دعائي

قلت المدون تم بحمد الله وفضله ثم قلت: اللهم فكما ألهمت بإنشائه وأعنت على إنهائه فاجعله نافعاً في الدنيا وذخيرة صالحة في الأخرى واختم بالسعادة آجالنا وحقق بالزيادة آمالنا واقرن بالعافية غدونا وآصالنا واجعل إلى حصنك مصيرنا ومآلنا وتقبل بفضلك أعمالنا إنك مجيب الدعوات ومفيض الخيرات والحمد الله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم إلى يوم الدين اللهم لنا جميعا يا رب العالمين .وسبحان الله وبحمده  عدد خلقه وزنة عرشه  ورضا نفسه ومداد كلماته  } أقولها ما حييت وبعد موتي  والي يوم الحساب وارحم  واغفر اللهم لوالديَّ ومن مات من اخوتي واهلي والمؤمنين منذ خَلَقْتَ الخلق الي يوم الحساب آمين وفرِّجِ كربي وردَّ اليَّ عافيتي وارضي عني في الدارين  واعِنِّي علي أن اُنْفِقها في سبيلك يا ربي اللهم فرِّج كربي واكفني همي واكشف البأساء والضراء عني وعنا.. وردَّ إليَّ عافيتي وثبتني علي دينك الحق ولا تُزِغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب اللهم وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وتوفنا مع الأبرار وألِّفْ بين قلوبنا اجمعين.يا عزيز يا غفار ... اللهم واشفني شفاءاً لا يُغَادر سقما واعفو عني وعافني وارحمني وفرج كربي واكفني همي واعتقني مما أصابني من مكروه أنت تعلمه واعتقني من النار وقني عذاب القبر وعذاب جهنم وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال ومن المأثم والمغرم ومن غلبة الدين وقهر الرجال اللهم آمين /اللهم ربي اشرح لي صدري ويسر لي أمري وأحلل عُقَد لساني واغنني بك عمن سواك يارب . والحمد الله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم إلى يوم الدين آمين.

الجمعة، 19 أغسطس 2022

مجلد7.ومجلد8.الأم للشافعي

 مجلد7.ومجلد8.الأم للشافعي

 7.  مجلد7.الأم
محمد بن إدريس الشافعي أبو عبد الله
سنة الولادة 150/ سنة الوفاة 204

على دَعْوَاهُ في الدَّارِ وَهَكَذَا لو صَالَحَهُ على عَرَضٍ من الْعُرُوضِ وَلَوْ كان الْأَجْنَبِيُّ صَالَحَهُ على دَنَانِيرَ أو دَرَاهِمَ أو عَرَضٍ بِصِفَةٍ أو عَبْدٍ بِصِفَةٍ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ ثُمَّ اسْتَحَقَّ كان له أَنْ يَرْجِعَ عليه بِمِثْلِ تِلْكَ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَذَلِكَ الْعَرَضِ بِتِلْكَ الصِّفَةِ وَلَوْ كان الْأَجْنَبِيُّ إنَّمَا صَالَحَهُ على دَنَانِيرَ بِأَعْيَانِهَا فَهِيَ مِثْلُ الْعَبْدِ بِعَيْنِهِ يُعْطِيهِ إيَّاهَا وَإِنْ اُسْتُحِقَّتْ أو وَجَدَ عَيْبًا فَرَدَّهَا لم يَكُنْ له على الْأَجْنَبِيِّ تِبَاعَةٌ وكان له أَنْ يَرْجِعَ على أَصْلِ دَعْوَاهُ وَالْأَجْنَبِيُّ إذَا كان صَالَحَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُدَّعَى عليه فَتَطَوَّعَ بِمَا أَعْطَى عنه فَلَيْسَ له أَنْ يَرْجِعَ بِهِ على صَاحِبِهِ الْمُدَّعَى عليه وَإِنَّمَا يَكُونُ له أَنْ يَرْجِعَ بِهِ إذَا أَمَرَهُ إن يُصَالِحَ عنه قال وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ على رَجُلٍ حَقًّا في دَارٍ فَصَالَحَهُ على بَيْتٍ مَعْرُوفٍ سِنِينَ مَعْلُومَةً يَسْكُنُهُ كان جَائِزًا أو على سَطْحٍ مَعْرُوفٍ يَبِيتُ عليه كان جَائِزًا فَإِنْ انْهَدَمَ الْبَيْتُ أو السَّطْحُ قبل السُّكْنَى رَجَعَ على أَصْلِ حَقِّهِ وَإِنْ انْهَدَمَ بَعْدَ السُّكْنَى تَمَّ من الصُّلْحِ بِقَدْرِ ما سَكَنَ وَبَاتَ وَانْتَقَضَ منه بِقَدْرِ ما بَقِيَ وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ حَقًّا في دَارٍ وَهِيَ في يَدِ رَجُلٍ عَارِيَّةً أو وَدِيعَةً أو كِرَاءً تَصَادَقَا على ذلك أو قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ من الدَّارُ في يَدَيْهِ وَمَنْ لم يَرَ أَنْ يَقْضِيَ على الْغَائِبِ لم يَقْبَلْ منه فيها بَيِّنَةً وَأَمَرَهُ إنْ خَافَ على بَيِّنَتِهِ الْمَوْتَ أَنْ يُشْهِدَ على شَهَادَتِهِمْ وَلَوْ أَنَّ الذي في يَدَيْهِ أَقَرَّ له بِدَعْوَاهُ لم يَقْضِ له بِإِقْرَارِهِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ له فِيمَا لَا يَمْلِكُ وَلَوْ صَالَحَهُ على شَيْءٍ من دَعْوَاهُ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ وَالْمُصَالِحُ مُتَطَوِّعٌ وَالْجَوَابُ فيه كَالْجَوَابِ في الْمَسَائِلِ قَبْلَهَا من الْأَجْنَبِيِّ يُصَالِحُ عن الدَّعْوَى وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ على رَجُلٍ شيئا لم يُسَمِّهِ فَصَالَحَهُ منه على شَيْءٍ لم يَجُزْ الصُّلْحُ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لو ادَّعَى في شَيْءٍ بِعَيْنِهِ حتى يُقِرَّ فإذا اقر جَازَ وَلَوْ أَقَرَّ في دَعْوَاهُ التي أَجْمَلَهَا فقال أنت صَادِقٌ فِيمَا ادَّعَيْت عَلَيَّ فَصَالَحَهُ منه على شَيْءٍ كان جَائِزًا كما يَجُوزُ لو تَصَادَقَا على شِرَاءٍ لَا يُعْلَمُ إلَّا بِقَوْلِهِمَا وَإِنْ لم يُسَمِّ الشِّرَاءَ فقال هذا ما اشْتَرَيْت مِنْك مِمَّا عَرَفْت وَعَرَفْت فَلَا تِبَاعَةَ لي قِبَلَك بَعْدَ هذا في شَيْءٍ مِمَّا اشْتَرَيْت مِنْك وَلَوْ كانت الدَّارُ في يَدَيْ رَجُلَيْنِ فَتَدَاعَيَا كُلَّهَا فَاصْطَلَحَا على أَنَّ لِأَحَدِهِمَا الثُّلُثَ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثَيْنِ أو بَيْتًا من الدَّارِ وَلِلْآخَرِ ما بَقِيَ فَإِنْ كان هذا بَعْدَ إقْرَارِهِمَا فَجَائِزٌ وَإِنْ كان على الْجَحْدِ فَلَا يَجُوزُ وَهُمَا على أَصْلِ دَعْوَاهُمَا وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ على رَجُلٍ دَعْوَى فَصَالَحَهُ منها على شَيْءٍ بعد ما أَقَرَّ له بِدَعْوَاهُ غير أَنَّ ذلك غَيْرُ مَعْلُومٍ بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عليه فقال الْمَصَالِحُ لِلَّذِي ادَّعَى عليه صَالَحْتُك من هذه الْأَرْضِ وقال الْآخَرُ بَلْ صَالَحْتُك من ثَوْبٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ وَيَكُونُ خَصْمًا له في هذه الْأَرْضِ ( قال أبو مُحَمَّدٍ ) أَصْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُمَا إذَا اخْتَلَفَا في الصُّلْحِ تَحَالَفَا وَكَانَا على أَصْلِ خُصُومَتِهِمَا مِثْلِ الْبَيْعِ سَوَاءً إذَا اخْتَلَفَا تَحَالَفَا ولم يَكُنْ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ بَعْدَ الْأَيْمَانِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كانت دَارٌ بين وَرَثَةٍ فَادَّعَى رَجُلٌ فيها دَعْوَى وَبَعْضُهُمْ غَائِبٌ أو حَاضِرٌ فَأَقَرَّ له أَحَدُهُمْ ثُمَّ صَالَحَهُ على شَيْءٍ بِعَيْنِهِ دَنَانِيرَ أو دَرَاهِمَ مَضْمُونَةٍ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ وَهَذَا الْوَارِثُ الْمُصَالِحُ مُتَطَوِّعٌ وَلَا يَرْجِعُ على إخْوَتِهِ بِشَيْءٍ مِمَّا أَدَّى عَنْهُمْ لِأَنَّهُ أَدَّى عَنْهُمْ بِغَيْرِ أَمْرِهِمْ إذَا كَانُوا مُنْكِرِينَ لِدَعْوَاهُ وَلَوْ صَالَحَهُ على أَنَّ حَقَّهُ له دُونَ إخْوَتِهِ فَإِنَّمَا اشْتَرَى منه حَقَّهُ دُونَ إخْوَتِهِ وَإِنْ أَنْكَرَ إخْوَتُهُ كان لهم خَصْمًا فَإِنْ قَدَرَ على أَخْذِ حَقِّهِ كان له وَكَانَتْ لهم الشُّفْعَةُ معه بِقَدْرِ حُقُوقِهِمْ وَإِنْ لم يَقْدِرْ عليه رَجَعَ عليه بِالصُّلْحِ فَأَخَذَهُ منه وكان لِلْآخَرِ فِيمَا أَقَرَّ له بِهِ نَصِيبُهُ من حَقِّهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَنَّ دَارًا في يَدَيْ رَجُلَيْنِ وَرِثَاهَا فَادَّعَى رَجُلٌ فيها حَقًّا فَأَنْكَرَ أَحَدُهُمَا وَأَقَرَّ الْآخَرُ وَصَالَحَهُ على حَقِّهِ منها خَاصَّةً دُونَ حَقِّ أَخِيهِ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ وَإِنْ أَرَادَ أَخُوهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ مِمَّا صَالَحَ عليه فَلَهُ ذلك وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا دَارًا في يَدَيْ رَجُلٍ وَقَالَا هِيَ مِيرَاثٌ لنا عن أَبِينَا وَأَنْكَرَ ذلك الرَّجُلُ ثُمَّ صَالَحَ أَحَدُهُمَا من دَعْوَاهُ على شَيْءٍ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ قال وَلَوْ أَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا فَصَالَحَهُ من ذلك الذي أَقَرَّ له بِهِ على
____________________

(3/223)


شَيْءٍ كان لِأَخِيهِ أَنْ يَدْخُلَ معه فِيمَا أَقَرَّ له بِالنِّصْفِ لِأَنَّهُمَا نَسَبَا ذلك إلَى أَنَّهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عليه نِصْفَ الْأَرْضِ التي في يَدَيْهِ فَأَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا بِالنِّصْفِ وَجَحَدَ الْآخَرَ كان النِّصْفُ الذي أَقَرَّ بِهِ له دُونَ الْمَجْحُودِ وكان الْمَجْحُودُ على خُصُومَتِهِ وَلَوْ صَالَحَهُ منه على شَيْءٍ كان ذلك له دُونَ صَاحِبِهِ وَلَوْ أَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا بِجَمِيعِ الْأَرْضِ وَإِنَّمَا كان يَدَّعِي نِصْفَهَا فَإِنْ كان لم يُقِرَّ لِلْآخَرِ بِأَنَّ له النِّصْفَ فَلَهُ الْكُلُّ لَا يَرْجِعُ بِهِ عليه الْآخَرُ وَإِنْ كان في أَصْلِ دَعْوَاهُ أَنَّهُ زَعَمَ أَنَّ له النِّصْفَ وَلِهَذَا كان له أَنْ يَرْجِعَ عليه بِالنِّصْفِ قال وَلَوْ ادَّعَى رَجُلَانِ على رَجُلٍ دَارًا مِيرَاثًا فَأَقَرَّ لَهُمَا بِذَلِكَ وَصَالَحَ أَحَدَهُمَا من دَعْوَاهُ على شَيْءٍ فَلَيْسَ لِأَخِيهِ أَنْ يُشْرِكَهُ فِيمَا صَالَحَهُ عليه وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ على رَجُلٍ دَارًا فَأَقَرَّ له بها وَصَالَحَهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ على أَنْ يَسْكُنَهَا الذي في يَدَيْهِ فَهِيَ عَارِيَّةٌ إنْ شَاءَ أَتَمَّهَا وَإِنْ شَاءَ لم يُتِمَّهَا وَإِنْ كان لم يُقِرَّ له إلا على أَنْ يَسْكُنَهَا فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ وَهُمَا على أَصْلِ خُصُومَتِهَا وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى دَارًا فَبَنَاهَا مَسْجِدًا ثُمَّ جاء رَجُلٌ فَادَّعَاهَا فَأَقَرَّ له بَانِي الْمَسْجِدِ بِمَا ادَّعَى فَإِنْ كان فَضَلَ من الدَّارِ فَضْلٌ فَهُوَ له وَإِنْ كان لم يَتَصَدَّقْ بِالْمَسْجِدِ فَهُوَ له وَيَرْجِعُ عليه بِقِيمَةِ ما هَدَمَ من دَارِهِ وَلَوْ صَالَحَهُ من ذلك على صُلْحٍ فَهُوَ جَائِزٌ قال وَإِنْ أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عليه فَأَقَرَّ الَّذِينَ الْمَسْجِدُ وَالدَّارُ بين أَظْهُرِهِمْ وَصَالَحُوهُ كان الصُّلْحُ جَائِزًا وإذا بَاعَ رَجُلٌ من رَجُلٍ دَارًا ثُمَّ ادَّعَى فيها رَجُلٌ شيئا فَأَقَرَّ الْبَائِعُ له وَصَالَحَهُ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ وَهَكَذَا لو غَصَبَ رَجُلٌ من رَجُلٍ دَارًا فَبَاعَهَا أو لم يَبِعْهَا وَادَّعَى فيها رَجُلٌ آخَرُ دَعْوَى فَصَالَحَهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ من دَعْوَاهُ على شَيْءٍ كان الصُّلْحُ جَائِزًا وَكَذَلِكَ لو كانت في يَدِهِ عَارِيَّةٌ أو وَدِيعَةٌ وإذا ادَّعَى رَجُلٌ دَارًا في يَدَيْ رَجُلٍ فَأَقَرَّ له بها ثُمَّ جَحَدَهُ ثُمَّ صَالَحَهُ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ وَلَا يَضُرُّهُ الْجَحْدُ لِأَنَّهَا ثَبَتَتْ له بِالْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ إذَا تَصَادَقَا أو قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِالْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ فَإِنْ أَنْكَرَ الْمُصَالِحُ الْآخِذُ لِثَمَنِ الدَّارِ أَنْ يَكُونَ أَقَرَّ له بِالدَّارِ وقال إنَّمَا صَالَحْته على الْجَحْدِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ وَالصُّلْحُ مَرْدُودٌ وَهُمَا على خُصُومَتِهِمَا وَلَوْ صَالَحَ رَجُلٌ من دَعْوَى أَقَرَّ له بها على خِدْمَةِ عَبْدٍ سَنَةً فَقُتِلَ خَطَأً اُنْتُقِضَ الصُّلْحُ ولم يَكُنْ على الْمُصَالِحِ أَنْ يَشْتَرِيَ له عَبْدًا غَيْرَهُ يَخْدُمُهُ وَلَا على رَبِّ الْعَبْدِ أَنْ يَشْتَرِيَ له عَبْدًا غَيْرَهُ يَخْدُمُهُ قال وَهَكَذَا لو كان له سُكْنَى بَيْتٍ فَهَدَمَهُ إنْسَانٌ أو انْهَدَمَ وَلَوْ كان الصُّلْحُ على خِدْمَةِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ سَنَةً فَبَاعَهُ الْمَوْلَى كان لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَنْ يُجِيزَ الْبَيْعَ وَيَكُونَ لِهَذَا الْمِلْكِ ولهذا ( ( ( ولهذه ) ) ) الْخِدْمَةِ فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَرُدَّ الْبَيْعَ رَدَّهُ وَبِهِ نَأْخُذُ وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ أَنَّ الْبَيْعَ مُنْتَقَضٌ لِأَنَّهُ مَحُولٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَأَعْتَقَهُ السَّيِّدُ كان الْعِتْقُ جَائِزًا وَكَانَتْ الْخِدْمَةُ عليه إلَى مُنْتَهَى السَّنَةِ يَرْجِعُ بها على السَّيِّدِ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ بَيْعٌ من الْبُيُوعِ عِنْدَنَا لَا نَنْقُضُهُ ما دَامَ الْمُسْتَأْجِرُ سَالِمًا قال وَلِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ أَنْ يُخْدِمَهُ غَيْرَهُ وَيُؤَاجِرَهُ غَيْرَهُ في مِثْلِ عَمَلِهِ وَلَيْسَ له أَنْ يُخْرِجَهُ من الْمِصْرِ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ في دَارٍ دَعْوَى فَأَقَرَّ بها الْمُدَّعَى عليه وَصَالَحَهُ منها على عَبْدٍ قِيمَتُهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَمِائَةُ دِرْهَمٍ وَالْعَبْدُ بِعَيْنِهِ فلم يَقْبِضْ الْمُصَالِحُ الْعَبْدَ حتى جَنَى على حُرٍّ أو عَبْدٍ فَسَوَاءٌ ذلك كُلُّهُ وَلِلْمُصَالِحِ الْخِيَارُ في أَنْ يَقْبِضَ الْعَبْدَ ثُمَّ يَفْدِيَهُ أو يُسَلِّمَهُ فَيُبَاعَ أو يَرُدَّهُ على سَيِّدِهِ وَيَنْقُضَ الصُّلْحَ وَلَيْسَ له أَنْ يُجِيزَ من الصُّلْحِ بِقَدْرِ الْمِائَةِ وَلَوْ كان قَبَضَهُ ثُمَّ جَنَى في يَدَيْهِ كان الصُّلْحُ جَائِزًا وكان كَعَبْدٍ اشْتَرَاهُ ثُمَّ جَنَى في يَدَيْهِ قال وَلَوْ كان وَجَدَ بِالْعَبْدِ عَيْبًا لم يَكُنْ أَنْ يَرُدَّهُ وَيَحْبِسَ الْمِائَةَ لِأَنَّهَا صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ لَا يَكُونُ له أَنْ يَرُدَّهَا إلَّا مَعًا وَلَا يُجِيزَهَا إلَّا مَعًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ ذلك الْمَرْدُودُ عليه وَلَوْ كان اسْتَحَقَّ كان له الْخِيَارُ في أَنْ يَأْخُذَ الْمِائَةَ بِنِصْفِ الصُّلْحِ وَيَرُدَّ نِصْفَهُ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ وَقَعَتْ على شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا ليس لِلْبَائِعِ وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي إمْسَاكُهُ وَلَهُ في الْعَيْبِ إمْسَاكُهُ إنْ شَاءَ
____________________

(3/224)


( قال الرَّبِيعُ ) أَصْلُ قَوْلِهِ إنَّهُ إذَا اسْتَحَقَّ بَعْضَ الْمُصَالَحِ بِهِ أو المبيع ( ( ( البيع ) ) ) بِهِ بَطَلَ الصُّلْحُ وَالْبَيْعُ جميعا لِأَنَّ الصَّفْقَةَ جَمَعَتْ شَيْئَيْنِ حَلَالًا وَحَرَامًا فَبَطَلَ ذلك كُلُّهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان الِاسْتِحْقَاقُ في الْعَيْبِ في الدَّرَاهِمِ وَإِنَّمَا بَاعَهُ بِالدَّرَاهِمِ بِأَعْيَانِهَا كان كَهُوَ في الْعَبْدِ وَلَوْ بَاعَهُ بِدَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ رَجَعَ بِدَرَاهِمَ مِثْلِهَا وَلَوْ كان الصُّلْحُ بِعَبْدٍ وَزَادَهُ الْآخِذُ لِلْعَبْدِ ثَوْبًا فَاسْتَحَقَّ الْعَبْدُ انْتَقَضَ الصُّلْحُ وكان على دَعْوَاهُ وَأَخَذَ ثَوْبَهُ الذي زَادَهُ الذي في يَدَيْهِ الدَّارُ إنْ وَجَدَهُ قَائِمًا أو قِيمَتَهُ إنْ وُجِدَ مُسْتَهْلَكًا وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَتَقَابَضَا وَجُرِحَ الْعَبْدُ جُرْحًا لم يَكُنْ له أَنْ يَنْقُضَ الصُّلْحَ وَهَذَا مِثْلُ رَجُلٍ اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ جُرِحَ عِنْدَهُ قال وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا في الْعَبْدِ وَالثَّوْبِ فَوَجَدَ بِالثَّوْبِ عَيْبًا فَلَهُ الْخِيَارُ بين أَنْ يُمْسِكَهُ أو يَرُدَّهُ وَيُنْتَقَضُ الصُّلْحُ لَا يَكُونُ له أَنْ يَرُدَّ بَعْضَ الصَّفْقَةِ دُونَ بَعْضٍ وَلَوْ اسْتَحَقَّ الْعَبْدَ انْتَقَضَ الصُّلْحُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يَأْخُذَ ما مع الْعَبْدِ وَلَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ ( قال الرَّبِيعُ ) إذَا اسْتَحَقَّ الْعَبْدَ بَطَلَ الصُّلْحُ في مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيُّ في غَيْرِ هذا الْمَوْضِعِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان الصُّلْحُ عَبْدًا وَمِائَةَ دِرْهَمٍ وَزَادَهُ الْمُدَّعَى عليه عَبْدًا أو غَيْرَهُ ثُمَّ خَرَجَ الْعَبْدُ الذي قُبِضَ أَيَّهُمَا كان حُرًّا بَطَلَ الصُّلْحُ وكان كَرَجُلٍ اشْتَرَى عَبْدًا فَخَرَجَ حُرًّا وَلَوْ كان الْعَبْدُ الذي اسْتَحَقَّ الذي أَعْطَاهُ الْمُدَّعِي أو الْمُدَّعَى عليه قِيلَ لِلَّذِي اسْتَحَقَّ في يَدَيْهِ الْعَبْدُ لَك نَقْضُ الصُّلْحِ إلَّا أَنْ تَرْضَى بِتَرْكِ نَقْضِهِ وَقَبُولِ ما صَارَ في يَدَيْك مع الْعَبْدِ فَلَا تُكْرَهُ على نَقْضِهِ وَهَكَذَا جَمِيعُ ما اسْتَحَقَّ مِمَّا صَالَحَ عليه وَلَوْ كان هذا سَلَمًا فَاسْتُحِقَّ الْعَبْدُ الْمُسَلَّمُ في الشَّيْءِ الْمَوْصُوفِ إلَى الْأَجَلِ الْمَعْلُومِ بَطَلَ السَّلَمُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان الْمُسَلَّمُ عَبْدَيْنِ بِقِيمَةٍ وَاحِدَةٍ فَاسْتُحِقَّ أَحَدُهُمَا كان لِلْمُسَلَّمِ إلَيْهِ الْخِيَارُ في نَقْضِ السَّلَمِ وَرَدِّ الْعَبْدِ الْبَاقِي في يَدَيْهِ أو إنْفَاذِ الْبَيْعِ وَيَكُونُ عليه نِصْفُ الْبَيْعِ الذي في الْعَبْدِ نِصْفُهُ إلَى أَجَلِهِ ( قال الرَّبِيعُ ) يَبْطُلُ هذا كُلُّهُ وَيَنْفَسِخُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كانت الدَّارُ في يَدَيْ رَجُلَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا في مَنْزِلٍ على حِدَةٍ فَتَدَاعَيَا الْعَرْصَةَ فَالْعَرْصَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّهَا في أَيْدِيهِمَا مَعًا وَإِنْ أَحَبَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَحَلَفْنَا له صَاحِبَهُ على دَعْوَاهُ فإذا حَلَفَا فَهِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلَوْ لم يَحْلِفَا وَاصْطَلَحَا على شَيْءٍ أَخَذَهُ أَحَدُهُمَا من الْآخَرِ بِإِقْرَارٍ منه بِحَقِّهِ جَازَ الصُّلْحُ وَهَكَذَا لو كانت الدَّارُ مَنْزِلًا أو مَنَازِلَ السُّفْلُ في يَدِ أَحَدِهِمَا يَدَّعِيهِ وَالْعُلُوُّ في يَدِ الْآخَرِ يَدَّعِيهِ فَتَدَاعَيَا عَرْصَةَ الدَّارِ كانت بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ كما وَصَفْت وإذا كان الْجِدَارُ بين دَارَيْنِ أَحَدُهُمَا لِرَجُلٍ وَالْأُخْرَى لِآخَرَ وَبَيْنَهُمَا جِدَارٌ ليس بِمُتَّصِلٍ بِبِنَاءِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اتِّصَالَ الْبُنْيَانِ إنَّمَا هو مُلْصَقٌ أو مُتَّصِلٌ بِبِنَاءِ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَتَدَاعَيَاهُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا تَحَالَفَا وكان بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلَا أَنْظُرُ في ذلك إلَى من إلَيْهِ الْخَوَارِجُ وَلَا الدَّوَاخِلُ وَلَا أَنْصَافُ اللَّبِنِ وَلَا مَعَاقِدِ الْقِمْطِ لِأَنَّهُ ليس في شَيْءٍ من ذلك دَلَالَةٌ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَلِأَحَدِهِمَا فيها جُذُوعٌ وَلَا شَيْءَ لِلْآخَرِ فيها عليه أَحَلَفْتُهُمَا وَأَقْرَرْتُ الْجُذُوعَ بِحَالِهَا وَجَعَلْت الْجِدَارَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّ الرَّجُلَ قد يَرْتَفِقُ بِجِدَارِ الرَّجُلِ بِالْجُذُوعِ بِأَمْرِهِ وَغَيْرِ أَمْرِهِ وَلَوْ كان هذا الْحَائِطُ مُتَّصِلًا بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا اتِّصَالَ الْبُنْيَانِ الذي لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ إلَّا من أَوَّلِ الْبُنْيَانِ وَمُنْقَطِعًا من بِنَاءِ الْآخَرِ جَعَلْته لِلَّذِي هو مُتَّصِلٌ بِبِنَائِهِ دُونَ الذي هو مُنْقَطِعٌ من بِنَائِهِ وَلَوْ كان مُتَّصِلًا اتِّصَالًا يَحْدُثُ مِثْلُهُ بَعْدَ كَمَالِ الْجِدَارِ يَخْرُجُ منه لَبِنَةٌ وَيَدْخُلُ أُخْرَى أَطْوَلُ منها أَحَلَفْتُهُمَا وَجَعَلْتُهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَإِنْ تَدَاعَيَا في هذا الْجِدَارِ ثُمَّ اصْطَلَحَا منه على شَيْءٍ بِتَصَادُقٍ مِنْهُمَا على دَعْوَاهُمَا أَجَزْت الصُّلْحَ وإذا قَضَيْت بِالْجِدَارِ بَيْنَهُمَا لم أَجْعَلْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَفْتَحَ فيه كُوَّةً وَلَا يَبْنِي عليه بِنَاءً إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ وَدَعَوْتهمَا إلَى أَنْ نَقْسِمَهُ بَيْنَهُمَا إنْ شَاءَا فَإِنْ كان عَرْضُهُ ذِرَاعًا أَعْطَيْت كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شِبْرًا في طُولِ الْجِدَارِ ثُمَّ قُلْت له إنْ شِئْت أَنْ تَزِيدَهُ من عَرْضِ دَارِك أو بَيْتِك شِبْرًا آخَرَ لِيَكُونَ لَك جِدَارًا خَالِصًا فَذَلِكَ لَك وَإِنْ شِئْت تُقِرَّهُ بِحَالِهِ وَلَا تُقَاسِمَ منه فأقرره وإذا كان الْجِدَارُ بين رَجُلَيْنِ فَهَدَمَاهُ ثُمَّ اصْطَلَحَا على أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا ثُلُثُهُ وَلِلْآخِرِ ثُلُثَاهُ على أَنْ يَحْمِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ما شَاءَ عليه إذَا بَنَاهُ فَالصُّلْحُ فيه بَاطِلٌ وَإِنْ
____________________

(3/225)


شَاءَا قُسِمَتْ بَيْنَهُمَا أَرْضُهُ وَكَذَلِكَ إنْ شَاءَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ وَإِنْ شَاءَا تَرَكَاهُ فإذا بَنَيَاهُ لم يَجُزْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَفْتَحَ فيه بَابًا وَلَا كُوَّةً إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان الْبَيْتُ في يَدِ رَجُلٍ فَادَّعَاهُ آخَرُ وَاصْطَلَحَا على أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا سَطْحُهُ وَلَا بِنَاءَ عليه وَالسُّفْلُ لِلْآخَرِ فَأَصْلُ ما أَذْهَبُ إلَيْهِ من الصُّلْحِ أَنْ لَا يَجُوزَ إلَّا على الْإِقْرَارِ فَإِنْ تَقَارَّا أَجَزْت هذا بَيْنَهُمَا وَجَعَلْت لِهَذَا عُلُوَّهُ وَلِهَذَا سُفْلَهُ واجزت فِيمَا أَقَرَّ له بِهِ الْآخَرُ ما شَاءَ إذَا أَقَرَّ أَنَّ له أَنْ يَبْنِيَ عليه وَلَا نجيزه ( ( ( تجيزه ) ) ) إذَا بَنَى وَسَوَاءٌ كان عليه عُلُوٌّ لم أُجِزْهُ إلَّا على إقْرَارِهِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا بَاعَ عُلُوَّ بَيْتٍ لَا بِنَاءَ عليه على أَنَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَبْنِيَ على جِدَارِهِ وَيَسْكُنَ على سَطْحِهِ وَسَمَّى مُنْتَهَى الْبِنَاءِ أَجَزْت ذلك كما أُجِيزُ أَنْ يَبِيعَ أَرْضًا لَا بِنَاءَ فيها وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إلَّا في خَصْلَةِ أَنَّ من بَاعَ دَارًا لَا بِنَاءَ فيها فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَبْنِيَ ما شَاءَ وَمَنْ بَاعَ سَطْحًا بِأَرْضِهِ أو أَرْضًا وَرُءُوسَ جُدْرَانٍ احْتَجْت إلَى ان أَعْلَمَ كَمْ مَبْلَغُ الْبِنَاءِ لِأَنَّ من الْبِنَاءِ ما لَا تَحْمِلُهُ الْجُدْرَانُ قال وَلَوْ كانت دَارٌ في يَدَيْ رَجُلٍ في سُفْلِهَا دَرَجٌ إلَى عُلُوِّهَا فَتَدَاعَى صَاحِبَا السُّفْلِ وَالْعُلُوِّ الدَّرَجَ وَالدَّرَجُ بِطَرِيقِ صَاحِبِ الْعُلُوِّ فَهِيَ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ دُونَ صَاحِبِ السُّفْلِ بَعْدَ الْأَيْمَانِ وَسَوَاءٌ كانت الدَّرَجُ مَعْقُودَةً أو غير مَعْقُودَةٍ لِأَنَّ الدَّرَجَ إنَّمَا تُتَّخَذُ مَمَرًّا وَإِنْ ارْتَفَقَ بِمَا تَحْتَهَا وَلَوْ كان الناس يَتَّخِذُونَ الدَّرَجَ لِلْمُرْتَفَقِ وَيَجْعَلُونَ ظُهُورَهَا مُدَرَّجَةً لَا بِطَرِيقٍ من الطُّرُقِ جَعَلْت الدَّرَجَ بين صَاحِبِ السُّفْلِ وَالْعُلُوِّ لِأَنَّ فيها مَنْفَعَتَيْنِ إحْدَاهُمَا بِيَدِ صَاحِبِ السُّفْلِ وَالْأُخْرَى بِيَدِ صَاحِبِ الْعُلُوِّ بعد ما أُحْلِّفُهُمَا وإذا كان الْبَيْتُ السُّفْلُ في يَدِ رَجُلٍ وَالْعُلُوُّ في يَدِ آخَرَ فَتَدَاعَيَا سَقْفَهُ فَالسَّقْفُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ في يَدِ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا هو سَقْفٌ لِلسُّفْلِ مَانِعٌ له وَسَطْحٌ لِلْعُلْوِ أَرْضُهُ له فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ بَعْدَ أَنْ لَا تَكُونَ بَيِّنَةٌ وَبَعْدَ أَنْ يَتَحَالَفَا عليه وإذا اصْطَلَحَا على أَنْ يُنْقَضَ الْعُلُوُّ وَالسُّفْلُ لِعِلَّةٍ فِيهِمَا أو في أَحَدِهِمَا أو غَيْرِ عِلَّةٍ فَذَلِكَ لَهُمَا وَيُعِيدَانِ مَعًا الْبِنَاءَ كما كان وَيُؤْخَذُ صَاحِبُ السُّفْلِ بِالْبِنَاءِ إذَا كان هَدَمَهُ على أَنْ يَبْنِيَهُ أو هَدَمَهُ بِغَيْرِ عِلَّةٍ وَإِنْ سَقَطَ الْبَيْتُ لم يُجْبَرْ صَاحِبُ السُّفْلِ على الْبِنَاءِ وَإِنْ تَطَوَّعَ صَاحِبُ الْعُلُوِّ بِأَنْ يَبْنِيَ السُّفْلَ كما كان وَيَبْنِيَ عُلُوَّهُ كما كان فَذَلِكَ له وَلَيْسَ له أَنْ يَمْنَعَ صَاحِبَ السُّفْلِ من سَكْنِهِ وَنَقْضُ الْجُدْرَانِ له مَتَى شَاءَ أَنْ يَهْدِمَهَا وَمَتَى جَاءَهُ صَاحِبُ السُّفْلِ بِقِيمَةِ بِنَائِهِ كان له أَنْ يَأْخُذَهُ منه وَيَصِيرُ الْبِنَاءُ لِصَاحِبِ السُّفْلِ إلَّا أَنْ يَخْتَارَ الذي بَنَى أَنْ يَهْدِمَ بِنَاءَهُ فَيَكُونَ ذلك له وَأَصْلَحُ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ أَنْ يَبْنِيَهُ بِقَضَاءِ قَاضٍ وَإِنْ تَصَادَقَا على أَنَّ صَاحِبَ السُّفْلِ امْتَنَعَ من بِنَائِهِ وَبَنَاهُ صَاحِبُ الْعُلُوِّ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ فَجَائِزٌ كَهُوَ بِقَضَاءِ قَاضٍ وإذا كانت لِرَجُلٍ نَخْلَةٌ أو شَجَرَةٌ فَاسْتَعْلَتْ حتى انْتَشَرَتْ أَغْصَانُهَا على دَارِ رَجُلٍ فَعَلَى صَاحِبِ النَّخْلَةِ وَالشَّجَرَةِ قَطْعُ ما شَرَعَ في دَارِ الرَّجُلِ منها إلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّ الدَّارِ تَرْكَهُ فَإِنْ شَاءَ تَرْكَهُ فَذَلِكَ له وَإِنْ أَرَادَ تَرْكَهُ على شَيْءٍ يَأْخُذُهُ منه فَلَيْسَ بِجَائِزٍ من قِبَلِ أَنَّ ذلك إنْ كان كِرَاءً أو شِرَاءً فَإِنَّمَا هو كِرَاءُ هَوَاءٍ لَا أَرْضَ له وَلَا قَرَارَ وَلَا بَأْسَ بِتَرْكِهِ على وَجْهِ الْمَعْرُوفِ وإذا تَدَاعَى رَجُلَانِ في عَيْنَيْنِ أو بِئْرَيْنِ أو نَهْرَيْنِ أو غِيلَيْنِ دَعْوَى فَاصْطَلَحَا على أَنْ أَبْرَأَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ من دَعْوَاهُ في إحْدَى الْعَيْنَيْنِ أو الْبِئْرَيْنِ أو النَّهْرَيْنِ أو ما سَمَّيْنَا على أَنَّ لِهَذَا هذه الْعَيْنَ تَامَّةً وَلِهَذَا هذه الْعَيْنَ تَامَّةً فَإِنْ كان بَعْدَ إقْرَارٍ مِنْهُمَا فَالصُّلْحُ جَائِزٌ كما يَجُوزُ شِرَاءُ بَعْضِ عَيْنٍ بِشِرَاءِ بَعْضِ عَيْنٍ وإذا كان النَّهْرُ بين قَوْمٍ فَاصْطَلَحُوا على إصْلَاحِهِ بِبِنَاءٍ أو كَبْسٍ أو غَيْرِ ذلك على أَنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ بَيْنَهُمْ سَوَاءً فَذَلِكَ جَائِزٌ فَإِنْ دَعَا بَعْضُهُمْ إلَى عَمَلِهِ وَامْتَنَعَ بَعْضُهُمْ لم يُجْبَرْ الْمُمْتَنِعُ على الْعَمَلِ إذَا لم يَكُنْ فيه ضَرَرٌ وَكَذَلِكَ لو كان فيه ضَرَرٌ لم يُجْبَرْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَيُقَالُ لِهَؤُلَاءِ إنْ شِئْتُمْ فَتَطَوَّعُوا بِالْعِمَارَةِ وَيَأْخُذُ هذا مَاءَهُ مَعَكُمْ وَمَتَى شِئْتُمْ أَنْ تَهْدِمُوا الْعِمَارَةَ هَدَمْتُمُوهَا وَأَنْتُمْ مَالِكُونَ لِلْعِمَارَةِ دُونَهُ حتى يُعْطِيَكُمْ
____________________

(3/226)


ما يَلْزَمُهُ في الْعِمَارَةِ وَيَمْلِكُهَا مَعَكُمْ وَهَكَذَا الْعَيْنُ وَالْبِئْرُ وإذا ادَّعَى رَجُلٌ عُودَ خَشَبَةٍ أو مِيزَابٍ أو غَيْرِ ذلك في جِدَارِ رَجُلٍ فَصَالَحَهُ الرَّجُلُ من دَعْوَاهُ على شَيْءٍ جَازَ إذَا أَقَرَّ له بِهِ وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ زَرْعًا في أَرْضِ رَجُلٍ فَصَالَحَهُ من ذلك على دَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ لِأَنَّ له أَنْ يَبِيعَ زَرْعَهُ أَخْضَرَ مِمَّنْ يَقْصِلُهُ وَلَوْ كان الزَّرْعُ لِرَجُلَيْنِ فَادَّعَى رَجُلٌ فيه دَعْوَى فَصَالَحَهُ أَحَدُهُمَا على نِصْفِ الزَّرْعِ لم يَجُزْ من قِبَلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْسِمَ الزَّرْعَ أَخْضَرَ وَلَا يجبر ( ( ( يجيز ) ) ) هذا على أَنْ يَقْطَعَ منه شيئا حتى يَرْضَى وإذا ادَّعَى رَجُلٌ على رَجُلٍ دَعْوَى في دَارٍ فَصُولِحَ منها على دَارٍ أو عبد ( ( ( بعد ) ) ) أو غَيْرِهِ فَلَهُ فيها خِيَارُ الرُّؤْيَةِ كما يَكُونُ في الْبَيْعِ فَإِنْ أَقَرَّ أَنْ قد رَآهُ قبل الصُّلْحِ فَلَا خِيَارَ له إلَّا أَنْ يَتَغَيَّرَ عن حَالِهِ التي رَآهُ عليها قال وإذا ادَّعَى رَجُلٌ على رَجُلٍ دَرَاهِمَ فَأَقَرَّ له بها ثُمَّ صَالَحَهُ على دَنَانِيرَ فَإِنْ تَقَابَضَا قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا جَازَ وَإِنْ تَفَرَّقَا قبل أَنْ يَتَقَابَضَا كانت له عليه الدَّرَاهِمُ ولم يَجُزْ الصُّلْحُ وَلَوْ قَبَضَ بَعْضًا وَبَقِيَ بَعْضٌ جَازَ الصُّلْحُ فِيمَا قَبَضَ وَانْتَقَضَ فِيمَا لم يَقْبِضْ إذَا رضي ذلك الْمُصَالِحُ الْآخِذُ منه الدَّنَانِيرَ ( قال الرَّبِيعُ ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ شَيْءٌ من الصُّلْحِ لِأَنَّهُ صَالَحَهُ من دَنَانِيرَ على دَرَاهِمَ يَأْخُذُهَا فَكَانَ هذا مِثْلَ الصَّرْفِ لو بَقِيَ منه دِرْهَمٌ انْتَقَضَ الصَّرْفُ كُلُّهُ وهو مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيُّ في غَيْرِ هذا الْمَوْضِعِ وإذا ادَّعَى رَجُلٌ شِقْصًا في دَارٍ فَأَقَرَّ له بِهِ الْمُدَّعَى عليه وَصَالَحَهُ منه على عَبْدٍ بِعَيْنِهِ أو ثِيَابٍ بِأَعْيَانِهَا أو مَوْصُوفَةٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَذَلِكَ جَائِزٌ وَلَيْسَ له أَنْ يَبِيعَ ما صَالَحَهُ من ذلك قبل أَنْ يَقْبِضَهُ كما لَا يَكُونُ له أَنْ يَبِيعَ ما اشْتَرَى قبل أَنْ يَقْبِضَهُ وَالصُّلْحُ بَيْعٌ ما جَازَ فيه جَازَ في الْبَيْعِ وما رُدَّ فيه رُدَّ في الْبَيْعِ وَسَوَاءٌ مَوْصُوفٌ أو بِعَيْنِهِ لَا يَبِيعُهُ حتى يَقْبِضَهُ وَهَكَذَا كُلُّ ما صَالَحَ عليه من كَيْلٍ أو عَيْنٍ مَوْصُوفٍ ليس له أَنْ يَبِيعَهُ منه وَلَا من غَيْرِهِ حتى يَقْبِضَهُ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن بَيْعِ الطَّعَامِ إذَا اُبْتِيعَ حتى يُقْبَضَ وَكُلُّ شَيْءٍ اُبْتِيعَ عِنْدَنَا بمنزلتة وَذَلِكَ أَنَّهُ مَضْمُونٌ من مَالِ الْبَائِعِ فَلَا يَبِيعُ ما ضَمَانُهُ من مِلْكِ غَيْرِهِ وإذا ادَّعَى رَجُلٌ على رَجُلٍ دَعْوَى فَأَقَرَّ له بها فَصَالَحَهُ على عَبْدَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا فَقَبَضَ أَحَدَهُمَا وَمَاتَ الْآخَرُ قبل الْقَبْضِ فَالْمُصَالِحُ بِالْخِيَارِ في رَدِّ الْعَبْدِ وَيَرْجِعُ على حَقِّهِ من الدَّارِ أو إجَازَةِ الصُّلْحِ بِحِصَّةِ الْعَبْدِ الْمَقْبُوضِ وَيَكُونُ له نَصِيبُهُ من الدَّارِ بِقَدْرِ حِصَّةِ الْعَبْدِ الْمَيِّتِ قبل أَنْ يَقْبِضَهُ وَلَوْ كان الصُّلْحُ على عَبْدٍ فَمَاتَ بَطَلَ الصُّلْحُ وكان على حَقِّهِ من الدَّارِ وَلَوْ لم يَمُتْ وَلَكِنَّ رجل ( ( ( رجلا ) ) ) جَنَى عليه فَقَتَلَهُ خُيِّرَ بين أَنْ يُجِيزَ الصُّلْحَ وَيَتْبَعَ الْجَانِيَ أو يَرُدَّ الصُّلْحَ وَيَتْبَعَهُ رَبُّ الْعَبْدِ الْبَائِعُ له وَهَكَذَا لو قَتَلَهُ عَبْدٌ أو حُرٌّ وَلَوْ كان الصُّلْحُ على خِدْمَةِ عَبْدٍ سَنَةً فَقُتِلَ الْعَبْدُ فَأَخَذَ مَالِكُهُ قِيمَتَهُ فَلَا يُجْبَرُ الْمُصَالَحُ وَلَا رَبُّ الْعَبْدِ على أَنْ يُعْطِيَهُ عَبْدًا مَكَانَهُ فَإِنْ كان اسْتَخْدَمَهُ شيئا جَازَ من الصُّلْحِ بِقَدْرِ ما اسْتَخْدَمَهُ وَبَطَلَ من الصُّلْحِ بِقَدْرِ ما بَطَلَ من الْخِدْمَةِ وَلَوْ لم يَمُتْ الْعَبْدُ وَلَكِنَّهُ جُرِحَ جُرْحًا فَاخْتَارَ سَيِّدُهُ أَنْ يَدَعَهُ يُبَاعُ كان كَالْمَوْتِ وَالِاسْتِحْقَاقِ وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ على رَجُلٍ شيئا فَأَقَرَّ له بِهِ فَصَالَحَهُ الْمُقِرُّ على مَسِيلِ مَاءٍ فَإِنْ سَمَّى له عَرْضَ الْأَرْضِ التي يَسِيلُ عليها الْمَاءُ وَطُولَهَا وَمُنْتَهَاهَا فَجَائِزٌ إذَا كان يَمْلِكُ الْأَرْضَ لم يَجُزْ إلَّا بِأَنْ يَقُولَ يَسِيلُ الْمَاءُ في كَذَا وَكَذَا لِوَقْتٍ مَعْلُومٍ كما لَا يَجُوزُ الْكِرَاءُ إلَّا إلَى وَقْتٍ مَعْلُومٍ وَإِنْ لم يُسَمِّ إلَّا مَسِيلًا لم يَجُزْ وَلَوْ صَالَحَهُ على أَنْ يَسْقِيَ أَرْضًا له من نَهْرٍ أو عَيْنٍ وَقْتًا من الْأَوْقَاتِ لم يَجُزْ وَلَكِنَّهُ يَجُوزُ له لو صَالَحَهُ بِثُلُثِ الْعَيْنِ أو رُبُعِهَا وكان يَمْلِكُ تِلْكَ الْعَيْنِ وَهَكَذَا لو صَالَحَهُ على أَنْ يَسْقِيَ مَاشِيَةً له شَهْرًا من مَائِهِ لم يَجُزْ وإذا كانت الدَّارُ لِرَجُلَيْنِ لِأَحَدِهِمَا منها أَقَلُّ مِمَّا لِلْآخَرِ فَدَعَا صَاحِبُ النَّصِيبِ الْكَثِيرِ إلَى الْقَسْمِ وَكَرِهَهُ صَاحِبُ النَّصِيبِ الْقَلِيلِ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى له منه ما يَنْتَفِعُ بِهِ أَجْبَرْته على الْقَسْمِ وَهَكَذَا لو كانت بين عَدَدٍ فَكَانَ أَحَدُهُمْ يَنْتَفِعُ وَالْآخَرُونَ لَا يَنْتَفِعُونَ أَجْبَرْتهمْ على الْقَسْمِ لِلَّذِي دَعَا إلَى
____________________

(3/227)


الْقَسْمِ وَجَمَعْت لِلْآخَرِينَ نَصِيبَهُمْ إنْ شاؤوا وإذا كان الضَّرَرُ عليهم جميعا لم أقسم إنَّمَا يُقْسَمُ إذَا كان أَحَدُهُمْ يَصِيرُ إلَى مَنْفَعَةٍ وَإِنْ قَلَّتْ - * الْحَوَالَةُ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ إمْلَاءً قال وَالْقَوْلُ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ما قال مَالِكُ بن أَنَسٍ إنَّ الرَّجُلَ إذَا أَحَالَ الرَّجُلَ على الرَّجُلِ بِحَقٍّ له ثُمَّ أَفْلَسَ الْمُحَالُ عليه أو مَاتَ لم يَرْجِعْ الْمُحَالُ على الْمُحِيلِ أَبَدًا فَإِنْ قال قَائِلٌ ما الْحُجَّةُ فيه قال مَالِكُ بن أَنَسٍ أخبرنا عن أبي الزِّنَادِ عن الْأَعْرَجِ عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال مَطْلُ الغنى ظُلْمٌ وإذا اتبع أحدكم على مَلِيٍّ فَلْيَتْبَعْ فَإِنْ قال قَائِلٌ وما في هذا مِمَّا يَدُلُّ على تَقْوِيَةِ قَوْلِك قِيلَ أَرَأَيْتَ لو كان الْمُحَالُ يَرْجِعُ على الْمُحِيلِ كما قال محمد بن الْحَسَنِ إذَا أَفْلَسَ الْمُحَالُ عليه في الْحَيَاةِ أو مَاتَ مُفْلِسًا هل يَصِيرُ الْمُحَالُ على من أُحِيلَ أَرَأَيْتَ لو أُحِيلَ على مُفْلِسٍ وكان حَقُّهُ نائيا ( ( ( نائبا ) ) ) عن الْمُحِيلِ هل كان يَزْدَادُ بِذَلِكَ إلَّا خَيْرًا إنْ أَيْسَرَ الْمُفْلِسُ وَإِلَّا فَحَقُّهُ حَيْثُ كان وَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ في هذا أَمَّا قَوْلُنَا إذَا بَرِئْت من حَقِّك وَضَمِنَهُ غيري فَالْبَرَاءَةُ لَا تَرْجِعُ إلَى أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً وَإِمَّا لَا تَكُونُ الْحَوَالَةُ جَائِزَةً فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ أَكُونَ بَرِيئًا من دَيْنِك إذَا أَحَلْتُك لو حَلَفْت وَحَلَفْت ما لَك على حَقٌّ بَرَرْنَا فَإِنْ أَفْلَسَ عُدْت عَلَيَّ بِشَيْءٍ بَعْدَ بَرِئْت منه بِأَمْرٍ قد رَضِيت بِهِ جَائِزًا بين الْمُسْلِمِينَ وَاحْتَجَّ محمد بن الْحَسَنِ بِأَنَّ عُثْمَانَ قال في الْحَوَالَةِ وَالْكَفَالَةِ يَرْجِعُ صَاحِبُهُ لَا توي على مَالِ مُسْلِمٍ وهو في أَصْلِ قَوْلِهِ يَبْطُلُ من وَجْهَيْنِ وَلَوْ كان ثَابِتًا عن عُثْمَانَ لم يَكُنْ فيه حُجَّةٌ إنَّمَا شُكَّ فيه عن عُثْمَانَ وَلَوْ ثَبَتَ ذلك عن عُثْمَانَ احْتَمَلَ حَدِيثُ عُثْمَانَ خِلَافَهُ وإذا أَحَالَ الرَّجُلُ
____________________

(3/228)


على الرَّجُلِ بِالْحَقِّ فَأَفْلَسَ الْمُحَالُ عليه أو مَاتَ وَلَا شَيْءَ له لم يَكُنْ لِلْمُحْتَالِ أَنْ يَرْجِعَ على الْمُحِيلِ من قِبَلِ أَنَّ الْحَوَالَةَ تَحَوُّلُ حَقٍّ من مَوْضِعِهِ إلَى غَيْرِهِ وما تَحَوَّلَ لم يَعُدْ وَالْحَوَالَةُ مُخَالِفَةٌ لِلْحَمَالَةِ ما تَحَوَّلَ عنه لم يَعُدْ إلَّا بِتَجْدِيدِ عَوْدَتِهِ عليه وَنَأْخُذُ الْمُحْتَالَ عليه دُونَ الْمُحِيلِ بِكُلِّ حَالٍ - * بَابُ الضَّمَانِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا تَحَمَّلَ أو تَكَفَّلَ الرَّجُلُ عن الرَّجُلِ بِالدَّيْنِ فَمَاتَ الْحَمِيلُ قبل يَحِلَّ الدَّيْنُ فَلِلْمُتَحَمَّلِ عليه أَنْ يَأْخُذَهُ بِمَا حَمَلَ له بِهِ فإذا قَبَضَ مَالَهُ بريء الذي عليه الدَّيْنُ وَالْحَمِيلُ ولم يَكُنْ لِوَرَثَةِ الْحَمِيلِ أَنْ يَرْجِعُوا على الْمَحْمُولِ عنه بِمَا دَفَعُوا عنه حتى يَحِلَّ الدَّيْنُ وَهَكَذَا لو مَاتَ الذي عليه الْحَقُّ كان لِلَّذِي له الْحَقُّ أَنْ يَأْخُذَهُ من مَالِهِ فَإِنْ عَجَزَ عنه لم يَكُنْ له أَخْذُهُ حتى يَحِلَّ الدَّيْنُ وقال في الْحَمَالَةِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال إذَا تَحَمَّلَ أو تَكَفَّلَ الرَّجُلُ عن الرَّجُلِ بِدَيْنٍ فَمَاتَ الْمُحْتَمِلُ قبل أَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ فَلِلْمُحْتَمِلِ عنه أَنْ يَأْخُذَهُ بِمَا حَمَلَ له بِهِ فإذا قَبَضَ مَالَهُ بريء الذي عليه الدَّيْنُ وَالْحَمِيلُ ولم يَكُنْ لِوَرَثَةِ الْحَمِيلِ أَنْ يَرْجِعُوا على الْمَحْمُولِ عنه بِمَا دَفَعُوا عنه حتى يَحِلَّ الدَّيْنُ وَهَكَذَا لو مَاتَ الذي عليه الْحَقُّ كان لِلَّذِي له الْحَقُّ أَنْ يَأْخُذَهُ من مَالِهِ فإذا عَجَزَ عنه لم يَكُنْ له أَنْ يَأْخُذَهُ حتى يَحِلَّ الدَّيْنُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان لِلرَّجُلِ على الرَّجُلِ الْمَالُ فَكَفَلَ له بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَلِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَأْخُذَهُمَا وَكُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا يَبْرَأُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حتى يَسْتَوْفِيَ مَالَهُ إذَا كانت الْكَفَالَةُ مُطْلَقَةً فإذا كانت الْكَفَالَةُ بِشَرْطٍ كان لِلْغَرِيمِ أَنْ يَأْخُذَ الْكَفِيلَ على ما شَرَطَ له دُونَ ما لم يَشْرِطْ له وإذا قال الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ ما قَضَى لَك بِهِ على فُلَانٍ أو شَهِدَ لَك بِهِ عليه شُهُودٌ أو ما أَشْبَهَ هذا فَأَنَا له ضَامِنٌ لم يَكُنْ ضَامِنًا لِشَيْءٍ من قِبَلِ أَنَّهُ قد يقضي له وَلَا يقضي وَيُشْهَدُ له وَلَا يُشْهَدُ له فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِمَّا شَهِدَ بِهِ بِوُجُوهٍ فلما كان هذا هَكَذَا لم يَكُنْ هذا ضَمَانًا وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ بِمَا عَرَفَهُ الضَّامِنُ فَأَمَّا ما لم يَعْرِفْهُ فَهُوَ من الْمُخَاطَرَةِ وإذا ضَمِنَ الرَّجُلُ دَيْنَ الْمَيِّتِ بعد ما يَعْرِفُهُ وَيَعْرِفُ لِمَنْ هو
____________________

(3/229)


فَالضَّمَانُ له لَازِمٌ تَرَكَ الْمَيِّتُ شيئا أو لم يَتْرُكْهُ فإذا كَفَلَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ له في التِّجَارَةِ فَالْكَفَالَةُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ اسْتِهْلَاكُ مَالٍ لَا كَسْبُ مَالٍ فإذا كنا نَمْنَعُهُ أَنْ يَسْتَهْلِكَ من مَالِهِ شيئا قَلَّ أو كَثُرَ فَكَذَلِكَ نَمْنَعُهُ أَنْ يَكْفُلَ فَيَغْرَمَ من مَالِهِ شيئا قَلَّ أو كَثُرَ أخبرنا بن عيينه عن هَارُونَ بن رياب ( ( ( رئاب ) ) ) عن كِنَانَةَ بن نُعَيْمٍ عن قَبِيصَةَ بن الْمُخَارِقِ قال حَمَلْتُ حَمَالَةً فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَسَأَلْتُهُ فقال يا قَبِيصَةُ الْمَسْأَلَةُ حُرِّمَتْ إلَّا في ثَلَاثٍ رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ له الْمَسْأَلَةُ وَذَكَرَ الحديث ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ أَنَّهُ كَفَلَ له بِمَالٍ على أَنَّهُ بِالْخِيَارِ وَأَنْكَرَ الْمَكْفُولُ له الْخِيَارَ وَلَا بَيِّنَةَ بَيْنَهُمَا فَمَنْ جَعَلَ الْإِقْرَارَ وَاحِدًا أَحَلَفَهُ ما كَفَلَ له إلَّا على أَنَّهُ بِالْخِيَارِ وَأَبْرَأَهُ وَالْكَفَالَةُ لَا تَجُوزُ بِخِيَارٍ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُبَعِّضُ عليه إقْرَارَهُ فَيَلْزَمُهُ ما يَضُرُّهُ أَلْزَمَهُ الْكَفَالَةَ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ الْمَكْفُولُ له لقد جَعَلَ له كَفَالَةً بَتٍّ لَا خِيَارَ فيه وَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ على الْخِيَارِ لَا تَجُوزُ وإذا جَازَتْ بِغَيْرِ خِيَارٍ فَلَيْسَ يَلْزَمُ الْكَافِلَ بِالنَّفْسِ مَالٌ إلَّا أَنْ يسمى مَالًا كُفِلَ به وَلَا تَلْزَمُ الْكَفَالَةُ بِحَدٍّ وَلَا قِصَاصٍ وَلَا عُقُوبَةٍ لَا تَلْزَمُ الْكَفَالَةُ إلَّا بِالْأَمْوَالِ وَلَوْ كَفَلَ له بِمَا لَزِمَ رَجُلًا في جُرُوحِ عَمْدٍ فَإِنْ أَرَادَ الْقِصَاصَ فَالْكَفَالَةُ بَاطِلَةٌ وَإِنْ أَرَادَ أَرْشَ الْجِرَاحِ فَهُوَ له وَالْكَفَالَةُ لَازِمَةٌ لِأَنَّهَا كَفَالَةٌ بِمَالٍ وإذا اشْتَرَى رَجُلٌ من رَجُلٍ دَارًا فَضَمِنَ له رَجُلٌ عُهْدَتَهَا أو خَلَاصَهَا فَاسْتُحِقَّتْ الدَّارُ رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ على الضَّامِنِ إنْ شَاءَ لِأَنَّهُ ضَمِنَ له خَلَاصَهَا وَالْخَلَاصُ مَالٌ يُسَلَّمُ وإذا أَخَذَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ ثُمَّ أَخَذَ منه كَفِيلًا آخَرَ بِنَفْسِهِ ولم يَبْرَأْ الْأَوَّلُ فَكِلَاهُمَا كَفِيلٌ بِنَفْسِهِ
____________________

(3/230)


- * الشَّرِكَةُ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ بَاطِلٌ وَلَا أَعْرِفُ شيئا من الدُّنْيَا يَكُونُ بَاطِلًا إنْ لم تَكُنْ شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ بَاطِلًا إلَّا أَنْ يَكُونَا شَرِيكَيْنِ يَعُدَّانِ الْمُفَاوَضَةَ خَلْطَ الْمَالِ وَالْعَمَلَ فيه وَاقْتِسَامَ الرِّبْحِ فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ وَهَذِهِ الشَّرِكَةُ التي يقول بَعْضُ الْمَشْرِقِيِّينَ لها شَرِكَةُ عَنَانٍ وإذا اشْتَرَكَا مُفَاوَضَةً وَتَشَارَطَا أَنَّ الْمُفَاوَضَةَ عِنْدَهُمَا هذا الْمَعْنَى فَالشَّرِكَةُ صَحِيحَةٌ وما رُزِقَ أَحَدُهُمَا من غَيْرِ هذا الْمَالِ الذي اشْتَرَكَا فيه من تِجَارَةٍ أو إجَارَةٍ أو كَنْزٌ أو هِبَةٍ أو غَيْرِ ذلك فَهُوَ له دُونَ صَاحِبِهِ وَإِنْ زَعَمَا أَنَّ الْمُفَاوَضَةَ عِنْدَهُمَا بِأَنْ يَكُونَا شَرِيكَيْنِ في كل
____________________

(3/231)


ما أَفَادَا بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ بِسَبَبِ الْمَالِ وَغَيْرِهِ فَالشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا فَاسِدَةٌ وَلَا أَعْرِفُ الْقِمَارَ إلَّا في هذا أو أَقَلَّ منه أَنْ يَشْتَرِكَ الرَّجُلَانِ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَيَجِدَ أَحَدُهُمَا كَنْزًا فَيَكُونَ بَيْنَهُمَا أَرَأَيْتَ لو تَشَارَطَا على هذا من غَيْرِ أَنْ يَتَخَالَطَا بِمَالٍ أَكَانَ يَجُوزُ أو رأيت ( ( ( أرأيت ) ) ) رَجُلًا وُهِبَ له هِبَةٌ أو أجر نَفْسَهُ في عَمَلٍ فَأَفَادَ مَالًا من عَمَلٍ أو هِبَةٍ أَيَكُونُ الْآخَرُ له فيه شَرِيكًا لقد أَنْكَرُوا أَقَلَّ من هذا - * الْوَكَالَةُ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ إمْلَاءً قال وإذا وَكَّلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ بِوَكَالَةٍ فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ مَرِضَ الْوَكِيلُ أو أَرَادَ الْغَيْبَةَ أو لم يُرِدْهَا لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ رضي بِوَكَالَتِهِ ولم يَرْضَ بِوَكَالَةِ غَيْرِهِ وَإِنْ قال وَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ من رَأَى كان ذلك له بِرِضَا الْمُوَكِّلِ وإذا وَكَّلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ وَكَالَةً ولم يَقُلْ له في الْوَكَالَةِ أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِأَنْ يُقِرَّ عليه وَلَا يُصَالِحَ وَلَا يُبْرِئَ وَلَا يَهَبَ فَإِنْ فَعَلَ فما فَعَلَ من ذلك كُلِّهِ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لم يُوَكِّلْهُ بِهِ فَلَا يَكُونُ وَكِيلًا فِيمَا لم يُوَكِّلْهُ وإذا وَكَّلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ بِطَلَبِ حَدٍّ له أو قِصَاصٍ قُبِلَتْ الْوَكَالَةُ على تَثْبِيتِ الْبَيِّنَةِ فإذا حَضَرَ الْحَدَّ أو الْقِصَاصَ لم أَحْدُدْهُ ولم أَقْصُصْ حتى يَحْضُرَ الْمَحْدُودُ له وَالْمُقْتَصُّ له من قِبَلِ أَنَّهُ قد يَعْزِلُهُ فَيُبْطِلُ الْقِصَاصَ وَيَعْفُو وإذا كان لِرَجُلٍ على رَجُلٍ مَالٌ وهو عِنْدَهُ فَجَاءَ رَجُلٌ فذكر أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ وَكَّلَهُ بِهِ وَصَدَّقَهُ الذي في يَدَيْهِ الْمَالُ لم أُجْبِرْهُ على أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ فإذا دَفَعَهُ إلَيْهِ لم يَبْرَأْ من الْمَالِ بِشَيْءٍ إلَّا أَنْ يُقِرَّ صَاحِبُ الْمَالِ بِأَنَّهُ وَكَّلَهُ أو
____________________

(3/232)


تَقُومَ بَيِّنَةٌ عليه بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ لو ادَّعَى هذا الذي ادَّعَى الْوَكَالَةَ دَيْنًا على رَبِّ الْمَالِ لم يُجْبَرْ الذي في يَدَيْهِ الْمَالُ أَنْ يُعْطِيَهُ إيَّاهُ وَذَلِكَ أَنَّ إقْرَارَهُ إيَّاهُ بِهِ إقْرَارٌ منه على غَيْرِهِ وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ على غَيْرِهِ وإذا وَكَّلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عِنْدَ الْقَاضِي بِشَيْءٍ أَثْبَتَ الْقَاضِي بَيِّنَتَهُ على الْوَكَالَةِ وَجَعَلَهُ وَكِيلًا حَضَرَ معه الْخَصْمُ أو لم يَحْضُرْ معه وَلَيْسَ الْخَصْمُ من هذا بِسَبِيلٍ وإذا شَهِدَ الرَّجُلُ لِرَجُلٍ أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ له ولم يَزِدْ على هذا فَالْوَكَالَةُ غَيْرُ جَائِزَةٍ من قِبَلِ أَنَّهُ وَكَّلَهُ يبيع ( ( ( ببيع ) ) ) الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَيَحْفَظُهُ وَيَدْفَعُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وَغَيْرَهُ فلما كان يَحْتَمِلُ هذه الْمَعَانِيَ وَغَيْرَهَا لم يَجُزْ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا حتى يُبَيِّنَ الْوَكَالَاتِ من بَيْعٍ أو شِرَاءٍ أو وَدِيعَةٍ أو خُصُومَةٍ أو عِمَارَةٍ أو غَيْرِ ذلك ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَقْبَلُ الْوَكَالَةَ من الْحَاضِرِ من الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ في الْعُذْرِ وَغَيْرِ الْعُذْرِ وقد كان عَلِيٌّ رضي اللَّهُ عنه وَكَّلَ عِنْدَ عُثْمَانَ بن عَبْدَ اللَّهِ بن جَعْفَرٍ وَعَلِيٌّ حَاضِرٌ فَقِيلَ ذلك عُثْمَانُ وكان يُوَكِّلُ قبل عبد اللَّهِ بن جَعْفَرٍ عَقِيلَ بن أبي طَالِبٍ وَلَا أَحْسَبُهُ إلَّا كان يُوَكِّلُهُ عِنْدَ عُمَرَ وَلَعَلَّ عِنْدَ أبي بَكْرٍ وكان عَلِيٌّ يقول إنَّ لِلْخُصُومَةِ قَحْمًا وَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُهَا - * جِمَاعُ ما يَجُوزُ إقْرَارُهُ إذَا كان ظَاهِرًا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَقَرَّ مَاعِزٌ عِنْدَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بالزنى فَرَجَمَهُ وَأَمَرَ أُنَيْسًا أَنْ يَغْدُوَ على امْرَأَةِ رَجُلٍ فَإِنْ اعْتَرَفَتْ بالزنى فَارْجُمْهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وكان هذا في مَعْنَى ما وَصَفْت من حُكْمِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّ لِلْمَرْءِ وَعَلَيْهِ ما أَظْهَرَ من الْقَوْلِ وَأَنَّهُ أَمِينٌ على نَفْسِهِ فَمَنْ أَقَرَّ من الْبَالِغِينَ غَيْرِ الْمَغْلُوبِينَ على عُقُولِهِمْ بِشَيْءٍ يَلْزَمُهُ بِهِ عُقُوبَةٌ في بَدَنِهِ من حَدٍّ أو قَتْلٍ أو قِصَاصٍ أو ضَرْبٍ أو قَطْعٍ لَزِمَهُ ذلك الْإِقْرَارُ حُرًّا كان أو مَمْلُوكًا مَحْجُورًا كان أو غير مَحْجُورٍ عليه لِأَنَّ كُلَّ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ عليه الْفَرْضُ في بَدَنِهِ وَلَا يَسْقُطُ إقْرَارُهُ عنه فِيمَا لَزِمَهُ في بَدَنِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُحْجَرُ عليه في مَالِهِ لَا بَدَنِهِ وَلَا عن الْعَبْدِ وَإِنْ كان مَالًا لِغَيْرِهِ لِأَنَّ التَّلَفَ علي بَدَنِهِ بِشَيْءٍ يَلْزَمُهُ بِالْفَرْضِ كما يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ لِلصَّلَاةِ وَهَذَا ما لَا أَعْلَمُ فيه من أَحَدٍ سَمِعْت منه مِمَّنْ أَرْضَى خِلَافًا وقد أَمَرَتْ عَائِشَةُ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنها بِعَبْدٍ أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ فَقُطِعَ وَسَوَاءٌ كان هذا الْحَدُّ لِلَّهِ أو بِشَيْءٍ أَوْجَبَهُ اللَّهُ لِآدَمِيٍّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما أَقَرَّ بِهِ الْحُرَّانِ الْبَالِغَانِ غَيْرُ الْمَحْجُورَيْنِ في أَمْوَالِهِمَا بِأَيِّ وَجْهٍ أقرا ( ( ( أقر ) ) ) بِهِ لَزِمَهُمَا كما أَقَرَّا بِهِ
____________________

(3/233)


وما أَقَرَّ بِهِ الْحُرَّانِ الْمَحْجُورَانِ في أَمْوَالِهِمَا لم يَلْزَمْ وَاحِدًا مِنْهُمَا في حَالِ الْحَجْرِ وَلَا بَعْدَهُ في الْحُكْمِ في الدُّنْيَا وَيَلْزَمُهُمَا فِيمَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ اللَّهِ عز وجل تَأْدِيَتُهُ إذَا خَرَجَا من الْحَجْرِ إلَى من اقرا له بِهِ وَسَوَاءٌ من أَيِّ وَجْهٍ كان ذلك الْإِقْرَارُ إذَا كان لَا يَلْزَمُ إلَّا أَمْوَالُهُمَا بِحَالٍ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يُقِرَّا بِجِنَايَةِ خَطَأٍ أو عَمْدٍ لَا قِصَاصَ فيه أو شِرَاءٍ أو عِتْقٍ أو بَيْعٍ أو اسْتِهْلَاكِ مَالٍ فَكُلُّ ذلك سَاقِطٌ عنهما في الْحُكْمِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَقَرَّا بِعَمْدٍ فيه قِصَاصٌ لَزِمَهُمَا وَلِوَلِيِّ الْقِصَاصِ إنْ شَاءَ الْقِصَاصُ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ ذلك من أَمْوَالِهِمَا من قِبَلِ أَنَّ عَلَيْهِمَا فَرْضًا في أَنْفُسِهِمَا وَإِنَّ من فَرْضِ اللَّهِ عز وجل الْقِصَاصَ فلما فَرَضَ اللَّهُ الْقِصَاصَ دَلَّ على أَنَّ لِوَلِيِّ الْقِصَاصِ أَنْ يَعْفُوَ الْقِصَاصَ وَيَأْخُذَ الْعَقْلَ وَدَلَّتْ عليه السُّنَّةُ فَلَزِمَ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِمَا الْبَالِغَيْنِ ما أَقَرَّا بِهِ وكان لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ الْخِيَارُ في الْقِصَاصِ وَعَفْوِهِ على مَالٍ يَأْخُذُهُ مَكَانَهُ وَهَكَذَا الْعَبْدُ الْبَالِغُ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ من جُرْحٍ أو نَفْسٍ فيها قِصَاصٌ فَلِوَلِيِّ الْقَتِيلِ أو الْمَجْرُوحِ أَنْ يَقْتَصَّ منه أو يَعْفُوَ الْقِصَاصَ على أَنْ يَكُونَ الْعَقْلُ في عنق ( ( ( عتق ) ) ) الْعَبْدِ وَإِنْ كان الْعَبْدُ مَالًا لِلسَّيِّدِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ اقر الْعَبْدُ بِجِنَايَةٍ عَمْدًا لَا قِصَاصَ فيها أو خَطَأً لم يَلْزَمْهُ في حَالِ الْعُبُودِيَّةِ منها شَيْءٌ وَيَلْزَمُهُ إذَا عَتَقَ يَوْمًا ما في مَالِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما أَقَرَّ بِهِ الْمَحْجُورَانِ من غَصْبٍ أو قَتْلٍ أو غَيْرِهِ مِمَّا ليس فيه حَدٌّ بَطَلَ عنهما مَعًا فَيَبْطُلُ عن الْمَحْجُورَيْنِ الْحُرَّيْنِ بِكُلِّ حَالٍ وَيَبْطُلُ عن الْعَبْدِ في حَالِ الْعُبُودِيَّةِ وَيَلْزَمُهُ أَرْشُ الْجِنَايَةِ التي اقر بها إذَا عَتَقَ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَبْطَلْتُهُ عنه لِأَنَّهُ مِلْكَ له في حَالِ الْعُبُودِيَّةِ لَا من جِهَةِ حجرى على الْحُرِّ في مَالِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَسَوَاءٌ ما أَقَرَّ بِهِ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ له في التِّجَارَةِ أو غَيْرُ الْمَأْذُونِ له فيها وَالْعَاقِلُ من الْعَبِيدِ وَالْمُقَصِّرُ إذَا كان بَالِغًا غير مَغْلُوبٍ على عَقْلِهِ من كل شَيْءٍ إلَّا ما اقر بِهِ الْعَبْدُ فِيمَا وُكِّلَ بِهِ وَأُذِنَ له فيه من التِّجَارَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اقر الْحُرَّانِ الْمَحْجُورَانِ وَالْعَبْدُ بِسَرِقَةٍ في مِثْلِهَا الْقَطْعُ قُطِعُوا مَعًا وَلَزِمَ الْحُرَّيْنِ غُرْمُ السَّرِقَةِ في أَمْوَالِهِمَا وَالْعَبْدُ في عُنُقِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ بَطَلَتْ الْغُرْمُ عن الْمَحْجُورَيْنِ لِلْحَجْرِ وَالْعَبْدِ لِأَنَّهُ يُقِرُّ في رَقَبَتِهِ لم أَقْطَعْ وَاحِدًا مِنْهُمَا لِأَنَّهُمَا لَا يَبْطُلَانِ إلَّا مَعًا وَلَا يَحِقَّانِ إلَّا مَعًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَقَرُّوا مَعًا بِسَرِقَةٍ بَالِغَةٍ ما بَلَغَتْ لَا قَطْعَ فيها أَبْطَلْتهَا عَنْهُمْ مَعًا عن الْمَحْجُورَيْنِ لِأَنَّهُمَا مَمْنُوعَانِ من أَمْوَالِهِمَا وَعَنْ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ يُقِرُّ في عُنُقِهِ بِلَا حَدٍّ في بَدَنِهِ وَهَكَذَا ما اقر بِهِ الْمُرْتَدُّ من هَؤُلَاءِ في حَالِ رِدَّتِهِ أَلْزَمْتُهُ إيَّاهُ كما أُلْزِمُهُ إيَّاهُ قبل رِدَّتِهِ - * إقْرَارُ من لم يَبْلُغْ الْحُلُمَ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَقَرَّ من لم يَبْلُغْ الْحُلُمَ من الرِّجَالِ وَلَا الْمَحِيضَ من النِّسَاءِ ولم يَسْتَكْمِلْ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً بِحَقٍّ لِلَّهِ أو حَقٍّ لِآدَمِيٍّ في بَدَنِهِ أو مَالِهِ فَذَلِكَ كُلُّهُ سَاقِطٌ عنه لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل إنَّمَا خَاطَبَ بِالْفَرَائِضِ التي فيها الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ الْعَاقِلِينَ الْبَالِغِينَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا نَنْظُرُ في هذا إلَى الْإِثْبَاتِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ إنْ قال لم أَبْلُغْ وَالْبَيِّنَةُ على الْمُدَّعِي ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَقَرَّ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ وقد احْتَلَمَ ولم يَسْتَكْمِلْ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَقَفَ إقْرَارُهُ فَإِنْ حَاضَ وهو مُشْكِلٌ فَلَا يَلْزَمُهُ إقْرَارُهُ حتى يَبْلُغَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَكَذَلِكَ إنْ حَاضَ ولم يَحْتَلِمْ لَا يَجُوزُ إقْرَارُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ بِحَالٍ حتى يَسْتَكْمِلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَهَذَا سَوَاءٌ في الْأَحْرَارِ وَالْمَمَالِيكِ إذَا قال سَيِّدُ الْمَمْلُوكِ أو أبو الصَّبِيِّ لم يَبْلُغْ وقال الْمَمْلُوكُ أو الصَّبِيُّ قد بَلَغْت فَالْقَوْلُ قَوْلُ الصَّبِيِّ وَالْمَمْلُوكِ إذَا كان يُشْبِهُ ما قال فَإِنْ كان لَا يُشْبِهُ ما قال لم يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَلَوْ صَدَّقَهُ أَبُوهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو أَقَرَّ بِهِ وَالْعِلْمُ يُحِيطُ أَنَّ مثله لَا يَبْلُغُ خَمْسَ عَشْرَةَ لم يَجُزْ أَنْ أَقْبَلَ إقْرَارَهُ وإذا أَبْطَلْته عنه في هذه الْحَالِ لم أُلْزِمْهُ الْحُرَّ
____________________

