَخُورُ فَلَا خَيْرَ فيه لِبَدَنِهَا لِمَا وَصَفْت من أَنَّهُ طِيبٌ يَدْعُو إلَى شَهْوَتِهَا وَيُنَبِّهُ بِمَكَانِهَا وَإِنَّمَا الْحَادُّ من الطِّيبِ شَيْءٌ أَذِنَتْ فيه الْحَادُّ وَالْحَادُّ إذَا مَسَّتْ الطِّيبَ لم يَجِبْ عليها فِدْيَةٌ ولم يُنْتَقَضْ إحْدَادُهَا وقد أَسَاءَتْ ( قال ) وَكُلُّ كُحْلٍ كان زِينَةً فَلَا خَيْرَ فيه لها مِثْلُ الأثمد وَغَيْرِهِ مِمَّا يَحْسُنُ مَوْقِعُهُ في عَيْنِهَا فَأَمَّا الْكُحْلُ الْفَارِسِيُّ وما أَشْبَهَهُ إذَا احْتَاجَتْ إلَيْهِ فَلَا بَأْسَ لِأَنَّهُ ليس فيه زِينَةٌ بَلْ هو يَزِيدُ الْعَيْنَ مُرَّهَا وَقُبْحَهَا وما اضْطَرَّتْ إلَيْهِ مِمَّا فيه زِينَةٌ من الْكُحْلِ اكْتَحَلَتْ بِهِ بالليل ( ( ( الليل ) ) ) وَمَسَحَتْهُ بِالنَّهَارِ وَكَذَلِكَ الدِّمَامُ وما أَرَادَتْ بِهِ الدَّوَاءَ + ( قال الشَّافِعِيُّ )
أخبرنا مَالِكٌ أَنَّهُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْحِفْشُ الْبَيْتُ الصَّغِيرُ الذَّلِيلُ من الشَّعْرِ وَالْبِنَاءِ وَغَيْرِهِ وَالْقَبْصُ أَنْ تَأْخُذَ من الدَّابَّةِ مَوْضِعًا بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهَا وَالْقَبْضُ الْأَخْذُ بِالْكَفِّ كُلِّهَا

(5/231)


بَلَغَهُ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم دخل على أُمِّ سَلَمَةَ وَهِيَ حَادٌّ على أبي سَلَمَةَ فقال ما هذا يا أُمَّ سَلَمَةَ فقالت يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا هو صَبْرٌ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم اجْعَلِيهِ بِاللَّيْلِ وَامْسَحِيهِ بِالنَّهَارِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان في بَدَنِهَا شَيْءٌ لَا يُرَى فَجَعَلَتْ عليه الصَّبْرَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لم يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَذِنَ لها فيه بِاللَّيْلِ حَيْثُ لَا يُرَى وَأَمَرَهَا بِمَسْحِهِ بِالنَّهَارِ ( قال ) وفي الثِّيَابِ زِينَتَانِ إحْدَاهُمَا جَمَالُ الثِّيَابِ على اللَّابِسِ التي تَجْمَعُ الْجَمَالَ وَتَسْتُرُ الْعَوْرَةَ قال اللَّهُ تَعَالَى { خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كل مَسْجِدٍ } فقال بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ الثِّيَابُ فَالثِّيَابُ زِينَةٌ لِمَنْ لَبِسَهَا وإذا أَفْرَدَتْ الْعَرَبُ التَّزْيِينَ على بَعْضِ اللَّابِسِينَ دُونَ بَعْضٍ فَإِنَّمَا تَقُولُ تَزَيَّنَّ من زَيَّنَ الثِّيَابَ التي هِيَ الزِّينَةُ بِأَنْ يُدْخَلَ عليها شَيْءٌ من غَيْرِهَا من الصِّبْغِ خَاصَّةً وَلَا بَأْسَ أَنْ تَلْبَسَ الْحَادُّ كُلَّ ثَوْبٍ وَإِنْ جَادَ من الْبَيَاضِ لِأَنَّ الْبَيَاضَ ليس بِمُزَيِّنٍ وَكَذَلِكَ الصُّوفُ وَالْوَبَرُ وَكُلُّ ما نُسِجَ على وَجْهِهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ ثَوْبٍ مَنْسُوجٍ على وَجْهِهِ لم يَدْخُلْ عليه صِبْغٌ من خَزٍّ أو مَرْوِيِّ إبْرَيْسَمٍ أو ( 3 ) حَشِيشٍ أو صُوفٍ أو وَبَرٍ أو شَعْرٍ أو غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ صِبْغٍ لم يُرَدْ بِهِ تَزْيِينُ الثَّوْبِ مِثْلُ السَّوَادِ وما أَشْبَهَهُ فإن من صَبَغَ بِالسَّوَادِ إنَّمَا صَبَغَهُ لِتَقْبِيحِهِ لِلْحُزْنِ وَكَذَلِكَ كُلُّ ما صُبِغَ لِغَيْرِ تَزْيِينِهِ إمَّا لِتَقْبِيحِهِ وَإِمَّا لِنَفْيِ الْوَسَخِ عنه مِثْلُ الصِّبَاغِ بِالسِّدْرِ وَصِبَاغِ الْغَزْلِ بِالْخُضْرَةِ تُقَارِبُ السَّوَادَ لَا الْخُضْرَةِ الصَّافِيَةِ وما في مِثْلِ مَعْنَاهُ فَأَمَّا كُلُّ صِبَاغٍ كان زِينَةً أو وَشْيٍ في الثَّوْبِ بِصِبْغٍ كان زِينَةً أو تَلْمِيعٍ كان زِينَةً مِثْلَ الْعَصْبِ وَالْحِبَرَةِ والوشى وَغَيْرِهِ فَلَا تَلْبَسُهُ الْحَادَّ غَلِيظًا كان أو رَقِيقًا ( قال ) وَالْحُرَّةُ الْكَبِيرَةُ الْمُسْلِمَةُ وَالصَّغِيرَةُ وَالذِّمِّيَّةُ وَالْأَمَةُ الْمُسْلِمَةُ في الْإِحْدَادِ كُلُّهُنَّ سَوَاءٌ من وَجَبَتْ عليه عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَجَبَ عليه الْإِحْدَادُ لَا يَخْتَلِفْنَ وَدَلَّتْ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( 1 ) على أَنَّ على الْمُعْتَدَّةِ من الْوَفَاةِ تَكُونُ بِإِحْدَادٍ أَنْ لَا تَعْتَدَّ امْرَأَةٌ بِغَيْرِ إحْدَادٍ لِأَنَّهُنَّ إنْ دَخَلْنَ في الْمُخَاطَبَاتِ بِالْعِدَّةِ دَخَلْنَ في الْمُخَاطَبَاتِ بِالْإِحْدَادِ وَلَوْ تَرَكَتْ امْرَأَةٌ الْإِحْدَادَ في عِدَّتِهَا حتى تَنْقَضِيَ أو في بَعْضِهَا كانت مُسِيئَةً ولم يَكُنْ عليها أَنْ تَسْتَأْنِفَ إحْدَادًا لِأَنَّ مَوْضِعَ الْإِحْدَادِ في الْعِدَّةِ فإذا مَضَتْ أو مَضَى بَعْضُهَا لم تَعُدْ لِمَا مَضَى + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ كان الْمُتَوَفَّى عنها أو الْمُطَلَّقَةُ مُغْمًى عليها أو مَجْنُونَةً فَمَضَتْ عِدَّتُهَا وَهِيَ بِتِلْكَ الْحَالِ لَا تَعْقِلُ حَلَّتْ ولم يَكُنْ عليها اسْتِئْنَافُ عِدَّةٍ وَلَا إحْدَادٌ من قِبَلِ أَنَّ الْعِدَّةَ إنَّمَا هِيَ وَقْتٌ يَمُرُّ عليها تَكُونُ فيه مُحْتَبِسَةً عن الْأَزْوَاجِ كما تَكُونُ الزَّكَاةُ في وَقْتٍ إذَا مَرَّ على رَبِّ الْمَالِ زكاه وَسَوَاءٌ كان مَعْتُوهًا أو كان يَعْقِلُ لِأَنَّهُ لَا عَمَلَ له في وَقْتٍ يَمُرُّ عليه وإذا سَقَطَ عن الْمَعْتُوهِ الْعَمَلُ في الصَّلَاةِ سَقَطَ عن الْمُعْتَدَّةِ الْعَمَلُ في الْإِحْدَادِ وَيَنْبَغِي لِأَهْلِهَا أَنْ يجنبوها ( ( ( يجتنبوها ) ) ) في عِدَّتِهَا ما تَجْتَنِبُ الْحَادُّ وَعِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عنها وَالْمُطَلَّقَةِ من يَوْمِ يَمُوتُ عنها زَوْجُهَا أو يُطَلِّقُهَا فَإِنْ لم يَأْتِهَا طَلَاقٌ وَلَا وَفَاةٌ حتى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا لم يَكُنْ عليها عِدَّةٌ وَكَذَلِكَ لو لم يَأْتِهَا طَلَاقٌ وَلَا وَفَاةٌ حتى يَمْضِيَ بَعْضُ عِدَّتِهَا أَكْمَلَتْ ما بَقِيَ من عِدَّتِهَا حَادَّةً ولم تُعِدْ ما مَضَى منها + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ بَلَغَهَا يَقِينُ وَفَاتِهِ أو طَلَاقِهِ ولم تَعْرِفْ الْيَوْمَ الذي طَلَّقَهَا فيه وَلَا مَاتَ عنها اعْتَدَّتْ من يَوْمِ اسْتَيْقَنَتْ بِطَلَاقِهِ وَوَفَاتِهِ حتى تُكْمِلَ عِدَّتَهَا ولم تَعْتَدَّ بِمَا تَشُكُّ فيه كَأَنَّهُ شَهِدَ عِنْدَهَا أَنَّهُ مَاتَ في رَجَبٍ وَقَالُوا لَا نَدْرِي في أَيِّ رَجَبٍ مَاتَ فَتَعْتَدُّ في آخِرِ سَاعَاتِ النَّهَارِ من رَجَبٍ فَاسْتَقْبَلَتْ بِالْعِدَّةِ شَعْبَانَ وإذا كان الْيَوْمُ الْعَاشِرُ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ في آخِرِ سَاعَاتِ نَهَارِهِ حَلَّتْ فَكَانَتْ قد اسْتَكْمَلَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) الصَّبْرُ يُصَفِّرُ فَيَكُونُ زِينَةً وَلَيْسَ يُطَيِّبُ وَأُذِنَ لها أَنْ تَجْعَلَهُ بِاللَّيْلِ حَيْثُ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ وَتَمْسَحَهُ بِالنَّهَارِ

(5/232)


- * اجْتِمَاعُ الْعِدَّتَيْنِ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ وَسُلَيْمَانَ أَنَّ طُلَيْحَةَ كانت تَحْتَ رَشِيدٍ الثَّقَفِيِّ فَطَلَّقَهَا البتة فَنَكَحَتْ في عِدَّتِهَا فَضَرَبَهَا عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وَضَرَبَ زَوْجَهَا بِالْمِخْفَقَةِ ضَرَبَاتٍ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ قال عُمَرُ بن الْخَطَّابِ أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ في عِدَّتِهَا فَإِنْ كان الزَّوْجُ الذي تَزَوَّجَ بها لم يَدْخُلْ بها فَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ اعْتَدَّتْ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا من زَوْجِهَا الْأَوَّلِ وكان خَاطِبًا من الْخُطَّابِ وَإِنْ كان دخل بها فَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ اعْتَدَّتْ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا من زَوْجِهَا الْأَوَّلِ ثُمَّ اعْتَدَّتْ من زَوْجِهَا الْآخَرِ ثُمَّ لم يَنْكِحْهَا أَبَدًا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كانت تَحِيضُ فَاعْتَدَّتْ حَيْضَةً أو اثْنَتَيْنِ ثُمَّ أَصَابَهَا الزَّوْجُ الْآخَرُ فَحَمَلَتْ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال سَعِيدٌ وَلَهَا مَهْرُهَا بِمَا اسْتَحَلَّ منها
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا يحيى بن حَسَّانَ عن جَرِيرٍ عن عَطَاءِ بن السَّائِبِ عن زَاذَانَ أبي عُمَرَ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّهُ قَضَى في التي تَزَوَّجَ في عِدَّتِهَا أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَلَهَا الصَّدَاقُ بِمَا اسْتَحَلَّ من فَرْجِهَا وَتُكْمِلُ ما أَفْسَدَتْ من عِدَّةِ الْأَوَّلِ وَتَعْتَدُّ من الاخر ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا عبدالمجيد عن بن جُرَيْجٍ قال أخبرنا عَطَاءٌ أَنَّ رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَاعْتَدَّتْ منه حتى إذَا بَقِيَ شَيْءٌ من عِدَّتِهَا نَكَحَهَا رَجُلٌ في آخِرِ عِدَّتِهَا جَهِلَا ذلك وَبَنَى بها فأتى ( ( ( فأبى ) ) ) عَلِيُّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه في ذلك فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ ما بَقِيَ من عِدَّتِهَا الْأُولَى ثُمَّ تَعْتَدَّ من هذا عِدَّةً مُسْتَقْبَلَةً فإذا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَهِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ نَكَحَتْ وَإِنْ شَاءَتْ فَلَا قال وَبِقَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ نَقُولُ في الْمَرْأَةِ تَنْكِحُ في عِدَّتِهَا تَأْتِي بِعِدَّتَيْنِ مَعًا وَبِقَوْلِ عَلِيٍّ نَقُولُ إنَّهُ يَكُونُ خَاطِبًا من الْخُطَّابِ ولم تَحْرُمْ عليه وَذَلِكَ أَنَّا إذَا جَعَلْنَا النِّكَاحَ الْفَاسِدَ يَقُومُ مَقَامَ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ في أَنَّ على الْمَنْكُوحَةَ نِكَاحًا فَاسِدًا إذَا أُصِيبَتْ عِدَّةٌ كَعِدَّتِهَا في النِّكَاحِ الصَّحِيحِ فَنَكَحَتْ امْرَأَةٌ في عِدَّتِهَا فَأُصِيبَتْ فَقَدْ لَزِمَتْهَا عِدَّةُ الزَّوْجِ الصَّحِيحِ ثُمَّ لَزِمَهَا عِدَّةٌ من النِّكَاحِ الْفَاسِدِ فَكَانَ عليها حَقَّانِ بِسَبَبِ زَوْجَيْنِ وَلَا يُؤَدِّيهِمَا عنها إلَّا بِأَنْ تَأْتِيَ بِهِمَا مَعًا وَكَذَلِكَ كُلُّ حَقَّيْنِ لَزِمَاهَا من وَجْهَيْنِ لَا يُؤَدِّيهِمَا عن أَحَدٍ لَزِمَاهُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً طَلُقَتْ أو مِيَتٌ عنها فَنَكَحَتْ في عِدَّتِهَا ثُمَّ عَلِمَ ذلك فَسَخَ نِكَاحَهَا فَإِنْ كان الزَّوْجُ الْآخَرُ لم يُصِبْهَا أَكْمَلَتْ عِدَّتَهَا من الْأَوَّلِ وَلَا يَبْطُلُ عنها من عِدَّتِهَا شَيْءٌ في الْأَيَّامِ للتي ( ( ( التي ) ) ) عَقَدَ عليها فيها النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لِأَنَّهَا في عِدَّتِهَا ولم تُصَبْ فَإِنْ كان أَصَابَهَا أَحْصَتْ ما مَضَى من عِدَّتِهَا قبل إصَابَةِ الزَّوْجِ الْآخَرِ وَأَبْطَلَتْ كُلَّ ما مَضَى منها بَعْدَ إصَابَتِهِ حتى يُفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَاسْتَأْنَفَتْ الْبُنْيَانَ على عِدَّتِهَا التي كانت قبل إصَابَتِهِ من يَوْمِ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حتى تُكْمِلَ عِدَّتَهَا من الْأَوَّلِ ثُمَّ تَسْتَأْنِفُ عِدَّةً أُخْرَى من الْآخَرِ فإذا أَكْمَلَتْهَا حَلَّتْ منها والاخر خَاطِبٌ من الْخُطَّابِ إذَا مَضَتْ عِدَّتُهَا من الْأَوَّلِ وَبَعْدُ لَا تَحْرُمُ عليه لِأَنَّهُ إذَا كان يَعْقِدُ عليها النِّكَاحَ الْفَاسِدَ فَيَكُونُ خَاطِبًا إذَا لم يَدْخُلْ بها فَلَا يَكُونُ دُخُولُهُ بها في النِّكَاحِ الْفَاسِدِ أَكْثَرَ من زِنَاهُ بها وهو لو زَنَى بها في الْعِدَّةِ كان له أَنْ يَنْكِحَهَا إذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ ( قال ) فإذا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا من الْأَوَّلِ فللاخر أَنْ يَخْطُبَهَا في عِدَّتِهَا منه وَأَحَبُّ إلَيَّ لو كَفَّ عنها حتى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا من مَائِهِ الْفَاسِدِ وَلَوْ كانت هذه النَّاكِحُ في عِدَّتِهَا الْمُصَابَةُ لَا تَحِيضُ فَاعْتَدَّتْ من الْأَوَّلِ شَهْرَيْنِ ثُمَّ نَكَحَهَا الْآخَرُ فَأَصَابَهَا ثُمَّ فَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا فَقُلْنَا لها اسْتَأْنِفِي شَهْرًا من يَوْمِ فَارَقَك تُكْمِلِينَ بِهِ الشَّهْرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ اللَّذَيْنِ اعْتَدَدْت فيه من النِّكَاحِ الصَّحِيحِ فَحَاضَتْ قبل أَنْ تُكْمِلَ الشَّهْرَيْنِ سَقَطَتْ عِدَّتُهَا بِالشُّهُورِ وَابْتَدَأَتْ من الْأَوَّلِ عِدَّتَهَا ثَلَاثَ حِيَضٍ إذَا طَعَنَتْ في الدَّمِ من الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ حَلَّتْ من الْأَوَّلِ ثُمَّ كانت في حَيْضَتِهَا الثَّالِثَةِ خَلِيَّةً من الْأَوَّلِ وَغَيْرَ مُعْتَدَّةٍ من الْآخَرِ وللاخر أَنْ يَخْطُبَهَا في حَيْضَتِهَا الثَّالِثَةِ فإذا طَهُرَتْ منها اعْتَدَّتْ من الْآخَرِ ثَلَاثَةَ أَطْهَارٍ وإذا طَعَنَتْ في الدَّمِ بَعْدَ ما تُكْمِلُ الطُّهْرَ الثَّالِثَ حَلَّتْ من الْآخَرِ أَيْضًا لِجَمِيعِ الْخُطَّابِ

(5/233)


وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا اعْتَدَّتْ بِالْحَمْلِ فإذا وَضَعَتْهُ لِأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ من يَوْمِ نَكَحَهَا فَهُوَ لِلْأَوَّلِ وَإِنْ كانت وَضَعَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ من يَوْمِ نَكَحَهَا الْآخَرُ فَأَكْثَرَ إلَى أَقَلَّ من أَرْبَعِ سِنِينَ من يَوْمِ فَارَقَهَا الْأَوَّلُ دعي ( ( ( دعا ) ) ) له الْقَافَةَ وَإِنْ كانت وَضَعَتْهُ لِأَكْثَرَ من أَرْبَعِ سِنِينَ سَاعَةً من يَوْمِ فَارَقَهَا الْأَوَّلُ فَكَانَ طَلَاقُهُ لَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فَهُوَ للاخر وَإِنْ كان طَلَاقُهُ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَتَدَاعَيَاهُ أو لم يَتَدَاعَيَاهُ ولم يُنْكِرَاهُ وَلَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا أريه ( ( ( يفتوك ) ) ) الْقَافَةُ فَبِأَيِّهِمَا أَلْحَقُوهُ بِهِ لَحِقَ وَإِنْ أَلْحَقُوهُ بِالْأَوَّلِ فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا من الْأَوَّلِ وَحَلَّ للاخر خِطْبَتُهَا وَتَبْتَدِئُ عِدَّةً من الاخر فإذا قَضَتْهَا حَلَّتْ خِطْبَتُهَا لِلْأَوَّلِ وَغَيْرِهِ فَإِنْ أَلْحَقُوهُ بِالْآخَرِ فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا من الْآخَرِ وَتَبْتَدِئُ فَتُكْمِلُ على ما مَضَى من عِدَّةِ الْأَوَّلِ وَلِلْأَوَّلِ عليها الرَّجْعَةُ في عِدَّتِهَا منه إنْ كان طَلَاقُهُ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَنَفَقَةُ أمه حُبْلَى في قَوْلِ من يَرَى النَّفَقَةَ لِلْحَامِلِ في النِّكَاحِ الْفَاسِدِ عَلَيْهِمَا مَعًا فَإِنْ لم يَلْحَقْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لم يَرْجِعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا على صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ من نَفَقَتِهَا وَإِنْ أُلْحِقَ بِأَحَدِهِمَا رَجَعَ الذي نُفِيَ عنه على الذي لَحِقَ بِهِ بِمَا أخرج ( ( ( سقط ) ) ) من نَفَقَتِهَا وَالْقَوْلُ في رَضَاعِهِ حتى يُتَبَيَّنَ أَمْرُهُ كَالْقَوْلِ في نَفَقَةِ أُمِّهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا أنا فَلَا أَرَى على النَّاكِحِ نِكَاحًا فَاسِدًا نَفَقَةً في الْحَمْلِ وَالنَّفَقَةُ على الزَّوْجِ الصَّحِيحِ النِّكَاحِ فَلَا آخُذُهُ بِنَفَقَتِهَا حتى تَلِدَ فَإِنْ أُلْحِقَ بِهِ الْوَلَدُ أَعْطَيْتهَا نَفَقَةَ الْحَمْلِ من يَوْمِ طَلَّقَهَا هو وَإِنْ أَشْكَلَ أَمْرُهُ لم آخُذْهُ بِنَفَقَةٍ حتى يَنْتَسِبَ إلَيْهِ الْوَلَدُ فَأُعْطِيَهَا النَّفَقَةَ وَإِنْ أُلْحِقَ بِصَاحِبِهِ فَلَا نَفَقَةَ عليه لِأَنَّهَا حُبْلَى من غَيْرِهِ وإذا كان أَمْرُ الْوَلَدِ مُشْكِلًا كما وَصَفْت فَقَدْ انْقَضَتْ إحْدَى الْعِدَّتَيْنِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ وَتَسْتَأْنِفُ الْأُخْرَى بَعْدَ وَضْعِ الْحَمْلِ وَلَا رَجْعَةَ لِلْأَوَّلِ عليها في الْعِدَّةِ الْأُخْرَى بَعْدَ الْحَمْلِ وَإِنَّمَا قُلْت تَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ لِأَنِّي لَا أَدْرِي الْعِدَّةَ بِالْحَمْلِ من الْأَوَّلِ هِيَ فَتَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ من الاخر أو من الْآخَرِ فَتَبْنِي فلما أَشْكَلَتْ جَعَلْنَاهَا تَسْتَأْنِفُ وَتَلْغِي ما مَضَى من عِدَّتِهَا قبل الْحَمْلِ وَلَا يَكُونُ الْآخَرُ خَاطِبًا حتى يَنْقَضِيَ آخِرُ عِدَّتِهَا ( قال الرَّبِيعُ ) وَهَذَا إذَا أَنْكَرَاهُ جميعا فَأَمَّا إذَا ادَّعَيَاهُ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُقِرٌّ بِأَنَّ النَّفَقَةَ تَلْزَمُهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ ادَّعَاهُ أَحَدُهَا وَأَنْكَرَهُ الْآخَرُ أَرَيْته الْقَافَةَ وَأَلْحَقَتْهُ بِمَنْ أَلْحَقُوهُ بِهِ وَلَا حَدَّ على الذي أَنْكَرَهُ من قِبَلِ أَنْ يَعْزِيَهُ إلَى أَبٍ قبل أَنْ يَتَبَيَّنَ له أَبٌ غَيْرُهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَكَذَا الْقَوْلُ لو نَكَحَتْ ثَلَاثَةً أو أَرْبَعَةً فَمَضَتْ عِدَّتُهَا من الْأَوَّلِ وَمِنْ كل من أَصَابَهَا مِمَّنْ بَعْدَهُ وَلَا عِدَّةَ عليها مِمَّنْ لم يُصِبْهَا منهم + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ كان النِّكَاحَانِ جميعا فَاسِدَيْنِ الْأَوَّلُ وَالْآخَرُ كان الْقَوْلُ فيه كَالْقَوْلِ في النِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَكَذَا كُلُّ زَوْجَةٍ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ أو ذِمِّيَّةٍ أو أَمَةٍ مُسْلِمَةٍ إلَّا أَنَّ عِدَّةَ الْأَمَةِ نِصْفُ عِدَّةِ الْحُرَّةِ في الشُّهُورِ وَحَيْضَتَانِ في الْحَيْضِ وَمِثْلُهَا في وَضْعِ الْحَمْلِ فَتَصْنَعُ الْأَمَةُ في عِدَّتِهَا مِثْلَ ما تَصْنَعُ الْحُرَّةَ في عِدَّتِهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا طَلَّقَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَأَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَنَكَحَتْ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ من يَوْمِ نَكَحَهَا وَأَقَلَّ من أَرْبَعِ سِنِينَ من يَوْمِ طَلُقَتْ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ من يَوْمِ نَكَحَهَا وَأَكْثَرَ من أَرْبَعِ سِنِينَ من يَوْمِ طَلَّقَهَا الْأَوَّلُ فَلَيْسَ لِلْأَوَّلِ وَلَا للاخر
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ لم يُلْحِقُوهُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أو أَلْحَقُوهُ بِهِمَا أو لم تَكُنْ قَافَةٌ أو مَاتَ قبل أَنْ تَرَاهُ الْقَافَةُ أو القته مَيِّتًا فلم تَرَهُ الْقَافَةُ فَلَا يَكُونُ بن وَاحِدٍ مِنْهُمَا في هذه الْحَالِ وَلَوْ كان أَوْصَى له بِشَيْءٍ فَوُلِدَ فَمَلَكَهُ ثُمَّ مَاتَ وَقَفَ عنهما مَعًا حتى يَصْطَلِحَا فيه وَإِنْ كان مَاتَ بَعْدَ ولاده وَقَبْلَ مَوْتِ قَرِيبٍ له يَرِثُهُ الْمَوْلُودُ وَقَفَ له مِيرَاثُهُ حتى يُتَبَيَّنَ أَمْرُهُ فَإِنْ لم يُتَبَيَّنْ أَمْرُهُ لم يُعْطَ شيئا من مِيرَاثِهِ من لَا يُعْرَف وَارِثٌ له أو ليس بِوَارِثٍ ( قال الرَّبِيعُ ) فَإِنْ لم يُلْحِقَاهُ بِأَحَدٍ مِنْهُمَا رَجَعَا عليه بِمَا أَنْفَقَا عليها ولم تَحِلَّ من عِدَّتِهَا بِهِ

(5/234)


- * بَابُ سُكْنَى الْمُطَلَّقَاتِ وَنَفَقَاتِهِنَّ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فذكر اللَّهُ عز وجل الْمُطَلَّقَاتِ جُمْلَةً لم يُخَصِّصْ مِنْهُنَّ مُطَلَّقَةً دُونَ مُطَلَّقَةٍ فَجَعَلَ على أَزْوَاجِهِنَّ أَنْ يُسْكِنُوهُنَّ من وُجْدِهِنَّ وَحَرُمَ عليهم أَنْ يُخْرِجُوهُنَّ وَعَلَيْهِنَّ أَنْ يَخْرُجْنَ إلَّا أن بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ فَيَحِلُّ إخْرَاجُهُنَّ فَكَانَ من خُوطِبَ بِهَذِهِ الْآيَةِ من الْأَزْوَاجِ يَحْتَمِلُ أَنَّ إخْرَاجَ الزَّوْجِ امْرَأَتَهُ الْمُطَلَّقَةَ من بَيْتِهَا مَنْعُهَا السُّكْنَى لِأَنَّ السَّاكِنَ إذَا قِيلَ أُخْرِجَ من مَسْكَنِهِ فَإِنَّمَا قِيلَ منع ( ( ( منه ) ) ) مَسْكَنُهُ وَكَمَا كان كَذَلِكَ إخْرَاجُهُ إيَّاهَا وَكَذَلِكَ خُرُوجُهَا بِامْتِنَاعِهَا من السَّكَنِ فيه وَسَكَنِهَا في غَيْرِهِ فَكَانَ هذا الْخُرُوجَ الْمُحَرَّمَ على الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ رَضِيَا بِالْخُرُوجِ مَعًا أو سَخِطَاهُ مَعًا أو رضي بِهِ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ الْخُرُوجُ وَلَا لِلرَّجُلِ إخْرَاجُهَا إلَّا في الْمَوْضِعِ الذي اسْتَثْنَى اللَّهُ عز ذِكْرُهُ من أَنْ تَأْتِيَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وفي الْعُذْرِ فَكَانَ فِيمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى على الزَّوْجِ وَالْمَرْأَةِ من هذا تَعَبُّدًا لَهُمَا وقد يَحْتَمِلُ مع التَّعَبُّدِ أَنْ يَكُونَ لِتَحْصِينِ فَرْجِ الْمَرْأَةِ في الْعِدَّةِ وَوَلَدٍ إنْ كان بها وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ( قال ) وَيَحْتَمِلُ أَمْرُ اللَّهِ عز وجل بِإِسْكَانِهِنَّ وَأَنْ لَا يُخْرَجْنَ وَلَا يَخْرُجْنَ مع ما وَصَفْت أَنْ لَا يَخْرُجْنَ بِحَالٍ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا وَلَا لِمَعْنًى إلَّا مَعْنَى عُذْرٍ وقد ذَهَبَ بَعْضُ من يُنْسَبُ إلَى الْعِلْمِ في الْمُطَلَّقَةِ هذا الْمَذْهَبَ فقال لَا يَخْرُجْنَ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا بِحَالٍ إلَّا من عُذْرٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ فَعَلَتْ هذا كان أَحَبَّ إلَيَّ وكان احْتِيَاطًا لَا يَبْقَى في الْقَلْبِ معه شَيْءٌ وَإِنَّمَا مَنَعْنَا من إيجَابِ هذا عليها مع احْتِمَالِ الْآيَةِ لِمَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ من إيجَابِهِ على ما قال ما وَصَفْنَا من احْتِمَالِ الْآيَاتِ قَبْلُ لِمَا وَصَفْنَا وَأَنَّ
عبدالمجيد أخبرنا عن بن جُرَيْجٍ قال أخبرنا أبو الزُّبَيْرِ عن جَابِرٍ قال طَلُقَتْ خَالَتِي فَأَرَادَتْ أَنْ تَجُدَّ نَخْلًا لها فَزَجَرَهَا رَجُلٌ أَنْ تَخْرُجَ فَأَتَتْ إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال بَلَى فَجِدِّي نَخْلَك فلعلك ( ( ( لعلك ) ) ) أَنْ تَصَدَّقِي أو تَفْعَلِي مَعْرُوفًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) نَخْلُ الْأَنْصَارِ قَرِيبٌ من مَنَازِلِهِمْ وَالْجِدَادُ إنَّمَا يكون ( ( ( تكون ) ) ) نَهَارًا
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا عبدالمجيد عن بن جُرَيْجٍ قال أخبرني إسْمَاعِيلُ بن كَثِيرٍ عن مُجَاهِدٍ قال اُسْتُشْهِدَ رِجَالٌ يوم أُحُدٍ فَآمَ نِسَاؤُهُمْ وَكُنَّ مُتَجَاوِرَاتٍ في دَارٍ فَجِئْنَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَقُلْنَ يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَسْتَوْحِشُ بِاللَّيْلِ أَفَنَبِيتُ عِنْدَ إحدانا ( ( ( أحدنا ) ) ) فإذا أَصْبَحْنَا تَبَدَّدْنَا إلَى بُيُوتِنَا فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم تَحَدَّثْنَ عِنْدَ إحْدَاكُنَّ ما بَدَا لَكُنَّ فإذا أَرَدْتُنَّ النَّوْمَ فَلْتَؤُبْ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ إلَى بَيْتِهَا
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا عبدالمجيد عن بن جُرَيْجٍ عن بن شِهَابٍ عن سَالِمٍ عن عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كان يقول لَا يَصْلُحُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَبِيتَ لَيْلَةً وَاحِدَةً إذَا كانت في عِدَّةِ وَفَاةٍ أو طَلَاقٍ إلَّا في بَيْتِهَا - * الْعُذْرُ الذي يَكُونُ لِلزَّوْجِ أَنْ يُخْرِجَهَا - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى في الْمُطَلَّقَاتِ { لَا تُخْرِجُوهُنَّ من بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ }
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا عبد الْعَزِيزِ بن مُحَمَّدٍ عن مُحَمَّدِ بن عَمْرٍو عن مُحَمَّدِ بن إبْرَاهِيمَ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ كان يقول الْفَاحِشَةُ الْمُبَيِّنَةُ أَنْ تَبْذُوَ على أَهْلِ زَوْجِهَا فإذا بَذَتْ فَقَدْ حَلَّ إخْرَاجُهَا
أخبرنا عبد الْعَزِيزِ بن مُحَمَّدٍ عن مُحَمَّدِ بن عَمْرٍو عن مُحَمَّدِ بن إبْرَاهِيمَ أَنَّ عَائِشَةَ كانت تَقُولُ اتَّقِي اللَّهَ يا فَاطِمَةُ فَقَدْ عَلِمْت في أَيِّ شَيْءٍ كان ذلك قال
أخبرنا مَالِكٌ عن عبد اللَّهِ بن يَزِيدَ مولى الْأَسْوَدِ بن سُفْيَانَ عن أبي سَلَمَةَ بن عبد الرحمن عن فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ من بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ } الْآيَةَ وقال عز ذِكْرُهُ في الْمُطَلَّقَاتِ { أَسْكِنُوهُنَّ من حَيْثُ سَكَنْتُمْ من وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حتى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ }

(5/235)


أَبَا عَمْرِو بن حَفْصٍ طَلَّقَهَا البتة وهو غَائِبٌ بِالشَّامِ فَأَرْسَلَ إلَيْهَا وَكِيلَهُ بِشَعِيرٍ فَسَخِطَتْهُ فقال وَاَللَّهِ مَالَك عَلَيْنَا من شَيْءٍ فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَذَكَرَتْ ذلك له فقال ليس لَك عليه نَفَقَةٌ وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ في بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ ثُمَّ قال تِلْكَ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي فَاعْتَدِّي عِنْدَ بن أُمِّ مَكْتُومٍ فإنه رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَك
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن أبي يحيى عن عَمْرِو بن مَيْمُونِ بن مِهْرَانَ عن أبيه قال قَدِمْت الْمَدِينَةَ فَسَأَلْت عن أَعْلَمِ أَهْلِهَا فَدُفِعْت إلَى سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ فَسَأَلْته عن الْمَبْتُوتَةِ فقال تَعْتَدُّ في بَيْتِ زَوْجِهَا فَقُلْت فَأَيْنَ حَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فقال هَاهْ وَوَصَفَ أَنَّهُ تَغَيَّظَ وقال فَتَنَتْ فَاطِمَةُ الناس كانت لِلِسَانِهَا ذَرَابَةٌ فَاسْتَطَالَتْ على أَحْمَائِهَا فَأَمَرَهَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ تَعْتَدَّ في بَيْتِ بن أُمِّ مَكْتُومٍ قال أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن الْقَاسِمِ وَسُلَيْمَانَ أَنَّهُ سَمِعَهُمَا يَذْكُرَانِ أَنَّ يحيى بن سَعِيدِ بن الْعَاصِ طَلَّقَ بِنْتَ عبد الرحمن بن الْحَكَمِ البتة فَانْتَقَلَهَا عبد الرحمن بن الْحَكَمِ فَأَرْسَلَتْ عَائِشَةُ إلَى مَرْوَانَ بن الْحَكَمِ وهو أَمِيرُ الْمَدِينَةِ فقالت اتَّقِ اللَّهَ يا مَرْوَانُ وَارْدُدْ الْمَرْأَةَ إلَى بَيْتِهَا فقال مَرْوَانُ في حديث سُلَيْمَانَ أن عَبْدَ الرحمن غَلَبَنِي وقال مَرْوَانُ في حديث الْقَاسِمِ أو ما بَلَغَك شَأْنُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فقالت عَائِشَةُ لَا عَلَيْك أَنْ لَا تَذْكُرَ شَأْنَ فَاطِمَةَ فقال إنْ كان إنَّمَا بِك الشَّرُّ فَحَسْبُك ما بين هَذَيْنِ من الشَّرِّ
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ أَنَّ ابْنَةً لِسَعِيدِ بن زَيْدٍ كانت عِنْدَ عبد اللَّهِ فَطَلَّقَهَا البتة فَخَرَجَتْ فَأَنْكَرَ ذلك عليها بن عُمَرَ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَسُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في حديث فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ إذْ بَذَتْ على أَهْلِ زَوْجِهَا فَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ في بَيْتِ بن أُمِّ مَكْتُومٍ تَدُلُّ على مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ ما تَأَوَّلَ بن عَبَّاسٍ في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ } هو الْبَذَاءُ على أَهْلِ زَوْجِهَا كما تَأَوَّلَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قال وَبَيَّنَ إنَّمَا أَذِنَ لها أَنْ تَخْرُجَ من بَيْتِ زَوْجِهَا فلم يَقُلْ لها النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم اعْتَدِّي حَيْثُ شِئْت وَلَكِنَّهُ حَصَّنَهَا حَيْثُ رضي إذْ كان زَوْجُهَا غَائِبًا ولم يَكُنْ له وَكِيلٌ بِتَحْصِينِهَا فإذا بَذَتْ الْمَرْأَةُ على أَهْلِ زَوْجِهَا فَجَاءَ من بَذَائِهَا ما يَخَافُ تساعر بَذَاءَةٍ إلَى تساعر الشَّرِّ فَلِزَوْجِهَا إنْ كان حَاضِرًا إخْرَاجُ أَهْلِهِ عنها فَإِنْ لم يُخْرِجْهُمْ أَخْرَجَهَا إلَى مَنْزِلٍ غَيْرِ مَنْزِلِهِ فَحَصَّنَهَا فيه وكان عليه كِرَاؤُهُ إذَا كان له مَنْعُهَا أَنْ تَعْتَدَّ حَيْثُ شَاءَتْ كان عليه كِرَاءُ الْمَنْزِلِ وَإِنْ كان غَائِبًا كان لِوَكِيلِهِ من ذلك مَالَهُ وَإِنْ لم يَكُنْ له وَكِيلٌ كان السُّلْطَانُ وَلِيَّ الْغَائِبِ يَفْرِضُ لها مَنْزِلًا فَيُحَصِّنُهَا فيه فَإِنْ تَطَوَّعَ السُّلْطَانُ بِهِ أو أَهْلُ الْمَنْزِلِ فَذَلِكَ سَاقِطٌ عن الزَّوْجِ ولم نَعْلَمْ فِيمَا مَضَى أَحَدًا بِالْمَدِينَةِ أَكْرَى أَحَدًا مَنْزِلًا إنَّمَا كَانُوا يَتَطَوَّعُونَ بِإِنْزَالِ مَنَازِلِهِمْ وَبِأَمْوَالِهِمْ مع مَنَازِلِهِمْ وَإِنْ لم يَتَطَوَّعْ بِهِ السُّلْطَانُ وَلَا غَيْرُهُ فَعَلَى زَوْجِهَا كِرَاءُ الْمَنْزِلِ الذي تَصِيرُ إلَيْهِ وَلَا يَتَكَارَى لها السُّلْطَانُ إلَّا بِأَخَفِّ ذلك على الزَّوْجِ وَإِنْ كان بَذَاؤُهَا حتى يَخَافَ أَنْ يتساعر ذلك بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَهْلِ زَوْجِهَا عُذْرًا في الْخُرُوجِ من بَيْتِ زَوْجِهَا كان كَذَلِكَ كُلُّ ما كان في مَعْنَاهُ وَأَكْثَرُ من أَنْ يَجِبَ حَدٌّ عليها فَتَخْرُجَ لِيُقَامَ عليها أو حَقٌّ فَتَخْرُجَ لِحَاكِمٍ فيه أو يُخْرِجَهَا أَهْلُ مَنْزِلٍ هِيَ فيه بِكِرَاءٍ أو عَارِيَّةٍ ليس لِزَوْجِهَا أو يَنْهَدِمَ مَنْزِلُهَا الذي كانت فيه أو تَخَافَ في مَنْزِلٍ هِيَ فيه على نَفْسِهَا أو مَالِهَا أو ما أَشْبَهَ هذا من الْعُذْرِ فَلِلزَّوْجِ في هذه
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَعَائِشَةُ وَمَرْوَانُ وبن الْمُسَيِّبِ يَعْرِفُونَ أَنَّ حَدِيثَ فَاطِمَةَ في أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَهَا بِأَنْ تَعْتَدَّ في بَيْتِ بن أُمِّ مَكْتُومٍ كما حَدَّثَتْ وَيَذْهَبُونَ إلَى أَنَّ ذلك إنَّمَا كان لِلشَّرِّ وَيَزِيدُ بن الْمُسَيِّبِ يَتَبَيَّنُ اسْتِطَالَتَهَا على أَحْمَائِهَا وَيَكْرَهُ لها بن الْمُسَيِّبِ وَغَيْرُهُ أنها كَتَمَتْ في حَدِيثِهَا السَّبَبَ الذي أَمَرَهَا النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ تَعْتَدَّ في غَيْرِ بَيْتِ زَوْجِهَا خَوْفًا أَنْ يَسْمَعَ ذلك سَامِعٌ فَيَرَى أَنَّ لِلْمَبْتُوتَةِ أَنْ تَعْتَدَّ حَيْثُ شَاءَتْ

(5/236)


الْحَالَاتِ أَنْ يُحْصِنَهَا حَيْثُ صَيَّرَهَا وَإِسْكَانُهَا وَكِرَاءُ مَنْزِلِهَا ( قال ) وَإِنْ أَمَرَهَا أَنْ تُكَارِيَ مَنْزِلًا بِعَيْنِهِ فَتَكَارَتْهُ فَكِرَاؤُهُ عليه مَتَى قَامَتْ بِهِ عليه وَإِنْ لم يَأْمُرْهَا فَتَكَارَتْ مَنْزِلًا فلم يَنْهَهَا ولم يَقُلْ لها أَقِيمِي فيه فَإِنْ طَلَبَتْ الْكِرَاءَ وَهِيَ في الْعِدَّةِ اسْتَقْبَلَ كِرَاءَ مَنْزِلِهَا من يَوْمِ تَطْلُبُهُ حتى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ وَإِنْ لم تَطْلُبْهُ حتى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ فَحَقٌّ لها تَرَكَتْهُ وَعَصَتْ بِتَرْكِهَا أَنْ يُسْكِنَهَا فَلَا يَكُونَ لها وَهِيَ عَاصِيَةٌ سُكْنَى وقد مَضَتْ الْعِدَّةُ وَإِنْ انزلها مَنْزِلًا له بَعْدَ الطَّلَاقِ أو طَلَّقَهَا في مَنْزِلٍ له أو طَلَّقَهَا وَهِيَ زَائِرَةٌ فَكَانَ عليها أَنْ تَعُودَ إلَى مَنْزِلٍ له قبل أَنْ يُفْلِسَ ثُمَّ فَلَّسَ فَهِيَ أَحَقُّ بِالْمَنْزِلِ منه وَمِنْ غُرَمَائِهِ كما تَكُونُ أَحَقَّ بِهِ لو أَكْرَاهَا وَأَخَذَ كِرَاءَهُ منها من غُرَمَائِهِ أو أَقَرَّ لها بِأَنَّهَا تَمْلِكُ عليه السُّكْنَى قبل أَنْ يَقُومَ غُرَمَاؤُهُ عليه وَإِنْ كان في الْمَنْزِلِ الذي أَنْزَلَهَا فيه فَضْلٌ عن سُكْنَاهَا كانت أَحَقَّ بِمَا يَكْفِيهَا وَيَسْتُرُهَا من مَنْزِلِهِ وكان الْغُرَمَاءُ أَحَقَّ بِمَا بَقِيَ منه لِأَنَّهُ شَيْءٌ أَعْطَاهَا إيَّاهُ لم يُسْتَحَقَّ أَصْلُهُ عليه ولم يَهَبْهُ لها فَتَكُونَ أَحَقَّ بِهِ إنَّمَا هو عَارِيَّةٌ وما أَعَارَ فلم يَمْلِكْهُ من أُعِيرَهُ فَغُرَمَاؤُهُ أَحَقُّ بِهِ مِمَّنْ أُعِيرَهُ وَلَوْ كان طَلَاقُهُ إيَّاهَا بَعْدَ ما يَقِفُ السُّلْطَانُ مَالَهُ لِلْغُرَمَاءِ كانت أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ في كِرَاءِ مَنْزِلٍ بِقَدْرِ كِرَائِهِ وَيُحْصِنُهَا حَيْثُ يُكَارِي لها فَإِنْ كان لِأَهْلِهَا مَنْزِلٌ أو لِغَيْرِ أَهْلِهَا فَأَرَادَتْ نُزُولَهُ وَأَرَادَ إنْزَالَهَا غَيْرَهُ فَإِنْ تَكَارَى لها مَنْزِلًا فَهُوَ أَحَقُّ بِأَنْ يُنْزِلَهَا حَيْثُ أَرَادَ وَإِنْ لم يَتَكَارَ لها مَنْزِلًا ولم يَجِدْهُ لم يَكُنْ عليها أَنْ تَعْتَدَّ حَيْثُ أَرَادَ زَوْجُهَا بِلَا مَنْزِلٍ يُعْطِيهَا إيَّاهُ وتعتد حَيْثُ قَدَرَتْ إذَا كان قُرْبَ ثِقَةٍ وَمَنْزِلًا سَتِيرًا مُنْفَرِدًا أو مع من لَا يُخَافُ فَإِنْ دَعَتْ إلَى حَيْثُ يُخَافُ مَنَعَتْهُ وَلَوْ أَعْطَاهَا السُّلْطَانُ في هذا كُلِّهِ كِرَاءَ مَنْزِلٍ كان أَحَبَّ إلَيَّ وَحَصَّنَهَا له فيه (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان الطَّلَاقُ لَا يَمْلِكُ فيه الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ فَهَكَذَا الْقَوْلُ في السُّكْنَى فَأَمَّا طَلَاقٌ يَمْلِكُ فيه الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ فَحَالُ الْمَرْأَةِ في السُّكْنَى وَالنَّفَقَةِ حَالُ امْرَأَتِهِ التي لم تَطْلُقْ لِأَنَّهُ يَرِثُهَا وَتَرِثُهُ في الْعِدَّةِ وَيَقَعُ عليها إيلَاؤُهُ وَلَيْسَ له أَنْ يَنْقُلَهَا من مَنْزِلِهِ إلَى غَيْرِهِ إلَّا أَنْ تَبْذُوَ أو يُرَاجِعَهَا فَيُحَوِّلَهَا حَيْثُ شَاءَ وَلَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا قبل مُرَاجَعَتِهَا إنْ بَذَتْ عليه كما تُخْرَجُ التي لَا يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُوَفِّقُ - * نَفَقَةُ الْمَرْأَةِ التي لَا يَمْلِكُ زَوْجُهَا رَجْعَتَهَا - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى في الْمُطَلَّقَاتِ { أَسْكِنُوهُنَّ من حَيْثُ سَكَنْتُمْ من وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ } الْآيَةَ إلَى { فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } قال فَكَانَ بَيِّنًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ في هذه الْآيَةِ أنها في الْمُطَلَّقَةِ التي لَا يَمْلِكُ زَوْجُهَا رَجْعَتَهَا من قِبَلِ أَنَّ اللَّهَ عز وجل لَمَّا أَمَرَ بِالسُّكْنَى عَامًّا ثُمَّ قال في النَّفَقَةِ { وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفَقُوا عَلَيْهِنَّ حتى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } دَلَّ على أَنَّ الصِّنْفَ الذي امر بِالنَّفَقَةِ على ذَوَاتِ الْأَحْمَالِ مِنْهُنَّ صِنْفٌ دَلَّ الْكِتَابُ على أَنْ لَا نَفَقَةَ على غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَحْمَالِ مِنْهُنَّ لِأَنَّهُ إذَا أَوْجَبَ لِمُطَلَّقَةٍ بِصِفَةٍ نَفَقَةً فَفِي ذلك دَلِيلٌ على أَنَّهُ لَا تَجِبُ نَفَقَةٌ لِمَنْ كان في غَيْرِ صِفَتِهَا من الْمُطَلَّقَاتِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فلما لم أَعْلَمْ مُخَالِفًا من أَهْلِ الْعِلْمِ في أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ التي يَمْلِكُ زَوْجُهَا رَجْعَتَهَا في مَعَانِي الْأَزْوَاجِ في أَنَّ عليه نَفَقَتَهَا وَسُكْنَاهَا وَأَنَّ طَلَاقَهُ وَإِيلَاءَهُ وَظِهَارَهُ وَلِعَانَهُ يَقَعُ عليها وَأَنَّهُ يَرِثُهَا وَتَرِثُهُ كانت الْآيَةُ على غَيْرِهَا من الْمُطَلَّقَاتِ ولم يَكُنْ من الْمُطَلَّقَاتِ وَاحِدَةٌ تُخَالِفُهَا إلَّا مُطَلَّقَةٌ لَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ رَجْعَتَهَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَكُلُّ نِكَاحٍ صَحِيحٍ طَلَّقَ رَجُلٌ فيه امْرَأَتَهُ مُسْلِمَةً حُرَّةً أو ذِمِّيَّةً أو مَمْلُوكَةً فَهُوَ كما وَصَفْت في الْحُرَّةِ إلَّا أَنَّ لِأَهْلِ الذِّمِّيَّةِ أَنْ يُخْرِجُوهَا في الْعِدَّةِ وَمَتَى أَخْرَجُوهَا فَلَا نَفَقَةَ لها إنْ كانت حَامِلًا وَلَا سُكْنَى كان طَلَاقُ زَوْجِهَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ أو لَا يَمْلِكُهَا وَهَكَذَا كُلُّ زَوْجٍ حُرٍّ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ وَعَبْدٍ أَذِنَ له سَيِّدُهُ في النِّكَاحِ فَعَلَيْهِ من سُكْنَى امْرَأَتِهِ وَنَفَقَتِهَا إذَا كانت حُرَّةً أو أَمَةً مَتْرُوكَةً معه ما على الْحُرِّ وَلَيْسَ نَفَقَتُهَا وَهِيَ زَوْجَةٌ له بِأَوْجَبَ من سُكْنَاهَا في الْفِرَاقِ وَنَفَقَتِهَا عليه

(5/237)


(1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَكُلُّ مُطَلَّقَةٍ كان زَوْجُهَا يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ ما كانت في عِدَّتِهَا منه وَكُلُّ مُطَلَّقَةٍ كان زَوْجُهَا لَا يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا فَلَا نَفَقَةَ لها في عِدَّتِهَا منه إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا فَيَكُونَ عليه نَفَقَتُهَا ما كانت حَامِلًا وَسَوَاءٌ في ذلك كُلُّ زَوْجٍ حُرٍّ وَعَبْدٍ وَذِمِّيٍّ وَكُلُّ زَوْجَةٍ أَمَةٍ وَحُرَّةٍ وَذِمِّيَّةٍ ( قال ) وَكُلُّ ما وَصَفْنَا من مُتْعَةٍ لِمُطَلَّقَةٍ أو سُكْنَى لها أو نَفَقَةٍ فَلَيْسَتْ إلَّا في نِكَاحٍ صَحِيحٍ ثَابِتٍ فَأَمَّا كُلُّ نِكَاحٍ كان مفسوخا ( ( ( منسوخا ) ) ) فَلَيْسَتْ فيه نَفَقَةٌ وَلَا مُتْعَةٌ وَلَا سُكْنَى وَإِنْ كان فيه مَهْرٌ بِالْمَسِيسِ حَامِلًا كانت أو غير حَامِلٍ ( قال ) وإذا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا لَا يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ فادعت حَبَلًا وَأَنْكَرَهُ الزَّوْجُ أو لم يُنْكِرْهُ ولم يُقِرَّ بِهِ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ تُحْصِيَ من يَوْمِ طَلَّقَهَا وَكَمْ نَفَقَةُ مِثْلِهَا في كل شَهْرٍ من تِلْكَ الشُّهُورِ فإذا وَلَدَتْ قَضَى لها بِذَلِكَ كُلِّهِ عليه لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يُعْلَمُ بِيَقِينٍ حتى تَلِدَهُ ( قال ) وَمَنْ قال هذا قال إنَّ اللَّهَ عز وجل قال { وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حتى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } يَحْتَمِلُ فَعَلَيْكُمْ نَفَقَتُهُنَّ حتى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ لَيْسَتْ بِسَاقِطَةٍ سُقُوطَ من لَا نَفَقَةَ له غير الْحَوَامِلِ وقال قد قال اللَّهُ تَعَالَى { يُوصِيكُمْ اللَّهُ في أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } فَلَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَلَهُ حَبَلٌ لم يُوقَفْ لِلْحَبَلِ مِيرَاثُ رَجُلٍ وَلَا مِيرَاثُ ابْنَةٍ لِأَنَّهُ قد يَكُونُ عَدَدًا وَوَقَفْنَا الْمِيرَاثَ حتى يَتَبَيَّنَ فإذا بَانَ أَعْطَيْنَاهُ وَهَكَذَا لو أَوْصَى لِحَبَلٍ أو كان الْوَارِثُ أو الْمُوصَى له غَائِبًا وَلَا يُعْطَى إلَّا بِيَقِينٍ وقال أَرَأَيْت لو أُرِيهَا النِّسَاءَ فَقُلْنَ بها حَمْلٌ فَأَنْفَقْنَا عليها ثُمَّ انْفَشَّ فَعَلِمْنَا أَنْ ليس بها حَمْلٌ أَلَيْسَ قد عَلِمْنَا أَنَّا أَعْطَيْنَا من مَالِ الرَّجُلِ ما لم يَجِبْ عليه وَإِنْ قَضَيْنَا بِرَدِّهِ فَنَحْنُ لَا نَقْضِي بِشَيْءٍ مِثْلِهِ ثُمَّ نَرُدُّهُ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنْ تُحْصِيَ من يَوْمِ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ وَيَرَاهَا النِّسَاءُ فَإِنْ قُلْنَ بها حَمْلٌ أَنْفَقَ عليها حتى تَضَعَ حَمْلَهَا وَإِنْ قُلْنَ لَا يَبِينُ أحصى عليها وَتُرِكَتْ حتى يَقُلْنَ قد بَانَ فإذا قُلْنَ قد بَانَ أَنْفَقَ عليها لِمَا مَضَى من يَوْمِ طَلَّقَهَا إلَى أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا ثُمَّ لَا نَفَقَةَ عليه بَعْدَ وَضْعِهَا حَمْلَهَا إلَّا أَنْ تُرْضِعَ فَيُعْطِيَهَا أَجْرَ مِثْلِهَا في الرَّضَاعَةِ أَجْرًا لَا نَفَقَةً وَلَوْ طَلَّقَهَا ثُمَّ ظَهَرَ بها حَبَلٌ فَذُكِرَ له فَنَفَاهُ وَقَذَفَهَا لَاعَنَهَا وَلَا نَفَقَةَ عليه إنْ كان لَاعَنَهَا فَأَبْرَأْنَاهُ من النَّفَقَةِ ثُمَّ أَكْذَبَ نَفْسَهُ حُدَّ وَلَحِقَ بِهِ الْحَمْلُ إنْ تَمَّ وَأُخِذَتْ منه النَّفَقَةُ التي أُبْطِلَتْ عنه وَكَذَلِكَ إنْ كان إقْرَارُهُ بِالْكَذِبِ بَعْدَ رَضَاعِ الْوَلَدِ أَلْزَمْته رضاعه وَنَفَقَتَهُ وَهَكَذَا لو أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْوَلَدِ أَخَذْت منه نَفَقَةَ الْحَمْلِ وَالرَّضَاعِ وَالْوَلَدِ وإذا قال الْقَوَابِلُ بِالْمُطَلَّقَةِ التي لَا يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا حَبَلٌ فَأَنْفَقَ عليها الزَّوْجُ بِغَيْرِ أَمْرِ سُلْطَانٍ أو جَبَرَهُ الْحَاكِمُ على النَّفَقَةِ عليها ثُمَّ عَلِمَ أَنْ لم يَكُنْ بها حَبَلٌ رَجَعَ عليها في الْحَالَيْنِ مَعًا لِأَنَّهُ إنَّمَا أَعْطَاهَا إيَّاهُ على أَنَّهُ وَاجِبٌ عليه فلما عَلِمَ أَنَّهُ لم يَجِبْ عليه رَجَعَ عليها بِمِثْلِ ما أَخَذَتْ منه إنْ كان له مِثْلٌ أو قِيمَتِهِ يوم دَفَعَهُ إلَيْهَا إنْ لم يَكُنْ له مِثْلٌ * وَكُلُّ زَوْجَةٍ صَحِيحَةِ النِّكَاحِ فَرَّقْت بَيْنَهُمَا بِحَالٍ كما ذَكَرْنَاهُ في الْمُخْتَلِعَةِ وَالْمُخَيَّرَةِ وَالْمُمَلَّكَةِ وَالْمُبْتَدَأِ طَلَاقُهَا وَالْأَمَةِ تُخَيَّرُ فَتَخْتَارُ الْفِرَاقَ وَالرَّجُلِ يَغُرُّ الْمَرْأَةَ بِنَسَبٍ فَيُوجَدُ دُونَهُ فَتَخْتَارُ فِرَاقَهُ وَالْمَرْأَةُ تَغُرُّ بِأَنَّهَا حُرَّةٌ فَتُوجَدُ أَمَةً أو تَجِدُهُ أَجْذَمَ أو أَبْرَصَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالدَّلِيلُ من كِتَابِ اللَّهِ عز وجل كَافٍ فِيمَا وَصَفْت من سُقُوطِ نَفَقَةِ التي لَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ رَجْعَتَهَا وَبِذَلِكَ جَاءَتْ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن عبد اللَّهِ بن يَزِيدَ مولى الْأَسْوَدِ بن سُفْيَانَ عن أبي سَلَمَةَ عن فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ أَبَا عَمْرِو بن حَفْصٍ طَلَّقَهَا البتة وهو غَائِبٌ بِالشَّامِ فَأَرْسَلَ إلَيْهَا وَكِيلَهُ بِشَعِيرٍ فَسَخِطَتْهُ فقال مَالَك عَلَيْنَا نَفَقَةٌ فَأَتَتْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَذَكَرَتْ ذلك له فقال ليس لَك عليهم نَفَقَةٌ
أخبرنا عبدالمجيد بن عبد الْعَزِيزِ عن بن جُرَيْجٍ ( قال ) أخبرني أبو الزُّبَيْرِ عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَهُ يقول نَفَقَةُ الْمُطَلَّقَةِ ما لم تَحْرُمْ فإذا حَرُمَتْ فَمَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ
أخبرنا عبدالمجيد عن بن جُرَيْجٍ قال قال عَطَاءٌ لَيْسَتْ الْمَبْتُوتَةُ الْحُبْلَى منه في شَيْءٍ إلَّا أَنَّهُ يُنْفِقُ عليها من أَجْلِ الْحَبَلِ فإذا كانت غير حُبْلَى فَلَا نَفَقَةَ لها

(5/238)


أو مَجْنُونًا فَتَخْتَارُ فِرَاقَهُ أو يَجِدُهَا كَذَلِكَ فَيُفَارِقُهَا فَتَكُونُ حَامِلًا في هذه الْحَالَاتِ فَعَلَى الزَّوْجِ نَفَقَتُهَا حتى تَضَعَ حَمْلَهَا ( قال ) وَكُلُّ نِكَاحٍ كان فَاسِدًا بِكُلِّ حَالٍ مِثْلُ النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ أو بِغَيْرِ شُهُودٍ أو نِكَاحِ الْمَرْأَةِ ولم تَرْضَ أو كَارِهَةً فَحَمَلَتْ فَلَهَا الصَّدَاقُ بِالْمَسِيسِ وَلَا نَفَقَةَ لها في الْعِدَّةِ وَلَا الْحَمْلِ ( قال أبو مُحَمَّدٍ ) وَفِيهَا قَوْلٌ أَنَّ لها النَّفَقَةَ بِالْحَمْلِ وَإِنْ كان نِكَاحًا فَاسِدًا لِأَنَّهُ يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ فلما كان إذَا طَلَّقَهَا غير حَامِلٍ لم تَكُنْ زَوْجَةً فَبَرِئَتْ منه لم يَكُنْ لها نَفَقَةٌ عَلِمْنَا أَنَّهُ جُعِلَتْ النَّفَقَةُ لو أَقَرَّ بِالْحَمْلِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { قد عَلِمْنَا ما فَرَضْنَا عليهم في أَزْوَاجِهِمْ } قال وَجَعَلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على الزَّوْجِ نَفَقَةَ امْرَأَتِهِ وَحَكَمَ اللَّهُ عز وجل بين الزَّوْجَيْنِ أَحْكَامًا منها اللِّعَانُ وَالظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فلم يَخْتَلِفْ الْمُسْلِمُونَ فِيمَا عَلِمْته في أَنَّ ذلك لِكُلِّ زَوْجَةٍ على كل زَوْجٍ غَائِبٍ وَحَاضِرٍ ولم يَخْتَلِفُوا في أَنْ لَا عِدَّةَ على زَوْجَةٍ إلَّا من وَفَاةٍ أو طَلَاقٍ وقال اللَّهُ عز وجل { وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ } الْآيَةَ وقال تَعَالَى { وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إنْ لم يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ } إلَى قَوْلِهِ { فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ } قال فلم أَعْلَمْ مُخَالِفًا في أَنَّ الرَّجُلَ أو الْمَرْأَةَ لو غَابَا أو أَحَدُهُمَا بَرًّا أو بَحْرًا عُلِمَ مَغِيبُهُمَا أو لم يُعْلَمْ فَمَاتَا أو أَحَدُهُمَا فلم يُسْمَعْ لهما ( ( ( بهما ) ) ) بِخَبَرٍ أو أَسَرَهُمَا الْعَدُوُّ فَصَيَّرُوهُمَا إلَى حَيْثُ لَا خَبَرَ عنهما لم نُوَرِّثْ وَاحِدًا مِنْهُمَا من صَاحِبِهِ إلَّا بِيَقِينِ وَفَاتِهِ قبل صَاحِبِهِ فَكَذَلِكَ عِنْدِي امْرَأَةُ الْغَائِبِ أَيَّ غِيبَةٍ كانت مِمَّا وَصَفْت أو لم اصف بِإِسَارِ عَدُوٍّ أو بِخُرُوجِ الزَّوْجِ ثُمَّ خَفِيَ مَسْلَكُهُ أو بِهُيَامٍ من ذَهَابِ عَقْلٍ أو خُرُوجٍ فلم يُسْمَعْ له ذِكْرٌ أو بِمَرْكَبٍ في بَحْرٍ فلم يَأْتِ له خَبَرٌ او جاء خَبَرٌ أَنْ غَرِقَا كَأَنْ يَرَوْنَ أَنَّهُ قد كان فيه وَلَا يَسْتَيْقِنُونَ أَنَّهُ فيه لَا تَعْتَدُّ امْرَأَتُهُ وَلَا تَنْكِحُ أَبَدًا حتى يَأْتِيَهَا يَقِينُ وَفَاتِهِ ثُمَّ تَعْتَدُّ من يَوْمِ اسْتَيْقَنَتْ وَفَاتَهُ وَتَرِثُهُ وَلَا تَعْتَدُّ امْرَأَةٌ من وَفَاةٍ وَمِثْلُهَا يَرِثُ إلَّا وَرِثَتْ زَوْجَهَا الذي اعْتَدَّتْ من وَفَاتِهِ وَلَوْ طَلَّقَهَا وهو خَفِيُّ الْغَيْبَةِ بَعْدُ أَيْ هذه الْأَحْوَالِ كانت أو آلَى منها أو تَظَاهَرَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكُلُّ مُطَلَّقَةٍ يَمْلِكُ زَوْجُهَا الرَّجْعَةَ كانت عِدَّتُهَا الشُّهُورَ فَحَاضَتْ بَعْدَ مُضِيِّ شَهْرَيْنِ اسْتَقْبَلَتْ الْحَيْضَ ثُمَّ عليه النَّفَقَةُ ما كانت في الْعِدَّةِ وَلَوْ حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ اسْتَبْرَأَتْ نَفْسَهَا من الرِّيبَةِ وَكَانَتْ لها النَّفَقَةُ حتى تَطْعَنَ في الدَّمِ من الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَإِنْ ارْتَابَتْ أَمْسَكَتْ عن النِّكَاحِ وَوَقَفَ عن نَفَقَتِهَا فَإِنْ بَانَ بها حَبَلٌ كان الْقَوْلُ فيها كَالْقَوْلِ فِيمَنْ بَانَ بها حَبَلٌ بِالنَّفَقَةِ حتى يَبِينَ أو الْوَقْفِ حتى تَضَعَ فَإِنْ انْفَشَّ ما ظَنَّ من حَمْلِهَا رَدَّتْ من النَّفَقَةِ ما أَخَذَتْ بَعْدَ دُخُولِهَا في الدَّمِ من الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ ( قال ) وَهَكَذَا إنْ كانت عِدَّتُهَا الشُّهُورَ فَارْتَابَتْ سَوَاءٌ لَا يَخْتَلِفَانِ وَلَوْ كانت عِدَّتُهَا الشُّهُورَ فَارْتَابَتْ أَمْسَكَتْ عن الرِّيبَةِ فَإِنْ حَاضَتْ بَعْدَ ثَلَاثَةِ اشهر فَلَهَا النَّفَقَةُ في الثَّلَاثَةِ حتى تَنْقَضِيَ وَلَا نَفَقَةَ لها بَعْدَ الثَّلَاثَةِ وَلَا عِدَّةَ عليها فَإِنْ ارْتَابَتْ بِحَمْلٍ أَمْسَكَتْ ولم يُنْفِقْ عليها حتى يَبِينَ ثُمَّ يَكُونَ الْقَوْلُ فيه كَالْقَوْلِ في الْحَمْلِ إذَا بَانَ سَوَاءٌ من رَأَى أَنْ لَا يُنْفِقَ عليها حتى تَضَعَ أَمْسَكَ حتى تَضَعَ ثُمَّ أَعْطَاهَا نَفَقَةً من يَوْمِ قَطَعَ النَّفَقَةَ عنها إلَى أَنْ وَضَعَتْ وَمَنْ رَأَى أَنْ لَا يُنْفِقَ عليها إذَا بَانَ الْحَمْلُ أَعْطَاهَا النَّفَقَةَ مُنْذُ أَمْسَكَ عنها إلَى أَنْ بَانَ بها الْحَمْلُ وَمِنْ حِينِ بَانَ الْحَمْلُ إلَى أَنْ تَضَعَ فَإِنْ بَطَلَ الْحَمْلُ رَدَّتْ النَّفَقَةَ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ الْأَشْهُرِ وَيُنْفِقُ عليها حتى تَضَعَ آخِرَ حَمْلِهَا وَإِنْ كان بين وَضْعِ وِلَادِهَا أَيَّامٌ ( قال ) وَإِنْ كان بها حَبَلٌ وَلَا يَمْلِكُ زَوْجُهَا رَجْعَتَهَا فَأَنْفَقَ عليها زَوْجُهَا من حِينِ طَلَّقَهَا حتى جَاوَزَتْ أَرْبَعَ سِنِينَ فلم تَلِدْ رَدَّتْ النَّفَقَةَ من يَوْمِ طَلَّقَهَا لِأَنَّا لَا نُلْحِقُ بِهِ الْحَمْلَ وَلَا نَفَقَةَ لها في الْعِدَّةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا منه - * امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ - *

(5/239)


أو قَذَفَهَا لَزِمَهُ ما يَلْزَمُ الزَّوْجَ الْحَاضِرَ في ذلك ذلك كُلِّهِ وإذا كان هذا هَكَذَا لم يَجُزْ أَنْ تَكُونَ امْرَأَةُ رَجُلٍ يَقَعُ عليها ما يَقَعُ على الزَّوْجَةِ تَعْتَدُّ لَا من طَلَاقٍ وَلَا وَفَاةٍ كما لو ظَنَّتْ أَنَّهُ طَلَّقَهَا أو مَاتَ عنها لم تَعْتَدَّ من طَلَاقٍ إلَّا بِيَقِينٍ وَهَكَذَا لو تَرَبَّصَتْ سِنِينَ كَثِيرَةً بِأَمْرِ حَاكِمٍ وَاعْتَدَّتْ وَتَزَوَّجَتْ فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ الْأَوَّلُ الْمَفْقُودُ لَزِمَهَا الطَّلَاقُ وَكَذَلِكَ إنْ آلَى منها أو تَظَاهَرَ أو قَذَفَهَا لَزِمَهُ ما يَلْزَمُ الزَّوْجَ وَهَكَذَا لو تَرَبَّصَتْ بِأَمْرِ حَاكِمٍ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ اعْتَدَّتْ فَأَكْمَلَتْ أَرْبَعَةَ اشهر وَعَشْرًا وَنَكَحَتْ وَدَخَلَ بها أو نَكَحَتْ ولم يَدْخُلْ بها أو لم تَنْكِحْ وَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ الْأَوَّلُ الْمَفْقُودُ في هذه الْحَالَاتِ لَزِمَهَا الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ زَوْجٌ وَهَكَذَا لو تَظَاهَرَ منها أو قَذَفَهَا أو آلَى منها لَزِمَهُ ما يَلْزَمُ الْمَوْلَى غير أَنَّهُ مَمْنُوعٌ من فَرْجِهَا بِشُبْهَةٍ بِنِكَاحِ غَيْرِهِ فَلَا يُقَالُ له فَيْءٌ حتى تَعْتَدَّ من الْآخَرِ إذَا كانت دَخَلَتْ عليه فإذا أَكْمَلَتْ عِدَّتَهَا أُجِّلَ من يَوْمِ تُكْمِلُ عِدَّتَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَذَلِكَ حين حَلَّ له فَرْجُهَا وَإِنْ أَصَابَهَا فَقَدْ خَرَجَ من طَلَاقِ الْإِيلَاءِ وَكَفَّرَ وَإِنْ لم يُصِبْهَا قِيلَ له أَصِبْهَا أو طَلِّقْ ( قال ) وَيُنْفِقُ عليها من مَالِ زَوْجِهَا الْمَفْقُودِ من حِينِ يُفْقَدُ حتى يُعْلَمَ يَقِينُ مَوْتِهِ ( قال ) وَإِنْ أَجَّلَهَا حَاكِمٌ أَرْبَعَ سِنِينَ أَنْفَقَ عليها فيها وَكَذَلِكَ في الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَالْعَشْرِ من مَالِ زَوْجِهَا فإذا نَكَحَتْ لم يُنْفِقْ عليها من مَالِ الزَّوْجِ الْمَفْقُودِ لِأَنَّهَا مَانِعَةٌ له نَفْسَهَا وَكَذَلِكَ لَا يُنْفِقُ عليها وَهِيَ في عِدَّةٍ منه لو طَلَّقَهَا أو مَاتَ عنها وَلَا بَعْدَ ذلك ولم أَمْنَعْهَا النَّفَقَةَ من قِبَلِ أنها زَوْجَةُ الْآخَرِ وَلَا أَنَّ عليها منه عِدَّةً وَلَا أَنَّ بَيْنَهُمَا مِيرَاثًا وَلَا أَنَّهُ يَلْزَمُهَا طَلَاقُهُ وَلَا شَيْءٌ من الْأَحْكَامِ بين الزَّوْجَيْنِ إلَّا لُحُوقُ الْوَلَدِ بِهِ إنْ أَصَابَهَا وَإِنَّمَا مَنَعْتهَا النَّفَقَةَ من الْأَوَّلِ لِأَنَّهَا مُخْرِجَةٌ نَفْسَهَا من يَدَيْهِ وَمِنْ الْوُقُوفِ عليه كما تَقِفُ الْمَرْأَةُ على زَوْجِهَا الْغَائِبِ بِشُبْهَةٍ فَمَنَعْتهَا نَفَقَتَهَا في الْحَالِ التي كانت فيها مَانِعَةً نَفْسَهَا بِالنِّكَاحِ وَالْعِدَّةِ وَهِيَ لو كانت في الْمِصْرِ مع زَوْجٍ فَمَنَعَتْهُ نَفْسَهَا مَنَعْتهَا نَفَقَتَهَا بِعِصْيَانِهَا وَمَنَعْتهَا نَفَقَتَهَا بَعْدَ عِدَّتِهَا من زَوْجِهَا الْآخَرِ بِتَرْكِهَا حَقَّهَا من الْأَوَّلِ وَإِبَاحَتِهَا نَفْسَهَا لِغَيْرِهِ على مَعْنَى أنها خَارِجَةٌ من الْأَوَّلِ وَلَوْ أَنْفَقَ عليها في غَيْبَتِهِ ثُمَّ ثَبَتَتْ الْبَيِّنَةُ على مَوْتِهِ في وَقْتٍ رَدَّتْ كُلَّ ما أَخَذَتْ من النَّفَقَةِ من حِينِ مَاتَ فَكَانَ لها الْمِيرَاثُ وَلَوْ حَكَمَ لها حَاكِمٌ بِأَنْ تَزَوَّجَ فَتَزَوَّجَتْ فُسِخَ نِكَاحُهَا وَإِنْ لم يَدْخُلْ بها فَلَا مَهْرَ لها وَإِنْ دخل بها فَأَصَابَهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا لَا ما سمي لها وَفُسِخَ النِّكَاحُ وَإِنْ لم يُفْسَخْ حتى ماتت ( ( ( مات ) ) ) أو مَاتَتْ فَلَا مِيرَاثَ لها منه وَلَا له منها وَإِنْ حُكِمَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْمِيرَاثِ من صَاحِبِهِ رَدَّ الْمِيرَاثَ فَإِنْ كان الزَّوْجُ الْمَيِّتَ رُدَّ مِيرَاثُهُ على وَرَثَتِهِ وَإِنْ كانت هِيَ الْمَيِّتَةَ وَقَفَ مِيرَاثُ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ حتى يُعْلَمَ أَحَيٌّ هو فَيَرِثُهَا أو مَيِّتٌ فَيُرَدُّ على وَرَثَتِهَا غَيْرِ زَوْجِهَا الْآخَرِ وَلَوْ مَاتَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ وَرِثَتْهُ وَأَخْرَجْنَاهَا من يَدَيْ الْآخَرِ بِكُلِّ حَالٍ وَلَوْ تَرَبَّصَتْ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ اعْتَدَّتْ أَرْبَعَةَ اشهر وَعَشْرًا ثُمَّ نَكَحَتْ فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا ثُمَّ جاء الْأَوَّلُ كان الْوَلَدُ وَلَدَ الاخر لِأَنَّهُ فِرَاشٌ بِالشُّبْهَةِ وَرُدَّتْ على الزَّوْجِ وَمُنِعَ إصَابَتَهَا حتى تَعْتَدَّ ثَلَاثَ حِيَضٍ وَإِنْ كانت مِمَّنْ لَا تَحِيضُ لا ( ( ( لإياس ) ) ) بأس من الْمَحِيضِ أو صِغَرٍ فَثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَإِنْ كانت حُبْلَى فَأَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا وإذا وَضَعَتْ حَمْلَهَا فَلِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ مَنْعُهَا من رَضَاعِ وَلَدِهَا إلَّا اللِّبَأَ وما إنْ تَرَكَتْهُ لم يُغَذِّهِ مُرْضِعٌ غَيْرُهَا ثُمَّ يَمْنَعُهَا ما سِوَى ذلك وَلَا يُنْفِقُ عليها في أَيَّامِ عِدَّتِهَا وَلَا رَضَاعِهَا وَلَدَ غَيْرِهِ شيئا وَلَوْ ادَّعَى الزَّوْجُ الْأَوَّلُ وَالْآخَرُ الْوَلَدَ وقد وَلَدَتْ وَهِيَ مع الْآخَرِ أَرَيْته الْقَافَةَ ( قال ) وَمَتَى طَلَّقَهَا الْأَوَّلُ وَقَعَ عليها طَلَاقُهُ وَلَوْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا الْأَوَّلُ او مَاتَ عنها وَهِيَ عِنْدَ الزَّوْجِ الْآخَرِ كانت عِنْدَ غَيْرِ زَوْجٍ فَكَانَتْ عليها عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَالطَّلَاقِ وَلَهَا الْمِيرَاثُ في الْوَفَاةِ وَالسُّكْنَى في الْعِدَّةِ في الطَّلَاقِ وَفِيمَنْ رَآهُ لها بِالْوَفَاةِ وَلَوْ مَاتَ الزَّوْجُ الْآخَرُ لم تَرِثْهُ وَكَذَلِكَ لَا يَرِثُهَا لو مَاتَتْ وَلَوْ مَاتَتْ امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ وَالْمَفْقُودُ وَلَا يُعْلَمُ أَيُّهُمَا مَاتَ أَوَّلًا لم يَتَوَارَثَا كما لم يَتَوَارَثْ من خَفِيَ مَوْتُهُ من أَهْلِ الْمِيرَاثِ من الْقَتْلَى وَالْغَرْقَى وَغَيْرِهِمْ إلَّا بِيَقِينِ أَنَّ أَحَدَهُمَا
____________________

(5/240)


مَاتَ قبل الْأَوَّلِ فَيَرِثُ الْآخَرُ الْأَوَّلَ وَلَوْ مَاتَ الزَّوْجُ الْأَوَّلُ وَالزَّوْجُ الْآخَرُ وَلَا يُعْلَمُ أَيُّهُمَا مَاتَ أَوَّلًا بَدَأَتْ فَاعْتَدَّتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا لِأَنَّهُ النِّكَاحُ الصَّحِيحُ وَالْعِدَّةُ الْأُولَى بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ ثُمَّ اعْتَدَّتْ بَعْدُ ثَلَاثَ حِيَضٍ تُدْخِلُ إحْدَاهُمَا في الْأُخْرَى لِأَنَّهَا وَجَبَتْ عليها من وَجْهَيْنِ مُفْتَرِقَيْنِ فَلَا يُجْزِئُهَا أَنْ تَأْتِيَ بِإِحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى لِأَنَّهُمَا في وَقْتٍ وَاحِدٍ وَلَوْ كان الزَّوْجُ الْأَوَّلُ مَاتَ أَوَّلًا فَاعْتَدَّتْ شَهْرًا أو أَكْثَرَ ثُمَّ ظَهَرَ بها حَمْلٌ فَوَضَعَتْ حَمْلَهَا حَلَّتْ من الذي حَمَلَتْ منه وهو الزَّوْجُ الْآخَرُ فَاعْتَدَّتْ من الْأَوَّلِ أَرْبَعَةَ اشهر وَعَشْرًا لِأَنَّهَا لَا تَسْتَطِيعُ تَقْدِيمَ عِدَّتِهَا من الْأَوَّلِ وَعَلَيْهَا عِدَّةُ حَمْلٍ من الْآخَرِ ( قال ) وَلَكِنْ لو مَاتَ الْأَوَّلُ قَبْلُ فَاعْتَدَّتْ شَهْرًا أو أَكْثَرَ ثُمَّ رَأَتْ أَنَّ بها حَمْلًا قِيلَ لها تَرَبَّصِي فَإِنْ تَرَبَّصَتْ وَهِيَ تَرَاهَا حَامِلًا ثُمَّ مَرَّتْ بها أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وعشرا ( ( ( وعشر ) ) ) وَهِيَ تَحِيضُ في ذلك وَتَرَاهَا تَحِيضُ على الْحَمْلِ ثُمَّ حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ وَبَانَ لها أَنْ لَا حَمْلَ بها فَقَدْ أَكْمَلَتْ عِدَّتَهَا مِنْهُمَا جميعا وَلَيْسَ عليها أَنْ تَسْتَأْنِفَ عِدَّةً أُخْرَى تَحِدُّ فيها كما لو مَاتَ عنها زَوْجُهَا وَلَا تَعْلَمُ هِيَ حتى مَرَّتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ قِيلَ لها ليس عَلَيْك اسْتِئْنَافُ عِدَّةٍ أُخْرَى وَهَكَذَا لو مَاتَا مَعًا ولم تَعْلَمْ حتى مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَثَلَاثُ حِيَضٍ بَعْدَ يَقِينِ مَوْتِهِمَا مَعًا لم تَعُدْ لِعِدَّةٍ وَلَوْ مَاتَ الزَّوْجُ الْآخَرِ اعْتَدَّتْ منه ثَلَاثَ حِيَضٍ فَإِنْ أَكْمَلَتْهَا ثُمَّ مَاتَ الْأَوَّلُ اعْتَدَّتْ عِدَّةَ الْوَفَاةِ وَإِنْ لم تُكْمِلْهَا اسْتَقْبَلَتْ عِدَّةَ الْوَفَاةِ ( 1 ) من يَوْمِ مَاتَ الْآخَرُ لِأَنَّهَا عِدَّةٌ صَحِيحَةٌ ثُمَّ اعْتَدَّتْ حَيْضَتَيْنِ تَكْمِلَةَ الْحِيَضِ التي قَبْلَهَا من نِكَاحِ الْآخَرِ وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةَ الْمَفْقُودِ مَاتَتْ عِنْدَ الزَّوْجِ الْآخَرِ ثُمَّ قَدِمَ الْأَوَّلُ أَخَذَ مِيرَاثَهَا وَإِنْ لم تَدَعْ شيئا لم يَأْخُذْ من الْمَهْرِ شيئا إذَا لم يَجِدْ امْرَأَتَهُ بِعَيْنِهَا فَلَا حَقَّ له في مَهْرِهَا فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ قال غَيْرُك غير هذا قِيلَ نعم وَرُوِيَ فيه شَيْءٌ عن بَعْضِ السَّلَفِ وقد رُوِيَ عن الذي روى عنه هذا أَنَّهُ رَجَعَ عنه فَإِنْ قال فَهَلْ تَحْفَظُ عَمَّنْ مَضَى مِثْلَ قَوْلِك في أَنْ لَا تَنْكِحَ امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ حتى تَسْتَيْقِنَ مَوْتَهُ قُلْنَا نعم عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى
أخبرنا يحيى بن حَسَّانَ عن أبي عَوَانَةَ عن مَنْصُورٍ عن أبي الْمِنْهَالِ بن عَمْرٍو عن عَبَّادِ بن عبد اللَّهِ الْأَسَدِيِّ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّهُ قال في امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ إنَّهَا لَا تَتَزَوَّجُ
أخبرنا يحيى بن حَسَّانَ عن هُشَيْمِ بن بَشِيرٍ عن سَيَّارٍ أبي الْحَكَمِ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّهُ قال في امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ إذَا قَدِمَ وقد تَزَوَّجَتْ امْرَأَتُهُ هِيَ امْرَأَتُهُ إنْ شَاءَ طَلَّقَ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَلَا تُخَيَّرُ أخبرنا يحيى بن حَسَّانَ عن جَرِيرٍ عن مَنْصُورٍ عن الْحَكَمِ أَنَّهُ قال إذَا فَقَدَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا لم تَتَزَوَّجْ حتى تَعْلَمَ أَمْرَهُ - * عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ يَمْلِكُ زَوْجُهَا رَجْعَتَهَا - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا طَلَّقَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ طَلَاقًا يَمْلِكُ فيه رَجْعَتَهَا ثُمَّ مَاتَ قبل أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا اعْتَدَّتْ عِدَّةَ الْوَفَاةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَوَرِثَتْ وَلَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ قبل أَنْ يَمُوتَ ما كانت في عِدَّتِهَا إذَا كان يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا فإذا مَاتَ فَلَا نَفَقَةَ لها وَلَيْسَ عليها أَنْ تَجْتَنِبَ طِيبًا وَلَا لها أَنْ تَخْرُجَ من مَنْزِلِهِ وَلَوْ أَذِنَ لها وَلَيْسَ له منها وَلَا لها منه من نَظَرٍ وَلَا من تَلَذُّذٍ وَلَا من خَلْوَةٍ شَيْءٌ حتى يُرَاجِعَهَا وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عليه تَحْرِيمَ الْمَبْتُوتَةِ حتى يُرَاجِعَهَا
أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ في مَسْكَنِ حَفْصَةَ وَكَانَتْ طَرِيقَهُ إلَى الْمَسْجِدِ فَكَانَ يَسْلُكُ الطَّرِيقَ الْأُخْرَى من أَدْبَارِ الْبُيُوتِ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَسْتَأْذِنَ عليها حتى رَاجَعَهَا
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ ما يَحِلُّ لِلرَّجُلِ من الْمَرْأَةِ يُطَلِّقُهَا قال لَا يَحِلُّ له منها شَيْءٌ ما لم يُرَاجِعْهَا أخبرنا سَعِيدٌ عن ب

(5/241)


جُرَيْجٍ أَنَّ عَمْرَو بن دِينَارٍ قال مِثْلَ ذلك أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّ عَطَاءً وَعَبْدَ الْكَرِيمِ قَالَا لَا يَرَاهَا فَضْلًا
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ أَرَأَيْت إنْ كان في نَفْسِهِ ارْتِجَاعُهَا ما يَحِلُّ له منها قبل أَنْ يُرَاجِعَهَا وفي نَفْسِهِ ارْتِجَاعُهَا قال سَوَاءٌ في الْحِلِّ إذَا كان يُرِيدُ ارْتِجَاعَهَا وَإِنْ لم يُرِدْهُ ما لم يُرَاجِعْهَا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ يَمْلِكُ زَوْجُهَا رَجْعَتَهَا من التَّعْرِيضِ لِلْخَلْوَةِ معه ما أَكْرَهُ لِلَّتِي لَا يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا خَوْفًا من أَنْ يُصِيبَهَا قبل أَنْ يَرْتَجِعَهَا فإذا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً فَحَاضَتْ حَيْضَةً أو حَيْضَتَيْنِ ثُمَّ رَاجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قبل أَنْ يَمَسَّهَا فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أنها تَعْتَدُّ من الطَّلَاقِ الْأَخِيرِ عِدَّةً مُسْتَقْبَلَةً وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْعِدَّةَ من الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ ما لم يَدْخُلْ بها أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ أَنَّهُ سمع أَبَا الشَّعْثَاءِ يقول تَعْتَدُّ من يَوْمِ طَلَّقَهَا قال بن جُرَيْجٍ وَعَبْدُ الْكَرِيمِ وَطَاوُسٌ وَحُسْنُ بن مُسْلِمٍ يَقُولُونَ تَعْتَدُّ من يَوْمِ طَلَّقَهَا وَإِنْ لم يَكُنْ مَسَّهَا قال سَعِيدٌ يَقُولُونَ طَلَاقُهُ الْآخَرُ قال سَعِيدٌ وكان ذلك رَأْيَ بن جُرَيْجٍ أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ قال أَرَى أَنْ تَعْتَدَّ من يَوْمِ طَلَّقَهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد قال هذا بَعْضُ الْمَشْرِقِيِّينَ وقد قال بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالتَّفْسِيرِ إنَّ قَوْلَ اللَّهِ عز وجل { وإذا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أو سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } إنَّمَا نَزَلَتْ في ذلك كان الرَّجُلُ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ما شَاءَ بِلَا وَقْتٍ فَيُمْهِلُ الْمَرْأَةَ حتى إذَا شَارَفَتْ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا رَاجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فإذا شَارَفَتْ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا رَاجَعَهَا فَنَزَلَ { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ } أخبرنا مَالِكٌ عن هِشَامٍ عن أبيه قال كان الرَّجُلُ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ ارْتَجَعَهَا قبل أَنْ تنقضي ( ( ( تقضي ) ) ) عِدَّتَهَا كان ذلك له وَإِنْ طَلَّقَهَا أَلْفَ مَرَّةٍ فَعَمَدَ رَجُلٌ إلَى امْرَأَتِهِ فَطَلَّقَهَا حتى إذَا شَارَفَتْ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا ارْتَجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قال وَاَللَّهِ لَا آوِيك إلَيَّ وَلَا تَحِلِّينَ أَبَدًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أو تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } فَاسْتَقْبَلَ الناس الطَّلَاقَ جَدِيدًا من كان منهم طَلَّقَ وَمَنْ لم يُطَلِّقْ قال وَمَنْ قال هذا انْبَغَى أَنْ يَقُولَ إنَّ رَجْعَتَهُ إيَّاهَا في الْعِدَّةِ مُخَالِفٌ لِنِكَاحِهِ إيَّاهَا نِكَاحًا جَدِيدًا مُسْتَقْبَلًا ثُمَّ يُطَلِّقُهَا قبل أَنْ يَمَسَّهَا وَذَلِكَ أَنَّ حُكْمَهَا في عِدَّتِهَا حُكْمُ الْأَزْوَاجِ في بَعْضِ أَمْرِهَا وَإِنَّمَا تَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ لِأَنَّهُ قد كان مَسَّ قبل الطَّلَاقِ الذي أَتْبَعَهُ هذا الطَّلَاقَ فَلَزِمَ فَحُكْمُهُ حُكْمَ الطَّلَاقِ الْوَاحِدِ بَعْدَ الدُّخُولِ وَأَيُّ امْرَأَةٍ طَلُقَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ اعْتَدَّتْ وَمَنْ قال هذا أَشْبَهَ أَنْ يَلْزَمَهُ أَنْ يَقُولَ ذلك وَإِنْ لم يُحْدِثْ لها رَجْعَةً فَيَقُولَ إذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ وَاحِدَةً فَحَاضَتْ حَيْضَةً أو حَيْضَتَيْنِ ثُمَّ أَتْبَعَهَا أُخْرَى اسْتَقْبَلَتْ الْعِدَّةَ من التَّطْلِيقَةِ الْآخِرَةِ وَإِنْ تَرَكَهَا حتى تَحِيضَ حَيْضَةً أو حَيْضَتَيْنِ ثُمَّ طَلَّقَهَا اسْتَقْبَلَتْ الْعِدَّةَ من التَّطْلِيقَةِ الْآخِرَةِ ولم يُبَالِ أَنْ لَا يُحْدِثَ بين ذلك رَجْعَةً وَلَا مَسِيسًا وَمَنْ قال هذا أَشْبَهُ أَنْ يَحْتَجَّ بِأَنَّ الرَّجُلَ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ فَتَحِيضُ حَيْضَةً أو حَيْضَتَيْنِ قبل أَنْ يَمُوتَ فَإِنْ كان طَلَاقًا يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ اعْتَدَّتْ عِدَّةَ وَفَاةٍ وَوَرِثَتْ كما تَعْتَدُّ التي لم تَطْلُقْ وَتَرِثُ وَلَوْ كان طَلَاقًا لَا يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ لم تَعْتَدَّ عِدَّةَ وَفَاةٍ ولم تَرِثْ إنْ طَلَّقَهَا صَحِيحًا وَلَوْ طَلَّقَهَا مَرِيضًا طَلَاقًا لَا يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ فَوَرِثَتْهُ لم تَعْتَدَّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ لِأَنَّهَا غَيْرُ زَوْجَةٍ وقد قِيلَ في الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً يَمْلِكُ فيها الرَّجْعَةَ أو تَطْلِيقَتَيْنِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا كما قال عَطَاءٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ أَصَابَهَا في الْعِدَّةِ فقال أَرَدْت ارْتِجَاعَهَا وَأَقَرَّ أَنَّهُ لم يُشْهِدْ فَقَدْ أَخْطَأَ وَلَهَا عليه مَهْرُ مِثْلِهَا بِمَا اصاب منها وَتَعْتَدُّ من مَائِهِ الْآخَرِ وَتُحْصِي الْعِدَّةَ من الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ فإذا أَكْمَلَتْ الْعِدَّةَ من الطَّلَاقِ لم يَكُنْ له عليها رَجْعَةٌ وَلَهُ عليها الرَّجْعَةُ ما لم تُكْمِلْهَا وَتُكْمِلُ عِدَّتَهَا من الْإِصَابَةِ الْآخِرَةِ وَلَا تَحِلُّ لِغَيْرِهِ حتى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا من الْإِصَابَةِ الْآخِرَةِ وَلَهُ هو أَنْ يَخْطُبَهَا في عِدَّتِهَا من مَائِهِ الْآخَرِ وَلَوْ تَرَكَ ذلك كان أَحَبَّ إلَيَّ

(5/242)


ثُمَّ يَرْتَجِعُهَا ثُمَّ يُطَلِّقُهَا أو يُطَلِّقُهَا ولم يَرْتَجِعْهَا الْعِدَّةَ من الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ وَلَا تَعْتَدُّ من الطَّلَاقِ الْآخَرِ لِأَنَّهُ وَإِنْ ارْتَجَعَهَا فَقَدْ كانت حَرُمَتْ عليه إلَّا بِأَنْ يَرْتَجِعَهَا كما حَرُمَتْ عليه في الطَّلَاقِ الذي لَا يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ إلَّا بِنِكَاحٍ وَلَوْ نَكَحَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قبل أَنْ يُصِيبَهَا لم تَعْتَدَّ فَكَذَلِكَ لَا تَعْتَدُّ من طَلَاقٍ أَحْدَثَهُ لها وَإِنْ لَزِمَهَا في الْعِدَّةِ لم يُحْدِثْ رَجْعَةً وَمَنْ قال هذا ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْمُطَلِّقَ كان إذَا ارْتَجَعَ في الْعِدَّةِ ثَبَتَتْ الرَّجْعَةُ لِمَا جَعَلَ اللَّهُ عز وجل في الْعِدَّةِ له من الرَّجْعَةِ وَإِلَى أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عز وجل { فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أو فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } لِمَنْ رَاجَعَ ضِرَارًا في الْعِدَّةِ لَا يُرِيدُ حَبْسَ الْمَرْأَةِ رَغْبَةً وَلَكِنْ عَضْلًا عن أَنْ تَحِلَّ لِغَيْرِهِ وقد قال اللَّهُ تَعَالَى { لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ } فَنَهَى عن إمْسَاكِهِنَّ لِلْعَضْلِ ثُمَّ يُطَلِّقُهُنَّ فَذَهَبَ إلَى أَنَّ الْآيَةَ قبل هذا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نهي عن رَجْعَتِهِنَّ لِلْعَضْلِ لَا لِلرَّغْبَةِ وَهَذَا مَعْنًى يَحْتَمِلُ الْآيَةَ وَلَا يَجُوزُ إلَّا وَاحِدٌ من الْقَوْلَيْنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ - * عِدَّةُ الْمُشْرِكَاتِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { إنْ أَرَادُوا إصْلَاحًا } فقال إصْلَاحُ الطَّلَاقِ الرَّجْعَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَمَنْ أَرَادَ الرَّجْعَةَ فَهِيَ له لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى جَعَلَهَا له + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَأَيُّمَا زَوْجٍ حُرٍّ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ بَعْدَ ما يُصِيبُهَا وَاحِدَةً أو اثْنَتَيْنِ فَهُوَ أَحَقُّ بِرَجْعَتِهَا ما لم تَنْقَضِ عِدَّتُهَا بِدَلَالَةِ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل ثُمَّ سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فإن رُكَانَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ البتة ولم يُرِدْ إلَّا وَاحِدَةً فَرَدَّهَا إلَيْهِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَذَلِكَ عِنْدَنَا في الْعِدَّةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ( قال ) وَسَوَاءٌ في هذا كُلُّ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت الْيَهُودِيَّةُ أو النَّصْرَانِيَّةُ تَحْتَ الْمُسْلِمِ فَطَلَّقَهَا أو مَاتَ عنها فَهِيَ في الْعِدَّةِ وَالسُّكْنَى وَالنَّفَقَةِ وَالْإِحْدَادِ مِثْلُ الْمُسْلِمَةِ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمَا وَلَهُ عليها الرَّجْعَةُ في الْعِدَّةِ كما يَكُونُ له على الْمُسْلِمَةِ ( قال ) وَهَكَذَا الْمَجُوسِيَّةُ تَحْتَ الْمَجُوسِيِّ وَالْوَثَنِيَّةُ تَحْتَ الْوَثَنِيِّ لِأَزْوَاجِهِنَّ عَلَيْهِنَّ من الرَّجْعَةِ ما لِزَوْجِ الْمُسْلِمَةِ وَعَلَيْهِنَّ من الْعِدَدِ وَالْإِحْدَادِ ما على الْمُسْلِمَةِ لِأَنَّ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى على الْعِبَادِ وَاحِدٌ فَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ إذَا تَحَاكَمَ إلَيْهِ مُشْرِكٌ أَنْ يَحْكُمَ له وَلَا عليه إلَّا بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل لِنَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْمُشْرِكِينَ { فَإِنْ جاؤوك ( ( ( جاءوك ) ) ) فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أو أَعْرِضْ عَنْهُمْ } الْآيَةَ ( قال ) وَالْقِسْطُ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى الذي أَنْزَلَ على نَبِيِّهِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوك عن بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إلَيْك } قال وَأَهْوَاءَهُمْ يَحْتَمِلُ سَبِيلَهُمْ فَأَمَرَهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ لَا يَحْكُمَ إلَّا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ إلَيْهِ وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَحْكُمَ إلَّا بِحُكْمِ اللَّهِ الْمُنَزَّلِ على نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( قال ) وإذا طَلَّقَ الْمُسْلِمُ النَّصْرَانِيَّةَ ثَلَاثًا فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَنَكَحَتْ نَصْرَانِيًّا فَأَصَابَهَا أَحَلَّهَا ذلك لِزَوْجِهَا الْمُسْلِمِ وَيُحْصِنُهَا لِأَنَّهُ زَوْجٌ يَحِلُّ له نِكَاحُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ وَمِنْ سُنَّتِهِ أَنْ لَا يُرْجَمَ إلَّا مُحْصَنًا فَلَوْ كانت إصَابَةُ الذِّمِّيِّ لَا تُحْصِنُ الْمَرْأَةَ لم يَرْجُمْهَا النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وإذا أَحْصَنَهَا أَحَلَّهَا مع إحْلَالِهَا لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل قال { حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } وَأَنَّهُ زَوْجٌ نَكَحَهَا - * أَحْكَامُ الرَّجْعَةِ - * أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال أخبرنا محمد بن إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ قال قال اللَّهُ عز وجل { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أو تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } وقال { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ في أَرْحَامِهِنَّ إنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ في ذلك إنْ أَرَادُوا إصْلَاحًا }

(5/243)


زَوْجَةٍ تَحْتَ حُرٍّ مُسْلِمَةٍ أو ذِمِّيَّةٍ أو أَمَةٍ ( قال ) وَطَلَاقُ الْعَبْدِ اثْنَتَانِ فإذا طَلَّقَ وَاحِدَةً فَهُوَ كَالْحُرِّ يُطَلِّقُ الْحُرَّةَ وَاحِدَةً او اثْنَتَيْنِ وَيَمْلِكُ من رَجْعَتِهَا بَعْدَ وَاحِدَةٍ ما يَمْلِكُ الْحُرُّ من رَجْعَةِ امْرَأَتِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ وَاحِدَةٍ أو اثْنَتَيْنِ وَالْحُرُّ الْكَافِرُ الذِّمِّيُّ وَغَيْرُ الذِّمِّيِّ في الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ كَالْحُرِّ الْمُسْلِمِ فإذا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ فَلَا سَبِيلَ لِزَوْجٍ على امْرَأَتِهِ إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل إذْ جَعَلَ الرَّجْعَةَ له عليها في الْعِدَّةِ فَبَيَّنَ أَنْ لَا رَجْعَةَ عليها بَعْدَهَا مع قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { فإذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ في أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ } - * كَيْفَ تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَاعْتَدَّتْ حَيْضَتَيْنِ ثُمَّ أَصَابَهَا يَنْوِي الرَّجْعَةَ فَحُكْمُنَا أَنْ لَا رَجْعَةَ إلَّا بِكَلَامٍ فَإِنْ تَكَلَّمَ بِالرَّجْعَةِ قبل أَنْ تَحِيضَ الثَّالِثَةَ فَهِيَ رَجْعَةٌ وَإِنْ لم يَتَكَلَّمْ بها حتى تَحِيضَ الثَّالِثَةَ فَلَا رَجْعَةَ له عليها وَلَهَا عليه مَهْرُ مِثْلِهَا وَلَا تَنْكِحُ حتى تُكْمِلَ ثَلَاثَ حِيَضٍ وَلَا تَكُونُ كَالْمَرْأَةِ تَعْتَدُّ من رَجُلَيْنِ فَتَبْدَأُ عِدَّتَهَا من الْأَوَّلِ فَتُكْمِلُهَا ثُمَّ تَسْتَقْبِلُ للاخر عِدَّةً لِأَنَّ تَيْنِكَ الْعِدَّتَيْنِ لِحَقٍّ جُعِلَ لِرَجُلَيْنِ وفي ذلك نَسَبٌ يَلْحَقُ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ وَهَذَا حَقٌّ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ وَنَسَبٍ وَاحِدٍ لَا يَتَنَازَعُ لِمَنْ كان منه وَلَدٌ وَلَوْ طَلَّقَهَا فَحَاضَتْ حَيْضَةً ثُمَّ اصابها اسْتَأْنَفَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ من يَوْمِ أَصَابَهَا وَكَانَتْ له عليها الرَّجْعَةُ حتى تَحِيضَ حَيْضَةً وَتَدْخُلَ في الدَّمِ من الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ ثُمَّ لم يَكُنْ له عليها رَجْعَةٌ ولم تَحِلَّ لِغَيْرِهِ حتى تَرَى الدَّمَ من الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ من إصَابَتِهِ إيَّاهَا وَهِيَ الرَّابِعَةُ من يَوْمِ طَلَّقَهَا وَلَهُ عليها الرَّجْعَةُ ما بَقِيَ من الْعِدَّةِ شَيْءٌ وَسَوَاءٌ عَلِمَتْ بِالرَّجْعَةِ أو لم تَعْلَمْ إذَا كانت تَعْلَمُ فَتَمْتَنِعُ من الرَّجْعَةِ فَتَلْزَمُهَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَهَا له عليها فَعِلْمُهَا وَجَهَالَتُهَا سَوَاءٌ وَسَوَاءٌ كانت غَائِبَةً أو حَاضِرَةً أو كان عنها غَائِبًا أو حَاضِرًا ( قال ) وَإِنْ رَاجَعَهَا حَاضِرًا وَكَتَمَ الرَّجْعَةَ أو غَائِبًا فَكَتَمَهَا أو لم يَكْتُمْهَا فلم تَبْلُغْهَا الرَّجْعَةُ حتى مَضَتْ عِدَّتُهَا وَنَكَحَتْ دخل بها الزَّوْجُ الذي نَكَحَتْهُ أو لم يَدْخُلْ فُرِّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ الْآخَرِ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا إنْ أَصَابَهَا لَا ما سَمَّى لها وَلَا مَهْرَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ لَمَّا جَعَلَ اللَّهُ عز وجل الزَّوْجَ أَحَقَّ بِرَجْعَةِ امْرَأَتِهِ في الْعِدَّةِ كان بينا ( ( ( بينها ) ) ) أَنْ ليس لها مَنْعُهُ الرَّجْعَةَ وَلَا لها عِوَضٌ في الرَّجْعَةِ بِحَالٍ لِأَنَّهَا له عليها لَا لها عليه وَلَا أَمْرَ لها فِيمَا له دُونَهَا فلما قال اللَّهُ عز وجل { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ في ذلك } كان بينا ( ( ( بينها ) ) ) أَنَّ الرَّدَّ إنَّمَا هو بِالْكَلَامِ دُونَ الْفِعْلِ من جِمَاعٍ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ ذلك رَدٌّ بِلَا كَلَامٍ فَلَا تَثْبُتُ رَجْعَةٌ لِرَجُلٍ على امْرَأَتِهِ حتى يَتَكَلَّمَ بِالرَّجْعَةِ كما لَا يَكُونُ نِكَاحٌ وَلَا طَلَاقٌ حتى يَتَكَلَّمَ بِهِمَا فإذا تَكَلَّمَ بها في الْعِدَّةِ ثَبَتَتْ له الرَّجْعَةُ وَالْكَلَامُ بها أَنْ يَقُولَ قد رَاجَعْتهَا أو قد ارْتَجَعْتهَا أو قد رَدَدْتهَا إلَيَّ أو قد ارْتَجَعْتهَا إلَيَّ فإذا تَكَلَّمَ بهذا فَهِيَ زَوْجَةٌ وَلَوْ مَاتَ أو خَرِسَ أو ذَهَبَ عَقْلُهُ كانت امْرَأَتَهُ وَإِنْ لم يُصِبْهُ من هذا شَيْءٌ فقال لم أُرِدْ بِهِ رَجْعَةً فَهِيَ رَجْعَةٌ في الْحُكْمِ إلَّا أَنْ يُحْدِثَ طَلَاقًا ( قال ) وَلَوْ طَلَّقَهَا فَخَرَجَتْ من بَيْتِهِ فَرَدَّهَا إلَيْهِ يَنْوِي الرَّجْعَةَ أو جَامَعَهَا يَنْوِي الرَّجْعَةَ أو لَا يَنْوِيهَا ولم يَتَكَلَّمْ بِالرَّجْعَةِ لم تَكُنْ هذه رَجْعَةً حتى يَتَكَلَّمَ بها ( قال ) وإذا جَامَعَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ يَنْوِي الرَّجْعَةَ أو لَا يَنْوِيهَا فَالْجِمَاعُ جِمَاعُ شُبْهَةٍ لَا حَدَّ عَلَيْهِمَا فيه وَيُعَزَّرُ الزَّوْجُ وَالْمَرْأَةُ إنْ كانت عَالِمَةً وَلَهَا عليه صَدَاقُ مِثْلِهَا وَالْوَلَدُ لَاحِقٌ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ ( قال الرَّبِيعُ ) وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ إذَا قال قد رَدَدْتهَا إلَيَّ أنها لَا تَكُونُ رَجْعَةً حتى يَنْوِيَ بها رَجْعَتَهَا فإذا قال قد رَاجَعْتهَا أو ارْتَجَعْتهَا هذا تَصْرِيحُ الرَّجْعَةِ كما لَا يَكُونُ النِّكَاحُ إلَّا بِتَصْرِيحِ النِّكَاحِ أَنْ يَقُولَ قد تَزَوَّجْتهَا أو نَكَحْتهَا فَهَذَا تَصْرِيحُ النِّكَاحِ وَلَا يَكُونُ نِكَاحًا بِأَنْ يَقُولَ قد قَبِلْتهَا حتى يُصَرِّحَ بِمَا وَصَفْت لِأَنَّ النِّكَاحَ تَحْلِيلٌ بَعْدَ تَحْرِيمٍ وَكَذَلِكَ الرَّجْعَةُ تَحْلِيلٌ بَعْدَ تَحْرِيمٍ فَالتَّحْلِيلُ بِالتَّحْلِيلِ شَبِيهٌ فَكَذَلِكَ أَوْلَى أَنْ يُقَاسَ بَعْضُهُ على بَعْضٍ وَلَا يُقَاسَ بِالتَّحْرِيمِ بَعْدَ التَّحْلِيلِ كما لو قال قد وَهَبْتُك أو اذْهَبِي أو لَا حَاجَةَ لي فِيك أَنَّهُ لَا يَكُونُ طَلَاقًا حتى يَنْوِيَ بِهِ الطَّلَاقَ وهو لو أَرَادَ بِقَوْلِهِ قد رَدَدْتُك إلى الرَّجْعَةَ لم تَكُنْ رَجْعَةً حتى يَنْوِي بِهِ الرَّجْعَةَ

(5/244)


وَلَا مُتْعَةَ إنْ لم يُصِبْهَا لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل جَعَلَ لِلزَّوْجِ الْمُطَلِّقِ الرَّجْعَةَ في الْعِدَّةِ وَلَا يَبْطُلُ ما جَعَلَ اللَّهُ عز وجل له منها بِبَاطِلٍ من نِكَاحِ غَيْرِهِ وَلَا بِدُخُولٍ لم يَكُنْ يَحِلُّ على الِابْتِدَاءِ لو عرفاه ( ( ( عرفناه ) ) ) كَانَا عليه مَحْدُودَيْنِ وفي مِثْلِ مَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ عز وجل سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا أَنْكَحَ الْوَلِيَّانِ فَالْأَوَّلُ أَحَقُّ لَا اسْتِثْنَاءَ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل وَلَا سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم دخل زَوْجٌ آخَرُ أو لم يَدْخُلْ وَمَنْ جَعَلَهُ اللَّهُ عز ذِكْرُهُ ثُمَّ رَسُولُهُ أَحَقَّ بِأَمْرٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا الثِّقَةُ يحيى بن حَسَّانَ عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عَمْرٍو عن عبد الْكَرِيمِ بن مَالِكٍ الْجَزَرِيِّ عن سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه في الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ يُشْهِدُ على رَجْعَتِهَا ولم تَعْلَمْ بِذَلِكَ فَنَكَحَتْ قال هِيَ امْرَأَةُ الْأَوَّلِ دخل بها الْآخَرُ أو لم يَدْخُلْ - * وَجْهُ الرَّجْعَةِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ في الْعِدَّةِ من طَلَاقِهِ إذَا كان غَدٌ فَقَدْ رَاجَعْتُك وإذا كان يَوْمُ كَذَا وَكَذَا فَقَدْ رَاجَعْتُك وإذا قَدِمَ فُلَانٌ فَقَدْ رَاجَعْتُك وإذا فَعَلْت كَذَا فَقَدْ رَاجَعْتُك فَكَانَ كُلُّ ما قال لم يَكُنْ رَجْعَةً وَلَوْ قال لها إنْ شِئْت فَقَدْ رَاجَعْتُك فقالت قد شِئْت لم تَكُنْ رَجْعَةً حتى يُحْدِثَ بَعْدَهَا رَجْعَةً وَهَذَا مُخَالِفٌ قَوْلَهُ إنْ شِئْت فَأَنْتِ طَالِقٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ إذَا كان أَمْسِ فَقَدْ رَاجَعْتُك لم تَكُنْ رَجْعَةً بِحَالٍ وَلَوْ نَوَى إذَا كان أَمْسِ يوم الِاثْنَيْنِ فَقَدْ رَاجَعْتُك لم يَكُنْ رَجْعَةً وَلَيْسَ بِأَكْثَرَ من قَوْلِهِ لها إذَا كان غَدٌ فَقَدْ رَاجَعْتُك فَلَا يَكُونُ رَجْعَةً وَلَوْ قال كُلَّمَا طَلَّقْتُك فَقَدْ رَاجَعْتُك لم يَكُنْ رَجْعَةً + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا قال لها في الْعِدَّةِ قد رَاجَعْتُك أَمْسِ أو يوم كَذَا لِيَوْمٍ مَاضٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ كانت رَجْعَةً وَهَكَذَا لو قال قد كُنْت رَاجَعْتُك بَعْدَ الطَّلَاقِ وَلَوْ قال لها في الْعِدَّةِ قد رَاجَعْتُك كانت رَجْعَةً فَإِنْ وَصَلَ الْكَلَامَ فقال فَقَدْ رَاجَعْتُك بِالْمَحَبَّةِ أو رَاجَعْتُك بِالْأَذَى وَرَاجَعْتُك بِالْكَرَامَةِ أو رَاجَعْتُك بِالْهَوَانِ سُئِلَ فإذا أَرَادَ الرَّجْعَةَ وقال عَنَيْت رَاجَعْتُك بِالْمَحَبَّةِ مِنِّي لَك أو رَاجَعْتُك بِالْأَذَى في طَلَاقِك أو ما أَشْبَهَ هذا كانت رَجْعَةً وَإِنْ قال أَرَدْت قد رَجَعْت إلَى مَحَبَّتِك بَعْدَ بُغْضِك أو إلَى أَذَاك كما كُنْت أو ما أَشْبَهَ هذا لم يَكُنْ رَجْعَةً وإذا طَلَّقَ الْأَخْرَسُ امْرَأَتَهُ بِكِتَابٍ أو إشَارَةٍ تُعْقَلُ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ وَكَذَلِكَ إذَا رَاجَعَهَا بِكِتَابٍ له أو إشَارَةٍ تُعْقَلُ لَزِمَتْهَا الرَّجْعَةُ وإذا مَرِضَ الرَّجُلُ فَخَبَلَ لِسَانُهُ فَهُوَ كَالْأَخْرَسِ في الرَّجْعَةِ وَالطَّلَاقِ وإذا أَشَارَ إشَارَةً تُعْقَلُ أو كَتَبَ كِتَابًا لَزِمَهَا الطَّلَاقُ وَأُلْزِمَتْ له الرَّجْعَةُ وَلَوْ لم يَخْبِلْ وَلَكِنَّهُ ضَعُفَ عن الْكَلَامِ فَأَشَارَ بِطَلَاقٍ أو بِرَجْعَةٍ إشَارَةً تُعْقَلُ أو كَتَبَ كِتَابًا يُعْقَلُ كانت رَجْعَةً ( 1 ) حتى يَعْقِلَ فَيَقُولَ لم تَكُنْ رَجْعَةً فَتَبْرَأُ منه بِالطَّلَاقِ الْأَوَّلِ وَكُلُّ زَوْجٍ بَالِغٍ غَيْرِ مَغْلُوبٍ على عَقْلِهِ تَجُوزُ رَجْعَتُهُ كما يَجُوزُ طَلَاقُهُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ رَاجَعَ أَنْ يُشْهِدَ شَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ على الرَّجْعَةِ لِمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ من الشَّهَادَةِ لِئَلَّا يَمُوتَ قبل أَنْ يُقِرَّ بِذَلِكَ أو يَمُوتَ قبل تَعْلَمَ الرَّجْعَةَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَلَا يَتَوَارَثَانِ إنْ لم تَعْلَمْ الرَّجْعَةَ في الْعِدَّةِ وَلِئَلَّا يتجاحدا أو يُصِيبَهَا فَتَنْزِلَ منه إصَابَةُ غَيْرِ زَوْجَةٍ وَلَوْ تَصَادَقَا أَنَّهُ رَاجَعَهَا ولم يُشْهِدْ فالرجعة ( ( ( فالرجعية ) ) ) ثَابِتَةٌ عليها لِأَنَّ الرَّجْعَةَ إلَيْهِ دُونَهَا وَكَذَلِكَ لو ثَبَتَ عليها ما كانت في الْعِدَّةِ إذَا أَشْهَدَ على أَنَّهُ قال قد رَاجَعْتهَا فإذا مَضَتْ الْعِدَّةُ فقال قد رَاجَعْتهَا وَأَنْكَرَتْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ قال قد رَاجَعْتهَا في الْعِدَّةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ - * ما يَكُونُ رَجْعَةً وما لَا يَكُونُ - *

(5/245)


(1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا طَلُقَتْ الْمَرْأَةُ فَمَتَى ادَّعَتْ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ في مُدَّةٍ يُمْكِنُ في مِثْلِهَا أَنْ تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَمَتَى ادَّعَتْ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ في مُدَّةٍ لَا يُمْكِنُ في مِثْلِهَا انْقِضَاءُ عِدَّتِهَا لم تُصَدَّقْ وَلَا تُصَدَّقُ إلَّا في مُدَّةٍ يُمْكِنُ فيها انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إذَا ادَّعَتْ ما لَا يُمْكِنُ مِثْلُهُ بِحَالٍ وَلَوْ طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ فقالت من يَوْمِهَا قد انْقَضَتْ عِدَّتِي لم يُقْبَلْ منها حتى تُسْأَلَ فَإِنْ قالت قد أَسْقَطْت سِقْطًا بَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ أو وَلَدْت وَلَدًا وَمَاتَ كان الْقَوْلُ قَوْلَهَا إذَا كان يَلِدُ مِثْلُهَا فَإِنْ كانت صَغِيرَةً لَا يَلِدُ مِثْلُهَا أو عَجُوزًا لَا يُمْكِنُ في مِثْلِهَا أَنْ تَلِدَ لم تُصَدَّقْ بِحَالٍ وَلَوْ قالت قد انْقَضَتْ عِدَّتِي في يَوْمٍ أو غَيْرِهِ سُئِلَتْ فَإِنْ قالت حِضْت ثَلَاثَ حِيَضٍ لم تُصَدَّقْ لِأَنَّهُ لَا يَحِيضُ من النِّسَاءِ أَحَدٌ ثَلَاثَ حِيَضٍ في مِثْلِ هذه الْمُدَّةِ وَإِنْ قالت قد حِضْت في أَرْبَعِينَ ليلة لَيْلَةً ثَلَاثَ حِيَضٍ وما أَشْبَهَ هذا نُظِرَ فَإِنْ كانت الْمُدَّعِيَةُ لِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا في مِثْلِ هذه الْمُدَّةِ تَذْكُرُ قبل الطَّلَاقِ أنها كانت تَحِيضُ هَكَذَا وَتَطْهُرُ صُدِّقَتْ في الْحُكْمِ وَكَذَلِكَ إنْ كان من نِسَاءِ الناس من يَذْكُرُ ما وَصَفْت وَإِنْ لم تَكُنْ هِيَ وَلَا وَاحِدَةٌ من النِّسَاءِ تَذْكُرُ مِثْلَ هذا لم تُصَدَّقْ وَمَتَى صَدَّقْتهَا في الْحُكْمِ فَلِزَوْجِهَا عليها الْيَمِينُ بِاَللَّهِ عز وجل لقد انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِمَا ذَكَرَتْ من حَيْضٍ وَطُهْرٍ أو سِقْطٍ أو وَلَدٍ فَإِنْ حَلَفَتْ بَرِئَتْ منه وَإِنْ نَكَلَتْ أَحَلَفَتْهُ ما انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَجُعِلَتْ له عليها الرَّجْعَةُ وإذا صَدَّقْتهَا في الْحُكْمِ بِقَوْلِهَا قد انْقَضَتْ عِدَّتِي صَدَّقْتهَا بِهِ قبل ارْتِجَاعِهِ إيَّاهَا وَصَدَّقْتهَا إذَا قال قد رَاجَعْتُك الْيَوْمَ فقالت انْقَضَتْ عِدَّتِي أَمْسِ أو في وَقْتٍ من الْيَوْمِ قبل الْوَقْتِ الذي رَاجَعَهَا فيه إلَّا أَنْ تُقِرَّ بَعْدَ مُرَاجَعَتِهِ إيَّاهَا بِأَنْ لم تَنْقَضِ عِدَّتُهَا ثُمَّ تَدَّعِي انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ فَلَا أُصَدِّقُهَا لِأَنَّ الرَّجْعَةَ قد ثَبَتَتْ بِإِقْرَارِهَا وَإِنْ شَاءَتْ أَنْ أُحَلِّفَهُ لها ما عَلِمَ عِدَّتَهَا انْقَضَتْ فَعَلْت فَإِنْ حَلَفَ لَزِمَتْهَا الرَّجْعَةُ وَإِنْ نَكَلَ أُحْلِفَتْ على الْبَتِّ لقد انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَإِنْ حَلَفَتْ فَلَا رَجْعَةَ له عليها وَإِنْ نَكَلَتْ فَلَهُ عليها الرَّجْعَةُ وَلَوْ قال لها قد رَاجَعْتُك فقالت قد انْقَضَتْ عِدَّتِي أو قالت قد انْقَضَتْ عِدَّتِي قبل أَنْ تَقُولَ قد رَاجَعْتُك في مُدَّةٍ يُمْكِنُ فيها انْقِضَاءُ عِدَّتِهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا فقالت قد كُنْت كَذَبْت فِيمَا ادَّعَيْت من انْقِضَاءِ عِدَّتِي أو قَالَتْهُ قبل يُرَاجِعَهَا فَرَاجَعَهَا ثَبَتَتْ عليها الرَّجْعَةُ وَلَوْ رَجَعَتْ عن الْإِقْرَارِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لم يُسْقِطْ ذلك الرَّجْعَةَ وَهِيَ كَمَنْ جَحَدَ حَقًّا عليه ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ وَلَوْ قالت قد انْقَضَتْ عِدَّتِي ثُمَّ قالت كَذَبْت لم تَنْقَضِ عِدَّتِي أو وَهِمْت ثُمَّ قالت قد انْقَضَتْ عِدَّتِي قبل أَنْ يَرْتَجِعَهَا ثُمَّ ارْتَجَعَهَا لم يَكُنْ له عليها رَجْعَةٌ إلَّا بِأَنْ تُكَذِّبَ نَفْسَهَا بَعْدَ الرَّجْعَةِ فَتَقُولَ لم تَنْقَضِ عِدَّتِي وإذا قالت قد انْقَضَتْ عِدَّتِي في مُدَّةٍ لَا تَنْقَضِي عِدَّةُ امْرَأَةٍ في مِثْلِهَا فَأَبْطَلَتْ قَوْلَهَا ثُمَّ جَاءَتْ عليها مُدَّةٌ تَنْقَضِي الْعِدَّةُ في مِثْلِهَا وَهِيَ ثَابِتَةٌ على قَوْلِهَا الْأَوَّلِ قد انْقَضَتْ عِدَّتِي فَعِدَّتُهَا مُنْقَضِيَةٌ لِأَنَّهَا مُدَّعِيَةٌ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ في الْحَالَيْنِ مَعًا وَلَوْ طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ قال أَعْلَمَتْنِي بِأَنَّ عِدَّتَهَا قد انْقَضَتْ ثُمَّ رَاجَعَهَا لم يَكُنْ هذا إقْرَارًا بِأَنَّ عِدَّتَهَا قد انْقَضَتْ لِأَنَّهَا قد تُكَذِّبُهُ فِيمَا أَعْلَمَتْهُ وَتَثْبُتُ الرَّجْعَةُ إذَا قالت الْمَرْأَةُ لم تَنْقَضِ عِدَّتِي وَإِنْ قال قد انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَقَالَتْ هِيَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا تَجُوزُ رَجْعَةُ الْمَغْلُوبِ على عَقْلِهِ كما لَا يَجُوزُ طَلَاقُهُ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا صَحِيحًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ خَبَلَ عَقْلُهُ بِجُنُونٍ أو خَبْلٍ أو بِرْسَامٍ أو غَيْرِهِ مِمَّا يَغْلِبُ على الْعَقْلِ غَيْرِ الْمُسْكِرِ ثُمَّ ارْتَجَعَ امْرَأَتَهُ في الْعِدَّةِ لم تَجُزْ رَجْعَتُهُ وَلَا تَجُوزُ رَجْعَتُهُ إلَّا في الْحِينِ الذي لو طَلَّقَ جَازَ طَلَاقُهُ وَإِنْ كان يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَرَاجَعَ في حَالِ جُنُونِهِ لم تَجُزْ رَجْعَتُهُ وَإِنْ رَاجَعَ في حَالِ إفَاقَتِهِ جَازَتْ رَجْعَتُهُ وَلَوْ اخْتَلَفَا بَعْدَ مُضِيِّ الْعِدَّةِ فقالت رَاجَعْتنِي وَأَنْتَ ذَاهِبُ الْعَقْلِ ثُمَّ لم تُحْدِثْ لي رَجْعَةً وَعَقْلُك مَعَك حتى انْقَضَتْ عِدَّتِي وقال بَلْ رَاجَعْتُك وَمَعِي عَقْلِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ إلَيْهِ دُونَهَا وَهِيَ في الْعِدَّةِ تَدَّعِي إبْطَالَهَا لَا يَكُونُ لها إبْطَالُهَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ - * دَعْوَى الْمَرْأَةِ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ - *

(5/246)


قد انْقَضَتْ عِدَّتِي ثُمَّ قال كَذَبَتْ لم يَكُنْ له عليها رَجْعَةٌ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَكَذَلِكَ لو صَدَّقَهَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ثُمَّ كَذَّبَهَا لم يَكُنْ له عليها رَجْعَةٌ - * الْوَقْتُ الذي تَكُونُ له الرَّجْعَةُ بِقَوْلِهِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) في قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وإذا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أو سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } إذَا شَارَفْنَ بُلُوغَ أَجَلِهِنَّ فَرَاجِعُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أو دَعُوهُنَّ تَنْقَضِي عِدَدُهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَنَهَاهُمْ أَنْ يُمْسِكُوهُنَّ ضرارا ( ( ( ضررا ) ) ) لِيَعْتَدُوا وَلَا يَحِلُّ إمْسَاكُهُنَّ ضِرَارًا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا قال الرَّجُلُ وَامْرَأَتُهُ في الْعِدَّةِ قد رَاجَعْتهَا الْيَوْمَ أو أَمْسِ أو قَبْلَهُ في الْعِدَّةِ وَأَنْكَرَتْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إذَا كان له أَنْ يُرَاجِعَهَا في الْعِدَّةِ فَأَخْبَرَ أَنْ قد فَعَلَ بِالْأَمْسِ كان كَابْتِدَائِهِ الْفِعْلَ الْآنَ وَلَوْ قال بَعْدَ مُضِيِّ الْعِدَّةِ قد رَاجَعْتُك في الْعِدَّةِ وَأَنْكَرَتْ كان الْقَوْلُ قَوْلَهَا وَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ قد رَاجَعَهَا وَهِيَ في الْعِدَّةِ وإذا مَضَتْ الْعِدَّةُ فقال قد كُنْت رَاجَعْتُك في الْعِدَّةِ وَصَدَّقَتْهُ فَالرَّجْعَةُ ثَابِتَةٌ فَإِنْ كَذَّبَتْهُ بَعْدَ التَّصْدِيقِ أو كَذَّبَتْهُ قبل التَّصْدِيقِ ثُمَّ صَدَّقَتْهُ كانت الرَّجْعَةُ ثَابِتَةً وَهَكَذَا لو كانت زَوْجَتُهُ أَمَةً فَصَدَّقَتْهُ كانت كَالْحُرَّةِ في جَمِيعِ أَمْرِهَا وَلَوْ كَذَّبَهُ مَوْلَاهَا لم أَقْبَلْ قَوْلَهُ لِأَنَّ التَّحْلِيلَ بِالرَّجْعَةِ وَالتَّحْرِيمَ بِالطَّلَاقِ فيها وَلَهَا وَلَوْ كانت الْمَرْأَةُ صَبِيَّةً لم تَحِضْ أو مَعْتُوهَةً مَغْلُوبَةً على عَقْلِهَا فقال زَوْجُهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا قد رَاجَعْتهَا في الْعِدَّةِ لم يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ له وَلَوْ صَدَّقَتْهُ لِأَنَّهَا مِمَّنْ لَا فَرْضَ له عليها وَكَذَلِكَ لو صَدَّقَهُ وَلِيُّهَا اباها كان أو غَيْرَهُ لم أَقْبَلْ ذلك وَلَوْ كانت صَحِيحَةً فَعَرَضَ لها مَرَضٌ أَذْهَبَ عَقْلَهَا ثُمَّ قال بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا قد كُنْت رَاجَعْتهَا في الْعِدَّةِ لم تَكُنْ زَوْجَتَهُ فإذا أَفَاقَتْ فَصَدَّقَتْهُ كانت زَوْجَتَهُ بِالْإِقْرَارِ وَكَانَتْ الرَّجْعَةُ عليها ثَابِتَةً وإذا دخل الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ فقال قد أَصَبْتهَا وَطَلَّقْتهَا وَقَالَتْ لم يُصِبْنِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَلَا رَجْعَةَ له عليها وَلَوْ قالت قد أَصَابَنِي وقال لم أُصِبْهَا فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ بِإِقْرَارِهَا أنها عليها لَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ حتى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وَلَا رَجْعَةَ له عليها بِإِقْرَارِهِ أَنْ لَا عِدَّةَ له عليها وَيَسَعُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عز وجل أَنْ يُرَاجِعَهَا إنْ عَلِمَ أَنَّهُ كَذَبَ وَيَسَعُهَا فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إنْ عَلِمَتْ أنها كَذَبَتْ بِادِّعَائِهَا بِالْإِصَابَةِ أَنْ تَنْكِحَ قبل ان تَعْتَدَّ لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ عليها فَأَمَّا الْحُكْمُ فَكَمَا وَصَفْت وَسَوَاءٌ في هذا أَغْلَقَ عليها بَابًا أو أَرْخَى سِتْرًا أو لم يُغْلِقْهُ أو طَالَ مَقَامُهُ مَعَهَا أو لم يَطُلْ لَا تَجِبُ عليها الْعِدَّةُ وَلَا يُكْمِلُ لها الْمَهْرَ إذَا طَلُقَتْ إلَّا بِالْوَطْءِ نَفْسِهِ وإذا اخْتَلَفَا في الْوَطْءِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ لِأَنَّهُ يُؤْخَذُ منه فَضْلُ الصَّدَاقِ وإذا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فقال بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا قد رَاجَعْتُك في الْعِدَّةِ وَأَنْكَرَتْ فَحَلَفَتْ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ وَدَخَلَ بها أو لم يَدْخُلْ ثُمَّ أَقَامَ شَاهِدَيْنِ أَنَّهُ كان قد رَاجَعَهَا في الْعِدَّةِ فُسِخَ نِكَاحُهَا من الْآخَرِ وَكَانَتْ زَوْجَةَ الْأَوَّلِ الذي رَاجَعَهَا في الْعِدَّةِ وَأَمْسَكَ عنها حتى تَعْتَدَّ من الْآخَرِ إنْ كان اصابها فَإِنْ لم يَكُنْ أَصَابَهَا لم يُمْسِكْ عنها وَإِنْ مَاتَتْ أو مَاتَ وَهِيَ في الْعِدَّةِ من الْآخَرِ تَوَارَثَا وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَكَذَّبَتْهُ وَنَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ ثُمَّ صَدَّقَتْ الزَّوْجَ الْأَوَّلَ أَنَّهُ رَاجَعَهَا في الْعِدَّةِ لم تُصَدَّقْ على إفْسَادِ نِكَاحِ الزَّوْجِ الْآخَرِ ولم يُفْسَخْ نِكَاحُهَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ على رَجْعَةِ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ في الْعِدَّةِ ( قال أبو يَعْقُوبَ الْبُوَيْطِيُّ وَالرَّبِيعُ ) وَلَهُ عليها صَدَاقُ مِثْلِهَا بِإِقْرَارِهَا أنها أَتْلَفَتْ نَفْسَهَا عليه

(5/247)


- * نِكَاحُ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا تَزَوَّجَتْ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا زَوْجًا صَحِيحَ النِّكَاحِ فَأَصَابَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا حَلَّ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ ابْتِدَاءَ نِكَاحِهَا لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ له من بَعْدُ حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ } الْآيَةَ وَقَوْلِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِامْرَأَةِ رِفَاعَةَ لَا تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ حتى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَك يَعْنِي يُجَامِعَك ( قال ) وإذا جَامَعَهَا الزَّوْجُ ثُمَّ مَاتَ عنها حَلَّتْ لِلزَّوْجِ المطلقها ثَلَاثًا كما تَحِلُّ له بِالطَّلَاقِ لِأَنَّ الْمَوْتَ في مَعْنَى الطَّلَاقِ بِافْتِرَاقِهِمَا بَعْدَ الْجِمَاعِ أو أَكْثَرَ وَهَكَذَا لو نَكَحَهَا زَوْجٌ فَأَصَابَهَا ثُمَّ بَانَتْ منه بِلِعَانٍ أو رِدَّةٍ أو غَيْرِ ذلك من الْفُرْقَةِ وَهَكَذَا كُلُّ زَوْجٍ نَكَحَهَا عَبْدًا أو حُرًّا إذَا كان نِكَاحُهُ صَحِيحًا واصابها وفي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { أَنْ يَتَرَاجَعَا إنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ } وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ أَمَّا الْآيَةُ فَتَحْتَمِلُ إنْ أَقَامَا الرَّجْعَةَ لِأَنَّهَا من حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا يُشْبِهُ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ في ذلك إنْ أَرَادُوا إصْلَاحًا } أَيْ إصْلَاحَ ما أَفْسَدُوا بِالطَّلَاقِ بِالرَّجْعَةِ فَالرَّجْعَةُ ثَابِتَةٌ لِكُلِّ زَوْجٍ غَيْرِ مَغْلُوبٍ على عَقْلِهِ إذَا أَقَامَ الرَّجْعَةَ وَإِقَامَتُهَا أَنْ يَتَرَاجَعَا في الْعِدَّةِ التي جَعَلَ اللَّهُ عز ذِكْرُهُ له عليها فيها الرَّجْعَةَ ( قال ) وَأُحِبُّ لَهُمَا أَنْ يَنْوِيَا إقَامَةَ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا بَيْنَهُمَا وَغَيْرِهِ من حُدُودِ اللَّهِ تَبَارَكَ اسْمُهُ - * الْجِمَاعُ الذي تَحِلُّ بِهِ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) إذَا جَامَعَ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا زَوْجٌ بَالِغٌ فَبَلَغَ إنْ تَغِيبَ الْحَشَفَةُ في فَرْجِهَا فَقَدْ ذَاقَ عُسَيْلَتَهَا وَذَاقَتْ عُسَيْلَتَهُ وَلَا تَكُونُ الْعُسَيْلَةُ إلَّا في الْقُبُلِ وَبِالذَّكَرِ وَذَلِكَ يُحِلُّهَا لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ إذَا فَارَقَهَا هذا وَيُوجِبُ عليها الْغُسْلَ وَالْحَدَّ لو كان هذا زِنًا وَسَوَاءٌ كان الذي اصابها قَوِيَّ الْجِمَاعِ أو ضَعِيفَهُ لَا يُدْخِلُهُ إلَّا بيده إذَا بَلَغَ هذا منها وَكَذَلِكَ لو استدخلته هِيَ بِيَدِهَا وَإِنْ كان غير مُرَاهِقٍ لم يُحِلَّهَا جِمَاعُهُ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ مَوْقِعَ جِمَاعِ الْكَبِيرِ وَلَا يَجُوزُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) أَيُّ امْرَأَةٍ حَلَّ ابْتِدَاءُ نِكَاحِهَا فَنِكَاحُهَا حَلَالٌ مَتَى شَاءَ من كانت تَحِلُّ له وَشَاءَتْ إلَّا امْرَأَتَانِ الْمُلَاعَنَةُ فإن الزَّوْجَ إذَا الْتَعَنَ لم تَحِلَّ له أَبَدًا بِحَالٍ وَالْحُجَّةُ في الْمُلَاعَنَةِ مَكْتُوبَةٌ في كِتَابِ اللِّعَانِ وَالثَّانِيَةُ الْمَرْأَةُ يُطَلِّقُهَا الْحُرُّ ثَلَاثًا فَلَا تَحِلُّ له حتى يُجَامِعَهَا زَوْجٌ غَيْرُهُ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل في الْمُطَلَّقَةِ الثَّالِثَةَ { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ له من بَعْدُ حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } قال فَاحْتَمَلَتْ الْآيَةُ حتى يُجَامِعَهَا زَوْجٌ غَيْرُهُ وَدَلَّتْ على ذلك السُّنَّةُ فَكَانَ أَوْلَى الْمَعَانِي بِكِتَابِ اللَّهِ ما دَلَّتْ عليه سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن الْمِسْوَرِ بن رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ عن الزُّبَيْرِ بن عبد الرحمن بن الزُّبَيْرِ أَنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَمِيمَةَ بِنْتَ وَهْبٍ في عَهْدِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثَلَاثًا فَنَكَحَهَا عبد الرحمن بن الزُّبَيْرِ فَاعْتَرَضَ عنها فلم يَسْتَطِعْ أَنْ يَمَسَّهَا فَفَارَقَهَا فَأَرَادَ رِفَاعَةُ أَنْ يَنْكِحَهَا وهو زَوْجُهَا الْأَوَّلُ الذي كان طَلَّقَهَا فذكر لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَنَهَاهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فقال لَا تَحِلُّ لَك حتى تَذُوقَ الْعُسَيْلَةَ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن بن شِهَابٍ عن عُرْوَةَ عن عَائِشَةَ زَوْجِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم سَمِعَهَا تَقُولُ جَاءَتْ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقالت إني كُنْت عِنْدَ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ فَطَلَّقَنِي فَبَتَّ طَلَاقِي فَتَزَوَّجْت عَبْدَ الرحمن بن الزُّبَيْرِ وَإِنَّمَا معه مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ فَتَبَسَّمَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وقال أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ لَا حتى تذوق ( ( ( تذوقي ) ) ) عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَك قالت وأبو بَكْرٍ عِنْدَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَخَالِدُ بن سَعِيدِ بن الْعَاصِ بِالْبَابِ يَنْتَظِرُ أَنْ يُؤْذَنَ له فَنَادَى يا أَبَا بَكْرٍ أَلَا تَسْمَعُ ما تَجْهَرُ بِهِ هذه عِنْدَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم

(5/248)