(3/234)


وَلَا الْمَمْلُوكَ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَلَا بَعْدَ الْعِتْقِ في الْحُكْمِ وَيَلْزَمُهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ عز وجل أَنْ يُؤَدُّوا إلَى الْعِبَادِ في ذلك حُقُوقَهُمْ - * إقْرَارُ الْمَغْلُوبِ على عَقْلِهِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى من أَصَابَهُ مَرَضٌ ما كان الْمَرَضُ فَغَلَبَ على عَقْلِهِ فَأَقَرَّ في حَالِ الْغَلَبَةِ على عَقْلِهِ فَإِقْرَارُهُ في كل ما أَقَرَّ بِهِ سَاقِطٌ لِأَنَّهُ لَا فَرْضَ عليه في حَالِهِ تِلْكَ وَسَوَاءٌ كان ذلك الْمَرَضُ بِشَيْءٍ أَكَلَهُ أو شَرِبَهُ لِيَتَدَاوَى بِهِ فَأَذْهَبَ عَقْلَهُ أو بِعَارِضٍ لَا يدري ما سَبَبُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ شَرِبَ رَجُلٌ خَمْرًا أو نَبِيذًا مُسْكِرًا فَسَكِرَ لَزِمَهُ ما أَقَرَّ بِهِ وَفَعَلَ مِمَّا لِلَّهِ وَلِلْآدَمِيِّينَ لِأَنَّهُ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْفَرَائِضُ وَلِأَنَّ عليه حَرَامًا وَحَلَالًا وهو آثِمٌ بِمَا دخل فيه من شُرْبِ الْمُحَرَّمِ وَلَا يَسْقُطُ عنه ما صَنَعَ وَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ضَرَبَ في شُرْبِ الْخَمْرِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ أُكْرِهَ فَأُوجِرَ خَمْرًا فَأَذْهَبَ عَقْلَهُ ثُمَّ أَقَرَّ لم يَلْزَمْهُ إقْرَارُهُ لِأَنَّهُ لَا ذَنْبَ له فِيمَا صَنَعَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَقَرَّ في صِحَّتِهِ أَنَّهُ فَعَلَ شيئا في حَالِ ضُرٍّ غَلَبَهُ على عَقْلِهِ لم يَلْزَمْهُ في ذلك حَدٌّ بِحَالٍ لَا لِلَّهِ وَلَا لِلْآدَمِيِّينَ كَأَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ قَطَعَ رَجُلًا أو قَتَلَهُ أو سَرَقَهُ أو قَذَفَهُ أو زَنَى فَلَا يَلْزَمُهُ قِصَاصٌ وَلَا قَطْعٌ وَلَا حَدٌّ في الزنى وَلِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ أو الْمَجْرُوحِ إنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ من مَالِهِ الْأَرْشَ وَكَذَلِكَ لِلْمَسْرُوقِ أَنْ يَأْخُذَ قِيمَةَ السَّرِقَةِ وَلَيْسَ لِلْمَقْذُوفِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَا أَرْشَ لِلْقَذْفِ ثُمَّ هَكَذَا الْبَالِغُ إذَا اقر أَنَّهُ صَنَعَ من هذا في الصِّغَرِ لَا يَخْتَلِفُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو أَقَرَّ في حَالِ غَلَبَتِهِ على عَقْلِهِ وَصِغَرِهِ فَأَبْطَلْته عنه ثُمَّ قَامَتْ بِهِ عليه بَيِّنَةٌ أَخَذْت منه ما كان في مَالِهِ دُونَ ما كان في بَدَنِهِ فَإِقْرَارُهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَكْثَرُ من بَيِّنَةٍ لو قَامَتْ عليه وَلَوْ أَقَرَّ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ أَنَّهُ فَعَلَ من هذا شيئا وهو مَمْلُوكٌ بَالِغٌ أَلْزَمْته حَدَّ الْمَمْلُوكِ فيه كُلَّهُ فَإِنْ كان قَذْفًا حَدَدْته أَرْبَعِينَ أو زِنًا حَدَدْته خَمْسِينَ وَنَفَيْته نِصْفَ سَنَةٍ إذَا لم يُحِدَّ قبل إقْرَارِهِ أو قَطَعَ يَدَ حُرٍّ أو رِجْلَهُ عَمْدًا اقْتَصَصْت منه إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُقْتَصُّ له أَخْذَ الْأَرْشِ وَكَذَلِكَ لو قَتَلَهُ وَكَذَلِكَ لو اقر بِأَنَّهُ فَعَلَهُ بِمَمْلُوكٍ يُقْتَصُّ منه لِأَنَّهُ لو جَنَى على مَمْلُوكٍ وهو مَمْلُوكٌ فَأُعْتِقَ أَلْزَمْته الْقِصَاصَ إلَّا أَنَّهُ يُخَالِفُ الْحُرَّ في خَصْلَةِ ما أَقَرَّ بِهِ من مَالٍ أَلْزَمْته إيَّاهُ نَفْسَهُ إذَا أُعْتِقَ لِأَنَّهُ بِإِقْرَارٍ كما يُقِرُّ الرَّجُلُ بِجِنَايَةِ خَطَأٍ فَأَجْعَلُهَا في مَالِهِ دُونَ عَاقِلَتِهِ وَلَوْ قَامَتْ عليه بَيِّنَةٌ بِجِنَايَةِ خَطَأٍ تَلْزَمُ عُنُقَهُ وهو مَمْلُوكٌ أَلْزَمْت سَيِّدَهُ الْأَقَلَّ من قِيمَتِهِ يوم جَنَى وَالْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ فَحَالَ بِعِتْقِهِ دُونَ بَيْعِهِ - * إقْرَارُ الصَّبِيِّ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وما أَقَرَّ بِهِ الصَّبِيُّ من حَدٍّ لِلَّهِ عز وجل أو لآدمي ( ( ( الآدمي ) ) ) أو حَقٍّ في مَالِهِ أو غَيْرِهِ فَإِقْرَارُهُ سَاقِطٌ عنه وَسَوَاءٌ كان الصَّبِيُّ مَأْذُونًا له في التِّجَارَةِ أَذِنَ له بِهِ أَبُوهُ أو وَلِيُّهُ من كان أو حَاكِمٌ وَلَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَأْذَنَ له في التِّجَارَةِ فَإِنْ فَعَلَ فَإِقْرَارُهُ سَاقِطٌ عنه وَكَذَلِكَ شِرَاؤُهُ وَبَيْعُهُ مَفْسُوخٌ وَلَوْ أَجَزْت إقْرَارَهُ إذَا أُذِنَ له في التِّجَارَةِ أَجَزْت أَنْ يَأْذَنَ له أَبُوهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فَأُلْزِمُهُ أو يَأْمُرُهُ فَيَقْذِفُ رَجُلًا فَأَحُدُّهُ أو يَجْرَحُ فَأَقْتَصُّ منه فَكَانَ هذا وما يُشْبِهُهُ أَوْلَى أَنْ يَلْزَمَهُ من إقْرَارِهِ لو أُذِنَ له في التِّجَارَةِ لِأَنَّهُ شَيْءٌ فَعَلَهُ بِأَمْرِ أبيه وَأَمْرُ أبيه في التِّجَارَةِ ليس بِإِذْنٍ بِالْإِقْرَارِ بِعَيْنِهِ وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ من هذا ما يَلْزَمُ الْبَالِغَ بِحَالٍ
____________________

(3/235)


- * الْإِكْرَاهُ وما في مَعْنَاهُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل { إلَّا من أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ } الْآيَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلِلْكُفْرِ أَحْكَامٌ كَفِرَاقِ الزَّوْجَةِ وَأَنْ يُقْتَلَ الْكَافِرُ وَيُغْنَمَ مَالُهُ فلما وَضَعَ اللَّهُ عنه سَقَطَتْ عنه أَحْكَامُ الْإِكْرَاهِ على الْقَوْلِ كُلِّهِ لِأَنَّ الْأَعْظَمَ إذَا سَقَطَ عن الناس سَقَطَ ما هو أَصْغَرُ منه وما يَكُونُ حُكْمُهُ بِثُبُوتِهِ عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْإِكْرَاهُ أَنْ يَصِيرَ الرَّجُلُ في يَدَيْ من لَا يَقْدِرُ على الإمتناع منه من سُلْطَانٍ أو لِصٍّ أو مُتَغَلِّبٍ على وَاحِدٍ من هَؤُلَاءِ وَيَكُونُ الْمُكْرَهُ يَخَافُ خَوْفًا عليه دَلَالَةٌ أَنَّهُ إنْ امْتَنَعَ من قَوْلِ ما أُمِرَ بِهِ يَبْلُغُ بِهِ الضَّرْبُ الْمُؤْلِمُ أو أَكْثَرُ منه أو إتْلَافُ نَفْسِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا خَافَ هذا سَقَطَ عنه حُكْمُ ما أُكْرِهَ عليه من قَوْلٍ ما كان الْقَوْلُ شِرَاءً أو بَيْعًا أو إقْرَارًا لِرَجُلٍ بِحَقٍّ أو حَدٍّ أو إقْرَارًا بِنِكَاحٍ أو عِتْقٍ أو طَلَاقٍ أو إحْدَاثِ وَاحِدٍ من هذا وهو مُكْرَهٌ فَأَيُّ هذا أَحْدَثَ وهو مُكْرَهٌ لم يَلْزَمْهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان لَا يَقَعُ في نَفْسِهِ أَنَّهُ يَبْلُغُ بِهِ شَيْءٌ مِمَّا وَصَفْت لم يَسْعَ أَنْ يَفْعَلَ شيئا مِمَّا وَصَفْت أَنَّهُ يَسْقُطُ عنه وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ فَعَلَهُ غير خَائِفٍ على نَفْسِهِ أَلْزَمْته حُكْمَهُ كُلَّهُ في الطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ وَغَيْرِهِ وَإِنْ حُبِسَ فَخَافَ طُولَ الْحَبْسِ أو قُيِّدَ فَخَافَ طُولَ الْقَيْدِ أو أُوعِدَ فَخَافَ أَنْ يُوقِعَ بِهِ من الْوَعِيدِ بَعْضَ ما وَصَفْت أَنَّ الْإِكْرَاهَ سَاقِطٌ بِهِ سَقَطَ عنه ما أُكْرِهَ عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ فَعَلَ شيئا له حُكْمٌ فَأَقَرَّ بَعْدَ فِعْلِهِ أَنَّهُ لم يَخَفْ أَنْ يُوَفَّى له بِوَعِيدٍ أَلْزَمْته ما أَحْدَثَ من إقْرَارٍ أو غَيْرِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ حُبِسَ فَخَافَ طُولَ الْحَبْسِ أو قُيِّدَ فقال ظَنَنْت أَنِّي إذَا امْتَنَعْت مِمَّا أُكْرِهْت عليه لم يَنَلْنِي حَبْسٌ أَكْثَرُ من سَاعَةٍ أو لم يَنَلْنِي عُقُوبَةٌ خِفْت أَنْ لَا يَسْقُطَ الْمَأْثَمُ عنه فِيمَا فيه مَأْثَمٌ مِمَّا قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَمَّا الْحُكْمُ فَيَسْقُطُ عنه من قِبَلِ أَنَّ الذي بِهِ الْكُرْهُ كان ولم يَكُنْ على يَقِينٍ من التَّخَلُّصِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ حُبِسَ ثُمَّ خُلِّيَ ثُمَّ أَقَرَّ لَزِمَهُ الْإِقْرَارُ وَهَكَذَا لو ضُرِبَ ضَرْبَةً أو ضَرَبَاتٍ ثُمَّ خُلِّيَ فَأَقَرَّ ولم يَقُلْ له بَعْدَ ذلك ولم يَحْدُثْ له خَوْفٌ له سَبَبٌ فَأَحْدَثَ شيئا لَزِمَهُ وَإِنْ أَحْدَثَ له أَمْرٌ فَهُوَ بَعْدَ سَبَبِ الضَّرْبِ وَالْإِقْرَارُ سَاقِطٌ عنه قال وإذا قال الرَّجُلُ لِرَجُلٍ أَقْرَرْتُ لَك بِكَذَا وأنا مُكْرَهٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ وَعَلَى الْمُقَرِّ له الْبَيِّنَةُ على إقْرَارِهِ له غير مُكْرَهٍ ( قال الرَّبِيعُ ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّ من أَقَرَّ بِشَيْءٍ لَزِمَهُ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ كان مُكْرَهًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ إذَا كان مَحْبُوسًا وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ وإذا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ لِفُلَانٍ وهو مَحْبُوسٌ بِكَذَا أو لَدَى سُلْطَانٍ بِكَذَا فقال الْمَشْهُودُ عليه أَقْرَرْتُ لِغَمِّ الْحَبْسِ أو لِإِكْرَاهِ السُّلْطَانِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ إلَّا أَنْ تَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ أَقَرَّ عِنْدَ السُّلْطَانِ غير مُكْرَهٍ وَلَا يَخَافُ حين شَهِدُوا أَنَّهُ أَقَرَّ غير مكره ( ( ( مكروه ) ) ) وَلَا مَحْبُوسٍ بِسَبَبِ ما أَقَرَّ له وَهَذَا مَوْضُوعٌ بِنَصِّهِ في كِتَابِ الْإِكْرَاهِ سُئِلَ الرَّبِيعُ عن كِتَابِ الْإِكْرَاهِ فقال لَا أَعْرِفُهُ - * جِمَاعُ الْإِقْرَارِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَجُوزُ عِنْدِي أَنْ أُلْزِمَ أَحَدًا إقْرَارًا إلَّا بَيِّنَ الْمَعْنَى فإذا احْتَمَلَ ما أَقَرَّ بِهِ مَعْنَيَيْنِ أَلْزَمْتُهُ الْأَقَلَّ وَجَعَلْت الْقَوْلَ قَوْلَهُ وَلَا أُلْزِمُهُ إلَّا ظَاهِرَ ما أَقَرَّ بِهِ بَيِّنًا وَإِنْ سَبَقَ إلَى الْقَلْبِ غَيْرُ ظَاهِرِ ما قال وَكَذَلِكَ لَا أَلْتَفِت إلَى سَبَبِ ما أَقَرَّ بِهِ إذَا كان لِكَلَامِهِ ظَاهِرٌ يَحْتَمِلُ خِلَافَ السَّبَبِ لِأَنَّ الرَّجُلَ قد يُجِيبُ على خِلَافِ السَّبَبِ
____________________

(3/236)


الذي كُلِّمَ عليه لِمَا وَصَفْت من أَحْكَامِ اللَّهِ عز وجل فِيمَا بين الْعِبَادِ على الظَّاهِرِ - * الْإِقْرَارُ بِالشَّيْءِ غَيْرِ مَوْصُوفٍ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال الرَّجُلُ لِفُلَانٍ على مَالٌ أو عِنْدِي أو في يَدِي أو قد اسْتَهْلَكْتُ مَالًا عَظِيمًا أو قال عَظِيمًا جِدًّا أو عَظِيمًا عَظِيمًا فَكُلُّ هذا سَوَاءٌ وَيُسْأَلُ ما اراد فَإِنْ قال أَرَدْتُ دِينَارًا أو دِرْهَمًا أو أَقَلَّ من دِرْهَمٍ مِمَّا يَقَعُ عليه اسْمُ مَالِ عَرْضٍ أو غَيْرِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ وَكَذَلِكَ إنْ قال مَالًا صَغِيرًا أو صَغِيرًا جِدًّا أو صَغِيرًا صَغِيرًا من قِبَلِ أَنَّ جَمِيعَ ما في الدُّنْيَا من مَتَاعِهَا يَقَعُ عليه قَلِيلٌ قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { فما مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا في الْآخِرَةِ إلَّا قَلِيلٌ } وَقَلِيلُ ما فيها يَقَعُ عليه عَظِيمُ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ قال اللَّهُ عز وجل { وَإِنْ كان مِثْقَالَ حَبَّةٍ من خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بها وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } وَكُلُّ ما أُثِيبَ عليه وَعُذِّبَ يَقَعُ عليه اسْمُ كَثِيرٍ وَهَكَذَا إنْ قال له على مَالٌ وَسَطٌ أو لَا قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ لِأَنَّ هذا إذَا جَازَ في الْكَثِيرِ كان فِيمَا وَصَفْت أَنَّهُ أَقَلُّ منه أَجْوَزُ وَهَكَذَا إنْ قال له عِنْدِي مَالٌ كَثِيرٌ قَلِيلٌ وَلَوْ قال لِفُلَانٍ عِنْدِي مَالٌ كَثِيرٌ إلَّا مَالًا قَلِيلًا كان هَكَذَا وَلَا يَجُوزُ إذَا قال له عِنْدِي مَالٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَقِيَ له عِنْدَهُ مَالٌ فَأَقَلُّ الْمَالِ لَازِمٌ له وَلَوْ قال له عِنْدِي مَالٌ وَافِرٌ وَلَهُ عِنْدِي مَالٌ تَافِهٌ وَلَهُ عِنْدِي مَالٌ مُغْنٍ كان كُلُّهُ كما وَصَفْت من مَالٍ كَثِيرٍ لِأَنَّهُ قد يُغْنِي الْقَلِيلُ وَلَا يُغْنِي الْكَثِيرُ وَيُنْمَى الْقَلِيلُ إذَا بُورِكَ فيه واصلح وَيَتْلَفُ الْكَثِيرُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا كان الْمُقِرُّ بهذا حَيًّا قُلْت له أَعْطِ الذي أَقْرَرْتَ له ما شِئْت مِمَّا يَقَعُ عليه اسْمُ مَالٍ وَاحْلِفْ له ما أَقْرَرْتَ له بِغَيْرِ ما أَعْطَيْتَهُ فَإِنْ قال لَا أُعْطِيهِ شيئا جَبَرْته على أَنْ يُعْطِيَهُ أَقَلَّ ما يَقَعُ عليه اسْمُ مَالٍ مَكَانَهُ وَيَحْلِفُ ما أَقَرَّ له بِأَكْثَرَ منه فإذا حَلَفَ لم أُلْزِمْهُ غَيْرَهُ وَإِنْ امْتَنَعَ من الْيَمِينِ قُلْت لِلَّذِي يَدَّعِي عليه ادَّعِ ما أَحْبَبْت فإذا ادَّعَى قلت لِلرَّجُلِ احْلِفْ على ما ادَّعَى فَإِنْ حَلَفَ بريء وَإِنْ أَبَى قُلْت له اُرْدُدْ الْيَمِينَ على المدعى فَإِنْ حَلَفَ أَعْطَيْته وَإِنْ لم يَحْلِفْ لم أُعْطِهِ شيئا بِنُكُولِك حتى يَحْلِفَ مع نُكُولِك
____________________

(3/237)


( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كان الْمُقِرُّ بِالْمَالِ غَائِبًا أَقَرَّ بِهِ من صِنْفٍ مَعْرُوفٍ كَفِضَّةٍ أو ذَهَبٍ فَسَأَلَ الْمُقَرُّ له أَنْ يُعْطِيَ ما أَقَرَّ له بِهِ قُلْنَا إنْ شِئْت فَانْتَظِرْ مَقْدِمَهُ أو نَكْتُبُ لَك إلَى حَاكِمِ الْبَلَدِ الذي هو بِهِ وَإِنْ شِئْتَ أَعْطَيْنَاك من مَالِهِ الذي أَقَرَّ فيه أَقَلَّ ما يَقَعُ عليه اسْمُ الْمَالِ وأشهد بِأَنَّهُ عَلَيْك فَإِنْ جاء فَأَقَرَّ لَك بِأَكْثَرَ منه أَعْطَيْتَ الْفَضْلَ كما أَعْطَيْنَاك وَإِنْ لم يُقِرَّ لَك بِأَكْثَرَ منه فَقَدْ اسْتَوْفَيْت وَكَذَلِكَ إنْ جَحَدَك فَقَدْ أَعْطَيْنَاك أَقَلَّ ما يَقَعُ عليه اسْمُ مَالٍ وَإِنْ قال مَالٌ ولم يَنْسُبْهُ إلَى شَيْءٍ لم نُعْطِهِ إلَّا أَنْ يَقُولَ هَكَذَا وَيَحْلِفُ أو يَمُوتُ فَتَحْلِفُ وَرَثَتُهُ وَيُعْطِي من مَالِهِ أَقَلَّ الْأَشْيَاءِ قال وَهَكَذَا إنْ كان الْمُقِرُّ حَاضِرًا فَغَلَبَ على عَقْلِهِ وَيَحْلِفُ على هذا المدعى ما بريء مِمَّا أَقَرَّ له بِهِ بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ وَيَجْعَلُ الْغَائِبَ وَالْمَغْلُوبَ على عَقْلِهِ على حُجَّتِهِ إنْ كانت له ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمِثْلُ هذا إنْ أَقَرَّ له بهذا ثُمَّ مَاتَ وَأَجْعَلُ وَرَثَةَ الْمَيِّتِ على حُجَّتِهِ إنْ كانت لِلْمَيِّتِ حُجَّةٌ فِيمَا أَقَرَّ له بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ شَاءَ الْمُقَرُّ له أَنْ تَحْلِفَ له وَرَثَةُ الْمَيِّتِ فَلَا أُحَلِّفُهُمْ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ عِلْمَهُمْ فَإِنْ ادَّعَاهُ أَحَلَفْتهمْ ما يَعْلَمُونَ أَبَاهُمْ أَقَرَّ له بِشَيْءٍ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَيْته - * الْإِقْرَارُ بِشَيْءٍ مَحْدُودٍ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ قال رَجُلٌ لِفُلَانٍ على أَكْثَرُ من مَالِ فُلَانٍ لِرَجُلٍ آخَرَ وهو يَعْرِفُ مَالَ فُلَانٍ الذي قال له على أَكْثَرُ من مَالِهِ أو لَا يَعْرِفُهُ أو قال له على أَكْثَرُ مِمَّا في يَدَيْهِ من الْمَالِ وهو يَعْرِفُ ما في يَدَيْهِ من الْمَالِ أو لَا يَعْرِفُهُ فَسَوَاءٌ وَأَسْأَلُهُ عن قَوْلِهِ فَإِنْ قال أَرَدْتُ أَكْثَرَ لِأَنَّ ماله على حَلَالٌ وَالْحَلَالُ كَثِيرٌ وَمَالُ فُلَانٍ الذي قُلْت له على أَكْثَرُ من مَالِهِ حَرَامٌ وهو قَلِيلٌ لِأَنَّ مَتَاعَ الدُّنْيَا قَلِيلٌ لِقِلَّةِ بَقَائِهِ وَلَوْ قال قُلْت له على أَكْثَرُ لِأَنَّهُ عِنْدِي أَبْقَى فَهُوَ أَكْثَرُ بِالْبَقَاءِ من مَالِ فُلَانٍ وما في يَدَيْهِ لِأَنَّهُ يُتْلِفُهُ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ ما أَرَادَ أَكْثَرَ في الْعَدَدِ وَلَا في الْقِيمَةِ وكان مِثْلَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَإِنْ مَاتَ أو خَرِسَ أو غُلِبَ فَهُوَ مِثْلُ الذي قال له عِنْدِي مَالٌ كَثِيرٌ وَلَوْ قال لِفُلَانٍ على أَكْثَرُ من عَدَدِ ما بَقِيَ في يَدَيْهِ من الْمَالِ أو عَدَدِ ما في يَدِ فُلَانٍ من الْمَالِ كان الْقَوْلُ في أَنَّ عِلْمَهُ أَنَّ عَدَدَ ما في يَدِ فُلَانٍ من الْمَالِ كَذَا قَوْلُ الْمُقِرِّ مع يَمِينِهِ فَلَوْ قال عَلِمْت أَنَّ عَدَدَ ما في يَدِهِ من الْمَالِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَأَقْرَرْت له بِأَحَدَ عَشَرَ حَلَفَ ما أَقَرَّ له بِأَكْثَرَ منه وكان الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَلَوْ أَقَامَ الْمُقَرُّ له شُهُودًا أَنَّهُ قد عَلِمَ أَنَّ في يَدِهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ لم أُلْزِمْهُ أَكْثَرَ مِمَّا قال إنْ عَلِمْت من قِبَلِ أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ في يَدِهِ أَلْفًا فَتَخْرُجُ من يَدِهِ وَتَكُونُ لِغَيْرِهِ وَكَذَلِكَ لو أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ قال له أو أَنَّ الشُّهُودَ قالوا له نَشْهَدُ أَنَّ له أَلْفَ دِرْهَمٍ فقال له على أَكْثَرُ من مَالِهِ كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ لِأَنَّهُ قد يُكَذِّبُ الشُّهُودَ وَيُكَذِّبُهُ بِمَا ادَّعَى أَنَّ له من الْمَالِ وَإِنْ اتَّصَلَ ذلك بِكَلَامِهِمْ وقد يَعْلَمُ لو صَدَّقَهُمْ أَنَّ مَالَهُ هَلَكَ فَلَا يَلْزَمُهُ مِمَّا لِغَرِيمِهِ إلَّا ما أَحَطْنَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِهِ وَلَوْ قال قد عَلِمْت أَنَّ له أَلْفَ دِينَارٍ فَأَقْرَرْت له بِأَكْثَرَ من عَدَدِهَا فُلُوسًا كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَهَكَذَا لو قال أَقْرَرْت بِأَكْثَرَ من عَدَدِهَا حَبَّ حِنْطَةٍ أو غَيْرَهُ كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ مع يَمِينِهِ وَلَوْ قال رَجُلٌ لِرَجُلٍ لي عَلَيْك أَلْفُ دِينَارٍ فقال لَك على من الذَّهَبِ أَكْثَرُ مِمَّا كان عليه أَكْثَرُ من أَلْفِ دِينَارٍ ذَهَبًا فَالْقَوْلُ في الذَّهَبِ الرَّدِيءِ وَغَيْرِ الْمَضْرُوبِ قَوْلُ الْمُقِرِّ وَلَوْ كان قال لي عَلَيْك أَلْفُ دِينَارٍ فقال لَك عِنْدِي أَكْثَرُ من مَالِكِ لم أُلْزِمْهُ أَكْثَرَ من أَلْفِ دِينَارٍ وَقُلْت له كَمْ مَالُهُ فَإِنْ قال دِينَارٌ أو دِرْهَمٌ أو فَلْسٌ أَلْزَمْته أَقَلَّ من دِينَارٍ أو دِرْهَمٍ وَفَلْسٍ لِأَنَّهُ قد يُكَذِّبُهُ بِأَنَّ له أَلْفَ دِينَارٍ وَكَذَلِكَ لو شَهِدَتْ له بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ فَأَقَرَّ بَعْدَ شُهُودِ الْبَيِّنَةِ أو قَبْلُ لِأَنَّهُ قد يُكَذِّبُ الْبَيِّنَةَ وَلَا أُلْزِمُهُ ذلك حتى يَقُولَ قد عَلِمْت أَنَّ له أَلْفَ دِينَارٍ فَأَقْرَرْت بِأَكْثَرَ منها ذَهَبًا وَإِنْ قال له على شَيْءٌ أَلْزَمْته أَيَّ شَيْءٍ قال وأقل ما يَقَعُ عليه اسْمُ شَيْءٍ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ
____________________

(3/238)


- * الْإِقْرَارُ لِلْعَبْدِ وَالْمَحْجُورِ عليه - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَقَرَّ الرَّجُلُ لِعَبْدِ رَجُلٍ مَأْذُونٍ له في التِّجَارَةِ أو غَيْرِ مَأْذُونٍ له فيها بِشَيْءٍ أو لِحُرٍّ أو لِحُرَّةٍ مَحْجُورِينَ أو غَيْرِ مَحْجُورِينَ لَزِمَهُ الْإِقْرَارُ لِكُلِّ وَاحِدٍ منهم وكان لِلسَّيِّدِ أَخْذُ ما أَقَرَّ بِهِ لِعَبْدِهِ وَلِوَلِيِّ الْمَحْجُورِينَ أَخْذُ ما أَقَرَّ بِهِ لِلْمَحْجُورِينَ وَكَذَلِكَ لو أَقَرَّ بِهِ لِمَجْنُونٍ أو زَمِنٍ أو مُسْتَأْمَنٍ كان لهم أَخْذٌ بِهِ فَلَوْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِبِلَادِ الْحَرْبِ بِشَيْءٍ غير مُكْرَهٍ أَلْزَمْتُهُ إقْرَارَهُ له وَكَذَلِكَ ما أَقَرَّ بِهِ الْأَسْرَى إذَا كَانُوا مُسْتَأْمَنِينَ بِبِلَادِ الْحَرْبِ لِأَهْلِ الْحَرْبِ وَبَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ غَيْرُ مُكْرَهِينَ أَلْزَمْتهمْ ذلك كما أُلْزِمُهُ الْمُسْلِمِينَ في دَارِ الْإِسْلَامِ قال وَكَذَلِكَ الذِّمِّيُّ وَالْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنُ يُقِرُّ لِلْمُسْلِمِ وَالْمُسْتَأْمَنِ وَالذِّمِّيِّ أُلْزِمُهُ ذلك كُلَّهُ - * الْإِقْرَارُ لِلْبَهَائِمِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَقَرَّ الرَّجُلُ لِبَعِيرٍ لِرَجُلٍ أو لِدَابَّةٍ له أو لِدَارٍ له أو لِهَذَا الْبَعِيرِ أو لِهَذِهِ الدَّابَّةِ أو لِهَذِهِ الدَّارِ علي كَذَا لم أُلْزِمْهُ شيئا مِمَّا أَقَرَّ بِهِ لِأَنَّ الْبَهَائِمَ وَالْحِجَارَةَ لَا تَمْلِكُ شيئا بِحَالٍ وَلَوْ قال على بِسَبَبِ هذا الْبَعِيرِ أو سَبَبِ هذه الدَّابَّةِ أو سَبَبِ هذه الدَّارِ كَذَا وَكَذَا لم أُلْزِمْهُ إقْرَارَهُ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ عليه بِسَبَبِهَا شَيْءٌ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ على بِسَبَبِهَا أَنْ أَحَالَتْ عَلَيَّ أو حَمَلَتْ عَنِّي أو حَمَلَتْ عنها وَهِيَ لَا تُحِيلُ عليه وَلَا يَحْمِلُ عنها بِحَالٍ وَلَوْ وَصَلَ الْكَلَامُ فقال عَلَيَّ بِسَبَبِهَا أَنِّي جَنَيْت فيها جِنَايَةً أَلْزَمَتْنِي كَذَا وَكَذَا كان ذلك إقْرَارًا لِمَالِكِهَا لَازِمًا لِلْمُقِرِّ وَكَذَلِكَ لو قال لِسَيِّدِهَا عَلَيَّ بِسَبَبِهَا كَذَا وَكَذَا أَلْزَمْته ذلك وَلَوْ لم يَزِدْ على هذا لِأَنَّهُ نَسَبَ الْإِقْرَارَ لِلسَّيِّدِ وَأَنَّهُ قد يَلْزَمُهُ بِسَبَبِهَا شَيْءٌ بِحَالٍ فَلَا أُبْطِلُهُ عنه وَأُلْزِمُهُ بِحَالٍ وَلَوْ قال لِسَيِّدِ هذه النَّاقَةِ عَلَيَّ بِسَبَبِ ما في بَطْنِهَا كَذَا لم أُلْزِمْهُ إيَّاهُ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ عليه بِسَبَبِ ما في بَطْنِهَا شَيْءٌ أَبَدًا لِأَنَّهُ إنْ كان حَمْلًا فلم يَجْنِ عليه جِنَايَةً لها حُكْمٌ لِأَنَّهُ لم يَسْقُطْ فَإِنْ لم يَكُنْ حَمْلٌ كان أَبْعَدَ من أَنْ يَلْزَمَهُ شَيْءٌ بِسَبَبِ ما لَا يَكُونُ بِسَبَبِ غُرْمٍ أَبَدًا - * الْإِقْرَارُ لِمَا في الْبَطْنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال الرَّجُلُ هذا الشَّيْءُ يَصِفُهُ في يَدِهِ عَبْدٌ أو دَارٌ أو عَرْضٌ من الْعُرُوضِ أو أَلْفُ دِرْهَمٍ أو كَذَا وَكَذَا مِكْيَالًا حِنْطَةً لِمَا في بَطْنِ هذه الْمَرْأَةِ لِامْرَأَةٍ حُرَّةٍ أو أُمِّ وَلَدٍ لِرَجُلٍ وَلَدُهَا حُرٌّ فأب ( ( ( فأبو ) ) ) الْحَمْلِ أو وَلِيُّهُ الْخَصْمُ في ذلك وَإِنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ لِمَا في بَطْنِ أَمَةٍ لِرَجُلٍ فَمَالِكُ الْجَارِيَةِ الْخَصْمُ في ذلك فإذا لم يَصِلْ الْمُقِرُّ إقْرَارَهُ بِشَيْءٍ فَإِقْرَارُهُ لَازِمٌ له إنْ وَلَدَتْ الْمَرْأَةُ وَلَدًا حَيًّا لِأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ بِشَيْءٍ ما كان فَإِنْ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ ذَكَرًا وَأُنْثَى أو ذَكَرَيْنِ أو أُنْثَيَيْنِ فما أَقَرَّ بِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَإِنْ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ حَيًّا وَمَيِّتًا فما ( ( ( أقر ) ) ) أقربه كُلِّهِ لِلْحَيِّ مِنْهُمَا فَإِنْ وَلَدَتْ وَلَدًا أو وَلَدَيْنِ مَيِّتَيْنِ سَقَطَ الْإِقْرَارُ عنه وَهَكَذَا إنْ وَلَدَتْ وَلَدًا حَيًّا أو اثْنَيْنِ لِكَمَالِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ من يَوْمِ أَقَرَّ سَقَطَ الْإِقْرَارُ لِأَنَّهُ قد يَحْدُثُ بَعْدَ إقْرَارِهِ فَلَا يَكُونُ أَقَرَّ بِشَيْءٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنَّمَا أُجِيزُ الْإِقْرَارَ إذَا عَلِمْت أَنَّهُ وَقَعَ لِبَشَرٍ قد خُلِقَ وإذا أَقَرَّ لِلْحَمْلِ فَوَلَدَتْ التي أَقَرَّ لِحَمْلِهَا وَلَدَيْنِ في بَطْنٍ أَحَدُهُمَا قبل سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَالْآخَرُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَالْإِقْرَارُ جَائِزٌ لَهُمَا مَعًا لِأَنَّهُمَا حَمْلٌ وَاحِدٌ قد خَرَجَ بَعْضُهُ قبل سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَحُكْمُ الْخَارِجِ بَعْدَهُ حُكْمُهُ فإذا أَقَرَّ لِمَا في بَطْنِ امْرَأَةٍ فَضَرَبَ رَجُلٌ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا سَقَطَ الْإِقْرَارُ وَإِنْ أَلْقَتْهُ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَإِنْ كانت أَلْقَتْهُ بِمَا يُعْلَمُ أَنَّهُ خُلِقَ قبل الْإِقْرَارِ ثَبَتَ
____________________

(3/239)


الْإِقْرَارُ وَإِنْ أَشْكَلَ أو كان يُمْكِنُ أَنْ يُخْلَقَ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْإِقْرَارُ سَقَطَ الْإِقْرَارُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنَّمَا أَجَزْتُ الْإِقْرَارَ لِمَا في بَطْنِ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ ما في بَطْنِهَا يُمْلَكُ بِالْوَصِيَّةِ فلما كان يُمْلَكُ بِحَالٍ لم أُبْطِلْ الْإِقْرَارَ له حتى يُضِيفَ الْإِقْرَارَ إلَى ما لَا يَجُوزُ أَنْ يُمْلَكَ بِهِ ما في بَطْنِ الْمَرْأَةِ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أَسْلِفْنِي ما في بَطْنِ هذه الْمَرْأَةِ أَلْفَ دِرْهَمٍ أو حَمِّلْ عَنِّي ما في بَطْنِ هذه الْمَرْأَةِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَغُرْمُهَا أو ما في هذا الْمَعْنَى مِمَّا لَا يَكُونُ لِمَا في بَطْنِ الْمَرْأَةِ بِحَالٍ قال وَلَكِنَّهُ لو قال لِمَا في بَطْنِ هذه الْمَرْأَةِ عِنْدِي هذا الْعَبْدُ أو أَلْفُ دِرْهَمٍ غَصَبْته إيَّاهَا لَزِمَهُ الْإِقْرَارُ لِأَنَّهُ قد يُوصِي له بِمَا أَقَرَّ له بِهِ فَيَغْصِبُهُ إيَّاهُ وَمِثْلُ هذا أَنْ يَقُولَ ظَلَمْته إيَّاهُ وَمِثْلُهُ أَنْ يَقُولَ اسْتَسْلَفْته لِأَنَّهُ قد يُوصِي إلَيْهِ لِمَا في بَطْنِ الْمَرْأَةِ بِشَيْءٍ يَسْتَسْلِفُهُ وَهَكَذَا لو قال اسْتَهْلَكْته عليه أو أَهْلَكْته له وَلَيْسَ هذا كما يقول أَسْلِفْنِيهِ ما في بَطْنِهَا لِأَنَّ ما في بَطْنِهَا لَا يُسَلِّفُ شيئا وَلَوْ قال لِمَا في بَطْنِ هذه الْمَرْأَةِ عِنْدِي أَلْفٌ أوصي له بها أبي كانت له عِنْدَهُ فَإِنْ بَطَلَتْ وَصِيَّةُ الْحَمْلِ بِأَنْ يُولَدَ مَيِّتًا كانت الْأَلْفُ دِرْهَمٍ لِوَرَثَةِ أبيه وَلَوْ قال أَوْصَى له بها فُلَانٌ إلَيَّ فَبَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ كانت الْأَلْفُ لِوَرَثَةِ الذي أَقَرَّ أَنَّهُ أَوْصَى بها له وَلَوْ قال لِمَا في بَطْنِ هذه الْمَرْأَةِ عِنْدِي أَلْفُ دِرْهَمٍ أَسْلَفَنِيهَا أَبُوهُ أو غَصَبْتهَا اباه كان الْإِقْرَارُ لِأَبِيهِ فَإِنْ كان أَبُوهُ مَيِّتًا فَهِيَ مَوْرُوثَةٌ عنه وَإِنْ كان حَيًّا فَهِيَ له وَلَا يَلْزَمُهُ لِمَا في بَطْنِ الْمَرْأَةِ شيء ( ( ( بشيء ) ) ) وَلَوْ قال له على أَلْفُ دِرْهَمٍ غَصَبْتُهَا من مِلْكِهِ أو كانت في مِلْكِهِ فَأَلْزَمْته الْإِقْرَارَ فَخَرَجَ الْجَنِينُ مَيِّتًا فَسَأَلَ وَارِثُهُ أَخَذَهَا سألت الْمُقِرُّ فَإِنْ جَحَدَ أَحَلَفْته ولم أَجْعَلْ عليه شيئا وَإِنْ قال أوصي بها فُلَانٌ له فَغَصَبْتهَا أو أَقْرَرْت بِغَصْبِهَا كَاذِبًا رُدَّتْ إلَى وَرَثَةِ فُلَانٍ فَإِنْ قال قد وَهَبْت لِهَذَا الْجَنِينِ دَارِي أو تَصَدَّقْت بها عليه أو بِعْته إيَّاهَا لم يَلْزَمْهُ من هذا شَيْءٌ لِأَنَّ كُلَّ هذا لَا يَجُوزُ لِجَنِينٍ وَلَا عليه وإذا اقر الرَّجُلُ بها لِمَا في بَطْنِ جَارِيَةٍ لرجل فَالْإِقْرَارُ بَاطِلٌ - * الْإِقْرَارُ بِغَصْبِ شَيْءٍ في شَيْءٍ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال الرَّجُلُ غَصَبْتُك كَذَا في كَذَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ في غَيْرِ الْمَغْصُوبِ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ غَصَبْتُك ثَوْبًا أو عَبْدًا أو طَعَامًا في رَجَبٍ سَنَةً كَذَا فَأَخْبَرَ بِالْحِينِ الذي غَصَبَهُ فيه وَالْجِنْسِ الذي أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهُ إيَّاهُ فَكَذَلِكَ إنْ قال غَصَبْتُك حِنْطَةً في بَلَدِ كَذَا أو في صَحْرَاءَ أو في أَرْضِ فُلَانٍ أو في أَرْضِك فَيَعْنِي الذي أَصَابَ الْغَصْبَ أَنَّ الذي فيه غَيْرُ الذي أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهُ إيَّاهُ إنَّمَا جَعَلَ الْمَوْضِعَ الذي أَصَابَ الْغَصْبَ فيه دَلَالَةً على أَنَّهُ غَصَبَهُ فيه كما جَعَلَ الشَّهْرَ دَلَالَةً على أَنَّهُ غَصَبَ فيه كَقَوْلِك غَصَبْتُك حِنْطَةً في أَرْضٍ وَغَصَبْتُك حِنْطَةً من أَرْضٍ وَغَصَبْتُك زَيْتًا في حَبٍّ وَغَصَبْتُك زَيْتًا من حَبٍّ وَغَصَبْتُك سَفِينَةً في بَحْرٍ وَغَصَبْتُك سَفِينَةً من بَحْرٍ وَغَصَبْتُك بَعِيرًا في مَرْعَى وَغَصَبْتُك بَعِيرًا من مَرْعَى وَبَعِيرًا في بَلَدِ كَذَا وَمِنْ بَلَدِ كَذَا وَغَصَبْتُك كَبْشًا في خَيْلٍ وَكَبْشًا من خَيْلٍ يَعْنِي في جَمَاعَةِ خَيْلٍ وَغَصَبْتُك عَبْدًا في إمَاءٍ وَعَبْدًا من إمَاءٍ يَعْنِي أَنَّهُ كان مع إمَاءٍ وَعَبْدًا في غَنَمٍ وَعَبْدًا في إبِلٍ وَعَبْدًا من غَنَمٍ وَعَبْدًا من إبِلٍ كَقَوْلِهِ غَصَبْتُك عَبْدًا في سِقَاءٍ وَعَبْدًا في رَحًى ليس أَنَّ السِّقَاءَ وَالرَّحَى مِمَّا غَصَبَ وَلَكِنَّهُ وَصَفَ أَنَّ الْعَبْدَ كان في أَحَدِهِمَا كما وَصَفَ أَنَّهُ كان في إبِلٍ أو غَنَمٍ وَهَكَذَا إنْ قال غَصَبْتُك حِنْطَةً في سَفِينَةٍ أو في جِرَابٍ أو في غِرَارَةٍ أو في صَاعٍ فَهُوَ غَاصِبٌ لِلْحِنْطَةِ دُونَ ما وَصَفَ أنها كانت فيه وَقَوْلُهُ في سَفِينَةٍ وفي جِرَابٍ كَقَوْلِهِ من سَفِينَةٍ وَجِرَابٍ لَا يَخْتَلِفَانِ في هذا الْمَعْنَى قال وَهَكَذَا لو قال غَصَبْتُك ثَوْبًا قُوهِيًّا في مِنْدِيلٍ أو ثِيَابًا في جِرَابٍ أو عَشَرَةَ أَثْوَابٍ في ثَوْبٍ أو مِنْدِيلٍ أو ثَوْبًا في عَشَرَةِ أَثْوَابٍ أو دَنَانِيرَ في خَرِيطَةٍ لَا يَخْتَلِفُ كُلُّ هذا قَوْلُهُ في كَذَا وَمِنْ كَذَا سَوَاءٌ فَلَا يَضْمَنُ إلَّا ما اقر بِغَصْبِهِ لَا ما وَصَفَ أَنَّ الْمَغْصُوبَ كان فيه له قال وَهَكَذَا لو قال غَصَبْتُك فَصًّا في خَاتَمٍ أو خَاتَمًا في فَصٍّ أو سَيْفًا في حَمَّالَةٍ أو حَمَّالَةً في سَيْفٍ لِأَنَّ كُلَّ هذا قد يَتَمَيَّزُ من صَاحِبِهِ فَيُنْزَعُ الْفَصُّ من الْخَاتَمِ وَالْخَاتَمُ من الْفَصِّ وَيَكُونُ السَّيْفُ مُعَلَّقًا بِالْحَمَّالَةِ
____________________

(3/240)


لَا مَشْدُودَةً إلَيْهِ وَمَشْدُودَةً إلَيْهِ فَتُنْزَعُ منه قال وَهَكَذَا إنْ قال غَصَبْتُك حِلْيَةً من سَيْفٍ أو حِلْيَةً في سَيْفٍ لِأَنَّ كُلَّ هذا قد يَكُونُ على السَّيْفِ فَيُنْزَعُ قال وَهَكَذَا إنْ قال غَصَبْتُك شَارِبَ سَيْفٍ أو نَعْلَهُ فَهُوَ غَاصِبٌ لِمَا وَصَفْت دُونَ السَّيْفِ وَمِثْلُهُ لو قال غَصَبْتُك طَيْرًا في قَفَصٍ أو طَيْرًا في شَبَكَةٍ أو طَيْرًا في شِنَاقٍ كان غَاصِبًا لِلطَّيْرِ دُونَ الْقَفَصِ وَالشَّبَكَةِ وَالشِّنَاقِ وَمِثْلُهُ لو قال غَصَبْتُك زَيْتًا في جَرَّةً أو زَيْتًا في زِقٍّ أو عَسَلًا في عُكَّةٍ أو شَهِدَا في جُونَةٍ أو تَمْرًا في قِرْبَةٍ أو جُلَّةٍ كان غَاصِبًا لِلزَّيْتِ دُونَ الْجَرَّةِ وَالزِّقِّ وَالْعَسَلِ دُونَ الْعُكَّةِ وَالشَّهْدِ دُونَ الْجَوْنَةِ وَالتَّمْرِ دُونَ الْقِرْبَةِ وَالْجُلَّةِ وَكَذَلِكَ لو قال غَصَبْتُك جَرَّةً فيها زَيْتٌ وَقَفَصًا فيه طَيْرٌ وَعُكَّةَ فيها سَمْنٌ كان غَاصِبًا لِلْجَرَّةِ دُونَ الزَّيْتِ وَالْقَفَصِ دُونَ الطَّيْرِ وَالْعُكَّةِ دُونَ السَّمْنِ وَلَا يَكُونُ غَاصِبًا لَهُمَا مَعًا إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ يقول غَصَبْتُك عُكَّةً وَسَمْنًا وَجَرَّةً وَزَيْتًا فإذا قال هذا فَهُوَ غَاصِبٌ لِلشَّيْئَيْنِ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إنْ قال غَصَبْته سَمْنًا في عُكَّةٍ أو سَمْنًا وَعُكَّةً لم يَكُنْ فيها سَمْنٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ في أَيِّ سَمْنٍ أَقَرَّ بِهِ وَأَيِّ عُكَّةٍ أَقَرَّ له بها وإذا قال غصبتك عكة وسمنها وجرة وزيتها كان غاصبا للعكة بسمنها والقول في قدر سمنها وفي أي عكة أقر بها قوله وإذا قال غَصَبْتُك سَرْجًا على حِمَارٍ أو حِنْطَةً على حِمَارٍ فَهُوَ غَاصِبٌ لِلسَّرْجِ دُونَ الْحِمَارِ وَالْحِنْطَةِ دُونَ الْحِمَارِ وَكَذَلِكَ لو قال غَصَبْتُك حِمَارًا عليه سَرْجٌ أو حِمَارًا مُسَرَّجًا كان غَاصِبًا لِلْحِمَارِ دُونَ السَّرْجِ وَكَذَلِكَ لو قال غَصَبْتُك ثِيَابًا في عَيْبَةٍ كان غَاصِبًا لِلثِّيَابِ دُونَ الْعَيْبَةِ وَهَكَذَا لو قال غَصَبْتُك عَيْبَةً فيها ثِيَابٌ كان غَاصِبًا لِلْعَيْبَةِ دُونَ الثِّيَابِ - * الْإِقْرَارُ بِغَصْبِ شَيْءٍ بِعَدَدٍ وَغَيْرِ عَدَدٍ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ غَصَبْتُك شيئا لم يَزِدْ على ذلك فَالْقَوْلُ في الشَّيْءِ قَوْلُهُ فَإِنْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ غَصَبَهُ شيئا أَلْزَمَهُ الْحَاكِمُ أَنْ يُقِرَّ له بِمَا يَقَعُ عليه اسْمُ شَيْءٍ فإذا امْتَنَعَ حَبَسَهُ حتى يُقِرَّ له بِمَا يَقَعُ عليه اسْمُ شَيْءٍ فإذا فَعَلَ فَإِنْ صَدَّقَهُ المدعى وَإِلَّا أَحْلَفَهُ ما غَصَبَهُ إلَّا ما ذَكَرَ ثُمَّ أبراه من غَيْرِهِ وَلَوْ مَاتَ قبل يُقِرَّ بِشَيْءٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ وَرَثَتِهِ وَيَحْلِفُونَ ما غَصَبَهُ غَيْرُهُ وَيُوقَفُ مَالُ الْمَيِّتِ عَنْهُمْ حتى يُقِرُّوا له بِشَيْءٍ وَيَحْلِفُونَ ما عَلِمُوا غَيْرَهُ وإذا قال غَصَبْتُك شيئا ثُمَّ أَقَرَّ بِشَيْءٍ بِإِلْزَامِ الْحَاكِمِ له أَنْ يُقِرَّ بِهِ أو بِغَيْرِ إلْزَامِهِ فَسَوَاءٌ وَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا ذلك الشَّيْءُ فَإِنْ كان الذي أَقَرَّ بِهِ مِمَّا يَحِلُّ أَنْ يَمْلِكَ بِحَالٍ جُبِرَ على دَفْعِهِ إلَيْهِ فَإِنْ فَاتَ في يَدِهِ جُبِرَ على أَدَاءِ قِيمَتِهِ إلَيْهِ إذَا كانت له قِيمَةٌ وَالْقَوْلُ في قِيمَتِهِ قَوْلُهُ وَإِنْ كان مِمَّا لَا يَحِلُّ أَنْ يَمْلِكَ أُحْلِفَ ما غَصَبَهُ غَيْرَهُ ولم يُجْبَرْ على دَفْعِهِ إلَيْهِ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يُقِرَّ أَنَّهُ غَصَبَهُ عَبْدًا أو أَمَةً أو دَابَّةً أو ثَوْبًا أو فَلْسًا أو حِمَارًا فَيُجْبَرُ على دَفْعِهِ إلَيْهِ وَكَذَلِكَ لو أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهُ كَلْبًا جَبَرْته على دَفْعِهِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ يَحِلُّ مِلْكُ الْكَلْبِ فَإِنْ مَاتَ الْكَلْبُ في يَدَيْهِ لم أُجْبِرْهُ على دَفْعِ شَيْءٍ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا ثَمَنَ له وَكَذَلِكَ إنْ أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهُ جِلْدَ مَيْتَةٍ غَيْرِ مَدْبُوغٍ جَبَرْته على دَفْعِهِ إلَيْهِ فَإِنْ فَاتَ لم أُجْبِرْهُ على دَفْعِ قِيمَتِهِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا ثَمَنَ له ما لم يُدْبَغْ فَإِنْ كان مَدْبُوغًا دَفَعَهُ إلَيْهِ أو قِيمَتَهُ إنْ فَاتَ لِأَنَّ ثَمَنَهُ يَحِلُّ إذَا دُبِغَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهُ خَمْرًا أو خِنْزِيرًا لم أُجْبِرْهُ على دَفْعِهِ إلَيْهِ وَأَهْرَقْت عليه الْخَمْرَ وَذَبَحْت الْخِنْزِيرَ والغيته إذَا كان أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا وَلَا ثَمَنَ لِهَذَيْنِ وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُمْلَكَا بِحَالٍ وإذا أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهُ حِنْطَةً فَفَاتَتْ رَدَّ إلَيْهِ مِثْلَهَا فَإِنْ لم يَكُنْ لها مِثْلٌ فَقِيمَتُهَا وَكَذَلِكَ كُلُّ ماله مِثْلٌ يُرَدُّ مِثْلُهُ فَإِنْ فَاتَ يُرَدُّ قِيمَتُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا قال الرَّجُلُ الْكَثِيرُ الْمَالِ غَصَبْت فُلَانًا لِرَجُلٍ كَثِيرِ الْمَالِ شيئا أو شيئا له بَالٌ فَهُوَ كَالْفَقِيرِ يُقِرُّ لِلْفَقِيرِ وَأَيُّ شَيْءٍ أَقَرَّ بِهِ يَقَعُ عليه اسْمُ شَيْءٍ فَلْسٍ أو حَبَّةٍ حِنْطَةٍ أو غَيْرِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ فَإِنْ قال غَصَبْته أَشْيَاءَ قِيلَ أَدِّ إلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ لِأَنَّهَا اقل ظَاهِرِ الْجِمَاعِ في كَلَامِ الناس واي ثَلَاثَةِ اشياء قال هِيَ هِيَ فَهِيَ هِيَ مُخْتَلِفَةٌ فَإِنْ قال هِيَ ثَلَاثَةُ أَفْلُسٍ أو هِيَ فَلْسٌ وَدِرْهَمٌ وَتَمْرَةٌ أو هِيَ ثَلَاثُ تَمَرَاتٍ أو هِيَ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ
____________________

(3/241)


أو ثَلَاثَةُ أَعْبُدَ أو عَبْدٌ وَأَمَةٌ وَحِمَارٌ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ من هذا يَقَعُ عليه اسْمُ شَيْءٍ اخْتَلَفَتْ أو اتَّفَقَتْ فَسَوَاءٌ وَلَوْ قال غَصَبْتُك ولم يَزِدْ على ذلك أو غَصَبْتُك ما تَعْلَمُ لم أُلْزِمْهُ بهذا شيئا لِأَنَّهُ قد يَغْصِبُهُ نَفْسَهُ فَيُدْخِلُهُ الْمَسْجِدَ أو الْبَيْتَ لِغَيْرِ مَكْرُوهٍ وَيَغْصِبُهُ فَيَمْنَعُهُ بَيْتَهُ فَلَا أُلْزِمُهُ حتى يَقُولَ غَصَبْتُك شيئا وَلَوْ قال غَصَبْتُك شيئا فقال عَنَيْت نَفْسَك لم أَقْبَلْ منه لِأَنَّهُ إذَا قال غَصَبْتُك شيئا فَإِنَّمَا ظَاهِرُهُ غَصَبْت مِنْك شيئا وَلَوْ قال غَصَبْتُك وَغَصَبْتُك مِرَارًا كَثِيرَةً لم أُلْزِمْهُ شيئا لِأَنَّهُ قد يَغْصِبُهُ نَفْسَهُ كما وَصَفْت قال وَلَوْ سُئِلَ فقال لم أَغْصِبْهُ شيئا وَلَا نَفْسَهُ لم أُلْزِمْهُ شيئا لِأَنَّهُ لم يُقِرَّ بِأَنَّهُ غَصَبَهُ شيئا - * الْإِقْرَارُ بِغَصْبِ شَيْءٍ ثُمَّ يدعى الْغَاصِبُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَقَرَّ الرَّجُلُ أَنَّهُ غَصَبَ الرَّجُلَ أَرْضًا ذَاتَ غراس ( ( ( غرس ) ) ) أو غير ذَاتِ غَرْسٍ أو دَارًا ذَاتَ بِنَاءٍ أو غير ذَاتِ بِنَاءٍ أو بَيْتًا فَكُلُّ هذا أَرْضٌ وَالْأَرْضُ لَا تُحَوَّلُ وَإِنْ كان الْبِنَاءُ وَالْغِرَاسُ قد يُحَوَّلُ فَإِنْ قال الْمُقِرُّ بِالْغَصْبِ بَعْدَ قَطْعِهِ الْكَلَامَ أو معه إنَّمَا أَقْرَرْت بِشَيْءٍ غَصَبْتُك بِبَلَدِ كَذَا فَسَوَاءٌ الْقَوْلُ قَوْلُهُ وَأَيُّ شَيْءٍ دَفَعَهُ إلَيْهِ بِذَلِكَ الْبَلَدِ مِمَّا يَقَعُ عليه اسْمُ ما أَقَرَّ له بِهِ فَلَيْسَ له عليه غَيْرُهُ وإذا ادَّعَى الْمُقَرُّ له سِوَاهُ أَحْلَفَ الْغَاصِبَ ما غَصَبَهُ غير هذا وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فَإِنْ مَاتَ الْغَاصِبُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ وَرَثَتِهِ فَإِنْ قالوا لَا نَعْلَمُ شيئا قِيلَ لِلْمَغْصُوبِ ادَّعِ ما شِئْت من هذه الصِّفَةِ في هذا الْبَلَدِ فإذا ادَّعَى قِيلَ لِلْوَرَثَةِ احْلِفُوا ما تَعْلَمُونَهُ هو فَإِنْ حَلَفُوا بَرِئُوا وَإِلَّا لَزِمَهُمْ أَنْ يُعْطُوهُ بَعْضَ ما يَقَعُ عليه اسْمُ ما أَقَرَّ بِهِ الْغَاصِبُ فَإِنْ نَكَلُوا حَلَفَ الْمَغْصُوبُ وَاسْتَحَقَّ ما ادَّعَى وَإِنْ أَبَى الْمَغْصُوبُ أَنْ يَحْلِفَ وَلَا الْوَرَثَةُ وُقِفَ مَالُ الْمَيِّتِ حتى يُعْطِيَهُ الْوَرَثَةُ أَقَلَّ ما يَقَعُ عليه اسْمُ ما وَصَفْت أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهُ وَيَحْلِفُونَ ما يَعْلَمُونَهُ غَصَبَهُ غَيْرَهُ وَلَا يُسَلَّمُ لهم مِيرَاثُهُ إلَّا بِمَا وَصَفْت وَلَوْ كان الْغَاصِبُ قال غَصَبْته دَارًا بِمَكَّةَ ثُمَّ قال أَقْرَرْت له بِبَاطِلٍ وما أَعْرِفُ الدَّارَ التي غَصَبْته إيَّاهَا قِيلَ إنْ أَعْطَيْته دَارًا بِمَكَّةَ ما كانت الدَّارُ وَحَلَفْت ما غَصَبْته غَيْرَهَا بَرِئْت وَإِنْ امْتَنَعْت وَادَّعَى دَارًا بِعَيْنِهَا قِيلَ احْلِفْ ما غَصَبْته إيَّاهَا فَإِنْ حَلَفْتَ بَرِئْت وَإِنْ لم تَحْلِفْ حَلَفَ فَاسْتَحَقَّهَا وإذا امْتَنَعَ وَامْتَنَعْتَ من الْيَمِينِ حُبِسْت أَبَدًا حتى تُعْطِيَهُ دَارًا وَتَحْلِفَ ما غَصَبْته غَيْرَهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهُ مَتَاعًا يُحَوَّلُ مِثْلُ عَبْدٍ أو دَابَّةٍ أو ثَوْبٍ أو طَعَامٍ أو ذَهَبٍ أو فِضَّةٍ فقال غَصَبْتُك كَذَا بِبَلَدِ كَذَا بِكَلَامٍ مَوْصُولٍ وَكَذَّبَهُ الْمَغْصُوبُ وقال ما غَصَبْتنِيهِ بهذا الْبَلَدِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ لِأَنَّهُ لم يُقِرَّ له بِالْغَصْبِ إلَّا بِالْبَلَدِ الذي سَمَّى فَإِنْ كان الذي أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهُ منه دَنَانِيرَ أو دَرَاهِمَ أو ذَهَبًا أو فِضَّةً أَخَذَ بِأَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ مكانه لِأَنَّهُ لَا مُؤْنَةَ لِحَمْلِهِ عليه وَكَذَلِكَ لو أَسْلَفَهُ دَنَانِيرَ أو دَرَاهِمَ أو بَاعَهُ إيَّاهَا بِبَلَدٍ أُخِذَ بها حَيْثُ طَلَبَهُ بها ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَذَلِكَ فَصُّ يَاقُوتٍ أو زَبَرْجَدٍ أو لُؤْلُؤٍ أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهُ إيَّاهُ بِبَلَدٍ يُؤْخَذُ بِهِ حَيْثُ قام بِهِ فَإِنْ لم يَقْدِرْ عليه فَقِيمَتُهُ وَإِنْ كان الذي أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهُ إيَّاهُ بِبَلَدٍ عَبْدًا أو ثِيَابًا أو مَتَاعًا لِحَمْلِهِ مُؤْنَةً أو حَيَوَانًا أو رَقِيقًا أو غَيْرَهُ فَلِحَمْلِ هذا وَمُشَابِهِهِ مُؤْنَةٌ جُبِرَ الْمَغْصُوبُ أَنْ يُوَكِّلَ من يَقْتَضِيهِ بِذَلِكَ الْبَلَدِ فَإِنْ مَاتَ قَبَضَ قِيمَتَهُ بِذَلِكَ الْبَلَدِ أو يَأْخُذُ منه قِيمَتَهُ بِالْبَلَدِ الذي أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهُ إيَّاهُ بِذَلِكَ الْبَلَدِ الذي يُحَاكِمُهُ بِهِ وَلَا أُكَلِّفُهُ لو كان طَعَامًا أَنْ يُعْطِيَهُ مثله بِذَلِكَ الْبَلَدِ لِتَفَاوُتِ الطَّعَامِ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا مَعًا فَأُجِيزُ بَيْنَهُمَا ما تَرَاضَيَا عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمِثْلُ هذا الثِّيَابُ وَغَيْرُهَا مِمَّا لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ قال وَمِثْلُ هذا الْعَبْدُ يَغْصِبُهُ إيَّاهُ بِالْبَلَدِ ثُمَّ يقول الْمُغْتَصِبُ قد أَبَقَ الْعَبْدُ أو فَاتَ يقضي عليه بِقِيمَتِهِ وَلَا يُجْعَلُ شَيْءٌ من هذا دَيْنًا عليه وإذا قَضَيْت له بِقِيمَةِ الْفَائِتِ منه عَبْدًا كان أو طَعَامًا أو غَيْرَهُ لم يَحِلَّ لِلْغَاصِبِ أَنْ يَتَمَلَّكَ منه شيئا وكان عليه أَنْ يُحْضِرَهُ سَيِّدَهُ الذي غَصَبَهُ منه فإذا أَحْضَرَهُ سَيِّدَهُ الذي غَصَبَهُ منه جَبَرْتُ سَيِّدَهُ على قَبْضِهِ منه وَرَدِّ الثَّمَنِ عليه فَإِنْ لم يَكُنْ عِنْدَ سَيِّدِهِ ثَمَنُهُ قُلْت له بِعْهُ إيَّاهُ بَيْعًا جَدِيدًا بِمَا له عَلَيْك إنْ رَضِيتُمَا حتى يَحِلَّ له مِلْكُهُ فَإِنْ لم يَفْعَلْ بِعْت الْعَبْدَ على سَيِّدِهِ وَأَعْطَيْت الْمُغْتَصِبَ مِثْلَ ما أُخِذَ منه فَإِنْ كان فيه فَضْلٌ رَدَدْت على سَيِّدِهِ وَإِنْ لم
____________________

(3/242)


يَكُنْ فيه فَضْلٌ فَلَا شَيْءَ يُرَدُّ عليه وَإِنْ نَقَصَ ثَمَنُهُ عَمَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ بِتَغَيُّرِ سُوقٍ رَدَدْته على سَيِّدِهِ بِالْفَضْلِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كان لِسَيِّدِهِ غُرَمَاءُ لم أُشْرِكُهُمْ في ثَمَنِ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ عَبْدٌ قد أَعْطَى الْغَاصِبُ قِيمَتَهُ قال وَهَكَذَا أَصْنَعُ بِوَرَثَةِ الْمَغْصُوبِ إنْ مَاتَ الْمَغْصُوبُ وَأَحْكُمُ لِلْغَاصِبِ الْعَبْدُ إلَّا أَنِّي إنَّمَا أَصْنَعُ ذلك بِهِمْ في مَالِ الْمَيِّتِ لَا أَمْوَالِهِمْ وَهَكَذَا الطَّعَامُ يَغْصِبُهُ فَيُحْضِرُهُ وَيَحْلِفُ أَنَّهُ هو وَالثِّيَابُ وَغَيْرُهَا كَالْعَبْدِ لَا تَخْتَلِفُ فَإِنْ كان أَحْضَرَ الْعَبْدَ مَيِّتًا فَهُوَ كَأَنْ لم يُحْضِرْهُ وَلَا أَرُدُّ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ وَإِنْ أَحْضَرَهُ مَعِيبًا أَيَّ عَيْبٍ كان مَرِيضًا أو صَحِيحًا دَفَعْته إلَى سَيِّدِهِ وَحَسَبْت على الْغَاصِبِ خَرَاجَهُ من يَوْمِ غَصَبَهُ وما نَقَصَهُ الْعَيْبُ في بَدَنِهِ والزمته ما وَصَفْت ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَحْضَرَ الطَّعَامَ مُتَغَيِّرًا الزمته الطَّعَامَ وَجَعَلْت على الْغَاصِبِ ما نَقَصَهُ الْعَيْبُ وَلَوْ أَحْضَرَهُ قد رَضَّهُ حتى صَارَ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَلَا قِيمَةَ له أَلْزَمْته الْغَاصِبَ وكان كَتَلَفِهِ وَمَوْتِ الْعَبْدِ وَعَلَيْهِ مِثْلُ الطَّعَامِ إنْ كان له مِثْلٌ أو قِيمَتُهُ إنْ لم يَكُنْ له مِثْلٌ وَلَوْ قال الْحَاكِمُ إذَا كان الْمَغْصُوبُ من عَبْدٍ وَغَيْرِهِ غَائِبًا لِلْغَاصِبِ أَعْطِهِ قِيمَتَهُ فَفَعَلَ ثُمَّ قال لِلْمَغْصُوبِ حَلِّلْهُ من حَبْسِهِ أو صَيِّرْهُ مِلْكًا له بِطِيبَةِ نَفْسِك وَلِلْغَاصِبِ إقبل ذلك كان ذلك أَحَبَّ إلَيَّ وَلَا أُجْبِرُ وَاحِدًا مِنْهُمَا على هذا - * الْإِقْرَارُ بِغَصْبِ الدَّارِ ثُمَّ بِبَيْعِهَا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا قال الرَّجُلُ غَصَبْته هذه الدَّارَ وَهَذَا الْعَبْدَ أو أَيَّ شَيْءٍ كان من هذا كَتَبَ إقْرَارَهُ وَأَشْهَدَ عليه وقد بَاعَهَا قبل ذلك من رَجُلٍ أو وَهَبَهَا له أو تَصَدَّقَ بها عليه وَقَبَضَهَا أو وَقَفَهَا عليه أو على غَيْرِهِ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُقَالَ لِصَاحِبِ الدَّارِ إنْ كان لَك بَيِّنَةٌ على مِلْكِ هذه الدَّارِ أو إقْرَارِ الْغَاصِبِ قبل إخْرَاجِهَا من يَدِهِ إلَى من أَخْرَجَهَا إلَيْهِ أخذلك بها وَإِنْ لم يَكُنْ لَك بَيِّنَةٌ لم يَجُزْ إقْرَارُ الْغَاصِبِ في ذلك لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا يوم أَقَرَّ فيها وَقَضَيْنَا الْمَغْصُوبَ بِقِيمَتِهَا لِأَنَّهُ يُقِرُّ أَنَّهُ اسْتَهْلَكَهَا وَهِيَ مِلْكٌ له وَهَكَذَا لو كان عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ وَهَكَذَا لو ادَّعَى عليه رَجُلَانِ أَنَّهُ غَصَبَ دَارًا بِعَيْنِهَا فَأَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهَا من أَحَدِهِمَا وهو يَمْلِكُهَا ثُمَّ أَقَرَّ للآخر أَنَّهُ غَصَبَهَا منه وهو يَمْلِكُهَا وَأَنَّ الْأَوَّلَ لم يَمْلِكْهَا قَطُّ قَضَى بِالدَّارِ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّهُ قد مَلَكَهَا بِإِقْرَارِهِ وَقِيمَتُهَا لِلْآخَرِ بِأَنَّهُ قد أَقَرَّ أَنَّهُ قد أَتْلَفَهَا عليه قال وَهَكَذَا كُلُّ ما أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهُ رَجُلًا ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهُ غَيْرَهُ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُمَا إذَا كَانَا لَا يَدَّعِيَانِ أَنَّهُ غَصَبَهُمَا إلَّا الدَّارَ أو الشَّيْءَ الذي أَقَرَّ بِهِ لَهُمَا فَهُوَ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا وَلَا شَيْءَ لِلْمُقَرِّ له الْآخَرِ بِحَالٍ على الْغَاصِبِ لِأَنَّهُمَا يُبْرِئَانِهِ من عَيْنِ ما يُقِرُّ بِهِ وَمَنْ قال هذا قال أَرَأَيْت إنْ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَ هذا هذه الدَّارَ بِأَلْفٍ ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَهَا الْآخَرَ بِأَلْفٍ وَالدَّارُ تَسْوَى آلَافًا أَتَجْعَلُهَا بَيْعًا لِلْأَوَّلِ وَتَجْعَلُ لِلْآخَرِ عليه قِيمَتُهَا يُحَاصُّهُ بِأَلْفٍ منها لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا أو أَرَأَيْت لو أَعْتَقَ عَبْدًا ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَهُ من رَجُلٍ قبل الْعِتْقِ أَتَجْعَلُ لِلْمُشْتَرِي قِيمَتَهُ وَيَنْفُذُ الْعِتْقُ أورأيت لو بَاعَ عَبْدًا ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ كان أَعْتَقَهُ قبل بَيْعِهِ أَيُنْقَضُ الْبَيْعُ أو يَتِمُّ إنَّمَا يَكُونُ لِلْعَبْدِ عليه أَنْ يَقُولَ له قد بِعْتَنِي حُرًّا فَأَعْطِنِي ثَمَنِي أَرَأَيْت لو مَاتَ فقال وَرَثَتُهُ قد بِعْت أَبَانَا حُرًّا فَأَعْطِنَا ثَمَنَهُ أو زِيَادَةَ ما يَلْزَمُك بِأَنَّك اسْتَهْلَكْته أَكَانَ عليه أَنْ يُعْطِيَهُمْ شيئا أو يَكُونَ إنَّمَا اقر بِشَيْءٍ في مِلْكِ غَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ في مِلْكِ غَيْرِهِ وَلَا يَضْمَنُ بِإِقْرَارِهِ شيئا - * الْإِقْرَارُ بِغَصْبِ الشَّيْءِ من أَحَدِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا أَقَرَّ الرَّجُلُ أَنَّهُ غَصَبَ هذا الْعَبْدَ أو هذا الشَّيْءَ بِعَيْنِهِ من أَحَدِ هَذَيْنِ وَكِلَاهُمَا يَدَّعِيهِ وَيَزْعُمُ أَنَّ صَاحِبَهُ الذي يُنَازِعُهُ فيه لم يَمْلِكْ منه شيئا قَطُّ وسئل ( ( ( وسأل ) ) ) يَمِينَ الْمُقِرِّ بِالْغَصْبِ قِيلَ له إنْ أَقْرَرْت لِأَحَدِهِمَا
____________________

(3/243)


وَحَلَفْت لِلْآخَرِ فَهُوَ لِلَّذِي أَقْرَرْت له بِهِ وَلَا تباعه لِلْآخَرِ عَلَيْك وَإِنْ لم تُقِرَّ لم تُجْبَرْ على أَكْثَرَ من أَنْ تَحْلِفَ بِاَللَّهِ ما تَدْرِي من أَيِّهِمَا غَصَبْته ثُمَّ يَخْرُجُ من يَدَيْك فَيُوقَفُ لهما ( ( ( لها ) ) ) وَيُجْعَلَانِ خَصْمًا فيه فَإِنْ أَقَامَا مَعًا عليه بَيِّنَةً لم يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا دُونَ الْآخَرِ لِأَنَّ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ تُكَذِّبُ الْأُخْرَى وكان بِحَالِهِ قبل أَنْ تَقُومَ عليه بَيِّنَةٌ وَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ أَنَّ هذا الْعَبْدَ له غَصْبُهُ إيَّاهُ فَإِنْ حَلَفَا فَهُوَ مَوْقُوفٌ أَبَدًا حتى يَصْطَلِحَا فيه فَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا وَنَكَلَ الْآخَرُ كان لِلْحَالِفِ وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا عليه بَيِّنَةً دُونَ الْآخَرِ جَعَلْته لِلَّذِي أَقَامَ عليه الْبَيِّنَةَ وَلَا تِبَاعَةَ على الْغَاصِبِ في شَيْءٍ مِمَّا وَصَفْت وَلَوْ قال رَجُلٌ غَصَبْت هذا الرَّجُلَ بِعَيْنِهِ هذا الْعَبْدَ أو هذه الْأَمَةَ فَادَّعَى الرَّجُلُ أَنَّهُ غَصَبَهُ إيَّاهُمَا مَعًا قِيلَ لِلْمُقِرِّ أحلف أَنَّك لم تَغْصِبْهُ أَيَّهُمَا شِئْت وَسَلِّمْ له الْآخَرُ فَإِنْ قال أَحْلِفُ ما غَصَبْته وَاحِدًا مِنْهُمَا لم يَكُنْ ذلك له وَقِيلَ أَحَدُهُمَا له بِإِقْرَارِك فَاحْلِفْ على أَيِّهِمَا شِئْت فَإِنْ أَبَى قِيلَ للمدعى احْلِفْ على أَيِّهِمَا شِئْت فَإِنْ حَلَفَ فَهُوَ له وَإِنْ قال أَحْلِفُ عَلَيْهِمَا مَعًا قِيلَ لِلْمُدَّعَى عليه إنْ حَلَفْت وَإِلَّا أَحْلَفْنَا المدعى فَسَلَّمْنَاهُمَا له مَعًا فَإِنْ فَاتَا في يَدِهِ أو أَحَدِهِمَا فَالْحُكْمُ كَهُوَ لو كَانَا حَيَّيْنِ إلَّا أَنَّا إذَا أَلْزَمْنَاهُ أَحَدَهُمَا ضَمَّنَاهُ قِيمَتَهُ بِالْفَوْتِ فإن أَبَيَا مَعًا يَحْلِفَا وَسَأَلَ الْمَغْصُوبُ أَنْ يُوقِفَا له وَقْفًا حتى يُقِرَّ الْغَاصِبُ بِأَحَدِهِمَا وَيَحْلِفَ قال وَإِنْ أَقَرَّ الْغَاصِبُ بِأَحَدِهِمَا لِلْمَغْصُوبِ فَادَّعَى الْمَغْصُوبُ أَنَّهُ حَدَثَ بِالْعَبْدِ عِنْدَهُ عَيْبٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ مع يَمِينِهِ إنْ كان ذلك مِمَّا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْمَغْصُوبِ - * الْعَارِيَّةُ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال الْعَارِيَّةُ كُلُّهَا مَضْمُونَةٌ الدَّوَابُّ وَالرَّقِيقُ وَالدُّورُ وَالثِّيَابُ لَا فَرْقَ بين شَيْءٍ منها فَمَنْ اسْتَعَارَ شيئا فَتَلِفَ في يَدِهِ بِفِعْلِهِ أو بِغَيْرِ فِعْلِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ له وَالْأَشْيَاءُ لَا تَخْلُو أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً أو غير مَضْمُونَةٍ فما كان منها مَضْمُونًا مِثْلُ الْغَصْبِ وما أَشْبَهَهُ فَسَوَاءٌ ما ظَهَرَ منها هَلَاكُهُ وما خَفِيَ فَهُوَ مَضْمُونٌ على الْغَصْبِ وَالْمُسْتَسْلِفُ جَنَيَا فيه أو لم يَجْنِيَا أو غَيْرُ مَضْمُونَةٍ مِثْلُ الْوَدِيعَةِ فَسَوَاءٌ ما ظَهَرَ هَلَاكُهُ وما خَفِيَ فَالْقَوْلُ فيها قَوْلُ الْمُسْتَوْدِعِ مع يَمِينِهِ
____________________

(3/244)


وَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس في الْعَارِيَّةِ فقال لَا يَضْمَنُ شيئا إلَّا ما تَعَدَّى فيه فَسُئِلَ من أَيْنَ قَالَهُ فَزَعَمَ أَنَّ شُرَيْحًا قاله ( ( ( قال ) ) ) وقال ما حُجَّتُكُمْ في تَضْمِينِهَا قُلْنَا اسْتَعَارَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من صَفْوَانَ فقال له النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ مُؤَدَّاةٌ قال أَفَرَأَيْت إذَا قُلْنَا فَإِنْ شَرَطَ الْمُسْتَعِيرُ الضَّمَانَ ضَمِنَ وَإِنْ لم يَشْرِطْهُ لم يَضْمَنْ قُلْنَا فَأَنْتَ إذًا تَتْرُكُ قَوْلَك قال وَأَيْنَ قُلْنَا أَلَيْسَ قَوْلُك أنها غَيْرُ مَضْمُونَةٍ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ قال بَلَى قُلْنَا فما تَقُولُ في الْوَدِيعَةِ إذَا اشْتَرَطَ الْمُسْتَوْدِعُ أَنَّهُ ضَامِنٌ أو الْمُضَارِبُ قال لَا يَكُونُ ضَامِنًا قُلْنَا فما تَقُولُ في الْمُسْتَسْلِفِ إذَا اشْتَرَطَ أَنَّهُ غَيْرُ ضَامِنٍ قال لَا شَرْطَ له وَيَكُونُ ضَامِنًا قُلْنَا وَيَرُدُّ الْأَمَانَةَ إلَى أَصْلِهَا وَالْمَضْمُونَ إلَى أَصْلِهِ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ فِيهِمَا جميعا قال نعم قُلْنَا وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لَك أَنْ تَقُولَ في الْعَارِيَّةِ وَبِذَلِكَ شَرَطَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أنها مَضْمُونَةٌ وَلَا يَشْتَرِطُ أنها مَضْمُونَةٌ إلَّا لما يَلْزَمُ قال فَلِمَ شَرَطَ قُلْنَا لِجَهَالَةِ صَفْوَانَ لِأَنَّهُ كان مُشْرِكًا لَا يَعْرِفُ الْحُكْمَ وَلَوْ عَرَفَهُ ما ضَرَّ الشَّرْطُ إذَا كان أَصْلُ الْعَارِيَّةِ أنها مَضْمُونَةٌ بِلَا شَرْطٍ كما لَا يَضُرُّ شَرْطُ الْعُهْدَةِ وَخَلَاصُ عَقْدِك في الْبَيْعِ وَلَوْ لم يُشْتَرَطْ كان عليه الْعُهْدَةُ وَالْخَلَاصُ أو الرَّدُّ قال ( ( ( قبل ) ) ) فَهَلْ قال هذا أَحَدٌ قُلْنَا في هذا كِفَايَةٌ وقد قال أبو هُرَيْرَةَ وبن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما إنَّ الْعَارِيَّةَ مَضْمُونَةٌ وكان قَوْلُ أبي هُرَيْرَةَ في بَعِيرٍ اُسْتُعِيرَ فَتَلِفَ أَنَّهُ مَضْمُونٌ وَلَوْ اخْتَلَفَ رَجُلَانِ في دَابَّةٍ فقال رَبُّ الدَّابَّةِ أَكْرَيْتهَا إلي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا فَرَكِبْتهَا بِكَذَا وقال الرَّاكِبُ رَكِبْتهَا عَارِيَّةً مِنْك كان الْقَوْلُ قَوْلَ الرَّاكِبِ مع يَمِينِهِ وَلَا كِرَاءَ عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) بَعْدُ الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الدَّابَّةِ وَلَهُ كِرَاءُ الْمِثْلِ وَلَوْ قال أَعَرْتنِيهَا وقال رَبُّ الدَّابَّةِ غَصَبْتنِيهَا كان الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُسْتَعِيرِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَضْمَنُ الْمُسْتَوْدِعُ إلَّا أَنْ يُخَالِفَ فَإِنْ خَالَفَ فَلَا يَخْرُجُ من الضَّمَانِ أَبَدًا إلَّا بِدَفْعِ الْوَدِيعَةِ إلَى رَبِّهَا وَلَوْ رَدَّهَا إلَى الْمَكَانِ الذي كانت فيه لِأَنَّ ابْتِدَاءَهُ لها كان أَمِينًا فَخَرَجَ من حَدِّ الْأَمَانَةِ فلم يُجَدِّدْ له رَبُّ الْمَالِ اسْتِئْمَانًا لَا يَبْرَأُ حتى يَدْفَعَهَا إلَيْهِ - * الْغَصْبُ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ ) قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) إذَا شَقَّ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ ثَوْبًا شَقًّا صَغِيرًا أو كَبِيرًا يَأْخُذُ ما بين طَرَفَيْهِ طُولًا وَعَرْضًا أو كَسَرَ له مَتَاعًا فَرَضَّهُ أو كَسَرَهُ كَسْرًا صَغِيرًا أو جَنَى له على مَمْلُوكٍ فَأَعْمَاهُ أو قَطَعَ يَدَهُ أو شَجَّهُ مُوضِحَةً فَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ وَيُقَوَّمُ الْمَتَاعُ كُلُّهُ وَالْحَيَوَانُ كُلُّهُ غَيْرُ الرَّقِيقِ صَحِيحًا وَمَكْسُورًا وَصَحِيحًا وَمَجْرُوحًا قد بَرَأَ من جُرْحِهِ ثُمَّ يعطي مَالِكُ الْمَتَاعِ وَالْحَيَوَانِ فَضْلُ ما بين قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَمَكْسُورًا وَمَجْرُوحًا فَيَكُونُ ما جَرَى عليه من ذلك مِلْكًا له نَفْعُهُ أو لم يَنْفَعْهُ وَلَا يَمْلِكُ أَحَدٌ بِالْجِنَايَةِ شيئا جَنَى عليه وَلَا يَزُولُ مِلْكُ الْمَالِكِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ وَلَا يَمْلِكُ
____________________

(3/245)


رَجُلٌ شيئا إلَّا أَنْ يَشَاءَ إلَّا في الْمِيرَاثِ فَأَمَّا من جَنَى عليه من الْعَبِيدِ فَيُقَوَّمُونَ صِحَاحًا قبل الْجِنَايَةِ ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى الْجِنَايَةِ فَيُعْطَوْنَ أَرْشَهَا من قِيمَةِ الْعَبْدِ صَحِيحًا كما يُعْطَى الْحُرُّ أَرْشَ الْجِنَايَةِ عليه من دِيَتِهِ بَالِغًا من ذلك ما بَلَغَ وَإِنْ كانت قِيَمًا كما يَأْخُذُ الْحُرُّ دِيَاتٍ وهو حَيٌّ قال اللَّهُ عز وجل { لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عن تَرَاضٍ مِنْكُمْ } وقال { ذلك بِأَنَّهُمْ قالوا إنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } فلم أَعْلَمْ أَحَدًا من الْمُسْلِمِينَ خَالَفَ في أَنَّهُ لَا يَكُونُ على أَحَدٍ أَنْ يَمْلِكَ شيئا إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يَمْلِكَهُ إلَّا الْمِيرَاثَ فإن اللَّهَ عز وجل نَقَلَ مِلْكَ الْأَحْيَاءِ إذَا مَاتُوا إلَى من وَرَّثَهُمْ إيَّاهُ شاؤوا أو أَبَوْا أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ لو أوصى له أو وُهِبَ له أو تُصُدِّقَ عليه أو مَلَكَ شيئا لم يَكُنْ عليه أَنْ يَمْلِكَهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ ولم أَعْلَمْ أَحَدًا من الْمُسْلِمِينَ اخْتَلَفُوا في أَنْ لَا يَخْرُجَ مِلْكُ الْمَالِكِ الْمُسْلِمِ من يَدَيْهِ إلَّا بِإِخْرَاجِهِ إيَّاهُ هو نَفْسُهُ بِبَيْعٍ أو هِبَةٍ أو غَيْرِ ذلك أو عِتْقٍ أو دَيْنٍ لَزِمَهُ فَيُبَاعُ في مَالِهِ وَكُلُّ هذا فِعْلُهُ لَا فِعْلُ غَيْرِهِ قال فإذا كان اللَّهُ عز وجل حَرَّمَ أَنْ تَكُونَ أَمْوَالُ الناس مَمْلُوكَةً إلَّا بِبَيْعٍ عن تَرَاضٍ وكان الْمُسْلِمُونَ يَقُولُونَ فِيمَا وَصَفْت ما وَصَفْت فَمِنْ أَيْنَ غَلِطَ أَحَدٌ في أَنْ يَجْنِيَ على مَمْلُوكِي فَيَمْلِكُهُ بِالْجِنَايَةِ وَآخُذُ أنا قِيمَتَهُ وهو قبل الْجِنَايَةِ لو أَعْطَانِي فيه أَضْعَافَ ثَمَنِهِ لم يَكُنْ له أَنْ يَمْلِكَهُ إلَّا أَنْ أشاء ( ( ( يشاء ) ) ) وَلَوْ وَهَبْته له لم يَكُنْ عليه أَنْ يَمْلِكَهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ فإذا لم يَمْلِكْهُ بِاَلَّذِي يَجُوزُ وَيَحِلُّ من الْهِبَةِ إلَّا بِمَشِيئَتِهِ ولم يَمْلِكْ على بِاَلَّذِي يَحِلُّ من الْبَيْعِ إلَّا أَنْ أَشَاءَ فَكَيْفَ مَلَكَهُ حين عَصَى اللَّهَ عز وجل فيه فَأُخْرِجُ من يَدَيْ مِلْكِي بِمَعْصِيَةِ غَيْرِي لِلَّهِ والزم غَيْرِي ما لَا يَرْضَى مِلْكَهُ إنْ كان أَصَابَهُ خَطَأً وَكَيْفَ إنْ كانت الْجِنَايَةُ تُوجِبُ لي شيئا وَاخْتَرْتُ حَبْسَ عَبْدِي سَقَطَ الْوَاجِبُ لي وَكَيْفَ إنْ كانت الْجِنَايَةُ تُخَالِفُ حُكْمَ ما سِوَى ما وَجَبَ لي ولى حَبْسُ عَبْدِي وَأَخْذُ أَرْشِهِ وَمَتَاعِي وَأَخْذُ ما نَقَصَهُ إذَا كان ذلك غير مُفْسِدٍ له فَإِنْ جَنَى عليه ما يَكُونُ مُفْسِدًا له فَزَادَ الْجَانِي مَعْصِيَةً لِلَّهِ وَزِيدَ على في مَالِي ما يَكُونُ مُفْسِدًا له سَقَطَ حَقِّي حين عَظُمَ وَثَبَتَ حين صَغُرَ وَمَلَكَ حين عَصَى وَكَبُرَتْ مَعْصِيَتُهُ وَلَا يَمْلِكُ حين عَصَى فَصَغُرَتْ مَعْصِيَتُهُ ما يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَدِلَّ أَحَدٌ على خِلَافِ هذا الْقَوْلِ لِأَصْلِ حُكْمِ اللَّهِ وما لَا يَخْتَلِفُ الْمُسْلِمُونَ فيه من أَنَّ الْمَالِكِينَ على أَصْلِ مِلْكِهِمْ ما كَانُوا أَحْيَاءَ حتى يُخْرِجُوا هُمْ الْمِلْكَ من أَنْفُسِهِمْ بِقَوْلٍ أو فِعْلٍ بِأَكْثَرَ من أَنْ يَحْكِيَ فَيَعْلَمَ أَنَّهُ خِلَافُ ما وَصَفْنَا من حُكْمِ اللَّهِ عز وجل وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَالْقِيَاسِ وَالْمَعْقُولِ ثُمَّ شِدَّةِ تَنَاقُضِهِ هو في نَفْسِهِ قال وإذا غَصَبَ الرَّجُلُ جَارِيَةً تَسْوَى مِائَةً فَزَادَتْ في يَدَيْهِ بِتَعْلِيمٍ منه وَسِنٍّ وَاغْتِذَاءٍ من مَالِهِ حتى صَارَتْ تُسَاوِي أَلْفًا ثُمَّ نَقَصَتْ حتى صَارَتْ تُسَاوِي مِائَةً ثُمَّ أَدْرَكَهَا الْمَغْصُوبُ في يَدِهِ أَخَذَهَا وَتِسْعَمِائَةٍ مَعَهَا كما يَكُونُ لو غَصَبَهُ إيَّاهَا وَهِيَ تُسَاوِي أَلْفًا فَأَدْرَكَهَا وَهِيَ تُسَاوِي مِائَةً أَخَذَهَا وما نَقَصَهَا وَهِيَ تِسْعُمِائَةٍ قال وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَهَا الْغَاصِبُ أو وَهَبَهَا أو قَتَلَهَا أو اسْتَهْلَكَهَا فلم تُدْرَكْ بِعَيْنِهَا كانت على الْغَاصِبِ قِيمَتُهَا في أَكْثَرِ ما كانت قِيمَةً مُنْذُ غُصِبَتْ إلَى أَنْ هَلَكَتْ وَكَذَلِكَ ذلك في الْبَيْعِ إلَّا أَنَّ رَبَّ الْجَارِيَةِ يُخَيَّرُ في الْبَيْعِ فَإِنْ أَحَبَّ أَخْذَ الثَّمَنِ الذي بَاعَ بِهِ الْغَاصِبُ كان أَكْثَرَ من قِيمَتِهَا أو أَقَلَّ لِأَنَّهُ ثَمَنُ سِلْعَتِهِ أو قِيمَتُهَا في أَكْثَرِ ما كانت قِيمَةً قَطُّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) بَعْدُ ليس له إلَّا جَارِيَتُهُ وَالْبَيْعُ مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ بَاعَ ما ليس له وَبَيْعُ الْغَاصِبِ مَرْدُودٌ فَإِنْ قال قَائِلٌ وَكَيْفَ غَصَبَهَا بِثَمَنِ مِائَةٍ وكان لها ضَامِنًا وَهِيَ تُسَاوِي مِائَةً ثُمَّ زَادَتْ حتى صَارَتْ تُسَاوِي أَلْفًا وَهِيَ في ضَمَانِ الْغَاصِبِ ثُمَّ مَاتَتْ أو نَقَصَتْ فضمنته ( ( ( ضمنته ) ) ) قِيمَتَهَا في حَالِ زِيَادَتِهَا قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّهُ لم يَكُنْ غَاصِبًا وَلَا ضَامِنًا وَلَا عَاصِيًا في حَالٍ دُونَ حَالٍ لم يَزَلْ غَاصِبًا ضَامِنًا عَاصِيًا من يَوْمِ غَصَبَ إلَى أَنْ فَاتَتْ أو رَدَّهَا نَاقِصَةً فلم يَكُنْ الْحُكْمُ عليه في الْحَالِ الْأُولَى بِأَوْجَبَ منه في الْحَالِ الثَّانِيَةِ وَلَا في الْحَالِ الثَّانِيَةِ بِأَوْجَبَ منه في الْحَالِ الْآخِرَةِ لِأَنَّ عليه في كُلِّهَا أَنْ يَكُونَ رَادًّا لها وهو في كُلِّهَا ضَامِنٌ عَاصٍ فلما كان لِلْمَغْصُوبِ أَنْ يَغْصِبَهَا قِيمَةَ مِائَةٍ فَيُدْرِكَهَا قِيمَةَ أَلْفٍ فَيَأْخُذَهَا وَيُدْرِكَهَا
____________________

(3/246)


وَلَهَا عِشْرُونَ وَلَدًا فَيَأْخُذَهَا وَأَوْلَادَهَا كان الْحُكْمُ في زِيَادَتِهَا في بَدَنِهَا وَوَلَدِهَا كَالْحُكْمِ في بَدَنِهَا حين غَصَبَهَا يَمْلِكُ منها زَائِدَةً بِنَفْسِهَا وَوَلَدِهَا ما مَلَكَ منها نَاقِصَةً حين غَصَبَهَا وَلَا فَرْقَ بين أَنْ يَقْتُلَهَا وَوَلَدَهَا أو تَمُوتَ هِيَ وَوَلَدُهَا في يَدَيْهِ من قِبَلِ أَنَّهُ إذَا كان كما وَصَفْت يَمْلِكُ وَلَدَهَا كما يَمْلِكُهَا لَا يَخْتَلِفُ أَحَدٌ عَلِمْتُهُ في أَنَّهُ لو غَصَبَ رَجُلٌ جَارِيَةً فَمَاتَتْ في يَدَيْهِ مَوْتًا أو قَتَلَهَا قَتْلًا ضَمِنَهَا في الْحَالَيْنِ جميعا كَذَلِكَ قال وإذا غَصَبَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ جَارِيَةً فَبَاعَهَا فَمَاتَتْ في يَدِ الْمُشْتَرِي فَالْمَغْصُوبُ بِالْخِيَارِ في أَنْ يُضَمِّنَ الْغَاصِبَ قِيمَةَ جَارِيَتِهِ في أَكْثَرِ ما كانت قِيمَةً من يَوْمِ غَصَبَهَا إلَى أَنْ مَاتَتْ فَإِنْ ضَمَّنَهُ فَلَا شَيْءَ لِلْمَغْصُوبِ على الْمُشْتَرِي وَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ على الْمُشْتَرِي إلَّا قِيمَتُهَا إلَّا الثَّمَنُ الذي بَاعَهَا بِهِ أو يُضَمِّنُ الْمَغْصُوبُ الْمُشْتَرِيَ فَإِنْ ضَمَّنَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لَقِيمَةِ جَارِيَةِ الْمَغْصُوبِ لِأَكْثَرِ ما كانت قِيمَةً من يَوْمِ قَبَضَهَا إلَى أَنْ مَاتَتْ في يَدِهِ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي على الْغَاصِبِ بِفَضْلِ ما ضَمَّنَهُ الْمَغْصُوبُ من قِيمَةِ الْجَارِيَةِ على قِيمَتِهَا يوم قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي وَبِفَضْلٍ ثمن ( ( ( ممن ) ) ) إنْ كان قَبَضَهُ منه على قِيمَتِهَا حتى لَا يَلْزَمَهُ في حَالٍ إلَّا قِيمَتُهَا قال وَإِنْ أَرَادَ الْمَغْصُوبُ إجَازَةَ الْبَيْعِ لم يَجُزْ لِأَنَّهَا مُلِكَتْ مِلْكًا فَاسِدًا وَلَا يَجُوزُ الْمِلْكُ الْفَاسِدُ إلَّا بِتَجْدِيدِ بَيْعٍ وَكَذَلِكَ لو مَاتَتْ في يَدَيْ الْمُشْتَرِي فَأَرَادَ الْمَغْصُوبُ أَنْ يُجِيزَ الْبَيْعَ لم يَجُزْ وكان لِلْمَغْصُوبِ قِيمَتُهَا وَلَوْ وَلَدَتْ في يَدَيْ الْمُشْتَرِي أَوْلَادًا فَمَاتَ بَعْضُهُمْ وَعَاشَ بَعْضُهُمْ خُيِّرَ الْمَغْصُوبُ في أَنْ يُضَمِّنَ الْغَاصِبَ أو الْمُشْتَرِيَ فَإِنْ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ لم يَكُنْ له سَبِيلٌ على الْمُشْتَرِي وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ وقد مَاتَتْ الْجَارِيَةُ رَجَعَ عليه بِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ وَمَهْرِهَا وَقِيمَةِ أَوْلَادِهَا يوم سَقَطُوا أَحْيَاءً وَلَا يَرْجِعُ عليه بِقِيمَةِ من سَقَطَ منهم مَيِّتًا وَرَجَعَ الْمُشْتَرِي على الْبَائِعِ بِجَمِيعِ ما ضَمَّنَهُ الْمَغْصُوبُ لَا قِيمَةِ الْجَارِيَةِ وَمَهْرِهَا فَقَطْ وَلَوْ وُجِدَتْ الْجَارِيَةُ حَيَّةً أَخَذَهَا الْمَغْصُوبُ رَقِيقًا له وَصَدَاقَهَا وَلَا يَأْخُذُ وَلَدَهَا قال فَإِنْ كان الْغَاصِبُ هو أَصَابَهَا فَوَلَدَتْ منه أَوْلَادًا فَعَاشَ بَعْضُهُمْ وَمَاتَ بَعْضٌ أَخَذَ الْمَغْصُوبُ الْجَارِيَةَ وَقِيمَةَ من مَاتَ من أَوْلَادِهَا في أَكْثَرِ ما كَانُوا قِيمَةً وَالْأَحْيَاءَ فَاسْتَرَقَّهُمْ وَلَيْسَ الْغَاصِبُ في هذا كَالْمُشْتَرِي الْمُشْتَرِي مَغْرُورٌ وَالْغَاصِبُ لم يَغُرَّهُ إلَّا نَفْسَهُ وكان على الْغَاصِبِ إنْ لم يَدَّعِ الشُّبْهَةَ الْحَدُّ وَلَا مَهْرَ عليه ( قال الرَّبِيعُ ) فَإِنْ كانت الْجَارِيَةُ أَطَاعَتْ الْغَاصِبَ وَهِيَ تَعْلَمُ أنها حَرَامٌ عليه وَأَنَّهُ زَانٍ بها فَلَا مَهْرَ لِأَنَّ هذا مَهْرُ بَغْيٍ وقد نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن مَهْرِ الْبَغْيِ وَإِنْ كانت تَظُنُّ هِيَ أَنَّ الْوَطْءَ حَلَالٌ فَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَإِنْ كانت مَغْصُوبَةً على نَفْسِهَا فَلِصَاحِبِهَا الْمَهْرُ وهو زَانٍ وَوَلَدُهُ رَقِيقٌ فَإِنْ قال قَائِلٌ أَرَأَيْت الْمَغْصُوبَ إذَا اخْتَارَ إجَازَةَ الْبَيْعِ لِمَ لم يَجُزْ الْبَيْعُ قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْبَيْعُ إنَّمَا يَلْزَمُ بِرِضَا الْمَالِكِ وَالْمُشْتَرِي أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ وَإِنْ كان رضي بِالْبَيْعِ فَلِلْمَغْصُوبِ جَارِيَتُهُ كما كانت لو لم يَكُنْ فيها بَيْعٌ وَأَنَّهُ لَا حُكْمَ لِلْبَيْعِ في هذا الْمَوْضِعِ إلَّا حُكْمَ الشُّبْهَةِ وَأَنَّ الشُّبْهَةَ لم تُغَيِّرْ مِلْكَ الْمَغْصُوبِ فإذا كان لِلْمَغْصُوبِ أَخْذُ الْجَارِيَةِ ولم يَنْفَعْ الْبَيْعُ الْمُشْتَرِيَ فَهِيَ على الْمِلْكِ الْأَوَّلِ لِلْمَغْصُوبِ وإذا كان الْمُشْتَرِي لَا يَكُونُ له حَبْسُهَا وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ بَاعَهَا غَاصِبٌ غَيْرُ مُوَكَّلٍ اُسْتُرِقَّ وَلَدُهُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَذْهَبَ على أَحَدٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ على الْمُشْتَرِي إجَازَةُ الْبَيْعِ إلَّا بِأَنْ يُحْدِثَ الْمُشْتَرِي رِضًا بِالْبَيْعِ فَيَكُونُ بَيْعًا مُسْتَأْنَفًا فَإِنْ شُبِّهَ على أَحَدٍ بِأَنْ يَقُولَ إنَّ رَبَّ الْجَارِيَةِ لو كان أَذِنَ بِبَيْعِهَا لَزِمَ الْبَيْعُ فإذا أَذِنَ بَعْدَ الْبَيْعِ فَلِمَ لَا يَلْزَمُ قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إذْنُهُ قبل الْبَيْعِ إذَا بِيعَتْ يقطع ( ( ( بقطع ) ) ) خِيَارِهِ وَلَا يَكُونُ له رَدُّ الْجَارِيَةِ وَتَكُونُ الْجَارِيَةُ لِمَنْ اشْتَرَاهَا وَلَوْ أَوْلَدَهَا لم يَكُنْ له قِيمَةُ وَلَدِهَا لِأَنَّهَا جَارِيَةٌ لِلْمُشْتَرِي وَحَلَالٌ لِلْمُشْتَرِي الْإِصَابَةُ وَالْبَيْعُ وَالْهِبَةُ وَالْعِتْقُ فإذا بِيعَتْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَلَهُ رَدُّ الْبَيْعِ وَلَا يَكُونُ له رَدُّ الْبَيْعِ إلَّا وَالسِّلْعَةُ لم تُمْلَكْ وَحَرَامٌ على الْبَائِعِ الْبَيْعُ وَحَرَامٌ على الْمُشْتَرِي الْإِصَابَةُ لو عَلِمَ وَيُسْتَرَقُّ وَلَدُهُ فإذا بَاعَهَا أو أَعْتَقَهَا لم يَجُزْ بَيْعُهُ وَلَا عِتْقُهُ فَالْحُكْمُ في الْإِذْنِ قبل الْبَيْعِ أَنَّ الْمَأْذُونَ له في الْبَيْعِ كَالْبَائِعِ الْمَالِكِ وَأَنَّ الْإِذْنَ بَعْدَ الْبَيْعِ إنَّمَا هو تَجْدِيدُ بَيْعٍ وَلَا يَلْزَمُ الْبَيْعُ الْمُجَدَّدُ إلَّا بِرِضَا الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَهَكَذَا كُلُّ من بَاعَ بِغَيْرِ وَكَالَةٍ أو زَوَّجَ بِغَيْرِ وَكَالَةٍ لم يَجُزْ
____________________

(3/247)


أَبَدًا إلَّا بِتَجْدِيدِ بَيْعٍ أو نِكَاحٍ فَإِنْ قال قَائِلٌ لِمَ أَلْزَمْتَ الْمُشْتَرِيَ الْمَهْرَ وَوَطْؤُهُ في الظَّاهِرِ كان عِنْدَهُ حَلَالًا وَكَيْفَ رَدَدْتَهُ بِالْمَهْرِ وهو الْوَاطِئُ قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَمَّا إلْزَامُنَا إيَّاهُ الْمَهْرَ فَلِمَا كان من حَقِّ الْجِمَاعِ إذَا كان بِشُبْهَةٍ يُدْرَأُ فيه الْحَدُّ في الْأَمَةِ وَالْحُرَّةِ أَنْ يَكُونَ فيه مَهْرٌ كان هذا جِمَاعًا يُدْرَأُ بِهِ الْحَدُّ وَيَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ لِلشُّبْهَةِ فَإِنْ قال فَإِنَّمَا جَامَعَ ما يَمْلِكُ عِنْدَ نَفْسِهِ قُلْنَا فَتِلْكَ الشُّبْهَةُ التي دَرَأْنَا بها الْحَدَّ ولم نَحْكُمْ له فيها بِالْمِلْكِ لِأَنَّا نَرُدُّهَا رَقِيقًا وَنَجْعَلُ عليه قِيمَةَ الْوَلَدِ وَالْوَلَدُ إذَا كَانُوا بِالْجِمَاعِ الذي أَرَاهُ له مُبَاحًا فَأَلْزَمْنَاهُ قِيمَتَهُمْ كان الْجِمَاعُ بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ أو أَكْثَرَ لِأَنَّ الْجِمَاعَ لَازِمٌ وَإِنْ لم يَكُنْ وَلَدٌ فإذا ضَمَّنَاهُ الْوَلَدَ لِأَنَّهُمْ بِسَبَبِ الْجِمَاعِ كان الْجِمَاعُ أَوْلَى أَنْ نُضَمِّنَهُ إيَّاهُ وَتَضْمِينُ الْجِمَاعِ هو تَضْمِينُ الصَّدَاقِ فَإِنْ قال قَائِلٌ وَكَيْفَ أَلْزَمْته قِيمَةَ الْأَوْلَادِ الَّذِينَ لم يُدْرِكْهُمْ السَّيِّدُ إلَّا مَوْتَى قِيلَ له لَمَّا كان السَّيِّدُ يَمْلِكُ الْجَارِيَةَ وكان ما وَلَدَتْ مَمْلُوكًا بملكها ( ( ( يملكها ) ) ) إذَا وُطِئَتْ بِغَيْرِ شُبْهَةٍ فَكَانَ على الْغَاصِبِ رَدُّهُمْ حين وُلِدُوا فلم يَرُدَّهُمْ حتى مَاتُوا ضَمِنَ قِيمَتَهُمْ كما يَضْمَنُ قِيمَةَ أُمِّهِمْ لو مَاتَتْ وَلَمَّا كان الْمُشْتَرِي وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ كان سُلْطَانُ الْمَغْصُوبِ عليهم فِيمَا يَقُومُ مَقَامَهُمْ حين وُلِدُوا فَقَدْ ثَبَتَتْ له قِيمَتُهُمْ فَسَوَاءٌ مَاتُوا أو عَاشُوا لِأَنَّهُمْ لو عَاشُوا لم يُسْتَرَقُّوا قال وإذا اغْتَصَبَ الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ ثُمَّ وَطِئَهَا بَعْدَ الْغَصْبِ وهو من غَيْرِ أَهْلِ الْجَهَالَةِ أُخِذَتْ منه الْجَارِيَةُ وَالْعُقْرُ وَأُقِيمَ عليه حَدُّ الزنى فَإِنْ كان من أَهْلِ الْجَهَالَةِ وقال كُنْت أَرَانِي لها ضَامِنًا وَأَرَى هذا مَحَلَّ عزر ( ( ( عذر ) ) ) ولم ( ( ( لم ) ) ) يُحَدَّ وَأُخِذَتْ منه الْجَارِيَةُ وَالْعُقْرُ قال وإذا غَصَبَ الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ فَبَاعَهَا فَسَوَاءٌ بَاعَهَا في الْمَوْسِمِ أو على مِنْبَرٍ أو تَحْتَ سِرْدَابٍ حَقُّ الْمَغْصُوبِ فيها في هذه الْحَالَاتِ سَوَاءٌ فَإِنْ جَنَى عليها أَجْنَبِيٌّ في يَدَيْ الْمُشْتَرِي أو الْغَاصِبِ جِنَايَةً تَأْتِي على نَفْسِهَا أو بَعْضِهَا فَأَخَذَ الذي هِيَ في يَدَيْهِ أَرْشَ الْجِنَايَةِ ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا الْمَغْصُوبُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ في أَخْذِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ من يَدَيْ من أَخَذَهَا إذَا كانت نَفْسًا أو تَضْمِينِهِ قِيمَتَهَا على ما وَصَفْنَا وَإِنْ كانت جُرْحًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ في أَخْذِ أَرْشِ الْجُرْحِ من الْجَانِي وَالْجَارِيَةِ من الذي هِيَ في يَدَيْهِ أو تَضْمِينِ الذي هِيَ في يَدَيْهِ ما نَقَصَهَا الْجُرْحُ بَالِغًا ما بَلَغَ وَكَذَلِكَ إنْ كان الْمُشْتَرِي قَتَلَهَا أو جَرَحَهَا فَإِنْ كان الْغَاصِبُ قَتَلَهَا فَلِمَالِكِهَا عليه الْأَكْثَرُ من قِيمَتِهَا يوم قَتَلَهَا أو قِيمَتُهَا في أَكْثَرِ ما كانت قِيمَةً لِأَنَّهُ لم يَزَلْ لها ضَامِنًا قال وَإِنْ كان الْمَغْصُوبُ ثَوْبًا فَبَاعَهُ الْغَاصِبُ من رَجُلٍ فَلَبِسَهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّهُ الْمَغْصُوبُ أَخَذَهُ وكان له ما بين قِيمَتِهِ يوم اغْتَصَبَهُ وَبَيْنَ قِيمَتِهِ التي نَقَصَهُ إيَّاهَا اللُّبْسُ كان قِيمَتُهُ يوم غَصْبِهِ عَشْرَةً فَنَقَصَهُ اللُّبْسُ خَمْسَةً فَيَأْخُذُ ثَوْبَهُ وَخَمْسَةً وهو بِالْخِيَارِ في تَضْمِينِ اللَّابِسِ المشترى أو الْغَاصِبِ فَإِنْ ضَمِنَ الْغَاصِبُ فَلَا سَبِيلَ له على اللَّابِسِ وَهَكَذَا إنْ غَصَبَ دَابَّةً فَرُكِبَتْ حتى أُنْضِيَتْ كانت له دَابَّتُهُ وما نَقَصَتْ عن حَالِهَا حين غَصَبَهَا وَلَسْت أَنْظُرُ في الْقِيمَةِ إلَى تَغَيُّرِ الْأَسْوَاقِ إنَّمَا أَنْظُرُ إلَى تَغَيُّرِ بَدَنِ الْمَغْصُوبِ فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا غَصَبَ رَجُلًا عَبْدًا صَحِيحًا قِيمَتُهُ مِائَةُ دِينَارٍ فَمَرِضَ فَاسْتَحَقَّهُ وَقِيمَتُهُ مَرِيضًا خَمْسُونَ أَخَذَ عَبْدَهُ وَخَمْسِينَ وَلَوْ كان الرَّقِيقُ يوم أَخَذَهُ أَغْلَى منهم يوم غَصَبَهُ وَكَذَلِكَ لو غَصَبَهُ صَبِيًّا مَوْلُودًا قِيمَتُهُ دِينَارٌ يوم غَصَبَهُ فَشَبَّ في يَدِ الْغَاصِبِ وَشُلَّ أو أعور وَغَلَا الرَّقِيقُ أو لم يَغْلُ فَكَانَتْ قِيمَتُهُ يوم اسْتَحَقَّهُ عِشْرِينَ دِينَارًا أَخَذَهُ وَقَوَّمْنَاهُ صَحِيحًا وَأَشَلَّ أو أَعْوَرَ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ على الْغَاصِبِ بِفَضْلِ ما بين قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَأَشَلَّ أو أَعْوَرَ لِأَنَّهُ كان عليه أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ صَحِيحًا فما حَدَثَ بِهِ من عَيْبٍ يُنْقِصُهُ في بَدَنِهِ كان ضَامِنًا له وَهَكَذَا لو غَصَبَهُ ثَوْبًا جَدِيدًا قِيمَتُهُ يوم غَصَبَهُ عَشَرَةٌ فَلَبِسَهُ حتى أَخْلَقَ وَغَلَتْ الثِّيَابُ فَصَارَ يُسَاوِي عِشْرِينَ أَخَذَ الثَّوْبَ وَيُقَوَّمُ الثَّوْبُ جَدِيدًا وَخَلَقًا ثُمَّ أعطى فَضْلَ ما بين الْقِيمَتَيْنِ قال وَلَوْ غَصَبَهُ جَدِيدًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ ثُمَّ رَدَّهُ جَدِيدًا قِيمَتُهُ خَمْسَةٌ لِرُخْصِ الثِّيَابِ لم يَضْمَنْ شيئا من قِبَلِ أَنَّهُ رَدَّهُ كما أَخَذَهُ فَإِنْ شُبِّهَ على أَحَدٍ بِأَنْ يَقُولَ قد ضَمِنَ قِيمَتَهُ يوم اغْتَصَبَهُ فَالْقِيمَةُ لَا تَكُونُ مَضْمُونَةً أَبَدًا إلَّا لِفَائِتٍ وَالثَّوْبُ إذَا كان مَوْجُودًا بِحَالِهِ غير فَائِتٍ وَإِنَّمَا تَصِيرُ عليه الْقِيمَةُ
____________________

(3/248)


بِالْفَوْتِ وَلَوْ كان حين غَصَبَ كان ضَامِنًا لِقِيمَتِهِ لم يَكُنْ لِلْمَغْصُوبِ أَخْذُ ثَوْبِهِ وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ وَلَا عليه أَخْذُ ثَوْبِهِ إنْ كانت قِيمَتُهُ سَوَاءً أو كان أَقَلَّ قِيمَةً قال وإذا غَصَبَ الْجَارِيَةَ فَأَصَابَهَا عَيْبٌ من السَّمَاءِ أو بِجِنَايَةِ أَحَدٍ فَسَوَاءٌ وَسَوَاءٌ أَصَابَهَا ذلك عِنْدَ الْغَاصِبِ أو الْمُشْتَرِي يَسْلُكُ بِمَا أَصَابَهَا من الْعُيُوبِ التي من السَّمَاءِ ما سَلَكَ بها في الْعُيُوبِ التي يَجْنِي عليها الْآدَمِيُّونَ قال وإذا غَصَبَ الرَّجُلُ جَارِيَةً فَبَاعَهَا من آخَرَ فَحَدَثَ بها عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ ثُمَّ جاء الْمَغْصُوبُ فَاسْتَحَقَّهَا أَخَذَهَا وكان بِالْخِيَارِ في أَخْذِ ما نَقَصَهَا الْعَيْبُ من الْغَاصِبِ فَإِنْ أَخَذَهُ منه لم يَرْجِعْ على الْمُشْتَرِي بِشَيْءٍ وَلِرَبِّ الْجَارِيَةِ أَنْ يَأْخُذَ ما نَقَصَهُ الْعَيْبُ الْحَادِثُ في يَدِ الْمُشْتَرِي من الْمُشْتَرِي فَإِنْ أَخَذَهُ من الْمُشْتَرِي رَجَعَ بِهِ الْمُشْتَرِي على الْغَاصِبِ وَبِثَمَنِهَا الذي أُخِذَ منه لِأَنَّهُ لم يُسَلِّمْ إلَيْهِ ما اشْتَرَى وَسَوَاءٌ كان الْعَيْبُ من السَّمَاءِ أو بِجِنَايَةِ آدَمِيٍّ قال وإذا غَصَبَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ دَابَّةً فَاسْتَغَلَّهَا أو لم يَسْتَغِلَّهَا وَلِمِثْلِهَا غَلَّةٌ أو دَارًا فَسَكَنَهَا أو أَكْرَاهَا أو لم يَسْكُنْهَا ولم يُكْرِهَا وَلِمِثْلِهَا كِرَاءٌ أو شيئا ما كان مِمَّا له غَلَّةٌ اسْتَغَلَّهُ أو لم يَسْتَغِلَّهُ انْتَفَعَ بِهِ أو لم يَنْتَفِعْ بِهِ فَعَلَيْهِ كِرَاءُ مِثْلِهِ من حِينِ أَخَذَهُ حتى يَرُدَّهُ إلَّا أَنَّهُ إنْ كان إكراه بِأَكْثَرَ من كِرَاءِ مِثْلِهِ فَالْمَغْصُوبُ بِالْخِيَارِ في أَنْ يَأْخُذَ ذلك الْكِرَاءَ لِأَنَّهُ كِرَاءُ مَالِهِ أو يَأْخُذَ كِرَاءَ مِثْلِهِ وَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ غَلَّةٌ بِضَمَانٍ إلَّا لِلْمَالِكِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا قَضَى بها لِلْمَالِكِ الذي كان أَخَذَ ما أَحَلَّ اللَّهُ له وَاَلَّذِي كان إنْ مَاتَ الْمُغِلُّ مَاتَ من مَالِهِ وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَحْبِسَ الْمُغِلَّ حَبَسَهُ إلَّا أَنَّهُ جَعَلَ له الْخِيَارَ إنْ شَاءَ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ رَدَّهُ فَأَمَّا الْغَاصِبُ فَهُوَ ضِدُّ الْمُشْتَرِي الْغَاصِبُ أَخَذَ ما حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عليه ولم يَكُنْ لِلْغَاصِبِ حَبْسُ ما في يَدَيْهِ وَلَوْ تَلِفَ الْمُغَلُّ كان الْغَاصِبُ له ضَامِنًا حتى يُؤَدِّيَ قِيمَتَهُ إلَى الذي غَصَبَهُ إيَّاهُ وَلَا يُطْرَحُ الضَّمَانُ له لو تَلِفَ قِيمَةُ الْغَلَّةِ التي كانت قبل أَنْ يُتْلِفَ وَلَا يَجُوزُ إلَّا هذا الْقَوْلُ أو قَوْلٌ آخَرُ وهو خَطَأٌ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وهو أَنَّ بَعْضَ الناس زَعَمَ أَنَّهُ إذَا سَكَنَ أو اشتغل ( ( ( استغل ) ) ) أو حَبَسَ فَالْغَلَّةُ وَالسَّكَنُ له بِالضَّمَانِ وَلَا شَيْءَ عليه وَإِنَّمَا ذَهَبَ إلَى الْقِيَاسِ على الحديث الذي ذَكَرْت فَأَمَّا أَنْ يَزْعُمَ زَاعِمٌ أَنَّهُ إنْ أَخَذَ غَلَّةً أو سَكَنَ رَدَّ الْغَلَّةَ وَقِيمَةَ السُّكْنَى وَإِنْ لم يَأْخُذْهَا فَلَا شَيْءَ عليه فَهَذَا خَارِجٌ من كل قَوْلٍ لَا هو جَعَلَ ذلك له بِالضَّمَانِ وَلَا هو جَعَلَ ذلك لِلْمَالِكِ إذَا كان الْمَالِكُ مَغْصُوبًا ( قال الرَّبِيعُ ) مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيُّ ليس لِلْمَغْصُوبِ أَنْ يَأْخُذَ إلَّا كِرَاءَ مِثْلِهِ لِأَنَّ كِرَاءَهُ بَاطِلٌ وَإِنَّمَا على الذي سَكَنَ إذَا اسْتَحَقَّ الدَّارَ رَبُّهَا كِرَاءُ مِثْلِهَا وَلَيْسَ له خِيَارٌ في أَنْ يَأْخُذَ الْكِرَاءَ الذي أَكْرَاهَا بِهِ الْغَاصِبُ لِأَنَّ الْكِرَاءَ مَفْسُوخٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ اغْتَصَبَهُ أَرْضًا فَغَرَسَهَا نَخْلًا أو أُصُولًا أو بَنَى فيها بِنَاءً أو شَقَّ فيها انهارا كان عليه كِرَاءُ مِثْلِ الْأَرْضِ بِالْحَالِ الذي اغْتَصَبَهُ إيَّاهَا وكان على الْبَانِي وَالْغَارِسِ أَنْ يَقْلَعَ بِنَاءَهُ وَغَرْسَهُ فإذا قَلَعَهُ ضَمِنَ ما نَقَصَ الْقَلْعُ الْأَرْضَ حتى يَرُدَّ إلَيْهِ الْأَرْضَ بِحَالِهَا حين أَخَذَهَا وَيَضْمَنُ الْقِيمَةَ بِمَا نَقَصَهَا قال وَكَذَلِكَ ذلك في النَّهْرِ وفي كل شَيْءٍ أَحْدَثَهُ فيها لَا يَكُونُ له أَنْ يُثْبِتَ فيها عِرْقًا ظَالِمًا وقد قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ليس لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ وَلَا يَكُونُ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يَمْلِكَ مَالَ الْغَاصِبِ ولم يَمْلِكْهُ إيَّاهُ كان ما يَقْلَعُ الْغَاصِبُ منه يَنْفَعُهُ أو لَا يَنْفَعُهُ لِأَنَّ له مَنْعُ قَلِيلِ مَالِهِ كما له مَنْعُ كَثِيرِهِ وَكَذَلِكَ لو كان حَفَرَ فيها بِئْرًا كان له دَفْنُهَا وَإِنْ لم يَنْفَعْهُ الدَّفْنُ وَكَذَلِكَ لو غَصَبَهُ دَارًا فَزَوَّقَهَا كان له قَلْعُ التَّزْوِيقِ وَإِنْ لم يَكُنْ يَنْفَعُهُ قَلْعُهُ وَكَذَلِكَ لو كان نَقَلَ عنها تُرَابًا كان له أَنْ يَرُدَّ ما نَقَلَ عنها حتى يُوَفِّيَهُ إيَّاهَا بِالْحَالِ التي غَصَبَهُ إيَّاهَا عليها لَا يَكُونُ عليه أَنْ يَتْرُكَ من مَالِهِ شيئا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمَغْصُوبُ كما لم يَكُنْ على الْمَغْصُوبِ أَنْ يُبْطِلَ من مَالِهِ شيئا في يَدِ الْغَاصِبِ فَإِنْ تَأَوَّلَ رَجُلٌ قَوْلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فَهَذَا كَلَامٌ مُجْمَلٌ لَا يَحْتَمِلُ لِرَجُلٍ شيئا إلَّا احْتَمَلَ عليه خِلَافَهُ وَوَجْهُهُ الذي يَصِحُّ بِهِ أَنْ لَا ضَرَرَ في أَنْ لَا يَحْمِلَ على رَجُلٍ في مَالِهِ ما ليس بِوَاجِبٍ عليه وَلَا ضِرَارَ في أَنْ يَمْنَعَ رَجُلٌ من مَالِهِ ضَرَرًا وَلِكُلٍّ ماله وَعَلَيْهِ فَإِنْ قال قَائِلٌ بَلْ أَحْدَثَ لِلنَّاسِ في أَمْوَالِهِمْ حُكْمًا على
____________________

(3/249)


النَّظَرِ لهم وَأَمْنَعَهُمْ في أَمْوَالِهِمْ على النَّظَرِ لهم قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَرَأَيْت رَجُلًا له بَيْتٌ يَكُونُ ثَلَاثَةَ أَذْرُعٍ في ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ في دَارِ رَجُلٍ له مَقْدِرَةٌ أَعْطَاهُ بِهِ ما شَاءَ مِائَةَ أَلْفِ دِينَارٍ أو أَكْثَرَ وَقِيمَةُ الْبَيْتِ دِرْهَمٌ أو دِرْهَمَانِ وَأَعْطَاهُ مَكَانَهُ دَارًا مع الْمَالِ أو رَقِيقًا هل يُجْبَرُ على النَّظَرِ له أَنْ يَأْخُذَ هذا الْكَثِيرَ بهذا الْقَلِيلِ أو رَأَيْت رَجُلًا له قِطْعَةُ أَرْضٍ بين أَرَاضِي رَجُلٍ لَا تُسَاوِي الْقِطْعَةَ دِرْهَمًا فَسَأَلَهُ الرَّجُلُ أَنْ يَبِيعَهُ منها مَمَرًّا بِمَا شَاءَ من الدُّنْيَا هل يُجْبَرُ على أَنْ يَبِيعَ ما لَا يَنْفَعُهُ بِمَا فيه غِنَاهُ أو رَأَيْت رَجُلًا صِنَاعَتُهُ الْخِيَاطَةُ فَحَلَفَ رَجُلٌ أَنْ لَا يَسْتَخِيطَ غَيْرَهُ وَمَنَعَهُ هو أَنْ يَخِيطَ له فَأَعْطَاهُ على ما الْإِجَارَةُ فيه دِرْهَمٌ مِائَةَ دِينَارٍ أو أَكْثَرَ أَيُجْبَرُ على أَنْ يَخِيطَ له أو رَأَيْت رَجُلًا عِنْدَهُ أَمَةٌ عَمْيَاءُ لَا تَنْفَعُهُ أَعْطَاهُ بها بن لها بَيْتَ مَالٍ هل يُجْبَرُ على أَنْ يَبِيعَهَا فَإِنْ قال لَا يُجْبَرُ وَاحِدٌ من هَؤُلَاءِ على النَّظَرِ له قُلْنَا وَكُلُّ هَؤُلَاءِ يقول إنَّمَا فَعَلْت هذا إضْرَارًا بِنَفْسِي وَإِضْرَارًا لِلطَّالِبِ إلى حتى أَكُونَ جَمَعْت الْأَمْرَيْنِ فَإِنْ قال وَإِنْ أَضَرَّ بِنَفْسِهِ وَضَارَّ غَيْرَهُ فَإِنَّمَا فَعَلَ في مَالِهِ ماله أَنْ يَفْعَلَ قِيلَ وَكَذَلِكَ حَافِرُ الْبِئْرِ في أَرْضِ الرَّجُلِ وَالْمُزَوِّقُ جِدَارَ الرَّجُلِ وَنَاقِلُ التُّرَابِ إلَى أَرْضِ الرَّجُلِ إنَّمَا فَعَلَ ماله أَنْ يَفْعَلَ وَمَنَعَ ماله أَنْ يَمْنَعَ من مَالِهِ فَإِنْ كان في رَدِّ التُّرَابِ وَدَفْنِ الْبِئْرِ ما يَشْغَلُ الْأَرْضَ عن رَبِّهَا حتى يَمْنَعَهُ مَنْفَعَةً في ذلك الْوَقْتِ قِيلَ لِلَّذِي يُرِيدُ رَدَّ التُّرَابِ أنت بِالْخِيَارِ في أَنْ تَرُدَّهُ وَيَكُونَ عَلَيْك كِرَاءُ الْأَرْضِ بِقَدْرِ الْمُدَّةِ التي حَبَسْتهَا عن الْمَنْفَعَةِ أو تَدَعَهُ وَقِيلَ لِرَبِّ الْأَرْضِ في الْبِئْرِ لَك الْخِيَارُ في أَنْ تَأْخُذَ حَافِرَ الْبِئْرِ بِدَفْنِهَا على كل حَالٍ وَلَا شَيْءَ لَك عليه لِأَنَّهُ ليس في مَوْضِعِهَا مَنْفَعَةٌ حتى تَكُونَ مَدْفُونَةً إلَّا أَنْ يَكُونَ لِمَوْضِعِهَا لو كانت مُسْتَوِيَةً مَنْفَعَةٌ فِيمَا بُيِّنَ أَنَّ حُكْمَنَا لَك بها إلَى أَنْ يَدْفِنَهَا فَيَكُونَ لَك أَجْرُ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ لِأَنَّهُ شَغَلَ عَنْك شيئا من أَرْضِك ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كان الْغَاصِبُ نَقَلَ من أَرْضِ الْمَغْصُوبِ تُرَابًا كان مَنْفَعَةً لِلْأَرْضِ لَا ضَرَرَ عليها أُخِذَ بِرَدِّهِ فَإِنْ كان لَا يَقْدِرُ على رَدِّ مِثْلِهِ بِحَالٍ أَبَدًا قُوِّمَتْ الْأَرْضُ وَعَلَيْهَا ذلك التُّرَابُ وَقُوِّمَتْ بِحَالِهَا حين أَخَذَهَا ثُمَّ ضَمِنَ الْغَاصِبُ ما بين الْقِيمَتَيْنِ وَإِنْ كان يَقْدِرُ على رَدِّهِ بِحَالٍ وَإِنْ عَظُمَتْ فيه الْمُؤْنَةُ كُلِّفَهُ قال وإذا قَطَعَ الرَّجُلُ يَدَ دَابَّةِ رَجُلٍ أو رِجْلَهَا أو جَرَحَهَا جُرْحًا ما كان صَغِيرًا أو كَبِيرًا قُوِّمَتْ الدَّابَّةُ مَجْرُوحَةً أو مَقْطُوعَةً ثُمَّ ضَمِنَ ما بين الْقِيمَتَيْنِ وَلَا يَمْلِكُ أَحَدٌ مَالَ أَحَدٍ بِجِنَايَةٍ أَبَدًا قال وإذا أَقَامَ شَاهِدًا أَنَّ رَجُلًا غَصَبَهُ هذه الْجَارِيَةَ يوم الْخَمِيسِ وَشَاهِدًا أَنَّهُ غَصَبَهُ إيَّاهَا يوم الْجُمُعَةِ أو شَاهِدًا أَنَّهُ غَصَبَهُ إيَّاهَا وَشَاهِدًا أَنَّهُ أَقَرَّ له بِغَصْبِهِ إيَّاهَا أو شَاهِدًا أَنَّهُ أَقَرَّ له يوم الْخَمِيسِ بِغَصْبِهَا وَآخَرَ أَنَّهُ أَقَرَّ له يوم الْجُمُعَةِ بِغَصْبِهَا فَكُلُّ هذا مُخْتَلِفٌ لِأَنَّ غَصْبَ يَوْمِ الْخَمِيسِ غَيْرُ غَصْبِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَفِعْلُ الْغَصْبِ غَيْرُ الْإِقْرَارِ بِالْغَصْبِ وَالْإِقْرَارُ يوم الْخَمِيسِ غَيْرُ الْإِقْرَارِ يوم الْجُمُعَةِ فَيُقَالُ له في هذا كُلِّهِ احْلِفْ مع أَيِّ شَاهِدَيْك شِئْت وَاسْتَحِقَّ الْجَارِيَةَ فَإِنْ حَلَفَ اسْتَحَقَّهَا قال وَلَوْ أَنَّ أَرْضًا كانت بِيَدِ رَجُلٍ فَادَّعَى آخَرُ أنها أَرْضُهُ فَأَقَامَ شَاهِدًا فَشَهِدَ له أنها أَرْضُهُ اشْتَرَاهَا من مَالِكٍ أو وَرِثَهَا من مَالِكٍ أو تَصَدَّقَ بها عليه مَالِكٌ أو كانت مَوَاتًا فَأَحْيَاهَا فَوَصَفَ ذلك بِوَجْهٍ من وُجُوهِ الْمِلْكِ الذي يَصِحُّ وَأَقَامَ شَاهِدًا غَيْرَهُ أنها حيزه لم تَكُنْ الشَّهَادَةُ بِأَنَّهَا حِيزَةٌ شَهَادَةً وَلَوْ شَهِدَ عليها عَدَدٌ عُدُولٌ إذَا لم يَزِيدُوا على هذا شيئا لِأَنَّ حَيْزَهُ يَحْتَمِلُ ما يَجُوزُ بِالْمِلْكِ وما يَجُوزُ بِالْعَارِيَّةِ وَالْكِرَاءِ وَيَحْتَمِلُ ما يَلِي أَرْضَهُ وما يَلِي مَسْكَنَهُ وَيَحْتَمِلُ بِعَطِيَّةِ أَهْلِهَا فلما لم يَكُنْ وَاحِدٌ من هذه الْمَعَانِي أَوْلَى بِالظَّاهِرِ من الْآخَرِ لم تَكُنْ هذه شَهَادَةً أَبَدًا حتى يَزِيدُوا فيها ما يُبَيِّنُ أنها مِلْكٌ له وَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ مع الشَّاهِدِ الذي شَهِدَ له بِالْمِلْكِ وَيَسْتَحِقَّ قال وَلَوْ شَهِدَ له الشَّاهِدُ الْأَوَّلُ بِمَا وَصَفْنَا من الْمِلْكِ وَشَهِدَ له الشَّاهِدُ الثَّانِي بِأَنَّهُ كان يَحُوزُهَا وُقِفَ فَإِنْ قال بِحَوْزِهَا بِمِلْكٍ فَقَدْ اجْتَمَعَا على الشَّهَادَةِ وَإِنْ قال يَحُوزُهَا ولم يَزِدْ على ذلك لم يَجْتَمِعَا على الشَّهَادَةِ وَيَحْلِفُ مع شَاهِدِ الْمِلْكِ وَيَسْتَحِقُّ قال وإذا غَصَبَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الْجَارِيَةَ فَبَاعَهَا من آخَرَ وَقَبَضَ الثَّمَنَ فَهَلَكَ في يَدَيْهِ ثُمَّ جاء رَبُّ الْجَارِيَةِ وَالْجَارِيَةُ قَائِمَةٌ أَخَذَ الْجَارِيَةَ وَشَيْئًا إنْ كان نَقَصَهَا وَرَجَعَ الْمُشْتَرِي على الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ الذي قَبَضَ منه مُوسِرًا
____________________

(3/250)


كان أو مُعْسِرًا قال وإذا غَصَبَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ دَابَّةً أو أَكْرَاهُ إيَّاهَا فَتَعَدَّى فَضَاعَتْ في تَعَدِّيهِ فَضَمَّنَهُ رَبُّ الدَّابَّةِ الْمَغْصُوبُ أو المكري قِيمَةَ دَابَّتِهِ ثُمَّ ظَفِرَ بِالدَّابَّةِ بَعْدُ فإن بَعْضَ الناس وهو أبو حَنِيفَةَ قال لَا سَبِيلَ له على الدَّابَّةِ وَلَوْ كانت جَارِيَةً لم يَكُنْ له عليها سَبِيلٌ من قِبَلِ أَنَّهُ أَخَذَ الْبَدَلَ منها وَالْبَدَلُ يَقُومُ مَقَامَ الْبَيْعِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا ظَهَرَ على الدَّابَّةِ رَدَدْت عليه الدَّابَّةَ وَرَدَّ ما قَبَضَ من ثَمَنِهَا إنْ كانت دَابَّتُهُ بِحَالِهَا يوم غَصَبَهَا أو تَعَدَّى بها أو خَيْرِهَا حَالًا فَإِنْ كانت نَاقِصَةً قَبَضَهَا وما نَقَصَتْ وَرَدَّ الْفَضْلَ عن نُقْصَانِهَا من الثَّمَنِ وَلَا يُشْبِهُ هذا الْبُيُوعَ إنَّمَا الْبُيُوعُ بِمَا تَرَاضَيَا عليه فَسَلَّمَ له رَبُّ السِّلْعَةِ سِلْعَتَهُ وَأَخْرَجَهَا من يَدَيْهِ إلَيْهِ رَاضِيًا بِإِخْرَاجِهَا وَالْمُشْتَرِي غَيْرُ عَاصٍ في أَخْذِهَا وَالْمُتَعَدِّي عَاصٍ في التَّعَدِّي وَالْغَصْبِ وَرَبُّ الدَّابَّةِ غَيْرُ بَائِعٍ له دَابَّتَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الدَّابَّةَ لو كانت قَائِمَةً بِعَيْنِهَا لم يَكُنْ له أَخْذُ قِيمَتِهَا فلما كان إنَّمَا أَخَذَ الْقِيمَةَ على أَنَّ دَابَّتَهُ فَائِتَةٌ ثُمَّ وَجَدَ الدَّابَّةَ كان الْفَوْتُ قد بَطَلَ وَكَانَتْ الدَّابَّةُ مَوْجُودَةً وَلَوْ كان هذا بَيْعًا ما جَازَ أَنْ تُبَاعَ دَابَّتُهُ غَائِبَةً وَلَوْ جَازَ فَهَلَكَتْ الدَّابَّةُ كان لِلْغَاصِبِ وَالْمُتَعَدِّي أَنْ يَرْجِعَ بِالثَّمَنِ وَلَوْ وُجِدَتْ مَعِيبَةً كان له أَنْ يَرُدَّهَا بِالْعَيْبِ فَإِنْ قال رَجُلٌ فَهِيَ لَا تُشْبِهُ الْبُيُوعَ وَلَكِنَّهَا تُشْبِهُ الْجِنَايَاتِ قِيلَ له أَفَرَأَيْت لو أَنَّ رَجُلًا جَنَى على عَيْنِ رَجُلٍ فَابْيَضَّتْ فَحُكِمَ له بِأَرْشِهَا ثُمَّ ذَهَبَ الْبَيَاضُ فَقَائِلُ هذا يَزْعُمُ أَنَّهُ يَرُدُّهُ بِالْأَرْشِ وَيَرُدُّهُ وَلَوْ حُكِمَ له في سِنٍّ قُلِعَتْ من صَبِيٍّ بِخَمْسٍ من الْإِبِلِ ثُمَّ نَبَتَتْ رَجَعَ بِالْأَرْشِ الذي حُكِمَ بِهِ عليه فَإِنْ شَبَّهَهَا بِالْجِنَايَاتِ فَهَذَا يَلْزَمُهُ فيه اخْتِلَافُ الْقَوْلِ وَإِنْ زَعَمَ أنها لَا تُشْبِهُ الْجِنَايَاتِ لِأَنَّ الْجِنَايَاتِ ما فَاتَ فلم يَعُدْ فَهَذِهِ قد عَادَتْ فَصَارَتْ غير فَائِتَةٍ وَلَوْ كان هذا بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ فَاغْتَصَبَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ دَابَّةً أو أَكْرَاهُ إيَّاهَا فَتَعَدَّى عليها فَضَاعَتْ ثُمَّ اصْطَلَحَا من ثَمَنِهَا على شَيْءٍ يَكُونُ أَكْثَرَ من قِيمَةِ الدَّابَّةِ أو مثله أو أَقَلَّ فَالْقَوْلُ فيه كَالْقَوْلِ في حُكْمِ الْقَاضِي لِأَنَّهُ إنَّمَا صَالَحَهُ على ما لَزِمَ الْغَاصِبَ مِمَّا اسْتَهْلَكَ فلما كان مَالُهُ غير مُسْتَهْلَكٍ كان الصُّلْحُ وَقَعَ على غَيْرِ ما عَلِمَا أو عَلِمَ رَبُّ الدَّابَّةِ وَلَوْ كان الْغَاصِبُ قال له أنا أشتريها مِنْك وَهِيَ في يَدَيْ قد عَرَفْتهَا فَبَاعَهُ إيَّاهَا بِشَيْءٍ قد عَرَفَهُ قَلَّ أو كَثُرَ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ فَإِنْ جاء الْغَاصِبُ بِالدَّابَّةِ مَعِيبَةً عَيْبًا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فَزَعَمَ أَنَّهُ لم يَكُنْ رَآهُ وَأَنَّ الْبَائِعَ دَلَّسَ له بِهِ كان الْقَوْلُ قَوْلَ الْبَائِعِ مع يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْغَاصِبُ الْبَيِّنَةَ على أَنَّهُ كان في يَدِ الْمَغْصُوبِ الْبَائِعِ أو يَكُونُ الْعَيْبُ مِمَّا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فَيَكُونُ له رَدُّ الدَّابَّةِ وَيَكُونُ لِلْمَغْصُوبِ ما نَقَصَهَا على الْغَاصِبِ فَإِنْ قال المتعدى بِالْغَصْبِ أو في الْكِرَاءِ إنَّ الدَّابَّةَ ضَاعَتْ فَأَنَا أَدْفَعُ إلَيْك قِيمَتَهَا فقبل ( ( ( فقيل ) ) ) ذلك منه بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ فَلَا يَجُوزُ في هذا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَّا وَاحِدٌ من قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُقَالَ هذا بَيْعٌ مستانف فَلَا نجيزه ( ( ( تجيزه ) ) ) من قِبَلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَوْتَى أو يُقَالُ هذا بَدَلٌ إنْ كانت ضَاعَتْ أو تَلِفَتْ فَيَجُوزُ لِأَنَّ ذلك يَلْزَمُهُ في أَصْلِ الْحُكْمِ فَمَنْ ذَهَبَ هذا الْمَذْهَبَ لَزِمَهُ إذَا عَلِمَ بِأَنَّ الدَّابَّةَ لم تَضِعْ أَنْ يَكُونَ لِرَبِّ الدَّابَّةِ أَخْذُهَا وَعَلَيْهِ رَدُّ ما أَخَذَ من قِبَلِ أَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَ ما كان يَلْزَمُ له لو كانت ضَائِعَةً فلما لم تَكُنْ ضَائِعَةً كان على أَصْلِ مِلْكِهِ أو يقول قَائِلٌ قَوْلًا ثَالِثًا فيقول لَمَّا رضي بِقَوْلِهِ وَتَرَكَ اسْتِحْلَافَهُ كما كان الْحَاكِمُ مُسْتَحْلِفَهُ لو ضَاعَتْ فَلَا يَكُونُ له الرُّجُوعُ على حَالٍ فَأَمَّا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ إنْ كانت عِنْدَ الْغَاصِبِ وَإِنَّمَا كَذَبَ لِيَأْخُذَهَا فَلِلْمُشْتَرِي أَخْذُهَا وَإِنْ لم تَكُنْ عِنْدَ الْغَاصِبِ ثُمَّ وَجَدَهَا فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَخْذُهَا فَهَذَا لَا يَجُوزُ في وَجْهٍ من الْوُجُوهِ لِأَنَّ الذي انْعَقَدَ إنْ كان جَائِزًا بِكُلِّ حَالٍ جَازَ ولم يُنْتَقَضْ وَإِنْ كان جَائِزًا ما لم تَكُنْ مَوْجُودَةً مُنْتَقَضًا إذَا كانت مَوْجُودَةً فَهِيَ مَوْجُودَةٌ في الْحَالَيْنِ فما بَالُهَا تُرَدُّ في إحْدَاهُمَا وَلَا تُرَدُّ في الْأُخْرَى وَإِنْ كان فَاسِدًا فَهُوَ مَرْدُودٌ بِكُلِّ حَالٍ وَهَذَا الْقَوْلُ لَا جَائِزَ وَلَا فَاسِدَ وَلَا جَائِزَ على مَعْنًى فَاسِدٍ في آخَرَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا بَاعَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الْجَارِيَةَ أو الْعَبْدَ
____________________

(3/251)


وَقَبَضَهُ منه ثُمَّ أَقَرَّ الْبَائِعُ لِرَجُلٍ آخَرَ أَنَّهُ عَبْدُهُ غَصَبَهُ منه أو أَمَتُهُ غَصَبَهَا منه قُلْنَا لِلْمُقَرِّ له بِالْغَصْبِ إنْ أَقَمْتَ بَيِّنَةً على الْغَصْبِ دَفَعْنَا إلَيْك أَيَّهمَا أَقَمْت عليه الْبَيِّنَةَ وَنَقَضْنَا الْبَيْعَ وَإِنْ لم تُقِمْ بَيِّنَةً فَإِقْرَارُ الْبَائِعِ لَك إثْبَاتُ حَقٍّ لَك على نَفْسِهِ وَإِبْطَالُ حَقٍّ لِغَيْرِك قد ثَبَتَ عليه قبل إقْرَارِهِ لَك وَلَا يُصَدَّقُ في إبْطَالِ حَقِّ غَيْرِهِ وَيُصَدَّقُ على نَفْسِهِ فَيَضْمَنُ لَك قِيمَةَ ايهما أَقَرَّ بِأَنَّهُ غصبكه ( ( ( غصبه ) ) ) إلَّا أَنْ يَجِدَ الْمُشْتَرِي الْعَيْبَ أو يَكُونَ له خِيَارٌ فَيَرُدَّهُ بِخِيَارِهِ في الْعَيْبِ وَخِيَارِهِ في الشَّرْطِ فإذا رَدَّهُ كان على الْمُقِرِّ أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَيْك وَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ غَاصِبٌ رَدَّهُ وَرَجَعَ عليه بِالثَّمَنِ الذي أَخَذَهُ منه إنْ شَاءَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اغْتَصَبَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ عَبْدًا فَبَاعَهُ من رَجُلٍ ثُمَّ مَلَّكَ الْمُغْتَصِبُ الْبَائِعَ ذلك الْعَبْدَ بِمِيرَاثٍ أو هِبَةٍ أو بِشِرَاءٍ صَحِيحٍ أو وَجْهِ مِلْكٍ ما كان ثُمَّ أَرَادَ نَقْضَ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ بَاعَ ما لَا يَمْلِكُ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي أو قَامَتْ بَيِّنَةٌ فَالْبَيْعُ مُنْتَقَضٌ أَرَادَهُ أو لم يُرِدْهُ لِأَنَّهُ بَاعَ ما لَا يَجُوزُ له بَيْعُهُ وَإِنْ لم تَقُمْ بَيِّنَةٌ وقال الْمُشْتَرِي إنَّمَا ادَّعَيْت ما يُفْسِدُ الْبَيْعَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مع يَمِينِهِ فَإِنْ قال الْبَائِعُ بِعْتُك ما أَمْلِكُ ثُمَّ قَامَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ اغْتَصَبَهُ ثُمَّ مَلَكَهُ ولم يُصَدِّقْهُ الْمُشْتَرِي ثَبَتَ الْبَيْعُ من قِبَلِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ إنَّمَا تَشْهَدُ في هذا الْوَقْتِ لِلْبَائِعِ لَا عليه فَتَشْهَدُ له بِمَا يَرْجِعُ بِهِ الْعَبْدُ إلَى مِلْكِهِ فَيَكُونُ مَشْهُودًا له لَا عليه وقد أُكَذِّبُهُمْ فَلَا يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ في الْحُكْمِ لِإِكْذَابِهِ بَيِّنَتَهُ وَيَنْبَغِي في الْوَرَعِ أَنْ يُجَدِّدَا بَيْعًا أو يَرُدَّهُ الْمُشْتَرِي قال وَإِنْ كانت الْبَيِّنَةُ شَهِدَتْ فَكَانَ ذلك يُخْرِجُهُ من أَيْدِيهِمَا جميعا قُبِلَتْ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّهَا عليه قال وَإِنْ بَاعَهُ وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ أَعْتَقَهُ فَقَامَتْ بَيِّنَةٌ بِغَصْبٍ وكان الْمَغْصُوبُ أو وَرَثَتُهُ قِيَامًا رُدَّ الْعِتْقُ لِأَنَّ الْبَيْعَ كان فَاسِدًا وَيُرَدُّ إلَى الْمَغْصُوبِ وَلَوْ لم تَكُنْ بَيِّنَةٌ وَصَدَّقَ الْغَاصِبُ وَالْمُشْتَرِي المدعى أَنَّهُ غَصَبَهُ لم يُقْبَلْ قَوْلُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا في الْعِتْقِ وَمَضَى الْعِتْقُ وَرَدَدْنَا الْمَغْصُوبَ على الْغَاصِبِ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ في أَكْثَرِ ما كان قِيمَةً وَإِنْ أَحَبَّ رَدَدْنَاهُ على الْمُشْتَرِي الْمُعْتِقِ فَإِنْ رَدَدْنَاهُ على الْمُشْتَرِي الْمُعْتِقِ رَجَعَ على الْغَاصِبِ الْبَائِعِ بِمَا أُخِذَ منه لِأَنَّهُ قد أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَ ما لَا يَمْلِكُ وَالْوَلَاءُ مَوْقُوفٌ من قِبَلِ أَنَّ الْمُعْتِقَ يُقِرُّ أَنَّهُ أَعْتَقَ ما لَا يَمْلِكُ قال وإذا غَصَبَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الْجَارِيَةَ فَبَاعَهَا من رَجُلٍ وَالْمُشْتَرِي يَعْلَمُ أنها مَغْصُوبَةٌ ثُمَّ جاء الْمَغْصُوبُ فَأَرَادَ إجازة الْبَيْعَ لم يَكُنْ الْبَيْعُ جَائِزًا من قِبَلِ أَنَّ أَصْلَ الْبَيْعِ كان مُحَرَّمًا فَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ إجَازَةُ الْمُحَرَّمِ وَيَكُونُ له تَجْدِيدُ بَيْعٍ حَلَالٍ هو غَيْرُ الْحَرَامِ فَإِنْ قال قَائِلٌ أَرَأَيْت لو أَنَّ أمرا بَاعَ جَارِيَةً له وَشَرَطَ لنفسه ( ( ( نفسه ) ) ) فيها الْخِيَارَ أَمَا كان يَجُوزُ الْبَيْعُ وَيَكُونُ له أَنْ يَخْتَارَ إمْضَاءَهُ فَيُلْزِمُ الْمُشْتَرِيَ بِأَنَّ له الْخِيَارَ دُونَ الْبَائِعِ قِيلَ بَلَى فَإِنْ قال فما فَرَّقَ بَيْنَهُمَا قِيلَ هذه بَاعَهَا مَالِكُهَا بَيْعًا حَلَالًا وكان له الْخِيَارُ على شَرْطِهِ وكان الْمُشْتَرِي غير عَاصٍ لِلَّهِ وَلَا الْبَائِعُ وَالْغَاصِبُ وَالْمُشْتَرِي وهو يَعْلَمُ أنها مَغْصُوبَةٌ عَاصِيَانِ لِلَّهِ وَهَذَا بَائِعٌ ما ليس له وَهَذَا مُشْتَرٍ ما لَا يَحِلُّ له فَلَا يُقَاسَ الْحَرَامُ على الْحَلَالِ لِأَنَّهُ ضِدُّهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ الْمُشْتَرِيَ من رَبِّ الْجَارِيَةِ جَارِيَتَهُ لو شَرَطَ الْمُشْتَرِي الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ كان له الْخِيَارُ كما يَكُونُ لِلْبَائِعِ إذَا شَرَطَهُ أَفَيَكُونُ للمشتري ( ( ( لمشتري ) ) ) الْجَارِيَةِ الْمَغْصُوبَةِ الْخِيَارُ في أَخْذِهَا أو رَدِّهَا فَإِنْ قال لَا قِيلَ وَلَوْ شَرَطَ الْغَاصِبُ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ فَإِنْ قال لَا من قِبَلِ أَنَّ الذي شُرِطَ له الْخِيَارُ لَا يَمْلِكُ الْجَارِيَةَ قِيلَ وَلَكِنَّ الذي يَمْلِكُهَا لو شَرَطَ له الْخِيَارَ جَازَ فَإِنْ قال نعم قِيلَ له أَفَلَا تَرَى أَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ في كل شَيْءٍ فَكَيْفَ يُقَاسُ أَحَدُ الْمُخْتَلِفَيْنِ في كل شَيْءٍ على الْآخَرِ قال وإذا غَصَبَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الْجَارِيَةَ فاقر الْغَاصِبُ بِأَنَّهُ غَصَبَهُ جَارِيَةً وقال ثَمَنُهَا عَشَرَةٌ وقال الْمَغْصُوبُ ثَمَنُهَا مِائَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ مع يَمِينِهِ وَلَا تَقُومُ على الصِّفَةِ من قِبَلِ أَنَّ التَّقْوِيمَ على الصِّفَةِ لَا يُضْبَطُ قد تَكُونُ الْجَارِيَتَانِ بِصِفَةٍ وَلَوْنٍ وَسِنٍّ وَبَيْنَهُمَا كَثِيرٌ في الْقِيمَةِ بِشَيْءٍ يَكُونُ في الرُّوحِ وَالْعَقْلِ وَاللِّسَانِ
____________________

(3/252)