أَنْ يُقَالَ غَيْرُ هذا وَلَوْ جَازَ جَازَ أَنْ يُقَالَ لَا يُحِلُّهَا إلَّا من تَشْتَهِي جِمَاعَهُ وَيَكُونُ مُبَالِغًا فيه قَوِيًّا وَإِنْ كان الزَّوْجُ صَبِيًّا فَكَانَ جِمَاعُهُ يَقَعُ مَوْقِعَ الْكَبِيرِ بِأَنْ يَكُونَ مُرَاهِقًا يَغِيبُ ذلك منه في ذلك منها أَحَلَّهَا وَكَذَلِكَ إنْ كان خَصِيًّا غير مَجْبُوبٍ أو مَجْبُوبًا بَقِيَ له ما يُغَيِّبُهُ فيها بِقَدْرِ ما تَغِيبُ حَشَفَةُ غَيْرِ الْخَصِيِّ أَحَلَّهَا ذلك إنْ كانت ثَيِّبًا فَأَمَّا إنْ كانت بِكْرًا فَلَا يَحِلُّهَا إلَّا ذَهَابُ الْعُذْرَةِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ هذا منها إلَّا ذَهَبَتْ الْعُذْرَةُ وَسَوَاءٌ في ذلك كُلُّ زَوْجٍ جَائِزِ النِّكَاحِ من عَبْدٍ وَمُكَاتَبٍ وَحُرٍّ وَكُلِّ زَوْجَةٍ حُرَّةٍ وَمَمْلُوكَةٍ وَذِمِّيَّةٍ بَالِغٍ وَغَيْرِ بَالِغٍ إذَا كان يُجَامَعُ مِثْلُهَا وَلَوْ أَصَابَهَا في دُبُرِهَا فَبَلَغَ ما شَاءَ منها لم تُحِلَّهَا تِلْكَ الْإِصَابَةُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَوْضِعَ الْعُسَيْلَةِ التي دَلَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على أنها تُحِلُّهَا وَلَوْ أَفْضَاهَا زَوْجُهَا حَلَّتْ بِالْإِفْضَاءِ لِأَنَّ الْإِفْضَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا بِبُلُوغِ ما يُحِلُّهَا وَمُجَاوَزَتِهِ وَهَكَذَا الذِّمِّيَّةُ تَكُونُ عِنْدَ الْمُسْلِمِ فَيُطَلِّقُهَا ثَلَاثًا فَيَنْكِحُهَا الذِّمِّيُّ فَبَلَغَ هذا منها وَكَذَلِكَ لو كانت الزَّوْجَةُ مَغْلُوبَةً على عَقْلِهَا أو الزَّوْجُ مَغْلُوبًا على عَقْلِهِ أو هُمَا مَعًا فَجَامَعَهَا أَحَلَّهَا ذلك الزَّوْجُ وَلَوْ نَكَحَهَا الذِّمِّيُّ نِكَاحًا صَحِيحًا فَأَصَابَهَا كان يُحِلُّهَا من جِمَاعِهِ لِلْمُسْلِمِ ما يُحِلُّهَا من جِمَاعِ زَوْجٍ مُسْلِمٍ لو نَالَ ذلك منها لِأَنَّهُ زَوْجٌ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا وَإِنَّمَا يَرْجُمُ الْمُحْصَنَيْنِ وَلَا يُحِلُّهَا إلَّا زَوْجٌ صَحِيحُ النِّكَاحِ وَأَصْلُ مَعْرِفَةِ هذا أَنْ يُنْظَرَ إلَى كل زَوْجٍ إذَا انْعَقَدَ نِكَاحُهُ لَا يَنْفَسِخُ بِفَسَادِ عَقْدٍ وَإِنْ انْفَسَخَ بَعْدُ لِمَعْنًى فَأَصَابَهَا فَهُوَ يُحِلُّهَا وَإِنْ كان أَصْلُ نِكَاحِهِ غير ثَابِتٍ عِنْدَ الْعَقْدِ فَلَا تُحِلُّهَا إصَابَتُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ زَوْجٍ فإذا نَكَحَهَا مَمْلُوكٌ فَعَتَقَتْ فَاخْتَارَتْ فِرَاقَهُ وقد اصابها أَحَلَّهَا لِأَنَّ عَقْدَهُ كان ثَابِتًا وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ يَنْكِحُهَا الْحُرُّ ثُمَّ يَمْلِكُهَا وَالْحُرَّةُ يَنْكِحُهَا الْعَبْدُ فَتَمْلِكُهُ فَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ في الْحَالَيْنِ وَتُحِلُّهَا إصَابَتُهُ قبل الْفَسْخِ وَكَذَلِكَ الْأَجْذَمُ وَالْأَبْرَصُ وَالْمَجْنُونُ يَنْكِحُ الْمَرْأَةَ فَيُصِيبُهَا تُحِلُّهَا إصَابَتُهُ وَلَوْ اخْتَارَتْ فَسْخَهُ إذَا كانت الْإِصَابَةُ قبل الْفَسْخِ وَلَوْ اصابها أَحَدُ هَؤُلَاءِ قبل اخْتِيَارِهَا لِفَسْخِ نِكَاحِهِ أَحَلَّتْهَا الْإِصَابَةُ لِأَنَّهَا كانت وَهِيَ زَوْجَةٌ وَكَذَلِكَ الزَّوْجَانِ يُصِيبُهَا الزَّوْجُ ثُمَّ يَرْتَدُّ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْإِصَابَةِ تُحِلُّهَا تِلْكَ الْإِصَابَةُ لِأَنَّهُ كان زَوْجَهَا وَلَوْ كانت الْإِصَابَةُ بَعْدَ رِدَّةِ أَحَدِهِمَا أو رِدَّتِهِمَا مَعًا لم تُحِلَّهَا وَلَوْ رَجَعَ الْمُرْتَدُّ مِنْهُمَا إلَى الْإِسْلَامِ بَعْدُ لِأَنَّ الْإِصَابَةَ كانت وَالْمَرْأَةُ مَوْقُوفَةٌ على الْعِدَّةِ مُحَرَّمَةٌ في حَالِهَا تِلْكَ بِكُلِّ حَالٍ عليه وَلَوْ أَصَابَ الْمَرْأَةَ زَوْجُهَا وَهِيَ مُحْرِمَةٌ أو صَائِمَةٌ أو حَائِضٌ او هو مُحْرِمٌ أو صَائِمٌ كان مُسِيئًا وَأَحَلَّهَا ذلك لِزَوْجِهَا الذي طَلَّقَهَا ثَلَاثًا لأنه ( ( ( لأن ) ) ) لَا مُحَرَّمَ عليه من الْمَرْأَةِ في هذه الْحَالِ إلَّا الْجِمَاعُ لِلْعِلَّةِ التي فيه أو فيها وَيَقَعُ عليها ظِهَارُهُ وَإِيلَاؤُهُ وَطَلَاقُهُ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَهُ ما بين الزَّوْجَيْنِ وَيَحِلُّ له يَرَاهَا حَاسِرًا وَلَيْسَ هَكَذَا الزَّوْجَانِ يَرْتَدُّ أَحَدُهُمَا وإذا نَكَحَ الْحُرُّ الْأَمَةَ وهو لَا يَجِدُ طَوْلًا لِحُرَّةٍ وَيَخَافُ الْعَنَتَ فَأَصَابَهَا أَحَلَّهَا ذلك وَلَوْ نَكَحَهَا وهو يَجِدُ طَوْلًا أو لَا يَجِدُ طَوْلًا وَلَا يَخَافُ الْعَنَتَ لم تُحِلَّهَا إصَابَتُهُ وإذا نَكَحَ الرَّجُلُ نِكَاحًا فَاسِدًا بِأَيِّ وَجْهٍ كان فَأَصَابَ لم يُحِلَّهَا ذلك لِزَوْجِهَا وَذَلِكَ أَنْ يَنْكِحَهَا مُتْعَةً أو مُحْرِمَةً أو يَنْكِحَهَا نِكَاحَ شِغَارٍ أو يَنْكِحَهَا بِغَيْرِ وَلِيٍّ أو أَيَّ نِكَاحٍ فَسَخَهُ في عَقْدِهِ لم يُحِلَّهَا الْجِمَاعُ فيه لِأَنَّهُ ليس بِزَوْجٍ وَلَا يَقَعُ عليها طَلَاقُهُ وَلَا ما بين الزَّوْجَيْنِ وَالْعَبْدُ في هذا مِثْلُ الْحُرِّ إلَّا أَنَّ الْعَبْدَ إذَا طَلَّقَ اثْنَتَيْنِ فَقَدْ أتى على جَمِيعِ طَلَاقِهِ وَهُمَا له كَالثَّلَاثِ لِلْحُرِّ وَسَوَاءٌ طَلَّقَ الْحُرُّ ثَلَاثًا في مَقَامٍ أو مُتَفَرِّقَةً لِأَنَّهُ قد جاء على جَمِيعِ طَلَاقِهِ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ في الِاثْنَتَيْنِ وَطَلَاقُ الْحُرِّ لِزَوْجَتِهِ أَمَةً وَحُرَّةً وَكِتَابِيَّةً ثَلَاثٌ وَطَلَاقُ الْعَبْدِ لِزَوْجَتِهِ اثْنَتَانِ الطَّلَاقُ لِلرِّجَالِ وَالْعِدَّةُ على النِّسَاءِ وَلَوْ طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَةً لم يَدْخُلْ بها وَاحِدَةً ثُمَّ أَتْبَعَهَا طَلَاقًا لم يَقَعْ عليها إلَّا الْأُولَى وَإِنْ نَكَحَتْ بَعْدَهُ زَوْجًا وَأَصَابَهَا من نَكَحَهَا فَهِيَ عِنْدَهُ على ما بَقِيَ من الطَّلَاقِ
____________________

(5/249)


- * ما يَهْدِمُهُ الزَّوْجُ من الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ وَاحِدَةً أو اثْنَتَيْنِ فَنَكَحَهَا زَوْجٌ غَيْرُهُ وَأَصَابَهَا ثُمَّ بَانَتْ منه فَنَكَحَهَا الزَّوْجُ الْأَوَّلُ بَعْدَهُ كانت عِنْدَهُ على ما بَقِيَ من طَلَاقِهَا كَهِيَ قبل يُصِيبَهَا زَوْجٌ غَيْرُهُ يَهْدِمُ الزَّوْجُ المصيبها بَعْدَهُ الثَّلَاثَ وَلَا يَهْدِمُ الْوَاحِدَةَ وَالثِّنْتَيْنِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَقَدْ قال غَيْرُك إذَا هَدَمَ الثَّلَاثَ هَدَمَ الْوَاحِدَةَ وَالثِّنْتَيْنِ فَكَيْفَ لم تَقُلْ بِهِ قِيلَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى اسْتِدْلَالًا مَوْجُودًا في حُكْمِ اللَّهِ عز وجل فَإِنْ قال وَأَيْنَ قِيلَ قال اللَّهُ عز وجل { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أو تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } وقال { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ له من بَعْدُ حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى دَلَّ حُكْمُ اللَّهِ عز وجل على الْفَرْقِ بين الْمُطَلَّقَةِ وَاحِدَةً وَاثْنَتَيْنِ وَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا وَذَلِكَ أَنَّهُ أَبَانَ أَنَّ الْمَرْأَةَ يَحِلُّ لِمُطَلِّقِهَا رَجْعَتُهَا من وَاحِدَةٍ وَاثْنَتَيْنِ فإذا طَلُقَتْ ثَلَاثًا حُرِّمَتْ عليه حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فلما لم يَكُنْ لِزَوْجٍ غَيْرِهِ حُكْمٌ يُحِلُّهَا لِمُطَلِّقِهَا وَاحِدَةً وَاثْنَتَيْنِ إلَّا لِأَنَّهَا حَلَالٌ إذَا طَلُقَتْ وَاحِدَةً أو اثْنَتَيْنِ قبل الزَّوْجِ كان مَعْنَى نِكَاحِهِ وَتَرْكِهِ النِّكَاحَ سَوَاءً وَلَمَّا كانت الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا حَرَامًا على مُطَلِّقِهَا الثَّلَاثَ حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَكَانَتْ إنَّمَا تَحِلُّ في حُكْمِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى اسْمُهُ بِنِكَاحِهِ كان له حُكْمٌ بين أنها مُحَرَّمَةٌ حتى يَنْكِحَهَا هذا الزَّوْجُ الْآخَرُ فلم يَجُزْ أَنْ يُقَاسَ ما له حُكْمٌ بِمَا لَا حُكْمَ له وكان أَصْلُ الْأَمْرِ أَنَّ الْمُحَرَّمَ إنَّمَا يَحِلُّ لِلْمَرْءِ بِفِعْلِ نَفْسِهِ كما يُحَرَّمُ عليه الْحَلَالُ بِفِعْلِ نَفْسِهِ فلما حَلَّتْ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا بِزَوْجٍ غَيْرِهِ بَعْدَ مُفَارِقَتِهَا نِسَاءَ أَهْلِ الدُّنْيَا في هذا الْحُكْمِ لم يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ في غَيْرِ الثَّلَاثِ في هذا الْمَعْنَى وكان في معنى ( ( ( المعنى ) ) ) أَنَّهُ لَا يُحِلُّ نِكَاحَهُ لِلزَّوْجِ الْمُطَلِّقِ وَاحِدَةً وَاثْنَتَيْنِ وَلَا يُحَرِّمُ شيئا لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لم تَحْرُمْ فَتَحِلَّ بِهِ وكان هو غير الزَّوْجِ وَلَا يَحِلُّ له شَيْءٌ بِفِعْلِ غَيْرِهِ وَلَا يَكُونُ لِغَيْرِهِ حُكْمٌ في حُكْمِهِ إلَّا حَيْثُ جَعَلَهُ اللَّهُ عز وجل الْمَوْضِعَ الذي جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى مُخَالِفًا لِهَذَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَاسَ عليه خِلَافُهُ فَإِنْ قال فَهَلْ قال هذا أَحَدٌ غَيْرُك قِيلَ نعم
أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن الزُّهْرِيِّ عن حُمَيْدِ بن عبد الرحمن وَعُبَيْدِ اللَّهِ بن عبد اللَّهِ بن عُتْبَةَ وَسُلَيْمَانُ بن يَسَارٍ أَنَّهُمْ سَمِعُوا أَبَا هُرَيْرَةَ يقول سَأَلْت عُمَرَ بن الْخَطَّابِ عن رَجُلٍ من أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً أو تَطْلِيقَتَيْنِ ثُمَّ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ غَيْرُهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا أو مَاتَ عنها ثُمَّ تَزَوَّجَهَا زَوْجُهَا الْأَوَّلُ قال هِيَ عِنْدَهُ على ما بَقِيَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رحمه الله وإذا طَلُقَتْ الْمَرْأَةُ ثَلَاثًا فَنَكَحَتْ زَوْجًا فَادَّعَتْ أَنَّهُ أَصَابَهَا وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ أَحَلَّهَا ذلك الزَّوْجُ لِزَوْجِهَا المطلقها ثَلَاثًا ولم تَأْخُذْ من
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَعَالَى في الْمُطَلَّقَةِ الثَّالِثَةَ { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ له من بَعْدُ حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } فَجَعَلَ حُكْمَ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا مُحَرَّمَةً بِكُلِّ حَالٍ على مُطَلِّقِهَا ثَلَاثًا إلَّا بِأَنْ يُصِيبَهَا زَوْجٌ غَيْرُ مُطَلِّقِهَا فإذا طَلُقَتْ الْمَرْأَةُ ثَلَاثًا فَأَصَابَهَا زَوْجٌ غَيْرُ مُطَلِّقِهَا سَقَطَ حُكْمُ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ وكان لِزَوْجِهَا الذي طَلَّقَهَا ثَلَاثًا إذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا الذي أَصَابَهَا أو مَاتَ عنها أَنْ يَنْكِحَهَا فإذا نَكَحَهَا كان طَلَاقُهُ إيَّاهَا مُبْتَدَأً كَهُوَ حين ابْتَدَأَ نِكَاحَهَا قبل أَنْ يُطَلِّقَهَا لَا يَحْرُمُ عليه نِكَاحُهُ حتى يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا فإذا فَعَلَ عَادَتْ حَرَامًا عليه بِكُلِّ وَجْهٍ حتى يُصِيبَهَا زَوْجٌ غَيْرُهُ ثُمَّ هَكَذَا أَبَدًا كُلَّمَا أتى على طَلَاقِهَا ثَلَاثًا حَرُمَتْ عليه حتى يُصِيبَهَا زَوْجٌ غَيْرُهُ ثُمَّ حَلَّتْ له بَعْدَ إصَابَةِ زَوْجٍ غَيْرِهِ وَسَقَطَ طَلَاقُ الثَّلَاثِ وَكَانَتْ عِنْدَهُ لَا تَحْرُمُ عليه حتى يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا وإذا هَدَمَ الزَّوْجُ طَلَاقَ الثَّلَاثِ كُلَّهُ فَكَذَلِكَ إنْ كان آلَى منها في مِلْكٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا سَقَطَ الْإِيلَاءُ حتى لَا يَكُونَ له بِهِ طَلَاقٌ ابدا إذَا تَنَاكَحَا وإذا أَصَابَهَا الزَّوْجُ الذي آلَى منها في مِلْكِ نِكَاحٍ بَعْدَ زَوْجٍ كَفَّرَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ وَإِنْ لم يُصِبْهَا لم يُوقَفْ وَقْفَ الْإِيلَاءِ - * ما يَهْدِمُ الزَّوْجُ من الطَّلَاقِ وما لَا يَهْدِمُ - *

(5/250)


الذي أَنْكَرَ إصَابَتَهَا إلَّا نِصْفًا تُصَدَّقُ على ما تَحِلُّ بِهِ وَلَا تُصَدَّقُ على ما تَأْخُذُ من مَالِ زَوْجِهَا وَهَكَذَا لو لم يَعْلَمْ الزَّوْجُ الذي يُطَلِّقُهَا ثَلَاثًا أنها نَكَحَتْ فَذَكَرَتْ أنها نَكَحَتْ نِكَاحًا صَحِيحًا وَأُصِيبَتْ حَلَّتْ له إذَا جَاءَتْ عليها مُدَّةٌ يُمْكِنُ فيها انْقِضَاءُ عِدَّتَهَا منه وَمِنْ الزَّوْجِ الذي ذَكَرَتْ أَنَّهُ أَصَابَهَا وَلَوْ كَذَّبَهَا في هذا كُلِّهِ ثُمَّ صَدَّقَهَا كان له نِكَاحُهَا وَالْوَرَعُ أَنْ لَا يَفْعَلَ إذَا وَقَعَ في نَفْسِهِ أنها كَاذِبَةٌ حتى يَجِدَ ما يَدُلُّ على صِدْقِهَا وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا شَكَّ في طَلَاقِ امْرَأَتِهِ فلم يَدْرِ أَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً أو اثْنَتَيْنِ أو ثَلَاثًا فَنَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ فاصابها ثُمَّ طَلَّقَهَا فَنَكَحَهَا الزَّوْجُ الْأَوَّلُ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً أو اثْنَتَيْنِ فقالت قد أتى على جَمِيعِ طَلَاقِي لِأَنَّهُ لم يُطَلِّقْنِي إلَّا وَاحِدَةً أو اثْنَتَيْنِ قبل نِكَاحِي الزَّوْجَ الاخر الذي نَكَحَنِي بَعْدَ فِرَاقِك أو قَالَهُ بَعْضُ أَهْلِهَا ولم تَقُلْهُ وَأَقَرَّ الزَّوْجُ بِأَنَّهُ لم يَدْرِ أَطَلَّقَهَا قبل نِكَاحِهَا الزَّوْجَ الْآخَرَ وَاحِدَةً أو اثْنَتَيْنِ أو ثَلَاثًا قِيلَ له هِيَ عِنْدَك على ما بَقِيَ من الطَّلَاقِ فَإِنْ اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ طَلَّقَهَا قبل نِكَاحِهَا الزَّوْجَ وَاحِدَةً فَطَلَّقَهَا في هذا الْمِلْكِ وَاحِدَةً أو اثْنَتَيْنِ بَنَى على الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ فإذا اسْتَكْمَلَتْ ثَلَاثًا بِالطَّلَاقِ الذي قبل الزَّوْجِ وَالطَّلَاقِ الذي بَعْدَهُ فَقَدْ حَرُمَتْ عليه حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَأَجْعَلُهَا تَعْتَدُّ في الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ ما يُسْتَيْقَنُ وَتَطْرَحُ ما يُشَكُّ فيه وَلَوْ قال بَعْدَ ما قال أَشُكُّ في ثَلَاثٍ أنا أَسْتَيْقِنُ أَنِّي طَلَّقْتهَا قبل الزَّوْجِ ثَلَاثًا أُحْلِفَ على ذلك وكان الْقَوْلُ قَوْلَهُ - * من يَقَعُ عليه الطَّلَاقُ من النِّسَاءِ - * قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ } وقال { إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } وقال عز وجل { لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ من نِسَائِهِمْ } وقال { الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ من نِسَائِهِمْ } وقال { وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ } وقال عز وجل { وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ } مع ما ذَكَرَ بِهِ الْأَزْوَاجَ ولم أَعْلَمْ مُخَالِفًا في أَنَّ أَحْكَامَ اللَّهِ تَعَالَى في الطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ لَا تَقَعُ إلَّا على زَوْجَةٍ ثَابِتَةِ النِّكَاحِ يَحِلُّ لِلزَّوْجِ جِمَاعُهَا وما يَحِلُّ لِلزَّوْجِ من امْرَأَتِهِ إلَّا أَنَّهُ مُحَرَّمُ الْجِمَاعِ في الْإِحْرَامِ وَالْمَحِيضِ وما أَشْبَهَ ذلك حتى يَنْقَضِيَ وَلَا يَحْرُمُ أَنْ يَنْظُرَ منها إلَى ما لَا يَنْظُرُ إلَيْهِ غَيْرُهُ ولم أَعْلَمْ مُخَالِفًا في أَنَّ الْمِيرَاثَ بين الزَّوْجَيْنِ لَا يَكُونُ إلَّا في نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَأَنْ يَكُونَ دِينَا الزَّوْجَيْنِ غير مُخْتَلِفَيْنِ وَيَكُونَا حُرَّيْنِ فَكُلُّ نِكَاحٍ كان ثَابِتًا وَقَعَ فيه الطَّلَاقُ وَكُلُّ من وَقَعَ عليه الطَّلَاقُ من الْأَزْوَاجِ وَقَعَ عليه الظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ وَكَيْفَمَا كان الزَّوْجَانِ حُرَّيْنِ أو عَبْدَيْنِ أو أَحَدُهُمَا حُرٌّ وَالْآخَرُ عَبْدٌ أو مُكَاتَبٌ أو مُدَبَّرٌ أو لم تَكْمُلْ فيه الْحُرِّيَّةُ وَيَحِلُّ لِأَيِّ زَوْجٍ وَزَوْجَةٍ وَيَقَعُ الْمِيرَاثُ بين كل حُرَّيْنِ من الْأَزْوَاجِ مُجْتَمِعَيْ الدِّينِ فَكُلُّ اسْمِ نِكَاحٍ كان فَاسِدًا لم يَقَعْ فيه شَيْءٌ من هذا لَا طَلَاقٌ وَلَا غَيْرُهُ لِأَنَّ هَذَيْنِ لَيْسَا من الْأَزْوَاجِ وَجَمِيعُ ما قُلْنَا أَنَّ نِكَاحَهُ مَفْسُوخٌ من نِكَاحِ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَلَا سُلْطَانٍ أو أَنْ يُنْكِحَهَا وَلِيٌّ بِغَيْرِ رِضَاهَا رَضِيَتْ بَعْدُ أو لم تَرْضَ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ لَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ لو كان هو الزَّوْجَ ولم تَرْضَ لم يَكُنْ زَوْجًا بِذَلِكَ النِّكَاحِ وَإِنْ رضي وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ لم تَبْلُغْ يُزَوِّجُهَا غَيْرُ أَبِيهَا وَالصَّبِيُّ لم يَبْلُغْ يُزَوِّجُهُ غَيْرُ أبيه وَكَذَلِكَ نِكَاحُ الْمُتْعَةِ وما كان في مَعْنَاهُ وَنِكَاحُ الْمُحْرِمِ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يَنْكِحُ أُخْتَ امْرَأَتِهِ وَأُخْتُهَا عِنْدَهُ أو خَامِسَةً وَالْعَبْدُ لم تَكْمُلْ فيه الْحُرِّيَّةُ يَنْكِحُ ثَالِثَةً وَالْحُرُّ يَجِدُ الطَّوْلَ فَيَنْكِحُ أَمَةً وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ يَنْكِحَانِ أَمَةً كِتَابِيَّةً وما كان في هذا الْمَعْنَى مِمَّا يُفْسَخُ نِكَاحُهُ وما كان اصل نِكَاحِهِ ثَابِتًا فَهُوَ يَتَفَرَّقُ بِمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا هَكَذَا لَا يُخَالِفُهُ وَذَلِكَ الرَّجُلُ الْحُرُّ لَا يَجِدُ طَوْلًا فَيَنْكِحُ أَمَةً ثُمَّ يَمْلِكُهَا فإذا تَمَّ له مِلْكُهَا فَسَدَ النِّكَاحُ ولم يَقَعْ عليها شَيْءٌ مِمَّا يَقَعُ على الْأَزْوَاجِ من طَلَاقٍ وَلَا غَيْرِهِ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عز وجل يقول { وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلَّا على أَزْوَاجِهِمْ أو ما مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } فلم يَحِلَّ الْجِمَاعُ إلَّا بِنِكَاحٍ أو مِلْكٍ وَحُكْمُ أَنْ يَقَعَ في النِّكَاحِ ما وَصَفْنَا من طَلَاقٍ يُحَرَّمُ بِهِ الْحَلَالُ من النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ وَحَكَمَ في الْمِلْكِ بِأَنْ يَقَعَ من الْمَالِكِ فيه الْعِتْقُ==

  مجلد 12.الأم للشافعي
محمد بن إدريس الشافعي أبو عبد الله
سنة الولادة 150/ سنة الوفاة 204

فَيَحْرُمُ بِهِ الْوَطْءُ بِالْمِلْكِ وَفَرَّقَ بين إحْلَالِهِمَا وَتَحْرِيمِهِمَا فلم يَجُزْ أَنْ يُوطَأَ الْفَرْجُ إلَّا بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فلما مَلَكَ امْرَأَتَهُ فَحَالَتْ عن النِّكَاحِ إلَى الْمِلْكِ انْفَسَخَ النِّكَاحُ ( قال الرَّبِيعُ ) يُرِيدُ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ امْرَأَتَهُ وهو يَمْلِكُهَا أو بَعْضَهَا حتى يَكُونَ مِلْكٌ وَحْدَهُ بِكَمَالِهِ أو التَّزْوِيجُ وَحْدَهُ بِكَمَالِهِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أَمَّا الرَّجُلُ يَزْنِي بِامْرَأَةِ أبيه أو امْرَأَةِ ابْنِهِ فَلَا تَحْرُمُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا على زَوْجِهَا بِمَعْصِيَةِ الْآخَرِ فيها وَمَنْ حَرَّمَهَا على زَوْجِهَا بهذا أَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ خَالَفَ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل جَعَلَ التَّحْرِيمَ بِالطَّلَاقِ إلَى الْأَزْوَاجِ فَجَعَلَ هذا إلَى غَيْرِ الزَّوْجِ أَنْ يُحَرِّمَ عليه امْرَأَتَهُ أو إلَى الْمَرْأَةِ نَفْسِهَا أَنْ تُحَرِّمَ نَفْسَهَا على زَوْجِهَا وَكَذَلِكَ الزَّوْجُ يَزْنِي بِأُمِّ امْرَأَتِهِ أو بِنْتِهَا لَا تَحْرُمُ عليه امْرَأَتُهُ وَمَنْ حَرَّمَ عليه أَشْبَهَ أَنْ يَدْخُلَ عليه أَنْ يُخَالِفَ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى في أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَهَا على زَوْجِهَا بِطَلَاقِهِ إيَّاهَا فَزَنَى زَوْجُهَا بِأُمِّهَا فلم يَكُنْ الزنى طَلَاقًا لها وَلَا فِعْلًا يَكُونُ في حُكْمِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَلَا في سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم تَحْرِيمًا لها وكان فِعْلًا كما وَصَفْت وَقَعَ على غَيْرِهَا فَحَرُمَتْ بِهِ فقال قَوْلًا مُخَالِفًا لِلْكِتَابِ مُحَالًا بِأَنْ يَكُونَ فِعْلُ الزَّوْجِ وَقَعَ على غَيْرِهَا فَحَرُمَتْ بِهِ امْرَأَتُهُ عليه وَذَكَرَ اللَّهُ عز وجل ما مَنَّ بِهِ على الْعِبَادِ فقال { فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا } فَحَرَّمَ بِالنَّسَبِ الْأُمَّهَاتِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ وَمَنْ سَمَّى وَحَرَّمَ بِالصِّهْرِ ما نَكَحَ الْآبَاءُ وَأُمَّهَاتِ النِّسَاءِ وَبَنَاتِ الْمَدْخُولِ بِهِنَّ مِنْهُنَّ فَكَانَ تَحْرِيمُهُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَكَذَلِكَ إذَا مَلَكَ منها شِقْصًا وَإِنْ قَلَّ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ من أَنْ تَكُونَ زَوْجَتَهُ لو قَذَفَهَا ولم تَحِلَّ له بِالْمِلْكِ حتى يَسْتَكْمِلَ مِلْكَهَا وَهَكَذَا الْمَرْأَةُ تَمْلِكُ زَوْجَهَا وَلَا يَخْتَلِفُ الْمِلْكُ بين الزَّوْجَيْنِ بِأَيِّ وَجْهٍ ما كان الْمِلْكُ مِيرَاثًا أو هِبَةً أو صَدَقَةً أو غير ذلك وَهَكَذَا الْبَيْعُ إذَا تَمَّ كُلُّهُ وَتَمَامُ الْمِيرَاثِ أَنْ يَمُوتَ الْمَوْرُوثُ قَبَضَهُ الْوَارِثُ أو لم يَقْبِضْهُ قَبِلَهُ أو لم يَقْبَلْهُ لِأَنَّهُ ليس له رَدُّهُ وَتَمَامُ الْهِبَةِ أو الصَّدَقَةِ أَنْ يَقْبَلَهَا الْمَوْهُوبُ له وَالْمُصَدَّقُ عليه وَيَقْبِضَهَا وَتَمَامُ الْوَصِيَّةُ أَنْ يَقْبَلَهَا الْمُوصَى له وَإِنْ لم يَقْبِضْهَا وَتَمَامُ الْبَيْعِ أَنْ لَا يَكُونَ فيه شَرْطٌ حتى يَتَفَرَّقَا عن مَقَامِهِمَا الذي تَبَايَعَا فيه وما لم يَتِمَّ الْبَيْعُ وَالصَّدَقَةُ وَالْهِبَةُ فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا وُهِبَتْ له امْرَأَتُهُ أو اشْتَرَاهَا أو تُصُدِّقَ بها عليه فلم يَقْبِضْ الْمَوْهُوبُ له وَلَا الْمُصَدَّقُ عليه ولم يُفَارِقْ الْبَيِّعَانِ مَقَامَهُمَا الذي تَبَايَعَا فيه ولم يُخَيِّرْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ فَيَخْتَارُ الْبَيْعَ لم يَكُنْ له أَنْ يَطَأَ امْرَأَتَهُ بِالنِّكَاحِ لِأَنَّ له فيها شُبَهًا بِمِلْكٍ حتى يَرُدَّ الْمِلْكَ فَتَكُونَ زَوْجَتَهُ بِحَالِهَا أو يُتِمَّ الْمِلْكَ فَيَنْفَسِخَ النِّكَاحُ وَيَكُونَ له الْوَطْءُ بِالْمِلْكِ وإذا طَلَّقَهَا في حَالِ الْوَقْفِ أو تَظَاهَرَ أو آلَى منها وُقِفَ ذلك فَإِنْ رَدَّ الْمِلْكَ وَقَعَ عليها الطَّلَاقُ وَالْإِيلَاءُ وما يَقَعُ بين الزَّوْجَيْنِ ( 1 ) وَإِنْ لم يَتِمَّ مِلْكُهُ فيها بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ من الصَّدَقَةِ أو الْهِبَةِ أو الْبَيْعِ سَقَطَ ذلك كُلُّهُ عنه لِأَنَّا عَلِمْنَا حين تَمَّ الْبَيْعُ أنها غَيْرُ زَوْجَةٍ حين أَوْقَعَ ذلك عليها فإذا عَتَقَتْ الْأَمَةُ عِنْدَ الْعَبْدِ فَلَهَا الْخِيَارُ فَإِنْ أَوْقَعَ عليها الطَّلَاقَ بَعْدَ الْعِتْقِ قبل الْخِيَارِ فَالطَّلَاقُ مَوْقُوفٌ فَإِنْ ثَبَتَتْ عِنْدَهُ وَقَعَ وَإِنْ فَسَخَتْ النِّكَاحَ سَقَطَ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الزَّوْجَانِ مُشْرِكَيْنِ وَثَنِيَّيْنِ فَيُسْلِمُ الزَّوْجُ أو الزَّوْجَةُ فَيَكُونُ النِّكَاحُ مَوْقُوفًا على الْعِدَّةِ فَإِنْ أَسْلَمَ الْمُتَخَلِّفُ عن الْإِسْلَامِ مِنْهُمَا كان النِّكَاحُ ثَابِتًا وَإِنْ لم يُسْلِمْ حتى تَمْضِيَ الْعِدَّةُ كان النِّكَاحُ مَفْسُوخًا وما أَوْقَعَ الزَّوْجُ في هذه الْحَالِ على امْرَأَتِهِ من طَلَاقٍ أو ما يَقَعُ بين الزَّوْجَيْنِ فَهُوَ مَوْقُوفٌ فَإِنْ ثَبَتَ النِّكَاحُ بِإِسْلَامِ الْمُتَخَلِّفِ مِنْهُمَا وَقَعَ وَإِنْ انْفَسَخَ النِّكَاحُ بِأَنْ لم يُسْلِمْ الْمُتَخَلِّفُ عن الْإِسْلَامِ مِنْهُمَا سَقَطَ وَكُلُّ نِكَاحٍ أَبَدًا يَفْسُدُ من حَادِثٍ من وَاحِدٍ من الزَّوْجَيْنِ أو حَادِثٍ في وَاحِدٍ مِنْهُمَا ليس بِطَلَاقٍ من الزَّوْجِ فَهُوَ فَسْخٌ بِلَا طَلَاقٍ - * الْخِلَافُ فِيمَا يَحْرُمُ بالزنى - *

(5/252)


بِأَنَّهُ جَعَلَهُ لِلْمُحَرَّمَاتِ على من حَرَّمَ عليه حَقًّا ليس لِغَيْرِهِنَّ عَلَيْهِنَّ وكان ذلك مَنَّا منه بِمَا رضي من حَلَالِهِ وكان من حُرِّمْنَ عليه لَهُنَّ مَحْرَمًا يَخْلُو بِهِنَّ وَيُسَافِرُ وَيَرَى مِنْهُنَّ ما لَا يَرَى غَيْرُ الْمَحْرَمِ وَإِنَّمَا كان التَّحْرِيمُ لَهُنَّ رَحْمَةً لَهُنَّ وَلِمَنْ حَرُمْنَ عليه وَمَنًّا عَلَيْهِنَّ وَعَلَيْهِمْ لَا عُقُوبَةً لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا تَكُونُ الْعُقُوبَةُ فِيمَا رضي وَمَنْ حَرَّمَ بالزنى الذي وَعَدَ اللَّهُ عليه النَّارَ وَحَدَّ عليه فَاعِلَهُ وَقَرَنَهُ مع الشِّرْكِ بِهِ وَقَتْلِ النَّفْسِ التي حَرَّمَ اللَّهُ أَحَالَ الْعُقُوبَةَ إلَى أَنْ جَعَلَهَا مَوْضِعَ رَحْمَةٍ فَمَنْ دخل عليه خِلَافُ الْكِتَابِ فِيمَا وَصَفْت وفي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حين حَكَمَ الْأَحْكَامَ بين الزَّوْجَيْنِ من اللِّعَانِ وَالظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ وَالطَّلَاقِ وَالْمِيرَاثِ كان عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ على النِّكَاحِ الصَّحِيحِ فإذا زَعَمْنَا أَنَّ الذي أَرَادَ اللَّهُ عز وجل بِأَحْكَامِهِ في النِّكَاحِ ما صَحَّ وَحَلَّ فَكَيْفَ جَازَ له أَنْ يُحَرِّمَ بالزنى وهو حَرَامٌ غَيْرُ نِكَاحٍ وَلَا شُبْهَةٍ - * من لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ من الْأَزْوَاجِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَنْ شَرِبَ خَمْرًا أو نَبِيذًا فَأَسْكَرَهُ فَطَلَّقَ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ وَالْحُدُودُ كُلُّهَا وَالْفَرَائِضُ وَلَا تَسْقُطُ الْمَعْصِيَةُ بِشُرْبِ الْخَمْرِ وَالْمَعْصِيَةُ بِالسُّكْرِ من النَّبِيذِ عنه فَرْضًا وَلَا طَلَاقًا فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَذَا مَغْلُوبٌ على عَقْلِهِ وَالْمَرِيضُ وَالْمَجْنُونُ مَغْلُوبٌ على عَقْلِهِ قِيلَ الْمَرِيضُ مَأْجُورٌ وَمُكَفَّرٌ عنه بِالْمَرَضِ مَرْفُوعٌ عنه الْقَلَمُ إذَا ذَهَبَ عَقْلُهُ وَهَذَا آثِمٌ مَضْرُوبٌ على السُّكْرِ غَيْرُ مَرْفُوعٍ عنه الْقَلَمُ فَكَيْفَ يُقَاسُ من عليه الْعِقَابُ بِمَنْ له الثَّوَابُ وَالصَّلَاةُ مَرْفُوعَةٌ عَمَّنْ غُلِبَ على عَقْلِهِ وَلَا تُرْفَعُ عن السَّكْرَانِ وَكَذَلِكَ الْفَرَائِضُ من حَجٍّ أو صِيَامٍ إو غَيْرِ ذلك
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقَعُ طَلَاقُ من لَزِمَهُ فَرْضُ الصَّلَاةِ وَالْحُدُودِ وَذَلِكَ كُلُّ بَالِغٍ من الرِّجَالِ غَيْرُ مَغْلُوبٍ على عَقْلِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا خُوطِبَ بِالْفَرَائِضِ من بَلَغَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { وإذا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمْ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا } ولقول ( ( ( ويقول ) ) ) اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حتى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ منهم رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } وَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَجَازَ بن عُمَرَ في الْقِتَالِ بن خَمْسَ عَشْرَةَ وَرَدَّهُ بن اربع عَشْرَةَ وَمَنْ غُلِبَ على عَقْلِهِ بِفِطْرَةِ خِلْقَةٍ أو حَادِثِ عِلَّةٍ لم يَكُنْ سَبَبًا لِاجْتِلَابِهَا على نَفْسِهِ بِمَعْصِيَةٍ لم يَلْزَمْهُ الطَّلَاقُ وَلَا الصَّلَاةُ وَلَا الْحُدُودُ وَذَلِكَ مِثْلُ الْمَعْتُوهِ وَالْمَجْنُونِ وَالْمُوَسْوَسِ وَالْمُبَرْسَمِ وَكُلِّ ذِي مَرَضٍ يَغْلِبُ على عَقْلِهِ ما كان مَغْلُوبًا على عَقْلِهِ فإذا ثَابَ إلَيْهِ عَقْلُهُ فَطَلَّقَ في حَالِهِ تِلْكَ أو أتى حَدًّا أُقِيمَ عليه وَلَزِمَتْهُ الْفَرَائِضُ وَكَذَلِكَ الْمَجْنُونُ يُجَنُّ وَيُفِيقُ فإذا طَلَّقَ في حَالِ جُنُونِهِ لم يَلْزَمْهُ وإذا طَلَّقَ في حَالِ إفَاقَتِهِ لَزِمَهُ وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ على رَجُلٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فقال طَلَّقْت في حَالِ جُنُونِي أو مَرَضٍ غَالِبٍ على عَقْلِي فَإِنْ قَامَتْ له بَيِّنَةٌ على مَرَضٍ غَلَبَ على عَقْلِهِ في الْوَقْتِ الذي طَلَّقَ فيه سَقَطَ طَلَاقُهُ وَأُحْلِفَ ما طَلَّقَ وهو يَعْقِلُ وَإِنْ قالت امْرَأَتُهُ قد كان في يَوْمِ كَذَا في أَوَّلِ النَّهَارِ مَغْلُوبًا على عَقْلِهِ وَشَهِدَ الشَّاهِدَانِ على الطَّلَاقِ فَأَثْبَتَا أَنَّهُ كان يَعْقِلُ حين طَلَّقَ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ قد يَغْلِبُ على عَقْلِهِ في الْيَوْمِ وَيُفِيقُ وفي السَّاعَةِ وَيُفِيقُ وَإِنْ لم يُثْبِتْ شَاهِدَا الطَّلَاقِ أَنَّهُ كان يَعْقِلُ حين طَلَّقَ أو شَهِدَ الشَّاهِدَانِ على الطَّلَاقِ وَعَرَفَ أنه قد كان في ذلك الْيَوْمِ مَغْلُوبًا على عَقْلِهِ أُحْلِفَ ما طَلَّقَ وهو يَعْقِلُ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَا عليه بِالطَّلَاقِ ولم يُثْبِتَا أَيَعْقِلُ أَمْ لَا وقال هو كُنْت مَغْلُوبًا على عَقْلِي فَهُوَ على أَنَّهُ يَعْقِلُ حتى يُعْلَمَ بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ أَنَّهُ قد كان في مِثْلِ ذلك الْوَقْتِ يُصِيبُهُ ما يُذْهِبُ عَقْلَهُ أو يَكْثُرُ أَنْ يَعْتَرِيَهُ ما يُذْهِبُ عَقْلَهُ في الْيَوْمِ وَالْأَيَّامِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ له سَبَبًا يَدُلُّ على صِدْقِهِ - * طَلَاقُ السَّكْرَانِ - *

(5/253)


وَمَنْ شَرِبَ بَنْجًا أو حِرِّيفًا أو مُرَقِّدًا لِيَتَعَالَجَ بِهِ من مَرَضٍ فَأَذْهَبَ عَقْلَهُ فَطَلَّقَ لم يَلْزَمْهُ الطَّلَاقُ من قِبَلِ أَنْ ليس في شَيْءٍ من هذا أَنْ نَضْرِبَهُمْ على شُرْبِهِ في كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا إجْمَاعٍ فإذا كان هَكَذَا كان جَائِزًا أَنْ يُؤْخَذَ الشَّيْءُ منه لِلْمَنْفَعَةِ لَا لِقَتْلِ النَّفْسِ وَلَا إذْهَابِ الْعَقْلِ فَإِنْ جاء منه قَتْلُ نَفْسٍ أو إذْهَابُ عَقْلٍ كان كَالْمَرِيضِ يَمْرَضُ من طَعَامٍ وَغَيْرِهِ وَأَجْدَرُ أَنْ لَا يَأْثَمَ صَاحِبُهُ بِأَنَّهُ لم يُرِدْ وَاحِدًا مِنْهُمَا كما يَكُونُ جَائِزًا له بَطُّ الْجُرْحِ وَفَتْحُ الْعِرْقِ وَالْحِجَامَةُ وَقَطْعُ الْعُضْوِ رَجَاءَ الْمَنْفَعَةِ وقد يَكُونُ من بَعْضِ ذلك سَبَبُ التَّلَفِ وَلَكِنَّ الْأَغْلَبَ السَّلَامَةُ وَأَنْ ليس يُرَادُ ذلك لِذَهَابِ الْعَقْلِ وَلَا لِلتَّلَذُّذِ بِالْمَعْصِيَةِ - * طَلَاقُ الْمَرِيضِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ غير أَنِّي أَيَّمَا قُلْت فَإِنِّي أَقُولُ لَا تَرِثُ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا إذَا طَلَّقَهَا مَرِيضًا طَلَاقًا لَا يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَنَكَحَتْ لِأَنَّ حَدِيثَ بن الزُّبَيْرِ مُتَّصِلٌ وهو يقول وَرَّثَهَا عُثْمَانُ في الْعِدَّةِ وَحَدِيثُ بن شِهَابٍ مُنْقَطِعٌ وَأَيَّهمَا قُلْت فَإِنْ صَحَّ بَعْدَ الطَّلَاقِ سَاعَةً ثُمَّ مَاتَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَلَّكَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَزْوَاجَ الطَّلَاقَ فَمَنْ طَلَّقَ من الْأَزْوَاجِ وهو بَالِغٌ غَيْرُ مَغْلُوبٍ على عَقْلِهِ جَازَ طَلَاقُهُ لِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ لِامْرَأَتِهِ بَعْدَ أَنْ كانت حَلَالًا له فَسَوَاءٌ كان صَحِيحًا حين يُطَلِّقُ أو مَرِيضًا فَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ فَإِنْ طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا أو تَطْلِيقَةً لم يَبْقَ له عليها من الطَّلَاقِ غَيْرُهَا أو لَاعَنَهَا وهو مَرِيضٌ فَحُكْمُهُ في وُقُوعِ ذلك على الزَّوْجَةِ وَتَحْرِيمِهَا عليه حُكْمُ الصَّحِيحِ وَكَذَلِكَ إنْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً ولم يَدْخُلْ بها وَكَذَلِكَ كُلُّ فُرْقَةٍ وَقَعَتْ بَيْنَهُمَا ليس لِلزَّوْجِ عليها فيها رَجْعَةٌ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَإِنْ لم يَصِحَّ الزَّوْجُ حتى مَاتَ فَقَدْ اخْتَلَفَ في ذلك أَصْحَابُنَا فمنهم ( ( ( منهم ) ) ) من قال لَا تَرِثُهُ وَذَهَبَ إلَى أَنَّ حُكْمَ الطَّلَاقِ إذَا كان في الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ سَوَاءٌ فإن الطَّلَاقَ يَقَعُ على الزَّوْجَةِ وَإِنَّ الزَّوْجَ لَا يَرِثُ الْمَرْأَةَ لو مَاتَتْ فَكَذَلِكَ لَا تَرِثُهُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ إنَّمَا وَرَّثَ الزَّوْجَةَ من الزَّوْجِ وَالزَّوْجَ من الزَّوْجَةِ ما كَانَا زَوْجَيْنِ وَهَذَانِ لَيْسَا بِزَوْجَيْنِ وَلَا يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا فَتَكُونُ في مَعَانِي الْأَزْوَاجِ فَتَرِثُ وَتُورَثُ وَذَهَبَ إلَى أَنَّ على الزَّوْجَةِ أَنْ تَعْتَدَّ من الْوَفَاةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَهَذِهِ لَا تَعْتَدُّ من الْوَفَاةِ وَإِلَى أَنَّ الزَّوْجَةَ إذَا كانت وَارِثَةً إنْ مَاتَ زَوْجُهَا كانت مَوْرُوثَةً إنْ مَاتَتْ قَبْلَهُ وَهَذِهِ لَا يَرِثُهَا الزَّوْجُ وَذَهَبَ إلَى أَنَّ الزَّوْجَةَ تُغَسِّلُ الزَّوْجَ وَيُغَسِّلُهَا وَهَذِهِ لَا تُغَسِّلُهُ وَلَا يُغَسِّلُهَا وَإِلَى أنه يَنْكِحَ أُخْتَهَا وَأَرْبَعًا سِوَاهَا وَكُلُّ هذا يُبَيِّنُ أَنْ لَيْسَتْ زَوْجَةً وَمَنْ قال هذا فَلَيْسَتْ عليه مَسْأَلَةٌ صَحَّ الزَّوْجُ بَعْدَ الطَّلَاقِ أو لم يَصِحَّ أو نَكَحَتْ الزَّوْجَةُ أو لم تَنْكِحْ ولم يُوَرِّثْهَا منه إذَا لم يَكُنْ له عليها رَجْعَةٌ وَلَا هو منها وَلَوْ طَلَّقَهَا سَاعَةَ يَمُوتُ أو قال أَنْتِ طَالِقٌ قبل مَوْتِي بِطَرْفَةِ عَيْنٍ أو بِيَوْمٍ ثَلَاثًا لم تَرِثْ في هذا الْقَوْلِ بِحَالٍ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بن أبي رَوَّادٍ وَمُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن بن جُرَيْجٍ قال أخبرني بن أبي مُلَيْكَةَ أَنَّهُ سَأَلَ بن الزُّبَيْرِ عن الرَّجُلِ يُطَلِّقُ الْمَرْأَةَ فَيَبُتُّهَا ثُمَّ يَمُوتُ وَهِيَ في عِدَّتِهَا فقال عبد اللَّهِ بن الزُّبَيْرِ طَلَّقَ عبد الرحمن بن عَوْفٍ تُمَاضِرَ بِنْتَ الْأَصْبَغِ الْكَلْبِيَّةَ فَبَتَّهَا ثُمَّ مَاتَ عنها وَهِيَ في عِدَّتِهَا فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ قال بن الزُّبَيْرِ وَأَمَّا أنا فَلَا أَرَى أَنْ تَرِثَ مَبْتُوتَةٌ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن طَلْحَةَ بن عبد اللَّهِ بن عَوْفٍ قال وكان أَعْلَمَهُمْ بِذَلِكَ وَعَنْ أبي سَلَمَةَ بن عبد الرحمن أَنَّ عَبْدَ الرحمن بن عَوْفٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ البتة وهو مَرِيضٌ فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ منه بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إلَى أَنْ يُوَرِّثَ الْمَرْأَةَ وَإِنْ لم يَكُنْ لِلزَّوْجِ عليها رَجْعَةٌ إذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ وهو مَرِيضٌ وإذا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا قبل مَوْتِهِ وقال بَعْضُهُمْ وَإِنْ نَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ وقال غَيْرُهُمْ تَرِثُهُ ما امْتَنَعَتْ من الْأَزْوَاجِ وقال بَعْضُهُمْ تَرِثُهُ ما كانت في الْعِدَّةِ فإذا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ لم تَرِثْهُ وَهَذَا مِمَّا أَسْتَخِيرُ اللَّهَ عز وجل فيه ( قال الرَّبِيعُ ) وقد اسْتَخَارَ اللَّهَ تَعَالَى فيه فقال لَا تَرِثُ الْمَبْتُوتَةُ

(5/254)


لم تَرِثْهُ وَإِنْ طَلَّقَهَا قبل أَنْ يَمَسَّهَا فَأَيَّهمَا قُلْت فَلَهَا نِصْفُ ما سَمَّى لها إنْ كان سَمَّى لها شيئا وَلَهَا الْمُتْعَةُ إنْ لم يَكُنْ سَمَّى لها شيئا وَلَا عِدَّةَ عليها من طَلَاقٍ وَلَا وَفَاةٍ وَلَا تَرِثُهُ لِأَنَّهَا لَا عِدَّةَ عليها وَأَيَّهمَا قُلْت فَلَوْ طَلَّقَهَا وقد أَصَابَهَا وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ أو كَافِرَةٌ وهو مُسْلِمٌ طَلَاقًا لَا يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ ثُمَّ أَسْلَمَتْ هذه وَعَتَقَتْ هذه ثُمَّ مَاتَ مَكَانَهُ لم تَرِثَاهُ لِأَنَّهُ طَلَّقَهَا وَلَا مَعْنَى لِفِرَارِهِ من مِيرَاثِهَا وَلَوْ مَاتَ في حَالِهِ تِلْكَ لم تَرِثَاهُ وَلَوْ كان طَلَاقُهُ يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ ثُمَّ عَتَقَتْ هذه وَأَسْلَمَتْ هذه ثُمَّ مَاتَ وَهُمَا في الْعِدَّةِ وَرِثَتَاهُ وَإِنْ مَضَتْ الْعِدَّةُ لم تَرِثَاهُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ كان وَهُمَا غَيْرُ وَارِثَيْنِ لو مَاتَ وَهُمَا في حَالِهِمَا تِلْكَ وَإِنْ كَانَتَا من الْأَزْوَاجِ وإذا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وهو مَرِيضٌ طَلَاقًا يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا لم تَرِثْ في قَوْلِ من ذَهَبَ إلَى قَوْلِ بن الزُّبَيْرِ لِأَنَّ من ذَهَبَ إلَيْهِ نَظَرَ إلَيْهِ حين يَمُوتُ فَإِنْ كانت من الْأَزْوَاجِ أو في مَعَانِي الْأَزْوَاجِ من الْمُطَلَّقَاتِ اللَّاتِي عَلَيْهِنَّ الرَّجْعَةُ وَهُنَّ في عِدَّتِهِنَّ وَرِثَهَا وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَتْ وَرِثَهَا الزَّوْجُ وَإِنْ لم يَكُنْ عليها عِدَّةٌ لم يُوَرِّثْهَا لِأَنَّهَا خَارِجَةٌ من الْأَزْوَاجِ وَمَعَانِيهِنَّ وفي قَوْلِ من ذَهَبَ إلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ تَرِثُهُ ما لم تَنْقَضِ عِدَّتُهَا وَإِنْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا صَحِيحًا لَا يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ ثُمَّ صَحَّ ثُمَّ مَرِضَ فَمَاتَ لم تَرِثْهُ وَإِنْ كانت في الْعِدَّةِ لِأَنَّهُ قد صَحَّ فَلَوْ ابْتَدَأَ طَلَاقَهَا في ذلك الْوَقْتِ لم تَرِثْهُ وَإِنْ كان يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فَمَاتَ في الْعِدَّةِ وَرِثَتْهُ * وَالْمَرَضُ الذي يُمْنَعُ صَاحِبُهُ فيه من الْهِبَةِ وَإِتْلَافِ مَالِهِ إلَّا في الثُّلُثِ إنْ مَاتَ وَيُوَرَّثُ منه من يُوَرَّثُ إذَا طَلَّقَ مَرِيضًا كُلَّ مَرَضٍ مَخُوفٍ مِثْلِ الْحُمَّى الصَّالِبِ وَالْبَطْنِ وَذَاتِ الْجَنْبِ وَالْخَاصِرَةِ وما أَشْبَهَهُ مِمَّا يُضْمِنُهُ على الْفِرَاشِ وَلَا يَتَطَاوَلُ فَأَمَّا ما أَضْمَنَهُ مِثْلُهُ وَتَطَاوَلَ مِثْلُ السُّلِّ وَالْفَالِجِ إذَا لم يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ غَيْرُهُمَا أو يَكُونُ بِالْمَفْلُوجِ منه سَوْرَةُ ابْتِدَائِهِ في الْحَالِ التي يَكُونُ مَخُوفًا فيها فإذا تَطَاوَلَ فإنه لَا يَكَادُ يَكُونُ مَخُوفًا فَأَمَّا إذَا كانت حُمَّى الرِّبْعِ بِرَجُلٍ فَالْأَغْلَبُ منها أنها غَيْرُ مَخُوفَةٍ وَأَنَّهَا إلَى السَّلَامَةِ فإذا لم تَضْمَنْهُ حتى يَلْزَمَ الْفِرَاشَ من ضَمِنَ فَهُوَ كَالصَّحِيحِ وإذا أَضْمَنَتْهُ كان كَالْمَرِيضِ وإذا آلَى رَجُلٌ من امْرَأَتِهِ وهو صَحِيحٌ فَمَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ وهو مَرِيضٌ فَمَاتَ قبل أَنْ يُوقَفَ فَهِيَ زَوْجَتُهُ وَإِنْ وُقِفَ فَفَاءَ بِلِسَانِهِ وهو لَا يَقْدِرُ على الْجِمَاعِ فَهِيَ زَوْجَتُهُ وَإِنْ طَلَّقَ وَالطَّلَاقُ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فَإِنْ مَاتَ وَهِيَ في الْعِدَّةِ وَرِثَتْهُ وَإِنْ مَاتَتْ وَرِثَهَا وَإِنْ مَاتَ وقد انْقَضَتْ الْعِدَّةُ لم يَرِثْهَا وَلَا تَرِثُهُ وَلَوْ قَذَفَهَا وهو مَرِيضٌ أو صَحِيحٌ فلم يُلَاعِنْهَا حتى مَرِضَ ثُمَّ مَاتَ كانت زَوْجَتَهُ وَكَذَلِكَ لو الْتَعَنَ فلم يُكْمِلْ اللِّعَانَ حتى مَاتَ كانت زَوْجَتَهُ تَرِثُهُ وَلَوْ أَكْمَلَ اللِّعَانَ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ ولم تَرِثْهُ وَإِنْ كان مَرِيضًا حين وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ في وَاحِدٍ من الْقَوْلَيْنِ وَذَلِكَ أَنَّ اللِّعَانَ حُكْمٌ حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ يَحُدُّهُ السُّلْطَانُ إنْ لم يَلْتَعِنْ وَإِنَّ الْفُرْقَةَ لَزِمَتْهُ بِالسُّنَّةِ أَحَبَّ أو كَرِهَ وَأَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ بِحَالٍ أَبَدًا فَحَالُهُمَا إذَا وَقَعَ اللِّعَانُ غَيْرُ حَالِ الْأَزْوَاجِ فَلَا تَرِثُهُ وَلَا يَرِثُهَا إذَا الْتَعَنَ هو وَلَوْ تظهر ( ( ( تظاهر ) ) ) منها صَحِيحًا أو مَرِيضًا فَسَوَاءٌ هِيَ زَوْجَتُهُ ليس الظِّهَارُ بِطَلَاقٍ إنَّمَا هِيَ كَالْيَمِينِ يُكَفِّرُهَا فَإِنْ لم يُكَفِّرْهَا حتى مَاتَ أو مَاتَتْ تَوَارَثَا وإذا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ وهو مَرِيضٌ إنْ دَخَلْت دَارَ فُلَانٍ أو خَرَجْت من مَنْزِلِي أو فَعَلْت كَذَا لِأَمْرٍ نَهَاهَا عنه أَنْ تَفْعَلَهُ وَلَا تَأْثَمُ بِتَرْكِهِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا أو طَالِقٌ ولم يَبْقَ له عليها من الطَّلَاقِ إلَّا وَاحِدَةٌ فَفَعَلَتْ ذلك طَلُقَتْ ثُمَّ مَاتَ لم تَرِثْهُ في الْعِدَّةِ بِحَالٍ لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَإِنْ كان من كَلَامِهِ كان فَبِفِعْلِهَا وَقَعَ وكذلك لو قال لها اختاري نفسك أو إليك طلاقك ثلاثا فطلقت نفسها ثلاثا وكذلك لو اختلعت منه وَكَذَلِكَ لو قال لها إنْ شِئْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَشَاءَتْ وَكُلُّ ما كان من هذا كان يَتِمُّ بها وَهِيَ تَجِدُ منه بُدًّا فَطَلُقَتْ منه طَلَاقًا لَا يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ لم تَرِثْهُ ولم يَرِثْهَا عِنْدِي في قِيَاسِ جَمِيعِ الْأَقَاوِيلِ وَكَذَلِكَ لو سَأَلَتْهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا لم تَرِثْهُ وَلَوْ سَأَلَتْهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَرِثَتْهُ في الْعِدَّةِ في قَوْلِ من يُوَرِّثُ امْرَأَةَ الْمَرِيضِ إذَا طَلَّقَهَا وَلَكِنَّهُ لو قال لها وهو مَرِيضٌ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ صَلَّيْت الْمَكْتُوبَةَ أو تَطَهَّرْت لِلصَّلَاةِ أو صُمْت
____________________

(5/255)


شَهْرَ رَمَضَانَ أو كَلَّمْت أَبَاك أو أُمَّك أو قُدْت أو قُمْت وَمِثْلُ هذا مِمَّا تَكُونُ عَاصِيَةً بِتَرْكِهِ أو يَكُونُ لَا بُدَّ لها من فِعْلِهِ فَفَعَلَتْهُ وهو مَرِيضٌ ثُمَّ مَاتَ وَرِثَتْهُ في الْعِدَّةِ في قَوْلِ من ذَهَبَ إلَى تَوْرِيثِهَا إذَا طَلَّقَهَا مَرِيضًا وَهَكَذَا لو حَلَفَ صَحِيحًا على شَيْءٍ لَا يَفْعَلُهُ هو فَفَعَلَهُ مَرِيضًا وَرِثَتْ في هذا الْقَوْلِ فَأَمَّا قَوْلُ بن الزُّبَيْرِ فَيَقْطَعُ هذا كُلُّهُ وَأَصْلُهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى حَالِهَا يوم يَمُوتُ فَإِنْ كانت زَوْجَةً أو في مَعْنَاهَا من طَلَاقٍ يَمْلِكُ فيه الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ وَكَانَتْ لو مَاتَتْ في تِلْكَ الْحَالِ وَرِثَهَا وَرَّثَهَا منه ( 1 ) وَإِنْ لم يَكُنْ يَرِثُهَا لو مَاتَتْ في تِلْكَ الْحَالِ لم تَكُنْ زَوْجَةً وَلَا في طَلَاقٍ يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ ولم نُوَرِّثْهَا في أَيِّ حَالَةٍ كان الْقَوْلُ وَالطَّلَاقُ مَرِيضًا كان أو صَحِيحًا وَلَوْ قال لها وهو مَرِيضٌ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ صُمْت الْيَوْمَ تَطَوُّعًا أو خَرَجْت إلَى مَنْزِلِ أَبِيك فَصَامَتْ تَطَوُّعًا أو خَرَجَتْ إلَى مَنْزِلِ أَبِيهَا لم تَرِثْهُ من قِبَلِ أَنَّهُ قد كان لها من هذا بُدٌّ وَكَانَتْ غير آثِمَةٍ بِتَرْكِهَا مَنْزِلَ أَبِيهَا ذلك الْيَوْمَ وَكُلُّ ما قِيلَ مِمَّا وَصَفْت أنها تَرِثُهُ في الْعِدَّةِ في قَوْلِ من يُوَرِّثُهَا إذَا كان الْقَوْلُ في الْمَرَضِ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ في الْمَرَضِ فَقَالَهُ في الْمَرَضِ ثُمَّ صَحَّ ثُمَّ وَقَعَ لم تَرِثْهُ إذَا كان الطَّلَاقُ لَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَكُلُّ ما قال في الصِّحَّةِ مِمَّا يَقَعُ في الْمَرَضِ فَوَقَعَ الطَّلَاقُ بِهِ في الْمَرَضِ وكان طَلَاقًا لَا يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ لم تَرِثْهُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا أو إذَا جاء هِلَالُ كَذَا أو إذَا جَاءَتْ سَنَةُ كَذَا أو إذَا قَدِمَ فُلَانٌ وما أَشْبَهَ هذا فَوَقَعَ بِهِ الطَّلَاقُ الْبَائِنُ وهو مَرِيضٌ لم تَرِثْ لِأَنَّ الْقَوْلَ كان في الصِّحَّةِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ قال لها وَهِيَ أَمَةٌ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا غَدًا وهو مَرِيضٌ وقال
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ قال لها إذَا مَرِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَمَرِضَ فَمَاتَ قبل أَنْ يَصِحَّ وَرِثَتْ في قَوْلِ من يُوَرِّثُهَا إذَا كان الطَّلَاقُ في الْمَرَضِ لِأَنَّهُ عَمَدَ أَنْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ في الْمَرَضِ وإذا مَرِضَ الرَّجُلُ فَأَقَرَّ أَنَّهُ قد كان طَلَّقَ امْرَأَتَهُ في الصِّحَّةِ ثَلَاثًا وَقَعَ الطَّلَاقُ بِإِقْرَارِهِ سَاعَةَ تَكَلَّمَ وَاسْتَقْبَلَتْ الْعِدَّةَ من ذلك الْيَوْمِ وَلَا تَرِثُهُ عِنْدِي بِحَالٍ وإذا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ وهو مَرِيضٌ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إذَا صَحَحْت فَصَحَّ ثُمَّ مَرِضَ فَمَاتَ لم تَرِثْهُ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ في وَقْتٍ لو ابْتَدَأَهُ فيه لم تَرِثْهُ وإذا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ صَحِيحًا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا قبل أَنْ أُقْتَلَ بِشَهْرٍ أو قبل أَنْ أَمُوتَ بِشَهْرٍ أو قبل أَنْ أَمُوتَ من الْحُمَّى أو سَمَّى مَرَضًا من الْأَمْرَاضِ فَمَاتَ من غَيْرِ ذلك الْمَرَضِ لم يَقَعْ الطَّلَاقُ وَوَرِثَتْهُ وَكَذَلِكَ لو مَاتَ من ذلك الْمَرَضِ قبل الشَّهْرِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لم يَقَعْ وَلَا يَقَعُ إلَّا بِأَنْ يَمُوتَ من ذلك الْمَرَضِ وَيَكُونَ قبل مَوْتِهِ بِشَهْرٍ فَيَجْتَمِعَ الْأَمْرَانِ وَلَهَا الْمِيرَاثُ في الْأَقَاوِيلِ وَإِنْ مَضَى شَهْرٌ من يَوْمِ قال تِلْكَ الْمَقَالَةَ ثُمَّ مَاتَ من ذلك الْمَرَضِ بِعَيْنِهِ لم يَقَعْ الطَّلَاقُ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ حتى يَعِيشَ بَعْدَ الْقَوْلِ أَكْثَرَ من شَهْرٍ بِوَقْتٍ من الْأَوْقَاتِ يَقَعُ فيه الطَّلَاقُ فَيَكُونُ لِقَوْلِهِ مَوْضِعٌ فَأَمَّا إذَا كان مَوْتُهُ مع الشَّهْرِ سَوَاءً فَلَا مَوْضِعَ لِقَوْلِهِ وَتَرِثُ ولم يَقَعْ عليها طَلَاقٌ وإذا قال أَنْتِ طَالِقٌ قبل موتى بِشَهْرَيْنِ أو ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ أو أَكْثَرَ ثُمَّ عَاشَ أَقَلَّ مِمَّا سَمَّى ثُمَّ مَاتَ فإن الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ عليها وَلَهَا الْمِيرَاثُ وَإِنْ عَاشَ من حِينِ تَكَلَّمَ بِالطَّلَاقِ إلَى أَنْ مَاتَ أَكْثَرَ مِمَّا سَمَّى بِطَرْفَةِ عَيْنٍ أو أَكْثَرَ وَقَعَ الطَّلَاقُ عليها في ذلك الْوَقْتِ وَذَلِكَ قبل مَوْتِهِ بِمَا سَمَّى وَلَا تَرِثُ إذَا كان ذلك الْقَوْلُ وهو صَحِيحٌ وَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وهو مَرِيضٌ ثُمَّ ارْتَدَّتْ عن الْإِسْلَامِ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ ثُمَّ مَاتَ ولم يَصِحَّ لم تَرِثْهُ لِأَنَّهَا أَخْرَجَتْ نَفْسَهَا من الْمِيرَاثِ وَلَوْ كان هو الْمُرْتَدَّ ثُمَّ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ فَمَاتَ من مَرَضِهِ لم تَرِثْهُ عِنْدِي وَتَرِثُهُ في قَوْلِ غَيْرِي لِأَنَّهُ فَارٌّ من الْمِيرَاثِ وَلَوْ كانت زَوْجَتُهُ أَمَةً فقال لها وهو صَحِيحٌ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إذَا عَتَقْت فَعَتَقَتْ وهو مَرِيضٌ ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ في الْعِدَّةِ لم تَرِثْهُ وَإِنْ كان قَالَهُ لها وهو مَرِيضٌ لم تَرِثْ في قَوْلِ بن الزُّبَيْرِ وَتَرِثُ في الْقَوْلِ الْآخَرِ

(5/256)


لها سَيِّدُهَا أَنْتِ حُرَّةٌ الْيَوْمَ بَعْدَ قَوْلِهِ لم تَرِثْهُ لِأَنَّهُ قَالَهُ وَهِيَ غَيْرُ وَارِثٍ وَكَذَلِكَ إنْ كانت مُشْرِكَةً وهو مُسْلِمٌ وَلَوْ قال لها سَيِّدُهَا وَالزَّوْجُ مَرِيضٌ أَنْتِ حُرَّةٌ غَدًا وقال الزَّوْجُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا بَعْدَ غَدٍ ولم يَعْلَمْ عِتْقَ السَّيِّدِ لم تَرِثْهُ وَإِنْ مَاتَ من مَرَضِهِ وَإِنْ كان يَعْلَمُ عِتْقَ السَّيِّدِ لم تَرِثْهُ في قَوْلِ بن الزُّبَيْرِ وَتَرِثُهُ في قَوْلِ الْآخَرِ لِأَنَّهُ فَارٌّ من الْمِيرَاثِ ( قال ) وَإِنْ كانت تَحْتَ الْمُسْلِمِ مَمْلُوكَةٌ وَكَافِرَةٌ فَمَاتَ وَالْمَمْلُوكَةُ حُرَّةٌ وَالْكَافِرَةُ مُسْلِمَةٌ فقالت هذه عَتَقْت قبل أَنْ يَمُوتَ وقال ذلك الذي أَعْتَقَهَا وَقَالَتْ هذه أَسْلَمْت قبل أَنْ يَمُوتَ وقال الْوَرَثَةُ مَاتَ وَأَنْتِ مَمْلُوكَةٌ وَلِلْأُخْرَى مَاتَ وَأَنْتِ كَافِرَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَرَثَةِ وَعَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ ( قال أبو مُحَمَّدٍ ) فيه قَوْلٌ آخَرُ إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ التي قالت لم أَكُنْ مَمْلُوكَةً لِأَنَّ أَصْلَ الناس الْحُرِّيَّةَ وَعَلَى التي قالت لم أَكُنْ نَصْرَانِيَّةً الْبَيِّنَةُ وإذا قال الْوَرَثَةُ لِامْرَأَةِ الرَّجُلِ كُنْت كَافِرَةً حين مَاتَ ثُمَّ أَسْلَمْت أو مَمْلُوكَةً حين مَاتَ ثُمَّ عَتَقْت ولم يُعْلَمْ أنها كَافِرَةٌ وَلَا مَمْلُوكَةٌ وَقَالَتْ لم أَكُنْ كَافِرَةً وَلَا مَمْلُوكَةً فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَعَلَى الْوَرَثَةِ الْبَيِّنَةُ - * طَلَاقُ الْمُوَلَّى عليه وَالْعَبْدِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنْ قِيلَ فَلِمَ لَا يَجُوزُ عِتْقُهُ أُمَّ وَلَدِهِ وَإِنَّمَا هِيَ له مُبَاحَةٌ إبَاحَةَ فَرْجٍ قِيلَ ما له فيها أَكْثَرُ من الْفَرْجِ ( قال الرَّبِيعُ ) يُرِيدُ أَنَّ له فيها أَكْثَرَ من الْفَرْجِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يقول إذَا قُتِلَتْ آخُذُ قِيمَتَهَا وإذا جنى عليها آخُذُ الْأَرْشَ فَيَأْخُذُ قِيمَتَهَا ويجني عليها فَيَأْخُذُ أَرْشَ الْجِنَايَةِ عليها وَتَكْسِبُ الْمَالَ فَيَكُونُ له وَيُوهَبُ لها وَتَجِدُ الْكَنْزَ فَيَكُونُ له وَيَكُونُ له خِدْمَتُهَا وَالْمَنَافِعُ فيها كُلُّهَا وَأَكْثَرُ ما يُمْنَعُ منها بَيْعُهَا فَأَمَّا سِوَى ذلك فَهِيَ له أَمَةٌ يُزَوِّجُهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ وَيَخْتَدِمُهَا * قال وَيَجُوزُ طَلَاقُ السَّكْرَانِ من الشَّرَابِ الْمُسْكِرِ وَعِتْقُهُ وَيَلْزَمُهُ ما صَنَعَ وَلَا يَجُوزُ طَلَاقُ الْمَغْلُوبِ على عَقْلِهِ من غَيْرِ السُّكْرِ وَيَجُوزُ طَلَاقُ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَالْحُجَّةُ فيه كَالْحُجَّةِ في الْمَحْجُورِ وَأَكْثَرُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ خَالَفَكُمْ في هذا أَحَدٌ من أَهْلِ الْحِجَازِ قِيلَ نعم قد قال بَعْضُ من مَضَى منهم لَا يَجُوزُ طَلَاقُ السَّكْرَانِ وَكَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ مَغْلُوبٌ على عَقْلِهِ وقال بَعْضُ من مَضَى إنَّهُ ليس لِلْعَبْدِ طَلَاقٌ وَالطَّلَاقُ بِيَدِ السَّيِّدِ فَإِنْ قال فَهَلْ من حُجَّةٍ على من قال لَا يَجُوزُ طَلَاقُ الْعَبْدِ قِيلَ ما وَصَفْنَا من أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قال في الْمُطَلَّقَاتِ ثَلَاثًا { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ له من بَعْدُ حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } وقال في الْمُطَلَّقَاتِ وَاحِدَةً { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ في ذلك إنْ أَرَادُوا إصْلَاحًا } فَكَانَ الْعَبْدُ مِمَّنْ عليه حَرَامٌ وَلَهُ حَلَالٌ فَحَرَامُهُ بِالطَّلَاقِ ولم يَكُنْ السَّيِّدُ مِمَّنْ حَلَّتْ له امْرَأَةٌ فَيَكُونَ له تَحْرِيمُهَا فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ غَيْرُ هذا قِيلَ هذا هو الذي عليه اعْتَمَدْنَا وهو قَوْلُ الْأَكْثَرِ مِمَّنْ لَقِينَا فَإِنْ قال فَتَرْفَعُهُ إلَى أَحَدٍ من السَّلَفِ قِيلَ نعم
أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ قال إذَا طَلَّقَ الْعَبْدُ امْرَأَتَهُ اثْنَتَيْنِ فَقَدْ حَرُمَتْ عليه حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ حُرَّةً كانت أو أَمَةً وَعِدَّةُ الْحُرَّةِ ثَلَاثُ حِيَضٍ وَعِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ قال مَالِكٌ حدثني نَافِعٌ عن بن عُمَرَ كان يقول من أَذِنَ لِعَبْدِهِ أَنْ يَنْكِحَ فَالطَّلَاقُ بِيَدِ الْعَبْدِ ليس بِيَدِ غَيْرِهِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَجُوزُ طَلَاقُ الْمُوَلَّى عليه الْبَالِغِ وَلَا يَجُوزُ عِتْقُهُ لِأُمِّ وَلَدِهِ وَلَا غَيْرِهَا فَإِنْ قال قَائِلٌ فَكَيْفَ يَجُوزُ طَلَاقُهُ قِيلَ لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَالْحُدُودَ عليه وَاجِبَةٌ فإذا كان مِمَّنْ يَقَعُ عليه التَّحْرِيمُ حُدَّ على إتْيَانِ الْمُحَرَّمِ من الزنى وَالْقَذْفِ وَالْقَتْلِ وكان كَغَيْرِ الْمُوَلَّى عليه في أَنَّ عليه فَرْضًا وَحَرَامًا وَحَلَالًا فَالطَّلَاقُ تَحْرِيمٌ يَلْزَمُهُ كما يَلْزَمُ غَيْرَهُ فان قِيلَ فَقَدْ يُتْلِفُ بِهِ مَالًا قِيلَ ليس له من مَالِ امْرَأَتِهِ شَيْءٌ فَيُتْلِفُهُ بِطَلَاقِهَا إنَّمَا هو أَنْ يَحْرُمَ عليه منها شَيْءٌ كان مُبَاحًا له فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ يَرِثُهَا قِيلَ لَا يَرِثُهَا حتى تَمُوتَ ولم تَمُتْ حين طَلَّقَهَا فَإِنْ قِيلَ فَيَحْتَاجُ إلَى نِكَاحِ غَيْرِهَا قِيلَ فَذَلِكَ ليس بِإِتْلَافِ شَيْءٍ فيها إنَّمَا هو شَيْءٌ يَلْزَمُهُ لِغَيْرِهَا إنْ أَرَادَ النِّكَاحَ

(5/257)


من طَلَاقِهِ شَيْءٌ
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا مَالِكٌ قال حدثني عبد رَبِّهِ بن سَعِيدٍ عن مُحَمَّدِ بن إبْرَاهِيمَ بن الحرث أَنَّ نُفَيْعًا مُكَاتَبًا لِأُمِّ سَلَمَةَ اسْتَفْتَى زَيْدَ بن ثَابِتٍ فقال إنِّي طَلَّقْت امْرَأَةً لي حُرَّةً تَطْلِيقَتَيْنِ فقال زَيْدٌ حَرُمَتْ عَلَيْك
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ قال حدثني أبو الزِّنَادِ عن سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ أَنَّ نُفَيْعًا مُكَاتَبًا لِأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أو عَبْدًا كانت تَحْتَهُ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ فَطَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُرَاجِعَهَا فَأَمَرَهُ أَزْوَاجُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يَأْتِيَ عُثْمَانَ بن عَفَّانَ فَيَسْأَلَهُ عن ذلك فَذَهَبَ إلَيْهِ فَلَقِيَهُ عِنْدَ الدَّرَجِ آخِذًا بِيَدِ زَيْدِ بن ثَابِتٍ فَسَأَلَهُمَا فَابْتَدَرَاهُ جميعا فَقَالَا حَرُمَتْ عَلَيْك حَرُمَتْ عَلَيْك
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا مَالِكٌ قال وَحَدَّثَنِي بن شِهَابٍ عن بن الْمُسَيِّبِ أَنَّ نُفَيْعًا مُكَاتَبًا لِأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حُرَّةً تَطْلِيقَتَيْنِ فَاسْتَفْتَى عُثْمَانَ بن عَفَّانَ فقال له عُثْمَانُ بن عَفَّانَ حَرُمَتْ عَلَيْك فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ لَكُمْ حُجَّةٌ على من قال لَا يَجُوزُ طَلَاقُ السَّكْرَانِ قِيلَ نعم ما وَصَفْنَا من أَنَّ عليه الْفَرَائِض وَعَلَيْهِ حَرَامٌ فَإِنْ قال ليس عليه حَرَامٌ في حَالِهِ تِلْكَ لَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ وَلَا صَلَاةٌ وَلَا قَوَدٌ في قَتْلٍ وَلَا جِرَاحٍ وَلَا غَيْرِهِ كما يَكُونُ الْمَغْلُوبُ على عَقْلِهِ بِغَيْرِ السُّكْرِ وَلَا يَجُوزُ إذَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْكَلَامِ أَنْ لَا يَكُونَ دَاخِلًا في حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ الطَّلَاقَ يَحْرُمُ عليه وَلَا يَخْرُجُ من حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا بِدَلَالَةِ كِتَابٍ أو سُنَّةٍ أو إجْمَاعٍ وَلَيْسَ فيه وَاحِدٌ من هذا وَأَكْثَرُ من لَقِيت من الْمُفْتِينَ على أَنَّ طَلَاقَهُ يَجُوزُ وقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم رُفِعَ الْقَلَمُ عن الصَّبِيِّ حتى يَبْلُغَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حتى يُفِيقَ وَعَنْ النَّائِمِ حتى يَسْتَيْقِظَ وَالسَّكْرَانُ ليس وَاحِدًا من هَؤُلَاءِ وَلَا في مَعْنَاهُ وَالْمَرْضَى الذَّاهِبُو الْعُقُولِ في مَعْنَى الْمَجْنُونِ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ آثِمِينَ بِالْمَرَضِ وَالسَّكْرَانُ آثِمٌ بِالسُّكْرِ - * من يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ من الْأَزْوَاجِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ قال اللَّهُ تَعَالَى { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أو تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } وقال { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ في أَرْحَامِهِنَّ } الْآيَةَ كُلَّهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَكَانَ بَيِّنًا في كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ كُلَّ طَلَاقٍ حُسِبَ على مُطَلَّقَةٍ فيه عَدَدُ طَلَاقٍ إلَّا الثَّلَاثَ فَصَاحِبُهُ يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ وكان ذلك بَيِّنًا في حديث رُكَانَةَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَإِلَّا الطَّلَاقَ الذي يُؤْخَذُ عليه الْمَالُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَذِنَ بِهِ وَسَمَّاهُ فِدْيَةً فقال { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } فَكَانَ بَيِّنًا في كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى إذْ أَحَلَّ له أَخْذُ الْمَالِ أَنَّهُ إذَا مَلَكَ مَالًا عِوَضًا من شَيْءٍ لم يَجُزْ أَنْ يَكُونَ له على ما مَلَكَ بِهِ الْمَالَ سَبِيلٌ وَالْمَالُ هو عِوَضٌ من بُضْعِ الْمَرْأَةِ فَلَوْ كان له عليها فيه رَجْعَةٌ كان مَلَكَ مَالَهَا ولم تَمْلِكْ نَفْسَهَا دُونَهُ ( قال ) وَاسْمُ الْفِدْيَةِ أَنْ تَفْدِيَ نَفْسَهَا بِأَنْ تَقْطَعَ مِلْكَهُ الذي له بِهِ الرَّجْعَةُ عليها وَلَوْ مَلَكَ الرَّجْعَةَ لم تَكُنْ مَالِكَةً لِنَفْسِهَا وَلَا وَاقِعًا عليها اسْمُ فِدْيَةٍ بَلْ كان مَالُهَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَكُلُّ امْرَأَةٍ طَلَّقَهَا زَوْجٌ بَالِغٌ صَبِيَّةً أو مَعْتُوهَةً أو حُرَّةً بالغ ( ( ( بالغا ) ) ) أو أَمَةً أو مُشْرِكَةً لَزِمَهُنَّ الطَّلَاقُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ تَحْرِيمٌ من الْأَزْوَاجِ على أَنْفُسِهِنَّ فإذا عَتَقَتْ الْأَمَةُ وقد زُوِّجَتْ عَبْدًا وَهِيَ صَبِيَّةٌ فَاخْتَارَتْ وَهِيَ صَبِيَّةٌ الْفِرَاقَ أو مَلَّكَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ صَبِيَّةٌ نَفْسَهَا أو خَيَّرَهَا فَاخْتَارَتْ الْفِرَاقَ فَلَيْسَ ذلك لها لِأَنَّهُ لَا أَمْرَ لها في نَفْسِهَا وَكَذَلِكَ الْمَعْتُوهَةُ فإذا أَفَاقَتْ الْمَعْتُوهَةُ أو بَلَغَتْ الصَّبِيَّةُ فَلَهَا الْخِيَارُ في الْمَقَامِ معه أو فِرَاقِهِ ( قال ) وَإِنْ عَتَقَتْ قبل أَنْ تَبْلُغَ أو بعد ما بَلَغَتْ فلم تَخْتَرْ فَلَا خِيَارَ لها وإذا اخْتَارَتْ الْمَرْأَةُ فِرَاقَ زَوْجِهَا فَهُوَ فَسْخٌ بِلَا طَلَاقٍ وَكَذَلِكَ امْرَأَةُ الْعِنِّينِ وَامْرَأَةُ الْأَجْذَمِ وَالْأَبْرَصِ تَخْتَارُ فِرَاقَهُ فَذَلِكَ كُلُّهُ فَسْخٌ بِلَا طَلَاقٍ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يُمْلَكُ فيه الرَّجْعَةُ - * الطَّلَاقُ الذي تُمْلَكُ فيه الرَّجْعَةُ - *

(5/258)


مَأْخُوذًا وَهِيَ بِحَالِهَا قبل أَخْذِهِ وَالْأَحْكَامُ فِيمَا أُخِذَ عليه الْمَالُ بِأَنْ يَمْلِكَهُ من أَعْطَى الْمَالَ ( قال ) وَبِهَذَا قُلْنَا طَلَاقُ الْإِيلَاءِ وَطَلَاقُ الْخِيَارِ وَالتَّمْلِيكِ كُلُّهَا إلَى الزَّوْجِ فيه الرَّجْعَةُ ما لم يَأْتِ على جَمِيعِ الطَّلَاقِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمِثْلُ الرَّجُلِ يُغَرُّ بِالْمَرْأَةِ فَيَكُونُ له الْخِيَارُ فَيَخْتَارُ فِرَاقَهَا فَذَلِكَ فَسْخٌ بِلَا طَلَاقٍ وَلَوْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنْ يَكُونَ طَلَاقًا لَزِمَهُ أَنْ يَجْعَلَ لِلْمَرْأَةِ نِصْفَ الْمَهْرِ الذي فَرَضَ لها إذَا لم يَمَسَّهَا لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يقول { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ من قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وقد فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ } - * ما يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ من الْكَلَامِ وما لَا يَقَعُ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ ذَكَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الطَّلَاقَ في كِتَابِهِ بِثَلَاثَةِ أَسْمَاءٍ الطَّلَاقُ وَالْفِرَاقُ وَالسَّرَاحُ فقال عز وجل { إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } وقال جَلَّ ثَنَاؤُهُ { فإذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أو فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } وقال تَبَارَكَ اسْمُهُ لِنَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في أَزْوَاجِهِ { إنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ } الْآيَةَ + قال الشَّافِعِيُّ ) فَمَنْ خَاطَبَ امْرَأَتَهُ فَأَفْرَدَ لها اسْمًا من هذه الْأَسْمَاءِ فقال أَنْتِ طَالِقٌ أو قد طَلَّقْتُك أو فَارَقْتُك أو قد سَرَّحْتُك لَزِمَهُ الطَّلَاقُ ولم يَنْوِ في الْحُكْمِ وَنَوَيْنَاهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَيَسَعُهُ إنْ لم يُرِدْ بِشَيْءٍ منه طَلَاقًا أَنْ يُمْسِكَهَا وَلَا يَسَعُهَا أَنْ تُقِيمَ معه لِأَنَّهَا لَا تَعْرِفُ من صِدْقِهِ ما يَعْرِفُ من صِدْقِ نَفْسِهِ وَسَوَاءٌ فِيمَا يَلْزَمُ من الطَّلَاقِ وَلَا يَلْزَمُ تَكَلَّمَ بِهِ الزَّوْجُ عِنْدَ غَضَبٍ أو مَسْأَلَةِ طَلَاقٍ أو رِضًا وَغَيْرِ مَسْأَلَةِ طَلَاقٍ وَلَا تَصْنَعُ الْأَسْبَابُ شيئا إنَّمَا تَصْنَعُهُ الْأَلْفَاظُ لِأَنَّ السَّبَبَ قد يَكُونُ وَيَحْدُثُ الْكَلَامُ على غَيْرِ السَّبَبِ وَلَا يَكُونُ مُبْتَدَأَ الْكَلَامِ الذي له حُكْمٌ فَيَقَعُ فإذا لم يَصْنَعْ السَّبَبَ بِنَفْسِهِ شيئا لم يَصْنَعْهُ بِمَا بَعْدَهُ ولم يَمْنَعْ ما بَعْدَهُ أَنْ يَصْنَعَ ما له حُكْمٌ إذَا قِيلَ وَلَوْ وَصَلَ كَلَامَهُ فقال قد فَارَقْتُك إلَى الْمَسْجِدِ أو إلَى السُّوقِ أو إلَى حَاجَةٍ أو قد سَرَّحْتُك إلَى أَهْلِك أو إلَى الْمَسْجِدِ أو قد طَلَّقْتُك من عِقَالِك أو ما أَشْبَهَ هذا لم يَلْزَمْهُ طَلَاقٌ وَلَوْ مَاتَ لم يَكُنْ طَلَاقًا وَكَذَلِكَ لو خَرِسَ أو ذَهَبَ عَقْلُهُ لم يَكُنْ طَلَاقًا وَلَا يَكُونُ طَلَاقًا إلَّا بِأَنْ يَقُولَ أَرَدْت طَلَاقًا وَإِنْ سَأَلَتْ امْرَأَتُهُ أَنْ يُسْأَلَ سُئِلَ وَإِنْ سَأَلَتْ أَنْ يُحَلَّفَ أُحْلِفَ فَإِنْ حَلَفَ ما أَرَادَ طَلَاقًا لم يَكُنْ طَلَاقًا وَإِنْ نَكَلَ قِيلَ إنْ حَلَفْتَ طَلُقَتْ وَإِلَّا فَلَيْسَ بِطَلَاقٍ قال وما تَكَلَّمَ بِهِ مِمَّا يُشْبِهُ الطَّلَاقَ سِوَى هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ فَلَيْسَ بِطَلَاقٍ حتى يَقُولَ كان مَخْرَجُ كَلَامِي بِهِ على أَنِّي نَوَيْت بِهِ طَلَاقًا وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ خَلِيَّةٌ أو خَلَوْتِ مِنِّي أو خَلَوْت مِنْك أو أَنْتِ بَرِيئَةٌ أو بَرِئْت مِنِّي أو بَرِئْت مِنْك أو أَنْتِ بَائِنٌ أو بِنْت مِنِّي أو بِنْت مِنْك أو اذْهَبِي أو اُعْزُبِي أو تَقَنَّعِي أو اُخْرُجِي أو لَا حَاجَةَ لي فِيك أو شَأْنُك بِمَنْزِلِ أَهْلِك أو الْزَمِي الطَّرِيقَ خَارِجَةً أو قد وَدَّعْتُك أو قد ودعتني ( ( ( ودعتيني ) ) ) أو اعتدى أو ما أَشْبَهَ هذا مِمَّا يُشْبِهُ الطَّلَاقَ فَهُوَ فيه كُلِّهِ غَيْرُ مُطَلِّقٍ حتى يَقُولَ أَرَدْت بِمَخْرَجِ الْكَلَامِ مِنِّي
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَبِهَذَا قُلْنَا إنَّ كُلَّ عَقْدٍ فَسَخْنَاهُ شَاءَ الزَّوْجُ فَسْخَهُ أو أَبَى لم يَكُنْ طَلَاقًا وكان فَسْخًا بِلَا طَلَاقٍ وَذَلِكَ أَنَّا لو جَعَلْنَاهُ طَلَاقًا جَعَلْنَا الزَّوْجَ يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ وإنما ذَكَرَ اللَّهُ عز وجل الطَّلَاقَ من قِبَلِ الرِّجَالِ فقال { وإذا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } وقال { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ } قال وكان مَعْقُولًا عن اللَّهِ عز وجل في كل هذا أَنَّهُ الطَّلَاقُ الذي من قِبَلِ الزَّوْجِ فَأَمَّا الْفَسْخُ فَلَيْسَ من قِبَلِ الزَّوْجِ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَنْكِحَ نِكَاحًا فَاسِدًا فَلَا يَكُونُ زَوْجًا فَيُطَلِّقُ وَمِثْلُ إسْلَامِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ أو رِدَّةِ أَحَدِهِمَا فَلَا يَحِلُّ لمسلم ( ( ( لكم ) ) ) أَنْ يَكُونَ تَحْتَهُ وَثَنِيَّةٌ وَلَا لِمُسْلِمَةٍ أَنْ يَكُونَ زَوْجُهَا كَافِرًا وَمِثْلُ الْأَمَةِ تُعْتَقُ فَيَكُونُ الْخِيَارُ إلَيْهَا بِلَا مَشِيئَةِ زَوْجِهَا وَمِثْلُ الْخِيَارِ إلَى الْمَرْأَةِ إذَا كان زَوْجُهَا عِنِّينًا أو خَصِيًّا مَجْبُوبًا وما خَيَّرْنَاهَا فيه مِمَّا يَلْزَمُهُ فيه الْفُرْقَةُ وَإِنْ كَرِهَ فَإِنَّمَا ذلك كُلُّهُ فَسْخٌ لِلْعُقْدَةِ لَا إيقَاعُ طَلَاقٍ بَعْدَهَا وَمِثْلُ الْمَرْأَةِ تَمْلِكُ زَوْجَهَا أو يَمْلِكُهَا فَيَفْسَخُ النِّكَاحَ

(5/259)


الطَّلَاقَ فَيَكُونُ طَلَاقًا بِإِرَادَةِ الطَّلَاقِ مع الْكَلَامِ الذي يُشْبِهُ الطَّلَاقَ (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ قال لها أَنْتِ خَلِيَّةٌ أو بَعْضَ هذا وقال قُلْته وَلَا أَنْوِي طَلَاقًا ثُمَّ أنا الْآنَ أَنْوِي طَلَاقًا لم يَكُنْ طَلَاقًا حتى يَبْتَدِئَهُ وَنِيَّتُهُ الطَّلَاقُ فَيَقَعَ حِينَئِذٍ بِهِ الطَّلَاقُ ( قال ) وَلَوْ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً بَائِنَةً كانت وَاحِدَةً تَمْلِكُ الرَّجْعَةَ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل حَكَمَ في الْوَاحِدَةِ والثنتين ( ( ( والاثنتين ) ) ) بِأَنَّ الزَّوْجَ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ بَعْدَهُمَا في الْعِدَّةِ وَلَوْ تَكَلَّمَ بِاسْمٍ من أَسْمَاءِ الطَّلَاقِ وَقَرَنَ بِهِ اسْمًا من هذه الْأَسْمَاءِ التي تُشْبِهُ الطَّلَاقَ أو شَدَّدَ الطَّلَاقَ بِشَيْءٍ معه وَقَعَ الطَّلَاقُ بِإِظْهَارِ أَحَدِ أَسْمَائِهِ وَوَقَفَ في الزِّيَادَةِ معه على نِيَّتِهِ فَإِنْ اراد بها زِيَادَةً في عَدَدِ الطَّلَاقِ كانت الزِّيَادَةُ على ما أَرَادَ وَإِنْ لم يُرِدْ بها زِيَادَةً في عَدَدِ الطَّلَاقِ كانت الزِّيَادَةُ كما لم تَكُنْ على الِابْتِدَاءِ إذَا لم يُرِدْ بها طَلَاقًا وَإِنْ أَرَادَ بها حِينَئِذٍ تَشْدِيدَ طَلَاقٍ لم يَكُنْ تَشْدِيدًا وكان كَالطَّلَاقِ وَحْدَهُ بِلَا تَشْدِيدٍ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ البتة أو أَنْتِ طَالِقٌ وَبَتَّةٌ أو أَنْتِ طَالِقٌ وَخَلِيَّةٌ أو أَنْتِ طَالِقٌ وَبَائِنٌ أو أَنْتِ طَالِقٌ وَاعْتَدِّي أو أَنْتِ طَالِقٌ وَلَا حَاجَةَ لي فِيك أو أَنْتِ طَالِقٌ وَالْزَمِي أَهْلَك أو أَنْتِ طَالِقٌ وَتَقَنَّعِي فَيُسْأَلُ عن نِيَّتِهِ في الزِّيَادَةِ فَإِنْ أَرَادَ بها زِيَادَةً في عَدَدِ طَلَاقٍ فَهِيَ زِيَادَةٌ وَهِيَ ما أَرَادَ من الزِّيَادَةِ في عَدَدِ الطَّلَاقِ وَإِنْ لم يُرِدْ بها زِيَادَةً لم تَكُنْ زِيَادَةً وَإِنْ قال لم أُرِدْ بِالطَّلَاقِ وَلَا بِالزِّيَادَةِ معه طَلَاقًا لم يدين ( ( ( يدن ) ) ) في الطَّلَاقِ في الْحُكْمِ وَدِينَ في الزِّيَادَةِ معه وَإِنْ قال أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً شَدِيدَةً أو وَاحِدَةً غَلِيظَةً أو وَاحِدَةً ثَقِيلَةً أو وَاحِدَةً طَوِيلَةً أو ما أَشْبَهَ هذا كانت وَاحِدَةً يَمْلِكُ فيها الرَّجْعَةَ وَلَا يَكُونُ طَلَاقٌ بَائِنٌ إلَّا ما أَخَذَ عليه الْمَالَ لِأَنَّ الْمَالَ ثَمَنٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَ الْمَالَ وَيَمْلِكَ الْبُضْعَ الذي أَخَذَ عليه الْمَالَ - * الْحُجَّةُ في الْبَتَّةِ وما أَشْبَهَهَا - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا عَمِّي محمد بن عَلِيِّ بن شَافِعٍ عن عبد اللَّهِ بن عَلِيِّ بن السَّائِبِ عن نَافِعِ بن عُجَيْرِ بن عبد يَزِيدَ أَنَّ رُكَانَةَ بن عبد يَزِيدَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ سُهَيْمَةَ البتة ثُمَّ أتى رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال يا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي طَلَّقْت امْرَأَتِي سُهَيْمَةَ البتة وَوَاللَّهِ ما أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِرُكَانَةَ وَاَللَّهِ ما أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً فقال رُكَانَةُ وَاَللَّهِ ما أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً فَرَدَّهَا إلَيْهِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَطَلَّقَهَا الثَّانِيَةَ في زَمَانِ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه وَالثَّالِثَةَ في زَمَانِ عُثْمَانَ رضي اللَّهُ عنه
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن مُحَمَّدِ بن عَبَّادِ بن جَعْفَرٍ عن الْمُطَّلِبِ بن حَنْطَبٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ البتة ثُمَّ أتى عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه فذكر ذلك له فقال له عُمَرُ ما حَمَلَك على ذلك فقال قد قُلْته فَتَلَا عُمَرُ { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لهم وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا } ما حَمَلَك على ذلك قال قد قُلْته فقال عُمَرُ رضي اللَّهُ عنه أَمْسِكْ عَلَيْك امْرَأَتَك فإن الْوَاحِدَةَ تَبِتُّ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو عن ( ( ( بن ) ) ) عبد اللَّهِ بن أبي سَلَمَةَ عن سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ قال للتومة ( ( ( للتوأمة ) ) ) مِثْلَ الذي قال لِلْمُطَّلِبِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ البتة فقال يُدَيَّنُ فَإِنْ كان أَرَادَ ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ وَإِنْ كان أَرَادَ وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّ شُرَيْحًا دَعَاهُ بَعْضُ أُمَرَائِهِمْ فَسَأَلَهُ عن رَجُلٍ قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ البتة فَاسْتَعْفَاهُ شُرَيْحٌ فَأَبَى أَنْ يُعْفِيَهُ فقال أَمَّا الطَّلَاقُ فَسُنَّةٌ وَأَمَّا الْبَتَّةُ فَبِدْعَةٌ فَأَمَّا السُّنَّةُ وَالطَّلَاقُ فَأَمْضُوهُ وَأَمَّا الْبِدْعَةُ وَالْبَتَّةُ فَقَلِّدُوهُ إيَّاهُ وَدَيِّنُوهُ فيها
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ الرَّجُلُ يقول لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ خَلِيَّةٌ أو خَلَوْت مِنِّي أو أَنْتِ بَرِيَّةٌ أو بَرِئْت مِنِّي أو يقول أَنْتِ بَائِنَةٌ أو قد بِنْت مِنِّ

(5/260)


قال سَوَاءٌ قال عَطَاءٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ فَسُنَّةٌ لَا يُدَيَّنُ في ذلك هو الطَّلَاقُ قال بن جُرَيْجٍ قال عَطَاءٌ أَمَّا قَوْلُهُ أَنْتِ بَرِيَّةٌ أو بَائِنَةٌ فَذَلِكَ ما أَحْدَثُوا سُئِلَ فَإِنْ كان أَرَادَ الطَّلَاقَ فَهُوَ الطَّلَاقُ وَإِلَّا فَلَا
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ أَنَّهُ قال في قَوْلِهِ أَنْتِ بَرِيَّةٌ أو أَنْتِ بَائِنَةٌ أو أَنْتِ خَلِيَّةٌ أو بَرِئْت مِنِّي أو بِنْت مِنِّي قال يُدَيَّنُ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن بن طَاوُسٍ عن أبيه أَنَّهُ قال إنْ أَرَادَ الطَّلَاقَ فَهُوَ الطَّلَاقُ كَقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عن حَمَّادٍ قال سَأَلْت إبْرَاهِيمَ عن الرَّجُلِ يقول لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ قال إنْ نَوَى طَلَاقًا فَهُوَ طَلَاقٌ وَإِلَّا فَهُوَ يَمِينٌ
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْبَتَّةُ تَشْدِيدُ الطَّلَاقِ وَمُحْتَمِلَةٌ لَأَنْ تَكُونَ زِيَادَةً في عَدَدِ الطَّلَاقِ وقد جَعَلَهَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذْ لم يُرِدْ رُكَانَةُ إلَّا وَاحِدَةً وَاحِدَةً يَمْلِكُ فيها الرَّجْعَةَ فَفِيهِ دَلَائِلُ منها أَنَّ تَشْدِيدَ الطَّلَاقِ لَا يَجْعَلُهُ بَائِنًا وَأَنَّ ما احْتَمَلَ الزِّيَادَةَ في عَدَدِ الطَّلَاقِ مِمَّا سِوَى اسْمِ الطَّلَاقِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا إلَّا بِإِرَادَةِ الْمُتَكَلِّمِ بِهِ وَأَنَّهُ إذَا أَرَادَ الطَّلَاقَ كان طَلَاقًا وَلَوْ كان إذَا أَرَادَ بِهِ زِيَادَةً في عَدَدِ الطَّلَاقِ ولم يَكُنْ طَلَاقًا لم يُحَلِّفْهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ما أَرَادَ إلَّا وَاحِدَةً وإذا كان نَوَى زِيَادَةً في عَدَدِ الطَّلَاقِ بِمَا يُشْبِهُ الطَّلَاقَ وَقَعَ بِإِرَادَتِهِ فَإِنْ أَرَادَ فِيمَا يُشْبِهُ الطَّلَاقَ أَنْ يُطَلِّقَ وَاحِدَةً فَوَاحِدَةً وَإِنْ اراد اثْنَتَيْنِ فَاثْنَتَيْنِ وَإِنْ أَرَادَ ثَلَاثًا فَثَلَاثًا فإذا وَقَعَتْ ثَلَاثٌ بِإِرَادَتِهِ الطَّلَاقَ مع ما يُشْبِهُ الطَّلَاقَ وَاثْنَتَانِ وَوَاحِدَةٌ كان إذَا تَكَلَّمَ بِاسْمِ الطَّلَاقِ الذي يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ بِنِيَّةِ طَلَاقٍ أو غَيْرِ نِيَّةٍ أَوْلَى أَنْ يَقَعَ فَإِنْ قال أَنْتِ طَالِقٌ يَنْوِي اثْنَتَيْنِ أو ثَلَاثًا فَهُوَ ما نَوَى مع الْوَاحِدَةِ من الزِّيَادَةِ وَلَا أَعْلَمُ شيئا مِمَّا سِوَى ما سَمَّى اللَّهُ عز وجل بِهِ الطَّلَاقَ أَشْبَهَ في الظَّاهِرِ بِأَنْ يَكُونَ طَلَاقًا ثَلَاثًا من الْبَتَّةِ فإذا كان إذَا تَكَلَّمَ بها مع الطَّلَاقِ لم يَكُنْ طَلَاقًا إلَّا بِإِرَادَتِهِ كان ما هو أَضْعَفُ منها في الظَّاهِرِ من الْكَلَامِ أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ طَلَاقًا إلَّا بِإِرَادَتِهِ الطَّلَاقَ وَلَوْ قال رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ اخْتَارِي أو أَمْرُك بِيَدِك أو قال مَلَّكْتُك أَمْرَك أو أَمْرُك إلَيْك فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا فقال ما أَرَدْت بِشَيْءٍ من هذا طَلَاقًا لم يَكُنْ طَلَاقًا وَسَوَاءٌ قال ذلك في الْمَجْلِسِ أو بَعْدَهُ لَا يَكُونُ طَلَاقًا إلَّا بِأَنْ يُقِرَّ أَنَّهُ أَرَادَ بِتَمْلِيكِهَا وَتَخْيِيرِهَا طَلَاقًا قال وَهَكَذَا لو قالت له خالعني فقال قد خَالَعْتُكِ أو خَلَعْتُك أو قد فَعَلْت لم يَكُنْ طَلَاقًا إلَّا بِإِرَادَتِهِ الطَّلَاقَ ولم يَأْخُذْ مِمَّا أَعْطَتْهُ شيئا إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ طَلَاقًا وَذَلِكَ أَنَّ طَلَاقَ الْبَتَّةِ يَحْتَمِلُ الإبتات ( ( ( الإثبات ) ) ) الذي ليس بَعْدَهُ شَيْءٌ وَيَحْتَمِلُ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً لِأَنَّهُ يَقَعُ عليها أنها مُنْبَتَّةٌ حتى يَرْتَجِعَهَا وَالْخَلِيَّةُ وَالْبَرِيَّةُ وَالْبَائِنُ منه يُحْتَمَلُ خَلِيَّةٌ مِمَّا يَعْنِينِي وَبَرِيَّةٌ مِمَّا يَعْنِينِي وَبَائِنٌ من النِّسَاءِ وَمِنِّي بِالْمَوَدَّةِ وَاخْتَارِي اختاري شيئا غير الطَّلَاقِ من مَالٍ أو ضَرْبٍ أو مَقَامٍ على حَسَنٍ أو قَبِيحٍ وَأَمْرُك بِيَدِك أَنَّك تَمْلِكِينَ أَمْرَك في مَالِكٍ غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ أَمْرُك إلَيْك وَكَذَلِكَ مَلَّكْتُك أَمْرَك وَلَوْ قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً شَدِيدَةً أو غَلِيظَةً أو ما أَشْبَهَ هذا من تَشْدِيدِ الطَّلَاقِ أو تَطْلِيقَةً بائن ( ( ( بائنا ) ) ) كان كُلُّ هذا تَطْلِيقَةً تَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وإذا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ في نَفْسِهِ ولم يُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَهُ لم يَكُنْ طَلَاقًا وَكُلُّ ما لم يُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَهُ فَهُوَ من حديث النَّفْسِ الْمَوْضُوعِ عن بَنِي آدَمَ وَهَكَذَا إنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا بِلِسَانِهِ وَاسْتَثْنَى في نَفْسِهِ لَزِمَهُ طَلَاقُ ثَلَاثٍ ولم يَكُنْ له اسْتِثْنَاءٌ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ حَدِيثُ نَفْسٍ لَا حُكْمَ له في الدُّنْيَا وَإِنْ كَلَّمَ امْرَأَتَهُ بِمَا لَا يُشْبِهُ الطَّلَاقَ وقال أَرَدْت بِهِ الطَّلَاقَ لم يَكُنْ طَلَاقًا وَإِنَّمَا تَعْمَلُ النِّيَّةُ مع ما يُشْبِهُ ما نَوَيْته بِهِ وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ لها بَارَكَ اللَّهُ فِيك أو اسْقِينِي أو أَطْعِمِينِي أو زَوِّدِينِي أو ما أَشْبَهَ هذا وَلَكِنَّهُ لو قال لها افْلَحِي أو اذْهَبِي أو اعزبي ( ( ( اغربي ) ) ) أو اشربي يُرِيدُ بِهِ طَلَاقًا كان طَلَاقًا وَكُلُّ هذا يُقَالُ لِلْخَارِجِ وَالْمُفَارِقِ يُقَالُ له افْلَحْ كما يُقَالُ له اذْهَبْ وَيُقَالُ له اعزب ( ( ( اغرب ) ) ) اذْهَبْ بُعْدًا وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ يُكَلِّمُ ما يَكْرَهُ أو يَضْرِبُ اشْرَبْ وَكَذَلِكَ ذُقْ أو اطْعَمْ قال اللَّهُ عز وجل
____________________

(5/261)


وهو يَذْكُرُ بَعْضَ من عَذَّبَ { ذُقْ إنَّك أنت الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ } وَلَوْ قال لها اذْهَبِي وَتَزَوَّجِي او تَزَوَّجِي من شِئْت لم يَكُنْ طَلَاقًا حتى يَقُولَ أَرَدْت بِهِ الطَّلَاقَ وَهَكَذَا إنْ قال اذْهَبِي فَاعْتَدِّي وَلَوْ قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ لم يَقَعْ بِهِ طَلَاقٌ حتى يُرِيدَ الطَّلَاقَ فإذا أَرَادَ بِهِ الطَّلَاقَ فَهُوَ طَلَاقٌ وهو ما أَرَادَ من عَدَدِ الطَّلَاقِ وَإِنْ أَرَادَ طَلَاقًا ولم يُرِدْ عَدَدًا من الطَّلَاقِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَإِنْ قال أَرَدْت تَحْرِيمَهَا بِلَا طَلَاقٍ لم تَكُنْ حَرَامًا وَكَانَتْ عليه كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَيُصِيبُهَا إنْ شَاءَ قبل أَنْ يُكَفِّرَ وَإِنَّمَا قُلْنَا عليه كَفَّارَةُ يَمِينٍ إذَا أَرَادَ تَحْرِيمَهَا ولم يُرِدْ طَلَاقَهَا أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم حَرَّمَ جَارِيَتَهُ فَأُمِرَ بِكَفَّارَةِ يَمِينٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قال اللَّهُ تَعَالَى { يا أَيُّهَا النبي لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَك تَبْتَغِي مرضات ( ( ( مرضاة ) ) ) أَزْوَاجِك وَاَللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قد فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ } الْآيَةَ فلما لم يُرِدْ الزَّوْجُ بِتَحْرِيمِ امْرَأَتِهِ طَلَاقًا كان أَوْقَعَ التَّحْرِيمَ على فَرْجٍ مُبَاحٍ له لم يَحْرُمْ بِتَحْرِيمِهِ فَلَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ فيه كما لَزِمَ من حَرَّمَ امته كَفَّارَةٌ فيها ولم تَحْرُمْ عليه بِتَحْرِيمِهِ لِأَنَّهُمَا مَعًا تَحْرِيمٌ لِفَرْجَيْنِ لم يَقَعْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا طَلَاقٌ وَلَوْ قال كُلُّ ما أَمْلِكُ عَلَيَّ حَرَامٌ يَعْنِي امْرَأَتَهُ وَجَوَارِيَهُ وَمَالَهُ كَفَّرَ عن الْمَرْأَةِ وَالْجَوَارِي كَفَّارَةً كَفَّارَةً إذَا لم يُرِدْ طَلَاقَ الْمَرْأَةِ وَلَوْ قال مَالِي عَلَيَّ حَرَامٌ لَا يُرِيدُ امْرَأَتَهُ وَلَا جَوَارِيَهُ لم يَكُنْ عليه كَفَّارَةٌ ولم يَحْرُمْ عليه مَالُهُ - * بَابُ الشَّكِّ وَالْيَقِينِ في الطَّلَاقِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ هذا كان على يَقِينِ الْوُضُوءِ وَشَكَّ في انْتِقَاضِهِ فَأَمَرَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يَثْبُتَ على يَقِينِ الْوُضُوءِ وَلَا يَنْصَرِفَ من الصَّلَاةِ بِالشَّكِّ حتى يَسْتَيْقِنَ بِانْتِقَاضِ الْوُضُوءِ بِأَنْ يَسْمَعَ من نَفْسِهِ صَوْتًا أو يَجِدَ رِيحًا وهو في مَعْنَى الذي يَكُونُ على يَقِينِ النِّكَاحِ وَيَشُكُّ في تَحْرِيمِ الطَّلَاقِ وَلَا يُخَالِفُهُ وَإِنْ سَأَلَتْ يَمِينَهُ أُحْلِفَ ما طَلَّقَهَا فان حَلَفَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ وَإِنْ نَكَلَ وَحَلَفَتْ طَلُقَتْ عليه وَإِنْ نَكَلَتْ فَهِيَ امْرَأَتُهُ بِحَالِهَا وَإِنْ مَاتَتْ فَسَأَلَ ذلك وَرَثَتُهَا لِيَمْنَعُوهُ مِيرَاثَهَا فَذَلِكَ لهم وَيَقُومُونَ في ذلك مَقَامَهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كان هو الْمَيِّتُ فَسَأَلَ وَرَثَتُهُ أَنْ تُمْنَعَ مِيرَاثَهَا منه بِقَوْلِهِ فَلَيْسَ لهم ذلك وَإِنْ سَأَلُوا يَمِينَهَا وَقَالُوا إنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وهو صَحِيحٌ أُحْلِفَتْ ما عَلِمَتْ ذلك فَإِنْ حَلَفَتْ وَرِثَتْ وَإِنْ نَكَلَتْ حَلَفُوا لقد طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ولم تَرِثْ وَلَوْ اسْتَيْقَنَ بِطَلَاقٍ وَاحِدَةً وَشَكَّ في الزِّيَادَةِ لَزِمَتْهُ وَاحِدَةٌ بِالْيَقِينِ وكان فِيمَا شَكَّ فيه من الزِّيَادَةِ كَهُوَ فِيمَا شَكَّ أَوَّلًا من تَطْلِيقَةٍ أو ثَلَاثٍ ( قال ) وَلَوْ شَكَّ في طَلَاقٍ فَأَقَامَ مَعَهَا فَأَصَابَهَا وَمَاتَتْ وَأَخَذَ مِيرَاثَهَا ثُمَّ اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ كان طَلَّقَهَا في الْوَقْتِ الذي نَسَبَ إلَى نَفْسِهِ فيه الشَّكَّ في طَلَاقِهَا أو قَامَتْ عليه بَيِّنَةٌ أُخِذَ منه مَهْرُ مِثْلِهَا بِالْإِصَابَةِ وَرَدَّ جَمِيعَ ما أَخَذَ من مِيرَاثِهَا وَلَوْ كان هو الشَّاكُّ في طَلَاقِهَا ثَلَاثًا وَمَاتَ وقد أَصَابَهَا بَعْدَ شَكِّهِ وَأَخَذَتْ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال الرَّجُلُ أنا أَشُكُّ أَطَلَّقْت امْرَأَتِي أَمْ لَا قِيلَ له الْوَرَعُ أَنْ تُطَلِّقَهَا فَإِنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنَّك إنْ كُنْت قد طَلَّقْت لم تُجَاوِزْ وَاحِدَةً قُلْنَا قد طَلَّقْت وَاحِدَةً فَاعْتَدَّتْ مِنْك بِإِقْرَارِك بِالطَّلَاقِ وَإِنْ أَرَدْت رَجْعَتَهَا في الْعِدَّةِ فَأَنْتَ أَمْلَكُ بها وَهِيَ مَعَك بِاثْنَتَيْنِ وإذا طَلَّقْتهَا بِاثْنَتَيْنِ وقد أَوْقَعْت أَوَّلًا الثَّالِثَةَ حَرُمَتْ عَلَيْك حتى يُحِلَّهَا لَك زَوْجٌ فَتَكُونَ مَعَك هَكَذَا وَإِنْ كُنْت تَشُكُّ في الطَّلَاقِ فلم تَدْرِ أَثْلَاثًا طَلَّقْت أو وَاحِدَةً فَالْوَرَعُ أَنَّك تُقِرُّ بِأَنَّك طَلَّقْتهَا ثَلَاثًا وَالِاحْتِيَاطُ لَك أَنْ تُوقِعَهَا فَإِنْ كانت وَقَعَتْ لم تَضُرَّك الثَّلَاثُ وَإِنْ لم تَكُنْ وَقَعَتْ أَوْقَعْتهَا بِثَلَاثٍ لِتَحِلَّ لَك بَعْدَ زَوْجٍ يُصِيبُهَا وَلَا يَلْزَمُك في الْحُكْمِ من هذا شَيْءٌ لِأَنَّهَا كانت حلال ( ( ( حلالا ) ) ) لَك فَلَا تَحْرُمُ عَلَيْك إلَّا بِيَقِينِ تَحْرِيمٍ فَإِنْ تَشُكَّ في تَحْرِيمٍ فَلَا تَحْرُمُ عَلَيْك وقد قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّ الشَّيْطَانَ يَأْتِي أَحَدَكُمْ فَيَنْفُخُ بين أَلْيَتَيْهِ فَلَا يَنْصَرِفْ يَسْمَعَ صَوْتًا أو يَجِدَ رِيحًا

(5/262)


مِيرَاثَهُ ثُمَّ أَقَرَّتْ أنها قد عَلِمَتْ أَنَّهُ كان قد طَلَّقَهَا في تِلْكَ الْحَالِ ثَلَاثًا رَدَّتْ الْمِيرَاثَ ولم تُصَدِّقْ على أَنَّ لها مَهْرًا بِالْإِصَابَةِ وَلَوْ ادَّعَتْ الْجَهَالَةَ بِأَنَّ الْإِصَابَةَ كانت تَحْرُمُ عليها أو ادَّعَتْ غَصْبَهُ إيَّاهَا عليه أو لم تَدَّعِ من ذلك شيئا تُصَدَّقُ على ما عليها أَحَلَفْنَاهُ وَلَا تُصَدَّقُ على ما تَأْخُذُ من مَالِ غَيْرِهَا وَلَوْ أَقَرَّ لها الْوَرَثَةُ بِمَا ذَكَرَتْ كان لها مَهْرُ مِثْلِهَا وَتَرُدُّ ما أَخَذَتْ من مِيرَاثِهِ وَلَوْ شَكَّ في عِتْقِ رَقِيقِهِ كان هَكَذَا لَا يُعْتَقُونَ إلَّا بِيَقِينِهِ بِعِتْقِهِمْ وَإِنْ أَرَادُوا أَحَلَفْنَاهُ لهم فإنحلف فَهُمْ رَقِيقُهُ وَإِنْ نَكَلَ فَحَلَفُوا عَتَقُوا وَإِنْ حَلَفَ بَعْضُهُمْ وَنَكَلَ بَعْضٌ عَتَقَ من حَلَفَ منهم وَرُقَّ من لم يَحْلِفْ وَإِنْ كان فِيهِمْ صَغِيرٌ أو مَعْتُوهٌ كان رَقِيقًا بِحَالِهِ وَلَا نُحَلِّفُهُ إلَّا لِمَنْ أَرَادَ يَمِينَهُ منهم وَلَوْ اسْتُيْقِنَ أَنَّهُ حَنِثَ في صِحَّتِهِ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ طَلَاقٍ أو عَتَاقٍ وَقَفْنَاهُ عن نِسَائِهِ وَرَقِيقِهِ حتى يُبَيِّنَ أَيَّهمْ أَرَادَ وَنُحَلِّفُهُ لِلَّذِي زَعَمَ أَنَّهُ لم يُرِدْ بِالْيَمِينِ وَإِنْ مَاتَ قبل أَنْ يَحْلِفَ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ فَإِنْ وَقَعَتْ الْقُرْعَةُ على الرَّقِيقِ عَتَقُوا من رَأْسِ الْمَالِ وَإِنْ وَقَعَتْ على النِّسَاءِ لم نُطَلِّقْهُنَّ بِالْقُرْعَةِ ولم نُعْتِقْ الرَّقِيقَ وَوَرِثَهُ النِّسَاءُ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُنَّ أَزْوَاجٌ حتى يُسْتَيْقَنَ بِأَنَّهُ طَلَّقَهُنَّ ولم يُسْتَيْقَنْ وَالْوَرَعُ أَنْ يَدَعْنَ مِيرَاثَهُ وَإِنْ كان ذلك وهو مَرِيضٌ فَسَوَاءٌ كُلُّهُ لِأَنَّ الرَّقِيقَ يُعْتَقُونَ من الثُّلُثِ ( قال ) وإذا قال لِامْرَأَتَيْنِ له إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ثَلَاثًا وَلِنِسْوَةٍ له إحْدَاكُنَّ طَالِقٌ أو اثْنَتَانِ مِنْكُنَّ طَالِقَانِ مُنِعَ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ وَأُخِذَ بِنَفَقَتِهِنَّ حتى يَقُولَ التي أَرَدْت هذه وَاَللَّهِ ما أَرَدْت هَاتَيْنِ فَإِنْ أَرَادَ الْبَوَاقِي أَنْ يَحْلِفَ لَهُنَّ أُحْلِفَ بِدَعْوَاهُنَّ عليه وَإِنْ لم يُرِدْنَهُ لم أُحَلِّفْهُ لَهُنَّ لِأَنَّهُ قد أَبَانَ أَنَّ طَلَاقَهُ لم يَقَعْ عَلَيْهِنَّ وَأَنَّهُ وَقَعَ على غَيْرِهِنَّ وَلَوْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فقال لِإِحْدَاهُمَا لم أَعْنِ هذه بِالطَّلَاقِ كان ذلك إقْرَارًا منه بِأَنَّهُ طَلَّقَ الْأُخْرَى إذَا كان مقرى ( ( ( مقرا ) ) ) بِطَلَاقِ إحْدَاهُمَا فَإِنْ كان مُنْكِرًا لم يَلْزَمْهُ طَلَاقُ إحْدَاهُمَا بِعَيْنِهَا إلَّا بِإِقْرَارٍ يُحْدِثُهُ بِطَلَاقِهَا وَلَوْ قال لَيْسَتْ هذه التي أَوْقَعْت عليها الطَّلَاقَ التي أَرَدْت أَوْقَعْنَ الطَّلَاقَ عليها أو لم نُوقِعْهُ حتى قال أَخْطَأْت وَهَذِهِ التي زَعَمْت أَنِّي لم أُرِدْهَا بِالطَّلَاقِ التي أَرَدْتهَا بِهِ طَلُقَتَا مَعًا بِإِقْرَارِهِ بِهِ وَهَكَذَا إذَا كان في أَكْثَرَ من اثْنَتَيْنِ من النِّسَاءِ وإذا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتَيْنِ له إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وقال وَاَللَّهِ ما أَدْرِي أَيَّتَهمَا عَنَيْت وُقِفَ عنهما وَاخْتِيرَ له أَنْ يُطَلِّقَهُمَا ولم نُجْبِرْهُ على ذلك حتى يُبَيِّنَ أَيَّتَهمَا أَرَادَ بِالطَّلَاقِ فَإِنْ قال قَائِلٌ أَوْلَى أَنْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ على إحْدَاهُمَا قِيلَ له إنْ فَعَلْت أَلْزَمْنَاك ما أَوْقَعْت الْآنَ ولم نُخْرِجْك من الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ فَأَنَا على يَقِينٍ من أَنَّهُ أَوْقَعَ على إحْدَاهُمَا وَلَا نَخْرُجُك منه إلَّا بِأَنْ تَزْعُمَ أَنْ تُخْرِجَهُ على وَاحِدَةٍ بِعَيْنِهَا دُونَ الْأُخْرَى وَإِنْ قُلْته فَأَرَدْت الْأُخْرَى أَحَلَفْنَاك لها فَإِنْ لم يَقُلْ أَرَدْت وَاحِدَةً بِعَيْنِهَا ولم يَحْلِفْ حتى مَاتَتْ إحْدَاهُمَا وَقَفْنَا له مِيرَاثَهُ منها فَإِنْ زَعَمَ أَنَّ التي طَلَّقَ الْحَيَّةُ وَرَّثْنَا من الْمَيِّتَةِ وَإِنْ أَرَادَ وَرَثَتُهَا أَحَلَفْنَاهُ لهم ما طَلَّقَهَا وَجَعَلْنَا له مِيرَاثَهُ منها إذَا كنا لَا نَعْرِفُ أَيَّتَهمَا طَلَّقَ إلَّا بِقَوْلِهِ فَسَوَاءٌ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا وَبَقِيَتْ الْأُخْرَى أو مَاتَتَا مَعًا أو لم يَمُوتَا وَهَكَذَا لو مَاتَتْ إحْدَاهُمَا قبل الْأُخْرَى أو مَاتَتَا جميعا مَعًا أو لم يَعْرِفْ أَيَّتَهمَا مَاتَتْ قَبْلُ وَقَفْنَا له من كل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِيرَاثَ زَوْجٍ فإذا قال لِإِحْدَاهُمَا هِيَ التي طَلَّقْت ثَلَاثًا رَدَدْنَا على أَهْلِهَا ما وَقَفْنَا لِزَوْجِهَا وأحلفناه لِوَرَثَةِ الْأُخْرَى إنْ شاؤوا فَجَعَلْنَا له مِيرَاثَهُ منها وَإِنْ كان في ورثتها ( ( ( وريثها ) ) ) صِغَارٌ ولم يُرِدْ الْكِبَارُ يَمِينَهُ لم نُعْطِهِ مِيرَاثَهَا إلَّا بِيَمِينٍ وَهَكَذَا إنْ كان فِيهِمْ غَائِبٌ وَلَوْ كان الطَّلَاقُ في هذا كُلِّهِ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فَمَاتَتَا في الْعِدَّةِ وَرِثَهُمَا أو مَاتَ وَرِثَتَاهُ لِأَنَّهُمَا مَعًا في مَعَانِي الْأَزْوَاجِ في الْمِيرَاثِ وَأَكْبَرِ أَمْرِهِمَا وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وكان هو الْمَيِّتُ قَبْلَهُمَا وَالطَّلَاقُ ثَلَاثًا وَقَفْنَا لَهُمَا مِيرَاثَ امْرَأَةٍ حتى يَصْطَلِحَا لِأَنَّا لو قَسَمْنَاهُ بَيْنَهُمَا أَيْقَنَّا أَنَّا قد مَنَعْنَا الزَّوْجَةَ نِصْفَ حَقِّهَا وَأَعْطَيْنَا غير الزَّوْجَةِ نِصْفَ حَقِّ الزَّوْجَةِ وإذا وَقَفْنَاهُ فَإِنْ عَرَفْنَاهُ لِإِحْدَاهُمَا فلما لم يُبَيِّنْ لِأَيِّهِمَا هو وَقَفْنَاهُ حتى نَجِدَ على الزَّوْجِ بَيِّنَةً نَأْخُذَ بها أو تَصَادَقَا مِنْهُمَا فَيَلْزَمُهُمَا أَنْ يَصْطَلِحَا فَتَكُونَ إحْدَاهُمَا قد عَفَتْ بَعْضَ حَقِّهَا
____________________

(5/263)


أو تَرَكَتْ ما ليس لها فَلَا يَكُونُ لنا في صُلْحِهِمَا حُكْمٌ أَلْزَمْنَاهُمَا كَارِهِينَ وَلَا إحْدَاهُمَا وَلَوْ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا قَبْلَهُ ثُمَّ مَاتَ قبل أَنْ يُبَيِّنَ ثُمَّ مَاتَتْ الْأُخْرَى بَعْدَهُ سُئِلَ الْوَرَثَةُ فَإِنْ قالوا إنَّ طَلَاقَهُ قد وَقَعَ على الْمَيِّتَةِ وَرِثَتْهُ الْحَيَّةُ بِلَا يَمِينٍ على وَاحِدٍ منهم لِأَنَّهُمْ يُقِرُّونَ أَنَّ في مَالِهِ حَقًّا لِلْحَيَّةِ وَلَا حَقَّ له في مِيرَاثِ الْمَيِّتَةِ وَهَذَا إذَا كان الْوَرَثَةُ كِبَارًا رَشَدًا يَكُونُ أَمْرُهُمْ في أَمْوَالِهِمْ جَائِزًا وَإِنْ كان فِيهِمْ صَغِيرٌ جَازَ في حَقِّ الْكِبَارِ الرُّشْد إقْرَارُهُمْ وَوُقِفَ لِلزَّوْجِ الْمَيِّتِ حِصَّةُ الصِّغَارِ وَمَنْ كان كَبِيرًا غير رَشِيدٍ من مِيرَاثِ زَوْجٍ حتى يَبْلُغُوا الرُّشْدَ وَالْحُلُمَ وَالْمَحِيضَ وَوُقِفَ لِلزَّوْجَةِ الْحَيَّةِ بَعْدَ حِصَّتِهَا من مِيرَاثِ امْرَأَةٍ حتى يَبْلُغُوا وَلَوْ كان الْوَرَثَةُ كِبَارًا فَقَالُوا التي طَلَّقَ ثَلَاثًا هِيَ الْمَرْأَةُ الْحَيَّةُ بَعْدَهُ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُمْ يَقُومُونَ مَقَامَ الْمَيِّتِ فَيَحْلِفُونَ على الْبَتِّ أَنَّ فُلَانَةَ الْحَيَّةَ بَعْدَهُ التي طَلَّقَ ثَلَاثًا وَلَا يَكُونُ لها مِيرَاثٌ منه وَيَأْخُذُونَ له مِيرَاثَهُ من الْمَيِّتَةِ قَبْلَهُ كما يَكُونُ له الْحَقُّ بِشَاهِدٍ فَيَحْلِفُونَ أَنَّ حَقَّهُ لِحَقٍّ وَيَقُومُونَ مَقَامَهُ في الْيَمِينِ وَالْيَمِينُ على الْبَتِّ لِأَنَّهُمْ قد يَعْلَمُونَ ذلك بِخَبَرِهِ وَخَبَرِ من يُصَدِّقُونَ غَيْرَهُ وَإِنْ كان فِيهِمْ صِغَارٌ وُقِفَ حَقُّ الصِّغَارِ من مِيرَاثِ الْأَبِ من الْمَيِّتَةِ قَبْلَهُ حتى يَحْلِفُوا فَيَأْخُذُوهُ أو يَنْكُلُوا فَيَبْطُلَ أو يَمُوتُوا فَيَقُومَ وَرَثَتُهُمْ مَكَانَهُمْ كما يَكُونُ فِيمَا وَصَفْنَا من يَمِينٍ وَشَاهِدٍ وَيُوقَفُ قَدْرُ حَقِّهِمْ من مِيرَاثِ أَبِيهِمْ لِلْمَرْأَةِ الْحَيَّةِ بَعْدَهُ لِيُقِرُّوا لها فَيَأْخُذُوهُ وَيَبْطُلُ حَقُّهُمْ من الْأُخْرَى وَيَحْلِفُوا فَيَأْخُذُوا حَقَّهُمْ من الْأُخْرَى وَيَبْطُلُ حَقُّهَا الذي وُقِفَ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنْ يُوقَفَ له مِيرَاثُ زَوْجٍ من الْمَيِّتَةِ قَبْلَهُ وَلِلْمَيِّتَةِ بَعْدَهُ مِيرَاثُ امْرَأَةٍ منه حتى تَقُومَ بَيِّنَةٌ أو يَصْطَلِحَ وَرَثَتُهُ وَوَرَثَتُهَا (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ رَأَى امْرَأَةً من نِسَائِهِ مُطَّلِعَةً فقال أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وقد أَثْبَتَ أنها من نِسَائِهِ وَلَا يدرى أَيَّتَهنَّ هِيَ فقالت كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ أنا هِيَ أو جَحَدَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ أَنْ تَكُونَ هِيَ أو ادَّعَتْ ذلك وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ او اثْنَتَانِ وَجَحَدَ الْبَوَاقِي فَسَوَاءٌ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ على وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ إلَّا أَنْ يَقُولَ هِيَ هذه فإذا قال لِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ هِيَ هذه وَقَعَ عليها الطَّلَاقُ وَمَنْ سَأَلَ مِنْهُنَّ أَنْ يَحْلِفَ لها ما طَلَّقَهَا أُحْلِفَ وَمَنْ لم تَسْأَلْ لم يَحْلِفْ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ على وَاحِدَةٍ ولم نَعْلَمْهُ طَلَّقَ اثْنَتَيْنِ وَلَوْ أَقَرَّ لِوَاحِدَةٍ ثُمَّ قال أَخْطَأْت هِيَ هذه الْأُخْرَى لَزِمَهُ الطَّلَاقُ ( 1 ) لِلْأُولَى التي أَقَرَّ لها وَهَكَذَا لو صَنَعَ هذا فِيهِنَّ كُلِّهِنَّ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ لَهُنَّ كُلِّهِنَّ وَلَوْ قال هِيَ هذه أو هذه أو هذه بَلْ هذه لَزِمَهُ طَلَاقُ التي قال بَلْ هذه وَطَلَاقُ إحْدَى الِاثْنَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قال هِيَ هذه أو هذه وَلَوْ قال هِيَ هذه بَلْ هذه طَلُقَتْ الْأُولَى وَوَقَعَ على الثَّانِيَةِ التي قال بَلْ هذه وَلَوْ قال إحْدَاكُنَّ طَالِقٌ ثُمَّ قال في وَاحِدَةٍ هِيَ هذه ثُمَّ قال وَاَللَّهِ ما أَدْرِي أَهِيَ هِيَ أو غَيْرُهَا طَلُقَتْ الْأُولَى بِالْإِقْرَارِ وَوُقِفَ عن الْبَوَاقِي ولم يَكُنْ كَاَلَّذِي قال على الِابْتِدَاءِ ما أَدْرِي أَطَلَّقْت أو لَا هذا مُطَلِّقٌ بِيَقِينٍ ثُمَّ أَقَرَّ لِوَاحِدَةٍ فَأَلْزَمْنَا له الْإِقْرَارَ ثُمَّ أَخْبَرْنَا أَنَّهُ لَا يدرى أَصَدَقَ في إقْرَارِهِ فَحَلَّ له مِنْهُنَّ غَيْرُهَا أو لم يَصْدُقْ فَتَكُونُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ مُحَرَّمَةً عليه وَيَكُونُ في الْبَوَاقِي كَهُوَ في الِابْتِدَاءِ ما كان مُقِيمًا على الشَّكِّ فإذا قال قد اسْتَيْقَنْت أَنَّ الذي قُلْت أَوَّلًا هِيَ التي طَلَّقْت كما قُلْت فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَأَيَّتُهُنَّ أَرَادَتْ أَنْ أُحَلِّفَهُ لها أَحَلَفْتَهُ وَلَوْ قال هِيَ هذه ثُمَّ قال ما أَدْرِي أَهِيَ هِيَ أَمْ لَا ثُمَّ مَاتَ قبل أَنْ يَتَبَيَّنَ لم تَرِثْهُ التي قال هِيَ هذه إنْ كان لَا يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا وَوَرِثَهُ الثَّلَاثُ مَعًا وَلَا يَمْنَعْنَ مِيرَاثَهُ بِالشَّكِّ في طَلَاقِهِنَّ وَلَا طَلَاقِ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَلَوْ قال على الِابْتِدَاءِ ما أَدْرِي أَطَلَّقْت نِسَائِي أَمْ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ أَمْ لَا ثُمَّ مَاتَ وَرِثْنَهُ مَعًا وَلَا يَمْنَعْنَ مِيرَاثَهُ بِالشَّكِّ في طَلَاقِهِنّ

(5/264)


- * الايلاء وَاخْتِلَافُ الزَّوْجَيْنِ في الْإِصَابَةِ - *
( أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ ) قال أخبرنا محمد بن إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ قال قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ من نِسَائِهِمْ تَرَبَّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤوا ( ( ( فاءوا ) ) ) فإن اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فإن اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }
قال الشَّافِعِيُّ أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ قال أَدْرَكْت بِضْعَةَ عَشَرٍ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كلهم يقول بِوَقْفِ الْمُولِي
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن أبي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عن الشَّعْبِيِّ عن عَمْرِو بن سَلَمَةَ قال شَهِدْت عَلِيًّا رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَوْقَفَ المولى
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ عن لَيْثِ بن أبي سُلَيْمٍ عن مُجَاهِدٍ عن مَرْوَانَ بن الْحَكَمِ أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَوْقَفَ المولى
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ عن مِسْعَرِ بن كِدَامٍ عن حَبِيبِ بن أبي ثَابِتٍ عن طَاوُسٍ أَنَّ عُثْمَانَ بن عَفَّانَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يُوقِفُ المولى
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا سُفْيَانُ عن أبي الزِّنَادِ عن الْقَاسِمِ بن مُحَمَّدٍ قال كانت عَائِشَةُ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنها إذَا ذُكِرَ لها الرَّجُلُ يَحْلِفُ أَنْ لَا يَأْتِيَ امْرَأَتَهُ فَيَدَعُهَا خمسة خَمْسَةَ أَشْهُرٍ لَا تَرَى ذلك شيئا حتى يُوقِفَ وَتَقُولُ كَيْفَ قال اللَّهُ عز وجل { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أو تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ }
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ قال إذَا آلَى الرَّجُلُ من امْرَأَتِهِ لم يَقَعْ عليه طَلَاقٌ وَإِنْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ حتى يُوقِفَ فَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ وَإِمَّا أَنْ يَفِيءَ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن جَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ عن أبيه أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يُوقِفُ المولى - * الْيَمِينُ التي يَكُونُ بها الرَّجُلُ مُولِيًا - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَمَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ عز وجل فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إذَا حَنِثَ وَمَنْ حَلَفَ بِشَيْءٍ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَيْسَ بِحَانِثٍ وَلَا كَفَّارَةَ عليه إذَا حَنِثَ والمولى من حَلَفَ بِيَمِينٍ يَلْزَمُهُ بها كَفَّارَةٌ وَمَنْ أَوْجَبَ على نَفْسِهِ شيئا يَجِبُ عليه إذَا أَوْجَبَهُ فأوجبه على نَفْسِهِ إنْ جَامَعَ امْرَأَتَهُ فَهُوَ في مَعْنَى المولى لِأَنَّهُ لَا يَعْدُو أَنْ يَكُونَ مَمْنُوعًا من الْجِمَاعِ إلَّا بِشَيْءٍ يَلْزَمُهُ بِهِ وما أَلْزَمَ نَفْسَهُ مِمَّا لم يَكُ يَلْزَمُهُ قبل إيجَابِهِ أو كَفَّارَةُ يَمِينٍ ( قال ) وَمَنْ أَوْجَبَ على نَفْسِهِ شيئا لَا يَجِبُ عليه ما أَوْجَبَ وَلَا بَدَلَ منه فَلَيْسَ بِمُولٍ وهو خَارِجٌ من الْإِيلَاءِ وَمَنْ حَلَفَ بِاسْمٍ من أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كما لو حَلَفَ بِاَللَّهِ عز وجل وَجَبَ عليه الْكَفَّارَةُ وإذا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك يَعْنِي الْجِمَاعَ أو تَاللَّهِ أو بِاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك فَهُوَ مُولٍ في هذا كُلِّهِ وَإِنْ قال اللَّهُ لَا أَقْرَبُك فَإِنْ أَرَادَ الْيَمِينَ فَهُوَ مُولٍ وَإِنْ لم يُرِدْ الْيَمِينَ فَلَيْسَ بِمُولٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِظَاهِرِ الْيَمِينِ وإذا قال هايم ( ( ( هائم ) ) ) اللَّهِ أو أَيْمُ اللَّهِ أو وَرَبِّ الْكَعْبَةِ أو وَرَبِّ الناس أو وَرَبِّي أو وَرَبِّ كل شَيْءٍ أو وَخَالِقِي أو خَالِقِ كل شَيْءٍ أو وَمَالِكِي أو وَمَالِكِ كل شَيْءٍ لَا أَقْرَبُك فَهُوَ في هذا كُلِّهِ مُولٍ وَكَذَا إنْ قال أُقْسِمُ بِاَللَّهِ أو أَحْلِفُ بِاَللَّهِ أو أُولِي بِاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك فَهُوَ مُولٍ وَإِنْ قال أَقْسَمْت بِاَللَّهِ أو آلَيْتَ بِاَللَّهِ أو حَلَفْت بِاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك سُئِلَ فَإِنْ قال عَنَيْت بهذا إيقَاعَ الْيَمِينِ كان مُولِيًا وَإِنْ قال عَنَيْت أَنِّي آلَيْتَ منها مَرَّةً فَإِنْ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْيَمِينُ التي فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى كَفَّارَتَهَا الْيَمِينُ بِاَللَّهِ عز وجل وَلَا يَحْلِفُ بِشَيْءٍ دُونَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِقَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ فَمَنْ كان حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أو لِيَصْمُتْ

(5/265)


عَرَّفَ ذلك باعتراف ( ( ( اعتراف ) ) ) منها أو بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عليه أَنَّهُ حَلَفَ مَرَّةً فَهُوَ كما قال وَلَيْسَ بِمُولٍ وهو خَارِجٌ من حُكْمِ ذلك الْإِيلَاءِ وَإِنْ لم تَقُمْ بَيِّنَةٌ ولم تَعْرِفْ الْمَرْأَةُ فَهُوَ مُولٍ في الْحُكْمِ وَلَيْسَ بِمُولٍ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عز وجل وَكَذَلِكَ إنْ قال أَرَدْت الْكَذِبَ وَإِنْ قال أنا مُولٍ مِنْك أو على يَمِينٌ إنْ قَرِبْتُك أو على كَفَّارَةُ يَمِينٍ إنْ قَرِبْتُك فَهُوَ مُولٍ في الْحُكْمِ فَإِنْ قال أَرَدْت بِقَوْلِي أَحْلِفُ بِاَللَّهِ أَنِّي سَأَحْلِفُ بِهِ فَلَيْسَ بِمُولٍ وإذا قال لِامْرَأَتِهِ مَالِي في سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى أو عَلَيَّ مَشْيٌ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أو عَلَيَّ صَوْمُ كَذَا أو نَحْرُ كَذَا من الْإِبِلِ إنْ قَرِبْتُك فَهُوَ مُولٍ لِأَنَّ هذا إمَّا لَزِمَهُ وَإِمَّا لَزِمَتْهُ بِهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ قال وَالْكَعْبَةِ أو عَرَفَةَ أو وَالْمَشَاعِرِ أو وَزَمْزَمَ أو وَالْحَرَمِ أو وَالْمَوَاقِفِ أو الْخُنَّسِ أو وَالْفَجْرِ أو وَاللَّيْلِ أو وَالنَّهَارِ أو وَشَيْءٍ مِمَّا يُشْبِهُ هذا لَا أَقْرَبُك لم يَكُنْ مُولِيًا لِأَنَّ كُلَّ هذا خَارِجٌ من الْيَمِينِ وَلَيْسَ بِتَبَرُّرٍ ولاحق لِآدَمِيٍّ يَلْزَمُ حتى يُلْزِمَهُ الْقَائِلُ له نَفْسُهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَذَلِكَ إنْ قال إنْ قَرِبْتُك فأناا ( ( ( فأنا ) ) ) أَنْحَرُ ابْنَتِي أو ابْنِي أو بَعِيرَ فُلَانٍ أو أَمْشِي إلَى مَسْجِدِ مِصْرَ أو مَسْجِدِ غَيْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أو مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أو مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لم يَلْزَمْهُ بهذا إيلَاءٌ لِأَنَّهُ ليس بِيَمِينٍ وَلَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ إلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ بِتَرْكِهِ وَإِنْ قال إنْ قَرِبْتُك فَأَنَا أَمْشِي إلَى مَسْجِدِ مَكَّةَ كان مُولِيًا لِأَنَّ الْمَشْيَ إلَيْهِ أَمْرٌ يَلْزَمُهُ أو يَلْزَمُهُ بِهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِيلَاءُ حتى يُصَرِّحَ بِأَحَدِ أَسْمَاءِ الْجِمَاعِ التي هِيَ صَرِيحَةٌ وَذَلِكَ وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُك أو وَاَللَّهِ لَا أُغَيِّبُ ذَكَرِي في فَرْجِك أو لَا أُدْخِلُهُ في فَرْجِك أو لَا أُجَامِعُك أو يقول إنْ كانت عَذْرَاءَ وَاَللَّهِ لَا أَفْتَضُّك أو ما في هذا الْمَعْنَى فَإِنْ قال هذا فَهُوَ مُولٍ في الْحُكْمِ وَإِنْ قال لم أُرِدْ الْجِمَاعَ نَفْسَهُ كان مَدِينًا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عز وجل ولم يدين ( ( ( يدن ) ) ) في الْحُكْمِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ قال وَاَللَّهِ لَا أُبَاشِرُك أو وَاَللَّهِ لَا أُبَاضِعُكِ أو وَاَللَّهِ لَا أُلَامِسُك أو لَا أَلْمِسُك أو لَا أرشفك أو ما أَشْبَهَ هذا فَإِنْ أَرَادَ الْجِمَاعَ نَفْسَهُ فَهُوَ مُولٍ وَإِنْ لم يُرِدْهُ فَهُوَ مَدِينٌ في الْحُكْمِ وَالْقَوْلُ فيه قَوْلُهُ وَمَتَى قُلْت الْقَوْلُ قَوْلُهُ فَطَلَبَتْ يَمِينَهُ أَحَلَفْتَهُ لها فيه ( قال ) وَلَوْ قال وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُك إلَّا جِمَاعَ سُوءٍ فَإِنْ قال عَنَيْت لَا أُجَامِعُك إلَّا في دُبُرِك فَهُوَ مُولٍ وَالْجِمَاعُ نَفْسُهُ في الْفَرْجِ لَا الدُّبُرِ وَلَوْ قال عَنَيْت لَا أُجَامِعُك إلَّا بِأَنْ لَا أُغَيِّبَ فِيك الْحَشَفَةَ فَهُوَ مُولٍ لِأَنَّ الْجِمَاعَ الذي له الْحُكْمُ إنَّمَا يَكُونُ بتغييب ( ( ( بتغيب ) ) ) الْحَشَفَةِ وَإِنْ قال عَنَيْت لَا أُجَامِعُك إلَّا جِمَاعًا قَلِيلًا أو ضَعِيفًا أو مُتَقَطِّعًا أو ما أَشْبَهَ هذا فَلَيْسَ بِمُولٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنْ قال وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُك في دُبُرِك فَهُوَ مُحْسِنٌ غَيْرُ مُولٍ لِأَنَّ الْجِمَاعَ في الدُّبُرِ لَا يَجُوزُ وَكَذَلِكَ إنْ قال وَاَللَّهِ أُجَامِعُك في كَذَا من جَسَدِك غير الْفَرْجِ لَا يَكُونُ مُولِيًا إلَّا بِالْحَلِفِ على الْفَرْجِ أو الْحَلِفِ مُبْهَمًا فَيَكُونُ ظَاهِرُهُ الْجِمَاعَ على الْفَرْجِ وَإِنْ قال وَاَللَّهِ لَا أَجْمَعُ رَأْسِي وَرَأْسَك بِشَيْءٍ أو وَاَللَّهِ لَأَسُوأَنَّكِ أو لَأَغِيظَنَّكِ أو لَا أَدْخُلُ عَلَيْك أو لَا تَدْخُلِينَ عَلَيَّ أو لَتَطُولَنَّ غَيْبَتِي عَنْك أو ما أَشْبَهَ هذا فَكُلُّهُ سَوَاءٌ لَا يَكُونُ مُولِيًا إلَّا بِأَنْ يُرِيدَ الْجِمَاعَ وَإِنْ قال وَاَللَّهِ لَيَطُولَنَّ عَهْدِي بِجِمَاعِك أو لَيَطُولَنَّ تَرْكِي لِجِمَاعِك فَإِنْ عني أَكْثَرَ من أربعة ( ( ( أربع ) ) ) أَشْهُرٍ مُسْتَقْبَلَةٍ من يَوْمِ حَلَفَ فَهُوَ مُولٍ وَإِنْ عَنَى أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أو أَقَلَّ لم يَكُنْ مُولِيًا وَإِنْ قال وَاَللَّهِ لَا أَغْتَسِلُ مِنْك وَلَا أَجْنَبُ مِنْك وقال أَرَدْت أَنْ أُصِيبَهَا وَلَا أُنْزِلُ وَلَسْت أَرَى الْغُسْلَ إلَّا على من أَنْزَلَ وَلَا الْجَنَابَةَ دِينَ في الْقَضَاءِ وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ قال أَرَدْت أَنْ أُصِيبَهَا وَلَا أَغْتَسِلُ منها حتى أُصِيبَ غَيْرَهَا فَأَغْتَسِلَ منه دِينَ أَيْضًا وَإِنْ قال أَرَدْت أَنْ أُصِيبَهَا وَلَا أَغْتَسِلَ وَإِنْ وَجَبَ الْغُسْلُ لم يدين ( ( ( يدن ) ) ) في الْقَضَاءِ وَدِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عز وجل + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا قال إنْ قَرِبْتُك فَغُلَامِي فُلَانٌ حُرٌّ أو امْرَأَتِي فُلَانَةُ طَالِقٌ فَهُوَ مُولٍ وَالْفَرْقُ بين الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ وما وَصَفْت أَنَّ الْعِتْقَ وَالطَّلَاقَ حَقَّانِ لِآدَمِيَّيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا يَقَعَانِ بِإِيقَاعِ صَاحِبِهِمَا وَيُلْزِمَانِ تَبَرُّرًا أو غير تَبَرُّرٍ وما سِوَى هذا إنَّمَا يَلْزَمُ بِالتَّبَرُّرِ

(5/266)


وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك ثُمَّ قال في ذلك الْمَجْلِسِ أو بَعْدَهُ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك وَفُلَانَةَ لِامْرَأَةٍ له أُخْرَى طَالِقٌ أو قال في مَجْلِسٍ آخَرَ فُلَانٌ غُلَامُهُ حُرٌّ إنْ قَرِبْتُك فَهُوَ مُولٍ يُوقَفُ وَقْفًا وَاحِدًا وإذا أَصَابَ حَنِثَ بِجَمِيعِ ما حَلَفَ ( قال ) وَكَذَلِكَ لو قال لها وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك خَمْسَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ قال في يَمِينٍ أُخْرَى لَا أَقْرَبُك سِتَّةَ أَشْهُرٍ وُقِفَ وَقْفًا وَاحِدًا وَحَنِثَ إذَا أَصَابَ بِجَمِيعِ الْأَيْمَانِ وَإِنْ قال وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أو أَقَلَّ ثُمَّ قال وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك خَمْسَةَ أَشْهُرٍ كان مُولِيًا بِيَمِينِهِ لَا يَقْرَبُهَا خَمْسَةَ أَشْهُرٍ وَغَيْرَ مُولٍ بِالْيَمِينِ التي دُونَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ كان آلَى منها سَنَةً فَتَرَكَتْهُ حتى مَضَتْ سَقَطَ الْإِيلَاءُ وَلَوْ لم تَدَعْهُ فَوُقِفَ لها ثُمَّ طَلَّقَ ثُمَّ رَاجَعَ كان كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فإذا مَضَتْ له أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بَعْدَ الرَّجْعَةِ وُقِفَ إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ السَّنَةُ قبل ذلك وَلَوْ قال رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ يُرِيدُ تَحْرِيمَهَا بِلَا طَلَاقٍ أو الْيَمِينَ بِتَحْرِيمِهَا فَلَيْسَ بِمُولٍ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ شَيْءٌ حُكِمَ فيه بِالْكَفَّارَةِ إذَا لم يَقَعْ بِهِ الطَّلَاقُ كما لَا يَكُونُ الظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ طَلَاقًا وَإِنْ أُرِيدَ بِهِمَا الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ حُكِمَ فِيهِمَا بِكَفَّارَةٍ ( قال الرَّبِيعُ ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ إذَا قال لِامْرَأَتِهِ إنْ قَرِبْتُك فَأَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَلَا يُرِيدُ طلقا ( ( ( طلاقا ) ) ) وَلَا إيلَاءً فَهُوَ مُولٍ يَعْنِي قَوْلَهُ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ قال لِامْرَأَتِهِ إنْ قَرِبْتُك فَعَبْدِي فُلَانٌ حُرٌّ عن ظِهَارِي
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كانت يَمِينُهُ على أَكْثَرَ من أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَتَرَكَتْ وَقْفَهُ عِنْدَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ كان لها وَقْفُهُ ما بَقِيَ عليه من الْإِيلَاءِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ من الْجِمَاعِ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ بِيَمِينٍ ( قال ) وَلَوْ قال لها وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك خَمْسَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ قال غُلَامِي حُرٌّ إنْ قَرِبْتُك إذَا مَضَتْ الْخَمْسَةُ الْأَشْهُرُ فَتَرَكَتْهُ حتى مَضَتْ خَمْسَةُ أَشْهُرٍ أو أَصَابَهَا فيها خَرَجَ من حُكْمِ الْإِيلَاءِ فيها فَإِنْ طَلَبَتْ الْوَقْفَ لم يُوقَفْ لها حتى تَمْضِيَ الْخَمْسَةُ الْأَشْهُرُ من الْإِيلَاءِ الذي أَوْقَعَ آخِرًا ثُمَّ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بَعْدَهُ ثُمَّ يُوقَفُ وَكَذَلِكَ لو قال على الِابْتِدَاءِ إذَا مَضَتْ خَمْسَةُ أَشْهُرٍ أو سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك لم يَكُنْ مُولِيًا حتى يَمْضِيَ خَمْسَةُ أَشْهُرٍ أو سِتَّةُ أَشْهُرٍ ثُمَّ يُوقَفَ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ من يَوْمِ أَوْقَعَ الْإِيلَاءَ لِأَنَّهُ إنَّمَا ابْتَدَأَهُ من يَوْمِ أَوْقَعَهُ وَلَوْ قال وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك خَمْسَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ قال إذَا مَضَتْ خَمْسَةُ أَشْهُرٍ فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك سَنَةً فَوُقِفَ في الْإِيلَاءِ الْأَوَّلِ فَطَلَّقَ ثُمَّ رَاجَعَ فإذا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بَعْدَ رَجْعَتِهِ وَبَعْدَ الْخَمْسَةِ الْأَشْهُرِ وُقِفَ فَإِنْ كانت رَجْعَتُهُ في وَقْتٍ لم يَبْقَ عليه فيه من السَّنَةِ إلَّا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أو أَقَلَّ لم يُوقَفْ لِأَنِّي أَجْعَلُ له أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ من يَوْمِ يَحِلُّ له الْفَرْجُ وَيَجِبُ عليه الْإِيلَاءُ فإذا جَعَلْته هَكَذَا فَلَا وَقْفَ عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ قال وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك إنْ شِئْت فَلَيْسَ بِمُولٍ إلَّا أَنْ تَشَاءَ فَإِنْ شَاءَتْ فَهُوَ مُولٍ وَإِنْ قال وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك كُلَّمَا شِئْت فَإِنْ أَرَادَ بها كُلَّمَا شَاءَتْ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا لم يَقْرَبْهَا فَشَاءَتْ أَنْ لَا يقربه ( ( ( يقربها ) ) ) اكان مُولِيًا وَلَا يَكُونُ مُولِيًا حتى تَشَاءَ وَإِنْ قال أَرَدْت أَنِّي لَا أَقْرَبُك في كل حِينٍ شِئْت فيه أَنْ أَقْرَبَك لَا أَنِّي حَلَفْت لَا أَقْرَبُك بِمِثْلِ الْمَعْنَى قبل هذا وَلَكِنِّي أَقْرَبُك كُلَّمَا أَشَاءُ لَا كُلَّمَا تَشَائِينَ فَلَيْسَ بِمُولٍ وَإِنْ قال إنْ قَرِبْتُك فَعَلَيَّ يَمِينٌ أو كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَهُوَ مُولٍ في الْحُكْمِ وَإِنْ قال لم أُرِدْ إيلَاءً دِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عز وجل وَإِنْ قال عَلَيَّ حَجَّةٌ إنْ قَرِبْتُك فَهُوَ مُولٍ وَإِنْ قال إنْ قَرِبْتُك فَعَلَيَّ حَجَّةٌ بعد ما أَقْرَبُك فَهُوَ مُولٍ وَإِنْ قال إن قَرِبْتُك فَعَلَيَّ صَوْمُ هذا الشَّهْرِ كُلِّهِ لم يَكُنْ مُولِيًا كما لَا يَكُونُ مُولِيًا لو قال إنْ قَرِبْتُك فَعَلَيَّ صَوْمُ أَمْسِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ صَوْمُ أَمْسِ لو نَذَرَهُ بِالتَّبَرُّرِ فإذا لم يَلْزَمْهُ بِالتَّبَرُّرِ لم يَلْزَمْهُ بِالْإِيلَاءِ وَلَكِنَّهُ لو اصابها وقد بَقِيَ عليه من الشَّهْرِ شَيْءٌ كانت عليه كَفَّارَةُ يَمِينٍ أو صَوْمُ ما بَقِيَ منه وإذا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ إنْ قَرِبْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وُقِفَ فَإِنْ فَاءَ فإذا غَابَتْ الْحَشَفَةُ طَلُقَتْ ثَلَاثًا فَإِنْ أَخْرَجَهُ ثُمَّ أَدْخَلَهُ بَعْدُ فَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا فَإِنْ أَبَى أَنْ يَفِيءَ طَلَّقَ عليه وَاحِدَةً فَإِنْ رَاجَعَ كانت له أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وإذا مَضَتْ وُقِفَ ثُمَّ هَكَذَا حتى تَنْقَضِيَ طَلَاقُ هذا الْمِلْكِ وَتَحْرُمَ عليه حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ثُمَّ إنْ نَكَحَهَا بَعْدَ زَوْجٍ فَلَا إيلَاءَ وَلَا طَلَاقَ وَإِنْ أَصَابَهَا كَفَّرَ

(5/267)


فَإِنْ كان متظهرا فَهُوَ مُولٍ مالم يَمُتْ الْعَبْدُ أو يَبِعْهُ أو يُخْرِجْهُ من مِلْكِهِ وَإِنْ كان غير متظهر فَهُوَ مُولٍ في الْحُكْمِ لِأَنَّ ذلك إقْرَارٌ منه بِأَنَّهُ متظهر وَإِنْ وَصَلَ الْكَلَامَ فقال إنْ قَرِبْتُك فَعَبْدِي فُلَانٌ حُرٌّ عن ظِهَارِي إنْ تظهرت لم يَكُنْ مُولِيًا حتى يتظهر فإذا تَظَهَّرَ وَالْعَبْدُ في مِلْكِهِ كان مُولِيًا لِأَنَّهُ حَالِفٌ حِينَئِذٍ بِعِتْقِهِ ولم يَكُنْ أَوَّلًا حَالِفًا فَإِنْ قال إنْ قَرِبْتُك فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ فلان ( ( ( فلانا ) ) ) عن ظِهَارِي وهو متظهر كان مُولِيًا وَلَيْسَ عليه أَنْ يُعْتِقَ فُلَانًا عن ظِهَارِهِ وَعَلَيْهِ فيه كَفَّارَةُ يَمِينٍ لِأَنَّهُ يَجِبُ لِلَّهِ عليه عِتْقُ رَقَبَةٍ فَأَيُّ رَقَبَةٍ أَعْتَقَهَا غَيْرَهُ أَجْزَأَتْ عنه وَلَوْ كان عليه صَوْمُ يَوْمٍ فقال لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ يوم الْخَمِيسِ عن الْيَوْمِ الذي عَلَيَّ لم يَكُنْ عليه صَوْمُهُ لِأَنَّهُ لم يَنْذُرْ فيه بِشَيْءٍ يَلْزَمُهُ وَأَنَّ صَوْمَ يَوْمٍ لَازِمٌ له فَأَيُّ يَوْمٍ صَامَهُ أَجْزَأَ عنه وَلَوْ صَامَهُ بِعَيْنِهِ أَجْزَأَ عنه من الصَّوْمِ الْوَاجِبِ لَا من النَّذْرِ وَهَكَذَا لو أَعْتَقَ فُلَانًا عن ظِهَارِهِ أَجْزَأَ عنه وَسَقَطَتْ عنه الْكَفَّارَةُ ( قال ) وإذا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ إنْ قَرِبْتُك فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ لَا أَقْرَبَك لم يَكُنْ مُولِيًا لِأَنَّهُ لو كان قال لها ابْتِدَاءً لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ لَا أَقْرَبَك لم يَكُنْ مُولِيًا لِأَنَّهُ لَا حَالِفَ وَلَا عليه نَذْرٌ في مَعَانِي الْأَيْمَانِ يَلْزَمُهُ بِهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَهَذَا نَذْرٌ في مَعْصِيَةٍ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْإِيلَاءُ في الْغَضَبِ وَالرِّضَا سَوَاءٌ كما يَكُونُ الْيَمِينُ في الْغَضَبِ وَالرِّضَاءِ سَوَاءٌ وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَا عليهالإيلاء بِمَا جَعَلَهُ اللَّهُ عز وجل من الْيَمِينِ وقد أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْإِيلَاءَ مُطْلَقًا لم يذكر فيه غَضَبًا وَلَا رِضًا أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لو تَرَكَ امْرَأَتَهُ عُمْرَهُ لَا يُصِيبُهَا ضِرَارًا لم يَكُنْ مُولِيًا وَلَوْ كان الْإِيلَاءُ إنَّمَا يَجِبُ بِالضِّرَارِ وَجَبَ على هذا وَلَكِنَّهُ يَجِبُ بِمَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ عز وجل وقد أَوْجَبَهُ مُطْلَقًا - * الْمَخْرَجُ من الْإِيلَاءِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمِنْ أَصْلِ مَعْرِفَةِ الْإِيلَاءِ أَنْ يَنْظُرَ كُلَّ يَمِينٍ مَنَعَتْ الْجِمَاعَ بِكُلِّ حَالٍ أَكْثَرَ من أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إلَّا بِأَنْ يَحْنَثَ الْحَالِفُ فَهُوَ مُولٍ وَكُلُّ يَمِينٍ كان يَجِدُ السَّبِيلَ إلَى الْجِمَاعِ بِحَالٍ لَا يَحْنَثُ فيها وَإِنْ حَنِثَ في غَيْرِهَا فَلَيْسَ بِمُولٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَكُلُّ حَالِفٍ مُولٍ وَإِنَّمَا مَعْنَى قَوْلِي ليس بِمُولٍ ليس يَلْزَمُهُ حُكْمُ الْإِيلَاءِ من فَيْئَةٍ أو طَلَاقٍ وَهَكَذَا ما أُوجِبَ مِمَّا وَصَفْته في مِثْلِ مَعْنَى الْيَمِينِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن إسْمَاعِيلَ بن إبْرَاهِيمَ بن الْمُهَاجِرِ عن أبيه عن مُجَاهِدٍ قال تَزَوَّجَ بن الزُّبَيْرِ أو الزُّبَيْرُ ( شَكَّ الرَّبِيعُ ) امْرَأَةً فَاسْتَزَادَهُ أَهْلُهَا في الْمَهْرِ فَأَبَى فَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ شَرٌّ فَحَلَفَ أَنْ لَا يُدْخِلَهَا عليه حتى يَكُونَ أَهْلُهَا الَّذِينَ يَسْأَلُونَهُ ذلك فَلَبِثُوا سِنِينَ ثُمَّ طَلَبُوا ذلك إلَيْهِ فَقَالُوا اقبض إلَيْك أَهْلَك ولم يُعَدَّ ذلك إيلَاءٌ وَأَدْخَلَهَا عليه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) لِأَنَّ أَهْلَهَا الَّذِينَ طَلَبُوا إدْخَالَهَا عليه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيَسْقُطُ الْإِيلَاءُ من وَجْهٍ بِأَنْ يَأْتِيَهَا وَلَا يُدْخِلَهَا عليه وَلَعَلَّهُ أَنْ لَا يَكُونَ أَرَادَ هذا الْمَعْنَى بِيَمِينِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَا إيلَاءَ وَإِنْ قال وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَلَيْسَ بِإِيلَاءٍ حتى يَشَاءَ فُلَانٌ فَإِنْ شَاءَ فُلَانٌ فَهُوَ مُولٍ وإذا قال وَاَللَّهِ أَقْرَبُك حتى يَشَاءَ فُلَانٌ فَلَيْسَ بِمُولٍ لِأَنَّ فُلَانًا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا آلَى الرَّجُلُ من امْرَأَتِهِ ثُمَّ قال لِأُخْرَى من نِسَائِهِ قد أَشْرَكْتُك مَعَهَا في الْإِيلَاءِ لم تُشْرِكْهَا لِأَنَّ الْيَمِينَ لَزِمَتْهُ لِلْأُولَى وَالْيَمِينُ لَا يُشْتَرَكُ فيها ( قال ) وإذا حَلَفَ لَا يَقْرَبُ امْرَأَتَهُ وَامْرَأَةً لَيْسَتْ له لم يَكُنْ مُولِيًا حتى يَقْرَبَ تِلْكَ الْمَرْأَةَ فَإِنْ قَرِبَ تِلْكَ الْمَرْأَةَ كان مُولِيًا حِينَئِذٍ وَإِنْ قَرِبَ امْرَأَتَهُ حَنِثَ بِالْيَمِينِ ( قال ) وَإِنْ قال إنْ قَرِبْتُك فَأَنْتِ زَانِيَةٌ فَلَيْسَ بِمُولٍ إذَا قَرِبَهَا وإذا قَرِبَهَا فَلَيْسَ بِقَاذِفٍ يُحَدُّ حتى يُحْدِثَ لها قَذْفًا صَرِيحًا يُحَدُّ بِهِ أو يُلَاعِنَ وَهَكَذَا إنْ قال إنْ قَرِبْتُك فَفُلَانَةُ لِامْرَأَةٍ له أُخْرَى زَانِيَةٌ - * الْإِيلَاءُ في الْغَضَبِ - *

(5/268)


قد يَشَاءُ فَإِنْ خَرِسَ فُلَانٌ أو غُلِبَ على عَقْلِهِ فَلَيْسَ بِمُولٍ لِأَنَّهُ قد يُفِيقُ فَيَشَاءُ فَإِنْ مَاتَ فُلَانٌ الذي جَعَلَ إلَيْهِ الْمَشِيئَةَ فَهُوَ مُولٍ لِأَنَّهُ لَا يَشَاءُ إذَا مَاتَ وَكَذَلِكَ إنْ قال لَا أَقْرَبُك حتى يَشَاءَ أَبُوك أو أُمُّك أو أَحَدٌ من أَهْلِك وَكَذَلِكَ إنْ قال حتى تَشَائِي أو حتى أَشَاءَ أو حتى يَبْدُوَ لي أو حتى أَرَى رَأْيِي (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا قال الرَّجُلُ لِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ له وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُنَّ فَهُوَ مُولٍ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ يُوقَفُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فإذا أَصَابَ وَاحِدَةً أو اثْنَتَيْنِ أو ثَلَاثًا خَرَجَ من حُكْمِ الْإِيلَاءِ فِيهِنَّ وَعَلَيْهِ لِلْبَاقِيَةِ أَنْ يُوقَفَ حتى يَفِيءَ أو يُطَلِّقَ وَلَا حِنْثَ عليه حتى يُصِيبَ الْأَرْبَعَ اللَّاتِي حَلَفَ عَلَيْهِنَّ كُلِّهِنَّ فإذا فَعَلَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَيَطَأُ مِنْهُنَّ ثَلَاثًا وَلَا يَحْنَثُ فِيهِنَّ وَلَا إيلَاءَ عليه فِيهِنَّ وَيَكُونُ حِينَئِذٍ في الرَّابِعَةِ مُولِيًا لِأَنَّهُ يَحْنَثُ بِوَطْئِهَا وَلَوْ مَاتَتْ إحْدَاهُنَّ سَقَطَ عنه الْإِيلَاءُ لِأَنَّهُ يُجَامِعُ الْبَوَاقِيَ وَلَا يَحْنَثُ وَلَوْ طَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ أو اثْنَتَيْنِ أو ثَلَاثًا كان مُولِيًا بِحَالِهِ في الْبَوَاقِي لِأَنَّهُ لو جَامَعَهُنَّ وَاَلَّتِي طَلَّقَ حَنِثَ ( قال ) وَلَوْ آلَى رَجُلٌ من امْرَأَتِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثُمَّ جَامَعَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ حَنِثَ وَكَذَلِكَ لو آلَى من أَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ جَامَعَهَا حَنِثَ بِالْيَمِينِ مع الْمَأْثَمِ بالزنى وَإِنْ نَكَحَهَا بَعْدُ خَرَجَ من حُكْمِ الْإِيلَاءِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ قال لِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ له وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ وَاحِدَةً مِنْكُنَّ وهو يُرِيدُهُنَّ كُلَّهُنَّ فَأَصَابَ وَاحِدَةً حَنِثَ وَسَقَطَ عنه حُكْمُ الْإِيلَاءِ في الْبَوَاقِي وَلَوْ لم يَقْرَبْ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ كان مُولِيًا مِنْهُنَّ يُوقَفُ لَهُنَّ فَأَيُّ وَاحِدَةٍ أَصَابَ مِنْهُنَّ خَرَجَ من حُكْمِ الْإِيلَاءِ في الْبَوَاقِي لِأَنَّهُ قد حَنِثَ بِإِصَابَةِ وَاحِدَةٍ فإذا حَنِثَ مَرَّةً لم يُعِدْ الْحِنْثَ عليه وَلَوْ قال وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ وَاحِدَةً مِنْكُنَّ يَعْنِي وَاحِدَةً دُونَ غَيْرِهَا فَهُوَ مُولٍ من التي حَلَفَ لَا يَقْرَبُهَا وَغَيْرُ مُولٍ من غَيْرِهَا - * التَّوْقِيفُ في الْإِيلَاءِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا آلَى الرَّجُلُ من امْرَأَتِهِ لَا يَقْرَبُهَا فَذَلِكَ على الْأَبَدِ وإذا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَطَلَبَتْ أَنْ يُوقَفَ لها وُقِفَ فَإِمَّا أَنْ يَفِيءَ وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ وَإِنْ لم تَطْلُبْ لم أَعْرِضْ لَا لها وَلَا له وَإِنْ قالت قد تَرَكْت
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَذَلِكَ إنْ قال وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك بِمَكَّةَ أو بِالْمَدِينَةِ أو حتى أَخْرُجَ من مَكَّةَ أو الْمَدِينَةِ أو لَا أَقْرَبُك إلَّا بِبَلَدِ كَذَا أو لَا أَقْرَبُك إلَّا في الْبَحْرِ أو لَا أَقْرَبُك على فِرَاشِي أو لَا أَقْرَبُك على سَرِيرٍ أو ما أَشْبَهَ هذا لِأَنَّهُ يَقْدِرُ على أَنْ يَقْرَبَهَا على غَيْرِ ما وَصَفْت بِبَلَدٍ غَيْرِ الْبَلَدِ الذي حَلَفَ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا فيه وَيُخْرِجَهَا من الْبَلَدِ الذي حَلَفَ لَا يَقْرَبُهَا فيه وَيَقْرَبُهَا في حَالٍ غَيْرِ الْحَالِ التي حَلَفَ لَا يَقْرَبُهَا فيها وَلَا يُقَالُ له أَخْرِجْهَا من هذا الْبَلَدِ الذي حَلَفْت لَا تَقْرَبُهَا فيه قبل أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إذَا جَعَلْته ليس بِمُولٍ لم أَحْكُمْ عليه حُكْمَ الْإِيلَاءِ وَكَذَلِكَ لو قال وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك حتى أُرِيدَ أو حتى أَشْتَهِيَ لم يَكُنْ مُولِيًا أَقُولُ له أُرِدْ أو اشته وَإِنْ قال وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك حتى تَفْطِمِي وَلَدَك لم يَكُنْ مُولِيًا لِأَنَّهَا قد تَفْطِمُهُ قبل أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إلَّا أَنْ يُرِيدَ لَا أَقْرَبُك أَكْثَرَ من أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَإِنْ قال وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبَك حتى أَفْعَلَ أو تَفْعَلِي أَمْرًا لَا يَقْدِرُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا على فِعْلِهِ بِحَالٍ كان مُولِيًا وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك حتى أَحْمِلَ الْجَبَلَ كما هو أو الإسطوانة كما هِيَ أو تَحْمِلِيهِ أَنْتِ أو تَطِيرِي أو أَطِيرَ أو مالا يَقْدِرُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا على فِعْلِهِ بِحَالٍ أو تَحْبَلِي وَتَلِدِي في يَوْمِي هذا وَلَوْ قال لِامْرَأَتِهِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك إلَّا بِبَلَدِ كَذَا وَكَذَا لَا يَقْدِرُ على أَنْ يَقْرَبَهَا بِتِلْكَ الْبَلْدَةِ بِحَالٍ إلَّا بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ كان مُولِيًا يُوقَفُ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَلَوْ قال وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك حتى تَحْبَلِي وَهِيَ مِمَّنْ يحبل ( ( ( يحل ) ) ) مِثْلُهَا بِحَالٍ لم يَكُنْ مُولِيًا لِأَنَّهَا قد تَحْبَلُ وَلَوْ قال وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك إلَّا في سَفِينَةٍ في الْبَحْرِ لم يَكُنْ مُولِيًا لِأَنَّهُ يَقْدِرُ على أَنْ يَقْرَبَهَا في سَفِينَةٍ في الْبَحْرِ - * الْإِيلَاءُ من نِسْوَةٍ وَمِنْ وَاحِدَةٍ بِالْأَيْمَانِ - *

(5/269)


الطَّلَبَ ثُمَّ طَلَبَتْ أو عَفَوْت ذلك أو لَا أَقُولُ فيه شيئا ثُمَّ طَلَبَتْ كان لها ذلك لِأَنَّهَا تَرَكَتْ مالم يَجِبْ لها في حَالٍ دُونَ حَالٍ فَلَهَا أَنْ تَطْلُبَهُ بَعْدَ التَّرْكِ وَإِنْ طَلَبَتْهُ قبل أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لم يَكُنْ لها وَإِنْ كانت مَغْلُوبَةً على عَقْلِهَا أو أَمَةً فَطَلَبَهُ وَلِيُّ الْمَغْلُوبَةِ على عَقْلِهَا أو سَيِّدُ الْأَمَةِ فَلَيْسَ ذلك لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا يَكُونُ الطَّلَبُ إلَّا لِلْمَرْأَةِ نَفْسِهَا وَلَوْ عَفَاهُ سَيِّدُ الْأَمَةِ فَطَلَبَتْهُ كان ذلك لها دُونَهُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ حَلَفَ بِعِتْقِ رَقِيقِهِ أَنْ لَا يَقْرَبَ امْرَأَتَهُ على الْأَبَدِ فَمَاتَ رَقِيقُهُ أو أَعْتَقَهُمْ خَرَجَ من حُكْمِ الْإِيلَاءِ لِأَنَّهُ لم يَبْقَ عليه شَيْءٌ يَحْنَثُ بِهِ وَلَوْ بَاعَهُمْ خَرَجَ من حُكْمِ الْإِيلَاءِ ما كَانُوا خَارِجِينَ من مِلْكِهِ فإذا عَادُوا إلَى مِلْكِهِ فَهُوَ مُولٍ لِأَنَّهُ يَحْنَثُ لو جَامَعَهَا ( قال الرَّبِيعُ ) وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ لو بَاعَ رَقِيقَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُمْ كان هذا مِلْكًا حَادِثًا وَلَا يَحْنَثُ فِيهِمْ وهو أَحَبُّ إلَيَّ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ أَنْ لَا يَقْرَبَ امْرَأَةً له أُخْرَى فَمَاتَتْ التي حَلَفَ بِطَلَاقِهَا أو طَلَّقَهَا ثَلَاثًا خَرَجَ من حُكْمِ الْإِيلَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِطَلَاقِهَا في هذه الْيَمِينِ أَبَدًا وَلَوْ طَلَّقَهَا كان خَارِجًا من حُكْمِ الْإِيلَاءِ مالم تَكُنْ زَوْجَتَهُ وَلَا عليها رَجْعَةٌ وإذا كانت أَقَلَّ من الثَّلَاثِ وَلَهُ عليها الرَّجْعَةُ أو نَكَحَهَا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ من وَاحِدَةٍ أو اثْنَتَيْنِ بِالْخُرُوجِ من الْعِدَّةِ أو الْخُلْعِ فَهُوَ مُولٍ ( قال الرَّبِيعُ ) وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ في مِثْلِ هذا أنها إذَا خَرَجَتْ من الْعِدَّةِ من طَلَاقٍ بِوَاحِدَةٍ أو اثْنَتَيْنِ أو خَالَعَهَا فَمَلَكَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثَانِيَةً كان هذا النِّكَاحُ غير النِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَلَا حِنْثَ وَلَا إيلَاءَ عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَقْرَبَ امْرَأَتَهُ أَكْثَرَ من أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَتَرَكَتْهُ امْرَأَتُهُ فلم تَطْلُبْهُ حتى مَضَى الْوَقْتُ الذي حَلَفَ عليه فَقَدْ خَرَجَ من حُكْمِ الْإِيلَاءِ لِأَنَّ الْيَمِينَ سَاقِطَةٌ عنه 0 قال ) وَلَوْ قال لِامْرَأَةٍ إذَا تَزَوَّجْتُك فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك لم يَكُنْ مُولِيًا فإذا قَرِبَهَا كَفَّرَ وَلَوْ قال لِامْرَأَتِهِ إذَا كان غَدٌ فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أو إذَا قَدِمَ فُلَانٌ فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك فَهُوَ مُولٍ من غَدٍ وَمِنْ يَوْمِ يَقْدَمُ فُلَانٌ وَإِنْ قال إنْ أَصَبْتُك فَوَاَللَّهِ لَا أُصِيبُك لم يَكُنْ مُولِيًا حين حَلَفَ لِأَنَّ له أَنْ يُصِيبَهَا مَرَّةً بِلَا حِنْثٍ فإذا أَصَابَهَا مَرَّةً كان ( ( ( وكان ) ) ) مُولِيًا وإذا قال وَاَللَّهِ لَا أُصِيبُك سَنَةً إلَّا مَرَّةً لم يَكُنْ مُولِيًا من قِبَلِ أَنَّ له أَنْ يُصِيبَهَا مَرَّةً بِلَا حِنْثٍ فإذا أَصَابَهَا مَرَّةً كان مُولِيًا ( قال الرَّبِيعُ ) إنْ كان بَقِيَ من يَوْمِ أَصَابَهَا من مُدَّةِ يَمِينِهِ أَكْثَرُ من أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ مُولٍ وَإِنْ لم يَكُنْ بَقِيَ عليه أَكْثَرُ من أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ سَقَطَ الْإِيلَاءُ عنه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا قال وَاَللَّهِ لَا أُصِيبُك إلَّا إصَابَةَ سُوءٍ وَإِصَابَةً رَدِيَّةً فَإِنْ نَوَى أَنْ لَا يُغَيِّبَ الْحَشَفَةَ في ذلك منها فَهُوَ مُولٍ وَإِنْ أَرَادَ قَلِيلَةً أو ضَعِيفَةً لم يَكُنْ مُولِيًا وَإِنْ أَرَادَ أَنْ لَا يُصِيبَهَا إلَّا في دُبُرِهَا فَهُوَ مُولٍ لِأَنَّ الْإِصَابَةَ الْحَلَالَ لِلطَّاهِرِ في الْفَرْجِ وَلَا يَجُوزُ في الدُّبُرِ وَلَوْ قال وَاَللَّهِ لَا أُصِيبُك في دُبُرِك أَبَدًا لم يَكُنْ مُولِيًا وكان مُطِيعًا بتكره ( ( ( بتركه ) ) ) إصَابَتَهَا في دُبُرِهَا وَلَوْ قال وَاَللَّهِ لَا أُصِيبُك إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ أو لَا أُصِيبُك حتى يَخْرُجَ الدَّجَّالُ أو حتى يَنْزِلَ عِيسَى بن مَرْيَمَ فَإِنْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ قبل أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِمَّا حَلَفَ عليه وُقِفَ فَإِمَّا أَنْ يَفِيءَ وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ ( قال الرَّبِيعُ ) وإذا قال وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك حتى أَمُوتَ أو تَمُوتِي كان مُولِيًا من سَاعَتِهِ وكان كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَبَدًا لِأَنَّهُ إذَا مَاتَ قبل أَنْ يَقْرَبَهَا أو مَاتَتْ لم يَقْدِرْ أَنْ يَقْرَبَهَا
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ قال الْإِيلَاءُ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ على الْجِمَاعِ نَفْسِهِ وَذَلِكَ أَنْ يَحْلِفَ لَا يَمَسُّهَا فَأَمَّا أَنْ يَقُولَ لَا أَمَسُّك وَلَا يَحْلِفَ أو يَقُولَ قَوْلًا غَلِيظًا ثُمَّ يَهْجُرَهَا فَلَيْسَ ذلك بِإِيلَاءٍ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن بن طَاوُسٍ عن أبيه في الْإِيلَاءِ أَنْ يَحْلِفَ لَا يَمَسَّهَا أَبَدًا أو سِتَّةَ أَشْهُرٍ أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ وَنَحْوَ ذلك مِمَّا زَادَ على الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكُلُّ من حَلَفَ مُولٍ على يَوْمِ حَلَفَ أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ وَلَا نَحْكُمُ بِالْوَقْفِ في الْإِيلَاءِ إلَّا على من حَلَفَ على يَمِينٍ يُجَاوِزُ فيها أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَأَمَّا من حَلَفَ على أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ أو أَقَلَّ فَلَا يَلْزَمُهُ حُكْمُ الْإِيلَاءِ لِأَنَّ وَقْتَ الْوَقْفِ يَأْتِي هو ( ( ( وهو ) ) ) خَارِجٌ من الْيَمِينِ وَإِنَّمَا قَوْلُنَا ليس بِمُولٍ في الْمَوْضِعِ الذي لَزِمَتْهُ فيه الْيَمِينُ ليس عليه حُكْمُ الْإِيلَاءِ

(5/270)


- * من يَلْزَمُهُ الْإِيلَاءُ من الْأَزْوَاجِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَفَّارَةُ الْعَبْدِ في الْحِنْثِ الصَّوْمُ وَلَا يُجْزِئُهُ غَيْرُهُ وإذا كان الزَّوْجُ مِمَّنْ لَا فَرْضَ عليه وَذَلِكَ الصَّبِيُّ غَيْرُ الْبَالِغِ وَالْمَغْلُوبُ على عَقْلِهِ بِأَيِّ وَجْهٍ كانت الْغَلَبَةُ إلَّا السَّكْرَانَ فَلَا إيلَاءَ عليه وَلَا حِنْثَ لِأَنَّ الْفَرَائِضَ عنه سَاقِطَةٌ وإذا آلَى السَّكْرَانُ من الْخَمْرِ وَالشَّرَابِ الْمُسْكِرِ لَزِمَهُ الْإِيلَاءُ لِأَنَّ الْفَرَائِضَ له لَازِمَةٌ لَا تَزُولُ عنه بِالسُّكْرِ وَإِنْ كان الْمَغْلُوبُ على عَقْلِهِ يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَآلَى في حَالِ إفَاقَتِهِ لَزِمَهُ الْإِيلَاءُ وَإِنْ آلَى في حَالِ جُنُونِهِ لم يَلْزَمْهُ وَإِنْ قالت الْمَرْأَةُ آلَيْتَ مِنِّي صَحِيحًا وقال الزَّوْجُ ما آلَيْت مِنْك وَإِنْ كُنْت فَعَلْت فَإِنَّمَا آلَيْت مَغْلُوبًا على عَقْلِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ وإذا كان لَا يُعْرَفُ له جُنُونٌ فقالت آلَيْتَ مِنِّي فقال آلَيْت مِنْك وأنا مَجْنُونٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ إذَا لم يُعْلَمْ ذَهَابُ عَقْلِهِ في وَقْتٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُولِيًا فيه في وَقْتِ دَعْوَاهَا وَلَوْ اخْتَلَفَا فقالت قد آلَيْتَ مِنِّي وقال لم أُولِ أو قالت قد آلَيْتَ وَمَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وقال قد آلَيْت وما مَضَى إلَّا يَوْمٌ أو أَقَلُّ أو أَكْثَرُ كان الْقَوْلُ في ذلك قَوْلَهُ مع يَمِينِهِ وَعَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ وإذا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ فَهُوَ مُولٍ من يَوْمِ وَقَّتَتْ بَيِّنَتَهَا وَلَوْ قَامَتْ له بَيِّنَةٌ بِإِيلَاءٍ وَقَّتُوا فيه غير وَقْتِهَا كان مُولِيًا بِبَيِّنَتِهَا وَبَيِّنَتِهِ وَلَيْسَ هذا اخْتِلَافًا إنَّمَا هذا مُولٍ إيلَاءَيْنِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَلْزَمُ الْإِيلَاءُ إلَّا زَوْجًا صَحِيحَ النكح ( ( ( النكاح ) ) ) فَأَمَّا فَاسِدُ النِّكَاحِ فَلَا يَلْزَمُهُ إيلَاءٌ وَلَا يَلْزَمُ الْإِيلَاءُ إلَّا زَوْجَةً ثَابِتَةَ النِّكَاحِ أو مُطَلَّقَةً له وَعَلَيْهَا رَجْعَةٌ في الْعِدَّةِ فَإِنَّهَا في حُكْمِ الإزواج فَأَمَّا مُطَلَّقَةٌ لَا رَجْعَةَ له عليها في الْعِدَّةِ فَلَا يَلْزَمُهُ إيلَاءٌ منها وَإِنْ آلَى في الْعِدَّةِ وَكَذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ إيلَاءٌ من مُطَلَّقَةٍ يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا إذَا كان إيلَاؤُهُ منها بَعْدَ مُضِيِّ الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ في مَعَانِي الْأَزْوَاجِ إذَا مَضَتْ عِدَّتُهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْإِيلَاءُ من كل زَوْجَةٍ مُسْلِمَةٍ أو ذِمِّيَّةٍ أو أَمَةٍ سَوَاءٌ لَا يَخْتَلِفُ في شَيْءٍ - * الْوَقْفُ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا آلَى الرَّجُلُ من امْرَأَتِهِ فَمَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وُقِفَ وَقِيلَ له إنْ فِئْت وَإِلَّا فَطَلِّقْ وَالْفَيْئَةُ الْجِمَاعُ إلَّا من عُذْرٍ وَلَوْ جَامَعَ في الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ خَرَجَ من حُكْمِ الْإِيلَاءِ وَكَفَّرَ عن يَمِينِهِ فَإِنْ قال أَجِّلْنِي في الْجِمَاعِ لم أُؤَجِّلْهُ أَكْثَرَ من يَوْمٍ فَإِنْ جَامَعَ فَقَدْ خَرَجَ من حُكْمِ الْإِيلَاءِ وَعَلَيْهِ الْحِنْثُ في يَمِينِهِ فَإِنْ كان لها كَفَّارَةٌ كَفَّرَ وَإِنْ قال أنا أَفِيءُ فَأَجِّلْنِي أَكْثَرَ من يَوْمٍ لم أُؤَجِّلْهُ وَلَا يَتَبَيَّنُ لي أَنْ أُؤَجِّلَهُ ثَلَاثًا وَلَوْ قَالَهُ قَائِلٌ كان مَذْهَبًا فَإِنْ فَاءَ وَإِلَّا قُلْت له طَلِّقْ فَإِنْ طَلَّقَ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ وَإِنْ لم يُطَلِّقْ طَلَّقَ عليه السُّلْطَانُ وَاحِدَةً وَكَذَلِكَ إنْ قال أنا أَقْدِرُ على الْجِمَاعِ وَلَا أَفِيءُ طَلَّقَ عليه السُّلْطَانُ وَاحِدَةً فَإِنْ طَلَّقَ عليه أَكْثَرَ من وَاحِدَةٍ كان ما زَادَ عليها بَاطِلًا وَإِنَّمَا جَعَلْت له أَنْ يُطَلِّقَ عليه وَاحِدَةً لِأَنَّهُ كان على المولي أَنْ يَفِيءَ أو يُطَلِّقَ فإذا كان الْحَاكِمُ لَا يَقْدِرْ على الْفَيْئَةِ إلَّا بِهِ فإذا امْتَنَعَ قَدَرَ على الطَّلَاقِ عليه وَلَزِمَهُ حُكْمُ الطَّلَاقِ كما نَأْخُذُ منه كُلَّ شَيْءٍ وَجَبَ عليه أَنْ يُعْطِيَهُ من حَدٍّ وَقِصَاصٍ وَمَالٍ وَبَيْعٍ وَغَيْرِهِ إذَا امْتَنَعَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيَلْزَمُ الْإِيلَاءُ كُلَّ من إذَا طَلَّقَ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ مِمَّنْ تَجِبُ عليه الْفَرَائِضُ وَذَلِكَ كُلُّ زَوْجٍ بَالِغٍ غَيْرِ مَغْلُوبٍ على عَقْلِهِ وَسَوَاءٌ في ذلك الْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَمَنْ لم تَكْمُلْ فيه الْحُرِّيَّةُ وَالذِّمِّيُّ وَالْمُشْرِكُ غَيْرُ الذِّمِّيِّ رَضِيَا بِحُكْمِنَا وَإِنَّمَا سَوَّيْت بين الْعَبْدِ وَالْحُرِّ فيه أَنَّ الْإِيلَاءَ يَمِينٌ جَعَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لها وَقْتًا دَلَّ جَلَّ ثَنَاؤُهُ على أَنَّ على الزَّوْجِ إذَا مَضَى الْوَقْتُ أَنْ يَفِيءَ أو يُطَلِّقَ فَكَانَ الْعَبْدُ وَالْحُرُّ في الْيَمِينِ سَوَاءً وَكَذَلِكَ يَكُونَانِ في وَقْتِ الْيَمِينِ وَإِنَّمَا جَعَلْتهَا على الذِّمِّيِّ وَالْمُشْرِكِ إذَا تَحَاكَمَا إلَيْنَا أَنْ ليس لِأَحَدٍ أَنْ يَحْكُمَ بِغَيْرِ حُكْمِ الْإِسْلَامِ وَأَنَّ الْإِيلَاءَ يَمِينٌ يَقَعُ بها طَلَاقٌ أو فَيْئَةٌ في وَقْتٍ فألزمناهموها

(5/271)


من أَنْ يُعْطِيَهُ وَكَمَا يَشْهَدُ على طَلَاقِهِ فَيُطَلِّقُ عليه وهو مُمْتَنِعٌ من الطَّلَاقِ جَاحِدٌ له ( قال ) وَإِنْ قال أنا أَصَبْتهَا ثُمَّ جُبَّ قبل أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَهَا الْخِيَارُ مَكَانَهَا في الْمَقَامِ معه أو فِرَاقِهِ وَإِنْ قال أنا أَصَبْتهَا فَعَرَضَ له مَكَانَهُ مَرَضٌ يَمْنَعُ الْإِصَابَةَ قُلْنَا فِئْ بِلِسَانِك وَمَتَى أَمْكَنَك أَنْ تُصِيبَهَا وَقَفْنَاك فَإِنْ أَصَبْتَهَا وَإِلَّا فَرَّقْنَا بَيْنَك وَبَيْنَهَا وَلَوْ كان الْمَرَضُ عَارِضًا لها حتى لَا يَقْدِرَ على أَنْ يُجَامِعَ مِثْلَهَا لم يَكُنْ عليه سَبِيلٌ ما كانت مَرِيضَةً فإذا قَدَرَ على جِمَاعِ مثله ( ( ( مثلها ) ) ) اوقفناه ( ( ( وقفناه ) ) ) حتى يَفِيءَ أو يُطَلِّقَ ( قال ) وَلَوْ وَقَفْنَاهُ فَحَاضَتْ لم يَكُنْ عليه شَيْءٌ حتى تَطْهُرَ فإذا طَهُرَتْ قِيلَ له أَصِبْ أو طَلِّقْ ( قال ) وَلَوْ أنها سَأَلَتْ الْوَقْفَ فَوُقِفَ فَهَرَبَتْ منه أو أَقَرَّتْ بِالِامْتِنَاعِ منه لم يَكُنْ عليه الْإِيلَاءُ حتى تَحْضُرَ وَتَخْلِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهَا فإذا فَعَلَتْ فإن ( ( ( فإذا ) ) ) فَاءَ وَإِلَّا طَلَّقَ أو طُلِّقَ عليه وَلَوْ أنها طَلَبَتْ الْوَقْفَ فَوُقِفَ لها فَأَحْرَمَتْ مَكَانَهَا بِإِذْنِهِ أو بِغَيْرِ إذْنِهِ فلم يَأْمُرْهَا بِإِحْلَالٍ لم يَكُنْ عليه طَلَاقٌ حتى تَحِلَّ ثُمَّ يُوقَفَ فَإِمَّا أَنْ يَفِيءَ وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ وَهَكَذَا لو ارْتَدَّتْ عن الْإِسْلَامِ لم يَكُنْ عليه طَلَاقٌ حتى تَرْجِعَ إلَى الْإِسْلَامِ في الْعِدَّةِ فإذا رَجَعَتْ قِيلَ له فِئْ أو طَلِّقْ وَإِنْ لم تَرْجِعْ حتى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ بَانَتْ منه بِالرِّدَّةِ ومضى الْعِدَّةِ ( قال ) وإذا كان مُنِعَ الْجِمَاعَ من قُبُلِهَا بَعْدَ مُضِيِّ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ قبل الْوَقْفِ أو معه لم يَكُنْ لها على الزَّوْجِ سَبِيلٌ حتى يَذْهَبَ مَنْعُ الْجِمَاعِ من قُبُلِهَا ثُمَّ يُوقَفَ مَكَانَهُ لِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأَشْهُرَ قد مَضَتْ وإذا كان مُنِعَ الْجِمَاعَ من قُبُلِهَا في الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ بِشَيْءٍ تُحْدِثُهُ غير الْحَيْضِ الذي خَلَقَهُ اللَّهُ عز وجل فيها ثُمَّ أُبِيحَ الْجِمَاعُ من قُبُلِهَا أَجَّلَ من يَوْمِ أُبِيحَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ كما جَعَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى له أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مُتَتَابِعَةٍ فإذا لم تَكْمُلْ له حتى يَمْضِيَ حُكْمُهَا اُسْتُؤْنِفَتْ له مُتَتَابِعَةً كما جُعِلَتْ له أَوَّلًا ( قال ) وَلَوْ كان آلَى منها ثُمَّ ارْتَدَّ عن الْإِسْلَامِ في الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ أو ارْتَدَّتْ أو طَلَّقَهَا أو خَالَعَهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا أو رَجَعَ الْمُرْتَدُّ مِنْهُمَا إلَى الْإِسْلَامِ في الْعِدَّةِ اسْتَأْنَفَ في هذه الْحَالَاتِ كُلِّهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ من يَوْمِ حَلَّ له الْفَرْجُ بِالْمُرَاجَعَةِ أو النِّكَاحِ أو رُجُوعِ الْمُرْتَدِّ مِنْهُمَا إلَى الْإِسْلَامِ وَلَا يُشْبِهُ هذا الْبَابَ الْأَوَّلَ لِأَنَّهَا في هذا الْبَابِ صَارَتْ مُحَرَّمَةً كَالْأَجْنَبِيَّةِ الشَّعْرُ وَالنَّظَرُ وَالْجَسُّ وَالْجِمَاعُ وفي تِلْكَ الْأَحْوَالِ لم تَكُنْ مُحَرَّمَةً بِشَيْءٍ غير الْجِمَاعِ وَحْدَهُ فَأَمَّا الشَّعْرُ وَالنَّظَرُ وَالْجَسُّ فلم يَحْرُمْ منها وَهَكَذَا لو ارْتَدَّا مَعًا (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ آلَى من امْرَأَتِهِ ثُمَّ طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ في الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ ولم يَدْرِ أَيَّتَهنَّ طَلَّقَ فَمَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَطَلَبَتْ أَنْ يُوقَفَ فقال هِيَ التي طَلَّقْت حَلَفَ لِلْبَوَاقِي وَكَانَتْ التي طَلَّقَ وَمَتَى رَاجَعَهَا فَمَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَقَفَتْهُ أَبَدًا حتى يَمْضِيَ طَلَاقُ الْمِلْكِ كما وَصَفْت وَلَوْ مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ ثُمَّ طَلَبَتْ أَنْ يُوقَفَ فقال لَا أَدْرِي أَهِيَ التي طَلَّقْت أَمْ غَيْرُهَا قِيلَ له إنْ قُلْت هِيَ التي طَلَّقْت فَهِيَ طَالِقٌ وَإِنْ قُلْت لَيْسَتْ هِيَ حَلَفْت لها إنْ ادَّعَتْ الطَّلَاقَ ثُمَّ فِئْت أو طَلَّقْت وَإِنْ قُلْت لَا أَدْرِي فَأَنْتَ أَدْخَلْت مَنْعَ الْجِمَاعِ على نَفْسِك فَإِنْ طَلَّقْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ وَإِنْ لم تُطَلِّقْهَا وَحَلَفْت أنها لَيْسَتْ التي طَلَّقْت أو صَدَّقَتْك هِيَ فَفِئْ أو طَلِّقْ وَإِنْ أَبَيْت ذلك كُلَّهُ طُلِّقَ عَلَيْك بِالْإِيلَاءِ لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ مُولًى منها عَلَيْك أَنْ تَفِيءَ إلَيْهَا أو تُطَلِّقَهَا فَإِنْ قُلْت لَا أَدْرِي لَعَلَّهَا حَرُمَتْ عَلَيْك فلم تَحْرُمْ بِذَلِكَ عَلَيْك تَحْرِيمًا يُبِينُهَا عَلَيْك وَأَنْتَ مَانِعٌ الْفَيْئَةَ وَالطَّلَاقَ فَتَطْلُقُ عَلَيْك فَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ أنها التي طَلُقَتْ عَلَيْك قبل طَلَاقِ الْإِيلَاءِ سَقَطَ طَلَاقُ الْإِيلَاءِ وَإِنْ لم تُقِمْ بَيِّنَةً لَزِمَك طَلَاقُ الْإِيلَاءِ وَطَلَاقُ الْإِقْرَارِ مَعًا ثُمَّ هَكَذَا الْبَوَاقِي ( قال ) وإذا آلَى وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ أَكْثَرُ من أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَطَلَبَتْ ذلك امْرَأَتُهُ أو وَكِيلٌ لها أُمِرَ بِالْفَيْءِ بِلِسَانِهِ وَالْمَسِيرِ إلَيْهَا كما يُمْكِنُهُ وَقِيلَ فَإِنْ فَعَلْت وَإِلَّا فَطَلِّقْ ( قال ) وَأَقَلُّ ما يَصِيرُ بِهِ غائبا ( ( ( فائيا ) ) ) أَنْ يُجَامِعَهَا حتى تَغِيبَ الْحَشَفَةُ وَإِنْ جَامَعَهَا مُحْرِمَةً أو حَائِضًا أو هو مُحْرِمٌ أو صَائِمٌ خَرَجَ من الْإِيلَاءِ وَأَثِمَ بِالْجِمَاعِ في هذه الْأَحْوَالِ وَلَوْ آلَى منها ثُمَّ جُنَّ فاصابها في حَالِ جُنُونِهِ أو جُنَّتْ فَأَصَابَهَا في حَالِ جُنُونِهَا خَرَجَ من الْإِيلَاءِ وَكَفَّرَ إذَا أَصَابَهَا وهو صَحِيحٌ وَهِيَ مَجْنُونَةٌ ولم يُكَفِّرْ إذَا أَصَابَهَا وهو مَجْنُونٌ لِأَنَّ الْقَلَمَ عنه مَرْفُوعٌ في تِلْكَ الْحَالِ وَلَوْ أَصَابَهَا وَهِيَ نَائِمَةٌ أو مُغْمًى عليها خَرَجَ من الْإِيلَاءِ وَكَفَّر

(5/272)


( قال ) وَكَذَلِكَ إذَا أَصَابَهَا أَحَلَّهَا لِزَوْجِهَا وَأَحْصَنَهَا وَإِنَّمَا كان فِعْلُهُ فِعْلًا بها لِأَنَّهُ يُوجِبُ لها الْمَهْرَ بِالْإِصَابَةِ وَإِنْ كانت هِيَ لَا تَعْقِلُ الْإِصَابَةَ فَلَزِمَهَا بهذا الْحُكْمِ وَأَنَّهُ حَقٌّ لها أَدَّاهُ إلَيْهَا في الْإِيلَاءِ كما يَكُونُ لو أَدَّى إلَيْهَا حَقًّا في مَالٍ أو غَيْرِهِ بريء منه - * طَلَاقُ المولى قبل الْوَقْفِ وَبَعْدَهُ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا مَعْنَى الْقُرْآنِ لَا يُخَالِفُهُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ له إذَا امْتَنَعَ من الْجِمَاعِ بِيَمِينٍ أَجَلَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فلما طَلَّقَ الْأُولَى وَرَاجَعَ كانت الْيَمِينُ قَائِمَةً كما كانت أَوَّلًا فلم يَجُزْ أَنْ نجعل ( ( ( يجعل ) ) ) له أَجَلًا إلَّا ما جَعَلَ اللَّهُ عز وجل له ثُمَّ هَكَذَا في الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَهَكَذَا لو آلَى منها ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً أو اثْنَتَيْنِ ثُمَّ رَاجَعَهَا في الْعِدَّةِ ما كانت لم تَصِرْ أَوْلَى بِنَفْسِهَا منه ( قال ) وإذا طَلَّقَهَا فَكَانَتْ أَمْلَكَ بِنَفْسِهَا منه بِأَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا أو يُخَالِعَهَا أو يُولِيَ منها قبل أَنْ يَدْخُلَ بها ثُمَّ يُطَلِّقَهَا فإذا فَعَلَ هذا ثُمَّ نَكَحَهَا نِكَاحًا جَدِيدًا بَعْدَ الْعِدَّةِ أو قَبْلَهَا سَقَطَ حُكْمُ الْإِيلَاءِ عنه وَإِنَّمَا سَقَطَ حُكْمُ الْإِيلَاءِ عنه بِأَنَّهَا قدصارت لو طَلَّقَهَا لم يَقَعْ عليها طَلَاقُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عليه حُكْمُ الْإِيلَاءِ وهو لو أَوْقَعَ الطَّلَاقَ لم يَقَعْ وَكَذَلِكَ يَكُونُ بَعْدُ لو طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بِهَذِهِ الْعِلَّةِ وَلَوْ جَازَ أَنْ تَبِينَ امْرَأَةُ المولى منه حتى تَصِيرَ أَمْلَكَ بِنَفْسِهَا منه ثُمَّ يَنْكِحَهَا فَيَعُودَ عليه حُكْمُ الْإِيلَاءِ إذَا نَكَحَهَا جَازَ هذا بَعْدَ طَلَاقِ الثَّلَاثِ وَزَوْجٍ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْيَمِينَ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا يُكَفِّرُ إذَا أَصَابَهَا وَكَانَتْ قَائِمَةً قبل الزَّوْجِ وَهَكَذَا الظِّهَارُ مِثْلُ الْإِيلَاءِ لَا يَخْتَلِفَانِ ( قال الرَّبِيعُ ) وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ يَعُودُ عليه الْإِيلَاءُ ما بَقِيَ من طَلَاقِ الثَّلَاثِ شَيْءٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا بَانَتْ امْرَأَةُ المتظهر منه ولم يَحْبِسْهَا بَعْدَ الظِّهَارِ سَاعَةً ثُمَّ نَكَحَهَا نِكَاحًا جَدِيدًا لم يَعُدْ عليه التظهر لِأَنَّهُ لم يَلْزَمْهُ في الْمِلْكِ الذي تَظَهَّرَ منها كَفَّارَةٌ وَلَوْ حَبَسَهَا بَعْدَ التظهر سَاعَةً ثُمَّ بَانَتْ منه لَزِمَهُ التظهر لِأَنَّهُ قد عَادَ لِمَا قال وَكَذَلِكَ لو مَاتَتْ في الْوَجْهَيْنِ مَعًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنَّمَا جُعِلَتْ عليه الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهَا يَمِينٌ لَزِمَتْهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو حَلَفَ لَا يُصِيبُ غير امْرَأَتِهِ فَأَصَابَهَا كانت عليه كَفَّارَةٌ مع الْمَأْثَمِ بالزنى - * إيلَاءُ الْحُرِّ من الْأَمَةِ وَالْعَبْدِ من امْرَأَتِهِ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْمُشْرِكِينَ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِيلَاءُ الْحُرِّ من امْرَأَتِهِ الْأَمَةِ وَالْحُرَّةِ سَوَاءٌ فَإِنْ آلَى من امْرَأَتِهِ وَهِيَ أَمَةٌ ثُمَّ اشْتَرَاهَا سَقَطَ الْإِيلَاءُ بِانْفِسَاخِ النِّكَاحِ فَإِنْ خَرَجَتْ من مِلْكِهِ ثُمَّ نَكَحَهَا أَمَةً أو حُرَّةً لم يَعُدْ الْإِيلَاءُ لِأَنَّ مِلْكَهُ هذا غَيْرُ الْمِلْكِ الذي آلَى فيه وَهَكَذَا الْعَبْدُ يُولِي من امْرَأَتِهِ حُرَّةً أو أَمَةً فَتَمْلِكُهُ سَقَطَ الإيلاء بِانْفِسَاخِ النِّكَاحِ فَإِنْ عَتَقَ فَنَكَحَهَا أو خَرَجَ من مِلْكِهَا فَنَكَحَهَا لم يَعُدْ الْإِيلَاءُ وَلَوْ أَنَّ الْحُرَّ الْمُشْتَرِيَ لِامْرَأَتِهِ الْأَمَةِ بَعْدَ الْإِيلَاءِ منها أَصَابَهَا بِالْمِلْكِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا أُوقِفَ المولى فَطَلَّقَ وَاحِدَةً أو امْتَنَعَ من الْفَيْءِ بِلَا عُذْرٍ فَطَلَّقَ عليه الْحَاكِمُ وَاحِدَةً فَالتَّطْلِيقَةُ تَطْلِيقَةٌ يَمْلِكُ فيها الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ في الْعِدَّةِ وَإِنْ رَاجَعَهَا في الْعِدَّةِ فَالرَّجْعَةُ ثَابِتَةٌ عليه وَالْإِيلَاءُ قَائِمٌ بحاله ( ( ( بحال ) ) ) وَيُؤَجِّلُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ من يَوْمِ رَاجَعَهَا وَذَلِكَ يَوْمٌ يَحِلُّ له فَرْجُهَا بَعْدَ تَحْرِيمِهِ فَإِنْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وُقِفَ لها فَإِنْ طَلَّقَهَا أو امْتَنَعَ من الْفَيْئَةِ من غَيْرِ عُذْرٍ فَطُلِّقَ عليه فَالطَّلَاقُ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَإِنْ رَاجَعَهَا وَهِيَ في الْعِدَّةِ فَالرَّجْعَةُ ثَابِتَةٌ عليه فَإِنْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ من يَوْمِ راجعه ( ( ( راجعها ) ) ) وُقِفَ فَإِنْ طَلَّقَ أو لم يَفِئْ فَطُلِّقَ عليه فَقَدْ مَضَى الطَّلَاقُ ثَلَاثًا وَسَقَطَ حُكْمُ الْإِيلَاءِ فَإِنْ نَكَحَتْ زَوْجًا آخَرَ وَعَادَتْ إلَيْهِ بِنِكَاحٍ بَعْدَ زَوْجٍ لم يَكُنْ عليه حُكْمُ الْإِيلَاءِ وَمَتَى أَصَابَهَا كَفَّرَ

(5/273)


كَفَّرَ إذَا كانت يَمِينُهُ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك وَإِنْ لم يُصِبْهَا لم يَكُنْ عليه وَقْفٌ إذَا كانت إصَابَتُهُ بِالْمِلْكِ كما لو آلَى من أَمَتِهِ لم يَكُنْ مُولِيًا لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إنَّمَا جَعَلَ الْإِيلَاءَ من الْأَزْوَاجِ فَإِنْ خَرَجَتْ من مِلْكِهِ ثُمَّ نَكَحَهَا لم يَعُدْ الْإِيلَاءُ لِأَنَّهُ قد حَنِثَ بِهِ مَرَّةً وَلَوْ كان قد قال لها وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك وَأَنْتِ زَوْجَةٌ لي ثُمَّ مَلَكَهَا فَأَصَابَهَا بِالْمِلْكِ لم يَحْنَثْ وَمَتَى نَكَحَهَا نِكَاحًا جَدِيدًا غير النِّكَاحِ الذي آلَى فيه لم يَعُدْ عليه الْإِيلَاءُ وَهَكَذَا الْعَبْدُ يُولِي من امْرَأَتِهِ ثُمَّ تَمْلِكُهُ ثُمَّ يَنْكِحُهَا وَهَكَذَا لو كانت امْرَأَةُ أَحَدِهِمَا أَمَةً فَارْتَدَّتْ فَانْفَسَخَ النِّكَاحُ ثُمَّ نَكَحَتْهُ بَعْدُ لَا يَعُودُ الْإِيلَاءُ إذَا حَرُمَ عليه نِكَاحُهَا لِأَنَّ هذا غَيْرُ النِّكَاحِ الذي آلَى منه ( قال ) وإذا حَلَفَ الْعَبْدُ بِاَللَّهِ أو بِمَا لَزِمَهُ فيه يَمِينٌ من تَبَرُّرٍ كان مُولِيًا وَإِنْ حَلَفَ بِكُلِّ شَيْءٍ له في سَبِيلِ اللَّهِ أو بِعِتْقِ مَمَالِيكِهِ أو صَدَقَةِ شَيْءٍ من مَالِهِ لم يَكُنْ مُولِيًا لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شيئا وَكَذَلِكَ الْمُدَبَّرُ وَالْمُكَاتَبُ وَلَوْ حَلَفَ الْمُعْتَقُ بَعْضُهُ بِصَدَقَةِ شَيْءٍ من مَالِهِ لَزِمَهُ الْإِيلَاءُ لِأَنَّ له ما كَسَبَ في يَوْمِهِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) إذَا كان لِسَانُ الرَّجُلِ غير لِسَانِ الْعَرَبِ فَآلَى بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُولٍ وإذا تَكَلَّمَ بِلِسَانِهِ بِكَلِمَةٍ تَحْتَمِلُ الْإِيلَاءَ وَغَيْرَهُ كان كَالْعَرَبِيِّ يَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ وَتَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ ليس ظَاهِرُهُمَا الْإِيلَاءَ فَيُسْأَلُ فَإِنْ قال أَرَدْت الْإِيلَاءَ فَهُوَ مُولٍ وَإِنْ قال لم أُرِدْ الْإِيلَاءَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ إنْ طَلَبَتْهُ امْرَأَتُهُ وَإِنْ كان عَرَبِيًّا يَتَكَلَّمُ بِأَلْسِنَةِ الْعَجَمِ أو بَعْضِهَا فَآلَى فَأَيُّ لِسَانٍ منها آلَى بِهِ فَهُوَ مُولٍ وَإِنْ قال لم أُرِدْ الْإِيلَاءَ دِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَدِينُ في الْحُكْمِ وَإِنْ كان عَرَبِيًّا لَا يَتَكَلَّمُ بِأَعْجَمِيَّةٍ فَتَكَلَّمَ بِإِيلَاءٍ بِبَعْضِ أَلْسِنَةِ الْعَجَمِ فقال ما عَرَفْت ما قُلْت وما أَرَدْت إيلَاءً فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ وَلَيْسَ حَالُهُ كَحَالِ الرَّجُلِ يُعْرَفُ بِأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانٍ من أَلْسِنَةِ الْعَجَمِ وَيَعْقِلُهُ وَهَكَذَا الْأَعْجَمِيُّ يُولِي بِالْعَرَبِيَّةِ إذَا كان يَعْرِفُ الْإِيلَاءَ بِالْعَرَبِيَّةِ لم يُصَدَّقْ في الْحُكْمِ على أَنْ يَقُولَ لم أرد الإيلاء وإن كان لا يعرف العربية صدق في الحكم وإذا آلى الرجل من امرأته ثم قال لم أُرِدْ إيلَاءً وَلَكِنْ سَبَقَنِي لِسَانِي لم يدين ( ( ( يدن ) ) ) في الْحُكْمِ وَدِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى - * إيلَاءُ الْخَصِيِّ غَيْرِ الْمَجْبُوبِ وَالْمَجْبُوبِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا آلَى الْخَصِيُّ غَيْرُ الْمَجْبُوبِ من ( ( ( مع ) ) ) امْرَأَتِهِ فَهُوَ كَغَيْرِ الْخَصِيِّ وَهَكَذَا لو كان مَجْبُوبًا قد بَقِيَ له ما يَبْلُغُ بِهِ من الْمَرْأَةِ ما يَبْلُغُ الرَّجُلُ حتى تَغِيبَ حَشَفَتُهُ كان كَغَيْرِ الْخَصِيِّ في جَمِيعِ أَحْكَامِهِ وإذى ( ( ( وإذا ) ) ) آلَى الْخَصِيُّ الْمَجْبُوبُ من امْرَأَتِهِ قِيلَ له فِئْ بِلِسَانِك لَا شَيْءَ عليه غَيْرُهُ لِأَنَّهُ مِمَّنْ لَا يُجَامِعُ مِثْلُهُ وَإِنَّمَا الْفَيْءُ الْجِمَاعُ وهو مِمَّنْ لَا جِمَاعَ عليه ( قال ) وَلَوْ تَزَوَّجَ رَجُلٌ امْرَأَةً ثُمَّ آلَى منها ثُمَّ خُصِيَ ولم يُجَبَّ كان كَالْفَحْلِ وَلَوْ جُبَّ كان لها الْخِيَارُ مَكَانَهَا في الْمَقَامِ معه أو فِرَاقِهِ فَإِنْ اخْتَارَتْ الْمَقَامَ معه قِيلَ له إذَا طَلَبَتْ الْوَقْفَ ففئ ( ( ( ففء ) ) ) بِلِسَانِك لِأَنَّهُ مِمَّنْ لَا يُجَامِعُ ( قال الرَّبِيعُ ) إنْ اخْتَارَتْ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالذِّمِّيُّ كَالْمُسْلِمِ فِيمَا يَلْزَمُهُ من الْإِيلَاءِ إذَا حَاكَمَ إلَيْنَا لِأَنَّ الْإِيلَاءَ يَمِينٌ يَلْزَمُهُ وَطَلَاقَهُ كَطَلَاقِ الْمُسْلِمِ وَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُ من الْيَمِينِ ما يَلْزَمُ الْمُسْلِمِينَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو أَعْتَقَ عَبْدَهُ أو أَصَابَ امْرَأَتَهُ أَلْزَمْنَاهُ الْإِيلَاءَ لِأَنَّ الْعِتْقَ حَقٌّ لِغَيْرِهِ وَإِنْ لم يُؤْجَرْ فيه وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ تَبَرُّرًا أَلْزَمْنَاهُ وَإِنْ لم يُؤْجَرْ فيه في حَالِهِ تِلْكَ فَكَذَلِكَ ما سِوَاهُ وَفَرْضُ اللَّهِ عز وجل على الْعِبَادِ وَاحِدٌ فَإِنْ قِيلَ هو إنْ تَصَدَّقَ على الْمَسَاكِينِ لم يُكَفَّرْ عنه قِيلَ وَهَكَذَا إنْ حُدَّ في زِنًا لم يُكَفَّرْ بِالْحَدِّ عنه وَالْحُدُودُ لِلْمُسْلِمِينَ كَفَّارَةٌ لِلذُّنُوبِ وَنَحْنُ نَحُدُّهُ إذَا زَنَى وَأَتَانَا رَاضِيًا بِحُكْمِنَا وَحُكْمُ اللَّهِ عز وجل على الْعِبَادِ وَاحِدٌ وَإِنَّمَا حَدَدْنَاهُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ - * الْإِيلَاءُ بِالْأَلْسِنَةِ - *

(5/274)


فِرَاقَهُ فَاَلَّذِي أَعْرِفُ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ اخْتَارَتْ الْمَقَامَ معه فَاَلَّذِي أَعْرِفُ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّ امْرَأَةَ الْعِنِّينِ إذَا اخْتَارَتْ الْمَقَامَ معه بَعْدَ الْأَجَلِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ لها خِيَارٌ ثَانِيَةً وَالْمَجْبُوبُ عِنْدِي مِثْلُهُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا آلَى الرَّجُلُ من امْرَأَتِهِ فلما مَضَى شَهْرَانِ أو أَكْثَرُ أو أَقَلُّ آلَى منها مَرَّةً أُخْرَى وُقِفَ عِنْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ الْأُولَى فَإِمَّا أَنْ يَفِيءَ وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ فَإِنْ فَاءَ حَنِثَ في الْيَمِينِ الْأُولَى وَالْيَمِينِ الثَّانِيَةِ ولم يَعُدْ عليه الْإِيلَاءُ لِأَنَّهُ قد حَنِثَ في الْيَمِينَيْنِ مَعًا وَإِنْ أَرَادَ بِالْيَمِينِ الثَّانِيَةِ الْأُولَى فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ أَرَادَ يَمِينًا عليه غَيْرَهَا فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لو يُكَفِّرَ كَفَّارَتَيْنِ وقد قِيلَ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ تُجْزِئُهُ لِأَنَّهُمَا يَمِينَانِ في شَيْءٍ وَاحِدٍ وَهَكَذَا لو آلَى منها فلما مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ آلَى ثَانِيَةً قبل يُوقَفَ أو يُطَلِّقَ وَلَكِنَّهُ لو آلَى فَوُقِفَ فَطَلَّقَ طَلَاقًا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ ثُمَّ آلَى في الْعِدَّةِ ثُمَّ ارْتَجَعَ أو فَاءَ ثُمَّ آلَى إيلَاءً آخَرَ كان عليه إيلَاءٌ مُسْتَقْبَلٌ ( قال ) وإذا آلَى الرَّجُلُ من امْرَأَتِهِ فَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا بِأَمْرٍ ليس من قِبَلِهِ قبل يُكْمِلَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ قَدَرَ عليها اُسْتُؤْنِفَ له أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ كما جَعَلَ اللَّهُ عز وجل له أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مُتَتَابِعَةً فإذا لم تكمل ( ( ( يتكمل ) ) ) له حتى يَمْضِيَ حُكْمُهَا اُسْتُؤْنِفَتْ له مُتَتَابِعَةً كما جُعِلَتْ له أَوَّلًا وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ تُحْبَسَ فَلَا يَقْدِرُ عليها وَمِثْلُ أَنْ يَكُونَ آلَى منها صَبِيَّةً لَا يَقْدِرُ على جِمَاعِهَا بِحَالٍ أو مُضْنَاةً من مَرَضٍ لَا يَقْدِرُ على جِمَاعِهَا بِحَالٍ وإذا صَارَتَا في حَدِّ من يُجَامَعُ مِثْلُهُ وُقِفَ لَهُمَا بَعْدُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ من يَوْمِ يَقْدِرُ على جِمَاعِهِمَا فَإِنْ فَاءَ وَإِلَّا طَلَّقَ وَإِنْ أَبَى طُلِّقَ عليه ( قال ) وَإِنْ كانت مَرِيضَةً يَقْدِرُ على جِمَاعِهَا بِحَالٍ أو صَبِيَّةً يُجَامَعُ مِثْلُهَا فَهِيَ كَالصَّحِيحَةِ الْبَالِغِ وسوءا ( ( ( وسواء ) ) ) آلَى من بِكْرٍ أو ثَيِّبٍ وَلَا فَيْئَةَ في الْبِكْرِ إلَّا بِذَهَابِ الْعَذِرَةِ وَلَا في الثَّيِّبِ إلَّا بِمَغِيبِ الْحَشَفَةِ وإذا كان الْحَبْسُ عن الْجِمَاعِ في الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ لَا بِسَبَبِ الْمَرْأَةِ وَلَا منها وَلَا أنها حَرُمَتْ عليه كما تَحْرُمُ الإجنبية إلَّا بِحَالٍ يُحْدِثُهَا فَالْإِيلَاءُ له لَازِمٌ وَلَا يُزَادُ على أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ شيئا فإذا مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ وُقِفَ حتى يُطَلِّقَ أو يَفِيءَ فَيْءَ جِمَاعٍ أو فَيْءَ مَعْذُورٍ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يُؤْلِيَ فَيَمْرَضَ هو أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فإذا مَضَتْ وُقِفَ فَإِنْ كان يَقْدِرُ على الْجِمَاعِ بِحَالٍ فَلَا فَيْءَ له إلَّا فَيْءَ الْجِمَاعِ وَإِنْ كان لَا يَقْدِرُ عليه فَاءَ بِلِسَانِهِ وَمِثْلُ أَنْ يُؤْلِيَ فَيُحْبَسَ أو يُؤْلِيَ وهو مَحْبُوسٌ فإذا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وهو يَقْدِرُ على الْجِمَاعِ بِحَالٍ فَاءَ أو طَلَّقَ وَإِنْ لم يَقْدِرْ على الْجِمَاعِ بِحَالٍ لِلْحَبْسِ فَاءَ بِلِسَانِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَنْ قُلْت له فِئْ بِلِسَانِك فإذا قَدَرَ على الْجِمَاعِ بِحَالٍ وَقَفْته مَكَانَهُ فَإِنْ فَاءَ وَإِلَّا طَلَّقَ أو طُلِّقَ عليه وَلَا أُؤَجِّلُهُ إلَى أَجَلِ الصَّحِيحِ إذَا وَقَفْته بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ( قال ) وإذا آلَى فَغُلِبَ على عَقْلِهِ فاذا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ لم يُوقَفْ حتى يَرْجِعَ إلَيْهِ عَقْلُهُ فَإِنْ عَقَلَ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وُقِفَ مَكَانَهُ فَإِمَّا أَنْ يَفِيءَ وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ وإذا آلَى الرَّجُلُ من امْرَأَتِهِ ثُمَّ أَحْرَمَ قِيلَ له إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَإِنْ فِئْت فَسَدَ إحْرَامُك وَخَرَجْت من حُكْمِ الْإِيلَاءِ وان لم تَفِئْ طُلِّقَ عَلَيْك لِأَنَّك أَحْدَثْت مَنْعَ الْجِمَاعِ وَإِنْ آلَى ثُمَّ تَظَاهَرَ وهو يَجِدُ الْكَفَّارَةَ فإذا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وُقِفَ فَقِيلَ له أنت أَدْخَلْت مَنْعَ الْجِمَاعِ على نَفْسِك فَإِنْ فِئْت فَأَنْتَ عَاصٍ بِالْإِصَابَةِ وَأَنْتَ مُتَظَاهِرٌ وَلَيْسَ لَك أَنْ تَطَأَ قبل الْكَفَّارَةِ وَإِنْ لم تَفِئْ فَطَلِّقْ أو يُطَلَّقُ عَلَيْك وَهَكَذَا لو تَظَاهَرَ ثُمَّ آلَى لِأَنَّ ذلك كُلَّهُ جاء منه لَا منها ولم تَحْرُمْ عليه بِالظِّهَارِ حُرْمَةَ الْأَجْنَبِيَّةِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا آلَى الْعِنِّينُ من امْرَأَتِهِ أَجَلَ سَنَةٍ ثُمَّ خُيِّرَتْ إلَّا أَنْ يُطَلِّقَهَا عِنْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ فَإِنْ طَلَّقَهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا في الْعِدَّةِ عَادَ الْإِيلَاءُ عليه وَخُيِّرَتْ عِنْدَ السَّنَةِ في الْمَقَامِ معه أو فِرَاقِهِ - * إيلَاءُ الرَّجُلِ مِرَارًا - *

(5/275)


- * اخْتِلَافُ الزَّوْجَيْنِ في الْإِصَابَةِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ وُقِفَ بأنها ( ( ( لأنها ) ) ) سَأَلَتْ وَقْفَهُ فَادَّعَى إصَابَتَهَا في الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَأَنْكَرَتْ فَالْقَوْلُ فيها كَالْقَوْلِ إذَا وَقَّفْنَاهُ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ يُصَدَّقُ إنْ كانت ثَيِّبًا وَتُصَدَّقُ هِيَ إنْ كانت بِكْرًا - * من يَجِبُ عليه الظِّهَارُ وَمَنْ لَا يَجِبُ عليه - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ ) قال + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ من نِسَائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إنْ أُمَّهَاتُهُمْ إلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا من الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَكُلُّ زَوْجٍ جَازَ طَلَاقُهُ وَجَرَى عليه الْحُكْمُ من بَالِغٍ غَيْرِ مَغْلُوبٍ على عَقْلِهِ وَقَعَ عليه الظِّهَارُ سَوَاءٌ كان حُرًّا أو عَبْدًا أو من لم تَكْمُلْ فيه الْحُرِّيَّةُ أو ذِمِّيًّا من قِبَلِ أَنَّ أَصْلَ الظِّهَارِ كان طَلَاقَ الْجَاهِلِيَّةِ فَحَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى فيه بِالْكَفَّارَةِ فَحَرُمَ الْجِمَاعُ على الْمُتَظَاهِرِ بِتَحْرِيمِهِ لِلظِّهَارِ حتى يُكَفِّرَ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ وَيَحْرُمُ عليه الْجِمَاعُ بِتَحْرِيمِهِ إذَا كَانُوا بَالِغِينَ غير مَغْلُوبِينَ على عُقُولِهِمْ ( قال ) وَظِهَارُ كل وَاحِدٍ من هَؤُلَاءِ يَقَعُ على زَوْجَتِهِ دخل بها أو لم يَدْخُلْ بها صَغِيرَةً كانت أو كَبِيرَةً يَحِلُّ جِمَاعُهَا وَيَقْدِرُ عليه أو لَا يَحِلُّ وَلَا يَقْدِرُ عليه بِأَنْ تَكُونَ حَائِضًا أو مُحْرِمَةً أو رَتْقَاءَ أو صَغِيرَةً لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا أو خَارِجَةً من هذا كُلِّهِ ( قال ) وَلَوْ تَظَاهَرَ من امْرَأَتِهِ وَهِيَ أَمَةٌ ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَسَدَ النِّكَاحُ وَالظِّهَارُ بِحَالِهِ لَا يَقْرَبُهَا حتى يُكَفِّرَ من قِبَلِ أَنَّ الظِّهَارَ لَزِمَهُ وَهِيَ زَوْجَةٌ وإذا تَظَاهَرَ السَّكْرَانُ لَزِمَهُ الظِّهَارُ فَأَمَّا الْمَغْلُوبُ على عَقْلِهِ بِغَيْرِ سُكْرٍ فَلَا يَلْزَمُهُ وإذا تَظَاهَرَ الْأَخْرَسُ وهو يَعْقِلُ الْإِشَارَةَ او الْكِتَابَةَ لَزِمَهُ الظِّهَارُ وإذا تَظَاهَرَ من امْرَأَتِهِ ثُمَّ قال لِامْرَأَةٍ له أُخْرَى قد أَشْرَكْتُك مَعَهَا أو قال أَنْتِ مِثْلُهَا أو ما أَشْبَهَ هذا يُرِيدُ بِهِ الظِّهَارَ فإن عليه فيها مِثْلَ ما عليه في التي تَظَاهَرَ منها وهو ظِهَارٌ فَإِنْ لم يُرِدْ بِهِ ظِهَارًا وَلَا تَحْرِيمًا فَلَيْسَ بِظِهَارٍ وَلَا شَيْءَ عليه وإذا قال لِامْرَأَةٍ له أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَيْسَ بِظِهَارٍ وَلَوْ قال إنْ شَاءَ اللَّهُ فُلَانٌ فَلَيْسَ بِظِهَارٍ حتى يَعْلَمَ أَنَّ فُلَانًا قد شَاءَ وإذا تَظَاهَرَ الرَّجُلُ من امْرَأَتِهِ ثُمَّ تَرَكَهَا أَكْثَرَ من أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ مُتَظَاهِرٌ وَلَا إيلَاءَ عليه يُوقَفُ له لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قد حَكَمَ في الظِّهَارِ غير حُكْمِهِ في الْإِيلَاءِ فَلَا يَكُونُ الْمُتَظَاهِرُ مُولِيًا وَلَا الْمُولِي مُتَظَاهِرًا بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَلَا يَكُونُ عليه بِأَحَدِهِمَا إلَّا أَيَّهمَا جُعِلَ على نَفْسِهِ لِأَنَّهُ مُطِيعٌ لِلَّهِ تَعَالَى بِتَرْكِ الْجِمَاعِ في الظِّهَارِ عَاصٍ لو جَامَعَ قبل أَنْ يُكَفِّرَ وَعَاصٍ بِالْإِيلَاءِ وَسَوَاءٌ كان مُضَارًّا بِالظِّهَارِ أو غير مُضَارٍّ إلَّا أَنَّهُ يَأْثَمُ بِالضِّرَارِ كما يَأْثَمُ لو آلَى اقل من أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ يُرِيدُ ضِرَارًا وَلَا يُحْكَمُ عليهحكم الْإِيلَاءِ بِالضِّرَارِ وَيَأْثَمُ لو تَرَكَهَا الدَّهْرَ بِلَا يَمِين يُرِيدُ ضِرَارًا وَلَا يُحْكَمُ عليه حُكْمَ الْإِيلَاءِ وَلَا يُحَالُ حُكْمٌ عَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فيه
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا وَقَفْنَا المولى فقال قد أَصَبْتهَا وَقَالَتْ لم يُصِبْنِي فَإِنْ كانت ثَيِّبًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ لِأَنَّهَا تَدَّعِي ما تَكُونُ بِهِ الْفُرْقَةُ التي هِيَ إلَيْهِ وَإِنْ كانت بِكْرًا أُرِيهَا النِّسَاءَ فَإِنْ قُلْنَ هِيَ بِكْرٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مع يَمِينِهَا وإذا قالت قد أَصَابَنِي وَإِنَّمَا أَدْخَلَهُ بيده حتى غَيَّبَ الْحَشَفَةَ فَذَلِكَ فَيْءٌ إنْ صَدَّقَهَا ( قال الرَّبِيعُ ) وَإِنْ غَلَبَتْهُ على نَفْسِهِ حتى أَدْخَلَتْهُ بِيَدِهَا فَقَدْ فَاءَ وَسَقَطَ عنه الْإِيلَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ عليه لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ

(5/276)


- * الظِّهَارُ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) سَمِعْت من أَرْضَى من أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ يَذْكُرُ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يُطَلِّقُونَ بِثَلَاثَةٍ الظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ وَالطَّلَاقِ فَأَقَرَّ اللَّهُ تَعَالَى الطَّلَاقَ طَلَاقًا وَحَكَمَ في الْإِيلَاءِ بِأَنْ أَمْهَلَ المولى ( ( ( الموالي ) ) ) أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ جَعَلَ عليه أَنْ يَفِيءَ أو يُطَلِّقَ وَحَكَمَ في الظِّهَارِ بِالْكَفَّارَةِ فإذا تَظَاهَرَ الرَّجُلُ من امْرَأَتِهِ يُرِيدُ طَلَاقَهَا أو يُرِيدُ تَحْرِيمَهَا بِلَا طَلَاقٍ فَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ بِحَالٍ وهو مُتَظَاهِرٌ وَكَذَلِكَ إنْ تَكَلَّمَ بِالظِّهَارِ وَلَا يَنْوِي شيئا فَهُوَ مُتَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ مُتَكَلِّمٌ بِالظِّهَارِ وَيَلْزَمُ الظِّهَارُ من لَزِمَهُ الطَّلَاقُ وَيَسْقُطُ عَمَّنْ سَقَطَ عنه وإذا تَظَاهَرَ الرَّجُلُ من امْرَأَتِهِ قبل أَنْ يَدْخُلَ بها أو بَعْدَ ما دخل بها فَهُوَ مُتَظَاهِرٌ وإذا طَلَّقَهَا فَكَانَ لَا يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا في الْعِدَّةِ ثُمَّ تَظَاهَرَ منها لم يَلْزَمْهُ الظِّهَارُ وإذا طَلَّقَ امْرَأَتَيْهِ فَكَانَ يَمْلِكُ رَجْعَةَ إحْدَاهُمَا وَلَا يَمْلِكُ رَجْعَةَ الْأُخْرَى فَتَظَاهَرَ مِنْهُمَا في كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ لَزِمَهُ الظِّهَارُ من التي يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا وَيَسْقُطُ عنه من التي لَا يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا تَظَاهَرَ من أَمَتِهِ أُمَّ وَلَدٍ كانت أو غير أُمِّ وَلَدٍ لم يَلْزَمْهُ الظِّهَارُ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل يقول { وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ من نِسَائِهِمْ } وَلَيْسَتْ من نِسَائِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِيلَاءُ وَلَا الطَّلَاقُ فِيمَا لَا يَلْزَمُهُ الظِّهَارُ وَكَذَلِكَ قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ من نِسَائِهِمْ تَرَبَّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ } فَلَوْ آلَى من أَمَتِهِ لم يَلْزَمْهُ الْإِيلَاءُ وَكَذَلِكَ قال { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ } وَلَيْسَتْ من الْأَزْوَاجِ فَلَوْ رَمَاهَا لم يَلْتَعِنْ لِأَنَّا عَقَلْنَا عن اللَّهِ عز وجل أنها لَيْسَتْ من نِسَائِنَا وَإِنَّمَا نِسَاؤُنَا أَزْوَاجُنَا وَلَوْ جَازَ أَنْ يَلْزَمَ وَاحِدًا من هذه الْأَحْكَامِ لَزِمَهَا كُلَّهَا لِأَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ عز وجل لها وَاحِدٌ - * ما يَكُونُ ظِهَارًا وما لَا يَكُونُ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَالظِّهَارُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فإذا قال لها أَنْتِ مِنِّي كَظَهْرِ أُمِّي أو أَنْتِ مَعِي أو ما أَشْبَهَ هذا كَظَهْرِ أُمِّي فَهُوَ ظِهَارٌ وَكَذَلِكَ لو قال لها فَرْجُك أو رَأْسُك أو بَدَنُك أو ظَهْرُك أو جِلْدُك أو يَدُك أو رِجْلُك عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي كان هذا ظِهَارًا وَكَذَلِكَ لو قال أَنْتِ أو بَدَنُك عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أو كَبَدَنِ أُمِّي أو كَرَأْسِ أُمِّي أو كَيَدِهَا أو كَرِجْلِهَا كان هذا ظِهَارًا لِأَنَّ التَّلَذُّذَ بِكُلِّ أُمِّهِ مُحَرَّمٌ عليه كَتَحْرِيمِ التَّلَذُّذِ بِظَهْرِهَا ( قال ) وإذا قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُخْتِي أو كَظَهْرِ امْرَأَةٍ مُحَرَّمَةٍ عليه من نَسَبٍ أو رَضَاعٍ قَامَتْ في ذلك مَقَامَ الْأُمِّ أَمَّا الرَّحِمُ فإن ما يَحْرُمُ عليه من أُمِّهِ يَحْرُمُ عليه منها وَأَمَّا الرَّضَاعُ فإن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال يَحْرُمُ من الرَّضَاعِ من يَحْرُمُ من النَّسَبِ فَأَقَامَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الرَّضَاعَ مَقَامَ النَّسَبِ فلم يَجُزْ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ( قال الرَّبِيعُ ) مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ إنَّ اللَّهَ عز وجل نَسَبَ الظِّهَارَ إلَى الْأُمِّ فقال عز من قَائِلٍ { الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ من نِسَائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ } فَكُلُّ ما كان مُحَرَّمًا على المء ( ( ( المرء ) ) ) كما تَحْرُمُ الْأُمُّ فَظَاهَرَ من امْرَأَتِهِ فَنَسَبُهُ إلَى من تَحْرُمُ عليه كَحُرْمَةِ الْأُمِّ لَزِمَهُ الظِّهَارُ وَلَك مَثَلٌ ان يَقُولَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُخْتِي ولم تَزَلْ أُخْتُهُ مُحَرَّمَةً عليه لم تَحِلَّ له قَطُّ فَكَانَ بِذَلِكَ مُتَظَاهِرًا ( قال الرَّبِيعُ ) فَإِنْ قال أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أَجْنَبِيَّةٍ لم يَكُنْ مُظَاهِرًا من قِبَلِ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّةَ وَإِنْ كانت في هذا الْوَقْتِ مُحَرَّمَةً فَهِيَ تَحِلُّ له لو تَزَوَّجَهَا وَالْأُمُّ لم تَكُنْ حَلَالًا قَطُّ له وَلَا تَكُونُ حَلَالًا أَبَدًا فَإِنْ قال أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُخْتِي من الرَّضَاعَةِ فَإِنْ كانت قد وُلِدَتْ قبل قبل أَنْ تُرْضِعَهُ أُمُّهَا فَقَدْ كانت قبل أَنْ يَكُونَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى قال اللَّهُ تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ من نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قالوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ من قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاَللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَنْ لم يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ من قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لم يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا }

(5/277)


الرَّضَاعُ حَلَالًا له وَلَا يَكُونُ مُظَاهِرًا بها وَلَيْسَتْ مِثْلَ الْأُخْتِ من النَّسَبِ التي لم تَكُنْ حَلَالًا قَطُّ له وَهَذِهِ قد كانت حَلَالًا له قبل أَنْ تُرْضِعَهُ أُمُّهَا فَإِنْ كانت أُمُّهَا قد أَرْضَعَتْهُ قبل أَنْ تَلِدَهَا فَهَذِهِ لم تَكُنْ قَطُّ حَلَالًا له في حِينٍ لِأَنَّهَا وَلَدَتْهَا بَعْدَ أَنْ صَارَ ابْنَهَا من الرَّضَاعَةِ ( قال الرَّبِيعُ ) وَكَذَلِكَ امْرَأَةُ أبيه فإذا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ امْرَأَةِ أبي فَإِنْ كان أَبُوهُ قد تَزَوَّجَهَا قبل أَنْ يُولَدَ فَهُوَ مُظَاهِرٌ من قِبَلِ أنها لم تَكُنْ له حَلَالًا قَطُّ ولم يُولَدْ إلَّا وَهِيَ حَرَامٌ عليه وَإِنْ كان قد وُلِدَ قبل أَنْ يَتَزَوَّجَهَا أَبُوهُ فَقَدْ كانت في حِينٍ حَلَالًا له فَلَا يَكُونُ بها مُتَظَاهِرًا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيَلْزَمُ الظِّهَارُ من الْأَزْوَاجِ من لَزِمَهُ الطَّلَاقُ وَيَلْزَمُ بِمَا يَلْزَمُ بِهِ الطَّلَاقُ من الْحِنْثِ لِأَنَّ فيه تَحْرِيمًا لِلْمَرْأَةِ حتى يُكَفِّرَ فإذا قال لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَدَخَلَتْ الدَّارَ كان مُتَظَاهِرًا حين دَخَلَتْ وَكَذَلِكَ إنْ قال إنْ قَدِمَ فُلَانٌ أو نُكِحَتْ فُلَانَةُ وَلَوْ قال لِامْرَأَةٍ لم يَنْكِحْهَا إذَا نَكَحْتُك فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَنَكَحَهَا لم يَكُنْ مُتَظَاهِرًا لِأَنَّهُ لو قال في تِلْكَ الْحَالِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي لم يَكُنْ مُتَظَاهِرًا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقَعُ التَّحْرِيمُ من النِّسَاءِ على من حَلَّ ( 2 ) ثُمَّ حَرُمَ فَأَمَّا من لم يَحِلَّ فَلَا يَقَعُ عليه تَحْرِيمٌ وَلَا حُكْمُ تَحْرِيمٍ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ فَلَا مَعْنَى لِلتَّحْرِيمِ في التَّحْرِيمِ لِأَنَّهُ في الْحَالَيْنِ قبل التَّحْرِيمِ وَبَعْدَهُ مُحَرَّمٌ بِتَحْرِيمٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيُرْوَى مِثْلُ مَعْنَى ما قُلْت عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ عن عَلِيٍّ وبن عَبَّاسٍ رض ( ( ( رضي ) ) ) اللَّهُ تَعَالَى عنهما وَغَيْرِهِمْ وهو الْقِيَاسُ وإذا قال أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي يُرِيدُ طلاق ( ( ( طلاقا ) ) ) وَاحِدًا أو ثَلَاثًا أو طَلَاقًا بِلَا نِيَّةِ عَدَدٍ لم يَكُنْ طَلَاقًا لِمَا وَصَفْت من حُكْمِ اللَّهِ عز وجل في الظِّهَارِ وَأَنْ بَيَّنَّا في حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ ليس الظِّهَارُ اسْمَ الطَّلَاقِ وَلَا ما يُشْبِهُ الطَّلَاقَ مِمَّا ليس لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فيه نَصُّ حُكْمٍ وَلَا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وما كان خَارِجًا من هذا مِمَّا يُشْبِهُ الطَّلَاقَ فَإِنَّمَا يَكُونُ قِيَاسًا على الطَّلَاقِ وإذا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ كَظَهْرِ أُمِّي يُرِيدُ الظِّهَارَ فَهِيَ طَالِقٌ وَلَا ظِهَارَ عليه لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالطَّلَاقِ ولم يَكُنْ لِكَظَهْرِ أُمِّي مَعْنًى إلَّا أَنَّك حَرَامٌ بِالطَّلَاقِ وَكَظَهْرِ أُمِّي مُحَالٌ لَا مَعْنَى له فَلَزِمَهُ الطَّلَاقُ وَسَقَطَ الظِّهَارُ وَهَكَذَا إنْ قال أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَظَهْرِ أُمِّي يُرِيدُ الطَّلَاقَ فَهُوَ طَلَاقٌ وَإِنْ لم يُرِدْ الطَّلَاقَ فَهُوَ مُتَظَاهِرٌ وَإِنْ قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَظَهْرِ أُمِّي ثُمَّ قال لِأُخْرَى من نِسَائِهِ قد أَشْرَكْتُك مَعَهَا أو أنت مثلها أو أَنْتِ كَهِيَ أن أَنْتِ شَرِيكَتُهَا أو ما أَشْبَهَ هذا لَا يُرِيدُ بِهِ ظِهَارًا لم يَلْزَمْهُ ظِهَارٌ لِأَنَّهَا تَكُونُ شَرِيكَتَهَا وَمَعَهَا وَمِثْلَهَا في أنها زَوْجَةٌ له كَهِيَ وَعَاصِيَةٌ له كَهِيَ وَمُطِيعَةٌ له كَهِيَ وما أَشْبَهَ هذا مِمَّا ليس بِظِهَارٍ ( قال ) وإذا تَظَاهَرَ الرَّجُلُ من أَرْبَعِ نِسْوَةٍ له بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أو بِكَلَامٍ مُتَفَرِّقٍ فَسَوَاءٌ وَعَلَيْهِ في كل وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ كَفَّارَةٌ لِأَنَّ التَّظَاهُرَ تَحْرِيمٌ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ لَا تَحِلُّ له بَعْدُ حتى يُكَفِّرَ كما يُطَلِّقُهُنَّ مَعًا في كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أو كَلَامٍ مُتَفَرِّقٍ فَتَكُونُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ طَالِقًا وإذا تَظَاهَرَ الرَّجُلُ من امْرَأَتِهِ مَرَّتَيْنِ أو ثَلَاثًا أو أَكْثَرَ يُرِيدُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ظِهَارًا غير صَاحِبِهِ قبل يُكَفِّرَ فَعَلَيْهِ في كل تَظَاهُرٍ كَفَّارَةٌ كما يَكُونُ عليه في كل تَطْلِيقَةٍ تَطْلِيقَةٌ لِأَنَّ التَّظَاهُرَ طَلَاقٌ جُعِلَ الْمَخْرَجُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى وَإِنْ قال أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ ( 1 ) امْرَأَةِ أبي أو أمرأة ابْنِي أو امْرَأَةِ رَجُلٍ سَمَّاهُ أو امْرَأَةٍ لَاعَنَهَا او امْرَأَةٍ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا لم يَكُنْ ظِهَارًا من قِبَلِ أَنَّ هَؤُلَاءِ قد كُنَّ وَهُنَّ يَحْلِلْنَ له وَإِنْ قال أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أبي أو ابْنِي لم يَكُنْ ظِهَارًا من قِبَلِ أَنَّ ما يَقَعُ على النِّسَاءِ من تَحْرِيمٍ وَتَحْلِيلٍ لَا يَقَعُ على الرِّجَالِ ( قال ) وَإِنْ قالت امْرَأَةُ رَجُلٍ له أنت عَلَيَّ كَظَهْرِ أبي أو أُمِّي لم يَكُنْ ظِهَارًا وَلَا عليها كَفَّارَةٌ من قِبَلِ أَنَّهُ ليس لها أَنْ تُوقِعَ التَّحْرِيمَ على رَجُلٍ إنَّمَا لِلرَّجُلِ أَنْ يُوقِعَهُ عليها

(5/278)


منه كَفَّارَةً وَلَوْ قَالَهَا مُتَتَابِعَةً فقال أَرَدْت ظِهَارًا وَاحِدًا كان وَاحِدًا كما يَكُونُ لو أَرَادَ طَلَاقًا وَاحِدًا وَإِبَانَةً بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وإذا تَظَاهَرَ من امْرَأَتِهِ ثُمَّ كَفَّرَ ثُمَّ تَظَاهَرَ منها مَرَّةً أُخْرَى كَفَّرَ مَرَّةً أُخْرَى وَلَوْ قال لِامْرَأَتِهِ إذَا تَظَاهَرْت من فُلَانَةَ امْرَأَةٍ له أُخْرَى فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَتَظَاهَرَ منها كان من امْرَأَتِهِ التي قال لها ذلك مُتَظَاهِرًا وَلَوْ قال لِامْرَأَتِهِ إذَا تَظَاهَرْت من فُلَانَةَ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَتَظَاهَرَ من الْأَجْنَبِيَّةِ لم يَكُنْ عليه ظِهَارٌ لِأَنَّ ذلك ليس بِظِهَارٍ وَكَذَلِكَ لو قال لها إذَا طَلَّقْتهَا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَلَّقَهَا لم تَكُنْ امْرَأَتُهُ طَالِقًا لِأَنَّهُ طَلَّقَ غير زَوْجَتِهِ ( قال ) وإذا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ أو عِنْدِي كَأُمِّي أو أَنْتِ مِثْلُ أُمِّي أو أَنْتِ عَدْلُ أُمِّي وَأَرَادَ في الْكَرَامَةِ فَلَا ظِهَارَ وَإِنْ أَرَادَ ظِهَارًا فَهُوَ ظِهَارٌ وَإِنْ قال لَا نِيَّةَ لي فَلَيْسَ بِظِهَارٍ - * مَتَى نُوجِبُ على الْمُظَاهِرِ الْكَفَّارَةَ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) الذي عَلَّقْت مِمَّا سَمِعْت في { يَعُودُونَ لِمَا قالوا } أَنَّ الْمُتَظَاهِرَ حَرُمَ مَسُّ امْرَأَتِهِ بِالظِّهَارِ فإذا أَتَتْ عليه مُدَّةٌ بَعْدَ الْقَوْلِ بِالظِّهَارِ لم يَحْرُمْهَا بِالطَّلَاقِ الذي يَحْرُمُ بِهِ وَلَا شَيْءَ لكون ( ( ( يكون ) ) ) له مَخْرَجٌ من أَنْ تَحْرُمَ عليه بِهِ فَقَدْ وَجَبَ عليه كَفَّارَةُ الظِّهَارِ كَأَنَّهُمْ يَذْهَبُونَ إلَى أَنَّهُ إذَا أَمْسَكَ ما حَرَّمَ على نَفْسِهِ أَنَّهُ حَلَالٌ فَقَدْ عَادَ لِمَا قال فَخَالَفَهُ فَأَحَلَّ ما حَرَّمَ وَلَا أَعْلَمُ له مَعْنًى أَوْلَى بِهِ من هذا ولم أَعْلَمْ مُخَالِفًا في أَنَّ عليه كَفَّارَةَ الظِّهَارِ وَإِنْ لم يَعُدْ بِتَظَاهُرٍ آخَرَ فلم يَجُزْ أَنْ يُقَالَ لِمَا لم أَعْلَمْ مُخَالِفًا في أَنَّهُ ليس بِمَعْنَى الْآيَةِ وإذا حَبَسَ الْمُتَظَاهِرُ امْرَأَتَهُ بَعْدَ الظِّهَارِ قَدْرَ ما يُمْكِنُهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ولم يُطَلِّقْهَا فَكَفَّارَةُ الظِّهَارِ له لَازِمَةٌ وَلَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ ذلك أو لَاعَنَهَا فَحَرُمَتْ عليه على الْأَبَدِ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ وَكَذَلِكَ لو مَاتَتْ أو ارْتَدَّتْ فَقُتِلَتْ على الرِّدَّةِ وَمَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { من قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا } وَقْتٌ لَأَنْ يُؤَدِّيَ ما أُوجِبَ عليه من الْكَفَّارَةِ فيها قبل الْمُمَاسَّةِ فإذا كانت الْمُمَاسَّةُ قبل الْكَفَّارَةِ فَذَهَبَ الْوَقْتُ لم تَبْطُلْ الْكَفَّارَةُ ولم يَزِدْ عليه فيها كما يُقَالُ له أَدِّ الصَّلَاةَ في وَقْتِ كَذَا وَقَبْلَ وَقْتِ كَذَا فَيَذْهَبُ الْوَقْتُ فَيُؤَدِّيهَا لِأَنَّهَا فَرْضٌ عليه فإذا لم يُؤَدِّهَا في الْوَقْتِ أَدَّاهَا قَضَاءً بَعْدَهُ وَلَا يُقَالُ له زِدْ فيها لِذَهَابِ الْوَقْتِ قبل أَنْ تُؤَدِّيَهَا ( قال ) وَهَكَذَا لو كانت امْرَأَتُهُ معه فَأَصَابَهَا قبل أَنْ يُكَفِّرَ وَاحِدَةً من الْكَفَّارَاتِ أو كَفَّرَ بِالصَّوْمِ فَأَصَابَ في لَيْلِ الصَّوْمِ لم يَنْتَقِضْ صَوْمُهُ وَمَضَى على الْكَفَّارَةِ وَلَوْ تَظَاهَرَ منها ثُمَّ مَاتَ مَكَانَهُ أو مَاتَتْ مَكَانَهَا قبل أَنْ يُمْكِنَهُ أَنْ يُطَلِّقَ لم يَكُنْ عليه ظِهَارٌ وَلَوْ تَظَاهَرَ منها فَأَتْبَعَ التَّظَاهُرَ طَلَاقًا تَحِلُّ له بَعْدَهُ قبل زَوْجٍ له عليها فيه الرَّجْعَةُ أو لَا رَجْعَةَ له لم يَكُنْ عليه بَعْدَ الطَّلَاقِ كَفَّارَةٌ لِأَنَّهُ أَتْبَعَهَا الطَّلَاقَ مَكَانَهُ فَإِنْ رَاجَعَهَا في الْعِدَّةِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ في التي يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا وَلَوْ طَلَّقَهَا سَاعَةَ نَكَحَهَا لِأَنَّ مُرَاجَعَتَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ أَكْثَرُ من حَبْسِهَا بَعْدَ الظِّهَارِ وهو يُمْكِنُهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَلَوْ تَظَاهَرَ منها ثُمَّ أَتْبَعَهَا طَلَاقًا لَا يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ ثُمَّ نَكَحَهَا لم تَكُنْ عليه كَفَّارَةٌ لِأَنَّ هذا مِلْكٌ غيرالملك الْأَوَّلِ الذي كان فيه الظِّهَارُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو تَظَاهَرَ منها بَعْدَ طَلَاقٍ لَا يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ لم يَكُنْ فيه مُتَظَاهِرًا وَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أو طَلَاقًا لَا تَحِلُّ له حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ سَقَطَ عنه الظِّهَارُ وَلَوْ نَكَحَهَا بَعْدَ زَوْجٍ لم يَكُنْ مُتَظَاهِرًا لِمَا وَصَفْت وَبِأَنَّ طَلَاقَ ذلك الْمِلْكِ قد مَضَى وَحَرُمَتْ ثُمَّ نَكَحَهَا فَكَانَتْ مُسْتَأْنِفَةً حُكْمُهَا حُكْمُ من لم تُنْكَحْ قَطُّ إذَا سَقَطَ الطَّلَاقُ سَقَطَ ما كان في حُكْمِهِ وَأَقَلُّ من ظِهَارٍ وَإِيلَاءٍ وَلَوْ تَظَاهَرَ منها ثُمَّ لَاعَنَهَا مَكَانَهُ بِلَا فَصْلٍ كانت فِرْقَةٌ لها يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَسَقَطَ الظِّهَارُ وَلَوْ حَبَسَهَا بَعْدَ الظِّهَارِ قَدْرَ ما يُمْكِنُهُ اللِّعَانُ فلم يُلَاعِنْ كانت عليه كَفَّارَةُ الظِّهَارِ لَاعَنَ أو لم يُلَاعِنُ وإذا تَظَاهَرَ الْمُسْلِمُ من امْرَأَتِهِ ثُمَّ ارْتَدَّ او ارْتَدَّتْ مع الظِّهَارِ فَإِنْ عَادَ الْمُرْتَدُّ مِنْهُمَا إلَى الْإِسْلَامِ في الْعِدَّةِ فَحَبَسَهَا قَدْرَ ما يُمْكِنُهُ الطَّلَاقُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ من نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قالوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } الْآيَةَ

(5/279)


لَزِمَهُ الطهار ( ( ( الظهار ) ) ) وَإِنْ طَلَّقَهَا مع عَوْدَةِ الْمُرْتَدِّ مِنْهُمَا إلَى الْإِسْلَامِ أو لم يَعُدْ الْمُرْتَدُّ مِنْهُمَا إلَى الْإِسْلَامِ فَلَا ظِهَارَ عليه إلَّا أَنْ يَتَنَاكَحَا قبل أَنْ تَبِينَ منه بِثَلَاثٍ فَيَعُودُ عليه الظِّهَارُ وإذا تَظَاهَرَ الرَّجُلُ من امْرَأَتِهِ وَهِيَ امة ثُمَّ عَتَقَتْ فَاخْتَارَتْ فِرَاقَهُ بالظهار ( ( ( فالظهار ) ) ) لَازِمٌ له لِأَنَّهُ حَبَسَهَا بَعْدَ الظِّهَارِ مُدَّةً يُمْكِنُهُ فيها الطَّلَاقُ وَلَوْ تَظَاهَرَ منها وَهِيَ أَمَةٌ فلم يُكَفِّرْ حتى اشْتَرَاهَا لم يَكُنْ له أَنْ يَقْرَبَهَا حتى يُكَفِّرَ لِأَنَّ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ لَزِمَتْهُ وَهِيَ أَمَةٌ زَوْجَةٌ وإذا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إنْ شَاءَ اللَّهُ لم يَكُنْ ظِهَارًا وَإِنْ قال إنْ شَاءَ فُلَانٌ لم يَكُنْ ظِهَارًا حتى يَشَاءَ فُلَانٌ وَكَذَلِكَ إنْ شِئْت فلم تَشَأْ فَلَيْسَ بِظِهَارٍ وَإِنْ شَاءَتْ فَظِهَارٌ وإذا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أو قال وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَهُوَ مُولٍ مُتَظَاهِرٌ يُؤْمَرُ بِأَنْ يُكَفِّرَ لِلظِّهَارِ من سَاعَتِهِ وَيُقَالُ له إنْ قَدَّمْت الْفَيْئَةَ قبل الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ فَهُوَ خَيْرٌ لَك وَإِنْ فِئْت كُنْت خَارِجًا بها من حُكْمِ الْإِيلَاءِ وَعَاصِيًا إنْ قَدَّمْتهَا قبل كَفَّارَةِ الظِّهَارِ فَإِنْ أَخَّرْتهَا إلَى أَنْ تَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَسَأَلَتْ امْرَأَتُك أَنْ تُوقِفَ للايلاء وُقِفْت فَإِنْ فِئْت خَرَجْت من الْإِيلَاءِ وَإِنْ لم تَفِئْ قِيلَ لَك طَلِّقْ وَإِلَّا طَلَّقْنَا عَلَيْك ثُمَّ هَكَذَا كُلَّمَا رَاجَعْت في الْعِدَّةِ فَمَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ تُوقَفُ كما يُوقَفُ من لَا ظِهَارَ عليه من قِبَلِ أَنَّ الْحَبْسَ عن الْجِمَاعِ جاء من قِبَلِك بِأَمْرٍ أَدْخَلْته على نَفْسِك قَدَّمْت الْإِيلَاءَ قبل الظِّهَارِ أو الظِّهَارَ قبل الإيلاء وإذا قال عند الوقوف أنا أكفر قيل أعتق مكانك أو أطعم إن كنت ممن له أن يطعم وفئ ولا نمهلك أَكْثَرَ مِمَّا يُمْكِنُك ذلك فَإِنْ كُنْت مَرِيضًا فَفَيْأَتُكَ بِاللِّسَانِ وَإِنْ قُلْت أَصُومُ قُلْنَا ذلك شَهْرَانِ وَإِنَّمَا أُمِرْتَ بَعْدَ الْأَشْهُرِ بِأَنْ تَفِيءَ أو تُطَلِّقَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ نَجْعَلَ لَك سَنَةً فَإِنْ قال أَمْهِلْنِي بِالْعِتْقِ وَالْإِطْعَامِ قِيلَ ما أُمْهِلُك بِهِ إلَّا ما أُمْهِلُك إذَا لم يَكُنْ عَلَيْك ظِهَارٌ وَالْفَيْئَةُ في الْيَوْمِ وما أَشْبَهَهُ - * بَابُ عِتْقِ الْمُؤْمِنَةِ في الظِّهَارِ - * قال اللَّهُ تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ من نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قالوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ من قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا } (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى اسْمُ الرَّجُلِ مُعَاوِيَةُ بن الْحَكَمِ كَذَلِكَ رَوَى الزُّهْرِيُّ وَيَحْيَى بن أبي كَثِيرٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَعْتَقَ صَبِيَّةً أَحَدُ أَبَوَيْهَا مُؤْمِنٌ أَجْزَأَتْ عنه إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّا نُصَلِّي عليها وَنُوَرِّثُهَا وَنَحْكُمُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فإذا وَجَبَتْ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ على الرَّجُلِ وهو وَاجِدٌ لِرَقَبَةٍ أو ثَمَنِهَا لم يُجْزِهِ فيها إلَّا تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ وَلَا تُجْزِئُهُ رَقَبَةٌ على غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل يقول في الْقَتْلِ { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } وكان شَرْطُ اللَّهِ تَعَالَى في رَقَبَةِ الْقَتْلِ إذَا كانت كَفَّارَةً كَالدَّلِيلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ على أَنْ لَا يُجْزِئَ رَقَبَةٌ في الْكَفَّارَةِ إلَّا مُؤْمِنَةً كما شَرَطَ اللَّهُ عز وجل الْعَدْلَ في الشَّهَادَةِ في مَوْضِعَيْنِ وَأَطْلَقَ الشُّهُودَ في ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ فلما كانت شَهَادَةً كُلَّهَا اكْتَفَيْنَا بِشَرْطِ اللَّهِ عز وجل فِيمَا شَرَطَ فيه وَاسْتَدْلَلْنَا على أَنَّ ما أَطْلَقَ من الشَّهَادَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى على مِثْلِ مَعْنَى ما شَرَطَ وَإِنَّمَا رَدَّ اللَّهُ عز ذِكْرُهُ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ على الْمُسْلِمِينَ لَا على الْمُشْرِكِينَ فَمَنْ أَعْتَقَ في ظهر ( ( ( ظهار ) ) ) غير مُؤْمِنَةٍ فَلَا يُجْزِئُهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ فَيُعْتِقَ مُؤْمِنَةً قال وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يُعْتِقَ إلَّا بَالِغَةً مُؤْمِنَةً فَإِنْ كانت أَعْجَمِيَّةً فَوَصَفَتْ الْإِسْلَامَ أَجْزَأَتْهُ
أخبرنا مَالِكٌ عن هِلَالِ بن أُسَامَةَ عن عَطَاءِ بن يَسَارٍ عن عُمَرَ بن الْحَكَمِ أَنَّهُ قال أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَقُلْت يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ جَارِيَةً لي كانت تَرْعَى غَنَمًا لي فَجِئْتهَا وَفَقَدَتْ شَاةً من الْغَنَمِ فَسَأَلْتهَا عنها فقالت أَكَلَهَا الذِّئْبُ فاسفت عليها وَكُنْت من بَنِي آدَمَ فَلَطَمْتُ وَجْهَهَا وَعَلَيَّ رَقَبَةٌ أَفَأَعْتِقُهَا فقال لها رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَيْنَ اللَّهُ فقالت في السَّمَاءِ فقال من أنا فقالت أنت رسول اللَّهِ قال فَأَعْتِقْهَا قال ( ( ( فقال ) ) ) عُمَرُ بن الْحَكَمِ أَشْيَاءُ يا رَسُولَ اللَّهِ كنا نَصْنَعُهَا في الْجَاهِلِيَّةِ كنا نَأْتِي الْكُهَّانَ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا تَأْتُوا الْكُهَّانَ فقال عُمَرُ وَكُنَّا نَتَطَيَّرُ فقال إنَّمَا ذلك شَيْءٌ يَجِدُهُ أحدكم في نَفْسِهِ فَلَا يَصُدَّنَّكُمْ

(5/280)


لها حُكْمَ الْإِيمَانِ وَإِنْ أَعْتَقَ مُرْتَدَّةً عن الْإِسْلَامِ لم تُجْزِئْ وَلَوْ رَجَعَتْ بَعْدَ عِتْقِهِ إيَّاهَا إلَى الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهَا وَهِيَ غَيْرُ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ وُلِدَتْ خَرْسَاءَ على الْإِيمَانِ وَكَانَتْ تُشِيرُ بِهِ وَتُصَلِّي أَجْزَأَتْ عنه إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ جَاءَتْنَا من بِلَادِ الشِّرْكِ مَمْلُوكَةً خَرْسَاءَ فَأَشَارَتْ بِالْإِيمَانِ وَصَلَّتْ وَكَانَتْ إشَارَتُهَا تُعْقَلُ فأعتقتها ( ( ( فأعتقها ) ) ) أَجْزَأَتْ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يُعْتِقَهَا إلَّا أَنْ لَا تَتَكَلَّمَ بِالْإِيمَانِ وَإِنْ سُبِيَتْ صَبِيَّةً مع أَبَوَيْهَا كَافِرَيْنِ فَعَقَلَتْ وَوَصَفَتْ الْإِسْلَامَ إلَّا أنها لم تَبْلُغْ فَأَعْتَقَهَا عن ظِهَارِهِ لم تُجْزِئْ حتى تَصِفَ الْإِسْلَامَ بَعْدَ الْبُلُوغِ فإذا فَعَلَتْ فَأَعْتَقَهَا أَجْزَأَتْ عنه وإذا وَصَفَتْ الْإِسْلَامَ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَأَعْتَقَهَا مَكَانَهُ أَجْزَأَتْ عنه وَوَصْفُهَا الْإِسْلَامَ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا غله ( ( ( إله ) ) ) إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رسول اللَّهِ وَتَبْرَأَ مِمَّا خَالَفَ الْإِسْلَامَ من دِينٍ فإذا فَعَلَتْ فَهَذَا كَمَالُ وَصْفِ الْإِسْلَامِ وَأَحَبُّ إلَيَّ لو امْتَحَنَهَا بِالْإِقْرَارِ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وما أَشْبَهَهُ - * من يُجْزِئُ من الرِّقَابِ إذَا أُعْتِقَ وَمَنْ لَا يُجْزِئُ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً عن ظِهَارِهِ وَلَا وَاجِبٍ عليه إلَّا بِنِيَّةٍ يُقَدِّمُهَا قبل الْعِتْقِ أو معه عن الْوَاجِبِ عليه وَجِمَاعُ ذلك أَنْ يَقْصِدَ بِالْعِتْقِ قَصْدَ وَاجِبٍ لَا أَنْ يُرْسِلَ بِلَا نِيَّةٍ إرَادَةَ وَاجِبٍ وَلَا تَطَوُّعٍ وَلَوْ كان على رَجُلٍ ظِهَارٌ فَأَعْتَقَ عنه ( ( ( عند ) ) ) رَجُلٍ عَبْدًا لِلْمُعْتَقِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لم يُجْزِئْهُ وكان وَلَاؤُهُ لِسَيِّدِهِ الذي أَعْتَقَهُ وَلَوْ كان الذي عليه الظِّهَارُ أَعْطَاهُ شيئا على أَنْ يُعْتِقَ عنه عَبْدًا له بِعَيْنِهِ أو لم يُعْطِهِ فَسَأَلَهُ أَنْ يُعْتِقَ عنه عَبْدًا له فَأَعْتَقَهُ أَجْزَأَهُ وَالْوَلَاءُ لِلَّذِي عليه الظِّهَارُ الذي أُعْتِقَ عنه وَهَذَا منه كَشِرَاءِ مَقْبُوضٍ أو هِبَةٍ مَقْبُوضَةٍ وَكَمَا اشْتَرَى رَجُلٌ من رَجُلٍ عَبْدًا فلم يَقْبِضْهُ الْمُشْتَرِي حتى يُعْتِقَهُ جَازَ عِتْقُهُ وكان ضمانه منه وَالْعِتْقُ أكثر من القبض قال وإذا وجب على الرجل ظهاران أو كفارتان فأعتق عبدا عنهما معا جعله عن أيهما شاء وأعتق غَيْرُهُ عن الْآخَرِ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِ قَصْدَ وَاجِبٍ وَلَوْ أَعْتَقَ آخَرُ عنهما أَجْزَأَ بهذا الْمَعْنَى لِأَنَّهُ قد اسْتَكْمَلَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يُجْزِئُ في ظِهَارٍ وَلَا رَقَبَةٍ وَاجِبَةٍ رَقَبَةٌ تُشْتَرَى بِشَرْطِ أَنْ تُعْتَقَ لِأَنَّ ذلك يَضَعُ من ثَمَنِهَا وَلَا يُجْزِئُ فيها مُكَاتَبٌ أَدَّى من نُجُومِهِ شيئا أو لم يُؤَدِّ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ من بَيْعِهِ فإذا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ أو اخْتَارَ الْعَجْزَ فَأُعْتِقَ بَعْدَ عَجْزِهِ أو اخْتِيَارِهِ الْعَجْزَ أَجْزَأَهُ وَلَا تُجْزِئُ أُمُّ الْوَلَدِ في قَوْلِ من لَا يَبِيعُهَا وَتُجْزِئُ في قَوْلِ من يَرَى لِلسَّيِّدِ بَيْعَهَا وَيُجْزِئُ الْمُدَبَّرُ لِأَنَّهُ يُبَاعُ وَكَذَلِكَ يُجْزِئُ الْمُعْتَقُ إلَى أَجَلٍ وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدًا له مَرْهُونًا أو جَانِيًا جِنَايَةً فَأَدَّى الرَّهْنَ أو الْجِنَايَةَ أَجْزَأَ عنه وَإِنْ أَعْتَقَ ما في بَطْنِ أَمَتِهِ عن ظِهَارِهِ أو رَقَبَةً لَزِمَتْهُ ثُمَّ وَلَدَتْهُ تَامًّا لم يُجْزِهِ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ وَلَا يَدْرِي أَيَكُونُ أو لَا يَكُونُ وَلَا يُجْزِئُ من الْعِتْقِ إلَّا عِتْقُ من صَارَ إلَى الدُّنْيَا وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدًا له غَائِبًا فَأَثْبَتَ أَنَّهُ كان حَيًّا يوم وَقَعَ الْعِتْقُ أَجْزَأَ عنه وَإِنْ لم يَثْبُتْ ذلك لم يُجْزِئْ عنه لِأَنَّهُ على غَيْرِ يَقِينٍ من أَنَّهُ أُعْتِقَ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَكُونُ إلَّا لِحَيٍّ وَإِنْ وَجَبَتْ عليه رَقَبَةٌ فَاشْتَرَى من يُعْتَقُ عليه عَتَقَ عليه إذَا مَلَكَهُ وكان عِتْقُهُ وَصَمْتُهُ سَوَاءً سَاعَةَ يَمْلِكُهُ يُعْتَقُ عليه وَلَا يُجْزِئُهُ عِتْقُهُ وَبِأَيِّ وَجْهٍ مَلَكَ عَبْدًا له يَثْبُتُ له عليه الرِّقُّ فَأَعْتَقَهُ بَعْدَ الْمِلْكِ أَجْزَأَ عنه وَلَوْ كان عَبْدٌ بين رَجُلَيْنِ فَأَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا وهو مُوسِرٌ يَنْوِي أَنْ يَكُونَ حُرًّا عن ظِهَارِهِ أَجْزَأَهُ من قِبَلِ أَنَّهُ لم يَكُنْ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُعْتِقَ ولا يرد عتقه ولو كان معسرا فأعتقه عن ظهاره فعتق نصفه ثم ملك نصفه بعد ما أعتقه عن ظهاره أجزأه لأنه أعتق رَقَبَةً تَامَّةً عن ظِهَارِهِ وَلَوْ كان قال لِعَبِيدٍ له أو لكم يَدْخُلُ هذه الدَّارَ فَهُوَ حُرٌّ ثُمَّ أَمَرَ أَحَدَهُمْ أَنْ يَدْخُلَ الدَّارَ وَنَوَى أَنْ يُعْتِقَ بِالْحِنْثِ عن ظِهَارِهِ لم يُجْزِهِ إذَا دخل الدَّارَ فَعَتَقَ عليه لِأَنَّهُ يُعْتَقُ بِالْحِنْثِ بِكُلِّ حَالٍ وَيُمْنَعُ من بَقِيَ من رَقِيقِهِ أَنْ يُعْتَقَ بِحِنْثٍ وَلَوْ قال له رَجُلٌ لَك عَلَيَّ عَشْرَةُ دَنَانِيرَ على أَنْ تُعْتِقَ عَبْدَك فَأَعْتَقَهُ عن ظِهَارِهِ وَأَخَذَ الْعَشَرَةَ لم يُجْزِهِ لِأَنَّهُ أَخَذَ عليه جُعْلًا وَلَوْ أَخَذَ الْجُعْلَ وَأَعْتَقَهُ ثُمَّ رَدَّهُ لم يُجْزِهِ وَلَوْ أَبَى الْجُعْلَ أَوَّلًا ثُمَّ أَعْتَقَهُ عن ظِهَارِهِ أَجْزَأَهُ

(5/281)


عِتْقَ عَبْدَيْنِ عن ظِهَارَيْنِ نِصْفًا بَعْدَ نِصْفٍ قال وإذا أَعْتَقَ عَبْدَيْنِ عن ظِهَارَيْنِ أو ظِهَارٍ وَقَتْلٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عن الْكَفَّارَتَيْنِ مَعًا جُعِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عن أَيِّهِمَا شَاءَ وَإِنْ لم يَجْعَلْهُ أَجْزَأَتَا مَعًا لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِمَا قَصْدَ كَفَّارَتَيْنِ وَأَجَزْنَاهُ بِمَا وَصَفْت أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ من الْكَفَّارَتَيْنِ قد أَعْتَقَ فيها عَبْدًا تَامًّا نِصْفًا عن وَاحِدَةٍ وَنِصْفًا عن وَاحِدَةٍ ثُمَّ أُخْرَى نِصْفًا عن وَاحِدَةٍ وَنِصْفًا عن وَاحِدَةٍ فَكَمَلَ فيها الْعِتْقُ وَعِتْقُهُ عن نَفْسِهِ لِلظِّهَارِ لَزِمَهُ لاعن امْرَأَتِهِ فإذا قَصَدَ قَصْدَ الْكَفَّارَةِ عن الظِّهَارِ أَجْزَأَتْهُ وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدَيْنِ عن ظِهَارٍ وَاحِدٍ فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ أَحَدَهُمَا عن ظِهَارِهِ الذي أَعْتَقَ عنه وَالْآخَرَ عن ظِهَارٍ عليه غَيْرِهِ لم يَكُنْ له ذلك لِأَنَّ عِتْقَهُمَا قد مَضَى لَا يَنْوِي بِهِ إلَّا أَحَدَ الظِّهَارَيْنِ فَيُجْزِئُهُ ما نَوَى وَلَا يُجْزِئُهُ مالم يَنْوِ قال وَلَوْ وَجَبَتْ عليه رَقَبَةٌ فَشَكَّ أَنْ تَكُونَ عن ظِهَارٍ أو قَتْلٍ أو نَذْرٍ فَأَعْتَقَ رَقَبَةً عن أَيُّهَا كان عليه أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ قَصَدَ بها قَصْدَ الْوَاجِبِ ولم يَخْرُجْ ما وَجَبَ عليه من نِيَّتِهِ بِالْعِتْقِ وَإِنْ أَعْتَقَهَا لَا يَنْوِي وَاحِدًا من الذي عليه لم يُجْزِئْهُ وَإِنْ أَعْتَقَهَا عن قَتْلٍ ثُمَّ عَلِمَ أَنْ لم يَكُنْ عليه قَتْلٌ أو ظِهَارٌ ثُمَّ عَلِمَ أَنْ لم يَكُنْ عليه ظِهَارٌ فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهَا عن الذي عليه لم تُجْزِئْ عنه لِأَنَّهُ أَعْتَقَهَا على نِيَّةِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ لم يَجِبْ عليه وَأَخْرَجَ الْوَاجِبَ عليه فَأَعْتَقَ عنه وَلَا يُجْزِئُ عنه أَنْ يَصْرِفَ النِّيَّةَ إلَى غَيْرِهِ مِمَّا قد أَخْرَجَهُ من نِيَّتِهِ في الْعِتْقِ وَلَوْ أَعْتَقَ جَارِيَةً عن ظِهَارِهِ وَاسْتَثْنَى ما في بَطْنِهَا أَجْزَأَتْ عنه وما في بَطْنِهَا حُرٌّ وَلَوْ أَعْتَقَهَا عن ظِهَارٍ على أَنْ تُعْطِيَهُ شيئا لم يُجْزِهِ وَلَوْ أَبْطَلَ الشَّيْءَ عنها بَعْدَ الْعِتْقِ لم يُجْزِهِ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهَا على جُعْلٍ وَإِنْ تَرَكَهُ وَلَوْ كان قال لها أُعْتِقُك على كَذَا فقالت نعم ثُمَّ أَبْطَلَ ذلك فَأَعْتَقَهَا على غَيْرِ جُعْلٍ يَنْوِي بها أَنْ تُعْتَقَ عن ظِهَارِهِ أَجْزَأَتْهُ - * ما يُجْزِئُ من الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ وما لَا يُجْزِئُ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَكَانَ ظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّ كُلَّ رَقَبَةٍ مُجْزِئَةٌ عَمْيَاءَ وَقَطْعَاءَ وَمَعِيبَةً ما كان الْعَيْبُ إذَا كانت فيه الْحَيَاةُ لِأَنَّهَا رَقَبَةٌ وَكَانَتْ الْآيَةُ مُحْتَمِلَةً أَنْ يَكُونَ أُرِيدَ بها بَعْضُ الرِّقَابِ دُونَ بَعْضٍ قال ولم أَرَ أَحَدًا مِمَّنْ مَضَى من أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَا حكى لي عنه وَلَا بَقِيَ خَالَفَ في أَنَّ من ذَوَاتِ النَّقْصِ من الرِّقَابِ مالا يُجْزِئُ فَدَلَّ ذلك على أَنَّ الْمُرَادَ من الرِّقَابِ بَعْضُهَا دُونَ بَعْضٍ قال ولم أَعْلَمْ مُخَالِفًا مِمَّنْ مَضَى في أَنَّ من ذَوَاتِ النَّقْصِ ما يُجْزِئُ فَدَلَّ ذلك على أَنَّ من ذَوَاتِ الْعَيْبِ ما يُجْزِئُ قال ولم أَرَ شيئا أَعْدَلَ في مَعْنَى ما ذَهَبُوا إلَيْهِ إلَّا ما أَقُولُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وجماعه أَنَّ الْأَغْلَبَ فِيمَا يُتَّخَذُ له الرَّقِيقُ الْعَمَلُ وَلَا يَكُونُ الْعَمَلُ تَامًّا حتى تَكُونَ يَدَا الْمَمْلُوكِ بَاطِشَتَيْنِ وَرِجْلَاهُ مَاشِيَتَيْنِ وَيَكُونُ له بَصَرٌ وَإِنْ كان عَيْنًا وَاحِدَةً وَيَكُونُ يَعْقِلُ فإذا كان هَكَذَا أَجْزَأَهُ وَإِنْ كان أَبْكَمَ أو أَصَمَّ أو أَحْمَقَ أو يُجَنُّ وَيُفِيقُ أو ضَعِيفَ الْبَطْشِ أو الْمَشْيِ أو أَعْوَرَ أو مَعِيبًا عَيْبًا لَا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ ضَرَرًا بَيِّنًا وَأَنْظُرُ كُلَّ نَقْصٍ كان في الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ فَإِنْ كان يَضُرُّ بِالْعَمَلِ ضَرَرًا بَيِّنًا لم يُجْزِ عنه وَإِنْ كان لَا يَضُرُّ بِهِ ضَرَرًا بَيِّنًا أَجْزَأَهُ وَاَلَّذِي يَضُرُّ بِهِ ضَرَرًا بَيِّنًا قَطْعُ أو شَلَلُ الْيَدِ كُلِّهَا أو شَلَلُ الْإِبْهَامِ أو قَطْعُهَا وَذَلِكَ في الْمُسَبِّحَةِ وَالْوُسْطَى مَعًا وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا على الِانْفِرَادِ بَيِّنَةُ الضَّرَرِ بِالْعَمَلِ وَاَلَّذِي لَا يَضُرُّ ضَرَرًا بَيِّنًا شَلَلُ الْخِنْصَرِ أو قَطْعُهَا فَإِنْ قُطِعَتْ التي إلَى جَنْبِهَا من يَدِهَا أَضَرَّ ذلك بِالْعَمَلِ فلم يُجْزِ وَإِنْ قُطِعَتْ إحْدَاهُمَا من يَدٍ وَالْأُخْرَى من يَدٍ أُخْرَى لم يَضُرَّ بِالْعَمَلِ ضَرَرًا بَيِّنًا ثُمَّ اُعْتُبِرَ هذا في الرِّجْلَيْنِ على هذا الْمَعْنَى وَاعْتُبِرَهُ في الْبَصَرِ فَإِنْ كان ذَاهِبَ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ ضَعِيفَ الْأُخْرَى ضَعْفًا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ ضَرَرًا بَيِّنًا لم يَجُزْ وَإِنْ لم يَكُنْ يَضُرُّ بِالْعَمَلِ ضَرَرًا بَيِّنًا أَجْزَأَهُ وَسَوَاءٌ هذا في الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَتُجْزِئُ الْأُنْثَى الرَّتْقَاءُ وَالذَّكَرُ الْمَجْبُوبُ وَالْخَصِيُّ وَلَيْسَ هذا من الْعَمَلِ بِسَبِيلٍ وَتُجْزِئُ الرِّقَابُ مع كل عَيْبٍ لَا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ ضَرَرًا بَيِّنًا وَاَلَّذِي يُفِيقُ وَيُجَنُّ يُجْزِئُ وإذا كان الْجُنُونُ مُطْبِقًا لم يُجْزِ وَيُجْزِئُ الْمَرِيضُ لِأَنَّهُ قد يُرْجَى أَنْ يَصِحَّ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ }

(5/282)