فَلَا يُضْبَطُ إلَّا بِالْمُعَايَنَةِ فَيُقَالُ لِرَبِّ الْجَارِيَةِ إنْ رَضِيتَ وَإِلَّا فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً أُخِذَ له بِبَيِّنَتِهِ وَإِنْ لم يُقِمْهَا أُحَلِّفُ له الْغَاصِبَ وكان الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَلَوْ أَقَامَ عليه شَاهِدَيْنِ بِأَنَّهُ غَصَبَهُ جَارِيَةً فَهَلَكَتْ الْجَارِيَةُ في يَدَيْهِ ولم يُثْبِتْ الشَّاهِدَانِ على قِيمَتِهَا كان الْقَوْلُ في قِيمَتِهَا قَوْلَ الْغَاصِبِ مع يَمِينِهِ وَلَوْ وَصَفَهَا الشَّاهِدَانِ بِصِفَةٍ أنها كانت صَحِيحَةً عُلِمَ أَنَّ قِيمَتَهَا أَكْثَرُ مِمَّا قال الْغَاصِبُ كان الْقَوْلُ قَوْلَ الْغَاصِبِ لِأَنَّهُ قد يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ثَمَّ دَاءٌ أو غَائِلَةٌ تَخْفَى يَصِيرُ بها ثَمَنُهَا إلَى ما قال الْغَاصِبُ فإذا أَمْكَنَ ما قال الْغَاصِبُ بِحَالٍ كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ مع يَمِينِهِ وَهَكَذَا قَوْلُ من يَغْرَمُ شيئا من الدُّنْيَا بِأَيِّ وَجْهٍ ما دخل عليه الْغُرْمُ إذَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَلَا يُؤْخَذُ منه خِلَافُ ما اقر بِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَلَا تَرَى أَنَّا نَجْعَلُ في الْأَكْثَرِ من الدَّعْوَى عليه الْقَوْلَ قَوْلَهُ فَلَوْ قال رَجُلٌ غَصَبَنِي أو لي عليه دَيْنٌ أو عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ مع يَمِينِهِ ولم نُلْزِمْهُ شيئا لم يُقِرَّ بِهِ فإذا أَعْطَيْنَاهُ هذا في الْأَكْثَرِ كان الْأَقَلُّ أَوْلَى أَنْ نُعْطِيَهُ إيَّاهُ فيه وَلَا تَجُوزُ الْقِيمَةُ على ما لَا يَرَى وَذَلِكَ أَنَّا نُدْرِكُ ما وَصَفْت من عَلِمَ أَنَّ الْجَارِيَتَيْنِ تَكُونَانِ في صِفَةٍ وَإِحْدَاهُمَا أَكْثَرُ ثَمَنًا من الْأُخْرَى بِشَيْءٍ غَيْرِ بَعِيدٍ فَلَا تَكُونُ الْقِيَمُ إلَّا على ما عُويِنَ أَوَلَا تَرَى أَنَّ فِيمَا عُويِنَ لَا نُوَلِّي الْقِيمَةَ فيه إلَّا أَهْلَ الْعِلْمِ بِهِ في يَوْمِهِ الذي يُقَوِّمُونَهُ فيه وَلَا تَجُوزُ لهم الْقِيمَةُ حتى يَكْشِفُوا عن الْغَائِلَةِ وَالْأَدْوَاءِ ثُمَّ يَقِيسُوهُ بِغَيْرِهِ ثُمَّ يَكُونُ أَكْثَرُ ما عِنْدَهُمْ في ذلك تأخى قَدْرَ الْقِيمَةِ على قَدْرِ ما يُرَى من سِعْرِ يَوْمِهِ فإذا كان هذا هَكَذَا لم يَجُزْ التَّقْوِيمُ على الْمَغِيبِ فَإِنْ قال صِفَتُهُ كَذَا وَلَا أَعْرِفُ قِيمَتَهُ قُلْنَا لِرَبِّ الثَّوْبِ ادَّعِ في قِيمَتِهِ ما شِئْت فإذا فَعَلَ قُلْنَا لِلْغَاصِبِ قد ادَّعَى ما تَسْمَعُ فَإِنْ عَرَفْته فَأَدِّهِ إلَيْهِ بِلَا يَمِينٍ وَإِنْ لم تَعْرِفْهُ فَأَقِرَّ بِمَا شِئْت نُحَلِّفُك عليه وَتَدْفَعُهُ إلَيْهِ فَإِنْ قال لَا أَحْلِفُ قُلْنَا فَرُدَّ الْيَمِينَ عليه فَيَحْلِفَ عَلَيْك وَيَسْتَحِقَّ ما ادَّعَى إنْ ثَبَتَ على الِامْتِنَاعِ من الْيَمِينِ فَإِنْ حَلَفَ بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ هذا له فَقَدْ جاء بِمَا عليه وَإِنْ امْتَنَعَ أَحْلَفْنَا المدعى ثُمَّ أَلْزَمْنَاهُ جَمِيعَ ما حَلَفَ عليه فَإِنْ أَرَادَ الْيَمِينَ بَعْدَ يَمِينِ المدعى لم نُعْطِهِ إيَّاهَا فَإِنْ جاء بِبَيِّنَةٍ على أَقَلَّ مِمَّا حَلَفَ عليه المدعى أَعْطَيْنَاهُ بِالْبَيِّنَةِ وَكَانَتْ الْبَيِّنَةُ أَوْلَى من الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ قال وإذا غَصَبَ رَجُلٌ من رَجُلٍ طَعَامًا حَبًّا أو تَمْرًا أو أُدْمًا فَاسْتَهْلَكَهُ فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ إنْ كان يُوجَدُ له مِثْلٌ بِحَالٍ من الْحَالِ وَإِنْ لم يُوجَدْ له مِثْلٌ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ أَكْثَرُ ما كان قِيمَةً قَطُّ قال وإذا غَصَبَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ أَصْلًا فَأَثْمَرَ أو غَنَمًا فَتَوَالَدَتْ وَأَصَابَ من صُوفِهَا وَأَلْبَانِهَا كان لِرَبِّ الْأَصْلِ وَالْغَنَمِ وَكُلِّ مَاشِيَةٍ أَنْ يَأْخُذَ مَاشِيَتَهُ وَأَصْلَهُ من الْغَاصِبِ إنْ كان بِحَالِهِ حين غَصَبَهُ أو خَيْرًا وَإِنْ نَقَصَ أَخَذَهُ وَالنُّقْصَانَ وَرَجَعَ عليه بِجَمِيعِ ما أَتْلَفَ من الثَّمَرَةِ فَأَخَذَ منه مِثْلَهَا إنْ كان لها مِثْلٌ أو الْقِيمَةَ إنْ لم يَكُنْ لها مِثْلٌ وَقِيمَةَ ما أَتْلَفَ من نِتَاجِ الْمَاشِيَةِ وَمِثْلَ ما أَخَذَ من لَبَنِهَا أو قِيمَتِهِ إنْ لم يَكُنْ له مِثْلٌ وَمِثْلَ ما أَخَذَ من صُوفِهَا وَشَعْرِهَا إنْ كان له مِثْلٌ وَإِلَّا قِيمَتُهُ إنْ لم يَكُنْ له مِثْلٌ قال وَإِنْ كان أَعْلَفَهَا أو هَنَّأَهَا وَهِيَ جُرْبٌ أو اسْتَأْجَرَ عليها من حِفْظِهَا أو سقي الْأَصْلَ فَلَا شَيْءَ له في ذلك ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَصْلُ ما يُحْدِثُ الْغَاصِبُ فِيمَا اغْتَصَبَ شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا عَيْنٌ مَوْجُودَةٌ تُمَيَّزُ وَعَيْنٌ مَوْجُودَةٌ لَا تُمَيَّزُ وَالثَّانِي أَثَرٌ لَا عَيْنٌ مَوْجُودَةٌ فَأَمَّا الْأَثَرُ الذي ليس بِعَيْنٍ مَوْجُودَةٍ فَمِثْلُ ما وَصَفْنَا من الْمَاشِيَةِ يَغْصِبُهَا صِغَارًا وَالرَّقِيقُ يَغْصِبُهُمْ صِغَارًا بِهِمْ مَرَضٌ فَيُدَاوِيهِمْ وَتَعْظُمُ نَفَقَتُهُ عليهم حتى يَأْتِيَ صَاحِبُهُمْ وقد أَنْفَقَ عليهم أَضْعَافَ أَثْمَانِهِمْ وَإِنَّمَا مَالُهُ في أَثَرٍ عليهم لَا عَيْنٍ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّفَقَةَ في الدَّوَابِّ وَالْأَعْبُدِ إنَّمَا هو شَيْءٌ صَلُحَ بِهِ الْجَسَدُ لَا شَيْءٌ قَائِمٌ بِعَيْنِهِ مع الْجَسَدِ وَإِنَّمَا هو أَثَرٌ وَكَذَلِكَ الثَّوْبُ يَغْسِلُهُ وَيُكْمِدُهُ وَكَذَلِكَ الطِّينُ يَغْصِبُهُ فَيَبُلُّهُ بِالْمَاءِ ثُمَّ يَضْرِبُهُ لَبَنًا فَإِنَّمَا هذا كُلُّهُ أَثَرٌ ليس بِعَيْنٍ من مَالِهِ وُجِدَ فَلَا شَيْءَ له فيه لِأَنَّهُ ليس بِعَيْنٍ تَتَمَيَّزُ فَيُعْطَاهُ وَلَا عَيْنٍ تَزِيدُ في قِيمَتِهِ وَلَا هو مَوْجُودٌ كَالصَّبْغِ في الثَّوْبِ فَيَكُونُ شَرِيكًا له وَالْعَيْنُ الْمَوْجُودَةُ التي لَا تَتَمَيَّزُ أَنْ يَغْصِبَ الرَّجُلُ الثَّوْبَ الذي
____________________

(3/253)


قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَيَصْبُغُهُ بِزَعْفَرَانٍ فَيَزِيدُ في قِيمَتِهِ خَمْسَةٌ فَيُقَالُ لِلْغَاصِبِ إنْ شِئْت أَنْ تَسْتَخْرِجَ الزَّعْفَرَانَ على أَنَّك ضَامِنٌ لِمَا نَقَصَ من الثَّوْبِ وَإِنْ شِئْت فَأَنْتَ شَرِيكٌ في الثَّوْبِ لَك ثُلُثُهُ وَلِصَاحِبِ الثَّوْبِ ثُلُثَاهُ وَلَا يَكُونُ له غَيْرُ ذلك وَهَكَذَا كُلُّ صَبْغٍ كان قَائِمًا فَزَادَ فيه وَإِنْ صَبَغَهُ بِصَبْغٍ يَزِيدُ ثُمَّ اسْتَحَقَّ الصَّبْغَ فَإِنَّمَا يُقَوَّمُ الثَّوْبُ فَإِنْ كان الصَّبْغُ زَائِدًا في قِيمَتِهِ شيئا قَلَّ أو كَثُرَ فَهَكَذَا وَإِنْ كان غير زَائِدٍ في قِيمَتِهِ قِيلَ له ليس لَك ها هنا مَالٌ زَادَ في مَالِ الرَّجُلِ فَتَكُونُ شَرِيكًا له بِهِ فَإِنْ شِئْت فَاسْتَخْرِجْ الصَّبْغَ على أَنَّك ضَامِنٌ لِمَا نَقَصَ الثَّوْبَ وَإِنْ شِئْت فَدَعْهُ قال وَإِنْ كان الصَّبْغُ مِمَّا يُنْقِصُ الثَّوْبَ قِيلَ له أنت أَضْرَرْت بِصَاحِبِ الثَّوْبِ وَأَدْخَلْت عليه النَّقْصَ فَإِنْ شِئْت فَاسْتَخْرِجْ صَبْغَك وَتَضْمَنُ ما نَقَصَ الثَّوْبَ وَإِنْ شِئْت فَلَا شَيْءَ لَك في صَبْغِك وَتَضْمَنُ ما نَقَصَ الثَّوْبَ بِكُلِّ حَالٍ قال وَمِنْ الشَّيْءِ الذي يَخْلِطُهُ الْغَاصِبُ بِمَا اغْتَصَبَ فَلَا يَتَمَيَّزُ منه أَنْ يَغْصِبَهُ مِكْيَالَ زَيْتٍ فَيَصُبَّهُ في زَيْتٍ مِثْلِهِ أو خَيْرٍ منه فَيُقَالُ لِلْغَاصِبِ إنْ شِئْت أَعْطَيْته مِكْيَالَ زَيْتٍ مِثْلَ زَيْتِهِ وَإِنْ شِئْت أَخَذَ من هذا الزَّيْتِ مِكْيَالًا ثُمَّ كان غير مُزْدَادٍ إذَا كان زَيْتُك مِثْلَ زَيْتِهِ وَكُنْت تَارِكًا لِلْفَضْلِ إذَا كان زَيْتُك أَكْثَرَ من زَيْتِهِ وَلَا خِيَارَ لِلْمَغْصُوبِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْتَقِصٍ فَإِنْ كان صَبَّ ذلك الْمِكْيَالَ في زَيْتٍ شَرٍّ من زَيْتِهِ ضَمِنَ الْغَاصِبُ له مِثْلَ زَيْتِهِ لِأَنَّهُ قد انْتَقَصَ زَيْتَهُ بِتَصْيِيرِهِ فِيمَا هو شَرٌّ منه وَإِنْ كان صَبَّ زَيْتَهُ في بَانٍ أو شَيْرَقٍ أو دُهْنٍ طَيِّبٍ أو سَمْنٍ أو عَسَلٍ ضَمِنَ في هذا كُلِّهِ لِأَنَّهُ لَا يَتَخَلَّصُ منه الزَّيْتُ وَلَا يَكُونُ له أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مِكْيَالًا مثله وَإِنْ كان الْمِكْيَالُ منه خَيْرًا من الزَّيْتِ من قِبَلِ أَنَّهُ غَيْرُ الزَّيْتِ وَلَوْ كان صَبَّهُ في مَاءٍ إنْ خَلَّصَهُ منه حتى يَكُونَ زَيْتًا لَا مَاءَ فيه وَتَكُونَ مُخَالَطَةُ الْمَاءِ غير نَاقِصَةٍ له كان لَازِمًا لِلْمَغْصُوبِ أَنْ يَقْبَلَهُ وَإِنْ كانت مُخَالَطَةُ الْمَاءِ نَاقِصَةً له في الْعَاجِلِ وَالْمُتَعَقِّبِ كان عليه أَنْ يُعْطِيَهُ مِكْيَالًا مثله مَكَانَهُ ( قال الرَّبِيعُ ) وَيُعْطِيهِ هذا الزَّيْتَ بِعَيْنِهِ وَإِنْ نَقَصَهُ الْمَاءُ وَيَرْجِعُ عليه بِنَقْصِهِ وهو مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيُّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ اغتصبه ( ( ( اغتصب ) ) ) زَيْتًا فاغلاه على النَّارِ فَنَقَصَ كان عليه أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَيْهِ وما نَقَصَ مَكِيلَتَهُ ثُمَّ إنْ كانت النَّارُ تُنْقِصُهُ شيئا في الْقِيمَةِ كان عليه أَنْ يَغْرَمَ له نُقْصَانَهُ وَإِنْ لم تُنْقِصْهُ شيئا في الْقِيمَةِ فَلَا شَيْءَ عليه وَلَوْ اغْتَصَبَهُ حِنْطَةً جَدِيدَةً خَلَطَهَا بِرَدِيئَةٍ كان كما وَصَفْت في الزَّيْتِ يَغْرَمُ له مِثْلَهَا بِمِثْلِ كَيْلِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ يَقْدِرُ على أَنْ يُمَيِّزَهَا حتى تَكُونَ مَعْرُوفَةً وَإِنْ خَلَطَهَا بِمِثْلِهَا أو أَجْوَدَ كان كما وَصَفْت في الزَّيْتِ قال وَلَوْ خَلَطَهَا بِشَعِيرٍ أو ذُرَةٍ أو حَبٍّ غَيْرِ الْحِنْطَةِ كان عليه أَنْ يُؤْخَذَ بِتَمْيِيزِهَا حتى يُسَلِّمَهَا إلَيْهِ بِعَيْنِهَا بِمِثْلِ كَيْلِهَا وَإِنْ نَقَصَ كَيْلَهَا شيئا ضَمِنَهُ قال وَلَوْ اغْتَصَبَهُ حِنْطَةً جَيِّدَةً فَأَصَابَهَا عِنْدَهُ مَاءٌ أو عَفَنٌ أو أَكَلَةٌ أو دَخَلَهَا نَقْصٌ في عَيْنِهَا كان عليه أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ وَقِيمَةُ ما نَقَصَهَا تُقَوَّمُ بِالْحَالِ التي غَصَبَهَا وَالْحَالِ التي دَفَعَهَا بها ثُمَّ يَغْرَمُ فَضْلَ ما بين الْقِيمَتَيْنِ قال وَلَوْ غَصَبَهُ دَقِيقًا فَخَلَطَهُ بِدَقِيقٍ أَجْوَدَ منه أو مثله أو أرادأ ( ( ( أردأ ) ) ) كان كما وَصَفْنَا في الزَّيْتِ قال وَإِنْ غَصَبَهُ زَعْفَرَانًا وَثَوْبًا فَصَبَغَ الثَّوْبَ بِالزَّعْفَرَانِ كان رَبُّ الثَّوْبِ بِالْخِيَارِ في أَنْ يَأْخُذَ الثَّوْبَ مَصْبُوغًا لِأَنَّهُ زَعْفَرَانُهُ وَثَوْبُهُ وَلَا شَيْءَ له غَيْرُ ذلك أو يُقَوَّمُ ثَوْبُهُ أَبْيَضَ وَزَعْفَرَانُهُ صَحِيحًا فَإِنْ كانت قِيمَتُهُ ثَلَاثِينَ قُوِّمَ ثَوْبُهُ مَصْبُوغًا بِزَعْفَرَانٍ فَإِنْ كانت قِيمَتُهُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ ضَمَّنَهُ خَمْسَةً لِأَنَّهُ أَدْخَلَ عليه النَّقْصَ قال وَكَذَلِكَ إنْ غَصَبَهُ سَمْنًا وَعَسَلًا وَدَقِيقًا فَعَصَدَهُ كان لِلْمَغْصُوبِ الْخِيَارُ في أَنْ يَأْخُذَهُ مَعْصُودًا وَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ في الْحَطَبِ وَالْقِدْرِ وَالْعَمَلِ من قِبَلِ أَنَّ ما له فيه أَثَرٌ لَا عَيْنٌ أو يُقَوَّمُ له الْعَسَلُ مُنْفَرِدًا وَالسَّمْنُ وَالدَّقِيقُ مُنْفَرِدِينَ فَإِنْ كان قِيمَتُهُ عَشَرَةً وهو مَعْصُودٌ قِيمَتُهُ سَبْعَةٌ غَرِمَ له ثَلَاثَةً من قِبَلِ أَنَّهُ أَدْخَلَ عليه النَّقْصَ وَلَوْ غَصَبَهُ دَابَّةً وَشَعِيرًا فَعَلَفَ الدَّابَّةَ الشَّعِيرَ رَدَّ الدَّابَّةَ وَالشَّعِيرَ من قِبَلِ أَنَّهُ هو الْمُسْتَهْلِكُ له وَلَيْسَ في الدَّابَّةِ عَيْنٌ من
____________________

(3/254)


الشَّعِيرِ يَأْخُذُهُ إنَّمَا فيها منه أَثَرٌ قال وَلَوْ غَصَبَهُ طَعَامًا فَأَطْعَمَهُ إيَّاهُ وَالْمَغْصُوبُ لَا يَعْلَمُ كان مُتَطَوِّعًا بِالْإِطْعَامِ وكان عليه ضَمَانُ الطَّعَامِ وَإِنْ كان الْمَغْصُوبُ يَعْلَمُ أَنَّهُ طَعَامُهُ فَأَكَلَهُ فَلَا شَيْءَ له عليه من قِبَلِ أَنَّ سُلْطَانَهُ إنَّمَا كان على أَخْذِ طَعَامِهِ فَقَدْ أَخَذَهُ قال وَلَوْ اخْتَلَفَا فقال الْمَغْصُوبُ أَكَلْته وَلَا أَعْلَمُ أَنَّهُ طَعَامِي وقال الْغَاصِبُ أَكَلْته وَأَنْتَ تَعْلَمُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَغْصُوبِ مع يَمِينِهِ إذَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ يخفي ذلك بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ ( قال الرَّبِيعُ ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ إذَا أَكَلَهُ عَالِمًا أو غير عَالَمٍ فَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ شيئه ( ( ( شيؤه ) ) ) وَلَا شَيْءَ على الْغَاصِبِ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَقَصَ عَمَلُهُ فيه شيئا فَيَرْجِعُ بِمَا نَقَصَهُ الْعَمَلُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ غَصَبَهُ ذَهَبَا فَحَمَلَ عليه نُحَاسًا أو حَدِيدًا أو فِضَّةً أَخَذَ بِتَمْيِيزِهِ بِالنَّارِ وَإِنْ نَقَصَتْ النَّارُ ذَهَبَهُ شيئا ضَمِنَ ما نَقَصَتْ النَّارُ وَزْنَ ذَهَبِهِ وسلم إلَيْهِ ذَهَبَهُ ثُمَّ نَظَرْنَا فَإِنْ كانت النَّارُ نَقَصَتْ من ذَهَبِهِ شيئا في الْقِيمَةِ ضَمِنَ له ما نَقَصَتْهُ النَّارُ في الْقِيمَةِ قال ( ( ( وقال ) ) ) وَلَوْ سَبَكَهُ مع ذَهَبٍ مِثْلِهِ أو أَجْوَدَ أو أَرْدَأَ كان هذا مِمَّا لَا يَتَمَيَّزُ وكان الْقَوْلُ فيه كَالْقَوْلِ في الزَّيْتِ قال وَلَوْ اغْتَصَبَهُ ذَهَبًا فَجَعَلَهُ قَضِيبًا ثُمَّ أَضَافَ إلَيْهِ قَضِيبًا من ذَهَبٍ غَيْرِهِ أو قَضِيبًا من نُحَاسٍ أو فِضَّةٍ مَيَّزَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ دَفَعَ إلَيْهِ قَضِيبَهُ إنْ كان بِمِثْلِ الْوَزْنِ الذي غَصَبَهُ بِهِ ثُمَّ نَظَرَ إلَيْهِ في تِلْكَ الْحَالِ وَإِلَيْهِ في الْحَالِ التي غَصَبَهُ إيَّاهُ فيها مَعًا فَإِنْ كانت قِيمَتُهُ حين رَدَّهُ أَقَلَّ منها حين غَصَبَهُ ضَمِنَ له فَضْلَ ما بين الْقِيمَتَيْنِ وَإِنْ كانت مثله أو أَكْثَرَ أَخَذَ ذَهَبَهُ وَلَا شَيْءَ له غير ذلك وَلَا لِلْغَاصِبِ في الزِّيَادَةِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ من عَمَلٍ إنَّمَا هو أَثَرٌ قال وَلَوْ غَصَبَهُ شَاةً فَأَنْزَى عليها تَيْسًا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ كانت الشَّاةُ وَالْوَلَدُ لِلْمَغْصُوبِ وَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ في عَسْبِ التَّيْسِ من قِبَلِ شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ ثَمَنُ عَسْبِ الْفَحْلِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ إنَّمَا هو شَيْءٌ أَقَرَّهُ فيها فَانْقَلَبَ الذي أَقَرَّ إلَى غَيْرِهِ وَاَلَّذِي انْقَلَبَ ليس بِشَيْءٍ يُمْلَكُ إنَّمَا يَمْلِكُهُ رَبُّ الشَّاةِ قال وَلَوْ غَصَبَهُ نَقْرَةَ ذَهَبٍ فَضَرَبَهَا دَنَانِيرَ كان لِرَبِّ النَّقْرَةِ أَنْ يَأْخُذَ الدَّنَانِيرَ إنْ كانت بِمِثْلِ وَزْنِ النَّقْرَةِ وَكَانَتْ بِمِثْلِ قِيمَةِ النَّقْرَةِ أو أَكْثَرَ وَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ في زِيَادَةِ عَمَلِهِ إنَّمَا هو أَثَرٌ وَإِنْ كانت يَنْقُصُ وَزْنُهَا أَخَذَ الدَّنَانِيرَ وما نَقَصَ الْوَزْنَ قال وَإِنْ كان قِيمَتُهَا تَنْقُصُ مع ذلك أَخَذَ الدَّنَانِيرَ وما نَقَصَ الْوَزْنَ وما نَقَصَ الْقِيمَةَ قال وَإِنْ غَصَبَهُ خَشَبَةً فَشَقَّهَا أَلْوَاحًا أَخَذَ رَبُّ الْخَشَبَةِ الْأَلْوَاحَ فَإِنْ كانت الْأَلْوَاحُ مِثْلَ قِيمَةِ الْخَشَبَةِ أو أَكْثَرَ أَخَذَهَا وَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ في زِيَادَةِ قِيمَةِ الْأَلْوَاحِ على الْخَشَبَةِ من قِبَلِ أَنَّ مَالَهُ فيها أَثَرٌ لَا عَيْنٌ وَإِنْ كانت الْأَلْوَاحُ أَقَلَّ قِيمَةً من الْخَشَبَةِ أَخَذَهَا وَفَضْلَ ما بين الْقِيمَتَيْنِ قال وَلَوْ أَنَّهُ عَمِلَ هذه الْأَلْوَاحَ أَبْوَابًا ولم يُدْخِلْ فيها شيئا من عِنْدِهِ كان هَكَذَا وَلَوْ أَدْخَلَ فيها من عِنْدِهِ حَدِيدًا أو خَشَبًا غَيْرَهَا كان عليه أَنْ يُمَيِّزَ مَالَهُ من مَالِ الْمَغْصُوبِ ثُمَّ يَدْفَعَ إلَى الْمَغْصُوبِ مَالَهُ وما نَقَصَ مَالَهُ إذَا مَيَّزَ منها خَشَبَهُ وَحَدِيدَهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يَدَعَ له ذلك مُتَطَوِّعًا قال وَكَذَلِكَ لو أَدْخَلَ لَوْحًا منها في سَفِينَةٍ أو بَنَى على لَوْحٍ منها جِدَارًا كان عليه أَنْ يُؤْخَذَ بِقَلْعِ ذلك حتى يُسَلِّمَهُ إلَى صَاحِبِهِ وما نَقَصَهُ قال وَكَذَلِكَ الْخَيْطُ يَخِيطُ بِهِ الثَّوْبَ وَغَيْرَهُ فَإِنْ غَصَبَهُ خَيْطًا فَخَاطَ بِهِ جُرْحَ إنْسَانٍ أو حَيَوَانٍ ضَمِنَ قِيمَتَهُ ولم يَكُنْ لِلْمَغْصُوبِ أَنْ يَنْزِعَ خَيْطَهُ من إنْسَانٍ وَلَا حَيَوَانٍ حَيٍّ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما فَرَّقَ بين الْخَيْطِ يُخَاطُ بِهِ الثَّوْبُ وفي إخْرَاجِهِ إفْسَادٌ لِلثَّوْبِ وفي إخْرَاجِ اللَّوْحِ إفْسَادٌ لِلْبِنَاءِ وَالسَّفِينَةِ وفي إخْرَاجِ الْخَيْطِ من الْجُرْحِ أفساد لِلْجُرْحِ فَإِنْ زَعَمْت أَنَّ أَحَدَهُمَا يَخْرُجُ مع الْفَسَادِ وَالْآخَرَ لَا يَخْرُجُ مع الْفَسَادِ قِيلَ له إنَّ هَدْمَ الْجِدَارِ وَقَلْعَ اللَّوْحِ من السَّفِينَةِ وَنَقْضَ الْخِيَاطَةِ ليس بِمُحَرَّمِ على مَالِكِهَا لِأَنَّهُ ليس في شَيْءٍ منها رُوحٌ تَتْلَفُ وَلَا تَأْلَم فلما كان مُبَاحًا لِمَالِكِهَا كان مُبَاحًا لِرَبِّ الْحَقِّ أَنْ يَأْخُذَ حَقَّهُ منها وَاسْتِخْرَاجُ الْخَيْطِ من الْجُرْحِ تَلَفٌ لِلْمَجْرُوحِ وَأَلَمٌ عليه وَمُحَرَّمٌ عليه أَنْ يُتْلِفَ نَفْسَهُ وَكَذَلِكَ مُحَرَّمٌ على غَيْرِهِ أَنْ يُتْلِفَهُ إلَّا بِمَا أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فيه من الْكُفْرِ وَالْقَتْلِ وَكَذَلِكَ ذَوَاتُ الْأَرْوَاحِ وَلَا يُؤْخَذُ الْحَقُّ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِمَا لم يَكُنْ لِلَّهِ مَعْصِيَةٌ ( قال الرَّبِيعُ ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ إنْ كان الْخَيْطُ في حَيَوَانٍ لَا يُؤْكَلُ فَلَا يُنْزَعُ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
____________________

(3/255)


نهى أَنْ تُصْبَرَ الْبَهَائِمُ وَإِنْ كان في حَيَوَانٍ يُؤْكَلُ نُزِعَ الْخَيْطُ لِأَنَّهُ حَلَالٌ له أَنْ يَذْبَحَهَا وَيَأْكُلَهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) قلت أَرَأَيْت إنْ كان الْغَاصِبُ مُعْسِرًا وقد صَبَغَ الثَّوْبَ صَبْغًا ينقصه ثُمَّ قال أنا أَغْسِلُهُ حتى أُخْرِجَ صَبْغِي منه لم نُمَكِّنْهُ أَنْ يَغْسِلَهُ فَيُنْقِصَ على ثَوْبِي وهو مُعْسِرٌ بِذَلِكَ قال وإذا جَنَى الْحُرُّ على الْعَبْدِ جِنَايَةً تَكُونُ نَفْسًا أو أَقَلَّ حَمَّلْتُهَا عَاقِلَةَ الْحُرِّ إنْ كانت خَطَأً وَقَامَتْ بها بَيِّنَةٌ فَإِنْ قال قَائِلٌ وَكَيْفَ ضَمَّنْتَ الْعَاقِلَةَ جِنَايَةَ حُرٍّ على عَبْدٍ قِيلَ له لَمَّا كانت الْعَاقِلَةُ تَعْقِلُ بِسُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم جِنَايَةَ الْحُرِّ على الْحُرِّ في النَّفْسِ وَبِسُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم جِنَايَةَ الْحُرِّ على الْجَنِينِ وهو نِصْفُ عُشْرِ نَفْسٍ دَلَّ ذلك على أَنَّ ما جَنَى الْحُرُّ من جِنَايَةِ خَطَأٍ كانت على عَاقِلَتِهِ وَعَلَى أَنَّ الْحُكْمَ في جِنَايَةِ الْحُرِّ خَطَأً مُخَالِفٌ لِلْحُكْمِ في جِنَايَةِ الْحُرِّ الْعَمْدِ وَفِيمَا اسْتَهْلَكَ الْحُرُّ من عُرُوضِ الْآدَمِيِّينَ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَلِمَ لم تَجْعَلْ الْعَبْدَ عَرْضًا من الْعُرُوضِ وَإِنَّمَا فيه قِيمَتُهُ كما يَكُونُ ذلك في الْعُرُوضِ قِيلَ جَعَلَ اللَّهُ عز وجل على الْقَاتِلِ خَطَأً تَحْرِيرَ رَقَبَةٍ وَدِيَةً مُسَلَّمَةً إلَى أَهْلِ الْمَقْتُولِ فَكَانَ ذلك في الْآدَمِيِّينَ دُونَ الْعُرُوضِ وَالْبَهَائِمِ ولم أَعْلَمْ مُخَالِفًا في أَنَّ على قَاتِلِ الْعَبْدِ تَحْرِيرَ رَقَبَةٍ كما هِيَ على قَاتِلِ الْحُرِّ وَلَا أَنَّ الرَّقَبَةَ في مَالِ الْقَاتِلِ خَاصَّةً فلما كانت الدِّيَةُ في الْخَطَأِ على الْعَاقِلَةِ كانت في الْعَبْدِ دِيَةٌ كما كانت فيه رَقَبَةٌ وكان دَاخِلًا في جُمْلَةِ الْآيَةِ وَجُمْلَةِ السُّنَّةِ وَجُمْلَةِ الْقِيَاسِ على الْإِجْمَاعِ في أَنَّ فيه عِتْقَ رَقَبَةٍ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَدِيَتُهُ لَيْسَتْ كَدِيَةِ الْحُرِّ قِيلَ وَالدِّيَاتُ مُبَيَّنَةُ الْفَرْضِ في كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَمُبَيَّنَةُ الْعَدَدِ في سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وفي الْآثَارِ فَإِنَّمَا يُسْتَدْرَكُ عَدَدُهَا خَبَرًا أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَعْقِلُ دِيَةَ الْحُرِّ وَالْحُرَّةِ وَهُمَا يَخْتَلِفَانِ وَدِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ وَهُمْ عِنْدَنَا مخالفو ( ( ( مخالفون ) ) ) الْمُسْلِمَ فَكَذَلِكَ تَعْقِلُ دِيَةَ الْعَبْدِ وَهِيَ قِيمَتُهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما الْفَرْقُ بين الْعَبْدِ وَالْبَهِيمَةِ في شَيْءٍ غَيْرِ هذا قِيلَ نعم بين الْعَبِيدِ عِنْدَ الْعَامَّةِ الْقِصَاصُ في النَّفْسِ وَعِنْدَنَا في النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَهَا وَلَيْسَ ذلك بين بَعِيرَيْنِ لو قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ وَعَلَى الْعَبِيدِ فَرَائِضُ اللَّهِ من تَحْرِيمِ الْحَرَامِ وَتَحْلِيلِ الْحَلَالِ وَفِيهِمْ حُرْمَةُ الْإِسْلَامِ وَلَيْسَ ذلك في الْبَهَائِمِ فَإِنْ كان الْجَانِي عَبْدًا على حُرٍّ أو عَبْدٍ لم تَعْقِلْ عنه عَاقِلَتُهُ وَلَا سَيِّدُهُ وَكَانَتْ الْجِنَايَةُ في عُنُقِهِ دُونَ ذِمَّةِ سَيِّدِهِ يُبَاعُ فيها فَيُدْفَعُ إلَى وَلِيِّ الْمَجْنِيِّ عليه دِيَتُهُ فَإِنْ فَضَلَ من ثَمَنِهِ شَيْءٌ رُدَّ على صَاحِبِهِ فَإِنْ لم يَفْضُلْ من ثَمَنِهِ شَيْءٌ أو لم يَبْلُغْ الدِّيَةَ بَطَلَ ما بَقِيَ منه لِأَنَّ الْجِنَايَةَ إنَّمَا كانت في عُنُقِهِ دُونَ غَيْرِهِ وَتَرْكُ أَنْ يَضْمَنَ سَيِّدُهُ عنه وَالْعَاقِلَةُ في الْحُرِّ وَالْعَبْدِ ما لَا أَعْلَمُ فيه خِلَافًا وَفِيهِ دَلَالَةٌ على أَنَّ الْعَقْلَ إنَّمَا حكمه بِالْجَانِي لَا بِالْمَجْنِيِّ عليه أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو كان بِالْمَجْنِيِّ عليه ضَمِنَتْ عَاقِلَتُهُ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ ثَمَنَ الْعَبْدِ إذَا قَتَلَ الْحُرَّ فلما كانت لَا تَضْمَنُ ذلك عنه وَكَانَتْ جِنَايَتُهُ على الْحُرِّ وَالْعَبْدِ سَوَاءً في عُنُقِهِ كانت كَذَلِكَ جِنَايَةُ الْحُرِّ على الْعَبْدِ وَالْحُرِّ سَوَاءً على عَاقِلَتِهِ وكان الْحُرُّ يَعْقِلُ عنها كما تَعْقِلُ عنه قال وإذا اسْتَعَارَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الدَّابَّةَ إلَى مَوْضِعٍ فَتَعَدَّى بها إلَى غَيْرِهِ فَعَطِبَتْ في التَّعَدِّي أو بَعْدَ ما رَدَّهَا إلَى الْمَوْضِعِ الذي اسْتَعَارَهَا منه قبل أَنْ تَصِلَ إلَى مَالِكِهَا فَهُوَ لها ضَامِنٌ لَا يَخْرُجُ من الضَّمَانِ إلَّا بِأَنْ يُوصِلَهَا إلَى مَالِكِهَا سَالِمَةً وَعَلَيْهِ الْكِرَاءُ من حَيْثُ تَعَدَّى بها مع الضَّمَانِ قال وإذا تَكَارَى الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الدَّابَّةَ من مِصْرَ إلَى أَيْلَةَ فَتَعَدَّى بها إلَى مَكَّةَ فَمَاتَتْ بِمَكَّةَ وقد كان قَبَضَهَا من رَبِّهَا ثَمَنَ عَشَرَةٍ فَنَقَصَتْ في الرُّكُوبِ حتى صَارَتْ بأيلة ثَمَنَ خَمْسَةٍ ثُمَّ سَارَ بها عن أَيْلَةَ فَإِنَّمَا يَضْمَنُ قِيمَتَهَا من الْمَوْضِعِ الذي تَعَدَّى بها منه فَيَأْخُذُ كِرَاءَهَا إلَى أَيْلَةَ الذي أَكْرَاهَا بِهِ وَيَأْخُذُ قِيمَتَهَا من أَيْلَةَ خَمْسَةً وَيَأْخُذُ فِيمَا رَكِبَ منها بَعْدَ ذلك فِيمَا بين أَيْلَةَ إلَى مَكَّةَ كِرَاءَ مِثْلِهَا لَا على حِسَابِ الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ قال وإذا وَهَبَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ طَعَامًا فَأَكَلَهُ الْمَوْهُوبُ له أو ثَوْبًا فَلَبِسَهُ
____________________

(3/256)


حتى أَبْلَاهُ وَذَهَبَ ثُمَّ اسْتَحَقَّهُ رَجُلٌ على الْوَاهِبِ فَالْمُسْتَحِقُّ بِالْخِيَارِ في أَنْ يَأْخُذَ الْوَاهِبَ لِأَنَّهُ سَبَبُ إتْلَافِ مَالِهِ فَإِنْ أَخَذَهُ بِمِثْلِ طَعَامِهِ أو قِيمَةِ ثَوْبِهِ فَلَا شَيْءَ لِلْوَاهِبِ على الْمَوْهُوبِ له إذَا كانت هِبَتُهُ إيَّاهُ لِغَيْرِ ثَوَابٍ وَيَأْخُذُ الْمَوْهُوبَ له بِمِثْلِ طَعَامِهِ وَقِيمَةِ ثَوْبِهِ لِأَنَّهُ هو الْمُسْتَهْلِكُ له فَإِنْ أَخَذَهُ بِهِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ في أَنْ يَرْجِعَ الْمَوْهُوبُ له على الْوَاهِبِ وَقِيلَ لَا يَرْجِعُ على الْوَاهِبِ لِأَنَّ الْوَاهِبَ لم يَأْخُذْ منه عِوَضًا فَيَرْجِعُ بِعِوَضِهِ وَإِنَّمَا هو رَجُلٌ غَرَّهُ من أَمْرٍ قد كان له أَنْ لَا يَقْبَلَهُ قال وإذا اسْتَعَارَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ ثَوْبًا شَهْرًا أو شَهْرَيْنِ فَلَبِسَهُ فَأَخْلَقَهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّهُ رَجُلٌ آخَرُ أَخَذَهُ وَقِيمَةَ ما نَقَصَهُ اللُّبْسُ من يَوْمِ أَخَذَهُ منه وهو بِالْخِيَارِ في أَنْ يَأْخُذَ ذلك من الْمُسْتَعِيرِ اللَّابِسِ أو من الْآخِذِ لِثَوْبِهِ فَإِنْ أَخَذَهُ من الْمُسْتَعِيرِ اللَّابِسِ وكان النَّقْصُ كُلُّهُ في يَدِهِ لم يَرْجِعْ بِهِ على من أَعَارَهُ من قِبَلِ أَنَّ النَّقْصَ كان من فِعْلِهِ ولم يَغُرَّ من مَالِهِ بِشَيْءٍ فَيَرْجِعُ بِهِ وَإِنْ ضَمِنَهُ الْمُعِيرُ غَيْرُ اللَّابِسِ فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْعَارِيَّةَ مضمونه قال لِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ على الْمُسْتَعِيرِ لِأَنَّهُ كان ضَامِنًا وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْعَارِيَّةَ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ لم يَجْعَلْ له أَنْ يَرْجِعَ عليه بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ سَلَّطَهُ على اللُّبْسِ وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ الْمَشْرِقِيِّينَ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ قِيَاسُ قَوْلِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا الْحِجَازِيِّينَ وهو مُوَافِقٌ لِلْآثَارِ وَبِهِ نَأْخُذُ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا غير أَنَّ مَكَانَ الْعَارِيَّةِ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ تَكَارَى الثَّوْبَ كان الْجَوَابُ فيها كَالْجَوَابِ في الْأُولَى إلَّا أَنَّ الْمُسْتَكْرِي إذَا ضَمِنَ شيئا رَجَعَ بِهِ على الْمُكْرِي لِأَنَّهُ غَرَّهُ من شَيْءٍ أَخَذَ عليه عِوَضًا وَإِنَّمَا لَبِسَهُ على أَنَّ ذلك مُبَاحٌ له بِعِوَضٍ وَيَكُونُ لِرَبِّ الثَّوْبِ أَنْ يَأْخُذَ قِيمَةَ إجَارَةِ ثَوْبِهِ قال وإذا ادَّعَى الرَّجُلُ قبل الرَّجُلِ دَعْوَى فَسَأَلَ أَنْ يَحْلِفَ له الْمُدَّعَى عليه أَحْلَفَهُ له الْقَاضِي ثُمَّ قَبِلَ الْبَيِّنَةَ من الْمُدَّعِي فَإِنْ ثَبَتَتْ عليه بَيِّنَةٌ أَخَذَ له بها وَكَانَتْ الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ أَوْلَى من الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ وَسَوَاءٌ كانت بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي الْمُسْتَحْلِفِ حُضُورًا بِالْبَلَدِ أو غُيَّبًا عنه فَلَا يَعْدُو هذا وَاحِدًا من وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى عليه إذَا حَلَفَ بريء بِكُلِّ حَالٍ قَامَتْ عليه بَيِّنَةٌ أو لم تَقُمْ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ إنَّمَا يَكُونُ بَرِيئًا ما لم تَقُمْ عليه بَيِّنَةٌ فإذا قَامَتْ بَيِّنَةٌ فَالْحُكْمُ عليه أَنْ يُؤْخَذَ منه بها وَلَيْسَ لِقُرْبِ الشُّهُودِ وَبُعْدِهِمْ مَعْنًى وَلَكِنَّ الشُّهُودَ إنْ لم يَعْدِلُوا اكْتَفَى فيه بِالْيَمِينِ الْأُولَى ولم تَعُدْ عليه يَمِينٌ وَإِنَّمَا أَحَلَفْنَاهُ أَوَّلًا أَنَّ الْحُكْمَ في الْمُدَّعَى عليه حُكْمَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يَكُونَ عليه بَيِّنَةٌ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مع يَمِينِهِ أو يَكُونَ عليه بَيِّنَةٌ فَيَزُولُ هذا الْحُكْمُ وَيَكُونُ الْحُكْمُ عليه أَنْ يُؤْخَذَ منه بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ ما كان الْمُدَّعِي يَدَّعِي ما شَهِدَتْ بِهِ بَيِّنَتُهُ أو أَكْثَرَ منه قال وإذا غَصَبَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ قَمْحًا فَطَحَنَهُ دَقِيقًا نُظِرَ فَإِنْ كانت قِيمَةُ الدَّقِيقِ مِثْلَ قِيمَةِ الْحِنْطَةِ أو أَكْثَرَ فَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ في الزِّيَادَةِ وَلَا عليه لِأَنَّهُ لم يُنْقِصْهُ شيئا وَإِنْ كانت قِيمَةُ أَقَلَّ من قِيمَةِ الْحِنْطَةِ رَجَعَ على الْغَاصِبِ بِفَضْلِ ما بين قِيمَةِ الدَّقِيقِ وَالْحِنْطَةِ وَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ في الطَّحْنِ لِأَنَّهُ إنَّمَا هو أَثَرٌ لَا عَيْنٌ
____________________

(3/257)


- * مَسْأَلَةُ الْمُسْتَكْرَهَةِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قال في الرَّجُلِ يَسْتَكْرِهُ الْمَرْأَةَ أو الْأَمَةَ يُصِيبُهَا أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا صَدَاقَ مِثْلِهَا وَلَا حَدَّ على وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَلَا عُقُوبَةَ وَعَلَى الْمُسْتَكْرِهِ حَدُّ الرَّجْمِ إنْ كان ثَيِّبًا وَالْجَلْدُ وَالنَّفْيُ إنْ كان بِكْرًا وقال محمد بن الْحَسَنِ لَا حَدَّ عَلَيْهِمَا وَلَا عُقُوبَةَ وَعَلَى الْمُسْتَكْرِهِ الْحَدُّ وَلَا صَدَاقَ عليه وَلَا يَجْتَمِعُ الْحَدُّ وَالصَّدَاقُ مَعًا وكان الذي احْتَجَّ فيه من الْآثَارِ عن قَيْسِ بن الرَّبِيعِ عن جَابِرٍ عن الشَّعْبِيِّ وهو يَزْعُمُ أَنَّ مِثْلَ هذا لَا يَكُونُ حُجَّةً وقد احْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فيه أَنَّ مَالِكًا أخبره عن بن شِهَابٍ أَنَّ مَرْوَانَ بن الْحَكَمِ قَضَى في امْرَأَةٍ اسْتَكْرَهَهَا رَجُلٌ بِصَدَاقِهَا على الذي اسْتَكْرَهَهَا وقال الذي احْتَجَّ بهذا أن مَرْوَانَ رَجُلٌ قد أَدْرَكَ عَامَّةَ أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وكان له
____________________

(3/258)


عِلْمٌ وَمُشَاوَرَةٌ في الْعِلْمِ وَقَضَى بهذا بِالْمَدِينَةِ ولم يَرْفَعْهُ فَزَعَمَ محمد بن الْحَسَنِ أَنَّ قَضَاءَهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً وقال أبو حَنِيفَةَ لو أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ امْرَأَةً بِزِنًا فَأَرَادَ سُقُوطَ الْحَدِّ عنه تَحَامَلَ عليها حتى يُفْضِيَهَا يَسْقُطُ الْحَدُّ وَصَارَتْ جِنَايَةً يَغْرَمُهَا في مَالِهِ وَهَذَا يُخَالِفُ الْأَوَّلَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان زَانِيًا يُقَامُ عليه الْحَدُّ قبل أَنْ يُفْضِيَهَا وهو لم يَخْرُجْ بِالْإِفْضَاءِ من الزنى ولم يَزْدَدْ بِالْإِفْضَاءِ إلَّا ذَنْبًا ( قال الرَّبِيعُ ) الذي يَذْهَبُ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ فِعْلًا إلَى أَجَلٍ فَمَاتَ قبل الْأَجَلِ أو فَاتَ الذي حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّهُ بِهِ قبل الْأَجَلِ فَلَا حِنْثَ عليه لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ وإذا حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ فِعْلًا ولم يُسَمِّ أَجَلًا فَأَمْكَنَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذلك فلم يَفْعَلْ حتى مَاتَ أو فَاتَ الذي حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّهُ بِهِ أَنَّهُ حَانِثٌ
____________________

(3/259)


3 (1) * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا كانت الْهِبَةُ مَعْقُودَةً على الثَّوَابِ فَهُوَ كما قال إذَا أُثِيبَ منها ثَوَابًا قِيلَ لِصَاحِبِ الشُّفْعَةِ إنْ شِئْت فَخُذْهَا بِمِثْلِ الثَّوَابِ إنْ كان له مِثْلٌ أو بِقِيمَتِهِ إنْ كان لَا مِثْلَ له وَإِنْ شِئْت فَاتْرُكْ وإذا كانت الْهِبَةُ على غَيْرِ ثَوَابٍ فَأُثِيبَ الْوَاهِبُ فَلَا شُفْعَةَ لِأَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِيمَا وُهِبَ إنَّمَا الشُّفْعَةُ فِيمَا بِيعَ وَالْمُثِيبُ مُتَطَوِّعٌ بِالثَّوَابِ فما بِيعَ أو وُهِبَ على ثَوَابٍ فَهُوَ مِثْلُ الْبَيْعِ وَالْهِبَةُ بَاطِلَةٌ من قِبَلِ أَنَّهُ اشْتَرَطَ أَنْ يُثَابَ فَهُوَ عِوَضٌ من الْهِبَةِ مَجْهُولٌ فلما كان هَكَذَا بَطَلَتْ الْهِبَةُ وهو بِالْبَيْعِ أَشْبَهُ لِأَنَّ الْبَيْعَ لم يُعْطَهُ إلَّا بِالْعِوَضِ وَهَكَذَا هذا لم يُعْطَهُ إلَّا بِالْعِوَضِ وَالْعِوَضُ مَجْهُولٌ فَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِالْمَجْهُولِ وَكَذَلِكَ لو نَكَحَ امْرَأَةً على شِقْصٍ من دَارٍ فإن هذا كَالْبَيْعِ وَكَذَلِكَ لو اسْتَأْجَرَ عَبْدًا أو حُرًّا على شِقْصٍ من دَارٍ فَكُلُّ ما مَلَكَ بِهِ مِمَّا فيه عِوَضٌ فَلِلشَّفِيعِ فيه الشُّفْعَةُ بِالْعِوَضِ وَإِنْ اشْتَرَى رَجُلٌ شِقْصًا فيه شُفْعَةٌ إلَى أَجَلٍ فَطَلَبَ الشَّفِيعُ شُفْعَتَهُ قِيلَ له إنْ شِئْت فَتَطَوَّعْ بِتَعْجِيلِ الثَّمَنِ وَتَعَجَّلْ الشُّفْعَةَ وَإِنْ شِئْت فَدَعْ حتى يَحِلَّ الْأَجَلُ ثُمَّ خُذْ بِالشُّفْعَةِ وَلَيْسَ على أَحَدٍ أَنْ يَرْضَى بِأَمَانَةِ رَجُلٍ فَيَتَحَوَّلَ على رَجُلٍ غَيْرِهِ وَإِنْ كان أَمْلَأَ منه قال وَلَا يَقْطَعُ الشُّفْعَةَ عن الْغَائِبِ طُولُ الْغَيْبَةِ وَإِنَّمَا يَقْطَعُهَا عنه أَنْ يَعْلَمَ فَيَتْرُكَ الشُّفْعَةَ مُدَّةً يُمْكِنُهُ أَخْذُهَا فيها بِنَفْسِهِ أو بِوَكِيلِهِ قال وَلَوْ مَاتَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ ثَلَاثَةً من الْوَلَدِ ثُمَّ وُلِدَ لِأَحَدِهِمْ رَجُلَانِ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلُودُ له وَدَارُهُمْ غَيْرُ مَقْسُومَةٍ فَبِيعَ من الْمَيِّتِ حَقُّ أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ فَأَرَادَ أَخُوهُ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ دُونَ عُمُومَتِهِ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ ذلك له وَمَنْ قال هذا الْقَوْلَ قال أَصْلُ سَهْمِهِمْ هذا فيها وَاحِدٌ فلما كان إذَا قُسِمَ أَصْلُ الْمَالِ كان هَذَانِ شَرِيكَيْنِ في الْأَصْلِ دُونَ عُمُومَتِهِمَا فَأَعْطَيْته الشُّفْعَةَ بِأَنَّ له شِرْكًا دُونَ شِرْكِهِمْ وَهَذَا قَوْلٌ له وَجْهٌ وَالثَّانِي أَنْ يَقُولَ أنا إذَا ابْتَدَأْت الْقَسْمَ جَعَلْت لِكُلِّ وَاحِدٍ سَهْمًا وَإِنْ كان أَقَلَّ من سَهْمِ صَاحِبِهِ فَهُمْ جميعا شُرَكَاءُ شَرِكَةً وَاحِدَةً فَهُمْ شَرْعٌ في الشُّفْعَةِ وَهَذَا قَوْلٌ يَصِحُّ في الْقِيَاسِ قال وإذا كانت الدَّارُ بين ثَلَاثَةٍ لِأَحَدِهِمْ نِصْفُهَا وَلِلْآخَرِ سُدُسُهَا وَلِلْآخَرِ ثُلُثُهَا وَبَاعَ صَاحِبُ الثُّلُثِ فَأَرَادَ شُرَكَاؤُهُ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ صَاحِبَ النِّصْفِ يَأْخُذُ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ وَصَاحِبَ السُّدُسِ يَأْخُذُ سَهْمًا على قَدْرِ مِلْكِهِمْ من الدَّارِ وَمَنْ قال هذا الْقَوْلَ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَجْعَلُ الشُّفْعَةَ بِالْمِلْكِ فإذا كان أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِلْكًا من صَاحِبِهِ أعطى ( ( ( انبغى ) ) ) بِقَدْرِ كَثْرَةِ مِلْكِهِ وَلِهَذَا وَجْهٌ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أنهما في الشُّفْعَةِ سَوَاءٌ وَبِهَذَا الْقَوْلِ أَقُولُ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ يَمْلِكُ شُفْعَةً من الدَّارِ فَيُبَاعُ نِصْفُهَا أو ما خَلَا حَقَّهُ منها فَيُرِيدُ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ بِقَدْرِ مِلْكِهِ فَلَا يَكُونُ ذلك له وَيُقَالُ له خُذْ الْكُلَّ أو دَعْ فلما كان حُكْمُ قَلِيلِ الْمَالِ في الشُّفْعَةِ حُكْمَ كَثِيرِهِ كان الشَّرِيكَانِ إذَا اجْتَمَعَا في الشُّفْعَةِ سَوَاءً لِأَنَّ اسْمَ الْمِلْكِ يَقَعُ على كل وَاحِدٍ
____________________
1- * كِتَابُ الشُّفْعَةِ

(4/3)


- * ما لَا يَقَعُ فيه شُفْعَةٌ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا الثِّقَةُ عن عبد اللَّهِ بن إدْرِيسَ عن مُحَمَّدِ بن عُمَارَةَ عن أبي بَكْرِ بن مُحَمَّدِ بن عَمْرِو بن حَزْمٍ عن أَبَانَ بن عُثْمَانَ بن عَفَّانَ أَنَّ عُثْمَانَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) لَا شُفْعَةَ في بِئْرٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ لها بَيَاضٌ يَحْتَمِلُ القسم ( ( ( مقسم ) ) ) أو تَكُونَ وَاسِعَةً مُحْتَمِلَةً لَأَنْ تُقْسَمَ فَتَكُونَ بِئْرَيْنِ وَيَكُونَ في كل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَيْنٌ أو تَكُونَ الْبِئْرُ بَيْضَاءَ فَيَكُونَ فيها شُفْعَةٌ لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ الْقَسْمَ قال وَأَمَّا الطَّرِيقُ التي لَا تُمْلَكُ فَلَا شُفْعَةَ فيها وَلَا بها وَأَمَّا عَرْصَةُ الدَّارِ تَكُونُ بين الْقَوْمِ مُحْتَمِلَةٌ لَأَنْ تَكُونَ مَقْسُومَةً وَلِلْقَوْمِ طَرِيقٌ إلَى مَنَازِلِهِمْ فإذا بِيعَ منها شَيْءٌ فَفِيهِ الشُّفْعَةُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا بَاعَ الرَّجُلُ شِقْصًا في دَارٍ على أَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ وَالْمُبْتَاعَ فَلَا شُفْعَةَ حتى يُسَلِّمَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ وَإِنْ كان الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي دُونَ الْبَائِعِ فقد ( ( ( عقد ) ) ) خَرَجَتْ من مِلْكِ الْبَائِعِ بِرِضَاهُ وَجُعِلَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَفِيهَا الشُّفْعَةُ ( قال الرَّبِيعُ ) وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ أَنْ لَا شُفْعَةَ فيها حتى يَخْتَارَ الْمُشْتَرِي أو تَمْضِيَ أَيَّامُ الذي كان له الْخِيَارُ فَيَتِمُّ له الْبَيْعُ من قِبَلِ أَنَّهُ إذَا أَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ مُنِعَ الْمُشْتَرِي من الْخِيَارِ الذي كان له ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكُلُّ من كانت في يَدِهِ دَارٌ فَاسْتَغَلَّهَا ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ بِمِلْكٍ مُتَقَدِّمٍ رَجَعَ الْمُسْتَحِقُّ على الذي في يَدِهِ الدَّارُ وَالْأَرْضُ بِجَمِيعِ الْغَلَّةِ من يَوْمِ ثَبَتَ له الْحَقُّ وَثُبُوتُهُ يوم شَهِدَ شُهُودُهُ أَنَّهُ كان له لَا يوم يقضي له بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلْحُكْمِ الْيَوْمَ إلَّا ما ثَبَتَ يوم شَهِدَ شُهُودُهُ وَإِنَّمَا تُمْلَكُ الْغَلَّةُ بِالضَّمَانِ في الْمِلْكِ الصَّحِيحِ لِأَنَّ الْغَلَّةَ بِالضَّمَانِ في الْمِلْكِ حَدَثَتْ من شَيْءٍ الْمَالِكُ كان يَمْلِكُهُ لَا غَيْرُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ شِقْصًا لِغَيْرِهِ فيه شُفْعَةٌ ثُمَّ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ الثَّمَنَ بِنِسْيَانٍ أُحْلِفَ بِاَللَّهِ ما تَثَبَّتَ الثَّمَنَ وَلَا شُفْعَةَ إلَى أَنْ يُقِيمَ الْمُسْتَشْفِعُ بَيِّنَةً فَيُؤْخَذَ له بِبَيِّنَتِهِ وَسَوَاءٌ قد تَمَّ الشِّرَاءُ وَحَدِيثُهُ لِأَنَّ الذِّكْرَ قد يَكُونُ في الدَّهْرِ الطَّوِيلِ وَالنِّسْيَانَ قد يَكُونُ في الْمُدَّةِ الْقَصِيرَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان لِرَجُلٍ حِصَّةٌ في دَارٍ فَمَاتَ شَرِيكُهُ وهو غَائِبٌ فَبَاعَ وَرَثَتُهُ قبل الْقَسْمِ أو بَعْدَهُ فَهُوَ على شُفْعَتِهِ وَلَا يَقْطَعُ ذلك الْقَسْمَ لِأَنَّهُ كان شَرِيكًا لهم غير مُقَاسِمٍ
____________________

(4/4)


- * بَابُ الْقِرَاضِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) بن سُلَيْمَانَ قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ مَالًا قِرَاضًا فَأَدْخَلَ معه رَبُّ الْمَالِ غُلَامَهُ وَشَرَطَ الرِّبْحَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُقَارِضِ وَغُلَامِ رَبِّ الْمَالِ فَكُلُّ ما مَلَكَ غُلَامُهُ فَهُوَ مِلْكٌ له لَا مِلْكٌ لِغُلَامِهِ إنَّمَا مِلْكُ الْعَبْدِ شَيْءٌ يُضَافُ إلَيْهِ لَا مِلْكٌ صَحِيحٌ فَهُوَ كَرَجُلٍ شَرَطَ له ثُلُثَيْ الرِّبْحِ وَلِلْمُقَارِضِ ثُلُثَهُ
____________________

(4/5)


- * ما لَا يَجُوزُ من الْقِرَاضِ في الْعُرُوضِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ خِلَافَ مَالِكِ بن أَنَسٍ في قَوْلِهِ من الْبُيُوعِ ما يَجُوزُ إذَا تَفَاوَتَ أَمَدُهُ وَتَفَاحَشَ وَإِنْ تَقَارَبَ رَدُّهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) كُلُّ قِرَاضٍ كان في أَصْلِهِ فَاسِدًا فَلِلْمُقَارِضِ الْعَامِلِ فيه أَجْرُ مِثْلِهِ وَلِرَبِّ الْمَالِ الْمَالُ وَرِبْحُهُ لِأَنَّا إذَا أَفْسَدْنَا الْقِرَاضَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ إجَارَةَ قِرَاضٍ وَالْقِرَاضُ غَيْرُ مَعْلُومٍ وقد نهى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
____________________

(4/6)


عن الْإِجَارَةِ إلَّا بِأَمْرٍ مَعْلُومٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْبُيُوعُ وَجْهَانِ حَلَالٌ لَا يُرَدُّ وَحَرَامٌ يُرَدُّ وَسَوَاءٌ تَفَاحَشَ رَدُّهُ أو تَبَاعَدَ وَالتَّحْرِيمُ من وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا خَبَرٌ لَازِمٌ وَالْآخَرُ قِيَاسٌ وَكُلُّ ما قِسْنَاهُ حَلَالًا حَكَمْنَا له حُكْمَ الْحَلَالِ في كل حَالَاتِهِ وَكُلُّ ما قِسْنَاهُ حَرَامًا حَكَمْنَا له حُكْمَ الْحَرَامِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ نَرُدَّ شيئا حَرَّمْنَاهُ قِيَاسًا من سَاعَتِهِ أو يَوْمِهِ وَلَا نَرُدَّهُ بَعْدَ مِائَةِ سَنَةٍ الْحَرَامُ لَا يَكُونُ حَلَالًا بِطُولِ السِّنِينَ وَإِنَّمَا يَكُونُ حَرَامًا وَحَلَالًا بِالْعَقْدِ
____________________

(4/7)


- * الشَّرْطُ في الْقِرَاضِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ أُقَارِضَك بِالشَّيْءِ جُزَافًا لَا أَعْرِفُهُ وَلَا تَعْرِفُهُ فلما كان هَكَذَا لم يجز ( ( ( يحز ) ) ) أَنْ أُقَارِضَك إلَى مُدَّةٍ من الْمُدَدِ وَذَلِكَ أَنِّي لو دَفَعْت إلَيْك أَلْفَ دِرْهَمٍ على أَنْ تَعْمَلَ بها سَنَةً فَبِعْت بها وَاشْتَرَيْت في شَهْرٍ
____________________

(4/8)


بَيْعًا فَرَبِحَتْ أَلْفَ دِرْهَمٍ ثُمَّ اشْتَرَيْت بها كُنْت قد اشْتَرَيْت بِمَالِي وَمَالِك غير مُفَرِّقٍ وَلَعَلِّي لَا أَرْضَى بِشَرِكَتِك فيه وَاشْتَرَيْت بِرَأْسِ مَالٍ لي لَا أَعْرِفُهُ لَعَلِّي لو نَضَّ لي لم آمَنْك عليه أو لَا أُرِيدُ أَنْ يَغِيبَ عَنِّي كُلَّهُ فَيَجْمَعَ أَنْ يَكُونَ الْقِرَاضُ مَجْهُولًا عِنْدِي لِأَنِّي لم أَعْرِفْ كَمْ رَأْسُ مَالِي وَنَحْنُ لم نُجِزْهُ بِجُزَافٍ وَيَجْمَعَ أَنَّهُ يَزِيدُ على الْجُزَافِ أَنِّي قد رَضِيت بِالْجُزَافِ ولم أَرْضَ بِأَنْ أُقَارِضَك بهذا الذي لم أَعْرِفْهُ
____________________

(4/9)


- * السَّلَفُ في الْقِرَاضِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ مَالًا قِرَاضًا وَأَبْضَعَ منه بِضَاعَةً فَإِنْ كان عَقَدَ الْقِرَاضَ على أَنَّهُ يَحْمِلُ له الْبِضَاعَةَ فَالْقِرَاضُ فَاسِدٌ يُفْسَخُ إنْ لم يَعْمَلْ فيه فَإِنْ عَمِلَ فيه فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ وَالرِّبْحُ لِصَاحِبِ الْمَالِ وَإِنْ كَانَا تَقَارَضَا ولم يشترطا ( ( ( يشرطا ) ) ) من هذا شيئا ثُمَّ حَمَلَ الْمُقَارِضُ له بِضَاعَةً فَالْقِرَاضُ جَائِزٌ وَلَا يُفْسَخُ بِحَالٍ غير أَنَّا نَأْمُرُهُمَا في الْفُتْيَا أَنْ لَا يَفْعَلَا هذا على عَادَةٍ وَلَا لِعِلَّةٍ مِمَّا اُعْتُلَّ بِهِ وَلَوْ عَادَا لِمَا ذَكَرْنَا كَرِهْنَاهُ لَهُمَا ولم نُفْسِدْ بِهِ الْقِرَاضَ وَلَا نُفْسِدُ الْعَقْدَ الذي يَحِلُّ بِشَيْءٍ تَطَوُّعًا بِهِ وقد مَضَتْ مُدَّةُ الْعُقْدَةِ وَلَا نُطْرِ ( 1 ) إنَّمَا تَفْسُدُ بِمَا عُقِدَتْ عليه إلَّا بِمَا حَدَثَ بَعْدَهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) أَكْرَهُ منه ما كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ مَالًا قِرَاضًا ثُمَّ يَسْأَلَ صَاحِبَ الْمَالِ أَنْ يُسْلِفَهُ إيَّاهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنَّمَا كَرِهْته من قِبَلِ أَنَّهُ لم يَبْرَأْ الْمُقَارِضُ من ضَمَانِهِ ولم يَعْرِفْ الْمُسْلِفُ كَمْ أَسْلَفَ من أَجْلِ الْخَوْفِ - * الْمُحَاسَبَةُ في الْقِرَاضِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَذَا كُلُّهُ كما قال مَالِكٌ إلَّا قَوْلَهُ يُحْضِرُ الْمَالَ حتى يُحَاسِبَهُ فَإِنْ كان عِنْدَهُ صَادِقًا فَلَا يَضُرُّهُ يُحْضِرُ الْمَالَ أو لَا يُحْضِرُهُ - * مَسْأَلَةُ الْبِضَاعَةِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قال إذَا أَبْضَعَ الرَّجُلُ مع الرَّجُلِ بِبِضَاعَةٍ وَتَعَدَّى فَاشْتَرَى بها شيئا فَإِنْ هَلَكَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ وَإِنْ وَضَعَ فيها فَهُوَ ضَامِنٌ وَإِنْ رَبِحَ فَالرِّبْحُ لِصَاحِبِ الْمَالِ كُلُّهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ تَرْكَهُ فَإِنْ وَجَدَ في يَدِهِ السِّلْعَةَ التي اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ في أَنْ يَأْخُذَ رَأْسَ مَالِهِ أو السِّلْعَةَ التي مُلِكَتْ بِمَالِهِ فَإِنْ هَلَكَتْ تِلْكَ السِّلْعَةُ قبل أَنْ يَخْتَارَ أَحَدَهُمَا لم يَضْمَنْ له إلَّا رَأْسَ الْمَالِ من قِبَلِ أَنَّهُ لم يَخْتَرْ أَنْ يَمْلِكَهَا فَهُوَ لَا يَمْلِكُهَا إلَّا بِاخْتِيَارِهِ أَنْ يَمْلِكَهَا وَالْقَوْلُ الثَّانِي وهو أَحَدُ قَوْلَيْهِ أَنَّهُ إذَا تَعَدَّى فَاشْتَرَى شيئا بِالْمَالِ بِعَيْنِهِ فَرَبِحَ فيه فَالشِّرَاءُ بَاطِلٌ وَالْبَيْعُ مَرْدُودٌ وَإِنْ اشْتَرَى بِمَالٍ لَا بِعَيْنِهِ ثُمَّ نَقَدَ الْمَالَ فَهُوَ متعد ( ( ( متحد ) ) ) بِالنَّقْدِ وَالرِّبْحُ له وَالْخَسْرَانُ عليه وَعَلَيْهِ مِثْلُ الْمَالِ الذي تَعَدَّى فيه فَنَقَدَهُ وَلِصَاحِبِ الْمَالِ إنْ وَجَدَهُ في يَدِ الْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَهُ فَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ فَصَاحِبُ الْمَالِ مُخَيَّرٌ إنْ أَحَبَّ أَخَذَهُ من الدَّافِعِ وهو الْمُقَارِضُ وَإِنْ أَحَبَّ أَخَذَهُ من الذي تَلِفَ في يَدِهِ وهو الْبَائِعُ
____________________

(4/10)


- * الْمُسَاقَاةُ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال مَعْنَى قَوْلِهِ إنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ وَإِنْ شِئْتُمْ فَلِي أَنْ يَخْرُصَ النَّخْلَ كَأَنَّهُ خَرَصَهَا مِائَةَ وَسْقٍ وَعَشَرَةَ أَوْسُقٍ وقال إذَا صَارَتْ تَمْرًا نَقَصَتْ عَشْرَةَ أَوْسُقٍ فَصَحَّتْ منها مِائَةُ وَسْقٍ تَمْرًا فيقول إنْ شِئْتُمْ دَفَعْت إلَيْكُمْ النِّصْفَ الذي ليس لَكُمْ الذي أنا قَيِّمٌ بِحَقِّ أَهْلِهِ على أَنْ تَضْمَنُوا لي خَمْسِينَ وَسْقًا تَمْرًا من تَمْرٍ يُسَمِّيهِ بِعَيْنِهِ وَلَكُمْ أَنْ تَأْكُلُوهَا وَتَبِيعُوهَا رُطَبًا كَيْفَ شِئْتُمْ وَإِنْ شِئْتُمْ فَلِي أَكُونُ هَكَذَا في نَصِيبِكُمْ فَأُسْلِمُ وَتُسْلِمُونَ إلى أَنْصِبَاءَكُمْ وَأَضْمَنُ لَكُمْ هذه الْمَكِيلَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان الْبَيَاضُ بين أَضْعَافِ النَّخْلِ جَازَ فيه الْمُسَاقَاةُ كما تجوز ( ( ( يجوز ) ) ) في الْأَصْلِ وَإِنْ كان مُنْفَرِدًا عن النَّخْلِ له طَرِيقٌ غَيْرُهُ لم تَجُزْ فيه الْمُسَاقَاةُ ولم تَصِحَّ إلَّا أَنْ يَكْتَرِيَ كِرَاءً وَسَوَاءٌ قَلِيلُ ذلك وَكَثِيرُهُ وَلَا حَدَّ فيه إلَّا ما وَصَفْت وَلَيْسَ لِلْمُسَاقِي في النَّخْلِ أَنْ يَزْرَعَ الْبَيَاضَ إلَّا بِإِذْنِ مَالِك النَّخْلِ وَإِنْ زَرَعَهَا فَهُوَ مُتَعَدٍّ وهو كَمَنْ زَرَعَ أَرْضَ غَيْرِهِ قال وَإِنْ كان دخل على الْإِجَارَةِ بِأَنَّ له أَنْ يَعْمَلَ وَيَحْفَظَ بِأَنَّ له شيئا من الثِّمَارِ قبل أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُ الثمر ( ( ( التمر ) ) ) فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ فِيمَا عَمِلَ وَكَذَلِكَ إنْ كان دخل على أَنْ يَتَكَلَّفَ من الْمُؤْنَةِ شيئا غير عَمَلِ يَدَيْهِ وَتَكُونَ أُجْرَتُهُ شيئا من الثِّمَارِ كانت الْإِجَارَةُ فَاسِدَةً فَإِنْ كان دخل في الْمُسَاقَاةِ في الْحَالَيْنِ مَعًا وَرَضِيَ رَبُّ الْحَائِطِ أَنْ يَرْفَعَ عنه من الْمُؤْنَةِ شيئا فَلَا بَأْسَ بِالْمُسَاقَاةِ على هذا قال وَكُلُّ ما كان مُسْتَزَادًا في الثَّمَرَةَ من اصلاح لِلْمَارِّ وَطَرِيقِ الْمَاءِ وَتَصْرِيفِ الْجَرِيدِ وَإِبَارِ النَّخْلِ وَقَطْعِ الْحَشِيشِ الذي يَضُرُّ بِالنَّخْلِ أو يُنْشِفُ عنه الْمَاءَ حتى يَضُرَّ بِثَمَرَتِهَا جاز شَرَطَهُ على الْمُسَاقَاةِ وَأَمَّا سَدُّ الْحِظَارِ فَلَيْسَ فيه مُسْتَزَادٌ لِإِصْلَاحٍ في الثَّمَرَةِ وَلَا يَصْلُحُ شَرْطُهُ على الْمُسَاقِي فَإِنْ قال فَإِنْ أَصْلَحَ لِلنَّخْلِ أَنْ يُسَدَّ الْحِظَارُ فَكَذَلِكَ أَصْلَحُ لها أَنْ يبني عليها حِظَارٌ لم يَكُنْ وهو لَا يُجِيزُهُ في الْمُسَاقَاةِ وَلَيْسَ هذا الْإِصْلَاحُ من الِاسْتِزَادَةِ في شَيْءٍ من النَّخْلِ إنَّمَا هو دَفْعُ الدَّاخِلِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْمُسَاقَاةُ جَائِزَةٌ في النَّخْلِ وَالْكَرْمِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَخَذَ فِيهِمَا بِالْخَرْصِ وَسَاقَى على النَّخْلِ وَثَمَرُهَا مُجْتَمِعٌ لَا حَائِلَ دُونَهُ وَلَيْسَ هَكَذَا شَيْءٌ من الثَّمَرِ كُلِّهِ دُونَهُ حَائِلٌ وهو مُتَفَرِّقٌ غَيْرُ مُجْتَمِعٍ وَلَا تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ في شَيْءٍ غَيْرِ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ وَهِيَ في الزَّرْعِ أَبْعَدُ من أَنْ تَجُوزَ وَلَوْ جَازَتْ إذَا عَجَزَ عنه صَاحِبُهُ جَازَتْ إذَا عَجَزَ صَاحِبُ الْأَرْضِ عن زَرْعِهَا أَنْ يُزَارِعَ فيها على الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وقد نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عنها وقال إذَا أَجَزْنَا الْمُسَاقَاةَ قبل أَنْ تَكُونَ ثَمَرًا بِتَرَاضِي رَبِّ الْمَالِ والمساقى في أَثْنَاءِ السَّنَةِ وقد تخطىء ( ( ( تخطئ ) ) ) الثَّمَرَةُ فَيَبْطُلُ عَمَلُ الْعَامِلِ وَتَكْثُرُ فَيَأْخُذُ أَكْثَرَ من عَمَلِهِ أَضْعَافًا كانت الْمُسَاقَاةُ إذَا بَدَا صَلَاحُ الثَّمَرِ وَحَلَّ بَيْعُهُ وَظَهَرَ أَجْوَزُ قال وَأَجَازَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمُسَاقَاةَ فَأَجَزْنَاهَا بِإِجَازَتِهِ وَحَرَّمَ كِرَاءَ الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ بِبَعْضِ ما يَخْرُجُ منها فَحَرَّمْنَاهَا بِتَحْرِيمِهِ وَإِنْ كَانَا قد يَجْتَمِعَانِ في أَنَّهُ إنَّمَا لِلْعَامِلِ في كُلٍّ بَعْضُ ما يُخْرِجُ النَّخْلُ أو الْأَرْضُ وَلَكِنْ ليس في سُنَّتِهِ إلَّا اتِّبَاعُهَا وقد يَفْتَرِقَانِ في أَنَّ النَّخْلَ شَيْءٌ قَائِمٌ مَعْرُوفٌ أَنَّ الْأَغْلَبَ منه أَنَّهُ يُثْمِرُ وَمِلْكُ النَّخْلِ لِصَاحِبِهِ وَالْأَرْضُ الْبَيْضَاءُ لَا شَيْءَ فيها قَائِمًا إنَّمَا يَحْدُثُ فيها شَيْءٌ بَعْدُ لم يَكُنْ وقد أَجَازَ الْمُسْلِمُونَ الْمُضَارَبَةَ في الْمَالِ يَدْفَعُهُ رَبُّهُ فَيَكُونُ لِلْمُضَارِبِ بَعْضُ الْفَضْلِ وَالنَّخْلُ أَبْيَنُ وَأَقْرَبُ من الْأَمَانِ من أَنْ يُخْطِئَ من الْمُضَارَبَةِ وَكُلٌّ قد يُخْطِئُ وَيَقِلُّ وَيَكْثُرُ ولم يُجِزْ الْمُسْلِمُونَ أَنْ تَكُونَ الْإِجَارَةُ إلَّا بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ وَدَلَّتْ السُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ أَنَّ الْإِجَارَاتِ إنَّمَا هِيَ شَيْءٌ لم يُعْلَمْ إنَّمَا هو عَمَلٌ يَحْدُثُ لم يَكُنْ حين اسْتَأْجَرَهُ قال وإذا سَاقَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ النَّخْلَ فَكَانَ فيه بَيَاضٌ لَا يُوصَلُ إلَى عَمَلِهِ
____________________

(4/11)