وَالصَّغِيرُ لِأَنَّهُ قد يَكْبُرُ وَإِنْ لم يَكْبُرْ ولم يَصِحَّ وَسَوَاءٌ أَيُّ مَرِيضٍ ما كان مالم يَكُنْ مَعْضُوبًا عَضَبًا لَا يَعْمَلُ معه عَمَلًا تَامًّا أو قَرِيبًا من التَّمَامِ كما وَصَفْت - * من له الْكَفَّارَةُ بِالصِّيَامِ في الظِّهَارِ - *
قال اللَّهُ عز وجل { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ من قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاَللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَنْ لم يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ من قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا } (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وحكم ( ( ( وحكمه ) ) ) وَقْتَ مَرَضِهِ في الْكَفَّارَةِ حين يُكَفِّرُ كما حُكْمِهِ في الصَّلَاةِ حين يُصَلِّي بِوُضُوءٍ أو تَيَمُّمٍ أو مَرِيضٍ أو صَحِيحٍ ( قال الرَّبِيعُ ) وقد قال مَرَّةً حُكْمُهُ يوم يَحْنَثُ في الْكَفَّارَةِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان عِنْدَ الْكَفَّارَةِ غير وَاجِدٍ فَعَرَضَ عليه رَجُلٌ أَنْ يَهَبَ له عَبْدًا أو أَوْصَى له أو تَصَدَّقَ عليه بِهِ أو مَلَّكَهُ بِأَيِّ وَجْهٍ ما كان الْمِلْكُ لم يَكُنْ عليه قَبُولُهُ وكان له رَدُّهُ وَالِاخْتِيَارُ له قَبُولُهُ وَعِتْقُهُ غير الْمِيرَاثِ فإذا وَرِثَهُ لَزِمَهُ وكان عليه عِتْقُهُ أو عِتْقُ غَيْرِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ اشْتَرَاهُ على نِيَّةِ أَنْ يُعْتِقَهُ كان له أَنْ يَسْتَرِقَّهُ وَيُعْتِقَ غَيْرَهُ وَلَا يَجِبُ عليه عِتْقُ عَبْدٍ اشْتَرَاهُ أَبَدًا حتى يُعْتِقَهُ أو يُوجِبَ عِتْقَهُ تَبَرُّرًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا كان له الصِّيَامُ فلم يَدْخُلْ في الصِّيَامِ حتى أَيْسَرَ فَعَلَيْهِ الْعِتْقُ وَإِنْ دخل فيه قبل أَنْ يُوسِرَ ثُمَّ ايسر كان له أَنْ يَمْضِيَ في الصِّيَامِ وَالِاخْتِيَارُ له أَنْ يَدَعَ الصَّوْمَ وعتق ( ( ( ويعتق ) ) ) كما يَتَيَمَّمُ فَتَحِلُّ له الصَّلَاةُ فَإِنْ لم يَدْخُلْ فيها حتى يَجِدَ الْمَاءَ لم يَكُنْ له أَنْ يُصَلِّيَ حتى يَتَوَضَّأَ وَإِنْ دخل فيها ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ كان له أَنْ يَمْضِيَ في صَلَاتِهِ وَإِنْ قال لِعَبْدٍ له أنت حُرٌّ السَّاعَةَ عن الظِّهَارِ أن تَظَهَّرَ بِهِ كان حُرًّا السَّاعَةَ ولم يُجْزِهِ عن ظِهَارٍ أَنْ يتظهره لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ ولم يَجِبْ عليه الظِّهَارُ ولم يَكُنْ لِسَبَبٍ منه وَكَذَلِكَ لو أَطْعَمَ مَسَاكِينَ فقال هذا عن يَمِينٍ إنْ حَنِثْت بها ولم يَحْلِفْ لم يُجْزِهِ لِأَنَّهُ لم يَكُنْ بِسَبَبٍ من الْيَمِينِ وَالسَّبَبُ أَنْ يَحْلِفَ ثُمَّ يُكَفِّرَ قبل أَنْ يَحْنَثَ فيحزئه ( ( ( فيجزئه ) ) ) ذلك كما يَكُونُ له الْمَالُ فَيُؤَدِّي زَكَاتَهُ قبل يَحُولَ الْحَوْلُ فَيُجْزِئُهُ لِأَنَّ بيده سَبَبَ ما تَكُونُ بِهِ الزَّكَاةُ وَلَوْ لم يَكُنْ بيده مَالٌ فيه زَكَاةٌ فَتَصَدَّقَ بِدَرَاهِمَ لم يُجْزِهِ لِأَنَّهُ لم يَكُنْ بِسَبَبٍ من زَكَاةٍ أو قال عن مَالٍ إنْ أَفَدْته فَوَجَبَتْ عَلَيَّ فيه الزَّكَاةُ ثُمَّ أَفَادَ مَالًا فيه زَكَاةٌ لم يُجْزِهِ لِأَنَّهُ لم يَكُنْ بِسَبَبٍ من زَكَاةٍ - * الْكَفَّارَةُ بِالصِّيَامِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَنْ وَجَبَ عليه أَنْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ في الظِّهَارِ لم يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَا مُتَتَابِعَيْنِ كما قال اللَّهُ عز ذِكْرُهُ وَمَتَى أَفْطَرَ من عُذْرٍ أو غَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْنِفَ وَلَا يَعْتَدَّ بِمَا مَضَى من صَوْمِهِ وَكَذَلِكَ إنْ صَامَ في الشَّهْرَيْنِ يَوْمًا من الْأَيَّامِ التي نهى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عنها وَهِيَ خَمْسٌ يَوْمُ الْفِطْرِ وَيَوْمُ الْأَضْحَى وَأَيَّامُ مِنًى الثَّلَاثُ بَعْدَ النَّحْرِ اسْتَأْنَفَ الصَّوْمَ بَعْدَ مُضِيِّهِنَّ ولم يَعْتَدَّ بِهِنَّ وَلَا بِمَا كان قَبْلَهُنَّ وَاعْتَدَّ بِمَا بَعْدَهُنَّ وَمَتَى دخل عليه شَيْءٌ يُفْطِرُهُ في يَوْمٍ من صَوْمِهِ اسْتَأْنَفَ الصَّوْمَ حتى يَأْتِيَ بِالشَّهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ليس فِيهِمَا فِطْرٌ وإذا صَامَ بِالْأَهِلَّةِ صَامَ هِلَالَيْنِ وَإِنْ كَانَا تِسْعَةً أو ثَمَانِيَةً وَخَمْسِينَ أو سِتِّينَ يَوْمًا وإذا صَامَ بَعْدَ مُضِيِّ يَوْمٍ من الْهِلَالِ أو أَكْثَرَ صَامَ بِالْعَدَدِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا لم يَجِدْ الْمُتَظَاهِرُ رَقَبَةً يُعْتِقُهَا وكان يُطِيقُ الصَّوْمَ فَعَلَيْهِ الصَّوْمُ وَمَنْ كان له مَسْكَنٌ وَخَادِمٌ وَلَيْسَ له مَمْلُوكٌ غَيْرُهُ وَلَا ما يَشْتَرِي بِهِ مَمْلُوكًا غَيْرَهُ كان له الصَّوْمُ وَمَنْ كان له مَمْلُوكٌ غَيْرُ خَادِمِهِ وَمَسْكَنٌ كان عليه أَنْ يُعْتِقَ وَكَذَلِكَ لو كان له ثَمَنُ مَمْلُوكٍ كان عليه أَنْ يَشْتَرِيَ مَمْلُوكًا فَيُعْتِقَهُ ( قال ) فَإِنْ تَرَكَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ وهو وَاجِدٌ فَأُعْسِرَ كان له أَنْ يَصُومَ وَلَوْ وَجَبَتْ عليه كَفَّارَةُ الظِّهَارِ وهو مُعْسِرٌ أو أُعْسِرَ بَعْدَهَا قبل أَنْ يُكَفِّرَ ثُمَّ أَيْسَرَ قبل أَنْ يَدْخُلَ في الصَّوْمِ كان عليه أَنْ يُعْتِقَ ولم يَكُنْ له أَنْ يَصُومَ في حَالٍ هو فيها مُوسِرٌ

(5/283)


الشَّهْرَ الْأَوَّلَ وَبِالْهِلَالِ الشَّهْرَ الثَّانِيَ ثُمَّ أَكْمَلَ على الْعَدَدِ الْأَوَّلِ بِتَمَامِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ( قال ) وَلَوْ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ بِلَا نِيَّةٍ لِلظِّهَارِ لم يُجْزِهِ حتى يُقَدِّمَ النِّيَّةَ قبل الدُّخُولِ في الصَّوْمِ وَلَوْ نَوَى أَنْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَصَامَ أَيَّامًا ثُمَّ نَوَى أَنْ يُحِيلَ الصَّوْمَ بَعْدَ الْأَيَّامِ تَطَوُّعًا فَصَامَ أَيَّامًا أو يَوْمًا يَنْوِي بِهِ التَّطَوُّعَ ثُمَّ وَصَلَ صَوْمَهُ يَنْوِي بِهِ صَوْمَ الشَّهْرَيْنِ بِالشَّهْرَيْنِ الْوَاجِبَيْنِ عليه لم يَعْتَدَّ بِمَا مَضَى من صَوْمِهِ قبل الْأَيَّامِ التي تَطَوَّعَ بها وَلَا بِصَوْمِ الْأَيَّامِ التي تَطَوَّعَ فيها وَاعْتَدَّ بِصَوْمِهِ من يَوْمِ نَوَى فلم يَفْصِلْ بَيْنَهُ بِتَطَوُّعٍ وَلَا فِطْرٍ وَلَوْ نَوَى صَوْمَ يَوْمٍ فَأُغْمِيَ عليه فيه ثُمَّ أَفَاقَ قبل اللَّيْلِ أو بَعْدَهُ ولم يُطْعِمْ أَجْزَأَهُ إذَا دخل فيه قبل الفجر ولا فطر ولو نوى صوم يوم فأغمي عليه فيه ثم أفاق قبل الليل أو بعده ولم يطعم أجزأه إذا دخل فيه قبل الْفَجْرِ وهو يَعْقِلُهُ وَلَوْ أُغْمِيَ عليه قبل الْفَجْرِ لم يُجْزِهِ لِأَنَّهُ لم يَدْخُلْ في الصَّوْمِ وهو يَعْقِلُهُ وَلَوْ أُغْمِيَ عليه فيه وفي يَوْمٍ بَعْدَهُ أو في أَكْثَرَ ولم يُطْعِمْ اسْتَأْنَفَ الصَّوْمَ لِأَنَّ حُكْمَهُ في الْيَوْمِ الذي أُغْمِيَ عليه قبل أَنْ يُفِيقَ أَنَّهُ غَيْرُ صَائِمٍ عن ظِهَارٍ لِأَنَّهُ لَا يَعْقِلُهُ ( قال ) وَلَوْ صَامَ مُسَافِرًا أو مُقِيمًا أو مَرِيضًا عن ظِهَارٍ شَهْرَيْنِ أَحَدُهُمَا شَهْرُ رَمَضَانَ لم يُجْزِهِ وَاسْتَأْنَفَ الصَّوْمَ لَا يُجْزِئُ رَمَضَانُ من غَيْرِهِ لِأَنَّهُ إذَا رُخِّصَ له في فِطْرِهِ بِالْمَرَضِ وَالسَّفَرِ فَإِنَّمَا يُخَفَّفُ عنه فإذا لم يُخَفِّفْهُ عن نَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ تَطَوُّعًا وَلَا صَوْمًا عن غَيْرِهِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْنِفَ شَهْرَيْنِ وَيَقْضِيَ شَهْرَ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ صَامَهُ بِغَيْرِ نِيَّةِ شَهْرِ رَمَضَانَ ( قال ) وَلَا يُجْزِئُهُ في صَوْمٍ وَاجِبٍ عليه إلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَ بِنِيَّتِهِ قبل الْفَجْرِ فَإِنْ لم يَتَقَدَّمْ بِنِيَّتِهِ قبل الْفَجْرِ لم يُجْزِهِ ذلك الْيَوْمُ وَلَا يُجْزِئُهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ كُلَّ يَوْمٍ منه على حِدَتِهِ قبل الْفَجْرِ لِأَنَّ كُلَّ يَوْمٍ منه غَيْرُ صَاحِبِهِ وَإِنْ دخل في يَوْمٍ منه بِنِيَّةٍ تُجْزِئُهُ ثُمَّ عَزَبَتْ عنه النِّيَّةُ في آخِرِ يَوْمِهِ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ النِّيَّةَ بِالدُّخُولِ لَا في كل طَرْفَةِ عَيْنٍ منه فإذا أَحَالَ النِّيَّةَ فيه إلَى أَنْ يَجْعَلَهُ تَطَوُّعًا أو وَاجِبًا غير الذي دخل بِهِ فيه لم يُجْزِهِ وَاسْتَأْنَفَ الصَّوْمَ بَعْدَهُ وَلَوْ كان عليه ظِهَارَانِ فَصَامَ شَهْرَيْنِ عن أَحَدِهِمَا وَلَا يَنْوِي عن أَيِّهِمَا هو كان له أَنْ يَجْعَلَهُ عن أَيِّهِمَا شَاءَ وَيُجْزِئُهُ وَكَذَلِكَ لو صَامَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ عنهما وَهَكَذَا لو كانت عليه ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ فَأَعْتَقَ مَمْلُوكًا له ليس له غَيْرُهُ وَصَامَ شَهْرَيْنِ ثُمَّ مَرِضَ فَأَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا يَنْوِي بِجَمِيعِ هذه الْكَفَّارَاتِ الظِّهَارَ أَجْزَأَهُ وَإِنْ لم يَنْوِ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ بِعَيْنِهَا كان مُجْزِئًا عنه لِأَنَّ نِيَّتَهُ على كل وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ أَدَاؤُهَا عن كَفَّارَةِ يَمِينٍ لَزِمَتْهُ وَسَوَاءٌ كَفَّرَ أَيَّ كَفَّارَاتِ الظِّهَارِ شَاءَ مِمَّا يَجُوزُ كانت امْرَأَتُهُ عِنْدَهُ أو مَيِّتَةً أو عِنْدَ زَوْجٍ غَيْرِهِ أو مُرْتَدَّةً أو بِأَيِّ حَالٍ كانت (1) قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَمَنْ تَظَاهَرَ ولم يَجِدْ رَقَبَةً ولم يَسْتَطِعْ حين يُرِيدُ الْكَفَّارَةَ عن الظِّهَارِ صَوْمَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ بِمَرَضٍ أو عِلَّةٍ ما كانت أَجْزَأَهُ أَنْ يُطْعِمَ قال وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يُطْعِمَ أَقَلَّ من سِتِّينَ مِسْكِينًا كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا من طَعَامِ بَلَدِهِ الذي يَقْتَاتُهُ حِنْطَةً أو شَعِيرًا أو أُرْزًا أو تَمْرًا أو سُلْتًا أو زَبِيبًا أو أَقِطًا وَلَوْ أَطْعَمَ ثَلَاثِينَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى وَلَوْ ارْتَدَّ الزَّوْجُ بَعْدَ ما وَجَبَ عليه الظِّهَارُ فَأَعْتَقَ عَبْدًا عن ظِهَارِهِ في رِدَّتِهِ وُقِفَ فَإِنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ أَجْزَأَ عنه لِأَنَّهُ قد أَدَّى ما عليه كما لو كان عليه دَيْنٌ فَأَدَّاهُ بريء منه وَهَكَذَا لو كان مِمَّنْ عليه إطْعَامُ مَسَاكِينَ فَأَطْعَمَهُمْ في رِدَّتِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ لم يَكُنْ عليه أَنْ يَعُودَ وَهَكَذَا لو كان قِصَاصًا أو حَدًّا فَأُخِذَ منه في رِدَّتِهِ لم يَعُدْ عليه لِأَنَّ هذا إخْرَاجُ شَيْءٍ من مَالِهِ أو عُقُوبَةٌ على بَدَنِهِ لِمَنْ وَجَبَتْ له فَإِنْ قِيلَ فَهَذَا لَا يُكْتَبُ له أَجْرُهُ وَلَا يُكَفَّرُ بِهِ عنه قِيلَ وَالْحُدُودُ نَزَلَتْ كَفَّارَاتٌ لِلذُّنُوبِ وَحَدَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَهُودِيَّيْنِ بِالرَّجْمِ وَنَحْنُ نَعْلَمُ أنها لَيْسَتْ كَفَّارَةً لَهُمَا بِخِلَافِهِمَا في دِينِ الْإِسْلَامِ وَلَكِنَّهَا كانت عُقُوبَةً عَلَيْهِمَا فَأُخِذَتْ وَإِنْ لم تُكْتَبْ لَهُمَا وَلَوْ كان عليه صَوْمٌ فَصَامَهُ في رِدَّتِهِ لم يُجْزِهِ لِأَنَّ الصَّوْمَ عَمَلٌ على الْبَدَنِ وَالْعَمَلُ على الْبَدَنِ لَا يُجْزِئُ عنه وَلَا يُجْزِئُ إلَّا لِمَنْ يُكْتَبُ له - * الْكَفَّارَةُ بِالْإِطْعَامِ - * قال اللَّهُ تَعَالَى { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ من قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ به وَاَللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَنْ لم يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ من قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لم يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا }

(5/284)


مِسْكِينًا مُدَّيْنِ مُدَّيْنِ في يَوْمٍ وَاحِدٍ أو أَيَّامٍ مُتَفَرِّقَةٍ لم يُجْزِهِ إلَّا عن ثَلَاثِينَ وكان مُتَطَوِّعًا بِمَا زَادَ كُلَّ مِسْكِينٍ على مُدٍّ لِأَنَّ مَعْقُولًا عن اللَّهِ عز وجل إذَا أَوْجَبَ طَعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ منهم غَيْرُ الْآخَرِ كما كان ذلك مَعْقُولًا عنه في عَدَدِ الشُّهُودِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا أَوْجَبَ وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ ثَمَنَ الطَّعَامِ أَضْعَافًا وَلَا يُعْطِيهِمْ إلَّا مَكِيلَةَ طَعَامٍ لِكُلٍّ وَاحِدٍ وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يُغَدِّيَهُمْ وَإِنْ أَطْعَمَهُمْ سِتِّينَ مُدًّا أو أَكْثَرَ لِأَنَّ أَخْذَهُمْ الطَّعَامَ يَخْتَلِفُ فَلَا أَدْرِي لَعَلَّ أَحَدَهُمْ يَأْخُذُ أَقَلَّ من مُدٍّ وَالْآخَرَ أَكْثَرَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا سَنَّ مَكِيلَةَ الطَّعَامِ في كل ما أَمَرَ بِهِ من كَفَّارَةٍ وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ دَقِيقًا وَلَا سَوِيقًا وَلَا خُبْزًا حتى يُعْطِيَهُمْ حَبًّا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكْسُوَهُمْ مَكَانَ الطَّعَامِ وَكُلُّ مِسْكِينٍ أَعْطَاهُ مُدًّا أَجْزَأَ عنه ما خَلَا أَنْ يَكُونَ مِسْكِينًا يُجْبَرُ على نَفَقَتِهِ فإنه لَا يُجْزِئُهُ أَنْ يُعْطِيَ مِسْكِينًا يُجْبَرُ على نَفَقَتِهِ وَلَا يُجْزِئُهُ إلَّا مِسْكِينٌ مُسْلِمٌ وَسَوَاءٌ الصَّغِيرُ منهم وَالْكَبِيرُ وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يُطْعِمَ عَبْدًا وَلَا مُكَاتَبًا وَلَا أَحَدًا على غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ أَعْطَى رَجُلًا وهو يَرَاهُ مِسْكِينًا فَعَلِمَ بَعْدُ أَنَّهُ أَعْطَاهُ وهو غَنِيٌّ أَعَادَ الْكَفَّارَةَ لِمِسْكِينٍ غَيْرِهِ وَلَوْ شَكَّ في غِنَاهُ بَعْدَ أَنْ يُعْطِيَهُ على أَنَّهُ مِسْكِينٌ فَلَيْسَتْ عليه إعَادَةٌ وَمَنْ قال له إنِّي مِسْكِينٌ وَلَا يَعْلَمُ غِنَاهُ أَعْطَاهُ وَسَوَاءٌ السَّائِلُ من الْمَسَاكِينِ وَالْمُتَعَفِّفُ في أَنَّهُ يُجْزِئُ ( قال ) وَيُكَفِّرُ في الطَّعَامِ قبل الْمَسِيسِ لِأَنَّهَا في مَعْنَى الْكَفَّارَةِ قَبْلَهَا - * تَبْعِيضُ الْكَفَّارَةِ - * (1) قال الشَّافِعِيُّ وَكَفَّارَةُ الظِّهَارِ وَكُلُّ كَفَّارَةٍ وَجَبَتْ على أَحَدٍ بِمُدِّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا تَخْتَلِفُ الْكَفَّارَاتُ وَكَيْفَ تَخْتَلِفُ وَفَرْضُ اللَّهِ عز وجل تَنَزَّلَ على رَسُولِهِ وَسَنَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ما يَدُلُّ على أَنَّهُ بمده ( ( ( يمده ) ) ) وَكَيْف يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمُدِّ من لم يُولَدْ في عَهْدِهِ أو بِمُدٍّ أُحْدِثَ بَعْدَ مُدِّهِ بِيَوْمٍ وَاحِدٍ + * كِتَابُ اللِّعَانِ + * ( أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ ) قال ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) قال قال اللَّهُ تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لم يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً } الْآيَةَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) ثُمَّ لم أَعْلَمْ مُخَالِفًا في أَنَّ ذلك إذَا طَلَبَتْ ذلك الْمَقْذُوفَةُ الْحُرَّةُ ولم يَأْتِ الْقَاذِفُ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ يُخْرِجُونَهُ من الْحَدِّ وَهَكَذَا كُلُّ ما أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِأَحَدٍ وَجَبَ على الْإِمَامِ أَخْذُهُ له إنْ طَلَبَهُ أَخَذَهُ له بِكُلِّ حَالٍ فَإِنْ قال قَائِلٌ فما الْحُجَّةُ في ذلك قِيلَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى اسْمُهُ { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ في الْقَتْلِ } فَبَيَّنَ أَنَّ السُّلْطَانَ لِلْوَلِيِّ ثُمَّ بَيَّنَ فقال في الْقِصَاصِ { فَمَنْ عُفِيَ له من أَخِيهِ شَيْءٌ } فَجَعَلَ الْعَفْوَ إلَى الْوَلِيِّ وقال { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ من قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وقد فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إلَّا أَنْ يَعْفُونَ أو يَعْفُوَ الذي بيده عُقْدَةُ النِّكَاحِ } فَأَبَانَ فيه هذه الْآيَاتِ أَنَّ الْحُقُوقَ لِأَهْلِهَا وقال في الْقَتْلِ { النَّفْسَ بِالنَّفْسِ } إلَى قَوْلِهِ { وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ } قال فَأَبَانَ اللَّهُ عز وجل أَنَّ ليس حَتْمًا أَنْ يَأْخُذَ هذا من وَجَبَ له وَلَا أَنَّ حَتْمًا أَنْ يَأْخُذَهُ الْحَاكِمُ لِمَنْ وَجَبَ له وَلَكِنْ حَتْمًا أَنْ يَأْخُذَهُ الْحَاكِمُ لِمَنْ وَجَبَ له إذَا طَلَبَهُ ( قال ) وإذا قَذَفَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ فلم تَطْلُبْ الْحَدَّ حتى فَارَقَهَا أو لم يُفَارِقْهَا ولم تُعْفِهِ ثُمَّ طَلَبَتْهُ الْتَعَنَ أو حُدَّ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَكُونُ له أَنْ يُبَعِّضَ الْكَفَّارَةَ وَلَا يُكَفِّرُ إلَّا كَفَّارَةً كَامِلَةً من أَيِّ الْكَفَّارَاتِ كَفَّرَ لَا يَكُونُ له أَنْ يُعْتِقَ نِصْفَ رَقَبَةٍ ثُمَّ لَا يَجِدُ غَيْرَهَا فَيَصُومُ شَهْرًا وَلَا يَصُومُ شَهْرًا ثُمَّ يَمْرَضُ فَيُطْعِمُ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا وَلَا يُطْعِمُ مع نِصْفِ رَقَبَةٍ حتى يُكَفِّرَ أَيَّ الْكَفَّارَاتِ وَجَبَتْ عليه بِكَمَالِهَا ( قال ) وَإِنْ فَرَّقَ الطَّعَامَ في أَيَّامٍ مُخْتَلِفَةٍ أَجْزَأَهُ إذَا أتى على سِتِّينَ مِسْكِينًا

(5/285)


إنْ أَبَى أَنْ يَلْتَعِنَ وَكَذَلِكَ لو مَاتَتْ كان لِوَلِيِّهَا أَنْ يَقُومَ بِهِ فَيَلْتَعِنُ الزَّوْجُ أو يُحَدُّ وقال اللَّهُ تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ولم يَكُنْ لهم شُهَدَاءُ إلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ } إلَى قَوْلِهِ { أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عليها إنْ كان من الصَّادِقِينَ } (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ عز وجل اللِّعَانَ على الْأَزْوَاجِ مُطْلَقًا كان اللِّعَانُ على كل زَوْجٍ جَازَ طَلَاقُهُ وَلَزِمَهُ الْفَرْضُ وَكَذَلِكَ على كل زَوْجَةٍ لَزِمَهَا الْفَرْضُ وَسَوَاءٌ كان الزَّوْجَانِ حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ أو كان أَحَدُهُمَا حُرًّا وَالْآخَرُ مَمْلُوكًا أو كَانَا مَمْلُوكَيْنِ مَعًا أو كان الزَّوْج مُسْلِمًا وَالزَّوْجَةُ ذِمِّيَّةً أو كَانَا ذِمِّيَّيْنِ تَحَاكَمَا إلَيْنَا لِأَنَّ كُلًّا زَوْجٌ وَزَوْجَةٌ يَجِبُ عليه الْفَرْضُ في نَفْسِهِ دُونَ صَاحِبِهِ وفي نَفْسِهِ لِصَاحِبِهِ وَلِعَانُهُمْ كُلِّهِمْ سَوَاءٌ لَا يَخْتَلِفُ الْقَوْلُ فيه وَالْقَوْلُ في نَفْيِ الْوَلَدِ وَتَخْتَلِفُ الْحُدُودُ لِمَنْ وَقَعَتْ له وَعَلَيْهِ وَسَوَاءٌ في ذلك الزَّوْجَانِ الْمَحْدُودَانِ في قَذْفِ والأعميان وَكُلُّ زَوْجٍ يَجِبُ عليه فَرْضٌ وسوءا ( ( ( وسواء ) ) ) قال الزَّوْجُ رايتها تَزْنِي أو قال زَنَتْ أو قال يا زَانِيَةُ كما يَكُونُ ذلك سَوَاءً إذَا قَذَفَ أَجْنَبِيَّةً وإذا قَذَفَ الزَّوْجُ الذي لَا حَدَّ عليه امْرَأَتَهُ وَهِيَ مِمَّنْ عليه الْحَدُّ أو مِمَّنْ لَا حَدَّ عليه فَسَوَاءٌ وَلَا حَدَّ عليه وَلَا لِعَانَ وَلَا فُرْقَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَلَا يَنْفِي الْوَلَدَ إنْ نَفَاهُ عنه وَلَا طَلَاقَ له لو طَلَّقَهَا وَكَذَلِكَ الْمَعْتُوهُ وَكُلُّ مَغْلُوبٍ على عَقْلِهِ بِأَيِّ وَجْهٍ كانت الْغَلَبَةُ على الْعَقْلِ غير السُّكْرِ لِأَنَّ الْقَوْلَ وَالْفِعْلَ يَلْزَمُ السَّكْرَانَ وَلَا يَلْزَمُ الْفِعْلُ وَلَا الْقَوْلُ من غُلِبَ على عَقْلِهِ بِغَيْرِ سُكْرٍ وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ لم يَسْتَكْمِلْ خَمْسَ عَشَرَةَ أو يَحْتَلِمْ قَبْلَهَا وَإِنْ كان عَاقِلًا فَلَا يَلْزَمُهُ حَدٌّ وَلَا لِعَانٌ ( قال ) وَمَنْ عَزَبَ عَقْلُهُ من مَرَضٍ في حَالٍ فَأَفَاقَ في أُخْرَى فما صَنَعَ في حَالِ عُزُوبِ عَقْلِهِ سَقَطَ عنه وما صَنَعَ في الْحَالِ التي يَثُوبُ فيها عَقْلُهُ لَزِمَهُ طَلَاقٌ وَلِعَانٌ وَقَذْفٌ وَغَيْرُهُ وَإِنْ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فقالت الْمَرْأَةُ قَذَفْتَنِي في حَالِ إفَاقَتِك وقال ما قَذَفْتُك في حَالِ إفَاقَتِي وَلَئِنْ كُنْت قَذَفْتُك ما قَذَفْتُك إلَّا وأنا مَغْلُوبٌ على عَقْلِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَعَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ إذَا كانت الْمَرْأَةُ تُقِرُّ او كان يُعْلَمُ أَنَّهُ يَذْهَبُ عَقْلُهُ وَلَوْ قَذَفَهَا فقال قَذَفْتُك وَعَقْلِي ذَاهِبٌ من مَرَضٍ وَقَالَتْ ما كُنْت ذَاهِبَ الْعَقْلِ فَإِنْ لم يُعْلَمْ أَنَّهُ كان في الْوَقْتِ الذي قَذَفَهَا فيه وَقَبْلَهُ وَمَعَهُ في مَرَضٍ قد يَذْهَبُ عَقْلُهُ فيه فَلَا يُصَدِّقُ وهو قَاذِفٌ يَلْتَعِنُ أو يُحَدُّ وَإِنْ عُلِمَ ذلك صُدِّقَ وَحَلَفَ ( قال ) وإذا كان الزَّوْجُ أَخْرَسَ يَعْقِلُ الْإِشَارَةَ وَالْجَوَابَ أو يَكْتُبُ فَيَعْقِلُ فَقَذَفَ لَاعَنَ بِالْإِشَارَةِ أو حُدَّ فَإِنْ لم يَعْقِلْ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ وَإِنْ اسْتَطْلَقَ لِسَانَهُ فقال قد قَذَفْت ولم يَلْتَعِنْ حُدَّ إلَّا أَنْ يَلْتَعِنَ وَإِنْ قال لم أَقْذِفْ ولم أَلْتَعِنْ لم يُحَدَّ وَلَا تُرَدُّ إلَيْهِ امْرَأَتُهُ بِقَوْلِهِ لم أَلْتَعِنْ وقد أَلْزَمْنَاهُ الْفُرْقَةَ بِحَالٍ وَيَسَعُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُمْسِكَهَا وَكَذَلِكَ لو طَلَّقَ فَأَلْزَمْنَاهُ الطَّلَاقَ ثُمَّ أَفَاقَ فقال ما طَلَّقْت لم نَرُدَّهَا إلَيْهِ وَوَسِعَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى الْمَقَامُ عليها وَلَوْ أَصَابَهُ هذا من مَرَضٍ تَرَبَّصُوا بِهِ حتى يُفِيقَ او يَطُولَ ذلك بِهِ وَيُشِيرُ إشَارَةً تُعْقَلُ أو يَكْتُبُ كِتَابًا يُعْقَلُ فَيَصِيرُ كَالْأَخْرَسِ الذي وُلِدَ أَخْرَسَ ( قال ) وإذا كانت هِيَ الْخَرْسَاءُ لم نُكَلِّفْهَا لِعَانَهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ تَعْقِلُ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لها في الْفُرْقَةِ وَلَا نَفْيِ الْوَلَدِ وَلِأَنَّهَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَكَانَ بَيِّنًا في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل أَنَّ اللَّهَ أَخْرَجَ الزَّوْجَ من قَذْفِ الْمَرْأَةِ بِشَهَادَتِهِ { أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عليه إنْ كان من الْكَاذِبِينَ } كما أَخْرَجَ قَاذِفَ الْمُحْصَنَةِ غَيْرِ الزَّوْجَةِ بِأَرْبَعَةِ شُهُودٍ يَشْهَدُونَ عليها بِمَا قَذَفَهَا بِهِ من الزنى وَكَانَتْ في ذلك دَلَالَةٌ أَنْ ليس على الزَّوْجِ أَنْ يلتعن ( ( ( يلعن ) ) ) حتى تَطْلُبَ الْمَرْأَةُ الْمَقْذُوفَةُ حَدَّهَا وَكَمَا ليس على قَاذِفِ الْأَجْنَبِيَّةِ حَدٌّ حتى تَطْلُبَ حَدَّهَا ( قال ) وَكَانَتْ في اللَّعَّانِ أَحْكَامٌ بِسُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم منها الْفُرْقَةُ بين الزَّوْجَيْنِ وَنَفْيُ الْوَلَدِ قد ذَكَرْنَاهَا في مَوَاضِعِهَا - * من يُلَاعِنُ من الْأَزْوَاجِ وَمَنْ لَا يُلَاعِنُ - *

(5/286)


غَيْرُ قَاذِفَةٍ لِأَحَدٍ يَسْأَلُ أَنْ نَأْخُذَ له حَقَّهُ فَإِنْ قِيلَ فَعَلَيْهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى قِيلَ لَا يَجِبُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أو اعْتِرَافٍ وَهِيَ لَا تَعْقِلُ الِاعْتِرَافَ وَإِنْ كانت تَعْقِلُ كما تَعْقِلُ الْإِشَارَةَ أو الْكِتَابَةَ الْتَعَنَتْ وَإِنْ لم تَلْتَعِنْ حُدَّتْ إنْ كانت لَا يُشَكُّ في عَقْلِهَا فَإِنْ شُكَّ في عَقْلِهَا لم تُحَدَّ إنْ أَبَتْ الِالْتِعَانَ وَلَوْ قالت له قَذَفْتنِي فَأَنْكَرَ وَأَتَتْ بِشَاهِدَيْنِ أَنَّهُ قَذَفَهَا لَاعَنَ وَإِنْ لم يُلَاعِنْ حُدَّ وَلَيْسَ إنْكَارُهُ إكْذَابًا لِنَفْسِهِ بِقَذْفِهَا إنَّمَا هو جَحْدُ أَنْ يَكُونَ قَذَفَهَا ( قال ) وَلَوْ قَذَفَهَا قبل بُلُوغِهِ بِسَاعَةٍ ثُمَّ بَلَغَ فَطَلَبَتْ الِالْتِعَانَ أو الْحَدَّ لم يَكُنْ لها إلَّا أَنْ يُحْدِثَ لها قَذْفًا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَكَذَلِكَ لو قَذَفَهَا مَغْلُوبًا على عَقْلِهِ ثُمَّ أَفَاقَ بَعْدَ ذلك بِسَاعَةٍ ( قال ) وَلَا يَكُونُ على الزَّوْجِ لِعَانٌ حتى تَطْلُبَ ذلك الزَّوْجَةُ فَإِنْ قَذَفَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ الْبَالِغَةَ فَتَرَكَتْ طَلَبَ ذلك لم يَكُنْ عليه لِعَانٌ وَإِنْ مَاتَتْ فَتَرَكَ ذلك وَرَثَتُهَا لم يَكُنْ عليه لِعَانٌ وَإِنْ اعْتَرَفَتْ بالزنى الذي قَذَفَهَا بِهِ لم يَكُنْ عليه لِعَانٌ وَإِنْ شَاءَ هو أَنْ يَلْتَعِنَ لِيُوجِبَ عليها الْحَدَّ وَتَقَعَ الْفُرْقَةُ وَيَنْفِيَ وَلَدًا إنْ كان كان ذلك له وَلَوْ كانت مَحْدُودَةً في زِنًا ثُمَّ قَذَفَهَا بِذَلِكَ الزنى أو زِنًا كان في غَيْرِ مِلْكِهِ عُزِّرَ إنْ طَلَبَتْ ذلك إنْ لم يَلْتَعِنْ وَإِنْ أَرَدْنَا حَدَّهُ لِامْرَأَتِهِ او تَعْزِيرَهُ لها قبل اللِّعَانِ أو بَعْدَ اللِّعَانِ فَأَكْذَبَ نَفْسَهُ وَأَلْحَقَ بِهِ وَلَدَهَا فَأَرَادَتْ امْرَأَتُهُ الْعَفْوَ عنه أو تَرَكَتْهُ فلم تَطْلُبْهُ لم نَحُدَّهُ وَلَا نَحُدُّهُ إلَّا بِأَنْ تَكُونَ طَالِبَةً بِحَدِّهَا غير عَافِيَةٍ عنه وَلَوْ كانت زَوْجَتُهُ ذِمِّيَّةً فَقَذَفَهَا أو مَمْلُوكَةً أو جَارِيَةً يُجَامَعُ مِثْلُهَا ولم تَبْلُغْ فَقَذَفَهَا بالزنى وَطَلَبَتْ أَنْ يُعَزَّرَ قِيلَ له إنْ الْتَعَنْت خَرَجْت من أَنْ تُعَزَّرَ وَوَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَك وَبَيْنَ زَوْجَتِك وَإِنْ لم تَلْتَعِنْ عُزِّرْت وَهِيَ زَوْجَتُك بِحَالِهَا وَإِنْ الْتَعَنْت وَأَبَتْ أَنْ تَلْتَعِنَ فَكَانَتْ كِتَابِيَّةً أو صَبِيَّةً لم تَبْلُغْ لم تَلْتَعِنْ ولم تُحَدَّ الْكِتَابِيَّةُ الْبَالِغُ إلَّا أَنْ تَأْتِيَنَا طَالِبَةً لِحُكْمِنَا وَإِنْ كانت مَمْلُوكَةً بَالِغَةً فَعَلَيْهَا خَمْسُونَ جَلْدَةً وَنَفْيُ نِصْفِ سَنَةٍ وَإِنْ قُلْنَ نَحْنُ نَلْتَعِنُ الْتَعَنَتْ الْمَمْلُوكَةُ لِيَسْقُطَ الْحَدُّ وَلَا الْتِعَانَ على صَبِيَّةٍ لِأَنَّهُ لَا حَدَّ عليها وَلَا أُجْبِرُ النَّصْرَانِيَّةَ على الِالْتِعَانِ إلَّا أَنْ تَرْغَبَ في أَنْ نَحْكُمَ عليها فَتَلْتَعِنَ فَإِنْ لم تَفْعَلْ حَدَدْنَاهَا إنْ ثَبَتَتْ على الرِّضَا بِحُكْمِنَا وَإِنْ رَجَعَتْ عنه تَرَكْنَاهَا فَإِنْ كانت زَوْجَتُهُ خَرْسَاءَ أو مَغْلُوبَةً على عَقْلِهَا فَقَذَفَهَا قِيلَ له إنْ الْتَعَنْت فَرَّقْنَا بَيْنَك وَبَيْنَهَا وَإِنْ انْتَفَيْت من حَمْلٍ أو وَلَدِهَا فَلَاعَنْت نَفَيْنَاهُ عَنْك مع الْفُرْقَةِ وَإِنْ لم تَلْتَعِنْ فَهِيَ امْرَأَتُك وَلَا نُجْبِرُك على الِالْتِعَانِ لِأَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْك وَلَا تَعْزِيرَ إذَا لم تَطْلُبْهُ وَهِيَ لَا يُطْلَبُ مِثْلُهَا وَنَحْنُ لَا نَدْرِي لَعَلَّهَا لو عَقَلَتْ اعْتَرَفَتْ فَسَقَطَ ذلك كُلُّهُ عَنْك ( قال ) وَإِنْ الْتَعَنَ فَلَا حَدَّ على الْخَرْسَاءِ وَلَا الْمَغْلُوبَةِ على الْعَقْلِ وَلَوْ طَلَب أَوْلِيَاؤُهَا أَنْ يَلْتَعِنَ الزَّوْجُ أو يُحَدَّ لم يَكُنْ ذلك لهم وَكَذَلِكَ لو قَذَفَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ أَمَةٌ بَالِغَةٌ فلم تَطْلُبْهُ فَطَلَبَ سَيِّدُهَا أَنْ يَلْتَعِنَ أو يُعَزَّرَ أو قَذَفَ صَغِيرَةً فَطَلَب ذلك وَلِيُّهَا لم يَكُنْ ذلك لِوَاحِدٍ منهم وَإِنَّمَا الْحَقُّ في ذلك لها فَإِنْ لم تَطْلُبْهُ لم يَكُنْ لِأَحَدٍ يَطْلُبُهُ لها ما كانت حَيَّةً وَلَوْ لم تَطْلُبْهُ وَاحِدَةٌ من هَؤُلَاءِ وَلَا كَبِيرَةٌ قَذَفَهَا زَوْجُهَا ولم تُعْفِهِ الْكَبِيرَةُ ولم تَعْتَرِفْ حتى مَاتَتْ أو فُورِقَتْ فَطَلَبَهُ وَلِيُّهَا بَعْدَ مَوْتِهَا أو هِيَ بَعْدَ فِرَاقِهَا كان على الزَّوْجِ أَنْ يَلْتَعِنَ أو يُحَدَّ لِلْكَبِيرَةِ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ وَيُعَزَّرَ لِغَيْرِهَا ( قال ) وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ ثُمَّ قَذَفَهَا في الْعِدَّةِ فَطَلَبَتْ الْقَذْفَ لَاعَنَ فَإِنْ لم يَفْعَلْ حُدَّ وَإِنْ الْتَعَنَ فَعَلَيْهَا الِالْتِعَانُ فَإِنْ لم تَلْتَعِنْ حُدَّتْ لِأَنَّهَا في مَعَانِي الْأَزْوَاجِ وَهَكَذَا لو مَضَتْ الْعِدَّةُ وقد قَذَفَهَا في الْعِدَّةِ ( قال ) وإذا كان الطَّلَاقُ لَا يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ فَقَذَفَهَا في الْعِدَّةِ أو كان يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ فَقَذَفَهَا بَعْد مُضِيِّ الْعِدَّةِ بِزِنًا نَسَبَهُ إلَى أَنَّهُ كان وَهِيَ زَوْجَتُهُ أو لم يَنْسُبْهُ إلَى ذلك فَطَلَبَتْ حَدَّهَا حُدَّ وَلَا لِعَانَ إنْ لم يَكُنْ يَنْفِي بِهِ وَلَدًا وَلَدَتْهُ أو حَمْلًا يَلْزَمُهُ ( قال ) وَإِنَّمَا حَدَدْته إذَا قَذَفَهَا وَهِيَ بَائِنٌ منه أنها زَوْجَةٍ وَلَا بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ بِسَبَبِ النِّكَاحِ وَلَدَ يَلْزَمُ نَسَبُهُ وَلَا حُكْمَ منحكم الْأَزْوَاجِ فَكَانَتْ مُحْصَنَةً مَقْذُوفَةً فَإِنْ قال قَائِلٌ افرايت إنْ ظَهَرَ بها حَمْلٌ أو حَدَثَ لها وَلَدٌ يَلْحَقُ نَسَبُهُ بِهِ فَانْتَفَى منه بِأَنْ
____________________

(5/287)


قَذَفَهَا وَالْقَذْفُ كان وَهِيَ غَيْرُ زَوْجَةٍ كَيْفَ لَاعَنْت بَيْنَهُمَا قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كما أَلْحَقْت الْوَلَدَ بِهِ وَإِنْ كانت بَائِنًا منه بِأَنَّهَا كانت زَوْجَتَهُ فَجَعَلْت حُكْمَ وَلَدِهَا منه غي ( ( ( غير ) ) ) رحكمها ( ( ( حكمها ) ) ) مُنْفَرِدَةً دُونَ الْوَلَدِ بِأَنَّهَا كانت زَوْجَةً فَكَذَلِكَ لَاعَنْت بَيْنَهُمَا بِالْوَلَدِ لِأَنَّهَا كانت زَوْجَةً أَلَا تَرَى أنها في لُحُوقِ الْوَلَدِ بَعْدَ بَيْنُونَتِهَا منه كَهِيَ لو كانت معه وَكَذَلِكَ يَلْتَعِنُ وَيَنْفِيهِ وإذانفى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْوَلَدَ وَهِيَ زَوْجَةٌ فَأَزَالَ الْفِرَاشَ كان الْوَلَدُ بعد ما تَبِينُ أَوْلَى أَنْ يُنْفَى أوفي مِثْلِ حَالِهِ قبل أَنْ تَبِينَ وَلَوْ قال رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ قد وَلَدْت هذا الْوَلَدَ وَلَيْسَ بِابْنِي قِيلَ له ما أَرَدْت فَإِنْ قال زَنَتْ بِهِ لَاعَنَ أو حُدَّ إذَا طَلَبَتْ ذلك وإذا لَاعَنَ نُفِيَ عنه وَإِنْ سَكَتَ لم يُنْفَ عنه ولم يُلَاعِنْ فَإِنْ طَلَبَتْ الْحَدَّ حَلَفَ ما أَرَادَ قَذْفَهَا فَإِنْ حَلَفَ بريء وَإِنْ نَكَلَ حُدَّ أو لَاعَنَ وَذَلِكَ أَنَّهُ يُقَالُ قد تُسْتَدْخَلُ الْمَرْأَةُ مَاءَ الرَّجُلِ فَتَحْبَلُ فَلِذَلِكَ لم أَجْعَلْهُ قَذْفًا وَلَا أُلَاعِنُ بَيْنَهُمَا حتى يَقْذِفَهَا بالزنى فَيُحَدَّ أو يَلْتَعِنَ لِأَنَّهُ الْمَوْضِعُ الذي جَعَلَ اللَّهُ عز وجل فيه اللِّعَانَ لَا غَيْرُ وَلَوْ قال قد حَبَسَك رَجُلٌ أو فَتَّشَك أو نَالَ مِنْك ما دُونَ الْجِمَاعِ لم يُلَاعِنْهَا لِأَنَّ هذا ليس بِقَذْفٍ في زِنًا وَعُزِّرَ لها إنْ طَلَبَتْ ذلك قال وَلَوْ قال لها أَصَابَك رَجُلٌ في دُبُرِك فَطَلَبَتْ ذلك حدا ( ( ( حد ) ) ) ولاعن لِأَنَّ هذا جِمَاعٌ يَجِبُ عليها بِهِ الْحَدُّ وَلَا يُحَدُّ لها إلَّا في الْقَذْفِ بِجِمَاعٍ يَجِبُ عليها فيه حَدٌّ لو فَعَلَتْهُ وَحُدَّ على مُجَامَعَتِهَا إذَا كان حَرَامًا وَلَوْ قال لها عَبِثَتْ بِك امْرَأَةٌ فَأَفْحَشُ لم يُحَدَّ ولم يُلَاعِنْ وَيُعَزَّرُ إنْ طَلَبَتْ ذلك وَلَوْ قال لها رَكِبْت أَنْتِ رَجُلًا حتى غَابَ ذلك منه في ذلك مِنْك كان قَذْفًا يُلَاعِنُ بِهِ أو يُحَدُّ لِأَنَّ عَلَيْهِمَا مَعًا الْحَدَّ وَلَوْ قال لها وَهِيَ زَوْجَةٌ زَنَيْت قبل أَنْ أَنْكِحَك فَلَا لِعَانَ وَيُحَدُّ إنْ طَلَبَتْ ذلك وَلَوْ قال لها بعد ما تَبِينُ منه زَنَيْت وَأَنْتِ امْرَأَتِي وَلَا وَلَدَ وَلَا حَبَلَ يَنْفِيهِ حُدَّ ولم يُلَاعِنْ لِأَنَّهُ قَاذِفٌ غير زَوْجَتِهِ وَلَوْ قال لِامْرَأَتِهِ يا زَانِيَةُ بِنْتُ الزَّانِيَةِ وَأُمُّهَا حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ غَيْرُ حَاضِرَةٍ فَطَلَبَتْ امْرَأَتُهُ حَدَّ أُمِّهَا لم يَكُنْ لها وإذا طَلَبَتْهُ أُمُّهَا أو وَكِيلُهَا حُدَّ لها إنْ لم يَأْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ على ما قال قال وَمَتَى طَلَبَتْ امْرَأَتُهُ حَدَّهَا كان عليه أَنْ يَلْتَعِنَ أو يُحَدَّ وَلَوْ طلبتاه ( ( ( طلبناه ) ) ) جميعا حُدَّ لِلْأُمِّ مَكَانَهُ وَقِيلَ له الْتَعِنْ لِامْرَأَتِك فَإِنْ لم يَلْتَعِنْ حُبِسَ حتى يَبْرَأَ جِلْدُهُ فإذا بَرَأَ حُدَّ إلَّا أَنْ يَلْتَعِنَ وَمَتَى أَبَى اللِّعَانَ فَجَلَدْتُهُ ثُمَّ رَجَعَ فقال أنا أَلْتَعِنُ قَبِلْت رُجُوعَهُ وَإِنْ لم يَبْقَ إلَّا سَوْطٌ وَاحِدٌ وَلَا شَيْءَ له فِيمَا مَضَى من الضَّرْبِ - * أَيْنَ يَكُونُ اللِّعَانُ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنْ أَخْطَأَ الْإِمَامُ بِمَكَّةَ أو الْمَدِينَةِ أو غَيْرِهِمَا فَلَاعَنَ بين الزَّوْجَيْنِ في غَيْرِ الْمَسْجِدِ لم يُعِدْ اللِّعَانَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ قد مضى ( ( ( قضي ) ) ) اللِّعَانُ عَلَيْهِمَا وَلِأَنَّهُ حُكْمٌ قد مَضَى بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ إنْ لَاعَنَ ولم يَحْضُرْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ قال وإذا كان الزَّوْجَانِ مُشْرِكَيْنِ لَاعَنَ بَيْنَهُمَا مَعًا في الْكَنِيسَةِ وَحَيْثُ يُعَظِّمَانِ وإذا كَانَا مُشْرِكَيْنِ لَا دِينَ لَهُمَا تَحَاكَمَا إلَيْنَا لَاعَنَ بَيْنَهُمَا في مَجْلِسِ الْحُكْمِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى ( ( ( روي ) ) ) وي أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَاعَنَ بين الزَّوْجَيْنِ على الْمِنْبَرِ فإذا لَاعَنَ الْحَاكِمُ بين الزَّوْجَيْنِ بِمَكَّةَ لَاعَنَ بَيْنَهُمَا بين الْمَقَامِ وَالْبَيْتِ فإذا لَاعَنَ بَيْنَهُمَا بِالْمَدِينَةِ لَاعَنَ بَيْنَهُمَا على الْمِنْبَرِ وإذا لَاعَنَ بَيْنَهُمَا بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ لَاعَنَ بَيْنَهُمَا في مَسْجِدِهِ وَكَذَلِكَ يُلَاعِنُ بين كل زَوْجَيْنِ في مَسْجِدِ كل بَلَدٍ قال وَيَبْدَأُ فَيُقِيمُ الرَّجُلَ قَائِمًا وَالْمَرْأَةُ جَالِسَةٌ فَيَلْتَعِنُ ثُمَّ يُقِيمُ الْمَرْأَةَ قَائِمَةً فَتَلْتَعِنُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِأَحَدِهِمَا عِلَّةٌ لَا يَقْدِرُ على الْقِيَامِ مَعَهَا فَيَلْتَعِنُ جَالِسًا أو مُضْطَجِعًا إذَا لم يَقْدِرْ على الْجُلُوسِ وَإِنْ كانت الْمَرْأَةُ حَائِضًا الْتَعَنَ الزَّوْجُ في الْمَسْجِدِ وَالْمَرْأَةُ على بَابِ الْمَسْجِدِ وَإِنْ كان الزَّوْجُ مُسْلِمًا وَالزَّوْجَةُ مُشْرِكَةً الْتَعَنَ الزَّوْجُ في الْمَسْجِدِ وَالزَّوْجَةُ في الْكَنِيسَةِ وَحَيْثُ تُعَظِّمُ وَإِنْ شَاءَتْ الزَّوْجَةُ الْمُشْرِكَةُ أَنْ تُحْضِرَ الزَّوْجَ في الْمَسَاجِدِ كُلِّهَا حَضَرَتْهُ إلَّا أنها لَا تَدْخُلُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هذا }

(5/288)


- * أَيُّ الزَّوْجَيْنِ يَبْدَأُ بِاللِّعَانِ - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى وَيَبْدَأُ الرَّجُلُ بِاللَّعَّانِ حتى يُكْمِلَهُ فإذا أَكْمَلَهُ خَمْسًا الْتَعَنَتْ الْمَرْأَةُ وَإِنْ أَخْطَأَ الْحَاكِمُ فَبَدَأَ بِالْمَرْأَةِ قبل الزَّوْجِ فَالْتَعَنَتْ أو بَدَأَ بِالرَّجُلِ فلم يُكْمِلْ اللِّعَانَ حتى أَمَرَ الْمَرْأَةَ تَلْتَعِنَ فَالْتَعَنَتْ فإذا أَكْمَلَ الرَّجُلُ اللِّعَانَ عَادَتْ الْمَرْأَةُ فَالْتَعَنَتْ وَلَوْ لم يَبْقَ من لِعَانِ الرَّجُلِ إلَّا حَرْفٍ وَاحِدٍ من قِبَلِ ان اللَّهَ عزوجل بَدَأَ بِالرَّجُلِ في اللِّعَانِ فَلَا يَجِبُ على الْمَرْأَةِ لِعَانٌ حتى يُكْمِلَ الرَّجُلُ اللِّعَانَ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لها في اللِّعَانِ إلَّا رَفْعَ الْحَدِّ عن نَفْسِهَا وَالْحَدُّ لَا يَجِبُ حتى يَلْتَعِنَ الرَّجُلُ ثُمَّ يَجِبُ لِأَنَّهَا تَدْفَعُ الْحَدَّ عن نَفْسِهَا بِالِالْتِعَانِ وَإِلَّا حُدَّتْ وإذا بَدَأَ الرَّجُلُ فَالْتَعَنَ قبل أَنْ يَأْتِيَ الْحَاكِمُ أو بعد ما أَتَاهُ قبل أَنْ يَأْمُرَهُ بِالِالْتِعَانِ أو الْمَرْأَةُ أو هُمَا أَعَادَ أَيُّهُمَا بَدَأَ قبل أَمْرِ الحاك ( ( ( الحاكم ) ) ) إيَّاهُ بِالِالْتِعَانِ لِأَنَّ رُكَانَةَ أتى رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ البتة وَحَلَفَ له فَأَعَادَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْيَمِينَ على رُكَانَةَ ثُمَّ رَدَّ إلَيْهِ امْرَأَتَهُ بَعْدَ حَلِفِهِ بِأَمْرِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ولم يَرُدَّ امْرَأَتَهُ إلَيْهِ قبل حَلِفِهِ بِأَمْرِهِ
( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ قال حدثني بن شِهَابٍ أَنَّ سَهْلَ بن سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ أخبره أَنَّ عُوَيْمِرًا الْعَجْلَانِيَّ جاء إلَى عَاصِمِ بن عَدِيٍّ فقال له أَرَأَيْت يا عَاصِمُ لو أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ مع امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ سَلْ لي يا عَاصِمُ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن ذلك فلما رَجَعَ عَاصِمٌ إلَى أَهْلِهِ جَاءَهُ عُوَيْمِرٌ فقال يا عَاصِمُ مَاذَا قال لَك رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال عَاصِمٌ لِعُوَيْمِرٍ لم تَأْتِنِي بِخَيْرٍ قد كَرِهَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمَسْأَلَةَ التي سَأَلْته عنها فقال عُوَيْمِرٌ وَاَللَّهِ لَا أَنْتَهِي حتى أَسْأَلَهُ فَأَقْبَلَ عُوَيْمِرٌ حتى أتى رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَسْطَ الناس فقال يا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت رَجُلًا وَجَدَ مع امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قد أُنْزِلَ فِيك وفي صَاحِبَتِك فَاذْهَبْ فَأْتِ بها فقال سَهْلُ بن سَعْدٍ فَتَلَاعَنَا وأنا مع الناس عِنْدَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فلما فَرَغَا قال عُوَيْمِرٌ لقد كَذَبْت عليها يا رَسُولَ اللَّهِ إنْ أَمْسَكْتهَا فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قبل أَنْ يَأْمُرَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال بن شِهَابٍ فَكَانَتْ تِلْكَ سُنَّةً في الْمُتَلَاعِنَيْنِ
أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن سَعْدٍ عن بن شِهَابٍ عن سَهْلٍ بن سعد أخبره قال جاء عويمر العجلاني إلى عاصم بن عدي فقال يا عاصم سل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رَجُلٍ وَجَدَ مع امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَقَتَلَهُ أَيُقْتَلُ بِهِ أَمْ كَيْفَ يَصْنَعُ فَسَأَلَ عَاصِمٌ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَعَابَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمَسَائِلَ فَلَقِيَهُ عُوَيْمِرٌ فقال ما صَنَعْت فقال إنَّك لم تَأْتِنِي بِخَيْرٍ سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَعَابَ الْمَسَائِلَ فقال عُوَيْمِرٌ وَاَللَّهِ لَآتِيَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلَأَسْأَلَنَّهُ فَأَتَاهُ فَوَجَدَهُ قد أُنْزِلَ عليه فِيهِمَا فَدَعَا بِهِمَا فَلَاعَنَ بَيْنَهُمَا فقال عُوَيْمِرٌ لَئِنْ انْطَلَقْت بها لقد كَذَبْت عليها فَفَارَقَهَا قبل أَنْ يَأْمُرَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم اُنْظُرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ به بِهِ اسحم أَدْعَجَ عَظِيمَ الْأَلْيَتَيْنِ فَلَا أَرَاهُ إلَّا قد صَدَقَ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أُحَيْمِرَ كَأَنَّهُ وَحَرَةٌ فَلَا أَرَاهُ إلَّا كَاذِبًا فَجَاءَتْ بِهِ على النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ قال بن شِهَابٍ فَصَارَتْ سُنَّةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ
أخبرنا عبد اللَّهِ بن نَافِعٍ عن بن أبي ذِئْبٍ عن بن شِهَابٍ عن سَهْلِ بن سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ عُوَيْمِرًا جاء إلَى عَاصِمٍ فقال أَرَأَيْت رَجُلًا وَجَدَ مع امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَقَتَلَهُ أَتَقْتُلُونَهُ سَلْ لي يا عَاصِمُ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَسَأَلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَكَرِهَ الْمَسَائِلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَعَابَهَا فَرَجَعَ عَاصِمٌ إلَى عُوَيْمِرٌ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كَرِهَ الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا فقال عُوَيْمِرٌ وَاَللَّهِ لَآتِيَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَجَاءَهُ وقد نَزَلَ الْقُرْآنُ خِلَافَ عَاصِمٍ فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال قد أَنْزَلَ اللَّهُ عز وج

(5/289)


فِيكُمَا الْقُرْآنَ فَتَقَدَّمَا فَتَلَاعَنَا ثُمَّ قال كَذَبْت عليها يا رَسُولَ اللَّهِ إنْ أَمْسَكْتُهَا فَفَارَقَهَا وما أَمَرَهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَمَضَتْ سُنَّةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ وقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم انظرها ( ( ( انظروها ) ) ) فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَحْمَرَ قَصِيرًا كَأَنَّهُ وَحَرَةٌ فَلَا أَحْسَبُهُ إلَّا قد كَذَبَ عليها وَإِنْ جَاءَتْ به أَسْحَمَ أَعْيَنَ ذَا أَلْيَتَيْنِ فَلَا أَحْسَبُهُ إلَّا قد صَدَقَ عليها فَجَاءَتْ بِهِ على النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ
( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) قال أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن سَعْدٍ عن أبيه عن سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ وعبيدالله بن عبد اللَّهِ بن عُتْبَةَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إنْ جَاءَتْ بِهِ أشيقر سَبِطًا فَهُوَ لِزَوْجِهَا وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أُدَيْعِجَ فَهُوَ لِلَّذِي يَتَّهِمُهُ قال فَجَاءَتْ بِهِ أُدَيْعِجَ
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن بن شِهَابٍ عن سَهْلِ بن سَعْدٍ أَخِي بَنِي سَاعِدَةَ أَنَّ رَجُلًا من الْأَنْصَارِ جاء النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال يا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت رَجُلًا وَجَدَ مع امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل في شَأْنِهِ ما ذُكِرَ في الْقُرْآنِ من أَمْرِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قد قضى فِيك وفي امْرَأَتِك قال فَتَلَاعَنَا وأنا شَاهِدٌ ثُمَّ فَارَقَهَا عِنْدَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَكَانَتْ السُّنَّةُ بَعْدَهُمَا أَنْ يُفَرَّقَ بين الْمُتَلَاعِنَيْنِ قال وَكَانَتْ حَامِلًا فَأَنْكَرَهُ فَكَانَ ابْنُهَا يُدْعَى إلَى أُمِّهِ
أخبرنا سُفْيَانُ عن أبي الزِّنَادِ عن الْقَاسِمِ بن مُحَمَّدٍ قال شَهِدْت بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما يحدث بِحَدِيثِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ فقال له بن شَدَّادٍ أَهِيَ التي قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لو كُنْت رَاجِمًا أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ رَجَمْتهَا فقال بن عَبَّاسٍ لَا تِلْكَ امْرَأَةٌ كانت قد أَعْلَنَتْ
أخبرنا عبد الْعَزِيزِ بن مُحَمَّدٍ بن يَزِيدَ بن الهاد ( ( ( الهادي ) ) ) عن عبد اللَّهِ بن يُونُسَ أَنَّهُ سمع الْمَقْبُرِيَّ يحدث الْقُرَظِيَّ قال الْمَقْبُرِيُّ حدثني أبو هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سمع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْمُلَاعَنَةِ قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَدْخَلَتْ على قَوْمٍ من ليس منهم فَلَيْسَتْ من اللَّهِ في شَيْءٍ وَلَنْ يُدْخِلَهَا اللَّهُ تَعَالَى جَنَّتَهُ وَأَيُّمَا رَجُلٍ جَحَدَ وَلَدَهُ وهو يَنْظُرُ إلَيْهِ احْتَجَبَ اللَّهُ تَعَالَى منه وَفَضَحَهُ بِهِ على رؤوس الْخَلَائِقِ من الْأَوَّلِينَ والاخرين سَمِعْت سُفْيَانَ بن عُيَيْنَةَ يقول أخبرنا عَمْرُو بن دِينَارٍ عن سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ عن بن عُمَرَ ان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لِلْمُتَلَاعِنَيْنِ حِسَابُكُمَا على اللَّهِ عز وجل أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ لَا سَبِيلَ لَك عليها فقال يا رَسُولَ اللَّهِ مالي فقال لَا مَالَ لَك إنْ كُنْت صَدَقْت عليها فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْت من فَرْجِهَا وَإِنْ كُنْت كَذَبْت عليها فَذَلِكَ أَبْعَدُ لَك منها أو منه
أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن أَيُّوبَ بن أبي تَمِيمَةَ عن سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ قال سَمِعْت بن عُمَرَ يقول فَرَّقَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بين أَخَوَيْ بَنِي الْعَجْلَانِ وقال هَكَذَا بِإِصْبَعَيْهِ الْمُسَبِّحَةِ وَالْوُسْطَى فَقَرَنَهَا وَاَلَّتِي تَلِيهَا يَعْنِي الْمُسَبِّحَةَ وقال اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ
أخبرنا مَالِكُ بن أَنَسٍ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا لَاعَنَ امْرَأَتَهُ في زَمَانِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَانْتَفَى من وَلَدِهَا فَفَرَّقَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَيْنَهُمَا وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ - * كَيْفَ اللِّعَانُ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قَذَفَهَا بِأَحَدٍ يُسَمِّيهِ بِعَيْنِهِ وَاحِدٍ أو اثْنَيْنِ أو أَكْثَرَ قال مع كل شَهَادَةٍ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إني لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ من الزنى بِفُلَانٍ وَفُلَانٍ وَفُلَانٍ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ اللِّعَانُ أَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ لِلزَّوْجِ قُلْ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْت بِهِ زَوْجَتِي فُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانٍ وَيُشِيرُ إلَيْهَا إنْ كانت حَاضِرَةً من الزنى ثُمَّ يَعُودُ فَيَقُولُهَا حتى يُكْمِلَ ذلك أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فإذا أَكْمَلَ أَرْبَعًا وَقَفَهُ الْإِمَامُ وَذَكَّرَهُ اللَّهَ وقال إنِّي أَخَافُ إنْ لم تَكُنْ صَدَقْت أَنْ تَبُوءَ بِلَعْنَةِ اللَّهِ فَإِنْ رَآهُ يُرِيدُ أَنْ يَمْضِيَ أَمَرَ من يَضَعُ يَدَهُ على فيه وَيَقُولُ إنَّ قَوْلَك وَعَلَيَّ لَعْنَةُ اللَّهِ إنْ كُنْت من الْكَاذِبِينَ مُوجِبَةٌ إنْ كُنْت كَاذِبًا فَإِنْ أَبَى تَرَكَهُ وقال قُلْ عَلَيَّ لَعْنَةُ اللَّهِ إنْ كُنْت من الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَيْت بِهِ فُلَانَةَ من الزنى

(5/290)


وقال عِنْدَ الِالْتِعَانِ وَعَلَيَّ لَعْنَةُ اللَّهِ إنْ كُنْت من الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ من الزنى بِفُلَانٍ أو فُلَانٍ وَفُلَانٍ وَإِنْ كان معه ( ( ( معها ) ) ) وَلَدٌ فَنَفَاهُ أو بها حَبَلٌ فَانْتَفَى منه قال مع كل شَهَادَةٍ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ من الزنى وإن هذا الْوَلَدَ وَلَدُ زِنًا ما هو مِنِّي وَإِنْ كان حَمْلًا قال وإن هذا الْحَمْلَ إنْ كان بها حَمْلٌ لَحَمْلٌ من الزنى ما هو مِنِّي وقال في الِالْتِعَانِ وَعَلَيَّ لَعْنَةُ اللَّهِ إنْ كُنْت من الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ من الزنى وَأَنَّ هذا الْوَلَدَ وَلَدُ زِنًا ما هو مِنِّي فإذا قال هذا فَقَدْ فَرَغَ من الِالْتِعَانِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَسَوَاءٌ في أَيْمَانِهَا وَالْتِعَانِهَا لَاعَنَهَا بِنَفْيِ وَلَدٍ أو حَمْلٍ أو بِلَا وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لها في الْوَلَدِ وَالْوَلَدُ وَلَدُهَا بِكُلِّ حَالٍ وَإِنَّمَا يُنْفَى عنه هو أو يُثْبَتُ قال وَسَوَاءٌ كُلُّ زَوْجٍ وَزَوْجَةٍ بَالِغَيْنِ لَيْسَا بِمَغْلُوبَيْنِ على عُقُولِهِمَا في الْمَوْضِعِ الذي يَلْتَعِنَانِ فيه وَالْقَوْلُ الذي يَلْتَعِنَانِ بِهِ حُرَّيْنِ او مَمْلُوكِينَ أو حُرٍّ وَمَمْلُوكٍ وَسَوَاءٌ الْكَافِرَانِ أو أَحَدُهُمَا كَافِرٌ في الْقَوْلِ الذي يَلْتَعِنَانِ بِهِ وَيَخْتَلِفَانِ في الْمَوْضِعِ الذي يَلْتَعِنَانِ فيه قال وَإِنْ لم يُلَاعِنْ بَيْنَهُمَا الْإِمَامُ قَائِمَيْنِ وَلَا على الْمِنْبَرِ أو لم يَحْضُرْهُمَا أَرْبَعٌ أو لم يَحْضُرْ أَحَدُهُمَا وَحَضَرَ الْآخَرُ لم يُرَدَّ عَلَيْهِمَا اللِّعَانُ - * ما يَكُونُ بَعْدَ الْتِعَانِ الزَّوْجِ من الْفُرْقَةِ وَنَفْيِ الْوَلَدِ وَحَدِّ الْمَرْأَةِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا أَكْمَلَ الزَّوْجُ الشَّهَادَةَ وَالِالْتِعَانَ فَقَدْ زَالَ فِرَاشُ امْرَأَتِهِ وَلَا تَحِلُّ له أَبَدًا بِحَالٍ وَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ لم تَعُدْ إلَيْهِ الْتَعَنَتْ أو لم تَلْتَعِنْ حُدَّتْ أو لم تُحَدَّ قال وَإِنَّمَا قُلْت هذا لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَكَانَتْ فِرَاشًا فلم يَجُزْ أَنْ يُنْفَى الْوَلَدُ عن الْفِرَاشِ إلَّا بِأَنْ يَزُولَ الْفِرَاشُ فَلَا يَكُونُ فِرَاشٌ أَبَدًا وقد
أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَرَّقَ بين الْمُتَلَاعِنَيْنِ وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وكان مَعْقُولًا في حُكْمِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا أَلْحَقَ الْوَلَدَ بِأُمِّهِ أَنَّهُ نَفَاهُ عن أبيه وَأَنَّ نَفْيَهُ عن أبيه بِيَمِينِهِ وَالْتِعَانِهِ لَا بِيَمِينِ أُمِّهِ على كَذِبِهِ بِنَفْيِهِ وَمَعْقُولٌ في إجْمَاعِ الناس أَنَّ الزَّوْجَ إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ أُلْحِقَ بِهِ الْوَلَدُ وَجُلِدَ الْحَدَّ لِأَنَّ لَا مَعْنَى للمراة في نَفْيِهِ وَأَنَّ الْمَعْنَى لِلزَّوْجِ بِمَا وَصَفْت من نَفْيِهِ وَكَيْفَ يَكُونُ لها مَعْنًى في يَمِينِ الزَّوْجِ وَنَفْيِ الْوَلَدِ وَإِلْحَاقِهِ وَالْوَلَدُ بِكُلِّ حَالٍ وَلَدُهَا لَا ينفي عنها إنَّمَا عنه يُنْفَى وَإِلَيْهَا يُنْسَبُ إذَا نُسِبَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا أَكْمَلَ الزَّوْجُ اللِّعَانَ فَقَدْ بَانَتْ منه امْرَأَتُهُ لِأَنَّهُ لَا يَزُولُ النَّسَبُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَخْطَأَ الْإِمَامُ ولم يذكر نَفْيَ الْوَلَدِ أو الْحَمْلِ في الِالْتِعَانِ قال لِلزَّوْجِ إنْ أَرَدْت نَفْيَهُ أَعَدْت عَلَيْك اللِّعَانَ وَلَا تُعِيدُ الْمَرْأَةُ بَعْدَ إعَادَةِ الزَّوْجِ اللِّعَانَ إنْ كانت فَرَغَتْ منه بَعْدَ الْتِعَانِ الزَّوْجِ الذي أَغْفَلَ الْإِمَامُ فيه نَفْيَ الْوَلَدِ وَالْحَمْلِ وَإِنْ أَخْطَأَ وقد قَذَفَهَا بِرَجُلٍ ولم يَلْتَعِنْ بِقَذْفِهِ فَأَرَادَ الرَّجُلُ حَدَّهُ أَعَادَ عليه اللِّعَانَ وَإِلَّا حُدَّ له إنْ لم يَلْتَعِنْ وَأَيُّ الزَّوْجَيْنِ كان أَعْجَمِيًّا اُلْتُعِنَ له بِلِسَانِهِ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ وَأَحَبُّ إلَيَّ لو كَانُوا أَرْبَعَةً وَيُجْزِئُ عَدْلَانِ يَعْرِفَانِ بِلِسَانِهِ فَإِنْ كان أَخْرَسَ تُفْهَمُ إشَارَتُهُ الْتَعَنَ بِالْإِشَارَةِ فَإِنْ انظلق ( ( ( انطلق ) ) ) لِسَانُهُ بَعْدَ الْخَرَسِ لم يُعِدْ قال ثُمَّ تُقَامُ المراة فَتَقُولُ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إن زَوْجِي فُلَانًا وَتُشِيرُ إلَيْهِ إنْ كان حَاضِرًا لَمِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ من الزنى ثُمَّ تَعُودُ حتى تَقُولَ ذلك أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فإذا فَرَغَتْ من الراعبة ( ( ( الرابعة ) ) ) وَقَفَهَا الْإِمَامُ وَذَكَّرَهَا اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وقال لها احْذَرِي أَنْ تَبُوئِي بِغَضَبٍ من اللَّهِ عز وجل إنْ لم تَكُونِي صَادِقَةً في أَيْمَانِك فَإِنْ رَآهَا تَمْضِي وَحَضَرَتْهَا امْرَأَةٌ أَمْرَهَا أَنْ تَضَعَ يَدَهَا على فيها وَإِنْ لم تَحْضُرْهَا فَرَآهَا تَمْضِي قال لها قُولِي وَعَلَيَّ غَضَبُ اللَّهِ إنْ كان من الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ من الزنى فإذا قالت ذلك فَقَدْ فَرَغَتْ من اللِّعَانِ وَإِنَّمَا أَمَرْت بِوَقْفِهِمَا وَتَذْكِيرِهِمَا أَنَّ سُفْيَانَ
أخبرنا عن عَاصِمِ بن كُلَيْبٍ عن أبيه عن بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ رَجُلًا حين لَاعَنَ بين الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ على فيه عِنْدَ الْخَامِسَةِ وقال إنَّهَا مُوجِبَةٌ

(5/291)


إلَّا بِزَوَالِ الْفِرَاشِ وَلَوْ مَاتَ أو مَاتَتْ امْرَأَتُهُ بَعْدَ كَمَالِ الْتِعَانِهِ لم يَتَوَارَثَا لِأَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ بِاَلَّذِي وَقَعَ بِهِ نَفْيُ الْوَلَدِ قال وَلَوْ قالت لَا أَلْتَعِنُ ( 1 ) أو أَقْذِفُ بالزنى أو خَرِسَتْ أو مَاتَتْ فَسَوَاءٌ الْوَلَدُ مَنْفِيٌّ وَالْفُرْقَةُ وَاقِعَةٌ قال وَلَوْ حَلَفَ الْأَيْمَانَ كُلَّهَا وَبَقِيَ الِالْتِعَانُ أو حَلَفَ ثَلَاثَةَ أَيْمَانٍ وَالْتَعَنَ او نَقَصَ من الْأَيْمَانِ أو الِالْتِعَانِ شيئا كان ( ( ( كانا ) ) ) بِحَالِهِمَا أَيُّهُمَا مَاتَ وَرِثَهُ صَاحِبُهُ وَالْوَلَدُ غَيْرُ مَنْفِيٍّ حتى يَكْمُلَ الِالْتِعَانُ قال وَسَوَاءٌ إذَا لم يُتِمَّ اللِّعَانَ كُلَّهُ في ان لَا فُرْقَةَ وَلَا نَفْيَ وَلَدٍ لو جُنَّ أو عَتِهَ أو غَابَ أو أَكْذَبَ نَفْسَهُ قال وَإِنْ حَلَفَ اثْنَتَيْنِ أو ثَلَاثًا ثُمَّ هَرَبَ فَالنِّكَاحُ بِحَالِهِ حتى يَقْدِرَ عليه فَيَلْتَعِنَ وَكَذَلِكَ لو عَتَه أو خَرِسَ أو بُرْسِمَ أو أَصَابَهُ مالا يَقْدِرُ معه على الْكَلَامِ أو ما يُذْهِبُ عَقْلَهُ فَالنِّكَاحُ بِحَالِهِ فَمَتَى قَدَرَ عليه أو ثَابَ إلَيْهِ عَقْلُهُ الْتَعَنَ فَإِنْ قال هو لَا أَلْتَعِنُ وَطَلَبَتْ أَنْ يُحَدَّ لها حُدَّ وهو زَوْجُهَا وَالْوَلَدُ وَلَدُهُ وَإِنْ لم تَطْلُبْ أَنْ يُحَدَّ لها فَطَلَب ذلك رَجُلٌ قَذَفَهَا بِزِنَاهُ بها كان ذلك له وَحُدَّ له وَإِنْ مَاتَتْ وَطَلَبَ ذلك وَرَثَتُهَا ولم تَكُنْ عَفَتْ حَدَّهَا كان ذلك لهم وَكَذَلِكَ لو مَاتَ الْمَقْذُوفُ بها وَطَلَبَ ذلك وَرَثَتُهُ كان ذلك لهم فَإِنْ طَلَبَتْهُ أو وَرَثَتُهَا فَحُدَّ لها ثُمَّ طَلَبَهُ الذي قَذَفَهَا بِهِ لم يُحَدَّ له لِأَنَّهُ قَذْفٌ وَاحِدٌ وَلَوْ قالت الْمَرْأَةُ قبل أَنْ يُتِمَّ الزَّوْجُ اللِّعَانَ أنا أَلْتَعِنُ لم يَكُنْ ذلك عليها وَلَوْ أَخْطَأَ الْإِمَامُ فَأَمَرَهَا فَالْتَعَنَتْ لم يَكُنْ ذلك شَيْءٌ يُدْرَأُ بِهِ عن نَفْسِهَا حَدٌّ وَلَا يَجِبُ بِهِ حُكْمٌ وَمَتَى الْتَعَنَ الزَّوْجُ فَعَلَيْهَا أَنْ تَلْتَعِنَ فَإِنْ أَبَتْ حُدَّتْ وَإِنْ كانت حين الْتَعَنَ الزَّوْجُ حَائِضًا فَسَأَلَ الزَّوْجُ أَنْ تُؤَخِّرَ حتى تَدْخُلَ الْمَسْجِدَ لم يَكُنْ ذلك عليها وَأُحْلِفَتْ بِبَابِ الْمَسْجِدِ فَإِنْ كانت مَرِيضَةً لَا تَقْدِرُ على الْخُرُوجِ أُحْلِفَتْ في بَيْتِهَا قال وَإِنْ امْتَنَعَتْ من الْيَمِينِ وَهِيَ مَرِيضَةٌ فَكَانَتْ ثَيِّبًا رُجِمَتْ وَكَذَلِكَ إنْ كان في يَوْمٍ بَارِدٍ أو سَاعَةٍ صَائِفَةٍ لِأَنَّ الْقَتْلَ يَأْتِي عليها وَإِنْ كانت بِكْرًا لم تُحَدَّ حتى تَصِحَّ وَيَنْقُصَ الْبَرْدُ وَالْحَرُّ ثُمَّ تُحَدَّ وَإِنَّمَا قُلْت تُحَدُّ إذَا الْتَعَنَ الزَّوْجُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { وَيَدْرَأُ عنها الْعَذَابَ } الْآيَةَ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَالْأَصْلُ أَنَّ وَلَدَ الزَّوْجَةِ لِلزَّوْجِ بِغَيْرِ اعْتِرَافٍ مَاتَ الزَّوْجُ أو عَاشَ مالم يَنْفِهِ ( 2 ) أو يُلَاعِنْ وَلَازِمٌ لِلْمَعْتُوهِ وَلَا احْتِيَاجَ إلَى دَعْوَةِ وَلَدِ الزَّوْجَةِ قال وَلَا ينفي الْوَلَدُ عن الزَّوْجِ إلَّا في مِثْلِ الْحَالِ التي نَفَى فيها رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَذَلِكَ أَنَّ الْعَجْلَانِيَّ قَذَفَ امْرَأَتَهُ وَأَنْكَرَ حَمْلَهَا فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلَاعَنَ بَيْنَهُمَا وَنَفَى الْوَلَدَ عنه قال وَأَظْهَرَ الْعَجْلَانِيُّ قَذْفَهَا عِنْدَ اسْتِبَانَةِ حَمْلِهَا وإذا عَلِمَ الزَّوْجُ بِالْوَلَدِ وَأَمْكَنَهُ الْحَاكِمُ فَأَتَى الْحَاكِمَ فَنَفَاهُ لَاعَنَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ عَلِمَ وَأَمْكَنَهُ الْحَاكِمُ فَتَرَكَ ذلك وقد أَمْكَنَهُ إمْكَانًا بَيِّنًا ثُمَّ نَفَاهُ لم يَكُنْ ذلك له كما يَكُونُ أَصْلُ بَيْعِ الشِّقْصِ صَحِيحًا فَيَكُونُ لِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ إذَا أَمْكَنَهُ فَإِنْ تَرَكَ ذلك في تِلْكَ الْمُدَّةِ لم تَكُنْ له شُفْعَةٌ وَهَكَذَا كُلُّ من له شَيْءٌ في مُدَّةٍ دُونَ غَيْرِهَا فَمَضَتْ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْعَذَابُ الْحَدُّ فَكَانَ عليها أَنْ تُحَدَّ إذَا الْتَعَنَ الزَّوْجُ ولم تَدْرَأْ عن نَفْسِهَا بِالِالْتِعَانِ قال وَلَوْ غَابَتْ أو عَتِهَتْ أو غُلِبَتْ على عَقْلِهَا فإذا حَضَرَتْ وَثَابَ إلَيْهَا عَقْلُهَا الْتَعَنَتْ فَإِنْ لم تَفْعَلْ حُدَّتْ وَإِنْ لم يَثِبْ إلَيْهَا عَقْلُهَا فَلَا حَدَّ وَلَا الْتِعَانَ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِمَّنْ عليها الْحُدُودُ وَلَوْ قال الزَّوْجُ لَا أَلْتَعِنُ وَأَمَرَ بِأَنْ يُقَامَ عليه الْحَدُّ فَضُرِبَ بِالسِّيَاطِ فلم يُتِمَّهُ حتى قال أنا أَلْتَعِنُ قَبِلْنَا ذلك منه وَلَا شَيْءَ له فِيمَا نَالَهُ من الْحَدِّ وَلَوْ أتى على نَفْسِهِ كما يَقْذِفُ الْمَرْأَةَ فَيُقَالُ ائْتِ بِبَيِّنَةٍ فيقول لَا آتِي بها فَيُضْرَبُ بَعْضَ الْحَدِّ ثُمَّ يقول أنا آتِي بِهِمْ فَيَكُونُ ذلك له وَلَوْ قِيلَ لِلْمَرْأَةِ الْتَعِنِي فَأَبَتْ فَأُمِرَ بها يُقَامُ عليها الْحَدُّ فَأَصَابَهَا بَعْضُهُ ثُمَّ قالت أنا أَلْتَعِنُ تُرِكَتْ حتى تَلْتَعِنَ بهذا الْمَعْنَى وَلَوْ قَذَفَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَنَفَى وَلَدَهَا ثُمَّ خَرِسَ أو ذَهَبَ عَقْلُهُ فَمَاتَ الْوَلَدُ قبل أَنْ يُفِيقَ فَأُخِذَ له مِيرَاثُهُ منه ثُمَّ أَفَاقَ الزَّوْجُ فَالْتَعَنَ ونفي الْوَلَدَ عنه رُدَّ الْمِيرَاثُ وَلَوْ قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِوَلَدٍ فَصَدَّقَتْهُ لم يَكُنْ عليه حَدٌّ وَلَا لِعَانَ لها وَلَا يُنْفَى الْوَلَدُ وَإِنْ صَدَّقَتْهُ حتى يَلْتَعِنَ الزَّوْجُ فَيُنْفَى عنه بِالْتِعَانِهِ

(5/292)


لم يَكُنْ له وَلَوْ جَحَدَ بِأَنْ يَكُونَ يَعْلَمُ بِالْوَلَدِ فَيَكُونُ له نَفْيُهُ حتى يقربه جَازَ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ شَيْخًا وهو يَخْتَلِفُ معه اخْتِلَافَ وَلَدِهِ قال وَإِمْكَانُ الانتفاء ( ( ( الانتقاء ) ) ) من الْوَلَدِ أَنْ يَعْلَمَ بِهِ وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَلْقَى الْحَاكِمَ وَيَكُونَ قَادِرًا على لِقَائِهِ أو له من يَلْقَاهُ له فإذا كان هذا هَكَذَا فلم يَنْفِهِ لم يَكُنْ له نَفْيُهُ وَلَا وَقْتَ في هذا إلَّا ما وَصَفْت وَلَوْ قال قَائِلٌ فإذا كان حَاضِرًا فَكَانَ هذا فَالْمُدَّةُ التي يَنْقَطِعُ فيها أَنْ يَكُونَ له نَفْيُهُ فيها ثَلَاثَةُ ايام كان مَذْهَبًا مُحْتَمَلًا فَإِنْ لم يَصِلْ إلَى الْحَاكِمِ أو مَرِضَ أو شُغِلَ أو حُبِسَ فَأَشْهَدَ فيها على نَفْيِهِ ثُمَّ طَلَبَ بَعْدَهَا كان مَذْهَبًا لِمَا وَصَفْنَا في غَيْرِ هذا الْمَوْضِعِ من ان اللَّهَ تَعَالَى مَنَعَ من قَضَى بِعَذَابِهِ ثَلَاثًا وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَذِنَ لِلْمُهَاجِرِ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ بِمَقَامِهِ ثَلَاثًا بِمَكَّةَ قال وَأَيُّ مُدَّةٍ قُلْت له نَفْيُهُ فَأَشْهَدَ على نَفْيِهِ وهو مَشْغُولٌ بِأَمْرٍ يَخَافُ فَوْتَهُ أو بِمَرَضٍ لم يَنْقَطِعْ فيه ( ( ( نفيه ) ) ) وَإِنْ كان غَائِبًا فَبَلَغَهُ فَأَقَامَ وهو يُمْكِنُهُ الْمَسِيرُ لم يَكُنْ له نَفْيُهُ إلَّا بِأَنْ يُشْهِدَ أَنَّهُ على نَفْيِهِ ثُمَّ يَقْدَمَ قال وَإِنْ قال قد سَمِعْت بِأَنَّهَا وَلَدَتْ ولم أُصَدِّقْ فَأَقَمْت فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ أو قال لم أَعْلَمْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلَوْ كان حَاضِرًا بِبَلَدِهَا فقال لم أَعْلَمْ أنها وَلَدَتْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَعَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ قال وَإِنْ كان مَرِيضًا لَا يَقْدِرُ على الْخُرُوجِ أو مَحْبُوسًا أو خَائِفًا فَكُلُّ هذا عُذْرٌ فَأَيُّ هذه الْحَالِ كان فَلَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ حتى تَأْتِيَ الْمُدَّةُ التي لَا يَكُونُ له بَعْدَهَا نَفْيُهُ وَهَكَذَا إنْ كان غَائِبًا وَلَوْ نَفَى رَجُلٌ وَلَدَ امْرَأَتِهِ قبل مَوْتِهَا ثُمَّ مَاتَ قبل أَنْ يُلَاعِنَهَا أو مَاتَتْ قبل أَنْ يَنْتَفِيَ من وَلَدِهَا ثُمَّ انْتَفَى منه الْتَعَنَ وَنَفَاهُ وَسَوَاءٌ كانت مَيِّتَةً أو حَيَّةً وإذا قَذَفَهَا ثُمَّ مَاتَتْ أو قَذَفَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَانْتَفَى من وَلَدِهَا فلم يَلْتَعِنْ فَلِوَرَثَتِهَا أَنْ يَحُدُّوهُ - * الْوَقْتُ في نَفْيِ الْوَلَدِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى وَلَا لِعَانَ حتى يَقْذِفَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بالزنى صَرِيحًا لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ } قال فإذا فَعَلَ فَعَلَيْهِ اللِّعَانُ إنْ طَلَبَتْهُ وَلَهُ نَفْيُ وَلَدِهِ وَحَمْلِهِ إذَا قال هو من الزنى الذي رَمَيْتهَا بِهِ وَلَوْ وَلَدَتْ وَلَدًا فقال ليس بِابْنِي أو رَأَى حَمْلًا فقال ليس مِنِّي ثُمَّ طَلَبَتْ الْحَدَّ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ حتى يَقِفَهُ في الْوَلَدِ فَيَقُولَ لِمَ قُلْت هذا فَإِنْ قال لم أَقْذِفْهَا وَلَكِنَّهَا لم تَلِدْهُ أو وَلَدَتْهُ من زَوْجٍ غَيْرِي قَبْلِي وقد عُرِفَ نِكَاحُهَا فَلَا يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ إلَّا أَنْ تَأْتِيَ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ يَشْهَدْنَ أنه ( ( ( أنها ) ) ) وَلَدَتْهُ وَهِيَ زَوْجَتُهُ في وَقْتٍ يُعْلَمُ أنها كانت فيه زَوْجَتُهُ يُمْكِنُ أَنْ تَلِدَ منه عِنْدَ نِكَاحِهَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا أَقَرَّ الرَّجُلُ بِحَبَلِ امْرَأَتِهِ فَوَلَدَتْ وَلَدًا في ذلك الْحَبَلِ أو أَكْثَرَ ثُمَّ نَفَى الْوَلَدَ أو الْوَلَدَيْنِ من الْحَمْلِ لم يَكُنْ مَنْفِيًّا عنه بِلِعَانٍ وَلَا غَيْرِهِ وَإِنْ قَذَفَهَا مع نَفْيِهِ فَطَلَبَتْ الْحَدَّ حُدَّ لها وَإِنْ لم تَطْلُبْهُ لم يُحَدَّ لها وَإِنْ لم يَقْذِفْهَا وقال لم تَلِدِي هذا الْوَلَدَ الذي أَقْرَرْت بِهِ وَلَا من الْحَمْلِ الذي أَقْرَرْت بِهِ فَالْوَلَدُ لَاحِقٌ وَلَا حَدَّ لها وَلَا لِعَانَ فَإِنْ قال أَقْرَرْت أَنَّ الْحَمْلَ مِنِّي وأنا كَاذِبٌ وَلَا أَقْذِفُك أُحْلِفَ ما أَرَادَ قَذْفَهَا إذَا طَلَبَتْ ذلك فَإِنْ حَلَفَ لم يُحَدَّ وَإِنْ لم يَحْلِفْ فَحَلَفَتْ لقد أَرَادَ قَذْفَهَا حُدَّ قال وَالْإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ دُونَ الصَّمْتِ فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا رَأَى امْرَأَتَهُ حُبْلَى فلم يَقُلْ في حَبَلِهَا شيئا ثُمَّ وَلَدَتْ فَنَفَاهُ فَيُسْأَلُ هل أَقْرَرْت بِحَبَلِهَا فَإِنْ قال لَا أو قال كُنْت لَا أَدْرِي لَعَلَّهُ ليس بِحَمْلٍ لَاعَنَ وَنَفَاهُ إنْ شَاءَ وَإِنْ قال بَلَى أَقْرَرْت بِحَمْلِهَا وَقُلْت لَعَلَّهُ يَمُوتُ فَأَسْتُرُ عليها وَعَلَى نَفْسِي لَزِمَهُ ولم يَكُنْ له نَفْيُهُ وَلَوْ وَلَدَتْ وَلَدًا وهو غَائِبٌ فَقَدِمَ فَنَفَاهُ حين عَلِمَ بِهِ وقال لم أَعْلَمْ بِهِ في غَيْبَتِي كان له نَفْيُهُ بِلِعَانٍ وَلَوْ قالت قد عَلِمَ بِهِ وَأَقَرَّ فقال قِيلَ لي ولم أُصَدِّقْ وما أَقْرَرْت بِهِ حَلَفَ ما أَقَرَّ بِهِ وكان له نَفْيُهُ وَلَوْ كان حَاضِرًا أو غَائِبًا فَهُنِّئَ بِهِ فَرَدَّ على الذي هَنَّأَهُ بِهِ خَيْرًا ولم يُقْرِرْ بِهِ لم يَكُنْ هذا إقْرَارًا لِأَنَّهُ يُكَافِئُ الدُّعَاءَ بِالدُّعَاءِ وَلَا يَكُونُ إقْرَارًا كما لو قال له رَجُلٌ بَارَكَ اللَّهُ تَعَالَى لَك في تَزْوِيجِك أو في مَوْلُودِك فَدَعَا له ولم يَتَزَوَّجْ ولم يُولَدْ له لم يَكُنْ هذا إقْرَارًا بِتَزْوِيجٍ وَلَا وَلَدٍ - * ما يَكُونُ قَذْفًا وما لَا يَكُونُ - *

(5/293)


في أَقَلَّ ما يَكُونُ من الْحَمْلِ أو أَكْثَرِهِ فَإِنْ لم يَكُنْ لها أَرْبَعُ نِسْوَةٍ يَشْهَدْنَ فَسَأَلَتْ يَمِينَهُ وَهِيَ زَوْجَتُهُ أو ما وَلَدَتْهُ في الْوَقْتِ الذي إذَا وَلَدَتْهُ فيه لَحِقَهُ نَسَبُهُ أَحَلَفْنَاهُ فَإِنْ حَلَفَ بريء وَإِنْ نَكَلَ أَحَلَفْنَاهَا فَإِنْ حَلَفَتْ لَزِمَهُ وَإِنْ لم تَحْلِفْ لم يَلْزَمْهُ ( قال الرَّبِيعُ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أنها وَإِنْ لم تَحْلِفْ لَزِمَهُ الْوَلَدُ لِأَنَّ لِلْوَلَدِ حَقًّا في نَفْسِهِ وَتَرْكُهَا الْيَمِينَ لَا يُبْطِلُ حَقَّهُ في نَفْسِهِ فلما لم تَحْلِفْ فَتَبْرَأْ لَزِمَهُ الْوَلَدُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا لَاعَنَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بِوَلَدٍ فنفيناه ( ( ( فنفاه ) ) ) عنه ثُمَّ جَاءَتْ بعده ( ( ( بولد ) ) ) لولد لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أو أَكْثَرَ ( 3 ) وما يَلْزَمُ بِهِ نَسَبُ وَلَدِ الْمَبْتُوتَةِ فَهُوَ وَلَدُهُ إلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ بِلِعَانٍ فَإِنْ نَفَاهُ بِلِعَانٍ فَذَلِكَ له وإذا وَلَدَتْ امْرَأَةُ الرَّجُلِ وَلَدَيْنِ في بَطْنٍ فَأَقَرَّ بِالْأَوَّلِ وَنَفَى الاخر أو أَقَرَّ بِالْآخَرِ وَنَفَى الْأَوَّلَ فَهُوَ سَوَاءٌ وَهُمَا ابْنَاهُ وَلَا يَكُونُ حَمْلٌ وَاحِدٌ بِوَلَدَيْنِ إلَّا من وَاحِدٍ فإذا أَقَرَّ بِأَحَدِهِمَا لم يَكُنْ له نَفْيُ الْآخَرِ الذي وُلِدَ معه في بَطْنٍ كما لَا يَكُونُ له نَفْيُ الْوَلَدِ الذي أَقَرَّ بِهِ وَإِنْ كان نفى أَيِّهِمَا نُفِيَ بِقَذْفٍ لِأُمِّهِ فَطَلَبَتْ حَدَّهَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ وإذا وَلَدَتْ وَلَدًا فَنَفَاهُ فَمَاتَ الْوَلَدُ قَبْلُ يَلْتَعِنَ الْأَبُ فَإِنْ الْتَعَنَ الْأَبُ نُفِيَ عنه الْمَوْلُودُ وَلَوْ كان رَجُلٌ جَنَى على الْمَوْلُودِ فَقَتَلَهُ فَأَخَذَ الْأَبُ دِيَتَهُ أو جَنَى عليه جَنِينًا فَأَخَذَ الْأَبُ دِيَتَهُ رَدَّهَا الْأَبُ إذَا نَفَى عنه فَهُوَ غَيْرُ أبيه وَهَكَذَا لو وُلِدَ له وَلَدَانِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ نَفَاهُمَا فَالْتَعَنَ نُفِيَ عنه الْمَيِّتُ وَالْحَيُّ وَلَوْ وَلَدَتْ له وَلَدًا فَنَفَاهُ بِلِعَانٍ ثُمَّ وَلَدَتْ آخَرَ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ فَأَقَرَّ بِهِ لَزِمَاهُ جميعا لِأَنَّهُ حَبَلٌ وَاحِدٌ وَحُدَّ لها إنْ كان قَذَفَهَا وَطَلَبَتْ ذلك ( قال ) وَلَوْ لم يَنْفِهِ ولم يُقِرَّ بِهِ وُقِفَ فَإِنْ نَفَاهُ وقال اللِّعَانُ الْأَوَّلُ يَكْفِينِي لِأَنَّهُ حَبَلٌ وَاحِدٌ لم يَكُنْ ذلك له حتى يَلْتَعِنَ من الْآخَرِ وَلَوْ وُلِدَا مَعًا لم يَلْتَعِنْ إلَّا بِنَفْيِهِمَا مَعًا وَكَذَلِكَ لو الْتَعَنَ من الْأَوَّلِ ثُمَّ الثَّانِي ثُمَّ نَفَى الثَّالِثَ الْتَعَنَ بِهِ أَيْضًا لَا ينفي وَلَدٌ حَادِثٌ إلَّا بِلِعَانٍ بِهِ بِعَيْنِهِ وَلَوْ قَذَفَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ وَبِهَا حَمْلٌ أو مَعَهَا وَلَدٌ وَأَقَرَّ بِالْحَمْلِ وَالْوَلَدِ أو لم يَنْفِهِ كان لَازِمًا له لِأَنَّهَا قد تَزْنِي وَهِيَ حُبْلَى منه ووالد ( ( ( والولد ) ) ) منه وَيَلْتَعِنُ لِلْقَذْفِ أو يُحَدُّ إنْ طَلَبَتْ ذلك وَلَوْ قال رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ زَنَيْت وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أو قال لِامْرَأَتِهِ وقد كانت نَصْرَانِيَّةً أو أَمَةً زَنَيْت وَأَنْتِ نَصْرَانِيَّةٌ أو أَمَةٌ أو قال لِامْرَأَتِهِ زَنَيْت مُسْتَكْرَهَةً أو أَصَابَك رَجُلٌ نَائِمَةً أو زَنَى بِك صَبِيٌّ لَا يُجَامَعُ مِثْلُهُ لم يَكُنْ عليه حَدٌّ في شَيْءٍ من هذا وَإِنْ كان أَوْقَعَ هذا عليها قبل نِكَاحِهَا لم يَكُنْ عليه لِعَانٌ وَعُزِّرَ لِلْأَذَى وَإِنْ كان أَوْقَعَ هذا عليها وَهِيَ امْرَأَتُهُ ولم يَنْسُبْهُ إلَى حِينٍ لم تَكُنْ له فيه امْرَأَةٌ فَلَا حَدَّ عليه وَإِنْ الْتَعَنَ فَلَا يُعَزَّرُ وَتَقَعُ الْفُرْقَةُ وَإِنْ لم يَلْتَعِنْ عُزِّرَ لِلْأَذَى وَلَوْ قال لِامْرَأَةٍ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ زَانِيَةٌ أو إذَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ زَانِيَةٌ أو قال لِامْرَأَتِهِ إذَا قَدِمَ فُلَانٌ فَأَنْتِ زَانِيَةٌ أو خَيَّرَهَا فقال إنْ اخْتَرْت نَفْسَك فَأَنْتِ زَانِيَةٌ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ وَيُؤَدَّبُ إنْ طَلَبَتْ ذلك على إظْهَارِ الْفَاحِشَةِ قبل يَنْكِحَهَا وَقَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ وَبَعْدَ النِّكَاحِ وَالِاخْتِيَارِ وَلَوْ قال رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ يا زَانِيَةُ فقالت زَنَيْت بِك وَطَلَبَا مَعًا مَالَهُمَا سَأَلْنَاهَا فَإِنْ قال ( ( ( قالت ) ) ) عَنَيْت أَنَّهُ أَصَابَنِي وهو زَوْجِي حَلَفَتْ وَلَا شَيْءَ عليها لِأَنَّ إصَابَتَهُ إيَّاهَا لَيْسَتْ بِزِنًا وَعَلَيْهِ أَنْ يَلْتَعِنَ أو يُحَدَّ وَإِنْ قالت زَنَيْت بِهِ قبل أَنْ يَنْكِحَنِي فَهِيَ قَاذِفَةٌ له وَعَلَيْهَا الْحَدُّ وَلَا حَدَّ عليه لِأَنَّهَا مُقِرَّةٌ بالزنى وَلَا لِعَانَ وَلَوْ قال لها يا زَانِيَةُ فقالت أنت أَزْنَى مِنِّي فَعَلَيْهِ الْحَدُّ أو اللِّعَانُ وَلَا شَيْءَ عليها في قَوْلِهَا أنت أَزْنَى مِنِّي لِأَنَّهُ ليس بِقَذْفٍ بالزنى إذَا لم تُرِدْ بِهِ الْقَذْفَ وَلَوْ قال لها أَنْتِ أَزْنَى من فُلَانَةَ لم يَكُنْ هذا قَذْفًا وَلَا لِعَانَ وَلَا حَدَّ وَيُؤَدَّبُ في الْأَذَى فَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْقَذْفَ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ جَاءَتْ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ يَشْهَدْنَ أنها وَلَدَتْهُ وَهِيَ زَوْجَتُهُ أو في وَقْتٍ من الْأَوْقَاتِ يَدُلُّ على أنها وَلَدَتْهُ بَعْدَ تَزْوِيجِهِ إيَّاهَا بِمَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ منه وَيُحَدِّدْنَ حَدًّا عَلِمْنَا أَنَّ ذلك بعد ما تَزَوَّجَهَا بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ أَلْحَقْت الْوَلَدَ بِهِ قال وَإِنَّمَا قُلْت إذَا نَفَى الرَّجُلُ حَمْلَ امْرَأَتِهِ ولم يَقْذِفْهَا بِزِنًا لم أُلَاعِنْ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ قد يَكُونُ صَادِقًا فَلَا يَكُونُ هذا حَمْلًا وَإِنْ نَفَى وَلَدًا وَلَدَتْهُ ولم يَقْذِفْهَا وقال لَا أُلَاعِنُهَا وَلَا أَقْذِفُهَا لم يُلَاعِنْهَا وَلَزِمَهُ الْوَلَدُ وَإِنْ قَذَفَهَا لَاعَنَهَا لِأَنَّهُ إذَا لَاعَنَهَا بِغَيْرِ قَذْفٍ فَإِنَّمَا يَدَّعِي أنها لم تَلِدْهُ وقد حَكَمْت أنها قد وَلَدَتْهُ وَإِنَّمَا أَوْجَبَ اللَّهُ عز وجل اللِّعَانَ بِالْقَذْفِ وَلَا يَجِبُ بِغَيْرِهِ

(5/294)


أو اللِّعَانُ وَلَوْ قال لها أَنْتِ أَزْنَى الناس لم يَكُنْ قَاذِفًا إلَّا بِأَنْ يُرِيدَ الْقَذْفَ وَيُعَزَّرَ وَهَذَا لِأَنَّ هذا أَكْبَرُ من قَوْلِهِ أَنْتِ أَزْنَى من فُلَانَةَ وَلَوْ قال لِامْرَأَتِهِ يا زَانِ كان عليه الْحَدُّ أو اللِّعَانُ وَهَذَا تَرْخِيمٌ كما يقول الرَّجُلُ لِمَالِكٍ يا مَالِ وَلِحَارِثٍ يا حَارِ وَلَوْ قال لها زَنَأْت في الْجَبَلِ أَحَلَفْنَاهُ بِاَللَّهِ ما أَرَادَ قَذْفَهَا بالزنى وَلَا لِعَانَ وَلَا حَدَّ لِأَنَّ زَنَأْت في الْجَبَلِ رُقِيت في الْجَبَلِ وَلَوْ قالت له هِيَ يا زَانِيَةُ فَعَلَيْهَا الْحَدُّ لِأَنَّهَا قد أَكْمَلَتْ الْقَذْفَ وَزَادَتْهُ حَرْفًا أو اثْنَيْنِ وإذا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ زَنَيْت قبل أَنْ أَتَزَوَّجَك حُدَّ وَلَا لِعَانَ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الْقَذْفَ وَهِيَ غَيْرُ زَوْجَةٍ وَلَوْ جَعَلَتْهُ يُلَاعِنُ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَكَلَّمَ بِالْقَذْفِ الْآنَ جَعَلْته يُلَاعِنُ أو يُحَدُّ إذَا قال الرَّجُلُ لامراة له بَالِغٍ زَنَيْت وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ وَلَكِنِّي أَنْظُرُ إلَى يَوْمِ تَكَلَّمَ بِهِ لِأَنَّ الْقَذْفَ يوم يُوقِعُهُ وَلَوْ قَذَفَ رَجُلٌ امْرَأَةً بالزنى قبل أَنْ يَنْكِحَهَا فَطَلَبَتْهُ بِالْحَدِّ حُدَّ وَلَا لِعَانَ لِأَنَّ الْقَذْفَ كان وَهِيَ غَيْرُ زَوْجَةٍ وَلَوْ قَذَفَهَا بالزنى ولم تَطْلُبْهُ بِالْحَدِّ حتى نَكَحَهَا ثُمَّ قذفه ( ( ( قذفها ) ) ) وَلَاعَنَهَا وَطَلَبَتْهُ بِحَدِّ الْقَذْفِ قبل النِّكَاحِ حُدَّ لها وَلَوْ لم يُلَاعِنْهَا حتى حَدَّهُ لها الْإِمَامُ في الْقَذْفِ الْأَوَّلِ ثُمَّ طَلَبَتْهُ بِالْقَذْفِ بَعْدَ النِّكَاحِ لَاعَنَ أو حُدَّ وَلَوْ طَلَبَتْهُ بِهِمَا مَعًا حَدَّهُ بِالْقَذْفِ الْأَوَّلِ وَعَرَضَ عليه اللِّعَانَ بِالْقَذْفِ الْآخَرِ فَإِنْ أَبَى حَدَّهُ أَيْضًا لِأَنَّ حُكْمَهُ قَاذِفًا غير زَوْجَةٍ الْحَدُّ وَحُكْمَهُ قَاذِفًا زَوْجَةً حَدٌّ أو لِعَانٌ فإذا الْتَعَنَ فَالْفُرْقَةُ وَاقِعَةٌ بَيْنَهُمَا وَإِنْ لم أَحُدَّهُ وَأُلَاعِنْ بَيْنَهُمَا لم يَكُنْ حَدُّهُ في الْقَذْفِ بِأَوْجَبَ على من حَمْلِهِ على اللِّعَانِ أو الْحَدِّ في الْقَذْفِ الْآخَرِ وكان لِغَيْرِي أَنْ لَا يَحُدَّهُ وَلَا يُلَاعِنَ وإذا جَازَ طَرْحُ اللِّعَانِ بِقَذْفِ زَوْجَةٍ وَحَدٍّ أو طَرْحِ الْحَدِّ بِاللِّعَانِ جَازَ طَرْحُهُمَا مَعًا وَكَذَلِكَ لو قَذَفَهَا وَامْرَأَةً مَعَهَا أَجْنَبِيَّةً في كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ حُدَّ لِلْأَجْنَبِيَّةِ وَلَاعَنَ امْرَأَتَهُ أو حُدَّ لها وَلَوْ قَذَفَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ له بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أو كَلِمَاتٍ فَقُمْنَ مَعًا أو مُتَفَرِّقَاتٍ لَاعَنَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ أو حُدَّ لها وَأَيَّتُهُنَّ لَاعَنَ سَقَطَ حَدُّهَا وَأَيَّتُهُنَّ نَكَلَ عن أَنْ يَلْتَعِنَ حُدَّ لها إذَا طَلَبَتْ حَدَّهَا وَيَلْتَعِنُ لَهُنَّ وَاحِدَةً وَاحِدَةً وإذا تَشَاحَحْنَ أَيَّتُهُنَّ تَبْدَأُ أُقْرِعَ بَيْنَهُنَّ فَأَيَّتُهُنَّ بَدَأَ الْإِمَامُ بها بِغَيْرِ قُرْعَةٍ رَجَوْت للامام أَنْ لَا يَأْثَمَ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْخُذَ ذلك إلَّا وَاحِدًا وَاحِدًا إذَا طَلَبَتْهُ وَاحِدَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ قَذَفَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ بزنايين ( ( ( بزنين ) ) ) في مِلْكِهِ الْتَعَنَ مَرَّةً أو حُدَّ مَرَّةً لِأَنَّ حُكْمَهُمَا وَاحِدٌ وَكَذَلِكَ لو قَذَفَ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً مَرَّتَيْنِ كان حَدًّا وَاحِدًا وَلَوْ قَذَفَ رَجُلٌ نَفَرًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أو كَلِمَاتٍ كان لِكُلِّ وَاحِدٍ منهم حَدُّهُ وَلَوْ قال رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا أو طَالِقٌ وَاحِدَةً لم يَبْقَ له عليها من الطَّلَاقِ إلَّا هِيَ أو طَالِقٌ ولم يَدْخُلْ بها أو أَيُّ طَلَاقٍ ما كان لَا رَجْعَةَ له عليها بَعْدَهُ وَأَتْبَعَ الطَّلَاقَ مَكَانَهُ يا زَانِيَةُ حُدَّ وَلَا لِعَانَ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَنْفِي بِهِ وَلَدًا أو حَمْلًا فَيُلَاعِنَ لِلْوَلَدِ وَيُوقَفَ الْحَمْلُ فإذا وَلَدَتْ الْتَعَنَ فَإِنْ لم تَلِدْ حُدَّ وَلَوْ بَدَأَ فقال يا زَانِيَةُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا الْتَعَنَ لِأَنَّ الْقَذْفَ وَقَعَ وَهِيَ امْرَأَتُهُ وَلَوْ قال أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يا زَانِيَةُ حُدَّ وَلَا لِعَانَ إلَّا أَنْ يَنْفِيَ وَلَدًا فَيُلَاعِنَ بِهِ وَيَسْقُطَ الْحَدُّ وَلَوْ قَذَفَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ فَصَدَّقَتْهُ ثُمَّ رَجَعَتْ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ إلَّا أَنْ يَنْفِيَ وَلَدًا فَلَا يَنْفِي إلَّا بِلِعَانٍ وَلَوْ قَذَفَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ ثُمَّ زَنَتْ بَعْدَ الْقَذْفِ أو وُطِئَتْ وطأ ( ( ( وطئا ) ) ) حَرَامًا فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ إلَّا أَنْ يَنْفِيَ وَلَدًا أو يُرِيدَ أَنْ يَلْتَعِنَ فَيَثْبُتَ عليها الْحَدُّ إنْ لم تَلْتَعِنْ وإذا قَذَفَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ فَارْتَدَّتْ عن الْإِسْلَامِ وَطَلَبَتْ حَدَّهَا لَاعَنَ أو حُدَّ لِأَنَّ الْقَذْفَ كان وَهِيَ زَوْجَةٌ مُسْلِمَةٌ وَلَوْ كان هو الْمُرْتَدُّ كان هَكَذَا وَلَا يُشْبِهُ هذا أَنْ يَقْذِفَهَا ثُمَّ تَزْنِيَ لِأَنَّ زِنَاهَا دَلِيلٌ على صِدْقِهِ بِزَنْيَتِهَا وَرِدَّتُهَا لَا تَدُلُّ على أنها زَانِيَةٌ وإذا كانت تَحْتَ الْمُسْلِمِ ذِمِّيَّةٌ فَقَذَفَهَا ثُمَّ أَسْلَمَتْ فَطَلَبَتْ حَدَّهَا لَاعَنَ أو عُزِّرَ وَلَا حَدَّ لِأَنَّ الْقَذْفَ كان وَهِيَ كَافِرَةٌ وَكَذَلِكَ لو كانت مَمْلُوكَةً فَعَتَقَتْ أو صَبِيَّةً فَبَلَغَتْ وإذا مَلَّكَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أَمْرَهَا فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ قَذَفَهَا فَإِنْ كان الطَّلَاقُ يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ لَاعَنَ أو حُدَّ وَإِنْ كان لَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ حُدَّ وَلَا يُلَاعِنُ فَإِنْ قَذَفَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا ثلاثا لَاعَنَ لِأَنَّ الْقَذْفَ كان وَهِيَ زَوْجَةٌ وإذا طَلَّقَ الْمُلَاعِنُ امْرَأَتَهُ لم يَقَعْ عليها الطَّلَاقُ وَلِلْمُلَاعَنَةِ السُّكْنَى وَلَا نَفَقَةَ لها وإذا لَاعَنَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَنَفَى عنه وَلَدَهَا ثُمَّ أقربه وَأَكْذَبَ نَفْسَهُ حُدَّ إنْ طَلَبَتْ
____________________

(5/295)


الْحَدَّ وَأُلْحِقَ بِهِ الْوَلَدُ وَهَكَذَا لو أقربه الْأَبُ وهو مَرِيضٌ فَطَلَبَتْ حَدَّهَا فلم يُحَدَّ حتى مَاتَ فَهُوَ ابْنُهُ يَرِثُهُ وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ منه وَإِنْ لم يُحَدَّ لِأُمِّهِ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وكان الِابْنُ هو الْمَيِّتُ وَالْأَبُ هو الْحَيُّ فَادَّعَاهُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلِلِابْنِ مَالٌ أو لَا مَالَ له أو له وَلَدٌ أو لَا وَلَدَ له ثَبَتَ نَسَبُهُ منه وَوَرِثَهُ الْأَبُ وَلَوْ كان قُتِلَ فَانْتَسَبَ إلَيْهِ أَخَذَ حِصَّتَهُ من دِيَتِهِ وَلَوْ كان الْوَلَدُ الْمَنْفِيُّ عن أبيه مُنِعَ مِيرَاثَهُ من قِبَلِ أبيه في حَيَاتِهِ لِأَنَّهُ كان مَنْفِيًّا عن مِيرَاثِهِ الذي مُنِعَهُ لِأَنَّ أَصْلَ أَمْرِهِ أَنَّ نَسَبَهُ ثَابِتٌ فإنه إنَّمَا هو مَنْفِيٌّ ما كان أَبُوهُ مُلَاعِنًا مُقِيمًا على نَفْيِهِ بِاللِّعَانِ وإذا الْتَعَنَ الزَّوْجَانِ بِوَلَدٍ أو غَيْرِ وَلَدٍ ثُمَّ قَذَفَ الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ التي لَاعَنَ فَلَا حَدَّ عليه كما لو حُدَّ لها بِقَذْفٍ فَقَذَفَهَا لم يُحَدَّ ثَانِيَةً ونهى عن قَذْفِهَا فَإِنْ انْتَهَى وَإِلَّا عُزِّرَ وإذا قَذَفَهَا غَيْرُ الزَّوْجِ الذي لَاعَنَهَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ وإذا قال رَجُلٌ لِابْنِ مُلَاعَنَةٍ لَسْت بن فُلَانٍ أُحْلِفَ ما أَرَادَ قَذْفَ أُمِّهِ وَلَا حَدَّ عليه لِأَنَّا قد حَكَمْنَا أَنَّهُ ليس ابْنَهُ وَلَوْ أَرَادَ قَذْفَ أُمِّهِ حَدَدْنَاهُ وَلَوْ قال بعد ما يُقِرُّ الذي نَفَاهُ أَنَّهُ ابْنُهُ أو يُكَذِّبُ نَفْسَهُ لَسْت بن فُلَانٍ كان قَاذِفًا لِأُمِّهِ فَإِنْ طَلَبَتْ الْحَدَّ حُدَّ لها إنْ كانت حُرَّةً مُسْلِمَةً وَإِنْ كانت كَافِرَةً أو أَمَةً عُزِّرَ وإذا قَذَفَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فقال انت أَمَةٌ أو كَافِرَةٌ فَعَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ أنها حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ إنْ لم تَكُنْ بَيِّنَةٌ لِأَنَّهُ يُؤْخَذُ منه الْحَدُّ وَلَوْ ادَّعَى الْأَبُ الْوَلَدَ فَطَلَبَتْ الْمَرْأَةُ حَدَّهَا حُدَّ لها وَلَزِمَهُ الولد وَإِنْ لم تَطْلُبْهُ لَزِمَهُ الْوَلَدُ وَلَا يُحَدُّ وَمَتَى طَلَبَتْهُ حُدَّ لها وَلَوْ قَذَفَهَا قيل ( ( ( قبل ) ) ) الْحَدِّ ثُمَّ طَلَبَتْ منه الْحَدَّ حُدَّ لها حَدًّا وَاحِدًا لِأَنَّ اللِّعَانَ بَطَلَ وَصَارَ مُفْتَرِيًا عليها مَرَّتَيْنِ فَأَمَّا الْأَجْنَبِيُّ فَيُحَدُّ لها قبل اعْتِرَافِ الْأَبِ بِالْوَلَدِ وَبَعْدَهُ وَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ على الْأَبِ أَنَّهُ أَكْذَبَ نَفْسَهُ في اللِّعَانِ أو أَقَرَّ بِالْوَلَدِ لَزِمَهُ وَإِنْ جَحَدَ وَحُدَّ إنْ طَلَبَتْ الْحَدَّ وَلَوْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً أَنَّهُ قَذَفَهَا وَأَكْذَبَ نَفْسَهُ حُدَّ ولم يَلْتَعِنْ إذَا طَلَبَتْ وَإِنْ جَحَدَ ذلك كُلَّهُ وَلَوْ قال رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ يا زَانِيَةُ ثُمَّ قال عَنَيْت زَنَأْت في الْجَبَلِ حُدَّ أو لَاعَنَ لِأَنَّ هذا ظَاهِرُ التَّزْنِيَةِ وَلَوْ وَصَلَ الْكَلَامَ فقال يا زَانِيَةُ في الْجَبَلِ أُحْلِفَ ما أَرَادَ إلَّا الرُّقِيَّ في الْجَبَلِ وَلَا حَدَّ فَإِنْ لم يَحْلِفْ حُدَّ لها إذَا حَلَفَتْ لقد أَرَادَ الْقَذْفَ وَلَوْ قال لها يا فَاجِرَةُ أو يا خَبِيثَةُ أو يا جَرِيَّةُ أو يا غَلِمَةُ أو يا رَدِيَّةُ أو يا فَاسِقَةُ وقال لم أُرِدْ الزنى أُحَلِّفُهُ ما أَرَادَ تَزْنِيَتَهَا وَعُزِّرَ في أَذَاهَا وَلَوْ قال لها يا غَلِمَةُ أو يا شَبِقَةُ أو ما أَشْبَهَ هذا لم يَكُنْ في شَيْءٍ من هذا قَذْفٌ وَكَذَلِكَ لو قال لها أَنْتِ تُحِبِّينَ الْجِمَاعَ أو تُحِبِّينَ الظُّلْمَةَ أو تُحِبِّينَ الْخَلَوَاتِ فَعَلَيْهِ في هذا كُلِّهِ إنْ طَلَبَتْ الْيَمِينَ يَمِينُهُ - * الشَّهَادَةُ في اللِّعَانِ - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا جاز ( ( ( جاء ) ) ) الزَّوْجُ وَثَلَاثَةٌ يَشْهَدُونَ على امْرَأَتِهِ مَعًا بالزنى لَاعَنَ الرَّجُلُ فَإِنْ لم يَلْتَعِنْ حُدَّ لِأَنَّ حُكْمَ الزَّوْجِ غَيْرُ حُكْمِ الشُّهُودِ وَالشُّهُودُ لَا يُلَاعِنُونَ بِحَالٍ وَيَكُونُونَ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُفْتِينَ قَذَفَةً يُحَدُّونَ إذَا لم يُتِمُّوا أَرْبَعَةً وَالزَّوْجُ مُنْفَرِدًا يُلَاعِنُ وَلَا يُحَدُّ قال وإذا زَعَمَ الزَّوْجُ أَنَّهُ رَآهَا تَزْنِي فَبَيَّنَ أنها قد وَتَرَتْهُ في نَفْسِهِ بِأَعْظَمَ من أَنْ تَأْخُذَ أَكْثَرَ مَالِهِ أو تَشْتُمَ عِرْضَهُ أو تَنَالَهُ بِشَدِيدِ ضَرْبٍ من أَجْلِ ما يَبْقَى عليه من الْعَارِ في نَفْسِهِ بِزِنَاهَا عِنْدَهُ على وَلَدِهِ فَلَا عَدَاوَةَ تَصِيرُ إلَيْهِمَا فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَكْثَرُ من هذا تَكَادُ تَبْلُغُ هذا وَنَحْنُ لَا نُجِيزُ شَهَادَةَ عَدُوٍّ على عَدُوِّهِ وَالْأَجْنَبِيُّ يَشْهَدُ عليها ليس مِمَّا وَصَفْت بِسَبِيلٍ وَسَوَاءٌ قَذَفَ الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ أو جاء شَاهِدًا عليها بالزنى هو بِكُلِّ حَالٍ قَاذِفٌ فَإِنْ جاء بِأَرْبَعَةٍ يَشْهَدُونَ على الْمَرْأَةِ بالزنى حُدَّتْ ولم يُلَاعِنْ إلَّا أَنْ ينفى وَلَدًا لها بِذَلِكَ الزنى فَيُحَدَّ أو يَلْتَعِنَ فَيَنْفِيَ الْوَلَدَ وَإِنْ قَذَفَهَا وَانْتَفَى من حَمْلِهَا وَجَاءَ بِأَرْبَعَةٍ يَشْهَدُونَ عليها بالزنى لم يُلَاعِنْ حتى تَلِدَ فَيَلْتَعِنَ إنْ أَرَادَ نَفْيَ الْوَلَدِ فَإِنْ لم يَلْتَعِنْ لم ننفه ( ( ( تنفه ) ) ) عنه ولم تُحَدَّ حتى تَلِدَ ثم ( ( ( وتحد ) ) ) تحد بَعْدَ الْوِلَادَةِ وَلَوْ جاء بِشَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ على إقْرَارِهَا بالزنى وَهِيَ تَجْحَدُ فَلَا حَدَّ عليها وَلَا عليه وَلَا لِعَانَ وَلَوْ كان الشَّاهِدَانِ ابْنَيْهِ منها أو من غَيْرِهَا لم تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ وَلَوْ كان الشَّاهِدَانِ ابْنَيْهَا من غَيْرِهِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا عليها لِأَنَّهُمَا يُبْطِلَانِ عنه حَدَّهَا وَلَا يَثْبُت

(5/296)


عليها بِالِاعْتِرَافِ شَيْءٌ من الْحَدِّ إلَّا أَنْ تَشَاءَ هِيَ أَنْ يَثْبُتَ عليها فَتُحَدَّ وإذا قَذَفَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ جاء بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ مُتَفَرِّقِينَ يَشْهَدُونَ عليها بالزنى سَقَطَ عنه الْحَدُّ وَحُدَّتْ وَإِنْ كان نَفَى مع ذلك وَلَدًا لم يُنْفَ عنه حتى يَلْتَعِنَ هو وَلَوْ شَهِدَ ابْنَا الْمَرْأَةِ على أَبِيهِمَا أَنَّهُ قَذَفَ أُمَّهُمَا وَالْأَبُ يَجْحَدُ وَالْأُمُّ تَدَّعِي فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ لِأُمِّهِمَا وَكَذَلِكَ لو شَهِدَ أَبُوهَا وَابْنُهَا أو شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ في غَيْرِ الْأَمْوَالِ وما لَا يَرَاهُ الرِّجَالُ وَلَوْ شَهِدَ لِامْرَأَةٍ ابْنَانِ لها على زَوْجٍ لها غَيْرِ ابيهما أَنَّهُ قَذَفَهَا أو على أَجْنَبِيٍّ أَنَّهُ قَذَفَهَا لم تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا لِأُمِّهِمَا وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ على رَجُلٍ أَنَّهُ قَذَفَ امْرَأَتَهُ بالزنى يوم الْخَمِيسِ وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّ الزَّوْجَ أَقَرَّ أَنَّهُ قَذَفَهَا بالزنى يوم الْخَمِيسِ وهو يَجْحَدُ لم يَكُنْ عليه حَدٌّ وَلَا لِعَانٌ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْقَذْفِ غَيْرُ قَوْلِ الْقَذْفِ وَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ أَنَّهُ قَذَفَهَا بالزنى يوم الْخَمِيسِ وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ قَذَفَهَا بالزنى يوم الْجُمُعَةِ لم تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّهُ قَذَفَ امْرَأَتَهُ بالزنى وَالْآخَرُ أَنَّهُ قال لِابْنِهَا منه يا وَلَدَ الزنى لم تَجُزْ الشَّهَادَةُ فإذا لم تَجُزْ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ وَإِنْ طَلَبَتْ أَنْ يَحْلِفَ لها أُحْلِفَ بِاَللَّهِ ما قذفه ( ( ( قذفها ) ) ) فَإِنْ حَلَفَ بريء وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ لقد قَذَفَهَا ثُمَّ قِيلَ له إنْ الْتَعَنْت وَإِلَّا حُدِدْت وَكَذَلِكَ لو ادَّعَتْ عليه الْقَذْفَ ولم تُقِمْ عليه شَاهِدًا حَلَفَ وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّهُ قَذَفَهَا بِالْفَارِسِيَّةِ وَآخَرُ أَنَّهُ قَذَفَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ في مَقَامٍ وَاحِدٍ أو مَقَامَيْنِ فَسَوَاءٌ لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ من هذا كَلَامٌ غَيْرُ الْكَلَامِ الْآخَرِ وَلَوْ شَهِدَ عليه شَاهِدٌ أَنَّهُ قال لها زَنَى بِك فُلَانٌ وَآخَرُ أَنَّهُ قال لها زَنَى بِك فُلَانٌ رَجُلٌ آخَرُ لم تَجُزْ الشَّهَادَةُ لِأَنَّ هَذَيْنِ قَذْفَانِ مُفْتَرِقَانِ بِتَسْمِيَةِ رَجُلَيْنِ مُفْتَرِقَيْنِ وَلَوْ قَذَفَهَا بِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَجَاءَتْ تَطْلُبُ الْحَدَّ وَجَاءَ الرَّجُلُ يَطْلُبُ الْحَدَّ قِيلَ له إنْ الْتَعَنْت فَلَا حَدَّ لِلرَّجُلِ وَإِنْ لم تَلْتَعِنْ حُدِدْت لَهُمَا حَدًّا وَاحِدًا لِأَنَّهُ قَذْفٌ وَاحِدٌ وَإِنْ جاء الرَّجُلُ يَطْلُبُ الْحَدَّ قبل الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةُ مَيِّتَةٌ أو حَيَّةٌ الْتَعَنَ وَبَطَلَ عنه الْحَدُّ فَإِنْ لم يَلْتَعِنْ حُدَّ وَكَذَلِكَ إنْ كانت الْمَرْأَةُ حَيَّةً ولم تَطْلُبْ الْحَدَّ أو مَيِّتَةً ولم يَطْلُبْ ذلك وَرَثَتُهَا قِيلَ له إنْ شِئْت الْتَعَنْت فَدَرَأْت حَدَّ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ وَإِنْ شِئْت لم تَلْتَعِنْ فَحُدِدْت لِأَيِّهِمَا طَلَبَ فَإِنْ جاء الْآخَرُ فَطَلَبَ حَدَّهُ لم يَكُنْ له لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْوَاحِدِ إذَا كان لِعَانٌ وَاحِدٌ وإذا شَهِدَ عليه شَاهِدَانِ أَنَّهُ قَذَفَ أُمَّهُمَا وَامْرَأَتَهُ في كَلِمَتَيْنِ مُتَفَرِّقَتَيْنِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا لِغَيْرِ أُمِّهِمَا وَبَطَلَتْ لِأُمِّهِمَا وَسَوَاءٌ كانت الْمَقْذُوفَةُ مع أُمِّهِمَا امْرَأَةَ الْقَاذِفِ وَأُمُّهُمَا امْرَأَتَهُ أو لم يَكُونَا أو كانت إحْدَاهُمَا ولم تَكُنْ الْأُخْرَى وإذا شَهِدَ شَاهِدَانِ على زَوْجٍ بِقَذْفٍ حُبِسَ حتى يَعْدِلَا فَيُحَدَّ أو يَلْتَعِنَ وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدٌ فَشَاءَتْ أَنْ يَحْلِفَ أُحْلِفَ وَإِنْ لم تَشَأْ لم يُحْبَسْ شاهد ( ( ( بشاهد ) ) ) وَاحِدٍ وَلَا يُقْبَلُ في رَجُلٍ في حَدٍّ وَلَا لِعَانٍ وإذا شَهِدَ ابْنَا الرَّجُلِ على أَبِيهِمَا وَأُمُّهُمَا امْرَأَةُ أَبِيهِمَا أَنَّهُ قَذَفَ امْرَأَةً له غير أُمِّهِمَا جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّهُمَا شَاهِدَانِ عليه بِحَدٍّ وَلِلْأَبِ أَنْ يَلْتَعِنَ وَلَيْسَ ذلك عليه فَالْتِعَانُهُ إحْدَاثُ طَلَاقٍ ولم يَشْهَدَا عليه بِطَلَاقٍ وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَةً له غير أُمِّهِمَا فَقَدْ قِيلَ تُرَدُّ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّ أُمَّهُمَا تَنْفَرِدُ بِأَبِيهِمَا وما هذا عِنْدِي يبين ( ( ( ببين ) ) ) لِأَنَّ لِأَبِيهِمَا أَنْ يَنْكِحَ غَيْرَهَا وَلَا أَعْلَمُ في هذا جَرَّ مَنْفَعَةٍ إلَى أُمِّهِمَا بِشَهَادَتِهِمَا وَكُلُّ من قُلْت تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فَلَا تَجُوزُ حتى يَكُونَ عَدْلًا وَلَوْ أَنَّ شَاهِدَيْنِ شَهِدَا على رَجُلٍ بِقَذْفِ امْرَأَتِهِ أو غَيْرِهَا ثُمَّ مَاتَا مَضَى عليه الْحَدُّ أو اللِّعَانُ وَكَذَلِكَ لو عَمِيَا وَلَوْ تَغَيَّرَتْ حَالَاهُمَا حتى يَصِيرَا مِمَّنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا بِفِسْقٍ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ حتى يَكُونَا يوم يَكُونُ الْحُكْمُ بِالْحَدِّ وَاللِّعَانِ غير مَجْرُوحَيْنِ في أَنْفُسِهِمَا ( قال ) وَتُقْبَلُ الْوَكَالَةُ في تَثْبِيتِ الْبَيِّنَةِ على الْحُدُودِ فإذا أَرَادَ الْقَاضِي يُقِيمَ الْحَدَّ أو يَأْخُذَ اللِّعَانَ أَحْضَرَ الْمَأْخُوذَ لها الْحَدُّ وَاللِّعَانُ إنْ كانت حَيَّةً حَاضِرَةً وإذا شَهِدَ شَاهِدَانِ على قَذْفٍ وَهُمَا صَغِيرَانِ أو عَبْدَانِ أو كَافِرَانِ فَأَبْطَلْنَا شَهَادَتَهُمَا ثُمَّ بَلَغَ الصَّغِيرَانِ وَعَتَقَ الْعَبْدَانِ وَأَسْلَمَ الْكَافِرَانِ فَأَقَامَتْ الْمَرْأَةُ
____________________

(5/297)


الْبَيِّنَةَ بِالْقَذْفِ أَجَزْنَا شَهَادَتَهُمْ لِأَنَّا ليس إنَّمَا رَدَدْنَاهَا بِأَنْ لم يَكُونُوا شُهُودًا عُدُولًا في تِلْكَ الْحَالِ وَسَوَاءٌ كَانُوا عُدُولًا أو لم يَكُونُوا عُدُولًا وَلَوْ كان شَهِدَ على ذلك حُرَّانِ مُسْلِمَانِ مَجْرُوحَانِ في أَنْفُسِهِمَا فَأُبْطِلَتْ شَهَادَتُهُمَا ثُمَّ عَدَلَا وَطَلَبَتْ الْمَرْأَةُ حَدَّهَا لم يَكُنْ لها من قِبَلِ أَنَّا حَكَمْنَا على هَذَيْنِ بِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا بَاطِلَةٌ وَمِثْلُهُمَا في تِلْكَ الْحَالِ قد يَكُونُ شَاهِدًا لو كان عَدْلًا غير عَدُوٍّ وَلَوْ شَهِدَ هَؤُلَاءِ على رُؤْيَةٍ أو سَمَاعٍ يُثْبِتُ حَقًّا لِأَحَدٍ أو عليه في تِلْكَ الْحَالِ التي لَا يَجُوزُ فيها شَهَادَتُهُمْ وَأَقَامُوا الشَّهَادَةَ عليه في الْحَالِ التي يَجُوزُ فيها شَهَادَتُهُمْ أَجَزْتهَا وَكَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ عَدُوَّانِ لِرَجُلٍ أو فَاسِقَانِ سَمِعَا رَجُلًا يَقْذِفُ امْرَأَةً فلم تَطْلُبْ ذلك الْمَرْأَةُ أو طَلَبَتْهُ فلم يَشْهَدَا حتى ذَهَبَتْ عَدَاوَتُهُمَا لِلرَّجُلِ أو عَدَلَا جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّهُ لم يُحْكَمْ بِرَدِّ شَهَادَتِهِمَا حتى يَشْهَدَا وَكَذَلِكَ الْعَبِيدُ يَسْمَعُونَ وَالصِّبْيَانُ وَالْكُفَّارُ ثُمَّ لَا يُقِيمُونَ الشَّهَادَةَ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَبْلُغَ الصِّبْيَانُ أو يُعْتَقَ الْعَبِيدُ وَيُسْلِمَ الْكُفَّارُ فإذا قَذَفَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَأَقَرَّ أو أَقَامَتْ عليه بَيِّنَةً فَجَاءَ بِشَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ على إقْرَارِهَا بالزنى فَلَا حَدَّ عليه وَلَا لِعَانَ وَلَا عليها وَلَا يُقَامُ عليها حَدٌّ بِأَحَدٍ شهد ( ( ( يشهد ) ) ) عليها بِإِقْرَارٍ وَإِنْ كَانُوا أَرْبَعَةً حتى تُقِرَّ هِيَ وَتَثْبُتَ على الْإِقْرَارِ حتى يُقَامَ عليها الْحَدُّ وَلَوْ جاء بِشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ يَشْهَدُونَ على إقْرَارِهَا بالزنى فَلَا حَدَّ عليها وَلَا يَدْرَأُ عنه الْحَدَّ لِأَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ لَا تَجُوزُ في هذا وَيُحَدُّ أو يُلَاعِنُ وَكَذَلِكَ لو شَهِدَ عليها ابْنَاهَا منه بِالْإِقْرَارِ بالزنى كانت شَهَادَتُهُمَا لِأَبِيهِمَا بَاطِلًا وَحُدَّ أو لَاعَنَ وَلَوْ عَفَتْ امْرَأَتُهُ عن الْقَذْفِ أو أَجْنَبِيَّةٌ ثُمَّ أَرَادَتْ الْقِيَامَ بِهِ عليه بَعْدَ الْعَفْوِ لم يَكُنْ لها وَلَوْ أَقَرَّتْ بالزنى فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ على الزَّوْجِ وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ على رَجُلٍ قد ادَّعَيَا عليه أَنَّهُ قَذَفَهُمَا ثُمَّ شَهِدَا أَنَّهُ قَذَفَ امْرَأَتَهُ أو قَذَفَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ قَذَفَهُمَا لم أُجِزْ شَهَادَتَهُمَا لِلْمَرْأَةِ لِأَنَّ دَعْوَاهُمَا عليه الْقَذْفَ عَدَاوَةٌ وَخُصُومَةٌ وَلَوْ عَفَوَا الْقَذْفَ لم أُجِزْ شَهَادَتَهُمَا عليه لِامْرَأَتِهِ إلَّا أَنْ لَا يَشْهَدَا عليه إلَّا بَعْدَ عَفْوِهِمَا عنه وَبَعْدَ ان يُرَى ما بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا حَسَنٌ لَا يُشْبِهُ الْعَدَاوَةَ فَأُجِيزُ شَهَادَتَهُمَا لِامْرَأَتِهِ لِأَنِّي قد اخْتَبَرْت صُلْحَهُ وَصُلْحَهُمَا بَعْدَ الْكَلَامِ الذي كان عَدَاوَةً وَلَيْسَا له بِخَصْمَيْنِ وَلَا يُجْرَحَانِ بِعَدَاوَةٍ وَلَا خُصُومَةٍ وإذا أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ بالزنى مَرَّةً فَلَا حَدَّ على من قَذْفِهَا وإذا شَهِدَ شَاهِدَانِ على رَجُلٍ أَنَّهُ قَذَفَ امْرَأَتَهُ فَأَقَامَ الزَّوْجُ شَاهِدَيْنِ أنها كانت أَمَةً أو ذِمِّيَّةً يوم وَقَعَ الْقَذْفُ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ وَيُعَزَّرُ إلَّا أَنْ يَلْتَعِنَ وَلَوْ كان شَاهِدَا الْمَرْأَةِ شَهِدَا أنها كانت يوم قَذَفَهَا حُرَّةً مُسْلِمَةً لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ من الْبَيِّنَتَيْنِ تُكَذِّبُ الْأُخْرَى في أَنَّ لها الْحَدَّ فَلَا يُحَدُّ وَيُعَزَّرُ إلَّا أَنْ يَلْتَعِنَ وَلَوْ لم يُقِمْ بَيِّنَةً وَشَهِدَ شَاهِدَاهَا على الْقَذْفِ ولم يَقُولَا كانت حُرَّةً يوم قُذِفَتْ وَلَا مُسْلِمَةً وَهِيَ حين طَلَبَتْ حُرَّةً مُسْلِمَةً فقال الزَّوْجُ كانت يوم قَذَفْتهَا أَمَةً أو كَافِرَةً كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَدَرَأَتْ الْحَدَّ عنه حتى تُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أنها كانت حُرَّةً مُسْلِمَةً فَإِنْ كانت حُرَّةَ الْأَصْلِ او مُسْلِمَةَ الْأَصْلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَعَلَيْهِ الْحَدُّ أو اللِّعَانُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ على أنها كانت مُرْتَدَّةً يوم قَذَفَهَا (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذ ( ( ( وإذا ) ) ) قَذَفَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَادَّعَى بَيِّنَةً على أنها زَانِيَةٌ أو مُقِرَّةٌ بالزنى وَسَأَلَ الْأَجَلَ لم يُؤَجَّلْ في ذلك أَكْثَرَ من يَوْمٍ أو يَوْمَيْنِ فَإِنْ لم يَأْتِ بِبَيِّنَةٍ حُدَّ أو لَاعَنَ وإذا قَذَفَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَرَافَعَتْهُ وَهِيَ بَالِغَةٌ فقال قَذَفْتُك وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَعَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ قَذَفَهَا كَبِيرَةً وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَذَفَهَا وَهِيَ صَغِيرَةٌ وَأَقَامَتْ هِيَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَذَفَهَا كَبِيرَةً لم يَكُنْ هذا اخْتِلَافًا في الْبَيِّنَةِ وكان هَذَانِ قَذْفَيْنِ قذف ( ( ( قذفا ) ) ) في الصِّغَرِ وقذف ( ( ( وقذفا ) ) ) في الْكِبَرِ وَعَلَيْهِ الْحَدُّ إلَّا أَنْ يُلَاعِنَ وَلَوْ اتَّفَقَ الشُّهُودُ على يَوْمٍ وَاحِدٍ فقال شُهُودُ الْمَرْأَةِ كانت حُرَّةً مُسْلِمَةً بَالِغَةً وَشُهُودُ الرَّجُلِ كانت صَبِيَّةً أو غير مُسْلِمَةٍ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ من الْبَيِّنَتَيْنِ تُكَذِّبُ الْأُخْرَى وَلَوْ أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ بَيِّنَةً أَنَّ الزَّوْجَ أَقَرَّ بِوَلَدِهَا لم يَكُنْ له أَنْ يَنْفِيَهُ فَإِنْ فَعَلَ وَقَذَفَهَا فَمَتَى أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ زَوْجَهَا قَذَفَهَا بَعْدُ أو أَقَرَّ أُخِذَ لها بِحَدِّهَا إلَّا أَنْ يُلَاعِنَ فَارَقَهَا أو لم يُفَارِقْهَا وَلَوْ فَارَقَهَا وَكَانَتْ عِنْدَ زَوْجٍ غَيْرِهِ فَطَلَبَتْ حَدَّهَا حُدَّ لها إلَّا أَنْ يَلْتَعِنَ
أخبرنا الرَّبِيعُ قا