إلَّا بِالدُّخُولِ على النَّخْلِ فَكَانَ لَا يُوصَلُ إلَى سَقْيِهِ إلَّا بِشُرْبِ النَّخْلِ الْمَاءَ وكان غير مُتَمَيِّزٍ يَدْخُلُ فَيَسْقِي وَيَدْخُلُ على النَّخْلِ جَازَ أَنْ يُسَاقِي عليه مع النَّخْل لَا مُنْفَرِدًا وَحْده وَلَوْلَا الْخَبَرُ فيه عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ دَفَعَ إلَى أَهْلِ خَيْبَرَ على أَنَّ لهم النِّصْفَ من النَّخْلِ وَالزَّرْعِ وَلَهُ النِّصْفُ فَكَانَ الزَّرْعُ كما وَصَفْت بين ظَهْرَانَيْ النَّخْلِ لم يَجُزْ فَأَمَّا إذَا انْفَرَدَ فَكَانَ بَيَاضًا يَدْخُلُ عليه من غَيْرِ أَنْ يَدْخُلَ على النَّخْلِ فَلَا تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فيه قَلِيلًا كان أو كَثِيرًا وَلَا يَحِلُّ فيه إلَّا الاجارة - * الشَّرْطُ في الرَّقِيقِ وَالْمُسَاقَاةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ سَاقَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم خَيْبَرَ وَالْمُسَاقُونَ عُمَّالُهَا لَا عَامِلَ لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم فيها غَيْرُهُمْ وإذا كان يَجُوزُ لِلْمُسَاقِي أَنْ يُسَاقِيَ نَخْلًا على أَنْ يَعْمَلَ فيه عُمَّالُ الْحَائِطِ لِأَنَّ رَبَّ الْحَائِطِ رضي ذلك جَازَ أَنْ يَشْتَرِطَ رَقِيقًا لَيْسُوا في الْحَائِطِ يَعْمَلُونَ فيه لِأَنَّ عَمَلَ من فيه وَعَمَلَ من ليس فيه سَوَاءٌ وَإِنْ لم تَجُزْ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ على الداخل ( ( ( الدخل ) ) ) في الْمُسَاقَاةِ الْعَمَلُ كُلُّهُ لم يَجُزْ أَنْ يَعْمَلَ في الْحَائِطِ أَحَدٌ من رَقِيقِهِ وَجَوَازُ الْأَمْرَيْنِ من أَشْبَهِ الْأُمُورِ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قال وَنَفَقَةُ الرَّقِيقِ على ما تَشَارَطَا عليه وَلَيْسَ نَفَقَةُ الرَّقِيقِ بِأَكْثَرَ من أُجْرَتِهِمْ فإذا جَازَ أَنْ يَعْمَلُوا لِلْمُسَاقِي بِغَيْرِ أُجْرَةٍ جَازَ أَنْ يَعْمَلُوا له بِغَيْرِ نَفَقَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * الْمُزَارَعَةُ - * أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) السُّنَّةُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم تَدُلُّ على مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَجُوزَ الْمُعَامَلَةُ في النَّخْلِ على الشَّيْءِ مِمَّا يَخْرُجُ منها وَذَلِكَ اتِّبَاعٌ لِسُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَنَّ الْأَصْلَ مَوْجُودٌ يَدْفَعُهُ مَالِكُهُ إلَى من عَامَلَهُ عليه أَصْلًا يَتَمَيَّزُ لِيَكُونَ لِلْعَامِلِ بِعَمَلِهِ الْمُصْلِحِ لِلنَّخْلِ بَعْضُ الثَّمَرَةِ وَلِرَبِّ الْمَالِ بَعْضُهَا وَإِنَّمَا أَجَزْنَا الْمُقَارَضَةَ قِيَاسًا على الْمُعَامَلَةِ على النَّخْلِ وَوَجَدْنَا رَبَّ الْمَالِ يَدْفَعُ مَالَهُ إلَى الْمُقَارِضِ يَعْمَلُ فيه الْمُقَارِضُ فَيَكُونُ له بِعَمَلِهِ بَعْضُ الْفَضْلِ الذي يَكُونُ في الْمَالِ الْمُقَارَضَةِ لَوْلَا الْقِيَاسُ على السُّنَّةِ وَالْخَبَرِ عن عُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي اللَّهُ عنهما بِإِجَازَتِهَا أَوْلَى أَنْ لَا تَجُوزَ من الْمُعَامَلَةِ على النَّخْلِ وَذَلِكَ أَنَّهُ قد لَا يَكُونُ في الْمَالِ فَضْلٌ كَبِيرٌ وقد يَخْتَلِفُ الْفَضْلُ فيه اخْتِلَافًا مُتَبَايِنًا وَأَنَّ ثَمَرَ النَّخْلِ قَلَّمَا يَتَخَلَّفُ وَقَلَّمَا يَخْتَلِفُ فإذا اخْتَلَفَتْ تَقَارَبَ اخْتِلَافُهَا وَإِنْ كَانَا قد يَجْتَمِعَانِ في أَنَّهُمَا مَغِيبَانِ مَعًا يَكْثُرُ الْفَضْلُ فِيهِمَا وَيَقِلُّ وَيَخْتَلِفُ وَتَدُلُّ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على أَنْ لَا تَجُوزَ الْمُزَارَعَةُ على الثُّلُثِ وَلَا الرُّبُعِ وَلَا جُزْءٍ من أَجْزَاءٍ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَزَارِعَ يَقْبِضُ الْأَرْضَ بَيْضَاءَ لَا أَصْلَ فيها وَلَا زَرْعَ ثُمَّ يَسْتَحْدِثُ فيها زَرْعًا وَالزَّرْعُ ليس بِأَصْلٍ وَاَلَّذِي هو في مَعْنَى الْمُزَارَعَةِ الْإِجَارَةُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ على أَنْ يَعْمَلَ له شيئا إلَّا بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ يَعْلَمَانِهِ قبل أَنْ يَعْمَلَهُ الْمُسْتَأْجَرُ لِمَا وَصَفْت من السُّنَّةِ وَخِلَافُهَا لِلْأَصْلِ وَالْمَالُ يُدْفَعُ وَهَذَا إذَا كان النَّخْلُ مُنْفَرِدًا وَالْأَرْضُ لِلزَّرْعِ مُنْفَرِدَةً وَيَجُوزُ كِرَاءُ الْأَرْضِ لِلزَّرْعِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْعُرُوضِ كما يَجُوزُ كِرَاءُ الْمَنَازِلِ وَإِجَارَةُ الْعَبِيدِ وَالْأَحْرَارِ وإذا كان النَّخْلُ مُنْفَرِدًا فَعَامَلَ عليه رَجُلٌ وَشَرَطَ أَنْ يَزْرَعَ ما بين ظَهْرَانَيْ النَّخْلِ على الْمُعَامَلَةِ وكان ما بين ظَهْرَانَيْ النَّخْلِ لَا يُسْقَى إلَّا من مَاءِ النَّخْلِ وَلَا يُوصَلُ إلَيْهِ إلَّا من حَيْثُ يُوصَلُ إلَى النَّخْلِ كان هذا جَائِزًا وكان في حُكْمِ ثَمَرَةِ النَّخْلِ وَمَنَافِعِهَا من الْجَرِيدِ وَالْكَرَانِيفِ وَإِنْ كان الزَّرْعُ مُنْفَرِدًا عن النَّخْلِ له طَرِيقٌ يؤتي منها أو مَاءٌ يُشْرَبُ مَتَى شَرِبَهُ لَا يَكُونُ شِرْبُهُ
____________________

(4/12)


رَيًّا لِلنَّخْلِ وَلَا شِرْبُ النَّخْلِ رَيًّا له لم تَحِلَّ الْمُعَامَلَةُ عليه وَجَازَتْ إجَارَتُهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ في حُكْمِ الْمُزَارَعَةِ لَا حُكْمِ الْمُعَامَلَةِ على الْأَصْلِ وَسَوَاءٌ قَلَّ الْبَيَاضُ في ذلك أو كَثُرَ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على ما وَصَفْت وَهَذَا مزارعة قِيلَ كانت خَيْبَرُ نَخْلًا وكان الزَّرْعُ فيها كما وَصَفْت فَعَامَلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَهْلَهَا على الشَّطْرِ من الثَّمَرَةِ وَالزَّرْعِ وَنَهَى في الزَّرْعِ الْمُنْفَرِدِ عن الْمُعَامَلَةِ فَقُلْنَا في ذلك اتِّبَاعًا وَأَجَزْنَا ما أَجَازَ وَرَدَدْنَا ما رَدَّ وَفَرَّقْنَا بِفَرْقِهِ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَيْنَهُمَا وما بِهِ يَفْتَرِقَانِ من الِافْتِرَاقِ أو بِمَا وَصَفْت فَلَا يَحِلُّ أَنْ تُبَاعَ ثَمَرَةُ النَّخْلِ سِنِينَ بِذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ وَلَا غَيْرِ ذلك ( أخبرنا ) بن عُيَيْنَةَ عن حُمَيْدِ بن قَيْسٍ عن سُلَيْمَانَ بن عَتِيقٍ عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن بَيْعِ السِّنِينَ ( أخبرنا ) سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن أبي الزُّبَيْرِ عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مثله ( أخبرنا ) سُفْيَانُ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ سمع جَابِرَ بن عبد اللَّهِ يقول نَهَيْت بن الزُّبَيْرِ عن بَيْعِ النَّخْلِ معاومة ( ( ( معلومة ) ) ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اشْتَرَكَ الرَّجُلَانِ من عِنْدِ أَحَدِهِمَا الْأَرْضُ وَمِنْ عِنْدِهِمَا مَعًا الْبَذْرُ وَمِنْ عِنْدِهِمَا مَعًا الْبَقَرُ أو من عِنْدِ أَحَدِهِمَا ثُمَّ تَعَامَلَا على أَنْ يَزْرَعَا أو يَزْرَعَ أَحَدُهُمَا فما أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ أو لِأَحَدِهِمَا فيه أَكْثَرُ مِمَّا للاخر فَلَا تَجُوزُ الْمُعَامَلَةُ في هذا إلَّا على مَعْنًى وَاحِدٍ أَنْ يَبْذُرَا مَعًا وَيَمُونَانِ الزَّرْعَ مَعًا بِالْبَقَرِ وَغَيْرِهِ مُؤْنَةً وَاحِدَةً وَيَكُونَ رَبُّ الْأَرْضِ مُتَطَوِّعًا بِالْأَرْضِ لِرَبِّ الزَّرْعِ فَأَمَّا على غَيْرِ هذا الْوَجْهِ من أَنْ يَكُونَ الزَّارِعُ يَحْفَظُ أو يَمُونُ بِقَدْرِهِ ما سَلَّمَ له رَبُّ الْأَرْضِ فَيَكُونُ الْبَقَرُ من عِنْدِهِ أو الْآلَةُ أو الْحِفْظُ أو ما يَكُونُ صَلَاحًا من صَلَاحِ الزَّرْعِ فَالْمُعَامَلَةُ على هذا فَاسِدَةٌ فَإِنْ تَرَافَعَاهَا قبل أَنْ يَعْمَلَا فُسِخَتْ وَإِنْ تَرَافَعَاهَا بعد ما يَعْمَلَانِ فُسِخَتْ وَسُلِّمَ الزَّرْعُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ وَإِنْ كان الْبَذْرُ مِنْهُمَا مَعًا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ وَإِنْ كان من أَحَدِهِمَا فَهُوَ لِلَّذِي له الْبَذْرُ وَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ كِرَاءُ مِثْلِهَا وإذا كان الْبَقَرُ من الْعَامِلِ أو الْحِفْظُ أو الْإِصْلَاحُ لِلزَّرْعِ وَلِرَبِّ الْأَرْضِ من الْبَذْرِ شَيْءٌ أَعْطَيْنَاهُ من الطَّعَامِ حِصَّتَهُ وَرَجَعَ الْحَافِظُ وَصَاحِبُ الْبَقَرِ على رَبِّ الْأَرْضِ بِقَدْرِ ما يَلْزَمُ حِصَّتَهُ من الطَّعَامِ من قِيمَةِ عَمَلِ الْبَقَرِ وَالْحِفْظِ وما أَصْلَحَ بِهِ الزَّرْعَ فَإِنْ أَرَادَا أَنْ يَتَعَامَلَا من هذا على أَمْرٍ يَجُوزُ لَهُمَا تَعَامَلَا على ما وَصَفْت أَوَّلًا وَإِنْ أَرَادَا أَنْ يُحْدِثَا غَيْرَهُ تَكَارَى رَبُّ الْأَرْضِ من رَبِّ الْبَقَرِ بَقَرَهُ وَآلَتَهُ وَحِرَاثَهُ أَيَّامًا مَعْلُومَةً بِأَنْ يُسَلِّمَ إلَيْهِ نِصْفَ الْأَرْضِ أو أَكْثَرَ يَزْرَعُهَا وَقْتًا مَعْلُومًا فَتَكُونَ الْإِجَارَةُ في الْبَقَرِ صَحِيحَةً لِأَنَّهَا أَيَّامٌ معلومة كما لو اُبْتُدِئَتْ إجَارَتُهَا بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ وَيَكُونَ ما أَعْطَاهُ من الْأَرْضِ بِكِرَاءٍ صَحِيحٍ كما لو ابْتَدَأَ كِرَاءَهُ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ إنْ شَاءَا أَنْ يَزْرَعَا وَيَكُونَ عَلَيْهِمَا مُؤْنَةُ صَلَاحِ الزَّرْعِ مُسْتَوِيَيْنِ فيها حتى يَقْسِمَا الزَّرْعَ كان هذا جَائِزًا من قِبَلِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا زَرَعَ أَرْضًا له زَرْعُهَا وَيَبْذُرُ له فيها ما أَخْرَجَ ولم يَشْتَرِطْ أَحَدُهُمَا على الْآخَرِ فَضْلًا عن بَذْرِهِ وَلَا فَضْلًا في الْحِفْظِ فَتَنْعَقِدُ عليه الْإِجَارَةُ فَتَكُونُ الْإِجَارَةُ قد انْعَقَدَتْ على ما يَحِلُّ من الْمَعْلُومِ وما لَا يَحِلُّ من الْمَجْهُولِ فَيَكُونُ فَاسِدًا قال وَلَا بَأْسَ لو كان كِرَاءُ الْأَرْضِ عِشْرِينَ دِينَارًا وَكِرَاءُ الْبَقَرِ دِينَارًا أو مِائَةَ دِينَارٍ فَتَرَاضَيَا بهذا كما لَا يَكُونُ بَأْسٌ بِأَنْ أُكْرِيكَ بَقَرِي وَقِيمَةُ كِرَائِهَا مِائَةُ دِينَارٍ بِأَنْ يخلي بَيْنِي وَبَيْنَ أَرْضٍ أَزْرَعُهَا سَنَةً قِيمَةُ كِرَائِهَا دِينَارٌ أو أَلْفُ دِينَارٍ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ بَيْعٌ وَلَا بَأْسَ بِالتَّغَابُنِ في الْبُيُوعِ وَلَا في الْإِجَارَاتِ وَإِنْ اشْتَرَكَا على أَنَّ الْبَقَرَ من عِنْدِ أَحَدِهِمَا وَالْأَرْضَ من عِنْدِ الْآخَرِ كان كِرَاءُ الْأَرْضِ كَكِرَاءِ الْبَقَرِ أو أَقَلَّ أو أكثر وَالزَّرْعُ بَيْنَهُمَا فَالشَّرِكَةُ فَاسِدَةٌ حتى يَكُونَ عَقْدُهَا على اسْتِئْجَارِ الْبَقَرِ أَيَّامًا مَعْلُومَةً وَعَمَلًا مَعْلُومًا بِأَرْضٍ مَعْلُومَةٍ لِأَنَّ الْحَرْثَ يَخْتَلِفُ فَيَقِلُّ وَيَكْثُرُ وَيَجُودُ وَيَسُوءُ وَلَا يَصْلُحُ إلَّا بِمِثْلِ ما تَصْلُحُ بِهِ الْإِجَارَاتُ على الِانْفِرَادِ فإذا زَرَعَا على هذا وَالْبَذْرُ من عِنْدِهِمَا فَالْبَذْرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَيَرْجِعُ صَاحِبُ الْبَقَرِ على
____________________

(4/13)


صَاحِبِ الْأَرْضِ بِحِصَّتِهِ من الْأَرْضِ بِقَدْرِ ما أَصَابَهَا من الْعَمَلِ وَيَرْجِعُ صَاحِبُ الْأَرْضِ على صَاحِبِ الزَّرْعِ بِحِصَّةِ كِرَاءِ ما زَرَعَ من أَرْضِهِ قَلَّ أو كَثُرَ الزَّرْعُ أو عُلَّ أو احْتَرَقَ فلم يَكُنْ منه شيء ( ( ( الشيء ) ) ) - * الْإِجَارَةُ وَكِرَاءُ الْأَرْضِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال قال الشَّافِعِيُّ لَا بَأْسَ أَنْ يكرى الرَّجُلُ أَرْضَهُ وَوَكِيلُ الصَّدَقَةِ أو الْإِمَامُ الْأَرْضَ الْمَوْقُوفَةَ أَرْضَ الْفَيْءِ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَغَيْرِ ذلك من طَعَامٍ مَوْصُوفٍ يَقْبِضُهُ قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا وَكَذَلِكَ جَمِيعُ ما أَجَرَهَا بِهِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَجْعَلَ له أَجَلًا مَعْلُومًا وَأَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ قبل أَنْ يَقْبِضَهُ وَإِنْ لم يَكُنْ له أَجَلٌ مَعْلُومٌ وَالْإِجَارَةُ في هذا مُخَالِفَةٌ لِمَا سِوَاهَا غير أَنِّي أُحِبُّ إذَا اكْتَرَيْت أَرْضًا بِشَيْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِثْلُهُ من مِثْلِهَا أَنْ يَقْبِضَ وَلَوْ لم يَقْبِضْ لم أُفْسِدْ الْكِرَاءَ من أَجْلِ أَنَّهُ إنَّمَا يَصْلُحُ أَنْ يُؤَجِّرَهَا بِطَعَامٍ مَوْصُوفٍ وَهَذِهِ صِفَةٌ بِلَا عَيْنٍ فَقَدْ لَا تُخْرِجُ من تِلْكَ الصِّفَةِ وقد تُخْرِجُهَا وَيَكُونُ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يُعْطِيَهُ تِلْكَ الصِّفَةَ من غَيْرِهَا فإذا كان ذلك الدَّيْنُ في ذِمَّتِهِ بِصِفَةٍ فَلَا بَأْسَ من أَيْنَ أَعْطَاهُ وَهَذَا خِلَافُ الْمُزَارَعَةِ الْمُزَارَعَةُ أَنْ تكرى الْأَرْضَ بِمَا يَخْرُجُ منها ثُلُثٌ أو رُبُعٌ أو أَقَلُّ أو أَكْثَرُ وقد يَخْرُجُ ذلك قَلِيلًا وَكَثِيرًا فَاسِدًا وَصَحِيحًا وَهَذَا فَاسِدٌ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ قال وإذا تَقَبَّلَ الرَّجُلُ الْأَرْضَ من الرَّجُلِ سِنِينَ ثُمَّ أَعَارَهَا رَجُلًا أو أَكْرَاهَا إيَّاهُ فَزَرَعَ فيها الرَّجُلُ فَالْعُشْرُ على الزَّارِعِ وَالْقَبَالَةُ على الْمُتَقَبِّلِ وَهَكَذَا أَرْضُ الْخَرَاجِ إذَا تَقَبَّلَهَا رَجُلٌ من الْوَالِي فَقَبَالَتهَا عليه فَإِنْ زَرَعَهَا غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ بِعَارِيَّةٍ أو كِرَاءٍ فَالْعَشْرُ على الزارع ( ( ( الزراع ) ) ) وَالْقَبَالَةُ على الْمُتَقَبِّلِ وَلَوْ كان الْمُتَقَبِّلُ زَرَعَهَا كان على الْمُتَقَبِّلِ الْقَبَالَةُ وَالْعُشْرُ في الزَّرْعِ إنْ كان مُسْلِمًا وَإِنْ كان ذِمِّيًّا فَزَرَعَ أَرْضَ الْخَرَاجِ فَلَا عُشْرَ عليه وَكَذَلِكَ لو كانت له أَرْضُ صُلْحٍ فَزَرَعَهَا لم يَكُنْ عليه عُشْرٌ في زَرْعِهَا لِأَنَّ الْعُشْرَ زَكَاةٌ وَلَا زَكَاةَ إلَّا على أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَلَا أَعْرِفُ ما يَذْهَبُ إلَيْهِ بَعْضُ الناس في أَرْضِ السَّوَادِ بِالْعِرَاقِ من أنها مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا وَأَنَّ عليهم خَرَاجًا فيها فَإِنْ كانت كما ذَهَبَ إلَيْهِ فَلَوْ عَطَّلَهَا رَبُّهَا أو هَرَبَ أُخِذَ منه خَرَاجُهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ صُلْحُهُ على غَيْرِ هذا فَيَكُونَ على ما صَالَحَ عليه قال وَلَوْ شَرَطَ رَبُّ الْأَرْضِ أو مُتَقَبِّلُهَا أو وَالِي الْأَرْضِ الْمُتَصَدِّقُ بها أَنَّ الزَّارِعَ لها له زَرْعُهُ مُسْلِمًا لَا عُشْرَ عليه فيه فَالْعُشْرُ عليه من أَجْلِ أنها مُزَارَعَةٌ فَاسِدَةٌ لِأَنَّ الْعُشْرَ إنَّمَا هو على الزَّارِعِ وقد يَقِلُّ وَيَكْثُرُ فإذا ضَمِنَ عنه ما لَا يَعْرِفُ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ فَإِنْ أُدْرِكَتْ قبل أَنْ يَزْرَعَ فُسِخَتْ الْإِجَارَةُ وَإِنْ أُدْرِكَتْ بعد ما يَزْرَعُ فَلَهُ زَرْعُهُ وَعَلَيْهِ كِرَاءُ مِثْلِ الْأَرْضِ ذَهَبًا أو فِضَّةً بِالْأَغْلَبِ من نَقْدِ الْبَلَدِ الذي تَكَارَاهَا بِهِ كان ذلك أَقَلَّ مِمَّا أَكْرَاهُ بِهِ أو أَكْثَرَ قال وإذا كانت الْأَرْضُ عَنْوَةً فَتَقَبَّلَهَا رَجُلٌ فَعَجَزَ عن عِمَارَتِهَا وَأَدَاءِ خَرَاجِهَا قِيلَ له إنْ أَدَّيْت خَرَاجَهَا تُرِكَتْ في يَدَيْك وَإِنْ لم تُؤَدِّهِ فُسِخَتْ عَنْك وَكُنْت مُفْلِسًا وُجِدَ عَيْنُ الْمَالِ عِنْدَهُ وَدُفِعَتْ إلَى من يُؤَدِّي خَرَاجَهَا قال وَلِلْعَامِلِ على الْعُشْرِ مِثْلُ ما له على الصَّدَقَاتِ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا صَدَقَةٌ فَلَهُ بِقَدْرِ أَجْرِ مِثْلِهِ على كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا أو على أَيِّهِمَا عَمِلَ قال وإذا فُتِحَتْ الْأَرْضُ عَنْوَةً فَجَمِيعُ ما كان عَامِرًا فيها لِلَّذِينَ فَتَحُوهَا وَأَهْلِ الْخُمُسِ فَإِنْ تَرَكُوا حُقُوقَهُمْ منها لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَذَلِكَ لهم وما كان من أَرْضِ الْعَنْوَةِ مَوَاتًا فَهُوَ لِمَنْ أَحْيَاهُ من الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ كان وهو غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِمَنْ فَتَحَ عليه فَيُمْلَكُ بِمِلْكِهِ وقد قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من أَحْيَا مَوَاتًا فَهُوَ له وَلَا يُتْرَكُ ذِمِّيٌّ يُحْيِيهِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم جَعَلَهُ لِمَنْ أَحْيَاهُ من الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَكُونُ لِلذِّمِّيِّ أَنْ يَمْلِكَ
____________________

(4/14)


على الْمُسْلِمِينَ ما تَقَدَّمَ من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ مِلْكٌ لِمَنْ أَحْيَاهُ منهم وإذا كان فَتْحُهَا صُلْحًا فَهُوَ على ما صَالَحُوا عليه - * كِرَاءُ الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال قال الشَّافِعِيُّ وَلَا بَأْسَ بِكِرَاءِ الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَالْعُرُوضِ وَقَوْلُ سَالِمِ بن عبد اللَّهِ اكتر ( ( ( أكثر ) ) ) وَرَافِعٌ لم يُخَالِفْهُ في أَنَّ الْكِرَاءَ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ لَا بَأْسَ بِهِ إنَّمَا روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم النَّهْيُ عن كِرَائِهَا بِبَعْضِ ما يَخْرُجُ منها وَلَا بَأْسَ أَنْ يُكْرِيَ الرَّجُلُ أَرْضَهُ الْبَيْضَاءَ بِالتَّمْرِ وَبِكُلِّ ثَمَرَةٍ يَحِلُّ بَيْعُهَا إلَّا أَنَّ من الناس من كَرِهَ أَنْ يُكْرِيَهَا بِبَعْضِ ما يَخْرُجُ منها وَمَنْ قال هذا الْقَوْلَ قال إنْ زُرِعَتْ حِنْطَةً كَرِهْت كِرَاءَهَا بِالْحِنْطَةِ لِأَنَّهُ نهى أَنْ يَكُونَ كِرَاؤُهَا بِالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ وقال غَيْرُهُ كِرَاؤُهَا بِالْحِنْطَةِ وَإِنْ كانت إلَى أَجَلٍ غَيْرِ ما يَخْرُجُ منها لِأَنَّهَا حنطة مَوْصُوفَةٌ لَا يَلْزَمُهُ إذَا جاء بها على صِفَةِ أَنْ يُعْطِيَهُ مِمَّا يَخْرُجُ من الْأَرْضِ وَلَوْ جَاءَتْ الْأَرْضُ بِحِنْطَةٍ على غَيْرِ صِفَتِهَا لم يَكُنْ لِلْمُكْتَرِي أَنْ يُعْطِيَهُ غير صِفَتِهِ وإذا تَعَجَّلَ الْمُكْرِي الْأَرْضَ كِرَاءَهَا من الْحِنْطَةِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ في الْقَوْلَيْنِ مَعًا قال وَلَا تَكُونُ الْمُسَاقَاةُ في الْمَوْزِ وَلَا الْقَصَبِ وَلَا يَحِلُّ بَيْعُهُمَا إلَى أَجَلٍ لَا يَحِلُّ بَيْعُهُمَا إلَّا أَنْ يَرَيَا الْقَصَبَ جِزَةً وَالْمَوْزَ بِجَنَاهُ وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُبَاعَ ما لم يُخْلَقْ مِنْهُمَا وإذا لم يَحِلَّ أَنْ يَبِيعَهُمَا مِثْلُ أَنْ يَكُونَا بِصِفَةٍ لم يَحِلَّ أَنْ يُبَاعَ مِنْهُمَا ما لم يَكُنْ مِنْهُمَا بِصِفَةٍ وَلَا غَيْرِ صِفَةٍ لِأَنَّهُ في مَعْنَى ما كَرِهْنَا وَأَزْيَدَ منه لِأَنَّهُ لم يُخْلَقْ قَطُّ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَكَارَى الرَّجُلُ الْأَرْضَ لِلزَّرْعِ بِحِنْطَةٍ أو ذُرَةٍ أو غَيْرِ ذلك مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ أو لَا تُنْبِتُهُ مِمَّا يَأْكُلُهُ بَنُو آدَمَ أو لَا يَأْكُلُونَهُ مِمَّا تَجُوزُ بِهِ إجارة ( ( ( إجازة ) ) ) الْعَبْدِ وَالدَّارِ إذَا قَبَضَ ذلك كُلَّهُ قبل دَفْعِ الْأَرْضِ أو مع دَفْعِهَا كُلُّ ما جَازَتْ بِهِ الْإِجَارَةُ في الْبُيُوتِ وَالرَّقِيقِ جَازَتْ بِهِ الْإِجَارَةُ في الْأَرْضِ قال وَإِنَّمَا نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن الْمُزَارَعَةِ بِبَعْضِ ما يَخْرُجُ من الْأَرْضِ فِيمَا روى عنه فَأَمَّا ما أَحَاطَ الْعِلْمُ أَنِّي قد قَبَضْته وَدَفَعْت الْأَرْضَ إلَى صَاحِبِهَا فَلَيْسَ في مَعْنَى ما نهى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عنه إنَّمَا مَعْنَى ما نهى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عنه أَنْ تَكُونَ الْإِجَارَةُ بِشَيْءٍ قد يَكُونُ الْأَشْيَاءَ وَيَكُونُ أَلْفًا من الطَّعَامِ وَيَكُونُ إذَا كان جَيِّدًا أو رَدِيئًا غير مَوْصُوفٍ وَهَذَا يَفْسُدُ من وَجْهَيْنِ إذَا كان إجَارَةً من وَجْهِ أَنَّهُ مَجْهُولُ الْكَيْلِ وَالْإِجَارَةُ لَا تَحِلُّ بهذا وَمِنْ وَجْهِ أَنَّهُ مَجْهُولُ الصِّفَةِ وَلَوْ كان مَعْرُوفَ الْكَيْلِ وهو مَجْهُولُ الصِّفَةِ لم تَحِلَّ الْإِجَارَةُ بهذا فَأَمَّا ما فَارَقَ هذا الْمَعْنَى فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلَوْ شَرَطَ الْإِجَارَةَ إلَى أَجَلٍ ولم يُسَمِّ لها أَجَلًا ولم يَتَقَابَضَا كانت الْإِجَارَةُ من طَعَامٍ لَا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ أو غَيْرِهِ من نَبَاتِ الْأَرْضِ أو هو مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ غير الطَّعَامِ أو عَرْضٌ أو ذَهَبٌ أو فِضَّةٌ فَلَا بَأْسَ بِالْإِجَارَةِ إذَا قَبَضَ الْأَرْضَ وَإِنْ لم يَقْبِضْ الْإِجَارَةَ كانت إلَى أَجَلٍ أو غَيْرِ أَجَلٍ وَإِنْ شَرَطَهَا بِشَيْءٍ من الطَّعَامِ مَكِيلٍ مِمَّا تُخْرِجُهُ الْأَرْضُ كَرِهْته احْتِيَاطًا وَلَوْ وَقَعَ الْأَجْرُ بهذا وكان طَعَامًا مَوْصُوفًا ما أَفْسَدْته من قِبَلِ أَنَّ الطَّعَامَ مَكِيلٌ مَعْلُومُ الْكَيْلِ مَوْصُوفٌ مَعْلُومُ الصِّفَةِ وَأَنَّهُ لَازِمٌ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ شيئا أو لم تُخْرِجْهُ وقد تُخْرِجُ الْأَرْضُ طَعَامًا بِغَيْرِ صِفَتِهِ فَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ أَنْ يَدْفَعَهُ وَيَدْفَعَهُ بِالصِّفَةِ فَعَلَى هذا الْبَابِ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) إذَا تَكَارَى الرَّجُلُ الْأَرْضَ ذَاتَ الْمَاءِ من الْعَيْنِ أو النَّهْرِ نِيلٍ أو غَيْرِ
____________________

(4/15)


نِيلٍ أو الْغِيلِ أو الْآبَارِ على أَنْ يَزْرَعَهَا غَلَّةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَزَرَعَهَا إحْدَى الْغَلَّتَيْنِ وَالْمَاءُ قَائِمٌ ثُمَّ نَضَبَ الْمَاءُ فَذَهَبَ قبل الْغَلَّةِ الثَّانِيَةِ فَأَرَادَ رَدَّ الْأَرْضِ بِذَهَابِ الْمَاءِ فَذَلِكَ له وَيَكُونُ عليه من الْكِرَاءِ بِحِصَّةِ ما زَرَعَ إنْ كانت حِصَّةُ الزَّرْعِ الذي حَصَدَ الثُّلُثَ أو النِّصْفَ أو الثُّلُثَيْنِ أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ أَدَّى ذلك وَسَقَطَتْ عنه حِصَّةُ الزَّرْعِ الثَّانِي الذي انْقَطَعَ الْمَاءُ قبل أَنْ يَكُونَ وَهَذَا مِثْلُ الدَّارِ يَكْتَرِيهَا فَيَسْكُنُهَا بَعْضَ السَّنَةِ ثُمَّ تَنْهَدِمُ في آخِرِهَا فَيَكُونُ عليه حِصَّةُ ما سَكَنَ وَتَبْطُلُ عنه حِصَّةُ ما لم يَقْدِرْ على سَكَنِهِ فَالْمَاءُ إذَا كان لاصلاح للرزع ( ( ( صلاح ) ) ) إلَّا بِهِ كَالْبِنَاءِ الذي لَا صَلَاحَ لِلْمَسْكَنِ إلَّا بِهِ وإذا تَكَارَى من الرَّجُلِ الْأَرْضَ السَّنَةَ على أَنْ يَزْرَعَهَا ما شَاءَ فَزَرَعَهَا وَانْقَضَتْ السَّنَةُ وَفِيهَا زَرْعٌ لم يَبْلُغْ أَنْ يُحْصَدَ فَإِنْ كانت السَّنَةُ قد يُمْكِنُهُ فيها أَنْ يَزْرَعَ زَرْعًا يُحْصَدُ قَبْلَهَا فَالْكِرَاءُ جَائِزٌ وَلَيْسَ لِرَبِّ الزَّرْعِ أَنْ يُثَبِّتَ زَرْعَهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَنْقُلَهُ عن رَبِّ الْأَرْضِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّ الْأَرْضِ تَرْكَهُ قَرُبَ ذلك أو بَعُدَ لَا خِلَافَ في ذلك وَإِنْ كان شَرَطَ أَنْ يَزْرَعَهَا صِنْفًا من الزَّرْعِ يُسْتَحْصَدُ أو يَسْتَقْصِلَ قبل السَّنَةِ فَأَخَّرَهُ إلَى وَقْتٍ من السَّنَةِ وَانْقَضَتْ السَّنَةُ قبل بُلُوغِهِ فَكَذَلِكَ أَيْضًا وَإِنْ تَكَارَاهَا مُدَّةً هِيَ أَقَلُّ من سَنَةٍ وَشَرَطَ أَنْ يَزْرَعَهَا شيئا بِعَيْنِهِ وَيَتْرُكَهُ حتى يُسْتَحْصَدَ فَكَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُسْتَحْصَدَ في مِثْلِ هذه الْمُدَّةِ التي تَكَارَاهَا إلَيْهَا فَالْكِرَاءُ فَاسِدٌ من قِبَلِ أَنِّي أَثْبَتُّ بَيْنَهُمَا شَرْطَهُمَا وَلَوْ أُثْبِتَ على رَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يبقى زَرْعَهُ فيها بَعْدَ انْقِطَاعِ الْمُدَّةِ أُبْطِلُ شَرْطُ رَبِّ الزَّرْعِ أَنْ يَتْرُكَهُ حتى يُسْتَحْصَدَ وَإِنْ أُثْبِتَ له زَرْعُهُ حتى يُسْتَحْصَدَ أَبْطَلْت شَرْطَ رَبِّ الْأَرْضِ فَكَانَ هذا كِرَاءً فَاسِدًا وَلِرَبِّ الْأَرْضِ كِرَاءُ مِثْلِ أَرْضِهِ إذَا زَرَعَ وَعَلَيْهِ تَرْكُ الزَّرْعِ حتى يُسْتَحْصَدَ وَإِنْ تَرَافَعَا قبل يَزْرَعَ فَسُخْت الْكِرَاءُ بَيْنَهُمَا وإذا تَكَارَى الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الْأَرْضَ التي لَا مَاءَ لها وَاَلَّتِي إنَّمَا تُسْقَى بِنَطْفِ السَّمَاءِ أو السَّيْلِ إنْ حَدَثَ فَلَا يَصْلُحُ كِرَاؤُهَا إلَّا على أَنْ يُكْرِيَهُ إيَّاهَا أَرْضًا بَيْضَاءَ لَا مَاءَ لها يَصْنَعُ بها الْمُكْتَرِي ما شَاءَ في سَنَةٍ إلَّا أَنَّهُ لَا يَبْنِي وَلَا يَغْرِسُ فيها وإذا وَقَعَ على هذا الْكِرَاءِ صَحَّ فإذا جَاءَهُ مَاءٌ من سَيْلٍ أو مَطَرٍ فَزَرَعَ عليه أو لم يَزْرَعْ أو لم يَأْتِهِ مَاءٌ فَالْكِرَاءُ له لَازِمٌ وَكَذَلِكَ إنْ كان شَرْطُهُ أَنْ يَزْرَعَهَا وقد يُمْكِنُهُ زَرْعُهَا عَثَرِيًّا بِلَا مَاءٍ أو يُمْكِنُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لها مَاءً من مَوْضِعٍ فَأَكْرَاهُ إيَّاهَا أَرْضًا بَيْضَاءَ لَا مَاءَ لها على أَنْ يَزْرَعَهَا إنْ شَاءَ أو يَفْعَلَ بها ما شَاءَ صَحَّ الْكِرَاءُ وَلَزِمَهُ زَرَعَ أو لم يَزْرَعْ وَإِنْ أَكْرَاهُ إيَّاهَا على أَنْ يَزْرَعَهَا ولم يَقُلْ أَرْضًا بَيْضَاءَ لَا مَاءَ لها وَهُمَا يَعْلَمَانِ أنها لَا تُزْرَعُ إلَّا بِمَطَرٍ أو سَيْلٍ يَحْدُثُ فَالْكِرَاءُ فَاسِدٌ في هذا كُلِّهِ فَإِنْ زَرَعَهَا فَلَهُ ما زَرَعَ وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِهَا ( وقال الرَّبِيعُ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ لِمَ أَفْسَدْت الْكِرَاءَ في هذا قِيلَ من قِبَلِ أَنَّهُ قد لَا يَجِيءُ الْمَاءُ عليها فَيَبْطُلُ الْكِرَاءُ وقد يَجِيءُ فَيَتِمُّ الْكِرَاءُ فلما كان مَرَّةً يَتِمُّ وَمَرَّةً لَا يَتِمُّ بَطَلَ الْكِرَاءُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا تَكَارَى الرَّجُلُ الْأَرْضَ ذَاتَ النَّهْرِ مِثْلَ النِّيلِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَعْلُو الْأَرْضَ على أَنْ يَزْرَعَهَا زَرْعًا هو مَعْرُوفٌ أَنَّ ذلك الزَّرْعَ لَا يَصْلُحُ إلَّا بِأَنْ يَرْوِيَهَا النِّيلُ لَا يَتْرُكُهَا وَلَا تَشْرَبُ غَيْرَهُ كَرِهْت هذا الْكِرَاءَ وَفَسَخْته إذَا كانت الْأَرْضُ بَيْضَاءَ ثُمَّ لم يَصِحَّ حتى يَعْلُوَ الْمَاءُ الْأَرْضَ عُلُوًّا يَكُونُ رَيًّا لها أو يَصْلُحُ بِهِ الزَّرْعُ بِحَالٍ فإذا تُكُورِيَتْ رَيًّا بَعْدَ نُضُوبِ الْمَاءِ فَالْكِرَاءُ صَحِيحٌ لَازِمٌ لِلْمُكْتَرِي زَرَعَ أو لم يَزْرَعْ قَلَّ ما يَخْرُجُ من الزَّرْعِ أو كَثُرَ وَإِنْ تَكَارَاهَا وَالْمَاءُ قَائِمٌ عليها وقد يَنْحَسِرُ لَا مَحَالَةَ في وَقْتٍ يُمْكِنُ فيه الزَّرْعُ فَالْكِرَاءُ فيه جَائِزٌ وَإِنْ كان قد يَنْحَسِرُ وَلَا يَنْحَسِرُ كَرِهْت الْكِرَاءَ إلَّا بَعْدَ انْحِسَارِهِ وَكُلُّ شَيْءٍ أَجَزْت كِرَاءَهُ أو بَيْعَهُ أَجَزْت النَّقْدَ فيه وَإِنْ تَكَارَى الرَّجُلُ الأرض لِلزَّرْعِ فَزَرَعَهَا أو لم يَزْرَعْهَا حتى جاء عليها النِّيلُ أو زَادَ أو أَصَابَهَا شَيْءٌ يُذْهِبُ الْأَرْضَ انْتَقَضَ الْكِرَاءُ بين الْمُسْتَأْجِرِ وَرَبِّ الْأَرْضِ من يَوْمِ تَلِفَتْ الْأَرْضُ وَلَوْ كان بَعْضُ الْأَرْضِ تَلِفَ وَبَعْضٌ لم يَتْلَفْ ولم يَزْرَعْ فَرَبُّ الزَّرْعِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ ما بَقِيَ بِحِصَّتِهِ من الْكِرَاءِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا لِأَنَّ الْأَرْضَ لم تَسْلَمْ له كُلَّهَا وَإِنْ كان زَرَعَ أُبْطِلُ عنه ما تَلِفَ وَلَزِمَتْهُ حِصَّةُ ما زَرَعَ من الْكِرَاءِ وَهَكَذَا كِرَاءُ الدُّورِ وَأَثْمَانُ الْمَتَاعِ وَالطَّعَامِ
____________________

(4/16)


إذَا جَمَعَتْ الصَّفْقَةُ منه مِائَةَ صَاعٍ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ فَتَلِفَ خَمْسُونَ صَاعًا فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ في أَنْ يَأْخُذَ الْخَمْسِينَ بِحِصَّتِهَا من الثَّمَنِ أو يَرُدَّ الْبَيْعَ لِأَنَّهُ لم يَسْلَمْ له كُلُّهُ كما اشْتَرَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اكْتَرَى الرَّجُلُ الْأَرْضَ من الرَّجُلِ بِالْكِرَاءِ الصَّحِيحِ ثُمَّ أَصَابَهَا غَرَقٌ مَنَعَهُ الزَّرْعَ أو ذَهَبَ بها سَيْلٌ أو غَصَبَهَا فَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا سَقَطَ عنه الْكِرَاءُ من يَوْمِ أَصَابَهَا ذلك وَهِيَ مِثْلُ الدَّارِ يَكْتَرِيهَا سَنَةً وَيَقْبِضُهَا فَتُهْدَمُ في أَوَّلِ السَّنَةِ أو آخِرِهَا وَالْعَبْدُ يَسْتَأْجِرُهُ السَّنَةَ فَيَمُوتُ في أَوَّلِ السَّنَةِ أو آخِرِهَا فَيَكُونُ عليه من الاجارة بِقَدْرِ ما سَكَنَ وَاسْتَخْدَمَ وَيَسْقُطُ عنه ما بَقِيَ وَإِنْ أَكْرَاهُ أَرْضًا بَيْضَاءَ يَصْنَعُ فيها ما شَاءَ أو لم يذكر أَنَّهُ اكْتَرَاهَا لِلزَّرْعِ ثُمَّ انْحَسَرَ الْمَاءُ عنها في أَيَّامٍ لَا يُدْرِكُ فيها زَرْعًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ بين أَنْ يَأْخُذَ ما بَقِيَ بِحِصَّتِهِ من الْكِرَاءِ أو يَرُدَّهُ لِأَنَّهُ قد انْتَقَصَ مِمَّا اكْتَرَى وَكَذَلِكَ إنْ اكْتَرَاهَا لِلزَّرْعِ وَكِرَاؤُهَا لِلزَّرْعِ أَبْيَنُ في أَنَّ له أَنْ يَرُدَّهَا إنْ شَاءَ وَإِنْ كان مَرَّ بها مَاءٌ فَأَفْسَدَ زَرْعَهُ أو أَصَابَهُ حَرِيقٌ أو ضَرِيبٌ أو جَرَادٌ أو غَيْرُ ذلك فَهَذَا كُلُّهُ جَائِحَةٌ على الزَّرْعِ لَا على الْأَرْضِ فَالْكِرَاءُ له لَازِمٌ فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُجَدِّدَ زَرْعًا جَدَّدَهُ إنْ كان ذلك يُمْكِنُهُ وَإِنْ لم يُمْكِنْهُ فَهَذَا شَيْءٌ أُصِيبَ بِهِ في زَرْعِهِ لم تُصَبْ بِهِ الْأَرْضُ فَالْكِرَاءُ له لَازِمٌ وَهَذَا مُفَارِقٌ لِلْجَائِحَةِ في الثَّمَرَةِ يَشْتَرِيهَا الرَّجُلُ فَتُصِيبُهَا الْجَائِحَةُ في يَدَيْهِ قبل أَنْ يُمْكِنَهُ جِدَادُهَا وَمَنْ وَضَعَ الْجَائِحَةَ ثُمَّ انْبَغَى أَنْ لَا يَضَعَهَا ها هنا فَإِنْ قال قَائِلٌ إذَا كَانَتَا جَائِحَتَيْنِ فما بَالُ إحْدَاهُمَا تُوضَعُ وَالْأُخْرَى لَا تُوضَعُ فإن من وَضَعَ الْجَائِحَةَ الْأُولَى فَإِنَّمَا يَضَعُهَا بِالْخَبَرِ وَبِأَنَّهُ إذَا كان الْبَيْعُ جَائِزًا في شِرَاءِ الثَّمَرَةِ إذَا بَدَا صَلَاحُهَا وَتَرَكَهَا حتى تُجَدَّ فَإِنَّمَا يُنْزِلُهَا بِمَنْزِلَةِ الْكِرَاءِ الذي يَقْبِضُ بِهِ الدَّارَ ثُمَّ تَمُرُّ بِهِ أَشْهُرٌ ثُمَّ تَتْلَفُ الدَّارُ فَيَسْقُطُ عنه الْكِرَاءُ من يَوْمِ تَلِفَتْ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَيْنَ التي اكْتَرَى وَاشْتَرَى تَلِفَتْ وكان الشِّرَاءُ في هذا الْمَوْضِعِ إنَّمَا يَتِمُّ بِسَلَامَتِهِ إلَى أَنْ يُجَدَّ وَالْمُكْتَرِي الْأَرْضَ لم يَشْتَرِ من رَبِّ الْأَرْضِ زَرْعًا إنَّمَا اكْتَرَى أَرْضًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو تَرَكَهَا فلم يَزْرَعْهَا حتى تَمْضِيَ السَّنَةُ كان عليه كِرَاؤُهَا وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَزْرَعَهَا بِشَيْءٍ يُقِيمُ تَحْتَ الْأَرْضِ حتى لو مَرَّ بِهِ سَيْلٌ لم يَنْزِعْهُ كان ذلك له وَلَوْ تَكَارَاهَا حتى إذَا اسْتَحْصَدَتْ فَأَصَابَ الْأَرْضَ حَرِيقٌ فَاحْتَرَقَ الزَّرْعُ لم يَرْجِعْ على رَبِّ الْأَرْضِ بِشَيْءٍ من قِبَلِ أَنَّهُ لم يَتْلَفْ شَيْءٌ كان أَعْطَاهُ إيَّاهُ إنَّمَا تَلِفَ شَيْءٌ يَضَعُهُ الزراع ( ( ( الزارع ) ) ) من مَالِهِ كما لو تَكَارَى منه دَارًا لِلْبُرِّ فَاحْتَرَقَ الْبُرُّ وَلَا مَالَ له غَيْرُهُ وَبَقِيَتْ الدَّارُ سَالِمَةً لم يُنْتَقَصْ سَكَنُهَا كان الْكِرَاءُ له لَازِمًا ولم يَكُنْ احْتِرَاقُ الْمَتَاعِ من مَعْنَى الدَّارِ بِسَبِيلٍ وإذا تَكَارَى الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الْأَرْضَ سَنَةً مُسَمَّاةً أو سَنَتَهُ هذه فَزَرَعَهَا وَحَصَدَ وَبَقِيَ من سَنَتِهِ هذه شَهْرٌ أو أَكْثَرُ أو أَقَلُّ لم يَكُنْ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يُخْرِجَهَا من يَدِهِ حتى تَكْمُلَ سَنَتُهُ وَلَا يَكُونُ له أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَ الْكِرَاءِ إلَّا بِاسْتِيفَاءِ الْمُكْتَرِي جَمِيعَ السَّنَةِ وَسَوَاءٌ كانت الْأَرْضُ أَرْضَ الْمَطَرِ أو أَرْضَ السَّقْيِ لِأَنَّهُ قد يَكُونُ فيها مَنَافِعُ من زَرْعٍ وعثرى وَسَيْلٍ وَمَطَرٍ وَلَا يُؤَيِّسُ من الْمَطَرِ على حَالٍ وَلِمَنَافِعَ سِوَى هذا لَا يَمْنَعُهَا الْمُكْتَرِي وإذا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الْأَرْضَ لِيَزْرَعَهَا قَمْحًا فَأَرَادَ أَنْ يَزْرَعَهَا شَعِيرًا أو شيئا من الْحُبُوبِ سِوَى الْقَمْحِ فَإِنْ كان الذي أَرَادَ أَنْ يَزْرَعَهُ لَا يَضُرُّ بِالْأَرْضِ إضْرَارًا أَكْثَرَ من إضْرَارِ ما شَرَطَ أَنَّهُ يُزْرَعُ بِبَقَاءِ عُرُوقِهِ في الْأَرْضِ أو إفْسَادِهِ الْأَرْضَ بِحَالٍ من الْأَحْوَالِ فَلَهُ زَرْعُهَا ما أَرَادَ بهذا الْمَعْنَى كما يَكْتَرِي منه الدَّارَ على أَنْ يَسْكُنَهَا فَيَسْكُنَهَا مِثْلُهُ وَإِنْ كان ما أَرَادَ زَرْعَهَا يُنْقِصُهَا بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ أَكْثَرَ من نَقْصِ ما اشْتَرَطَ أَنْ يَزْرَعَهَا لم يَكُنْ له زَرْعُهَا فَإِنْ زَرَعَهَا فَهُوَ مُتَعَدٍّ وَرَبُّ الْمَالِ بِالْخِيَارِ بين أَنْ يَأْخُذَ منه الْكِرَاءَ الذي سمي له وما نَقَصَ زَرْعُهُ الْأَرْضَ عَمَّا يُنْقِصُهَا الزَّرْعُ الذي شَرَطَ له أو يَأْخُذَ منه كِرَاءَ مِثْلِهَا في مِثْلِ ذلك الزَّرْعِ وَإِنْ كان قَائِمًا في وَقْتٍ يُمْكِنُهُ فيه الزَّرْعُ كان لِرَبِّ الْأَرْضِ قَطْعُ زَرْعِهِ إنْ شَاءَ وَيَزْرَعُهَا الْمُكْتَرِي مِثْلَ الزَّرْعِ الذي شَرَطَ له أو ما لَا يَضُرُّ أَكْثَرَ من إضْرَارِهِ وإذا تَكَارَى الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الْبَعِيرَ لِيَحْمِلَ عليه خَمْسَمِائَةِ رِطْلٍ قُرْطًا فَحَمَلَ عليه
____________________

(4/17)


خَمْسَمِائَةِ رِطْلِ حَدِيدٍ أو تَكَارَى لِيَحْمِلَ عليه حَدِيدًا فَحَمَلَ عليه قُرْطًا بِوَزْنِهِ فَتَلِفَ الْبَعِيرُ فَهُوَ ضَامِنٌ من قِبَلِ أَنَّ الْحَدِيدَ يُسْتَجْمَعُ على ظَهْرِهِ اسْتِجْمَاعًا لَا يَسْتَجْمِعُهُ الْقُرْطُ فَبِهَذِهِ يَتْلَفُ وَأَنَّ الْقُرْطَ يَنْتَشِرُ على ظَهْرِ الْبَعِيرِ انْتِشَارًا لَا ينتشره ( ( ( مر ) ) ) الْحَدِيدُ فَيَعُمُّهُ فَيَتْلَفُ وَأَصْلُ هذا أَنْ يُنْظَرَ إذَا اكْتَرَى منه بَعِيرًا على أَنْ يَحْمِلَ عليه وَزْنًا من شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَحَمَلَ عليه وَزْنَهُ من شَيْءٍ غَيْرِهِ فَإِنْ كان الشَّيْءُ الذي حَمَلَ عليه يُخَالِفُ الشَّيْءَ الذي شَرَطَ أَنْ يَحْمِلَهُ حتى يَكُونَ أَضَرَّ بِالْبَعِيرِ منه فَتَلِفَ ضَمِنَ وَإِنْ كان لَا يَكُونُ أَضَرَّ بِهِ منه وكان مثله أو أَحْرَى أَنْ لَا يَتْلَفَ الْبَعِيرُ فَحَمَلَهُ فَتَلِفَ لم يَضْمَنْ وَكَذَلِكَ إنْ تَكَارَى دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا فَحَمَلَ عليها غَيْرَهُ مثله في الْخِفَّةِ أو أَخَفَّ منه فَهَكَذَا لَا يَضْمَنُ وَإِنْ كان أَثْقَلَ منه فَتَلِفَ ضَمِنَ وَإِنْ كان أَعْنَفَ رُكُوبًا منه وهو مِثْلُهُ في الْخِفَّةِ فَانْظُرْ إلَى الْعُنْفِ فَإِنْ كان الْعُنْفُ شيئا ليس كَرُكُوبِ الناس وكان مُتْلِفًا ضَمِنَ وَإِنْ كان كَرُكُوبِ الناس لم يَضْمَنْ وَذَلِكَ إن أَرْكَبَ الناس قد يَخْتَلِفُ بِرُكُوبٍ وَلَا يُوقَفُ لِلرُّكُوبِ على حَدٍّ إلَّا أَنَّهُ إذَا فَعَلَ في الرُّكُوبِ ما يَكُونُ خَارِجًا بِهِ من رُكُوبِ الْعَامَّةِ وَمُتْلِفًا فَتُلْفِ الدَّابَّةَ ضَمِنَ وإذا تَكَارَى الرَّجُلُ من الرَّجُلِ أَرْضًا عَشْرَ سِنِينَ على أَنْ يَزْرَعَ فيها ما شَاءَ فَلَا يُمْنَعُ من شَيْءٍ من الزَّرْعِ بِحَالٍ فَإِنْ أَرَادَ الْغِرَاسَ فَالْغِرَاسُ غَيْرُ الزَّرْعِ لِأَنَّهُ يَبْقَى فيها بَقَاءً لَا يَبْقَاهُ الزَّرْعُ وَيَفْسُدُ منها ما لَا يَفْسُدُ الزَّرْعُ فَإِنْ تَكَارَاهَا مُطْلَقَةً عَشْرَ سِنِينَ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِيمَا يَزْرَعُ فيها أو يَغْرِسُ كَرِهْت الْكِرَاءَ وَفَسَخْته وَلَا يُشْبِهُ هذا السَّكَنُ شَيْءٌ على وَجْهِ الْأَرْضِ وَهَذَا شَيْءٌ على وَجْهِهَا وَبَطْنِهَا فإذا تَكَارَاهَا على أَنْ يَغْرِسَ فيها وَيَزْرَعَ ما شَاءَ ولم يَزِدْ على ذلك فَالْكِرَاءُ جَائِزٌ وإذا انْقَضَتْ سنوه ( ( ( يرعى ) ) ) لم يَكُنْ لِرَبِّ الْأَرْضِ قَلْعُ غِرَاسِهِ حتى يُعْطِيَهُ قِيمَتَهُ في الْيَوْمِ الذي يُخْرِجُهُ منها قَائِمًا على أُصُولِهِ وَبِثَمَرِهِ إنْ كان فيه ثَمَرٌ وَلِرَبِّ الْغِرَاسِ إنْ شَاءَ أَنْ يَقْلَعَهُ على أَنَّ عليه إذَا قَلَعَهُ ما نَقَصَ الْأَرْضَ وَالْغِرَاسُ كَالْبِنَاءِ إذَا كان بِإِذْنِ مَالِك الْأَرْضِ مُطْلَقًا لم يَكُنْ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يَقْلَعَ الْبِنَاءَ حتى يُعْطِيَهُ قِيمَتَهُ قَائِمًا في الْيَوْمِ الذي يُخْرِجُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الْأَرْضَ يَزْرَعُهَا وَفِيهَا نخلة أو مِائَةُ نَخْلَةٍ أو أَقَلُّ أو أَكْثَرُ وقد رَأَى ما اسْتَأْجَرَ منه من الْبَيَاضِ زَرَعَ في الْبَيَاضِ ولم يَكُنْ له من ثَمَرِ النَّخْلِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ وكان ثَمَرُ النَّخْلِ لِرَبِّ النَّخْلِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا منه بِأَلْفِ دِينَارٍ على أَنَّ له ثَمَرَ نخلة يسوي دِرْهَمًا أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ كانت الْإِجَارَةُ فَاسِدَةً من قِبَلِ أنها انْعَقَدَتْ عَقْدَةً وَاحِدَةً على حَلَالٍ وَمُحَرَّمٍ فَالْحَلَالُ الْكِرَاءُ وَالْحَرَامُ ثَمَرُ النَّخْلَةِ إذَا كان هذا قبل أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ وَإِنْ كان بعد ما يَبْدُو صَلَاحُهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ إذَا كانت النَّخْلَةُ بِعَيْنِهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَسَوَاءٌ في هذا كَثُرَ الْكِرَاءُ في الْأَرْضِ أو الدَّارِ وَقَلَّتْ الثَّمَرَةُ أو كَثُرَتْ أو قَلَّ الْكِرَاءُ كما كان لَا يَحِلُّ أَنْ تُبَاعَ ثَمَرَةُ نَخْلَةٍ قبل أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا وكان هذا فيها مُحَرَّمًا كما هو في أَلْفِ نَخْلَةٍ وَكَذَلِكَ إذَا وَقَعَتْ الصَّفْقَةُ على بَيْعِهِ قبل يَبْدُو صَلَاحُهُ بِحَالٍ لِأَنَّ الذي يَحْرُمُ كَثِيرًا يَحْرُمُ قَلِيلًا وَسَوَاءٌ كانت النَّخْلَةُ صِنْوَانَا وَاحِدًا في الْأَرْضِ أو مُجْتَمِعَةً في نَاحِيَةٍ أو مُتَفَرِّقَةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا تَكَارَى الرَّجُلُ الدَّارَ أو الْأَرْضَ إلَى سَنَةٍ كِرَاءً فَاسِدًا فلم يَزْرَعْ الْأَرْضَ ولم يَنْتَفِعْ بها ولم يَسْكُنْ الدَّارَ ولم يَنْتَفِعْ بها إلَّا أَنَّهُ قد قَبَضَهَا عِنْدَ الْكِرَاءِ وَمَضَتْ السَّنَةُ لَزِمَهُ كِرَاءُ مِثْلِهَا كما كان يَلْزَمُهُ إنْ انْتَفَعَ بها أَلَا تَرَى أَنَّ الْكِرَاءَ لو كان صَحِيحًا فلم يَنْتَفِعْ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حتى تَمْضِيَ سَنَةٌ لَزِمَهُ الْكِرَاءُ كُلُّهُ من قِبَلِ أَنَّهُ قَبَضَهُ وَسَلِمَتْ له مَنْفَعَتُهُ فَتَرَكَ حَقَّهُ فيها فَلَا يُسْقِطُ ذلك حَقَّ رَبِّ الدَّارِ عليه فلما كان الْكِرَاءُ الْفَاسِدُ إذَا انْتَفَعَ بِهِ الْمُكْتَرِي يُرَدُّ إلَى كِرَاءِ مِثْلِهِ كان حُكْمُ كِرَاءِ مِثْلِهِ في الْفَاسِدِ كَحُكْمِ الْكِرَاءِ الصَّحِيحِ وإذا تَكَارَى الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الدَّارَ سَنَةً فَقَبَضَهَا الْمُكْتَرِي ثُمَّ غَصَبَهُ إيَّاهَا من لَا يَقْوَى عليه سُلْطَانٌ أو من يَرَى أَنَّهُ يَقْوَى عليه سُلْطَانٌ فَسَوَاءٌ لَا كِرَاءَ عليه في وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَوْ أَرَادَ الْمُكْتَرِي
____________________

(4/18)


أَنْ يَكُونَ خَصْمًا لِلْغَاصِبِ لم يَكُنْ له خَصْمًا إلَّا بِوَكَالَةٍ من رَبِّ الدَّارِ وَذَلِكَ أَنَّ الْخُصُومَةَ لِلْغَاصِبِ إنَّمَا تَكُونُ في رَقَبَةِ الدَّارِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَصْمًا في الدَّارِ إلَّا رَبُّ الدَّارِ أو وَكِيلٌ لِرَبِّ الدَّارِ وَالْكِرَاءُ لَا يُسَلَّمُ لِلْمُكْتَرِي إلَّا بِأَنْ يَكُونَ الْمُكْرِي مَالِكًا لِلدَّارِ وَالْمُكْتَرِي لم يَكْتَرِ على أَنْ يَكُونَ خَصْمًا لو كان ذلك جَائِزًا له أَرَأَيْت لو خَاصَمَهُ فيها سَنَةً فلم يَتَبَيَّنْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا أَتَجْعَلُ على الْمُكْتَرِي كِرَاءً ولم يُسَلَّمْ له أَمْ تَجْعَلُ لِلْمُخَاصِمِ إجَارَةً على رَبِّ الدَّارِ في عَمَلِهِ ولم يُوَكِّلْهُ أو رَأَيْت لو أَقَرَّ رَبُّ الدَّارِ بِأَنَّهُ كان غَصَبَهَا من الْغَاصِبِ أَلَا يَبْطُلُ الْكِرَاءُ أو رَأَيْت لو أَقَرَّ الْمُتَكَارِي أَنَّ رَبَّ الدَّارِ غَصَبَهَا من الْغَاصِبِ أيقضي على رَبِّ الدَّارِ أَنَّهُ غَاصِبٌ بِإِقْرَارِ غَيْرِ مَالِكٍ وَلَا وَكِيلٍ فَهَلْ يَعْدُو الْمُكْتَرِي إذَا قَبَضَ الدَّارَ ثُمَّ غُصِبَتْ أَنْ يَكُونَ الْغَصْبُ على رَبِّ الدَّارِ ولم تَسْلَمْ لِلْمُكْتَرِي الْمَنْفَعَةُ بِلَا مُؤْنَةٍ عليه كما اكْتَرَى فَإِنْ كان هذا هَكَذَا فَسَوَاءٌ غَصَبَهَا من لَا يَقْوَى عليه سُلْطَانٌ أو من يَقْوَى عليه سُلْطَانٌ وَلَا يَكُونُ عليه كِرَاءٌ لِأَنَّهُ لم تَسْلَمْ له الْمَنْفَعَةُ أو يَكُونُ الْغَصْبُ على الْمُكْتَرِي دُونَ رَبِّ الدَّارِ وَيَكُونُ ذلك شيئا أُصِيبَ بِهِ الْمُكْتَرِي كما يُصَابُ مَالُهُ فَيُلْزِمُهُ الْكِرَاءُ غَصْبَهَا إيَّاهُ من يَقْوَى عليه السُّلْطَانُ أو من لَا يَقْوَى عليه وإذا ابْتَاعَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الْعَبْدَ وَدَفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ أو لم يَدْفَعْهُ وَافْتَرَقَا عن تَرَاضٍ مِنْهُمَا ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ قبل أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي وَإِنْ لم يَحُلْ الْبَائِعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ كان حَاضِرًا عِنْدَهُمَا قبل الْبَيْعِ وَبَعْدَهُ حتى تُوُفِّيَ الْعَبْدُ فَالْعَبْدُ من مَالِ الْبَائِعِ لَا من مَالِ الْمُبْتَاعِ وَإِنْ حَدَثَ بِالْعَبْدِ عَيْبٌ كان الْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ بين أَنْ يَقْبِضَ الْعَبْدَ أو يَرُدَّهُ وَكَذَلِكَ لو اشْتَرَاهُ وَقَبَضَهُ كان الثَّمَنُ دَارًا أو عَبْدًا أو ذَهَبًا بِأَعْيَانِهَا أو عَرَضًا من الْعُرُوضِ فَتَلِفَ الذي ابْتَاعَ بِهِ الْعَبْدَ مِمَّا وَصَفْنَا في يَدَيْ مُشْتَرِي الْعَبْدِ كان الْبَيْعُ مُنْتَقَضًا وكان من مَالِ مَالِكِهِ فَإِنْ قال قَائِلٌ قد هَلَكَ هذا الْعَبْدُ وَهَذَا الْعَرَضُ ثُمَّ لم يُحْدِثْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا حَوْلًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مِلْكِهِ إيَّاهُ فَكَيْفَ يَكُونُ من مَالِ الْبَائِعِ حتى يُسَلِّمَهُ لِلْمُبْتَاعِ فَقِيلَ له بِالْأَمْرِ الْبَيِّنِ مِمَّا لَا يَخْتَلِفُ الناس فيه من أَنَّ من كان بيده مِلْكٌ لِرَجُلٍ مَضْمُونًا عليه أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَيْهِ من دَيْنٍ عليه أو حَقٍّ لَزِمَهُ من وَجْهٍ من الْوُجُوهِ أَرْشُ جِنَايَةٍ أو غَيْرِهَا أو غَصْبٍ أو أَيِّ شَيْءٍ ما كان فَأَحْضَرَهُ لِيَدْفَعَ إلَى مَالِكِهِ حَقَّهُ فيه عَرَضًا بِعَيْنِهِ أو غَيْرِ عَيْنِهِ فَهَلَكَ في يَدِهِ لم يَبْرَأْ بِهَلَاكِهِ في يَدِهِ وَإِنْ لم يَحُلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِهِ وكان ضَمَانُهُ منه حتى يُسَلِّمَهُ إلَيْهِ وَلَوْ أَقَامَا بَعْدَ إحْضَارِهِ إيَّاهُ في مَكَان وَاحِدٍ يَوْمًا وَاحِدًا أو سَنَةً أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ لِأَنَّ تَرْكَ الْحَوْلِ بِغَيْرِ الدَّفْعِ لَا يُخْرِجُ من عليه الدَّفْعُ إلَّا بِالدَّفْعِ فَكَانَ أَكْثَرُ ما على الْمُتَبَايِعَيْنِ أَنْ يُسَلِّمَ هذا ما بَاعَ وَهَذَا ما اشْتَرَى بِهِ فلما لم يَفْعَلَا لم يَخْرُجَا من ضَمَانٍ بِحَالٍ وقال اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } فَلَوْ أَنَّ امرءا نَكَحَ امْرَأَةً وَاسْتَخْزَنَهَا مَالَهُ ولم يَحُلْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ قَبْضِ صَدَاقِهَا ولم يَدْفَعْهُ إلَيْهَا لم يَبْرَأْ منه بِأَنْ يَكُونَ وَاجِدًا له وَغَيْرَ حَائِلٍ دُونَهُ وَأَنْ تَكُونَ وَاجِدَةً له غير مَحُولٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ وقال اللَّهُ عز وجل { وَأُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ } فَلَوْ أَنَّ امرءا أَحْضَرَ مَسَاكِينَ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ لهم في مَالِهِ دَرَاهِمَ أَخْرَجَهَا بِأَعْيَانِهَا من زَكَاةِ مَالِهِ فلم يَقْبِضُوهَا ولم يَحُلْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهَا لم تَخْرُجْ من أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً عليه حتى يُؤَدِّيَهَا وَلَوْ تَلِفَتْ في يَدِهِ تَلِفَتْ من مَالِهِ وَكَذَلِكَ لو تَطَهَّرَ لِلصَّلَاةِ وَقَامَ يُرِيدُهَا وَلَا يُصَلِّيهَا لم يَخْرُجْ من فَرْضِهَا حتى يُصَلِّيَهَا وَلَوْ وَجَبَ عليه أَنْ يَقْتَصَّ من نَفْسِهِ من دَمٍ أو جُرْحٍ فَأَحْضَرَ الذي له الْقِصَاصُ وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ أو خَلَّى الْحَاكِمُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فلم يَقْتَصَّ ولم يَعْفُ لم يَخْرُجْ هذا مِمَّا عليه من الْقِصَاصِ ثُمَّ لَا يَخْرُجْ أَحَدُهُمَا مِمَّا قِبَلَهُ إلَّا بِأَنْ يُؤَدِّيَهُ إلَى من هو له أو يَعْفُوَهُ الذي هو له وَهَكَذَا أَصْلُ فَرْضِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ في جَمِيعِ ما فَرَضَ قال اللَّهُ عز وجل { وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ } فَجَعَلَ التسليم ( ( ( التسلم ) ) ) الدَّفْعَ لَا الْوُجُودَ وَتَرَكَ الْحَوْلَ وَالدَّفْعَ وقال في الْيَتَامَى { فَإِنْ آنَسْتُمْ منهم رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } وقال لِنَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم { وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ }
____________________

(4/19)


فَفَرَضَ على كل من صَارَ إلَيْهِ حَقٌّ لِمُسْلِمٍ أو حَقٌّ له أَنْ يَكُونَ مُؤَدِّيَهُ وَأَدَاؤُهُ دَفْعُهُ لَا تَرْكُ الْحَوْلِ دُونَهُ وسواء ( ( ( سواء ) ) ) دَعَاهُ إلَى قَبْضِهِ أو لم يَدْعُهُ ما لم يُبْرِئْهُ منه فَيَبْرَأُ منه بِالْبَرَاءَةِ أو بقبضه ( ( ( يقبضه ) ) ) منه في مَقَامِهِ أو غَيْرِ مَقَامِهِ ثُمَّ يُودِعُهُ إيَّاهُ وإذا قَبَضَهُ ثُمَّ أَوْدَعَهُ إيَّاهُ فَضَمَانُهُ من مَالِكِهِ ( قال الرَّبِيعُ ) يُرِيدُ الْقَابِضَ له وهو الْمُشْتَرِي ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اكْتَرَى الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الْأَرْضَ أو الدَّارَ كِرَاءً صَحِيحًا بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ سَنَةً أو أَكْثَرَ ثم ( ( ( تم ) ) ) قَبْضُ الْمُكْتَرِي ما اكْتَرَى فَالْكِرَاءُ له لَازِمٌ فَيَدْفَعُهُ حين يَقْبِضُهُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ إلَى أَجَلٍ فَيَكُونُ إلَى أَجَلِهِ فَإِنْ سَلَّمَ له ما اكْتَرَى فَقَدْ اسْتَوْفَى وَإِنْ تَلِفَ رَجَعَ بِمَا قَبَضَ منه من الْكِرَاءِ كُلِّهِ فِيمَا لم يَسْتَوْفِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ يَدْفَعُ إلَيْهِ الْكِرَاءَ كُلَّهُ وَلَعَلَّ الدَّارَ أَنْ تَتْلَفَ أو الْأَرْضَ قبل أَنْ يستوفي قِيلَ لَا أَعْلَمُ يَجُوزُ غَيْرُ هذا من أَنْ تَكُونَ الدَّارُ التي مَلَكَ مَنْفَعَتَهَا مَدْفُوعَةً إلَيْهِ فَيَسْتَوْفِي الْمَنْفَعَةَ في الْمُدَّةَ التي شُرِطَتْ له وَأَوْلَى الناس أَنْ يَقُولَ بهذا من زَعَمَ أَنَّ الْجَائِحَةَ مَوْضُوعَةٌ وقد دَفَعَ الْبَائِعُ الثَّمَرَةَ إلَى الْمُشْتَرِي وَلَوْ شَاءَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَقْطَعَهَا كُلَّهَا قَطَعَهَا فلما كان الْمُشْتَرِي إذَا تَرَكَهَا إلَى أَوَانٍ يَرْجُو أَنْ تَكُونَ خَيْرًا له فَتَلِفَ رَجَعَ بِحِصَّةِ ما تَلِفَ كان في الدَّارِ التي لَا يَقْدِرُ على قَبْضِ مَنْفَعَتِهَا إلَّا في مُدَّةٍ تَأْتِي عليها أَوْلَى أَنْ يَجْعَلَ الثَّمَنَ لِلْمُكْرِي حَالًّا كما يَجْعَلُهُ لِلثَّمَرَةِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ إلَى أَجَلٍ فَإِنْ قال قَائِلٌ من قال هذا قِيلَ له عَطَاءُ بن أبي رَبَاحٍ وَغَيْرُهُ من الْمَكِّيِّينَ فَإِنْ قال فما حُجَّتُك على من قال من الْمَشْرِقِيِّينَ إذَا تَشَارَطَا فَهُوَ على شَرْطِهِمَا وَإِنْ لم يَتَشَارَطَا فَكُلَّمَا مَرَّ عليه يَوْمٌ له حِصَّةٌ من الْكِرَاءِ كان عليه أَنْ يَدْفَعَ كِرَاءَ يَوْمِهِ قِيلَ له من قال هذا لَزِمَهُ في أَصْلِ قَوْلِهِ أَنْ يُجِيزَ الدَّيْنَ بِالدَّيْنِ إذَا لم يَقُلْ كما قُلْنَا إنَّ الْكِرَاءَ يُلْزِمُ بِدَفْعِ الدَّارِ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ في هذا أَبَدًا دَفْعُ غَيْرِهِ وقال الْمَنْفَعَةُ تَأْتِي يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ فَلَا أَجْعَلُ دَفْعَ الدَّارِ يَكُونُ في حُكْمِ دَفْعِ الْمَنْفَعَةِ قِيلَ فَالْمَنْفَعَةُ دَيْنٌ لم يَأْتِ وَالْمَالُ دَيْنٌ لم يَأْتِ وَهَذَا الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ وَسَوَاءٌ كانت أَرْضَ نِيلٍ أو غَيْرَهَا أو أَرْضَ مَطَرٍ ( قال ) وإذا تَكَارَى الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ من الذِّمِّيِّ أَرْضَ عُشْرٍ أو خَرَاجٍ فَعَلَيْهِ فِيمَا أَخْرَجَتْ من الزَّرْعِ الصَّدَقَةُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فما الْحُجَّةُ في هذا قِيلَ لِمَا أَخَذَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الصَّدَقَةَ من قَوْم كَانُوا يَمْلِكُونَ أَرْضَهُمْ من الْمُسْلِمِينَ وَهَذِهِ أَرْضٌ من زَرَعَهَا من الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّمَا زَرَعَ ما لَا يَمْلِكُ من الْأَرْضِ وما كان أَصْلُهُ فَيْئًا أو غَنِيمَةً فإن اللَّهَ جَلَّ ذِكْرُهُ خَاطَبَ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنْ قال لِنَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم { خُذْ من أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بها } وَخَاطَبَهُمْ بِأَنْ قال { وَآتُوا حَقَّهُ يوم حَصَادِهِ } فلما كان الزَّرْعُ مَالًا من مَالِ الْمُسْلِمِ وَالْحَصَادُ حَصَادَ مُسْلِمٍ تَجِبُ فيه الزَّكَاةُ وَجَبَ عليه ما كان لَا يَمْلِكُ رَقَبَةَ الْأَرْضِ فَإِنْ قال فَهَلْ من شَيْءٍ تُوَضِّحُهُ غير هذا قِيلَ نعم الرَّجُلُ يَتَكَارَى من الرَّجُلِ الْأَرْضَ أو يَمْنَحُهُ إيَّاهَا فَيَكُونُ عليه في زَرْعِهَا الصَّدَقَةُ كما يَكُونُ عليه لو زَرَعَ أَرْضَ نَفْسِهِ فَإِنْ قال فَهَذِهِ لِمَالِكٍ مَعْرُوفٍ قِيلَ فَكَذَلِكَ يَتَكَارَى في الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ على أَبْنَاءِ السَّبِيلِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ بِصِفَتِهِ فَيَكُونُ عليه في زَرْعِهَا الصَّدَقَةُ فَإِنْ قال هذا هَكَذَا وَلَكِنَّ أَصْلَ هذه لِمُسْلِمٍ أو لِمُسْلِمَيْنِ وَأَصْلَ تِلْكَ لِمُشْرِكٍ قِيلَ لو كانت لِمُشْرِكٍ ما حَلَّ لنا إلَّا بِطِيبِ نَفْسِهِ ولكنها ( ( ( ولكن ) ) ) لَمَّا كانت عَنْوَةً أو صُلْحًا كانت مَالًا لِلْمُسْلِمِينَ كما تُغْنَمُ أَمْوَالُهُمْ من الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَيَكُونُ عَلَيْنَا فيها الصَّدَقَةُ كما يَكُونُ عَلَيْنَا فِيمَا وَرِثْنَا من آبَائِنَا لِأَنَّ مِلْكَهُمْ قد انْقَطَعَ عَنْهُمْ فَصَارَ لنا وَكَذَلِكَ الْأَرْضُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهِيَ لِقَوْمٍ غَيْرِ مَعْرُوفِينَ قِيلَ هِيَ لِقَوْمٍ مَعْرُوفِينَ بِالصِّفَةِ من الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ لم يَكُونُوا مَعْرُوفِينَ بأعيانهم ( ( ( أعيانهم ) ) ) كما تَكُونُ الْأَرْضُ الْمَوْقُوفَةُ لِقَوْمٍ مَوْصُوفِينَ فَإِنْ قال فَالْخَرَاجُ يُؤْخَذُ منها قِيلَ لَوْلَا أَنَّ الْخَرَاجَ كِرَاءٌ كَكِرَاءِ الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ وَكِرَاءُ الْأَرْضِ لِلرَّجُلِ حَرَّمَ على الْمُسْلِمِ أَنْ يُؤَدِّيَ خَرَاجًا وَعَلَى الْآخِذِ منه أَنْ يَأْخُذَ منها خَرَاجًا وَلَكِنَّهُ إنَّمَا هو كِرَاءٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ يَكْتَرِي الْأَرْضَ بِالشَّيْءِ الْكَثِيرِ
____________________

(4/20)


فَلَا يُحْسَبُ عليه وَلَا له فَيُخَفَّفُ عنه من صَدَقَتِهَا شَيْءٌ لِمَا أَدَّى من كِرَائِهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا ابْتَاعَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ عَبْدًا فَتَصَادَقَا على الْبَيْعِ وَالْقَبْضِ وَاخْتَلَفَا في الثَّمَنِ وَالْعَبْدُ قَائِمٌ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا فَإِنْ كان الْعَبْدُ تَالِفًا تَحَالَفَا وترادا ( ( ( ببلعه ) ) ) قِيمَةَ الْعَبْدِ وإذا كان قَائِمًا وَهُمَا يَتَصَادَقَانِ في الْبَيْعِ وَيَخْتَلِفَانِ في الثَّمَنِ رُدَّ الْعَبْدُ بِعَيْنِهِ فَكُلُّ ما كان على إنْسَانٍ أَنْ يَرُدَّهُ بِعَيْنِهِ فَفَاتَ رَدُّهُ بِقِيمَتِهِ لِأَنَّ الْقِيمَةَ تَقُومُ مَقَامَ الْعَيْنِ إذَا فَاتَتْ الْعَيْنُ فَإِنْ كان هذا في كل شَيْءٍ فما أَخْرَجَ هذا من تِلْكَ الْأَشْيَاءِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بين الْمُجْتَمَعِ في الْمَعْنَى إلَّا بِخَبَرٍ يُلْزِمُ وَهَكَذَا في الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ إذَا اخْتَلَفَا قبل أَنْ يَسْكُنَ أو يَزْرَعَ تَحَالَفَا وترادا ( ( ( ببلعه ) ) ) فإذا اخْتَلَفَا بَعْدَ الزَّرْعِ وَالسَّكَنِ تَحَالَفَا وترادا ( ( ( ببلعه ) ) ) قِيمَةَ الْكِرَاءِ وَإِنْ سَكَنَ بَعْضًا رَدَّ قِيمَةَ ما سَكَنَ وَفَسَخَ الْكِرَاءَ فِيمَا لم يَسْكُنْ وَإِنْ تَكَارَى أَرْضًا لِزَرْعٍ فَزَرَعَهَا وَبَقِيَ له سَنَةٌ أو أَكْثَرُ تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا فِيمَا بَقِيَ وَرَدَّ كِرَاءَ مِثْلِهَا فِيمَا زَرَعَ قال وإذا اكْتَرَى الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الدَّابَّةَ بِعَشْرَةٍ تَصَادَقَا على الْكِرَاءِ وَمَبْلَغِهِ وَاخْتَلَفَا في الْمَوْضِعِ الذي تَكَارَى إلَيْهِ فقال الْمُكْتَرِي اكْتَرَيْتهَا إلَى الْمَدِينَةِ بِعَشْرَةٍ وقال الْمُكْرِي اكْتَرَيْتهَا بِعَشْرَةٍ إلَى أَيْلَةَ فَإِنْ لم يَكُنْ رَكِبَ الدَّابَّةَ تَحَالَفَا وترادا ( ( ( ببلعه ) ) ) وَإِنْ كان رَكِبَهَا تَحَالَفَا وكان لِرَبِّ الدَّابَّةِ كِرَاءُ مِثْلِهَا إلَى الْمَوْضِعِ الذي رَكِبَهَا إلَيْهِ وَفَسَخَ الْكِرَاءَ في ذلك الْمَوْضِعِ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عليه لِأَنَّ الْكِرَاءَ بَيْعٌ من الْبُيُوعِ وَهَذَا مِثْلُ مَعْنَى قَوْلِنَا في الْبُيُوعِ وإذا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الْأَرْضَ لِيَزْرَعَهَا فَغَرِقَتْ كُلُّهَا قبل الزَّرْعِ رَجَعَ بِالْإِجَارَةِ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لم تَسْلَمْ له وَهِيَ مِثْلُ الدَّارِ تَنْهَدِمُ قبل السُّكْنَى فَإِنْ غَرِقَ بَعْضُهَا فَهَذَا نَقْصٌ دخل عليه فِيمَا اكْتَرَى وَلَهُ الْخِيَارُ بين حَبْسِهَا بِالْكِرَاءِ أو رَدِّهَا لِأَنَّهُ لم يُسَلِّمْ له ما اكْتَرَى كما اكْتَرَى كما يَكُونُ له في الدَّارِ لو انْهَدَمَ بَعْضُهَا أَنْ يَحْبِسَ ما بَقِيَ بِحِصَّتِهِ من الْكِرَاءِ كَأَنْ انْهَدَمَ نِصْفُهَا فَأَرَادَ أَنْ يُقِيمَ في نِصْفِهَا الْبَاقِيَ بِنِصْفِ الْكِرَاءِ فَذَلِكَ له لِأَنَّهُ نَقْصٌ دخل عليه فَرَضِيَ بِالنَّقْصِ وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَخْرُجَ وَيَفْسَخَ الْكِرَاءَ كان ذلك له إذَا كان بَعْضُ ما بَقِيَ من الدَّارِ وَالْأَرْضِ ليس مِثْلَ ما ذَهَبَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَذَلِكَ لو اشْتَرَى مِائَةَ أردب طَعَامًا فلم يَسْتَوْفِهَا حتى تَلِفَ نِصْفُهَا في يَدَيْ الْبَائِعِ كان له إنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ النِّصْفَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ ( قال الرَّبِيعُ ) الطَّعَامُ عِنْدِي خِلَافُ الدَّارِ يَنْهَدِمُ بَعْضُهَا لِأَنَّ الطَّعَامَ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَالدَّارُ لَا يَكُونُ بَعْضُهَا مِثْلَ بَعْضٍ سَوَاءً مِثْلَ الطَّعَامِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَصْلُ هذا أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْبَيْعَةِ فإذا وَقَعَتْ على شَيْءٍ يَتَبَعَّضُ وَيَجُوزُ أَنْ يَقْبِضَ بَعْضَهُ دُونَ بَعْضٍ فَتَلِفَ بَعْضُهُ قُلْت فيه هَكَذَا وَإِنْ وَقَعَتْ على شَيْءٍ لَا يَتَبَعَّضُ مِثْلُ عَبْدٍ اشْتَرَيْته فلم تَقْبِضْهُ حتى حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ كُنْت فيه بِالْخِيَارِ بين أَخْذِهِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أو رَدِّهِ لِأَنَّهُ لم يَسْلَمْ لَك فَتَقْبِضَهُ غير مَعِيبٍ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما فَرْقُ بين هَذَيْنِ قِيلَ لَا يَكُونُ الْعَبْدُ يَتَبَعَّضُ من الْعَيْبِ وَلَا الْعَيْبُ يَتَبَعَّضُ من الْعَبْدِ فَقَدْ يَكُونُ الْمَسْكَنُ مُتَبَعِّضًا من الْمَسْكَنِ من الدَّارِ وَالْأَرْضِ وَكَذَلِكَ إذَا تَكَارَى الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الْأَرْضَ عَشْرَ سِنِينَ بِمِائَةِ دِينَارٍ لم يَجُزْ حتى يُسَمِّيَ لِكُلِّ سَنَةٍ شيئا مَعْلُومًا وإذا اكْتَرَى الرَّجُلُ من الرَّجُلِ أَرْضَهُ أو دَارِهِ فقال أَكْتَرِيهَا مِنْك كُلَّ سَنَةٍ بِدِينَارٍ أو أَكْثَرَ ولم يُسَمِّ السَّنَةَ التي يَكْتَرِيهَا وَلَا السَّنَةَ التي يَنْقَطِعُ إلَيْهَا الْكِرَاءُ فَالْكِرَاءُ فَاسِدٌ لَا يَجُوزُ إلَّا على أَمْرٍ يَعْرِفُهُ الْمُكْرِي وَالْمُكْتَرِي كما لَا تَجُوزُ الْبُيُوعُ إلَّا على ما يُعْرَفُ وَهَذَا كَلَامٌ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْكِرَاءُ فيه يَنْقَضِي إلَى مِائَةِ سَنَةٍ أو أَكْثَرَ أو اقل وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَنَةً وَيُحْتَمَلُ أَقَلَّ من سَنَةٍ فَكَانَ هذا كِرَاءً مَجْهُولًا يَفْسَخُهُ قبل السُّكْنَى فَإِنْ فَاتَ فيه السُّكْنَى جَعَلْنَا فيه على الْمُكْتَرِي أَجْرَ مِثْلِهِ كان أَكْثَرَ مِمَّا وَقَعَ بِهِ الْكِرَاءُ أو أَقَلَّ إذَا أَبْطَلْنَا أَصْلَ الْعَقْدِ فيه وَصَيَّرْنَاهُ قِيمَةً لم نَجْعَلْ الْبَاطِلَ دَلِيلًا على الْحَقِّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا زَرَعَ الرَّجُلُ أَرْضَ رَجُلٍ
____________________

(4/21)


فَادَّعَى أَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ أَكْرَاهُ أو أَعَارَهُ إيَّاهَا وَجَحَدَ رَبُّ الْأَرْضِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْأَرْضِ مع يَمِينِهِ وَيُقْلِعُ الزَّارِعُ في زَرْعِهِ وَعَلَى الزَّارِعِ كِرَاءُ مِثْلِ أَرْضِهِ إلَى يَوْمِ يُقْلِعُ زَرْعَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَسَوَاءٌ كان ذلك في إبَّانِ الزَّرْعِ أو في غَيْرِ إبَّانِهِ إذَا كان زَارِعُ الْأَرْضِ الْمُدَّعِي لِلْكِرَاءِ حَبَسَهَا عن مَالِكِهَا فَإِنَّمَا أَحْكُمُ عليه حُكْمَ الْغَاصِبِ وإذا تَكَارَى الرَّجُلُ من الرَّجُلِ أَرْضًا فيها زَرْعٌ لِغَيْرِهِ لَا يَسْتَطِيعُ إخْرَاجَهُ منها إلَى أَنْ يَحْصُدَهُ فَالْكِرَاءُ مَفْسُوخٌ لَا يَجُوزُ حتى يَكُونَ الْمُكْتَرِي يَرَى الْأَرْضَ لَا حَائِلَ دُونَهَا من الزَّرْعِ وَيَقْبِضُهَا لَا حَائِلَ دُونَهَا من الزَّارِعِينَ لِأَنَّا نَجْعَلُهُ بَيْعًا من الْبُيُوعِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ لِرَجُلٍ عَيْنًا لَا يَقْدِرُ الْمُبْتَاعُ على قَبْضِهَا حين تَجِبُ له وَيَدْفَعُ الثَّمَنَ وَلَا أَنْ نَجْعَلَ على الْمُبْتَاعِ وَالْمُكْتَرِي الثَّمَنَ وَلَعَلَّ المكتري أَنْ يَتْلَفَ قبل أَنْ يَقْبِضَهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ نَقُولَ له الثَّمَنُ دَيْنٌ إلَى أَنْ يَقْبِضَ فَذَلِكَ دَيْنٌ بِدَيْنٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَفِ في الْأَرْضِ وَالدَّارِ قبل أَنْ يَكْتَرِيَهُمَا وَيَقْبِضَهُمَا وَلَكِنْ يَكْتَرِي الْأَرْضَ وَالدَّارَ وَيَقْبِضُهُمَا مَكَانَهُمَا لَا حَائِلَ بَيْنَهُمَا وَمَتَى حَدَثَ على وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَادِثٌ يَمْنَعُ من مَنْفَعَتِهِ رَجَعَ الْمُكْتَرِي بِحِصَّتِهِ من الْكِرَاءِ من يَوْمِ حَدَثَ الْحَادِثُ وَهَكَذَا الْعَبْدُ وَجَمِيعُ الْإِجَارَاتِ وَلَيْسَ هذا بَيْعٌ وَسَلَفٌ إنَّمَا الْبَيْعُ وَالسَّلَفُ أَنْ تَنْعَقِدَ الْعُقْدَةُ على إيجَابِ بَيْعٍ وَسَلَفٍ بين الْمُتَبَايِعَيْنِ فَيَكُونُ الثَّمَنُ غير مَعْلُومٍ من قِبَلِ أَنَّ لِلْمَبِيعِ حصة ( ( ( حصته ) ) ) من السَّلَفِ في أَصْلِ ثَمَنِهِ لَا تُعْرَفُ لِأَنَّ السَّلَفَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكُلُّ ما جَازَ لَك أَنْ تَشْتَرِيَهُ على الِانْفِرَادِ جَازَ لَك أَنْ تَكْتَرِيَهُ على الِانْفِرَادِ وَالْكِرَاءُ بَيْعٌ من الْبُيُوعِ وَكُلُّ ما لم يَجُزْ لَك أَنْ تَشْتَرِيَهُ على الِانْفِرَادِ لم يَجُزْ لَك أَنْ تَكْتَرِيَهُ على الِانْفِرَادِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا اكْتَرَى من رَجُلٍ أَرْضًا بَيْضَاءَ لِيَزْرَعَهَا شَجَرًا قَائِمًا على أَنَّ له الشَّجَرُ وَأَرْضُهُ كان في الشَّجَرِ ثمر ( ( ( ثم ) ) ) بَالَغَ أو غَضَّ أو لم يَكُنْ فيه كان هذا كِرَاءً جَائِزًا كما يَكُونُ بَيْعًا جَائِزًا ( قال الرَّبِيعُ ) يُرِيدُ أَنَّ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ الشَّجَرَ وَأَرْضَ الشَّجَرِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ تَكَارَى الْأَرْضَ بِالثَّمَرَةِ دُونَ الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ فَإِنْ كانت الثَّمَرَةُ قد حَلَّ بَيْعُهَا جَازَ الْكِرَاءُ بها وَإِنْ كانت لم يَحِلَّ بَيْعُهَا لم يَحِلَّ الْكِرَاءُ بها قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عن تَرَاضٍ مِنْكُمْ } وقال عز وجل { ذلك بِأَنَّهُمْ قالوا إنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } فَكَانَتْ الْآيَتَانِ مُطْلَقَتَيْنِ على إحْلَالِ الْبَيْعِ كُلِّهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ دَلَالَةً من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أو في إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْهَلُوا مَعْنَى ما أَرَادَ اللَّهُ تَخُصُّ تَحْرِيمَ بَيْعٍ دُونَ بَيْعٍ فَنَصِيرُ إلَى قَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فيه لِأَنَّهُ الْمُبَيِّنُ عن اللَّهِ عز وجل مَعْنَى ما أَرَادَ اللَّهُ خَاصًّا وَعَامًّا وَوَجَدْنَا الدَّلَالَةَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِتَحْرِيمِ شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا التَّفَاضُلُ في النَّقْدِ وَالْآخَرُ النَّسِيئَةُ كُلُّهَا وَذَلِكَ أَنَّهُ يُحَرِّمُ الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَكَذَلِكَ الْفِضَّةُ وَكَذَلِكَ أَصْنَافٌ من الطَّعَامِ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ وَالتَّمْرُ وَالْمِلْحُ فَحُرِّمَ في هذا كُلِّهِ مَعْنَيَانِ التَّفَاضُلُ في الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَأَبَاحَ التَّفَاضُلَ في الْجِنْسَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ وَحَرَّمَ فيه كُلِّهِ النَّسِيئَةَ فَقُلْنَا الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ هَكَذَا لِأَنَّ نَصَّهُ في الْخَبَرِ وَقُلْنَا كُلُّ ما كان مَأْكُولًا وَمَشْرُوبًا هَكَذَا لِأَنَّهُ في مَعْنَى ما نَصَّ في الْخَبَرِ وما سِوَى هذا فَعَلَى أَصْلِ الْآيَتَيْنِ من إحْلَالِ اللَّهِ الْبَيْعَ حَلَالٌ كُلُّهُ بِالتَّفَاضُلِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً فَكَانَتْ لنا بهذا دَلَائِلُ مع ما وَصْفِنَا منها أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ابْتَاعَ عَبْدًا بِعَبْدَيْنِ وَأَجَازَ ذلك عَلِيُّ بن أبي طَالِبٍ وبن الْمُسَيِّبِ وبن عُمَرَ وَغَيْرُهُمْ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ وَلَوْ لم يَكُنْ فيه هذا الْخَبَرُ ما جَازَ فيه إلَّا هذا الْقَوْلُ على هذا الْمَعْنَى أو قَوْلٍ ثَانٍ وهو أَنْ يُقَالَ إذَا كان الشَّيْئَانِ من صِنْفٍ وَاحِدٍ فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَا سَوَاءً بِسَوَاءٍ وَعَيْنًا بِعَيْنٍ وَمِثْلًا بِمِثْلٍ كما يَكُونُ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ واذا اخْتَلَفَا فَلَا بَأْسَ بِالتَّفَاضُلِ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فيه نَسِيئَةً كما يَكُونُ الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ وَالتَّمْرُ بِالْحِنْطَةِ ثُمَّ لم يَجُزْ أَنْ يُبَاعَ بَعِيرٌ بِبَعِيرَيْنِ يَدًا بِيَدٍ من قِبَلِ أَنَّهُمَا من صِنْفٍ وَاحِدٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ رِحْلَتُهُمَا وَنَجَابَتُهُمَا وإذا لم يَجُزْ يَدًا بِيَدٍ كانت النَّسِيئَةُ أَوْلَى أَنْ لَا تَجُوزَ فَإِنْ قال قَائِلٌ قد يَخْتَلِفَانِ
____________________

(4/22)


في الرِّحْلَةِ وَكَذَلِكَ التَّمْرُ قد يَخْتَلِفُ في الْحَلَاوَةِ وَالْجَوْدَةِ حتى يَكُونَ الْمُدُّ من البردى ( ( ( البرني ) ) ) خَيْرًا من الْمُدَّيْنِ من غَيْرِهِ وَلَا يَجُوزُ إلَّا مِثْلٌ بِمِثْلٍ وَيَدًا بِيَدٍ لِأَنَّهُمَا تَمْرَانِ يُجْمَعَانِ مَعًا على صَاحِبِهِمَا في الصَّدَقَةِ لِأَنَّهُمَا جِنْسٌ وَكَذَلِكَ الْبَعِيرَانِ جِنْسٌ يَجْتَمِعَانِ على صَاحِبِهِمَا في الصَّدَقَةِ وَكَذَلِكَ الذَّهَبُ منه ما يَكُونُ الْمِثْقَالُ ثَمَنَ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا لِجَوْدَتِهِ وَمِنْهُ ما يَكُونُ الْمِثْقَالُ بِشَيْءٍ أَقَلَّ منه بِكَثِيرٍ لِتَفَاضُلِهِمَا وَلَا يَجُوزُ وَإِنْ تَفَاضَلَا أَنْ يُبَاعَا إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَيُجْمَعَانِ على صَاحِبِهِمَا في الصَّدَقَةِ فَإِمَّا أَنْ تَجْرِيَ الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا قِيَاسًا عليه وَإِمَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ كما قُلْنَا وَبِالدَّلَائِلِ التي وَصَفْنَا وَبِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعُوا على أَنَّ الذَّهَبَ وَالْوَرِقَ يُسَلَّمَانِ فِيمَا سِوَاهُمَا بِخِلَافِ ما سِوَاهُمَا فِيهِمَا فَأَمَّا أَنْ يَتَحَكَّمَ الْمُتَحَكِّمُ فيقول مَرَّةً في شَيْءٍ من الْجِنْسِ لَا يَجُوزُ الْفَضْلُ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ قِيَاسًا على هذا ثُمَّ يقول مَرَّةً أُخْرَى ليس هو من هذا فَإِنْ كان هذا جَائِزًا لِأَحَدٍ جَازَ لِكُلِّ امْرِئٍ أَنْ يَقُولَ ما خَطَر على قَلْبِهِ وَإِنْ لم يَكُنْ من أَهْلِ الْعِلْمِ لِأَنَّ الْخَاطِرَ لَا يَعْدُو أَنْ يُوَافِقَ أَثَرًا أو يُخَالِفَهُ أو قِيَاسًا أو يُخَالِفَهُ فإذا جَازَ لِأَحَدٍ الْأَخْذُ بِالْأَثَرِ وَتَرْكُهُ وَالْأَخْذُ بِالْقِيَاسِ وَتَرْكُهُ لم يَكُنْ هَا هُنَا مَعْنًى إلَّا أَنْ يَقُولَ امْرُؤٌ بِمَا شَاءَ وَهَذَا مُحَرَّمٌ على الناس ( قال الشَّافِعِيُّ ) الْإِجَارَةُ كما وَصَفْت بَيْعًا من الْبُيُوعِ فَلَا بَأْسَ أَنْ تَسْتَأْجِرَ الْعَبْدَ سَنَةً بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ فَتُعَجِّلَ الدَّنَانِيرَ أو تَكُونَ إلَى سَنَةٍ أو سَنَتَيْنِ أو عَشْرِ سِنِينَ فَلَا بَأْسَ إنْ كانت عَلَيْك خَمْسَةُ دَنَانِيرَ حَالَّةً أَنْ تُؤَاجِرَ بها عَبْدًا لَك من رَبِّ الدَّنَانِيرِ إذَا قَبَضَ الْعَبْدَ وَلَيْسَ من هذا شَيْءٌ دَيْنًا بِدَيْنٍ الْحُكْمُ في الْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَدْفَعَ إلَى الْمُسْتَأْجَرِ له نَقْدًا غير أَنَّ صَاحِبَهُ يَسْتَوْفِي الْإِجَارَةَ في مُدَّةٍ تَأْتِي وَلَوْلَا أَنَّ الْحُكْمَ فيه هَكَذَا ما جَازَتْ الْإِجَارَةُ بِدَيْنٍ أَبَدًا من قِبَلِ أَنَّ هذا دَيْنٌ بِدَيْنٍ وَلَا عُرِفَتْ لها وَجْهًا تَجُوزُ فيه وَذَلِكَ أَنِّي إنْ قُلْت لَا تَجِبُ الْإِجَارَةُ إلَّا بِاسْتِيفَاءِ الْمُسْتَأْجِرِ من الْمَنْفَعَةِ ما يَكُونُ له حِصَّةٌ من الثَّمَنِ كانت الْإِجَارَةُ مُنْعَقِدَةً وَالْمَنْفَعَةُ دَيْنٌ فَكَانَ هذا دَيْنًا بِدَيْنٍ وَلَوْ قُلْت يَجُوزُ أَنْ أَسْتَأْجِرَ مِنْك عَبْدَك بِعَشْرَةِ دَنَانِيرَ شَهْرًا فإذا مَضَى الشَّهْرُ دَفَعْت إلَيْك الْعَشَرَةَ كانت الْعَشَرَةُ دَيْنًا وَكَانَتْ الْمَنْفَعَةُ دَيْنًا فَكَانَ هذا دَيْنًا بِدَيْنٍ وَلَوْ قُلْت أَدْفَع إلَيْك عَشْرَةً وَأَقْبِضُ الْعَبْدَ يَخْدُمُنِي شَهْرًا كان هذا سَلَفًا في شَيْءٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ وَسَلَفًا غير مَضْمُونٍ على صَاحِبِهِ وكان هذا في هذه الْمَعَانِي كُلِّهَا إبْطَالُ الْإِجَارَاتِ وقد أَجَازَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَأَجَازَتْهَا السُّنَّةُ وَأَجَازَهَا الْمُسْلِمُونَ وقد كَتَبْنَا تَثْبِيتَ إجَازَتِهَا في كِتَابِ الْإِجَارَاتِ وَلَوْلَا أَنَّ ما قُلْت كما قُلْت إنْ دَفَعَ الْمُسْتَأْجِرُ من دَارٍ وَعَبْدٍ إلَى الْمُسْتَأْجَرِ دَفَعَ الْعَيْنَ التي فيها الْمَنْفَعَةُ فَيَحِلُّ في الْإِجَارَةِ النَّقْدُ وَالتَّأْخِيرُ لِأَنَّ هذا نَقْدٌ بِنَقْدٍ وَنَقْدٌ بِدَيْنٍ ما جَازَتْ الْإِجَارَاتُ بِحَالٍ أَبَدًا فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهِيَ لَا يُقْدَرُ على الْمَنْفَعَةِ فيها إلَّا في مُدَّةٍ تَأْتِي قُلْنَا قد عَقَلْنَا أَنَّ الْإِجَارَاتِ مُنْذُ كانت هَكَذَا فإن حُكْمَهَا حُكْمُ الطَّعَامِ يُبْتَاعُ كَيْلًا فَتُشْرَعُ في كَيْلِهِ فَلَا تَأْخُذْ منه ثَانِيًا أَبَدًا إلَّا بَعْدَ بَادِئٍ وَكَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُك فيه غَيْرُ هذا وَكَذَلِكَ السُّكْنَى وَالْخِدْمَةُ لَا يُمْكِنُ فِيهِمَا أَبَدًا غَيْرُ هذا فَأَمَّا من قال مِمَّنْ أَجَازَ الْإِجَارَاتِ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْعَبْدَ شَهْرًا بِدِينَارٍ أو شَهْرَيْنِ أو ثَلَاثَةً ثُمَّ قال وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لي عَلَيْك دِينَارٌ فاستأجره مِنْك بِهِ لِأَنَّ هذا دَيْنٌ بِدَيْنٍ فَاَلَّذِي أَجَازَ هو الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ إذَا كانت الْإِجَارَةُ دَيْنًا لَا شَكَّ وَاَلَّذِي أَبْطَلَ هو الذي يَنْبَغِي أَنْ يُجِيزَ من قِبَلِ أَنَّهُ يَجُوزُ لي أَنْ يَكُونَ لي عَلَيْك دِينَارٌ فَآخُذُ بِهِ مِنْك دَرَاهِمَ وَيَكُونُ كَيْنُونَتُهُ عَلَيْك كَقَبْضِك إيَّاهُ من يَدِي وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَك دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ مُؤَجَّلٍ وَيَزْعُمُ هُنَا في الصَّرْفِ أَنَّهُ نَقْدٌ وَيَزْعُمُ في الْإِجَارَةِ أَنَّهُ دَيْنٌ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ أَنَّهُ نَقْدٌ فِيهِمَا جميعا أو دَيْنٌ فِيهِمَا جميعا فَإِنْ جَازَ هذا جَازَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَجْعَلَهُ نَقْدًا حَيْثُ جَعَلَهُ دَيْنًا وَدَيْنًا حَيْثُ جَعَلَهُ نَقْدًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) الْبُيُوعُ الصَّحِيحَةُ صِنْفَانِ بَيْعُ عَيْنٍ يَرَاهَا الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ وَبَيْعُ صِفَةٍ مَضْمُونَةٍ على الْبَائِعِ وَبَيْعٌ ثَالِثٌ وهو الرَّجُلُ يَبِيعُ السِّلْعَةَ بِعَيْنِهَا غَائِبَةً عن الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي غير مَضْمُونَةٍ على الْبَائِعِ إنْ سَلِمَتْ السِّلْعَةُ حتى يَرَاهَا الْمُشْتَرِي كان فيها بِالْخِيَارِ بَاعَهُ إيَّاهَا على صِفَةٍ وَكَانَتْ
____________________

(4/23)


على تِلْكَ الصِّفَةِ التي بَاعَهُ إيَّاهَا أو مُخَالِفَةً لِتِلْكَ الصِّفَةِ لِأَنَّ بَيْعَ الصِّفَاتِ التي تَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ ما كان مَضْمُونًا على صَاحِبِهِ وَلَا يَتِمُّ الْبَيْعُ في هذا حتى يَرَى الْمُشْتَرِي السِّلْعَةَ فَيَرْضَاهَا وَيَتَفَرَّقَانِ بَعْدَ الْبَيْعِ من مَقَامِهِمَا الذي رَآهَا فيه فَحِينَئِذٍ يَتِمُّ الْبَيْعُ وَيَجِبُ عليه الثَّمَنُ كما يَجِبُ عليه الثَّمَنُ في سِلْعَةٍ حَاضِرَةٍ اشْتَرَاهَا حتى يَتَفَرَّقَا بَعْدَ الْبَيْعِ عن تَرَاضٍ فَيَلْزَمُهُمَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُبَاعَ هذه السِّلْعَةُ بِعَيْنِهَا إلَى أَجَلٍ من الْآجَالِ قَرِيبٍ وَلَا بَعِيدٍ من قِبَلِ أَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ بِالْأَجَلِ وَيَجُوزُ فِيمَا حَلَّ لِصَاحِبِهِ وَأَخَذَهُ مُشْتَرِيه وَلَزِمَهُ بِكُلِّ وَجْهٍ فَأَمَّا بَيْعٌ لم يَلْزَمْ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إلَى أَجَلٍ وَكَيْفَ يَكُونُ على الْمُشْتَرِي دَيْنٌ إلَى أَجَلٍ ولم يَتِمَّ له بَيْعٌ ولم يَرَهُ ولم يَرْضَهُ فَإِنْ تَطَوَّعَ فَنَقَدَ فيه على أَنَّهُ إنْ رضي كان نَقْدُ الثَّمَنِ وَإِنْ سَخِطَ رَجَعَ بِالثَّمَنِ لم يَكُنْ بهذا بَأْسٌ وَلَيْسَ هذا من بَيْعٍ وَسَلَفٍ وَلَا أَنْ أُسَلِّفَك في الطَّعَامِ إلَى أَجَلٍ فَآخُذَ مِنْك بَعْدَ مَجِيءِ الْأَجَلِ بَعْضَ طَعَامٍ وَبَعْضَ رَأْسِ مَالٍ فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنَّ هَذَيْنِ أو أَحَدَهُمَا أو ما كان في مِثْلِ مَعْنَاهُمَا أو مَعْنَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا من بَيْعٍ وَسَلَفٍ فَلَيْسَ هذا من ذلك بِسَبِيلٍ أَلَا تَرَى أَنَّ مَعْقُولًا لَا شَكَّ فيه في الحديث إذَا كان إنَّمَا نهى عن بَيْعٍ وَسَلَفٍ فَإِنَّمَا نهى أَنْ يُجْمَعَا وَنَهْيُهُ أَنْ يُجْمَعَا مَعْقُولٌ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَثْمَانَ لَا تَحِلُّ إلَّا مَعْلُومَةً فإذا اشْتَرَيْت شيئا بِعَشْرَةٍ على أَنْ أُسَلِّفَك عَشْرَةً أو تُسَلِّفَنِي عَشْرَةً فَهَذَا بَيْعٌ وَسَلَفٌ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ جَمَعَتْهُمَا مَعْلُومَ السَّلَفِ غير مَمْلُوكٍ لِلْمُسْتَسْلِفِ فَلَهُ حِصَّةٌ من الثَّمَنِ غَيْرِ مَعْلُومَةٍ أو لَا تَرَى بِأَنْ لَا بَأْسَ بِأَنْ أَبِيعَك على حِدَةٍ وَأُسَلِّفَك على حِدَةٍ إنَّمَا النَّهْيُ أَنْ يَكُونَا بِالشَّرْطِ مَجْمُوعَيْنِ في صَفْقَةٍ فَأَمَّا إذَا أَعْطَيْتُك عَشْرَةَ دَنَانِيرَ على مِائَةِ فِرْقٍ إلَى أَجَلٍ فَحَلَّتْ فَإِنَّمَا لي عَلَيْك الْمِائَةُ فَإِنْ أَخَذْتهَا كُلَّهَا فَهِيَ مَالِي وَإِنْ أَخَذْت بَعْضَهَا فَهِيَ بعض مَالِي وَأُقِيلُك فِيمَا بَقِيَ منها بِإِحْدَاثِ شَيْءٍ لم يَكُنْ على ولم يَكُنْ في أَصْلِ عَقْدِ الْبَيْعِ فَيَحْرُمُ بِهِ الْبَيْعُ وإذا جَازَ أَنْ أُقِيلَك منها كُلِّهَا فَيَكُونُ هذا إحْدَاثُ إقَالَةٍ لم تَكُنْ عَلَيَّ جَازَ هذا في بَعْضِهَا ( قال الرَّبِيعُ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) الْبَيْعُ بَيْعَانِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا أَحَدُهُمَا بَيْعُ عَيْنٍ يَرَاهَا الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي عِنْدَ تَبَايُعِهِمَا وَبَيْعٌ مَضْمُونٌ بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ وَكَيْلٍ مَعْلُومٍ وَأَجَلٍ مَعْلُومٍ وَالْمَوْضِعُ الذي يُقْبَضُ فيه ( قال الرَّبِيعُ ) وقد كان الشَّافِعِيُّ يُجِيزُ بَيْعَ السِّلْعَةِ بِعَيْنِهَا غَائِبَةً بِصِفَةٍ ثُمَّ قال لَا يَجُوزُ من قِبَلِ أنها قد تَتْلَفُ فَلَا يَكُونُ يَتِمُّ الْبَيْعُ فيها فلما كانت مَرَّةً تَسْلَمُ فَيَتِمُّ الْبَيْعُ وَمَرَّةً تَعْطَبُ فَلَا يَتِمُّ الْبَيْعُ كان هذا مَفْسُوخًا - * كِرَاءُ الدَّوَابِّ - * أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال وإذا تَكَارَى رَجُلٌ دَابَّةً من مَكَّةَ إلَى مَرٍّ فَرَكِبَهَا إلَى الْمَدِينَةِ فَعَلَيْهِ الْكِرَاءُ الذي تَرَاضَيَا عليه إلَى مَرٍّ فَإِنْ سَلِمَتْ الدَّابَّةُ فَعَلَيْهِ كِرَاءُ مِثْلِهَا إلَى الْمَدِينَةِ وَإِنْ عَطِبَتْ الدَّابَّةُ فَعَلَيْهِ الْكِرَاءُ إلَى مَرٍّ وَقِيمَةُ الدَّابَّةِ وَإِنْ نَقَصَتْ بِعَيْبٍ دَخَلَهَا من رُكُوبِهِ فَأَثَّرَ فيها مِثْلَ الدَّبْرِ وَالْعَوَرِ وما أَشْبَهَ ذلك رَدَّهَا وَأَخَذَ قِيمَةَ ما نَقَصَهَا كما يَأْخُذُ قِيمَتَهَا لو هَلَكَتْ وإذا رَجَعَتْ إلَى صَاحِبِهَا أَخَذَ ما نَقَصَهَا وَكِرَاءَ مِثْلِهَا إلَى حَيْثُ تَعَدَّى وإذا هَلَكَتْ الدَّابَّةُ فلم يَتَعَدَّ الْمُكْتَرِي الْبَلَدَ الذي تَكَارَاهَا إلَيْهِ ولم يَتَعَدَّ بِأَنْ يَحْمِلَ عليها ما ليس له وَلَا أَنْ يَرْكَبَهَا رُكُوبًا لَا تَرْكَبُهُ الدَّوَابُّ فَلَا ضَمَانَ عليه وَإِنْ كان الْكِرَاءُ ذَاهِبًا وَجَائِيًا فَإِنَّمَا عليه في الذَّهَابِ نِصْفُ الْكِرَاءِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الذَّهَابُ وَالْجِيئَةُ يَخْتَلِفَانِ فَيُقْسَمُ الْكِرَاءُ على قَدْرِ اخْتِلَافِهِمَا بِقَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِاخْتِلَافِهِمَا وَلَوْ تَعَدَّى عليها بعد ما بَلَغَتْ الْمَكَانَ الذي تكاراها ( ( ( تكارها ) ) ) إلَيْهِ مِيلًا أو أَقَلَّ ثُمَّ رَدَّهَا فَعَطِبَتْ في الْمَوْضِعِ الذي اكْتَرَاهَا إلَيْهِ ضَمِنَ لَا يَخْرُجُ من الضَّمَانِ الذي تَعَدَّى إلَّا بِأَدَائِهَا سَالِمَةً إلَى رَبِّهَا
____________________

(4/24)


- * الْإِجَارَاتُ - * أخبرنا الرَّبِيعُ قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال قَائِلٌ ليس كِرَاءُ الْبُيُوتِ وَلَا الْأَرْضِينَ وَلَا الظَّهْرِ يُلَازِمُ وَلَا جَائِزٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ تَمْلِيكٌ وَالتَّمْلِيكُ بَيْعٌ وَلَمَّا رَأَيْنَا الْبُيُوعَ تَقَعُ على أَعْيَانِ حَاضِرَةٍ تُرَى وَأَعْيَانٍ غَائِبَةٍ مَوْصُوفَةٍ مَضْمُونَةٍ وَالْكِرَاءُ ليس بِعَيْنٍ حَاضِرٍ وَلَا غَائِبٍ يُرَى أَبَدًا وَرَأَيْنَا من أَجَازَهُمَا قال إذَا انْهَدَمَ الْمَنْزِلُ أو هَلَكَ الْعَبْدُ انْتَقَضَ الْكِرَاءُ وَالْإِجَارَةُ فِيهِمَا وَإِنَّمَا التَّمْلِيكُ ما انْقَطَعَ مِلْكُ صَاحِبِهِ عنه إلَى من مَلَّكَهُ إيَّاهُ وهو إذَا مَلَكَ مُسْتَأْجِرُهُ مَنْفَعَتَهُ فَالْإِجَارَةُ لَيْسَتْ هَكَذَا مِلْكُ الْعَبْدِ لِمَالِكِهِ وَمَنْفَعَتُهُ لِمُسْتَأْجِرِهِ إلَى الْمُدَّةِ التي تُشْتَرَطُ وَخِدْمَةُ الْعَبْدِ مَجْهُولَةٌ أَيْضًا مُخْتَلِفَةٌ بِقَدْرِ نَشَاطِهِ وَبَذْلِهِ وَكَسَلِهِ وَضَعْفِهِ وَكَذَلِكَ الرُّكُوبُ مُخْتَلِفٌ فَفِيهَا أُمُورٌ تُفْسِدُهَا وَهِيَ عِنْدَنَا بَيْعٌ وَالْبُيُوعُ كما وَصَفْنَا وَمَنْ أَجَازَهَا فَقَدْ يَحْكُمُ فيها بِحُكْمِ الْبَيْعِ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ وَيُخَالِفُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْبَيْعِ في أنها تَمْلِيكٌ وَلَيْسَتْ مُحَاطًا بها فَإِنْ قال أُشَبِّهُهَا بِالْبَيْعِ فَلْيَحْكُمْ لها بِحُكْمِهِ وَإِنْ قال هِيَ بَيْعٌ فَقَدْ أَجَازَ فيها ما لَا يُجِيزُهُ في الْبَيْعِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا الْقَوْلُ جَهْلٌ مِمَّنْ قَالَهُ وَالْإِجَارَاتُ أُصُولٌ في أَنْفُسِهَا بُيُوعٌ على وَجْهِهَا وَهَذَا كُلُّهُ جَائِزٌ قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } فَأَجَازَ الْإِجَارَةَ على الرَّضَاعِ وَالرَّضَاعُ يَخْتَلِفُ لِكَثْرَةِ رَضَاعِ الْمَوْلُودِ وَقِلَّتِهِ وَكَثْرَةِ اللَّبَنِ وَقِلَّتِهِ وَلَكِنْ لَمَّا لم يُوجَدْ فيه إلَّا هذا جَازَتْ الْإِجَارَةُ عليه وإذا جَازَتْ عليه جَازَتْ على مِثْلِهِ وما هو في مِثْلِ مَعْنَاهُ وَأَحْرَى أَنْ يَكُونَ أَبَيْنَ منه وقد ذَكَرَ اللَّهُ عز وجل الْإِجَارَةَ في كِتَابِهِ وَعَمِلَ بها بَعْضُ أَنْبِيَائِهِ قال اللَّهُ عز وجل { قالت إحْدَاهُمَا يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إنَّ خَيْرَ من اسْتَأْجَرَتْ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ قال إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَك إحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ على أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ } الْآيَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) قد ذَكَرَ اللَّهُ عز وجل أَنَّ نَبِيًّا من أَنْبِيَائِهِ آجَرَ نَفْسَهُ حِجَجًا مُسَمَّاةً مَلَّكَهُ بها بِضْعَ امْرَأَةٍ فَدَلَّ على تَجْوِيزِ الْإِجَارَةِ وعلى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بها على الْحِجَجِ إنْ كان على الْحِجَجِ اسْتَأْجَرَهُ وَإِنْ كان اسْتَأْجَرَهُ على غَيْرِ حِجَجٍ فَهُوَ تَجْوِيزُ الْإِجَارَةِ بِكُلِّ حَالٍ وقد قِيلَ اسْتَأْجَرَهُ على أَنْ يَرْعَى له وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَمَضَتْ بها السُّنَّةُ وَعَمِلَ بها غَيْرُ وَاحِدٍ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا يَخْتَلِفُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا عَلِمْنَاهُ في إجازتها ( ( ( إجارتها ) ) ) وَعَوَامُّ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ ( أخبرنا ) مَالِكٌ عن رَبِيعَةَ بن أبي عبد الرحمن عن حَنْظَلَةَ بن قَيْسٍ أَنَّهُ سَأَلَ رَافِعَ بن خَدِيجٍ عن كِرَاءِ الْأَرْضِ فقال نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن كِرَاءِ الْأَرْضِ فقال أَبِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ قال أَمَّا بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَلَا بَأْسَ بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَرَافِعٌ سمع النَّهْيَ من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وهو أَعْلَمُ بِمَعْنَى ما سمع وَإِنَّمَا حَكَى رَافِعٌ النَّهْيَ عن كِرَائِهَا بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَكَذَلِكَ كانت تُكْرَى وقد يَكُونُ سَالِمٌ سمع عن رَافِعٍ بِالْخَبَرِ جُمْلَةً فَرَأَى أَنَّهُ حَدَثَ بِهِ عن الْكِرَاءِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فلم يَرَ بِالْكِرَاءِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ بَأْسًا لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الْأَرْضَ تُكْرَى بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وقد بَيَّنَهُ غَيْرُ مَالِكٍ عن رَافِعٍ أَنَّهُ على كِرَاءِ الْأَرْضِ بِبَعْضِ ما يَخْرُجُ منها ( أخبرنا ) مَالِكُ بن أَنَسٍ عن بن شِهَابٍ عن سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ سَأَلَهُ عن اسْتِكْرَاءِ الْأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فقال لَا بَأْسَ بِهِ ( أخبرنا ) مَالِكٌ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه شَبِيهًا بِهِ أخبرنا مَالِكُ بن أَنَسٍ عن بن شِهَابٍ عن سَالِمٍ عن أبيه مثله أخبرنا مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ الرحمن بن عَوْفٍ تَكَارَى أَرْضًا فلم تَزَلْ بيده حتى هَلَكَ قال ابْنُهُ فما كُنْت أَرَاهَا إلَّا أنها له من طُولِ ما مَكَثَتْ بيده حتى ذَكَرَهَا عِنْدَ مَوْتِهِ فَأَمَرَنَا بِقَضَاءِ شَيْءٍ بَقِيَ عليه من كِرَائِهَا من ذَهَبٍ أو وَرِقٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْإِجَارَاتُ صِنْفٌ من الْبُيُوعِ لِأَنَّ الْبُيُوعَ كُلَّهَا إنَّمَا هِيَ تَمْلِيكٌ من كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ يَمْلِكُ بها الْمُسْتَأْجِرُ الْمَنْفَعَةَ التي في الْعَبْدِ وَالْبَيْتِ وَالدَّابَّةِ إلَى الْمُدَّةِ التي اشْتَرَطَ حتى يَكُونَ أَحَقَّ بِالْمَنْفَعَةِ التي مَلَكَ
____________________

(4/25)


من مَالِكِهَا وَيَمْلِكُ بها مَالِكٌ الدَّابَّةَ وَالْبَيْتَ الْعِوَضَ الذي أَخَذَهُ عنها وَهَذَا الْبَيْعُ نَفْسُهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ قد تُخَالِفُ الْبُيُوعُ في أنها بِغَيْرِ أَعْيَانِهَا وَأَنَّهَا غَيْرُ عَيْنٍ إلَى مُدَّةٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَهِيَ مَنْفَعَةٌ مَعْقُولَةٌ من عَيْنٍ مَعْرُوفَةٍ فَهِيَ كَالْعَيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْبُيُوعُ قد تَجْتَمِعُ في مَعْنَى أنها مِلْكٌ وَتَخْتَلِفُ في أَحْكَامِهَا وَلَا يَمْنَعُهَا اخْتِلَافُهَا في عَامَّةِ أَحْكَامِهَا وَأَنَّهُ يَضِيقُ في بَعْضِهَا الْأَمْرُ وَيَتَّسِعُ في غَيْرِهِ من أَنْ تَكُونَ كُلُّهَا بُيُوعًا يُحَلِّلُهَا ما يُحَلِّلُ الْبَيْعَ وَيُحَرِّمُهَا ما يُحَرِّمُ الْبَيْعَ في الْجُمْلَةِ ثُمَّ تَخْتَلِفُ بَعْدُ في مَعَانٍ أُخَرُ فَلَا يَبْطُلُ صِنْفٌ منها خَالَفَ صِنْفًا في بَعْضِ أَمْرِهِ بِخِلَافِهِ صَاحِبَهُ وَإِنْ كَانَا قد يَتَّفِقَانِ في مَعْنًى غَيْرِ الْمَعْنَى الذي اخْتَلَفَا فيه فَالْبُيُوعُ لَا تَحِلُّ إلَّا بِرِضًا من الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَعِنْدَنَا لَا تَجِبُ إلَّا بِأَنْ يَتَفَرَّقَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي من مَقَامِهِمَا أو أَنْ يُخَيِّرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ فَيَخْتَارُ إجَازَةَ الْبَيْعِ ثُمَّ تَخْتَلِفُ الْبُيُوعُ فَيَكُونُ منها الْمُتَصَارِفَانِ لَا يَحِلُّ لَهُمَا أَنْ يَتَبَايَعَا ذَهَبًا بِذَهَبٍ وَإِنْ تَفَاضَلَتْ الذَّهَبُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ ثُمَّ يَكُونَانِ إنْ تَصَارَفَا ذَهَبًا بِوَرِقٍ فَلَا بَأْسَ بِالْفَضْلِ في أَحَدِهِمَا على الْآخَرِ يَدًا بِيَدٍ فَإِنْ تَفَرَّقَ الْمُتَصَارِفَانِ الْأَوَّلَانِ أو هَذَانِ قبل أَنْ يَتَقَابَضَا انْتَقَضَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا وَيَكُونُ الْمُتَبَايِعَانِ السِّلْعَةَ سِوَى الصَّرْفِ يَتَبَايَعَانِ الثَّوْبَ بِالنَّقْدِ وَيَقْبِضُ الثَّوْبَ المشترى وَلَا يَدْفَعُ الثَّمَنَ إلَّا بَعْدَ حِينٍ فَلَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ وَيَكُونُ السَّلَفُ في الشَّيْءِ الْمَضْمُونِ إلَى أَجَلٍ يُعَجِّلُ الثَّمَنَ وَيَكُونُ المشتري غير حَالٍّ على صَاحِبِهِ إلَّا أَنَّهُ يَكُونُ مَضْمُونًا وَيُضَيَّقُ فِيمَا كان يَكُونُ غير هذا من الْبُيُوعِ التي جَازَتْ في هذا مع اخْتِلَافِ الْبُيُوعِ في غَيْرِ هذا وَكُلُّ ما يَقَعُ عليه جُمْلَةً اسْمُ الْبَيْعِ وَلَا يَحِلُّ إلَّا بِتَرَاضٍ مِنْهُمَا فَحُكْمُهُمَا في هذا وَاحِدٌ وفي سِوَاهُ مُخْتَلِفٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقَبْضُ الْإِجَارَاتِ الذي يَجِبُ بِهِ على الْمُسْتَأْجِرِ دَفْعُ الثَّمَنِ كما يَجِبُ دَفْعُ الثَّمَنِ إذَا دُفِعَتْ السِّلْعَةُ الْمُشْتَرَاةُ بِعَيْنِهَا أَنْ يَدْفَعَ الشَّيْءَ الذي فيه الْمَنْفَعَةُ إنْ كان عَبْدًا اُسْتُؤْجِرَ دَفَعَ الْعَبْدَ وَإِنْ كان بَعِيرًا دَفَعَ الْبَعِيرَ وَإِنْ كان مَسْكَنًا دَفَعَ الْمَسْكَنَ حتى يَسْتَوْفِيَ الْمَنْفَعَةَ التي فيه كَمَالُ الشَّرْطِ إلَى الْمُدَّةِ التي اشْتَرَطَ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ له دَفْعٌ إلَّا هَكَذَا فَإِنْ قال قَائِلٌ هذا دَفْعُ ما لَا يُعْرَفُ فَهَذَا من عِلَّةِ أَهْلِ الْجَهَالَةِ الَّذِينَ أَبْطَلُوا الْإِجَارَاتِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْمَنْفَعَةُ من عَيْنٍ مَعْرُوفَةٍ قَائِمَةٍ إلَى مُدَّةٍ كَدَفْعِ الْعَيْنِ وَإِنْ كانت الْمَنْفَعَةُ غير عَيْنٍ تُرَى فَهِيَ مَعْقُولَةٌ من عَيْنٍ وَلَيْسَ دَفْعُ الْمَنْفَعَةِ بِدَفْعِ الشَّيْءِ الذي بِهِ الْمَنْفَعَةُ وَإِنْ كانت الْمَنْفَعَةُ غير عَيْنٍ تُرَى حين دُفِعَتْ فَأَوْلَى أَنْ يَفْسُدَ الْبَيْعُ من مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ وَإِنْ كانت غير عَيْنٍ وإذا صَحَّ أَنْ يَمْلِكَهَا من السِّلْعَةِ وَالْمَسْكَنِ وَهِيَ غَيْرُ عَيْنٍ وَلَا مَضْمُونَةٍ فلم تَفْسُدْ كما زَعَمَ من أَفْسَدَهَا لِأَنَّهَا وَإِنْ كانت غير عَيْنٍ فَهِيَ كَالْعَيْنِ بِأَنَّهَا من عَيْنٍ فَكَأَنَّهُ شَيْءٌ انْتَفَعُوا بِهِ من عَيْنٍ مَعْرُوفَةٍ وَأَجَازَهُ الْمُسْلِمُونَ له فَدَفَعَهُ إذَا دَفَعَ كما لَا يُسْتَطَاعُ غَيْرُهُ أَوْلَى أَنْ يَقُومَ مَقَامَ الدَّفْعِ من الْأَعْيَانِ وَالدَّفْعُ أَخَفُّ من مِلْكِ الْعُقْدَةِ لِأَنَّ الْعُقْدَةَ تَفْسُدُ فَيَبْطُلُ الدَّفْعُ وَالدَّفْعُ يَفْسُدُ وَلَا تَفْسُدُ الْعُقْدَةُ فإذا جَازَ أَنْ يَكُونَ مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ مَعْرُوفًا وَإِنْ كان بِغَيْرِ عَيْنِهِ من عَيْنٍ فَيَصِحُّ وَيَلْزَمُ كما يَصِحُّ مِلْكُ الْأَعْيَانِ جَازَ أَنْ يَكُونَ الدَّفْعُ لِلْعَيْنِ التي فيها الْمَنْفَعَةُ يَقُومُ مَقَامَ دَفْعِ الْأَعْيَانِ إذَا دُفِعَتْ الْعَيْنُ التي فيها الْمَنْفَعَةُ فَهُوَ كَدَفْعِ الْعَيْنِ إذَا كان هذا الدَّفْعُ الذي لَا يُسْتَطَاعُ فيها غَيْرُهُ أَبَدًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقال قَوْلَنَا في إجَازَةِ الْإِجَارَاتِ بَعْضُ الناس وَشَدَّدَهَا وَاحْتَجَّ فيها بِالْآثَارِ وَزَعَمَ أَنَّ ما احْتَجَجْنَا بِهِ فيها حُجَّةٌ على من خَالَفَنَا في رَدِّهَا لَا يَخْرُجُ منها ثُمَّ عَادَ لِمَا ثَبَتَ منها فقال فيها أَقَاوِيلَ كَأَنَّهُ عَمَدَ نَقْضَ بَعْضِ ما ثَبَتَ منها وَتَوْهِينَ ما شُدِّدَ فقال الْإِجَارَاتُ جَائِزَةٌ وقال إذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ عَبْدًا أو مَنْزِلًا لم يَكُنْ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَأْخُذَ المؤاجر ( ( ( المؤجر ) ) ) بِالْإِجَارَةِ وَإِنَّمَا يَجِبُ له من الْإِجَارَةِ بِقَدْرِ ما اُخْتُدِمَ الْعَبْدُ أو سَكَنَ الْمَسْكَنَ كَأَنَّهُ تَكَارَى بَيْتًا بِثَلَاثِينَ دِرْهَمًا في كل شَهْرٍ فما لم
____________________

(4/26)


يَسْكُن لم يَجِبْ عليه شَيْءٌ ثُمَّ إذَا سَكَنَ يَوْمًا فَقَدْ وَجَبَ عليه دِرْهَمٌ ثُمَّ هَكَذَا على هذا الْحِسَابِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقُلْت لِبَعْضِ من يقول هذا الْقَوْلَ الْخَبَرُ وَإِجْمَاعُ الْفُقَهَاءِ بِإِجَازَةِ الْإِجَارَةِ ثَابِتٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَك وَالْإِجَارَةُ مِلْكٌ من الْمُسْتَأْجِرِ لِلْمَنْفَعَةِ وَمِنْ الْمُؤَجَّرِ لِلْعِوَضِ الذي بِالْمَنْفَعَةِ وَالْبُيُوعُ إنَّمَا هِيَ تَحْوِيلُ لملك ( ( ( الملك ) ) ) من شَيْءٍ لِمُلْكِ غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ الْإِجَارَةُ فقال منهم قَائِلٌ لَيْسَتْ الْإِجَارَةُ بِبَيْعٍ قُلْنَا وَكَيْفَ زَعَمْت أنها لَيْسَتْ بِبَيْعٍ وَهِيَ تَمْلِيكُ شَيْءٍ بِتَمْلِيكِ غَيْرِهِ قال أَلَا تَرَى أَنَّ لها اسْمًا غير الْبَيْعِ قُلْنَا قد يَكُونُ لِلْبُيُوعِ أَسْمَاءٌ مُخْتَلِفَةٌ تُعْرَفُ دُونَ الْبُيُوعِ وَالْبُيُوعُ تَجْمَعُهَا مِثْلَ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ يُعْرَفَانِ بِلَا اسْمِ بَيْعٍ وَهُمَا من الْبُيُوعِ عِنْدَنَا وَعِنْدَك قال فَكَيْفَ يَقَعُ الْبَيْعُ مَغِيبًا لَعَلَّهُ لَا يَتِمُّ قُلْنَا أو ليس قد نُوقِعُ نَحْنُ وَأَنْتَ الْبَيْعَ على الْمَغِيبِ إلَى الْمُدَّةِ الْبَعِيدَةِ في السَّلَمِ وَنُوقِعُهَا أَيْضًا على الرُّطَبِ بِكَيْلٍ وَالرُّطَبُ قد يَنْفَدُ ثُمَّ تُخَيِّرُ أنت الْمُشْتَرِي إذَا لم يَقْبِضْ حتى يَنْفَدَ في رَدِّهِ إلَى رَأْسِ مَالِهِ وَأَنْ يترك ( ( ( تترك ) ) ) إلَى رُطَبٍ قَابِلٍ فَإِمَّا أَخَّرَ مَالَهُ عن غَلَّةِ سَنَةٍ إلَى سَنَةٍ أُخْرَى وَإِمَّا رَجَعَ إلَيْهِ رَأْسُ مَالِهِ بَعْدَ حَبْسِهِ وقد كان يَمْلِكُ بِهِ رُطَبًا بِكَيْلٍ مَعْلُومٍ فلم يَقْبِضْ ما ملك كما مَلَكَ ولم يَكُنْ في يَدَيْهِ رَأْسُ مَالِهِ قال هذا كُلُّهُ مَضْمُونٌ قُلْنَا أو لست قد جَعَلَتْهُ مَضْمُونًا ثُمَّ صِرْت إلَى أَنْ تَحْكُمَ له في الْمَضْمُونِ بِأَحَدِ حُكْمَيْنِ تُخَيِّرُهُ أنت في أَنْ يَرُدَّ رَأْسَ الْمَالِ وَتُبْطِلُ ما وَجَبَ له وَضَمِنَ الرُّطَبَ بعد ما انْتَفَعَ بِهِ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ ولم يَنْتَفِعْ الْمُسَلِّمُ وأما أَنْ يُؤَخِّرَ مَالَهُ عن غَلَّةِ سَنَةٍ بِلَا طِيبٍ من نَفْسِهِ إلَى سَنَةٍ أُخْرَى فقال هذا كُلُّهُ كما قُلْت وَلَكِنِّي لَا أَجِدُ غَيْرَهُ فيه قُلْت فإذا كان قَوْلُك لَا أَجِدُ غَيْرَهُ فيه حُجَّةً فَكَيْفَ لم تَجْعَلْ لنا الذي هو أَوْضَحُ وَأَبْيَنُ وَنَحْنُ لَا نَجِدُ فيه غَيْرَهُ حُجَّةً قال وما ذَاكَ قُلْنَا زَعَمْنَا أَنَّ الْبُيُوعَ تَجُوزُ وَيَحِلُّ ثَمَنُهَا مَقْبُوضًا وَأَنَّ الْقَبْضَ مُخْتَلِفٌ فَمِنْهُ ما يُقْبَضُ بِالْيَدِ وَمِنْهُ ما يُدْفَعُ إلَيْهِ الْمِفْتَاحُ وَذَلِكَ في الدُّورِ وَمِنْهُ ما يُخَلَّى الْمَالِكُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي وهو لَا يُغْلِقُ عليه وَلَا يَقْبِضُهُ بيده وَذَلِكَ مِثْلُ الْأَرْضِ الْمَحْدُودَةِ وَمِنْهُ ما هو مُشَاعٌ في الْأَرْضِ لَا يدري أَشَرْقِيُّهَا هو أَمْ غَرْبِيُّهَا غير أَنَّهُ شَرِيكٌ في كُلِّهَا وَمِنْهُ ما هو مُشَاعٌ في الْعَبْدِ لَا يَنْفَصِلُ أَبَدًا وَكُلُّ هذا يُقَالُ له دَفْعٌ يُقْبَضُ بِهِ الثَّمَنُ وَيَجِبُ دَفْعُهُ وَيَتِمُّ بِهِ الْبَيْعُ وهو قَبْضٌ مُخْتَلِفٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ فيه مع اخْتِلَافِهِ غير هذا فَلَوْ قال لَك مُشْتَرِي نِصْفَ الْعَبْدِ الْبَيْعُ يَتِمُّ مَقْبُوضًا وَالْقَبْضُ ما يَكُونُ مُنْفَصِلًا مَعْرُوفًا وَلَيْسَ يَكُونُ في نِصْفِ الْعَبْد قَبْضٌ فَأَنَا أَنْقُضُ الْبَيْعَ قُلْت الْقَبْضُ يَخْتَلِفُ فإذا لم يَكُنْ دُونَ نِصْفِ الْعَبْدِ حَائِلٌ وَسَلَّمَهُ إلَيْك فَهَذَا الْقَبْضُ الذي لَا يُسْتَطَاعُ غَيْرُهُ في هذا وَمِنْ دفع الدَّفْعِ الذي لَا يُسْتَطَاعُ غَيْرُهُ فَقَدْ وَجَبَ له الثَّمَنُ فَالْمَنْفَعَةُ التي في الْعَبْدِ بِالْإِجَارَةِ لَا يُسْتَطَاعُ دَفْعُهَا إلَّا بِأَنْ يُسَلِّمَ الْعَبْدَ أو الْمَسْكَنَ فإذا دَفَعْت كما لَا يُسْتَطَاعُ غَيْرُهُ فَلِمَ لَا يَجِبُ ما تَمْلِكُ بِهِ الْمَنْفَعَةَ ما بين هذا فَرْقٌ وَقَبْضُ الْإِجَارَةِ إنَّمَا هو دَفْعُ الذي فيه الْإِجَارَةُ وَسَلَامَتُهُ فإذا دَفَعَ الدَّارَ وَسَلِمَتْ فَلَهُ سُكْنَاهَا إلَى الْمُدَّةِ وإذا دَفَعَ الْعَبْدَ وَسَلِمَ فَلَهُ خِدْمَتُهُ إلَى مُدَّةِ شَرْطِهِ وَخِدْمَتِهِ حَرَكَةً يُحْدِثُهَا الْعَبْدُ وَلَيْسَتْ في الدَّارِ حَرَكَةٌ تُحْدِثُهَا إنَّمَا مَنْفَعَتُهُ فيها مَحَلِّيَّتُهُ إيَّاهَا وَلَا يُسْتَطَاعُ أَبَدًا في دَفْعِ ما مَلَكَ الْمُسْتَأْجِرُ غير تَسْلِيمِ ما فيه الْمَنْفَعَةُ إلَيْهِ وَسَلَامَةُ ما فيه الْمَنْفَعَةُ حتى تَتِمَّ الْمَنْفَعَةُ إلَى مُدَّتِهَا فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَذَا ليس كَدَفْعِ الْأَعْيَانِ الْأَعْيَانَ بِدَفْعٍ يُرَى وَهَذَا بِدَفْعٍ لَا يُرَى قِيلَ وما يَخْتَلِفُ دَفْعُ الْأَعْيَانِ فيه فَتَكُونُ عين ( ( ( عينا ) ) ) أَشْتَرِيهَا بِعَيْنِهَا عِنْدَك وتصف ( ( ( ونصف ) ) ) لي فإذا رَأَيْتهَا كُنْت بِالْخِيَارِ وقد كانت عِنْدَ تَبَايُعِنَا عَيْنًا مَضْمُونَةً كَالسَّلَمِ مَضْمُونًا وَيَكُونُ السَّلَمُ بِالصِّفَةِ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَيَجِبُ ثَمَنُهُ وَإِنَّمَا هو صِفَةٌ لَا عَيْنٌ فإذا أَرَادَ الْمُسَلِّمُ نَقْضَ الْبَيْعِ أو الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ لم يَكُنْ ذلك لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنْ جاء بِهِ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ فقال الْمُسَلِّمُ لَا أَرْضَى قُلْت له ليس ذلك لَك إذَا جاء على الصِّفَةِ التي شُرِطَتْ لم يَكُنْ لَك خِيَارٌ قال بَلَى قد يَفْعَلُ هذا كُلَّهُ وَلَكِنَّ الْإِجَارَاتِ مَغِيبَةٌ قُلْنَا مَغِيبَةٌ مَعْقُولَةٌ كَالسَّلَمِ مَغِيبٌ مَوْصُوفٌ قال هو وَإِنْ كان مَوْصُوفًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ يَصِيرُ إلَى أَنْ يَكُونَ عَيْنًا قُلْت يَكُونُ عَيْنًا وهو لم يُرَ فَلَا يَكُونُ فيها خِيَارٌ كما يَكُونُ
____________________

(4/27)


في الْأَعْيَانِ التي لم تُرَ قال فَهِيَ على الصِّفَةِ قُلْنَا وَلِمَ لَا تَجْعَلُ ما اشترى ولم يُرَ من غَيْرِ السَّلَمِ وقد وُصِفَ كما وُصِفَ السَّلَمُ إذَا جاء على الصِّفَةِ يَلْزَمُ كما يَلْزَمُ السَّلَمُ قال الْبُيُوعُ قد تَخْتَلِفُ قُلْنَا فَنَرَاك تُجِيزُهَا مع اخْتِلَافِهَا لِنَفْسِك وَتُرِيدُ أَنْ لَا تُجِيزَهَا مع اخْتِلَافِهَا لنا قال إنِّي وَإِنْ أَجَزْتهَا فَهِيَ صَائِرَةٌ عَيْنًا قُلْنَا الصِّفَةُ في السَّلَمِ قبل يَكُونُ الشِّرَاءُ مَغِيبَةٌ مَوْصُوفٌ بها شَيْءٌ لم يُخْلَقْ بَعْدُ من ثِيَابٍ وَطَعَامٍ قال وَلَكِنَّهَا تَقَعُ على عَيْنٍ فَتُعْرَفُ قُلْنَا فَالْإِجَارَةُ في عَيْنِ قَائِمٍ تَكُونُ في ذلك الْعَيْنِ قَائِمَةٌ تُعْرَفُ فَإِنْ زَعَمْت أَنَّ الْإِجَارَةَ إنَّمَا هِيَ مَنْفَعَةٌ وَالْمَنْفَعَةُ مَغِيبَةٌ وقد تَخْتَلِفُ فَلِمَ أَجَزْتهَا ولم تَقُلْ فيها قَوْلَ من رَدَّهَا وَعِبْت من رَدَّهَا وَنَسَبْته إلَى الْجَهَالَةِ قال لِأَنَّهُ تَرَكَ السُّنَّةَ وَإِجْمَاعَ الْفُقَهَاءِ وَلَيْسَ في السُّنَّةِ وَلَا إجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ إلَّا التَّسْلِيمُ وَلَا تُضْرَبُ له الْأَمْثَالُ وَلَا تَدْخُلُ عليه الْمَقَايِيسُ قُلْنَا فإذا اجْتَمَعَ الْفُقَهَاءُ على إجَازَتِهَا وَصَيَّرُوهَا مِلْكَ مَنْفَعَةٍ مَعْقُولَةٍ وَإِنْ كانت لَا تَكُونُ شيئا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ وَلَا يُذْرَعُ وأجازوها ( ( ( وأجازها ) ) ) مَغِيبَةً وَأَوْجَبُوهَا كما أَوْجَبُوا غَيْرَهَا من الْبُيُوعِ ثُمَّ صِرْت إلَى عَيْبِ قَوْلنَا فيها وَأَنْتَ تُجِيزُهَا وَقَوْلُنَا قَوْلٌ مُسْتَقِيمٌ على السُّنَّةِ وَالْآثَارِ وَصِرْت تحتج بِحُجَّةِ من أَبْطَلَهَا فإذا قِيلَ لَك إنْ كانت في هذا حُجَّةٌ فَأَبْطِلْهَا وَإِنْ لم يَكُنْ فيه حُجَّةٌ فَلَا تَحْتَجَّ بِهِ قُلْت لَا أُبْطِلُهَا لِأَنَّهَا السُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الْفُقَهَاءِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَدَعْ حُجَّةَ من أَخْطَأَ في إبْطَالِهَا وَأَجِزْهَا كما أَجَازَهَا الْفُقَهَاءُ فَقَدْ أَجَازُوهَا وإذا أَجَازُوهَا فَلَا يَجُوزُ عِنْدَنَا أَنْ يَكُونُوا أَجَازُوهَا إلَّا على أنها تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ مَعْقُولَةٍ وما كان تَمْلِيكًا فَقَدْ يُوجِبُ ثَمَنَهُ وَإِلَّا صِرْت إلَى حُجَّةِ من أَبْطَلَهَا فَإِنْ قال لَك قَائِلٌ فَكَيْفَ صَيَّرَتْ هذا قَبْضًا وَالْقَبْضُ ما يَصِيرُ في يَدَيْ صَاحِبِهِ الذي قَبَضَهُ وَيَقْطَعُ عنه مِلْكَ الذي دَفَعَهُ قِيلَ له إنَّ الدَّفْعَ من الْمَالِكِ لِمَنْ مَلَكَهُ يَخْتَلِفُ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لو ابْتَاعَ بُيُوعًا وَدَفَعَ إلَيْهِ أَثْمَانَهَا ثُمَّ حَاكَمَهُ إلَى الْقَاضِي قَضَى عليه بِدَفْعِهَا فَإِنْ كان عَبْدًا أو ثَوْبًا أو شيئا وَاحِدًا سَلَّمَهُ إلَيْهِ وَإِنْ كان شيئا يَتَجَزَّأُ بِعَيْنِهِ فَكَانَ طَعَامًا في بَيْتٍ اسْتَوْجَبَهُ كُلَّهُ بِكَيْلٍ على أَنَّ كُلَّ مُدٍّ بِدِرْهَمٍ قال كُلُّهُ له فَكَانَ يَقْبِضُهُ شيئا بَعْدَ شَيْءٍ لَا جُمْلَةً كَقَبْضِهِ الواحد ( ( ( الواحدة ) ) ) فَيَقْضِي عليه بِدَفْعِ كل صِنْفٍ من هذا كما يُسْتَطَاعُ قَبْضَهُ فَكَذَلِكَ قَضَى عليه بِدَفْعِ الْإِجَارَةِ كما يُسْتَطَاعُ وَلَا يُسْتَطَاعُ فيها أَكْثَرُ من تَسْلِيمِ الذي فيه الْمَنْفَعَةُ إلَى الذي مُلِكَ فيه الْمَنْفَعَةُ وَالْمَنْفَعَةُ فيها مَعْرُوفَةٌ كما الشِّرَاءُ في الدَّارِ الْمُشَاعَةِ مَعْرُوفٌ بِحِسَابٍ وفي غَيْرِهِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فإن الذي فيه الْمَنْفَعَةُ يسلم ( ( ( بسلم ) ) ) ثُمَّ يَنْهَدِمُ الْمَنْزِلُ أو يَمُوتُ الْعَبْدُ فَتَكُونُ أَوْجَبَتْ عليه دَفْعَ مَالِهِ وهو مِائَةٌ ثُمَّ لَا يستوفى بِالْمِائَةِ إلَّا حَقَّ بَعْضِهَا وَيَكُونُ الْمُؤَاجِرُ قد انْتَفَعَ بِالثَّمَنِ قُلْنَا بِذَلِكَ رضي الْمُسْتَأْجِرُ قال ما رضي إلَّا بِأَنْ يَسْتَوْفِيَ قُلْنَا إنْ قَدَرَ على الِاسْتِيفَاءِ فَذَلِكَ له وَإِنْ لم يَقْدِرْ أَخَذَ مَالَهُ قال وَأَيُّ شَيْءٍ يُشْبِهُ هذا من الْبُيُوعِ قُلْنَا ما وَصَفْنَا من السَّلَمِ أَدْفَعُ لِهَذَا مِائَةَ دِرْهَمٍ في رُطَبٍ فَمَضَى الرُّطَبُ ولم يُوفِ منه شيئا فَيَعُودُ إلَى أَنْ يَقُولَ لي خُذْ رَأْسَ مَالِك وقد انْتَفَعَ بِهِ الْمُسَلَّم إلَيْهِ أو اخر مَالَك بَعْدَ مَحِلِّهِ سَنَةً بِلَا رِضًا مِنْك إلَى سَنَةٍ أُخْرَى فإذا قُلْت قد انْتَفَعَ بِمَالِي فَإِنْ أَخَذْته فَقَدْ أَخَذَ مَنْفَعَةَ مَالِي بِلَا عِوَضٍ أَخَذْته وَإِنْ أَخَّرْته سَنَةً فَقَدْ انْتَفَعَ بِمَالِي سَنَةً بِلَا طِيبِ نَفْسِي وَلَا عِوَضٍ أَعْطَيْته منه قال لَا أَجِدُ إلَّا هذا فَإِنْ قُلْت لَك وَصَدَّقَنِي الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ بِأَنَّهُ تَغَيُّبٌ مِنِّي حتى مَضَى الرُّطَبُ قُلْت لَا أَجِدُ شيئا أُعَدِّيك عليه لِأَنَّك رَضِيت أَمَانَتَهُ قُلْت ما رَضِيت إلَّا بِالِاسْتِيفَاءِ وقد كان يَقْدِرُ على أَنْ يُوَفِّيَنِي قُلْت وقد فَاتَ الرُّطَبُ الذي يُوَفِّيك منه قِيلَ فَالْمُسْتَأْجِرُ لِلْعَيْنِ إنَّمَا اسْتَأْجَرَهُ وهو يَعْلَمُ أَنَّ الْعَيْنَ إذَا ذَهَبَتْ الْمَنْفَعَةُ فَكَيْفَ عِبْته فيه وهو يَعْلَمُهُ ولم تَعِبْ في الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ الذي ضَمِنَ لِصَاحِبِهِ الرُّطَبَ كَيْلًا مَعْلُومًا بِصِفَةٍ من غَيْرِ شَيْءٍ يُعَيِّنُهُ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ كان أَوْلَى أَنْ تَعِيبَهُ فيه من الْمُسْتَأْجِرِ وهو يقول في الرَّجُلِ يَبْتَاعُ الشَّيْءَ من الرَّجُلِ وَالشَّيْءُ الْمُبْتَاعُ بِعَيْنِهِ بِبَلَدٍ غَائِبٍ عن الْمُتَبَايِعَيْنِ وَيَدْفَعُ الْمُشْتَرِي إلَى الْمُشْتَرَى منه الثَّمَنَ وَافِيًا على أَنْ يُسَلِّمَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي ما اشْتَرَى منه وَأَشْهَدَ بِهِ له وَدَفَعَ إلَيْهِ ثَمَنَهُ ثُمَّ هَلَكَ الشَّيْءُ الْمُبْتَاعُ فيقول يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ وقد انْتَفَعَ بِهِ رَبُّ السِّلْعَةِ ولم يَأْخُذْ رَبُّ الْمَالِ عِوَضًا فيقول لِلْمُشْتَرِي أنت رَضِيت بِذَلِكَ وقد كانت لَك السِّلْعَةُ
____________________

(4/28)