(5/298)


الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ الرَّجُلُ يقول لِامْرَأَتِهِ يا زَانِيَةُ وهو يقول لم أَرَ ذلك عليها او عن غَيْرِ حَمْلٍ قال يُلَاعِنُهَا (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) من حَلَفَ بِاَللَّهِ أو بِاسْمٍ من أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إذَا حَنِثَ وَمَنْ حَلَفَ بِشَيْءٍ غير اللَّهِ فَلَيْسَ بِحَالِفٍ وَلَا كَفَّارَةَ عليه إذَا حَنِثَ وَالْمُولِي من حَلَفَ بِاَلَّذِي يَلْزَمُهُ بِهِ كَفَّارَةٌ وَمَنْ أَوْجَبَ على نَفْسِهِ شيئا يَجِبُ عليه إذَا أَوْجَبَهُ فَأَوْجَبَهُ على نَفْسِهِ إنْ جَامَعَ امْرَأَتَهُ فَهُوَ في مَعْنَى الْمُولِي لِأَنَّهُ لم يَعُدْ إنْ كان مَمْنُوعًا من الْجِمَاعِ إلَّا بِشَيْءٍ يَلْزَمُهُ ما أَلْزَمَ نَفْسَهُ مِمَّا لم يَكُنْ يَلْزَمُهُ قبل إيجَابِهِ أو كَفَّارَةِ يَمِينٍ وَمَنْ أَوْجَبَ على نَفْسِهِ شيئا لَا يَجِبُ عليه ما أَوْجَبَ وَلَا بَدَلٌ منه فَلَيْسَ بِمُولٍ وهو خَارِجٌ من الْإِيلَاء

(5/299)


3 بسم الله الرحمن الرحيم (1) * - * أَصْلُ تَحْرِيمِ الْقَتْلِ من الْقُرْآنِ - *
أخبرنا الرَّبِيعُ قال + ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ التي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ } الْآيَةَ وقال اللَّهُ عز وجل { وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ التي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا } الْآيَةَ وقال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَاَلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مع اللَّهِ إلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ التي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ } وقال { أَنَّهُ من قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أو فَسَادٍ في الْأَرْضِ } الْآيَةَ وقال اللَّهُ عز وجل { وَاتْلُ عليهم نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ من أَحَدِهِمَا ولم يُتَقَبَّلْ من الْآخَرِ } إلَى { فَأَصْبَحَ من النَّادِمِينَ } وقال عز وجل { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فيها } الْآيَةَ - * قَتْلُ الْوِلْدَانِ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ قال اللَّهُ عز وجل لِنَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم { قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شيئا وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ من إمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ ما ظَهَرَ منها وما بَطَنَ } الْآيَةَ وقال جَلَّ ثَنَاؤُهُ { وإذا الموؤودة ( ( ( الموءودة ) ) ) سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ } وقال { وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرِ من الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) كان بَعْضُ الْعَرَبِ تَقْتُلُ الْإِنَاثَ من وَلَدِهَا صِغَارًا خَوْفَ الْعَيْلَةِ عليهم وَالْعَارِ بِهِمْ فلما نهى اللَّهُ عز ذِكْرُهُ عن ذلك من أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ دَلَّ على تَثْبِيتِ النَّهْيِ عن قَتْلِ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ في دَارِ الْحَرْبِ وَكَذَلِكَ دَلَّتْ عليه السُّنَّةُ مع ما دَلَّ عليه الْكِتَابُ من تَحْرِيمِ الْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ قال اللَّهُ عز وجل { قد خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ } الْآيَةَ
( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن أبي مُعَاوِيَةَ عَمْرٍو النَّخَعِيِّ قال سمعت أَبَا عَمْرٍو الشَّيْبَانِيَّ يقول سمعت بن مَسْعُودٍ يقول سَأَلْتُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَيُّ الْكَبَائِرِ أَكْبَرُ فقال أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وهو خَلَقَك قلت ثُمَّ أَيُّ قال أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَك من أَجْلِ أَنْ يَأْكُلَ مَعَك - * تَحْرِيمُ الْقَتْلِ من السُّنَّةِ - *
أخبرنا الثِّقَةُ عن حَمَّادٍ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن ابي أُمَامَةَ بن سَهْلِ بن حُنَيْفٍ عن عُثْمَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا يَحِلُّ قَتْلُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ كُفْرٌ بَعْدَ إيمَانٍ أو زِنًا بَعْدَ إحْصَانٍ أو قَتْلُ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَاَلَّذِي يَحِلُّ أَنْ يَعْمِدَ مُسْلِمٌ بِالْقَتْلِ ثَلَاثٌ كفرت ( ( ( كفر ) ) ) ثَبَتَ عليه بَعْدَ إيمَانِهِ أو زِنًا بَعْدَ إحْصَانِهِ أو قَتْلُ نَفْسٍ عَمْدًا بِغَيْرِ حَقٍّ وَهَذَا مَوْضُوعٌ في مَوَاضِعِهِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا عبد الْعَزِيزِ بن مُحَمَّدٍ
____________________
1- * كِتَابُ جِرَاحِ الْعَمْدِ

(6/3)


عن مُحَمَّدِ بن عَمْرٍو عن أبي سَلَمَةَ عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا أَزَالُ أُقَاتِلُ الناس حتى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فإذا قَالُوهَا فَقَدْ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ على اللَّهِ أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا يحيى بن حَسَّانَ عن اللَّيْثِ بن سَعْدٍ عن بن شِهَابٍ عن عَطَاءِ بن يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عن عبد اللَّهِ بن عَدِيِّ بن الْخِيَارِ عن الْمِقْدَادِ أَنَّهُ أخبره أَنَّهُ قال يا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إنْ لَقِيتُ رَجُلًا من الْكُفَّارِ فَقَاتَلَنِي فَضَرَبَ إحْدَى يَدَيَّ بِالسَّيْفِ فَقَطَعَهَا ثُمَّ لَاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ فقال أَسْلَمْتُ لِلَّهِ أَفَأَقْتُلُهُ يا رَسُولَ اللَّهِ بَعْدَ أَنْ قَالَهَا فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا تَقْتُلْهُ فقلت يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ قَطَعَ يَدِيَ ثُمَّ قال ذلك بَعْدَ أَنْ قَطَعَهَا أَفَأَقْتُلُهُ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا تَقْتُلْهُ فَإِنْ قَتَلْته فإنه بِمَنْزِلَتِكَ قبل أَنْ تَقْتُلَهُ وَإِنَّك بِمَنْزِلَتِهِ قبل أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ التي قال ( قال الرَّبِيعُ ) مَعْنَى قَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَإِنَّكَ إنْ قَتَلْته فإنه بِمَنْزِلَتِكَ يُرِيدُ أَنَّهُ حَرَامُ الدَّمِ قبل أَنْ تَقْتُلَهُ وَإِنَّك بِمَنْزِلَتِهِ مُبَاحُ الدَّمِ يُرِيدُ بِقَتْلِهِ قبل أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ التي قال إذْ كان مُبَاحَ الدَّمِ قبل أَنْ يَقُولَهَا لَا أَنْ يَكُونَ كَافِرًا مثله
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن أَيُّوبَ عن أبي قِلَابَةَ عن ثَابِتِ بن الضَّحَّاكِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ من الدُّنْيَا عُذِّبَ بِهِ يوم الْقِيَامَةِ
أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ بِإِسْنَادٍ لَا يَحْضُرُنِي ذِكْرُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مَرَّ بِقَتِيلٍ فقال من بِهِ فلم يُذْكَرُ له أَحَدٌ فَغَضِبَ ثُمَّ قال وَاَلَّذِي نَفْسِي بيده لو اشْتَرَكَ فيه أَهْلُ السَّمَاءِ وَأَهْلُ الْأَرْضِ ( 1 ) لَأَكَبَّهُمْ اللَّهُ في النَّارِ
وَأَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ لَا أَحْفَظُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال قَتْلُ الْمُؤْمِنِ يَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ زَوَالَ الدُّنْيَا
أخبرنا الثِّقَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من أَعَانَ على قَتْلِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ لَقِيَ اللَّهَ مَكْتُوبًا بين عَيْنَيْهِ آيِسٌ من رَحْمَةِ اللَّهِ مع التَّشْدِيدِ في الْقَتْلِ - * جِمَاعُ إيجَابِ الْقِصَاصِ في الْعَمْدِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ { وَمَنْ قَتَلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ في الْقَتْلِ } (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { فَلَا يُسْرِفْ في الْقَتْلِ } لَا يَقْتُلُ غير قَاتِلِهِ وَهَذَا يُشْبِهُ ما قِيلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قال اللَّهُ عز وجل { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ في الْقَتْلَى } فَالْقِصَاصُ إنَّمَا يَكُونُ مِمَّنْ فَعَلَ ما فيه الْقِصَاصُ لَا مِمَّنْ لم يَفْعَلْهُ فَأَحْكَمَ اللَّهُ عز ذِكْرُهُ فَرْضَ الْقِصَاصِ في كِتَابِهِ وَأَبَانَتْ السُّنَّةُ لِمَنْ هو وَعَلَى من هو
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدٍ عن جَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ عن أبيه عن جَدِّهِ قال وُجِدَ في قَائِمِ سَيْفِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كِتَابٌ إنَّ أَعْدَى الناس على اللَّهِ الْقَاتِلُ غير قَاتِلِهِ وَالضَّارِبُ غير ضَارِبِهِ وَمَنْ تَوَلَّى غير مَوَالِيهِ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ على مُحَمَّدٍ صلى اللَّهُ عليه وسلم
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن مُحَمَّدِ بن إِسْحَاقَ قال قلت لِأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه ما كان في الصَّحِيفَةِ التي كانت في قِرَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال كان فيها لَعَنَ اللَّهُ الْقَاتِلَ غير قَاتِلِهِ وَالضَّارِبَ غير ضَارِبِهِ وَمَنْ تَوَلَّى غير وَلِيِّ نِعْمَتِهِ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ على مُحَمَّدٍ صلى اللَّهُ عليه وسلم
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن بن أبي لَيْلَى عن الْحَكَمِ أو عن عِيسَى بن أبي لَيْلَى قال قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من اعْتَبَطَ مُؤْمِنًا بِقَتْلٍ فَهُوَ قَوَدٌ بِهِ إلَّا أَنْ يَرْضَى وَلِيُّ الْمَقْتُولِ فَمَنْ حَالَ دُونَهُ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَغَضَبُهُ لَا يُقْبَلُ منه صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ
أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عبد الْمَلِكِ بن سَعِيدِ بن أَبْجَر

(6/4)


عن أياد بن لَقِيطٍ عن أبي رِمْثَةَ قال دَخَلْتُ مع أبي على رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَرَأَى أبي الذي بِظَهْرِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال دَعْنِي أُعَالِجُ هذا الذي بِظَهْرِك فَإِنِّي طَبِيبٌ فقال أنت رَفِيقٌ وقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من هذا مَعَكَ فقال ابْنِي أَشْهَدُ بِهِ فقال أَمَا إنَّهُ لَا يَجْنِي عَلَيْكَ وَلَا تَجْنِي عليه - * من عليه الْقِصَاصُ في الْقَتْلِ وما دُونَهُ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَقَرَّ الرَّجُلُ الْبَالِغُ وهو غَيْرُ مَحْجُورٍ عليه بَالِغٌ يَجُوزُ إقْرَارُهُ أَنَّهُ جَنَى جِنَايَةً عَمْدًا وَوَصَفَ الْجِنَايَةَ فَأَثْبَتَهَا ثُمَّ جُنَّ أو غُلِبَ على عَقْلِهِ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ في الْعَمْدِ منها وَأَرْشُ الْخَطَأِ في مَالِهِ وَلَا يَحُولُ ذَهَابُ عَقْلِهِ دُونَ أَخْذِ الْحَقِّ منه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَقَرَّ بِحَقٍّ لِلَّهِ من زِنًا أو ارْتَدَّ ثُمَّ ذَهَبَ عَقْلُهُ لم أُقِمْ عليه حَدَّ الزنى ولم أَقْتُلْهُ بِالرِّدَّةِ لِأَنِّي أَحْتَاجُ إلَى ثُبُوتِهِ على الْإِقْرَارِ بالزنى وهو يَعْقِلُ وَكَذَلِكَ أَحْتَاجُ إلَى أَنْ أَقُولَ له وهو يَعْقِلُ إنْ لم تَرْجِعْ إلَى الْإِسْلَامِ قَتَلْتُكَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَقَرَّ وهو بَالِغٌ أَنَّهُ جَنَى على رَجُلٍ جِنَايَةً عَمْدًا وقال كُنْت يوم جَنَيْت عليه صَغِيرًا كان الْقَوْلُ قَوْلُهُ في أَنْ لَا قَوَدَ عليه وَعَلَيْهِ أَرْشُهَا في مَالِهِ خَطَأً فَإِنْ أَقَرَّ بها خَطَأً لم يَضْمَنْ الْعَاقِلَةُ ما أَقَرَّ بِهِ وَضَمِنَهُ هو في مَالِهِ وَلَوْ قال كنت يوم جَنَيْتهَا عليه ذَاهِبَ الْعَقْلِ بَالِغًا فَإِنْ كان يَعْلَمُ أَنَّهُ ذَهَبَ عَقْلُهُ قُبِلَ منه وَإِنْ لم يَعْلَمْ أُقِيدَ الْمَجْنِيُّ عليه منه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَحَيْثُ قُبِلَتْ منه فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ إنْ طَلَبَهَا الْمُدَّعِي + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ على رَجُلٍ أَنَّهُ جَنَى على رَجُلٍ جِنَايَةً عَمْدًا سَأَلْتُهُمْ أَكَانَ بَالِغًا أو صَغِيرًا فَإِنْ لم يُثْبِتُوهُ بَالِغًا وَالْمَشْهُودُ عليه يُنْكِرُ الْجِنَايَةَ أو يقول كانت وأنا صَغِيرٌ جَعَلْتُهَا جِنَايَةَ صَغِيرٍ وَجَعَلْتُ أَرْشَهَا في مَالِهِ ولم أَقُدْ منه ( قال ) وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا يُجَنُّ وَيُفِيقُ جَنَى على رَجُلٍ فقال جَنَيْتُ عليه في حَالِ جُنُونِهِ كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَلَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ عليه بِالْجِنَايَةِ ولم يُثْبِتُوا كان ذلك في حَالِ جُنُونِهِ أو إفَاقَتِهِ كان هَكَذَا وَإِنْ أَثْبَتُوا أَنَّهُ كان في حَالِ إفَاقَتِهِ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَهَكَذَا من غُلِبَ على عَقْلِهِ بِمَرَضٍ أَيَّ مَرَضٍ كان أو وَجْهٍ من الْوُجُوهِ ما كان غير السُّكْرِ وَلَوْ أَثْبَتُوا أَنَّ مَجْنُونًا جَنَى وهو سَكْرَانُ وَقَالُوا لَا نَدْرِي ذَهَابَ عَقْلِهِ من السُّكْرِ أو من الْعَارِضِ الذي بِهِ جَعَلْتُ الْقَوْلَ قَوْلَهُ وَلَوْ أَثْبَتُوا أَنَّهُ كان مُفِيقًا من الْجُنُونِ وَأَنَّ السُّكْرَ كان أَذْهَبَ عَقْلَهُ جَعَلْت عليه الْقَوَدَ وَلَوْ شَهِدَ شُهُودٌ على أَنَّهُ جَنَى مَغْلُوبًا على عَقْلِهِ وَآخَرُونَ انه جَنَى هذه الْجِنَايَةَ غير مَغْلُوبٍ على عَقْلِهِ أَلْغَيْتُ الْبَيِّنَتَيْنِ لِتَكَافُئِهِمَا وَجَعَلْت الْقَوْلَ قَوْلَهُ مع يَمِينِهِ وَلَوْ كان يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَشَهِدَ له شُهُودٌ بِأَنَّهُ جَنَى مَغْلُوبًا على عَقْلِهِ وقال هو بَلْ جَنَيْتُ وأنا أَعْقِلُ قَبِلْتُ قَوْلَهُ وَجَعَلْت عليه الْقَوَدَ - * بَابُ الْعَمْدِ الذي يَكُونُ فيه الْقِصَاصُ - *
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال جِمَاعُ الْقَتْلِ ثَلَاثَةُ وُجُوهٍ عَمْدٌ فيه قِصَاصٌ فلولى الْمَجْنِيِّ عليه عَمْدُ الْقِصَاصِ إنْ شَاءَ وَعَمْدٌ بِمَا ليس فيه قِصَاصٌ وَخَطَأٌ فَلَيْسَ في وَاحِدٍ من هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ قِصَاصٌ ( قال ) فَالْعَمْدُ في النَّفْسِ بِمَا فيه الْقِصَاصُ أَنْ يَعْمِدَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَيُصِيبَهُ بِالسِّلَاحِ الذي يُتَّخَذُ لِيَنْهَرَ الدَّمَ وَيَذْهَبَ في اللَّحْمِ وَذَلِكَ الذي يَعْقِلُ كُلُّ أَحَدٍ أَنَّهُ السِّلَاحُ الْمُتَّخَذُ لِلْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ وهو الْحَدِيدُ الْمُحَدَّدُ كَالسَّيْفِ وَالسِّكِّينِ وَالْخِنْجَرِ وَسِنَانِ الرُّمْحِ وَالْمِخْيَطِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) لَا قِصَاصَ على من لم تَجِبْ عليه الْحُدُودُ وَذَلِكَ من لم يَحْتَلِمْ من الرِّجَالِ أو تَحِضْ من النِّسَاءِ أو يَسْتَكْمِلْ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَكُلُّ مَغْلُوبٍ على عَقْلِهِ بِأَيِّ وَجْهٍ ما كانت الْغَلَبَةُ إلَّا بِالسُّكْرِ فإن الْقِصَاصَ وَالْحُدُودَ على السَّكْرَانِ كَهِيَ على الصَّحِيحِ وَكُلُّ من قُلْنَا عليه الْقِصَاصُ فَهُوَ بَالِغٌ غَيْرُ مَغْلُوبٍ على عَقْلِهِ وَالْمَغْلُوبُ على عَقْلِهِ من السُّكْرِ دُونَ غَيْرِهِ

(6/5)


وما أَشْبَهَهُ مِمَّا يُشَقُّ بِحَدِّهِ إذَا ضُرِبَ أو رُمِيَ بِهِ الْجِلْدُ وَاللَّحْمُ دُونَ ثِقْلِهِ فَيَجْرَحُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ ضَرَبَهُ بِعَرْضِ سَيْفٍ أو عَرْضِ خِنْجَرٍ أو مِخْيَطٍ فلم يَجْرَحْهُ فَمَاتَ فَلَا قَوَدَ فيه حتى يَكُونَ الْحَدِيدُ جَارِحًا أو شَادِخًا مِثْلَ الْحَجَرِ الثَّقِيلِ يَفْضَخُ بِهِ رَأْسَهُ وَعَمُودِ الْحَدِيدِ وما أَشْبَهَهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَذَلِكَ لو ضَرَبَهُ بِعَمُودِ حَدِيدٍ خَفِيفٍ لَا يَشْدَخُ مِثْلُهُ أو بِشَيْءٍ من الْحَدِيدِ لَا يَشْدَخُ وما كان لَا يَجْرَحُ أو كان خَفِيفًا لَا يَشْدَخُ وَكَذَلِكَ لو ضَرَبَهُ بِحَدِّ السَّيْفِ أو غَيْرِهِ فلم يَجْرَحْهُ وَمَاتَ فَفِيهِ الْعَقْلُ وَلَا قَوَدَ فيه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما كان من شَيْءٍ من الْحَدِيدِ أو غَيْرِهِ على عَصًا خَفِيفَةٍ شَبِيهَةٍ ( 1 ) بِالنَّصِيبِ فَضُرِبَ بِهِ الضَّرْبَةَ الْوَاحِدَةَ فَمِيتَ منه فَلَا قَوَدَ عليه لِأَنَّ هذا لَا يُتَّخَذُ لِيَنْهَرَ دَمًا وَلَا يُتَّخَذُ يُمَاتُ بِهِ وَإِنْ قُتِلَ قُتِلَ بِالثِّقْلِ لَا بِالْحَدِّ ( قال ) وَكَذَلِكَ الْمِعْرَاضُ يرمى بِهِ فَلَا يَجْرَحُ وَيُصِيبُ بِعَرْضِهِ فَيَمُوتُ أو يُصِيبُ بِنَصْلِهِ فَلَا يَجْرَحُ فَيَمُوتُ ( قال ) وَهَكَذَا لو ضَرَبَهُ بِحَجَرٍ لَا حَدَّ له خَفِيفٍ فَرَضَخَهُ فَمَاتَ فَلَا قَوَدَ وَلَوْ شَجَّهُ وَكَذَلِكَ لو ضَرَبَهُ بِسَوْطٍ فَبُضِعَ فيه أو ضَرَبَهُ أَسْوَاطًا يَرَى أَنَّ مثله لَا يَمُوتُ من مِثْلِهَا فمات فَلَا قَوَدَ وَلَوْ كان نِضْوًا فَضَرَبَهُ عَشْرَةَ أَسْوَاطٍ وَمِثْلُهُ يَمُوتُ فِيمَا يَرَى من مِثْلِهَا فَمَاتَ فَفِيهِ الْقَوَدُ وَلَوْ كان مُحْتَمِلًا فَضَرَبَهُ مِائَةً وَالْأَغْلَبُ أَنَّ مثله لَا يَمُوتُ من مِثْلِهَا فَمَاتَ فَلَا قَوَدَ وَكُلُّ حَدِيدٍ له حَدٌّ يَجْرَحُ فَجَرَحَ بِهِ جَرْحًا صَغِيرًا أو كَبِيرًا فَمَاتَ منه فَفِيهِ الْقَوَدُ لِأَنَّهُ يَجْرَحُ بِحَدِّهِ وَالْحَجَرُ يَجْرَحُ بِثِقَلِهِ وَلَوْ كان من الْمَرْوِ أو من الْحِجَارَةِ شَيْءٌ يُحَدَّدُ حتى يَمُورَ مَوْرَ الْحَدِيدِ فَجُرِحَ بِهِ فَفِيهِ الْقَوَدُ إنْ مَاتَ الْمَجْرُوحُ وَإِنْ ما جَاوَزَ هذا فَكَانَ الْأَغْلَبُ منه أَنَّ من ضُرِبَ بِهِ أو ألقى فيه أو ألقى عليه لم يَعِشْ فَضَرَبَ بِهِ رَجُلٌ رَجُلًا أو أَلْقَاهُ فيه وكان لَا يَسْتَطِيعُ الْخُرُوجَ منه أو أَلْقَاهُ عليه فَمَاتَ الرَّجُلُ فَفِيهِ الْقِصَاصُ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَضْرِبَ الرَّجُلَ بِالْخَشَبَةِ الْعَظِيمَةِ التي تَشْدَخُ رَأْسَهُ أو صَدْرَهُ فَيَشْدَخُهُ أو خَاصِرَتَهُ فَيَقْتُلُهُ مَكَانَهُ أو ما أَشْبَهَ هذا مِمَّا الْأَغْلَبُ انه لَا يُعَاشُ من مِثْلِهِ أو بِالْعَصَا الْخَفِيفَةِ فَيُتَابِعُ عليه الضَّرْبَ حتى يَبْلُغَ من عَدَدِ الضَّرْبِ ما يَكُونُ الْأَغْلَبُ أَنَّهُ لَا يُعَاشُ من مِثْلِهِ وَكَذَلِكَ السِّيَاطُ وما في هذا الْمَعْنَى وَذَلِكَ أَنْ يَضْرِبَهُ على خَاصِرَتِهِ أو في بَطْنِهِ أو على ثَدْيَيْهِ ضَرْبًا مُتَتَابِعًا أو على ظَهْرِهِ الْمِائَتَيْنِ أو الثَّلَثَمِائَةِ أو على أَلْيَتَيْهِ فإذا فَعَلَ هذا فلم يُقْلِعْ عنه إلَّا مَيِّتًا أو مُغْمًى عليه ثُمَّ مَاتَ فَفِيهِ الْقَوَدُ وفي أَنْ يُسَعِّرَ الْحُفْرَةَ حتى إذَا انجحمت أَلْقَاهُ فيها أو يُسَعِّرَ النَّارَ على وَجْهِ الْأَرْضِ ثُمَّ يُلْقِيَهُ فيها مَرْبُوطًا أو يَرْبِطَهُ لِيُغْرِقَهُ في الْمَاءِ فَإِنْ فَعَلَ هذا فَمَاتَ في مَكَانِهِ أو مَاتَ بَعْدُ من أَلَمِ ما أَصَابَهُ فَفِيهِ الْقَوَدُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا سَعَّرَ النَّارَ على وَجْهِ الْأَرْضِ فَأَلْقَاهُ فيها وهو زَمِنٌ أو صَغِيرٌ فَكَذَلِكَ وَإِنْ أَلْقَاهُ فيها صَحِيحًا فَكَانَ يُحِيطُ الْعِلْمُ أَنَّهُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَخَلَّصَ منها فَتَرَكَ التَّخَلُّصَ فَمَاتَ فَلَا قَوَدَ وَإِنْ عَالَجَ التَّخَلُّصَ فَغَلَبَهُ كَثْرَتُهَا أو الْتِهَابُهَا فَفِيهِ الْقَوَدُ وَكَذَلِكَ إنْ أُلْقِيَ فيها فلم يَزَلْ يَتَحَرَّكُ يُعَالِجُ الْخُرُوجَ فلم يَخْرُجْ حتى مَاتَ أو أُخْرِجَ وَبِهِ منها حَرْقٌ الْأَغْلَبُ أَنَّهُ لَا يُعَاشُ منه فَمَاتَ منه فَفِيهِ الْقَوَدُ وَإِنْ كان بَعْضَ هذا وهو يَقْدِرُ على التَّخَلُّصِ بِأَنْ يَكُونَ إلَى جَنْبِ أَرْضٍ لَا نَارَ عليها فَإِنَّمَا يَكْفِيهِ أَنْ يَنْقَلِبَ فَيَصِيرَ عليها أو يَقُولَ أُقِمْتُ وأنا على التَّخَلُّصِ قَادِرٌ أو ما أَشْبَهَ هذا مِمَّا عليه الدَّلَالَةُ بِأَنَّهُ يَقْدِرُ على التَّخَلُّصِ لم يَكُنْ فيه عَقْلٌ وَلَا قَوَدٌ وقد قِيلَ يَكُونُ فيه الْعَقْلُ وَإِنْ أَلْقَاهُ في مَاءٍ قَرِيبٍ من سَاحِلٍ وهو يُحْسِنُ الْعَوْمَ ولم تَغْلِبْهُ جَرْيَةُ الْمَاءِ فَمَاتَ فَلَا قَوَدَ ( 2 ) وَإِنْ كان
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وهو السِّلَاحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الذي أَمَرَ اللَّهُ عز ذِكْرُهُ أَنْ يُؤْخَذَ في صَلَاةِ الْخَوْفِ وَكَذَلِكَ كُلُّ ما كان في مَعْنَاهُ من شَيْءٍ له صَلَابَةٌ فَحُدِّدَ حتى صَارَ إذَا وُجِئَ بِهِ أو رمى بِهِ يَخْرِقُ حَدُّهُ قبل ثِقْلِهِ مِثْلُ الْعُودِ يُحَدَّدُ وَالنُّحَاسِ وَالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَغَيْرِهِ فَكُلُّ من أَصَابَ أَحَدًا بِشَيْءٍ من هذا جَرَحَهُ فَمَاتَ من الْجُرْحِ فَفِيهِ الْقِصَاصُ

(6/6)


لَا يُحْسِنُ الْعَوْمَ وَأَلْقَاهُ قَرِيبًا من نَجْوَةِ أَرْضٍ أو جَبَلٍ أو سَفِينَةٍ مُقِيمَةٍ وهو يُحْسِنُ الْعَوْمَ فَتَرَكَ التَّخَلُّصَ فَلَا قَوَدَ وَإِنْ أَلْقَاهُ في مَاءٍ لَا يُتَخَلَّصُ في الْأَغْلَبِ منه فَمَاتَ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ وَلَوْ كان الْأَغْلَبُ أَنَّهُ يَتَخَلَّص منه فَأَخَذَهُ حُوتٌ فَلَا قَوَدَ وَعَلَيْهِ الْعَقْلُ ( قال أبو مُحَمَّدٍ ) وقد قِيلَ يَتَخَلَّصُ أو لَا يَتَخَلَّصُ سَوَاءٌ أَنْ لَا قَوَدَ عليه وَعَلَيْهِ الْعَقْلُ ( قال الرَّبِيعُ ) وَأَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ أَنْ لَا عَقْلَ في النَّفْسِ وَلَا قَوَدَ لِأَنَّهُ هو الذي قَتَلَ نَفْسَهُ إذَا كان يَقْدِرُ أَنْ يَتَخَلَّصَ فَيَسْلَمَ من الْمَوْتِ فَتَرَكَ التَّخَلُّصَ وَعَلَى الطَّارِحِ أَرْشُ ما أَحْرَقَتْ النَّارُ منه أَوَّلَ ما طُرِحَ قبل أَنْ يُمْكِنَهُ التَّخَلُّصُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَجِمَاعُ هذا أَنْ يُنْظَرَ إلَى من قُتِلَ بِشَيْءٍ مِمَّا وَصَفْتُ غَيْرِ السِّلَاحِ الْمُحَدَّدِ فَإِنْ كان الْأَغْلَبُ أَنَّ من نِيلَ منه يَقْتُلُهُ وَيُقْتَلُ مِثْلُهُ في مِثْلِ سِنِّهِ وَصِحَّتِهِ وَقُوَّتِهِ أو حَالِهِ إنْ كانت مُخَالِفَةً لِذَلِكَ قَتْلًا وَحَيًّا كَقَتْلِ السِّلَاحِ أو أو حي ( ( ( أوحى ) ) ) فَفِيهِ الْقَوَدُ وَإِنْ كان الْأَغْلَبُ أَنَّ من نِيلَ منه بِمِثْلِ ما نِيلَ منه يَسْلَمُ وَلَا يَأْتِي ذلك على نَفْسِهِ فَلَا قَوَدَ فيه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَضَرْبُ الْقَلِيلِ على الْخَاصِرَةِ يَقْتُلُ في الْأَغْلَبِ وَلَا يَقْتُلُ مِثْلُهُ لو كان في ظَهْرٍ أو أَلْيَتَيْنِ أو فَخِذَيْنِ أو رِجْلَيْنِ وَالضَّرْبُ الْقَلِيلُ يَقْتُلُ النِّضْوَ الْخَلَق الضَّعِيفَةِ في الْأَغْلَبِ وَالْأَغْلَبُ أَنْ لَا يَقْتُلَ قَوِيَّهُ وَيَقْتُلُ في الْأَغْلَبِ في الْبَرْدِ الشَّدِيدِ وَالْحَرِّ الشَّدِيدِ وَلَا يَقْتُلُ في الْأَغْلَبِ في غَيْرِهِمَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَمَنْ نَالَ من امْرِئٍ شيئا فَأَنْظُرُ إلَيْهِ في الْوَقْتِ الذي نَالَهُ فيه فَإِنْ كان الْأَغْلَبُ أَنَّ ما نَالَهُ بِهِ يَقْتُلُهُ فَفِيهِ الْقَوَدُ وَإِنْ كان الْأَغْلَبُ أَنَّ ما نَالَهُ بِهِ لَا يَقْتُلُهُ فَلَا قَوَدَ فيه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ طَيَّنَ رَجُلٌ على رَجُلٍ بَيْتًا ولم يَدَعْهُ يَصِلُ إلَيْهِ طَعَامٌ وَلَا شَرَابٌ أَيَّامًا حتى مَاتَ أو حَبَسَهُ في مَوْضِعٍ وَإِنْ لم يُطَيِّنْ عليه وَمَنَعَهُ الطَّعَامَ أو الشَّرَابَ مُدَّةً الْأَغْلَبُ من مِثْلِهَا أَنَّهُ يَقْتُلُهُ فَمَاتَ قُتِلَ بِهِ وَإِنْ مَاتَ في مُدَّةٍ الْأَغْلَبُ أَنَّهُ يَعِيشُ من مِثْلِهَا فَفِيهَا الْعَقْلُ وَلَا قَوَدَ فيه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ حَبَسَهُ فَجَاءَهُ بِطَعَامٍ أو شَرَابٍ وَمَنَعَهُ الطَّعَامَ فلم يُشَرِّبْهُ حتى مَاتَ ولم تَأْتِ عليه مُدَّةٌ يَمُوتُ أَحَدٌ مُنِعَ الطَّعَامَ في مِثْلِهَا فَلَا عَقْلَ وَلَا قَوَدَ لِأَنَّهُ تَرَكَ أَنْ يَشْرَبَ فَأَعَانَ على نَفْسِهِ ولم يَمْنَعْهُ الطَّعَامَ مُدَّةً الْأَغْلَبُ أَنَّهُ يَمُوتُ أَحَدٌ مُنِعَهَا الطَّعَامَ وَلَوْ كانت الْمُدَّةُ التي مَنَعَهُ فيها الطَّعَامَ مُدَّةً الْأَغْلَبُ أَنَّهُ يَمُوتُ أَحَدٌ من مِثْلِهَا قُتِلَ بِهِ وَإِنْ كان الْأَغْلَبُ أَنَّهُ لَا يُمَاتُ من مِثْلِهَا ضَمِنَ الْعَقْلَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَقَدْته بِمَا صَنَعَ بِهِ حُبِسَ وَمُنِعَ كما حَبَسَهُ وَمَنَعَهُ فَإِنْ مَاتَ في تِلْكَ الْمُدَّةِ وَإِلَّا قُتِلَ بِالسَّيْفِ - * بَابُ الْعَمْدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وما دُونَ النَّفْسِ مُخَالِفٌ لِلنَّفْسِ في بَعْضِ أَمْرِهِ في الْعَمْدِ فَلَوْ عَمَدَ رَجُلٌ عَيْنَ رَجُلٍ بِأُصْبُعِهِ فَفَقَأَهَا كان فيها الْقِصَاصُ لِأَنَّ الْأُصْبُعَ تَأْتِي فيها على ما يَأْتِي عليه السِّلَاحُ في النَّفْسِ وَرُبَّمَا جَاءَتْ على أَكْثَرَ وَهَكَذَا لو أَدْخَلَ الرَّجُلُ أُصْبُعَهُ في عَيْنِهِ فَاعْتَلَّتْ فلم تَبْرَأَ حتى ذَهَبَ بَصَرُهَا أو اُنْتُجِفَتْ كان فيها الْقِصَاصُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ لَطَمَهُ لَطْمَةً في رَأْسِهِ فَوَرِمَتْ ( 2 ) ثُمَّ اتَّسَعَتْ حتى أُوضِحَتْ لم يَكُنْ فيها قِصَاصٌ لِأَنَّ الْأَغْلَبَ من اللَّطْمَةِ انها قَلَّمَا يَكُونُ منها هَكَذَا فَتَكُونُ في حُكْمِ الْخَطَأِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ ضَرَبَ رَأْسَهُ بِحَجَرٍ مُحَدَّدٍ أو حَجَرٍ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ خَنَقَهُ فَتَابَعَ عليه الْخَنْقَ حتى يَقْتُلَهُ فَفِيهِ الْقَوَدُ وَكَذَلِكَ إنْ غَمَّهُ بِثَوْبٍ أو غَيْرِهِ فَتَابَعَ عليه الْغَمَّ حتى يَمُوتَ فَفِيهِ الْقَوَدُ وَإِنْ تَرَكَهُ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ بَعْدُ فَلَا قَوَدَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْخَنْقُ أو الْغَمُّ قد أَوْرَثَهُ ما لَا يَجْرِي معه نَفَسُهُ فَيَمُوتُ من ذلك فَفِيهِ الْقَوَدُ ( 1 ) ( قال الرَّبِيعُ ) وقد قِيلَ يَتَخَلَّصُ أو لَا يَتَخَلَّصُ أَنْ لَا قَوَدَ عليه وَعَلَيْهِ الْعَقْلُ لِأَنَّهُ لم يَمُتْ من الْيَدِ

(6/7)


له ثِقَلٌ غَيْرُ مُحَدَّدٍ فَأَوْضَحَهُ أو أَدْمَاهُ ثُمَّ صَارَتْ مُوضِحَةً كان فيها الْقَوَدُ لِأَنَّ الْأَغْلَبَ مِمَّا وَصَفْتُ من الْحِجَارَةِ أنها تَصْنَعُ هذا وَلَوْ كانت حَصَاةٌ فَرَمَاهُ بها فَوَرِمَتْ ثُمَّ أُوضِحَتْ لم يَكُنْ فيها قِصَاصٌ وكان فيها عَقْلُهَا تَامًّا لِأَنَّ الْأَغْلَبَ أنها لَا تَصْنَعُ هذا فَعَلَى هذا ما دُونَ النَّفْسِ مِمَّا فيه الْقِصَاصُ كُلُّهُ يُنْظَرُ إذَا أَصَابَهُ بِالشَّيْءِ فَإِنْ كان الْأَغْلَبُ أَنَّهُ يَصْنَعُ بِهِ مِثْلَ ما يُصْنَعُ بِشَيْءٍ من الْحَدِيدِ في النَّفْسِ فَأَصَابَهُ به ( ( ( فيه ) ) ) فَفِيهِ الْقَوَدُ وَإِنْ كان الْأَغْلَبُ أَنَّهُ لَا يَصْنَعُ ذلك إلَّا قَلِيلًا إنْ كان فَلَا قَوَدَ فيه وَفِيهِ الْعَقْلُ وَهَذَا على مِثَالِ ما يُصْنَعُ في النَّفْسِ في إثْبَاتِ الْقِصَاصِ وَتَرْكِهِ وَأَخْذِ الْعَقْلِ فيه (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَالدِّيَةُ في هذا على الْعَاقِلَةِ من قِبَلِ أَنَّهُ خَطَأٌ في الْقَتْلِ وَإِنْ كان عَمْدًا في الْفِعْلِ يُسْتَطَاعُ فيه الْقِصَاصُ وَلَا يَكُونُ فيه الْقِصَاصُ وَالدِّيَةُ في مُضِيِّ ثَلَاثِ سِنِينَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا مَعْنَى ما وَصَفْتُ من الضَّرْبِ الذي الْأَغْلَبُ فيه أَنَّهُ يُعَاشُ من مِثْلِهِ ولم أَلْقَ أَحَدًا من أَهْلِ الْفِقْهِ وَالنَّظَرِ يُخَالِفُ في أَنَّ هذا مَعْنَاهُ فَأَمَّا أَنْ يَشْدَخَ الرَّجُلُ رَأْسَ الرَّجُلِ بِالْحَجَرِ أو يُتَابِعَ عليه ضَرْبَ الْعَصَا أو السِّيَاطِ مُتَابَعَةً الْأَغْلَبُ ان مثله لَا يَعِيشُ من مِثْلِهَا فَهَذَا أَكْبَرُ من الْقَتْلِ بِالضَّرْبَةِ بِالسِّكِّينِ وَالْحَدِيدَةِ الْخَفِيفَةِ في الرَّأْسِ وَالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَأَعْجَلُ قَتْلًا وَأَحْرَى أَنْ لَا يَعِيشَ أَحَدٌ منه في الظَّاهِرِ - * الْحُكْمُ في قَتْلِ الْعَمْدِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ من الْعِلْمِ الْعَامِّ الذي لَا اخْتِلَافَ فيه بين أَحَدٍ لَقِيَتْهُ فَحَدَّثَنِيهِ وَبَلَغَنِي عنه من عُلَمَاءِ الْعَرَبِ أنها كانت قبل نُزُولِ الْوَحْيِ على رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم تَبَايُنٌ في الْفَضْلِ وَيَكُونُ بَيْنَهَا ما يَكُونُ بين الْجِيرَانِ من قَتْلِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ فَكَانَ بَعْضُهَا يَعْرِفُ لِبَعْضٍ الْفَضْلَ في الدِّيَاتِ حتى تَكُونَ دِيَةُ الرَّجُلِ الشَّرِيفِ أَضْعَافَ دِيَةِ الرَّجُلِ دُونَهُ فَأَخَذَ بِذَلِكَ بَعْضٌ من بَيْنِ أَظْهُرِهَا من غيرها بِأَقْصَدَ مِمَّا كانت تَأْخُذُ بِهِ فَكَانَتْ دِيَةُ النَّضِيرِي ضِعْفَ دِيَةِ الْقُرَظِيِّ وكان الشَّرِيفُ من الْعَرَبِ إذَا قُتِلَ يُجَاوَزُ قَاتِلُهُ إلَى من لم يَقْتُلْهُ من أَشْرَافِ الْقَبِيلَةِ التي قَتَلَهُ أَحَدُهَا وَرُبَّمَا لم يَرْضَوْا إلَّا بِعَدَدٍ يَقْتُلُونَهُمْ فَقَتَلَ بَعْضُ غَنِيٍّ شَأْسِ بن زُهَيْرٍ فَجَمَعَ عليهم أَبُوهُ زُهَيْرُ بن جَذِيمَةَ فَقَالُوا له أو بَعْضُ من نُدِبَ عَنْهُمْ سَلْ في قَتْلِ شَأْسٍ فقال إحْدَى ثَلَاثٍ لَا يُغْنِينِي غَيْرُهَا قالوا وما هِيَ قال تُحْيُونَ لي شَأْسًا أو تَمْلَئُونَ رِدَائِي من نُجُومِ السَّمَاءِ او تَدْفَعُونَ إلَيَّ غَنِيًّا بِأَسْرِهَا فَأَقْتُلَهَا ثُمَّ لَا أَرَى أَنِّي أَخَذْت منه عِوَضًا وَقُتِلَ كُلَيْبُ وَائِلٍ فَاقْتَتَلُوا دَهْرًا طَوِيلًا وَاعْتَزَلَهُمْ بَعْضُهُمْ فَأَصَابُوا ابْنًا له يُقَالُ له بُجَيْرٍ فَأَتَاهُمْ فقال قد عَرَفْتُمْ عُزْلَتِي فَبُجَيْرٌ بِكُلَيْبٍ وَكُفُّوا عن الْحَرْبِ فَقَالُوا بُجَيْرٍ بِشِسْعِ نَعْلِ كُلَيْبٍ فَقَاتَلَهُمْ وكان مُعْتَزِلًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقال إنَّهُ نَزَلَ في ذلك وَغَيْرِهِ مِمَّا كَانُوا يَحْكُمُونَ بِهِ في الْجَاهِلِيَّةِ هذا الْحُكْمَ الذي أَحْكِيهِ كُلَّهُ بَعْدَ هذا وَحَكَمَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِالْعَدْلِ فَسَوَّى في الْحُكْمِ بين عِبَادِهِ الشَّرِيفِ منهم وَالْوَضِيعِ { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ من اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } فقال إنَّ الْإِسْلَامَ نَزَلَ وَبَعْضُ الْعَرَبِ يَطْلُبُ بَعْضًا بِدِمَاءٍ وَجِرَاحٍ فَنَزَلَ فِيهِمْ { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ في الْقَتْلَى } إلَى قَوْلِهِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَجِمَاعُ مَعْرِفَةِ قَتْلِ الْعَمْدِ من الْخَطَأِ أَنْ يَعْمِدَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ بِالْعَصَا الْخَفِيفَةِ أو قال عَصًا في أَلْيَتَيْهِ أو بِالسِّيَاطِ في ظَهْرِهِ الضَّرْبَ الذي الْأَغْلَبُ أَنَّهُ لَا يُمَاتُ من مِثْلِهِ أو ما دُونَ ذلك من اللَّطْمِ وَالْوَجْءِ وَالصَّكِّ وَالضَّرْبَةِ بِالشِّرَاكِ وما أَشْبَهَهَا وَكُلُّ هذا من الْعَمْدِ الْخَطَأِ الذي لَا قَوَدَ فيه وَفِيهِ الْعَقْلُ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عَلِيِّ بن زَيْدِ بن جُدْعَانَ عن الْقَاسِمِ بن رَبِيعَةَ عن بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال أَلَا إنَّ في قَتِيلِ الْعَمْدِ الْخَطَأِ بِالسَّوْطِ أو الْعَصَا مِائَةً من الْإِبِلِ مُغَلَّظَةً منها أَرْبَعُونَ خَلِفَةً في بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا
أخبرنا عبد الْوَهَّابِ عن خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عن الْقَاسِمِ بن رَبِيعَةَ عن ( ( ( بن ) ) ) عُقْبَةَ بن أَوْسٍ عن رَجُلٍ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم

(6/8)


{ ذلك تَخْفِيفٌ من رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ } الْآيَةَ وَالْآيَةَ التي بَعْدَهَا
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مُعَاذُ بن مُوسَى عن بُكَيْرِ بن مَعْرُوفٍ عن مُقَاتِلِ بن حَيَّانَ قال مُعَاذٌ قال مُقَاتِلٌ أَخَذْت هذا التَّفْسِيرَ عن نَفَرٍ حَفِظَ مُعَاذٌ منهم مُجَاهِدًا وَالْحَسَنَ وَالضَّحَّاكَ بن مُزَاحِمٍ قال في قَوْلِهِ { فَمَنْ عُفِيَ له من أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ } الْآيَةَ ( قال ) كان كُتِبَ على أَهْلِ التَّوْرَاةِ أَنَّهُ من قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ حُقَّ له أَنْ يُقَادَ بها وَلَا يُعْفَى عنه وَلَا تُقْبَلُ منه الدِّيَةُ وَفُرِضَ على أَهْلِ الْإِنْجِيلِ أَنْ يُعْفَى عنه وَلَا يُقْتَلَ وَرُخِّصَ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنْ شَاءَ قَتَلَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ وَإِنْ شَاءَ عَفَا فَذَلِكَ قَوْلُهُ عز وجل { ذلك تَخْفِيفٌ من رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ } يقول الدِّيَةُ تَخْفِيفٌ من اللَّهِ إذْ جَعَلَ الدِّيَةَ وَلَا يُقْتَلُ ثُمَّ قال { فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذلك فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } يقول من قَتَلَ بَعْدَ أَخْذِهِ الدِّيَةَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ وقال في قَوْلِهِ { وَلَكُمْ في الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } يقول لَكُمْ في الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَنْتَهِي بَعْضُكُمْ عن بَعْضٍ أَنْ يُصِيبَ مَخَافَةَ أَنْ يُقْتَلَ
أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ قال حدثنا عَمْرُو بن دِينَارٍ قال سمعت مُجَاهِدًا يقول سمعت بن عَبَّاسٍ يقول كان في بَنِي إسْرَائِيلَ الْقِصَاصُ ولم تَكُنْ فِيهِمْ الدِّيَةُ فقال اللَّهُ عز وجل لِهَذِهِ الْأُمَّةِ { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ في الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ له من أَخِيهِ شَيْءٌ } قال الْعَفْوُ أَنْ تُقْبَلَ الدِّيَةُ في الْعَمْدِ { فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذلك تَخْفِيفٌ من رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ } مِمَّا كُتِبَ على من كان قَبْلَكُمْ { فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذلك فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ في الْقَتْلِ } فَيُقَالُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ في قَوْلِهِ { فَلَا يُسْرِفْ في الْقَتْلِ } لَا يَقْتُلْ غير قَاتِلِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) في قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ في الْقَتْلَى } إنَّهَا خَاصَّةٌ في الْحَيَّيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفَ مُقَاتِلُ بن حَيَّانَ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ حَكَيْتُ قَوْلَهُ في غَيْرِ هذا الْمَوْضِعِ ثُمَّ أَدَبُهَا أَنْ يُقْتَلَ الْحُرُّ بِالْحُرِّ إذَا قَتَلَهُ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى إذَا قتلتها ( ( ( قتلها ) ) ) وَلَا يُقْتَلَ غَيْرُ قَاتِلِهَا إبْطَالًا لَأَنْ يُجَاوِزَ الْقَاتِلَ إلَى غَيْرِهِ إذَا كان الْمَقْتُولُ أَفْضَلَ من الْقَاتِلِ كما وَصَفْت ليس أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ ذَكَرٌ بِالْأُنْثَى إذَا كَانَا حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ وَلَا أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ حُرٌّ بِعَبْدٍ من هذه الْجِهَةِ إنَّمَا يُتْرَكُ قَتْلُهُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما قال بن عَبَّاسٍ في هذا كما قال وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَكَذَلِكَ ما قال مُقَاتِلٌ ( 1 ) لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل إذْ ذَكَرَ الْقِصَاصَ ثُمَّ قال { فَمَنْ عُفِيَ له من أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ } لم يَجُزْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يُقَالَ إنْ عُفِيَ بِأَنْ صُولِحَ على أَخْذِ الدِّيَةِ لِأَنَّ الْعَفْوَ تَرْكُ حَقٍّ بِلَا عِوَضٍ فلم يَجُزْ إلَّا أَنْ يَكُونَ إنْ عُفِيَ عن الْقَتْلِ فإذا عَفَا لم يَكُنْ إلَيْهِ سَبِيلٌ وَصَارَ لِلْعَافِي الْقَتْلِ مَالٌ في مَالِ الْقَاتِلِ وهو دِيَةُ قَتِيلِهِ فَيَتَّبِعُهُ بِمَعْرُوفٍ وَيُؤَدِّي إلَيْهِ الْقَاتِلُ بِإِحْسَانٍ فَلَوْ كان إذَا عَفَا عن الْقَاتِلِ لم يَكُنْ له شَيْءٌ لم يَكُنْ لِلْعَافِي يَتَّبِعُهُ وَلَا على الْقَاتِلِ شَيْءٌ يُؤَدِّيهِ بِإِحْسَانٍ ( وقال ) وقد جَاءَتْ السُّنَّةُ مع بَيَانِ الْقُرْآنِ في مِثْلِ مَعْنَى الْقُرْآنِ
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن أبي فُدَيْكٍ عن بن أبي ذِئْبٍ عن سَعِيدِ بن أبي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عن أبي شُرَيْحٍ الْكَعْبِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إنَّ اللَّهَ عز وجل حَرَّمَ مَكَّةَ ولم يُحَرِّمْهَا الناس فَلَا يَحِلُّ لِمَنْ كان يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بها دَمًا وَلَا يَعْضِدَ بها شَجَرًا فَإِنْ ارْتَخَصَ أَحَدٌ فقال أُحِلَّتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فإن اللَّهَ أَحَلَّهَا لي ولم يُحِلَّهَا لِلنَّاسِ وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لي سَاعَةً من النَّهَارِ ثُمَّ هِيَ حَرَامٌ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ ثُمَّ إنَّكُمْ يا خُزَاعَةُ قد قَتَلْتُمْ هذا الْقَتِيلَ من هُذَيْلٍ وأنا وَاَللَّهِ عَاقِلُهُ فَمَنْ قَتَلَ بَعْدَهُ قَتِيلًا فَأَهْلُهُ بين خِيرَتَيْنِ إنْ أَحَبُّوا قَتَلُوا وَإِنْ أَحَبُّوا أَخَذُوا الْعَقْلَ

(6/9)


من جِهَةٍ غَيْرُهَا وإذا كانت هَكَذَا أَشْبَهَ أَنْ تَكُونَ لَا تَدُلُّ على أَنْ لَا يَكُونَ يُقْتَلُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إذَا كَانَا قَاتِلَيْنِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَيُّمَا رَجُلٍ قَتَلَ قَتِيلًا فَوَلِيُّ الْمَقْتُولِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَتَلَ الْقَاتِلَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ منه الدِّيَةَ وَإِنْ شَاءَ عَفَا عنه بِلَا دِيَةٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ أَخْذُ الْمَالِ وَتَرْكُ الْقِصَاصِ كَرِهَ ذلك الْقَاتِلُ أو أَحَبَّهُ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل إنَّمَا جَعَلَ السُّلْطَانَ لِلْوَلِيِّ وَالسُّلْطَانُ على الْقَاتِلِ فَكُلُّ وَارِثٍ من زَوْجَةٍ أو غَيْرِهَا سَوَاءٌ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ من الْأَوْلِيَاءِ أَنْ يَقْتُلَ حتى يَجْتَمِعَ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ على الْقَتْلِ وَيُنْتَظَرَ غَائِبُهُمْ حتى يَحْضُرَ أو يُوَكِّلَ وَصَغِيرُهُمْ حتى يَبْلُغَ وَيُحْبَسُ الْقَاتِلُ إلَى اجْتِمَاعِ غَائِبِهِمْ وَبُلُوغِ صَغِيرِهِمْ فَإِنْ مَاتَ غَائِبُهُمْ أو صَغِيرُهُمْ أو بَالِغُهُمْ قبل اجْتِمَاعِهِمْ على الْقَتْلِ فَلِوَارِثِ الْمَيِّتِ منهم في الدَّمِ وَالْمَالِ مِثْلُ ما كان لِلْمَيِّتِ من أَنْ يَعْفُوَ أو يَقْتُلَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا أَخَذَ حَقَّهُ من الدِّيَةِ فَذَلِكَ له وَلَا سَبِيلَ له إلَى الدَّمِ إذَا أَخَذَ الدِّيَةَ أو عَفَا بِلَا دِيَةٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان على الْمَقْتُولِ دَيْنٌ وَكَانَتْ له وَصَايَا لم يَكُنْ لِأَهْلِ الدَّيْنِ وَلَا الْوَصَايَا الْعِوَضُ في الْقَتْلِ إنْ أَرَادَ الْوَرَثَةُ فَإِنْ عَفَا الْوَرَثَةُ وَأَخَذُوا الدِّيَةَ أو عَفَا أَحَدُهُمْ كانت الدِّيَةُ حِينَئِذٍ مَالًا من مَالِهِ يَكُونُ أَهْلُ الدَّيْنِ أَحَقَّ بها وَلِأَهْلِ الْوَصَايَا حَقُّهُمْ منها + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ لم تَخْتَرْ الْوَرَثَةُ الْقَتْلَ وَلَا الْمَالَ حتى مَاتَ الْقَاتِلُ كانت لهم الدِّيَةُ في مَالِهِ يُحَاصُّونَ بها غُرَمَاءَهُ كَدَيْنٍ من دَيْنِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ اخْتَارُوا الْقَتْلَ فَمَاتَ الْقَاتِلُ قبل يُقْتَلَ كانت لهم الدِّيَةُ في مَالِهِ لِأَنَّ الْمَالَ إنَّمَا يَبْطُلُ عَنْهُمْ بِأَنْ يَخْتَارُوا الْقَتْلَ وَيَقْتُلُونَ فَيَكُونُونَ مُسْتَوْفِينَ لِحَقِّهِمْ من أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَكَذَلِكَ لو قَضَى لهم بِالْقِصَاصِ بَعْدَ اخْتِيَارِهِ فَمَاتَ الْمَقْضِيُّ عليه بِالْقِصَاصِ قبل يُقْتَلَ كانت لهم الدِّيَةُ في مَالِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ لم يَمُتْ الْقَاتِلُ وَلَكِنْ رَجُلٌ قَتَلَهُ خَطَأً فَأُخِذَتْ له دِيَةٌ كانت الدِّيَةُ مَالًا من مَالِهِ لَا يَكُونُ أَهْلُ الْقَتِيلِ الْأَوَّلِ أَحَقَّ بها من غُرَمَائِهِ كما لَا يَكُونُونَ أَحَقَّ بِمَا سِوَاهَا من مَالِهِ وَلَهُمْ الدِّيَةُ في مَالِهِ يَكُونُونَ بها أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ جَرَحَهُ رَجُلٌ عَمْدًا ثُمَّ عَفَا الْمَجْرُوحُ عن الْجُرْحِ وما حَدَثَ منه ثُمَّ مَاتَ من ذلك الْجُرْحِ لم يَكُنْ إلَى قَتْلِ الْجَارِحِ سَبِيلٌ بِأَنَّ الْمَجْرُوحَ قد عَفَا الْقَتْلَ فَإِنْ كان عَفَا عنه لِيَأْخُذَ عَقْلَ الْجُرْحِ أُخِذَتْ منه الدِّيَةُ تَامَّةً لِأَنَّ الْجُرْحَ قد صَارَ نَفْسًا وَإِنْ كان عَفَا عن الْعَقْلِ وَالْقِصَاصِ في الْجُرْحِ ثُمَّ مَاتَ من الْجُرْحِ فَمَنْ لم يُجِزْ الْوَصِيَّةَ لِلْقَاتِلِ أَبْطَلَ الْعَفْوَ وَجَعَلَ الدِّيَةَ تَامَّةً لِلْوَرَثَةِ لِأَنَّ هذه وَصِيَّةٌ لقاتل ( ( ( للقاتل ) ) ) وَمَنْ أَجَازَ الْوَصِيَّةَ لِلْقَاتِلِ جَعَلَ عَفَوْهُ عن الْجُرْحِ وَصِيَّةً يُضْرَبُ بها الْقَاتِلُ في الثُّلُثِ مع أَهْلِ الْوَصَايَا وقال فِيمَا زَادَ من الدِّيَةِ على عَقْلِ الْجُرْحِ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا له مِثْلُ عَقْلِ الْجُرْحِ لِأَنَّهُ مَالٌ من مَالِهِ مُلِكَ عنه وَالْآخَرُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يُمْلَكُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ عنه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ قَتَلَ نَفَرٌ رَجُلًا عَمْدًا كان لِوَلِيِّ الْقَتْلِ أَنْ يَقْتُلَ في قَوْلِ من قَتَلَ أَكْثَرَ من وَاحِدٍ بِوَاحِدٍ أَيَّهُمْ أَرَادَ وَيَأْخُذَ مِمَّنْ أَرَادَ منهم الدِّيَةَ بِقَدْرِ ما يَلْزَمُهُ منها كَأَنَّهُمْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَعَفَا عن وَاحِدٍ فَيَأْخُذَ من الِاثْنَيْنِ ثُلُثَيْ الدِّيَةِ أو يَقْتُلَهُمَا إنْ شَاءَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كَانُوا نَفَرًا فَضَرَبُوهُ مَعًا فَمَاتَ من ضَرْبِهِمْ وَأَحَدُهُمْ ضَارِبٌ بِحَدِيدَةٍ وَالْآخَرُ بِعَصًا خَفِيفَةٍ وَالْآخَرُ بِحَجَرٍ أو سَوْطٍ فَمَاتَ من ذلك كُلِّهِ وَكُلُّهُمْ عَامِدٌ لِلضَّرْبِ فَلَا قِصَاصَ فيه من قِبَلِ أَنِّي لَا أَعْلَمُ بِأَيِّ الضَّرْبِ كان الْمَوْتُ وفي بَعْضِ الضَّرْبِ ما لَا قَوَدَ فيه بِحَالٍ وَعَلَى الْعَامِدِ بِالْحَدِيدِ حِصَّتُهُ من الدِّيَةِ في مَالِهِ وَعَلَى الْآخَرِينَ حِصَّتُهُمَا على عَاقِلَتِهِمَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَذَلِكَ لو كان فِيهِمْ وَاحِدٌ رَمَى شيئا فَأَخْطَأَ بِهِ فَأَصَابَهُ مَعَهُمْ كانت على جَمِيعِ الْعَامِدِينَ بِالْحَدِيدِ الدِّيَةُ في حِصَصِهِمْ في أَمْوَالِهِمْ حَالَّةً وَعَلَى عَاقِلَةِ الْمُخْطِئِ بِالْحَدِيدَةِ حِصَّتُهُ من الدِّيَةِ كما تَكُونُ دِيَةُ الْخَطَأِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ عَفَا الْمَقْتُولُ عن هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ كان الْقَوْلُ فِيمَنْ لَا يُجِيزُ لِلْقَاتِلِ وَصِيَّةً أو من يُجِيزُهَا كما وَصَفْتُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهِيَ عَامَّةٌ في أَنَّ اللَّهَ عز ذِكْرُهُ أَوْجَبَ بها الْقِصَاصَ إذَا تَكَافَأَ دَمَانِ وَإِنَّمَا يتكافئان ( ( ( يتكافآن ) ) ) بِالْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَعَلَى كل ما وَصَفْتُ من عُمُومِ الْآيَةِ وَخُصُوصِهَا دَلَالَةٌ من كِتَابٍ أو سُنَّةٍ أو إجْمَاعٍ

(6/10)


وقال في الذي يُشْرِكُهُمْ بِخَطَأٍ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْعَاقِلَةِ لَا لِلْقَاتِلِ فَجَمِيعُ ما أَصَابَ الْعَاقِلَةُ من حِصَّةِ صَاحِبِهِمْ من الدِّيَةِ وَصِيَّةٌ لهم جَائِزَةٌ من الثُّلُثِ وَالْآخَرُ أَنْ لَا تَجُوزَ له وَصِيَّةٌ لِأَنَّهَا لَا تَسْقُطُ عن الْعَاقِلَةِ إلَّا بِسُقُوطِهَا عنه فَهِيَ وَصِيَّةٌ لِلْقَاتِلِ ( قال الرَّبِيعُ ) الْقَوْلُ الثَّانِي أَصَحُّ عِنْدِي (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما أَصَابَهُ من جُرْحٍ عَمْدًا لَا قِصَاصَ فيه فَعَقْلُهُ في مَالِ الْجَارِحِ حَالٌّ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ جَنَى رَجُلٌ على رَجُلٍ جِنَايَاتٍ كان له أَنْ يَسْتَقِيدَ مِمَّا أَرَادَ وَيَأْخُذَ الْعَقْلَ مِمَّا أَرَادَ منها وَكَذَلِكَ لو جَنَى عليه نَفَرٌ كان له أَنْ يَسْتَقِيدَ من بَعْضِهِمْ وَيَأْخُذَ من بَعْضٍ الْعَقْلَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان الْقَاتِلُ أو الْجَارِحُ عَبْدًا أو ذِمِّيًّا أو حُرًّا مُسْلِمًا كان لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ وَلِلْمَجْرُوحِ في نَفْسِهِ على الْجَانِي ( 1 ) أو اخْتِيَارُ الْعَقْلِ من الْعَبْدِ وَالذِّمِّيِّ فَإِنْ اخْتَارُوهُ أو اخْتَارَهُ فَاقْتَصُّوا أو اقْتَصَّ فَلَا شَيْءَ لهم غَيْرُ الْقِصَاصِ فَإِنْ اخْتَارُوا أو اخْتَارَ الْعَقْلَ فَذَلِكَ في مَالِ الذِّمِّيِّ حَالَ يَكُونُونَ في مَالِهِ غُرَمَاءَ له وفي عِتْقِ الْعَبْدِ كَامِلًا يُبَاعُ فيه فَإِنْ بَلَغَ الْعَقْلَ كَامِلًا فَذَلِكَ لِوَلِيِّ الدَّمِ أو الْمَجْرُوحِ وَإِنْ لم يَبْلُغْ لم يَلْزَمْ سَيِّدَهُ منه شَيْءٌ وَإِنْ زَادَ ثَمَنُ الْعَبْدِ على الْعَقْلِ رُدَّ إلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ وَإِنْ شَاءَ سَيِّدُ الْعَبْدِ قبل هذا كُلِّهِ أَنْ يُؤَدِّيَ عَقْلَ النَّفْسِ أو الْجُرْحَ مُتَطَوِّعًا غير مَجْبُورٍ عليه لم يُبَعْ عليه عَبْدُهُ وقد أَدَّى جَمِيعَ ما في عُنُقِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان الْجَانِي عَبْدًا على عَبْدٍ كان لِسَيِّدِ الْعَبْدِ الْخِيَارُ في الْقِصَاصِ أو الْعَقْلِ وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ في ذلك خِيَارٌ إنْ كانت الْجِنَايَةُ جُرْحًا بريء منه وَسَوَاءٌ كان الْعَبْدُ مَرْهُونًا أو غير مَرْهُونٍ إلَّا أَنَّهُ إذَا أَخَذَ له عَقْلًا وهو مَرْهُونٌ خُيِّرَ بين أَنْ يَدْفَعَ ما أَخَذَ له من الْعَقْلِ رَهْنًا إلَى الْمُرْتَهِنِ أو يَجْعَلَهُ قِصَاصًا من دَيْنِهِ وَلَا يَمْنَعُ الْقِصَاصَ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ إنَّمَا جَعَلْتُ عليه إذَا أَخَذَ الْعَقْلَ أَنْ يَجْعَلَهُ رَهْنًا أو قِصَاصًا لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ بَدَنِ الْعَبْدِ إنْ مَاتَ أو نَقَصَ بَدَنُهُ لِنَقْصِ الْجِرَاحِ له وَإِنْ لم يَمُتْ وَسَوَاءٌ هذا في الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ لِمَالِكَ الْمَمْلُوكِ في هذا كُلِّهِ فَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَذَلِكَ إلَيْهِ دُونَ سَيِّدِهِ يَقْتَصُّ إنْ شَاءَ أو يَأْخُذُ الدِّيَةَ فَإِنْ أَخَذَ الدِّيَةَ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كما يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ ( قال أبو مُحَمَّدٍ الرَّبِيعُ ) وفي الْمُكَاتَبِ يُجْنَى عليه جِنَايَةٌ فيها قِصَاصٌ أَنَّهُ ليس له أَنْ يَقْتَصَّ من قِبَلِ أَنَّهُ قد يَعْجِزُ فَيَصِيرُ رَقِيقًا فَيَكُونُ قد أَتْلَفَ على سَيِّدِهِ الْمَالَ الذي هو بَدَلٌ من الْقِصَاصِ وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْعَقْلَ وَيَكُونَ أَوْلَى بِهِ من السَّيِّدِ يَسْتَعِينُ بِهِ في كِتَابَتِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اخْتَارَ الْعَقْلَ في قَتْلِ الْعَمْدِ الذي فيه الْقِصَاصُ فَهُوَ حَالٌّ في النَّفْسِ وما دُونَهَا وَكُلُّ عَمْدٍ وَإِنْ كان دِيَاتٍ في مَالِ الْجَانِي مُوسِرًا كان أو مُعْسِرًا لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ من قَتْلِ الْعَمْدِ شيئا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ أَحَبَّ الْوُلَاةُ أو الْمَجْرُوحُ الْعَفْوَ في الْقَتْلِ بِلَا مَالٍ وَلَا قَوَدٍ فَذَلِكَ لهم فَإِنْ قال قَائِلٌ فَمِنْ أَيْنَ أَخَذْتَ الْعَفْوَ في الْقَتْلِ بِلَا مَالٍ وَلَا قَوَدٍ قِيلَ من قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ له } وَمِنْ الرِّوَايَةِ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في أَنَّ في الْعَفْوِ عن الْقِصَاصِ كَفَّارَةً أو قال شيئا يَرْغَبُ بِهِ في الْعَفْوِ عنه فَإِنْ قال قَائِلٌ فَإِنَّمَا قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من قُتِلَ له قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بين خِيرَتَيْنِ إنْ أَحَبُّوا فَالْقَوَدُ وَإِنْ أَحَبُّوا فَالْعَقْلُ قِيلَ له نعم هو فِيمَا يَأْخُذُونَ من الْقَاتِلِ من الْقَتْلِ وَالْعَفْوُ بِالدِّيَةِ وَالْعَفْوُ بِلَا وَاحِدٍ مِنْهُمَا ليس بِأَخْذٍ من الْقَاتِلِ إنَّمَا هو تَرْكٌ له كما قال وَمَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ عِنْدَ مُعْدَمٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ ليس أَنْ ليس له تَرْكُهُ وَلَا تَرْكُ شَيْءٍ يُوجِبُ له إنَّمَا يُقَالُ هو له وَكُلُّ ما قِيلَ له أَخْذُهُ فَلَهُ تَرْكُهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا قَتَلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَمْدًا ثُمَّ مَاتَ الْقَاتِلُ فَالدِّيَةُ في مَالِ الْقَاتِلِ لِأَنَّهُ يَكُونُ لِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ أَنْ يَأْخُذُوا أَيَّهُمَا شاؤوا إلَّا أَنَّ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْقَوْلُ في الرَّجُلِ يَجْرَحُ الرَّجُلَ جُرْحًا يَكُونُ في مِثْلِهِ قِصَاصٌ فَيَبْرَأُ الْمَجْرُوحُ منه أَنَّ لِلْمَجْرُوحِ في جُرْحِهِ مِثْلَ ما كان لِأَوْلِيَائِهِ في قَتْلِهِ من الْخِيَارِ فَإِنْ شَاءَ اسْتَقَادَ من جُرْحِهِ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ عَقْلَ الْجُرْحِ من مَالِ الْجَارِحِ حَالًّا يَكُونُ غَرِيمًا من الْغُرَمَاءِ يُحَاصُّ أَهْلَ الدَّيْنِ

(6/11)


حَقَّهُمْ في وَاحِدٍ دُونَ وَاحِدٍ فإذا فَاتَ وَاحِدٌ فَحَقُّهُمْ ثَابِتٌ في الذي كان حَقَّهُمْ فيه إنْ شاؤوا وهو حَيٌّ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) كَأَنَّهُ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَأَوْضَحَهُ فَإِنْ شَاءَ قَطَعَ له يَدًا وَرِجْلًا وَأَخَذَ عَقْلَ يَدٍ وَرِجْلٍ وَإِنْ شَاءَ أَوْضَحَهُ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ أَرْشَ الْمُوضِحَةِ إذَا كان له الْخِيَارُ في كُلٍّ كان له الْخِيَارُ في بَعْضٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَذَلِكَ وَرَثَةُ الْمَقْتُولِ وَالْمَجْرُوحِ بَعْدَ مَوْتِهِ إنْ أَحَبُّوا اقْتَصُّوا لِلْمَيِّتِ من النَّفْسِ او الْجُرْحِ إنْ لم يَكُنْ نفس ( ( ( نفسه ) ) ) وَإِنْ أَحَبُّوا أَخَذُوا الْعَقْلَ وَإِنْ أَحَبُّوا إذَا كانت جِرَاحٌ ولم يَكُنْ نَفْسٌ أَنْ يَأْخُذُوا أَرْشَ بَعْضِ الْجِرَاحِ وَيَقْتَصُّوا من بَعْضٍ كان لهم + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ قَتَلَ اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ أو أَكْثَرُ بِوَاحِدٍ فَقَتَلَ عَشَرَةٌ رَجُلًا عَمْدًا فَلِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ أَنْ يَقْتُلُوا من شاؤوا منهم وَأَنْ يَأْخُذُوا الدِّيَةَ مِمَّنْ شاؤوا فإذا أَخَذُوا الدِّيَةَ لم يَكُنْ لهم أَنْ يَأْخُذُوا من وَاحِدٍ إلَّا عُشْرَ الدِّيَةِ وإذا كانت الدِّيَةُ فَإِنَّمَا يَغْرَمُهَا الرَّجُلُ على قَدْرِ من شَرِكَهُ فيها وَهِيَ خِلَافُ الْقِصَاصِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ قَطَعَ رَجُلٌ يَدَيْ رَجُلٍ وَرِجْلَيْهِ ثُمَّ مَاتَ الْمَقْطُوعَةُ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ من تِلْكَ الْجِرَاحِ فَأَرَادَ وَرَثَتُهُ الْقِصَاصَ كان لهم أَنْ يَصْنَعُوا ما صَنَعَ بِصَاحِبِهِ وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَقْتُلُوهُ وَيَأْخُذُوا أَرْشًا فِيمَا صَنَعَ بِهِ لم يَكُنْ لهم وإذا كانت النَّفْسَ فَلَا أَرْشَ لِلْجِرَاحِ لِدُخُولِ الْجِرَاحِ في النَّفْسِ وَلَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا دِيَةَ النَّفْسِ كُلَّهَا وَيَدَعُوا الْقِصَاصَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَرَادُوا أَنْ يَقْطَعُوا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ أو يَدَيْهِ دُونَ رِجْلَيْهِ أو بَعْضَ أَطْرَافِهِ التي قَطَعَ منه وَيَدَعُوا قَتْلَهُ كان ذلك لهم إذَا قَضَيْت لهم بِأَنْ يَفْعَلُوا ذلك وَيَقْتُلُوهُ قَضَيْت لهم بِأَنْ يَفْعَلُوا ذلك بِهِ وَيَدَعُوا قَتْلَهُ فَإِنْ قالوا نَقْطَعُ يَدَيْهِ ثُمَّ نَأْخُذُ منه دِيَةً أو بَعْضَهَا لم يَكُنْ ذلك لهم وَقِيلَ إذَا قَطَعْتُمْ يَدَيْهِ فَقَدْ أَخَذْتُمْ منه ما فيه الدِّيَةُ فَلَا يَكُونُ لَكُمْ عليه زِيَادَةٌ إلَّا الْقَطْعُ أو الْقَتْلُ فَأَمَّا مَالٌ فَلَا وَلَوْ قَطَعُوا له يَدًا أو رِجْلًا ثُمَّ قالوا نَأْخُذُ نِصْفَ الدِّيَةِ كان لهم ذلك لِأَنَّهُ لو قَطَعَ يَدَيْهِ فَأَرَادُوا أَخْذَ الْقَوَدِ من يَدٍ وَالْأَرْشِ من أُخْرَى كان لهم ذلك وَلَا يَكُونُ لهم ذلك حتى يَبْرَأَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَجَرَحَهُ جَائِفَةً مع قَطْعِ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَمَاتَ فقال وَرَثَتُهُ نَجْرَحُهُ جَائِفَةً وَنَقْتُلُهُ لم يُمْنَعُوا ذلك وَإِنْ أَرَادُوا تَرْكَهُ بَعْدَهَا تَرَكُوهُ وَلَوْ قالوا على الِابْتِدَاءِ نَجْرَحُهُ جَائِفَةً وَلَا نَقْتُلُهُ لم يُتْرَكُوا وَذَلِكَ أَنَّهُمْ إنَّمَا يُتْرَكُونَ إذَا قالوا نَقْتُلُهُ بِمَا يُقَادُ منه في الْجِنَايَةِ وَأَمَّا ما لَا يُقَادُ منه فَلَا يُتْرَكُونَ وَإِيَّاهُ - * وُلَاةُ الْقِصَاصِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ قال اللَّهُ تَعَالَى { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ في الْقَتْلِ } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَكَانَ مَعْلُومًا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِمَّنْ خُوطِبَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ وَلِيَّ الْمَقْتُولِ من جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى له مِيرَاثًا منه وقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من قُتِلَ له قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بين خِيرَتَيْنِ إنْ أَحَبُّوا فَالْقَوَدُ وَإِنْ أَحَبُّوا فَالْعَقْلُ ولم يَخْتَلِفْ الْمُسْلِمُونَ فِيمَا عَلِمْتُهُ في أَنَّ الْعَقْلَ مَوْرُوثٌ كما يُورَثُ الْمَالُ وإذا كان هَكَذَا فَكُلُّ وَارِثٍ وَلِيُّ الدَّمِ كما كان لِكُلِّ وَارِثٍ ما جَعَلَ اللَّهُ له من مِيرَاثِ الْمَيِّتِ زَوْجَةً كانت له أو ابْنَةً أو أُمًّا أو وَلَدًا أو وَالِدًا لَا يَخْرُجُ أَحَدٌ منهم من وِلَايَةِ الدَّمِ ( 1 ) إذَا كان لهم أَنْ يَكُونُوا بِالدَّمِ مَالًا كما لَا يُخْرِجُونَ من سِوَاهُ من مَالِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا قَتَلَ رَجُلٌ رَجُلًا فَلَا سَبِيلَ إلَى الْقِصَاصِ إلَّا بِأَنْ يُجْمِعَ جَمِيعُ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ من كَانُوا وَحَيْثُ كَانُوا على الْقِصَاصِ فإذا فَعَلُوا فَلَهُمْ الْقِصَاصُ وإذا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَذَلِكَ لِلرَّجُلِ إذَا جَرَحَهُ الرَّجُلُ الْخِيَارُ في الْقِصَاصِ في الْجُرْحِ فَإِنْ مَاتَ الْجَارِحُ فَلَهُ عَقْلُ الْجُرْحِ إنْ شَاءَ حَالًّا كما وَصَفْتُ في مَالِ الْجَارِحِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَسَوَاءٌ أَيُّ مِيتَةٍ مَاتَ الْقَاتِلُ وَالْجَارِحُ بِقَتْلٍ أو غَيْرِهِ فَدِيَةُ الْمَقْتُولِ الْأَوَّلِ وَجُرْحُهُ في مَالِهِ فَإِنْ جُرِحَ رَجُلٌ جِرَاحَاتٍ في كُلِّهَا قِصَاصٌ فَلِلْمَجْرُوحِ الْخِيَارُ في كل جُرْحٍ منها كما يَكُونُ في جُرْحٍ وَاحِدٍ لو جَرَحَهُ إيَّاهُ وَإِنْ شَاءَ اقْتَصَّ من بَعْضِهَا وَأَخَذَ الدِّيَةَ من بَعْضِهَا وَإِنْ شَاءَ ذلك في كُلِّهَا فَهُوَ له

(6/12)


كان على الْمَيِّتِ دَيْنٌ وَلَا مَالَ له أو كانت له وَصَايَا كان لِلْوَرَثَةِ الْقَتْلُ وَإِنْ كَرِهَ أَهْلُ الدَّيْنِ وَالْوَصَايَا لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا من أَوْلِيَائِهِ وَأَنَّ الْوَرَثَةَ إنْ شاؤوا مَلَكُوا الْمَالَ بِسَبَبِهِ وَإِنْ شاؤوا مَلَكُوا الْقَوَدَ وَكَذَلِكَ إنْ شاؤوا عَفَوْا على غَيْرِ مَالٍ وَلَا قَوَدٍ لِأَنَّ الْمَالَ لَا يُمْلَكُ بِالْعَمْدِ إلَّا بِمَشِيئَةِ الْوَرَثَةِ أو بِمَشِيئَةِ الْمَجْنِيِّ عليه إنْ كان حَيًّا وإذا كان في وَرَثَةِ الْمَقْتُولِ صِغَارٌ أو غُيَّبٌ لم يَكُنْ إلَى الْقِصَاصِ سَبِيلٌ حتى يَحْضُرَ الْغُيَّبُ وَيَبْلُغَ الصِّغَارُ فإذا اجْتَمَعُوا على الْقِصَاصِ فَذَلِكَ لهم وإذا كان في الْوَرَثَةِ مَعْتُوهٌ فَلَا سَبِيلَ إلَى الْقِصَاصِ حتى يُفِيقَ أو يَمُوتَ فَتَقُومُ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ وَأَيُّ الْوَرَثَةِ كان بَالِغًا فَعَفَا بِمَالٍ أو بِلَا مَالٍ سَقَطَ الْقِصَاصُ وكان لِمَنْ بَقِيَ من الْوَرَثَةِ حِصَّتُهُ من الدِّيَةِ وإذا سَقَطَ الْقِصَاصُ صَارَتْ لهم الدِّيَةُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ قال قد عَفَوْتُ عَنْكَ الْقِصَاصَ وَالدِّيَةَ لم يَكُنْ له قِصَاصٌ ولم يَكُنْ له نَصِيبٌ من الدِّيَةِ وَلَوْ قال قد عَفَوْتُ ما لَزِمَكَ لي لم يَكُنْ هذا عَفْوًا لِلدِّيَةِ وكان عَفْوًا لِلْقِصَاصِ وَإِنَّمَا كان عَفْوًا لِلْقِصَاصِ دُونَ الْمَالِ ولم يَكُنْ عَفْوًا لِلْمَالِ دُونَ الْقِصَاصِ وَلَا لَهُمَا لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل حَكَمَ بِالْقِصَاصِ ثُمَّ قال { فَمَنْ عُفِيَ له من أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ } فأعلم أَنَّ الْعَفْوَ مُطْلَقًا إنَّمَا هو تَرْكُ الْقِصَاصِ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ الْأَمْرَيْنِ وَحَكَمَ بِأَنْ يَتَّبِعَ بِالْمَعْرُوفِ ويؤدي ( ( ( يؤدي ) ) ) إلَيْهِ الْمَعْفُوُّ له بِإِحْسَانٍ وَقَوْلُهُ ما يَلْزَمُكَ لي على الْقِصَاصِ اللَّازِمِ كان له وهو مَحْكُومٌ عليه إذَا عُفِيَ له عن الْقِصَاصِ بِأَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهِ الدِّيَةَ حتى يَعْفُوَهَا صَاحِبُهَا وَلَوْ قال قد عَفَوْتُ عَنْك الدِّيَةَ لم يَكُنْ هذا عَفْوًا له عن الْقِصَاصِ لِأَنَّهُ ما كان مُقِيمًا على الْقِصَاصِ فَالْقِصَاصُ له دُونَ الدِّيَةِ وهو لَا يَأْخُذُ الْقِصَاصَ وَالدِّيَةَ وَكَذَلِكَ لو قال قد عَفَوْتُ عن الدِّيَةِ ثُمَّ مَاتَ الْقَاتِلُ فإن له أَخْذَ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ عَفَا عنها وَلَيْسَتْ له إنَّمَا تَكُونُ له بَعْدَ عَفْوِهِ عن الْقِصَاصِ وَإِنْ عَفَا الْوَلِيُّ عن الدِّيَةِ وَالْقِصَاصِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ جَازَ عَفْوُهُ وَلَوْ عَفَاهُمَا في مَرَضِهِ الذي مَاتَ فيه كان عَفْوُهُ جَائِزًا وكان عَفْوُهُ حِصَّتُهُ من الدِّيَةِ وَصِيَّةً + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان لِلْمَقْتُولِ وَلِيَّانِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا الْقِصَاصَ لم يَكُنْ لِلْبَاقِي إلَّا الدِّيَةُ وَإِنْ كان مَحْجُورًا فَعَفَاهَا فَعَفْوُهُ بَاطِلٌ وَلَيْسَ لِوَلِيِّهِ إلَّا أَخْذُهَا من الْقَاتِلِ وَلَوْ عَفَاهَا وَلِيُّهُ كان عَفْوُهُ بَاطِلًا وَكَذَلِكَ لو صَالَحَ وَلِيُّهُ منها على شَيْءٍ ليس بِنَظَرٍ له لم يَجُزْ له من ذلك إلَّا ما يَجُوزُ له من الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ عليه على وَجْهِ النَّظَرِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا عَفَا الْمَحْجُورُ عن الْقِصَاصِ جَازَ عَفْوُهُ عنه وَكَانَتْ له وَلِوَرَثَتِهِ معه الدِّيَةُ لِأَنَّ في عَفْوِهِ عن الْقِصَاصِ زِيَادَةً في مَالِهِ وَعَفْوُهُ الْمَالَ نَقْصٌ فَلَا يَجُوزُ عَفْوُهُ الْمَالَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ جَازَ له عَفْوُ مَالِهِ سِوَى الدِّيَةِ جَازَ ذلك له في الدِّيَةِ وَمَنْ لم يَجُزْ عَفْوُ مَالِهِ سِوَى الدِّيَةِ لم يَجُزْ له عَفْوُ الدِّيَةِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ قال أَحَدُ الْوَرَثَةِ قد عَفَوْت عن الْقَاتِلِ أو قد عَفَوْت حَقِّي عن الْقَاتِلِ ثُمَّ مَاتَ قبل يُبَيِّنَ كان لِوَرَثَتِهِ أَخْذُ حَقِّهِ من الدِّيَةِ ولم يَكُنْ لهم الْقِصَاصُ فَإِنْ ادَّعَى الْقَاتِلُ أَنَّهُ قد عَفَا الدِّيَةَ وَالْقَوَدَ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَإِنْ أَرَادَ إحْلَافَ الْوَرَثَةِ ما يَعْلَمُونَهُ عَفَاهُمَا ( 1 ) أَحَلَفُوهُمْ وَأَخَذُوا بِحَقِّهِمْ من الدِّيَةِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان الْعَافِي حَيًّا فَادَّعَى عليه الْقَاتِلُ أَنَّهُ قد عَفَا عنه الدَّمَ وَالْمَالَ أُحْلِفَ له كما يَحْلِفُ في دَعْوَاهُ عليه فِيمَا سِوَى ذلك + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكُلُّ جِنَايَةٍ على أَحَدٍ فيها الْقِصَاصُ دُونَ النَّفْسِ كَالنَّفْسِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان لِلدَّمِ وَلِيَّانِ فَحُكِمَ لَهُمَا بِالْقِصَاصِ أو لم يُحْكَمْ حتى قال أَحَدُهُمَا قد عَفَوْتُ الْقَتْلَ لِلَّهِ أو قد عَفَوْتُ عنه أو قد تَرَكْتُ الِاقْتِصَاصَ منه أو قال الْقَاتِلُ اُعْفُ عَنِّي فقال قد عَفَوْتُ عَنْكَ فَقَدْ بَطَلَ الْقِصَاصُ عنه وهو على حَقِّهِ من الدِّيَةِ وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَأْخُذَهُ بِهِ أَخَذَهُ لِأَنَّ عَفْوَهُ عن الْقِصَاصِ غَيْرُ عَفْوِهِ عن الْمَالِ إنَّمَا هو عَفْوُ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ دُونَ الْآخَرِ قال اللَّه تَعَالَى { فَمَنْ عُفِيَ له من أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ } يَعْنِي من عُفِيَ له عن الْقِصَاصِ

(6/13)


لِلْمَجْنِيِّ عليه الْقِصَاصُ إذَا أَرَادَ أو أَخْذُ الْمَالِ أو الْعَفْوُ بِلَا مَالٍ فَإِنْ مَاتَ من غَيْرِ الْجِرَاحِ قبل أَنْ يَقْتَصَّ أو يَعْفُوَ فَوَلِيُّهُ يَقُومُ في الِاقْتِصَاصِ وَالْعَفْوِ مَقَامَهُ وَالْقَوْلُ فيه كَالْقَوْلِ في النَّفْسِ لَا يَخْتَلِفَانِ - * بَابُ الشَّهَادَةِ في الْعَفْوِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ حَلَفَ الْقَاتِلُ مع شَهَادَتِهِ له أَنَّهُ عَفَا عنه الْمَشْهُودُ عليه الْقِصَاصُ بِالْمَالِ وَبَرِئَ من حِصَّةِ الْمَشْهُودِ عليه من الدِّيَةِ وَأَخَذَ من بَقِيَ من الْوَرَثَةِ ( 1 ) منهم حِصَصَهُمْ من الدِّيَةِ وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ على الْوَارِثِ أَنَّهُ قال قد عَفَوْتُ عن دَمِ أبي أو عَفَوْتُ عن فُلَانٍ دَمَ أبي أو عَفَوْتُ عن فُلَانٍ تَبَاعَتِي في دَمِ أبي أو عَفَوْتُ عن فُلَانٍ ما يَلْزَمُهُ لِأَبِي أو ما يَلْزَمُهُ لي من قِبَلِ أبي كان هذا كُلُّهُ عَفْوًا لِلدَّمِ ولم يَكُنْ عَفْوًا لِحِصَّتِهِ من الدِّيَةِ حتى يُبَيِّنَ فَيَقُولَ قد عَفَوْتُ عنه الدَّمَ وَالدِّيَةَ أو الدَّمَ وما يَلْزَمُهُ من الْمَالِ وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ وَصَلَ كَلَامَهُ فقال قد عَفَوْتُ عن الْقِصَاصِ وَالْعُقُوبَةِ في الذِّمَّةِ لم يَكُنْ هذا عَفْوًا لِلْمَالِ حتى يَقُولَ قد عَفَوْت عنه الدَّمَ وَالْمَالَ الذي يَلْزَمُهُ لِأَبِي وَكَذَلِكَ لو قال قد عَفَوْت عنه دم ( ( ( دما ) ) ) وما يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ قد يَرَى الْعُقُوبَةَ تَلْزَمُهُ وَلَيْسَ هذا عَفْوًا لِلْمَالِ حتى يُسَمِّيَهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ وَصَلَ فقال قد عَفَوْت عنه الذي يَلْزَمُهُ في دَمِ أبي من قِصَاصٍ وَعُقُوبَةٍ في مَالٍ لم يَكُنْ عَفْوًا عن الدِّيَةِ حتى يَقُولَ ما يَلْزَمُهُ لي من الْمَالِ أو ما يَلْزَمُهُ من الْمَالِ لِأَنَّهُ قد يَجْهَلُ فَيَرَى أَنَّ عليه أَنْ يُحْرَقَ له مَالٌ أو يُقْطَعَ أو يُعَاقَبَ فيه فَالدِّيَةُ لَيْسَتْ عُقُوبَةً وَعَلَيْهِ في هذا كُلِّهِ الْيَمِينُ ما عَفَا الدِّيَةَ وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ من الْوَرَثَةِ على الِاثْنَيْنِ وَشَهِدَ الِاثْنَانِ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِمَا على الشَّاهِدَيْنِ عَلَيْهِمَا أَنَّهُمْ عَفَوْا الدِّيَةَ وَالْقِصَاصَ كانت شَهَادَتُهُمْ جَائِزَةً وَلَيْسَ في شَيْءٍ من شَهَادَتِهِمْ ما يَجُرُّونَ بِهِ إلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَا يَدْفَعُونَ بِهِ عنها لِأَنَّهُ قد كان لِكُلِّ وَاحِدٍ منهم عَفْوُ الدَّمِ وَإِنْ لم يَرْضَهُ صَاحِبُهُ وَلَيْسَتْ تَصِيرُ حِصَّةُ وَاحِدٍ منهم عَفْوًا إلَى صَاحِبِهِ فَيَكُونُ جَارًّا بها إلَى نَفْسِهِ شيئا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان لِلدَّمِ وَلِيَّانِ أَحَدُهُمَا غَائِبٌ أو صَغِيرٌ أو حَاضِرٌ لم يَأْمُرْهُ بِالْقَتْلِ ولم يُخَيِّرْهُ فَعَدَا أَحَدُ الْوَلِيَّيْنِ فَقَتَلَ قَاتِلَ أبيه فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا لَا قِصَاصَ بِحَالٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنَّمَا يُسْقِطُ من قال هذا الْقَوَدَ عنه إذَا لم يُجْمِعْ وَرَثَةُ الْمَقْتُولِ عليه لِلشُّبْهَةِ وَإِنَّ قَوْلَ اللَّهِ عز وجل { فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ في الْقَتْلِ } يَحْتَمِلُ أَيَّ وَلِيٍّ قَتَلَ كان أَحَقَّ بِالْقَتْلِ وقد كان يَذْهَبُ إلَى هذا أَكْثَرُ مُفْتِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَيَقُولُونَ لو قُتِلَ رَجُلٌ له مِائَةُ وَلِيٍّ فَعَفَا تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ كان لِلْبَاقِي الذي لم يَعْفُ الْقَوَدُ وَيُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْحَدِّ يَكُونُ لِلرَّجُلِ فَيَمُوتُ فَيَعْفُو أَحَدُ بَنِيهِ أَنَّ للاخر الْقِيَامَ بِهِ فَبِهَذَا أَسْقَطَ من قال هذا الْقِصَاصَ عن الْقَاتِلِ وَالتَّعْزِيرَ إنْ كان مِمَّنْ يَجْهَلُ وَإِنْ كان مِمَّنْ لَا يَجْهَلُ عُزِّرَ بِالتَّعَدِّي بِالْقَتْلِ دُونَ غَيْرِهِ من وُلَاةِ الدَّمِ ثُمَّ قِيلَ لِوُلَاةِ الدَّمِ معه لَكُمْ حِصَّةٌ من الدِّيَةِ فَإِنْ عَفَوْتُمُوهَا تَرَكْتُمْ حَقَّكُمْ وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَخْذَهَا فَهِيَ لَكُمْ وَالْقَوْلُ مِمَّنْ يَأْخُذُونَهَا وَاحِدٌ من قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أنها لهم في مَالِ الْقَاتِلِ وَيَرْجِعُ بها وَرَثَةُ الْقَاتِلِ في مَالِ قَاتِلِهِ وَمَنْ قال هذا قال إنْ عَفَوْا عن الْقَاتِلِ الدِّيَةَ رَجَعَ وَرَثَةُ قَاتِلِ الْمَقْتُولِ على قَاتِلِ صَاحِبِهِمْ بِحِصَّةِ الْوَرَثَةِ معه من الدِّيَةِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) الْقَوْلُ الثَّانِي أنها لِلْوَرَثَةِ في مَالِ أَخِيهِمْ لِأَنَّهُ قاتل قَاتِلُ أَبِيهِمْ لِأَنَّ الدِّيَةَ إنَّمَا كانت تَلْزَمُهُ لو كان لم يَقْتُلْهُ وَلِيٌّ فإذ ( ( ( فإذا ) ) ) قَتَلَهُ وَلِيٌّ يُدْرَأُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا مَاتَ الْمَجْنِيُّ عليه في النَّفْسِ أو غَيْرِهَا فَشَهِدَ أَحَدُ وَرَثَتِهِ أَنَّ أَحَدَهُمْ عَفَا الْقِصَاصَ أو عَفَا الْمَالَ وَالْقِصَاصَ فَلَا سَبِيلَ إلَى الْقِصَاصِ كان الشَّاهِدُ مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ أو لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ إذَا كان بَالِغًا وَارِثًا لِلْمَقْتُولِ لِأَنَّ في شَهَادَتِهِ إقْرَارًا أَنَّ دَمَ الْقَاتِلِ مَمْنُوعٌ وَإِنْ لم تَكُنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ أُحَلِّفُ المشهود ( ( ( الشهود ) ) ) عليه ما عَفَا الْمَالَ وَكَانَتْ له حِصَّتُهُ من الدِّيَةِ وَلَا يَحْلِفُ ما عَفَا الْقِصَاصَ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى الْقِصَاصِ وَلَا أُحَلِّفُهُ على ما إذَا حَلَفَ عليه لم أَطْرَحْ عنه بِيَمِينِهِ ما شَهِدَ بِهِ عليه

(6/14)


عنه الْقِصَاصُ فَلَا يَجْتَمِعُ عليه الْقَتْلُ وَيُوجِبُ الدِّيَةُ في مَالِهِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا عَفَا أَحَدُ الْوَرَثَةِ الْقِصَاصَ فَحُكْمُ الْحَاكِمِ لهم بِالدِّيَةِ فَأَيُّهُمْ قَتَلَ الْقَاتِلَ قُتِلَ بِهِ إلَّا أَنْ يَدَعَ ذلك وَرَثَتُهُ - * بَابُ عَفْوِ الْمَجْنِيِّ عليه الْجِنَايَةَ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا جَنَى الرَّجُلُ على الرَّجُلِ الْجِنَايَةَ فيها قِصَاصٌ فقال الْمَجْنِيُّ عليه قد عَفَوْت عن الْجَانِي جِنَايَتَهُ عَلَيَّ وَبَرَّأَ المجنى عليه من الْجِنَايَةِ سَقَطَ الْقِصَاصُ عن الْجَانِي وسئل ( ( ( وسأل ) ) ) الْمَجْنِيَّ عليه فَإِنْ قال قد عَفَوْت له الْقِصَاصَ وَالْمَالَ جَازَ عَفْوُهُ لِلْمَالِ إنْ كان يَلِي مَالَهُ وَإِنْ كان لَا يَلِي مَالَهُ جَازَ عَفْوُهُ لِلْقِصَاصِ وَأُخِذَ له الْمَالُ لِأَنَّهُ ليس له أَنْ يَهَبَ من مَالِهِ شيئا وَهَكَذَا إنْ مَاتَ من جِنَايَةِ الْجَانِي وهو يَلِي مَالَهُ سُئِلَ وَرَثَتُهُ فَإِنْ قالوا لَا نَعْلَمُهُ عَفَا الْمَالَ أُحْلِفُوا ما عَلِمُوهُ عَفَا الْمَالَ وَأَخَذُوا الْمَالَ من مَالِ الْجَانِي إلَّا أَنْ يَأْتِيَ الْجَانِي بِبَيِّنَةٍ على عَفْوِهِ الْمَالَ وَالْقِصَاصَ مَعًا فَيَجُوزُ له الْعَفْوُ وَلَوْ جاء الْجَانِي بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ قال قد عَفَوْت عنه ما يَلْزَمُهُ في جِنَايَتِهِ على لم يَكُنْ هذا عَفْوَ الْمَالِ حتى يُبَيِّنَ فَيَقُولَ من قِصَاصٍ وَأَرْشٍ فَيَجُوزَ عَفْوُ الْمَالِ وَلَوْ مَاتَ الْمَجْنِيُّ عليه من جِنَايَةِ الْجَانِي بَعْدَ قَوْلِهِ قد عَفَوْت عن الْجَانِي جِنَايَتَهُ على سَقَطُ الْقِصَاصُ وكان عليه في مَالِهِ دِيَةُ النَّفْسِ وَكَذَلِكَ لو قال قد عَفَوْت عنه ما لَزِمَهُ في جِنَايَتِهِ على من عَقْلٍ وَقَوَدٍ وما يَحْدُثُ منها كان هَكَذَا وَلَوْ قال قد عَفَوْت عنه ما لَزِمَهُ في جِنَايَتِهِ عَلَيَّ من عَقْلٍ وَقَوَدٍ فلم يَمُتْ من الْجِنَايَةِ وَصَحَّ قبل أَنْ يَمُوتَ وَمَاتَ من غَيْرِهَا جَازَ الْعَفْوُ فِيمَا لَزِمَهُ بِالْجِنَايَةِ نَفْسِهَا ولم يَجُزْ فِيمَا لَزِمَهُ بِزِيَادَتِهَا لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لم تَكُنْ وَجَبَتْ له يوم عَفَا ولم تَكُنْ وَصِيَّةً بِحَالٍ وَكَانَتْ كَهِبَةٍ وَهَبَهَا مَرِيضًا ثُمَّ صَحَّ فَتَجُوزُ جَوَازَ هِبَةِ الصَّحِيحِ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فلم يَصِحَّ حتى جَرَحَهُ رَجُلٌ آخَرُ فَخَرَجَ الْأَوَّلُ من أَنْ يَكُونَ قَاتِلًا كان أَرْشُ الْجُرْحِ كُلِّهِ وَصِيَّةً جَائِزَةً يُضْرَبُ بها مع أَهْلِ الْوَصَايَا لِأَنَّهُ ليس بِقَاتِلٍ ( قال أبو مُحَمَّدٍ ) وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ قَاتِلٌ مع غَيْرِهِ فَلَا تَجُوزُ له وَصِيَّةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْجَارِحُ الثَّانِي قد ذَبَحَهُ أو قَطَعَهُ بِاثْنَيْنِ فَيَكُونُ هو الْقَاتِلَ وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّ الثَّانِيَ هو الْقَاتِلُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فقال قد عَفَوْت عنه الْجِنَايَةَ وما يَحْدُثُ فيها وما يَلْزَمُهُ منها من عَقْلٍ وَقَوَدٍ ثُمَّ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ على من قَتَلَ من الْأَوْلِيَاءِ قَاتِلَ أبيه الْقِصَاصَ حتى يَجْتَمِعُوا على الْقَتْلِ وإذا قَتَلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فقال قَتَلَ ابْنِي أو رَجُلًا أنا وَلِيُّهُ طُلِبَ بِالْبَيِّنَةِ فَإِنْ أَقَامَهَا بِأَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا عُزِّرَ ولم يَكُنْ عليه عَقْلٌ وَلَا قَوَدٌ وَلَا كَفَّارَةٌ وَإِنْ لم يُقِمْهَا اُقْتُصَّ منه وَلَوْ قُتِلَ رَجُلٌ له وَلِيَّانِ فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا قَاتِلَ أبيه وَادَّعَى أَنَّ الْوَلِيَّ معه أَذِنَ له أُحَلِّفُ الْوَلِيَّ الْمُدَّعَى عليه فَإِنْ حَلَفَ كان له نَصِيبُهُ من الدِّيَةِ على ما وَصَفْت وَإِنْ نَكَلَ ( 1 ) حَلَفَ الْمُدَّعَى عليه وَبَرِئَ من نَصِيبِهِ من الدِّيَةِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا له وَلِيَّانِ أو أَوْلِيَاءُ فَعَفَا أَحَدُ أَوْلِيَائِهِ الْقِصَاصَ ثُمَّ عَدَا عليه أَحَدُ الْأَوْلِيَاءِ فَقَتَلَهُ وقال لم أَعْلَمْ عَفْوَ من مَعِي فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ عليه الْقِصَاصَ فإذا اقْتَصَّ منه فَنَصِيبُهُ من الدِّيَةِ في مَالِ الْقَاتِلِ الْمَقْتُولِ الذي اُقْتُصَّ منه وَالْآخَرُ أَنْ يَحْلِفَ ما عَلِمَ عَفْوَهُ ثُمَّ عُوقِبَ ولم يُقْتَصَّ منه وَأُغَرِّمُ دِيَتَهُ حَالَّةً في مَالِهِ يُرْفَعُ عنه منها بِقَدْرِ نَصِيبِهِ من دِيَةِ الْمَقْتُولِ الذي هو وَارِثُهُ وَإِنْ لم يَحْلِفْ حَلَفَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ الْآخَرِ لقد عَلِمَ ثُمَّ في الْقِصَاصِ منه قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَقْتَصَّ منه وَالْآخَرُ لَا قِصَاصَ منه وَمَنْ قال يُقْتَصُّ منه جَعَلَ لِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ الْأَوَّلِ في مَالِ الْقَاتِلِ نَصِيبَهُمْ من الدِّيَةِ وَلِلَّذِي قُتِلَ بِهِ حِصَّتَهُ من الدِّيَةِ لَمَّا أَخَذَ منه الْقِصَاصَ

(6/15)


مَاتَ من الْجِنَايَةِ فَلَا سَبِيلَ إلَى الْقَوَدِ بِحَالِ العفوت ( ( ( العفو ) ) ) عنه وَالنَّظَرِ إلَى أَرْشِ الْجِنَايَةِ نَفْسِهَا فَكَانَ فيها قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ جَائِزُ الْعَفْوِ عنه من ثُلُثِ مَالِ الْعَافِي عنه كَأَنْ كان شَجَّهُ مُوضِحَةً فَعَفَا عَقْلَهَا وَقَوَدَهَا فَيُرْفَعُ عنه من الدِّيَةِ نِصْفُ عُشْرِهَا لِأَنَّهُ وَجَبَ لِلْمَجْنِيِّ عليه في الْجِنَايَةِ وَيَأْخُذُ الْبَاقِيَ لِأَنَّهُ عَفَا عَمَّا لم يَجِبْ له فَلَا يَجُوزُ عَفْوُهُ فيه وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنْ يُؤْخَذَ بِجَمِيعِ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهَا صَارَتْ نَفْسًا وَهَذَا قَاتِلٌ لَا تَجُوزُ له وَصِيَّةٌ بِحَالٍ ( قال الرَّبِيعُ ) وَهَذَا اصح الْقَوْلَيْنِ عِنْدِي (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا قال الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ قد عَفَوْت عَنْكَ الْعَقْلَ وَالْقَوَدَ في كل ما جَنَيْت عَلَيَّ فَجَنَى عليه بَعْدَ الْقَوْلِ لم يَكُنْ هذا عَفْوًا وكان له الْعَقْلُ وَالْقَوَدُ لِأَنَّهُ عَفَا عنه ما لم يَجِبْ له + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا جَنَى الرَّجُلُ على أبي الرَّجُلِ جُرْحًا فقال ابْنُهُ وهو وَارِثُهُ قد عَفَوْت عن جِنَايَتِك على أبي في الْعَقْلِ وَالْقَوَدِ مَعًا لم يَكُنْ هذا عَفْوًا لِأَنَّ الْجِنَايَةَ لِأَبِيهِ وَلَا يَكُونُ له الْقِيَامُ بها إلَّا أَنْ يَمُوتَ أَبُوهُ وَلَهُ إذَا مَاتَ أَبُوهُ أَنْ يَأْخُذَ الْعَقْلَ أو الْقَوَدَ لِأَنَّهُ لم يَعْفُ بَعْدَ ما وَجَبَ له وَلَوْ عَفَاهُ بَعْدَ مَوْتِ أبيه لم يَكُنْ له عَقْلٌ وَلَا قَوَدٌ إذَا عَفَاهُمَا مَعًا - * جِنَايَةُ الْعَبْدِ على الْحُرِّ فَيَبْتَاعُهُ الْحُرُّ وَالْعَفْوُ عنه - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا جَنَى عَبْدٌ على حُرٍّ جِنَايَةً فيها قِصَاصٌ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ أو الْأَرْشُ وَالْجِنَايَةُ وَالدِّيَةُ كُلُّهَا في رَقَبَةِ الْعَبْدِ فَإِنْ عَفَا الْقِصَاصَ وَالْأَرْشَ جَازَ الْعَفْوُ إنْ صَحَّ منها من رَأْسِ الْمَالِ وَإِنْ مَاتَ منها أو من غَيْرِهَا قبل يَصِحَّ جَازَ الْعَفْوُ لِأَنَّهُ من الثُّلُثِ يَضْرِبُ بِهِ سَيِّدُ الْعَبْدِ في ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ مع أَهْلِ الْوَصَايَا بِالْأَقَلِّ من الدِّيَةِ وَالْأَرْشِ ما كان أو قِيمَةِ رَقَبَةِ عَبْدِهِ ليس عليه غَيْرُهُ وَإِنَّمَا أَجَزْنَاهَا هُنَا أنها وَصِيَّةٌ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ وَسَيِّدُهُ ليس بِقَاتِلٍ وَلَوْ كانت جِنَايَةُ الْعَبْدِ على الْحُرِّ مُوضِحَةً فقال قد عَفَوْت عنه الْقِصَاصَ وَالْعَقْلَ وما يَحْدُثُ في الْجِنَايَةِ جَازَ له الْعَفْوُ عن الْمُوضِحَةِ ولم يَجُزْ له ما بَقِيَ لِأَنَّهُ عَفَا عَمَّا لم يَجِبْ له ولم يُوصِ إنْ وَجَبَ له أَنْ يَعْفُوَ عنه وَلَوْ أَنَّهُ قال إنْ مِتُّ من الْمُوضِحَةِ أو ازْدَادَتْ فَزِيَادَتُهَا بِالْمَوْتِ وَغَيْرِهِ وَصِيَّةٌ له جَازَ الْعَفْوُ من الثُّلُثِ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لو كان له في يَدَيْ رَجُلٍ مَالٌ فقال ما رَبِحَ فيه فُلَانٌ فَهُوَ هِبَةٌ لِفُلَانٍ لم يَجُزْ وَلَوْ قال وَصِيَّةٌ لِفُلَانٍ جَازَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان الْعَبْدُ جَنَى على الْحُرِّ جِنَايَةً أَقَرَّ بها الْعَبْدُ ولم تَقُمْ بها بَيِّنَةٌ فقال الْحُرُّ قد عَفَوْت الْجِنَايَةَ وَعَقْلَهَا أو ما يَحْدُثُ فيها لم يَكُنْ له قِصَاصٌ بِحَالِ الْعَفْوِ وكان الْعَقْلُ إنَّمَا يَجِبُ على الْعَبْدِ إذَا عَتَقَ فَكَانَ عَفْوُهُ عنه الْعَقْلَ كَعَفْوِهِ عن الْحَدِّ يَجُوزُ لِلْعَبْدِ منه إذَا عَتَقَ ما يَجُوزُ لِلْجَانِي الْحُرِّ الْمَعْفُوِّ عنه وَيُرَدُّ عنه ما يُرَدُّ عن الْحُرِّ وَلَوْ جَنَى عَبْدٌ على حُرٍّ مُوضِحَةً عَمْدًا فَابْتَاعَ الْحُرُّ الْعَبْدَ من سَيِّدِهِ بِالْمُوضِحَةِ كان هذا عَفْوًا لِلْقِصَاصِ فيها ولم يَجُزْ الْبَيْعُ إلَّا أَنْ يَعْلَمَا مَعًا أَرْشَ الْمُوضِحَةِ فَيَبْتَاعُ الْمَجْنِيُّ عليه الْعَبْدَ فَيَكُونُ الْبَيْعُ جَائِزًا وَهَكَذَا لو كانت أَكْثَرَ من مُوضِحَةٍ أو أَقَلَّ لِأَنَّ الْأَثْمَانَ لَا تَجُوزُ إلَّا مَعْلُومَةً عِنْدَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِالْعَبْدِ عَيْبًا كان له رده وكان له رَدُّهُ وكان له في عُنُقِهِ أَرْشُ الْجِنَايَةِ بَالِغًا ما بَلَغَ وَلَوْ أَخَذَهُ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ فَمَاتَ في يَدَيْ الْمُشْتَرِي كانت على الْمُشْتَرِي قِيمَتُهُ يُحَاصُّ بها من أَرْشِ الْجِنَايَةِ التي وَجَبَتْ له في عُنُقِهِ وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا جَنَى على حُرٍّ عَمْدًا فَأَعْتَقَ سَيِّدُ الْعَبْدِ الْعَبْدَ وهو يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ أو لَا يَعْلَمُ فَسَوَاءٌ وَلِلْحُرِّ الْقَوَدُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْعَقْلَ فَإِنْ شَاءَ فَعَلَى السَّيِّدِ الْمُعْتِقِ الْأَقَلُّ من أَرْشِ الْعَقْلِ أو قِيمَةِ رَقَبَةِ الْعَبْدِ وَجِنَايَةُ الْعَبْدِ على الْحُرِّ عَمْدًا وَخَطَأً سَوَاءٌ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كانت الْجِنَايَةُ يَدَيْنِ وَرِجْلَيْنِ ثُمَّ مَاتَ منها وَعَفَا جَازَ له الْعَفْوُ في الْقَوْلِ الْأَوَّلِ من الثُّلُثِ لِأَنَّ الدِّيَةَ وَجَبَتْ له وأكثر ( ( ( أكثر ) ) ) إلَّا أَنَّ ذلك نَقَصَ بِالْمَوْتِ ولم يَجُزْ له في الْقَوْلِ الثَّانِي لِأَنَّهَا صَارَتْ نَفْسًا وَهَذَا قَاتِلٌ

(6/16)


- * جِنَايَةُ الْمَرْأَةِ على الرَّجُلِ فَيَنْكِحُهَا بِالْجِنَايَةِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيُقْبَلُ في الْقَتْلِ وَالْحُدُودِ سِوَى الزنى شَاهِدَانِ وإذا كان الْجُرْحُ وَالْقَتْلُ عَمْدًا لم يُقْبَلْ فيه إلَّا شَاهِدَانِ وَلَا يُقْبَلُ فيه شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَلَا يَمِينٌ وَشَاهِدٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْجُرْحُ عَمْدًا مِمَّا لَا قِصَاصَ فيه بِحَالٍ مِثْلُ الْجَائِفَةِ وَمِثْلُ جِنَايَةِ من لَا قَوَدَ عليه من مَعْتُوهٍ أو صَبِيٍّ أو مُسْلِمٍ على كَافِرٍ أو حُرٍّ على عَبْدٍ أو أَبٍ على ابْنِهِ فإذا كان هذا قُبِلَ فيه شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَيَمِينٌ وَشَاهِدٌ لِأَنَّهُ مَالٌ بِكُلِّ حَالٍ فَإِنْ كان الْجُرْحُ هَاشِمَةً أو مَأْمُومَةً لم يُقْبَلْ فيه أَقَلُّ من شَاهِدَيْنِ لِأَنَّ الذي شُجَّ هَاشِمَةً أو مَأْمُومَةً إنْ أَرَادَ أَنْ آخُذَ له الْقِصَاصَ من مُوضِحَةٍ فَعَلْت لِأَنَّهَا مُوضِحَةٌ وَزِيَادَةٌ فإذا كانت الْجِنَايَةُ الْأَدْنَى إنْ أَرَادَ أَنْ آخُذَ له فيها قَوَدًا أَخَذْتهَا لم أَقْبَلْ فيها شَهَادَةَ شَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَلَا شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ وإذا كانت لَا قِصَاصَ في أَدْنَى شَيْءٍ منها وَلَا أَعْلَاهُ قَبِلْت فيها شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ وَشَاهِدًا وَيَمِينًا وإذا ادَّعَى رَجُلٌ على رَجُلٍ قَتْلَ عَمْدٍ وقال قد عَفَوْت الْقَوَدَ أو قال لي الْقَوَدُ أو الْمَالُ وأنا آخُذُ الْمَالَ وَسَأَلَ أَنْ يُقْبَلَ له شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ أو يَمِينٌ وَشَاهِدٌ لم يَكُنْ ذلك له لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ له مَالٌ حتى يَجِبَ له قَوَدٌ وإذا ادَّعَى رَجُلٌ على رَجُلٍ جُرْحًا عَمْدًا أو خَطَأً لم أَقْبَلْ له شَهَادَةَ وَارِثٍ له بِحَالٍ لِأَنَّهُ قد يَكُونُ نَفْسًا فَيَسْتَوْجِبُ بِشَهَادَتِهِ الدِّيَةَ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا له بن وبن عَمٍّ فَادَّعَى جُرْحًا فَشَهِدَ له بن عَمِّهِ قَبِلْت شَهَادَتَهُ لِأَنَّهُ ليس بِوَارِثٍ له فَإِنْ لم يُحْكَمْ بها حتى مَاتَ ابْنُهُ طَرَحْت شَهَادَةَ بن عَمِّهِ لِأَنَّهُ قد صَارَ وَارِثًا لِلْمَشْهُودِ له لِأَنَّهُ لو مَاتَ وَرِثَهُ وَإِنْ حُكِمَ بها ثُمَّ مَاتَ ابْنُهُ فَصَارَ بن عَمِّهِ الْوَارِثَ لم تُرَدَّ لِأَنَّ الْحُكْمَ قد مَضَى بها في حِينِ لَا يَجُرُّ إلَى نَفْسِهِ بها شيئا - * الشَّهَادَةُ في الْأَقْضِيَةِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَقَامَ الرَّجُلُ على الرَّجُلِ شَاهِدَيْنِ بِقَتْلٍ عَمْدًا وهو مِمَّنْ يستفاد ( ( ( يستقاد ) ) ) منه لِلْمَقْتُولِ فَأَتَى الْمَشْهُودُ عليه بِرَجُلَيْنِ من عَاقِلَتِهِ غَيْرِ وَلَدِهِ أو وَالِدِهِ يَشْهَدَانِ له على جَرْحِ الشَّاهِدَيْنِ اللَّذَيْنِ شَهِدَا عليه قَبِلْت
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا جَنَتْ الْمَرْأَةُ على الرَّجُلِ مُوضِحَةً عَمْدًا أو خَطَأً فَنَكَحَهَا على الْمُوضِحَةِ فَالنِّكَاحُ عليها عَفْوٌ لِلْجِنَايَةِ وَلَا سَبِيلَ إلَى الْقَوَدِ وَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ وَإِنْ كَانَا قد عَلِمَا أَرْشَ الْجِنَايَةِ كان مَهْرُهَا أَرْشَ الْجِنَايَةِ في الْعَمْدِ خَاصَّةً فَإِنْ طَلَّقَهَا قبل الدُّخُولِ رَجَعَ عليها بِنِصْفِ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ وَإِنْ نَكَحَهَا على أَرْشِ مُوضِحَةٍ خَطَأً كان النِّكَاحُ جَائِزًا وكان لها مَهْرُ مِثْلِهَا وَلَهُ على عَاقِلَتِهَا أَرْشُ مُوضِحَةٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَكَحَهَا بِدَيْنٍ له على غَيْرِهَا وَلَا يَجُوزُ صَدَاقُ دَيْنٍ على غَيْرِ الْمُصَدَّقِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا عَاشَ من الْجِنَايَةِ فَإِنْ كانت الْجِنَايَةُ خَطَأً أو عَمْدًا فَمَاتَ منها فَكَانَ الصَّدَاقُ جَائِزًا وَزَادَهَا فيه على صَدَاقِ مِثْلِهَا رُدَّتْ إلَى صَدَاقِ مِثْلِهَا وَرَجَعَ عليها بِالْفَضْلِ لِأَنَّهَا تَصِيرُ وَصِيَّةً لِوَارِثٍ فَلَا تَجُوزُ وَلَوْ جَنَتْ على عَبْدٍ له جِنَايَةً فَنَكَحَهَا عليها جَازَ كَنِكَاحِهِ إيَّاهَا على جِنَايَةِ نَفْسِهِ في الْمَسَائِلِ كُلِّهَا ( 1 ) إلَّا في أَنَّ الصَّدَاقَ إذَا كان جَائِزًا وكان أَكْثَرَ من مَهْرِ مِثْلِهَا وَمَاتَ الْعَبْدُ جَائِزٌ لِأَنَّهَا لم تَجْنِ على السَّيِّدِ فَيَكُونُ قَابِلًا ولم يَكُنْ صَدَاقُهَا في مَعْنَى الْوَصَايَا بِحَالٍ فَلَا يَجُوزُ منه ما جَاوَزَ صَدَاقَ مِثْلِهَا - * الشَّهَادَةُ في الْجِنَايَةِ - *

(6/17)


شَهَادَتَهُمَا لِأَنَّهُمَا لَا يَعْقِلَانِ عنه في الْعَمْدِ فَيَدْفَعَانِ عن أَنْفُسِهِمَا بِشَهَادَتِهِمَا عَقْلًا وَلَوْ ادَّعَى عليه قَتْلَ خَطَأٍ وَأَقَامَ بِهِ عليه شَاهِدَيْنِ فَجَاءَ الْمَشْهُودُ عليه بِرَجُلَيْنِ من عَاقِلَتِهِ يَجْرَحَانِ الشَّاهِدَيْنِ لم تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّهُمَا يَدْفَعَانِ عن أَنْفُسِهِمَا ما يَلْزَمُهُمَا من الْعَقْلِ وَكَذَلِكَ لو كَانَا من عَاقِلَتِهِ فَقِيرَيْنِ لَا يَلْزَمُهُمَا لِذَلِكَ عَقْلٌ لم تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّهُ قد يَكُونُ لَهُمَا مَالٌ في وَقْتِ الْعَقْلِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُمَا الْعَقْلُ فَيَكُونَا دَافِعَيْنِ بِشَهَادَتِهِمَا عن أَنْفُسِهِمَا وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ على رَجُلٍ بِقَتْلٍ أو جُرْحٍ خَطَأً فَجَاءَ الْمَشْهُودُ عليه بِرِجَالٍ من عَصَبَتِهِ يَجْرَحُونَهُمَا انْبَغَى لِلْحَاكِمِ أَنْ يَنْظُرَ فَإِنْ كان الَّذِينَ جَرَحُوهُمَا مِمَّنْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَعْقِلَ عن المشهود ( ( ( الشهود ) ) ) عليه حين شَهِدُوا إنْ حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمَا لم تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا وَذَلِكَ أَنْ لَا يَكُونَ من هو أَقْرَبُ إلَيْهِ نَسَبًا مِنْهُمَا يَحْمِلُ الْعَقْلَ عنه وَإِنْ كان من هو أَقْرَبُ إلَيْهِ نَسَبًا مِنْهُمَا يَحْمِلُ الْعَقْلَ عنه حتى لَا يَخْلُصَ إلَى أَنْ يَعْقِلَ الشَّاهِدَانِ عنه إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَقْلَ عنه من الْعَاقِلَةِ أو حَاجَتِهِمْ قَبِلْتُ شَهَادَتَهُمَا لِأَنَّهُمَا حين شَهِدَا من غَيْرِ عَاقِلَتِهِ - * ما تُقْبَلُ عليه الشَّهَادَةُ في الْجِنَايَةِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا في رِجْلَيْهِ وَأُذُنَيْهِ وَكُلِّ ما ليس فيه منه إلَّا اثْنَانِ فَقُطِعَ أَحَدُهُمَا وَلَوْ شَهِدَا أَنَّ هذا قَطَعَ يَدَ هذا وقال هذا يوم الْخَمِيسِ وقال هذا يوم الْجُمُعَةِ لم تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا إنْ كان عَمْدًا لِاخْتِلَافِهِمَا فإن كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُبَرِّئُ الْجَانِيَ أَنْ يَكُونَ فَعَلَ في الْيَوْمِ الذي زَعَمَ الْآخَرُ أَنَّهُ فَعَلَ فيه وَكَذَلِكَ لو شَهِدَ عليه شَاهِدَانِ أَنَّهُ قَتَلَ بِمَكَّةَ يوم كَذَا وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ قَتَلَ بِمِصْرَ ذلك الْيَوْمَ أو أَنَّهُ قَتَلَ إنْسَانًا بِمِصْرَ في ذلك الْيَوْمِ أو جَرَحَهُ أو أَصَابَ حَدًّا سَقَطَ كُلُّ هذا عنه لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ من الْبَيِّنَتَيْنِ تُبَرِّئُهُ مِمَّا شَهِدَتْ بِهِ عليه الْأُخْرَى وَهَذَا في الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ سَوَاءٌ إذَا لم يَكُنْ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا قد كان وَالْآخَرُ لم يَكُنْ وَبَطَلَتَا مَعًا عنه لِأَنَّ الْحُكْمَ عليه بِإِحْدَاهُمَا ليس بِأَوْجَبَ عليه من الْحُكْمِ عليه بِالْأُخْرَى وَأُحَلِّفُ كما يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عليه بِلَا بَيِّنَةٍ وَلَيْسَ كَاَلَّذِي يُظَاهِرُ عليه من الْأَخْبَارِ التي تُقَرُّ في نَفْسِ الْحَاكِمِ أَنَّهُ كما قالوا لَا يَبْرَأُ من تِلْكَ الشَّهَادَةِ وَإِنْ لم تَكُنْ قَاطِعَةً بِمَعْنَى غَيْرِهِمْ فَيَكُونُ في هذا الْقَسَامَةُ وَلَا يَكُونُ ذلك في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَلَا يَكُونُ ذلك إلَّا بِدَلَالَةٍ وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّهُ قَتَلَهُ يوم الْخَمِيسِ وَآخَرُ أَنَّهُ قَتَلَهُ يوم الْجُمُعَةِ كان بَاطِلًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُكَذِّبُ الْآخَرَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا أَقْبَلُ في الشَّهَادَةِ على الْجِنَايَةِ إلَّا ما أَقْبَلُ في الشَّهَادَةِ على الْحُقُوقِ إلَّا في الْقَسَامَةِ فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا جاء بِشَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّ رَجُلًا ضَرَبَهُ بِسَيْفٍ وَقَّفْتُهُمَا فَإِنْ قَالَا أَنْهَرَ دَمَهُ وَمَاتَ مَكَانَهُ من ضَرْبِهِ قَبِلْت شَهَادَتَهُمَا وَإِنْ قَالَا ما نَدْرِي أَنَهَرَ دَمَهُ أو لم يَنْهَرْ لم أَجْعَلْهُ بها جَارِحًا وَلَوْ قَالَا ضَرَبَهُ في رَأْسِهِ فَرَأَيْنَا دَمًا سَائِلًا لم أَجْعَلْهُ جَارِحًا إلَّا بِأَنْ يَقُولَا سَالَ من ضَرْبَتِهِ ثُمَّ لم أَجْعَلْهَا دَامِيَةً حتى يَقُولَا وَأَوْضَحَهَا وَهَذِهِ هِيَ نَفْسُهَا أو هِيَ في مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ بَرَأَ منها فَأَرَادَ الْقِصَاصَ لم أقصه ( ( ( أقضه ) ) ) إلَّا بِأَنْ يَقُولَا هِيَ هذه بِعَيْنِهَا أو يَصِفَاهَا طُولَهَا وَعَرْضَهَا فَإِنْ قَالَا أَوْضَحَهُ وَلَا نَدْرِي كَمْ طُولُ الْمُوضِحَةِ لم أقصه ( ( ( أقضه ) ) ) منه وَإِنْ قَالَا أَوْضَحَهُ في رَأْسِهِ وَلَا نُثْبِتُ أَيْنَ مَوْضِعُ الْمُوضِحَةِ لم أقصه ( ( ( أقضه ) ) ) لِأَنِّي لَا أَدْرِي أَيْنَ آخُذُ منه الْقِصَاصَ من رَأْسِهِ وَجَعَلْت عليه الدِّيَةَ لِأَنَّهُمَا قد ثبتا ( ( ( أثبتا ) ) ) على أَنَّهُ أَوْضَحَهُ في رَأْسِهِ وَلَوْ قَالَا ضَرَبَهُ فَقَطَعَ إحْدَى يَدَيْهِ وَالْمَقْطُوعُ إحْدَى يَدَيْهِ مَقْطُوعُ الْيَدِ الْأُخْرَى قِصَاصٌ إذَا لم يُثْبِتَا الْيَدَ التي قَطَعَ وَعَلَى الْجَانِي الْأَرْشُ في مَالِهِ لِأَنَّهُمَا أَثْبَتَا قَطْعَ يَدِهِ وَلَوْ قَالَا قَطَعَ إحْدَى يَدَيْهِ ( 1 ) ولم يُثْبِتَا أَيَّ الْيَدَيْنِ هِيَ أَيَدُهُ الْمَقْطُوعَةُ هِيَ أَمْ يَدُهُ الْأُخْرَى قِيلَ أَنْتُمْ ضُعَفَاءُ لَيْسَتْ له إلَّا يَدَانِ بَيِّنُوا فَإِنْ فَعَلُوا قَبِلْت وَإِنْ لم يَفْعَلُوا قَبِلْت وَقُضِيَ عليه وكان هَؤُلَاءِ ضُعَفَاءَ

(6/18)


وَلَا يَكُونُ قَاتِلًا له يوم الْخَمِيسِ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهَكَذَا لو شَهِدَ رَجُلٌ أَنَّهُ قَتَلَهُ بُكْرَةً وَالْآخَرُ أَنَّهُ عَشِيَّةً وَالْآخَرُ أَنَّهُ خَنَقَهُ حتى مَاتَ وَالْآخَرُ أَنَّهُ ضَرَبَهُ بِسَيْفٍ حتى مَاتَ كانت هذه شَهَادَةً مُتَضَادَّةً لَا تَلْزَمُهُ وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ شَهِدَا على رَجُلَيْنِ أَنَّهُمَا قَتَلَا رَجُلًا وَشَهِدَ المشهود ( ( ( الشهود ) ) ) عَلَيْهِمَا أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ قَتَلَاهُ وَكَانَتْ شَهَادَتُهُمَا في مَقَامٍ وَاحِدٍ فَإِنْ صَدَّقَهُمَا أَوْلِيَاءُ الدَّمِ مَعًا فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ وَكَذَلِكَ إنْ كَذَّبُوهُمَا وَإِنْ ادَّعَوْا شَهَادَتَهُمَا فَشَهِدَا قبل أَنْ يَشْهَدَ الْآخَرُ إنْ قَبِلْت شَهَادَتَهُمَا وَجَعَلْت الْمَشْهُودَ عَلَيْهِمَا اللَّذَيْنِ شَهِدَا بَعْدَ ما شَهِدَ عَلَيْهِمَا بِالْقَتْلِ دَافِعَيْنِ عن أَنْفُسِهِمَا بِشَهَادَتِهِمَا وَأَبْطَلْت شَهَادَتَهُمَا وَإِنْ ادَّعَوْا شَهَادَةَ اللَّذَيْنِ شَهِدَا آخِرًا أَبْطَلْت الشَّهَادَةَ لِأَنَّ الْأَوَّلَيْنِ قد شَهِدَا عَلَيْهِمَا فَدَفَعَا عن أَنْفُسِهِمَا ما شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِمَا قبل أَنْ يَشْهَدَا وَإِنْ لم يَدَّعُوا شيئا تَرَكْتُهُمْ حتى يَدَّعُوا كما وَصَفْت لك (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كَانَا شَهِدَا على قَتْلٍ فقال أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ بِحَدِيدَةٍ وقال الْآخَرُ بِعَصًا كانت شَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةً لِأَنَّهُمَا مُتَضَادَّانِ وَلَا يَكُونُ قَاتِلُهُ بِحَدِيدَةٍ حتى يَأْتِيَ على نَفْسِهِ وَبِعَصًا حتى يَأْتِيَ عليها وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا على أَنَّهُ قَتَلَهُ وَشَهِدَ الْآخَرُ على أَنَّهُ أَقَرَّ بِقَتْلِهِ لم تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا ولم تَكُنْ هذه شَهَادَةً مُتَضَادَّةً يُكَذِّبُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَلَكِنِّي لم أُجْزِهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُجْتَمِعَةٍ على شَيْءٍ وَإِنْ كان الْقَتْلُ الْمَشْهُودُ عليه أو الْمُقَرُّ بِهِ خَطَأً أُحَلِّفُ أَوْلِيَاءَ الدَّمِ مع شَاهِدِهِمْ وَاسْتَحَقُّوا الدِّيَةَ بِمَا تُسْتَحَقُّ بِهِ الْحُقُوقُ وَإِنْ كان عَمْدًا أُحْلِفُوا أَيْضًا قَسَامَةً لِأَنَّ مِثْلَ هذا يُوجِبُ الْقَسَامَةَ في الدَّمِ وَاسْتَحَقُّوا الدِّيَةَ بِالْقَسَامَةِ وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ هذا قَتَلَ فُلَانًا أو هذا قد أَثْبَتَا أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهِ لم تَكُنْ هذه شَهَادَةً قَاطِعَةً وَكَانَتْ في هذا قَسَامَةً على أَحَدِهِمَا كما تَكُونُ على أَهْلِ الْقَرْيَةِ قَتَلَهُ بَعْضُهُمْ وَلَوْ شَهِدَا أَنَّ هذا الرَّجُلَ بِعَيْنِهِ قَتَلَ عَبْدَ اللَّهِ بن مُحَمَّدٍ أو سَالِمَ بن عبد اللَّهِ لَا يدرى أَيَّهُمَا قُتِلَ لم تَكُنْ هذه شَهَادَةً وَلَا في هذا قَسَامَةً لِأَنَّ أَوْلِيَاءَ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا طَلَبُوا لم يَكُونُوا بِأَحَقَّ من غَيْرِهِمْ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا أَقْبَلُ الشَّهَادَةَ حتى يُثْبِتُوهَا فَإِنْ قالوا نَشْهَدُ أَنَّهُ ضَرَبَهُ في رَأْسِهِ ضَرْبَةً بِسَيْفٍ أو حَدِيدَةٍ أو عَصًا فَرَأَيْنَاهُ مَشْجُوجًا هذه الشَّجَّةَ لم أَقُصَّ منه حتى يَقُولُوا فَشَجَّهُ بها هذه الشَّجَّةَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا لو قالوا نَشْهَدُ أَنَّهُ ضَرَبَهُ وهو مُلَفَّفٌ فَقَطَعَهُ بِاثْنَيْنِ أو جَرَحَهُ هذا الْجُرْحَ ولم يُبَيِّنُوا أَنَّهُ كان حَيًّا حين ضَرَبَهُ لم أَجْعَلْهُ قَاتِلًا وَلَا جَارِحًا حتى يَقُولُوا ضَرَبَهُ وهو حَيٌّ أو تَثْبُتُ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ حين ضَرَبَهُ كان حَيًّا أو كانت فيه الْحَيَاةُ بَعْدَ ضَرْبِهِ إيَّاهُ فَيُعْلَمُ أَنَّ الضَّرْبَةَ كانت وهو حَيٌّ وَأَقْبَلُ قَوْلَ الْجَانِي مع يَمِينِهِ إذَا لم تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ هذه الشَّجَّةَ لم تَكُنْ من فِعْلِهِ وَأَنَّهُ ضَرَبَهُ مَيِّتًا وَهَكَذَا لو شَهِدُوا أَنَّ قَوْمًا دَخَلُوا بَيْتًا فَغَابُوا ثُمَّ هَدَمَهُ هذا عليهم فقال هَدَمْتُهُ بَعْدَ ما مَاتُوا جَعَلْت الْقَوْلَ قَوْلَهُ حتى تُثْبِتَ الْبَيِّنَةُ أَنَّ الْحَيَاةَ كانت فِيهِمْ حين هَدَمَ هذا الْبَيْتَ ( قال الرَّبِيعُ ) وَلِلشَّافِعِيِّ فيه قَوْلٌ ثَانٍ يُشْبِهُ هذا أَنَّ الْمَلْفُوفَ بِالثَّوْبِ وَالْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا في الْبَيْتِ فَهَدَمَهُ عليهم على الْحَيَاةِ حتى يُعْلَمَ أو تَقُومَ بَيِّنَةٌ أَنَّهُمْ مَاتُوا قبل أَنْ يَهْدِمَ الْبَيْتَ عليهم + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا لو أَقَرَّ فقال ضَرَبْته
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنْ جاؤوا جميعا مَعًا لم أَقْبَلْ شَهَادَتَهُمْ لِأَنَّهُ ليس في شَهَادَةِ أَحَدٍ منهم شَيْءٌ إلَّا في شَهَادَةِ الْآخَرِ مِثْلُهَا فَلَيْسَ وَاحِدٌ منهم أَوْلَى بِالرَّدِّ وَلَا الْقَبُولِ من الْآخَرِ وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ على رَجُلٍ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ قَتَلَ رَجُلًا خَطَأً في يَوْمٍ غَيْرِ الْيَوْمِ الذي شَهِدَ بِهِ صَاحِبُهُ كان قَوْلُ الْعَامَّةِ إنَّ هذا جَائِزٌ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ على قَوْلٍ وَهَكَذَا إقْرَارُ الناس في يَوْمٍ بَعْدَ يَوْمٍ وَمَجْلِسٍ بَعْدَ مَجْلِسٍ وهو مُخَالِفٌ لِلْفِعْلِ وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ قَتَلَهُ ولم يَقُلْ عَمْدًا وَلَا خَطَأً جَعَلْته قَاتِلًا وَجَعَلْت الْقَوْلَ قَوْلَ الْقَاتِلِ فَإِنْ قال عَمْدًا فَفِيهِ الْقِصَاصُ وَإِنْ قال خَطَأً حَلَفَ ما قَتَلَهُ عَمْدًا وَكَانَتْ الدِّيَةُ في مَالِهِ في مُضِيِّ ثَلَاثِ سِنِينَ وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا وَالْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ قَتَلَهُ خَطَأً سَأَلْتُهُ وَجَعَلْت الْقَوْلَ قَوْلَهُ فَإِنْ قال خَطَأً أَحَلَفَتْهُ على الْعَمْدِ وَجَعَلْته عليه في ثَلَاثِ سِنِينَ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا يَشْهَدُ بِالْإِقْرَارِ بِالْقَتْلِ أَحَدُهُمَا عَمْدًا وَالْآخَرُ خَطَأً وقد يَكُونَانِ صَادِقَيْنِ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ على قَوْلٍ بِلَا فِعْلٍ

(6/19)