لو تَمَّتْ فلما لم تَتِمَّ انْتَقَضَ الْبَيْعُ وَإِنَّمَا رَضِيت بِتَمَامِهَا وَيَقُولُ أَيْضًا في الرَّجُلِ يَنْكِحُ الْمَرْأَةَ بِعَبْدٍ فَتُخَلِّيهِ وَنَفْسَهَا فلم يَدْخُلْ بها وَتَخْلِيَتُهَا إيَّاهُ وَنَفْسَهَا هو الذي يَلْزَمُهَا فإذا فَعَلَتْ جَبَرَتْهُ على دَفْعِ الْعَبْدِ إلَيْهَا وَيَكُونُ مِلْكُهَا له صَحِيحًا فَإِنْ بَاعَتْ أو وَهَبَتْ أو أَعْتَقَتْ أو دَبَّرَتْ أو كَاتَبَتْ جَازَ لِأَنَّهُ لها مِلْكٌ تَامٌّ فَإِنْ طَلَّقَهَا قبل يَكُونُ من هذا شَيْءٌ رَجَعَ بِنِصْفِ الْعَبْدِ فَكَانَ شَرِيكُهَا فيه فَقَدْ زَعَمْت أَنَّ مِلْكَهَا فيه تَامٌّ كما يَتِمُّ مِلْكُ من دَفَعَ الْعِوَضَ بِالْعَبْدِ ثُمَّ انْتَقَضَ مِلْكُهَا في نِصْفِهِ فَإِنْ قِيلَ لَك كَيْفَ يَتِمُّ مِلْكُهَا ثُمَّ يُنْتَقَضُ قُلْت ليس في هذا قِيَاسٌ هو لم يَدْخُلْ بها فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ إذَا طَلَّقَهَا فَإِنْ قِيلَ لَك كَيْفَ يُنْتَقَضُ نِصْفُهُ رَأَيْت ذلك جَهْلًا مِمَّنْ يَقُولُهُ وَقُلْت هذا مِمَّا لَا يَخْتَلِفُ فيه الْفُقَهَاءُ وَتَزْعُمُ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى عَبْدًا فَدَلَّسَ له فيه عَيْبٌ كان مِلْكًا صَحِيحًا إنْ بَاعَ أو وَهَبَ أو أَعْتَقَ فَإِنْ لم يَفْعَلْ فَشَاءَ حَبَسَهُ بِالْعَيْبِ حَبَسَهُ وَإِنْ لم يَشَأْ حَبَسَهُ وَشَاءَ نَقْضَ الْبَيْعِ وقد كان تَامًّا نَقَضَهُ وقد يَبِيعُ الرَّجُلُ الشِّقْصَ من الرَّجُلِ فَيَكُونُ الْمُشْتَرِي تَامَّ الْمِلْكِ لَا سَبِيلَ لِلْبَائِعِ عليه وَلَا على أَخْذِهِ منه وَيَكُونُ له أَنْ يَبِيعَ وَيَهَبَ وَيَصْنَعَ ما يَصْنَعُ ذُو الْمَالِ في مَالِهِ فَإِنْ كان له شَفِيعٌ فَأَرَادَ أَخْذَهُ من يَدَيْهِ بِالثَّمَنِ الذي اشْتَرَاهُ بِهِ وَإِنْ كان كَارِهًا أَخْذَهُ وقد نَجْعَلُ نَحْنُ وَأَنْتَ مِلْكًا تَامًّا وَيُؤْخَذُ بِهِ الثَّمَنُ ثُمَّ يُنْتَقَضُ بِأَسْبَابٍ بَعْدَ تَمَامِهِ فَكَيْفَ عِبْت هذا في الْإِجَارَةِ وَأَنَّ ما نَقُولُهُ في الْإِجَارَةِ إذَا فَاتَ الشَّيْءُ الذي فيه الْمَنْفَعَةُ فلم يَكُنْ إلَى الإستيفاء سَبِيلٌ وَيَرُدُّ الْمُسْتَأْجِرُ ما بَقِيَ من حَقِّهِ كما يَرُدُّهُ لو اشْتَرَى سَفِينَةَ طَعَامٍ كُلُّ قَفِيزٍ بِكَذَا فَاسْتَوْفَى عَشْرَةَ أَقْفِزَةٍ ثُمَّ اسْتَهْلَكَهَا ثُمَّ هَلَكَ ما بَقِيَ من الطَّعَامِ رَدَدْنَاهُ بِمَا بَقِيَ من الْمَالِ وَأَلْزَمْنَاهُ عَشْرَةً بِحِصَّتِهَا من الثَّمَنِ وَأَنْتَ تَنْقُضُ الْمِلْكَ وَالْأَعْيَانَ التي فيها الْمِلْكُ قَائِمَةٌ ثُمَّ لو عَابَك أَحَدٌ بهذا قُلْت هذا من أَمْرِ الناس فَإِنْ كان في نَقْضِ الْإِجَارَةِ إذَا كانت الْعَيْنُ التي فيها الْمَنْفَعَةُ قد فَاتَتْ عَيْبٌ فَنَقَضَ الْمِلْكَ وَالْعَيْنَ الْمَمْلُوكَةَ قَائِمَةٌ أَعَيْبُ فَإِنْ لم يَكُنْ فيه عَيْبٌ فَعَيْبُهُ فيه جَهْلٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) ثُمَّ قالوا فيها أَيْضًا إنْ دَفَعَ الْمُسْتَأْجِرُ الْإِجَارَةَ كُلَّهَا إلَى الْمُؤَجِّرِ قبل أَنْ يَسْكُنَ الْبَيْتَ أو يَرْكَبَ الدَّابَّةَ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا دَفَعَ لم يَكُنْ ذلك له فَإِنْ كان دَفَعَ ما يَجِبُ عليه فَهُوَ ما قُلْنَا وَإِنْ كان دَفَعَ ما لَا يَجِبُ عليه فلم لَا يَرْجِعْ بِهِ فَهُوَ لم يَهَبْهُ ولم يَقْطَعْ عنه مِلْكَهُ إلَّا بِأَمْرٍ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عليه أَنْ يَدْفَعَهُ وَلَا يَحِقُّ عليه منه شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَسْكُنَ أو يَرْكَبَ وَهُمْ يَقُولُونَ إذَا انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ رَدَّهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا دَفَعَهُ بِاسْمِ الْإِجَارَةِ لَا وَاهِبًا له فَإِنْ كان دَفَعَهُ بِالْإِجَارَةِ وَالْإِجَارَةُ لَا يَلْزَمُهُ بها دَفَعَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَرُدَّهُ عليه مَتَى شَاءَ ثُمَّ قال فيه قَوْلًا آخَرَ أَعْجَبَ من هذا قال إنْ تَكَارَى دَابَّةً بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فلم يَجِبْ من الْمِائَةِ شَيْءٌ فَأَرَادَ أَنْ يَدْفَعَهَا دَنَانِيرَ يَصْرِفُهَا كان حَلَالًا فَقِيلَ له أَتَعْنِي بِهِ تَحَوُّلَ الْكِرَاءِ إلَى الدَّنَانِيرِ وَتَنْقُضُهُ من الدَّرَاهِمِ قال لَا وَلَكِنَّهُ يُصَارِفُهُ بها بِسِعْرِ يَوْمِهِ قُلْنَا أو يَحِلُّ الصَّرْفُ في شَيْءٍ لم يَجِبْ قال هو وَاجِبٌ فلما قالوا يَجِبُ على صَاحِبِهِ إذَا لم يُسَمِّ له أَجَلًا دَفَعَ مَكَانَهُ كما لو اشْتَرَى رَجُلٌ سِلْعَةً بِمِائَةٍ أو ضَمِنَ عن رَجُلٍ مِائَةً ولم يُسَمِّ أَجَلًا كان عليه أَنْ يَدْفَعَ الْمِائَةَ مَكَانَهُ وَهَذَا قَوْلُنَا وَقَوْلُك في الْوَاجِبِ كُلِّهِ إذَا لم يُسَمِّ له أَجَلًا فَكَيْفَ قُلْت في الْمُسْتَأْجِرِ الْإِجَارَةُ وَاجِبَةٌ عليه وَلَيْسَ عليه أَنْ يَدْفَعَهَا وَلَهُ أَنْ يُصَارِفَ بها وَالْإِجَارَةُ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال هِيَ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَ عَبْدًا سَنَةً فَكُلُّ يَوْمٍ من السَّنَةِ أَجَلٌ مَعْلُومٌ وَلِكُلِّ يَوْمٍ من السَّنَةِ أُجْرَةٌ مَعْلُومَةٌ وَالْمِائَةُ الدِّرْهَمِ التي اسْتَأْجَرَ بها الْعَبْدَ السَّنَةَ لَازِمَةٌ على هذا الْحِسَابِ قِيلَ له فما تَقُولُ فيه إنْ مَرِضَ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا من السَّنَةِ أو شَهْرًا من أَوَّلِهَا أو وَسَطِهَا فلم يَقْدِرْ على الْخِدْمَةِ أَلَيْسَ إنْ قُلْت يَنْتَظِرُ فإذا صَحَّ اسْتَخْدَمَهُ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ فَقَدْ زَعَمْت أَنَّ حِصَّةَ الْأَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا أو الشَّهْرِ قد كانت في وَقْتٍ لَازِمٍ ثُمَّ استأخر ( ( ( استأجر ) ) ) عنه أو كان وَاجِبًا ثُمَّ بَطَلَ فَإِنْ جَعَلْت له أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ أَحَدَ عَشَرَ شهرا ( ( ( شهر ) ) ) أو شَهْرًا من سَنَةٍ أُخْرَى فَقَدْ جَعَلْت أَجَلًا بَعْدَ أَجَلٍ وَنَقَلْت عَمَلَ سَنَةٍ في سَنَةٍ أُخْرَى وَإِنْ قُلْت وَاجِبَةٌ إنْ كانت فَهَذَا الْفَسَادُ الذي لَا يشكل ( ( ( شكل ) ) ) لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ من عَيْنِ مَعْرُوفٍ وَالْمَنْفَعَةُ مَعْرُوفَةٌ بِتَمْلِيكِ
____________________

(4/29)


دَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ فإذا كان التَّمْلِيكُ مَغِيبًا لَا يَدْرِي أَيَكُونُ أَمْ لَا يَكُونُ لِأَنَّهُ قد يَمُوتُ الْعَبْدُ ويابق وَيَمْرَضُ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ تَمْلِكَ مَنْفَعَةً مَغِيبَةً بِدَرَاهِمَ مُعَيَّنَةٍ مُسَمَّاةٍ هذا تَمْلِيكُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَالْمُسْلِمُونَ يُنْهَوْنَ عن بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَالتَّمْلِيكُ بَيْعٌ فَإِنْ قُلْت يَمْلِكُ الْمَنْفَعَةَ إنْ كانت فَهَذَا أَفْسَدُ من قِبَلِ أَنَّ هذا مُخَاطَرَةٌ وَيَلْزَمُ أَنْ تَفْسُدَ الْإِجَارَةُ كما أَفْسَدَهَا من عَابَ قَوْلَهُ قال فَقَدْ يَلْزَمُك في هذا شَبِيهٌ بِمَا يَلْزَمُنِي فَلَيْسَ يَلْزَمُنِي إذَا زَعَمْت أَنَّ الْإِجَارَةَ تَجِبُ بِالْقَبْضِ وَأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَعْلُومَةٌ وَأَنَّهُ لَا قَبْضَ لها إلَّا بِقَبْضِ الذي فيه الْمَنْفَعَةُ فإذا قَبَضْت كان ذلك قَبْضًا لِلْمَنْفَعَةِ إنْ سَلِمَتْ الْمَنْفَعَةُ وقد أَجَازَ الْمُسْلِمُونَ هذا كُلَّهُ كما أَجَازُوا الْبُيُوعَ على اخْتِلَافِهَا وَكَمَا يَحِلُّ بَيْعُ الطَّعَامِ بِضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا بِصِفَةٍ وَالْآخَرُ عَيْنٌ فَلَوْ اشْتَرَيْت من طَعَامٍ عَيْنٍ مِائَةَ قَفِيزٍ كان صَحِيحًا فَإِنْ أَخَذْت في اكْتِيَالِهِ وَاسْتَهْلَكْت ما اكْتَلْت منه وَهَلَكَ بَعْضُ الْمِائَةِ الْقَفِيزِ وَجَبَ على ما اسْتَهْلَكْت بِحِصَّتِهِ من الثَّمَنِ وَبَطَل عَنِّي ثَمَنُ ما هَلَكَ فَإِنْ قال فَالْخِدْمَةُ لَيْسَتْ ثَمَنًا فَهِيَ مَعْلُومَةٌ من عَيْنٍ لَا يُوصَلُ إلَى أَخْذِهَا لتستوفي إلَّا بِأَخْذِ الْعَيْنِ فَأَخْذُ الْعَيْنِ بِكَمَالِهَا التي هِيَ أَكْثَرُ من الْمَنْفَعَةِ يُوجِبُ الثَّمَنَ على شَرْطِ سَلَامَةِ الْمَنْفَعَةِ لَا تَعْدُو الْإِجَارَةُ أَنْ تَكُونَ وَاجِبَةً فَعَلَيْهِ دَفْعُهَا أو تَكُونَ غير وَاجِبَةٍ وَالصَّرْفُ عِنْدَنَا وَعِنْدَك فيها رِبًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا قِيلَ له فَإِنْ كانت أَثْمَانُ الْإِجَارَاتِ غير وَاجِبَةٍ فَلَا يَحِلُّ له أَنْ يَأْخُذَ بِشَيْءٍ لم يَكُنْ وَلَا يَدْرِي أَيَكُونُ أَمْ لَا يَكُونُ ثُمَّ يَأْخُذُ من جِهَةِ الصَّرْفِ فَيَفْسُدُ من أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ لِأَنَّ الصَّرْفَ فِيمَا لم يَجِبْ رِبًا قال نعم وَلَكِنَّ الْإِجَارَةَ وَاجِبَةٌ وَثَمَنَهَا وَاجِبٌ فَلَا يَكُونُ رِبًا فإذا قِيلَ له وإذا كان وَاجِبًا فَلْيَدْفَعْهُ قال ليس بِوَاجِبٍ وَهُمْ يَرْوُونَ عن عُمَرَ أو بن عُمَرَ أَنَّهُ تَكَارَى من رَجُلٍ بِالْمَدِينَةِ ثُمَّ صَارَفَهُ قبل أَنْ يَرْكَبَ فَإِنْ كان ثَابِتًا عن عُمَرَ فَهُوَ مُوَافِقٌ قَوْلَنَا وَحُجَّةٌ لنا عليهم قال وإذا تَكَارَى الرَّجُلُ الدَّارَ من الرَّجُلِ فَالْكِرَاءُ لَازِمٌ له لَا يَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْمُكْتَرِي وَلَا المكري وَلَا بِحَالٍ أَبَدًا ما دَامَتْ الدَّارُ قَائِمَةً فإذا دَفَعَ الدَّارَ إلَى الْمُكْتَرِي كان الْكِرَاءُ لَازِمًا لِلْمُكْتَرِي كُلُّهُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ عِنْدَ عقده الْكِرَاءِ أَنَّهُ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ فَيَكُونُ إلَيْهِ كَالْبُيُوعِ وقال بَعْضُ الناس تُفْسَخُ الْإِجَارَاتُ بِمَوْتِ أَيِّهِمَا مَاتَ وَيَفْسَخُهَا بِالْعُذْرِ ثُمَّ ذَكَرَ أَشْيَاءَ يَفْسَخُهَا بها قد يَكُونُ مِثْلَهَا وَلَا يَفْسَخُهَا بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقِيلَ لِبَعْضِ من يقول هذا الْقَوْلَ أَقُلْت هذا بِخَبَرٍ قال رَوَيْنَا عن شُرَيْحٍ أَنَّهُ قال إذَا أَلْقَى الْمِفْتَاحَ بريء فَقِيلَ له أَكَذَا تقول ( ( ( نقول ) ) ) بِقَوْلِ شُرَيْحٍ فَشُرَيْحٌ لَا يَرَى الْإِجَارَةَ لَازِمَةً وَيَرَى أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخَهَا بِلَا مَوْتٍ وَلَا عُذْرٍ قال هَكَذَا قال شُرَيْحٌ وَلَسْنَا نَأْخُذُ بِقَوْلِهِ قِيلَ فَلِمَ تَحْتَجُّ بِمَا تُخَالِفُ فيه وَتَزْعُمُ أَنَّهُ ليس بِحُجَّةٍ قال فما عِنْدَنَا فيه خَبَرٌ وَلَكِنَّهُ يَقْبُحُ أَنْ يَتَكَارَى رَجُلٌ مَنْزِلًا يَسْكُنُهُ فَيَمُوتُ وَوَلَدُهُ لَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ فَيُقَالُ إنْ شِئْتُمْ فَاسْكُنُوهُ وَهُمْ أَيْتَامٌ وَيَقْبُحُ أَنْ يَمُوتَ الْمُؤَجِّرُ فَيَتَحَوَّلُ مِلْكُ الدَّارِ لِغَيْرِهِ فَتَكُونُ الدَّارُ لِوَلَدِهِ وَالْمَيِّتُ لَا يَمْلِكُ شيئا وَيَسْكُنُهَا الْمُسْتَأْجِرُ بِأَمْرِ الْمَيِّتِ وَالْمَيِّتُ لَا أَمْرَ له حين مَاتَ فَقِيلَ له أو يَمْلِكُهَا الْوَارِثُ إلَّا بِمُلْكِ الْمَيِّت قال لَا قِيلَ أَفَيَزِيدُ الْوَارِثُ أَبَدًا على أَنْ يَقُومَ إلَّا مَقَامَ الْمَيِّتِ فيها قال لَا قُلْنَا فَالْمَيِّتُ قبل مَوْتِهِ كان يَقْدِرُ أَنْ يَفْسَخَ هذه الْإِجَارَةَ عن دَارِهِ سَاعَةً وَاحِدَةً قبل انْقِضَاءِ مُدَّتِهَا عِنْدَك من غَيْرِ عُذْرٍ قال لَا قِيلَ أَفَيَكُونُ الْوَارِثُ الذي إنَّمَا مَلَكَ عن الْمَيِّتِ الْكُلَّ أو الْبَعْضَ أَحْسَنَ حَالًا من الْمَالِكِ قال فَهَلْ رَأَيْت مِلْكًا يَنْتَقِلُ وَيُمْلَكُ على من انْتَقِلْ إلَيْهِ فيه شَيْءٌ قُلْنَا الذي وَصَفْنَا لَك من أَنَّهُ إنَّمَا مَلَكَ ما كان الْمَيِّتُ يَمْلِكُ كَافٍ لَك منه وَنَحْنُ نُوجِدُك مِلْكًا يَنْتَقِلُ وَيُمْلَكُ على من انْتَقَلَ إلَيْهِ فيه شَيْءٌ قال وَأَيْنَ قُلْنَا أَرَأَيْت رَجُلًا رَهَنَ رَجُلًا دَارًا تَسْوَى أَلْفًا بِمِائَةٍ ثُمَّ مَاتَ الرَّاهِنُ أَيَنْفَسِخُ الرَّهْنُ قال لَا قُلْنَا وَلِمَ وقد انْتَقَلَ مِلْكُ الدَّارِ فَصَارَ لِلْوَارِثِ قال إنَّمَا يَمْلِكُهَا الْوَارِثُ كما كان يَمْلِكُهَا الْمَيِّتُ وَالْمَيِّتُ قد أَوْجَبَ فيها حَقًّا لم يَكُنْ له فَسْخُهُ إلَّا بِإِيفَاءِ الْغَرِيمِ حَقَّهُ فَالْوَارِثُ أَوْلَى أَنْ لَا يَفْسَخَهُ قُلْنَا فَلَا نَسْمَعُك تَقْبَلُ مِثْلَ هذا مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِهِ عَلَيْك
____________________

(4/30)


في الْإِجَارَةِ وَتَحْتَجُّ بِهِ في الرَّهْنِ وَلَا بُدَّ من أَنْ تَكُونَ تَارِكًا لِلْحَقِّ في رَدِّهِ في الْإِجَارَةِ أو في إنْفَاذِهِ في الرَّهْنِ لِأَنَّ حَالَهُمَا وَاحِدٌ قد أَوْجَبَ الْمَيِّتُ في كِلَيْهِمَا حَقًّا عِنْدَنَا وَعِنْدَك فَلَا نَفْسَخُهُ بِوَجْهٍ حتى يَسْتَوْفِيَهُ من أَوْجَبَهُ له عِنْدَنَا بِحَالٍ وَعِنْدَك إلَّا من عُذْرٍ ثُمَّ تَفْسَخُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ في الْإِجَارَةِ مِمَّا لَا يَكُونُ عُذْرًا في حَيَاةِ الْمُؤَاجِرِ وَالْعُذْرُ أَيْضًا شَيْءٌ ما وَضَعْته أنت لَا أَثَرًا وَلَا مَعْقُولًا وَأَنْتَ لَا تَفْسَخُهُ بِعُذْرٍ وَلَا غَيْرِ عُذْرٍ في الرَّهْنِ وما بَيْنَهُمَا في هذا فَرْقٌ كِلَاهُمَا أَوْجَبُ له فيه مَالِكَهُ حَقًّا جَائِزًا عِنْدَنَا وَعِنْدَك فَإِمَّا أَنْ يَثْبُتَا مَعًا بِكُلِّ حَالٍ وَإِمَّا أَنْ يَزُولَ أَحَدُهُمَا بِشَيْءٍ فَيَزُولُ الْآخَرُ أَرَأَيْت لو قال لَك قَائِلٌ وَضَعْت الْعُذْرَ تَفْسَخُ بِهِ الْإِجَارَةَ وأنا أُبْطِلُهُ في الْإِجَارَةِ واضعه في الرَّهْنِ فَأَفْسَخُ بِهِ الرَّهْنَ أَتَكُونُ الْحُجَّةُ عليه إلَّا أَنْ يُقَالَ ما ثَبَتَ فيه حَقٌّ لِمُسْلِمٍ وكان الْحَقُّ حَلَالًا لم يَفْسَخْهُ عُذْرٌ وقد تَقَدَّمَهُ الْحَقُّ الْوَاجِبُ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) مع كَثِيرٍ من مِثْلِ هذا يَقُولُونَهُ من ذلك الرَّجُلِ يُوصِي لِلرَّجُلِ بِرَقَبَةِ دَارِهِ وَلِآخَرَ أَنْ يَنْزِلَهَا في كل سَنَةٍ عَشْرَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ يَمُوتُ الْمُوصَى له بِرَقَبَةِ الدَّارِ فَيَمْلِكُ وَارِثُهُ الدَّارَ فَإِنْ أَرَادَ مَنْعَ الْمُوصَى له بِالنُّزُولِ قِيلَ ليس ذلك لَك أنت لِلدَّارِ مَالِكٌ وَلِهَذَا شُرِطَ في النُّزُولِ وَلَا تَمْلِكُ عن أَبِيك إلَّا ما كان يَمْلِكُ وَلَا يَكُونُ لَك فيها أَكْثَرُ مِمَّا كان له ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَمَّا قَوْلُهُ إنْ مَاتَ الْمُسْتَأْجِرُ فَلَا حَاجَةَ بِالْوَرَثَةِ إلَى الْمَسْكَنِ فَلَوْ قَالَهُ غَيْرُهُ أَشْبَهَ أَنْ يَقُولَ له لَسْت تَعْرِفُ ما تَقُولُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أَرَأَيْت لو أَنَّ رَجُلًا كان يُرِيدُ التِّجَارَةَ فَاشْتَرَى دَابَّةً بِأَلْفٍ وهو لَا يَمْلِكُ إلَّا أَلْفًا فلما اسْتَوْجَبَهَا مَاتَ وَلَهُ وَرَثَةٌ أَطْفَالٌ وَالرَّاحِلَةُ تَسْوَى أَلْفًا أو مِائَةً فقال عَنْهُمْ وَصِيٌّ أو كان فِيهِمْ مُدْرِكٌ مُحْتَاجٌ كان أبو هَؤُلَاءِ يَعْنِي بِالرَّوَاحِلِ لِتَكَسُّبِهِ فيها وَهَؤُلَاءِ لَا يَكْتَسِبُونَ أو يَعْنِي بها لِضَرْبٍ من الجسارة ( ( ( الخسارة ) ) ) وقد أَصْبَحَ هَؤُلَاءِ أَيْتَامًا وَنَاقَةُ الرَّجُلِ في يَدِهِ لم تَخْرُجْ بَعْدُ من يَدِهِ فَأَفْسِخْ الْبَيْعَ وَرُدَّ الدَّرَاهِمَ لِحَاجَةِ الْأَيْتَامِ وَلَا تَنْزِعْهَا من أَيْدِيهِمْ إنْ لم يَكُنْ أَبُوهُمْ دَفَعَهَا أو كان هذا في حَمَّامٍ اشْتَرَاهُ أو ما أَشْبَهَهُ مِمَّا لَا مَنْفَعَةَ فيه أو مِمَّا فيه الْمَنْفَعَةُ الْيَسِيرَةُ قال لَا أَفْسَخُ شيئا من هذا وَأُمْضِي عليهم ما فَعَلَ أَبُوهُمْ في مَالِهِ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ وهو يَمْلِكُ فَأُمَلِّكُهُمْ عنه ما كان هو يَمْلِكُ في حَيَاتِهِ وَلَا يَكُونُونَ أَحْسَنَ حَالًا من أَبِيهِمْ فِيمَا مَلَكُوهُ عنه ( قال الشَّافِعِيُّ ) قِيلَ وَكَذَلِكَ الْكِرَاءُ يَتَكَارَاهُ وهو حَلَالٌ جَائِزٌ له فَقَدْ مَلَكُوا ما مَلَكَ أَبُوهُمْ من مَنْفَعَةِ الْمَسْكَنِ فَإِنْ شاؤوا سَكَنُوا فَإِنْ شاؤوا أَكْرُوا قال وَزَعَمَ أَنَّ رَجُلًا لو تَكَارَى من الرَّجُلِ أَلْفَ بَعِيرٍ على أَنْ يَسِيرَ من بَغْدَادَ ثَمَانِ عَشَرَةَ إلَى مَكَّةَ فَخَلَّفَ الْجَمَّالُ إبِلَهُ وَعَلَفَهَا بِأَثْمَانِهَا أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ وَخَرَجَ الْحَاجُّ فلم يَبْقَ إلَّا هو وَتَرَكَ الْجَمَّالُ الْكِرَاءَ من غَيْرِهِ لِلشَّرْطِ حتى فَاتَهُ الْحَجُّ كان له ذلك ولم يَغْرَمْ شيئا فَإِنْ قال لَك الْجَمَّالُ قد غَرَرْتنِي وَمَنَعْتَنِي الْكِرَاءَ من غَيْرِك وَكَلَّفْتَنِي مُؤْنَةً أَتَتْ على أَثْمَانِ إبِلِي وَصَدَقَهُ المكترى فَلَا يقضي له عليه بِشَيْءٍ وَيَجْلِسُ بِلَا مُؤْنَةٍ عليه لِأَنَّهُ لم يَأْخُذْ منه شيئا وَإِنْ كان قد غَرَّهُ وقال قَائِلٌ هذا الْقَوْلَ فَإِنْ أَرَادَ الْجَمَّالُ أَنْ يَجْلِسَ وقال بَدَا لي أَنْ أَدَعَ الْحَجَّ وَأَنْصَرِفَ إلَى غَيْرِهِ فَلَيْسَ ذلك له فإذا قِيلَ له وَلِمَ لَا يَكُونُ ذلك له قال من قِبَلِ أَنَّهُ غَرَّهُ فَمَنَعَهُ أَنْ يَكْتَرِيَ من غَيْرِهِ وَعَقَدَ له عُقْدَةً حَلَالًا فَلَيْسَ له أَنْ يَفْسَخَهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَلِمَ لَا يَكُونُ لِلْجَمَّالِ على الْمُتَكَارِي أَنْ يَجْلِسَ وقد عَقَدَ له كما قال عُقْدَةً حَلَالًا وَغَرَّهُ كما كان لِلْمُتَكَارِي أَنْ يَجْلِسَ وَحَالُهُمَا وَحُجَّتُهُمَا وَاحِدَةٌ لو كان يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا في الْعُقْدَةِ ما ليس لِلْآخَرِ انْبَغَى أَنْ يَكُونَ الْكِرَاءُ لِلْمُتَكَارِي أَلْزَمُ بِكُلِّ وَجْهٍ من قِبَلِ أَنَّ الْمُؤْنَةَ على الْجَمَّالِ في الْعَلَفِ وَحَبْسَ الْإِبِلِ وَضَمَانَهَا وَمِنْ قِبَلِ أَنْ لَا مُؤْنَةَ على الْمُكْتَرِي فَعَمَدَ إلَى أحقهما ( ( ( حقهما ) ) ) لو تَفَرَّقَ الْحُكْمُ فِيهِمَا أَنْ يَلْزَمَهُ فَأُبْطِلُ عنه وَأَحَقُّهُمَا أَنْ يُبْطَلَ عنه فَأُلْزِمُهُ قال وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا من قِبَلِ أَنَّ الْعُقْدَةَ حَلَالٌ لَا تَنْفَسِخُ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمَا على فَسْخِهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَسُئِلَ هل وَجَدَ عُقْدَةً حَلَالًا لَا شَرْطَ فيها وَلَا عَيْبَ يَكُونُ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فيها ما ليس ليس للاخر فَلَا أَعْلَمُهُ ذَكَرَهَا
____________________

(4/31)


فَقِيلَ وما بَالُ هذه الْعُقْدَةِ من بَيْنِ الْعُقَدِ لَا خَبَرَ وَلَا قِيَاسَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اخْتَلَفَ المكاري وَالْمُكْتَرِي في قَوْلِنَا وَقَوْلِهِمْ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا قِيلَ لهم في هذا كَيْفَ تَحْكُمُونَ بِحُكْمِ الْبُيُوعِ قال هو تَمْلِيكٌ وَإِنَّمَا الْبُيُوعُ تَمْلِيكٌ فَقِيلَ لهم فَاحْكُمُوا له بِحُكْمِ الْبُيُوعِ فِيمَا أَثَبْتُمْ فيه حُكْمَ الْبُيُوعِ فَيَقُولُونَ ليس بِبَيْعٍ وَهُمْ لَا يَقْبَلُونَ هذا من أَحَدٍ فإذا قِيلَ لِبَعْضِهِمْ أَنْتُمْ لَا تُصَيِّرُونَ في هذه الْأَقَاوِيلِ إلَى خَبَرٍ يَكُونُ حُجَّةً زَعَمْتُمْ وَلَا قِيَاسَ وَلَا مَعْقُولَ فَكَيْفَ قُلْتُمُوهُ قالوا قاله ( ( ( قال ) ) ) أَصْحَابُنَا وقال لنا بَعْضُهُمْ ما في الْإِجَارَةِ إلَّا ما قُلْتُمْ من أَنْ نَحْكُمَ لها بِحُكْمِ الْبُيُوعِ ما كانت السَّلَامَةُ لِلْمَنْفَعَةِ قَائِمَةً أو تَبْطُلُ وَلَا تَجُوزُ بِحَالٍ فَقِيلَ له فَتَصِيرُ إلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَلَا أَعْلَمُهُ صَارَ إلَيْهِ ( قال ) وَإِنْ تَكَارَى رَجُلٌ من رَجُلٍ دَابَّةً من مَكَّةَ إلَى مَرٍّ فَتَعَدَّى بها إلَى عُسْفَانَ فَإِنْ سَلِمَتْ الدَّابَّةُ كان عليه كِرَاؤُهَا إلَى مَرٍّ وَكِرَاءُ مِثْلِهَا إلَى عُسْفَانَ فَإِنْ عَطِبَتْ الدَّابَّةُ فَلَهُ الْكِرَاءُ إلَى مَرٍّ وَقِيمَةُ الدَّابَّةِ في أَكْثَرَ ما كانت ثَمَنًا من حِينِ تَعَدَّى بها من السَّاعَةِ التي تَعَدَّى بها فيها كان أو بَعْدَهَا وَلَا يَكُونُ عليه قِيمَتُهَا قبل التَّعَدِّي إنَّمَا يَكُونُ عليه حين صَارَ ضَامِنًا في حَالِ التَّعَدِّي وقال بَعْضُهُمْ لِصَاحِبِ الدَّابَّةِ إنْ شَاءَ الْكِرَاءَ بِحِسَابٍ وَإِنْ شَاءَ يُضَمِّنُهُ قِيمَةَ الدَّابَّةِ وَإِنْ سَلِمَتْ وَلَيْسَ نَقُولُ بهذا قَوْلُنَا هو الْأَوَّلُ لَا يَضْمَنُهَا حتى تَعْطَبَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ أَعْطَى مَالًا رَجُلًا قِرَاضًا وَنَهَاهُ عن سِلْعَةٍ يَشْتَرِيهَا بِعَيْنِهَا فَاشْتَرَاهَا فَصَاحِبُ الْمَالِ بِالْخِيَارِ إنْ أَحَبَّ أَنْ تَكُونَ السِّلْعَةُ قِرَاضًا على شَرْطِهَا وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُقَارَضَ رَأْسَ مَالِهِ قال الرَّبِيعُ وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ إذَا أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ سِلْعَةً بِعَيْنِهَا فَتَعَدَّى فَاشْتَرَى غَيْرَهَا فَإِنْ كان عَقَدَ الشِّرَاءَ بِالْعَيْنِ بِعَيْنِهَا فَالشِّرَاءُ بَاطِلٌ وَإِنْ كان الشِّرَاءُ بِغَيْرِ الْعَيْنِ فَالشِّرَاءُ قد تَمَّ وَلَزِمَ الْمُشْتَرِيَ الثَّمَنُ وَالرِّبْحُ له وَالنُّقْصَانُ عليه وهو ضَامِنٌ لِلْمَالِ لِأَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَى بِغَيْرِ عَيْنِ الْمَالِ صَارَ الْمَالُ في ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي وَصَارَ له الرِّبْحُ وَالْخَسَارَةُ عليه وهو ضَامِنُ الْمَالِ لِصَاحِبِ الْمَالِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فان أَعْطَى رَجُلٌ رَجُلًا شيئا لِيَشْتَرِيَ له شيئا بِعَيْنِهِ فَاشْتَرَى له ذلك الشَّيْءَ وَغَيْرَهُ بِمَا أَعْطَاهُ أو أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ له شَاةً فَاشْتَرَى شَاتَيْنِ أو عَبْدًا فَاشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ بِالْخِيَارِ في أَخْذِ ما أَمَرَ بِهِ وما ازْدَادَ له بِغَيْرِ أَمْرِهِ أو أَخْذِ ما أَمَرَهُ بِهِ بِحِصَّتِهِ من الثَّمَنِ وَالرُّجُوعِ على الْمُشْتَرِي بِمَا يَبْقَى من الثَّمَنِ وَتَكُونُ الزِّيَادَةُ التي اشْتَرَى لِلْمُشْتَرِي وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَى بِذَلِكَ الشَّيْءِ وَبَاعَ وَالْخِيَارُ في ذلك إلَى رَبِّ الْمَالِ لِأَنَّهُ بِمَالِهِ مَلَكَ ذلك كُلَّهُ وَبِمَالِهِ بَاعَ وفي مَالِهِ كان الْفَضْلُ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنَّهُ قد رضي أَنْ يَشْتَرِيَ له شيئا بِدِينَارٍ فَاشْتَرَاهُ وَازْدَادَ معه شيئا فَهُوَ له فَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهُ وَإِنْ شَاءَ وَهَبَهُ لِأَنَّ من رضي شيئا بِدِينَارٍ فلم يَتَعَدَّ من زَادَهُ معه غَيْرَهُ لِأَنَّهُ قد جاء بِاَلَّذِي رضي وَزَادَهُ شيئا لَا مُؤْنَةَ عليه في مَالِهِ وهو مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيُّ وقال بَعْضُ الناس في الدَّابَّةِ يَسْقُطُ الْكِرَاءُ حَيْثُ تَعَدَّى لِأَنَّهُ ضَامِنٌ وقال في الْمُقَارَضِ إذَا تَعَدَّى ضَمِنَ وكان له الْفَضْلُ بِالضَّمَانِ وَلَا أَدْرِي أَقَالَ يَتَصَدَّقُ بِهِ أَمْ لَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقال في الذي اشْتَرَى ما أَمَرَهُ بِهِ وَغَيْرَهُ معه للامر ما أَمَرَهُ بِهِ بِحِصَّتِهِ من الثَّمَنِ وَلِلْمَأْمُورِ ما بَقِيَ وَلَا يَكُونُ للامر بِحَالٍ لِأَنَّهُ اشْتَرَى بِغَيْرِ أَمْرِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَجُعِلَ هذا الْقَوْلُ بَابًا من الْعِلْمِ ثَبَّتَهُ أَصْلًا قَاسَ عليه في الْإِجَارَاتِ وَالْبُيُوعِ وَالْمُقَارَضَةِ شيئا كثيرا أَحْسَبُهُ لو جُمِعَ كان دَفَاتِرَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقِيلَ لِبَعْضِ من قال هذا الْقَوْلَ قد زَعَمْنَا وَزَعَمْتُمْ أَنَّ الْأَصْلَ من الْعِلْمِ لَا يَكُونُ أَبَدًا إلَّا من كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى أو سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أو قَوْلِ أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أو بَعْضِهِمْ أو أَمْرٍ أَجْمَعَتْ عليه عَوَامُّ الْفُقَهَاءِ في الْأَمْصَارِ فَهَلْ قَوْلُكُمْ هذا وَاحِدٌ من هذا قال لَا قِيلَ فَإِلَى أَيِّ شَيْءٍ ذَهَبْتُمْ فيه قال قال شُرَيْحٌ في بَعْضِهِ قُلْنَا قد رَدَدْنَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ هذا الْكَلَامَ وَأَكْثَرْنَا أَتَزْعُمُونَ أَنَّ شُرَيْحًا حُجَّةً على أَحَدٍ إنْ لم يَقُلْهُ إلَّا شُرَيْحٌ قال لَا وقد نُخَالِفُ شُرَيْحًا في كَثِيرٍ من أَحْكَامِهِ بِآرَائِنَا قُلْنَا فإذا لم يَكُنْ شُرَيْحٌ عِنْدَكُمْ حُجَّةً على الإنفراد فَيَكُونُ حُجَّةً على خَبَرِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أو على أَحَدٍ من أَصْحَابِهِ قال لَا وقال ما دَلَّكُمْ
____________________

(4/32)


على أَنَّ الْكِرَاءَ وَالرِّبْحَ وَالضَّمَانَ قد يَجْتَمِعُ فَقُلْنَا لو لم يَكُنْ فيه خير ( ( ( خبر ) ) ) كان مَعْقُولًا وَقُلْنَا دَلَّنَا عليه الْخَبَرُ الثَّابِتُ عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه وَعَبْدِ اللَّهِ بن عُمَرَ وَالْخَبَرُ عِنْدَكُمْ الذي تُثْبِتُونَهُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان ما قالوا من أَنَّ من ضُمِنَتْ له دَابَّتُهُ أو بَيْتُهُ أو شَيْءٌ من مِلْكِهِ لم يَكُنْ له إجَارَةٌ أو مَالُهُ لم يَكُنْ له من رِبْحِهِ شَيْءٌ كَانُوا قد أَكْثَرُوا خِلَافَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ رَجُلًا لو تَكَارَى من رَجُلٍ بَيْتًا لم يَكُنْ له أَنْ يَعْمَلَ فيه رَحًى وَلَا قَصَّارَةً وَلَا عَمَلَ الْحَدَّادِينَ لِأَنَّ هذا مُضِرٌّ بِالْبِنَاءِ فَإِنْ عَمِلَ هذا فَانْهَدَمَ الْبَيْتُ فَهُوَ ضَامِنٌ لَقِيمَةِ الْبَيْتِ وَإِنْ سَلِمَ الْبَيْتُ فَلَهُ أَجْرُهُ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ من تَكَارَى قَمِيصًا فَلَيْسَ له أَنْ يَأْتَزِرَ بِهِ لِأَنَّ الْقَمِيصَ لَا يُلْبَسُ هَكَذَا فَإِنْ فَعَلَ فَتَخَرَّقَ ضَمِنَ قِيمَةَ الْقَمِيصِ وَإِنْ سَلِّمْ كان له أَجْرُهُ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ لو تَكَارَى قُبَّةً لِيُنَصِّبَهَا فَنَصَّبَهَا في شَمْسٍ أو مَطَرٍ فَقَدْ تَعَدَّى لِإِضْرَارِ ذلك بها فَإِنْ عَطِبَتْ ضَمِنَ وَإِنْ سَلِمَتْ فَعَلَيْهِ أَجْرُهَا مع أَشْيَاءَ من هذا الضَّرْبِ يكتفي بِأَقَلِّهَا حتى يُسْتَدَلَّ على أَنَّهُمْ قد تَرَكُوا ما قالوا وَدَخَلُوا فِيمَا عَابُوا مِمَّا مَضَتْ بِهِ الْآثَارُ وَمِمَّا فيه صَلَاحُ الناس ( قال الشافعى ) وَأَمَّا ما قالوا الْحِيلَةُ يَسِيرَةٌ لِمَنْ لَا يَخَافُ اللَّهَ أَنْ يعطي مَالًا قِرَاضًا فَيَغِيبَ بِهِ وَيَتَعَدَّى فيه فَيَأْخُذَ فَضْلَهُ وَيَمْنَعَهُ رَبَّ الْمَالِ وَيَتَكَارَى دَابَّةً مِيلًا فَيَسِيرَ عليها أَشْهُرًا بِلَا كِرَاءٍ وَلَا مُؤْنَةٍ إنْ سَلِمَتْ قال قَائِلٌ منهم إنَّا لَنَعْلَمُ أَنْ قد تَرَكْنَا قَوْلَنَا حَيْثُ أَلْزَمْنَا الضَّمَانَ وَالْكِرَاءَ وَلَكِنَّا اسْتَحْسَنَّا قَوْلَنَا قُلْنَا إنْ كان قَوْلُك عِنْدَك حَقًّا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَدَعَهُ وَإِنْ كان غير حَقٍّ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُقِيمَ على شَيْءٍ منه فما الْأَحَادِيثُ التي عليها اعْتَمَدْتُمْ قُلْنَا لهم أَمَّا أَحَادِيثُكُمْ فإن سُفْيَانَ بن عُيَيْنَةَ أخبرنا عن شَبِيبِ بن غَرْقَدَةَ أَنَّهُ سمع الْحَيَّ يُحَدِّثُونَ عن عُرْوَةَ بن أبي الْجَعْدِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَعْطَاهُ دِينَارًا يَشْتَرِي له بِهِ شَاةً أو أُضْحِيَّةً فَاشْتَرَى له شَاتَيْنِ فَبَاعَ إحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ وَأَتَاهُ بِشَاةٍ وَدِينَارٍ فَدَعَا له رسول اللَّه صلى اللَّهُ عليه وسلم في بَيْعِهِ بِالْبَرَكَةِ فَكَانَ لو اشْتَرَى تُرَابًا لَرَبِحَ فيه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَرَوَى هذا الحديث غَيْرُ سُفْيَانَ بن عُيَيْنَةَ عن شَبِيبِ بن غَرْقَدَةَ فَوَصَلَهُ وَيَرْوِيهِ عن عُرْوَةَ بن أبي الْجَعْدِ بِمِثْلِ هذه الْقِصَّةِ أو مَعْنَاهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَمَنْ قال له جَمِيعُ ما اشْتَرَى له بِأَنَّهُ بِمَالِهِ اشْتَرَى فَهُوَ ازْدِيَادٌ مَمْلُوكٌ له قال إنَّمَا كان ما فَعَلَ عُرْوَةُ من ذلك ازْدِيَادًا وَنَظَرًا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ورضى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِنَظَرِهِ وَازْدِيَادِهِ وَاخْتَارَ أَنْ لَا يُضَمِّنَهُ وَأَنْ يَمْلِكَ ما مَلَكَ عُرْوَةُ بِمَالِهِ وَدَعَا له في بَيْعِهِ وَرَأَى عُرْوَةَ بِذَلِكَ مُحْسِنًا غير عَاصٍ وَلَوْ كان مَعْصِيَةً نَهَاهُ ولم يَقْبَلْهَا ولم يَمْلِكْهَا في الْوَجْهَيْنِ مَعًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ رضي أَنْ يَمْلِكَ شَاةً بِدِينَارٍ فَمَلَكَ بِالدِّينَارِ شَاتَيْنِ كان بِهِ أَرْضَى وَإِنَّ مَعْنَى ما نضمنه ( ( ( تضمنه ) ) ) إنْ أَرَادَ مَالِكُ الْمَالِ بِأَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ مِلْكَ وَاحِدَةٍ وَمَلَّكَهُ الْمُشْتَرِي الثَّانِيَةَ بِلَا أَمْرِهِ وَلَكِنَّهُ إنْ شَاءَ مَلَكَهَا على الْمُشْتَرِي ولم يُضَمِّنْهُ وَمَنْ قال هُمَا له جميعا بِلَا خِيَارٍ قال إذَا جَازَ عليه أَنْ يَشْتَرِيَ شَاةً بِدِينَارٍ فَأَخَذَ شَاتَيْنِ فَقَدْ أَخَذَ وَاحِدَةً تَجُوزُ بِجَمِيعِ الدِّينَارِ فَأَوْفَاهُ وَازْدَادَ له بِدِينَارِهِ شَاةً لَا مُؤْنَةَ عليه في مَالِهِ في مِلْكِهَا وَهَذَا أَشْبَهُ الْقَوْلَيْنِ بِظَاهِرِ الحديث وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَاَلَّذِي يُخَالِفُنَا يقول في مِثْلِ هذه الْمَسْأَلَةِ هو مَالِكٌ لِشَاةٍ بِنِصْفِ دِينَارٍ وَالشَّاةِ الْأُخْرَى وَثَمَنٍ إنْ كان لها لِلْمُشْتَرِي لَا يَكُونُ لِلْآمِرِ أَنْ يَمْلِكَهَا أَبَدًا بِالْمِلْكِ الْأَوَّلِ وَالْمُشْتَرِي ضَامِنٌ لِنِصْفِ دِينَارٍ ( أخبرنا ) مَالِكٌ عن زَيْدِ بن أَسْلَمَ عن أبيه أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ وَعُبَيْدَ اللَّهِ ابْنَيْ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ خَرَجَا في جَيْشٍ إلَى الْعِرَاقِ فلما قَفَلَا مَرَّا على عَامِلٍ لِعُمَرَ فَرَحَّبَ بِهِمَا وَسَهَّلَ وهو أَمِيرُ الْبَصْرَةِ وقال لو أَقْدِرُ لَكُمَا على أَمْرٍ أَنْفَعُكُمَا بِهِ لَفَعَلْت ثُمَّ قال بَلَى هَا هُنَا مَالٌ من مَالِ اللَّهِ أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَ بِهِ إلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَأُسَلِّفُكُمَاهُ فَتَبْتَاعَانِ مَتَاعًا من مَتَاعِ الْعِرَاقِ ثُمَّ تَبِيعَانِهِ بِالْمَدِينَةِ فَتُؤَدِّيَانِ رَأْسَ الْمَالِ إلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَيَكُونُ لَكُمَا الرِّبْحُ فَقَالَا وَدِدْنَا فَفَعَلَ وَكَتَبَ لَهُمَا إلَى عُمَرَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمَا الْمَالَ فلما قَدِمَا الْمَدِينَةَ بَاعَا فَرَبِحَا فلما دَفَعَا إلَى عُمَرَ قال لَهُمَا أَكُلُّ الْجَيْشِ أَسْلَفَهُ كما أَسْلَفَكُمَا فَقَالَا لَا فقال عُمَرُ قال إبنا ( ( ( أنا ) ) ) أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فَأَسْلَفَكُمَا فَأَدِّيَا الْمَالَ
____________________

(4/33)


وَرِبْحَهُ فَأَمَّا عبد اللَّهِ فَسَكَتَ وَأَمَّا عُبَيْدُ اللَّهِ فقال ما يَنْبَغِي لَك هذا يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لو هَلَكَ الْمَالُ أو نَقَصَ لَضَمِنَّاهُ فقال أَدِّيَاهُ فَسَكَتَ عبد اللَّهِ وَرَاجَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ فقال رَجُلٌ من جُلَسَاءِ عُمَرَ يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لو جَعَلْتَهُ قِرَاضًا فَأَخَذَ عُمَرُ رَأْسَ الْمَالِ وَنِصْفَ رِبْحِهِ وَأَخَذَ عبد اللَّهِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ نِصْفَ رِبْحِ ذلك الْمَالِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أَلَا تَرَى إلَى عُمَرَ يقول أَكُلُّ الْجَيْشِ أَسْلَفَهُ كما أَسْلَفَكُمَا كَأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ يَرَى أَنَّ الْمَالَ لَا يُحْمَلُ إلَيْهِ مع رَجُلٍ يُسَلِّفُهُ فَيَبْتَاعُ به وَيَبِيعُ إلَّا وفي ذلك حَبْسٌ لِلْمَالِ بِلَا مَنْفَعَةٍ لِلْمُسْلِمِينَ وكان عُمَرُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ يَرَى أَنَّ الْمَالَ يُبْعَثُ بِهِ أو يُرْسَلُ بِهِ مع ثِقَةٍ يُسْرِعُ بِهِ الْمَسِيرَ وَيَدْفَعُهُ عِنْدَ مَقْدِمِهِ لَا حَبْسَ فيه وَلَا مَنْفَعَةَ لِلرَّسُولِ أو يُدْفَعُ بِالْمِصْرِ الذي يَجْتَازُ إلَيْهِ إلَى ثِقَةٍ يَضْمَنُهُ وَيَكْتُبُ كِتَابًا بِأَنْ يُدْفَعَ في الْمِصْرِ الذي فيه الْخَلِيفَةُ بِلَا حَبْسٍ أو يُدْفَعَ قِرَاضًا فَيَكُونَ فيه الْحَبْسُ بِلَا ضَرَرٍ على الْمُسْلِمِينَ وَيَكُون فَضْلٌ إنْ كان فيه حَبْسٌ إنْ كان له فلما لم يَكُنْ الْمَالُ الْمَدْفُوعُ إلَى عبد اللَّهِ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بِوَاحِدٍ من هذه الْوُجُوهِ ولم يَكُنْ مِلْكًا لِلْوَالِي الذي دَفَعَهُ إلَيْهِمَا فَيُجِيزُ أَمْرَهُ فِيمَا يُمْلَكُ إلَيْهِ فِيمَا يَرَى أَنَّ الرِّبْحَ وَالْمَالَ لِلْمُسْلِمِينَ فقال عُمَرُ أَدِّيَاهُ وَرِبْحَهُ فلما رَاجَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ وَأَشَارَ عليه بَعْضُ جُلَسَائِهِ وَبَعْضُ جُلَسَائِهِ عِنْدَنَا من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يَجْعَلَهُ قِرَاضًا رَأَى أَنْ يَفْعَلَ وَكَأَنَّهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ رَأَى أَنَّ الْوَالِيَ الْقَائِمُ بِهِ الْحَاكِمُ فيه حتى يَصِيرَ إلَى عُمَرَ وَرَأَى أَنَّ له أَنْ يُنَفِّذَ ما صَنَعَ الْوَالِي مِمَّا يُوَافِقُ الْحُكْمَ فلما كان لو دَفَعَهُ الْوَالِي قِرَاضًا كان على عُمَرَ أَنْ يُنَفِّذَ الْحَبْسَ له وَالْعِوَضَ بِالْمَنْفَعَةِ لِلْمُسْلِمِينَ في فَضْلِهِ رَدَّ ما صَنَعَ الْوَالِي إلَى ما يَجُوزُ مِمَّا لو صَنَعَهُ لم يَرُدَّهُ عليه وَرَدَّ منه فَضْلَ الرِّبْحِ الذي لم يَرَ له أَنْ يُعْطِيَهُمَا وَأَنْفَذَ لَهُمَا نِصْفَ الرِّبْحِ الذي كان له أَنْ يُعْطِيَهُمَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) قد كَانَا ضَامِنَيْنِ لِلْمَالِ وَعَلَى الضَّمَانِ أَخَذَاهُ ولو هَلَكَ ضَمِنَاهُ أَلَا تَرَى أَنَّ عُمَرَ لم يَرُدَّ على عُبَيْدِ اللَّهِ قَوْلَهُ لو هَلَكَ أو نَقَصَ كنا له ضَامِنِينَ ولم يَرُدَّهُ أَحَدٌ مِمَّنْ حَضَرَهُ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ولم يَقُلْ عُمَرُ وَلَا أَحَدٌ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَكُمَا الرِّبْحُ بِالضَّمَانِ بَلْ جَمَعَ عَلَيْهِمَا الضَّمَانَ وَأَخَذَ مِنْهُمَا بَعْضَ الرِّبْحِ فقال قَائِلٌ فَلَعَلَّ عُمَرُ اسْتَطَابَ أَنْفُسَهُمَا قُلْنَا أَوَمَا في الحديث دَلَالَةٌ على أَنَّهُ إنَّمَا حَكَمَ عَلَيْهِمَا أَلَا تَرَى أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ رَاجَعَهُ قال فَلِمَ أَخَذَ نِصْفَ الرِّبْحِ ولم يَأْخُذْهُ كُلَّهُ قُلْنَا حَكَمَ فيه بِأَنْ أَجَازَ منه ما كان يَجُوزُ على الإبتداء لِأَنَّ الْوَالِيَ لو دَفَعَهُ إلَيْهِمَا على الْمُقَارَضَةِ جَازَ فلما رَأَى وَمَنْ حَضَرَهُ أَنَّ أَخْذَهُمَا الْمَالَ غَيْرُ تَعَدٍّ مِنْهُمَا وَأَنَّهُمَا أَخَذَاهُ من وَالٍ له فَكَانَا يَرَيَانِ وَالْوَالِي أَنَّ ما صَنَعَ جَائِزٌ فلم يَزْعُمْ وَمَنْ حَضَرَهُ ما صَنَعَ يَجُوزُ إلَّا بِمَعْنَى الْقِرَاضِ أَنْفَذَ فيه الْقِرَاضَ لِأَنَّهُ كان نَافِذًا لو فَعَلَهُ الْوَالِي أولا وَرَدَّ فيه الْفَضْلَ الذي جَعَلَهُ لَهُمَا على الْقِرَاضِ ولم يَرَهُ يَنْفُذُ لَهُمَا بِلَا مَنْفَعَةٍ لِلْمُسْلِمِينَ فيه ( أخبرنا ) عبد الْوَهَّابِ عن دَاوُد بن أبي هِنْدٍ عن رِيَاحِ بن عُبَيْدَةَ قال بَعَثَ رَجُلٌ مع رَجُلٍ من أَهْلِ الْبَصْرَةِ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ إلَى رَجُلٍ بِالْمَدِينَةِ فَابْتَاعَ بها الْمَبْعُوثُ معه بَعِيرًا ثُمَّ بَاعَهُ بِأَحَدَ عَشَرَ دِينَارًا فَسَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بن عُمَرَ فقال الْأَحَدَ عَشَرَ لِصَاحِبِ الْمَالِ وَلَوْ حَدَثَ بِالْبَعِيرِ حَدَثٌ كُنْت له ضَامِنًا ( أخبرنا ) الثِّقَةُ من أَصْحَابِنَا عن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ مِثْلَ مَعْنَاهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وبن عُمَرَ يَرَى على الْمُشْتَرِي بِالْبِضَاعَةِ لِغَيْرِهِ الضَّمَانَ وَيَرَى الرِّبْحَ لِصَاحِبِ الْبِضَاعَةِ وَلَا يَجْعَلُ الرِّبْحَ لِمَنْ ضَمِنَ إذ الْمُبْضَعُ معه تَعَدَّى في مَالِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَاَلَّذِي يُخَالِفُنَا في هذا يَجْعَلُ له الرِّبْحَ وَلَا أَدْرِي أَيَأْمُرُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ أَمْ لَا وَلَيْسَ معه خَبَرٌ إلَّا تَوَهُّمٌ عن شُرَيْحٍ وَهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْأَقَاوِيلَ التي تَلْزَمُ ما جاء عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أو عن رَجُلٍ من أَصْحَابِهِ أو اجْتَمَعَ الناس عليه فَلِمَ يَخْتَلِفُوا وَقَوْلُهُمْ هذا ليس دَاخِلًا في وَاحِدٍ من هذه الْأَشْيَاءِ التي تَلْزَمُ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ
____________________

(4/34)


- * كِرَاءُ الْإِبِلِ وَالدَّوَابِّ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كِرَاءُ الْإِبِلِ جَائِزٌ لِلْمَحَامِلِ وَالزَّوَامِلِ وَالرَّوَاحِلِ وَغَيْرِ ذلك من الْحَمُولَةِ وَكَذَلِكَ كِرَاءُ الدَّوَابِّ لِلسُّرُوجِ وَالْأَكُفِّ وَالْحَمُولَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَجُوزُ من ذلك شَيْءٌ على شَيْءٍ مَغِيبٍ لَا يجوز ( ( ( تجوز ) ) ) حتى يَرَى الرَّاكِبَ وَالرَّاكِبِينَ وَظَرْفَ الْمَحْمَلِ وَالْوِطَاءَ وَكَيْفَ الظِّلِّ إنْ شَرَطَهُ لِأَنَّ ذلك يَخْتَلِفُ فَيَتَبَايَنُ أو تَكُونُ الْحَمُولَةُ بِوَزْنٍ مَعْلُومٍ أو كَيْلٍ مَعْلُومٍ أو ظُرُوفٍ تُرَى أو تَكُونُ إذَا شُرِطَتْ عُرِفَتْ مِثْلَ غَرَائِرِ الْحَلَبَةِ وما أَشْبَهَ هذا ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال أَتَكَارَى مِنْك مَحْمَلًا أو مَرْكَبًا أو زَامِلَةً فَهُوَ مَفْسُوخٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا إذَا اخْتَلَفَا لم يُوقَفْ على حَدِّ هذا وَإِنْ شَرَطَ وَزْنًا وقال الْمَعَالِيقُ أو أَرَاهُ مَحْمَلًا وقال ما يَصْلُحُهُ فَالْقِيَاسُ في هذا كُلِّهِ أَنَّهُ فَاسِدٌ لِأَنَّ ذلك غَيْرُ مَوْقُوفٍ على حَدِّهِ وَإِنْ شَرَطَ وَزْنًا وقال الْمَعَالِيقُ أو أَرَاهُ مَحْمَلًا فَكَذَلِكَ وَمِنْ الناس من قال أُجِيزُهُ بِقَدْرِ ما يراء ( ( ( يراه ) ) ) الناس وَسَطًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَعُقْدَةُ الْكِرَاءِ لَا تَجُوزُ إلَّا بِأَمْرٍ مَعْلُومٍ كما لَا تَجُوزُ الْبُيُوعُ إلَّا مَعْلُومَةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا تَكَارَى رَجُلٌ مَحْمَلًا من الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ فَشَرَطَ سَيْرًا مَعْلُومًا فَهُوَ أَصَحُّ وَإِنْ لم يَشْتَرِطْ فَاَلَّذِي أَحْفَظُ أَنَّ الْمَسِيرَ مَعْلُومٌ وَأَنَّهُ الْمَرَاحِلُ فَيُلْزَمَانِ الْمَرَاحِلَ لِأَنَّهَا الْأَغْلَبُ من سَيْرِ الناس فَإِنْ قال قَائِلٌ كَيْفَ لَا يَفْسُدُ في هذا الْكِرَاءُ وَالسَّيْرُ يَخْتَلِفُ قِيلَ ليس للافساد هَا هُنَا مَوْضِعٌ فَإِنْ قال فَبِأَيِّ شَيْءٍ قِسْته قِيلَ بِنَقْدِ الْبَلَدِ الْبَلَدُ له نَقْدٌ وَصَنْجٌ وَغَلَّةٌ مُخْتَلِفَةٌ فَيَبِيعُ الرَّجُلُ بِالدَّرَاهِمِ وَلَا يَشْتَرِطُ نَقْدًا بِعَيْنِهِ وَلَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ وَيَكُونُ له الْأَغْلَبُ من نَقْدِ الْبَلَدِ وَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُمَا الْغَالِبُ من مَسِيرِ الناس ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ أَرَادَ الْمُكْتَرِي مُجَاوَزَةَ الْمَرَاحِلِ أو الْجَمَّالُ التَّقْصِيرَ عنها أو مُجَاوَزَتَهَا فَلَيْسَ ذلك لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا بِرِضَاهُمَا فَإِنْ كان بِعَدَدِ أَيَّامٍ فَأَرَادَ الْجَمَّالُ أَنْ يُقِيمَ ثُمَّ يطوى بِقَدْرِ ما أَقَامَ أو أراده ( ( ( أراد ) ) ) الْمُكْتَرِي فَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَذَلِكَ أَنَّهُ يَدْخُلُ على الْمُكْتَرِي التَّعَبُ وَالتَّقْصِيرُ وَكَذَلِكَ يَدْخُلُ على الْجَمَّالِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ تَكَارَى منه لِعَبْدِهِ عقبة ( ( ( عقلة ) ) ) فَأَرَادَ أَنْ يَرْكَبَ اللَّيْلَ دُونَ النَّهَارِ بِالْأَمْيَالِ أو النَّهَارَ دُونَ اللَّيْلِ أو أَرَادَ ذلك بِهِ الْجَمَّالُ فَلَيْسَ ذلك لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَرْكَبُ على ما يَعْرِفُ الناس الْعَقَبَةَ ثُمَّ يَنْزِلُ فَيَمْشِي بِقَدْرِ ما يَرْكَبُ ثُمَّ يَرْكَبُ بِقَدْرِ ما مَشَى وَلَا يُتَابِعُ الْمَشْيَ فَيَفْدَحُهُ وَلَا الرُّكُوبَ فَيَضُرُّ بِالْبَعِيرِ قال وَإِنْ تَكَارَى إبِلًا بِأَعْيَانِهَا رَكِبَهَا قال وَإِنْ تَكَارَى حَمُولَةً ولم يذكر بِأَعْيَانِهَا رَكِبَ ما يَحْمِلُهُ فَإِنْ حَمَلَهُ على بَعِيرٍ غَلِيظٍ فَإِنْ كان ذلك ضَرَرًا مُتَفَاحِشًا أَمَرَ أَنْ يُبَدِّلَهُ وَإِنْ كان شَبِيهًا بِمَا يَرْكَبُ الناس لم يُجْبَرْ على إبْدَالِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كان الْبَعِيرُ يَسْقُطُ أو يَعْثُرُ فَيُخَافُ منه الْعَنَتُ على رَاكِبِهِ أَمَرَ بِإِبْدَالِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَعَلَيْهِ أَنْ يُرْكِبَ الْمَرْأَةَ الْبَعِيرَ بَارِكًا وَتَنْزِلَ عنه بَارِكًا لِأَنَّ ذلك رُكُوبُ النِّسَاءِ أَمَّا الرِّجَالُ فَيَرْكَبُونَ على الْأَغْلَبِ من رُكُوبِ الناس وَعَلَيْهِ أَنْ يُنْزِلَهُ لِلصَّلَوَاتِ وَيَنْتَظِرَ حتى يُصَلِّيَهَا غير مُعَجِّلٍ له وَلِمَا لَا بُدَّ له منه كَالْوُضُوءِ وَلَيْسَ عليه أَنْ يَنْتَظِرَهُ لِغَيْرِ ما لَا بُدَّ له منه قال وَلَيْسَ لِلْجَمَّالِ إذَا كانت الْقُرَى هِيَ الْمَنَازِلُ أَنْ يَتَعَدَّاهَا إنْ أَرَادَ الْكَلَأَ وَلَا لِلْمُكْتَرِي إذَا أَرَادَ عُزْلَةَ الناس وَكَذَلِكَ إنْ اخْتَلَفَا في السَّاعَةِ التي يَسِيرَانِ فيها فَإِنْ أَرَادَ الْجَمَّالُ أو الْمُكْتَرِي ذلك في حَرٍّ شَدِيدٍ نَظَرَ إلَى مَسِيرِ الناس بِقَدْرِ الْمَرْحَلَةِ التي يُرِيدَانِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا خَيْرَ في أَنْ يَتَكَارَى بَعِيرًا بِعَيْنِهِ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَكَارَى إلَّا عِنْدَ خُرُوجِهِ لِأَنَّ الْمُكَارَى يَنْتَفِعُ بِمَا أَخَذَ من الْمُكْتَرِي وَلَا يَلْزَمُ الْجَمَّالَ الضَّمَانُ لِلْحَمُولَةِ إنْ مَاتَ الْبَعِيرُ بِعَيْنِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ شيئا غَائِبًا بِعَيْنِهِ إلَى أَجَلٍ وَإِنَّمَا يَجُوزُ الْكِرَاءُ على مَضْمُونٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ مِثْلُ السَّلَمِ أو على شَيْءٍ يَقْبِضُ الْمُكْتَرِي فيه ما اكْتَرَى عِنْدَ اكْتِرَائِهِ كما يَقْبِضُ الْمَبِيعَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ تَكَارَى إبِلًا بِأَعْيَانِهَا فَرَكِبَهَا ثُمَّ مَاتَتْ رَدَّ الْجَمَّالُ مِمَّا أَخَذَ منه بِحِسَابِ ما بَقِيَ ولم يَضْمَنْ له الْحَمُولَةَ وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْمَنْزِلِ يَكْتَرِيهِ وَالْعَبْدُ يَسْتَأْجِرُهُ وَإِنَّمَا تَلْزَمُهُ الْحَمُولَةُ إذَا شَرَطَهَا عليه غير إبِلٍ
____________________

(4/35)


بِأَعْيَانِهَا كانت لَازِمَةً لِلْجَمَّالِ بِكُلِّ حَالٍ وَالْكِرَاءُ لَازِمٌ لِلْمُكْتَرِي وَالْكِرَاءُ بِكُلِّ حَالٍ لَا يُفْسَخُ أَبَدًا بِمَوْتِهِمَا وَلَا بِمَوْتِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هو في مَالِ الْجَمَّالِ إنْ مَاتَ وَمَالِ الْمُكْتَرِي إنْ مَاتَ وَتَحْمِلُ وَرَثَةُ الْمَيِّتِ حَمُولَتَهُ أو وَزْنَهَا وَرَاكِبًا مثله وَوَرَثَةُ الْجَمَّالِ إنْ شاؤوا قَامُوا بِالْكِرَاءِ وَإِلَّا بَاعَ السُّلْطَانُ في مَالِهِ وَاسْتَأْجَرَ عليه من يوفى الْمُكْتَرِيَ ما شُرِطَ له من الْحَمُولَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ اخْتَلَفَا في الرِّحْلَةِ رَحَلَ لَا مَكْبُوبًا وَلَا مُسْتَلْقِيًا وَإِنْ انْكَسَرَ المحمل ( ( ( المحل ) ) ) أو الظِّلُّ أُبْدِلَ مَحْمَلًا مثله أو ظِلًّا مثله وَإِنْ اخْتَلَفَا في الزَّادِ الذي يَنْفَدُ بَعْضُهُ فقال صَاحِبُ الزَّادِ أُبْدِلُهُ بِوَزْنِهِ فَالْقِيَاسُ أَنْ يُبْدِلَ له حتى يستوفى الْوَزْنُ قال وَلَوْ قال قَائِلٌ ليس له أَنْ يُبْدِلَ من قِبَلِ أَنَّهُ مَعْرُوفٌ أَنَّ الزَّادَ يَنْقُصُ قَلِيلًا وَلَا يُبْدَلُ مَكَانَهُ كان مَذْهَبًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ من مَذَاهِبِ الناس ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالدَّوَابُّ في هذا مِثْلُ الْإِبِلِ إذَا اخْتَلَفَا في الْمَسِيرِ سَارَ كما يَسِيرُ الناس إنْ لم يَكُنْ بَيْنَهُمَا شَرْطٌ لَا مُتْعِبًا وَلَا مُقَصِّرًا كما يَسِيرُ الْأَكْثَرُ من الناس وَيُعْرَفُ خِلَافُ الضَّرَرِ بِالْمُكْتَرِي لِلدَّابَّةِ والمكري فَإِنْ كانت صَعْبَةً نظر ( ( ( نظرا ) ) ) فَإِنْ كانت صُعُوبَتُهَا مُشَابَهَةً صُعُوبَةَ عَوَامِّ الدَّوَابِّ أو تُقَارِبُهَا لَزِمَتْ الْمُكْتَرِيَ وَإِنْ كان ذلك منها مَخُوفًا فَإِنْ تَكَارَاهَا بِعَيْنِهَا ولم يَعْلَمْ تَنَاقَضَا الْكِرَاءَ إنْ شَاءَ المكترى وَإِنْ تَكَارَى مَرْكَبًا فَعَلَى الْمُكْرِي الدَّابَّةَ له غَيْرُهَا مِمَّا لَا يُبَايِنُ دَوَابَّ الناس ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَعَلَفُ الدَّوَابِّ وَالْإِبِلِ على الْجَمَّالِ أو مَالِكِ الدَّوَابِّ فَإِنْ تَغَيَّبَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَعَلَفَ الْمُكْتَرِي فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ إلَّا أَنْ يَرْفَعَ ذلك إلَى السُّلْطَانِ وَيَنْبَغِي لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُوَكِّلَ رَجُلًا من أَهْل الرُّفْقَةِ بِأَنْ يَعْلِفَ وَيَحْسِبَ ذلك على رَبِّ الدَّابَّةِ وَالْإِبِلِ وَإِنْ ضَاقَ ذلك فلم يُوجَدْ أَحَدٌ غَيْرُ الرَّاكِبِ فَإِنْ قال قَائِلٌ يَأْمُرُ الرَّاكِبَ أَنْ يَعْلِفَ لِأَنَّ من حَقِّهِ الرُّكُوبَ وَالرُّكُوبُ لَا يَصْلُحُ إلَّا بِعَلَفٍ وَيَحْسِبُ ذلك على صَاحِبِ الدَّابَّةِ وَهَذَا مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ وَلَا يُوجَدُ فيه إلَّا هذا لِأَنَّهُ لَا بُدَّ من الْعَلَفِ وَإِلَّا تَلِفَتْ الدَّابَّةُ ولم يَسْتَوْفِ الْمُكْتَرِي الرُّكُوبَ كان مَذْهَبًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وفي هذا أَنَّ الْمُكْتَرِيَ يَكُونُ أَمِينَ نَفْسِهِ وَإِنَّ رَبَّ الدَّابَّةِ إنْ قال لم يَعْلِفْهَا إلَّا بِكَذَا وقال الْأَمِينُ عَلَفْتهَا بِكَذَا لِأَكْثَرَ فَإِنْ قَبِلَ قَوْلَ رَبِّ الدَّابَّةِ في مَالِهِ سَقَطَ كَثِيرٌ من حَقِّ الْعَالِفِ وَإِنْ قبل ( ( ( قيل ) ) ) قَوْلُ الْمُكْتَرِي الْعَالِفِ كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيمَا يَلْزَمُ غَيْرَهُ وَإِنْ نَظَرَ إلَى عَلَفِ مِثْلِهَا فَصَدَّقَ بِهِ فيه فَقَدْ خَرَجَ مَالِكُ الدَّابَّةِ وَالْمُكْتَرِي من أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَهُمَا وقد تَرِدُ أَشْبَاهٌ من هذا في الْفِقْهِ فَيَذْهَبُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إلَى أَنْ لَا قِيَاسَ وَأَنَّ الْقِيَاسَ ضَعِيفٌ وقد ذُكِرَ في غَيْرِ هذا الْمَوْضِعِ وَيَقُولُونَ يقضى فِيمَا بين الناس بِأَقْرَبِ الْأُمُورِ في الْعَدْلِ فِيمَا يَرَاهُ إذَا لم يَجِدْ فيه متقدما ( ( ( متقدم ) ) ) من حُكْمٍ يَتْبَعُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَيَعِيبُ هذا الْمَذْهَبَ بَعْضُ الناس وَيَقُولُ لَا بُدَّ من الْقِيَاسِ على مُتَقَدِّمِ الْأَحْكَامِ ثُمَّ يَصِيرُ إلَى أَنْ يُكْثِرَ الْقَوْلَ بِمَا عَابَ وَيَرُدَّ ما يُشْبِهُ هذا فِيمَا يَرَى رَدَّهُ من كَرِهَ الرَّأْيَ فَإِنْ جَازَ أَنْ يَحْكُمَ فيه بِمَا يَكُونُ عَدْلًا عِنْدَ الناس فِيمَا يَرَى الْحَاكِمُ فَهُوَ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا في بَعْضِ أَقَاوِيلِهِمْ وَإِنْ لم يَجُزْ فَقَدْ يَتْرُكُ أَهْلُ الْقِيَاسِ الْقِيَاسَ فَيَكُونُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ أَصْحَابِنَا حَمَلَ الناس على أَكْثَرِ مُعَامَلَتِهِمْ وَعَلَى الْأَقْرَبِ من صَلَاحِهِمْ وَأَنْفَذَ الْحُكْمَ على كل أَحَدٍ من الْمُتَنَازِعَيْنِ بِقَدْرِ ما يَحْضُرُهُ مِمَّا يَسْمَعُ من قَضِيَّتِهِمَا مِمَّا يُشْبِهُ الْأَغْلَبَ وَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ الْقِيَاسِ أَعَادَ الْأُمُورَ إلَى الْأُصُولِ ثُمَّ قَاسَهَا عليها وَحَكَمَ لها بِأَحْكَامِهَا وَهَذَا رُبَّمَا تَفَاحَشَ
____________________

(4/36)


- * مَسْأَلَةٌ الرَّجُلُ يَكْتَرِي الدَّابَّةَ فَيَضْرِبُهَا فَتَمُوتُ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اكْتَرَى الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الدَّابَّةَ فَضَرَبَهَا أو نَخَسَهَا بِلِجَامٍ أو رَكَضَهَا فَمَاتَتْ سُئِلَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالرُّكُوبِ فَإِنْ كان فَعَلَ من ذلك ما تَفْعَلُ الْعَامَّةُ فَلَا يَكُونُ فيه عِنْدَهُمْ خَوْفُ تَلَفٍ أو فَعَلَ بِالْكَبْحِ وَالضَّرْبِ مِثْلَ ما يَفْعَلُهُ بِمِثْلِهَا عِنْدَمَا فَعَلَهُ فَلَا أَعُدُّ ذلك خِرْقَةً وَلَا شَيْءَ عليه وَإِنْ كان فَعَلَ ذلك عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ بِمَوْضِعٍ قد يَكُونُ بمثله تَلَفٌ أو فَعَلَهُ في الْمَوْضِعِ الذي لَا يُفْعَلُ في مِثْلِهِ ضمن ( ( ( ثمن ) ) ) في كل حَالٍ من قِبَلِ أَنَّ هذا تَعَدٍّ وَالْمُسْتَعِيرُ هَكَذَا إنْ كان صَاحِبُهُ لَا يُرِيدُ أَنْ يُضَمِّنَهُ فَإِنْ أَرَادَ صَاحِبُهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ الْعَارِيَّةَ فَهُوَ ضَامِنٌ تَعَدَّى أو لم يَتَعَدَّ وَأَمَّا الرَّائِضُ فإن من شَأْنِ الرُّوَّاضِ الذي يَعْرِفُ بِهِ إصْلَاحَهُمْ لِلدَّوَابِّ الضَّرْبُ على حَمْلِهَا من السَّيْرِ وَالْحَمْلُ عليها من الضَّرْبِ أَكْثَرُ ما يَفْعَلُ الرُّكَّابُ غَيْرُهُمْ فإذا فَعَلَ من ذلك ما يَكُونُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالرِّيَاضَةِ إصْلَاحًا وَتَأْدِيبًا لِلدَّابَّةِ بِلَا إعْنَافٍ بَيِّنٍ لم يَضْمَنْ إنْ عَيَّتْ وَإِنْ فَعَلَ خِلَافَ هذا كان مُتَعَدِّيًا وَضَمِنَ وَالْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ هَكَذَا كَالْمُكْتَرِي في رُكُوبِهَا إذَا تَعَدَّى ضَمِنَ وإذا لم يَتَعَدَّ لم يَضْمَنْ ( قال الرَّبِيعُ ) قَوْلُهُ الذي نَأْخُذُ بِهِ في الْمُسْتَعِيرِ أَنَّهُ يَضْمَنُ تَعَدَّى أو لم يَتَعَدَّ لِحَدِيثِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْعَارِيَّةُ مَضْمُونَةٌ مُؤَدَّاةٌ وهو آخِرُ قَوْلِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالرَّاعِي إذَا فَعَلَ ما لِلرِّعَاءِ أَنْ يَفْعَلُوهُ مِمَّا لَا صَلَاحَ لِلْمَاشِيَةِ إلَّا بِهِ وما يَفْعَلُهُ أَهْلُ الْمَاشِيَةِ بِمَوَاشِي أَنْفُسِهِمْ على اسْتِصْلَاحِهَا وَمَنْ إذَا رَأَوْا من يَفْعَلُهُ بِمَوَاشِيهِمْ مِمَّنْ يَلِي رَعِيَّتَهَا كان عِنْدَهُمْ صَلَاحًا لَا تَلَفًا وَلَا خِرْقَةَ فَفَعَلَهُ الرَّاعِي لم يَضْمَنْ وَإِنْ تَلِفَ فيه وَإِنْ فَعَلَ ما يَكُونُ عِنْدَهُمْ خِرْقَةً فَتَلِفَ منه شَيْءٌ ضَمِنَهُ عِنْدَ من لَا يُضَمِّنُ الْأَجِيرَ وَمَنْ ضَمَّنَ الْأَجِيرَ ضَمَّنَهُ في كل حَالٍ - * مَسْأَلَةُ الْأُجَرَاءِ - * ( أخبرنا ( ( ( أخبر ) ) ) الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال الْأُجَرَاءُ كلهم سَوَاءٌ فإذا تَلِفَ في أَيْدِيهِمْ شَيْءٌ من غَيْرِ جِنَايَتِهِمْ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فيه إلَّا وَاحِدٌ من قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ كُلُّ من أَخَذَ الكراء ( ( ( إكراء ) ) ) على شَيْءٍ كان له ضَامِنًا يُؤَدِّيهِ على السَّلَامَةِ أو يَضْمَنُهُ أو ما نَقَصَهُ وَمَنْ قال هذا الْقَوْلَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ من حُجَّتِهِ أَنْ يَقُولَ الْأَمِينُ هو من دَفَعْت إلَيْهِ رَاضِيًا بِأَمَانَتِهِ لَا معطى أَجْرًا على شَيْءٍ مِمَّا دَفَعْت إلَيْهِ وَإِعْطَائِي هذا الْأَجْرَ تَفْرِيقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَمِينِ الذي أَخَذَ ما اُسْتُؤْمِنَ عليه بِلَا جَعْلٍ أو يقول قَائِلٌ لَا ضَمَانَ على أَجِيرٍ بِحَالٍ من قِبَلِ أَنَّهُ إنَّمَا يُضَمِّنُ من تَعَدَّى فَأَخَذَ ما ليس له أو أَخَذَ الشَّيْءَ على مَنْفَعَةٍ له فيه إمَّا بِتَسَلُّطٍ على إتْلَافِهِ كما يَأْخُذُ سَلَفًا فَيَكُونُ مَالًا من مَالِهِ فَيَكُونُ إنْ شَاءَ يُنْفِقُهُ وَيَرُدُّ مثله وَإِمَّا مُسْتَعِيرٌ سُلِّطَ على الِانْتِفَاعِ بِمَا أُعِيرَ فَيَضْمَنُ لِأَنَّهُ أَخَذَ ذلك لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ لَا لِمَنْفَعَةِ صَاحِبِهِ فيه وَهَذَانِ مَعًا نَقْصٌ على الْمُسَلِّفِ وَالْمُعِيرِ أو غَيْرُ زِيَادَةٍ له وَالصَّانِعُ وَالْأَجِيرُ من كان ليس في هذا الْمَعْنَى فَلَا يَضْمَنُ بِحَالٍ إلَّا ما جَنَتْ يَدُهُ كما يَضْمَنُ الْمُودَعُ ما جَنَتْ يَدُهُ وَلَيْسَ في هذا سُنَّةٌ أَعْلَمُهَا وَلَا أَثَرٌ يَصِحُّ عِنْدَ أَهْلِ الحديث عن أَحَدٍ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وقد روى فيه شَيْءٌ عن عُمَرَ وَعَلِيٍّ ليس يَثْبُتُ عِنْدَ أَهْلِ الحديث عنهما وَلَوْ ثَبَتَ عنهما لَزِمَ من يُثْبِتُهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْأُجَرَاءَ من كَانُوا فَيُضَمِّنُ أَجِيرَ الرَّجُلِ وَحْدَهُ وَالْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ وَالْأَجِيرَ على الْحِفْظِ وَالرَّعْيِ وَحَمْلِ الْمَتَاعِ وَالْأَجِيرَ على الشَّيْءِ يَصْنَعُهُ لِأَنَّ عُمَرَ إنْ كان ضَمَّنَ الصُّنَّاعَ فَلَيْسَ في تَضْمِينِهِ لهم مَعْنًى إلَّا
____________________