فَقَطَعْته وَهَدَمْت الْبَيْتَ على هَؤُلَاءِ وَهُمْ مَوْتَى أو ضَرَبْت فَمَ هذا الرَّجُلِ وَأَسْنَانُهُ سَاقِطَةٌ كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ مع يَمِينِهِ حتى تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِخِلَافِ ما قال وإذا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ هذا الرَّجُلَ ضَرَبَ هذا الرَّجُلَ ضَرْبَةً أَثْبَتْنَاهَا فلم يَبْرَأْ جُرْحُهَا حتى مَاتَ الْمَضْرُوبُ فَلَا قِصَاصَ عليه إلَّا بِأَنْ يُقِرَّ بِأَنَّهُ مَاتَ أو يُثْبِتَ الشُّهُودُ أَنَّهُ مَاتَ منها أو من غَيْرِهِمْ مِمَّنْ رَأَى الضَّرْبَةَ وَإِنْ لم يَرَهُ حين ضَرَبَهُ أو يُثْبِتَ الشُّهُودُ الَّذِينَ رَأَوْا الضَّرْبَةَ أو الَّذِينَ شَهِدُوا على أَصْلِ الضَّرْبَةِ أَنَّهُ لم يَزَلْ لَازِمًا لِلْفِرَاشِ منها حتى مَاتَ فإذا كان هَكَذَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَاتَ منها وَعَلَيْهِ الْقَوَدُ وإذا لم يَكُنْ من هذا وَاحِدٌ حَلَفَ الْجَانِي ما مَاتَ منها وَضَمِنَ أَرْشَ الْجُرْحِ فَإِنْ نَكَلَ حُلِّفُوا وكان لهم الدِّيَةُ أو الْقِصَاصُ فيه إنْ كان مِمَّنْ يُقْتَصُّ منه - * تَشَاحِّ الْأَوْلِيَاءِ على الْقِصَاصِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا لم يَكُنْ إلَّا وَلِيٌّ وَاحِدٌ مَرِيضٌ لَا يَقْدِرُ على قَتْلِهِ إلَّا بِتَعْذِيبِهِ قِيلَ له وَكِّلْ من يَقْتُلُهُ وَلَا يُتْرَكُ وَقَتْلَهُ يُعَذِّبُهُ وَكَذَلِكَ إنْ كان وُلَاتُهُ نِسَاءً لم تَقْتُلْهُ امْرَأَةٌ بِقُرْعَةٍ + ( قال ) وَيُنْظَرُ إلَى السَّيْفِ الذي يَقْتُلُهُ بِهِ فَإِنْ كان صَارِمًا وَإِلَّا أُعْطِيَ صَارِمًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان الْوَلِيُّ صَحِيحًا فَخَرَجَتْ قُرْعَتُهُ وكان لَا يُحْسِنُ يَضْرِبُ أُعْطِيَهُ وَلِيَّ غَيْرِهِ حتى يَقْتُلَهُ قَتْلًا وَحَيًّا ( قال ) فَإِنْ لم يُحْسِنْ وُلَاتُهُ الضَّرْبَ أَمَرَ الْوَالِي ضَارِبًا بِضَرْبِ عُنُقِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ ضَرَبَ الْقَاتِلُ ضَرْبَةً فلم يَمُتْ في ضَرْبَةٍ أُعِيدَ عليه الضَّرْبُ حتى يَمُوتَ بِأَصْرَمِ سَيْفٍ وَأَشَدِّ ضَرْبٍ قَدَرَ عليه وإذا كان لِلْقَتِيلِ وُلَاةٌ فَاجْتَمَعُوا على الْقَتْلِ فلم يُقْتَلْ الْقَاتِلُ حتى يَمُوتَ أَحَدُهُمْ كُفَّ عن قَتْلِهِ حتى يُجْمِعَ وَرَثَةُ الْمَيِّتِ على الْقَتْلِ وَلَوْ لم يَمُتْ وَلَكِنْ ذَهَبَ عَقْلُهُ لم يُقْتَلْ حتى يُفِيقَ أو يَمُوتَ فَتَقُومَ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ وَسَوَاءٌ أَذِنَ في قَتْلِهِ أو لم يَأْذَنْ لِأَنَّهُ قد يَأْذَنُ ثُمَّ يَكُونُ له أَنْ يَعْفُوَ بَعْدَ الْإِذْنِ فَإِنْ تَفَوَّتَ أَحَدٍ من الْوَرَثَةِ فَقَتَلَهُ كان كما وَصَفْت في الرَّجُلَيْنِ يُقْتَلُ أَبُوهُمَا فَيُفَوَّتُ أَحَدُهُمَا بِالْقَتْلِ وَغَرِمَ نَصِيبَ الْمَيِّتِ وَالْمَعْتُوهِ من الدِّيَةِ وَالْوَلِيُّ الْمَحْجُورُ عليه وَغَيْرُ الْمَحْجُورِ عليه في وِلَايَةِ الدَّمِ وَالْقِيَامِ بِالْقِصَاصِ وَعَفْوِ الدَّمِ على الْمَالِ سَوَاءٌ وَإِنْ عَفَا الْمَحْجُورُ عليه الْقِصَاصَ على غَيْرِ مَالٍ فَالْعَفْوُ عن الدَّمِ جَائِزٌ لَا سَبِيلَ معه إلَى الْقَوَدِ وَلَهُ نَصِيبُهُ من الدِّيَةِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ له إتْلَافُ الْمَالِ وَيَجُوزُ له تَرْكُ الْقَوَدِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا اقْتَرَعَ الْوُلَاةُ فَخَرَجَتْ قُرْعَةُ أَحَدِهِمْ وهو يَضْعُفُ عن قَتْلِهِ أُعِيدَتْ الْقُرْعَةُ على الْبَاقِينَ وَهَكَذَا تُعَادُ أَبَدًا حتى تَخْرُجَ على من يَقْوَى على قَتْلِهِ - * تَعَدِّي الْوَكِيلِ وَالْوَلِيِّ في الْقَتْلِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ضَرَبَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ ضَرْبَةً فَمَاتَ منها فَخُلِّيَ الْوَلِيُّ وَقَتْلَهُ فَقَطَعَ يَدَهُ أو رِجْلَهُ أو ضَرَبَ وَسَطَهُ أو مَثَّلَ بِهِ لم يَكُنْ عليه عَقْلٌ وَلَا قَوَدٌ وَلَا كَفَّارَةٌ وَأُوجِعَ عُقُوبَةً بِالْعُدْوَانِ في الْمُثْلَةِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ جاء يَضْرِبُ عُنُقَهُ فَضَرَبَ رَأْسَهُ مِمَّا يَلِي الْعُنُقَ أو كَتِفَيْهِ وقال أَخْطَأْت أُحَلِّفُ ما عَمَدَ ما صَنَعَ ولم يُعَاقَبْ وَقِيلَ اضْرِبْ عُنُقَهُ وَلَوْ ضَرَبَ مَفْرِقَ رَأْسِهِ أو وَسَطَهُ أو ضَرَبَهُ ضَرْبَةً الْأَغْلَبُ أَنَّهُ لَا يُخْطِئُ بِمِثْلِهَا من أَرَادَ ضَرْبَ الْعُنُقِ عُوقِبَ ولم يُحَلَّفْ إنَّمَا يُحَلَّفُ من يُمْكِنُ أَنْ يُصَدَّقَ على ما حُلِّفَ عليه وَيُقَالُ اضْرِبْ عُنُقَهُ وَإِنْ قال لَا أُحْسِنُ إلَّا هذا قُبِلَ منه وَوَكَّلَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قَتَلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَمْدًا بِسَيْفٍ وَلَهُ وُلَاةٌ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ تَشَاحَّ الْأَوْلِيَاءُ على الْقِصَاصِ فَطَلَبَ كلهم تولى قَتْلِهِ قِيلَ لَا يَقْتُلُهُ إلَّا وَاحِدٌ فَإِنْ سَلَّمْتُمُوهُ لِرَجُلٍ مِنْكُمْ وَلِيَ قَتْلَهُ وَإِنْ اجْتَمَعْتُمْ على أَجْنَبِيٍّ يَقْتُلُهُ خُلِّيَ وَقَتْلَهُ وَإِنْ تَشَاحَحْتُمْ أَقْرَعْنَا بَيْنَكُمْ فَأَيُّكُمْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ خَلَّيْنَاهُ وَقَتْلَهُ وَلَا يُقْرَعُ لِامْرَأَةٍ وَلَا يَدَعُهَا وَقَتْلَهُ لِأَنَّ الْأَغْلَبَ أنها لَا تَقْدِرُ على قَتْلِهِ إلَّا بِتَعْذِيبِهِ وَكَذَلِكَ لو كان فِيهِمْ أَشَلُّ الْيُمْنَى أو ضَعِيفٌ أو مَرِيضٌ لَا يَقْدِرُ على قَتْلِهِ إلَّا بِتَعْذِيبِهِ أُقْرِعَ بين من يَقْدِرُ على قَتْلِهِ وَلَا يَدَعْ يُعَذِّبُهُ بِالْقَتْلِ

(6/20)


من يُحْسِنُ فَإِنْ لم يَجِدْ من يَتَوَكَّلُ له وَكَّلَ الْإِمَامُ له من يَقْتُلُهُ وَلَا يَقْتُلُهُ حتى يَسْتَأْمِرَ الْوَلِيَّ فَإِنْ أَذِنَ له أَنْ يَقْتُلَهُ قَتَلَهُ فَلَوْ أَنَّ الْوَالِيَ أَذِنَ لِرَجُلٍ أو امْرَأَةٍ بِقَتْلِ رَجُلٍ قَضَى له عليه بِالْقِصَاصِ فَذَهَبَ لِيَقْتُلَهُ ثُمَّ قال الْوَلِيُّ قد عَفَوْت عنه قبل أَنْ يَقْتُلَهُ فَقَتَلَهُ قبل أَنْ يَعْلَمَ الْعَفْوَ عنه فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ ليس على الْقَاتِلِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ ما عَلِمَهُ عَفَا عنه وَلَا على الذي قال قد عَفَوْت عنه (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) هذا الْقَوْلُ أَحْسَنُهُمَا لِأَنَّ الْمَقْتُولَ صَارَ مَمْنُوعًا بِعَفْوِ الْوَلِيِّ عنه الْقَتْلَ وَهَذَا أَشْبَهُ بِمَعْنَى الْعَبْدِ يُعْتَقُ وَلَا يَعْلَمُ الرَّجُلُ بِعِتْقِهِ فَيَقْتُلَهُ فَيَغْرَمُ دِيَةَ حُرٍّ وَالْكَافِرِ يُسْلِمُ وَلَا يَعْلَمُ الرَّجُلُ بِإِسْلَامِهِ فَيَقْتُلَهُ فَتَكُونُ دِيَتُهُ دِيَةَ مُسْلِمٍ قال فَهُوَ مُخَالِفٌ لَهُمَا في قَتْلِ الْعَمْدِ ( قال الرَّبِيعُ ) يُرِيدُ بِهِ قَتْلَ الْعَبْدِ وهو يَعْرِفُهُ حُرًّا مُسْلِمًا - * الْوَكَالَةُ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَتَجُوزُ الْوَكَالَةُ بِتَثْبِيتِ الْبَيِّنَةِ على الْقَتْلِ عَمْدًا أو خَطَأً فإذا كان الْقَوَدُ لم يُدْفَعْ إلَيْهِ حتى يَحْضُرَهُ وَلِيُّ الْقَتِيلِ أو يُوَكِّلَهُ بِقَتْلِهِ ( قال ) وَإِنْ وَكَّلَهُ بِقَتْلِهِ كان له قَتْلُهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا قَتَلَ الرَّجُلُ من لَا وَلِيَّ له عَمْدًا فَلِلسُّلْطَانِ أَنْ يَقْتُلَ بِهِ قَاتِلَهُ وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ له الدِّيَةَ وَيَدْفَعَهَا إلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَيَدَعَ الْقَاتِلَ من الْقَتْلِ وَلَيْسَ له عَفْوُ الْقَتْلِ وَالدِّيَةِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا دُونَ الْمُسْلِمِينَ فَيَعْفُوَ ما يَمْلِكُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ قُتِلَ رَجُلٌ له أَوْلِيَاءُ صِغَارٌ فُقَرَاءُ لم يَكُنْ لِلْوَالِي عَفْوُ دَمِهِ على الدِّيَةِ وكان عليه حَبْسُهُ حتى يَبْلُغَ الْوُلَاةُ فَيَخْتَارُوا الْقَتْلَ أو الدِّيَةَ أو يَخْتَارَ الدِّيَةَ بَالِغٌ منهم فَإِنْ اخْتَارَهَا لم يَكُنْ إلَى النَّفْسِ سَبِيلٌ وكان على أَوْلِيَاءِ الصِّغَارِ أَنْ يَأْخُذُوا لهم الدِّيَةَ لِأَنَّ النَّفْسَ قد صَارَتْ مَمْنُوعَةً وَلِلْمَوْلَى عليه عَفْوُ الدَّمِ وَلَيْسَ له عَفْوُ الْمَالِ لِأَنَّهُ يُتْلِفُ بِعَفْوِ الْمَالِ مَالَهُ وَلَا يُتْلِفُ بِعَفْوِ الدَّمِ مِلْكًا له - * قَتْلُ الرَّجُلِ بِالْمَرْأَةِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ولم أَعْلَمْ مِمَّنْ لَقِيت مُخَالِفًا من أَهْلِ الْعِلْمِ في أَنَّ الدَّمَيْنِ مُتَكَافِئَانِ بِالْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ فإذا قَتَلَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ عَمْدًا قُتِلَ بها وإذا قَتَلَتْهُ قُتِلَتْ بِهِ وَلَا يُؤْخَذُ من الْمَرْأَةِ وَلَا من أَوْلِيَائِهَا شَيْءٌ لِلرَّجُلِ إذَا قُتِلَتْ بِهِ وَلَا إذَا قُتِلَ بها وَهِيَ كَالرَّجُلِ يَقْتُلُ الرَّجُلَ في جَمِيعِ أَحْكَامِهَا إذَا اُقْتُصَّ لها أو اُقْتُصَّ منها وَكَذَلِكَ النَّفَرُ يَقْتُلُونَ الْمَرْأَةَ وَالنِّسْوَةُ يَقْتُلْنَ الرَّجُلَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَذَلِكَ جِرَاحُهُ التي فيها الْقِصَاصُ كُلُّهَا بِجِرَاحِهَا إذَا أَقَدْتهَا في النَّفْسِ أَقَدْتهَا في الْجِرَاحِ التي هِيَ أَقَلُّ من النَّفْسِ وَلَا يَخْتَلِفَانِ في شَيْءٍ إلَّا في الدِّيَةِ فإذا أَرَادَ أَوْلِيَاؤُهَا الدِّيَةَ فَدِيَتُهَا نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ وَإِنْ أَرَادَ أَوْلِيَاءُ الرَّجُلِ دِيَتَهُ من مَالِهَا فَدِيَتُهُ مِائَةٌ من الْإِبِلِ لَا تُنْقَصُ لِقَتْلِ الْمَرْأَةِ له وَحُكْمُ الْقِصَاصِ مُخَالِفٌ حُكْمَ الْعَقْلِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَوُلَاةُ الْمَرْأَةِ وَوَرَثَتُهَا كَوُلَاةِ الرَّجُلِ وَوَرَثَتِهِ لَا يَخْتَلِفَانِ في شَيْءٍ إلَّا في الدِّيَةِ وإذا قُتِلَتْ الْمَرْأَةُ حَامِلًا يَتَحَرَّكُ وَلَدُهَا أو لَا يَتَحَرَّكُ فَفِيهَا الْقَوَدُ وَلَا شَيْءَ في جَنِينِهَا حتى يُزَايِلَهَا فإذا زَايَلَهَا مَيِّتًا قبل مَوْتِهَا أو معه أو بَعْدَهُ فَسَوَاءٌ وَفِيهِ غُرَّةٌ قِيمَتُهَا خَمْسٌ من الْإِبِلِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ زَايَلَهَا حَيًّا قبل مَوْتِهَا أو بَعْدَهُ فَسَوَاءٌ وَلَا قِصَاصَ فيه إنْ مَاتَ وَفِيهِ دِيَتُهُ إنْ كان ذَكَرًا فَمِائَةٌ من الْإِبِلِ وَإِنْ كان أُنْثَى فَخَمْسُونَ من الْإِبِلِ وَسَوَاءٌ قَتَلَهَا رَجُلٌ أو امْرَأَةٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ يَغْرَمُ الدِّيَةَ وَيُكَفِّرُ إنْ حَلَفَ وَأَقَلُّ حَالَاتِهِ أَنْ يَكُونَ قد أَخْطَأَ بِقَتْلِهِ وَمَنْ قال هذا قال وَلَوْ وَكَّلَ الْوُلَاةُ رَجُلًا بِقَتْلِ رَجُلٍ لهم عليه قَوَدٌ فَتَنَحَّى بِهِ وَكِيلُهُمْ لِيَقْتُلَهُ فَعَفَا كلهم أو أَحَدُهُمْ وَأَشْهَدَ على الْعَفْوِ قبل أَنْ يُقْتَلَ الذي عليه الْقَوَدُ لم يَصِلْ الْعَفْوُ إلَى الْوَكِيلِ حتى قَتَلَ الذي عليه الْقَوَدُ لم يَكُنْ على الْوَكِيلِ الذي قَتَلَ قِصَاصٌ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ على أَنَّهُ مُبَاحٌ له خَاصَّةً وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ وَلَا يَرْجِعُ بها على الْوَلِيِّ الذي أَمَرَهُ لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ له بِالْقَتْلِ وَيُحَلَّفُ الْوَكِيلُ ما عَلِمَ الْعَفْوَ فَإِنْ حَلَفَ لم يُقْتَلْ وَوَدَاهُ وَإِلَّا حُلِّفَ الْوَلِيُّ لقد عَلِمَهُ وَقَتَلَهُ

(6/21)


قَتَلَتْ الْمَرْأَةُ من عليها في قَتْلِهِ الْقَوَدُ فَذَكَرَتْ حَمْلًا حُبِسَتْ حتى تَضَعَ حَمْلَهَا ثُمَّ أُقِيدَ منها حين تَضَعُ حَمْلَهَا وَإِنْ لم يَكُنْ لِوَلَدِهَا مُرْضِعٌ فَأَحَبُّ إلَيَّ لو تَرَكَتْ بِطِيبِ نَفْسٍ وَلِيَّ الدَّمِ يَوْمًا أو أَيَّامًا حتى يُوجَدَ له مُرْضِعٌ فَإِنْ لم يَفْعَلْ قُتِلَتْ له وَإِنْ وَلَدَتْ ثُمَّ وَجَدَتْ تَحَرُّكًا انْتَظَرَتْ حتى تَضَعَ الْمُتَحَرِّكَ أو يُعْلَمَ أَنْ ليس بها حَمْلٌ وَكَذَلِكَ إذَا لم يُعْلَمْ بها حَمْلٌ فَادَّعَتْهُ اُنْتُظِرَ بِالْقَوَدِ منها حتى تُسْتَبْرَأَ أو يُعْلَمَ أَنْ لَا حَمْلَ بها وَلَوْ عَجَّلَ الْإِمَامُ فَاقْتَصَّ منها حَامِلًا فَلَا شَيْءَ عليه إلَّا الْمَأْثَمُ حتى تُلْقِيَ جَنِينًا فَإِنْ أَلْقَتْهُ ضَمِنَهُ الْإِمَامُ دُونَ الْمُقْتَصِّ له وكان على عَاقِلَتِهِ لَا بَيْتِ الْمَالِ وَكَذَلِكَ لو قضي بِأَنْ يُقْتَصَّ منها ثُمَّ رَجَعَ فلم يَبْلُغْ وَلِيَّ الدَّمِ حتى يَقْتَصَّ منها ضَمِنَ الْإِمَامُ جَنِينَهَا - * قَتْلُ الرَّجُلِ النَّفَرَ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ جاؤوا مُتَفَرِّقِينَ أَحْبَبْت للامام إذَا عَلِمَ أَنَّهُ قَتَلَ غير الذي جَاءَهُ أَنْ يَبْعَثَ إلَى وَلِيِّهِ فَإِنْ طَلَبَ الْقَوَدَ قَتَلَهُ بِمَنْ قُتِلَ أَوَّلًا وَإِنْ لم يَفْعَلْ وَاقْتَصَّ منه في قَتْلِ آخَرَ أو أَوْسَطَ أو أَوَّلٍ كَرِهْتُهُ له وَلَا شَيْءَ عليه فيه لِأَنَّ لِكُلِّهِمْ عليه الْقَوَدَ وَأَيُّهُمْ جاء فَأَثْبَتَ عليه الْبَيِّنَةَ بِقَتْلِ وَلِيٍّ له فَدَفَعَهُ إلَيْهِ فلم يَقْتُلْهُ حتى جاء آخَرُ فَأَثْبَتَ عليه الْبَيِّنَةَ بِقَتْلِ وَلِيّ له قَتْلُهُ دَفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْمَقْتُولِ أَوَّلًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَثْبَتُوا عليه مَعًا الْبَيِّنَةَ أَيُّهُمْ قُتِلَ أَوَّلًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاتِلِ فَإِنْ لم يُقِرَّ بِشَيْءٍ أَحْبَبْت للامام أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَهُمْ أَيُّهُمْ قَتَلَ وَلِيَّهُ أَوَّلًا فَأَيُّهُمْ خَرَجَ سَهْمُهُ قَتَلَهُ له وَأَعْطَى الْبَاقِينَ الدِّيَاتِ من مَالِهِ وَكَذَلِكَ لو قَتَلَهُمْ مَعًا أَحْبَبْت له أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَهُمْ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا قُتِلَ رَجُلٌ عَمْدًا وَوَرَثَتُهُ كِبَارٌ وَفِيهِمْ صَغِيرٌ أو غَائِبٌ وَقُتِلَ آخَرُ عَمْدًا وَوَرَثَتُهُ بَالِغُونَ فَسَأَلُوا الْقَوَدَ لم يُعْطُوهُ وَحُبِسَ على صَغِيرِهِمْ حتى يَبْلُغَ وَغَائِبِهِمْ حتى يَحْضُرَ فَلَعَلَّ الصَّغِيرَ وَالْغَائِبَ يَدَعَانِ الْقَوَدَ فَيَبْطُلُ الْقَوَدُ وَيُعْطَوْنَ دِيَتَهُ في مَالِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ دَفَعَهُ الْإِمَامُ إلَى وَلِيِّ الذي قُتِلَ آخِرًا وَتَرَكَ الذي قَتَلَهُ أَوَّلًا فَقَتَلَهُ كان عِنْدِي مُسِيئًا وَلَا شَيْءَ عليهم لِأَنَّ كُلَّهُمْ اسْتَوْجَبَ دَمَهُ على الْكَمَالِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ وَرِجْلَ آخَرَ وَقَتَلَ آخَرَ ثُمَّ جاؤوا يَطْلُبُونَ الْقِصَاصَ مَعًا اُقْتُصَّ منه الْيَدُ وَالرِّجْلُ ثُمَّ قُتِلَ بَعْدَهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ قَطَعَ أُصْبُعَ رَجُلٍ الْيُمْنَى وَكَفَّ آخَرَ الْيُمْنَى ثُمَّ جاؤوا مَعًا يَطْلُبُونَ الْقَوَدَ أَقَصَصْت من الْأُصْبُعِ وَخَيَّرْت صَاحِبَ الْكَفِّ بين أَنْ أَقُصَّهُ وَآخُذَ له أَرْشَ الإصبع أو آخُذَ له أَرْشَ الْكَفِّ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ بَدَأَ فَأَقَصَّهُ من الْكَفِّ أعطى صَاحِبَ الإصبع أَرْشَهَا وَلَوْ قَطَعَ كَفَّيْ رَجُلَيْنِ الْيُمْنَى كان كَقَتْلِهِ النَّفْسَيْنِ يُقْتَصُّ لِأَيِّهِمَا جاء أَوَّلًا وَإِنْ جَاءَا مَعًا أقتص لِلْمَقْطُوعِ بَدِيًّا وَإِنْ اُقْتُصَّ لِلْآخَرِ أَخَذَ الْأَوَّلُ دِيَةَ يَدِهِ وَهَكَذَا كُلُّ ما أَصَابَ مِمَّا عليه فيه الْقِصَاصُ فَمَاتَ منه بِقَوَدٍ أو مَرَضٍ أو غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ أَرْشُهُ في مَالِهِ - * الثَّلَاثَةُ يَقْتُلُونَ الرَّجُلَ يُصِيبُونَهُ بِجُرْحٍ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه قَتَلَ نَفَرًا خَمْسَةً أو سَبْعَةً بِرَجُلٍ قَتَلُوهُ قَتْلَ غِيلَةٍ وقال عُمَرُ لو تَمَالَأَ عليه أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ جميعا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد سَمِعْت عَدَدًا من الْمُفْتِينَ وَبَلَغَنِي عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إذَا قَتَلَ الرَّجُلَانِ أو الثَّلَاثَةُ أو أَكْثَرُ الرَّجُلَ عَمْدًا فَلِوَلِيِّهِ قَتْلُهُمْ مَعًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد بَنَيْت جَمِيعَ هذه الْمَسَائِلِ على هذا الْقَوْلِ فَيَنْبَغِي عِنْدِي لِمَنْ قال يُقْتَلُ الِاثْنَانِ أو أَكْثَرُ بِالرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ فإذا قَطَعَ الِاثْنَانِ يَدَ رَجُلٍ مَعًا قُطِعَتْ أَيْدِيهِمَا مَعًا وَكَذَلِكَ أَكْثَرُ من الِاثْنَيْنِ وما جَازَ في الِاثْنَيْنِ جَازَ في الْمِائَةِ وَأَكْثَرَ وَإِنَّمَا تُقْطَعُ أَيْدِيهِمَا مَعًا إذَا حَمَلَا شيئا فَضَرَبَاهُ مَعًا ضَرْبَةً وَاحِدَةً أو حَزَّاهُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا قَتَلَ رَجُلٌ نَفَرًا فَأَتَى أَوْلِيَاؤُهُمْ جميعا يَطْلُبُونَ الْقَوَدَ وَتَصَادَقُوا على أَنَّهُ قَتَلَ بَعْضَهُمْ قبل بَعْضٍ أو قَامَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ اُقْتُصَّ لِلَّذِي قَتَلَهُ أَوَّلًا وَكَانَتْ الدِّيَةُ في مَالِهِ لِمَنْ بَقِيَ مِمَّنْ قُتِلَ آخِرًا

(6/22)


مَعًا حَزًّا وَاحِدًا فَأَمَّا إنْ قَطَعَ هذا يَدَهُ من أَعْلَاهَا إلَى نِصْفِهَا وَهَذَا يَدَهُ من أَسْفَلِهَا حتى أَبَانَهَا فَلَا تُقْطَعُ أَيْدِيهِمَا وَيُحَزُّ من هذا بِقَدْرِ ما حَزَّ من يَدِهِ وَمِنْ هذا بِقَدْرِ ما حَزَّ من يَدِهِ إنْ كان هذا يُسْتَطَاعُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا لو أَنَّ حُرًّا وَعَبْدًا قَتَلَا عَبْدًا عَمْدًا كان على الْحُرِّ نِصْفُ قِيمَةِ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ وَعَلَى الْعَبْدِ الْقَتْلُ وَهَكَذَا لو قَتَلَ مُسْلِمٌ وَنَصْرَانِيٌّ نَصْرَانِيًّا كان على الْمُسْلِمِ نِصْفُ دِيَةِ النَّصْرَانِيِّ وَعَلَى النَّصْرَانِيِّ الْقَوَدُ وَهَكَذَا لو قَتَلَ رَجُلٌ ابْنَهُ وَقَتَلَهُ معه أَجْنَبِيٌّ كان على أبيه نِصْفُ دِيَتِهِ وَالْعُقُوبَةُ وَعَلَى الْأَجْنَبِيِّ الْقِصَاصُ إذَا كان الضَّرْبُ في هذه الْحَالَاتِ كُلِّهَا عَمْدًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا جَنَى اثْنَانِ على رَجُلٍ عَمْدًا وَآخَرَ خَطَأً أو بِمَا يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْخَطَأِ من أَنْ يَضْرِبَهُ بِعَصًا خَفِيفَةٍ أو بِحَجَرٍ خَفِيفٍ فَمَاتَ فَلَا قَوَدَ فيه لِشِرْكِ الْخَطَأِ الذي لَا قَوَدَ فيه وَفِيهِ الدِّيَةُ على صَاحِبِ الْخَطَأِ في مَالِ عَاقِلَتِهِ وَعَلَى صَاحِبِ الْعَمْدِ في أَمْوَالِهِمَا وَلَوْ شَهِدَ شُهُودٌ أَنَّ رَجُلَيْنِ ضَرَبَا رَجُلًا فَرَاغَا عنه وَتَرَكَاهُ مُضْطَجِعًا من ضَرْبَتِهِمَا ثُمَّ مَرَّ بِهِ آخَرُ فَقَطَعَهُ بِاثْنَيْنِ فَإِنْ أَثْبَتُوا أَنَّهُ قَطَعَهُ بِاثْنَيْنِ وَفِيهِ الْحَيَاةُ ولم يَدْرِ لَعَلَّ الضَّرْبَ قد بَلَغَ بِهِ الذَّبْحَ أو نَزْعَ حَشْوَتِهِ لم يَكُنْ على وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِصَاصٌ وكان لِأَوْلِيَائِهِ أَنْ يُقْسِمُوا على أَيِّهِمَا شاؤوا وَيَلْزَمُهُ دِيَتُهُ وَيُعَزَّرَانِ مَعًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ لم يُثْبِتُوا أَنَّهُ كانت فيه حَيَاةٌ وَقَالُوا لَا نَدْرِي لَعَلَّهُ كان حَيًّا لم يَكُنْ فيه شَيْءٌ وَلَا يُغَرَّمُهُمَا حتى يُقْسِمَ أَوْلِيَاؤُهُ فَيَأْخُذُونَ دِيَتَهُ من الَّذِينَ أَقْسَمُوا عليه فَإِنْ قال أَوْلِيَاؤُهُ نُقْسِمُ عَلَيْهِمَا مَعًا قِيلَ إنْ أَقْسَمْتُمْ على جِرَاحِ الْأَوَّلَيْنِ وَقَطْعِ الْآخَرِ فَذَلِكَ لَكُمْ وَإِنْ أَقْسَمْتُمْ على أَنَّهُ مَاتَ من الضَّرْبَتَيْنِ مَعًا لم يَكُنْ لَكُمْ إذَا قَطَعَهُ الْآخَرُ بِاثْنَيْنِ أو ذَبَحَهُ الْآخَرُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنَّمَا أَبْطَلْت الْقِصَاصَ أَوَّلًا أَنَّ الضَّارِبَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ إذَا كَانُوا بَلَغُوا منه ما لَا حَيَاةَ معه إلَّا بَقِيَّةَ حَيَاةِ الذَّكِيِّ لم يَكُنْ على الْآخَرِ عَقْلٌ وَلَا قَوَدٌ وَإِنْ كَانُوا لم يَبْلُغُوا ذلك منه فَالْقَوَدُ على الْآخَرِ وَعَلَى الْأَوَّلَيْنِ الْجِرَاحُ فَجَعَلَتْهَا قَسَامَةً بِدِيَةٍ لِأَنَّ كُلًّا يَجِبُ ذلك عليه وَلَا أَجْعَلُ فيها قِصَاصًا لِهَذَا الْمَعْنَى وَلَوْ شَهِدَ شُهُودٌ على رَجُلٍ أَنَّهُ ضَرَبَهُ بِعَصًا في طَرَفِهَا حَدِيدَةٌ مُحَدَّدَةٌ ولم يُثْبِتُوا بِالْحَدِيدَةِ قَتَلَهُ أَمْ بِالْعَصَا قَتَلَهُ فَلَا قَوَدَ إذَا كانت الْعَصَا لو انْفَرَدَتْ مِمَّا لَا قَوَدَ فيه وَفِيهِ الدِّيَةُ بِكُلِّ حَالٍ وَإِنْ حَلَفَ أَوْلِيَاؤُهُ أَنَّهُ مَاتَ بِالْحَدِيدَةِ فَهِيَ حَالَّةٌ في مَالِهِ وَإِنْ لم يَحْلِفُوا فَهِيَ في مَالِهِ في ثَلَاثِ سِنِينَ لِأَنَّهُمْ أَثْبَتُوا الْقَتْلَ فَأَقَلُّهُ الْخَطَأُ وَلَا تَغْرَمُهُ الْعَاقِلَةُ ولم تَقُمْ الْبَيِّنَةُ على أَنَّهُ خَطَأٌ وإذا قَطَعَ الرَّجُلُ أُصْبُعَ الرَّجُلِ ثُمَّ جاء آخَرُ فَقَطَعَ كَفَّهُ أو قَطَعَ الرَّجُلُ يَدَ الرَّجُلِ من مَفْصِلِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا هَكَذَا في الْجُرْحِ وَالشَّجَّةِ التي يُسْتَطَاعُ فيها الْقِصَاصُ وَغَيْرُهَا لَا يَخْتَلِفُ وَلَا يُخَالِفُ النَّفْسَ إلَّا في أَنَّهُ يَكُونُ الْجُرْحُ يَتَبَعَّضُ وَالنَّفْسُ لَا تَتَبَعَّضُ فإذا لم يَتَبَعَّضْ بِأَنْ يَكُونَا جَانِيَيْنِ عليه مَعًا جُرْحًا كما وَصَفْت لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِشَيْءٍ منه دُونَ الْآخَرِ فَهُوَ كَالنَّفْسِ في الْقِيَاسِ وإذا تَبَعَّضَ خَالَفَ النَّفْسَ وإذا ضَرَبَ رَجُلَانِ أو أَكْثَرُ رَجُلًا بِمَا يَكُونُ في مِثْلِهِ الْقَوَدُ فلم يَبْرَحْ مَكَانَهُ حتى مَاتَ وَذَلِكَ أَنْ يَجْرَحُوهُ مَعًا بِسُيُوفٍ أو زُجَاجِ رِمَاحٍ أو نِصَالِ نَبْلٍ أو بِشَيْءٍ صُلْبٍ مُحَدَّدٍ يَخْرِقُ مِثْلُهُ فلم يَزَلْ ضَمِنَا من الْجِرَاحِ حتى مَاتَ فَلِأَوْلِيَاءِ الدَّمِ إنْ شاؤوا أَنْ يَقْتُلُوهُمْ مَعًا قَتَلُوهُمْ وَإِنْ شاؤوا أَنْ يَأْخُذُوا منهم الدِّيَةَ فَلَيْسَ عليهم مَعًا إلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ على كل وَاحِدٍ منهم حِصَّتُهُ إنْ كَانُوا اثْنَيْنِ فَعَلَى كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهَا وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَعَلَى كل وَاحِدٍ منهم الثُّلُثُ وَهَكَذَا إنْ كَانُوا أَكْثَرَ وَإِنْ أَرَادُوا قَتْلَ بَعْضِهِمْ وَأَخْذَ الدِّيَةِ من بَعْضٍ كان ذلك لهم وَإِنْ أَرَادُوا أَخْذَ الدِّيَةِ أَخَذُوا منه بِحِسَابِ من قَتَلَ معه كَأَنْ قَتَلَهُ ثَلَاثَةٌ فَقَتَلُوا اثْنَيْنِ وَأَرَادُوا أَخْذَ الدِّيَةِ من وَاحِدٍ فَلَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا منه ثُلُثَهَا لِأَنَّ ثُلُثَهُ بِثُلُثِهِ ( 3 ) وَإِنْ كَانُوا عَشْرَةً أَخَذُوا منه عشرة وَإِنْ كَانُوا مِائَةً أَخَذُوا منه جُزْءًا من مِائَةِ جُزْءٍ من دِيَتِهِ وَلَوْ قَتَلَهُ ثَلَاثَةٌ فَمَاتَ وَاحِدٌ منهم كان لهم أَنْ يَقْتُلُوا الِاثْنَيْنِ وَيَأْخُذُوا من مَالِ الْمَيِّتِ ثُلُثَ دِيَةِ الْمَقْتُولِ وَلَوْ قَتَلَ رَجُلٌ رَجُلًا عَمْدًا وَقَتَلَهُ معه صَبِيٌّ أو رَجُلٌ مَعْتُوهٌ كان لهم أَنْ يَقْتُلُوا الرَّجُلَ وَيَأْخُذُوا من الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ أَيُّهُمَا كان الْقَاتِلَ نِصْفَ الدِّيَةِ

(6/23)


الْكُوعِ ثُمَّ قَطَعَهَا آخَرُ من الْمَرْفِقِ ثُمَّ مَاتَ فَعَلَيْهِمَا مَعًا الْقَوَدُ يُقْطَعُ أُصْبُعُ هذا وَكَفُّ قَاطِعِ الْكَفِّ وَيَدُ الرَّجُلِ من الْمَرْفِقِ ثُمَّ يُقْتَلَانِ وَسَوَاءٌ قَطَعَا من يَدٍ وَاحِدَةٍ أو قَطَعَاهَا من يَدَيْنِ مُفْتَرِقَتَيْنِ سَوَاءٌ وَسَوَاءٌ كان ذلك بِحَضْرَةِ قَطْعِ الْأَوَّلِ أو بَعْدَهُ بِسَاعَةٍ أو أَكْثَرَ ما لم تَذْهَبْ الْجِنَايَةُ الْأُولَى بِالْبُرْءِ لِأَنَّ بَاقِيَ أَلَمِهَا وَاصِلٌ إلَى الْجَسَدِ كُلِّهِ وَلَوْ جَازَ أَنْ يُقَالَ ذَهَبَتْ الْجِنَايَةُ الْأُولَى حين كانت الْجِنَايَةُ الْآخِرَةُ قَاطِعَةً بَاقِي الْمَفْصِلِ الذي يَتَّصِلُ بِهِ وَأَعْظَمُ منها جَازَ إذَا قَطَعَ رَجُلٌ يَدَيْ رَجُلٍ وَرِجْلَيْهِ وَشَجَّهُ آخَرُ مُوضِحَةً فَمَاتَ أَنْ يُقَالَ لَا يُقَادُ من صَاحِبِ الْمُوضِحَةِ بِالنَّفْسِ لِأَنَّ أَلَمَ الْجِرَاحِ الْكَثِيرَةِ قد عَمَّ الْبَدَنَ قبل الْمُوضِحَةِ أو بَعْدَهَا ( 1 ) وَمَنْ أَجَازَ أَنْ يُقْتَلَ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ لَكَانَ الْأَلَمُ يَأْتِي على بَعْضِ الْبَدَنِ دُونَ بَعْضٍ حتى يَكُونَ رَجُلَانِ لو قَطَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَ رَجُلٍ مَعًا فَمَاتَ لم يُقَدْ مِنْهُمَا في النَّفْسِ لِأَنَّ أَلَمَ كل وَاحِدَةٍ منها في شَقِّ يَدِهِ الذي قَطَعَ وَلَكِنَّ الْأَلَمَ يَخْلُصُ من الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَيَخْلُصُ إلَى الْبَدَنِ كُلِّهِ فَيَكُونُ من قَتَلَ اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ يَحْكُمُ في كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا في الْقَوَدِ حُكْمَهُ على قَاتِلِ النَّفْسِ مُنْفَرِدًا فإذا أَخَذَ الْعَقْلَ حَكَمَ على كل من جَنَى عليه جِنَايَةً صَغِيرَةً أو كَبِيرَةً على الْعَدَدِ من عَقْلِ النَّفْسِ كَأَنَّهُمْ عَشْرَةٌ جَنَوْا على رَجُلٍ فَمَاتَ فَعَلَى كل وَاحِدٍ منهم عُشْرُ الدِّيَةِ فَإِنْ قال قَائِلٌ أَرَأَيْت قَوْلَ اللَّهِ عز وجل { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ في الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ } هل فيه دَلَالَةٌ على أَنْ لَا يُقْتَلَ حُرَّانِ بِحُرٍّ وَلَا رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ قِيلَ له لم نَعْلَمْ مُخَالِفًا في أَنَّ الرَّجُلَ يُقْتَلُ بِالْمَرْأَةِ فإذا لم يَخْتَلِفْ أَحَدٌ في هذا فَفِيهِ دَلَالَةٌ على أَنَّ الْآيَةَ خَاصَّةٌ فَإِنْ قال قَائِلٌ فِيمَ نَزَلَتْ قِيلَ
أخبرنا مُعَاذُ بن مُوسَى عن بُكَيْرِ بن مَعْرُوفٍ عن مُقَاتِلِ بن حَيَّانَ قال قال مُقَاتِلٌ أَخَذْت هذا التَّفْسِيرَ من نَفَرٍ حَفِظَ منهم مُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ وَالْحَسَنُ قالوا قَوْله تَعَالَى { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ في الْقَتْلَى } الْآيَةَ قال كان بَدْءُ ذلك في حَيَّيْنِ من الْعَرَبِ اقْتَتَلُوا قبل الْإِسْلَامِ بِقَلِيلٍ وكان لِأَحَدِ الْحَيَّيْنِ فَضْلٌ على الْآخَرِ فَأَقْسَمُوا بِاَللَّهِ لِيَقْتُلُنَّ بِالْأُنْثَى الذَّكَرَ وَبِالْعَبْدِ منهم الْحُرَّ فلما نَزَلَتْ هذه الْآيَةَ رَضُوا وَسَلَّمُوا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما وَصَفْت من أني لم أَعْلَمْ مُخَالِفًا في أَنْ يُقْتَلَ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ دَلِيلٌ على أَنْ لو كانت هذه الْآيَةُ غير خَاصَّةٍ كما قال من وَصَفْت قَوْلَهُ من أَهْلِ التَّفْسِيرِ لم يُقْتَلْ ذَكَرٌ بِأُنْثَى ولم يَجْعَلْ عَوَامُّ من حَفِظْت عنه من أَهْلِ الْعِلْمِ لَا نَعْلَمُ لهم مُخَالِفًا لِهَذَا مَعْنَاهَا ولم يُقْتَلْ الذَّكَرُ بِالْأُنْثَى - * قَتْلُ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ قال اللَّهُ جل وعز في أَهْلِ التَّوْرَاةِ { وَكَتَبْنَا عليهم فيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ } الْآيَةَ ( قال ) وَلَا يَجُوزُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ في حُكْمِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بين أَهْلِ التَّوْرَاةِ أن كان حُكْمًا بَيِّنًا إلَّا ما جَازَ في قَوْلِهِ { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ في الْقَتْلِ } وَلَا يَجُوزُ فيها إلَّا أَنْ تَكُونَ كُلُّ نَفْسٍ مُحَرَّمَةَ الْقَتْلِ فَعَلَى من قَتَلَهَا الْقَوَدُ فَيَلْزَمُ في هذا أَنْ يُقْتَلَ الْمُؤْمِنُ بِالْكَافِرِ الْمُعَاهَدِ وَالْمُسْتَأْمَنِ وَالصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ من أَهْلِ الْحَرْبِ وَالرَّجُلُ بِعَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ مُسْلِمًا كان أو كَافِرًا وَالرَّجُلُ بِوَلَدِهِ إذَا قَتَلَهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) أو يَكُونَ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا } مِمَّنْ دَمُهُ مُكَافِئٌ دَمَ من قَتَلَهُ وَكُلُّ نَفْسٍ كانت تُقَادُ بِنَفْسٍ بِدَلَالَةِ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل أو سُنَّةٍ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما أَشْبَهَ ما قالوا من هذا بِمَا قالوا لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل إنَّمَا أَلْزَمَ كُلَّ مُذْنِبٍ ذَنْبَهُ ولم يَجْعَلْ جُرْمَ أَحَدٍ على غَيْرِهِ فقال { الْحُرُّ بِالْحُرِّ } إذَا كان وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَاتِلًا له { وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ } إذَا كان قَاتِلًا له { وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى } إذَا كانت قَاتِلَةً لها لَا أَنْ يُقْتَلَ بِأَحَدٍ مِمَّنْ لم يَقْتُلْهُ لِفَضْلِ الْمَقْتُولِ على الْقَاتِلِ وقد جاء عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَعْتَى الناس على اللَّهِ من قَتَلَ غير قَاتِلِهِ

(6/24)


أو إجْمَاعٍ كما كان قَوْلُ اللَّهِ عز وجل { وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى } إذَا كانت قَاتِلَةً خَاصَّةً لَا أَنَّ ذَكَرًا لَا يُقْتَلُ بِأُنْثَى (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَذَلِكَ لَا يُقْتَلُ الرَّجُلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ بِحَالٍ وَلَوْ قَتَلَ حُرٌّ ذِمِّيٌّ عَبْدًا مُؤْمِنًا لم يُقْتَلْ بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَعَلَى الْحُرِّ إذَا قَتَلَ الْعَبْدَ قِيمَتُهُ كَامِلًا بَالِغَةً ما بَلَغَتْ وَإِنْ كانت مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ أو أَلْفَ دِينَارٍ كما يَكُونُ عليه قِيمَةُ مَتَاعٍ له لو اسْتَهْلَكَهُ وَبَعِيرٍ له لو قَتَلَهُ وَعَلَيْهِ في الْعَبْدِ إذَا قَتَلَهُ عَمْدًا ما وَصَفْت في مَالِهِ وإذا قَتَلَهُ خَطَأً ما وَصَفْت على عَاقِلَتِهِ وَعَلَيْهِ مع قِيمَتِهِمَا مَعًا عِتْقُ رَقَبَةٍ وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ يَقْتُلُهَا الْحُرُّ وَيُقْتَلُ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ كما تُقْتَلُ بِالرَّجُلِ وَسَوَاءٌ صَغِيرَةً كانت أو كَبِيرَةً - * قَتْلُ الْخُنْثَى - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا قَتَلَ الرَّجُلُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلَ عَمْدًا فَلِأَوْلِيَاءِ الْخُنْثَى الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ لَا يَعْدُو أَنْ يَكُونَ رَجُلًا أو امْرَأَةً فَيَكُونُ لهم الْقِصَاصُ إذَا كان خُنْثَى وَلَوْ سَأَلُوا الدِّيَةَ قضي لهم بِدِيَتِهِ على دِيَةِ امْرَأَةٍ لِأَنَّهُ الْيَقِينُ ولم يُقْضَ لهم بِدِيَةِ رَجُلٍ وَلَا زِيَادَةٍ على دِيَةِ امْرَأَةٍ لِأَنَّهُ شَكٌّ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان الْخُنْثَى بَيِّنًا أَنَّهُ ذَكَرٌ قَضَى لهم بِدِيَةِ رَجُلٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) لِلْخُنْثَى الْمُشْكِلِ من الرِّجَالِ الْقِصَاصُ في النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَ النَّفْسِ وإذا طَلَبَ الدِّيَةَ فَلَهُ دِيَةُ امْرَأَةٍ فَإِنْ بَانَ بَعْدُ أَنَّهُ رَجُلٌ أَلْحَقْتُهُ بِدِيَةِ رَجُلٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان أَوَّلًا يَبُولُ من حَيْثُ يَبُولُ الرَّجُلُ وَكَانَتْ عَلَامَاتُ الرَّجُلِ فيه أَغْلَبَ قَضَيْت له بِدِيَةِ رَجُلٍ ثُمَّ أُشْكِلَ فَحَاضَ أو جاء منه ما يُشْكَلُ غَرَّمْته الْفَضْلَ من دِيَةِ امْرَأَةٍ ( قال الرَّبِيعُ ) الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ الذي له فَرْجٌ وَذَكَرٌ إذَا بَالَ مِنْهُمَا لم يَسْبِقْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَانْقِطَاعُهُمَا مَعًا وإذا كان يَسْبِقُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَالْحُكْمُ لِلَّذِي يَسْبِقُ وَإِنْ كَانَا يَسْتَبِقَانِ مَعًا فَكَانَ أَحَدُهُمَا يَنْقَطِعُ قبل الْآخَرِ فَالْحُكْمُ لِلَّذِي يَبْقَى - * الْعَبْدُ يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَحَكَمَ اللَّهُ عز وجل بين الْعَبِيدِ بِالْقِصَاصِ في الْآيَةِ التي حَكَمَ فيها بين الْأَحْرَارِ بِالْقِصَاصِ ولم أَعْلَمْ في ذلك مُخَالِفًا من أَهْلِ الْعِلْمِ في النَّفْسِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا قَتَلَ الْعَبْدُ الْعَبْدَ أو الْأَمَةُ الْأَمَةَ أو الْعَبْدُ الْأَمَةَ أو الْأَمَةُ الْعَبْدَ عَمْدًا فَهُمْ كَالْأَحْرَارِ تُقْتَلُ الْحُرَّةُ بِالْحُرَّةِ وَالْحُرُّ بِالْحُرَّةِ وَالْحُرَّةُ بِالْحُرِّ فَعَلَيْهِمْ الْقِصَاصُ مَعًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَتُقْتَلُ الْأَعْبُدُ بِالْعَبْدِ يَقْتُلُونَهُ عَمْدًا وَكَذَلِكَ الْإِمَاءُ بِالْعَبْدِ يَقْتُلْنَهُ عَمْدًا وَالْقَوْلُ فِيهِمْ كَالْقَوْلِ في الْأَحْرَارِ وَأَوْلِيَاءُ الْعَبِيدِ مَالِكُوهُمْ فَيُخَيَّرُ مَالِكُ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ أو الْأَمَةِ الْمَقْتُولَةِ بين قَتْلِ من قَتَلَ عَبْدَهُ من الْعَبِيدِ أو أَخْذِ قِيمَةِ عَبْدِهِ الْمَقْتُولِ بَالِغَةً ما بَلَغَتْ من رَقَبَةِ من قَتَلَ عَبْدَهُ فَأَيَّهُمَا اخْتَارَ فَهُوَ له وإذا قُتِلَ العبد الْعَبْدُ عَمْدًا خُيِّرَ سَيِّدُ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ بين الْقِصَاصِ وَبَيْنَ أَخْذِ قِيمَةِ عَبْدِهِ وهو وَلِيُّ دَمِهِ دُونَ قَرَابَةٍ لو كانت لِعَبْدِهِ لِأَنَّهُ مَالِكُهُ فَإِنْ شَاءَ الْقِصَاصَ فَهُوَ له وَإِنْ شَاءَ قِيمَةَ عَبْدِهِ بِيعَ الْعَبْدُ الْقَاتِلُ فَأُعْطِيَ الْمَقْتُولُ عَبْدُهُ قِيمَةَ عَبْدِهِ وَرُدَّ فَضْلٌ إنْ كان فيها على مَالِكِ الْعَبْدِ الْقَاتِلِ وإذا لم يَكُنْ فيه فَضْلٌ لم يَكُنْ ثَمَّ شَيْءٍ يُرَدُّ عليه فَإِنْ نَقَصَ ثَمَنُهُ عن قِيمَةِ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ فَحَقٌّ ذَهَبَ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ وَلَا تَبَاعَةَ فيه على رَبِّ الْعَبْدِ الْقَاتِلِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ اخْتَارَ وَلِيُّ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ قَتْلَ بَعْضِ الْعَبِيدِ وَأَخْذَ قِيمَةِ عَبْدِهِ من الْبَاقِينَ لم يَكُنْ له على وَاحِدٍ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا أَوْلَى مَعَانِيهُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّ عليه دَلَائِلَ منها قَوْلُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَالْإِجْمَاعُ على أَنْ لَا يُقْتَلَ الْمَرْءُ بِابْنِهِ إذَا قَتَلَهُ وَالْإِجْمَاعُ على أَنْ لَا يُقْتَلَ الرَّجُلُ بِعَبْدِهِ وَلَا بِمُسْتَأْمَنٍ من أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ وَلَا بِامْرَأَةٍ من أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ وَلَا صَبِيٍّ

(6/25)


من الْبَاقِينَ من قِيمَةِ عَبْدِهِ إلَّا بِقَدْرِ عَدَدِهِمْ إنْ كَانُوا عَشْرَةً فَلَهُ في رَقَبَةِ كل وَاحِدٍ منهم عُشْرُ قِيمَةُ عَبْدِهِ ( قال ) وَإِنْ قَتَلَ عَبِيدٌ عَشْرَةٌ عَبْدًا عَمْدًا خُيِّرَ سَيِّدُ الْمَقْتُولِ بين قَتْلِهِمْ أو أَخْذِ قِيمَةِ عَبْدِهِ من رِقَابِهِمْ فَإِنْ اخْتَارَ قَتْلَهُمْ فَذَلِكَ له وَإِنْ اخْتَارَ أَخْذَ ثَمَنِ عَبْدِهِ فَلَهُ في رَقَبَةِ كُلٍّ منهم عُشْرُ قِيمَةِ عَبْدِهِ فَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَلَهُ في رَقَبَةِ كل وَاحِدٍ منهم ثُلُثُ قِيمَةِ عَبْدِهِ وَأَيُّ الْعَبِيدِ مَاتَ قبل يُقْتَصَّ منه أو يُبَاعَ له فَلَا سَبِيلَ له على سَيِّدِهِ وَلَهُ في الْبَاقِينَ الْقَتْلُ أو أَخْذُ الْأَرْشِ منهم بِقَدْرِ عَدَدِهِمْ كما وَصَفْت (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان عَبْدٌ بين رَجُلَيْنِ فَقُتِلَ فَأَعْتَقَاهُ أو أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْقَتْلِ كان على مِلْكِهِمَا قبل يُعْتِقَانِهِ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَقَعُ على مَيِّتٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَعْتَقَاهُ مَعًا في كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أو وَكَّلَا من أَعْتَقَهُ وَفِيهِ حَيَاةٌ فَهُوَ حُرٌّ وَوُلَاةُ دَمِهِ مَوَالِيهِ إنْ كان مَوَالِيهِ هُمْ وَرَثَتَهُ وَإِنْ كان له وَرَثَةٌ أَحْرَارٌ كَانُوا أَوْلَى بِمِيرَاثِهِ من مَوَالِيهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان الْعَبْدُ مَرْهُونًا فَقَتَلَهُ عَبْدٌ عَمْدًا فَلِسَيِّدِهِ أَخْذُ الْقَوَدِ وَلَيْسَ الْمُرْتَهِنُ بِسَبِيلٍ من دَمِهِ لو عَفَاهُ أو أَخَذَهُ وَذَلِكَ أَنَّ سَيِّدَهُ إنْ أَرَادَ الْقَوَدَ فَهُوَ له وَإِنْ أَرَادَ أَخْذَ ثَمَنِهِ أَخَذَهُ وَثَمَنُهُ رَهْنٌ مَكَانَهُ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَتْرُكَ الْقَوَدَ وَثَمَنَهُ لم يَكُنْ له ذلك وَلَا أَنْ يَدَعَ من ثَمَنِهِ شيئا إنْ كان رَهْنًا إلَّا بِأَنْ يَقْضِيَ الْمُرْتَهِنُ حَقَّهُ أو يُعْطِيَهُ مِثْلَ ثَمَنِهِ رَهْنًا مَكَانَهُ أو يَرْضَى ذلك الْمُرْتَهِنُ وإذا قَتَلَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ أو قُتِلَ فَسَيِّدُهُ وَلِيُّ دَمِهِ وَلَهُ أَنْ يَقْتَصَّ له إذَا كان مَقْتُولًا وَإِنْ كَرِهَ ذلك الْمُرْتَهِنُ وَلَا يَأْخُذَ بِأَنْ يُعْطِيَهُ رَهْنًا مَكَانَهُ وَكَذَلِكَ إنْ جَنَى الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ فَسَيِّدُهُ الْخَصْمُ وَيُبَاعُ منه في الْجِنَايَةِ بِقَدْرِ أَرْشِهَا إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ سَيِّدُهُ مُتَطَوِّعًا فَإِنْ فَعَلَ فَهُوَ على الرَّهْنِ وَإِنْ فَدَاهُ الْمُرْتَهِنُ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ لَا يَرْجِعُ بِمَا فَدَاهُ بِهِ على سَيِّدِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُ أَنْ يَفْدِيَهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا قُتِلَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ عَمْدًا فَلِسَيِّدِهِ الْقَتْلُ وَالْعَفْوُ بِلَا مَالٍ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْمَالَ بِقَتْلِ الْعَمْدِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ وَلَوْ قَتَلَ خَطَأً أو قَتَلَ من لا يَلْزَمُهُ له قِصَاصٌ لم يَكُنْ له أَنْ يَعْفُوَ ثَمَنَهُ عنه إلَّا أَنْ يُعْطِيَ الْمُرْتَهِنَ حَقَّهُ أو مِثْلَ ثَمَنِهِ رَهْنًا مَكَانَهُ ( قال الرَّبِيعُ ) وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ إذَا كان الْعَبْدُ مَرْهُونًا فَقُتِلَ عَمْدًا فَلِسَيِّدِهِ الْقِصَاصُ إنْ عَفَا الْقِصَاصَ وَجَبَ له مَالٌ فَلَيْسَ له أَنْ يَعْفُوَهُ لِأَنَّ قِيمَتَهُ ثَمَنٌ لِبَدَنِهِ وَلَيْسَ له أَنْ يُتْلِفَ على الْمُرْتَهِنِ ما كان ثَمَنًا لِبَدَنِ الْمَرْهُونِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَمَّا الْمُدَبَّرُ وَالْأَمَةُ قد وَلَدَتْ من سَيِّدِهَا فَمَمَالِيكُ حَالُهُمْ في جِنَايَتِهِمْ وَالْجِنَايَةُ عليهم حَالُ مَمَالِيكَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا جَنَى على الْمُكَاتَبِ فَأَتَى على نَفْسِهِ فَقَدْ مَاتَ رَقِيقًا وهو كَعَبْدِ الرَّجُلِ غير مُكَاتَبٍ جنى عليه وإذا جنى عليه فِيمَا دُونَ النَّفْسِ عَمْدًا فَلَهُ الْقِصَاصُ إنْ جَنَى عليه عَبْدٌ وَإِنْ أَرَادَ تَرْكَ الْقِصَاصِ وَأَخْذَ الْمَالِ كان له وَإِنْ أَرَادَ تَرْكَ الْمَالِ لم يَكُنْ له لِأَنَّهُ ليس بِمُسَلَّطٍ على مَالِهِ تَسْلِيطَ الْحُرِّ عليه وقد قِيلَ له عَفْوُ الْمَالِ في الْعَمْدِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ وإذا لم يَمْلِكْ بِالْجِنَايَةِ قِصَاصًا مِثْلُ أَنْ يَجْنِيَ عليه حُرٌّ أو عَبْدٌ مَغْلُوبٌ على عَقْلِهِ أو صَغِيرٌ فَلَيْسَ له عَفْوُ الْجِنَايَةِ بِحَالٍ لِأَنَّهُ مَالٌ يَمْلِكُهُ وَلَيْسَ له إتْلَافُ مَالِهِ ( قال الرَّبِيعُ ) وَلَوْ جنى على الْعَبْدِ الْمُكَاتَبِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَلَا قِصَاصَ - * الْحُرُّ يَقْتُلُ الْعَبْدَ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا جَنَى الْحُرُّ على الْعَبْدِ عَمْدًا فَلَا قِصَاصَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ أَتَتْ الْجِنَايَةُ على نَفْسِهِ فَفِيهِ قِيمَتُهُ في السَّاعَةِ التي جَنَى فيها عليه مع وُقُوعِ الْجِنَايَةِ بَالِغَةً ما بَلَغَتْ وَإِنْ كانت دِيَاتِ أَحْرَارٍ وَقِيمَتُهُ في مَالِ الْجَانِي دُونَ عَاقِلَتِهِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ قَتَلَ حُرٌّ وَعَبْدٌ عَبْدًا فَعَلَى الْحُرِّ الْعُقُوبَةُ وَنِصْفُ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَلِلسَّيِّدِ في الْعَبْدِ الْقِصَاصُ أو اتباعه بِنِصْفِ قِيمَةِ عَبْدِهِ في عُنُقِهِ كما وَصَفْت وإذا قَتَلَ الْعَبْدُ الْحُرَّ قُتِلَ بِهِ وَيُقَادُ منه في الْجِرَاحِ إنْ شَاءَ الْحُرُّ وَإِنْ شَاءَ وَرَثَتُهُ في الْقَتْلِ وهو في الْجِرَاحِ يَجْرَحُهَا عَمْدًا كَهُوَ في الْقَتْلِ في أَنَّ ذلك في عُنُقِ الْعَبْدِ كما وَصَفْت وإذا كان الْعَبْدُ بين اثْنَيْنِ فَقَتَلَهُ عَبْدٌ عمده ( ( ( عمدا ) ) ) فَلَا قَوَدَ حتى يَجْتَمِعَ مَالِكَاهُ مَعًا على الْقَوَدِ وَأَيُّهُمَا شَاءَ أَخْذَ حَقِّهِ من ثَمَنِهِ كان لِلْآخَرِ مِثْلُهُ وَلَا قَوَدَ له إذَا لم يُجْمِعْ معه شَرِيكُهُ على الْقَوَدِ

(6/26)


وَإِنْ جَنَى عليه خَطَأً فَقِيمَتُهُ على عَاقِلَةِ الْجَانِي وإذا كانت الْجِنَايَةُ على أَمَةٍ أو عَبْدٍ فَكَذَلِكَ وَالْقَوْلُ في قِيمَتِهِمْ قَوْلُ الْجَانِي لِأَنَّهُ يَغْرَمُ ثَمَنَهُ وَعَلَى السَّيِّدِ الْبَيِّنَةُ بِفَضْلٍ إنْ ادَّعَاهُ وإذا كانت خَطَأً فَالْقَوْلُ في قِيمَةِ الْعَبْدِ قَوْلُ عَاقِلَةِ الْجَانِي لِأَنَّهُمْ يَضْمَنُونَ قِيمَتَهُ فَإِنْ قالوا قِيمَتُهُ أَلْفٌ وقال الْقَاتِلُ قِيمَتُهُ أَلْفَانِ ضَمِنَتْ الْعَاقِلَةُ أَلْفًا وَالْقَاتِلُ في مَالِهِ أَلْفًا لَا يَسْقُطُ عنه ضَمَانُ ما أَقَرَّ أَنَّهُ جِنَايَتُهُ وَلَا يَلْزَمُهُمْ إقْرَارُهُ إذَا أَكْذَبُوهُ وَلَوْ جَنَى عَبْدٌ على عَبْدٍ عَمْدًا أو خَطَأً كان الْقِصَاصُ بين الْعَبْدَيْنِ في الْعَمْدِ وَلَا أَنْظُرُ إلَى فَضْلِ قِيمَةِ أَحَدِهِمَا على الْآخَرِ وَيُخَيَّرُ سَيِّدُ الْعَبْدِ الْمَجْنِيِّ عليه بين الْقِصَاصِ في النَّفْسِ وما دُونَهَا وَبَيْنَ الْأَرْشِ فَإِنْ اخْتَارَ الْأَرْشَ فَهُوَ له في عُنُقِ الْعَبْدِ الْجَانِي وَقِيمَتُهُ لِسَيِّدِ الْمَجْنِيِّ عليه بَالِغَةً ما بَلَغَتْ وَالْقَوْلُ في قِيمَةِ الْعَبْدِ الْمَجْنِيِّ عليه قَوْلُ سَيِّدِ الْعَبْدِ الْجَانِي وَلَا أَنْظُرُ إلَى قَوْلِ الْعَبْدِ الْجَانِي لِأَنَّ ذلك مَأْخُوذٌ من رَقَبَتِهِ وَرَقَبَتُهُ مَالٌ من مَالِ سَيِّدِهِ وَكَذَلِكَ لو كانت الْجِنَايَةُ خَطَأً كان الْقَوْلُ قَوْلَ سَيِّدِ الْجَانِي وإذا أَقَرَّ الْعَبْدُ بِأَنَّ قِيمَتَهُ الْأَكْثَرُ لم يَلْزَمْهُ الْأَكْثَرُ في عُبُودِيَّتِهِ وَإِنْ عَتَقَ لَزِمَهُ الْفَضْلُ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ سَيِّدُهُ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ الْعَبْدُ وَهَكَذَا لو كان الْجَانِي على الْعَبْدِ مُدَبَّرًا أو أُمَّ وَلَدٍ لَا يَخْتَلِفَانِ هُمَا وَالْعَبْدُ وَإِنْ كان الْجَانِي على الْعَبْدِ مُكَاتَبًا فَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَبْدِ الْقَوَدُ فَإِنْ اخْتَارَ سَيِّدُ الْعَبْدِ تَرْكَ الْقَوَدِ لِلْمَالِ أو كانت الْجِنَايَةُ خَطَأً فَسَوَاءٌ فَإِنْ أَقَرَّ الْمُكَاتَبُ بِأَنَّ قِيمَةَ الْعَبْدِ الْمَجْنِيِّ عليه أَلْفَانِ وَقِيمَةَ الْمُكَاتَبِ أَلْفَانِ أو أَكْثَرُ وقال سَيِّدُهُ أَلْفٌ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ إقْرَارَهُ مَوْقُوفٌ فَإِنْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ ما أَقَرَّ بِهِ من قَبْلِ أَنْ يَعْجِزَ لم يَكُنْ لِلسَّيِّدِ إبْطَالُ شَيْءٍ منه وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ قبل يُوَفِّيهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ في قِيمَةِ الْعَبْدِ الْمَجْنِيِّ عليه فَإِنْ كان الْمُكَاتَبُ أَدَّى من الْجِنَايَةِ ما أَقَرَّ السَّيِّدُ أَنَّهُ قِيمَةُ الْعَبْدِ الْمَجْنِيِّ عليه لم يُتْبَعْ الْعَبْدُ في شَيْءٍ من جِنَايَتِهِ وإذا أُعْتِقَ اتبع بِالْفَضْلِ وَإِنْ أَدَّى فَضْلًا عَمَّا أَقَرَّ بِهِ السَّيِّدُ لم يَكُنْ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ على سَيِّدِ الْعَبْدِ الْمَجْنِيِّ عليه (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ ذلك لَازِمٌ لِلْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِهِ وهو يَجُوزُ له ما أَقَرَّ بِهِ في مَالِهِ وَيَلْزَمُهُ لِسَيِّدِهِ وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ بِيعَ الْمُكَاتَبُ فيه إنْ لم يَتَطَوَّعْ بِأَدَائِهِ عنه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا قَتَلَ الْمُكَاتَبُ عَبِيدًا عَمْدًا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَاشْتَجَرُوا فَسَيِّدُ الْعَبْدِ الذي قُتِلَ أَوَّلًا أَوْلَى بِالْقِصَاصِ وَلَوْ دَفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الذي قُتِلَ أَوَّلًا فَعَفَا عنه على مَالٍ أو غَيْرِ مَالٍ كان عليه أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الذي قُتِلَ عَبْدُهُ بَعْدَهُ فَإِنْ عَفَا عنه دَفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْمَقْتُولِ بَعْدَهُ وَهَكَذَا حتى لَا يَبْقَى منهم أَحَدٌ إلَّا عَفَا عنه أو يَقْتُلَهُ أَحَدُ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِمْ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَكُونُ قَضَاؤُهُ بِهِ لِلَّذِي قُتِلَ أَوَّلًا وَعَفْوُهُ عنه مُزِيلًا لِلْقَوَدِ عنه مِمَّنْ قُتِلَ بَعْدَهُ لِأَنَّ كُلَّهُمْ يَسْتَوْجِبُ عليه قَتْلَهُ بِمَنْ قُتِلَ من أَوْلِيَائِهِ كما يَكُونُ لِلْقَوْمِ على رَجُلٍ حُدُودٌ فَيَعْفُو بَعْضُهُمْ فَيَكُونُ لِلْبَاقِينَ أَخْذُ حُدُودِهِمْ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ منهم أَخْذُ حَدِّهِ لِأَنَّ حَقَّهُ غَيْرُ حَقِّ صَاحِبِهِ وَهَكَذَا لو قَطَعَ أَيْمَانَ رِجَالٍ أو مَالَهُمْ فيه الْقِصَاصُ في مَوْضِعٍ وَاحِدٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا قَتَلَ الرَّجُلُ النَّفَرَ عَمْدًا أو الْوَاحِدَ ثُمَّ مَاتَ فَدِيَاتُ من قُتِلَ حَالَّةٌ في مَالِهِ بِكَمَالِهَا وإذا قَتَلَ الرَّجُلُ النَّفَرَ عَمْدًا ثُمَّ ارْتَدَّ عن الْإِسْلَامِ فَقُتِلَ أو زَنَى فَرُجِمَ فَدِيَاتُهُمْ في مَالِهِ كما وَصَفْت في مَوْتِهِ وإذا قَتَلَ الرَّجُلُ النَّفَرَ عَمْدًا فَعَدَا رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ على الْقَاتِلِ فَقَتَلَهُ عَمْدًا فَلِأَوْلِيَائِهِ الْقَوَدُ إلَّا أَنْ يَشَاءُوا أَنْ يَعْفُوا الْقَوَدَ على مَالٍ وَإِنْ عَفَوْهُ على مَالٍ فَالدِّيَةُ مَالٌ من مَالِ الْمَقْتُولِ يَأْخُذُهَا أَوْلِيَاءُ الَّذِينَ قُتِلُوا كما يَأْخُذُونَ سَائِرَ مَالِهِ وَهُمْ فيه أُسْوَةٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ عَفَا أَوْلِيَاؤُهُ الدَّمَ وَالْمَالَ نُظِرَ فَإِنْ كان لِلْقَاتِلِ مَالٌ يُخْرِجُ دِيَاتِ من قَتَلَ منهم فَعَفْوُهُمْ جَائِزٌ وَإِلَّا لم يَجُزْ عَفْوُهُمْ لِأَنَّهُمْ حين عَفَوْا الدَّمَ صَارَ له بِالْقَتْلِ مَالٌ وَلَا يَكُونُ لهم عَفْوُ مَالِهِ حتى يُؤَدُّوا دَيْنَهُ كُلَّهُ وإذا قَتَلَ الرَّجُلُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَدَّى أَقَلَّ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ السَّيِّدُ خُيِّرَ السَّيِّدُ بين أَنْ يَفْدِيَهُ بِالْفَضْلِ مُتَطَوِّعًا أو يُبَاعَ من الْعَبْدِ بِقَدْرِ ما بَقِيَ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ السَّيِّدُ ( قال الرَّبِيعُ ) وإذا أَدَّى الْمُكَاتَبُ أَكْثَرَ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ السَّيِّدُ ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ رَجَعَ السَّيِّدُ على الذي دُفِعَتْ إلَيْهِ الزِّيَادَةُ على ما أَقَرَّ بِهِ فَيَأْخُذُهُ منه وَيَدْفَعُهُ إلَى الْمُكَاتَبِ فَيَكُونُ في يَدِهِ كَسَائِرِ مَالِهِ فإذا عَتَقَ رَجَعَ عليه فَأَخَذَ منه ما أَقَرَّ بِهِ وَإِنْ عَجَزَ كان الْمَالُ كُلُّهُ لِسَيِّدِهِ

(6/27)


النَّفَرَ ثُمَّ ارْتَدَّ عن الْإِسْلَامِ فَجَاءَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِينَ يَطْلُبُونَ الْقَوَدَ اُسْتُتِيبَ فَإِنْ تَابَ قُتِلَ لهم وَإِنْ لم يَتُبْ قِيلَ لهم إنْ شِئْتُمْ أَخَذْتُمْ الدِّيَاتِ وَتَرَكْتُمْ الدَّمَ وَقَتَلْنَاهُ بِالرِّدَّةِ وَغَنِمْنَا ما بَقِيَ من مَالِهِ فَإِنْ فَعَلُوا فَذَلِكَ لهم وَإِنْ تَابَ بَعْدَ ما يَأْخُذُونَ الدِّيَاتِ أو يَقُولُونَ قد عَفَوْنَا الْقَوَدَ على الْمَالِ أو لم يَتُبْ فَسَأَلُوا الْقَوَدَ لم يَكُنْ ذلك لهم إذَا تَرَكُوهُ مَرَّةً لم يَكُنْ لهم أَنْ يَرْجِعُوا في تَرْكِهِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا لو زَنَى وهو مُحْصَنٌ وَقَتَلَ قبل الزنى أو بَعْدَهُ بَدَأْنَا بِالْقَتْلِ فَإِنْ تَرَكَ أَوْلِيَاؤُهُ رُجِمَ - * جِرَاحُ النَّفَرِ الرَّجُلَ الْوَاحِدَ فَيَمُوتُ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) إذَا قَطَعَ الرَّجُلُ يَدَ الرَّجُلِ وَقَطَعَ آخَرُ رِجْلَهُ وَشَجَّهُ الْآخَرُ مُوضِحَةً وَأَصَابَهُ الْآخَرُ بِجَائِفَةٍ وَكُلُّ ذلك بِحَدِيدٍ أو بِشَيْءٍ يُحَدَّدُ فَيَعْمَلُ عَمَلَ الْحَدِيدِ فلم يَبْرَأْ شَيْءٌ من جِرَاحَتِهِ حتى مَاتَ فَكُلُّهُمْ قَاتِلٌ وَعَلَى كُلِّهِمْ الْقَوَدُ وَكَذَلِكَ لو جَرَحَهُ رَجُلٌ مِائَةَ جُرْحٍ وَآخَرُ جُرْحًا وَاحِدًا كان عَلَيْهِمَا مَعًا الْقَوَدُ وكان لِأَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ أَنْ يَجْرَحُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَدَدَ ما جَرَحَهُ فَإِنْ مَاتَ وَإِلَّا ضَرَبُوا عُنُقَهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كان أَحَدُهُمَا جَرَحَهُ جُرْحًا جَائِفَةً غير نَافِذَةٍ أو جَائِفَةً نَافِذَةً كان فيها قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ أَنْ يَجْرَحَهُ جَائِفَةً غير نَافِذَةٍ أو جَائِفَةً نَافِذَةً وإذا كان الْقِصَاصُ بِالْقَتْلِ لم أَمْنَعْهُ أَنْ يَصْنَعَ هذا وَلَا آمُرُ في شَيْءٍ من هذا وَلِيَّ الْقَتِيلِ أَنْ يَلِيَهُ بِنَفْسِهِ إنَّمَا آمُرُ بِهِ من يُبْصِرُ كَيْفَ جَرَحَهُ فَأَقُولُ أجرحه كما جَرَحَهُ فإذا بَقِيَ ضَرْبُ الْعُنُقِ خَلَّيْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَلِيِّ الْقَتِيلِ وَكَذَلِكَ لو كان أَحَدُهُمْ قَطَعَ يَدَهُ بِنِصْفِ الذِّرَاعِ لم أَمْنَعْهُ من ذلك لِأَنَّهُ يُقْتَلُ مَكَانَهُ وَإِنَّمَا أَمْنَعُهُ إذَا كان جُرْحًا لَا يُقْتَلُ بِهِ وَلَا يَكُونُ فيه قِصَاصٌ وَالثَّانِي أَنَّ له أَنْ يَصْنَعَ بِهِ كُلَّ ما كان لو جَرَحَهُ اقْتَصَّ بِهِ منه فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَلَا يَصْنَعَ بِهِ ما لو كان جَرَحَهُ بِهِ دُونَ النَّفْسِ لم يَقْتَصَّ منه لِأَنَّهُ لَعَلَّهُ يَدَعُ قَتْلَهُ فَيَكُونُ قد عَذَّبَهُ وَأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ على أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِ ما صَنَعَ بِهِ في الْمَوَاضِعِ التي لَا يُقْتَصُّ منها وَيُقَالُ له الْقَتْلُ يَأْتِي على ذلك وإذا جَرَحَ الثَّلَاثَةُ رَجُلًا جِرَاحَ عَمْدٍ بِسِلَاحٍ وكان ضَمِنَا حتى مَاتَ وقد بَرَأَتْ جِرَاحُ أَحَدِهِمْ ولم تَبْرَأْ جِرَاحُ الْبَاقِينَ فَعَلَى الْبَاقِينَ الْقِصَاصُ وَلَا قِصَاصَ في النَّفْسِ على الذي بَرَأَتْ جِرَاحُهُ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ في الْجِرَاحِ إنْ كان مِمَّا يُقْتَصُّ منه أو الْعَقْلُ وَإِنْ كان مِمَّا لَا يُقْتَصُّ منه فَعَلَيْهِ عَقْلُ ذلك الْجُرْحِ بَالِغًا ما بَلَغَ قَلَّ ذلك أو كَثُرَ وَكَذَلِكَ لو كانت جِرَاحُهُ تَبْلُغُ دِيَةً أو أَكْثَرَ لِأَنَّهُ جَانِي جِرَاحٍ لم يَكُنْ فيها نَفْسٌ وَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمْ أَنَّهُ جَرَحَهُ مَرَّاتٍ وَصَدَّقَهُ وَرَثَةُ الْمَقْتُولِ فَهَكَذَا وَلَوْ كَذَّبَهُ الْقَتَلَةُ معه لم يُقْبَلْ تَكْذِيبُهُمْ لِأَنَّهُ لو كان قَاتِلًا مَعَهُمْ لم يَدْرَأْ عَنْهُمْ الْقَتْلَ فَلَا مَعْنَى لتكذيبهموه إذَا أَرَادَ أَوْلِيَاؤُهُ قَتْلَهُمْ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ صَدَّقَهُ أَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ وَكَذَّبَهُ الْقَتَلَةُ معه وقال أَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ نَحْنُ نَأْخُذُ الدِّيَةَ كَامِلَةً من الْقَاتِلِينَ الَّذِينَ جَرَحْت مَعَهُمْ لم يَكُنْ ذلك لهم إلَّا أَنْ يُقِرُّوا أَنَّ جِرَاحَهُ قد بَرَأَتْ أو تَقُومَ بَيِّنَةٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُمَا ثُلُثَا الدِّيَةِ إذَا كان مَعَهُمَا ثَالِثٌ فإذا بَرَأَتْ جِرَاحُهُ لَزِمَهُمَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ وَلَا يَلْزَمُهُمَا إلَّا بِإِقْرَارِهِمَا الدِّيَةَ تَامَّةً لِأَنَّهُمَا قَاتِلَانِ دُونَهُ أو بَيِّنَةٌ تَقُومُ على ذلك فَيَخْرُجُ الثَّالِثُ من الْقَتْلِ مَعَهُمَا فَتَكُونُ عَلَيْهِمَا ( 1 ) وَلَوْ جَرَحَهُ ثَلَاثَةٌ فَأَقَرَّ اثْنَانِ أَنَّ جِرَاحَ أَحَدِ الثَّلَاثَةِ بَرَأَتْ وَمَاتَ من جِرَاحِهِمَا وَادَّعَى ذلك الْجَانِي الذي أَقَرَّا له بِهِ وَصَدَّقَهُمْ أَوْلِيَاءُ الْقَتْلِ وَأَرَادُوا أَخْذَ الدِّيَةِ من الِاثْنَيْنِ الْمُقِرَّيْنِ أَنَّ جِرَاحَ الْجَارِحِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا سَأَلُوا الْقَوَدَ وَامْتَنَعُوا من الْعَفْوِ أَعْطَيْنَاهُمْ الْقَوَدَ بِاَلَّذِي قُتِلَ أَوَّلًا وَجَعَلْنَا لِلْبَاقِينَ الدِّيَةَ وما فَضَلَ من مَالِهِ غَنِمَ عليه عنه وَذَلِكَ أَنَّ وَاجِبًا عَلَيْنَا إعْطَاءُ الْآدَمِيِّينَ الْقَوَدَ وَالْقَوَدُ يَأْتِي على قَتْلِهِ بِالْقَوَدِ وَالرِّدَّةِ وَلَوْ مَاتَ مُرْتَدًّا قَاتِلًا أو قَاتِلًا غير مُرْتَدٍّ أَعْطَيْنَا من مَالِهِ الدِّيَةَ وَبِذَلِكَ قَدَّمْنَا في هذا حَقَّ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى في قَتْلِ الْآدَمِيِّينَ على الْقَتْلِ في الرِّدَّةِ

(6/28)


مَعَهُمَا بَرَأَتْ لم يَكُنْ ذلك لهم لِأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنْ ليس عَلَيْهِمَا إلَّا ثُلُثَا الدِّيَةِ فَبُرْؤُهُمَا مِمَّا سِوَاهُ إذَا سَأَلَ ذلك الْقَاتِلَانِ وَلَوْ قَتَلَهُ ثَلَاثَةٌ أَحَدُهُمْ عَبْدٌ وَأَرَادُوا أَخْذَ الدِّيَةِ كان ثُلُثُهَا في رَقَبَةِ الْعَبْدِ وَثُلُثَاهَا على الْحُرَّيْنِ وإذا أَفْلَسَ أَحَدُهُمَا أو كِلَاهُمَا اتبعوه ولم يَكُنْ على عَاقِلَةِ الْأَحْرَارِ وَسَيِّدِ الْعَبْدِ من دِيَةِ الْعَمْدِ شَيْءٌ بِحَالٍ وقد قِيلَ هَكَذَا لو كانت الْقِتْلَةُ عَمْدًا وَفِيهِمْ مَجْنُونٌ أو صِبْيَانٌ أو فِيهِمْ صَبِيٌّ أو قَتَلَ رَجُلٌ ابْنَهُ فَالدِّيَةُ كُلُّهَا في أَمْوَالِهِمْ ليس على عَاقِلَتِهِمْ منها شَيْءٌ وقد قِيلَ نحمل ( ( ( تحمل ) ) ) عَاقِلَةُ الصَّبِيِّ وَالْمَغْلُوبِ على عَقْلِهِ عَمْدَهُ كما يَحْمِلُونَ خَطَأَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وإذا جَرَحَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ جِرَاحًا كَثِيرَةً وَالْآخَرُ جُرْحًا وَاحِدًا فَأَرَادَ أَوْلِيَاؤُهُ الْقَوَدَ فَهُوَ لهم وَإِنْ أَرَادُوا الْعَقْلَ فَعَلَى كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ إذَا كانت نَفْسًا فَسَوَاءٌ في الْغَرَامَةِ الذي جَرَحَ الْجِرَاحَ الْقَلِيلَةَ وَاَلَّذِي جَرَحَ الْجِرَاحَ الْكَثِيرَةَ ( قال الرَّبِيعُ ) وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدَ الصَّبِيِّ وهو في مَالِهِ إنْ كان له مَالٌ وَإِلَّا فَدَيْنٌ عليه - * ما يَسْقُطُ فيه الْقِصَاصُ من الْعَمْدِ - *
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مُسْلِمٌ عن بن جُرَيْجٍ قال الرَّبِيعُ أَظُنُّهُ عن عَطَاءٍ عن صَفْوَانَ بن يَعْلَى بن أُمَيَّةَ عن يَعْلَى بن أُمَيَّةَ قال غَزَوْت مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم غَزْوَةً قال وكان يَعْلَى يقول وَكَانَتْ تِلْكَ الْغَزْوَةُ أَوْثَقَ عملي ( ( ( عمل ) ) ) في نَفْسِي قال عَطَاءٌ قال صَفْوَانُ قال يَعْلَى كان لي أَجِيرٌ فَقَاتَلَ إنْسَانًا فَعَضَّ أَحَدُهُمَا يَدَ الْآخَرِ فَانْتَزَعَ الْمَعْضُوضُ يَدَهُ من في الْعَاضِّ فَذَهَبَتْ يَعْنِي إحْدَى ثنيته ( ( ( ثنيتيه ) ) ) فَأَتَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَهْدَرَ ثَنِيَّتَهُ قال عَطَاءٌ وَحَسِبْت أَنَّهُ قال قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَيَدَعُ يَدَهُ في فِيكَ فَتَقْضِمُهَا كَأَنَّهَا في في فَحْلٍ يَقْضِمُهَا
أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّ بن أبي مُلَيْكَةَ أخبره أَنَّ أَبَاهُ أخبره أَنَّ إنْسَانًا جاء إلَى أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعَضَّهُ إنْسَانٌ فَانْتَزَعَ يَدَهُ منه فَذَهَبَتْ ثَنِيَّتُهُ فقال أبو بَكْرٍ بَعُدَتْ ثَنِيَّتُهُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا عُدْوَانَ في إخْرَاجِ الْعُضْوِ من في الْعَاضِّ وَلَوْ رَامَ إخْرَاجَ الْعُضْوِ من في الْعَاضِّ فَامْتَنَعَ عليه وَغَلَبَهُ إخْرَاجُهَا كان له فَكُّ لَحْيَيْهِ بيده الْأُخْرَى إنْ كان عَضَّ إحْدَى يَدَيْهِ وَبِيَدَيْهِ مَعًا إنْ كان عَضَّ رِجْلَهُ فَإِنْ كان عَضَّ قَفَاهُ فلم تَنَلْهُ يَدَاهُ كان له نَزْعُ رَأْسِهِ من فيه فَإِنْ لم يَقْدِرْ على إخْرَاجِهِ فَلَهُ التَّحَامُلُ عليه بِرَأْسِهِ إلَى وَرَاءٍ مُصْعِدًا أو مُنْحَدِرًا وَإِنْ قَدَرَ بِيَدَيْهِ فَغَلَبَهُ ضَبْطًا بِفِيهِ كان له ضَرْبُ فيه بِيَدَيْهِ أو بَدَنِهِ أَبَدًا حتى يُرْسِلَهُ فَإِنْ تَرَكَ شيئا مِمَّا وَصَفْنَا له وَبَعَجَ بَطْنَهُ بِسِكِّينٍ أو فَقَأَ عَيْنَهُ بِيَدَيْهِ أو ضَرَبَهُ في بَعْضِ جَسَدِهِ ضَمِنَ في هذا كُلِّهِ الْجِنَايَةَ لِأَنَّ هذا ليس له وَلَا يَضْمَنُ فِيمَا له أَنْ يَفْعَلَهُ وَإِنْ أتى ذلك على هَدْمِ فيه كُلِّهِ وَكَانَتْ منه مَنِيَّتُهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما أَصَابَ بِهِ الْعَاضُّ الْمَعْضُوضَ من جُرْحٍ فَصَارَ نَفْسًا أو صَارَ جُرْحًا عَظِيمًا ضَمِنَهُ كُلَّهُ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ - * الرَّجُل يَجِد مع امْرَأَته رَجُلًا فَيَقْتُلهُ أو يَدْخُل عليه بَيْته فَيَقْتُلهُ - *
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكُ بن أَنَسٍ عن سُهَيْلِ بن أبي صَالِحٍ عن أبيه عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ سَعْدًا قال يا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إنْ وَجَدْتُ مع امْرَأَتِي رَجُلًا أَأُمْهِلُهُ حتى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا كُلِّهِ نَقُولُ فإذا عَضَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَانْتَزَعَ الْمَعْضُوضُ الْعُضْوَ الذي عُضَّ منه يَدًا أو رِجْلًا أو رَأْسًا من في الْعَاضِّ فَأَذْهَبَتْ ثَنَايَا الْعَاضِّ وَمَاتَ منها أو لم يَمُتْ فَلَا عَقْلَ وَلَا قَوَدَ وَلَا كَفَّارَةَ على الْمُنْتَزِعِ لِأَنَّهُ لم يَكُنْ له الْعَضُّ بِحَالٍ وَلَوْ كان الْعَاضُّ بَدَأَ في جَمَاعَةِ الناس فَضَرَبَ وَظَلَمَ أو بُدِئَ فَضُرِبَ وَظُلِمَ كان سَوَاءً لِأَنَّ نَفْسَ الْعَضِّ ليس له وَإِنَّ لِلْمَعْضُوضِ مَنْعَ الْعَضِّ فإذا كان له مَنْعُهُ فَلَا قَوَدَ عليه فِيمَا أَحْدَثَ ما يَمْنَعُ إذَا لم يَكُنْ في الْمَنْعِ عُدْوَانٌ

(6/29)


عليه وسلم نعم
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَجُلًا من أَهْلِ الشَّامِ يُقَالُ له بن خيبرى وَجَدَ مع امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَقَتَلَهُ أو قَتَلَهُمَا فَأَشْكَلَ على مُعَاوِيَةَ الْقَضَاءُ فيه فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إلَى أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ يَسْأَلُ له عَلِيَّ بن أبي طَالِبٍ عن ذلك فَسَأَلَ أبو مُوسَى عن ذلك عَلِيَّ بن أبي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ فقال له عَلِيٌّ إنَّ هذا الشَّيْءَ ما هو بِأَرْضِنَا عَزَمْت عَلَيْك لَتُخْبِرَنِّي فقال له أبو مُوسَى كَتَبَ إلَيَّ في ذلك مُعَاوِيَةُ فقال عَلِيٌّ أنا أبو حَسَنٍ إنْ لم يَأْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَلْيُعْطَ بِرُمَّتِهِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ ادَّعَى على أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ مِنْهُمَا أَنَّهُمْ عَلِمُوهُ قد نَالَ منها ما يُوجِبُ عليه الْقَتْلَ إنْ كان الرَّجُلَ أو نِيلَ من الْمَرْأَةِ إنْ كانت الْمَرْأَةُ الْمَقْتُولَةُ كان على أَيِّهِمَا ادَّعَى ذلك عليه أَنْ يَحْلِفَ ما عَلِمَ فَإِنْ حَلَفَ فَلَهُ الْقَوَدُ وَإِنْ لم يَحْلِفْ حُلِّفَ الْقَاتِلُ وَبَرِئَ من الْقَوَدِ وَالْعَقْلِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان لِلرَّجُلِ وَلِيَّانِ فَادَّعَى عَلَيْهِمَا الْعِلْمَ فَحَلَفَ أَحَدُهُمَا ما عَلِمَ وَنَكَلَ الْآخَرُ عن الْيَمِينِ وَحَلَفَ الْقَاتِلُ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَتِهِ وَوَصَفَ الزنى الذي يُوجِبُ الْحَدَّ فَكَانَ بَيِّنًا فَلَا قَوَدَ عليه وَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ حَالَّةً في مَالِهِ لِلَّذِي حَلَفَ ما عَلِمَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان له وَلِيَّانِ صَغِيرٌ وَكَبِيرٌ فَحَلَفَ الْكَبِيرُ ما عَلِمَ لم يُقْتَلْ حتى يَبْلُغَ الصَّغِيرُ فَيَحْلِفَ أو يَمُوتَ فَتَقُومُ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ إنْ شَاءَ الْكَبِيرُ أَخَذَ نِصْفَ الدِّيَةِ فَإِنْ أَخَذَهَا أَخَذَ لِلصَّغِيرِ نِصْفَ الدِّيَةِ ثُمَّ يَنْتَظِرُ بِهِ أَنْ يَحْلِفَ فإذا كَبِرَ حَلَفَ فَإِنْ لم يَحْلِفْ وَحَلَفَ الْقَاتِلُ رَدَّ ما أَخَذَ له وَلَوْ أَقَرَّ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ مِنْهُمَا أَنَّهُ كان مَعَهَا في الثَّوْبِ وَتَحَرَّكَ تَحَرُّكَ الْمُجَامِعِ وَأَنْزَلَ ولم يُقِرُّوا بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ لم يَسْقُطْ عنه الْقَوَدُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَقَرُّوا بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ وكان الْمَقْتُولُ بِكْرًا بِدَعْوَى أَوْلِيَائِهِ إخْوَتِهِ أو ابْنِهِ فَادَّعَى الْقَاتِلُ أَنَّهُ ثَيِّبٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ أَوْلِيَائِهِ وَعَلَى الْقَاتِلِ الْقَوَدُ لِأَنَّهُ ليس على الْبِكْرِ قَتْلٌ في الزنى فَإِنْ جاء بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ كان ثَيِّبًا سَقَطَ عنه الْعَقْلُ وَالْقَوَدُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَيَسَعُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عز وجل قَتْلُ الرَّجُلِ وَامْرَأَتِهِ إذَا كَانَا ثَيِّبَيْنِ وَعَلِمَ أَنَّهُ قد نَالَ منها ما يُوجِبُ الْقَتْلَ وَلَا يُصَدَّقُ بِقَوْلِهِ فِيمَا يُسْقِطُ عنه الْقَوَدَ وَهَكَذَا لو وَجَدَهُ يتلوط بِابْنِهِ أو يَزْنِي بِجَارِيَتِهِ لَا يَخْتَلِفُ وَلَا يَسْقُطُ عنه الْقَوَدُ وَالْعَقْلُ وَالْقَوَدُ في الْقَتْلِ إلَّا بِأَنْ يَفْعَلَ ما يُحِلُّ دَمَهُ وَلَا يَحِلُّ دَمُهُ وَأَنْ يَعْمِدَ قَتْلَهُ إلَّا بِكُفْرٍ بَعْدَ إيمَانٍ أو زِنًا بَعْدَ إحْصَانٍ أو قَتْلِ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ مع امْرَأَتِهِ رَجُلًا يَنَالُ منها ما يُحَدُّ بِهِ الزَّانِي فَقَتَلَهُمَا وَالرَّجُلُ ثَيِّبٌ وَالْمَرْأَةُ غَيْرُ ثَيِّبٍ فَلَا شَيْءَ في الرَّجُلِ وَعَلَيْهِ الْقَوَدُ في الْمَرْأَةِ وَلَوْ كان الرَّجُلُ غير ثَيِّبٍ وَالْمَرْأَةُ ثَيِّبًا كان عليه في الرَّجُلِ الْقَوَدُ وَلَا شَيْءَ عليه في الْمَرْأَةِ - * الرَّجُلُ يُحْبَسُ لِلرَّجُلِ حتى يَقْتُلَهُ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا حَبَسَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ رَجُلًا أَيَّ حَبْسٍ ما كان بِكِتَافٍ أو رَبْطِ الْيَدَيْنِ أو إمْسَاكِهِمَا أو اضجاعه له وَرَفَعَ لِحْيَتَهُ عن حَلْقِهِ فَقَتَلَهُ الْآخَرُ قُتِلَ بِهِ الْقَاتِلُ وَلَا قَتْلَ على الذي حَبَسَهُ وَلَا عَقْلَ وَيُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ لِأَنَّ هذا لم يَقْتُلْ وَإِنَّمَا يُحْكَمُ بِالْقَتْلِ على الْقَاتِلِينَ وَهَذَا غَيْرُ قَاتِلٍ - * مَنْعُ الرَّجُلِ نَفْسَهُ وَحَرِيمَهُ - *
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن الزُّهْرِيِّ عن طَلْحَةَ بن عبد اللَّهِ بن عَوْفٍ عن سَعِيدِ بن زَيْدِ بن عَمْرِو بن نُفَيْلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ
أخبرنا الرَّبِيعُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَبِهَذَا نَقُولُ فإذا وَجَدَ الرَّجُلُ مع امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَادَّعَى أَنَّهُ يَنَالُ منها ما يُوجِبُ الْحَدَّ وَهُمَا ثَيِّبَانِ مَعًا فَقَتَلَهُمَا أو أَحَدَهُمَا لم يُصَدَّقْ وكان عليه الْقَوَدُ أَيَّهُمَا قَتَلَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَوْلِيَاؤُهُ أَخْذَ الدِّيَةِ أو الْعَفْوَ

(6/30)


قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا عَمْرُو بن شُعَيْبٍ عن أبيه عن بَعْضِ أَهْلِهِ عن عبد اللَّهِ بن عَمْرِو بن الْعَاصِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ أو بَعْضَ الْوُلَاةِ بَعَثَ إلَى الْوَهْطِ ( 1 ) لِيَقْبِضَهُ فَلَبِسَ عبد اللَّهِ بن عَمْرٍو السِّلَاحَ وَجَمَعَ من أَطَاعَهُ وَجَلَسَ على بَابِهِ فَقِيلَ له أَتُقَاتِلُ فقال وما يَمْنَعُنِي أَنْ أُقَاتِلَ وقد سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول من قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ ضَرَبَهُ ضَرْبَةً أو لم يَضْرِبْهُ حتى رَجَعَ عنه تَارِكًا لِقِتَالِهِ لم يَكُنْ له أَنْ يَعُودَ عليه بِضَرْبٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ قَاتَلَهُ وهو مُوَلٍّ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ يَرْمِيهِ أو يَطْعَنُهُ أو يُوهِقُهُ كان له عِنْدَ توهيقه إيَّاهُ أو انْحِرَافِهِ لِرَمْيِهِ ضَرْبُهُ وَرَمْيُهُ ولم يَكُنْ له بَعْدَ تَرْكِهِ ذلك ضَرْبُهُ وَلَا رَمْيُهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ أَرَادَهُ وهو في الطَّرِيقِ وَبَيْنَهُمَا نَهْرٌ أو خَنْدَقٌ أو جِدَارٌ أو ما لَا يَصِلُ معه إلَيْهِ لم يَكُنْ له ضَرْبُهُ وَلَا يَكُونُ له ضَرْبُهُ حتى يَكُونَ بَارِزًا له مُرِيدًا له فإذا كان بَارِزًا له مُرِيدًا له كان له ضَرْبُهُ حِينَئِذٍ إذَا لم يَرَ أَنَّهُ يَدْفَعُهُ عنه إلَّا بِالضَّرْبِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كان له مُرِيدًا فَانْكَسَرَتْ يَدُ الْمُرِيدِ أو رِجْلُهُ حتى يَصِيرَ مِمَّنْ لَا يَقْدِرُ عليه لم يَكُنْ له ضَرْبُهُ لِأَنَّ الْإِرَادَةَ لَا تُحِلُّ ضَرْبَهُ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ مثله يُطِيقُ الضَّرْبَ فَأَمَّا إذَا صَارَ إلَى حَالٍ لَا يَقْوَى على ضَرْبِ الْمُرَادِ فيها لم يَكُنْ لِلْمُرَادِ ضَرْبُهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان الْمُرَادُ في جَبَلٍ أو حِصْنٍ أو خَنْدَقٍ فَأَرَادَهُ رَجُلٌ لَا يَصِلُ إلَيْهِ بِضَرْبٍ لم يَكُنْ له ضَرْبُهُ فَإِنْ رَمَاهُ الرَّجُلُ وَمِثْلُ الرَّمْيِ يَصِلُ إلَيْهِ لِقُرْبِهِ منه كان له رَمْيُهُ وَضَرْبُهُ وَإِنْ بَرَزَ الرَّجُلُ من الْحِصْنِ حتى يَصِيرَ الرَّجُلُ يَقْدِرُ على ضَرْبِهِ بِحَالٍ فَأَرَادَهُ فَلَهُ ضَرْبُهُ في هذه الْحَالِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَسَوَاءٌ فِيمَا يَحِلُّ بِالْإِرَادَةِ وَأَنْ يَكُونَ يَبْلُغُ الضَّرْبُ وَالرَّمْيُ مَعَهَا وَيَحْرُمُ من الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ وَالْمَعْتُوهِ وَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ وَالْجَمَلِ الصؤل ( ( ( الصئول ) ) ) وَالدَّابَّةِ الصؤلة ( ( ( الصئولة ) ) ) وَغَيْرِهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحِلُّ ضَرْبُهُ لَأَنْ يَقْتُلَ الْمُرَادَ أو يَجْرَحَهُ فَكُلُّ هَؤُلَاءِ سَوَاءٌ فِيمَا يَحِلُّ منه بِالْإِرَادَةِ إذَا كان الْمُرِيدُ يَقْدِرُ على الْقَتْلِ وَلِلْمُرَادِ أَنْ يَبْدُرَ الْمُرِيدَ بِالضَّرْبِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) إذَا أَقْبَلَ الرَّجُلُ بِالسَّيْفِ أو غَيْرِهِ من السِّلَاحِ إلَى الرَّجُلِ فَإِنَّمَا له ضَرْبُهُ على ما يَقَعُ في نَفْسِهِ فَإِنْ وَقَعَ في نَفْسِهِ أَنَّهُ يَضْرِبُهُ وَإِنْ لم يَبْدَأْهُ الْمُقْبِلُ إلَيْهِ بِالضَّرْبِ فَلْيَضْرِبْهُ وَإِنْ لم يَقَعْ في نَفْسِهِ ذلك لم يَكُنْ له ضَرْبُهُ وكان له الْقَوَدُ فِيمَا نَالَ منه بِالضَّرْبِ أو الْأَرْشِ وإذا أَبَحْتُ لِلرَّجُلِ دَمَ رَجُلٍ أو ضَرْبَهُ فَمَاتَ مِمَّا أَبَحْت له فَلَا عَقْلَ وَلَا قَوَدَ وَلَا كَفَّارَةَ وإذا قُلْت ليس له رَمْيُهُ وَلَا ضَرْبُهُ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ وَالْعَقْلُ وَالْكَفَّارَةُ فِيمَا نَالَ منه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ عَرَضَ له فَضَرَبَهُ وَلَهُ الضَّرْبُ ضربة ثُمَّ وَلَّى أو جُرِحَ فَسَقَطَ ثُمَّ عَادَ فَضَرَبَهُ أُخْرَى فَمَاتَ مِنْهُمَا ضَمِنَ نِصْفَ الدِّيَةِ في مَالِهِ وَالْكَفَّارَةَ لِأَنَّهُ مَاتَ من ضَرْبِ مُبَاحٍ وَضَرْبٍ مَمْنُوعٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ ضَرَبَهُ مُقْبِلًا فَقَطَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى ثُمَّ ضَرَبَهُ مُوَلِّيًا فَقَطَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى ثُمَّ بَرَأَ مِنْهُمَا فَلَهُ الْقَوَدُ في الْيُسْرَى وَالْيُمْنَى هَدَرٌ وَلَوْ مَاتَ مِنْهُمَا فَأَرَادَ وَرَثَتُهُ الدِّيَةَ فَلَهُمْ نِصْفُ الدِّيَةِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَقْبَلَ بَعْدَ التَّوْلِيَةِ فَقَطَعَ رِجْلَهُ ثُمَّ مَاتَ ضَمِنَ ثُلُثَ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ مَاتَ من جِرَاحَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ مُبَاحَةٍ وَثَانِيَةٍ غَيْرِ مُبَاحَةٍ وَثَالِثَةٍ مُبَاحَةٍ فلما تَفَرَّقَ حُكْمُ جِنَايَتِهِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَمَنْ أُرِيدَ مَالُهُ في مصر فيه غَوْثٌ أو صَحْرَاءُ لَا غَوْثَ فيها أو أُرِيدَ وَحَرِيمُهُ في وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَالِاخْتِيَارُ له أَنْ يُكَلِّمَ من يُرِيدُهُ وَيَسْتَغِيثَ فَإِنْ مُنِعَ أو امْتَنَعَ لم يَكُنْ له قِتَالُهُ وَإِنْ أَبَى أَنْ يَمْتَنِعَ من أَرَادَ مَالَهُ أو قَتْلَهُ أو قَتْلَ بَعْضِ أَهْلِهِ أو دُخُولًا على حَرِيمِهِ أو قَتْلَ الْحَامِيَةِ حتى يَدْخُلَ الْحَرِيمَ أو يَأْخُذَ من الْمَالِ أو يُرِيدَهُ الْإِرَادَةَ التي يَخَافُ الْمَرْءُ أَنْ يَنَالَهُ أو بَعْضَ أَهْلِهِ فيها بِجِنَايَةٍ فَلَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ عن نَفْسِهِ وَعَنْ كل مَالِهِ دَفَعَهُ عن نَفْسِهِ فَإِنْ لم يَنْدَفِعْ عنه ولم يَقْدِرْ على الِامْتِنَاعِ منه إلَّا بِضَرْبِهِ بِيَدٍ أو عَصًا أو سِلَاحِ حَدِيدٍ أو غَيْرِهِ فَلَهُ ضَرْبُهُ وَلَيْسَ له عَمْدُ قَتْلِهِ وإذا كان له ضَرْبُهُ فَإِنْ أتى الضَّرْبُ على نَفْسِهِ فَلَا عَقْلَ فيه وَلَا قَوَدَ وَلَا كَفَّارَةَ

(6/31)


فَرَّقْت بَيْنَهُ وَجَعَلْته كَجِنَايَةِ ثَلَاثَةٍ وَلَوْ جَرَحَهُ أَوَّلًا وهو مُبَاحٌ جِرَاحَاتٍ ثُمَّ وَلَّى فَجَرَحَهُ جِرَاحَاتٍ كانت جِنَايَتَيْنِ مَاتَ مِنْهُمَا فَسَوَاءٌ قَلِيلُ الْجِرَاحِ في الْحَالِ الْوَاحِدَةِ وَكَثِيرِهَا فَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ فَإِنْ عَادَ فَأَقْبَلَ فَجَرَحَهُ جِرَاحَةً قَلِيلَةً أو كَثِيرَةً فَمَاتَ فَعَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ كما قلت أَوَّلًا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا عَمَدَ أَنْ يَأْتِيَ نَقْبًا أو كُوَّةً أو جَوْبَةً في مَنْزِلِ رَجُلٍ يَطَّلِعُ على حَرَمِهِ من النِّسَاءِ كان ذلك الْمُطَّلِعُ من مَنْزِلِ الْمُطَّلَعِ أو من مَنْزِلٍ لِغَيْرِهِ أو طَرِيقٍ أو رَحْبَةٍ فَكُلُّ ذلك سَوَاءٌ وهو آثِمٌ بِعَمْدِ الِاطِّلَاعِ وَلَوْ أَنَّ الرَّجُلَ الْمُطَلَّعَ عليه خَذَفَهُ بِحَصَاةٍ أو وَخَزَهُ بِعُودٍ صَغِيرٍ أو مِدْرًى أو ما يَعْمَلُ عَمَلَهُ في أَنْ لَا يَكُونَ له جُرْحٌ يَخَافُ قَتْلَهُ وَإِنْ كان قد يُذْهِبُ الْبَصَرَ لم يَكُنْ عليه عَقْلٌ وَلَا قَوَدٌ فِيمَا يَنَالُ من هذا وما أَشْبَهَهُ وَلَوْ مَاتَ الْمُطَّلِعُ من ذلك لم يَكُنْ عليه كَفَّارَةٌ وَلَا إثْمٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ما كان الْمُطَّلِع مُقِيمًا على الِاطِّلَاعِ غير مُمْتَنِعٍ من النُّزُوعِ فإذا نَزَعَ عن الِاطِّلَاعِ لم يَكُنْ له أَنْ يَنَالَهُ بِشَيْءٍ وما نَالَهُ بِهِ فَعَلَيْهِ فيه قَوَدٌ أو عَقْلٌ إذَا كان فيه عَقْلٌ وَلَوْ طَعَنَهُ عِنْدَ أَوَّلِ اطِّلَاعِهِ بِحَدِيدَةٍ تَجْرَحُ الْجُرْحَ الذي يَقْتُلُ أو رَمَاهُ بِحَجَرٍ يَقْتُلُ مِثْلُهُ كان عليه الْقَوَدُ فِيمَا فيه الْقَوَدُ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُذِنَ له الذي يَنَالُهُ بِالشَّيْءِ الْخَفِيفِ الذي يَرْدَعُ بَصَرَهُ لَا يَقْتُلُ نَفْسَهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ ثَبَتَ مُطَّلِعًا لَا يَمْتَنِعُ من الرُّجُوعِ بَعْدَ مَسْأَلَتِهِ أَنْ يَرْجِعَ أو بَعْدَ رَمْيِهِ بِالشَّيْءِ الْخَفِيفِ اسْتَغَاثَ عليه فَإِنْ لم يَكُنْ في مَوْضِعِ غَوْثٍ أَحْبَبْت أَنْ يَنْشُدَهُ فَإِنْ لم يَمْتَنِعْ في مَوْضِعِ الْغَوْثِ وَغَيْرِهِ من النُّزُوعِ عن الِاطِّلَاعِ فَلَهُ أَنْ يَضْرِبَهُ بِالسِّلَاحِ وَأَنْ يَنَالَهُ بِمَا يَرْدَعُهُ فَإِنْ جاء ذلك على نَفْسِهِ أو جَرَحَهُ فَلَا عَقْلَ وَلَا قَوَدَ وَلَا يُجَاوِزُ بِمَا يَرْمِيه بِهِ ما أَمَرْته بِهِ أَوَّلًا حتى يَمْتَنِعَ فإذا لم يَمْتَنِعْ نَالَهُ بِالْحَدِيدِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ هذا مَكَانٌ يَرَى ما لَا يَحِلُّ له + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ لم يَنَلْ هذا منه كان لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُعَاقِبَهُ وَلَوْ أَنَّهُ أَخْطَأَ في الِاطِّلَاعِ لم يَكُنْ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنَالَهُ بِشَيْءٍ إذَا اطَّلَعَ فَنَزَعَ من الِاطِّلَاعِ أو رَآهُ مُطَّلِعًا فقال ما عَمَدْت وَلَا رَأَيْت وَإِنْ نَالَهُ قبل أَنْ يَنْزِعَ بِشَيْءٍ فقال ما عَمَدْت وَلَا رَأَيْت لم يَكُنْ عليه شَيْءٌ لِأَنَّ الِاطِّلَاعَ ظَاهِرٌ وَلَا يُعْلَمُ ما في قَلْبِهِ وَلَوْ كان أَعْمَى فَنَالَهُ بِشَيْءٍ ضَمِنَهُ لِأَنَّ الْأَعْمَى لَا يُبْصِرُ بِالِاطِّلَاعِ شيئا وَلَوْ كان الْمُطَلِّعُ ذَا مَحْرَمٍ من نِسَاءِ الْمُطَّلَعِ عليه لم يَكُنْ له أَنْ يَنَالَهُ بِشَيْءٍ بِحَالٍ ولم يَكُنْ له أَنْ يَطَّلِعَ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّهُ يَرَى منهم عَوْرَةً لَيْسَتْ له رُؤْيَتُهَا وَإِنْ نَالَهُ بِشَيْءٍ في الِاطِّلَاعِ ضَمِنَهُ عَقْلًا وَقَوَدًا إلَّا أَنْ يَطَّلِعَ على امْرَأَةٍ منهم مُتَجَرِّدَةً فَيُقَالُ له فَلَا يَنْزِعُ فَيَكُونُ له حِينَئِذٍ فيه ما يَكُونُ له في الْأَجْنَبِيِّينَ إذَا اطَّلَعُوا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وما أَصَابَ الْمُرِيدُ لِنَفْسِ الرَّجُلِ أو مَالِهِ أو حَرِيمِهِ من الرَّجُلِ في إقْبَالِهِ أو نَالَهُ بِهِ في تَوْلِيَتِهِ عنه سَوَاءٌ لِأَنَّهُ ظَالِمٌ لِذَلِكَ كُلِّهِ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ فِيمَا فيه الْقَوَدُ وَالْعَقْلُ فِيمَا فيه الْعَقْلُ من ذلك كُلِّهِ فَإِنْ كان الْمُرِيدُ مَعْتُوهًا أو مِمَّنْ لَا قَوَدَ عليه فَلَا قَوَدَ عليه وَفِيمَا اصاب الْعَقْلَ وَإِنْ كان الْمُرِيدُ بَهِيمَةً في نَهَارٍ فَلَا شَيْءَ على مَالِكِهَا كانت مِمَّا يَصُولُ وَيَعْقِرُ أو مِمَّا لَا يَصُولُ وَلَا يَعْقِرُ بِحَالٍ إذَا لم يَكُنْ مَعَهَا قَائِدٌ أو سَائِقٌ أو رَاكِبٌ - * التَّعَدِّي في الِاطِّلَاع وَدُخُولِ الْمَنْزِلِ - *
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن أبي الزِّنَادِ عن الْأَعْرَجِ عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لو أَنَّ امرءا اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إذْنٍ فَخَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ فَفَقَأَتْ عَيْنَهُ ما كان عَلَيْكَ من جُنَاحٍ
أخبرنا سُفْيَانُ قال حدثنا الزُّهْرِيُّ قال سَمِعْت سَهْلَ بن سَعْدٍ يقول اطَّلَعَ رَجُلٌ من جُحْرٍ في حُجْرَةِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَمَعَ النبي عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِدْرًى يَحُكُّ بِهِ رَأْسَهُ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لو أَعْلَمُ أَنَّكَ تَنْظُرُ لَطَعَنْتُ بِهِ في عَيْنِكَ إنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ من أَجْلِ الْبَصَرِ
أخبرنا عبد الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عن حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عن أَنَسِ بن مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان في بَيْتِهِ رَأَى رَجُلًا اطَّلَعَ عليه فَأَهْوَى إلَيْهِ بِمِشْقَصٍ كان في يَدِهِ كَأَنَّهُ لو لم يَتَأَخَّرْ لم يُبَالِ أَنْ يَطْعَنَهُ

(6/32)


وَإِنَّمَا فَرَّقْت بين الْمُطَّلِعِ أَوَّلَ ما يَطَّلِعُ وَبَيْنَ الْمُرِيدِ مَالَ الرَّجُلِ أو نَفْسَهُ بِالْخَبَرِ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَإِنَّ الْبَصَرَ قد يُمْتَنَعُ منه بِالتَّوَارِي عنه بِالسِّتْرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الرَّجُلُ يُصْحِرُ لِلرَّجُلِ فَيَخَافُ قَتْلَهُ وَأَبَحْت رَدْعَ الْبَصَرِ بِالْحَصَاةِ وما أَشْبَهَهَا بِمَا حَكَيْت من الْخَبَرِ وَبِأَنَّ الْمُبْصِرَ لِلْعَوْرَةِ مُتَعَدٍّ وَعَلَيْهِ الرُّجُوعُ من التَّعَدِّي أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ يَلْقَى الرَّجُلَ فَيَقْدِرُ الْمُرَادُ على أَنْ يَهْرُبَ على قَدَمَيْهِ من الْمُرِيدِ فَأَجْعَلُ له أَنْ يَثْبُتَ وَلَا يَهْرُبَ وَأَنْ يَدْفَعَ إرَادَتَهُ عن نَفْسِهِ بِالضَّرْبِ بِالسِّلَاحِ وَغَيْرِهِ وَإِنْ أتى ذلك على نَفْسِ الْمَدْفُوعِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَذَلِكَ إذَا دخل فُسْطَاطَهُ في بَادِيَةٍ وَفِيهِ حَرَمُهُ أو لَا حَرَمَ له فيه أو خِزَانَتُهُ وَإِنْ لم يَكُنْ له فيها حُرْمَةٌ إذَا رَأَى أَنَّهُ يُرِيدُ مَالَهُ أو نَفْسَهُ أو الْفِسْقَ وَهَكَذَا إنْ أَرَادَ دُخُولَ مَنْزِلِهِ أو كَابَرَهُ عليه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَسَوَاءٌ كان الدَّاخِلُ يُعْرَفُ بِسَرِقَةٍ أو فِسْقٍ أو لَا يُعْرَفُ بِهِ ( قال ) وَلَا يُصَدَّقُ على ذلك الْقَاتِلُ إنْ قَتَلَ وَلَا الْجَارِحُ إنْ جَرَحَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ يُقِيمُهَا فَإِنْ لم يُقِمْ بَيِّنَةً أُعْطِيَ منه الْقَوَدُ وَلَوْ جاء بِبَيِّنَةٍ فَشَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوْا هذا مُقْبِلًا إلَى هذا بِسِلَاحٍ شَاهِرُهُ ولم يَزِيدُوا على ذلك فَضَرَبَهُ هذا فَقَتَلَهُ أَهْدَرْتُهُ وَلَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهُ دَاخِلًا دَارِهِ ولم يَذْكُرُوا معه سِلَاحًا أو ذَكَرُوا سِلَاحًا غير شَاهِرِهِ فَقَتَلَهُ أَقَدْتُ منه لَا أَطْرَحُ الْقَوَدَ إلَّا بِمُكَابَرَتِهِ على دُخُولِ الدَّارِ وَأَنْ يُشْهَرَ عليه سِلَاحٌ وَتَقُومُ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوْا هذا مُقْبِلًا إلَى هذا في صَحْرَاءَ لَا سِلَاحَ معه فَقَتَلَهُ الرَّجُلُ أَقَدْته بِهِ لِأَنَّهُ قد يُقْبِلُ الْإِقْبَالَ غير الْمَخُوفِ مُرِيدًا له وَلَا دَلَالَةَ على أَنَّهُ أَقْبَلَ إلَيْهِ الْإِقْبَالَ الْمَخُوفَ فَأَيُّ سِلَاحٍ شَهِدُوا أَنَّهُ أَقْبَلَ بِهِ إلَيْهِ الْعَصَا أو وَهَقٌ أو قَوْسٌ أو سَيْفٌ أو غَيْرُهُ ثُمَّ قَتَلَهُ وهو مُقْبِلٌ إلَيْهِ شَاهِرُهُ أَهْدَرْته + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ أَقْبَلَ إلَيْهِ صَحْرَاءَ بِسِلَاحٍ فَضَرَبَهُ فَقَطَعَ يَدَيْ الذي أُرِيدَ ثُمَّ وَلَّى عنه فَأَدْرَكَهُ فَذَبَحَهُ أَقَدْته منه وَضَمَّنْت الْمَقْتُولَ دِيَةَ يَدَيْ الْقَاتِلِ وَلَوْ ضَرَبَهُ ضَرْبَةً في إقْبَالِهِ وَضَرْبَةً أُخْرَى في إدْبَارِهِ فَمَاتَ لم يَكُنْ فيه قَوَدٌ وَجَعَلْت عليه نِصْفَ الدِّيَةِ لِأَنِّي جَعَلْته مَيِّتًا من الضَّرْبَةِ التي كانت مُبَاحَةً وَالضَّرْبَةِ التي كانت مَمْنُوعَةً فَلَا قَوَدَ عليه وَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا لَقِيَ الْقَوْمُ الْقَوْمَ لِيَأْخُذُوا أَمْوَالَهُمْ أو غَشُوهُمْ في حَرِيمِهِمْ فَتَصَافُّوا فَقُتِلَ الْمَظْلُومُونَ فَمَنْ قُتِلُوا هَدَرٌ وَمَنْ قَتَلَ الظَّالِمُونَ لَزِمَهُمْ فيه الْقَوَدُ وَالْعَقْلُ وما ذَهَبُوا بِهِ لهم لَا يَسْقُطُ عن الظَّالِمِينَ شَيْءٌ نَالُوهُ حتى يَحْكُمَ عليهم فيه حُكْمَهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان مع الظَّالِمِينَ قَوْمٌ مُسْتَكْرَهُونَ أو أَسْرَى فَاقْتَتَلُوا فَقَتَلَ الْمُسْتَكْرَهُونَ بِضَرْبٍ أو رَمْيٍ لم يَعْمِدُوا بِهِ أو عَمَدُوا وَهُمْ لَا يُعْرَفُونَ مُكْرَهِينَ فَلَا عَقْلَ وَلَا قَوَدَ على الْمَظْلُومِينَ الَّذِينَ نَالُوهُمْ وَعَلَيْهِمْ فِيهِمْ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُمْ في مَعْنَى الْمُسْلِمِينَ بِبِلَادِ الْعَدُوِّ يُنَالُونَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ عَمَدَهُمْ وهو يَعْرِفُ أَنَّهُمْ مُسْتَكْرَهُونَ أو أَسْرَى فَعَلَيْهِ فِيهِمْ الْقَوَدُ إنْ نَالَ منهم ما فيه الْقَوَدُ وَالْعَقْلُ إنْ نَالَ منهم ما فيه الْعَقْلُ لَا يَبْطُلُ ذلك عنه إلَّا بِأَنْ يَجْهَلَ حَالَهُمْ أو يَعْرِفَهُمْ فَيُصِيبَهُمْ منه في الْقِتَالِ ما لَا يَعْمِدُهُمْ بِهِ خَاصَّةً أو يَعْمِدُ الْجَمْعَ الَّذِينَ هُمْ فيه أو يُشْهِرُ عليه سِلَاحًا فَيَضْرِبُهُ فَيَقْتُلُهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان الزَّحْفَانِ ظَالِمَيْنِ مِثْلُ أَنْ يَقْتَتِلُوا على نَهْبٍ أو عَصَبِيَّةٍ وَيَغْشَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا في حَرِيمِهِ فَلَا يَسْقُطُ عن وَاحِدٍ من الْفَرِيقَيْنِ فِيمَا أَصَابَ من صَاحِبِهِ عَقْلٌ وَلَا قَوَدٌ إلَّا أَنْ يَقِفَ رَجُلٌ فَيَعْمِدَهُ رَجُلٌ بِضَرْبٍ فَيَدْفَعَهُ عن نَفْسِهِ فإن له دَفْعَهُ عنها وما قُلْت إنَّ لِلرَّجُلِ فيه أَنْ يَضْرِبَ الْمُرِيدَ على ما يَقَعُ في نَفْسِهِ إذَا كان الْمُرِيدُ مُقْبِلًا إلَيْهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرَادِ مع يَمِينِهِ كان الْمُرَادُ شُجَاعًا أو جَبَانًا أو الْمُرِيدُ مَأْمُونًا أو مَخُوفًا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا دخل الرَّجُلُ مَنْزِلَ الرَّجُلِ لَيْلًا أو نَهَارًا بِسِلَاحٍ فَأَمَرَهُ بِالْخُرُوجِ فلم يَخْرُجْ فَلَهُ أَنْ يَضْرِبَهُ وَإِنْ أتى الضَّرْبُ على نَفْسِهِ فإذا وَلَّى رَاجِعًا لم يَكُنْ له ضَرْبُهُ

(6/33)


(1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد حَفِظْت عن عَدَدٍ من أَهْلِ الْعِلْمِ لَقِيتُهُمْ أَنْ لَا يُقْتَلَ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ وَبِذَلِكَ أَقُولُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا قالوا هَكَذَا فَكَذَلِكَ الْجَدُّ أبو الْأَبِ وَالْجَدُّ أَبْعَدُ منه لِأَنَّ كُلَّهُمْ وَالِدُهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَذَلِكَ الْجَدُّ أبو الْأُمِّ وَاَلَّذِي أَبْعَدُ منه لِأَنَّ كُلَّهُمْ وَالِدُهُ ( قال ) وَكَذَلِكَ لَا نَقْصَ منهم في جُرْحٍ نَالُوهُ بِهِ وَهَكَذَا ( 1 ) إذَا قَتَلَ الْوَلَدُ الْوَالِدَ قُتِلَ بِهِ وَكَذَلِكَ إذَا قَتَلَ أُمَّهُ وَكَذَلِكَ إذَا قَتَلَ أَيَّ أَجْدَادِهِ أو جَدَّاتِهِ كان من قِبَلِ أبيه أو أُمِّهِ قُتِلَ بها إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ منهم أَنْ يَعْفُوا وإذا كان الِابْنُ قَاتِلًا خَرَجَ من الْوِلَايَةِ وَلِوَرَثَةِ أبيه غَيْرَهُ أَنْ يَقْتُلُوهُ وَكَذَلِكَ لَا أُقِيدُ الْوَلَدَ من الْوَالِدِ في جِرَاحٍ دُونَ النَّفْسِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَعَلَى أبي الرَّجُلِ إذَا قَتَلَ ابْنَهُ دِيَتُهُ مُغَلَّظَةً في مَالِهِ وَالْعُقُوبَةُ وَدِيَتُهُ مِائَةٌ من الْإِبِلِ ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ ما بين ثَنِيَّةٍ إلَى بَازِلٍ عَامُهَا كُلُّهَا خَلِفَةٌ إنْ جاء ثَنِيَّاتُهَا كُلُّهَا أو بَزَلَ أو ما بين ذلك قُبِلَ منه وَلَا يُقْبَلُ منه دُونَ ثَنِيَّةٍ وَلَا فَوْقَ خَلِفَةٍ إلَّا أَنْ يَشَاءَ ذلك وَرَثَةُ الْمَقْتُولِ وَلَا يُقْبَلُ منه فيها بَازِلٌ أَكْثَرُ من سَنَةٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَرِثُ الْقَاتِلُ من دِيَةِ الْمَقْتُولِ وَلَا من مَالِهِ شيئا قَتَلَهُ عَمْدًا أو خَطَأً + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان الْأَبُ عَبْدًا وَالِابْنُ حُرًّا فَقَتَلَهُ الْأَبُ لم يُقْتَلْ بِهِ وَكَانَتْ دِيَتُهُ في عُنُقِهِ وَكَذَلِكَ لو كان الِابْنُ عَبْدًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا قَتَلَ الْوَلَدُ الْوَالِدَ أُقِيدَ منه وَكَذَلِكَ إذَا جَرَحَهُ أُقِيدَ منه إذَا كان دَمَاهمَا مُتَكَافِئَيْنِ فَإِنْ كان الْوَلَدُ الْقَاتِلُ حُرًّا وَالْأَبُ عَبْدًا فَدِيَتُهُ في مَالِهِ وَيُعَاقَبُ أَكْثَرَ من عُقُوبَةِ الذي قَتَلَ الْأَجْنَبِيَّ ( قال ) وَيُقَادُ الرَّجُلُ من عَمِّهِ وَخَالِهِ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا في معاني ( ( ( معنى ) ) ) الْوَالِدَيْنِ فَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُمَا وَالِدَانِ بِمَعْنَى قَرَابَتِهِمَا من الْوَالِدَيْنِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيُقَادُ الرَّجُلُ من ابْنِهِ من الرَّضَاعَةِ وَلَيْسَ كَابْنِهِ من النَّسَبِ ( قال ) وإذا تَدَاعَى الرَّجُلَانِ وَلَدًا فَقَتَلَهُ أَحَدُهُمَا قبل يَبْلُغَ فَيَنْتَسِبُ إلَى أَحَدِهِمَا أو يَرَاهُ الْقَافَةُ دَرَأْتُ عنه الْقَوَدَ لِلشُّبْهَةِ وَجَعَلْت الدِّيَةَ في مَالِهِ وَكَذَلِكَ لو قَتَلَاهُ جميعا ( قال ) وإذا أَكْذَبَا أَنْفُسَهُمَا إذَا كَانَا قَاتِلَيْنِ بِالدَّعْوَةِ لم أَقْتُلْهُمَا لِأَنِّي أُلْزِمُهُ أَحَدَهُمَا وَإِنْ أَكْذَبَ أَحَدُهُمَا نَفْسَهُ بِالدَّعْوَةِ قَتَلْته بِهِ لِأَنَّ ثَمَّ أَبًا أَنْسُبُهُ إلَيْهِ إذَا كان قبل يَخْتَارَهُ أو يُلْحِقَهُ الْقَافَةُ بِأَحَدِهِمَا وإذا قَتَلَ الرَّجُلُ امْرَأَةً له منها وَلَدٌ لم يُقْتَلْ بها وَلَيْسَ لِابْنِهِ أَنْ يَقْتُلَهُ قَوَدًا وَلَا لِأَحَدٍ مع ابْنِهِ ذلك فيه فإذا لم يُقْتَلْ بِابْنِهِ قَوَدًا لم يُقْتَلْ بِقَوَدٍ يَقَعُ لِابْنِهِ بَعْضُهُ وَكَذَلِكَ لو كان ابْنُهُ حَيًّا يوم قَتَلَهَا ثُمَّ مَاتَ ثُمَّ طَلَبَ وَرَثَةُ ابْنِهَا الْقَوَدَ لم يُقَدْ منه لِشِرْكِ ابْنِهِ كان في الدَّمِ وَلَوْ قَتَلَ رَجُلٌ عَمَّهُ أو مَوْلَاهُ وهو وَارِثُهُ كان عليه الْقَوَدُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا غشى الْقَوْمُ الْقَوْمَ في حَرِيمِهِمْ أو غَيْرِ حَرِيمِهِمْ لِيُقَاتِلُوهُمْ فَدَفَعَ الْمَغْشِيُّونَ عن أَنْفُسِهِمْ فما أَصَابُوا منهم ما كَانُوا مُقْبِلِينَ فَهُوَ هَدَرٌ وما أَصَابَ منهم الْغَاشُونَ لَزِمَهُمْ حُكْمُهُ عَقْلًا وَقَوَدًا - * ما جاء في الرَّجُلِ يَقْتُلُ ابْنَهُ - *
( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) قال أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن عَمْرِو بن شُعَيْبٍ أَنَّ رَجُلًا من بَنِي مُدْلِجٍ يُقَالُ له قَتَادَةُ حَذَفَ ابْنَهُ بِسَيْفٍ فَأَصَابَ سَاقَهُ فَنَزَّى في جُرْحِهِ فَمَاتَ فَقَدِمَ بِهِ سُرَاقَةُ بن جَعْشَمٍ على عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه فذكر ذلك له فقال اُعْدُدْ على مَاءِ قُدَيْدٍ عِشْرِينَ وَمِائَةَ بَعِيرٍ حتى أَقْدَمَ عَلَيْكَ فلما قَدِمَ عُمَرُ أَخَذَ من تِلْكَ الْإِبِلِ ثَلَاثِينَ حِقَّةً وَثَلَاثِينَ جَذَعَةً وَأَرْبَعِينَ خَلِفَةً ثُمَّ قال أَيْنَ أَخُو الْمَقْتُولِ فقال هَا أنا ذَا قال خُذْهَا فإن رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ليس لِقَاتِلٍ شَيْءٌ

(6/34)


- * قَتْلُ الْمُسْلِمِ بِبِلَادِ الْحَرْبِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) قَوْلُهُ من قَوْمٍ يَعْنِي في قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ
( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَخْبَرَنَا مَرْوَانُ بن مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيّ عن إسْمَاعِيلَ بن أبي خَالِدٍ عن قَيْسِ بن أبي حَازِمٍ قال لَجَأَ قَوْمٌ إلَى خَثْعَمَ فلما غَشِيَهُمْ الْمُسْلِمُونَ اسْتَعْصَمُوا بِالسُّجُودِ فَقَتَلُوا بَعْضَهُمْ فَبَلَغَ ذلك النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال أَعْطُوهُمْ نِصْفَ الْعَقْلِ لِصَلَاتِهِمْ ثُمَّ قال عِنْدَ ذلك أَلَا إنِّي بَرِيءٌ من كل مُسْلِمٍ مع مُشْرِكٍ قالوا يا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ قال لَا تَتَرَاءَى نَارَاهُمَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) إنْ كان هذا يَثْبُتُ فَأَحْسِبُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَعْطَى من أَعْطَى منهم مُتَطَوِّعًا وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ بَرِيءٌ من كل مُسْلِمٍ مع مُشْرِكٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ في دَارِ الشِّرْكِ لِيُعْلِمَهُمْ أَنْ لَا دِيَاتِ لهم وَلَا قَوَدَ وقد يَكُونُ هذا قبل نُزُولِ الْآيَةِ فَنَزَلَتْ الْآيَةُ بَعْدُ وَيَكُونُ إنَّمَا قال إنِّي بَرِيءٌ كل من كل مُسْلِمٍ مع مُشْرِكٍ بِنُزُولِ الْآيَةِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وفي التَّنْزِيلِ كِفَايَةٌ عن التَّأْوِيلِ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل إذْ حَكَمَ في الْآيَةِ الْأُولَى في الْمُؤْمِنِ يُقْتَلُ خَطَأً بِالدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ وَحَكَمَ بِمِثْلِ ذلك في الْآيَةِ بَعْدَهَا في الذي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ مِيثَاقٌ وقال بين هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ { فَإِنْ كان من قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وهو مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } ولم يذكر دِيَةً ولم تَحْتَمِلْ الْآيَةُ مَعْنًى إلَّا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ { من قَوْمٍ } يَعْنِي في قَوْمٍ عَدُوٍّ لنا دَارُهُمْ دَارُ حَرْبٍ مُبَاحَةٌ فلما كانت مُبَاحَةً وكان من سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ إذَا بَلَغَتْ الناس الدَّعْوَةُ أَنْ يُغِيرَ عليهم غَارِّينَ كان في ذلك دَلِيلٌ على أَنَّهُ لَا يُبِيحُ الْغَارَةَ على دَارٍ وَفِيهَا من له إنْ قُتِلَ عَقْلٌ أو قَوَدٌ فَكَانَ هذا حُكْمَ اللَّهِ عز ذِكْرُهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِرَجُلٍ من قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ إلَّا في قَوْمٍ عَدُوٍّ لنا وَذَلِكَ أَنَّ عَامَّةَ الْمُهَاجِرِينَ كَانُوا من قُرَيْشٍ وَقُرَيْشٌ عَامَّةُ أَهْلِ مَكَّةَ وَقُرَيْشٌ عَدُوٌّ لنا وَكَذَلِكَ كَانُوا من طَوَائِفِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ وَقَبَائِلِهِمْ أَعْدَاءً لِلْمُسْلِمِينَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا دخل مُسْلِمٌ في دَارِ حَرْبٍ ثُمَّ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ فَعَلَيْهِ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَلَا عَقْلَ له إذَا قَتَلَهُ وهو لَا يَعْرِفُهُ بِعَيْنِهِ مُسْلِمًا وَكَذَلِكَ أَنْ يُغِيرَ فَيَقْتُلَ من لَقِيَ أو يَلْقَى مُنْفَرِدًا بِهَيْئَةِ الْمُشْرِكِينَ في دَارِهِمْ فَيَقْتُلَهُ وَكَذَلِكَ إنْ قَتَلَهُ في سَرِيَّةٍ منهم أو طَرِيقٍ من طُرُقِهِمْ التي يُلْقَوْنَ بها فَكُلُّ هذا عَمْدٌ خَطَأٌ يَلْزَمُهُ اسْمُ الْخَطَأِ لِأَنَّهُ خَطَأٌ بِأَنَّهُ لم يَعْمِدْ قَتْلَهُ وهو مُسْلِمٌ وَإِنْ كان عَمْدًا بِالْقَتْلِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا لو قَتَلَهُ أَسِيرًا أو مَحْبُوسًا أو نَائِمًا أو بِهَيْئَةٍ لَا تُشْبِهُ هَيْئَةَ أَهْلِ الشِّرْكِ وَتُشْبِهُ هَيْئَةَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْمُشْرِكَ قد يَتَهَيَّأُ بِهَيْئَةِ الْمُسْلِمِ وَالْمُسْلِمَ بِهَيْئَةِ الْمُشْرِكِ بِبِلَادِ الشِّرْكِ وكان الْقَوْلُ فيه قَوْلَهُ فَإِنْ كان لِلْمُسْلِمِ الْمَقْتُولِ وُلَاةٌ فَادَّعَوْا أَنَّهُ قَتَلَهُ وهو يَعْلَمُهُ مُسْلِمًا أُحَلِّفُ فَإِنْ حَلَفَ بريء وَإِنْ نَكَلَ حُلِّفُوا خَمْسِينَ يَمِينًا لقد قَتَلَهُ وهو يَعْلَمُهُ مُسْلِمًا وكان لهم الْقَوَدُ إنْ كان قَتَلَهُ عَامِدًا لِقَتْلِهِ وَإِنْ كان أَرَادَ غَيْرَهُ وَأَصَابَهُ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا كُلُّ من قَتَلَهُ وهو يَعْلَمُهُ مُسْلِمًا منهم أو أَسِيرًا فِيهِمْ أو مُسْتَأْمَنًا عِنْدَهُمْ لِتِجَارَةٍ أو رِسَالَةٍ أو غَيْرِ ذلك فَعَلَيْهِ في الْعَمْدِ الْقَوَدُ وفي الْخَطَأِ الْكَفَّارَةُ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ وَكَذَلِكَ في الْأَسْرَى يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيَجْرَحُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا يُقْتَلُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ وَيُقْتَصُّ لِبَعْضِهِمْ من بَعْضٍ من الْجِرَاحِ وَكَذَلِكَ تُقَامُ الْحُدُودُ عليهم فِيمَا أَتَوْا إذَا كَانُوا أَسْلَمُوا وَهُمْ يَعْرِفُونَ ما عليهم وَلَهُمْ من حَلَالٍ وَحَرَامٍ أو كَانُوا مُسْتَأْمَنِينَ يُؤْخَذُ لِبَعْضِهِمْ من بَعْضٍ الْحُقُوقُ في الْأَمْوَالِ إذَا أَسْلَمُوا وَإِنْ لم يَعْلَمُوا ما عليهم وَلَهُمْ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَسْلَمَ الْقَوْمُ بِبِلَادِ الْحَرْبِ فَأَصَابُوا حَدَّ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَادَّعَوْا الْجَهَالَةَ لم يُقَمْ عليهم وإذا عَلِمُوا فَعَادُوا أُقِيمَ عليهم وإذا وَصَفَ الْحَرْبِيُّ الْإِيمَانَ ولم يَبْلُغْ أو وَصَفَهُ وهو مَغْلُوبٌ على عَقْلِهِ فَلَقِيَهُ بَعْدَ إيمَانِهِ مُسْلِمٌ فَقَتَلَهُ وهو يَعْلَمُ صِفَتَهُ لِلْإِيمَانِ لم يُقَدْ منه لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ بهذا مِمَّنْ له كَمَالُ الْإِيمَانِ وَحُكْمُ الْإِيمَانِ حتى يَصِفَهُ بَالِغًا غير مَغْلُوبٍ على عَقْلِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ وَلَهُ وَلَدٌ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وما كان لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } الْآيَةَ

(6/35)


صِغَارٌ وَأُمُّهُمْ كَافِرَةٌ أو أَسْلَمَتْ أُمُّهُمْ وهو كَافِرٌ فَلِلْوَلَدِ حُكْمُ الْإِيمَانِ بِأَيِّ الْأَبَوَيْنِ أَسْلَمَ فَيُقَادُ قَاتِلُهُ وَيَكُونُ له دِيَةُ مُسْلِمٍ وَلَا يُعَذَّرُ أَحَدٌ إنْ قال لم أَعْلَمْهُ يَكُونُ له حُكْمُ الْإِسْلَامِ إلَّا بِإِسْلَامِ أَبَوَيْهِ مَعًا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان الْمُسْلِمُونَ صَفًّا وَالْمُشْرِكُونَ صَفًّا لم يَتَحَامَلُوا فَقَتَلَ مُسْلِمٌ مُسْلِمًا في صَفِّ الْمُسْلِمِينَ فقال ظَنَنْتُهُ مُشْرِكًا لم يُقْبَلْ منه إنَّمَا يُقْبَلُ منه إذَا كان الْأَغْلَبُ أَنَّ ما ادَّعَى كما ادَّعَى + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ قِيلَ لِمُسْلِمٍ قد حَمَلَ الْمُشْرِكُونَ عَلَيْنَا أو حَمَلَ منهم وَاحِدٌ أو رَأَوْا وَاحِدًا قد حَمَلَ فَقَتَلَ مُسْلِمًا في صَفِّ الْمُسْلِمِينَ وقال ظَنَنْته الذي حَمَلَ أو بَعْضَ من حَمَلَ قُبِلَ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ وَكَانَتْ عليه الدِّيَةُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ قَتَلَهُ في صَفِّ الْمُشْرِكِينَ فقال قد عَلِمْت أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَعَمَدْتُهُ قُتِلَ بِهِ ( قال ) وَلَوْ حَمَلَ مُسْلِمٌ على مُشْرِكٍ فَاسْتَتَرَ منه بِالْمُسْلِمِ فَعَمَدَ الْمُسْلِمُ قَتْلَ الْمُسْلِمِ كان عليه الْقَوَدُ وَلَوْ قال عَمَدْت قَتْلَ الْمُشْرِكِ فَأَخْطَأْت بِالْمُسْلِمِ كانت عليه الدِّيَةُ ( قال ) وَلَوْ قال لم أَعْرِفْهُ مُسْلِمًا لم يَكُنْ عليه عَقْلٌ وَلَا قَوَدٌ وَكَانَتْ عليه الْكَفَّارَةُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان الْكَافِرُ الْحَامِلُ على مُسْلِمٍ أو كان الْمُسْلِمُ مُلْتَحِمًا فَضَرَبَهُ وهو مُتَتَرِّسٌ بِمُسْلِمٍ وقال عَمَدْت الْكَافِرَ كان هَكَذَا وَلَوْ قال عَمَدْت الْمُؤْمِنَ كان عليه الْقَوَدُ لِأَنَّهُ ليس له عَمْدُ الْمُؤْمِنِ في حَالٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان لَا يُمْكِنُهُ ضَرْبُ الْكَافِرِ إلَّا بِضَرْبِهِ الْمُسْلِمَ بِحَالٍ فَضَرَبَ الْمُسْلِمَ فَقَتَلَهُ وهو يَعْرِفُهُ وقال أَرَدْت الْكَافِرَ أُقِيدَ بِالْمُسْلِمِ ولم يُقْبَلْ قَوْلُهُ أَرَدْت الْكَافِرَ إذَا لم يُمْكِنْهُ الْإِرَادَةُ إلَّا بِأَنْ يَقَعَ الضَّرْبُ بِالْمُسْلِمِ
( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) قال أخبرنا مُطَرِّفٌ عن مَعْمَرِ بن رَاشِدٍ عن الزُّهْرِيِّ عن عُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ قال كان الْيَمَانُ أبو حُذَيْفَةَ بن الْيَمَانِ شَيْخًا كَبِيرًا فَوَقَعَ في الْآطَامِ مع النِّسَاءِ يوم أُحُدٍ فَخَرَجَ يَتَعَرَّضُ الشَّهَادَةَ فَجَاءَ من نَاحِيَةِ الْمُشْرِكِينَ فَابْتَدَرَهُ الْمُسْلِمُونَ فتوشقوه بِأَسْيَافِهِمْ وَحُذَيْفَةُ يقول أبي أبي فَلَا يَسْمَعُونَهُ من شُغْلِ الْحَرْبِ حتى قَتَلُوهُ فقال حُذَيْفَةُ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وهو أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَقَضَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فيه بِدِيَتِهِ - * ما قَتَلَ أَهْلُ دَارِ الْحَرْبِ من الْمُسْلِمِينَ فَأَصَابُوا من أَمْوَالِهِمْ - *
( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وما نَالَ أَهْلُ دَارِ الْحَرْبِ من الْمُشْرِكِينَ من قَتْلِ مُسْلِمٍ أو مُعَاهَدٍ أو مُسْتَأْمَنٍ أو جُرْحٍ أو مَالٍ لم يَضْمَنُوا منه شيئا إلَّا أَنْ يُوجَدَ مَالٌ لِمُسْلِمٍ أو مُسْتَأْمَنٍ في أَيْدِيهِمْ فَيُؤْخَذُ منهم أَسْلَمُوا عليه أو لم يُسْلِمُوا وَكَذَلِكَ إنْ قَتَلُوا وُحْدَانًا أو جَمَاعَةً أو دخل رَجُلٌ منهم دَاخِلَ بِلَادِ الْإِسْلَامِ مُسْتَتِرًا أو مُكَابِرًا لم يُتْبَعْ إذَا أَسْلَمَ بِمَا اصاب ولم يَكُنْ لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ عليه قِصَاصٌ وَلَا أَرْشٌ وَلَا يُتْبَعُ أَهْلُ دَارِ الْحَرْبِ من الْمُشْرِكِينَ بِغُرْمِ مَالٍ وَلَا غَيْرِهِ إلَّا ما وَصَفْت من أَنْ يُوجَدَ عِنْدَ أَحَدٍ منهم مَالُ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَيُؤْخَذُ منه فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على ما وَصَفْت قِيلَ قال اللَّهُ عز وجل { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لهم ما قد سَلَفَ } وما قد سَلَفَ تَقْضِي وَذَهَبَ وَدَلَّتْ السُّنَّةُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على أَنَّهُ يُطْرَحُ عَنْهُمْ ما بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ عز ذِكْرُهُ وَالْعِبَادِ وقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْإِيمَانُ يَجُبُّ ما كان قَبْلَهُ وقال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَذَرُوا ما بَقِيَ من الرِّبَا } ولم يَأْمُرْهُمْ بِرَدِّ ما مَضَى منه وَقَتَلَ وحشى حَمْزَةَ فَأَسْلَمَ فلم يُقَدْ منه ولم يُتْبَعْ له بِعَقْلٍ ولم يُؤْمَرْ له بِكَفَّارَةٍ لِطَرْحِ الْإِسْلَامِ ما فَاتَ في الشِّرْكِ وَكَذَلِكَ إنْ أَصَابَهُ بِجُرْحٍ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل قد أَمَرَ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ كَفَرُوا من أَهْلِ الْأَوْثَانِ { حتى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ } وقال عز وجل { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ } إلَى قَوْلِهِ { وَهُمْ صَاغِرُونَ }
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَغَارَ الْمُسْلِمُونَ على الْمُشْرِكِينَ أو لَقُوهُمْ بِلَا غَارَةٍ أو أَغَارَ عليهم الْمُشْرِكُونَ فَاخْتَلَطُوا في الْقِتَالِ فَقَتَلَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ بَعْضًا أو جَرَحَهُ فَادَّعَى الْقَاتِلُ أَنَّهُ لم يَعْرِفْ الْمَقْتُولَ أو المجروح فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ فَلَا قَوَدَ عليه وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَيَدْفَعُ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ دِيَتَهُ

(6/36)


وقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا أَزَالُ أُقَاتِلُ الناس حتى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فإذا قَالُوهَا فَقَدْ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ على اللَّهِ يَعْنِي بِمَا أَحْدَثُوا بَعْدَ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُمْ يَلْزَمُهُمْ لو كَفَرُوا بَعْدَ الْإِسْلَامِ الْقَتْلُ وَالْحُدُودُ وَلَا يَلْزَمُهُمْ ما مَضَى قَبْلَهُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما أَصَابَ الْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنُ أو الذِّمِّيُّ لِمُسْلِمٍ أو مُعَاهَدٍ من دَمٍ أو مَالٍ اتبع بِهِ لِأَنَّهُ كان مَمْنُوعًا أَنْ يَنَالَ أو يُنَالَ منه - * ما أَصَابَ الْمُسْلِمُونَ في يَدِ أَهْلِ الرِّدَّةِ من مَتَاعِ الْمُسْلِمِينَ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا أَسْلَمَ الْقَوْمُ ثُمَّ ارْتَدُّوا عن الْإِسْلَامِ في دَارِ الْإِسْلَامِ وَهُمْ مَقْهُورُونَ أو قَاهِرُونَ في مَوْضِعِهِمْ الذي ارْتَدُّوا فيه وَادَّعَوْا نُبُوَّةَ رَجُلٍ تَبِعُوهُ عليها أو رَجَعُوا إلَى يَهُودِيَّةٍ أو نَصْرَانِيَّةٍ أو مَجُوسِيَّةٍ أو تَعْطِيلٍ أو غَيْرِ ذلك من أَصْنَافِ الْكُفْرِ فَسَوَاءٌ ذلك كُلُّهُ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَبْدَءُوا بِجِهَادِهِمْ قبل جِهَادِ أَهْلِ الْحَرْبِ الَّذِينَ لم يُسْلِمُوا قَطُّ فإذا ظَفِرُوا بِهِمْ اسْتَتَابُوهُمْ فَمَنْ تَابَ حَقَنُوا دَمَهُ بِالتَّوْبَةِ وَإِظْهَارِ الرُّجُوعِ إلَى الْإِسْلَامِ وَمَنْ لم يَتُبْ قَتَلُوهُ بِالرِّدَّةِ وَسَوَاءٌ ذلك في الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما أَصَابَ أَهْلُ الرِّدَّةِ لِلْمُسْلِمِينَ في حَالِ الرِّدَّةِ أو بَعْدَ إظْهَارِ التَّوْبَةِ في قِتَالٍ وَهُمْ مُمْتَنِعُونَ أو غَيْرِ قِتَالٍ أو على نَائِرَةٍ أو غَيْرِهَا فَسَوَاءٌ وَالْحُكْمُ عليهم كَالْحُكْمِ على الْمُسْلِمِينَ لَا يَخْتَلِفُ في الْعَقْلِ وَالْقَوَدِ وَضَمَانِ ما يُصِيبُونَ وَسَوَاءٌ ذلك قبل يُقْهَرُونَ أو بَعْدَ ما قُهِرُوا فَتَابُوا أو لم يَتُوبُوا لَا يَخْتَلِفُ ذلك + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قِيلَ فما صَنَعَ أبو بَكْرٍ في أَهْلِ الرِّدَّةِ قِيلَ قال لِقَوْمٍ جَاءُوهُ تَائِبِينَ تَدُونَ قَتْلَانَا وَلَا نَدِي قَتْلَاكُمْ فقال عُمَرُ لَا نَأْخُذُ لِقَتْلَانَا دِيَةً + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قِيلَ فما قَوْلُهُ تَدُونَ قَتْلَانَا قِيلَ إذَا أَصَابُوا غير مُتَعَمِّدِينَ وُدُوا وإذا ضَمِنُوا الدِّيَةَ في قَتْلٍ غير مُتَعَمِّدِينَ كان عليهم الْقِصَاصُ في قَتْلِهِمْ مُتَعَمِّدِينَ وَهَذَا خِلَافُ حُكْمِ أَهْلِ الْحَرْبِ عِنْدَ أبي بَكْرٍ فَإِنْ قِيلَ فما نَعْلَمُ أَحَدًا منهم قُتِلَ بِأَحَدٍ قِيلَ وَلَا يَثْبُتُ عليه قَتْلُ أَحَدٍ بِشَهَادَةٍ وَلَوْ ثَبَتَ لم نَعْلَمْ حَاكِمَا أَبْطَلَ لِوَلِيٍّ دَمَ قَتِيلٍ أَنْ يَقْتُلَ له لو طَلَبَهُ وَالرِّدَّةُ لَا تَدْفَعُ عَنْهُمْ عَقْلًا وَلَا قَوَدًا وَلَا تَزِيدُهُمْ خَيْرًا إنْ لم تَزِدْهُمْ شَرًّا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا قَامَتْ لِمُرْتَدٍّ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ أَظْهَرَ الْقَوْلَ بِالْإِيمَانِ ثُمَّ قَتَلَهُ رَجُلٌ يَعْلَمُ تَوْبَتَهُ أو لَا يَعْلَمُهَا فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ كما عليه الْقَوَدُ في كَافِرٍ أَظْهَرَ الْإِيمَانَ فَلَا يَعْلَمُ إيمَانَهُ وَعَبْدٌ عَتَقَ وَلَا يَعْلَمُ عِتْقَهُ ثُمَّ قَتَلَهُمَا فَيُقْتَلُ بِهِمَا في الْحَالَيْنِ في بِلَادِ الْإِسْلَامِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان كَافِرًا فَأَسْلَمَ في بِلَادِ الْحَرْبِ فَأَغَارَ قَوْمٌ فَقَتَلُوهُ لم تَكُنْ له دِيَةٌ وَكَانَتْ فيه كَفَّارَةٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ عَمَدَ رَجُلٌ قَتْلَهُ في غَيْرِ غَارَةٍ وقد أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ قبل الْقَتْلِ وَعَلِمَهُ الْقَاتِلُ قُتِلَ بِهِ وَإِنْ لم يَعْلَمْهُ وَدَاهُ لِأَنَّهُ عَمَدَهُ وهو مُؤْمِنٌ بِالْقَتْلِ وَإِنَّمَا يَسْقُطُ عنه الْعَقْلُ وَالْقَوَدُ إذَا قَتَلَهُ غير عَامِدٍ لِقَتْلِهِ بِعَيْنِهِ كَأَنَّهُ قَتَلَهُ في غَارَةٍ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { فَإِنْ كان من قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وهو مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } قال الشَّافِعِيُّ يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ في قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ - * من لَا قِصَاصَ بَيْنَهُ لِاخْتِلَافِ الدِّينَيْنِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ في الْقَتْلَى } الْآيَةَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَكَانَ ظَاهِرُ الْآيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْقِصَاصَ إنَّمَا كُتِبَ على الْبَالِغِينَ الْمَكْتُوبِ عليهم
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا كُلُّ ما أَصَابَ لهم مُسْلِمٌ أو مُعَاهَدٌ من دَمٍ أو مَالٍ قبل الْإِسْلَامِ وَالْعَهْدِ فَهُوَ هَدَرٌ وَلَوْ وَجَدُوا مَالًا لهم في يَدَيْ رَجُلٍ لم يَكُنْ لهم أَخْذُهُ وَلَوْ تَخَوَّلَ رَجُلٌ منهم أَحَدًا قبل الْإِسْلَامِ لم يَكُنْ له الْخُرُوجُ من يَدَيْهِ لِأَنَّ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ مُبَاحَةٌ قبل الْإِسْلَامِ أو الْعَهْدِ لهم وَهُمْ مُخَالِفُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ فِيمَا وُجِدَ في أَيْدِيهِمْ لِمُسْلِمٍ بَعْدَ إسْلَامِهِمْ لِأَنَّ ذلك يُؤْخَذُ منهم بَعْدَ إسْلَامِهِمْ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل قَضَى في رَدِّ الرِّبَا بِرَدِّ ما بَقِيَ منه ولم يَقْضِ بِرَدِّ ما قُبِضَ فَهَلَكَ في الشِّرْكِ

(6/37)


الْقِصَاصُ لِأَنَّهُمْ الْمُخَاطَبُونَ بِالْفَرَائِضِ إذَا قَتَلُوا الْمُؤْمِنِينَ بِابْتِدَاءِ الْآيَةِ وَقَوْلُهُ { فَمَنْ عُفِيَ له من أَخِيهِ شَيْءٌ } لِأَنَّهُ جَعَلَ الْأُخُوَّةَ بين الْمُؤْمِنِينَ فقال { إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ } وَقَطَعَ ذلك بين الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ وَدَلَّتْ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على مِثْلِ ظَاهِرِ الْآيَةِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ عَبْدٌ وَلَا حُرٌّ وَلَا امْرَأَةٌ بِكَافِرٍ في حَالٍ أَبَدًا وَكُلُّ من وَصَفَ الْإِيمَانَ من أَعْجَمِيٍّ وَأَبْكَمَ يَعْقِلُ وَيُشِيرُ بِالْإِيمَانِ وَيُصَلِّي فَقَتَلَ كَافِرًا فَلَا قَوَدَ عليه وَعَلَيْهِ دِيَتُهُ في مَالِهِ حَالَّةً وَسَوَاءٌ أَكْثَرَ الْقَتْلَ في الْكُفَّارِ أو لم يُكْثِرْ وَسَوَاءٌ قَتَلَ كَافِرًا على مَالٍ يَأْخُذُهُ منه أو على غَيْرِ مَالٍ لَا يَحِلُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَتْلُ مُؤْمِنٍ بِكَافِرٍ بِحَالٍ في قَطْعِ طَرِيقٍ وَلَا غَيْرِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا قَتَلَ الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ عُزِّرَ وَحُبِسَ وَلَا يُبْلَغُ بِتَعْزِيرِهِ في قَتْلٍ وَلَا غَيْرِهِ حَدٌّ وَلَا يُبْلَغُ بِحَبْسِهِ سَنَةٌ وَلَكِنْ حَبْسٌ يُبْتَلَى بِهِ وهو ضَرْبٌ من التَّعْزِيرِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا قَتَلَ الْكَافِرُ الْمُؤْمِنَ قُتِلَ بِهِ ذِمِّيًّا كان الْقَاتِلُ أو حَرْبِيًّا أو مُسْتَأْمَنًا وإذا أَبَاحَ اللَّهُ عز وجل دَمَ الْمُؤْمِنِ بِقَتْلِ الْمُؤْمِنِ كان دَمُ الْكَافِرِ بِقَتْلِ الْمُؤْمِنِ أَوْلَى أَنْ يُبَاحَ وَفِيمَا رُوِيَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم دَلَالَةٌ على ما ذَكَرْت قَوْلُهُ من اعْتَبَطَ مُسْلِمًا بِقَتْلٍ فَهُوَ بِهِ قَوَدٌ فَهَذِهِ جَامِعَةٌ لِكُلِّ من قُتِلَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا قَتَلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فقال الْقَاتِلُ الْمَقْتُولُ كَافِرٌ أو عَبْدٌ فَعَلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّهُ مُسْلِمٌ حُرٌّ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاتِلِ لِأَنَّهُ الْمَأْخُوذُ منه الْحَقَّ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنَّمَا الْإِيمَانُ فِعْلٌ يُحْدِثُهُ الْمُؤْمِنُ الْبَالِغُ أو يَكُونُ غير بَالِغٍ فَيَكُونُ مُؤْمِنًا بِإِيمَانِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان أَبَوَا الْمَوْلُودِ مُسْلِمَيْنِ وكان صَغِيرًا لم يَبْلُغْ الْإِسْلَامَ ولم يَصِفْهُ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ قُتِلَ بِهِ لِأَنَّ له حُكْمَ الْإِسْلَامِ يَرِثُ بِهِ وَيُحْجَبُ مع ما سِوَى هذا مِمَّا له من حُكْمِ الْإِيمَانِ وَكَذَلِكَ لو كان أَبَوَا الْمَوْلُودِ كَافِرَيْنِ فَأَسْلَمَ أَحَدُهُمَا وَالْمَوْلُودُ صَغِيرٌ كان حُكْمُ الْمَوْلُودِ حُكْمَ مُسْلِمٍ بِإِسْلَامِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ وَمَنْ قَتَلَهُ بَعْدَ إسْلَامِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ كان عليه قَوَدٌ وَمَنْ قَتَلَهُ قبل إسْلَامِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا من مُسْلِمٍ فَلَا قَوَدَ عليه لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْكُفَّارِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا وُلِدَ الْمَوْلُودُ على الشِّرْكِ فَأَسْلَمَ أَبَوَاهُ ولم يَصِفْ الْإِيمَانَ فَقَتَلَهُ قبل الْبُلُوغِ قُتِلَ بِهِ وَإِنْ قَتَلَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ مُؤْمِنٌ لم يُقْتَلْ بِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ مُسْلِمٍ بِإِسْلَامِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ ما لم يَكُنْ عليه الْفَرْضُ فإذا لَزِمَهُ الْفَرْضُ فَدِينُهُ دِينُ نَفْسِهِ كما يَكُونُ مُؤْمِنًا وَأَبَوَاهُ كَافِرَانِ فَلَا يَضُرُّهُ كُفْرُهُمَا أو كَافِرًا وَأَبَوَاهُ مُؤْمِنَانِ فَلَا يَنْفَعُهُ إيمَانُهُمَا وَإِنْ ادَّعَى أَبَوَاهُ بَعْدَ ما يُقْتَلُ أَنَّهُ وَصَفَ الْإِيمَانَ وَأَنْكَرَ ذلك الْقَاتِلُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ وَعَلَيْهِمَا الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ وَصَفَ الْإِسْلَامَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَادَّعَى الْقَاتِلُ بِأَنَّهُ قَتَلَهُ مُرْتَدًّا عن الْإِسْلَامِ وقال وَرَثَتُهُ بَلْ قَتَلَهُ وهو على دِينِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ كان صَغِيرًا قُتِلَ بِهِ وَإِنْ كان بَالِغًا فَحَلَفَ أَبُوهُ أَنَّهُ ما عَلِمَهُ ارْتَدَّ بَعْدَ ما وَصَفَ الْإِسْلَامَ بَعْدَ الْبُلُوغِ أو جاء على ذلك بِبَيِّنَةٍ يَشْهَدُونَ أَنَّهُ كان مُسْلِمًا قَبِلْت ذلك منهم وكان على قَاتِلِهِ الْقَوَدُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْفَرْقُ بين هذه الْمَسْأَلَةِ وَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَنَّ الْقَاتِلَ حين قال في هذه ارْتَدَّ كان قد أَقَرَّ بِإِسْلَامِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَادَّعَى الرِّدَّةَ وفي الْمَسْأَلَةِ التي فَوْقَهَا لم يُقَرَّ له بِالْإِيمَانِ بَعْدَ الْبُلُوغِ ولأصف الْإِيمَانِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَلَا يَكُونُ له
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَسَمِعْت عَدَدًا من أَهْلِ الْمَغَازِي وَبَلَغَنِي عن عَدَدٍ منهم أَنَّهُ كان في خُطْبَةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يوم الْفَتْحِ لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَبَلَغَنِي عن عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّهُ رَوَى ذلك عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن بن أبي حُسَيْنٍ عن مُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَأَحْسِبُ طَاوُسًا وَالْحَسَنَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال في خُطْبَتِهِ عَامَ الْفَتْحِ لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ
أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن مُطَرِّفٍ عن الشَّعْبِيِّ عن أبي جُحَيْفَةَ قال سَأَلْت عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه هل عِنْدَكُمْ من النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم شَيْءٌ سِوَى الْقُرْآنِ فقال لَا وَاَلَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ إلَّا أَنْ يُؤْتِيَ اللَّهُ عَبْدًا فَهْمًا في الْقُرْآنِ وما في الصَّحِيفَةِ قُلْت وما في الصَّحِيفَةِ فقال الْعَقْلُ وَفِكَاكُ الْأَسِيرِ وَلَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ

(6/38)


حُكْمُ الْإِيمَانِ بِإِيمَانِ أَبَوَيْهِ إذَا لم يَعْلَمْ صِفَةَ الْإِيمَانِ بَعْدَ الْبُلُوغِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا ضَرَبَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْمُسْلِمَ ثُمَّ ارْتَدَّ الْمَضْرُوبُ عن الْإِسْلَامِ ثُمَّ مَاتَ من الضَّرْبَةِ ضَمِنَ الضَّارِبُ الْأَقَلَّ من أَرْشِ الضَّرْبَةِ أو الدِّيَةِ ( قال الرَّبِيعُ ) أَظُنُّهُ قال دِيَةُ مُسْلِمٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) من قِبَلِ أَنَّ الضَّرْبَةَ كانت وَفِيهَا قَوَدٌ أو عَقْلٌ فإذا مَاتَ مُرْتَدًّا سَقَطَ الْقَوَدُ لِأَنَّهَا لم تَبْرَأْ وَجَعَلْت فيها الْعَقْلَ في مَالِهِ لِأَنَّهَا كانت غير مُبَاحَةٍ وَلَوْ بَرَأَتْ وَسَأَلَ أَوْلِيَاؤُهُ الْقِصَاصَ من الْجُرْحِ كان لهم أَنْ يَقْتَصُّوا منه لِأَنَّهُ كان وهو مُسْلِمٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ ضَرَبَهُ وهو مُسْلِمٌ ثُمَّ ارْتَدَّ عن الْإِسْلَامِ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ ثُمَّ مَاتَ مُسْلِمًا ضَمِنَ الْقَاتِلُ الدِّيَةَ كُلَّهَا في مَالِهِ لِأَنَّ الضَّرْبَ كان وهو مَمْنُوعٌ وَالْمَوْتَ كان وهو مَمْنُوعٌ وَلَا تَسْقُطُ الدِّيَةُ بِحَالٍ حَدَثَتْ بَيْنَهُمَا لم يُحْدِثْ فيها الضَّارِبُ شيئا وَلَا قَوَدَ عليه لِلْحَالِ الْحَادِثَةِ بَيْنَهُمَا وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ - * شِرْكُ من لَا قِصَاصَ عليه - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ رَجُلًا وَقَتَلَهُ معه صَبِيٌّ أو مَجْنُونٌ أو حَرْبِيٌّ أو من لَا قَوَدَ عليه بِحَالٍ فَمَاتَ من ضَرْبِهِمَا مَعًا فَإِنْ كان ضَرْبُهُمَا مَعًا بِمَا يَكُونُ فيه الْقَوَدُ قُتِلَ الْبَالِغُ وكان على الصَّبِيِّ نِصْفُ الدِّيَةِ في مَالِهِ وَكَذَلِكَ الْمَجْنُونُ ( قال ) وَلَوْ قَتَلَ رَجُلٌ ابْنَهُ وَقَتَلَهُ معه أَجْنَبِيٌّ ( 1 ) ولم يُقْتَلْ الْأَبُ وَأَخَذْت نِصْفَ الدِّيَةِ من مَالِهِ حَالَّةً وَلَوْ قَتَلَ حُرٌّ وَعَبْدٌ عَبْدًا قُتِلَ بِهِ الْعَبْدُ وَكَانَتْ على الْحُرِّ نِصْفُ قِيمَةِ الْعَبْدِ بَالِغَةً ما بَلَغَتْ وَإِنْ كانت دِيَاتٍ وَلَوْ قَتَلَ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ كَافِرًا قُتِلَ الْكَافِرُ وَكَانَتْ على الْمُسْلِمِ نِصْفُ دِيَتِهِ وَلَوْ ضَرَبَ رَجُلَانِ رَجُلًا أَحَدُهُمَا بِعَصًا خَفِيفَةٍ وَالْآخَرُ بِسَيْفٍ فَمَاتَ لم يَكُنْ على وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِصَاصٌ لِأَنَّ إحْدَى الْجِنَايَتَيْنِ كانت مِمَّا لَا قِصَاصَ فيه وَإِنَّمَا يَكُونُ الْقَوَدُ إذَا كانت الْجِنَايَةُ كُلُّهَا بِشَيْءٍ يُقْتَصُّ منه إذَا مِيَتٌ منه وَلَوْ ضَرَبَ رَجُلٌ رَجُلًا بِسَيْفٍ وَنَهَشَتْهُ حَيَّةٌ فَمَاتَ فَلَا قِصَاصَ وَعَلَى الضَّارِبِ نِصْفُ دِيَتِهِ حَالَّةً في مَالِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ ضَرَبَهُ رَجُلٌ بِسَيْفٍ وَضَرَبَهُ أَسَدٌ أو نَمِرٌ أو خِنْزِيرٌ أو سَبُعٌ ما كان ضَرْبَةً فَإِنْ كانت ضَرْبَةُ السَّبُعِ تَقَعُ مَوْقِعَ الْجُرْحِ في أَنْ يُشَقَّ جُرْحُهَا فَيَكُونُ الْأَغْلَبُ أَنَّ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَنَّ مُسْلِمًا قَتَلَ نَصْرَانِيًّا ثُمَّ ارْتَدَّ الْمُسْلِمُ فَسَأَلَ وَرَثَةُ النَّصْرَانِيِّ أَنْ يُقَادُوا منه وَقَالُوا هذا كَافِرٌ لم يُقْتَلْ بِهِ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ وهو مُؤْمِنٌ فَلَا قَوَدَ عليه وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ في مَالِهِ وَالتَّعْزِيرُ فَإِنْ تَابَ قُبِلَ منه وَإِلَّا قُتِلَ على الرِّدَّةِ وَهَكَذَا لو ضَرَبَ مُسْلِمٌ نَصْرَانِيًّا فَجَرَحَهُ ثُمَّ ارْتَدَّ الْمُسْلِمُ ثُمَّ مَاتَ النَّصْرَانِيُّ وَالْقَاتِلُ مُرْتَدٌّ لم يُقَدْ منه لِأَنَّ الْمَوْتَ كان بِالضَّرْبَةِ وَالضَّرْبَةُ كانت وهو مُسْلِمٌ وَلَوْ أَنَّ مُسْلِمًا ارْتَدَّ عن الْإِسْلَامِ فَقَتَلَ ذِمِّيًّا فَسَأَلَ أَهْلُهُ الْقَوَدَ قبل أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْإِسْلَامِ أو رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ فَسَوَاءٌ وَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ عليه الْقَوَدَ وَهَذَا أَوْلَاهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّهُ قَتَلَ وَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ وَالثَّانِي لَا قَوَدَ عليه من قِبَلِ أَنَّهُ لَا يُقَرُّ على دِينِهِ حتى يَرْجِعَ أو يُقْتَلَ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَرْسَلَ سَهْمًا على نَصْرَانِيٍّ فلم يَقَعْ بِهِ السَّهْمُ حتى أَسْلَمَ أو على عَبْدٍ فلم يَقَعْ عليه بِهِ حتى عَتَقَ فَقَتَلَهُ لم يَكُنْ عليه قِصَاصٌ لِأَنَّ غَلَبَةَ السَّهْمِ كانت بِالْإِرْسَالِ الذي لَا قَوَدَ فيه بَيْنَهُمَا وَلَوْ كان وُقُوعُهُ بِهِ وهو بِحَالِهِ حين أَرْسَلَ السَّهْمَ ثُمَّ أَسْلَمَ لم يُقَصَّ منه وَعَلَيْهِ دِيَةُ مُسْلِمٍ حُرٍّ في الْحَالَتَيْنِ وَالْكَفَّارَةُ وَلَا يَكُونُ هذا في أَقَلَّ من حَالِ من أَرْسَلَ سَهْمًا على غَرَضٍ فَأَصَابَ إنْسَانًا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَضْمَنُ ما جَنَتْ رَمْيَتُهُ وَكِلَا هَذَيْنِ مَمْنُوعٌ من أَنْ يَقْصِدَ قَصْدَهُ بِرَمْيٍ ( قال ) وَلَوْ أَرْسَلَ سَهْمَهُ على مُرْتَدٍّ فلم يَقَعْ بِهِ السَّهْمُ حتى أَسْلَمَ أو على حَرْبِيٍّ فلم يَقَعْ بِهِ السَّهْمُ حتى أَسْلَمَ كان خِلَافًا لِلْمَسَائِلِ قَبْلَهَا لِأَنَّهُ أَرْسَلَ عَلَيْهِمَا وَهُمَا مُبَاحَا الدَّمِ وَلَيْسَ عليه قَوَدٌ بِحَالٍ لِمَا أَصَابَهُمَا من رَمْيَتِهِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَدِيَةُ حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ بِتَحْوِيلِ حَالِهِمَا قبل وُقُوعِ الرَّمْيَةِ

(6/39)


الْجُرْحَ قَتَلَ دُونَ الثِّقَلِ فَعَلَى الْقَاتِلِ الْقَوَدُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ وَرَثَتُهُ الدِّيَةَ فَيَكُونُ لهم نِصْفُهَا وَإِنْ كانت ضَرْبَةً لَا تَلْهَدُ وَلَا تَقْتُلُ ثِقَلًا كما يَقْتُلُ الشَّدْخُ أو الْخَشَبَةُ الثَّقِيلَةُ أو الْحَجَرُ الثَّقِيلُ فَلَا يَجْرَحُ فَلَا قَوَدَ عليه لِأَنَّ إنْسَانًا إنْ ضَرَبَهُ معه تِلْكَ الضَّرْبَةَ لم يَكُنْ عَلَيْهِمَا قَوَدٌ وَإِنَّمَا أَجْعَلُهُ مَاتَ من الْجِنَايَتَيْنِ فلما كانت أحدى الضَّرْبَتَيْنِ ( 1 ) إنَّمَا تَقْتُلُ لَا ثِقَلًا وَلَا جُرْحًا وكان الْأَغْلَبُ أَنَّ مِثْلَهَا لَا يَقْتُلُ مُفْرَدًا سَقَطَ الْقَوَدُ فلما لم يَمْحُضَا بِمَا يَقْتُلُ مِثْلُهُ فَلَا قَوَدَ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَنَّ السَّبُعَ قَطَعَ حُلْقُومَهُ وَوَدَجَهُ أو قَصَفَ عُنُقَهُ أو شَقَّ بَطْنَهُ فَأَلْقَى حَشْوَتَهُ كان هو الْقَاتِلَ وَعَلَى الْأَوَّلِ الْقِصَاصُ في الْجِرَاحِ إنْ كان فيها الْقِصَاصُ إلَّا أَنْ تَشَاءَ وَرَثَتُهُ الْعَقْلَ وَالْعَقْلُ إنْ كانت جِرَاحُهُ مِمَّا لَا قِصَاصَ فيها - * الزَّحْفَانِ يَلْتَقِيَانِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا الْتَقَى زَحْفَانِ وَأَحَدُهُمَا ظَالِمٌ فَقُتِلَ رَجُلٌ من الصَّفِّ الْمَظْلُومِ فَسَأَلَ أَوْلِيَاؤُهُ الْعَقْلَ أو الْقَوَدَ قِيلَ ادَّعُوهُ على من شِئْتُمْ فَإِنْ ادَّعَوْهُ على وَاحِدٍ منهم أو نَفَرٍ بِأَعْيَانِهِمْ كُلِّفُوا الْبَيِّنَةَ فَإِنْ جاؤوا بها فَلَهُمْ الْقَوَدُ إنْ كان فيه قَوَدٌ أو الْعَقْلُ إنْ لم يَكُنْ فيه قَوَدٌ وَإِنْ لم يَأْتُوا بِبَيِّنَةٍ قِيلَ إنْ شِئْتُمْ فَأَقْسِمُوا خَمْسِينَ يَمِينًا على رَجُلٍ أو نَفَرٍ بِأَعْيَانِهِمْ وَلَكُمْ الدِّيَةُ وَلَا قَوَدَ إنْ كان الْقَتْلُ عَمْدًا وَإِنْ أَقْسَمَ الَّذِينَ ادَّعَيْتُمْ عليهم خَمْسِينَ يَمِينًا بَرِئُوا من الدِّيَةِ وَالْقَوَدِ إذَا حَلَفُوا إنْ امْتَنَعْتُمْ من الأيمان وَإِنْ تُحَلِّفُوهُمْ فَلَا عَقْلَ وَلَا قَوَدَ وَإِنْ قُلْتُمْ قَتَلُوهُ جميعا فَكَانَ يُمْكِنُ لِمِثْلِهِمْ أَنْ يَشْتَرِكُوا فيه أَقْسَمْتُمْ وَإِنْ لم يُمْكِنْ ذلك وَكَانُوا مِائَةَ أَلْفٍ أو نَحْوَهَا فَقَدْ قِيلَ إنْ اقْتَصَرْتُمْ بِالدَّعْوَى على من يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ شَرِكَ فيه وَأَقْسَمْتُمْ جَعَلْنَا ذلك لَكُمْ وَإِلَّا لم نَدَعْكُمْ تُقْسِمُوا على ما نَعْلَمُكُمْ فيه كَاذِبِينَ وإذا جاؤوا بِبَيِّنَةٍ على أَنَّ رَجُلًا قَتَلَهُ لَا يُثْبِتُونَ الرَّجُلَ الْقَاتِلَ فَلَيْسَتْ بِشَهَادَةٍ وَقِيلَ أَقْسِمُوا على وَاحِدٍ إنْ شِئْتُمْ ثُمَّ عليه الدِّيَةُ فَإِنْ أَقْسَمُوا على وَاحِدٍ فَأَثْبَتَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ ليس بِهِ سَقَطَتْ الْقَسَامَةُ فلم يُعْطَوْا بها وَلَا بِالْبَيِّنَةِ وَإِنْ سَأَلُوا بَعْدَ أَنْ يُقْسِمُوا على غَيْرِهِ لم يَكُنْ ذلك لهم لِأَنَّهُمْ قد أَبْرَءُوا غَيْرَهُ بِالدَّعْوَى عليه دُونَهُ وَبِأَنْ كَذَبُوا في الْقَسَامَةِ وَلَسْت أَقْتُلُ بِالْقَسَامَةِ بِحَالٍ أَبَدًا وَلَوْ قالوا بَعْدَ ذلك نُقْسِمُ على كُلِّهِمْ لم أَقْبَلْ ذلك منهم لِأَنِّي إنْ أَغْرَمْت كُلَّهُمْ فَقَدْ عَلِمْت أَنِّي أَغْرَمْت منهم قَوْمًا بُرَآءُ وَإِنْ أَرَدْت أَنْ أُغَرِّمَ بَعْضَهُمْ لم أَعْرِفْ من أُغَرِّمُ فَلَا تَكُونُ الْقَسَامَةُ إلَّا على مَعْرُوفٍ بِعَيْنِهِ وَمَعْرُوفِينَ بِأَعْيَانِهِمْ كما لَا تَكُونُ الْحُقُوقُ إلَّا على مَعْرُوفٍ بِعَيْنِهِ فإذا الْتَقَى الرَّجُلَانِ فاضربا بِأَيِّ سِلَاحٍ اضْطَرَبَا فيه فَيَكُونُ فِيمَنْ أُصِيبَ بِهِ الْقَوَدُ فَشَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّهُمْ رَأَوْا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْرِعًا إلَى صَاحِبِهِ ولم يُثْبِتُوا أَيَّهُمَا بَدَأَ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَ بِهِ صَاحِبَهُ إنْ كان فيه عَقْلٌ أو كان فيه قَوَدٌ وَلَوْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ صَاحِبَهُ بَدَأَهُ وَأَنَّهُ إنَّمَا ضَرَبَهُ لِيَدْفَعَهُ عن نَفْسِهِ لم يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَعَلَى كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْيَمِينُ لِصَاحِبِهِ ما بَدَأَ فإذا حَلَفَا فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَ بِهِ صَاحِبَهُ فَإِنْ كان فيه عَقْلٌ تَقَاصَّا وَأَخَذَ أَحَدُهُمَا من الْآخَرِ الْفَضْلَ وَإِنْ كان فيه قِصَاصٌ اُقْتُصَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا من صَاحِبِهِ مِمَّا فيه الْقِصَاصُ وَإِنْ قَتَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَمْدًا فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ قِصَاصٌ وَلَا تَبَاعَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا على الْآخَرِ وَلَا قَوَدَ لِأَنَّهُ لم يَبْقَ شَيْءٌ يُقَادُ منه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَبَقِيَ الْآخَرُ وَبِهِ جِرَاحَاتٌ كانت جِرَاحَاتُهُ في مَالِ الْمَيِّتِ فَإِنْ كانت دِيَةً قِيلَ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ إنْ أَرَدْتُمْ الْقَوَدَ فَلَكُمْ الْقَوَدُ وَعَلَى صَاحِبِكُمْ دِيَةُ جِرَاحِ الْمَجْرُوحِ وَإِنْ أَرَدْتُمْ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا لو جَرَحَتْ جُرْحًا خَفِيفًا كَالْخَدْشِ وَالْأَغْلَبُ أَنَّ الْقَتْلَ منها لَا يَقْتُلُ بِاللَّهْدِ وَلَا الثِّقَلِ لم يَكُنْ فِيهِمَا قِصَاصٌ

(6/40)


الدِّيَةَ فَلَكُمْ الدِّيَةُ وَلِلْمَجْرُوحِ دِيَةٌ فَإِحْدَاهُمَا قِصَاصٌ بِالْأُخْرَى إنْ كان ضَرْبُهُمَا عَمْدًا كُلُّهُ وَإِنْ كانت أَكْثَرَ من دِيَةٍ رَجَعَ الْمَجْرُوحُ بِالْفَضْلِ عن الدِّيَةِ في مَالِ الْمَيِّتِ وَإِنْ أَرَدْتُمْ الْقَوَدَ فَلِلْمُقَادِ منه ما لَزِمَ الْمَيِّتَ من جِرَاحَةِ الْحَيِّ وَلَكُمْ الْقَوَدُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ لَقِيَهُ في مِصْرٍ من الْأَمْصَارِ بِغَيْرِ حَرْبٍ فقال ظَنَنْته كَافِرًا لم يُعْذَرْ وَقُتِلَ بِهِ وَإِنَّمَا يُعْذَرُ في الْمَوْضِعِ الذي الْأَغْلَبُ منه أَنَّهُ كما قال + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان الْمُسْلِمُونَ في صَفٍّ وَالْمُشْرِكُونَ بِإِزَائِهِمْ لم يَلْتَقُوا ولم يَتَحَامَلُوا فَقَتَلَ رَجُلٌ رَجُلًا في صَفِّ الْمُسْلِمِينَ فقال ظَنَنْته كَافِرًا وَالْمَقْتُولُ مُؤْمِنٌ أُقِيدَ منه وَإِنْ تَحَامَلُوا وكان في صَفِّ الْمُشْرِكِينَ وَقَتَلَهُ قُبِلَ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مُطَرِّفُ بن مَازِنٍ عن مَعْمَرٍ عن الزُّهْرِيِّ عن عُرْوَةَ أَنَّ الْيَمَانَ أَبَا حُذَيْفَةَ جاء يوم أُحُدٍ من أُطُمٍ من الْآطَامِ من نَاحِيَةِ الْمُشْرِكِينَ فَظَنَّهُ الْمُسْلِمُونَ مُشْرِكًا فَالْتَفُّوا عليه بِأَسْيَافِهِمْ حتى قَتَلُوهُ وَحُذَيْفَةُ يقول أبي أبي وَلَا يَسْمَعُونَهُ لِشُغْلِ الْحَرْبِ فَقَضَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فيه بِدِيَةٍ وقال فِيمَا أَحْسِبُ عَفَاهَا حُذَيْفَةُ وقال فِيمَا أَحْسِبُ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وهو أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَزَادَهُ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا من الْمُشْرِكِينَ أَقْبَلَ إلَى نَاحِيَةِ الْمُسْلِمِينَ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ من الْمُسْلِمِينَ عَامِدًا فقال وَرَثَةُ الْمُشْرِكِ إنَّهُ كان أَسْلَمَ فَإِنْ أَقَامُوا على ذلك بَيِّنَةً وَإِلَّا لم يُقْبَلْ قَوْلُهُمْ وَإِنْ اقاموا الْبَيِّنَةَ فَلَهُمْ الْعَقْلُ وَلَا قَوَدَ إذَا قال الْمُسْلِمُ قَتَلْتُهُ وأنا أَظُنُّهُ على الشِّرْكِ إذَا جَعَلْت له هذا في الْمُسْلِمِ يَعْرِفُ إسْلَامَهُ جَعَلْته له فِيمَنْ لم يُشْهَرْ إسْلَامُهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا من الْمُشْرِكِينَ أَقْبَلَ كما وَصَفْت فَقَتَلَهُ مُسْلِمٌ لم يُودَ حتى يُقِيمَ وَرَثَتُهُ الْبَيِّنَةَ على أَنَّهُ أَسْلَمَ قبل أَنْ يُقْتَلَ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا ضَرَبَ حَرْبِيًّا فَأَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ فَمَاتَ لم يَكُنْ فيه عَقْلٌ وَلَا قَوَدٌ وَلَوْ ضُرِبَ فَأَسْلَمَ ثُمَّ ضُرِبَ فَمَاتَ فَفِيهِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا من الْمُشْرِكِينَ ضَرَبَ مُسْلِمًا فَجَرَحَهُ ثُمَّ أَسْلَمَ فَقَتَلَهُ الْمُسْلِمُ الْمَضْرُوبُ بَعْدَ إسْلَامِهِ وَعِلْمِهِ بِهِ قُتِلَ بِهِ وَإِنْ قَتَلَهُ بَعْدَ إسْلَامِهِ وقال لم أَعْلَمْ بِإِسْلَامِهِ فَعَلَيْهِ دِيَتُهُ وَالْكَفَّارَةُ - * قَتْلُ الْإِمَامِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَبَلَغَنَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي اللَّهُ عنه وَلَّى رَجُلًا على الْيَمَنِ فَأَتَاهُ رَجُلٌ أَقْطَعُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ فذكر أَنَّ وَالِيَ الْيَمَنِ ظَلَمَهُ فقال إنْ كان ظَلَمَكَ لَأُقِيدَنَّكَ منه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا نَأْخُذُ أن قَتَلَ الْإِمَامُ هَكَذَا ( قال ) وإذا أَمَرَ الْإِمَامُ الرَّجُلَ بِقَتْلِ الرَّجُلِ فَقَتَلَهُ الْمَأْمُورُ فَعَلَى الْإِمَامِ الْقَوَدُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ وَرَثَةُ الْمَقْتُولِ أَنْ يَأْخُذُوا الدِّيَةَ وَلَيْسَ على الْمَأْمُورِ عَقْلٌ وَلَا قَوَدٌ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُكَفِّرَ لِأَنَّهُ وَلِيُّ الْقَتْلِ وَإِنَّمَا أَزَلْت عنه الْقَوَدَ أَنَّ الْوَالِيَ يَحْكُمُ بِالْقَتْلِ في الْحَقِّ في الرِّدَّةِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ وَالْقَتْلِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِالْقَتْلِ كان يَعْلَمُ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِقَتْلِهِ ظُلْمًا كان عليه وَعَلَى الْإِمَامِ الْقَوَدُ وَكَانَا كَقَاتِلَيْنِ مَعًا وَإِنَّمَا أُزِيلُ الْقَوَدَ عنه إذَا ادَّعَى أَنَّهُ أَمَرَهُ بِقَتْلِهِ وهو يَرَى أَنَّهُ يُقْتَلُ بِحَقٍّ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِقَتْلِهِ ظُلْمًا وَلَكِنَّ الْوَالِيَ أَكْرَهَهُ عليه لم يَزُلْ عن الْإِمَامِ الْقَوَدُ بِكُلِّ حَالٍ وفي الْمَأْمُورِ الْمُكْرَهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ عليه الْقَوَدَ لِأَنَّهُ ليس له أَنْ يَقْتُلَ أَحَدًا ظُلْمًا إنَّمَا يَبْطُلُ الْكَرْهُ عنه فِيمَا لَا يَضُرُّ غَيْرَهُ وَالْآخَرُ لَا قَوَدَ عليه لِلشُّبْهَةِ وَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْوَالِي الْمُتَغَلِّبُ وَالْمُسْتَعْمِلُ إذَا قُهِرَ في الْمَوْضِعِ الذي يَحْكُمُ فيه عليه هذا سَوَاءٌ طَالَ قَهْرُهُ له أو قَصُرَ وإذا كان الرَّجُلُ الْمُتَغَلِّبُ على اللُّصُوصِيَّةِ أو الْعَصَبِيَّةِ فَأَمَرَ رَجُلًا بِقَتْلِ الرَّجُلِ فَعَلَى الْمَأْمُورِ الْقَوَدُ وَعَلَى الْآمِرِ إذَا كان قَاهِرًا لِلْمَأْمُورِ لَا يَسْتَطِيعُ الِامْتِنَاعَ منه بِحَالٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَنَّ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان الْقَوْمُ في الْحَرْبِ فَلَقِيَ رَجُلٌ من الْمُسْلِمِينَ رَجُلًا من الْمُسْلِمِينَ مُقْبِلًا من نَاحِيَةِ الْمُشْرِكِينَ فَقَتَلَهُ فَإِنْ قال قد عَرَفْتُهُ مُسْلِمًا قُتِلَ بِهِ وَإِنْ قال ظَنَنْتُهُ كَافِرًا أُحْلِفَ ما قَتَلَهُ وهو يَعْلَمُهُ مُؤْمِنًا ثُمَّ فيه الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ وَلَا قَوَدَ فيه

(6/41)


رَجُلًا في مِصْرٍ أو في قَرْيَةٍ لم يُقْهَرْ أَهْلُهَا كلهم فَأَمَرَ رَجُلًا بِقَتْلِ رَجُلٍ فَقَتَلَهُ وَالْمَأْمُورُ مَقْهُورٌ فَعَلَى الْمَأْمُورِ الْقَوَدُ في هذا دُونَ الْآمِرِ وَعَلَى الْآمِرِ الْعُقُوبَةُ إذَا كان الْمَأْمُورُ يَقْدِرُ على الِامْتِنَاعِ بِجَمَاعَةٍ يَمْنَعُونَهُ منه أو بِنَفْسِهِ أو أَنْ يَهْرُبَ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ في هذا دُونَ الْآمِرِ وإذا لم يَقْدِرْ على الِامْتِنَاعِ منه بِحَالٍ فَعَلَيْهِمَا الْقَوَدُ مَعًا - * أَمْرُ السَّيِّدِ عَبْدَهُ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَمَرَ عَبْدَ غَيْرِهِ أو صَبِيَّ غَيْرِهِ بِقَتْلِ رَجُلٍ فَقَتَلَهُ فَإِنْ كان الْعَبْدُ أو الصَّبِيُّ يُمَيِّزَانِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ وَأَبِيهِ وَيَرَيَانِ لِسَيِّدِهِ وَأَبِيهِ طَاعَةً وَلَا يَرَيَانِهَا لِهَذَا عُوقِبَ الْآمِرُ وكان الصَّغِيرُ وَالْعَبْدُ قَاتِلَيْنِ دُونَ الْآمِرِ وَإِنْ كَانَا لَا يُمَيِّزَانِ ذلك فَالْقَاتِلُ الْآمِرُ وَعَلَيْهِ الْقَوَدُ إنْ كان الْقَتْلُ عَمْدًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَمَرَ الرَّجُلُ ابْنَهُ الصَّغِيرَ أو عَبْدَ غَيْرِهِ الْأَعْجَمِيَّ أَنْ يَقْتُلَهُ فَقَتَلَهُ فَدَمُهُ هَدَرٌ لِأَنِّي لَا أَجْعَلُ جِنَايَتَهُمَا بِأَمْرِهِ كَجِنَايَتِهِ وَلَوْ أَمَرَهُمَا أَنْ يَفْعَلَا بِأَنْفُسِهِمَا فِعْلًا لَا يَعْقِلَانِهِ فَفَعَلَاهُ فَقَتَلَهُمَا ذلك الْفِعْلُ ضَمِنَهُمَا مَعًا كما يَضْمَنُهُمَا لو فَعَلَهُ بِهِمَا فَقَتَلَهُمَا كَأَنْ أَمَرَهُمَا أَنْ يَقْطَعَا عِرْقًا أو يُفَجِّرَا قُرْحَةً على مَقْتَلٍ أو ما أَشْبَهَهُ وَلَوْ أَمَرَهُمَا أَنْ يَذْبَحَا أَنْفُسَهُمَا فَإِنْ كان الصَّبِيُّ لم يَعْقِلْ وَالْعَبْدُ مَغْلُوبٌ على عَقْلِهِ فَفَعَلَا ضَمِنَهُمَا كما يَضْمَنُهُمَا لو ذَبَحَهُمَا وَإِنْ كان الْعَبْدُ يَعْقِلُ أَنَّ ذلك يَقْتُلُهُ فَفَعَلَ فَمَاتَ فَهُوَ مُسِيءٌ آثِمٌ وَعَلَيْهِ الْعُقُوبَةُ وَلَا يَكُونُ كَالْقَاتِلِ وإذا أَمَرَ الرَّجُلُ ابْنَهُ الْبَالِغَ أو عَبْدَهُ الذي يَعْقِلُ أَنْ يَقْتُلَ رَجُلًا فَقَتَلَهُ عُوقِبَ السَّيِّدُ الْآمِرُ وَعَلَى الْعَبْدِ وَالِابْنِ الْقَاتِلَيْنِ الْقَوَدُ دُونَهُ وإذا أَمَرَ سَيِّدُ الْعَشِيرَةِ رَجُلًا من الْعَشِيرَةِ أَنْ يَقْتُلَ رَجُلًا وَلَيْسَ بِبَلَدٍ له فيها سُلْطَانٌ فَالْقَتْلُ على الْقَاتِلِ دُونَ الْآمِرِ - * الرَّجُلُ يَسْقِي الرَّجُلَ السُّمَّ أو يَضْطَرُّهُ إلَى سَبُعٍ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اسْتَكْرَهَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَسَقَاهُ سُمًّا وَوَصَفَ السَّاقِي السُّمَّ سُئِلَ السَّاقِي فَإِنْ قال سَقَيْته إيَّاهُ وأنا أَعْلَمُ أَنَّ الْأَغْلَبَ منه أَنَّهُ يَقْتُلُهُ وَأَنَّهُ قَلَّ ما يَسْلَمُ منه أَنْ يَقْتُلَهُ أو يَضُرَّهُ ضَرَرًا شَدِيدًا وَإِنْ لم يَبْلُغْ الْقَتْلَ وَالْأَغْلَبُ أَنَّهُ يَقْتُلُ فَمَاتَ الْمَسْقِيُّ فَعَلَى السَّاقِي الْقَوَدُ يُسْقَى مِثْلَ ذلك فَإِنْ مَاتَ في مِثْلِ هذه الْمَيْتَةِ فَذَلِكَ وَإِلَّا ضَرَبْت عُنُقَهُ فَإِنْ قال سَقَيْتُهُ وَالْأَغْلَبُ أَنَّهُ لَا يَمُوتُ وقد يُمَاتُ من مِثْلِهِ قَلِيلًا قِيلَ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ إنْ كانت لَكُمْ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ بِأَنَّ مِثْلَ ذلك السُّمِّ إذَا سُقِيَ فَالْأَغْلَبُ أَنَّهُ يَقْتُلُ أُقِيدَ منه وَإِنْ جَهِلُوا ذلك فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّاقِي مع يَمِينِهِ وَعَلَى السَّاقِي الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ وَلَا قَوَدَ عليه وَدِيَتُهُ دِيَةُ خَطَأِ الْعَمْدِ وَكَذَلِكَ إنْ قال أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ الْأَغْلَبُ أَنَّهُ لَا يَقْتُلُ وقد يَقْتُلُ مِثْلُهُ وَسَوَاءٌ عَلِمَ السُّمَّ السَّاقِي في هذه الْأَحْوَالِ أو لم يَعْلَمْهُ كُلَّمَا يَسْأَلُ أَهْلَ الْعِلْمِ بِهِ عنه وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ شَاهِدَيْنِ مِمَّنْ يَعْلَمُهُ على رُؤْيَتِهِ وَإِنْ كَانَا رَأَيَاهُ يَسْقِيهِ السُّمَّ بِدَوَاءٍ معه ولم يَعْرِفْهُ فإنه يُقَادُ منه إذَا كان الْأَغْلَبُ أَنَّهُ لَا يُعَاشُ من مِثْلِهِ وَيَتْرُكُ الْقَوَدَ وَيَضْمَنُ الدِّيَةَ إذَا كان الْأَغْلَبُ أَنَّهُ يُعَاشُ منه وَإِنْ قال أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ أن الْأَغْلَبَ أَنَّ مِثْلَ هذا الْمَسْقِيِّ لِضَعْفِ بَدَنِهِ أو خَلْقِهِ أو سَقَمِهِ لَا يَعِيشُ من مِثْلِ هذا السُّمِّ وَالْأَغْلَبُ أَنَّ الْقَوِيَّ يَعِيشُ من مِثْلِهِ لم يُقَدْ في الْقَوِيِّ الذي الْأَغْلَبُ أَنَّهُ يَعِيشُ من مِثْلِهِ وَأُقِيدَ في الضَّعِيفِ الذي الْأَغْلَبُ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ من مِثْلِهِ كما لو ضَرَبَ رَجُلًا نِضْوَ الْخَلْقِ أو سَقِيمًا أو ضَعِيفًا ضَرْبًا ليس بِالْكَثِيرِ بِالسَّوْطِ أو عَصًا خَفِيفَةٍ فَقِيلَ إنَّ الْأَغْلَبَ أَنَّ هذا لَا يَعِيشُ من مِثْلِ هذا أُقِيدَ منه وَلَوْ ضَرَبَ مِثْلَهُنَّ رَجُلًا الْأَغْلَبُ أَنَّهُ يَعِيشُ من مِثْلِهِنَّ لم يُقَدْ منه ( قال ) وَلَوْ كان السَّاقِي لِلسُّمِّ الذي أُقِيدَ من سَاقِيهِ لم يُكْرِهْ الْمَسْقِيَّ وَلَكِنَّهُ جَعَلَهُ له في طَعَامٍ أو خَاصَ له عَسَلًا أو شَرَابًا غَيْرَهُ فَأَطْعَمَهُ إيَّاهُ أو سَقَاهُ إيَّاهُ غير مُكْرِهٍ عليه فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ عليه الْقَوَدَ إذَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَمَرَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ أَنْ يَقْتُلَ رَجُلًا وَالْعَبْدُ أَعْجَمِيٌّ أو صَبِيٌّ فَقَتَلَهُ فَعَلَى السَّيِّدِ الْقَوَدُ دُونَ الْأَعْجَمِيِّ الذي لَا يَعْقِلُ وَالصَّبِيِّ وإذا أَمَرَ بِذَلِكَ عَبْدًا له رَجُلًا بَالِغًا يَعْقِلُ فَعَلَى عَبْدِهِ الْقَوَدُ وَعَلَى السَّيِّدِ الْعُقُوبَةُ

(6/42)


لم يُعْلِمْهُ أَنَّ فيه سُمًّا وَكَذَلِكَ لو قال هذا دَوَاءٌ فأشربه وَهَذَا أَشْبَهُمَا وَالثَّانِي أَنْ لَا قَوَدَ عليه وهو آثِمٌ لِأَنَّ الْآخَرَ شَرِبَهُ وَإِنَّمَا فَرَّقَ من فَرَّقَ بين السُّمِّ يُعْطِيهِ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَيَأْكُلُهُ في التَّمْرَةِ وَالْحَرِيرَةِ يَصْنَعُهَا له فَيَمُوتُ فَلَا أُقِيدُ منه لِأَنَّهُ قد يُبْصِرُ السُّمَّ في الْحَرِيرَةِ ويبصرها ( ( ( يبصرها ) ) ) غَيْرُهُ له فَيَتَوَقَّاهَا وقد يَعْرِفُ السُّمَّ أَنَّهُ مَخْلُوطٌ بِغَيْرِهِ وَلَا يَعْرِفُ غير مَخْلُوطٍ بِغَيْرِهِ وَأَنَّهُ الذي وَلِيَ شُرْبَهُ بِنَفْسِهِ غير مُكْرَهٍ عليه (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ خَلَطَهُ فَوَضَعَهُ ولم يَقُلْ لِلرَّجُلِ كُلْهُ فَأَكَلَهُ الرَّجُلُ أو شَرِبَهُ فَلَا عَقْلَ وَلَا قَوَدَ وَلَا كَفَّارَةَ عليه وَسَوَاءٌ جَعَلَهُ في طَعَامٍ لِنَفْسِهِ أو شَرَابٍ أو لِرَجُلٍ فَأَكَلَهُ إلَّا أَنَّهُ يَأْثَمُ وَأَرَى أَنْ يُكَفِّرَ إذَا خَلَطَهُ في طَعَامِ رَجُلٍ وَيَضْمَنُ مِثْلَ الطَّعَامِ الذي خَلَطَهُ بِهِ وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ إذَا خَلَطَهُ بِطَعَامٍ فَأَكَلَهُ الرَّجُلُ فَمَاتَ ضَمِنَ كما يَضْمَنُ لو أَطْعَمَهُ إيَّاهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ سَقَاهُ سُمًّا وقال لم أَعْلَمْهُ سُمًّا فَشَهِدَ بَعْدُ على أَنَّهُ سُمٌّ ضَمِنَ الدِّيَةَ لِأَنَّهُ مَاتَ بِفِعْلِهِ وَلَا يَبِينُ لي أَنْ أَجْعَلَ عليه الْقَوَدَ كما جَعَلْتُهُ عليه لو عَلِمَهُ فَسَقَاهُ إيَّاهُ وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ ما عَلِمَهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنَّمَا دَرَأْت عنه الْقَوَدَ لِأَنَّهُ قد يَجْهَلُ السُّمَّ فَيَكُونُ سُمًّا قَاتِلًا وَلَا قَاتِلًا وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّ عليه الْقَوَدَ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لم أَعْلَمْهُ سُمًّا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَخَذَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ حَيَّةً فَأَنْهَشَهُ إيَّاهَا أو عَقْرَبًا فَمَاتَ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الذي أَنْهَشَهُ إنْ كان الْأَغْلَبُ منه أَنَّهُ يَقْتُلُهُ بِالْبَلَدِ الذي أَنْهَشَهُ بِهِ لَا يَكَادُ يَسْلَمُ منه مِثْلُ الْحَيَّاتِ بِالسَّرَاةِ أو حَيَّاتِ الأصحر بِنَاحِيَةِ الطَّائِفِ وَالْأَفَاعِي بِمَكَّةَ وَدُونَهَا وَالْقُرَّةِ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ وَإِنْ كان الْأَغْلَبُ أنها لَا تَقْتُلُ مِثْلَ الثُّعْبَانِ بِالْحِجَازِ وَالْعَقْرَبِ الصَّغِيرَةِ فَقَدْ قِيلَ لَا قَوَدَ وَعَلَيْهِ الْعَقْلُ بِهِ مِثْلُ خَطَأِ شِبْهِ الْعَمْدِ ثُمَّ يَصْنَعُ هذا بِكُلِّ بِلَادٍ فَإِنْ أَلْدَغَهُ بِنَصِيبِينَ عَقْرَبًا أو أَنْهَشَهُ بِمِصْرَ ثُعْبَانًا فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ لِأَنَّ الْأَغْلَبَ أَنَّ هذا يُقْتَلُ بِهَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ إذَا أَلْدَغَهُ حَيَّةً أو عَقْرَبًا فَمَاتَ أَنَّ عليه الْقَوَدَ وَسَوَاءٌ قِيلَ هذه حَيَّةٌ لَا يَقْتُلُ مِثْلُهَا أو يَقْتُلُ لِأَنَّ الْأَغْلَبَ أَنَّ هذا كُلَّهُ يَقْتُلُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَرْسَلَ عليه عَقْرَبًا أو حَيَّةً فَنَهَشَتْهُ الْحَيَّةُ أو ضَرَبَتْهُ الْعَقْرَبُ لَكَانَ آثِمًا عليه الْعُقُوبَةُ وَلَا قَوَدَ وَلَا عَقْلَ لو قَتَلَتْهُ لِأَنَّهُ لَا فِعْلَ له في فِعْلِ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَأَنَّهُمَا يُحْدِثَانِ فِعْلًا بَعْدَ الْإِرْسَالِ ليس هو الْإِرْسَالَ وَلَا هو كَأَخْذِهِ إيَّاهُمَا وَإِدْنَائِهِمَا حتى يُمَكِّنَهُمَا وَيَنْهَشَا فَهَذَا فِعْلُ نَفْسِهِ لِأَنَّهُمَا نَهَشَا بِضَغْطِهِ إيَّاهُمَا وَكَذَلِكَ بِأَخْذِهِ وَإِنْ لم يُضْغَطَا لِأَنَّ مَعْقُولًا أَنَّ من طِبَاعِهِمَا أَنَّهُمَا يَعْبَثَانِ إذَا أُخِذَتَا فَتَنْهَشُ هذه وَتَضْرِبُ هذه فَتَكُونَانِ كَالْمُضْطَرَّيْنِ إلَى أَنْ تَضْرِبَ هذه وَتَنْهَشَ هذه منه وَكَذَا الْأَسَدُ وَالذِّئْبُ وَالنَّمِرُ وَالْعَوَادِي كُلُّهَا بِأَسْرِهَا من يَضْغَطُهَا فَتَضْرِبُ أو تَعْقِرُ فَتَقْتُلُ يَكُونُ عليه فِيمَا صَنَعَهُ بِمَا الْأَغْلَبُ منه أَنَّهُ لَا يُعَاشُ من مِثْلِهِ فَفِيهِ الْقَوَدُ وَإِنْ نَالَهُ بِمَا الْأَغْلَبُ أَنَّهُ يُعَاشُ من مِثْلِهِ فَلَيْسَ عليه فيه قَوَدٌ وَفِيهِ الدِّيَةُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَرْسَلَ الْكَلْبَ وَالْحَيَّةَ وَالْأَسَدَ وَالنَّمِرَ وَالذِّئْبَ على رَجُلٍ فَأَخَذَهُ منها شَيْءٌ فَقَتَلَهُ فَهُوَ آثِمٌ وَلَا عَقْلَ وَلَا قَوَدَ عليه ( قال ) وَذَلِكَ أَنَّهُ قد يَهْرُبُ فَيَعْجِزُ وَيَهْرُبُ عنه بَعْضُهَا أو يَقُومُ معه فَلَا يَنَالُهُ بِشَيْءٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ حَبَسَ بَعْضَ القواتل في مَجْلِسٍ ثُمَّ ألقي عليه رَجُلًا وَالْأَغْلَبُ مِمَّنْ يُلْقِي عَلَيْكُمْ هذا أَنَّهُ إذَا أُلْقِيَ عليه قَتَلَهُ مِثْلُ الْأَسَدِ وَالذِّئْبِ وَالنَّمِرِ فَقَتَلَهُ بِفَرْسٍ لم يُقْلِعْ عنه حتى قَتَلَهُ أو شَقَّ لِبَطْنِهِ أو غُمَّ لَا يُعَاشُ من مِثْلِهِ قُتِلَ بِهِ فَأَمَّا الْحَيَّةُ فَلَيْسَتْ هَكَذَا فَإِنْ إصابته الْحَيَّةُ لم يَضْمَنْ وَإِنْ كان من السِّبَاعِ ما يَكُونُ الْأَغْلَبُ أَنَّهُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان قال له في هذا سُمٌّ وقد بَيَّنَ له ( 1 ) وَلَا يَلْتَفِتُ صَاحِبُهُ قَلَّمَا يُخْطِئُهُ أَنْ يَتْلَفَ بِهِ فَشَرِبَ الرَّجُلُ فَمَاتَ لم يَكُنْ على الذي خَلَطَهُ له وَلَا الذي أَعْطَاهُ إيَّاهُ له عَقْلٌ وَلَا قَوَدٌ وَلَوْ سَقَاهُ مَعْتُوهًا أو أَعْجَمِيًّا لَا يَعْقِلُ عنه أو صَبِيًّا فَبَيَّنَ له أو لم يُبَيِّنْ له فَسَوَاءٌ وَكَذَلِكَ لو أَكْرَهَهُ عليه أو أَعْطَاهُ إيَّاهُ فَشَرِبَهُ لِأَنَّ كُلَّ هَؤُلَاءِ لَا يَعْقِلُ عنه وَعَلَيْهِ الْقَوَدُ حَيْثُ أَقَدْت منه في الْأَغْلَبِ من السُّمِّ الْقَاتِلِ

(6/43)


لَا يَفْرِسُ من أَلْقَى عليه لم يَكُنْ فيه قَوَدٌ وَلَا عَقْلٌ وَإِنْ كان الْأَغْلَبُ أَنَّهُ يَفْرِسُ كان عليه الْقَوَدُ إذَا حَبَسَ السَّبُعَ ثُمَّ أَلْقَاهُ أو حَبَسَهُ ثُمَّ أَلْقَى عليه السَّبُعَ في مَجْلِسٍ لَا يَخْرُجُ منه السَّبُعُ وَلَوْ قَيَّدَهُ أو أَوْثَقَهُ ثُمَّ أَلْقَاهُ عليه في صَحْرَاءَ كان مُسِيئًا ولم يَكُنْ عليه عَقْلٌ وَلَا قَوَدٌ إنْ أَصَابَهُ لِأَنَّ السَّبُعَ غَيْرُ مُضْطَرٍّ بِمَحْبِسِهِ إلَى أَنْ يَقْتُلَهُ وإذا أَصَابَهُ السَّبُعُ بِالشَّيْءِ الْخَفِيفِ الذي لو أَصَابَهُ إنْسَانٌ في الْحِينِ الذي أَجْعَلُ على الْمُلْقِي جِنَايَةَ السَّبُعِ فَمَاتَ فَعَلَى مُلْقِيهِ الدِّيَةُ وَالْعُقُوبَةُ وَلَا قَوَدَ - * الْمَرْأَةُ تَقْتُلُ حُبْلَى وَتُقْتَلُ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ أَنَّ نَصْرَانِيًّا جَرَحَ نَصْرَانِيًّا ثُمَّ أَسْلَمَ الْجَارِحُ وَمَاتَ الْمَجْرُوحُ من جِرَاحِهِ بَعْدَ إسْلَامِ الْجَارِحِ كان لِوَرَثَةِ النَّصْرَانِيِّ عليه الْقَوَدُ وَلَيْسَ هذا قَتْلَ مُؤْمِنٍ بِكَافِرٍ مَنْهِيًّا عنه إنَّمَا هذا قَتْلُ كَافِرٍ بِكَافِرٍ إلَّا أَنَّ الْمَوْتَ اسْتَأْخَرَ حتى تَحَوَّلَتْ حَالُ الْقَاتِلِ وَإِنَّمَا يُحْكَمُ لِلْمَجْنِيِّ عليه على الْجَانِي وَإِنْ تَحَوَّلَتْ حَالُ الْمَجْنِيِّ عليه وَلَا يُنْظَرُ إلَى تَحَوُّلِ حَالِ الْجَانِي بِحَالٍ وَهَكَذَا لو أَسْلَمَ الْمَجْرُوحُ دُونَ الْجَارِحِ أو الْمَجْرُوحُ وَالْجَارِحُ مَعًا كان عليه الْقَوَدُ في الْأَحْوَالِ كُلِّهَا وَلَوْ أَنَّ نَصْرَانِيًّا جَرَحَ حَرْبِيًّا مُسْتَأْمَنًا ثُمَّ تَحَوَّلَ الْحَرْبِيُّ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَتَرَكَ الْأَمَانَ فَمَاتَ فَجَاءَ وَرَثَتُهُ يَطْلُبُونَ الْحُكْمَ خُيِّرُوا بين الْقِصَاصِ من الْجَارِحِ أو أَرْشِهِ إذَا كان الْجُرْحُ أَقَلَّ من الدِّيَةِ ولم يَكُنْ لهم الْقَتْلُ لِأَنَّهُ مَاتَ من جُرْحٍ في حَالٍ لو اُبْتُدِئَ فيها قَتْلُهُ لم يَكُنْ على ( 2 ) عَاقِلَتِهِ فيها قَوَدٌ فَأَبْطَلْنَا زِيَادَةَ الْمَوْتِ لِتَحَوُّلِ حَالِ الْمَجْنِيِّ عليه إلَى أَنْ يَكُونَ مُبَاحَ الدَّمِ وهو خِلَافٌ لِلْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا لِأَنَّ الْمَجْنِيَّ عليه تَحَوَّلَتْ حَالُهُ دُونَ الْجَانِي وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَالْجِرَاحُ أَكْثَرُ من النَّفْسِ كَأَنْ فَقَأَ عَيْنَهُ وَقَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ ثُمَّ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَسَأَلُوا الْقِصَاصَ من الْجَانِي فَذَلِكَ لهم لِأَنَّ ذلك كان لِلْمَجْنِيِّ عليه يوم الْجِنَايَةِ أو ذلك وَزِيَادَةَ الْمَوْتِ فَلَا أُبْطِلُ الْقِصَاصَ بِسُقُوطِ زِيَادَةِ الْمَوْتِ على الْجَانِي وَإِنْ سَأَلُوا الْأَرْشَ جَعَلْت لهم على الْجَانِي في كل حَالٍ من هذه الْأَحْوَالِ الْأَقَلَّ من دِيَةِ جِرَاحِهِ أو دِيَةِ النَّفْسِ لِأَنَّ دِيَةَ جِرَاحِهِ قد نَقَصَتْ بِذَهَابِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ ( 1 ) وإذا قُتِلَتْ الْمَرْأَةُ حَامِلًا يَتَحَرَّكُ وَلَدُهَا أو لَا يَتَحَرَّكُ فَفِيهَا الْقَوَدُ وَلَا شَيْءَ في جَنِينِهَا حتى يَزُولَ منها فإذا زَايَلَهَا قبل مَوْتِهَا أو معه أو بَعْدَهُ فَسَوَاءٌ فيه غُرَّةٌ قِيمَتُهَا خَمْسٌ من الْإِبِلِ فإذا زَايَلَهَا حَيًّا قبل مَوْتِهَا أو معه أو بَعْدَهُ فَسَوَاءٌ وَلَا قِصَاصَ فيه إذَا مَاتَ وَفِيهِ دِيَتُهُ إنْ كان ذَكَرًا فَمِائَةٌ من الْإِبِلِ وَإِنْ كان أُنْثَى فَخَمْسُونَ من الْإِبِلِ قَتَلَهَا رَجُلٌ أو امْرَأَةٌ وإذا قَتَلَتْ الْمَرْأَةُ من عليها في قَتْلِهِ الْقَوَدُ فَذَكَرَتْ حَمْلًا أو رِيبَةً من حَمْلٍ حُبِسَتْ حتى تَضَعَ حَمْلَهَا ثُمَّ أُقِيدَ منها حين تَضَعُهُ وَإِنْ لم يَكُنْ لِوَلَدِهَا مُرْضِعٌ فَأَحَبُّ إلَيَّ ان لو تَرَكَتْ بِطِيبِ نَفْسٍ وَلِيَّ الدَّمِ يَوْمًا أو اياما حتى يُوجَدَ له مُرْضِعٌ فَإِنْ لم يَفْعَلْ قُتِلَتْ له وَإِنْ وَلَدَتْ ثم وَجَدَتْ تَحَرُّكًا انْتَظَرَتْ حتى تَضَعَ التَّحَرُّكَ أو يُعْلَمَ أَنْ ليس بها حَمْلٌ وَكَذَلِكَ إذَا لم يُعْلَمْ أَنَّ بها حَمْلًا فَادَّعَتْهُ اُنْتُظِرَ بِالْقَوَدِ منها حتى تُسْتَبْرَأَ وَيُعْلَمَ أَنْ لَا حَبَلَ بها وَلَوْ عَجَّلَ الْإِمَامُ فَأَقَصَّ منها حَامِلًا فَقَدْ أَثِمَ وَلَا عَقْلَ عليه حتى تُلْقِيَ جَنِينَهَا فَإِنْ أَلْقَتْهُ ضَمِنَهُ الْإِمَامُ دُونَ الْمُقْتَصِّ وكان على عَاقِلَتِهِ لَا بَيْتِ الْمَالِ وَكَذَلِكَ لو قَضَى بِأَنْ يُقْتَصَّ منها ثُمَّ رَجَعَ فلم يُبَلِّغْ الْمَأْمُورَ حتى اقْتَصَّ منها ضَمِنَ الْإِمَامُ جَنِينَهَا وَأَحَبُّ إلَيَّ للامام أَنْ يُكَفِّرَ - * تَحَوّل حَال الْمُشْرِك يُجْرَح حتى إذَا جُنِيَ عليه وَحَال الْجَانِي - *

(6/44)


النَّفْسِ لو مَاتَ منها في دَارِ الْإِسْلَامِ على أَمَانِهِ فإذا أَرَادُوا الدِّيَةَ لم أَزِدْهُمْ على دِيَةِ النَّفْسِ فَلَا يَكُونُ تَرْكُهُ عَهْدَهُ زَائِدًا له في أَرْشِهِ وَلَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ في أَمَانِهِ كما هو حتى يَقْدُمَ وَتَأْتِيَ له مُدَّةٌ فَمَاتَ بها كان كَمَوْتِهِ في دَارِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ جِرَاحَهُ عَمْدٌ ولم يَكُنْ كَمَنْ مَاتَ تَارِكًا لِلْعَهْدِ لِأَنَّ رَجُلًا لو قَتَلَهُ عَامِدًا بِبِلَادِ الْحَرْبِ وَلَهُ أَمَانٌ يَعْرِفُهُ ضَمِنَهُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَهُ الدِّيَةُ تَامَّةً في الْحَالَيْنِ لَا يُنْقِصُ منها شيئا وَلَوْ جَرَحَ ذِمِّيٌّ حَرْبِيًّا مُسْتَأْمَنًا فَتَرَكَ الْأَمَانَ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَأَغَارَ الْمُسْلِمُونَ عليه فَسَبَوْهُ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ ما صَارَ في ايدي الْمُسْلِمِينَ سَبِيًّا فَلَا قَوَدَ فيه لِأَنَّهُ مَاتَ مَمْلُوكًا فَلَا يُقْتَلُ حُرٌّ بِمَمْلُوكٍ وَعَلَى الذِّمِّيِّ الْأَقَلُّ من قِيمَتِهِ عَبْدًا أو قِيمَةِ الْجِرَاحِ حُرًّا كَأَنَّهُ قَطَعَ يَدَهُ فَكَانَتْ فيه إنْ كان نَصْرَانِيًّا سِتَّةَ عَشَرَ من الْإِبِلِ وَثُلُثَا بَعِيرٍ وَهِيَ نِصْفُ دِيَتِهِ أو كان مَجُوسِيًّا أو وَثَنِيًّا فَفِي يَدِهِ نِصْفُ دِيَتِهِ ثُمَّ مَاتَ وَقِيمَتُهُ مِثْلُ نِصْفِ دِيَتِهِ فَسَقَطَ الْمَوْتُ لِأَنَّهُ لم يُحْدِثْ بِهِ زِيَادَةً وَجَمِيعُ الْأَرْشِ لِوَرَثَةِ الْمُسْتَأْمَنِ لِأَنَّهُ اسْتَوْجَبَهُ بِالْجُرْحِ وهو حُرٌّ فَكَانَ مَالًا له أَمَانٌ أو كَأَنَّهُ قُطِعَتْ يَدُهُ وَدِيَتُهُ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ ثُمَّ مَاتَ مَمْلُوكًا وَقِيمَتُهُ خَمْسٌ من الْإِبِلِ فَعَلَى جَارِحِهِ خَمْسٌ من الْإِبِلِ لِأَنَّ الْيَدَ صَارَتْ تَبَعًا لِلنَّفْسِ كما يُجْرَحُ الْمُسْلِمُ فَيَكُونُ فيه دِيَاتٌ لو عَاشَ وَلَوْ مَاتَ كانت دِيَتُهُ وَاحِدَةً وَيُجْرَحُ مُوضِحَةً فَيَمُوتُ فَيَكُونُ فيها دِيَةٌ كما تَكُونُ الزِّيَادَةُ على الْجَارِحِ بِزِيَادَةِ النَّفْسِ فَكَذَلِكَ يَكُونُ النَّقْصُ بِذَهَابِهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا لم تَكُنْ بِالنَّفْسِ زِيَادَةٌ فَجَمِيعُ الْأَرْشِ لِوَرَثَةِ الْمُسْتَأْمَنِ لِمَا وَصَفْت أَنَّهُ اسْتَوْجَبَهُ وهو حُرٌّ لِمَا له أَمَانٌ يُعْطَاهُ وَرَثَتُهُ في دَارِ الْحَرْبِ وَهَكَذَا لو قُطِعَتْ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ وَفُقِئَتْ عَيْنَاهُ ثُمَّ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ مَاتَ وَقِيمَتُهُ أَقَلُّ مِمَّا وَجَبَ له بِالْجِرَاحِ لو عَاشَ كان على جَارِحِهِ الْأَقَلُّ من الْجِرَاحِ وَالنَّفْسِ وكان ذلك لِوَرَثَتِهِ بِبِلَادِ الْحَرْبِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ جَرَحَ ذِمِّيٌّ مُسْتَأْمَنًا فَأَوْضَحَهُ ثُمَّ لَحِقَ الْمَجْرُوحُ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ سُبِيَ فَصَارَ رَقِيقًا ثُمَّ مَاتَ وَقِيمَتُهُ عِشْرُونَ من الْإِبِلِ وَإِنَّمَا وَجَبَ له بِالْمُوضِحَةِ التي أُوضِحَ منها ثُلُثُ مُوضِحَةِ مُسْلِمٍ كان أَرْشُ مُوضِحَتِهِ لِوَرَثَتِهِ وَأَمَّا الزِّيَادَةُ من قِيمَتِهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَسْقُطُ عن الْجَانِي بِلُحُوقِ الْمَجْنِيِّ عليه بِبِلَادِ الْحَرْبِ وَالْآخَرُ أَنَّ الزِّيَادَةَ لِمَالِكِهِ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ وَالْمَوْتَ كَانَا وهو مَمْنُوعٌ وَلِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْمَوْتِ وَذَلِكَ مِلْكٌ لِلسَّيِّدِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَأَسْلَمَ في يَدَيْ سَيِّدِهِ ثُمَّ مَاتَ كانت هَكَذَا لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَزِيدُ في قِيمَتِهِ فَتُحْسَبُ الزِّيَادَةُ في قَوْلِ من أَلْزَمَهُ إيَّاهَا وَتَسْقُطُ في قَوْلِ من أَسْقَطَهَا بِلُحُوقِهِ بِبِلَادِ الْحَرْبِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ ثُمَّ مَاتَ حُرًّا كان على جَارِحِهِ الْأَقَلُّ من أَرْشِ الْجِنَايَةِ وَدِيَتِهِ لِأَنَّهُ جُنِيَ عليه حُرًّا وَمَاتَ حُرًّا في قَوْلِ من يُسْقِطُ الزِّيَادَةَ عن الْجَانِي بِلُحُوقِ الْمَجْنِيِّ عليه بِبِلَادِ الْحَرْبِ وَيَلْزَمُهُ الزِّيَادَةُ إنْ كان في الْمَوْتِ في قَوْلِ من يُبْطِلُ الزِّيَادَةَ بِلُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَأَسْلَمَ وَأَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ فَمَاتَ مُسْلِمًا حُرًّا ضَمِنَ قَاتِلُهُ الْأَقَلَّ من أَرْشِ الْجِنَايَةِ وَدِيَةِ حُرٍّ لِأَنَّ أَصْلَ الْجِنَايَةِ كان مَمْنُوعًا في قَوْلِ من يُسْقِطُ الزِّيَادَةَ بِلُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ وَضَمَّنَهُ زِيَادَةَ الْمَوْتِ في قَوْلِ من لَا يُسْقِطُهَا عنه بِلُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ وَمَنْ قال هذا قال في نَصْرَانِيٍّ جُرِحَ ثُمَّ أَسْلَمَ فَمَاتَ فَفِيهِ دِيَةُ مُسْلِمٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وكان الْقَاتِلُ مُسْلِمًا كان مِثْلَ هذا في الْجَوَابِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُقَادُ مُشْرِكٌ من مُسْلِمٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا ضَرَبَ الرَّجُلُ رَجُلًا فَقَطَعَ يَدَهُ ثُمَّ بَرَأَ ثُمَّ ارْتَدَّ فَمَاتَ فَلِوَلِيِّهِ الْقِصَاصُ في الْيَدِ لِأَنَّ الْجِرَاحَةَ قد وَجَبَتْ لِلضَّرْبِ وَالْبُرْءِ وهو مُسْلِمٌ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ جَرَحَهُ ذِمِّيٌّ في بِلَادِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْنَا بِأَمَانٍ فَمَاتَ من الْجِرَاحِ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ على الذِّمِّيِّ الْقَوَدَ إنْ شَاءَ وَرَثَتُهُ أو الدِّيَةَ تَامَّةً من قِبَلِ أَنَّ الْجِنَايَةَ وَالْمَوْتَ كَانَا مَعًا وَلَهُ الْقَوَدُ وَلَا يُنْظَرُ إلَى ما بين الْحَالَيْنِ من تَرْكِهِ الْأَمَانَ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ له الدِّيَةَ في النَّفْسِ وَلَا قَوَدَ لِأَنَّهُ قد صَارَ في حَالٍ لو مَاتَ فيها أو قُتِلَ لم تَكُنْ له دِيَةٌ وَلَا قَوَدٌ

(6/45)


- * الْحُكْمُ بين أَهْل الذِّمَّةِ في الْقَتْلِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيَقْتَصُّ الْوَثَنِيُّ وَالْمَجُوسِيُّ وَالصَّابِئِيُّ وَالسَّامِرِيُّ من الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَكَذَلِكَ يَقْتَصُّ نِسَاؤُهُمْ منهم وَنَجْعَلُ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةً وَكَذَلِكَ نُوَرِّثُ بَعْضَهُمْ من بَعْضٍ لِلْقَرَابَةِ وَيَقْتَصُّ الْمُسْتَأْمَنُ من هَؤُلَاءِ من الْمُعَاهَدِينَ لِأَنَّ لِكُلٍّ ذِمَّةً وَلَا تَفَاوُتَ بين الْمُشْرِكِينَ فَنَمْنَعُ بِهِ بَعْضَهُمْ من بَعْضٍ بِالْقِصَاصِ كَفَوْتِ الْمُسْلِمِينَ لهم + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا يُحْكَمُ على الْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ إذَا جَنَى يُقْتَصُّ منه وَيُحْكَمُ في مَالِهِ بِأَرْشِ الْعَمْدِ الذي لَا يُقْتَصُّ منه وَإِنْ لم يَكُنْ له عَاقِلَةٌ إلَّا عَاقِلَةٌ حَرْبِيَّةٌ لَا يَنْفُذُ حُكْمُنَا عليهم جَعَلْنَا الْخَطَأَ في مَالِهِ كما نَجْعَلُهُ في مَالِ من لَا عَاقِلَةَ له من أَهْلِ الذِّمَّةِ وَهَكَذَا نَحْكُمُ عليهم إذَا أَصَابُوا مُسْلِمًا بِقَتْلٍ أو جُرْحٍ لَا يَخْتَلِفُ ذلك + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ أَصَابَ أَهْلُ الذِّمَّةِ حَرْبِيًّا لَا أَمَانَ له لم يُحْكَمُ عليهم فيه بِشَيْءٍ وَلَوْ طَلَبَتْ وَرَثَتُهُ لِأَنَّ دَمَهُ مُبَاحٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا لو كان الْقَاتِلُ حَرْبِيًّا مُسْتَأْمَنًا إلَّا أَنَّا إذَا لم تُودِ عَاقِلَةُ الْحَرْبِيِّ عنه أَرْشَ الْخَطَأِ كما حَكَمْنَا بِهِ في مَالِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ لَحِقَ الْحَرْبِيُّ الْجَانِي بَعْدَ الْجِنَايَةِ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ رَجَعَ مُسْتَأْمَنًا حَكَمْنَا عليه لِأَنَّ الْحُكْمَ لَزِمَهُ أَوَّلًا وَلَا يَسْقُطُ عنه بِلُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ مَاتَ بِبِلَادِ الْحَرْبِ بَعْدَ الْجِنَايَةِ وَعِنْدَنَا له مَالٌ كان له أَمَانٌ أو وَرَدَ عَلَيْنَا وهو حَيٌّ مَالٌ له أَمَانٌ أَخَذْنَا من مَالِهِ أرش الجناية كما لزمته وهكذا لو أمنا مالا لرجل فورثه الحربي عنه أخذنا منه أَرْشَ الْجِنَايَةِ لِوَلِيِّهَا لِأَنَّهُ وَجَبَ في مَالِهِ فَمَتَى أَمْكَنَنَا أَعْطَيْنَا ما وَجَبَ عليه في مَالِهِ من مَالِهِ وَلَوْ أَمَّنَّا له مَالَهُ على أَنْ لَا نَأْخُذَ منه ما لَزِمَهُ لم يَكُنْ ذلك له إذَا كان عليه أَنْ يَأْخُذَ منه ما لَزِمَهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَذَلِكَ لو جَنَى وهو عِنْدَنَا جِنَايَاتٍ ثُمَّ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ أَمَّنَّاهُ على أَنْ لَا نَحْكُمَ عليه حَكَمْنَا عليه وكان ما أَعْطَيْنَاهُ من الْأَمَانِ على ما وَصَفْنَا بَاطِلًا لَا يَحِلُّ وَهَكَذَا لو سُبِيَ وَأُخِذَ مَالُهُ وقد كان له عِنْدَنَا في الْأَمَانِ دَيْنٌ لِأَنَّ مَالَهُ لم يُغْنَمْ إلَّا وَلِلْمَجْنِيِّ عليه فيه حَقٌّ كَالدَّيْنِ وَسَوَاءٌ إنْ أُخِذَ مَالُهُ قبل أَنْ يُسْبَى أو مع السَّبْيِ أو بَعْدَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو كان عليه دَيْنٌ ثُمَّ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَغُنِمَ مَالُهُ وَسُبِيَ أو لم يُسْبَ أَخَذْنَا الدَّيْنَ من مَالِهِ ولم يَكُنْ هذا بِأَكْثَرَ من الرَّجُلِ يُدَانُ الدَّيْنَ ثُمَّ يَمُوتُ فَنَأْخُذُ الدَّيْنَ من مَالِهِ بِوُجُوبِهِ فَلَيْسَ الْغَنِيمَةُ لِمَالِهِ بِأَكْثَرَ من الْمِيرَاثِ لو وَرِثَهُ الْمُسْلِمُ أو ذِمِّيٌّ عليه دَيْنٌ لِأَنَّ اللَّهَ جل وعز جَعَلَ لِلْوَرَثَةِ مِلْكَ الْمَوْتَى بَعْدَ الدَّيْنِ وَكَذَلِكَ الْغَنَائِمُ لِأَنَّهُمْ خَوَّلُوهَا بِأَنَّ أَهْلَهَا أَهْلُ دَارِ حَرْبٍ وَكَذَلِكَ لو جَنَى وهو مُسْتَأْمَنٌ ثُمَّ لَحِقَ بِبِلَادِ الْحَرْبِ نَاقِضًا لِلْأَمَانِ ثُمَّ أَسْلَمَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَأَحْرَزَ مَالَهُ وَنَفْسَهُ حُكِمَ عليه بِالْجِنَايَةِ وَالدَّيْنِ الذي لَزِمَهُ في دَارِ الْإِسْلَامِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكُلُّ هذا لَا يُخَالِفُ الْأَمَانَ يُمْلَكُ وهو رَقِيقٌ لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَا يُمْلَكُ إلَّا لِسَيِّدِهِ وهو في هذه الْأَحْوَالِ كُلِّهَا مَالِكٌ لِنَفْسِهِ وَيُخَالِفُ لَأَنْ يُجْنَى عليه وهو مُحَارَبٌ غَيْرُ مُسْتَأْمَنٍ بِبِلَادِ الْحَرْبِ وَجِنَايَتُهُ كُلُّهَا في هذه الْأَحْوَالِ هَدَرٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ جَنَى مُسْلِمٌ جِنَايَةً فَلَزِمَتْهُ في مَالِهِ ثُمَّ ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَكَانَ حَيًّا أو مَيِّتًا أو قُتِلَ على الرِّدَّةِ كانت الْجِنَايَةُ في مَالِهِ ولم يُغْنَمْ من مَالِهِ شَيْءٌ حتى تُؤَدَّى جِنَايَتُهُ وما لَزِمَهُ في مَالِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا جَنَى الذِّمِّيُّ على نَصْرَانِيٍّ فَتَمَجَّسَ النَّصْرَانِيُّ بَعْدَ ما يُجْنَى عليه ثُمَّ مَاتَ مَجُوسِيًّا فَقَدْ قِيلَ فَعَلَى الْجَانِي الْأَقَلُّ من أَرْشِ جِرَاحِ النَّصْرَانِيِّ وَمِنْ دِيَةِ الْمَجُوسِيِّ وَقِيلَ عليه دِيَةُ مَجُوسِيٍّ أو الْقَوَدُ من الذِّمِّيِّ الذي جَنَى عليه لِأَنَّهُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا قَتَلَ الذِّمِّيُّ الذِّمِّيَّةَ أو الذِّمِّيَّ أو الْمُسْتَأْمَنَ أو الْمُسْتَأْمَنَةَ أو جَرَحَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ فإذا طَلَبَ الْمَجْرُوحُ أو وَرَثَةُ الْمَقْتُولِ حَكَمْنَا عليهم بِحُكْمِنَا على أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِيمَا بَيْنَهُمْ لَا يَخْتَلِفُ فَنَجْعَلُ الْقَوَدَ بَيْنَهُمْ كما نَجْعَلُهُ بين الْمُسْلِمِينَ في النَّفْسِ وما دُونَهَا وَنَجْعَلُ ما كان عَمْدًا لَا قَوَدَ فيه في مَالِ الْجَانِي وما كان خَطَأً على عَاقِلَةِ الْجَانِي إذَا كانت له عَاقِلَةٌ فَإِنْ لم تَكُنْ له عَاقِلَةٌ كان ذلك في مَالِهِ ولم يَعْقِلْ عنه أَهْلُ دِينِهِ لِأَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَهُ وَلَا الْمُسْلِمُونَ لِأَنَّهُ ليس بِمُسْلِمٍ وَإِنَّمَا يَأْخُذُونَ مَالَهُ إذَا لم يَكُنْ له وَارِثٌ فَيْئًا

(6/46)


كَافِرٌ وَإِنْ تَمَجَّسَ فَهُوَ مَمْنُوعُ الدَّمِ بِالْعَقْدِ الْمُتَقَدِّمِ وَلَيْسَ كَالْمُسْلِمِ يَرْتَدُّ لِأَنَّ رَجُلًا لو قَتَلَ الْمُسْلِمَ مُرْتَدًّا لم يَكُنْ عليه شَيْءٌ وَهَذَا لو قَتَلَ مُرْتَدًّا عن كُفْرٍ إلَى كُفْرٍ كان على قَاتِلِهِ الدِّيَةُ إنْ كان مُسْلِمًا وَالْقَوَدُ إنْ كان كَافِرًا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ جنى عليه نَصْرَانِيًّا فَتَهَوَّدَ أو يَهُودِيًّا فَتَمَجَّسَ فَقَدْ قِيلَ عليه الْأَقَلُّ من قِيمَةِ جُرْحِهِ نَصْرَانِيًّا أو دِيَتِهِ مَجُوسِيًّا وَقِيلَ عليه دِيَةُ مَجُوسِيٍّ وكان كَرُجُوعِهِ إلَى الْمَجُوسِيَّةِ لِأَنَّهُ يَرْتَدُّ عن دِينِهِ الذي كان يُقَرُّ عليه إلَى دِينٍ لَا يُقَرُّ عليه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا جَنَى النَّصْرَانِيُّ على النَّصْرَانِيِّ أو الْمُشْرِكِ الْمَمْنُوعِ الدَّمِ خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَتِهِ أَرْشُ جِنَايَتِهِ وَإِنْ ارْتَدَّ النَّصْرَانِيُّ الْجَانِي عن النَّصْرَانِيَّةِ إلَى مَجُوسِيَّةٍ أو غَيْرِهَا فَمَاتَ الْمَجْنِيُّ عليه غَرِمَتْ عَاقِلَةُ الْجَانِي الْأَقَلَّ من أَرْشِ الْجِنَايَةِ وهو نَصْرَانِيٌّ أو دِيَةِ مَجُوسِيٍّ لِأَنَّهُمْ كَانُوا ضَمِنُوا أَرْشَ الْجُرْحِ وهو على دِينِهِمْ فَإِنْ كان الْجُرْحُ مُوضِحَةً فَمَاتَ منها الْمَجْنِيُّ عليه بَعْدَ أَنْ يَرْتَدَّ الْجَانِي إلَى غَيْرِ النَّصْرَانِيَّةِ ضَمِنَتْ عَاقِلَتُهُ أَرْشَ مُوضِحَةٍ وَضَمِنَ في مَالِهِ زِيَادَةَ النَّفْسِ على أَرْشِ الْمُوضِحَةِ فَإِنْ لم تَزِدْ النَّفْسُ على الْمُوضِحَةِ بِشَيْءٍ حتى تَحَوَّلَ حَالُ الْمَجْنِيِّ عليه إلَى غَيْرِ دِينِهِ ضَمِنَتْ الْعَاقِلَةُ كما هِيَ أَرْشَ الْمُوضِحَةِ لِلُزُومِهَا لها يوم جَنَى صَاحِبُهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ جَنَى نَصْرَانِيٌّ على مُسْلِمٍ أو ذِمِّيٍّ مُوضِحَةً ثُمَّ أَسْلَمَ الْجَانِي وَمَاتَ الْمَجْنِيُّ عليه ضَمِنَتْ عَاقِلَتُهُ من النَّصَارَى أَرْشَ الْمُوضِحَةِ وَضَمِنَ الْجَانِي في مَالِهِ الزِّيَادَةَ على أَرْشِ الْمُوضِحَةِ لَا يَعْقِلُ عَاقِلَةُ النَّصْرَانِيِّ ما زَادَتْ جِنَايَتُهُ وهو مُسْلِمٌ لِقَطْعِ الْوِلَايَةِ بين الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ وَتَغْرَمُ ما لَزِمَهَا من جِرَاحِهِ وهو على دِينِهَا وَلَا يَعْقِلُ الْمُسْلِمُونَ عنه زِيَادَةَ جِنَايَتِهِ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ كانت وهو مُشْرِكٌ وَالْمَوْتَ بِالْجِنَايَةِ كان وهو مُسْلِمٌ وَهَكَذَا لو أَسْلَمَ هو وَعَاقِلَتُهُ لم يَعْقِلُوا إلَّا ما لَزِمَهُمْ وهو على دِينِهِمْ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ جَنَى نَصْرَانِيٌّ على رَجُلٍ خَطَأً ثُمَّ أَسْلَمَ النَّصْرَانِيُّ الْجَانِي فلم يَطْلُبْ الرَّجُلُ جِنَايَتَهُ إلَّا وَالْجَانِي مُسْلِمٌ فَإِنْ قالت له عَاقِلَتُهُ من النَّصَارَى جَنَى عَلَيْكَ مُسْلِمًا وقال الْمُسْلِمُونَ جَنَى عَلَيْكَ مُشْرِكًا كان الْقَوْلُ قَوْلَهُمْ مَعًا في أَنْ لَا يَضْمَنُوا عنه مع أيمانهم وَكَانَتْ الدِّيَةُ في مَالِ الْجَانِي إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِحَالِهِ يوم جَنَى فَتَعْقِلُ عنه عَاقِلَتُهُ من النَّصَارَى إنْ كان نَصْرَانِيًّا ما لَزِمَهُ في النَّصْرَانِيَّةِ وَيَكُونَ ما بَقِيَ في مَالِهِ أو بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ جَنَى مُسْلِمًا فَيَعْقِلُ عنه الْمُسْلِمُونَ إنْ كان له فِيهِمْ عَاقِلَةٌ وإذا رَمَى النَّصْرَانِيُّ إنْسَانًا فلم تَقَعْ رَمْيَتُهُ حتى أَسْلَمَ فَمَاتَ الْمَرْمِيُّ لم تَعْقِلْ عنه عَاقِلَتُهُ من النَّصَارَى لِأَنَّهُ لم يَجْنِ جِنَايَةً لها أَرْشٌ حتى أَسْلَمَ وَلَا الْمُسْلِمُونَ لِأَنَّ الرَّمْيَةَ كانت وهو غَيْرُ مُسْلِمٍ وَكَانَتْ الْجِنَايَةُ في مَالِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَنَّ نَصْرَانِيًّا تَهَوَّدَ أو تَمَجَّسَ ثُمَّ جَنَى لم تَعْقِلْ عنه عَاقِلَتُهُ من النَّصَارَى لِأَنَّهُ على دِينٍ لَا يُقَرُّ عليه وَلَا الْيَهُودَ وَلَا الْمَجُوسَ لِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ على الْيَهُودِيَّةِ وَلَا الْمَجُوسِيَّةِ مَعَهُمْ وكان الْعَقْلُ في مَالِهِ وَهَكَذَا لو رَجَعَ إلَى دِينٍ غَيْرِ دِينِ النَّصْرَانِيَّةِ من مَجُوسِيَّةٍ أو غَيْرِهَا وَلَا تَعْقِلُ عنه إذَا بَدَّلَ دِينَهُ عَاقِلَةُ وَاحِدٍ من النِّصْفَيْنِ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ ثَانِيَةً ثُمَّ يَجْنِيَ فَيَعْقِلَ عنه الْمُسْلِمُونَ بِالْوِلَايَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا جَنَى الرَّجُلُ مَجُوسِيًّا فَقُتِلَ ثُمَّ أَسْلَمَ الْجَانِي بَعْدَ الْقَتْلِ وَمَاتَ الْمَجْنِيُّ عليه ضَمِنَ عنه الْمَجُوسُ الْجِنَايَةَ لِأَنَّهَا عَاقِلَتُهُ من الْمَجُوسِ كانت وهو مَجُوسِيٌّ إذَا كانت الْجِنَايَةُ خَطَأً فَإِنْ كانت الْجِنَايَةُ عَمْدًا فَهِيَ في مَالِ الْجَانِي وَلَا تَضْمَنُ عَاقِلَةُ مَجُوسِيٍّ وَلَا مُسْلِمٍ إلَّا ما جَنَى خَطَأً تَقُومُ بِهِ بَيِّنَةٌ ( قال الرَّبِيعُ ) وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ إذَا قَتَلَ وهو نَصْرَانِيٌّ فَقَتَلَ نَصْرَانِيًّا ثُمَّ أَسْلَمَ أَنَّ عليه الْقَوَدَ لِأَنَّ النَّفْسَ الْمَقْتُولَةَ كانت مُكَافِئَةً بِنَفْسِ الْقَاتِلِ حين قَتَلَ وَلَيْسَ إسْلَامُهُ الذي يُزِيلُ عنه ما قد وَجَبَ عليه قبل أَنْ يُسْلِمَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْقَوَدُ بين كل كَافِرَيْنِ لَهُمَا عَهْدٌ سَوَاءٌ كَانَا مِمَّنْ يُؤَدِّي
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا ( 1 ) إنْ جَنَى نَصْرَانِيٌّ فَتَزَنْدَقَ أو دَانَ دِينًا لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ أَهْلِهِ وقد قِيلَ على الْجَانِي عليه إذَا غَرِمَ الدِّيَةَ الْأَقَلُّ من أَرْشِ ما أَصَابَهُ نَصْرَانِيًّا وَدِيَةِ مَجُوسِيٍّ وَقِيلَ عليه دِيَةُ مَجُوسِيٍّ

(6/47)


الْجِزْيَةَ أو أَحَدُهُمَا مُسْتَأْمَنٌ أو كِلَاهُمَا لِأَنَّ كُلًّا له عَهْدٌ وَيُقَادُ الْمَجُوسِيُّ من النَّصْرَانِيِّ وَالْيَهُودِيِّ وَكَذَلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ من الْمُشْرِكِينَ مَمْنُوعُ الدَّمِ يُقَادُ من غَيْرِهِ وَإِنْ كان أَكْثَرَ دِيَةً منه كما يُقَادُ الرَّجُلُ من الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةُ من الرَّجُلِ وَالرَّجُلُ أَكْثَرُ دِيَةً منها وَالْعَبْدُ من الْعَبْدِ وهو أَكْثَرُ ثَمَنًا منه - * رِدَّة الْمُسْلِم قَبْل يَجْنِي وَبَعْد ما يَجْنِي ( 1 ) وَرَدَّة الْمَجْنِيّ عليه - * بَعْد ما يُجْنَى عليه (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان قَتَلَهُ الرَّجُلُ قبل يَرْتَدُّ الْجَانِي خَطَأً كان على عَاقِلَتِهِ من الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ جَرَحَهُ مُسْلِمًا ثُمَّ ارْتَدَّ الْجَانِي فَمَاتَ الْمَجْنِيُّ عليه بَعْدَ رِدَّةِ الْجَانِي ضَمِنَتْ الْعَاقِلَةُ نِصْفَ الدِّيَةِ ولم تَضْمَنْ الزِّيَادَةَ التي كانت بِالْمَوْتِ بَعْدَ رِدَّةِ الْجَانِي فَكَانَ ما بَقِيَ من الدِّيَةِ في مَالِهِ وَكَذَلِكَ لو كانت جِنَايَتُهُ مُوضِحَةً ضَمِنَتْ الْعَاقِلَةُ نِصْفَ عُشْرِ الدِّيَةِ وَضَمِنَ الْمُرْتَدُّ ما بَقِيَ من الدِّيَةِ في مَالِهِ وَكَذَلِكَ لو كانت جِنَايَتُهُ الدِّيَةَ فَأَكْثَرَ ثُمَّ ارْتَدَّ فَمَاتَ الْمَجْنِيُّ عليه ضَمِنَتْ الْعَاقِلَةُ الدِّيَةَ كُلَّهَا لِأَنَّهَا كانت ضَمِنَتْهَا وَالْجَانِي مُسْلِمٌ ولم يَزِدْ الْمَوْتُ بَعْدَ رِدَّةِ صَاحِبِهَا عليها شيئا إنَّمَا يَغْرَمُ بِالْمَوْتِ ما كان يَغْرَمُ بِالْحَيَاةِ أو أَقَلَّ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ جَنَى وهو مُسْلِمٌ فَقَطَعَ يَدًا ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ وَمَاتَ الْمَجْنِيُّ عليه ضَمِنَتْ الْعَاقِلَةُ نِصْفَ الدِّيَةِ ولم يَضْمَنُوا الْمَوْتَ لِأَنَّ الْجَانِيَ ارْتَدَّ فَسَقَطَ عَنْهُمْ أَنْ يَعْقِلُوا عنه كما لو كان مُرْتَدًّا فَجَنَى لم يَعْقِلُوا عنه ما جَنَى فَأَمَّا ما تَوَلَّدَ من جِنَايَتِهِ وهو مُرْتَدٌّ فَفِي مَالِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ أَنْ يَعْقِلُوا عنه لِأَنَّ الْجِنَايَةَ وَالْمَوْتَ كان وهو مُسْلِمٌ ( قال الرَّبِيعُ ) وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَصَحُّهُمَا عِنْدِي + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا جَنَى الرَّجُلُ الذي قد عُرِفَ إسْلَامُهُ جِنَايَةً فادعى ( ( ( فادعت ) ) ) عَاقِلَتُهُ أَنَّهُ جَنَى مُرْتَدًّا فَعَلَيْهِمْ الْبَيِّنَةُ فَإِنْ أَقَامُوهَا سَقَطَ عَنْهُمْ الْعَقْلُ وكان في مَالِهِ وَإِنْ لم يُقِيمُوهَا لَزِمَهُمْ الْعَقْلُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان حين رَفَعَ الْجِنَايَةَ إلَى الْحَاكِمِ مُرْتَدًّا فَمَاتَ فقالت الْعَاقِلَةُ جَنَى وهو مُرْتَدٌّ كان الْقَوْلُ قَوْلَهُمْ مع أَيْمَانِهِمْ حتى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّ الْجِنَايَةَ كانت وهو مُسْلِمٌ وَلَوْ جَنَى جِنَايَةً ثُمَّ قام بَيِّنَةٌ أَنَّهُ ارْتَدَّ ثُمَّ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ ولم يُوَقِّتْ وَقْتًا كان الْقَوْلُ قَوْلَ الْعَاقِلَةِ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ جَنَى وهو مُسْلِمٌ وإذا ارْتَدَّ الرَّجُلُ عن الْإِسْلَامِ ثُمَّ رَمَى بِسَهْمٍ فاصاب بِهِ رَجُلًا خَطَأً ولم يَقَعْ بِهِ السَّهْمُ حتى رَجَعَ الْمُرْتَدُّ إلَى الْإِسْلَامِ لم تَعْقِلْ الْعَاقِلَةُ عنه شيئا وَكَانَتْ الْجِنَايَةُ عليه في مَالِهِ لِأَنَّ مَخْرَجَ الرَّمْيَةِ كان وهو مِمَّنْ لَا يُعْقَلُ عنه وَإِنَّمَا يُقْضَى بِالْجِنَايَةِ على الْعَاقِلَةِ إذَا كان مَخْرَجُهَا وَمَوْقِعُهَا وَالرَّجُلُ يَعْقِلُ - * رِدَّةُ الْمَجْنِيِّ عليه وَتَحَوُّلُ حَالِهِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا ارْتَدَّ الرَّجُلُ عن الْإِسْلَامِ فَرَمَاهُ رَجُلٌ ولم تَقَعْ الرَّمْيَةُ بِهِ حتى أَسْلَمَ فَمَاتَ منها أو جَرَحَهُ بِالرَّمْيَةِ فَلَا قِصَاصَ على الرَّامِي لِأَنَّ الرَّمْيَةَ كانت وهو مِمَّنْ لَا عَقْلَ وَلَا قَوَدَ وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ في مَالِهِ حَالَّةً إنْ مَاتَ وَأَرْشُ الْجُرْحِ إنْ لم يَمُتْ حَالًّا لِأَنَّهُ عَمْدٌ وَلَا تَسْقُطُ الدِّيَةُ لِأَنَّ مَخْرَجَ الرَّمْيَةِ كانت وهو مُرْتَدٌّ كما لو أَنَّ رَجُلًا رَمَى رَجُلًا ثُمَّ أَحْرَمَ فاصابت الرَّمْيَةُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ صَيْدًا ضَمِنَهُ ولم يَكُنْ في أَقَلَّ من مَعْنَى أَنْ يَرْمِيَ غَرَضًا فَيُصِيبَ رَجُلًا وَهَكَذَا لو رَمَى
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا جَنَى الْمُسْلِمُ على رَجُلٍ مُسْلِمٍ عَمْدًا فَقَطَعَ يَدَهُ ثُمَّ ارْتَدَّ الْجَانِي وَمَاتَ الْمَجْنِيُّ عليه أو قَتَلَهُ ثُمَّ ارْتَدَّ الْقَاتِلُ بَعْدَ قَتْلِهِ لم تُسْقِطْ الرِّدَّةُ عنه شيئا وَيُقَالُ لِأَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ أَنْتُمْ مُخَيَّرُونَ بين الْقِصَاصِ أو الدِّيَةِ فَإِنْ اخْتَارُوا الدِّيَةَ أُخِذَتْ من مَالِهِ حَالَّةً وَإِنْ اخْتَارُوا الْقِصَاصَ اُسْتُتِيبَ الْمُرْتَدُّ فَإِنْ تَابَ قُتِلَ بِالْقِصَاصِ وَإِنْ لم يَتُبْ قِيلَ لِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ إنْ اخْتَرْتُمْ الدِّيَةَ فَهِيَ لَكُمْ وهو يُقْتَلُ بِالرِّدَّةِ وَإِنْ أَبَوْا إلَّا الْقَتْلَ قُتِلَ بِالْقِصَاصِ وَغُنِمَ مَالُهُ لِأَنَّهُ لم يَتُبْ قبل مَوْتِهِ

(6/48)


نَصْرَانِيًّا أو مَجُوسِيًّا فَأَسْلَمَ الْمَرْمِيُّ قبل أَنْ تَقَعَ الرَّمْيَةُ لم يُقَدْ لِخُرُوجِ الرَّمْيَةِ وهو غَيْرُ مُسْلِمٍ وَكَانَتْ عليه دِيَةُ مُسْلِمٍ إنْ مَاتَ من الرَّمْيَةِ أو أَرْشُ مُسْلِمٍ إنْ جَرَحَتْ ولم يَمُتْ منها (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ قَطَعَ يَدَ مُرْتَدٍّ فَأَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ ثُمَّ عَدَا عليه فَجَرَحَهُ جُرْحًا فَمَاتَ من الْجُرْحَيْنِ لم يَكُنْ فيه قَوَدٌ إلَّا أَنْ تَشَاءَ وَرَثَتُهُ إبْطَالَ حَقِّهِمْ من الدِّيَةِ وَطَلَبَ الْقَوَدِ من الْجُرْحِ الذي كان بَعْدَ إسْلَامِهِ فَيَكُونُ لهم وكان عليه إنْ أَرَادُوا الْأَرْشَ نِصْفُ الدِّيَةِ في مَالِهِ إذَا كان الْجُرْحُ عَمْدًا وَأَبْطَلْنَا النِّصْفَ لِأَنَّهُ كان وهو مُرْتَدٌّ فَجَعَلْنَا الْمَوْتَ من جِنَايَةٍ غَيْرِ مَمْنُوعَةٍ وَجِنَايَةٍ مَمْنُوعَةٍ فَضَمَّنَّاهُ النِّصْفَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا لو كان الْجَانِي عليه بَعْدَ الْإِسْلَامِ غير الْجَانِي عليه قَبْلَهُ ضَمَّنَهُ نِصْفَ دِيَتِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ جَنَى رَجُلٌ على نَصْرَانِيٍّ فَقَطَعَ يَدَهُ عَمْدًا ثُمَّ أَسْلَمَ النَّصْرَانِيُّ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ إسْلَامِهِ لم يَكُنْ عليه قَوَدٌ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ كانت وهو مِمَّنْ لَا قَوَدَ له وَكَانَتْ عليه دِيَةُ مُسْلِمٍ تَامَّةً حَالَّةً في مَالِهِ وَإِنْ كانت جِنَايَتُهُ خَطَأً كانت على عَاقِلَتِهِ في ثَلَاثِ سِنِينَ دِيَةُ مُسْلِمٍ تَامَّةً + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قِيلَ فَلِمَ فَرَّقْت بين هذا وَبَيْنَ الْمُرْتَدِّ يُجْنَى عليه مُرْتَدًّا ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ يَمُوتُ فَقُلْت الْمَوْتُ كان من الْجِنَايَةِ الْأُولَى لم يُحْدِثْ الْجَانِي بَعْدَهَا شيئا فَيَغْرَمُ بِهِ ولم تَقُلْ في هذا الْمَوْتِ من الْجِنَايَةِ الْأُولَى فَتُغَرِّمُهُ دِيَةَ نَصْرَانِيٍّ قِيلَ له إنَّ جِنَايَتَهُ على الْمُرْتَدِّ كانت غير مَمْنُوعَةٍ بِحَالٍ فَكَانَتْ كما وَصَفْت من حَدٍّ لَزِمَ فَأُقِيمَ عليه فَمَاتَ أو رَجُلٌ أَمَرَ طَبِيبًا فَدَاوَاهُ بِحَدِيدٍ فَمَاتَ فَلَا شَيْءَ عليه لِأَنَّهُ كان غير مَمْنُوعٍ بِكُلِّ حَالٍ من أَنْ يجنى عليه فَخَالَفَ النَّصْرَانِيَّ وَلَمَّا كانت الْجِنَايَةُ على النَّصْرَانِيِّ مُحَرَّمَةً مَمْنُوعَةً بِالذِّمَّةِ وَدَارِ الْإِسْلَامِ وَحُكِمَ بِالْقَوَدِ من مِثْلِهِ وَتُرِكَ الْقَوَدَ من الْمُسْلِمِ وَيَلْزَمُهُ بها عَقْلٌ مَعْلُومٌ لم يَجُزْ في الْجَانِي إلَّا أَنْ يَضْمَنَ الْجِنَايَةَ وما تَسَبَّبَ منها وَكَانَتْ في أَكْثَرَ من مَعْنَى الرَّجُلِ يُعَزَّرُ في غَيْرِ حَدٍّ فَيَمُوتُ فَيَضْمَنُ الْحَاكِمُ دِيَتَهُ وَيَمُوتُ بِأَنْ يُضْرَبَ في الْخَمْرِ ثَمَانِينَ فَيَغْرَمُ الْحَاكِمُ دِيَتَهُ في بَيْتِ الْمَالِ أو على عَاقِلَتِهِ - * تَحَوّل حَال الْمَجْنِيّ عليه بِالْعِتْقِ وَالْجَانِي يُعْتَقُ بَعْد رَقِّ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا جَنَى الرَّجُلُ على الْعَبْدِ جِنَايَةً عَمْدًا ثُمَّ أُعْتِقَ الْعَبْدُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ ثُمَّ مَاتَ فَلَا قَوَدَ على الْجَانِي إذَا كان حُرًّا مُسْلِمًا أو ذِمِّيًّا أو مُسْتَأْمَنًا وَعَلَى الْقَاتِلِ دِيَةُ حُرٍّ حَالَّةً في مَالِهِ دُونَ عَاقِلَتِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ كانت الْجِنَايَةُ قَطْعَ يَدٍ فَمَاتَ منها غَرِمَ الْقَاطِعُ دِيَةَ الْعَبْدِ تَامًّا فَكَانَ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ منها نِصْفُ قِيمَةِ الْعَبْدِ يوم جنى عليه بَالِغَةً ما بَلَغَتْ وَالْبَقِيَّةُ من الدِّيَةِ لِوَرَثَةِ الْعَبْدِ الْأَحْرَارِ لِأَنَّ الْعَبْدَ أُعْتِقَ قبل الْمَوْتِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا لو كانت مُوضِحَةً أو غَيْرَهَا جَعَلْت له ما مَلَكَ بِالْجِنَايَةِ وهو مَمْلُوكٌ ولم أَجْعَلْ له ما مَلَكَ بِالْجِنَايَةِ بِالْمَوْتِ وهو خَارِجٌ من مِلْكِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كانت الْجِنَايَةُ فَقْءَ عَيْنَيْ الْعَبْدِ أو إحْدَاهُمَا وَكَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ مِائَتَيْنِ من الْإِبِلِ أو أَلْفَيْ دِينَارٍ تسوى مِائَتَيْنِ من الْإِبِلِ لم يَكُنْ فيه إلَّا دِيَةُ حُرٍّ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَتِمُّ بِمَوْتِهِ منها إذَا مَاتَ حُرًّا لَا مَمْلُوكًا وَكَانَتْ الدِّيَةُ كُلُّهَا لِسَيِّدِهِ دُونَ وَرَثَتِهِ لِأَنَّ السَّيِّدَ مَلَكَ الدِّيَةَ كُلَّهَا أو أَكْثَرَ منها بِالْجِنَايَةِ دُونَ الْمَوْتِ إلَّا أَنَّ الْأَكْثَرَ سَقَطَ بِمَوْتِ الْعَبْدِ الْمَجْنِيِّ عليه حُرًّا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنَّمَا ضَمَّنْت الْجَانِيَ دِيَةَ حُرٍّ لِأَنَّ الْعَبْدَ كان مَمْنُوعًا بِكُلِّ حَالٍ من أَنْ يجنى عليه فَضَمَّنْته ما حَدَثَ في الْجِنَايَةِ الْمَمْنُوعَةِ كما وَصَفْت في الْبَابِ قَبْلَهُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ رَمَاهُ مُرْتَدًّا أو ضَرَبَهُ ثُمَّ أَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ بَعْدَ وُقُوعِ الرَّمْيَةِ أو الضَّرْبَةِ ثُمَّ مَاتَ مُسْلِمًا لم يَكُنْ فيه عَقْلٌ وَلَا قَوَدٌ من قِبَلِ أَنَّ وُقُوعَ الْجِنَايَةِ كانت وَهِيَ مُبَاحَةٌ ولم يُحْدِثْ الْجَانِي عليه شيئا بَعْدَ الْجِنَايَةِ غَيْرِ الْمَمْنُوعَةِ فَيَضْمَنُ وَكَذَلِكَ أَنْ يَأْمُرَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَيَخْتِنَهُ أو يَشُقَّ جُرْحَهُ أو يَقْطَعَ عُضْوًا له لِدَوَاءٍ فَيَمُوتُ فَلَا يَضْمَنُ شيئا وَكَمَا يُقَامُ الْحَدُّ على الرَّجُلِ فَيَمُوتُ فَلَا يَضْمَنُ الْحَاكِمُ شيئا

(6/49)


(1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ جَنَى عليه وَاحِدٌ قبل الْحُرِّيَّةِ فَقَطَعَ يَدَهُ وَثَانٍ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ فَقَطَعَ رِجْلَهُ وَثَالِثٌ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ فَقَطَعَ رِجْلَهُ كان على الْجَانِي الْأَوَّلِ ثُلُثُ دِيَتِهِ حُرًّا لِأَنِّي أُضَمِّنُهُ دِيَةَ حُرٍّ وَلَوْ كان من جنى عليه عَبْدًا ثُمَّ أُعْتِقَ فَمَاتَ وهو قَاتِلٌ مع اثْنَيْنِ فَعَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَفِيمَا لِسَيِّدِهِ من الدِّيَةِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ له عليه الْأَقَلَّ من نِصْفِ قِيمَتِهِ عَبْدًا أو ثُلُثِ الدِّيَةِ لَا أَجْعَلُ له أَكْثَرَ من نِصْفِ قِيمَتِهِ عَبْدًا وَلَوْ كانت لَا تَبْلُغُ بَعِيرًا من قِبَلِ أَنَّهُ لم يَكُنْ في مِلْكِهِ جِنَايَةٌ غَيْرُهَا وَلَا أُجَاوِزُ بِهِ ثُلُثَ دِيَتِهِ حُرًّا لو كانت نِصْفُ قِيمَتِهِ عَبْدًا تَبْلُغُ مِائَةَ بَعِيرٍ من أَجْلِ أنها قد تَنْقُصُ بِالْمَوْتِ وَأَنَّ حَظَّ الْجَانِي عليه عَبْدًا من دِيَتِهِ ثُلُثُهَا وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ لِسَيِّدِهِ الْأَقَلَّ من ثُلُثِ قِيمَتِهِ عَبْدًا أو ثُلُثِ دِيَتِهِ حُرًّا لِأَنَّهُ مَاتَ من جِنَايَةِ ثَلَاثَةٍ وَإِنَّمَا قُلْت ثُلُثُ دِيَتِهِ حُرًّا على قَاطِعِ يَدِهِ لِأَنَّ الدِّيَةَ صَارَتْ دِيَةَ حُرٍّ وكان الْجَانُونَ ثَلَاثَةً على كل وَاحِدٍ ثُلُثُ دِيَتِهِ لا يَخْتَلِفُ وَلَوْ كان مَاتَ مَمْلُوكًا كان الْجَوَابُ فيها مُخَالِفًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا لو جَنَى عليه أَرْبَعَةٌ أو عَشْرَةٌ أو أَكْثَرُ جَعَلْت على الْجَانِي عليه عَبْدًا إذَا مَاتَ حُرًّا حِصَّتَهُ من دِيَةِ حُرٍّ وَلِسَيِّدِهِ الْأَقَلَّ مِمَّا لَزِمَ الْجَانِيَ عليه عَبْدًا من الدِّيَةِ أو أَرْشِ جُرْحِهِ عَبْدًا إذَا مَاتَ كَأَنْ جَرَحَهُ جُرْحًا فيه حُكُومَةُ بَعِيرٍ وهو عَبْدٌ وَلَزِمَهُ عَشْرٌ من الْإِبِلِ أو أَكْثَرُ بِالْحُرِّيَّةِ وَالْمَوْتِ من الْجُرْحِ وَمَنْ جَرَحَ غَيْرَهُ فَلَا يَأْخُذُ سَيِّدُهُ إلَّا الْبَعِيرَ الذي لَزِمَ بِالْجُرْحِ وهو عَبْدُهُ ( قال ) وَلَوْ جَرَحَهُ اثْنَانِ أو أَكْثَرُ عَبْدًا وَمَنْ بَقِيَ حُرًّا كان هَكَذَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ قَطَعَ رَجُلٌ يَدَ عَبْدٍ ثُمَّ أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ ثُمَّ ارْتَدَّ الْعَبْدُ الْمَقْطُوعُ عن الْإِسْلَامِ ثُمَّ مَاتَ ضَمِنَ الْجَانِي عليه نِصْفَ قِيمَتِهِ عَبْدًا إلَّا أَنْ يُجَاوِزَ نِصْفُ قِيمَتِهِ عَبْدًا دِيَتَهُ حُرًّا مُسْلِمًا فَيُرَدُّ إلَى دِيَةِ حُرٍّ مُسْلِمٍ ويعطي ذلك كُلُّهُ سَيِّدَهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنَّمَا أَعْطَيْت ذلك سَيِّدَهُ لِأَنَّ أَرْشَ الْجِنَايَةِ كانت لِسَيِّدِهِ تَامَّةً وهو مَمْلُوكٌ مُسْلِمٌ مَمْنُوعٌ بِالْإِسْلَامِ فلما عَتَقَ كانت زِيَادَةً لو كانت على الْأَرْشِ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ لو كان الْمَوْتُ يوم كان مُسْلِمًا لم يَكُنْ له إلَّا دِيَةُ حُرٍّ فَكَانَتْ دِيَةُ حُرٍّ تَنْقُصُ من أَرْشِ الْيَدِ مَمْلُوكًا نَقْصَ سَيِّدِهِ فلما مَاتَ مُرْتَدًّا أُبْطِلَ حَقُّهُ في الْمَوْتِ بِالرِّدَّةِ فلم يَجُزْ إلَّا أَنْ نُبْطِلَ الْجِنَايَةَ الثَّانِيَةَ بِالرِّدَّةِ وَلَا نُجَاوِزَ بها دِيَةَ حُرٍّ وهو لو مَاتَ مُسْلِمًا لم يَكُنْ له أَكْثَرُ منه - * جِمَاعُ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ ذَكَرَ اللَّهُ ما فَرَضَ على أَهْلِ التَّوْرَاةِ فقال عز وجل { وَكَتَبْنَا عليهم فيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ } إلَى قَوْلِهِ { فَهُوَ كَفَّارَةٌ له } وَرُوِيَ في حَدِيثٍ عن عُمَرَ أَنَّهُ قال رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يُعْطِي الْقَوَدَ من نَفْسِهِ وَأَبَا بَكْرٍ يُعْطِي الْقَوَدَ من نَفْسِهِ وأنا أُعْطِي الْقَوَدَ من نَفْسِي + ( قال الشَّافِعِيُّ ) ولم أَعْلَمْ مُخَالِفًا في أَنَّ الْقِصَاصَ في هذه الْأُمَّةِ كما حَكَمَ اللَّهُ عز وجل أَنَّهُ حَكَمَ بِهِ بين أَهْلِ التَّوْرَاةِ ولم أَعْلَمْ مُخَالِفًا في أَنَّ الْقِصَاصَ بين الْحُرَّيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ في النَّفْسِ وما دُونَهَا من الْجِرَاحِ التي يُسْتَطَاعُ فيها الْقِصَاصُ بِلَا تَلَفٍ يُخَافُ على الْمُسْتَقَادِ منه من مَوْضِعِ الْقَوَدِ ( قال ) وَالْقِصَاصُ مِمَّا دُونَ النَّفْسِ شَيْئَانِ جُرْحٌ يُشَقُّ بِجُرْحٍ وَطَرَفٌ يُقْطَعُ بِطَرَفٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا شَجَّ رَجُلٌ رَجُلًا مُوضِحَةً أُخِذَتْ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ جَنَى رَجُلٌ على عَبْدٍ فَقَطَعَ يَدَهُ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ مِائَةٌ من الْإِبِلِ ثُمَّ عَتَقَ فَجَنَى عليه وهو حُرٌّ أو غَيْرُهُ فَقَطَعَ رِجْلَهُ ثُمَّ مَاتَ من الْجِنَايَتَيْنِ ضَمِنَا مَعًا إنْ كَانَا اثْنَيْنِ دِيَةَ حُرٍّ وَكَذَلِكَ إنْ كان الْجَانِي وَاحِدًا ضَمِنَ دِيَةَ حُرٍّ فَنِصْفُ قِيمَةِ الْعَبْدِ منها لِسَيِّدِهِ الذي أَعْتَقَهُ وما بَقِيَ لِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ الْمُعْتَقِ ما كانت نِصْفُ قِيمَتِهِ مَمْلُوكًا ما بَيْنَهُ وَبَيْنَ نِصْفِ دِيَةِ حُرٍّ أو أَقَلَّ فَإِنْ زَادَتْ على نِصْفِ دِيَتِهِ لم يَجُزْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَّا أَنْ يُرَدَّ إلَى نِصْفِ دِيَةِ حُرٍّ من قِبَلِ أَنَّا لو أَعْطَيْنَاهُ أَكْثَرَ من نِصْفِ دِيَتِهِ حُرًّا أَبْطَلْنَا الْجِنَايَةَ الثَّانِيَةَ على الْعَبْدِ بَعْد أَنْ صَارَ حُرًّا أو بَعْضَهَا وهو إنَّمَا مَاتَ مِنْهُمَا مَعًا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلسَّيِّدِ منها إلَّا نِصْفُ دِيَةِ حُرٍّ أو أَقَلُّ إذَا كانت جِنَايَتَيْنِ

(6/50)


ما بين قَرْنَيْ الْمَشْجُوجِ وَالْمَشْجُوجُ أَوْسَعُ ما بين قَرْنَيْنِ من الشَّاجِّ ( 1 ) فَكَانَتْ أُخِذَتْ ما بين أُذُنَيْ الشَّاجِّ فَيَكُونُ بِقِيَاسِ طُولِهَا أُخِذَ لِلْمَشْجُوجِ ما بين مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ إلَى مُنْتَهَى الْأُذُنَيْنِ وَالرَّأْسُ عُضْوٌ كُلُّهُ وَلَا يَخْرُجُ عن مَنَابِتِ الشَّعْرِ شيئا لِأَنَّهُ عُضْوٌ وَاحِدٌ لَا يَخْرُجُ الْقَوَدُ إلَى غَيْرِهِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ شَجَّ رَجُلٌ رَجُلًا مُوضِحَةً أُخِذَتْ ما بين مُنْتَهَى مَنَابِتِ رَأْسِ الْمَشْجُوجِ من قِبَلِ وَجْهِهِ إلَى مُنْتَهَى مَنَابِتِ رَأْسِهِ من قَفَاهُ وَهِيَ نِصْفُ ذلك من الشَّاجِّ أُخِذَ له نِصْفُ رَأْسِهِ وَخُيِّرَ الْمَشْجُوجُ فَبُدِئَ له إنْ شَاءَ من قِبَلِ وَجْهِهِ وَإِنْ شَاءَ فَمِنْ قِبَلِ قَفَاهُ وَإِنْ كان الشَّاجُّ أَصْغَرَ رَأْسًا من الْمَشْجُوجِ أُخِذَ له ما بين وَجْهِهِ إلَى قَفَاهُ وَأُخِذَ له بِفَضْلِ أَرْشِ الشَّجَّةِ وكان كَرَجُلٍ شَجَّ اثْنَيْنِ فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا الْقِصَاصَ وَالْآخَرُ الْأَرْشَ حين لم يَجِدْ مَوْضِعًا لِلْقِصَاصِ وَإِنْ سَأَلَ الْمَشْجُوجُ أَنْ يُعَادَ له الشَّقُّ في رَأْسِهِ حتى يَسْتَوْظِفَ له طُولُ شَجَّتِهِ لم يَكُنْ له لِأَنَّا قد استوظفنا له طُولَ الْعُضْوِ الذي شُجَّ منه وِجْهَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا يُفَرِّقُهَا على الشَّاجِّ في مَوْضِعَيْنِ وَلَا يُزِيلُهَا عن مَوْضِعِ نَظِيرِهَا وَهَذَا هَكَذَا في الْوَجْهِ وَلَا يَدْخُلُ الرَّأْسُ مع الْوَجْهِ وَلَا يَدْخُلُ الْعَضُدُ وَلَا الْكَفُّ مع الذِّرَاعِ ويستوظف الذِّرَاعُ حتى يستوفي لِلْمَجْرُوحِ قَدْرُ جُرْحِهِ منها فَإِنْ فَضَلَ له فَضْلٌ أُخِذَ له أَرْشُ الْجِنَايَةِ وَهَكَذَا السَّاقُ لَا يَدْخُلُ مَعَهَا قَدَمٌ وَلَا فَخِذٌ لِأَنَّ كُلَّ عُضْوٍ منه غَيْرُ الْآخَرِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ بَرَأَ جُرْحُ الْمَجْنِيِّ عليه أَوَّلًا غير حَسَنِ الْبُرْءِ أو غير مُلْتَئِمِ الْجِلْدِ وَبَرَأَ المستقاد ( ( ( المستفاد ) ) ) منه حَسَنًا مُلْتَئِمًا فَلَا شَيْءَ لِلْمَجْنِيِّ عليه إذَا أُخِذَ له الْقِصَاصُ غير الْقِصَاصِ ( قال ) وَإِنْ شَجَّهُ شَجَّةً مُتَشَعِّبَةً شُجَّ مِثْلَهَا كما لو شَجَّهُ شَجَّةً مُسْتَوِيَةً شُجَّ مِثْلَهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلِكُلِّ قِصَاصٍ غَايَةٌ بِمَا وَصَفْت وَإِنْ شَجَّ رَجُلٌ رَجُلًا مُوضِحَةً فَقِيَاسُهَا أَنْ يَشُقَّ ما بين الْجِلْدِ وَالْعَظْمِ فَإِنْ هَشَّمْت الْعَظْمَ أو كَسَّرْته حتى يَنْتَقِلَ أو أَدَمْته فَسَأَلَ الْمَشْجُوجُ أَنْ يُقَصَّ له لم يُقَصَّ له من هَاشِمَةٍ وَلَا مُنَقِّلَةٍ وَلَا مَأْمُومَةٍ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ على أَنْ يُؤْتَى بِالْقَطْعِ منه بِكَسْرِ الْعَظْمِ وَلَا هَشَمَهُ كما يُؤْتَى بِالشَّقِّ في جِلْدٍ وَلَحْمٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَذَلِكَ لَا يُقَادُ من كَسْرِ أُصْبُعٍ وَلَا يَدٍ وَلَا رِجْلٍ لِمَا دُونَهُ من جِلْدٍ وَلَحْمٍ وَأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ على أَنْ يُؤْتَى بِالْكَسْرِ كَالْكَسْرِ بِحَالٍ وَأَنَّ الْمُسْتَقَادَ منه يُنَالُ من لَحْمِهِ وَجِلْدِهِ خِلَافُ ما يُنَالُ من لَحْمِ الْمَجْنِيِّ عليه وَجِلْدِهِ وَكَذَلِكَ لَا قِصَاصَ مِمَّنْ نَتَفَ شَعْرًا من لِحْيَةٍ وَلَا رَأْسٍ وَلَا حَاجِبٍ وَإِنْ لم يَنْبُتْ وَإِنْ قَطَعَ من هذا شيئا بِجِلْدِهِ قِيلَ لِأَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقِصَاصِ إنْ كُنْتُمْ تَقْدِرُونَ على أَنْ تَقْطَعُوا له مثله بِجِلْدَتِهِ فَاقْطَعُوهُ وَإِلَّا فَلَا قِصَاصَ فيه وَفِيهِ الْأَرْشُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا شَجَّ رَجُلٌ رَجُلًا مُوضِحَةً وَهَاشِمَةً ( 3 ) أو مَأْمُومَةً فَسَأَلَ الْمَشْجُوجُ الْقِصَاصَ من الْمُوضِحَةِ وَأَرْشَ ما بين الْمُوضِحَةِ وَالْهَاشِمَةِ إنْ كان شَجَّهَا أو الْمُنَقِّلَةِ أو الْمَأْمُومَةِ إنْ كان شَجَّهَا فَذَلِكَ له لِأَنَّهُ شَجَّهُ مُوضِحَةً أو أَكْثَرَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا شَجَّ رَجُلٌ رَجُلًا ما دُونَ مُوضِحَةٍ فَلَا قِصَاصَ فيه من قِبَلِ أنها لَيْسَتْ بِمَحْدُودَةٍ لو أَخَذَ بها بِعُمْقِ شَجَّةِ الْمَشْجُوجِ ( 4 ) وَكَانَتْ تُوضِحُ من الشَّاجِّ لِاخْتِلَافِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَذَلِكَ كُلُّ عُضْوٍ يُؤْخَذُ بِطُولِ السَّيْرِ فيه وَلَا يَخْرُجُ إلَى غَيْرِهِ ( قال ) وَإِنْ كان الشَّاجُّ أَوْسَعَ ما بين قَرْنَيْنِ من الْمَشْجُوجِ وقد أَخَذَتْ الشَّجَّةُ قَرْنَيْ الْمَشْجُوجِ خُيِّرَ الْمَشْجُوجُ بين أَنْ يُوضَعَ له السِّكِّينُ من قِبَلِ أَيِّ قَرْنَيْهِ شَاءَ ثُمَّ يَشُقُّ له ما بين قَرْنَيْهِ حتى يَنْتَهِيَ إلَى قَدْرِ طُولِهَا ( 2 ) بَالِغًا ذلك ما بين قَرْنَيْهِ ما بَلَغَ نِصْفَهَا أو ثُلُثَهَا أو أَكْثَرَ أو أَقَلَّ لَا يُزَادُ على طُولِ شَجَّتِهِ

(6/51)


غِلَظِ اللَّحْمِ وَالْجِلْدِ أو رِقَّتِهِمَا من الشَّاجِّ وَالْمَشْجُوجِ مَرَّةً مِثْلُ نِصْفِ عُمْقِ الرَّأْسِ من الشَّاجِّ أَقَلُّ أو أَكْثَرُ وقد أَخَذْت من الْآخَرِ قَرِيبًا من مُوضِحَةٍ وَعَلَيْهِ في ذلك الْأَرْشُ وإذا أَصَابَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ بِجُرْحٍ دُونَ النَّفْسِ فيه قَوَدٌ أو قَطَعَ له طَرَفًا فَسَوَاءٌ بِأَيِّ شَيْءٍ أَصَابَهُ من حَدِيدَةٍ أو حَجَرٍ وَقَطَعَ بيده وَغَيْرِهِ وَلَوْ لَوَى أُذُنَهُ حتى يَقْطَعَهَا أو جَبَذَهَا بيده حتى يَقْطَعَهَا أو لَطَمَ عَيْنَهُ فَفَقَأَهَا أو وَخَزَهُ فيها بِعُودٍ فَفَقَأَهَا أو ضَرَبَهُ بِحَجَرٍ خَفِيفٍ أو عَصًا خَفِيفَةٍ فَأَوْضَحَهُ فَعَلَيْهِ في هذا كُلِّهِ الْقِصَاصُ وَلَا يُشْبِهُ هذا النَّفْسَ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا لو قَطَعَ يَدَهُ أو أُصْبُعًا فَشَانَ مَوْضِعُ الْقَطْعِ أو قَبُحَ بَعْدَ الْبُرْءِ أُقِيدَ منه ولم يَكُنْ له فِيمَا قَبُحَ شَيْءٌ وَهَكَذَا لو كان هذا في أُذُنٍ أو غَيْرِهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ ضَرَبَ رَجُلٌ رَجُلًا ضَرْبَةً وَاحِدَةً فَأَخَذَتْ فَتَرًا من رَأْسِهِ فَأَوْضَحَ طَرَفَاهَا ولم يُوضَحْ ما بَيْنَهُمَا وَلَكِنَّهُ شَقَّ اللَّحْمَ أو الْجِلْدَ أو أَوْضَحَ وَسَطَهَا ولم يُوضِحْ طَرَفَهَا أُقِيدَ مِمَّا أُوضِحَ بِقَدْرِهِ وَجُعِلَتْ له الْحُكُومَةُ فِيمَا لم يُوضَحْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * تَفْرِيعُ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ من الْأَطْرَافِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ الْقِصَاصُ وَجْهَانِ طَرَفٌ يُقْطَعُ وَجُرْحٌ يُبَطُّ وَلَا قِصَاصَ في طَرَفٍ من الْأَطْرَافِ ( 1 ) يُقْطَعُ من مَفْصِلٍ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ على الْقَطْعِ من غَيْرِ الْمَفَاصِلِ حتى يَكُونَ قَطَعَ كَقَطْعٍ بِلَا تَلَفٍ يُفْضِي بِهِ الْقَاطِعُ إلَى غَيْرِ مَوْضِعِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكُلُّ نَفْسٍ قَتَلْتهَا بِنَفْسٍ لو كانت قَاتِلَتُهَا أَقَصَصْتُ بَيْنَهُمَا ما دُونَ النَّفْسِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَقُصُّ لِلرَّجُلِ من الْمَرْأَةِ وَلِلْمَرْأَةِ من الرَّجُلِ بِلَا فَضْلِ مَالٍ بَيْنَهُمَا وَالْعَبِيدِ بَعْضِهِمْ من بَعْضٍ وَإِنْ تَفَاوَتَتْ أَثْمَانُهُمْ وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا أو حُرًّا أو كَافِرًا جَرَحَ مُسْلِمًا أَقَصَصْتُ الْمَجْرُوحَ منه إنْ شَاءَ لِأَنِّي أَقْتُلُهُ لو قَتَلَهُ وَلَوْ كان الْحُرُّ الْمُسْلِمُ قَتَلَ كَافِرًا أو جَرَحَهُ أو عَبْدًا أو جَرَحَهُ لم أَقُصُّهُ منه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْقِصَاصُ من الْأَطْرَافِ بِاسْمٍ لَا بِقِيَاسٍ من الْأَطْرَافِ فَتُقْطَعُ الْيَدُ بِالْيَدِ وَالرِّجْلُ بِالرِّجْلِ وَالْأُذُنُ بِالْأُذُنِ وَالْأَنْفُ بِالْأَنْفِ وَتُفْقَأُ الْعَيْنُ بِالْعَيْنِ وَتُقْلَعُ السِّنُّ بِالسِّنِّ لِأَنَّهَا أَطْرَافٌ وَسَوَاءٌ في ذلك كُلِّهِ كان الْقَاطِعُ أَفْضَلَ طَرَفًا من الْمَقْطُوعِ أو الْمَقْطُوعُ أَفْضَلَ طَرَفًا من الْقَاطِعِ لِأَنَّهَا إفَاتَةُ شَيْءٍ كَإِفَاتَةِ النَّفْسِ التي تُسَاوِي النَّفْسَ بِالْحَيَاةِ وَالِاسْمِ وَهَذِهِ تَسْتَوِي بِالْأَسْمَاءِ وَالْعَدَدِ لَا بِقِيَاسٍ بَيْنَهُمَا وَلَا بِفَضْلٍ لِبَعْضِهَا على بَعْضٍ وإذا قَطَعَ الرَّجُلُ أَنْفَ رَجُلٍ أو أُذُنَهُ أو قَلَعَ سِنَّهُ فَأَبَانَهُ ثُمَّ إنَّ الْمَقْطُوعَ ذلك منه أَلْصَقَهُ بِدَمِهِ أو خَاطَ الْأَنْفَ أو الْأُذُنَ أو رَبَطَ السِّنَّ بِذَهَبٍ أو غَيْرِهِ فَثَبَتَ وَسَأَلَ الْقَوَدَ فَلَهُ ذلك لِأَنَّهُ وَجَبَ له الْقِصَاصُ بِإِبَانَتِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ لم يُثْبِتْهُ الْمَجْنِيُّ عليه أو أَرَادَ إثْبَاتَهُ فلم يَثْبُتْ وَأَقُصُّ من الْجَانِي عليه فَأُثْبِتُهُ فَثَبَتَ لم يَكُنْ على الْجَانِي أَكْثَرُ من أَنْ يُبَانَ منه مَرَّةً وَإِنْ سَأَلَ الْمَجْنِيُّ عليه الْوَالِيَ أَنْ يَقْطَعَهُ من الْجَانِي ثَانِيَةً لم يَقْطَعْهُ الْوَالِي لِلْقَوَدِ لِأَنَّهُ قد أتى بِالْقَوَدِ مَرَّةً إلَّا أَنْ يَقْطَعَهُ لِأَنَّهُ أَلْصَقَ بِهِ مَيْتَةً + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ شَقَّ شيئا من هذا فَأَلْصَقَهُ بِدَمِهِ لم أَكْرَهْ ذلك له وَيُشَقُّ من الشَّاقِّ وَإِنْ قَدَرَ على أَنْ يَأْتِيَ بمثله وَيَقُولَ يُلْصِقُهُ فَإِنْ لَصِقَ من الشَّاجِّ ولم يَلْصَقْ من الْمَشْجُوجِ أو من الْمَشْجُوجِ ولم يَلْصَقْ من الشَّاجِّ فَلَا تَبَاعَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا على صَاحِبِهِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا لَطَمَ عَيْنَ رَجُلٍ فَذَهَبَ بَصَرُهَا لُطِمَتْ عَيْنُ الْجَانِي فَإِنْ ذَهَبَ بَصَرُهَا وَإِلَّا دُعِيَ له أَهْلُ الْعِلْمِ بِمَا يُذْهِبُ الْبَصَرَ فَعَالَجُوهُ بِأَخَفَّ ما عليه في ذَهَابِ الْبَصَرِ حتى يَذْهَبَ بَصَرُهُ ( قال ) وَلَوْ لَطَمَ رَجُلٌ عَيْنَ رَجُلٍ فَأَذْهَبَ بَصَرَهَا أو ابْيَضَّتْ أو ذَهَبَ بَصَرُهَا وَنَدَرَتْ حتى كانت أَخْرَجَ من عَيْنِهِ قِيلَ لِأَهْلِ الْعِلْمِ إنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تُذْهِبُوا بَصَرَ عَيْنِ الْجَانِي وَتَبْيَضَّ أو تُذْهِبُوا بَصَرَهَا وَتَصِيرَ خَارِجَةً كَعَيْنِ هذا فَافْعَلُوا وَإِلَّا فَابْلُغُوا ذَهَابَ الْبَصَرِ وما اسْتَطَعْتُمْ من هذا وَلَا يُجْعَلُ عليه لِلشَّيْنِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ قد اسْتَوْفَى بِذَهَابِ الْبَصَرِ كُلَّ ما في الْعَيْنِ مِمَّا يُسْتَطَاعُ

(6/52)


(1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان الْقَاطِعُ هو أَشَلَّ الْأُصْبُعَيْنِ وَالْمَقْطُوعُ تَامَّ الْيَدِ خُيِّرَ الْمُقْتَصُّ له بين أَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ بيده وَلَا شَيْءَ له غَيْرُ ذلك أو تُقْطَعَ له أَصَابِعُهُ الثَّلَاثُ وَيَأْخُذَ أَرْشَ أُصْبُعَيْنِ وَإِنَّمَا لم أَجْعَلْ له إذَا قَطَعَ كَفَّهُ غير ذلك لِأَنَّهُ قد كان بَقِيَ جَمَالُ الْأُصْبُعَيْنِ الشَّلَّاوَيْنِ وَسَدَّهُمَا مَوْضِعَهُمَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان الْقَاطِعُ مَقْطُوعَ الْأُصْبُعَيْنِ قَطَعْت كَفَّهُ وَأَخَذْت لِلْمَقْطُوعَةِ يَدُهُ أَرْشَ أُصْبُعَيْنِ تَامَّيْنِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَقْطَعَ أَصَابِعَ الْيَدِ إلَّا أصبعا وَاحِدَةً قَطَعَ أصبع رَجُلٍ أُقِيدَ منه وَلَوْ قَطَعَ كَفَّ رَجُلٍ كان له الْقَوَدُ في الْكَفِّ وَأَرْشُ أَرْبَعَةِ أَصَابِعَ وَلَوْ كان الْمَجْنِيُّ عليه أَقْطَعَ اصابع الْكَفِّ إلَّا أُصْبُعًا فَقَطَعَ يَدَهُ رَجُلٌ صَحِيحُ الْيَدِ فَسَأَلَ الْقَوَدَ أَقُصُّ منه من الْأُصْبُعِ وأعطى حُكُومَةً في الْكَفِّ وَلَوْ كان أَقْطَعَ أُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ فَقُطِعَتْ كَفُّهُ أَقُصُّ من أَرْبَعِ أَصَابِعَ وَأَخَذْتُ له حُكُومَةً في كَفِّهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا أَبْلُغُ بِحُكُومَةِ كَفِّهِ دِيَةَ أُصْبُعٍ لِأَنَّهَا تَبَعٌ في الْأَصَابِعِ كُلِّهَا وَكُلُّهَا مُسْتَوِيَةٌ فَلَا يَكُونُ أَرْشُهَا كَأَرْشِ وَاحِدَةٍ منها + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كانت لِرَجُلٍ خَمْسُ أَصَابِعَ في يَدِهِ فَقَطَعَ تِلْكَ الْيَدَ رَجُلٌ له سِتُّ أَصَابِعَ فَسَأَلَ الْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ الْقَوَدَ لم يَكُنْ ذلك له لِزِيَادَةِ أُصْبُعِ الْقَاطِعِ على أُصْبُعِ الْمَقْطُوعِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان الذي له سِتَّةُ أَصَابِعَ هو الْمَقْطُوعَ وَاَلَّذِي له الْخَمْسُ هو الْقَاطِعَ اقتص له منه وَأَخَذْتُ له في الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ حُكُومَةً لَا أَبْلُغُ بها دِيَةَ أُصْبُعٍ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ في الْخَلْقِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا له خَمْسُ أَصَابِعَ أَرْبَعَةٌ منها إبْهَامٌ وَمُسَبِّحَةٌ وَوُسْطَى وَاَلَّتِي تَلِيهَا وَكَانَتْ خِنْصَرُهُ عَدَمًا وَكَانَتْ له أُصْبُعٌ زَائِدَةٌ في غَيْرِ مَوْضِعِ الْخِنْصَرِ فَقَطَعَ رَجُلٌ تَامُّ الْيَدِ يَدَهُ فَسَأَلَ الْقَوَدَ لم يُقَدْ منه لِأَنَّ عَدَدَ أَصَابِعِهِمَا وَإِنْ كان وَاحِدًا فإن لِلْمَقْطُوعَةِ يَدُهُ أُصْبُعًا زَائِدَة وهو عَدِمَ أُصْبُعًا من نَفْسِ كَمَالِ الْخَلْقِ ( 1 ) هو الْقَاطِعُ وَسَأَلَ الْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ الْقَوَدَ كان له الْقَوَدُ لِأَنَّ الذي يُؤْخَذُ له أَقَلُّ من الذي أُخِذَ منه وَإِنْ سَأَلَ الْأَرْشَ مع الْقَوَدِ لم يَكُنْ له لِأَنَّهُ قد أُخِذَ له عَدَدٌ وَإِنْ كان فيه أَقَلَّ مِمَّا أُخِذَ منه وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مَقْطُوعَ أُنْمُلَةِ أُصْبُعٍ وَأَنَامِلَ أَصَابِعَ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ تَامِّ الْأَصَابِعِ فَسَأَلَ الْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ الْقَوَدَ مع الْأَرْشِ أو الْأَرْشَ كان ذلك له وَنَقْصُ الْأُنْمُلَةِ وَالْأَنَامِلِ كَنَقْصِ الْأُصْبُعِ وَالْأَصَابِعِ وَإِنْ كان الْمَقْطُوعُ الْأُنْمُلَةِ وَالْأَنَامِلِ هو الْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ وَسَأَلَ الْقَوَدَ لم يَكُنْ ذلك له لِنَقْصِ أَصَابِعِهِ عن أَصَابِعِ الْقَاطِعِ وَلَوْ لم يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَقْطُوعَ أُنْمُلَةٍ وَلَا الْأَنَامِلِ وَلَكِنْ كان أَسْوَدَ أَظْفَارِ الْأَصَابِعِ وَمُسْتَحْشِفَهَا أو كان بيده قُرْح جُذَامٍ أو قُرْحُ أَكَلَةٍ أو غَيْرِهِ إلَّا أَنَّهُ لم يَذْهَبْ من الْأَطْرَافِ شَيْءٌ ولم يَشْلُلْ كان بَيْنَهُمَا الْقِصَاصُ في كل شَيْءٍ ما لم يَكُنْ الطَّرَفُ مَقْطُوعًا أو أَشَلَّ مَيِّتًا فَأَمَّا الْعَيْبُ سِوَاهُ إذَا كانت الْأَطْرَافُ حَيَّةً غير مَقْطُوعَةٍ فَلَا يَمْنَعُ الْقِصَاصَ وَلَا يَنْقُصُ الْعَقْلُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَكَذَا الْفَتْحُ في الْأَصَابِعِ وَضَعْفُ خِلْقَتِهَا أو أُصُولِهَا وَتَكَرُّشُهَا وَقِصَرُهَا وَطُولُهَا وَاضْطِرَابُهَا وَكُلُّ عَيْبٍ منها مِمَّا ليس بِمَوْتٍ بها وَلَا قَطْعٍ فَلَا فَضْلَ في بَعْضِهَا على بَعْضٍ في الدِّيَةِ وَالْقَوَدِ إذَا كانت نِسْبَتُهَا كَنِسْبَةِ أَيْدِي الناس فإذا ضَرَبَ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ يَدَ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ فَقَطَعَهَا من الْكُوعِ فَطَلَبَ الْمَضْرُوبَةُ يَدُهُ الْقِصَاصَ أَحْبَبْت أَنْ لَا أَقُصَّ منه
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْوَجْهُ الثَّانِي من الْقِصَاصِ الْجِرَاحُ بِالشَّقِّ فإذا كان الشَّقَّ فَهُوَ كَالْجِرَاحِ يُؤْخَذُ بِالطُّولِ لَا باستيظاف طَرَفٍ فَإِنْ قَطَعَ رَجُلٌ من رَجُلٍ طَرَفًا فيه شَيْءٌ مَيِّتٌ بِشَلَلٍ أو غَيْرِهِ أو شَيْءٌ مَقْطُوعٌ كَأَنْ قَطَعَ يَدَهُ وَفِيهَا أُصْبُعَانِ شلاوان لم تُقْطَعْ يَدُ الْجَانِي بها وَفِيهَا أُصْبُعَانِ شَلَّاوَانِ وَلَوْ رضي ذلك الْقَاطِعُ وَإِنْ سَأَلَ الْمُقْتَصُّ له أَنْ يُقْطَعَ له أَصَابِعُ الْقَاطِعِ الثَّلَاثُ وَيُؤْخَذَ له حُكُومَةُ الْكَفِّ وَالْأُصْبُعَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ كان ذلك له

(6/53)


حتى تَبْرَأَ جراحه لِأَنَّهَا لَعَلَّهَا أَنْ تَكُونَ نَفْسًا فَإِنْ سَأَلَ ذلك قبل الْبُرْءِ أَعْطَيْتُهُ ذلك ولم أَقُصَّ منه بِضَرْبَةٍ وَدَعَوْت له من يَحْذِقُ الْقَطْعَ فَأَمَرْته أَنْ يَقْطَعَهَا له بِأَيْسَرَ ما يَكُونُ بِهِ الْقَطْعُ ثُمَّ تُحْسَمُ يَدُ الْمَقْطُوعِ إنْ شَاءَ وَهَكَذَا إنْ قَطَعَهَا من الْمَرْفِقِ أو الْمَنْكِبِ لَا يَخْتَلِفُ وَهَكَذَا إنْ قَطَعَ له أُصْبُعًا أو أُنْمُلَةَ أُصْبُعٍ لَا يَخْتَلِفُ ذلك (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ شَقَّ الْكَفَّ حتى يَنْتَهِيَ إلَى الْمَفْصِلِ فَسَأَلَ الْقِصَاصَ سَأَلْنَا أَهْلَ الْعِلْمِ فَإِنْ قالوا نَقْدِرُ على شَقِّهَا كَذَلِكَ أَقَصَصْنَاهُ وَجَعَلْنَا ذلك كَشَقٍّ في رَأْسِهِ وَغَيْرِهِ وَكَذَلِكَ إنْ شَقَّهَا حتى الْمَفْصِلَ ثُمَّ قَطَعَهَا من الْمَفْصِلِ فَبَقِيَ بَعْضُهَا وَقُطِعَ بَعْضُهَا شَقَّ قَوَدًا إنْ قَدَرَ وَقَطَعَ من حَيْثُ قُطِعَ وَإِنْ قَطَعَ له أُصْبُعًا فَائْتَكَلَتْ الْكَفُّ حتى سَقَطَتْ كُلُّهَا فَسَأَلَ الْقِصَاصَ قِيلَ إنَّ الْقِصَاصَ ان يُقْطَعَ من حَيْثُ قَطَعَ أو أَقَلُّ منه فَأَمَّا أَكْثَرُ فَلَا فَإِنْ شِئْت أَقَدْنَاكَ من الْأُصْبُعِ وَأَعْطَيْنَاكَ أَرْشَ الْكَفِّ يُرْفَعُ منها عَشْرٌ من الْإِبِلِ وَهِيَ حِصَّةُ الْأُصْبُعِ وَإِلَّا فَلَكَ دِيَةُ الْكَفِّ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ قَطَعَ له أُصْبُعًا كما وَصَفْت فَسَأَلَ الْقَوَدَ منها وقد ذَهَبَتْ كَفُّهُ أو لم تَذْهَبْ وَسَأَلَ الْقَوَدَ من سَاعَتِهِ أَقَدْته فَإِنْ ذَهَبَتْ كَفُّ الْمَجْنِيِّ عليه جَعَلْت على الْجَانِي أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ دِيَتِهَا لِأَنِّي رَفَعْت الْخُمُسَ لِلْأُصْبُعِ التي أَقَصَصْتهَا بها فَإِنْ ذَهَبَتْ كَفُّ الْمُسْتَقَادِ منه وَنَفْسُهُ لم أَرْفَعْ عنه من أَرْشِ الْمَجْنِيِّ عليه شيئا لِأَنَّ الْجَانِيَ ضَامِنٌ ما جَنَى وَحَدَثَ منه وَالْمُسْتَقَادَ منه غَيْرُ مَضْمُونٍ له ما حَدَثَ من الْقَوَدِ لِأَنَّهُ تَلَفٌ بِسَبَبِ الْحَقِّ في الْقِصَاصِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ قَطَعَ رَجُلٌ نِصْفَ كَفِّ رَجُلٍ من الْمَفْصِلِ فَائْتَكَلَتْ حتى سَقَطَتْ الْكَفُّ كُلُّهَا فَسَأَلَ الْقَوَدَ قِيلَ لِأَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقَوَدِ هل تَقْدِرُونَ على قَطْعِ نِصْفِ كَفٍّ من مَفْصِلِ كَفِّهِ لَا تَزِيدُونَ عليه فَإِنْ قالوا نعم قُلْنَا اقْطَعُوهَا من الشَّقِّ الذي قَطَعَهَا منه ثُمَّ دَعُوهَا وَأَخَذْنَا لِلْمَجْنِيِّ عليه خَمْسَةً وَعِشْرِينَ بَعِيرًا نِصْفَ أَرْشِ الْكَفِّ مع قَطْعِ نِصْفِهَا وَهَكَذَا إنْ قَطَعَهَا حتى تَبْقَى مُعَلَّقَةً بِجَلْدَةٍ أُقِيدَ منه وَتُرِكَتْ له مُعَلَّقَةً بِجَلْدَةٍ فَإِنْ قال الْمُسْتَقَادُ منه اقْطَعُوهَا لم يُمْنَعْ الْمُتَطَبِّبُ قَطْعَهَا على النَّظَرِ له وإذا قَطَعَ رَجُلٌ يَدَ رَجُلٍ فَأَقَدْنَاهُ منه ثُمَّ مَاتَ الْمُسْتَقِيدُ منه قبل أَنْ يَبْرَأَ من ذلك الْجُرْحِ وَشَهِدَ أَنَّهُ مَاتَ من تِلْكَ الْجِرَاحِ وَسَأَلَ وَرَثَتُهُ الْقَوَدَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا أُقِيدُ يُمْنَى من يُسْرَى وَلَا خِنْصَرًا من غَيْرِ خِنْصَرِ يَدِهَا أو رِجْلِهَا وَهَكَذَا في هذا أَنْ يَقْطَعَ رِجْلَهُ من مَفْصِلِ الْكَعْبِ أو مَفْصِلِ الرُّكْبَةِ فَإِنْ قَطَعَهَا من مَفْصِلِ الْوَرِكِ سَأَلْت أَهْلَ الْعِلْمِ بِالْقَطْعِ هل يَقْدِرُونَ على أَنْ يَأْتُوا بِقَطْعِهَا من مَفْصِلِ الْوَرِكِ بِلَا أَنْ يَكُونَ جَائِفَةً فَإِنْ قالوا نعم أَقَصَصْت منه وَهَكَذَا إنْ نَزَعَ يَدَهُ بِكَتِفِهِ أَقَدْته منه إنْ قَدَرُوا على نَزْعِ الْكَتِفِ بِلَا أَنْ يَحِيفَهُ فَإِنْ قَطَعَ يَدَهُ من فَوْقِ الْمَفْصِلِ أو رِجْلَهُ أو أُصْبُعًا من أَصَابِعِهِ فَسَأَلَ الْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ الْقَوَدَ قِيلَ له إنْ سَأَلْت من الْمَوْضِعِ الذي قَطَعَكَ منه فَلَا قَوَدَ لِأَنَّهُ ليس من مَفْصِلٍ وَذَلِكَ أَنَّ ذلك لَا يُقْطَعُ إلَّا بِضَرْبَةٍ جَامِعَةٍ يَرْفَعُ بها الضَّارِبُ يَدَهُ وإذا فَعَلَ ذلك لم يَكُنْ على إحَاطَةٍ من أَنْ يَقَعَ مَوْقِعَ ضَرْبَتِهِ لك وَلَوْ قُلْت يَنْخَفِضُ حتى يَرْجِعَ إلى في أَقَلَّ من حَقِّي قِيلَ قد لَا تَقْطَعُ الضَّرْبَةُ في مَرَّةٍ وَلَا مِرَارٍ لِأَنَّ الْعَظْمَ يَنْكَسِرُ فَيَصِيرُ إلَى أَكْثَرَ مِمَّا نَالَكَ بِهِ أو يُحَزَّ وَالْحَزُّ إنَّمَا يَكُونُ في جِلْدٍ وَلَحْمٍ وَلَوْ حَزَّ في الْعَظْمِ كان عَذَابًا غير مُقَارِبٍ لِمَا أَصَابَكَ بِهِ وَزِيَادَةَ انْكِسَارِ الْعَظْمِ كما وَصَفْت وَيُقَالُ له إنْ سَأَلْت أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ لك من الْمَفْصِلِ أو رِجْلُهُ وَتُعْطَى حُكُومَةً بِقَدْرِ ما زَادَ على الْيَدِ وَالرِّجْلِ فَعَلْنَا فَإِنْ قِيلَ فَأَنْتَ تَضَعُ له السِّكِّينَ في غَيْرِ مَوْضِعِهِ الذي وَضَعَهَا بِهِ قُلْت نعم هِيَ ايسر على الْمُقْتَصِّ منه من الْمَوْضِعِ الذي وَضَعَهَا بِهِ من الْمُقْتَصِّ له وفي غَيْرِ مَوْضِعِ تَلَفٍ ولم أُتْلِفْ بها إلَّا ما أَتْلَفَ الْجَانِي عليه بمثله وَأَكْثَرَ منه وَهَكَذَا في الرِّجْلِ وَالْأُصْبُعِ إذَا قَطَعَهَا من فَوْقِ الْأُنْمُلَةِ فَإِنْ قَطَعَ أُصْبُعًا من دُونِ الْأُنْمُلَةِ فَلَا قَوَدَ بِحَالٍ وَفِيهَا حِسَابُ ما ذَهَبَ من الْأُنْمُلَةِ وَإِنْ قَطَعَ يَدًا من نِصْفِ الْكَفِّ أو رِجْلًا كَذَلِكَ فَقَطَعَ مَعَهَا الْأَصَابِعَ فَإِنْ سَأَلَ الْقِصَاصَ من الْأَصَابِعِ أَقَصَصْت بِهِ وَإِنْ سَأَلَهَا من الْعَظْمِ الذي أَصَابَ فَوْقَ الْأَصَابِعِ لم أُعْطِهِ كما وَصَفْت قبل هذا

(6/54)


أَقَدْنَاهُ بِالنَّفْسِ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ قَاطِعٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَمَاتَ مَكَانَهُ أو ذَبَحَهُ خَلَّيْنَا بين الْوَرَثَةِ وَبَيْنَ أَنْ يَأْتُوا بِمَنْ يَقْطَعُ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَخَلَّيْنَاهُمْ وَذَبْحَهُ لِأَنَّ الذَّبْحَ إتْلَافُ وحي ( ( ( حي ) ) ) ( قال ) وَإِنْ قَطَعَ رَجُلٌ ذَكَرَ رَجُلٍ من أَصْلِهِ فَسَأَلَ الْقَوَدَ قُطِعَ له ذَكَرُهُ من أَصْلِهِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَأُقِيدُ من ذَكَرِ الذي يَنْتَشِرُ بِذَكَرِ الذي لَا يَنْتَشِرُ ما لم يَكُنْ بِذَكَرِ الْمَقْطُوعِ ذَكَرُهُ نَقْصٌ من شَلَلٍ يُوبِسُهُ وَلَا يَكُونُ يَنْقَبِضُ وَلَا يَنْبَسِطُ أو يَكُونُ الذَّكَرُ مَكْسُورًا إنْ كان كَسْرُ الذَّكَرِ يَمْنَعُهُ من الِانْتِشَارِ فإذا كان ذلك لم يُقَدْ بِهِ ذَكَرٌ صَحِيحٌ وإذا قَطَعَ الرَّجُلُ أَنْفَ الرَّجُلِ من الْمَارِنِ قُطِعَ أَنْفُهُ من الْمَارِنِ وَسَوَاءٌ كان أَنْفُ الْقَاطِعِ أَكْبَرَ أو أَصْغَرَ من أَنْفِ الْمَقْطُوعِ لِأَنَّهُ طَرَفٌ وَإِنْ قَطَعَهُ من دُونِ الْمَارِنِ قُدِّرَ ما ذَهَبَ من أَنْفِ الْمَقْطُوعِ ثُمَّ أُخِذَ له من أَنْفِ الْقَاطِعِ بِقَدْرِهِ من الْكُلِّ إنْ كان قَدْرَ مَارِنِ الْمَقْطُوعِ قُطِعَ قَدْرُ نِصْفِ مَارِنِهِ وَلَا يُقَدَّرُ بِالشِّبْرِ كما وَصَفْت في الْأَطْرَافِ الذَّكَرُ وَغَيْرُهُ وَإِنْ قَطَعَ من أَحَدِ شِقَّيْ الْأَنْفِ قُطِعَ من إحْدَى شِقَّيْهِ كما وَصَفْت وَإِنْ قَطَعَ رَجُلٌ أَنْفَ رَجُلٍ من الْعَظْمِ فَلَا قَوَدَ في الْعَظْمِ وَإِنْ أَرَادَ قَطَعْنَا له الْمَارِنَ وَأَعْطَيْنَاهُ زِيَادَةَ حُكُومَةٍ فِيمَا قَطَعَ من الْعَظْمِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيُقْطَعُ أَنْفُ الصَّحِيحِ بِأَنْفِ الْأَجْذَمِ وَإِنْ ظَهَرَ بِأَنْفِهِ قُرْحُ الْجُذَامِ ما لم يَسْقُطْ أَنْفُهُ أو شَيْءٌ منه وَكَذَلِكَ يَدُهُ بيده وَإِنْ ظَهَرَ فيها قُرْح الْجُذَامِ ما لم تَسْقُطْ أَصَابِعُهَا أو بَعْضُهَا وَتُقْطَعُ الْأُذُنُ بِالْأُذُنِ وَأُذُنُ الصَّحِيحِ بِأُذُنِ الْأَصَمِّ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا على الْآخَرِ لِأَنَّهُمَا طَرَفَانِ ليس فِيهِمَا سَمْعٌ وَإِنْ قَطَعَ بَعْضَ الْأُذُنِ قُطِعَتْ منه بَعْضُ أُذُنِهِ كما وَصَفْت إنْ قَطَعَ نِصْفًا أو ثُلُثًا قَطَعَ منه نِصْفًا أو ثُلُثًا وَسَوَاءٌ كانت أُذُنُهُ أَكْبَرَ أو أَصْغَرَ من أُذُنِ الْمَقْطُوعَةِ أُذُنُهُ لِأَنَّهَا طَرَفٌ وَتُقْطَعُ الْأُذُنُ الصَّحِيحَةُ التي لَا ثُقْبَ فيها بِالْأُذُنِ الْمَثْقُوبَةِ ثَقْبًا لِقُرْطٍ وَشَنْفٍ وَخُرْبَةٍ ما لم تَكُنْ الْخُرْبَةُ قد خَرَمَتْهَا فَإِنْ كانت الْخُرْبَةُ قد خَرَمَتْهَا لم تُقْطَعْ بها الْأُذُنُ وَقِيلَ لِلْأَخْرَمِ إنْ شِئْتَ قَطَعْنَا لك أُذُنَهُ إلَى مَوْضِعِ خُرْبَتِكَ من قَدْرِ أُذُنِهِ وَأَعْطَيْنَاكَ فِيمَا بَقِيَ الْعَقْلَ وَإِنْ شِئْت فَلَكَ الْعَقْلُ وَإِنْ كان إنَّمَا قَطَعَهَا وَهِيَ مُخَرَّمَةٌ لِأَنَّ ذلك زَيْنٌ عِنْدَهُمْ كَالثَّقْبِ لَا عَيْبَ فيه وَلَا جِنَايَةَ وإذا قَلَعَ رَجُلٌ سِنَّ رَجُلٍ قد ثُغِرَ قُلِعَتْ سِنُّهُ فَإِنْ كان الْمَقْلُوعَةُ سِنُّهُ لم يُثْغَرْ فَلَا قَوَدَ حتى يُثْغَرَ فيتتام طَرْحُ أَسْنَانِهِ وَنَبَاتُهَا فإذا تَتَامَّ ولم تَنْبُتْ سِنُّهُ سُئِلَ أَهْلُ الْعِلْمِ عن الْأَجَلِ الذي إذَا بَلَغَهُ ولم تَنْبُتْ سِنُّهُ لم تَنْبُتْ ( 2 ) فَبَلَغَهُ فإذا بَلَغْنَاهُ ولم تَنْبُتْ أَقَدْنَاهُ منه فإذا بَلَغْنَاهُ وقد نَبَتَ بَعْضُهَا أو لم يَنْبُتْ فَلَا قَوَدَ وَلَهُ من الْعَقْلِ بِقَدْرِ ما قَصُرَ نَبَاتُهَا يُقَدَّرُ إنْ كانت ثَنِيَّةً بِالثَّنِيَّةِ التي تَلِيهَا فَإِنْ كانت بَلَغَتْ نِصْفَهَا أُخِذَ له بَعِيرَانِ وَنِصْفٌ وَإِنْ بَلَغَتْ ثُلُثَهَا أُخِذَ له ثُلُثُ عَقْلِ سِنٍّ وَإِنْ قَلَعَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ سِنًّا زَائِدَةً أو قَطَعَ له أُصْبُعًا زَائِدَةً أو كانت له زَنَمَةٌ تَحْتَ أُذُنِهِ زَائِدَةٌ فَقَطَعَهَا رَجُلٌ فَسَأَلَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيُقَادُ من ذَكَرِ الرَّجُلِ إذَا قَطَعَ ذَكَرَ الصَّبِيِّ أو الشَّيْخِ الْكَبِيرِ أو الذي لَا يَأْتِي النِّسَاءَ أو ذَكَرَ الْخَصِيِّ وَيُقْطَعُ أُنْثَى الْفَحْلِ إذَا قَطَعَ أُنْثَى الْخَصِيِّ الذي لَا عَسِيبَ له لِأَنَّ كُلَّ ذلك طَرَفٌ لِصَاحِبِهِ كَامِلٌ وَيُقْطَعُ ذَكَرُ الْأَغْلَفِ بِذَكَرِ الْمُخْتَتَنِ وَذَكَرُ الْمُخْتَتَنِ بِذَكَرِ الْأَغْلَفِ فَإِنْ قَطَعَ رَجُلٌ إحْدَى أُنْثَيَيْهِ وَبَقِيَتْ الْأُخْرَى وَسَأَلَ الْقَوَدَ سَأَلْنَا أَهْلَ الْعِلْمِ فَإِنْ قَدَرُوا على قَطْعِهَا بِلَا ذَهَابِ الْأُخْرَى أُقِيدَ منه فإن قَطَعَهَا بِجِلْدِهَا قُطِعَتْ بِجِلْدِهَا وَإِنَّ سَلَّهَا سُلَّتْ منه وَإِنْ قَطَعَ رَجُلٌ نِصْفَ ذَكَرِ رَجُلٍ وَلِذَلِكَ ( 1 ) فَشُبِرَ ذَكَرُ الْقَاطِعِ فَوُجِدَ أَقَلَّ شِبْرًا من نِصْفِ ذَكَرِ الْمَقْطُوعِ أو ضِعْفَ ذَكَرِ الْمَقْطُوعِ فَسَوَاءٌ وَأَقْطَعُ له نِصْفَ ذَكَرِهِ كان أَقَلَّ شِبْرًا من نِصْفِ ذَكَرِهِ أو أَكْثَرَ إنْ كان يُسْتَطَاعُ قَطْعُهُ بِلَا تَلَفٍ وَلَا شَيْءَ له غَيْرُ ذلك وَهَذَا طَرَفٌ ليس هذا كَشَقِّ الْجِرَاحِ التي تُؤْخَذُ بِشِبْرٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهَا لَا تَقْطَعُ طَرَفًا وَإِنْ قَطَعَ رَجُلٌ أَحَدَ شِقَّيْ ذَكَرِ رَجُلٍ قُطِعَ منه مِثْلُ ذلك إنْ قُدِرَ عليه

(6/55)


الْقَوَدَ فَلَا قَوَدَ وَفِيهَا حُكُومَةٌ وَإِنْ كان لِلْقَاطِعِ في مَوْضِعٍ من هذا مِثْلُهُ فَفِيهِ الْقَوَدُ سِنًّا كان أو غير سِنٍّ أو اصبع أو زَنَمَةٍ وَهَكَذَا لو خُلِقَتْ له أُصْبُعٌ لها طَرَفَانِ فَقُطِعَ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ فَلَا قَوَدَ وَفِيهَا حُكُومَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ له أُصْبُعٌ مِثْلُهَا فَيُقَادَ منه وَإِنْ قَطَعَ رَجُلٌ أُصْبُعَ رَجُلٍ وَلَهَا طَرَفَانِ أو أُنْمُلَةٌ وَلَهَا طَرَفَانِ ولم يُخْلَقْ لِلْقَاطِعِ تِلْكَ الْخِلْقَةَ فَسَأَلَ الْمَقْطُوعُ الْقَوَدَ فَهُوَ له وَزِيَادَةُ حُكُومَةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ طَرَفَاهَا أَشَلَّاهَا فَأَذْهَبَا مَنْفَعَتَهَا فَلَا قَوَدَ وَإِنْ كان لِلْقَاطِعِ مِثْلُهَا وَلَيْسَتْ شَلَّاءَ أُقِيدَ وَلَا حُكُومَةَ وَلَوْ كانت لِأُصْبُعِ الْقَاطِعِ طَرَفَانِ وَلَيْسَ ذلك لِأُصْبُعِ الْمَقْطُوعِ فَلَا قَوَدَ لِأَنَّ أُصْبُعَ الْقَاطِعِ كانت أَكْبَرَ من أُصْبُعِ الْمَقْطُوعِ - * أَمْرُ الْحَاكِمِ بِالْقَوَدِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيُؤْمَرُ بِالْمُقْتَصِّ منه فَيُضْبَطُ لِئَلَّا يَضْطَرِبَ فَتَذْهَبَ الْحَدِيدَةُ حَيْثُ لَا يُرِيدُ الْمُقْتَصُّ فَإِنْ أَغْفَلَ ضَبْطَهُ أو ضَبَطَهُ من لَا يَقْوَى منه على الِاضْطِرَابِ في يَدَيْهِ فَاضْطَرَبَ وَالْحَدِيدَةُ مَوْضُوعَةٌ في رَأْسِهِ في مَوْضِعِ الْقَوَدِ فَذَهَبَتْ الْحَدِيدَةُ مَوْضِعًا آخَرَ فَهُوَ هَدَرٌ لِأَنَّ الْمُقْتَصَّ له لم يَتَعَدَّ مَوْضِعَ الْقِصَاصِ وَإِنَّ ذَهَابَهَا في غَيْرِ مَوْضِعِهِ بِفِعْلِ الْمُقْتَصِّ منه بِنَفْسِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيُعَادُ لِلْمُقْتَصِّ فَيَشُقُّ في مَوْضِعِ الْقَوَدِ أو يُقْطَعَ في مَوْضِعِهِ إنْ كان الْقَوَدُ قَطْعًا حتى يَأْتِيَ على مَوْضِعِ الْقِصَاصِ فإذا كان الْقِصَاصُ جِرَاحًا أُقِصَّ منه في مَجْلِسٍ وَاحِدٍ جُرْحٌ بَعْدَ جُرْحٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان جَرَحَهَا هو مُتَفَرِّقَةً أو جَرَحَهَا من نَفَرٍ بِأَعْيَانِهِمْ وَكَذَلِكَ لو كان الْقِصَاصُ قَطْعًا أو جِرَاحًا وَقَطْعًا ليس فيه نَفْسٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ في الْقِصَاصِ منه شَيْءٌ إذَا نِيلَ منه كَثِيرٌ خِيفَ عليه التَّلَفُ فَيُؤْخَذُ منه ما لَا يُخَافُ عليه وَيُحْبَسُ حتى يَبْرَأَ ثُمَّ يُؤْخَذُ منه الْبَاقِي فَإِنْ مَاتَ قبل أَنْ يُؤْخَذَ فَعَقْلُ الْبَاقِي في مَالِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ أَصَابَ جِرَاحًا وَنَفْسًا من رَجُلٍ أُقِيدَ منه في الْجِرَاحِ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ في مَقَامٍ ما كانت وَإِنْ كانت مِمَّا يُتَخَوَّفُ بِهِ التَّلَفُ أُخِذَتْ ثُمَّ أُقِيدَ فَإِنْ مَاتَ قبل الْقَوَدِ فَقَدْ أتى على نَفْسِهِ وَلَا حَقَّ لِوَرَثَةِ الْمُسْتَقَادِ له في مَالِهِ لِأَنَّهُ أتى على نَفْسِهِ وَلَوْ كانت الْجِرَاحُ لِرَجُلٍ وَالنَّفْسُ لِآخَرَ بُدِئَ بِالْجِرَاحِ فَأُقِصَّ منها كما وَصَفْت من الْجِرَاحِ إذَا كانت لَا نَفْسَ مَعَهَا يُؤْخَذُ في مَقَامٍ وَاحِدٍ ما ليس فيه تَلَفٌ حَاضِرٌ وَيُحْبَسُ حتى يَبْرَأَ ثُمَّ يُؤْخَذُ الْبَاقِي إذَا كان الْبَاقِي ليس فيه تَلَفٌ فَإِنْ مَاتَ فَقَدْ قِيلَ يَضْمَنُ أَرْشَ ما بَقِيَ من الْجِرَاحِ وَالنَّفْسِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ لم يَكُنْ في الْجِرَاحِ تَلَفٌ أُخِذَتْ كُلُّهَا ثُمَّ دُفِعَ إلَى أَوْلِيَاءِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَعْرِفَ مَوْضِعَ رَجُلٍ مَأْمُونٍ على الْقَوَدِ وإذا أَمَرَهُ بِهِ أَحْضَرَ عَدْلَيْنِ عَاقِلَيْنِ فَأَمَرَهُمَا أَنْ يَتَعَاهَدَا حَدِيدَهُ وَلَا يَسْتَقِيدُ إلَّا وَحَدِيدُهُ حَدِيدٌ مسقي لِئَلَّا يُعَذَّبَ الْمُسْتَقَادُ منه وَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَأْمُرَ الْمُسْتَقِيدَ أَنْ يَخْتِمَ على حَدِيدِهِ لِئَلَّا يَحْتَالَ فَيُسَمَّ فَيَقْتُلَ الْمُسْتَقَادَ منه أو يُزْمِنَهُ وَكَذَلِكَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِحَدِيدِهِ عِلَّةٌ من ثَلَم وَلَا وَهَنٍ فَيُبْطِئُ في رَأْسٍ وَلَا وَجْهٍ حتى يَكُونَ عليه عَذَابًا وَيَنْبَغِي له أَنْ يَأْمُرَ الْعَدْلَيْنِ إذَا أَقَادَ تَحْتَ شَعْرٍ في وَجْهٍ أو رَأْسٍ أَنْ يَأْمُرَ بِحِلَاقِ الرَّأْسِ أو مَوْضِعِ الْقَوَدِ منه ثُمَّ يَأْخُذُ قِيَاسَ شَجَّةَ الْمُسْتَقَادِ له وَيُقَدِّرُ رَأْسَهُ ثُمَّ يَضَعُ مِقْيَاسَهَا في مَوْضِعِهِ من رَأْسِ الشَّاجِّ ثُمَّ يُعَلِّمُهُ بِسَوَادٍ أو غَيْرِهِ ثُمَّ يَأْخُذُ الْمُسْتَقِيدُ بِشِقِّ ما شَرَطَ في الْعَلَامَتَيْنِ حتى يَسْتَوْظِفَ الشَّجَّةَ وَيَأْخُذَانِهِ بِذَلِكَ في عَرْضِهَا وَعُمْقِهَا وَيَنْظُرَ فَإِنْ كان شَقًّا وَاحِدًا أَيْسَرَ عليه فَعَلَ وَإِنْ كان شَقُّهُ شيئا بَعْدَ شَيْءٍ أَيْسَرَ عليه فَعَلَ وَإِنْ قِيلَ شَقُّهُ وَاحِدَةً أَيْسَرَ عليه أَجْرَى يَدَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً فإذا خِيفَتْ زِيَادَتُهُ أَمَرَ أَنْ يُحَرِّفَهَا من الطَّرَفِ الذي يَأْخُذُ منه إلَى مَوْضِعٍ لَا يُخَافُ فَعَلَهُ فإذا قَارَبَ مُنْتَهَاهَا أَبْطَأَ بيده لِئَلَّا يَزِيدَ شيئا فَإِنْ أَقَادَ وَعَلَى الْمُسْتَقَادِ منه شَعْرٌ فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا شَيْءَ عليه وَإِنَّمَا أَعْنِي بِذَلِكَ شَعْرَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ فَأَمَّا إنْ كان الْقَوَدُ في جَسَدٍ وكان شَعْرُ الْجَسَدِ خَفِيفًا لَا يَحُولُ دُونَ النَّظَرِ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَحْلِقَهُ وَإِنْ لم يَفْعَلْ فَلَا بَأْسَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ كان كَثِيرًا حَلَقَهُ

(6/56)


الْمَقْتُولِ فَقَتَلُوهُ إنْ شاؤوا ( قال ) وَلَوْ دُفِعَ ألى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ فَقَتَلُوهُ ضَمِنَ الْجِرَاحَ في مَالِهِ وَلَا يُبْطِلُ عنه الْقَتْلُ جِرَاحَ من يُقْتَلُ له (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ قَتَلَهُ الْإِمَامُ لِوَلِيِّ الدَّمِ أو رِدَّةٍ فَقَدْ أَسَاءَ وَتَبْطُلُ عنه الْحُدُودُ التي لِلَّهِ عز وجل لِأَنَّهُ مَيِّتٌ وَلَا مَالَ فيها + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنَّمَا حَدَدْتُهُ بِالْحُدُودِ كُلِّهَا لِأَنَّهُ ليس منها وَاحِدٌ إلَّا وَاجِبٌ عليه مَأْمُورٌ بِأَخْذِهِ فَلَا يَجُوزُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ أُعَطِّلَ مَأْمُورًا بِهِ لِمَأْمُورٍ بِهِ أَعْظَمَ وَلَا أَصْغَرَ منه وأنا أَجِدُ السَّبِيلَ إلَى أَخْذِهِ كما تَكُونُ عليه الْحُقُوقُ للادميين فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ تُؤْخَذَ منه كُلُّهَا إذَا قَدَرَ على أَخْذِهَا وإذا كان الْمُسْتَقَادُ منه مَرِيضًا وَلَا نَفْسَ عليه لم يُقْتَصَّ منه فِيمَا دُونَ النَّفْسِ حتى يَبْرَأَ فإذا برأ اُقْتُصَّ منه وَكَذَلِكَ كُلُّ حَدٍّ وَجَبَ عليه لِلَّهِ عز وجل أو أَوْجَبَهُ اللَّهُ للادميين فَإِنْ كانت على الْمَرِيضِ نَفْسٌ قُتِلَ مَرِيضًا أو صَحِيحًا وَإِنْ كان جُرْحٌ فَمَاتَ الْمَجْرُوحُ من الْجُرْحِ أُقِيدَ منه من الْجُرْحِ وَالنَّفْسِ مَعًا في مَقَامٍ وَاحِدٍ لِأَنِّي إنَّمَا أُؤَخِّرُهُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ لِئَلَّا يَتْلَفَ بِالْقَوَدِ مع الْمَرَضِ وإذا كُنْت أَقِيدُ بِالْقَتْلِ لم أُؤَخِّرْهُ بِالْمَرَضِ وَهَكَذَا إذَا كان الْقَوَدُ في بِلَادٍ بَارِدَةٍ وَسَاعَةٍ بَارِدَةٍ أو بِلَادٍ حَارَّةٍ وَسَاعَةٍ حَارَّةٍ فإذا كان ما دُونَ النَّفْسِ أُخِّرَ حتى يَذْهَبَ حَدُّ الْبَرْدِ وَحَدُّ الْحَرِّ وَيُقْتَصُّ منه في الْحَالِ التي لَيْسَتْ بِحَالِ تَلَفٍ وَلَا شَدِيدَةِ الْمُبَايَنَةِ لِمَا سِوَاهَا من الْأَحْوَالِ وكان حُكْمُ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ حُكْمُ مَرَضِهِ يُقْتَصُّ منه في النَّفْسِ وَلَا يُقْتَصُّ منه فِيمَا دُونَهَا وَالْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ في هذا سَوَاءٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ حَامِلًا فَلَا يُقْتَصُّ منها وَلَا تُحَدُّ حتى تَضَعَ حَمْلَهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كان الْقِصَاصُ في رَجُلٍ في جَمِيعِ أَصَابِعِ كَفِّهِ أو بَعْضِهَا فقال اقْطَعُوا يَدِي وَرَضِيَ بِذَلِكَ الْمُقْتَصُّ له قِيلَ لَا يُقْطَعُ إلَّا من حَيْثُ قَطَعَ وَلَا أَقْبَلُ في هذا اجْتِمَاعَهُمَا عليه لِأَنَّهُ عُدْوَانٌ وإذا قَطَعَ الرَّجُلُ يَدَ الرَّجُلِ الشَّلَّاءَ وَيَدُ الْقَاطِعِ صَحِيحَةٌ فَتَرَاضَيَا بِأَنْ يُقْتَصَّ من الْقَاطِعِ فَيُقْطَعُ يَدُهُ الصَّحِيحَةُ لم أَقْطَعْ يَدَهُ الصَّحِيحَةَ بِرِضَاهُ وَرِضَا صَاحِبِهِ وَجَعَلْتُ عليه حُكُومَةً وإذا كانت يَدُ الْمَقْطُوعِ الْأَوَّلِ صَحِيحَةً وَيَدُ الْقَاطِعِ هِيَ الشَّلَّاءُ فَفِي يَدِ الْمَقْطُوعِ الْأَرْشُ لِنَقْصِ يَدِ الْقَاطِعِ عنها فَإِنْ رضي الْمُقْتَصُّ له بِأَنْ يُقْطَعَ ولم يَرْضَ ذلك الْقَاطِعُ سَأَلْت أَهْلَ الْعِلْمِ بِالْقَطْعِ فَإِنْ قالوا إنَّ الْيَدَ الشَّلَّاءَ إذَا قُطِعَتْ كانت أَقْرَبَ من التَّلَفِ على من قُطِعَتْ منه من يَدِ الصَّحِيحِ لو قَطَعْتُهُ لم أَقْطَعْهَا بِحَالٍ وَإِنْ قالوا ليس فيها من التَّلَفِ إلَّا ما في يَدِ الصَّحِيحِ قَطَعْتُهَا ولم أَلْتَفِتْ إلَى مَشَقَّةِ الْقَطْعِ على الْمُسْتَقَادِ منه وَلَا الْمُسْتَقَادِ له إذَا كان يَقْدِرُ على أَنْ يُؤْتَى بِالْقَطْعِ لَا يُزَادُ عليه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ رضي الْأَشَلُّ أَنْ يُقْطَعَ لم أَلْتَفِتْ إلَى رِضَاهُ وكان رِضَاهُ وَسُخْطُهُ في ذلك سَوَاءً وَهَذَا هَكَذَا في الْأَصَابِعِ وَالرِّجْلِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا يُشَلُّ وإذا قَطَعَ الْأَشَلُّ يَدَ الصَّحِيحِ فَسَأَلَ الصَّحِيحُ الْقَوَدَ وَأَرْشَ فَضْلِ ما بين الْيَدَيْنِ قِيلَ إنْ شِئْت اقتص لك وإذا اخْتَرْت الْقِصَاصَ فَلَا أَرْشَ وَإِنْ شِئْت فَلَكَ الْأَرْشُ وَلَا قِصَاصَ وَإِنَّمَا يَكُونُ له أَرْشٌ وَقِصَاصٌ إذَا كان الْقَطْعُ على أَطْرَافٍ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان جِرَاحًا لَا نَفْسَ فيها لِرَجُلٍ فَاقْتَصَّ من جُرْحٍ منها فَمَاتَ ضَمِنَ الْجَارِحُ الْمَيِّتَ ما بَقِيَ من أَرْشِ الْجِرَاحِ التي لم يُقْتَصَّ منه فيها وَإِنْ اجْتَمَعَتْ على رَجُلٍ حُدُودٌ حَدُّ بِكْرٍ في الزنى وَحَدٌّ في الْقَذْفِ وَحَدٌّ في سَرِقَةٍ يُقْطَعُ فيها وَقَطْعُ طَرِيقٍ يُقْطَعُ فيه أو يُقْتَلُ وَقَتْلُ رَجُلٍ بُدِئَ بِحَقِّ الْآدَمِيِّينَ فِيمَا ليس فيه قَتْلٌ ثُمَّ حَقُّ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيمَا لَا نَفْسَ فيه ثُمَّ كان الْقَتْلُ من وَرَائِهَا يُحَدُّ أَوَّلًا في الْقَذْفِ ثُمَّ حَبْسٌ فإذا برأ حُدَّ في الزنى ثُمَّ حُبِسَ حتى يَبْرَأَ ثُمَّ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى من خِلَافٍ وَكَانَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى لِلسَّرِقَةِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ مَعًا وَرِجْلُهُ لِقَطْعِ الطَّرِيقِ مع يَدِهِ ثُمَّ قُتِلَ قَوَدًا أو بِرِدَّةٍ فَإِنْ مَاتَ في الْحَدِّ الْأَوَّلِ أو الذي بَعْدَهُ أو قُتِلَ بِحَدٍّ سَقَطَتْ عنه الْحُدُودُ التي لِلَّهِ عز وجل كُلُّهَا وَإِنْ كان قَاتِلًا لِرَجُلٍ فَمَاتَ قَبْلُ يُقْتَلُ قَوَدًا كان عليه دِيَةُ النَّفْسِ وَكَذَلِكَ إنْ كان جُرْحًا لم يَسْقُطْ أَرْشُ الْجُرْحِ لِأَنَّهُ يُمْلَكُ بِالْجُرْحِ وَالنَّفْسِ مَالٌ وَلَا يُمْلَكُ بِحَدِّ الْقَذْفِ وَلَا حَدِّ السَّرِقَةِ مَالٌ بِحَالٍ

(6/57)


تُعَدَّدُ فَقُطِعَ بَعْضُهَا وَبَقِيَ بَعْضٌ كَأَنْ يُقْطَعَ ثَلَاثَةُ أَصَابِعَ فَوُجِدَ له أُصْبُعَيْنِ وَلَا يَجِدُ له ثَالِثَةً فَنَقْطَعُ أُصْبُعَيْنِ وَنَجْعَلُ في الثَّالِثَةِ الْأَرْشَ وَإِنْ كانت الثَّلَاثَةُ شَلَّا فَسَأَلَ أَنْ يَقْطَعَ وَيَأْخُذَ له فَضْلَ ما بَيْنَهُمَا لم يَكُنْ ذلك له وَقَطَعْت له إنْ شَاءَ أو آخُذُ له الْأَرْشَ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَجَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مُوضِحَةً عَمْدًا فتأكلت الْمُوضِحَةُ حتى صَارَتْ مُنَقِّلَةً أو قَطَعَ أُصْبُعَهُ فتأكلت الْكَفُّ حتى ذَهَبَتْ الْكَفُّ فَسَأَلَ الْقَوَدَ قِيلَ إنْ شِئْت أَقَدْنَاكَ من الْمُوضِحَةِ وَأَعْطَيْنَاكَ ما بين الْمُنَقِّلَةِ وَالْمُوضِحَةِ من أَرْشٍ فَأَمَّا الْمُنَقِّلَةُ فَلَا قَوَدَ فيها بِحَالٍ وَقِيلَ إنْ شِئْت أَقَدْنَاكَ من الْأُصْبُعِ وَأَعْطَيْنَاكَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْيَدِ وَإِنْ شِئْت فَلَكَ أَرْشُ الْيَدِ وَلَا قَوَدَ لك في شَيْءٍ لِأَنَّ الضَّارِبَ لم يَجْنِ بِقَطْعِ الْكَفِّ وَإِنْ كانت ذَهَبَتْ بِجِنَايَتِهِ وَإِنَّمَا يَقْطَعُ له أو يَشُقُّ له ما شَقَّ وَقَطَعَ وَأَرْشُ هذا كُلِّهِ في مَالِ الْجَانِي حَالًّا دُونَ عَاقِلَتِهِ لِأَنَّهُ كان بِسَبَبِ جِنَايَتِهِ وإذا انكر الشَّاجُّ وَقَاطِعُ الْأُصْبُعِ وَالْكَفِّ أَنْ يَكُونَ تَأَكُّلُهَا من جِنَايَتِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي حتى يَأْتِيَ الْمَجْنِيُّ عليه بِمَنْ يَشْهَدُ أَنَّ الشَّجَّةَ وَالْكَفَّ لم تَزَلْ مَرِيضَةً من جِنَايَةِ الْجَانِي لم تَبْرَأْ حتى ذَهَبَتْ فإذا جاء بها قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَحَكَمْت أَنْ تَأَكُّلَهَا من جِنَايَتِهِ ما لم تَبْرَأْ الْجِنَايَةُ وَلَوْ أَنَّ الْبَيِّنَةَ قالت بَرَأَتْ الْجِرَاحَةُ وَأَجْلَبَتْ ( 1 ) ثُمَّ انْتَقَضَتْ فَذَهَبَتْ الْكَفُّ أو زَادَتْ الشَّجَّةُ فقال الْجَانِي انْتَقَضْت أَنَّ الْمَجْنِيَّ عليه نَكَأَهَا أو أَنَّ غَيْرَهُ أَحْدَثَ عليها جِنَايَةً كان الْقَوْلُ قَوْلَ الْجَانِي في أَنْ تَسْقُطَ الزِّيَادَةُ إلَّا أَنْ تُثْبِتَ الْبَيِّنَةُ أنها انْتَقَضَتْ من غَيْرِ أَنْ ينكاها الْمَجْنِيُّ عليه أو يُحْدِثَ عليها غَيْرُهُ جِنَايَةً من قِبَلِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ شَهِدَتْ أَنَّ الْجِنَايَةَ قد ذَهَبَتْ وَإِنْ قالوا انْتَقَضَتْ وقد يَكُونُ منها وَمِنْ غَيْرِهَا يَحْدُثُ عليها ( قال الرَّبِيعُ ) قُلْت أنا وأبو يَعْقُوبَ وإذا قَطَعَتْ الْبَيِّنَةُ أنها انْتَقَضَتْ من جِنَايَتِهِ الْأُولَى كان على الْجَانِي تَأَكُّلُهَا حتى يَأْتِيَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ ذلك الِانْتِقَاضَ من غَيْرِ جِنَايَتِهِ - * دَوَاءُ الْجُرْحِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا جَرَحَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ بِشَقٍّ لَا يَقْطَعُ طَرَفًا انْبَغَى لِلْوَالِي أَنْ يَقِيسَ الْجُرْحَ نَفْسَهُ وَلِلْمَجْرُوحِ أَنْ يُدَاوِيَهُ بِمَا يَرَى أَنَّهُ يَنْفَعَهُ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى فإذا دَاوَاهُ بِمَا يَزْعُمُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالدَّوَاءِ الذي يُدَاوَى بِهِ أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ الْحَيَّ فَتَأَكَّلَ الْجُرْحُ فَالْجَارِحُ ضَامِنٌ لِأَرْشِ تَأَكُّلِهِ لِأَنَّهُ بِسَبَبِ جِنَايَتِهِ وَلَوْ قال الْجَارِحُ دواه ( ( ( داواه ) ) ) بِمَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ الْحَيَّ وَأَنْكَرَ الْمَجْرُوحُ ذلك كان الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَجْرُوحِ وَعَلَى الْجَارِحِ الْبَيِّنَةُ بِمَا ادَّعَاهُ وَلَوْ دواه ( ( ( داواه ) ) ) بِمَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ لم يَضْمَنْ الْجَانِي إلَّا أَرْشَ الْجُرْحِ الذي أَصَابَهُ منه وَجُعِلَتْ الزِّيَادَةُ مِمَّا دَاوَاهُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يُصْلَبُ الْمُقْتَصُّ منه في الْقَتْلِ وَلَا الْمَقْتُولِ في الزنى وَلَا الرِّدَّةِ بِحَالٍ لَا يَصْلُبُ أَحَدٌ أَحَدًا إلَّا قَاطِعَ الطَّرِيقِ الذي أَخَذَ الْمَالَ وَقَتَلَ فإنه يُقْتَلُ ثُمَّ يُصْلَبُ ثَلَاثًا ثُمَّ يُنْزَلُ وَيُصَلَّى عليهم كُلِّهِمْ إلَّا الْمُرْتَدَّ فإنه لَا يُصَلَّى على كَافِرٍ وإذا ( ( ( وإن ) ) ) وَجَبَ على رَجُلٍ قِصَاصٌ في نَفْسٍ اُقْتُصَّ منه مَرِيضًا وفي الْحَرِّ الشَّدِيدِ وَالْبَرْدِ الشَّدِيدِ وَكَذَلِكَ كُلُّ ما وَجَبَ عليه يَأْتِي على نَفْسِهِ وإذا كان الذي يَجِبُ عليه جِرَاحًا لَا يَأْتِي على النَّفْسِ لم يُؤْخَذْ ذلك منه مَرِيضًا وَلَا في حَرٍّ شَدِيدٍ وَبَرْدٍ شَدِيدٍ وَحُبِسَ حتى تَذْهَبَ تِلْكَ الْحَالُ ثُمَّ يُؤْخَذُ منه وَلَا يُؤْخَذُ من الْحُبْلَى حتى تَضَعَ حَمْلَهَا في حَالٍ وإذا وَجَبَ عليه رَجْمٌ بِبَيِّنَةٍ أُخِذَ في الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَأُخِذَ وهو مَرِيضٌ وإن ( ( ( وإذا ) ) ) وَجَبَ عليه بِاعْتِرَافٍ لم يُؤْخَذْ مَرِيضًا وَلَا في حَرٍّ وَلَا بَرْد لِأَنَّهُ مَتَى رَجَعَ قبل الرَّجْمِ وَبَعْدَهُ تَرَكْتُهُ - * زِيَادَةُ الْجِنَايَةِ - *

(6/58)


- * جِنَايَةُ الْمَجْرُوحِ على نَفْسِهِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَنَّ الْمَجْنِيَّ عليه كَوَى الْجُرْحَ كان كَيُّهُ إيَّاهُ تَكْمِيدًا بِصُوفٍ أو ما أَشْبَهَهُ مِمَّا يقول أَهْلُ الْعِلْمِ أن هذا يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ من بَلَغَ هذا أو أَكْثَرَ منه ضَمِنَ الْجَارِحُ الْجِنَايَةَ وما زَادَ فيها وَإِنْ كان بَلَغَ كَيَّهَا أَنْ أَحْرَقَ مَعَهَا صَحِيحًا أو قِيلَ قد كَوَاهَا كَيًّا يَنْفَعُ مَرَّةً وَيَضُرُّ أُخْرَى ( 1 ) أو يُدْخِلُ بدخله ( ( ( بداخله ) ) ) حَالٌ فَهُوَ جَانٍ على نَفْسِهِ كما وَصَفْت في الْبَابِ قَبْلَهُ يَسْقُطُ نِصْفُ النَّفْسِ بِجِنَايَتِهِ على نَفْسِهِ وَيَلْزَمُ الْجَانِي نِصْفَهَا إنْ صَارَتْ الْجِنَايَةُ نَفْسًا - * من يَلِي الْقِصَاصَ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا قُطِعَ الرَّجُلُ أو جُرِحَ فَسَأَلَ أَنْ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَقْتَصَّ لِنَفْسِهِ لم يُخَلَّ وَذَلِكَ وَكَذَلِكَ لَا يُخَلَّى وَذَلِكَ وَلِيٌّ له وَلَا عَدُوَّ لِلْمُقْتَصِّ منه وَلَا يَقْتَصُّ إلَّا عَالَمٌ بِالْقِصَاصِ عَدْلٌ فيه وَيَكْفِي فيه الْوَاحِدُ لِأَنَّهُ لَا يَقْتَصُّ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ قَطَعَ من لَحْمِهِ شيئا فَإِنْ كان قَطَعَ لَحْمًا مَيِّتًا فَذَلِكَ دَوَاءٌ وَالْجَارِحُ ضَامِنٌ بَعْدُ لِمَا زَادَتْ الْجِرَاحُ وَإِنْ كان قَطَعَ مَيِّتًا وَحَيًّا لم يَضْمَنْ الْجَارِحُ إلَّا الْجُرْحَ نَفْسَهُ وإذا قُلْت الْجَارِحُ ضَامِنٌ لِلزِّيَادَةِ في الْجِرَاحِ فَإِنْ مَاتَ منها الْمَجْرُوحُ فَعَلَى الْجَارِحِ الْقَوَدُ عَمْدًا إلَّا أَنْ تَشَاءَ وَرَثَتُهُ الدِّيَةَ فَتَكُونُ في مَالِهِ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ إنْ كانت خَطَأً وإذا قُلْت ليس الْجَارِحُ بِضَامِنٍ لِلزِّيَادَةِ فَمَاتَ الْمَجْرُوحُ جَعَلْت على الْجَارِحِ نِصْفَ دِيَتِهِ ولم أَجْعَلْ له في النَّفْسِ قَوَدًا وَإِنْ كانت عَمْدًا وَجَعَلْته شيئا من جِنَايَةِ الْجَانِي وَجِنَايَةِ الْمَجْنِيِّ على نَفْسِهِ أَبْطَلْت جِنَايَتَهُ على نَفْسِهِ وَضَمَّنْت الْجَانِي جِنَايَتَهُ عليه وَهَكَذَا لو كان في طَرَفٍ فَإِنْ كان الْكَفُّ فتأكلت فَسَقَطَتْ أَصَابِعُهَا أو الْكَفُّ كُلُّهَا فَالْجَانِي ضَامِنٌ لِزِيَادَتِهَا في مَالِهِ إنْ كانت عَمْدًا وَإِنْ قَطَعَ الْمَجْنِيُّ عليه الْكَفَّ أو الْأَصَابِعَ لم يَضْمَنْ الْجَانِي مِمَّا قَطَعَ الْمَجْنِيُّ عليه شيئا إلَّا أَنْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّ الْمَقْطُوعَ كان مَيِّتًا فَيَضْمَنُ أَرْشَهَا فَإِنْ لم تُثْبِت الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ كان مَيِّتًا أو قالت كان حَيًّا وكان خَيْرًا له أَنْ يُقْطَعَ فَقَطَعَهُ لم يَضْمَنْهُ الْجَانِي وَكَذَلِكَ لو أَصَابَ الْمَجْنِيَّ عليه منه أَكَلَةٌ وكان خَيْرًا له أَنْ يَقْطَعَ الْكَفَّ لِئَلَّا تَمْشِيَ الْأَكَلَةُ في جَسَدِهِ فَقَطَعَهَا وَالْأَطْرَافُ حَيَّةٌ لم يَضْمَنْ الْجَانِي شيئا من قَطْعِ الْمَجْنِيِّ عليه فَإِنْ مَاتَ جَعَلْت على الْجَانِي نِصْفَ دِيَتِهِ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ مَاتَ من جِنَايَةِ الْجَانِي وَجِنَايَةُ الْمَجْنِيِّ عليه على نَفْسِهِ وإذا دَاوَى الْمَجْنِيُّ عليه جِرَاحَهُ بِسُمٍّ فَمَاتَ فَعَلَى الْجَانِي نِصْفُ أَرْشِ الْمَجْنِيِّ عليه لِأَنَّهُ مَاتَ من السُّمِّ وَالْجِنَايَةِ فَإِنْ كان السُّمُّ يُوحِي مَكَانَهُ كما يوحي ( ( ( يوح ) ) ) الذَّبْحُ فَالسُّمُّ قَاتِلٌ وَعَلَى الْجَانِي أَرْشُ الْجُرْحِ فَقَطْ وَإِنْ كان السُّمُّ مِمَّا يَقْتُلُ وَلَا يَقْتُلُ فَالْجِنَايَةُ من السُّمِّ وَالْجِرَاحِ وَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَإِنْ كان دَاوَى جُرْحَهُ بِشَيْءٍ لَا يُعْرَفُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عليه أَنَّهُ شَيْءٌ لَا يَضُرُّ مع يَمِينِهِ وَقَوْلُ وَرَثَتِهِ بَعْدَهُ وَالْجَانِي ضَامِنٌ لِمَا حَدَثَ في الْجِنَايَةِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا جَرَحَ رَجُلًا جُرْحًا فَخَاطَ الْمَجْرُوحُ عليه الْجُرْحَ لِيَلْتَئِمَ فَإِنْ كانت الْخِيَاطَةُ في جِلْدٍ حَيٍّ فَالْجَارِحُ ضَامِنٌ لِلْجُرْحِ وَإِنْ مَاتَ الْمَجْرُوحُ بَعْدَ الْخِيَاطَةِ فَعَلَى الْجَارِحِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَأَجْعَلُ الْجِنَايَةَ من جُرْحِ الْجَانِي وَخِيَاطَةِ الْمَجْرُوحِ لِأَنَّ الْخِيَاطَةَ ثُقْبٌ في جِلْدٍ حَيٍّ وَإِنْ كانت الْخِيَاطَةُ في جِلْدٍ مَيِّتٍ فَالدِّيَةُ كُلُّهَا على الْجَارِحِ وَلَا يُعْلَمُ مَوْتُ الْجِلْدِ وَلَا اللَّحْمِ إلَّا بِإِقْرَارِ الْجَانِي أو بَيِّنَةٍ تَقُومُ لِلْمَجْنِيِّ عليه من أَهْلِ الْعِلْمِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ ذلك حَيٌّ حتى يُعْلَمَ مَوْتُهُ وَلَوْ لم يُزِدْ الْمَجْرُوحَ على أَنْ رَبَطَ الْجُرْحَ رِبَاطًا بِلَا خِيَاطَةٍ وَلَاحَمَ بَيْنَهُ بِدَمِهِ أو بِدَوَاءٍ لَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ الْحَيَّ وَلَيْسَ بِسُمٍّ فَمَاتَ الْمَجْنِيُّ عليه كان الْجَانِي ضَامِنًا لِجَمِيعِ النَّفْسِ لِأَنَّ الْمَجْنِيَّ عليه لم يُحْدِثْ فيها جِنَايَةً إنَّمَا أَحْدَثَ فيها مَنْفَعَةً وَغَيْرَ ضَرَرٍ

(6/59)


الِاثْنَانِ وَيَأْمُرُ الْوَاحِدُ من يُعِينُهُ وَلَا يَسْتَعِينُ بِظَنِينٍ على الْمُقْتَصِّ منه بِحَالٍ وَعَلَى السُّلْطَانِ أَنْ يَرْزُقَ من يَأْخُذُ الْقِصَاصَ وَيُقِيمُ الْحُدُودَ في السَّرِقَةِ وَغَيْرِهَا من سَهْمِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من الْخُمُسِ كما يُرْزَقُ الْحُكَّامُ وَلَا يُكَلِّفُ ذلك الناس فَإِنْ لم يَفْعَلْ الْحَاكِمُ فَأَجْرُ الْمُقْتَصِّ على الْمُقْتَصِّ منه لِأَنَّ عليه أَنْ يعطى كُلَّ حَقٍّ وَجَبَ عليه وَلَا يَكْمُلُ إعْطَاؤُهُ إيَّاهُ إلَّا بِأَنْ يُسْقِطَ الْمُؤْنَةَ عن آخذه كما يَكُونُ عليه أَنْ يعطى أَجْرَ الْكَيَّالِ لِلْحِنْطَةِ وَالْوَزَّانِ لِلدَّنَانِيرِ وَهَكَذَا كُلُّ قِصَاصٍ دُونَ النَّفْسِ يَلِيهِ غَيْرُ الْمُقْتَصِّ له وَوَلِيُّهُ وإذا قَتَلَ رَجُلٌ رَجُلًا فَسَأَلَ أَوْلِيَاؤُهُ أَنْ يُمَكَّنَ من الْقَاتِلِ يَضْرِبُ عُنُقَهُ أُمْكِنَ منه وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَحَفَّظَ فَيَأْمُرَ من يَنْظُرُ إلَى سَيْفِهِ فَإِنْ كان صَارِمًا وَإِلَّا أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ سَيْفًا صَارِمًا لِئَلَّا يُعَذِّبَهُ ثُمَّ يَدَعَهُ وَضَرْبَهُ فَإِنْ ضَرَبَهُ ضربه فَقَتَلَهُ فَقَدْ أتى على الْقَوَدِ وَإِنْ ضَرَبَهُ على كَتِفَيْهِ أو في رَأْسِهِ مَنَعَهُ الْعَوْدَةَ وَأَحْلَفَهُ ما عَمَدَ ذلك فَإِنْ لم يَحْلِفْ على ذلك عَاقَبَهُ وَإِنْ حَلَفَ تَرَكَهُ وَلَا أَرْشَ فيها وَأَمَرَ هو بِضَرْبِ عُنُقِهِ بِأَمْرِ الْوَلِيِّ وَجَبَرَ الْوَلِيَّ على ذلك إلَّا أَنْ يَعْفُوَ وَإِنْ كان الْقَاتِلُ ضَرَبَ الْمَقْتُولَ ضَرَبَاتٍ في عُنُقِهِ تَرَكَهُ يَضْرِبُهُ حتى يَبْلُغَ عَدَدَ الضَّرَبَاتِ فَإِنْ مَاتَ وَإِلَّا يَأْمُرُ غَيْرَهُ بِقَتْلِهِ وإذا أَمَرَ الْإِمَامُ الرَّجُلَ غير الظَّنِينِ على الْمُسْتَقَادِ منه أَنْ يَقْتُلَهُ فَضَرَبَهُ ضَرَبَاتٍ فلم يَقْتُلْهُ أَعَادَ الضَّرْبَ حتى يَأْتِيَ على نَفْسِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْمُرَ بِسَيْفٍ أَصْرَمَ من سَيْفِهِ وَيَأْمُرَ رَجُلًا أَضْرَبَ منه لِيُوَحِّيَهُ فَإِنْ كان الْقَاتِلُ قَطَعَ يَدَيْ الْمَقْتُولِ أو رِجْلَيْهِ أو شَجَّهُ أو أَجَافَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ أو نَالَ منه ما يُشْبِهُ ذلك فَسَأَلَ الْوَلِيَّ أَنْ يَصْنَعَ ذلك بِهِ وَلَّيْنَا من يُحْسِنُ تِلْكَ الْجِرَاحَ كُلَّهَا كما نولي ( ( ( تولى ) ) ) الْجَارِحُ دُونَ النَّفْسِ فَإِنْ مَاتَ وَإِلَّا وَلَّيْنَا الْوَلِيَّ ضَرْبَ عُنُقِهِ لَا يَلِي الْوَلِيُّ إلَّا قِتْلَةً وَحِيَّةً من ضَرْبِ عُنُقٍ أو ذَبْحٍ إنْ كان الْقَاتِلُ ذَبَحَهُ أو خَنَقَهُ أو ما أَشْبَهَهُ من الْمَيْتَاتِ الْوَحِيَّةِ فإذا بَلَغَ من خَنْقِهِ بِقَدْرِ ما مَاتَ الْأَوَّلُ ولم يَمُتْ مَنَعْنَاهُ الْخَنْقُ وَأَمَرْنَاهُ بِضَرْبِ عُنُقِهِ وَلَوْ كان الْقَاتِلُ ضَرَبَ وَسَطَ الْمَقْتُولِ ضَرْبَةً فابانه خَلَّيْنَا بين وَلِيِّهِ وَبَيْنَ أَنْ يَضْرِبَهُ حَيْثُ ضَرَبَهُ فَإِنْ أَبَانَهُ وَإِلَّا أَمَرْنَاهُ أَنْ يَضْرِبَ عُنُقَهُ وَلَوْ كان لم يُبِنْهُ إلَّا بِضَرَبَاتٍ خَلَّيْنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدَدِ ضَرَبَاتٍ فَإِنْ لم يُبِنْهُ قَتَلْنَاهُ بِأَيْسَرَ الْقِتْلَتَيْنِ ضَرْبَةً تُبِينُ ما بَقِيَ منه أو ضَرْبَةَ عُنُقٍ - * خَطَأِ الْمُقْتَصِّ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان لَا يَخْطَأُ بِهِ اُقْتُصَّ منه وإذا بَرَأَتْ جِرَاحَتُهُ التي أَخْطَأَ بها الْمُقْتَصُّ اقْتَصَّ الْأَوَّلُ وَلَوْ قال الْمُقْتَصُّ لِلْمُقْتَصِّ منه أَخْرِجْ يَسَارَكَ فَقَطَعَهَا وَأَقَرَّ أَنَّهُ عَمَدَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا أَمَرَ الْمُقْتَصُّ أَنْ يَقْتَصَّ فَوَضَعَ الْحَدِيدَةَ في مَوْضِعِ الْقِصَاصِ ثُمَّ جَرَّهَا جَرًّا فَزَادَ على قَدْرِ الْقِصَاصِ سُئِلَ أَهْلُ الْعِلْمِ فَإِنْ قالوا قد يَخْطَأُ بِمِثْلِ هذا سُئِلَ فَإِنْ قال أَخْطَأْت أُحْلِفَ وَلَا قِصَاصَ عليه وَعَقَلَ ذلك عنه عَاقِلَتُهُ وَإِنْ قالوا لَا يَخْطَأُ بِمِثْلِ هذا فَلِلْمُسْتَقَادِ منه الْقِصَاصُ بِقَدْرِ الزِّيَادَةِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ منه الْأَرْشَ فَيَأْخُذَهُ من مَالِهِ وَكَذَلِكَ إنْ قالوا قد يَخْطَأُ بمثله وَقِيلَ لِلْمُقْتَصِّ احْلِفْ لقد أَخْطَأْت بِهِ فَإِنْ أَقَرَّ أَقَصَّ منه أو أَخَذَ من مَالِهِ الْأَرْشَ وَإِنْ لم يُقِرَّ وَنَكَلَ قِيلَ لِلْمَجْنِيِّ عليه احْلِفْ لقد عَمَدَ فَإِنْ حَلَفَ فَلَهُ الْقَوَدُ وَإِنْ نَكَلَ فَلَا شَيْءَ له حتى يَحْلِفَ فَيَسْتَقِيدُ أو يَأْخُذُ الْمَالَ وَهَكَذَا إذَا وَضَعَ الْحَدِيدَةَ في مَوْضِعٍ غَيْرِ مَوْضِعِ الْقَوَدِ لَا يَخْتَلِفُ فيه الْجَوَابُ فِيمَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ خَطَأً وما لم يُمْكِنْ وإذا وَضَعَ الْحَدِيدَةَ في غَيْرِ مَوْضِعِهَا أَعَدْتُهُ حتى يَضَعَهَا في مَوْضِعِهَا حتى يَسْتَقِيدَ لِلْمَجْنِيِّ عليه الْأَوَّلِ وَلَا يَتَّخِذُ إلَّا أَمِينًا لِخَطَئِهِ وَعَمْدِهِ فإذا كان الْقِصَاصُ على يَمِينٍ فَأَخْطَأَ الْمُقْتَصُّ فَقَطَعَ يَسَارًا أو كان على أُصْبُعٍ فَأَخْطَأَ فَقَطَعَ غَيْرَهَا فَإِنْ كان يُخْطَأُ بِمِثْلِ هذا دُرِئَ عنه الْحَدُّ وكان الْعَقْلُ على عَاقِلَتِهِ ( قال الرَّبِيعُ ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّ ذلك عليه في مَالِهِ وَلَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ لِأَنَّهُ عَمَدَ أَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ وَلَكِنَّا دَرَأْنَا عنه الْقَوَدَ لِظَنِّهِ أنها الْيَدُ التي وَجَبَ فيها الْقِصَاصُ فَأَمَّا قَطْعُهُ إيَّاهَا فَعَمْدٌ

(6/60)


إخْرَاجَ يَسَارِهِ وقد عَلِمَ أَنَّ الْقِصَاصَ على يَمِينِهِ وَأَنَّ الْمُقْتَصَّ أَمَرَ بِإِخْرَاجِ يَمِينِهِ فَلَا عَقْلَ وَلَا قَوَدَ على الْمُقْتَصِّ وإذا برأ اُقْتُصَّ منه لِلْيُمْنَى وَإِنْ قال أَخْرَجْتهَا له ولم أَعْلَمْ أَنَّهُ قال أَخْرِجْ يَمِينَكَ وَلَا أَنَّ الْقِصَاصَ على الْيُمْنَى أو رَأَيْت أَنِّي إذَا أَخْرَجْتهَا فَاقْتُصَّ منها سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنِّي أُحْلِفَ على ذلك وَلَزِمَتْ دِيَةُ يَدِهِ الْمُقْتَصَّ وَلَا قَوَدَ وَلَا عُقُوبَةَ عليه وَإِنَّمَا يَسْقُطُ الْعَقْلُ وَالْقَوَدُ إذَا أَقَرَّ الْمُقْتَصُّ منه أَنَّهُ دَلَّسَهَا وهو يَعْلَمُ أَنَّ الْقَوَدَ على غَيْرِهَا وَلَوْ كان الْمُقْتَصُّ منه في هذه الْأَحْوَالِ كُلِّهَا مَغْلُوبًا على عَقْلِهِ فَأَخْطَأَ الْمُقْتَصُّ فَإِنْ كان مِمَّا يَخْطَأُ بمثله فَعَلَى عَاقِلَتِهِ وَإِنْ كان مِمَّا لَا يَخْطَأُ بمثله فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ إلَّا إذَا أَفَاقَ الذي نَالَ ذلك منه وَسَوَاءٌ إذَا كان الْمُقْتَصُّ منه مَغْلُوبًا على عَقْلِهِ أَذِنَ له أو دَلَّسَ له أو لم يُدَلِّسْ لِأَنَّهُ لَا أَمْرَ له في نَفْسِهِ وإذا أَمَرَ أبو الصَّبِيِّ أو سَيِّدُ الْمَمْلُوكِ الْخِتَان بِخَتْنِهِمَا فَفَعَلَ فَمَاتَا فَلَا عَقْلَ وَلَا قَوَدَ وَلَا كَفَّارَةَ على الْخِتَان وَإِنْ خَتَنَهُمَا بِغَيْرِ أَمْرِ أبي الصَّبِيِّ أو أَمْرِ الْحَاكِمِ وَلَا سَيِّدِ الْمَمْلُوكِ وَمَاتَا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَةُ الصَّبِيِّ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ وَلَوْ كان حين أَمَرَهُ أَنْ يَخْتِنَهُمَا أَخْطَأَ فَقَطَعَ طَرَفَ الْحَشَفَةِ وَذَلِكَ مِمَّا يُخْطِئُ مِثْلُهُ بمثله فَلَا قِصَاصَ وَعَلَيْهِ من دِيَةِ الصَّبِيِّ وَقِيمَةِ الْعَبْدِ بِحِسَابِ ما بَقِيَ وَيَضْمَنُ ذلك الْعَاقِلَةُ وَلَوْ قَطَعَ الذَّكَرَ من أَصْلِهِ وَذَلِكَ لَا يَخْطَأُ بمثله حُبِسَ حتى يَبْلُغَ الصَّبِيُّ فَيَكُونُ له الْقَوَدُ أو أَخْذُ الدِّيَةِ أو يَمُوتُ فَيَكُونُ لِوَارِثِهِ الْقِصَاصُ أو الدِّيَةُ تَامَّةٌ وَلَوْ كانت بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَكَلَةٌ في طَرَفٍ من أَطْرَافِهِ فَأَمَرَهُ أبو الصَّبِيِّ وَسَيِّدُ الْعَبْدِ بِقَطْعِ الطَّرَفِ وَلَيْسَ مِثْلُهَا يُتْلِفُ فَتَلِفَ فَلَا عَقْلَ وَلَا قَوَدَ وَلَا كَفَّارَةَ وَإِنْ أَمَرَهُ بِقَطْعِ رَأْسِ الصَّبِيِّ فَقَطَعَهُ أو وَسَطِ الصَّبِيِّ فَقَطَعَهُ أو بِقَطْعِ حُلْقُومِهِ فَقَطَعَهُ عُوقِبَ الْأَبُ على ذلك وَعَلَى الْقَاطِعِ الْقَوَدُ إذَا مَاتَ منه الصَّبِيُّ وإذا أَمَرَهُ بِذَلِكَ في مَمْلُوكِهِ فَفَعَلَهُ فَمَاتَ الْمَمْلُوكُ فَعَلَى الْقَاطِعِ عِتْقُ رَقَبَةٍ وَلَا قَوَدَ عليه ( قال الرَّبِيعُ ) ليس على قَاطِعِ مَمْلُوكٍ قِيمَةٌ لِأَنَّ سَيِّدَهُ الذي أَمَرَهُ وإذا أَمَرَهُ بِذَلِكَ في دَابَّةٍ له فَفَعَلَهُ فَلَا قِيمَةَ عليه لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا بِأَمْرِ مَالِكِهَا ( قال الرَّبِيعُ ) وَالْعَبْدُ عِنْدِي في هذا مِثْلُ الدَّابَّةِ هو مَالٌ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكُلُّ قِصَاصٍ وَجَبَ لِصَبِيٍّ أو مَغْلُوبٍ على عَقْلِهِ فَلَيْسَ لِأَبِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا وَلِيِّهِ من كان أَخْذُ الْقِصَاصِ وَلَا عَفْوُهُ وَيُحْبَس الْجَانِي حتى يَبْلُغَ الصَّبِيُّ أو يُفِيقَ الْمَعْتُوهُ فَيُقْتَصَّا أو يَدَعَا أو يَمُوتَا فَتَقُومُ وَرَثَتُهُمَا مَقَامَهُمَا ( قال الرَّبِيعُ ) قال أبو يَعْقُوبَ وَلَوْ أَمَرَ رَجُلٌ رَجُلًا أَنْ يَفْعَلَ بِرَجُلٍ حُرٍّ بَالِغٍ مَغْلُوبٍ على عَقْلِهِ فِعْلًا الْأَغْلَبُ منه أَنَّهُ لَا يَتْلَفُ بِهِ فَفَعَلَهُ فَتَلِفَ ضَمِنَتْ عَاقِلَةُ الْفَاعِلِ دُونَ الْآمِرِ وَلَا يَرْجِعُ عليه بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ كان له أَنْ يَمْتَنِعَ منه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان قال له هذا ابْنِي أو غُلَامِي فَافْعَلْ بِهِ كَذَا وَكَذَا فَفَعَلَ بِهِ فَتَلِفَ ضَمِنَتْ عَاقِلَةُ الْفَاعِلِ دِيَةَ الْحُرِّ وَقِيمَةَ الْعَبْدِ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ في مَالِهِ ( قال الرَّبِيعُ ) قال أبو يَعْقُوبَ وَإِنْ كان ابْنَهُ أو غُلَامَهُ فَلَيْسَ له عليه في غُلَامِهِ شَيْءٌ إلَّا الْكَفَّارَةُ إذَا فَعَلَ بِهِ ما لَا يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ فِعْلُهُ بِهِ وَأَمَّا ابْنُهُ فَإِنْ كان صَغِيرًا أو كَبِيرًا مَعْتُوهًا فَفَعَلَ بِهِ بِأَمْرِ أبيه ما فيه مَنْفَعَةٌ لَهُمَا فَلَا شَيْءَ عليه وَإِنْ كان فَعَلَ بِهِمَا ما ليس فيه مَنْفَعَةٌ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ وَإِنْ كان الِابْنُ الْكَبِيرُ يَعْقِلُ الِامْتِنَاعَ فَلَا عَقْلَ وَلَا قَوَدَ وَلَا كَفَّارَةَ إلَّا أَنْ يَفْعَلَ بِهِ ما لَا يَجُوزُ لِلِابْنِ أَنْ يَفْعَلَهُ بِنَفْسِهِ فَتَكُونُ عليه الْكَفَّارَةُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ جَاءَهُ بِدَابَّةٍ فقال له شُقَّ وَدَجَهَا أو شُقَّ بَطْنَهَا أو عَالِجْهَا فَفَعَلَ فَتَلِفَتْ ضَمِنَ قِيمَتَهَا إنْ لم تَكُنْ للامر وَلَا يَضْمَنُ إنْ كانت للامر شيئا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَمَرَ الْحَاكِمُ وَلِيَّ الدَّمِ أَنْ يَقْتَصَّ من رَجُلٍ في قَتْلٍ فَقَطَعَ يَدَهُ أو يَدْيَهُ وَرِجْلَيْهِ وَفَقَأَ عَيْنَهُ وَجَرَحَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ أو لم يَقْتُلْهُ عَاقَبَهُ الْحَاكِمُ وَلَا عَقْلَ وَلَا قَوَدَ وَلَا كَفَّارَةَ لِأَنَّ النَّفْسَ كُلَّهَا كانت مُبَاحَةً له وَلَا يَنْبَغِي للامام أَنْ يُمَكِّنَهُ من الْقِصَاصِ إلَّا وَبِحَضْرَتِهِ عَدْلَانِ أو أَكْثَرَ يَمْنَعَانِهِ من
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ جاء رَجُلٌ بِصَبِيٍّ ليس بِابْنِهِ وَلَا مَمْلُوكِهِ وَلَيْسَ له بِوَلِيٍّ إلَى خَتَّانٍ أو طَبِيبٍ فقال اخْتِنْ هذا أو بُطَّ هذا الْجُرْحَ له أو اقْطَعْ هذا الطَّرَفَ له من قُرْحَةٍ بِهِ فَتَلِفَ كان على عَاقِلَةِ الطَّبِيبِ وَالْخَتَّانَ دِيَتُهُ وَعَلَيْهِ رَقَبَةٌ وَلَا يَرْجِعُ عَاقِلَتُهُ على الْآمِرِ بِشَيْءٍ وهو كَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا بِقَتْلٍ

(6/61)


أَنْ يَتَعَدَّى في الْقِصَاصِ وإذا أَمْكَنَهُ أَنْ يَقْتَصَّ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَقَدْ أَخْطَأَ الْحَاكِمُ وَإِنْ اقْتَصَّ فَقَدْ مَضَى الْقِصَاصُ وَلَا شَيْءَ على الْمُقْتَصِّ وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَقْتَصَّ من يُسْرَى يَدَيْهِ فَقَطَعَ يُمْنَاهَا أو أَمْكَنَهُ من أَنْ يَشُجَّهُ في رَأْسِهِ مُوضِحَةً فَشَجَّهُ مُنَقِّلَةً أو شَجَّهُ في غَيْرِ الْمَوْضِعِ الذي شَجَّهُ فيه فَادَّعَى الْخَطَأَ فما كان من ذلك مِمَّا يَخْطَأُ بمثله أُحْلِفَ عليه وَغَرِمَ ارشه وَإِنْ مَاتَ منه ضَمِنَ دِيَتَهُ وَإِنْ برأ منه غَرِمَ أَرْشَ ما نَالَ منه وكان عليه الْقِصَاصُ فِيمَا نَالَ من الْمَجْنِيِّ عليه ولم يَبْطُلْ قِصَاصُ الْمَجْنِيِّ عليه بِأَنْ يَتَعَدَّى في الِاقْتِصَاصِ على الْجَانِي وَإِنْ كان ذلك لَا يَخْطَأُ بمثله أو أَقَرَّ فِيمَا يَخْطَأُ بمثله أَنَّهُ عَمَدَ فيها ما ليس له اُقْتُصَّ منه مِمَّا فيه الْقِصَاصُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الذي نَالَ ذلك منه أَنْ يَأْخُذَ منه الْعَقْلَ وإذا عَدَا الرَّجُلُ على الرَّجُلِ فَقَتَلَهُ ثُمَّ أَقَامَ عليه الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَتَلَ ابْنَهُ وهو وَلِيُّ ابْنِهِ لَا وَارِثَ له غَيْرُهُ أو قَطَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى فَأَقَامَ عليه الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَطَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى فَلَا عَقْلَ وَلَا قَوَدَ عليه ويعزر ( ( ( ويعزز ) ) ) بِأَخْذِهِ حَقَّهُ لِنَفْسِهِ - * ما يَكُونُ بِهِ الْقِصَاصُ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ كان خَنَقَهُ بِحَبْلٍ حتى قَتَلَهُ خُلِّيَ بين وَلِيِّ الْقَتِيلِ وَخَنْقِهِ بِمِثْلِ ذلك الْحَبْلِ حتى يَقْتُلَهُ إذَا كان ما صَنَعَ بِهِ من الْقَتْلِ الْمُوحِي خَلَّيْت بين وَلِيِّ الْقَتِيلِ وَبَيْنَهُ وإذا كان مِمَّا يَتَطَاوَلُ بِهِ التَّلَفُ لم أُخَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَقَتَلْتُهُ بأوحى الْمِيتَةِ عليه وإذا كان قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ من الْمَفْصِلِ أو جَرَحَهُ جَائِفَةً أو مُوضِحَةً أو غير ذلك من الْجِرَاحِ لم يَقْتَصَّ منه وَلِيُّ الْقَتِيلِ لِأَنَّ هذا مِمَّا لَا يَكُونُ تَلَفًا وَحِيًّا وخلى بين من يَقْطَعُ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلَ إنْ أَرَادَ ذلك وَلِيُّ الْقَتِيلِ فَقَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَمَنْ يَقْتَصُّ من الْجِرَاحِ فَاقْتَصَّ منه في الْجِرَاحِ فَإِنْ مَاتَ مَكَانَهُ وَإِلَّا خلى بين وَلِيِّ الْقَتِيلِ وَضَرْبِ عُنُقِهِ وَإِنْ كان الْقَاتِلُ ضَرَبَ وَسَطَ الْمَقْتُولِ بِسَيْفٍ ضَرْبَةً فَأَبَانَهُ بِاثْنَيْنِ خلى بين وَلِيِّ الْمَقْتُولِ وَبَيْنَ أَنْ يَضْرِبَهُ ضَرْبَةً بِسَيْفٍ فَإِنْ كان الْقَاتِلُ بَدَأَهَا من قِبَلِ الْبَطْنِ خلى وَلِيُّ الْقَتِيلِ فَبَدَأَهَا من قِبَلِ الْبَطْنِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وما قُلْت إنِّي أَقْتَصُّ بِهِ من الْقَاتِلِ إذَا صَنَعَهُ بِالْمَقْتُولِ فَلِوُلَاةِ الْمَقْتُولِ أَنْ يَفْعَلُوا بِالْقَاتِلِ مثله وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَشْدَخَ رَأْسَهُ بِصَخْرَةٍ فَيُخَلَّى بين وَلِيِّ الْمَقْتُولِ وَبَيْنَ صَخْرَةٍ مِثْلِهَا ويصبر ( ( ( ويصير ) ) ) له الْقَاتِلَ حتى يَضْرِبَهُ بها عَدَدَ ما ضَرَبَهُ الْقَاتِلُ إنْ كانت ضَرْبَةً فَلَا يَزِيدُ عليها وَإِنْ كانت اثْنَتَيْنِ فَاثْنَتَيْنِ وَكَذَلِكَ إنْ كان أَكْثَرَ فإذا بَلَغَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ عَدَدَ الضَّرْبِ الذي نَالَهُ الْقَاتِلُ من الْمَقْتُولِ فلم يَمُتْ خلي بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَضْرِبَ عُنُقَهُ بِالسَّيْفِ ولم يُتْرَكْ وَضَرَبَهُ بِمِثْلِ ما ضَرَبَهُ بِهِ إنْ لم يَكُنْ له سَيْفٌ وَذَلِكَ أَنَّ الْقِصَاصَ بِغَيْرِ السَّيْفِ إنَّمَا يَكُونُ بِمِثْلِ الْعَدَدِ فإذا جَاوَزَ الْعَدَدُ كان تَعَدِّيًا من جِهَةِ أَنَّهُ ليس من سُنَّةِ الْقَتْلِ وَإِنَّمَا أَمْكَنْتُهُ من قَتْلِهِ بِالسَّيْفِ لِأَنَّهُ كانت له إفَاتَةُ نَفْسِهِ مع ما نَالَهُ بِهِ من ضَرْبٍ فإذا لم تَفُتْ نَفْسُهُ بِعَدَدِ الضَّرْبِ أَفَتُّهَا بِالسَّيْفِ الذي هو أَوْحَى الْقَتْلِ وَهَكَذَا إذَا كان قَتَلَهُ بِخَشَبَةٍ ثَقِيلَةٍ أو ضَرْبَةٍ شَدِيدَةٍ على رَأْسِهِ وما أَشْبَهَ هذا من الدَّامِغِ أو الشَّادِخِ أَمْكَنْت منه وَلِيَّ الْقَتِيلِ فَإِنْ كان الضَّرْبُ بِعَصًا خَفِيفَةٍ أو سِيَاطٍ رَدَّدَهَا حتى تَأْتِيَ على نَفْسِهِ لم أُمَكِّنْ منه وَلِيَّ الْقَتِيلِ لِأَنَّ الضَّرْبَةَ بِالْخَفِيفِ تَكُونُ أَشَدُّ من الضَّرْبَةِ بِالثَّقِيلِ وَلَيْسَ هذه مَيْتَةٌ وَحِيَّةٌ في الظَّاهِرِ وَقُلْت لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ إنْ شِئْت أَنْ تَأْمُرَ من يَرْفُقُ بِهِ فَيُقَالُ له تَحَرَّ مِثْلَ ضَرْبِهِ حتى تَعْلَمَ أَنْ قد جِئْت بِمِثْلِ ضَرْبِهِ وَأَخَفَّ حتى تَبْلُغَ الْعَدَدَ فَإِنْ مَاتَ وَإِلَّا خُلِيَتْ وَضَرْبَ عُنُقِهِ بِالسَّيْفِ وَإِنْ كان رَبَطَهُ ثُمَّ أَلْقَاهُ في نَارٍ أُحْمِيَتْ له نَارٌ كَتِلْكَ النَّارِ لَا أَكْثَرَ منها وخلي وَلِيُّ الْقَتِيلِ بين رَبْطِهِ بِذَلِكَ الرِّبَاطِ وَإِلْقَائِهِ في النَّارِ قَدْرَ الْمُدَّةِ التي مَاتَ فيها الملقي فَإِنْ مَاتَ وَإِلَّا أُخْرِجَ منها وخلى وَلِيُّ الْقَتِيلِ فَضَرَبَ عُنُقَهُ وَهَكَذَا إذَا رَبَطَهُ وَأَلْقَاهُ في مَاءٍ فَغَرَّقَهُ أو رَبَطَ بِرِجْلِهِ رَحَا فَغَرَّقَهُ خُلِّيَ بين وَلِيِّ الْقَتِيلِ وَبَيْنَهُ فَأَلْقَاهُ في مَاءٍ قَدْرِ ذلك الْوَقْتِ فَإِنْ مَاتَ وَإِلَّا أُخْرِجَ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ وَإِنْ أَلْقَاهُ في مَهْوَاةٍ خُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَلِيِّ الْقَتِيلِ فَأَلْقَاهُ في الْمَهْوَاة بِعَيْنِهَا أو في مِثْلِهَا في الْبُعْدِ وَشِدَّةِ الْأَرْضِ لَا في أَرْضٍ أَشَدَّ منها فَإِنْ مَاتَ وَإِلَّا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ

(6/62)


فَإِنْ ابانه وَإِلَّا أُمِرَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كَسَرَ الرَّجُلُ سِنَّ الرَّجُلِ من نِصْفِهَا سَأَلْت أَهْلَ الْعِلْمِ فَإِنْ قالوا نَقْدِرُ على كَسْرِهَا من نِصْفِهَا بِلَا إتْلَافٍ لِبَقِيَّتِهَا وَلَا صَدْعٍ أَقَدْته وَإِنْ قالوا لَا نَقْدِرُ على ذلك لم نُقِدْهُ لِتَفَتُّتِهَا وإذا قَلَعَ رَجُلٌ ظُفُرَ رَجُلٍ فَسَأَلَ الْقَوَدَ قِيلَ لِأَهْلِ الْعِلْمِ هل تَقْدِرُونَ على قَلْعِ ظُفُرِهِ بِلَا تَلَفٍ على غَيْرِهِ فَإِنْ قالوا نعم أُقِيدَ وَإِنْ قالوا لَا فَفِي الظُّفُرِ حُكُومَةٌ وَإِنْ قَطَعَ الرَّجُلُ أُنْمُلَةَ رَجُلٍ وَلَا ظُفُرَ لِلْمَقْطُوعَةِ أُنْمُلَتُهُ فَسَأَلَ الْقِصَاصَ لم يَكُنْ له وَكَذَلِكَ إنْ كان ظُفُرُهَا مَقْطُوعًا قَطْعًا لَا يَثْبُتُ لَا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا لِنَقْصِهَا عن أُنْمُلَةِ الْمُقْتَصِّ منه وما كان في سِنٍّ أو ظُفُرٍ من عَوَارٍ لَا يُفْسِدُ الظُّفُرَ وَإِنْ كان يَعِيبُهُ وكان لَا يُفْسِدُ السِّنَّ بِقَطْعٍ وَلَا سَوَادَ يَنْقُصُ الْمَنْفَعَةَ أو كان أَثَرُ قُرْحَةٍ خَفِيفًا كان له الْقِصَاصُ وَإِنْ كان رَجُلٌ مَقْطُوعَ أُنْمُلَةٍ فَقَطَعَ رَجُلٌ أُنْمُلَتَهُ الْوُسْطَى وَالْقَاطِعُ وَافِرُ تِلْكَ الْأُصْبُعِ فَسَأَلَ الْمَقْطُوعَةُ أُنْمُلَتُهُ الْوُسْطَى الْقِصَاصَ لم يَكُنْ له وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْطَعَ له الْأُنْمُلَةَ التي من طَرَفٍ بِوُسْطَى وَلَا الْوُسْطَى فَتُقْطَعَ بِأُنْمُلَتِهِ التي قَطَعَ من طَرَفٍ ولم يَقْطَعْهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ قَطَعَ أُنْمُلَةَ خِنْصَرٍ من طَرَفٍ من رَجُلٍ وَأُنْمُلَةَ خِنْصَرِ الْوُسْطَى من آخَرَ من أُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ جَاءَا مَعًا اقْتَصَّ منه لِأُنْمُلَةِ الطَّرَفِ ثُمَّ اقْتَصَّ منه أُنْمُلَةَ الْخِنْصَرِ الْوُسْطَى وَإِنْ جاء صَاحِبُ الْوُسْطَى قبل صَاحِبِ الطَّرَفِ قِيلَ لَا قِصَاصَ لك وقضى له بِالدِّيَةِ وَإِنْ جاء صَاحِبُ الطَّرَفِ فَقَطَعَ له الطَّرَفَ فَسَأَلَ الْمَقْضِيَّ له بِالدِّيَةِ رَدَّهَا إنْ كان أَخَذَهَا أو إبْطَالَهَا إنْ كان لم يَأْخُذْهَا وَيَقْطَعُ له أُنْمُلَةَ الْوُسْطَى قِصَاصًا لم يُجَبْ إلَى ذلك لِأَنَّهُ قد أَبْطَلَ الْقِصَاصَ وَجَعَلَ أَرْشًا وَكَذَلِكَ لو قَطَعَ وَسَطَ أُنْمُلَةِ رَجُلٍ الْوُسْطَى فَقُضِيَ له بِالْأَرْشِ ثُمَّ انْقَطَعَ طَرَفُ أُنْمُلَتِهِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما خُلِّيَ بين وَلِيِّ الْمَقْتُولِ وَبَيْنَهُ من هذا الضَّرْبِ فَضَرَبَ في مَوْضِعٍ غَيْرِهِ مُنِعَ الضَّرْبَ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ وَأُمِرَ غَيْرُهُ مِمَّنْ يُؤْمَنُ عليه بِهِ وَسَوَاءٌ كان ذلك في ضَرْبِ عُنُقِهِ أو وَسَطِهِ أو غَيْرِهِ كَأَنْ أُمِرَ بِأَنْ يَضْرِبَ عُنُقَهُ فَضَرَبَ كَتِفَيْهِ أو ضَرَبَ رَأْسَهُ فَوْقَ عُنُقِهِ لِيَطُولَ الْمَوْتُ عليه فإذا قَطَعَ الرَّجُلُ يَدَيْ الرَّجُلِ وَرِجْلَيْهِ وَجَنَى عليه جِنَايَةً فَمَاتَ من تِلْكَ الْجِنَايَاتِ أو بَعْضِهَا فَلِأَوْلِيَائِهِ الْخِيَارُ بين الْقِصَاصِ أو الدِّيَةِ فَإِنْ اخْتَارُوا الدِّيَةَ وَسَأَلُوا أَنْ يُعْطُوا أَرْشَ الْجِرَاحَاتِ كُلِّهَا وَالنَّفْسِ أو أَرْشَ الْجِرَاحَاتِ دُونَ النَّفْسِ لم يَكُنْ ذلك لهم وَكَانَتْ لهم دِيَةٌ وَاحِدَةٌ تَكُونُ الْجِرَاحَاتُ سَاقِطَةٌ بِالنَّفْسِ إذَا كانت النَّفْسُ من الْجِرَاحَاتِ أو بَعْضِهَا وَهَكَذَا لو جَنَى عليه رَجُلَانِ أو ثَلَاثَةٌ فلم تَلْتَئِمْ الْجِرَاحَةُ حتى مَاتَ فَاخْتَارُوا الدِّيَةَ كانت لهم دِيَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ برأ في الْمَسْأَلَتَيْنِ مَعًا أو كان غير ضُمِّنَ من الْجِرَاحِ ثُمَّ مَاتَ قبل تَلْتَئِمَ الْجِرَاحُ أو بَعْدَ الْتِئَامِهَا فَسَأَلَ وَرَثَتُهُ الْقِصَاصَ من الْجِرَاحِ أو أَرْشَهَا كُلَّهَا أُخِذَ الْجَانِي بِالْقِصَاصِ أو أَرْشِهَا كُلِّهَا وَإِنْ كانت دِيَاتٌ كَثِيرَةٌ لِأَنَّهَا لم تَصِرْ نَفْسًا وَإِنَّمَا هِيَ جِرَاحٌ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْجَانِي وَوَرَثَةَ الْمَجْنِيِّ عليه فقال الْجَانِي مَاتَ منها وقال وَرَثَةُ الْمَجْنِيِّ عليه لم يَمُتْ منها كان الْقَوْلُ قَوْلَ وَرَثَةِ الْمَجْنِيِّ عليه مع أَيْمَانِهِمْ وَعَلَى الْجَانِي الْبَيِّنَةُ بِأَنَّهُ لم يَزُلْ منها ضَمِنًا حتى مَاتَ أو ما أَشْبَهَ ذلك مِمَّا يَثْبُتُ مَوْتُهُ منها وَلَوْ قَطَعَ رَجُلٌ يَدَهُ وَآخَرُ رِجْلَهُ وَجَرَحَهُ آخَرُ ثُمَّ مَاتَ فقال وَرَثَتُهُ برأ من جِرَاحِ أَحَدِهِمْ وَمَاتَ من جِرَاحِ الْآخَرِ فَإِنْ صَدَّقَهُمْ الْجَانُونَ فَالْقَوْلُ ما قالوا وَعَلَى الذي مَاتَ من جِرَاحِهِ الْقِصَاصُ في النَّفْسِ أو الْأَرْشُ وَعَلَى الذي بَرَأَتْ جِرَاحَتُهُ الْقِصَاصُ من الْجِرَاحِ أو دِيَةُ الْجِرَاحِ وَإِنْ صَدَّقَهُمْ الذي قال إنَّ جِرَاحَهُ بَرَأَتْ وَكَذَّبَهُمْ الذي قال إنَّ جِرَاحَهُ لم تَبْرَأْ فقال بَلْ مَاتَ من جِرَاحِ الذي زَعَمْت أَنَّ جِرَاحَهُ بَرَأَتْ وَبَرَأْت جِرَاحِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْقَتْلُ أَبَدًا وَلَا النَّفْسُ حتى يَشْهَدَ الشُّهُودُ أَنَّ الْمَجْرُوحَ لم يَزَلْ مَرِيضًا من جِرَاحِ الْجَارِحِ حتى مَاتَ وَلَوْ قال مَاتَ من جِرَاحِنَا مَعًا فَمَنْ قَتَلَ اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ جَعَلَ على الذي أَقَرَّ الْقَتْلَ فَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَأْخُذُوا منه الدِّيَةَ لم يَجْعَلْ عليه إلَّا نِصْفَهَا لِأَنَّهُ يقول إنَّهُ مَاتَ من جِرَاحِنَا مَعًا - * الْعِلَلُ في الْقَوَدِ - *

(6/63)


فَسَأَلَ الْقِصَاصَ لم يُقَصَّ له بِهِ وَلَوْ لم يَأْتِ صَاحِبُ الْوُسْطَى حتى انْقَطَعَ طَرَفُ أُنْمُلَتِهِ أو قُطِعَ بِقِصَاصٍ كان له الْقِصَاصُ وإذا قَطَعَ الرَّجُلُ يَدَ الرَّجُلِ وَالْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ نِضْوُ الْخَلْقِ ضَعِيفُ الْأَصَابِعِ قَصِيرُهَا أو قَبِيحُهَا أو مَعِيبٌ بَعْضُهَا عَيْبًا ليس بِشَلَلٍ وَالْقَاطِعُ تَامُّ الْيَدِ وَالْأَصَابِعِ حَسَنُهَا قُطِعَتْ بها وَكَذَلِكَ لو كان الْمَقْطُوعُ هو التَّامُّ الْيَدِ وَالْقَاطِعُ هو الناقصها كانت له لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا في الْقِصَاصِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا جَنَى الرَّجُلُ على عَيْنِ الرَّجُلِ فَفَقَأَهَا فَالْجِنَايَةُ عليه وَإِنْ سَأَلَ أَنْ يُمْتَحَنَ فَيُعْلَمَ أَنَّهُ لَا يُبْصِرُ بها فَلَيْسَ في هذا مُثْلَةٌ وفي هذه الْقَوَدُ إنْ كان عَمْدًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمَجْنِيُّ عليه الْعَقْلَ فإذا شَاءَ الْعَقْلَ فَفِيهَا خَمْسُونَ من الْإِبِلِ حَالَّةً في مَالِ الْجَانِي دُونَ عَاقِلَتِهِ وَإِنْ كانت الْجِنَايَةُ خَطَأً فَفِيهَا خَمْسُونَ من الْإِبِلِ على عَاقِلَتِهِ ثُلُثَا الْخَمْسِينَ في مُضِيِّ سَنَةٍ وَثُلُثُ الْخَمْسِينَ في مُضِيِّ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنْ جُرِحَتْ عَيْنُ رَجُلٍ أو ضُرِبَتْ وَابْيَضَّتْ فقال الْمَجْنِيُّ عليه قد ذَهَبَ بَصَرُهَا سُئِلَ أَهْلُ الْعِلْمِ بها فَإِنْ قالوا قد نُحِيطُ بِذَهَابِ الْبَصَرِ عِلْمًا لم يُقْبَلْ منهم على ذَهَابِ الْبَصَرِ إذَا كانت الْجِنَايَةُ عَمْدًا فَفِيهَا الْقَوَدُ إلَّا شَاهِدَانِ حُرَّانِ مُسْلِمَانِ عَدْلَانِ وَقُبِلَ إنْ كانت خَطَأً لَا قَوَدَ فيها شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ وَشَاهِدٌ وَيَمِينُ الْمَجْنِيِّ عليه وَيَسْأَلُ من يَقْبَلُ من أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْبَصَرِ فَإِنْ قالوا إذَا ذَهَبَ الْبَصَرُ لم يَعُدْ وَقَالُوا نَحْنُ نَعْلَمُ ذَهَابَهُ وَمَكَانَهُ قضى لِلْمَجْنِيِّ عليه بِالْقِصَاصِ في الْعَمْدِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْأَرْشَ أو الْأَرْشَ في الْخَطَأِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَصَرِ فَقَالُوا ما يَكُونُ عِلْمُنَا بِذَهَابِ الْبَصَرِ عِلْمًا حتى يَأْتِيَ على الْمَجْنِيِّ عليه مُدَّةٌ ثُمَّ نَنْظُرُ إلَى بَصَرِهِ فَإِنْ كان بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ على ما نَرَاهُ فَقَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ لم يُقْضَ له حتى تَأْتِيَ تِلْكَ الْمُدَّةُ ما لم يَحْدُثْ عليه حَادِثٌ وَكَذَلِكَ إنْ قال هَكَذَا عَدَدٌ من أَهْلِ الْبَصَرِ وَخَالَفَهُمْ غَيْرُهُمْ لم أَقْضِ له حتى تَأْتِيَ تِلْكَ الْمُدَّةُ التي يُجْمَعُونَ على أنها إذَا كانت ولم يُبْصِرْ فَقَدْ ذَهَبَ الْبَصَرُ وَإِنْ لم يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْبَصَرِ في أنها لَا تَعُودُ لِيُبْصِرَ بها أَحَلَفْت الْمَجْنِيَّ عليه مع شَاهِدِهِ في الْخَطَأِ وَقَضَيْت بِذَهَابِ بَصَرِهِ فإذا شَهِدَ من أَقْبَلُ شَهَادَتَهُ أَنَّ بَصَرَهُ قد ذَهَبَ وَأَخَّرْته إلَى الْمُدَّةِ التي وَصَفُوا أَنَّهُ إذَا بَلَغَهَا قال أَهْلُ الْبَصَرِ الَّذِينَ يَجْتَمِعُونَ لَا يَعُودُ بَصَرُهُ فَمَاتَ قَبْلَهَا أو اصاب عَيْنَهُ شَيْءٌ بَخَقَهَا فَذَهَابُهَا من الْجَانِي الْأَوَّلِ حتى يَسْتَيْقِنَ أَنَّ ذَهَابَ بَصَرِهَا من وَجَعٍ أو جِنَايَةٍ وَلَيْسَ على الْجَانِي الْآخَرِ إلَّا حُكُومَةٌ وكان على الْجَانِي الْأَوَّلِ الْقَوَدُ إنْ كان عَمْدًا وَالْعَقْلُ إنْ كانت الْجِنَايَةُ خَطَأً وَإِنْ قال الْجَانِي الْأَوَّلُ أَحْلِفُوا لي الْمَجْنِيَّ عليه ما عَادَ بَصَرُهُ مُنْذُ جَنَيْت عليه إلَى أَنْ جَنَى هذا عليه فَعَلْنَاهُ وَكَذَلِكَ إنْ قال أَحْلِفُوا وَرَثَتَهُ أَحَلَفْنَاهُمْ على عِلْمِهِمْ وَكَذَلِكَ إنْ قال لم يَكُنْ بَصَرُهُ ذَهَبَ أُحْلِفُوا لقد ذَهَبَ بَصَرُهُ وَلَوْ لم يَحْلِفْ الْمَجْنِيُّ عليه وَأَقَرَّ أَنْ قد أَبْصَرَ أو جاء قَوْمٌ فَقَالُوا قد ذَكَرَ أَنَّ بَصَرَهُ عَادَ عليه
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا قَطَعَ الرَّجُلُ يَدَ الرَّجُلِ وَفِيهَا أُصْبُعٌ شَلَّاءُ أو مَقْطُوعَةُ أُنْمُلَةٍ وَالْقَاطِعُ تَامُّ الْأَصَابِعِ لم يُقَدْ منه لِلْمَقْطُوعِ لِنَقْصِ يَدِهِ عن يَدِهِ وَلَوْ قال اقْطَعُوا لي من أَصَابِعِهِ بِقَدْرِ أَصَابِعِي وَأُبْطِلُ حَقِّي في الْكَفِّ قُطِعَ له ذلك لِأَنَّهُ أَهْوَنُ من قَطْعِ الْكَفِّ كُلِّهَا وإذا كانت في الرَّجُلِ الْحَيَاةُ وَإِنْ كان أَعْمَى أَصَمَّ فَقَتَلَهُ صَحِيحٌ قُتِلَ بِهِ ليس في النَّفْسِ نَقْصُ حُكْمٍ عن النَّفْسِ وَفِيمَا سِوَى النَّفْسِ نَقْصٌ عن مِثْلِهِ من يَدٍ أو رِجْلٍ إذَا كان النَّقْصُ عَدَمًا أو شَلَلًا أو في مَوْضِعِ شَجَّةٍ وَغَيْرِهَا فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا شَجَّ رَجُلًا في قَرْنِهِ وَالشَّاجُّ أَسْلَخُ الْقَرْنِ فَلِلْمَشْجُوجِ الْخِيَارُ في الْقِصَاصِ أو أَخْذُ الْأَرْشِ وَلَوْ كان الْمَشْجُوجُ أَسْلَخَ الْقَرْنِ لم يَكُنْ لِلْمَشْجُوجِ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ أَنْقَصُ الشَّعْرِ عن الشَّاجِّ وَلَوْ كان خَفِيفَ الشَّعْرِ أو فيه قَرَعٌ قَلِيلٌ يَكْتَسِي بِالشَّعْرِ إنْ طَالَ شَيْءٌ كان له الْقِصَاصُ ( قال الرَّبِيعُ ) قال أبو يَعْقُوبَ لَا تُقْطَعُ أُصْبُعٌ صَحِيحَةٌ بِشَلَّاءَ وَلَا نَاقِصَةُ أُنْمُلَةٍ وَلَهُ حُكُومَةٌ في الشَّلَّاءِ وَأَرْشُ الْمَقْطُوعَةِ الْأُنْمُلَةِ - * ذَهَابُ الْبَصَرِ - *

(6/64)


أو رَأَيْنَاهُ يُبْصِرُ بِعَيْنِهِ أَبْطَلْنَا جِنَايَةَ الْأَوَّلِ وَجَعَلْنَا الْجِنَايَةَ على الْآخَرِ وَإِنْ لم نَجِدْ من يَعْلَمُ ذلك ولم يَقُلْهُ إلَّا بَعْدَ جِنَايَةِ الْآخَرِ بَطَلَتْ جِنَايَةُ الْأَوَّلِ عليه بِإِقْرَارِهِ ولم يُصَدَّقْ على الْآخَرِ لِأَنَّهُ جَنَى على بَصَرِهِ وهو ذَاهِبٌ وَلَا يَعْلَمُ ذِكْرُهُ رُجُوعَ بَصَرِهِ قبل الْجِنَايَةِ أو أُحْلِفَ الْجَانِي الْآخَرُ لقد جَنَى عليه وما يُبْصِرُ من جِنَايَةِ الْأَوَّلِ عليه وَغَيْرِ جِنَايَتِهِ وَهَكَذَا وَرَثَتُهُ لو قالوا قَوْلَهُ وَإِنَّمَا أَقْبَلُ قَوْلَ أَهْلِ الْبَصَرِ إذَا ادَّعَى الْمَجْنِيُّ عليه ما قالوا فَإِنْ قال هو أنا أُبْصِرُ أو قد عَادَ إلَيَّ بَصَرِي أو قال ذلك وَرَثَتُهُ فإن الْجِنَايَةَ سَاقِطَةٌ عن الْجَانِي وَإِنْ قال أَهْلُ الْبَصَرِ بِالْعُيُونِ قد يَذْهَبُ الْبَصَرُ لِعِلَّةٍ فيه ثُمَّ يُعَالَجُ فَيَعُودُ أو يَعُودُ بِلَا عِلَاجٍ وَلَا يُؤَيَّسُ من عَوْدَتِهِ أَبَدًا إلَّا بِأَنْ تُبْخَقَ الْعَيْنُ أو تُقْلَعَ وَقَالُوا قد ذَهَبَ بَصَرُ هذا وَالطَّمَعُ بِهِ السَّاعَةَ وَبَعْدَ مِائَةِ سَنَةٍ وَالْيَأْسُ منه سَوَاءٌ فَإِنِّي أَقْضِي له مَكَانَهُ بِالْأَرْشِ إنْ كانت الْجِنَايَةُ خَطَأً وَالْقَوَدِ إنْ كانت عَمْدًا وَكَذَلِكَ أَقْضِي لِلرَّجُلِ الذي قد ثُغِرَ بِقَلْعِ سِنِّهِ وَإِنْ قِيلَ قد يَعُودُ وَلَا يَعُودُ وَإِنْ قال أَهْلُ الْبَصَرِ بِالْعُيُونِ ما عِنْدَنَا من هذا عِلْمٌ صَحِيحٌ بِحَالٍ إذَا كانت الْعَيْنُ قَائِمَةً أَحَلَفْت الْمَجْنِيَّ عليه لقد ذَهَبَ بَصَرُهُ ثُمَّ قَضَيْت له بِالْقَوَدِ في الْعَمْدِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْعَقْلَ فيه وَقَضَيْت له بِالْعَقْلِ في الْخَطَأِ فإذا قَضَيْت له بِقَوَدٍ أو عَقْلٍ ثُمَّ عَادَ بَصَرُ الْمُسْتَقَادِ له فَإِنْ شَهِدَ أَهْلُ الْعَدْلِ من أَهْلِ الْبَصَرِ أَنَّ الْبَصَرَ قد يَعُودُ بَعْدَ ذَهَابِهِ بِعِلَاجٍ أو غَيْرِ عِلَاجٍ لم أَجْعَلْ لِلْمُسْتَقَادِ منه شيئا ولم أَرُدَّهُ بِشَيْءٍ أَخَذَهُ منه وَكَذَلِكَ لو عَادَ بَصَرُ الْمُسْتَقَادِ منه لم أَعْدُ عليه بِفَقْءِ بَصَرِهِ وَلَا سَمْلِهِ وَلَا بِعَقْلٍ وَإِنْ قال أَهْلُ الْبَصَرِ لَا يَكُونُ أَنْ يَذْهَبَ الْبَصَرُ بِحَالٍ ثُمَّ يَعُودُ بِعِلَاجٍ وَلَا غَيْرِهِ وَلَكِنْ قد تَعْرِضُ له الْعِلَّةُ تَمْنَعُهُ الْبَصَرَ ثُمَّ تَذْهَبُ الْعِلَّةُ فَيَعُودُ الْبَصَرُ فَاسْتُقِيدَ من رَجُلٍ ثُمَّ عَادَ بَصَرُ الْمُسْتَقَادِ له لم يُرْجَعْ على الْمُسْتَقَادِ له بِعَوْدِ الْبَصَرِ وَلَا على الْوَالِي بِشَيْءٍ وَأُعْطِيَ الْمُسْتَقَادُ منه أَرْشَ عَيْنِهِ من عَاقِلَةِ الْحَاكِمِ وقد قِيلَ يُعْطَاهُ مِمَّا يَرْزُقُ السُّلْطَانُ وَيُصْلِحُ أَمْرَ رِعَايَةِ الْمُسْلِمِينَ من سَهْمِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من الْخُمُسِ وَلَكِنْ لو كان الْمَجْنِيُّ عليه أَخَذَ من الْجَانِي أو عَاقِلَتِهِ أَرْشَ الْعَقْلِ ثُمَّ عَادَ بَصَرُهُ رَجَعَ الْجَانِي أو عَاقِلَتُهُ عليه بِمَا أَخَذَهُ منهم وَلَا يُتْرَكُ له منه شَيْءٌ وَلَوْ لم يَعُدْ بَصَرُ الْمُسْتَقَادِ له وَعَادَ بَصَرُ الْمُسْتَقَادِ منه عِيدَ له في هذا الْقَوْلِ بِمَا يُذْهِبُ بَصَرُهُ ثُمَّ كُلَّمَا عَادَ بَصَرُهُ عِيدَ له فَأُذْهِبَ قَوَدًا أو أَخَذَ منه الْعَقْلَ إنْ شَاءَ ذلك الْمَجْنِيُّ عليه وإذا كان الْمُصَابَةُ عَيْنُهُ مَغْلُوبًا أو صَبِيًّا لَا يَعْقِلُ فإذا قَبِلْت قَوْلَ أَهْلِ الْبَصَرِ جَعَلْت على الْجَانِي عليه الْأَرْشَ في الْخَطَأِ وَكَذَلِكَ أَجْعَلُهُ عليه في الْعَمْدِ إنْ لم يَكُنْ على الْجَانِي قَوَدٌ ولم أَنْتَظِرْ بِهِ شيئا في الْوَقْتِ الذي أَقْضِي بِهِ فيه لِلَّذِي يَعْقِلُ وَيَدَّعِي ذَهَابَ بَصَرِهِ وَيَشْهَدُ له أَهْلُ الْبَصَرِ بِذَهَابِهِ وإذا لم أَقْبَلْ قَوْلَ أَهْلِ الْبَصَرِ لم أَقْضِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا في عَيْنِهِ الْقَائِمَةِ بِشَيْءٍ بِحَالٍ حتى يُفِيقَ الْمَعْتُوهُ أو يَبْلُغَ الصَّبِيُّ فَيَدَّعِي ذَهَابَ بَصَرِهِ وَيَحْلِفُ على ذلك أو يَمُوتَا فيقضي بِذَلِكَ لِوَرَثَتِهِمَا وَتَحْلِفُ وَرَثَتُهُ لقد ذَهَبَ بَصَرُهُ وإذا كان ما لَا شَكَّ فيه من بَخْقِ الْبَصَرِ أو إخْرَاجِ الْعَيْنِ في الْخَطَأِ قُضِيَ لِلْمَعْتُوهِ وَالصَّبِيِّ وَغَيْرِهِمَا مَكَانَهُمْ بِالْعَقْلِ وَلِلْبَالِغِ بِالْقَوَدِ في الْعَمْدِ إذَا طَلَبَهُ وَيُحْبَسُ الْجَانِي في الْعَمْدِ على الْمَعْتُوهِ وَالصَّبِيِّ أَبَدًا حتى يُفِيقَ هذا وَيَبْلُغَ هذا فَيَلِي ذلك لِنَفْسِهِ أو يَمُوتُ فَتَقُومُ وَرَثَتُهُ فيه مَقَامَهُ وَمَتَى ما بَلَغَ هذا أو أَفَاقَ هذا جَبَرْته مَكَانَهُ على اخْتِيَارِ الْعَقْلِ أو الْقَوَدِ أو الْعَفْوِ ولم أَحْبِسْ الْجَانِي أَكْثَرَ من بُلُوغِهِ أو إفَاقَتِهِ وَكَذَلِكَ أُجْبِرُ وَارِثَهُ إنْ مَاتَ إنْ كان بَالِغًا وإذا اُبْتُلِيَ بَصَرُ الْمَجْنِيِّ عليه وَقَبِلْت قَوْلَ أَهْلِ الْبَصَرِ فَقَالُوا لم يَذْهَبْ الْآنَ وَنَحْنُ نَنْتَظِرُ بِهِ إلَى وَقْتِ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ ذَهَبَ وَإِلَّا فَقَدْ سَلِمَ أَنْتَظِرَ بِهِ وَقَبِلَ قَوْلُهُمْ وَإِنْ أَنْكَرَ ذلك الْجَانِي وإذا قَبِلْت قَوْلَهُمْ فَقَالُوا إذْ لم يَذْهَبْ الْآنَ إلَى هذا الْوَقْتِ فَلَا يَذْهَبُ إلَّا من حَادِثٍ بَعْدَهُ أَبْطَلْت الْجِنَايَةَ وإذا لم أَقْبَلْ قَوْلَهُمْ وقال الْمَجْنِيُّ عليه أنا أَجِدُ في بَصَرِي ظُلْمَةً فَأُبْصِرُ بِهِ دُونَ ما كُنْت أُبْصِرُ أو أَجِدُ فيه ثِقَلًا وَأَلَمًا ثُمَّ جَاءَتْ عليه مُدَّةٌ
____________________

(6/65)


فقال ذَهَبَ ولم يَذْهَبْ منه الْوَجَعُ أو ما كُنْت أَجِدُ فيه حتى ذَهَبَ أَحَلَفْته لقد ذَهَبَ من الْجِنَايَةِ وَجَعَلْت الْقَوْلَ قَوْلَهُ وَجَعَلْت له الْقِصَاصَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْعَقْلَ ولم أَقْبَلْ قَوْلَ الْجَانِي إذَا عَلِمْت الْجِنَايَةَ كما أَصْنَعُ فيه إذَا جَرَحَهُ فلم يَزَلْ ضَمِنًا حتى مَاتَ وَلَوْ قال قد ذَهَبَ جَمِيعُ ما كُنْت أَجِدُ فيه وَصَحَّ ثُمَّ ذَهَبَ بَعْدُ بَصَرُهُ جَعَلْته ذَاهِبًا بِغَيْرِ جِنَايَةٍ لَا شَيْءَ فيه وَسَوَاءٌ عَيْنُ الْأَعْوَرِ وَعَيْنُ الصَّحِيحِ في الْقَوَدِ وَالْعَقْلِ لَا يَخْتَلِفَانِ وإذا كان الرَّجُلُ ضَعِيفَ الْبَصَرِ غير ذَاهِبِهِ فَفِيهِ كَعَيْنِ الصَّحِيحِ الْبَصَرِ في الْعَقْلِ وَالْقَوَدِ كما يَكُونُ ضَعِيفَ الْيَدِ فَتَكُونُ يَدُهُ كَيَدِ الْقَوِيِّ وَإِنْ كان بِعَيْنِهِ بَيَاضٌ وكان على النَّاظِرِ وكان بَصَرُهُ بها أَقَلَّ من بَصَرِهِ بِالصَّحِيحَةِ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ ذلك نِصْفُ الْبَصَرِ أو ثُلُثُهُ قُضِيَ له بِأَرْشٍ ما عَلِمَ أَنَّهُ بَصَرُهُ لم يَزِدْ عليه ولم يُقَدْ من صَحِيحِ الْبَصَرِ وكان ذلك كَالْقَطْعِ وَالشَّلَلِ في بَعْضِ الْأَصَابِعِ دُونَ بَعْضٍ وَلَا يُشْبِهُ هذا نَقْصَ الْبَصَرِ من نَفْسِ الْخِلْقَةِ أو الْعَارِضِ وَلَا عِلَّتَهُ دُونَ الْبَصَرِ وَإِنْ كان الْبَيَاضُ على غَيْرِ النَّاظِرِ فَهِيَ كَعَيْنِ الصَّحِيحِ وَكَذَلِكَ كُلُّ عَيْبٍ فيها لَا يُنْقِصُ بَصَرَهَا بِتَغْطِيَةٍ له أو لِبَعْضِهِ وَإِنْ كان الْبَيَاضُ على النَّاظِرِ وكان رَقِيقًا يُبْصِرُ من تَحْتِهِ بَصَرًا دُونَ بَصَرِهِ لو لم يَكُنْ عليه الْبَيَاضُ فَفِيهِ حُكُومَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَعْرِفُ قَدْرَ بَصَرِهِ بِالْعَيْنِ التي فيها الْبَيَاضُ وَبَصَرُهُ بِالْعَيْنِ التي لَا بَيَاضَ فيها فَيُجْعَلُ له قَدْرُهُ كَأَنْ كان يُبْصِرُ من تَحْتِ الْبَيَاضِ نِصْفَ بَصَرِهِ بِالصَّحِيحَةِ فَأُطْفِئَتْ عَيْنُهُ فَفِيهَا نِصْفُ عَقْلِ الْبَصَرِ وَلَا قَوَدَ بِحَالٍ عَمْدًا كانت الْجِنَايَةُ عليها أو خَطَأً - * النَّقْصُ في الْبَصَرِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا جَنَى الرَّجُلُ على بَصَرِ الرَّجُلِ عَمْدًا فَنَقَصَ بَصَرُ الْمَجْنِيِّ عليه فَلَا قَوَدَ له لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ على أَنْ يُنْقِصَ من بَصَرِ الْجَانِي بِقَدْرِ ما نَقَصَ من بَصَرِ الْمَجْنِيِّ عليه فَلَا يُجَاوِزُهُ وَكَذَلِكَ لو كان في عَيْنِ الْمَجْنِيِّ عليه بَيَاضٌ فَأَذْهَبَهَا الْجَانِي فَلَا قِصَاصَ وَلَا قِصَاصَ في ذَهَابِ الْبَصَرِ حتى يَذْهَبَ بَصَرُ الْمَجْنِيِّ عليه فإذا ذَهَبَ كُلُّهُ فَإِنْ كان بَخَقَ عَيْنَ الْمَجْنِيِّ عليه بُخِقَتْ عَيْنُهُ وإذا كان قَلَعَهَا قُلِعَتْ عَيْنُهُ وَإِنْ كان ضَرَبَهَا حتى ذَهَبَ بَعْضُ بَصَرِهَا أو أَشْخَصَهَا عن مَوْضِعِهَا ولم يُنْدِرْهَا من مَوْضِعِهَا قِيلَ لِلْمَجْنِيِّ عليه لَا تَقْدِرُ على أَنْ تَصْنَعَ بِعَيْنِهِ هذا فَإِنْ قال أَهْلُ الْبَصَرِ بِالْعُيُونِ إنَّ الْبَصَرَ كُلَّمَا أَبْعَدَ كان أَكَّلَ له وَكَانُوا يَعْرِفُونَ بِالذَّرْعِ قَدْرَ ما ذَهَبَ من الْبَصَرِ مَعْرِفَةَ إحَاطَةٍ قَبِلْت منهم وَإِنْ لم يَعْرِفُوهُ مَعْرِفَةَ إحَاطَةٍ وَاخْتَلَفُوا جَعَلْته بِالذَّرْعِ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ ولم أَزِدْ الْمَجْنِيَّ عليه على حِصَّةِ ما نَقَصَ بَصَرُهُ بِالذَّرْعِ وَإِنْ ذَهَبَ بَصَرُهَا كُلُّهُ وَأَشْخَصَهَا عن مَوْضِعِهَا قِيلَ له إنْ شِئْت أَذْهَبْنَا لك بَصَرَهُ وَلَا شَيْءَ لك غير ذلك وَإِنْ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ضَرَبَ الرَّجُلُ عَيْنَ الرَّجُلِ فَقَبِلْت قَوْلَ أَهْلِ الْبَصَرِ بِالْعُيُونِ أَنَّ بَصَرَهَا نَقَصَ ولم يُحِدُّوا نَقْصَهُ وَلَا أَحْسَبُهُمْ يُحِدُّونَهُ أو قَبِلْت قَوْلَ الْمَجْنِيِّ عليه إنَّهُ نَقَصَ اخْتَبَرْته بِأَنْ أَعْصِبَ على عَيْنِهِ الْمَجْنِيِّ عليها ثُمَّ أَنْصِبُ له شَخْصًا على رَبْوَةٍ أو مُسْتَوًى فإذا أَثْبَتَهُ بِعِدَّتِهِ حتى يَنْتَهِيَ بَصَرُهُ فَلَا يُثْبِتهُ ثُمَّ أَعْصِبُ عَيْنَهُ الصَّحِيحَةَ وَأُطْلِقُ عَيْنَهُ الْمَجْنِيَّ عليها فَأَنْصِبُ له شَخْصًا فإذا أَثْبَتَهُ بِعِدَّتِهِ حتى يَنْتَهِيَ بَصَرُهَا ثُمَّ أَذْرَعُ مُنْتَهَى بَصَرِ الْمَجْنِيِّ عليها وَالْعَيْنِ الصَّحِيحَةِ فَإِنْ كان يُبْصِرُ بها نِصْفَ بَصَرِ عَيْنِهِ الصَّحِيحَةِ جَعَلْت له نِصْفَ أَرْشِ الْعَيْنِ وَلَا قَوَدَ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ على قَوَدٍ من نِصْفِ بَصَرٍ وَإِنْ قال أَهْلُ الْبَصَرِ بِالْعُيُونِ إنَّ الْبَصَرَ كُلَّمَا أَبْعَدْته كان أَكَلَّ له وَكَانُوا يَعْرِفُونَ بِالذَّرْعِ قَدْرَ ما ذَهَبَ من الْبَصَرِ مَعْرِفَةَ إحَاطَةٍ قَبِلْتُ منهم وَإِنْ لم يَعْرِفُوا مَعْرِفَةَ إحَاطَةٍ أو اخْتَلَفُوا جَعَلْته بِالذَّرْعِ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ ولم أَزِدْ الْمَجْنِيَّ عليه على حِصَّةِ ما نَقَصَ بَصَرُهُ بِالذَّرْعِ وَإِنْ قال الْجَانِي أَحْلِفْ الْمَجْنِيَّ عليه ما يَثْبُتُ الشَّخْصُ حَيْثُ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يُثْبِتُهُ أَحَلَفْته له ولم أَقْضِ له حتى يَحْلِفَ وَإِنَّمَا قُلْت لَا أَسْأَلُ أَهْلَ الْعِلْمِ عن حَدِّ تقص ( ( ( نقص ) ) ) الْبَصَرِ أو لَا أَنِّي سَمِعْت بَعْضَ من يُنْسَبُ إلَى الصِّدْقِ وَالْبَصَرِ يقول لَا يُحَدُّ أَبَدًا نَقْصُ الْعَيْنِ إذَا بَقِيَ فيها من الْبَصَرِ شَيْءٌ قَلَّ أو كَثُرَ إلَّا بِمَا وَصَفْت من نَصْبِ الشَّخْصِ له

(6/66)


شِئْت فَالْعَقْلُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ ضَرَبَ عَيْنَهُ فَأَدْمَاهَا ولم يَذْهَبْ بَصَرُهَا فَلَا قِصَاصَ وَلَا أَرْشَ مَعْلُومٌ وَفِيهَا حُكُومَةٌ وَيُعَاقَبُ الضَّارِبُ - * اخْتِلَافُ الْجَانِي وَالْمَجْنِيِّ عليه في الْبَصَرِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا جَنَى الرَّجُلُ على بَصَرِ الرَّجُلِ فقال جَنَيْت عليه وَبَصَرُهُ ذَاهِبٌ فَعَلَى الْمَجْنِيِّ عليه الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ كان يُبْصِرُ بها قبل أَنْ يَجْنِيَ عليه وَيَسَعُ الْبَيِّنَةَ الشَّهَادَةُ على ذلك إذَا رَأَوْهُ يَتَصَرَّفُ تَصَرُّفَ الْبَصِيرِ وَيَتَّقِي ما يَتَّقِي وَهَكَذَا إذَا جَنَى على بَصَرِ صَبِيٍّ أو مَعْتُوهٍ فقال جَنَيْت عليه وهو لَا يُبْصِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ وَعَلَى أَوْلِيَائِهِمَا الْبَيِّنَةُ أَنَّهُمَا كَانَا يُبْصِرَانِ قبل يجنى عَلَيْهِمَا وَيَسَعُ الْبَيِّنَةَ الشَّهَادَةُ إنْ كَانَا يَرَيَانِهِمَا يَتَّقِيَانِ بِهِ اتِّقَاءَ الْبَصِيرِ وَيَتَصَرَّفَانِ تَصْرِفَهُ وَهَكَذَا الْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي فِيمَا جَنَى عليه من شَيْءٍ فقال جَنَيْت عليه وهو غَيْرُ صَحِيحٍ كَأَنْ قَطَعَ أُذُنَهُ فقال ضَرَبْتهَا وَهِيَ مَقْطُوعَةٌ قبل ضَرْبَتِهَا فإن الْبَيِّنَةَ على الْمَقْطُوعَةِ أُذُنُهُ بِأَنَّهُ كانت له أُذُنٌ صَحِيحَةٌ قبل أَنْ يَقْطَعَهَا وَكَذَلِكَ لو جاء رَجُلٌ إلَى رَجُلٍ مُسَجًّى بِثَوْبٍ فَقَطَعَهُ بِاثْنَيْنِ فقال قَطَعْته وهو مَيِّتٌ أو جاء قَوْمًا في بَيْتٍ فَهَدَمَهُ عليهم فقال هَدَمْته وَهُمْ مَوْتَى كان الْقَوْلُ قَوْلَ الْجَانِي مع يَمِينِهِ وَعَلَى أَوْلِيَائِهِمْ الْبَيِّنَةُ إن الْحَيَاةَ كانت فِيهِمْ قبل الْجِنَايَةِ فإذا أَقَامُوهَا لم يُقْبَلْ قَوْلُ الْجَانِي حتى تَثْبُتَ له بَيِّنَةٌ أَنَّهُ قد حَدَثَ لهم مَوْتٌ قبل الْجِنَايَةِ ( قال الرَّبِيعُ ) وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الَّذِينَ هُدِمَ عليهم الْبَيْتُ على الْحَيَاةِ التي قد عَرَفْت منهم حتى يُقِيمَ الذي هَدَمَ عليهم الْبَيْتَ أَنَّهُمْ مَاتُوا قبل أَنْ يَهْدِمَهُ - * الْجِنَايَةُ على الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ولم أَعْلَمْ مُخَالِفًا لَقِيتُهُ أَنَّهُ ليس في الْيَدِ الشَّلَّاءِ وَلَا الْمُنْبَسِطَةِ غَيْرِ الشَّلَّاءِ إذَا كانت لَا تَنْقَبِضُ وَلَا تَنْبَسِطُ أو كان انْبِسَاطُهَا بِلَا انْقِبَاضٍ أو انْقِبَاضُهَا بِغَيْرِ انْبِسَاطٍ عَقْلٌ مَعْلُومٌ وَإِنَّمَا يَتِمُّ عَقْلُهَا إذَا جني عليها صَحِيحَةً تَنْقَبِضُ وَتَنْبَسِطُ فَأَمَّا إذَا بَلَغَتْ هذا فَكَانَتْ لَا تَنْقَبِضُ وَلَا تَنْبَسِطُ فَإِنَّمَا فيها حُكُومَةٌ فإذا كان هذا هَكَذَا فَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَقُولُوا في الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ وَلَا يَكُونُ فيها عَقْلٌ مَعْلُومٌ وأنا أَحْفَظُ عن عَدَدٍ منهم في الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ هذا وَبِهِ أَقُولُ وَيَكُونُ فيها حُكُومَةٌ وَكُلُّ ما قُلْت فيه حُكُومَةٌ فَأَحْسَبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تُبَانَ حُكُومَةٌ إلَّا بِأَنْ يُقَالَ اُنْظُرُوا كَأَنَّهَا جَارِيَةٌ فُقِئَتْ عَيْنٌ لها قَائِمَةٌ كَمْ كانت قِيمَتُهَا وَعَيْنُهَا قَائِمَةٌ بِبَيَاضٍ أو ظُفْرٍ أو غَيْرِ ذلك فَإِنْ قالوا قِيمَتُهَا وَعَيْنُهَا قَائِمَةٌ هَكَذَا خَمْسُونَ دينارأ قِيلَ فَكَمْ قِيمَتُهَا الْآنَ حين بُخِقَتْ عَيْنُهَا فَصَارَتْ إلَى هذا وَبَرَأَتْ فَإِنْ قالوا أَرْبَعُونَ دِينَارًا جَعَلْت في عَيْنِ الرَّجُلِ الْقَائِمَةِ خُمْسَ دِيَتِهِ وَإِنْ قالوا خَمْسَةً وَثَلَاثُونَ دِينَارًا جَعَلْت في عَيْنِ الْمَجْنِيِّ عليه خُمْسًا وَنِصْفَ خُمْسٍ وهو خُمْسٌ وَعُشْرُ دِيَتِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا كُلُّ ما سِوَى هذا فَإِنْ قالوا بَلْ نَقَصَهَا هذا الْبَخْقُ نِصْفَ قِيمَتِهَا عَمَّا كانت عليه قَائِمَةَ الْعَيْنِ فَلَا أَحْسَبُ هذا إلَّا خَطَأً وَلَا أَحْسَبُهُمْ يَقُولُونَهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيَنْقُصُ من النِّصْفِ شَيْءٌ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا جَعَلَ في الْعَيْنِ الصَّحِيحَةِ نِصْفَ الدِّيَةِ لم يَجُزْ أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ الْقَائِمَةُ كَالْعَيْنِ الصَّحِيحَةِ وقد قَضَى زَيْدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَلَعَلَّهُ قَضَى بِهِ على هذا الْمَعْنَى
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ ضَرَبَهَا فَأَنْدَرَهَا ولم تُثْبِتْ أَنَدَرَتْ عَيْنُهُ بها وَإِنْ قال ضَرَبَهَا فَأَنْدَرَهَا فَرُدَّتْ وَذَهَبَ بَصَرُهَا أَنَدَرَتْ عَيْنُهُ وَقِيلَ له إنْ شِئْت فَرُدَّهَا وَإِنْ شِئْت فَدَعْ ولم تُعْطَ عَقْلًا بِمَا صَنَعَ بِكَ إذَا أَقَدْت فَإِنْ كانت لَا تَعُودُ ثُمَّ ثَبَتَتْ فلم تَثْبُتْ إلَّا وقد بَقِيَ لها عِرْقٌ فَرُدَّتْ فَثَبَتَتْ لم تُنْدَرُ عَيْنُهُ بها لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ على أَنْ تَنْدُرَ ثُمَّ تَعُودُ وَيَبْقَى لها عِرْقٌ وَقِيلَ لِلْمَجْنِيِّ عليه إنْ شِئْت أَذْهَبْنَا لك بَصَرَهُ وَإِنْ شِئْت فَالْعَقْلُ==

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حدود المجاز في بلاغة العرب وانعكاس التمادي في تجاوزه علي اخطاء الفقهاء وسوء سلوكيات الناس

  ➎ ضحي الإيمان الجمعة، 4 يونيو 2021 قواعد مهمة في المجاز والحقيقة وبيان كيف زوروا معاني الحق الثابت حتي قي فاتل نفسه قلت المدون ...