(4/37)


أَنْ يَكُونَ ضَمَّنَهُمْ بِأَنَّهُمْ أَخَذُوا أَجْرًا على ما ضَمِنُوا فَكُلُّ من كان أَخَذَ أَجْرًا فَهُوَ في مَعْنَاهُمْ وَإِنْ كان عَلِيٌّ رضي اللَّهُ عنه ضَمَّنَ الْقَصَّارَ وَالصَّائِغَ فَكَذَلِكَ كُلُّ صَانِعٍ وَكُلُّ من أَخَذَ أُجْرَةً وقد يُقَالُ لِلرَّاعِي صِنَاعَتُهُ الرَّعِيَّةُ وَلِلْحَمَّالِ صِنَاعَتُهُ الْحَمْلُ لِلنَّاسِ وَلَكِنَّهُ ثَابِتٌ عن بَعْضِ التَّابِعِينَ ما قُلْت أَوَّلًا من التَّضْمِينِ أو تَرْكِ التَّضْمِينِ وَمَنْ ضَمَّنَ الْأَجِيرَ بِكُلِّ حَالٍ فَكَانَ مع الْأَجِيرِ ما قُلْت مِثْلَ أَنْ يَسْتَحْمِلَهُ الشَّيْءَ على ظَهْرِهِ أو يَسْتَعْمِلَهُ الشَّيْءَ في بَيْتِهِ أو غَيْرِ بَيْتِهِ وهو حَاضِرٌ لِمَالِهِ أو وَكِيلٌ له بِحِفْظِهِ فَتَلِفَ مَالُهُ بِأَيِّ وَجْهٍ ما تَلِفَ بِهِ إذَا لم يَجْنِ عليه جَانٍ فَلَا ضَمَانَ على الصَّانِعِ وَلَا على الْأَجِيرِ وَكَذَلِكَ إنْ جَنَى عليه غَيْرُهُ فَلَا ضَمَانَ عليه وَالضَّمَانُ على الْجَانِي وَلَوْ غَابَ عنه أو تَرَكَهُ يَغِيبُ عليه كان ضَامِنًا له من أَيِّ وَجْهٍ ما تَلِفَ وَإِنْ كان حَاضِرًا معه فَعَمِلَ فيه عَمَلًا فَتَلِفَ بِذَلِكَ الْعَمَلِ وقال الْأَجِيرُ هَكَذَا يَعْمَلُ هذا فلم أَتَعَدَّ بِالْعَمَلِ وقال الْمُسْتَأْجِرُ ليس هَكَذَا يَعْمَلُ وقد تَعَدَّيْت وَبَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ أو لَا بَيِّنَةَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ كانت الْبَيِّنَةُ سُئِلَ عَدْلَانِ من أَهْلِ تلك ( ( ( ذلك ) ) ) الصِّنَاعَةِ فَإِنْ قَالَا هَكَذَا يَعْمَلُ هذا فَلَا يَضْمَنُ وَإِنْ قَالَا هذا تعدي في عَمَلِ هذا ضَمِنَ كان التَّعَدِّي ما كان قَلَّ أو كَثُرَ وإذا لم تَكُنْ بَيِّنَةٌ كان الْقَوْلُ قَوْلَ الصَّانِعِ مع يَمِينِهِ ثُمَّ لَا ضَمَانَ عليه وإذا سَمِعْتَنِي أَقُولُ الْقَوْلُ قَوْلُ أَحَدٍ فَلَسْت أَقُولُهُ إلَّا على مَعْنَى ما يُعْرَفُ إذَا ادَّعَى الذي أجعل ( ( ( جعل ) ) ) الْقَوْلَ قَوْلَهُ ما يُمْكِنُ بِحَالٍ من الْحَالَاتِ جَعَلْت الْقَوْلَ قَوْلَهُ وإذا ادَّعَى ما لَا يُمْكِنُ بِحَالٍ من الْحَالَاتِ لم أَجْعَلْ الْقَوْلَ قَوْلَهُ وَمَنْ ضَمَّنَ الصَّانِعَ فِيمَا يَغِيبُ عليه فَجَنَى جَانٍ على ما في يَدَيْهِ فَأَتْلَفَهُ فَرَبُّ الْمَالِ بِالْخِيَارِ في تَضْمِينِ الصَّانِعِ لِأَنَّهُ كان عليه أَنْ يَرُدَّهُ إلَيْهِ على السَّلَامَةِ فَإِنْ ضَمَّنَهُ رَجَعَ بِهِ الصَّانِعُ على الْجَانِي أو يَضْمَنُ الْجَانِي فَإِنْ ضَمَّنَهُ لم يَرْجِعْ بِهِ الْجَانِي على الصَّانِعِ وإذا ضَمَّنَهُ الصَّانِعَ فَأَفْلَسَ بِهِ الصَّانِعُ كان له أَنْ يَأْخُذَ من الْجَانِي وكان الْجَانِي في هذا الْمَوْضِعِ كَالْحَمِيلِ وَكَذَلِكَ لو ضَمَّنَهُ الْجَانِيَ فَأَفْلَسَ بِهِ الْجَانِي رَجَعَ بِهِ على الصَّانِعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَبْرَأَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِنْدَ تَضْمِينِ الْآخَرِ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ وَلِلصَّانِعِ في كل حَالٍ أن ( ( ( ويرجع ) ) ) يرجع بِهِ على الْجَانِي إذَا أَخَذَ من الصَّانِعِ وَلَيْسَ لِلْجَانِي أَنْ يَرْجِعَ بِهِ على الصَّانِعِ إذَا أَخَذَ منه بِحَالٍ قال وإذا تَكَارَى الرَّجُلُ من الرَّجُلِ على الْوَزْنِ الْمَعْلُومِ وَالْكَيْلِ الْمَعْلُومِ وَالْبَلَدِ الْمَعْلُومِ فَزَادَ الْوَزْنُ أو الْكَيْلُ أو نَقَصَا وَتَصَادَقَا على أَنَّ رَبَّ الْمَالِ وَلِيَ الْوَزْنَ وَالْكَيْلَ قُلْنَا في الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ لِأَهْلِ الْعِلْمِ بِالصِّنَاعَةِ هل يَزِيدُ ما بين الْوَزْنَيْنِ وَيَنْقُصُ ما بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْكَيْلَيْنِ هَكَذَا فِيمَا لم تَدْخُلْهُ آفَةٌ فَإِنْ قالوا نعم قد يَزِيدُ وَيَنْقُصُ قُلْنَا في النُّقْصَانِ لِرَبِّ الْمَالِ قد يُمْكِنُ النقص عَمَّا زَعَمَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِلَا جِنَايَةٍ وَلَا آفَةٍ فلما كان النَّقْصُ يَكُونُ وَلَا يَكُونُ قُلْنَا إنْ شِئْت أَحَلَفْنَا لَك الْحَمَّالَ ما خَانَك وَلَا تَعَدَّى بِشَيْءٍ أَفْسَدَ مَتَاعَك ثُمَّ لَا ضَمَانَ عليه وَقُلْنَا لِلْحَمَّالِ في الزِّيَادَةِ كما قُلْنَا لِرَبِّ الْمَالِ في النُّقْصَانِ إذَا كانت الزِّيَادَةُ قد تَكُونُ لَا من حَادِثٍ وَلَا زِيَادَةٍ وَيَكُونُ النُّقْصَانُ وَكَانَتْ هَا هُنَا زِيَادَةٌ فَإِنْ لم تَدَعْهَا فَهِيَ لِرَبِّ الْمَالِ وَلَا كِرَاءَ لَك فيها وَإِنْ ادَّعَيْتهَا أَوْفَيْنَا رَبَّ الْمَالِ مَالَهُ تَامًّا ولم نُسَلِّمْ لَك الْفَضْلَ إلَّا بِأَنْ تَحْلِفَ ما هو من مَالِ رَبِّ الْمَالِ وَتَأْخُذُهُ وَإِنْ كان زِيَادَةً لَا يَزِيدُ مِثْلُهَا أَوْفَيْنَا رَبَّ الْمَالِ مَالَهُ وَقُلْنَا الزِّيَادَةُ لَا يَدَّعِيهَا رَبُّ الْمَالِ فَإِنْ كانت لَك فَخُذْهَا وَإِنْ لم تَكُنْ لَك جَعَلْنَاهَا كَمَالٍ في يَدَيْك لَا مدعى له وَقُلْنَا الْوَرَعُ أَنْ لَا تَأْكُلَ ما ليس لَك فَإِنْ ادَّعَاهَا رَبُّ الْمَالِ وَصَدَّقَتْهُ كانت الزِّيَادَةُ له وَعَلَيْهِ كِرَاءُ مِثْلِهَا وَإِنْ كُنْت أنت الْكَيَّالَ لِلطَّعَامِ بِأَمْرِ رَبِّ الطَّعَامِ وَلَا أَمِينَ له مَعَك قُلْنَا لِرَبِّ الطَّعَامِ هو يُقِرُّ بِأَنَّ هذه الزِّيَادَةَ لَك فَإِنْ ادَّعَيْتهَا فَهِيَ لَك وَعَلَيْك في الْمَكِيلَةِ التي اكْتَرَيْت عليها ما سَمَّيْت من الْكِرَاءِ وَعَلَيْك الْيَمِينُ ما رَضِيت أَنْ يَحْمِلَ لَك الزِّيَادَةَ ثُمَّ هو ضَامِنٌ لَأَنْ يُعْطِيَك مِثْلَ قَمْحِك بِبَلَدِك الذي حَمَلَ منه لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ إلَّا بِأَنْ تَرْضَى أَنْ تَأْخُذَهُ من مَوْضِعِك فَلَا يُحَالُ بَيْنَك وَبَيْنَ عَيْنِ مَالِك وَلَا كِرَاءَ عَلَيْك بِالْعُدْوَانِ وَإِنْ قُلْت رَضِيت بِأَنْ يَحْمِلَ لي مَكِيلَةً بِكِرَاءٍ مَعْلُومٍ وما زَادَ فَبِحِسَابِهِ فَالْكِرَاءُ في الْمَكِيلَةِ جَائِزٌ وفي الزِّيَادَةِ فَاسِدٌ وَالطَّعَامُ لَك وَلَهُ كِرَاءُ مِثْلِهِ في كُلِّهِ فَإِنْ كان نُقْصَانٌ لَا يَنْقُصُ مثله فَالْقَوْلُ
____________________

(4/38)


فيه كَالْقَوْلِ في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَمَنْ رَأَى تَضْمِينَ الْحَمَّالِ ضَمِنَ ما نَقَصَ عن الْمَكِيلَةِ لَا يَرْفَعُ عنه شيئا وَمَنْ لم يَرَ تَضْمِينَهُ لم يَضْمَنْهُ وَطَرَحَ عنه من الْكِرَاءِ بِقَدْرِ النُّقْصَانِ - * اخْتِلَافُ الْأَجِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ - * أخبرنا الرَّبِيعُ قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اخْتَلَفَ الرَّجُلَانِ في الْكِرَاءِ وَتَصَادَقَا في الْعَمَلِ تَحَالَفَا وكان لِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ فِيمَا عَمِلَ قال وإذا اخْتَلَفَا في الصَّنْعَةِ فقال أَمَرْتُك أَنْ تَصْبُغَهُ أَصْفَرَ أو تَخِيطَ قَمِيصًا فَخِطْته قَبَاءً
____________________

(4/39)


وقال الصَّانِعُ عَمِلْت ما قُلْت لي تَحَالَفَا وكان على الصَّانِعِ ما نَقَصَ الثَّوْبَ وَلَا أَجْرَ له وَإِنْ زَادَ الصَّبْغَ فيه كان شَرِيكًا بِمَا زَادَ الصَّبْغَ في الثَّوْبِ وَإِنْ نَقَصَتْ منه فَلَا ضمان ( ( ( ضمانة ) ) ) عليه وَلَا أَجْرَ له ( قال الرَّبِيعُ ) الذي يَأْخُذُ بِهِ الشَّافِعِيُّ في هذا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ رَبِّ الثَّوْبِ وَعَلَى الصَّانِعِ ما نَقَصَ الثَّوْبَ وَإِنْ كان نَقَصَهُ شيئا لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بأخذ ( ( ( يأخذ ) ) ) الثَّوْبَ صَحِيحًا وَمُدَّعٍ على أَنَّهُ أَمَرَهُ بِقَطْعِهِ أو صَبْغِهِ كما وَصَفْت فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِمَا قال فَإِنْ لم يَكُنْ بَيِّنَةٌ حَلَفَ رَبُّ الثَّوْبِ وَلَزِمَ الصَّانِعَ ما نَقَصَتْهُ الصَّنْعَةُ وَإِنْ
____________________

(4/40)


كانت زَادَتْ الصَّنْعَةُ فيه شيئا كان الصَّانِعُ شَرِيكًا بها إنْ كانت عَيْنًا قَائِمَةً فيه مِثْلَ الصَّبْغِ وَلَا يَأْخُذُ من الْأُجْرَةِ شيئا كانت زَادَتْ الصَّنْعَةُ فيه شيئا كان الصَّانِعُ شَرِيكًا بها إنْ كانت عَيْنًا قَائِمَةً فيه مِثْلَ الصَّبْغِ وَلَا يَأْخُذُ من الْأُجْرَةِ شيئا فَإِنْ لم تَكُنْ عَيْنٌ قَائِمَةٌ فَلَا شَيْءَ له - * إحْيَاءُ الْمَوَاتِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال قال محمد بن إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ ولم أَسْمَعْ هذا الْكِتَابَ منه وَإِنَّمَا أَقْرَأهُ على مَعْرِفَةِ أَنَّهُ من كَلَامِهِ قال وَبِلَادُ الْمُسْلِمِينَ شَيْئَانِ عَامِرٌ وَمَوَاتٌ فَالْعَامِرُ لِأَهْلِهِ وَكُلُّ ما صَلُحَ بِهِ الْعَامِرُ إنْ كان مُرْفَقًا لِأَهْلِهِ من طَرِيقٍ وَفِنَاءٍ وَمَسِيلِ مَاءٍ أو غَيْرِهِ فَهُوَ كَالْعَامِرِ في أَنْ لَا يَمْلِكَهُ على أَهْلِ الْعَامِرِ أَحَدٌ إلَّا بِإِذْنِهِمْ وَالْمَوَاتُ شَيْئَانِ مَوَاتٌ قد كان عَامِرًا لِأَهْلٍ مَعْرُوفِينَ في الْإِسْلَامِ ثُمَّ ذَهَبَتْ عِمَارَتُهُ فَصَارَ مَوَاتًا لَا عِمَارَةَ فيه فَذَلِكَ لِأَهْلِهِ كَالْعَامِرِ لَا يَمْلِكُهُ أَحَدٌ أَبَدًا إلَّا عن أَهْلِهِ وَكَذَلِكَ مَرَافِقُهُ وَطَرِيقُهُ وَأَفْنَيْته وَمَسَايِلُ مَائِهِ وَمَشَارِبُهُ وَالْمَوَاتُ الثَّانِي ما لم يَمْلِكْهُ أَحَدٌ في الْإِسْلَامِ بِعُرْفٍ وَلَا عِمَارَةٍ مُلِكَ في الْجَاهِلِيَّةِ أو لم يُمْلَكْ فَذَلِكَ الْمَوَاتُ الذي قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من أَحْيَا مَوَاتًا فَهُوَ له وَالْمَوَاتُ الذي لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَقْطَعَهُ من يُعَمِّرُهُ خَاصَّةً وَأَنْ يَحْمِيَ منه ما رَأَى أَنْ يَحْمِيَهُ عَامًّا لِمَنَافِع الْمُسْلِمِينَ وَسَوَاءٌ كُلُّ مَوَاتٍ لَا مَالِكَ له إنْ كان إلَى جَنْبِ قَرْيَةٍ جَامِعَةٍ عَامِرَةٍ وفي وَادٍ عَامِرٍ بِأَهْلِهِ وَبَادِيَةٍ عَامِرَةٍ بِأَهْلِهَا وَقُرْبِ نَهْرٍ عَامِرٍ أو صَحْرَاءَ أو أَيْنَ كان لَا فَرْقَ بين ذلك قال وَسَوَاءٌ من أَقْطَعَهُ الْخَلِيفَةُ أو الْوَالِي أو حَمَاهُ هو بِلَا قَطْعٍ من أَحَدٍ مَوَاتًا لَا مَالِكَ له وَكُلُّ هَؤُلَاءِ أَحْيَاءٌ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمْ - * ما يَكُونُ إحْيَاءً - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّمَا يَكُونُ الْإِحْيَاءُ ما عَرَفَهُ الناس إحْيَاءً لِمِثْلِ الْمَحْيَا إنْ كان مَسْكَنًا فَأَنْ يبني بِمِثْلِ ما يُبْنَى بِهِ مِثْلُهُ من بُنْيَانٍ حَجَرٍ أو لَبِنٍ أو مَدَرٍ يَكُونُ مثله بِنَاءً وَهَكَذَا ما أَحْيَا الْآدَمِيُّ من مَنْزِلٍ له أو لِدَوَابَّ من حِظَارٍ أو غَيْرِهِ فَأَحْيَاهُ بِبِنَاءِ حَجَرٍ أو مَدَرٍ أو بِمَاءٍ لِأَنَّ هذه الْعِمَارَةَ بِمِثْلِ هذا وَلَوْ جَمَعَ تُرَابًا لِحِظَارٍ أو خَنْدَقٍ لم يَكُنْ هذا إحْيَاءً وَكَذَلِكَ لو بَنَى خِيَامًا من شَعْرٍ أو جَرِيدٍ أو خَشَبٍ لم يَكُنْ هذا إحْيَاءً تُمْلَكُ له الْأَرْضُ بِالْإِحْيَاءِ وما كان هذا قَائِمًا لم يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يُزِيلَهُ فإذا أَزَالَهُ صَاحِبُهُ لم يَمْلِكْهُ وكان لِغَيْرِهِ أَنْ يَنْزِلَهُ وَيَعْمُرَهُ وَهَذَا كَالْفُسْطَاطِ يَضْرِبُهُ الْمُسَافِرُ أو الْمُنْتَجِعُ لِغَيْثٍ وَكَالْخِبَاءِ وَكَالْمُنَاخِ وَغَيْرِهِ وَيَكُونُ الرَّجُلُ أَحَقَّ بِهِ حتى يُفَارِقَهُ فإذا فَارَقَهُ لم يَكُنْ له فيه حَقٌّ وَهَكَذَا الْحِظَارُ بِالشَّوْكِ وَالْخِصَافِ وَغَيْرِهِ وَعِمَارَةِ الْغِرَاسِ وَالزَّرْعِ أَنْ يَغْرِسَ الرَّجُلُ الْأَرْضَ فَالْغِرَاسُ كَالْبِنَاءِ إذَا أَثْبَتَهُ في الْأَرْضِ كان كَالْبِنَاءِ يَبْنِيهِ فإذا انْقَطَعَ الْغِرَاسُ كان كَانْهِدَامِ الْبِنَاءِ وكان مَالِكًا لِلْأَرْضِ مُلْكًا لَا يَحُولُ عنه إلَّا منه وَبِسَبَبِهِ وَأَقَلُّ عِمَارَةِ الزَّرْعِ الذي لَا يُظْهِرُ مَاءً لِرَجُلٍ عليه التي تُمْلَكُ بها الْأَرْضُ كما يُمْلَكُ ما يَنْبُتُ من الْغِرَاسِ أَنْ يَحْظُرَ على الْأَرْضِ بِمَا يَحْظُرُ بمثله من حَجَرٍ أو مَدَرٍ أو سَعَفٍ أو تُرَابٍ مَجْمُوعٍ وَيَحْرُثُهَا وَيَزْرَعُهَا فإذا اجْتَمَعَ هذا فَقَدْ أَحْيَاهَا إحْيَاءً تَكُونُ بِهِ له وَأَقَلُّ ما يَكْفِيهِ من هذا أَنْ يَجْمَعَ تُرَابًا يُحِيطُ بها وَإِنْ لم يَكُنْ مُرْتَفِعًا أَكْثَرَ من أَنْ تَبِينَ بِهِ الْأَرْضُ مِمَّا حَوْلَهَا وَيَجْمَعُ مع هذا حَرْثَهَا وَزَرْعَهَا وَهَكَذَا إنْ ظَهَرَ عليه مَاءُ سَيْلٍ أو غِيلٍ مُشْتَرَكٍ أو مَاءُ مَطَرٍ لِأَنَّ الْمَاءَ مُشْتَرَكٌ فَإِنْ كان له مَاءٌ خَاصٌّ وَذَلِكَ مَاءُ عَيْنٍ أو نَهْرٍ يَحْفِرُهَا يَسْقِي بها أَرْضًا فَهَذَا إحْيَاءٌ لها وَهَكَذَا إنْ سَاقَ إلَيْهَا من نَهْرٍ أو
____________________

(4/41)


وَادٍ أو غِيلٍ مُشْتَرَكٍ في مَاءِ عَيْنٍ له أو خَلِيجٍ خَاصَّةٍ فَسَقَاهَا بِهِ فَقَدْ أَحْيَاهَا الْإِحْيَاءَ الذي يَمْلِكُهَا بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) ما لَا يَمْلِكُهُ أَحَدٌ من الْمُسْلِمِينَ صِنْفَانِ أَحَدُهُمَا يَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَهُ من يُحْيِيهِ وَذَلِكَ مِثْلُ الْأَرْضِ تُتَّخَذُ لِلزَّرْعِ وَالْغِرَاسِ وَالْآبَارِ وَالْعُيُونِ وَالْمِيَاهِ وَمَرَافِقِ هذا الذي لَا يَكْمُلُ صَلَاحُهُ إلَّا بِهِ وَهَذَا إنَّمَا تُجْلَبُ مَنْفَعَتُهُ بِشَيْءٍ من غَيْرِهِ لَا كَبِيرَ مَنْفَعَةٍ فيه هو نَفْسِهِ وَهَذَا إذَا أَحْيَاهُ رَجُلٌ بِأَمْرِ وَالٍ أو غَيْرِ أَمْرِهِ مَلَكَهُ ولم يَمْلِكْ أَبَدًا إلَّا أَنْ يُخْرِجَهُ من أخياه ( ( ( أحياه ) ) ) من يَدِهِ وَالصِّنْفُ الثَّانِي ما تُطْلَبُ الْمَنْفَعَةُ منه نَفْسِهِ لِيَخْلُصَ إلَيْهَا لَا شَيْءَ يُجْعَلُ فيه من غَيْرِهِ وَذَلِكَ الْمَعَادِنُ كُلُّهَا الظَّاهِرَةُ وَالْبَاطِنَةُ من الذَّهَبِ وَالتِّبْرِ وَالْكُحْلِ وَالْكِبْرِيتِ وَالْمِلْحِ وَغَيْرِ ذلك وَأَصْلُ الْمَعَادِنِ صِنْفَانِ ما كان ظَاهِرًا كَالْمِلْحِ الذي يَكُونُ في الْجِبَالِ يَنْتَابُهُ الناس فَهَذَا لَا يَصْلُحُ لِأَحَدٍ أَنْ يُقْطِعَهُ أَحَدًا بِحَالٍ وَالنَّاسُ فيه شُرَّعٌ وَهَكَذَا النَّهْرُ وَالْمَاءُ الظَّاهِرُ فَالْمُسْلِمُونَ في هذا كُلِّهِمْ شُرَكَاءُ وَهَذَا كَالنَّبَاتِ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ أَحَدٌ وَكَالْمَاءِ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ أَحَدٌ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما الدَّلِيلُ على ما وَصَفْت قِيلَ ( أخبرنا ) بن عُيَيْنَةَ عن مَعْمَرٍ عن رَجُلٍ من أَهْلِ مَأْرِبَ عن أبيه أَنَّ الْأَبْيَضَ بن حَمَّالٍ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يُقْطِعَهُ مِلْحَ مَأْرِبَ فَأَرَادَ أَنْ يُقْطِعَهُ أو قال أُقْطِعُهُ إيَّاهُ فَقِيلَ له إنَّهُ كَالْمَاءِ الْعَدِّ قال فَلَا إذَنْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَنَمْنَعُهُ إقْطَاعَ مِثْلِ هذا فَإِنَّمَا هذا حِمًى وقد قَضَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَكَيْفَ يَكُونُ حِمًى قِيلَ هو لَا يُحْدِثُ فيه شيئا تَكُونُ الْمَنْفَعَةُ فيه من عَمَلِهِ وَلَا يَطْلُبُ فيه شيئا لَا يُدْرِكُهُ إلَّا بِالْمُؤْنَةِ عليه إنَّمَا يَسْتَدِرْك فيه شيئا ظَاهِرًا ظُهُورَ الْمَاءِ وَالْكَلَأِ فإذا تَحَجَّرَ ما خَلَقَ اللَّهُ من هذا فَقَدْ حَمَى لِخَاصَّةِ نَفْسِهِ فَلَيْسَ ذلك له وَلَكِنَّهُ شَرِيكٌ فيه كَشَرِكَتِهِ في الْمَاءِ وَالْكَلَأِ الذي ليس في مِلْكِ أَحَدٍ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَإِقْطَاعُ الْأَرْضِ لِلْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ ليس حِمًى قِيلَ إنَّهُ إنَّمَا يَقْطَعُ من الْأَرْضِ ما لَا يَضُرُّ بِالنَّاسِ وما يَسْتَغْنِي بِهِ وَيَنْتَفِعُ بِهِ هو وَغَيْرُهُ قال وَلَا يَكُونُ ذلك إلَّا بِمَا يُحْدِثُهُ هو فيه من ماله فَتَكُونُ مَنْفَعَتُهُ بِمَا اسْتَحْدَثَ من مَالِهِ من بِنَاءٍ أَحْدَثَهُ أو غَرْسٍ أو زَرْعٍ لم يَكُنْ لِآدَمِيٍّ وَمَاءٍ احْتَفَرَهُ ولم يَكُنْ وَصَلَ إلَيْهِ آدَمِيٌّ إلَّا بِاحْتِفَارِهِ وقد أَقْطَعَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الدُّورَ وَالْأَرْضِينَ فَدَلَّ على أَنَّ الْحِمَى الذي نهى عنه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم هو أَنْ يَحْمِيَ الرَّجُلُ الْأَرْضَ لم تَكُنْ مِلْكًا له وَلَا لِغَيْرِهِ بِلَا مَالٍ يُنْفِقُهُ فيها وَلَا مَنْفَعَةَ يَسْتَحْدِثُهَا بها فيها لم تَكُنْ فيها فَهَذَا مَعْنَى قَطِيعٍ مَأْذُونٍ فيه لَا حِمًى مَنْهِيٌّ عنه ( قال الرَّبِيعُ ) يُرِيدُ الذي هو مَأْذُونٌ فيه الذي اسْتَحْدَثَ فيه بِالنَّفَقَةِ من مَالِهِ وَأَمَّا ما كان فيه مَنْفَعَةٌ بِلَا نَفَقَةٍ على من حَمَاهُ فَلَيْسَ له أَنْ يَحْمِيَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمِثْلُ هذا كُلُّ عَيْنٍ ظَاهِرَةٌ كَنَفْطٍ أو قَارٍ أو كِبْرِيتٍ أو موميا ( ( ( مومياء ) ) ) أو حِجَارَةٍ ظَاهِرَةٍ كموميا ( ( ( كمومياء ) ) ) في غَيْرِ مِلْكٍ لِأَحَدٍ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَحَجَّرَهَا دُونَ غَيْرِهِ وَلَا لسلطان ( ( ( لسلطانها ) ) ) أَنْ يَمْنَعَهَا لِنَفْسِهِ وَلَا لِخَاصٍّ من الناس لِأَنَّ هذا كُلَّهُ ظَاهِرٌ كَالْمَاءِ وَالْكَلَأِ وَهَكَذَا عِضَاهُ الْأَرْضِ ليس لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَقْطَعَهَا لِمَنْ يَتَحَجَّرُهَا دُونَ غَيْرِهِ لِأَنَّهَا ظَاهِرَةٌ وَلَوْ أَقْطَعَهُ أَرْضًا يَعْمُرُهَا فيها عِضَاهٌ فَعَمَرَهَا كان ذلك له لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُحْدِثُ فيها ما وَصَفْت بِمَالِهِ مِمَّا هو أَنْفَعُ مِمَّا كان فيها وَلَوْ تَحَجَّرَ رَجُلٌ لِنَفْسِهِ من هذا شيئا أو مَنَعَهُ له سُلْطَانٌ كان ظَالِمًا وَلَوْ أَخَذَ في هذا الْحَالِ من هذا شيئا لم يَكُنْ عليه أَنْ يَرُدَّهُ إلَّا أَنَّهُ يُشْرِكُ فيه من مَنَعَهُ منه وَلَا أَنْ يَغْرَمَ لِمَنْ مَنَعَهُ شيئا بِمَنْعِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لم يَأْخُذْ شيئا كان لِأَحَدٍ فَيَضْمَنُ له ما أَخَذَ منه وَإِنْ مَنَعَ الرَّجُلَ مِمَّا لِلرَّجُلِ أَنْ يَأْخُذَهُ من جِهَةِ الْإِبَاحَةِ لَا يُلْزِمُهُ غُرْمًا إلَّا أَنَّهُ لم يَمْنَعْهُ أَنْ يَحْتَطِبَ حَطَبًا أو يَنْزِلَ أَرْضًا لم يَضْمَنْ له شيئا إنَّمَا يَضْمَنُ ما أَتْلَفَ لِرَجُلٍ أو أَخَذَ مِمَّا كان مِلْكُهُ لِرَجُلٍ وَلَوْ أَحْدَثَ على شَيْءٍ من هذا بِنَاءً قِيلَ له حَوِّلْ بِنَاءَك وَلَا قِيمَةَ له فِيمَا أَحْدَثَ بِتَحْوِيلِهِ لِأَنَّهُ أَحْدَثَ فِيمَا ليس له بِغَيْرِ إذْنٍ فَإِنْ كان أَحْدَثَ الْبِنَاءَ في عَيْنٍ لَا يَمْنَعُ مَنْفَعَتَهَا لم يُحَوَّلْ بِنَاؤُهُ وَقِيلَ له لَك بِنَاؤُك وَلَا تَمْنَعْ أَحَدًا من هذه الْمَنْفَعَةِ وَلَا يَمْنَعْك وَأَنْتَ وَهُمْ فيها شُرَّعٌ وَلَوْ كان بُقْعَةً من السَّاحِلِ أو الْأَرْضِ يَرَى أنها تَصْلُحُ لِلْمِلْحِ لَا يُوجَدُ فيها إلَّا بِصَنْعَةٍ وَذَلِكَ أَنْ يَحْفِرَ تُرَابًا من أَعْلَاهَا
____________________

(4/42)


فينحى ثُمَّ يُسَرِّبَ إلَيْهَا مَاءً فَيُدْخِلَهَا فَيَظْهَرَ مِلْحُهَا بِذَلِكَ أو يَحْفِرَ عنها التُّرَابَ فَيَظْهَرَ فيها في وَقْتٍ من الْأَوْقَاتِ مَاءٌ ثُمَّ يَظْهَرَ فيها ملح كان لِلسُّلْطَانِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَقْطَعَهَا وَلِلرَّجُلِ أَنْ يَعْمُرَهَا ثُمَّ تَكُونَ له كما تَكُونُ له الْأَرْضُ بِالزَّرْعِ وَالْبِنَاءِ وَذَلِكَ أَنَّ هذا أَكْثَرُ عِمَارَتِهَا وَأَنَّ هذا شَيْءٌ لَا تَأْتِي مَنْفَعَتُهُ إلَّا بِصَنْعَةٍ وفي وَقْتٍ ليس بِدَائِمٍ وَحَدِيثُ مَعْمَرٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَقْطَعَ الْمِلْحَ فلما أُخْبِرَ أَنَّهُ دَائِمٌ كَالْمَاءِ مَنَعَهُ ذلك وَهَذَا كَالْأَرْضِ يَقْطَعُهَا فَيَحْفِرَ فيها الْبِئْرَ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ كانت مَحُولًا دُونَهَا إلَّا بِعَمَلِهِ وقد يَعْمَلُ فيها فَتَقِلُّ الْمَنْفَعَةُ وَتَكْثُرُ وَيُخْلِفُ وَلَا يُخْلِفُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) ثُمَّ تُفَرَّقُ الْقَطَائِعُ فِرْقَيْنِ فَتَكُونُ بِمَا وَصَفْت مِمَّا إذَا أَقْطَعَهُ الرَّجُلُ فَأَحْيَاهُ مَلَّكَهُ من الْأَرْضِ بِالْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ وَالزَّرْعِ وَالْآبَارِ وَالْمِلْحِ وما أَشْبَهَ هذا فإذا مَلَّكَهُ لم يَمْلِكْ أَبَدًا إلَّا عنه وَهَكَذَا إذَا أَحْيَاهُ ولم يَقْطَعْهُ لِأَنَّ كُلَّ من أَحْيَا مَوَاتًا فبقطع ( ( ( فيقطع ) ) ) رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَحْيَاهُ وَعَطَاءُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَكْثَرُ من عَطَاءِ كل أَحَدٍ بَعْدَهُ من سُلْطَانٍ وَغَيْرِهِ ثُمَّ يَكُونُ شَيْءٌ يَقْطَعُهُ الْمَرْءُ فَيَكُونُ له الِانْتِفَاعُ بِهِ وَمَنْعُهُ من غَيْرِهِ ما أَقَامَ فيه أو وَكِيلٍ له فإذا فَارَقَهُ لم يَكُنْ مِلْكًا له وَلَا يَكُونُ له أَنْ يَبِيعَهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ إقْطَاعُ أرفاق لَا تَمْلِيكٍ وَذَلِكَ مِثْلُ الْمَقَاعِدِ بِالْأَسْوَاقِ التي هِيَ طُرُقُ الْمُسْلِمِينَ كَافَّةً فَمَنْ قَعَدَ في مَوْضِعٍ منها لِبَيْعٍ كان أَحَقَّ بِهِ بِقَدْرٍ ما يُصْلِحُ له وَمَتَى قام عنه لم يَكُنْ له ان يَمْنَعَهُ من غَيْرِهِ قال وَهَكَذَا الْقَوْمُ من الْعَرَبِ يَحِلُّونَ الْمَوْضِعَ من الْأَرْضِ في أَبْنِيَتِهِمْ من الشَّعْرِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ يَنْتَجِعُونَ عنه لَا تَكُونُ هذه عِمَارَةً يَمْلِكُونَ بها حَيْثُ نَزَلُوا وَكَذَلِكَ لو بَنَوْا خِيَامًا لِأَنَّ الْخِيَامَ تَجِفُّ وَتَحُولُ تَحْوِيلَ أَبْنِيَةِ الشَّعْرِ وَالْفَسَاطِيطِ وَهَذَا وَالْمَقَاعِدُ بِالسُّوقِ ليس بِإِحْيَاءِ مَوَاتٍ وفي إقْطَاعِ الْمَعَادِنِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِإِقْطَاعِ الْأَرْضِ لِأَنَّ من أَقْطَع أَرْضًا فيها مَعَادِنُ أو عَمِلَهَا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ فَسَوَاءٌ في ذلك كُلِّهِ وَسَوَاءٌ كانت الْمَعَادِنُ ذَهَبًا أو فِضَّةً أو نُحَاسًا أو حَدِيدًا أو شيئا في مَعْنَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مِمَّا لَا يَخْلُصُ إلَّا بِمُؤْنَةٍ ولم يَكُنْ مِلْكًا لِأَحَدٍ فَلِلسُّلْطَانِ أَنْ يَقْطَعَهَا من اسْتَقْطَعَهُ إيَّاهَا مِمَّنْ يَقُومُ بِهِ وَكَانَتْ هذه كَالْمَوَاتِ في أَنَّ له أَنْ يُقْطِعَهُ إيَّاهَا وَمُخَالِفَةٌ لِلْمَوَاتِ في أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وأن الْمَوَاتَ إذَا أُحْيِيَتْ مَرَّةً ثَبَتَ إحْيَاؤُهَا وَهَذِهِ إذَا أُحْيِيَتْ مَرَّةً ثُمَّ تُرِكَتْ دَثَرَ إحْيَاؤُهَا وَكَانَتْ في كل يَوْمٍ مُبْتَدَأَ الْإِحْيَاءِ يَطْلُبُونَ فيها مِمَّا يُطْلَبُ في الْمَعَادِنِ فَإِقْطَاعُهُ الْمَوَاتَ لِيُحْيِيَهُ يُثْبِتُهُ له مِلْكًا وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْطَعَهُ الْمَعَادِنَ إلَّا على أَنْ يَكُونَ له مَنْفَعَتُهَا ما أَحْيَاهَا وَإِحْيَاؤُهَا إدَامَةَ الْعَمَلِ فيها فإذا عَطَّلَهَا فَلَيْسَ له مَنْعُهَا من أَحَدٍ عَمِلَ فيها وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْطِعَهُ منها ما لَا يَعْمَلُ وَلَا وَقْتَ في قَدْرِ ما يُقْطِعُهُ منها إلَّا ما احْتَمَلَ عَمَلَهُ قَلَّ منها ما عَمَلَ أو كَثُرَ وَالتَّعْطِيلُ لِلْمَعَادِنِ أَنْ يَقُولَ قد عَجَزْت عنها ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَمَنْ خَالَفَ بين إقْطَاعِ الْمَعَادِنِ وَالْأَرْضِينَ لِلزَّرْعِ انْبَغَى أَنْ يَكُونَ من حُجَّتِهِ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْمَعَادِنَ إنَّمَا هِيَ شَيْءٌ يُطْلَبُ فيه ذَهَبٌ أو فِضَّةٌ أو غَيْرُ ذلك مِمَّا هو غَائِبٌ عن الطَّالِبِ مَخْلُوقٌ فيه لَيْسَتْ لِلْآدَمِيِّينَ فيه صَنْعَةٌ إنَّمَا يَلْتَمِسُونَهُ وَيُخَلِّصُونَهُ وَالْتِمَاسُهُ وَتَخْلِيصُهُ ليس صَنْعَةً فيه فَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ أَنْ يحتجره ( ( ( يحتجزه ) ) ) على أَحَدٍ إلَّا ما كان يُعْمَلُ فيه فَأَمَّا أَنْ يَمْنَعَ الْمَنْفَعَةَ فيه غَيْرَهُ وَلَا يَعْمَلَ هو فيه فَلَيْسَ له وَلَقَدْ رَأَيْت لِلسُّلْطَانِ أَنْ لَا يَقْطَعَ مَعْدِنًا إلَّا على ما أَصِفُ من أَنْ يَقُولَ أَقْطَعُ فُلَانًا مَعَادِنَ كَذَا على أَنْ يَعْمَلَ فيها فما رزقه ( ( ( رزق ) ) ) اللَّهُ أَدَّى ما يَجِبُ عليه فِيمَا يَخْرُجُ منه وإذا عَطَّلَهَا كان لِمَنْ يُحْيِيهَا الْعَمَلُ فيها وَلَيْسَ له أَنْ يَبِيعَهَا له قال وَمِنْ حُجَّةِ من فَرَّقَ بين مِلْكِهَا وَبَيْنَ مِلْكِ الْأَرْضِ أَنْ يَقُولَ ليس له بَيْعُهَا وَلَا بَيْعُ الْأَرْضِ لَا مَعْدِنَ فيها قال وَمَنْ قال هذا قال وَلَوْ مَلَّكَهُ إيَّاهَا السُّلْطَانُ وهو يَعْمَلُهَا مِلْكًا بِكُلِّ حَالٍ لم يَكُنْ له إلَّا على ما وَصَفْت وكان هذا جَوْرًا من السُّلْطَانِ يُرَدُّ وَإِنْ عَمِلَهَا هو بِغَيْرِ عَطَاءٍ من السُّلْطَانِ كانت له حتى يُعَطِّلَهَا وَمَنْ قال هذا أَشْبَهُ أَنْ يَحْتَجَّ بِأَنَّ الرَّجُلَ يَحْفِرَ الْبِئْرَ بِالْبَادِيَةِ
____________________

(4/43)


فَتَكُونَ له فإذا أَوْرَدَ مَاشِيَتَهُ لم يَكُنْ له مَنْعُ فَضْلِ مَائِهَا وَجَعَلَ عَمَلَهُ فيها غير إحْيَاءٍ له جَعَلَهُ مِثْلَ الْمَنْزِلِ يَنْزِلُ بِالْبَادِيَةِ فَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ أَنْ يُحَوِّلَهُ عنه وإذا خَرَجَ منه لم يَمْنَعْ منه من يَنْزِلُهُ وَجَعَلَهُ غير مَمْلُوكٍ وَسَوَاءٌ في هذا مَعْدِنُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَكُلُّ تِبْرٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُطْلَبُ بِالْعَمَلِ وَلَا يَكُونُ ظَاهِرًا كَظُهُورِ الْمَاءِ وَالْمِلْحِ الظَّاهِرِ وَأَمَّا ما كان من هذا ظَاهِرًا من ذَهَبٍ أو غَيْرِهِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْطَعَهُ وَلَا يَمْنَعَهُ وَلِلنَّاسِ أَنْ يَأْخُذُوا منه ما قَدَرُوا عليه وَكَذَلِكَ الشَّذْرُ يُوجَدُ في الْأَرْضِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَقْطَعَ أَرْضًا فَأَحْيَاهَا بِعِمَارَةِ بِنَاءٍ أو زَرْعٍ أو غَيْرِهِ فَظَهَرَ فيها مَعْدِنٌ كان يَمْلِكُهُ مَلَكَ الْأَرْضَ وكان له مَنْعُهُ كما يَمْنَعُ أَرْضَهُ في الْقَوْلَيْنِ مَعًا وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الرَّجُلَ إذَا أُقْطِعَ الْمَعْدِنَ فَعَمِلَ فيه فَقَدْ مَلَكَهُ مِلْكَ الْأَرْضِ وَكَذَلِكَ إذَا عَمِلَهُ بِغَيْرِ إقْطَاعٍ وما قُلْت في الْقَوْلَيْنِ مَعًا في الْمَعَادِنِ فَإِنَّمَا أَرَدْت بها الْأَرْضَ الْقَفْرَ تَكُونُ أَرْضَ مَعَادِنَ فَيَعْمَلُهَا الرَّجُلُ مَعَادِنَ وفي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَكُونُ عَمَلُهُ فيها لَا يُمَلِّكُهُ إيَّاهَا إلَّا مِلْكَ الِاسْتِمْتَاعِ يَمْنَعُهُ ما كان يَعْمَلُ فيه فإذا عَطَّلَهُ لم يَمْنَعْهُ غَيْرَهُ وفي الْقَوْلِ الثَّانِي إذَا عَمِلَ فيها فَهُوَ كَإِحْيَاءِ الْأَرْضِ يَمْلِكُهَا أَبَدًا وَلَا تُمْلَكُ إلَّا عنه ( قال ) وَكُلُّ مَعْدِنٍ عُمِلَ جَاهِلِيًّا ثُمَّ أَرَادَ رَجُلٌ اسْتِقْطَاعَهُ فَفِيهِ أَقَاوِيلُ منها أَنَّهُ كَالْبِئْرِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالْمَاءِ الْمُعَدِّ فَلَا يُمْنَعُ أَحَدٌ الْعَمَلَ فيه وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ أَوْلَى بِهِ من أَحَدٍ يَعْمَلُ فيه فإذا اسْتَبَقُوا إلَيْهِ فَإِنْ وَسِعَهُمْ عَمِلُوا مَعًا وَإِنْ ضَاقَ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ أَيُّهُمْ يَبْدَأُ ثُمَّ يَتْبَعُ الْآخَرُ فَالْآخَرُ حتى يَتَوَاسَوْا فيه وَالثَّانِي أَنَّ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَقْطَعَهُ على الْمَعْنَى الْأَوَّلِ يَعْمَلُ فيه من أَقْطَعَهُ وَلَا يَمْلِكُهُ مِلْكَ الْأَرْضِ فإذا تَرَكَهُ عَمِلَ فيه غَيْرُهُ وَالثَّالِثُ يَقْطَعُهُ فَيَمْلِكُهُ مِلْكَ الْأَرْضِ إذَا أَحْدَثَ فيه عِمَارَةً وَكُلُّ ما وَصَفْت من إحْيَاءِ الموات ( ( ( الموت ) ) ) وَإِقْطَاعِ الْمَعَادِنِ وَغَيْرِهَا فَإِنَّمَا أَعْنِي في عَفْوِ بِلَادِ الْعَرَبِ الذي عَامِرُهُ عُشْرٌ وَعَفْوُهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ قال وَكُلُّ ما ظَهَرَ عليه عَنْوَةً من بِلَادِ الْعَجَمِ فَعَامِرُهُ كُلُّهُ لِمَنْ ظَهَرَ عليه من الْمُسْلِمِينَ على خَمْسَةِ أَسْهُمٍ لِأَهْلِ الْخُمْسِ سَهْمٌ وَأَرْبَعَةٌ لِمَنْ أَوْجَفَ عليه فَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ قَسْمَ الْمِيرَاثِ وما مَلَكُوا بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ وما كان في قَسْمِ أَحَدِهِمْ من مَعْدِنٍ فَهُوَ له كما يَظْهَرُ الْمَعْدِنُ في دَارِ الرَّجُلِ فَيَكُونُ له وَيَظْهَرُ بِئْرُ الْمَاءِ فَيَكُونُ له ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كان فيها مَعْدِنٌ ظَاهِرٌ فَوَقَعَ في قَسَمِ رَجُلٍ بِقِيمَتِهِ فَذَلِكَ له كما يَقَعُ في قسمة الْعِمَارَةُ بِقِيمَةٍ فَتَكُونُ له وَكُلُّ ما كان في بِلَادِ الْعَنْوَةِ مِمَّا عُمِّرَ مَرَّةً ثُمَّ تُرِكَ فَهُوَ كَالْعَامِرِ الْقَائِمِ الْعِمَارَةِ وَذَلِكَ ما ظَهَرَتْ عليه الْأَنْهَارُ وَعُمِّرَ بِغَيْرِ ذلك على نُطَفِ السَّمَاءِ وَبِالرِّشَاءِ وَكُلِّ ما كان لم يُعَمَّرْ قَطُّ من بِلَادِهِمْ وكان مَوَاتًا فَهُوَ كَالْمَوَاتِ من بِلَادِ الْعَرَبِ لَا يَخْتَلِفُ في أَنَّهُ ليس بِمِلْكٍ لِأَحَدٍ دُونَ أَحَدٍ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُقْطِعَ منه أَقْطَعَ مِمَّنْ أَوْجَفَ أو لم يُوجِفْ هُمْ سَوَاءٌ فيه لَا تَخْتَلِفُ حَالَاتُهُمْ فِيمَا أَحْيَوْا وَأَرَادُوا من الْإِقْطَاعِ قال وما كان من بِلَادِ الْعَجَمِ صُلْحًا فأنظر مَالِكَهُ فَإِنْ كان الْمُشْرِكُونَ مَالِكِيهِ فَهُوَ لهم ليس لِأَحَدٍ أَنْ يَعْمَلَ فيه مَعْدِنًا وَلَا غَيْرَهُ إلَّا بِإِذْنِهِمْ وَعَلَيْهِمْ ما صُولِحُوا عليه قال وَإِنْ كان الْمُسْلِمُونَ مَالِكِينَ شيئا منه بِشَيْءٍ تُرِكَ لهم فَخُمْسُ ما صُولِحَ عليه الْمُسْلِمُونَ لِأَهْلِ الْخُمْسِ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لِجَمَاعَةِ أَهْلِ الْفَيْءِ من الْمُسْلِمِينَ حَيْثُ كَانُوا فَيُقَسَّمُ لِأَهْلِ الْخُمْسِ رَقَبَةِ الْأَرْضِ وَالدُّورِ وَلِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ فَمَنْ وَقَعَ في مِلْكِهِ شَيْءٌ كان له وَإِنْ صَالَحُوا الْمُسْلِمِينَ على مَوَاتٍ مع الْعَامِرِ فَالْمَوَاتُ مَمْلُوكٌ كَالْعَامِرِ وما كان في حَقِّ امْرِئٍ من مَعْدِنٍ فَهُوَ له وما كان في حَقِّ جَمَاعَةٍ من مَعْدِنٍ فَبَيْنَهُمْ كما يَكُونُ بَيْنَهُمْ ما سِوَاهُ وَإِنْ صَالَحُوا الْمُسْلِمِينَ على أَنَّ لهم الْأَرْضَ وَيَكُونُونَ أَحْرَارًا ثُمَّ عَامَلَهُمْ الْمُسْلِمُونَ بَعْدُ فإن الْأَرْضَ كُلَّهَا صُلْحٌ وَخُمْسُهَا لِأَهْلِ الْخُمْسِ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ كما وَصَفْت وإذا وَقَعَ صُلْحُهُمْ على الْعَامِرِ ولم يَذْكُرُوا الْعَامِرَ فَقَالُوا لَكُمْ أَرْضُنَا فَلَهُمْ من أَرْضِهِمْ ما وَصَفْت من الْعَامِرِ وَالْعَامِرُ ما فيه أَثَرُ عِمَارَةٍ أو ظَهَرَ عليه النَّهْرُ أو عُرِفَتْ عِمَارَتُهُ بِوَجْهٍ وما كان من الْمَوَاتِ في بِلَادِهِمْ فَمَنْ أَرَادَ اقطاعه مِمَّنْ صَالَحَ عليه أو لم يُصَالِحْ أو عَمَرَهُ مِمَّنْ صَالَحَ أو لم يُصَالِحْ فَسَوَاءٌ لِأَنَّ ذلك كان غير مَمْلُوكٍ كما كان عَفْوُ بِلَادِ الْعَرَبِ غير مَمْلُوكٍ لهم وَلَوْ وَقَعَ
____________________

(4/44)


الصُّلْحُ على عَامِرِهَا وَمَوَاتِهَا كان الْمَوَاتُ مَمْلُوكًا لِمَنْ مَلَكَ الْعَامِرَ كما يَجُوزُ بَيْعُ الْمَوَاتِ من بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ إذَا حَازَهُ رَجُلٌ يَجُوزُ الصُّلْحُ من الْمُشْرِكِينَ إذَا حازوه ( ( ( جازوه ) ) ) دُونَ الْمُسْلِمِينَ فَمَنْ عَمِلَ في مَعْدِنٍ في أَرْضٍ مَلَّكَهَا لِوَاحِدِ أو جَمَاعَةٍ فَجَمِيعُ ما خَرَجَ من الْمَعْدِنِ لِمَنْ مَلَكَ الْأَرْضَ وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ في عَمَلِهِ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْعَمَلِ وَمَنْ عَمِلَ في مَعْدِنٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ أَدَّى إلَى غَيْرِهِ نَصِيبَهُ مِمَّا خَرَجَ من الْمَعْدِنِ وكان مُتَطَوِّعًا بِالْعَمَلِ لَا أَجْرَ له فيه وَإِنْ عَمِلَ بِإِذْنِهِ أو على أَنَّ له ما خَرَجَ من عَمَلِهِ فَسَوَاءٌ وَأَكْثَرُ هذا أَنْ يَكُونَ هِبَةً لَا يَعْرِفُهَا الْوَاهِبُ وَلَا الْمَوْهُوبُ له ولم يَقْبِضْ فَالْآذِنُ في الْعَمَلِ وَالْقَائِلُ اعْمَلْ وَلَك ما خَرَجَ من عَمَلِك سَوَاءٌ له الْخِيَارُ في أَنْ يُتِمَّ ذلك لِلْعَامِلِ وَكَذَلِكَ أُحِبُّ له أَنْ يَرْجِعَ فَيَأْخُذَ نَصِيبَهُ مِمَّا خَرَجَ من غَلَّةٍ وَيَرْجِعَ عليه الْعَامِلُ بِأَجْرِ مِثْلِهِ في قَوْلِ من قال يَرْجِعُ وَلَيْسَ هذا كَالدَّابَّةِ يَأْذَنُ له في رُكُوبِهَا لِأَنَّهُ قد عَرَفَ ما أَعْطَاهُ وَقَبَضَهُ - * عِمَارَةُ ما ليس مَعْمُورًا من الْأَرْضِ التي لَا مَالِكَ لها - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) كان يُقَالُ الْحَرَمُ دَارُ قُرَيْشٍ وَيَثْرِبُ دَارُ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ وَأَرْضُ كَذَا دَارُ بَنِي فُلَانٍ على مَعْنَى أَنَّهُمْ أَلْزَمُ الناس لها وَأَنَّ من نَزَلَهَا غَيْرُهُمْ إنَّمَا يَنْزِلُهَا شَبِيهًا بِالْمُجْتَازِ وَعَلَى مَعْنَى أَنَّ لهم مِيَاهَهَا التي لَا تَصْلُحُ مَسَاكِنُهَا إلَّا بها وَلَيْسَ ما سَمَّتْهُ الْعَرَبُ من هذا دَارًا لِبَنِي فُلَانٍ بِالْمُوجِبِ لهم أَنْ يَكُونَ مِلْكًا مِثْلَ ما بَنَوْهُ أو زَرَعُوهُ أو اخْتَبَرُوهُ لِأَنَّهُ مَوَاتٌ أُحْيِيَ كَمَاءٍ زلوه ( ( ( نزلوه ) ) ) مُجْتَازِينَ وَفَارَقُوهُ وَكَمَا يحي ( ( ( يحيا ) ) ) ما قَارَبَ ما عَمَرُوا وَإِنَّمَا يَمْلِكُونَ بِمَا أَحْيَوْا ما أَحْيَوْا وَلَا يَمْلِكُونَ ما لم يُحْيُوا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبَيَانُ ما وَصَفْتُ في السُّنَّةِ ثُمَّ الْأَثَرِ منه ما وَصَفْت قبل هذا الْبَابِ من قَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا حِمًى إلَّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ قَوْلِ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه إنَّهَا لِبِلَادِهِمْ وَلَوْلَا الْمَالُ الذي احمل عليه في سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى ما حَمَيْت عليهم من بِلَادِهِمْ شِبْرًا أَيْ أنها تُنْسَبُ إلَيْهِمْ إذَا كَانُوا أَلْزَمَ الناس لها وَأَمْنَعُهُ ( أخبرنا ) مَالِكٌ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من أَحْيَا مَوَاتًا فَهُوَ له وَلَيْسَ لِعِرْقِ ظَالِمٍ فيه حَقٌّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَجِمَاعُ الْعِرْقِ الظَّالِمِ كُلُّ ما حُفِرَ أو غُرِسَ أو بُنِيَ ظُلْمًا في حَقِّ امْرِئٍ بِغَيْرِ خُرُوجِهِ منه ( أخبرنا ) سُفْيَانُ عن طَاوُسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من أَحْيَا مَوَاتًا من الْأَرْضِ فَهُوَ له وعادى الْأَرْضِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ ثُمَّ هِيَ لَكُمْ مِنِّي ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَفِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَغَيْرِهِمَا الدَّلَالَةُ على أَنَّ الْمَوَاتَ ليس مِلْكًا لِأَحَدٍ بِعَيْنِهِ وَأَنَّ من أَحْيَا مَوَاتًا من الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ له وَأَنَّ الْإِحْيَاءَ ليس هو بِالنُّزُولِ فيه وما أَشْبَهَهُ وَأَنَّ الْإِحْيَاءَ الذي يَعْرِفُهُ الناس هو الْعِمَارَةُ بِالْحَجَرِ وَالْمَدَرِ وَالْحَفْرِ لِمَا بُنِيَ دُونَ اضْطِرَابِ الْأَبْنِيَةِ وما أَشْبَهَ ذلك وَمِنْ الدَّلِيلِ على ما وَصَفْت أَيْضًا ان بن عُيَيْنَةَ أخبرنا عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن يحيى بن جَعْدَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ أَقْطَعَ الناس الدُّورَ فقال حَيٌّ من بَنِي زُهْرَةَ يُقَالُ لهم بَنُو عبد بن زُهْرَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نَكَبَ عَنَّا بن أُمِّ عَبْدٍ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلِمَ ابْتَعَثَنِي اللَّهُ إذًا إنَّ اللَّهَ لَا يُقَدِّسُ أُمَّةً لَا يُؤْخَذُ لِلضَّعِيفِ فِيهِمْ حَقُّهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْمَدِينَةُ بين لَابَتَيْنِ تُنْسَبُ إلَى أَهْلِهَا من الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ وَمَنْ فيه من الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ فلما ( ( ( لما ) ) ) كانت الْمَدِينَةُ صِنْفَيْنِ أَحَدُهُمَا مَعْمُورٌ بِبِنَاءٍ وَحَفْرٍ وَغِرَاسٍ وَزَرْعٍ وَالْآخَرُ خَارِجٌ من ذلك فَأَقْطَعَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْخَارِجَ من ذلك من الصَّحْرَاءِ اسْتَدْلَلْنَا على أَنَّ الصَّحْرَاءَ وَإِنْ كانت مَنْسُوبَةً إلَى حَيٍّ بِأَعْيَانِهِمْ لَيْسَتْ مِلْكًا لهم كَمُلْكِ ما أَحْيَوْا وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذلك أَنَّ مَالِكًا أخبرنا عن بن هِشَامٍ عن سَالِمِ بن عبد اللَّهِ عن أبيه قال كان الناس يَحْتَجِرُونَ على عَهْدِ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ فقال عُمَرُ من أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا فَهِيَ له ( أخبرنا ) عبد الرحمن بن الْحَسَنِ بن الْقَاسِمِ الْأَزْرَقِيُّ عن أبيه عن عَلْقَمَةَ بن نَضْلَةَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بن حَرْبٍ قام بِفِنَاءِ دَارِهِ فَضَرَبَ بِرِجْلِهِ وقال سَنَامُ الْأَرْضِ إن لها
____________________

(4/45)


أَسَنَامًا زَعَمَ بن فَرْقَدٍ الْأَسْلَمِيُّ أَنِّي لَا أَعْرِفُ حَقِّي من حَقِّهِ لي بَيَاضُ الْمَرْوَةِ وله سَوَادُهَا وَلِي ما بين كَذَا إلَى كَذَا فَبَلَغَ ذلك عُمَرَ بن الْخَطَّابِ فقال ليس لِأَحَدٍ إلَّا ما أَحَاطَتْ عليه جُدْرَانُهُ إنَّ إحْيَاءَ الْمَوَاتِ ما يَكُونُ زَرْعًا أو حَفْرًا أو يُحَاطُ بِالْجُدْرَانِ وهو مِثْلُ إبْطَالِهِ التَّحْجِيرَ بِغَيْرِ ما يَعْمُرُ بِهِ مِثْلُ ما يَحْجُرُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَبَانَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ من أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا فَهِيَ له وَالْمَوَاتُ ما لَا مِلْكَ فيه لِأَحَدٍ خَالِصًا دُونَ الناس فَلِلسُّلْطَانِ أَنْ يَقْطَعَ من طَلَبَ مَوَاتًا فإذا أَقْطَعَ كَتَبَ في كِتَابِهِ ولم أَقْطَعْهُ حَقَّ مُسْلِمٍ وَلَا ضَرَرًا عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَخَالَفَنَا في هذا بَعْضُ الناس فقال ليس لِأَحَدٍ أَنْ يَحْمِيَ مَوَاتًا إلَّا بِإِذْنِ سُلْطَانٍ وَرَجَعَ صَاحِبُهُ إلَى قَوْلِنَا فقال وَعَطِيَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَثْبَتُ الْعَطَايَا فَمَنْ أَحْيَا مَوَاتًا فَهُوَ له بِعَطِيَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَيْسَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُعْطِيَ إنْسَانًا ما لَا يَحِلُّ للانسان أَنْ يَأْخُذَهُ من مَوَاتٍ لَا مَالِكَ له أو حَقٍّ لِغَيْرِهِ يَعْرِفُهُ له وَالسُّلْطَانُ لَا يُحِلُّ له شيئا وَلَا يُحَرِّمُهُ وَلَوْ أَعْطَى السُّلْطَانُ أَحَدًا شيئا لَا يَحِلُّ له لم يَكُنْ له أَخْذُهُ ( أخبرنا ) بن عُيَيْنَةَ عن هِشَامٍ عن أبيه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَقْطَعَ الزُّبَيْرَ أَرْضًا وَأَنَّ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه أَقْطَعَ الْعَقِيقَ وقال أَيْنَ الْمُسْتَقْطِعُونَ مُنْذُ الْيَوْمِ أَخْبَرَنَاهُ مَالِكٌ عن رَبِيعَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ أَقْطَعَهُ السُّلْطَانُ الْيَوْمَ قَطِيعًا أو تَحَجَّرَ أَرْضًا فَمَنَعَهَا من أَحَدٍ يَعْمُرُهَا ولم يَعْمُرْهَا رَأَيْت لِلسُّلْطَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَقُولَ له هذه أَرْضٌ كان الْمُسْلِمُونَ فيها سَوَاءً لَا يَمْنَعُهَا منهم أَحَدٌ وَإِنَّمَا أَعْطَيْنَاكَهَا أو تَرَكْنَاك وحوزها ( ( ( وجوزها ) ) ) لِأَنَّا رَأَيْنَا الْعِمَارَةَ لها غير ضَرَرٍ بَيِّنٍ على جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ مَنْفَعَةً لَك وَلِلْمُسْلِمِينَ فيها يَنَالُونَ من رِفْقِهَا فَإِنْ أَحْيَيْتهَا وَإِلَّا خَلَّيْنَا من أَرَادَ إحْيَاءَهَا من الْمُسْلِمِينَ فَأَحْيَاهَا فَإِنْ أَرَادَ أَجَلًا رَأَيْت أَنْ يُؤَجَّلَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان هذا هَكَذَا كان لِلسُّلْطَانِ أَنْ لَا يُعْطِيَهُ وَلَا يَدَعَهُ يَتَحَجَّرُ على الْمُسْلِمِينَ شيئا لَا يَعْمُرُهُ ولم يَدَعْهُ أَنْ يَتَحَجَّرَ كَثِيرًا يَعْلَمُهُ لَا يَقْوَى عليه وَتَرَكَهُ وَعِمَارَةُ ما يَقْوَى عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كانت أَرْضًا يَطْلُبُ غير وَاحِدٍ عِمَارَتَهَا فَإِنْ كانت تُنْسَبُ إلَى قَوْمٍ فَطَلَبهَا بَعْضُهُمْ وَغَيْرُهُمْ كان أَحَبُّ إلى أَنْ يُعْطِيَهَا من تُنْسَبُ إلَيْهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ وَلَوْ أَعْطَاهَا الْإِمَامُ غَيْرَهُمْ لم أَرَ بِذَلِكَ بَأْسًا إنْ كانت غير مَمْلُوكَةٍ لِأَحَدٍ وَلَوْ تَشَاحُّوا فيها فَضَاقَتْ عن أَنْ تَسَعَهُمْ رَأَيْت أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَهُمْ فَأَيُّهُمْ خَرَجَ سَهْمُهُ أَعْطَاهُ إيَّاهَا وَلَوْ أَعْطَاهُمْ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ لم أَرَ عليه بَأْسًا إنْ شَاءَ اللَّهُ وَإِنْ اتَّسَعَ الْمَوْضِعُ أَقْطَعَ من طَلَبَ منه فَإِنْ بَدَأَ بِأَحَدٍ فَأَقْطَعَهُ تَرَكَ له حَرِيمًا لِلطَّرِيقِ وَمَسِيلًا لِلْمَاءِ وَمَغِيضَةً وَكُلَّ ما لَا صَلَاحَ لِمَا أَقْطَعَهُ إلَّا بِهِ - * من أَحْيَا مَوَاتًا كان لِغَيْرِهِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا عبد الْعَزِيزِ بن مُحَمَّدِ عن ( ( ( بن ) ) ) زَيْدِ بن أَسْلَمَ عن أبيه أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه اسْتَعْمَلَ مَوْلًى له يُقَالُ له هنى على الْحِمَى فقال له يا هُنَيُّ ضُمَّ جُنَاحَك لِلنَّاسِ وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فإن دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ مُجَابَةٌ وَأَدْخِلْ رَبَّ الصَّرِيمَةِ وَالْغَنِيمَةِ وَإِيَّايَ وَنَعَمَ بن عَفَّانَ وَنَعَمَ بن عَوْفٍ فَإِنَّهُمَا إنْ تَهْلِكْ مَاشِيَتُهُمَا يَرْجِعَانِ إلَى نَخْلٍ وَزَرْعٍ وَإِنَّ رَبَّ الصَّرِيمَةِ وَالْغَنِيمَةِ يَأْتِي بِعِيَالِهِ فيقول يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَفَتَارِكُهُمْ أنا لَا أَبَا لَك فَالْمَاءُ وَالْكَلَأُ أَهْوَنُ عَلَيَّ من الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وأيم اللَّهِ لَعَلَى ذلك إنَّهُمْ لَيَرَوْنَ أَنِّي قد ظَلَمَتْهُمْ إنَّهَا لِبِلَادِهِمْ قَاتَلُوا عليها في الْجَاهِلِيَّةِ وَأَسْلَمُوا عليها في الْإِسْلَامِ وَلَوْلَا الْمَالُ الذي أَحْمِلُ عليه في سَبِيلِ اللَّهِ ما حَمَيْت على الْمُسْلِمِينَ من بِلَادِهِمْ شِبْرًا فقال وَلَوْ ثَبَتَ هذا عن عُمَرَ بِإِسْنَادٍ مَوْصُولٍ أَخَذْت بِهِ وَهَذَا أَشْبَهُ ما رُوِيَ عن عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه من أَنَّهُ ليس لِأَحَدٍ أَنْ يَتَحَجَّرَ
____________________

(4/46)


- * من قال لَا حِمَى إلَّا حِمًى من الْأَرْضِ الْمَوَاتِ وما يَمْلِكُ بِهِ الْأَرْضَ وما لَا يَمْلِكُ وَكَيْفَ يَكُونُ الْحِمَى - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا سُفْيَانُ عن الزُّهْرِيِّ عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عبد اللَّهِ عن بن عَبَّاسٍ عن الصَّعْبِ بن جَثَّامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا حِمًى إلَّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ( وَحَدَّثَنَا ) غَيْرُ وَاحِدٍ من أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حَمَى النَّقِيعَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) كان الرَّجُلُ الْعَزِيزُ من الْعَرَبِ إذَا انْتَجَعَ بَلَدًا مُخْصِبًا أَوْفَى بِكَلْبٍ على جَبَلٍ إنْ كان بِهِ أو نَشَزَ إنْ لم يَكُنْ جَبَلٌ ثُمَّ اسْتَعْوَاهُ وَوَقَفَ له من يَسْمَعُ مُنْتَهَى صَوْتِهِ بِالْعُوَاءِ فَحَيْثُ بَلَغَ صَوْتُهُ حَمَاهُ من كل نَاحِيَةٍ فَيَرْعَى مع الْعَامَّةِ فِيمَا سِوَاهُ وَيَمْنَعُ هذا من غَيْرِهِ لِضُعَفَاءِ سَائِمَتِهِ وما أَرَادَ قَرْنَهُ مَعَهَا فَيَرْعَى مَعَهَا فَنَرَى أَنَّ قَوْلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ لَا حِمَى على هذا الْمَعْنَى الْخَاصِّ وَأَنَّ قَوْلَهُ لِلَّهِ كُلُّ مَحْمِيٍّ وَغَيْرِهِ وَرَسُولِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا كان يَحْمِي لِصَلَاحِ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ لَا لِمَا يَحْمِي له غَيْرُهُ من خَاصَّةِ نَفْسِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يَمْلِكُ إلَّا ما لَا غِنَاءَ بِهِ وَبِعِيَالِهِ عنه وَمَصْلَحَتِهِمْ حتى يَصِيرَ ما مَلَّكَهُ اللَّهُ من خُمْسِ الْخُمْسِ مَرْدُودًا في مَصْلَحَتِهِمْ وَكَذَلِكَ مَالُهُ إذَا حَبَسَ فَوْقَ سَنَتِهِ مَرْدُودًا في مَصْلَحَتِهِمْ في الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ عِدَّةً في سَبِيلِ اللَّهِ وَأَنَّ مَالَهُ وَنَفْسَهُ كان مُفْرَغًا لِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَصَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وَجَزَاهُ أَفْضَلَ ما جَزَى بِهِ نَبِيًّا عن أُمَّتِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْحِمَى ليس بِإِحْيَاءِ مَوَاتٍ فَيَكُونُ لِمَنْ أَحْيَاهُ بِقَوْلِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَقَوْلُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يَكُونَ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْمِيَ لِلْمُسْلِمِينَ غير ما حَمَاهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَمَنْ ذَهَبَ هذا الْمَذْهَبَ قال يَحْمِي الْوَالِي كما حَمَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من الْبِلَادِ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ على ما حَمَاهَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا يَكُونُ لِوَالٍ إنْ رَأَى صَلَاحًا لِعَامَّةِ من حَمَى أَنْ يَحْمِيَ بِحَالٍ شيئا من بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنَّ قَوْلَهُ لَا حِمًى إلَّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ يَحْتَمِلُ لَا حِمًى إلَّا على مِثْلِ ما حَمَى عليه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَمَنْ ذَهَبَ هذا الْمَذْهَبَ قال لِلْخَلِيفَةِ خَاصَّةً دُونَ الْوُلَاةِ أَنْ يَحْمِيَ على مِثْلِ ما حَمَى عليه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال وَاَلَّذِي عَرَفْنَاهُ نَصًّا وَدَلَالَةً فِيمَا حَمَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ حَمَى النقيع ( ( ( لنقيع ) ) ) وَالنَّقِيعُ بَلَدٌ ليس بِالْوَاسِعِ الذي إذَا حمى ضَاقَتْ الْبِلَادُ بِأَهْلِ الْمَوَاشِي حَوْلَهُ حتى يَدْخُلَ ذلك الضَّرَرُ على مَوَاشِيهِمْ أو أَنْفُسِهِمْ كَانُوا يَجِدُونَ فِيمَا سِوَاهُ من الْبِلَادِ سَعَةً لِأَنْفُسِهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ وَأَنَّ ما سِوَاهُ مِمَّا لَا يُحْمَى أَوْسَعُ منه وَأَنَّ النَّجْعَ يُمْكِنُهُمْ فيه وَأَنَّهُ لو تُرِكَ فَكَانَ أَوْسَعَ عليهم لَا يَقَعُ مَوْقِعَ ضَرَرٍ بَيِّنٍ عليهم لِأَنَّهُ قَلِيلٌ من كَثِيرٍ غَيْرِ مُجَاوِزٍ الْقَدْرَ وَفِيهِ صَلَاحٌ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ بِأَنْ تَكُونَ الْخَيْلُ الْمُعَدَّةُ لِسَبِيلِ اللَّهِ وما فَضَلَ من سُهْمَانِ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ وما فَضَلَ من النَّعَمِ التي تُؤْخَذُ من أَهْلِ الْجِزْيَةِ تُرْعَى فيه فَأَمَّا الْخَيْلُ فَقُوَّةٌ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا نَعَمُ الْجِزْيَةِ فَقُوَّةٌ لِأَهْلِ الْفَيْءِ من الْمُسْلِمِينَ وَمَسْلَكُ سُبُلِ الْخَيْرِ أنها لِأَهْلِ الْفَيْءِ الْمُحَامِينَ الْمُجَاهِدِينَ قال وَأَمَّا الْإِبِلُ التي تَفْضُلُ عن سُهْمَانِ أَهْلِ الصَّدَقَةِ فَيُعَادُ بها على أَهْلِ سُهْمَانِ الصَّدَقَةِ لَا يَبْقَى مُسْلِمٌ إلَّا دخل عليه من هذا صَلَاحٌ في دِينِهِ وَنَفْسِهِ وَمَنْ يَلْزَمُهُ أَمْرُهُ من قَرِيبٍ أو عَامَّةٍ من مُسْتَحَقِّي الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ ما حمى عن خَاصَّتِهِمْ أَعْظَمُ مَنْفَعَةً لِعَامَّتِهِمْ من أَهْلِ دِينِهِمْ وَقُوَّةً على من خَالَفَ دِينَ اللَّهِ من عَدُوِّهِمْ وَحَمَى الْقَلِيلَ الذي حَمَى عن عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَخَوَاصِّ قَرَابَاتِهِمْ الَّذِينَ فَرَضَ اللَّهُ لهم الْحَقَّ في أَمْوَالِهِمْ ولم يَحْمِ عَنْهُمْ شيئا مَلَكُوهُ بِحَالٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد حَمَى من حَمَى على هذا الْمَعْنَى وَأَمَرَ أَنْ يُدْخِلَ الْحِمَى مَاشِيَةً من ضَعْفٍ عن النُّجْعَةِ مِمَّنْ حَوْلَ الْحِمَى وَيَمْنَعُ مَاشِيَةً من قَوِيَ على النُّجْعَةِ فَيَكُونُ الْحِمَى مع قِلَّةِ ضَرَرِهِ أَعَمَّ مَنْفَعَةً من أَكْثَرِ
____________________

(4/47)


منه مِمَّا لم يُحْمَ وقد حَمَى بَعْدَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه أَرْضًا لم نَعْلَمْ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حَمَاهَا وَأَمَرَ فيها بِنَحْوٍ مِمَّا وَصَفْت من أَنَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ حَمَى أَنْ يَأْمُرَ بِهِ ( أخبرنا ) عبد الْعَزِيزِ بن مُحَمَّدٍ عن زَيْدِ بن أَسْلَمَ عن أبيه أَنَّ عُمَرَ اسْتَعْمَلَ مَوْلًى له يُقَالُ هنى على الْحِمَى فقال له يا هنى ضُمَّ جَنَاحَك لِلنَّاسِ وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فإن دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ مُجَابَةٌ وَأَدْخِلْ رَبَّ الصَّرِيمَةِ وَرَبَّ الْغَنِيمَةِ وَإِيَّايَ وَنَعَمَ بن عَفَّانَ وَنَعَمَ بن عَوْفٍ فَإِنَّهُمَا إنْ تَهْلِكْ مَاشِيَتُهُمَا يَرْجِعَانِ إلَى نَخْلٍ وَزَرْعٍ وَإِنَّ رَبَّ الْغَنِيمَةِ وَالصَّرِيمَةِ يَأْتِي بِعِيَالِهِ فيقول يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَفَتَارِكُهُمْ أنا لَا أبالك فَالْمَاءُ وَالْكَلَأُ أَهْوَنُ عَلَيَّ من الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَاَيْمُ اللَّهِ لعلي ذلك إنَّهُمْ لَيَرَوْنَ أَنِّي قد ظَلَمْتُهُمْ إنَّهَا لِبِلَادِهِمْ قَاتَلُوا عليها في الْجَاهِلِيَّةِ وَأَسْلَمُوا عليها في الْإِسْلَامِ وَلَوْلَا الْمَالُ الذي أَحْمِلُ عليه في سَبِيلِ اللَّهِ ما حَمَيْت على الْمُسْلِمِينَ من بِلَادِهِمْ شِبْرًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) في مَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ إنَّهُمْ يرون ( ( ( يروني ) ) ) أَنِّي قد ظَلَمْتُهُمْ إنَّهَا لَبِلَادُهُمْ قَاتَلُوا عليها في الْجَاهِلِيَّةِ وَأَسْلَمُوا عليها في الْإِسْلَامِ إنَّهُمْ يَقُولُونَ إنْ مَنَعْت لِأَحَدٍ من أَحَدٍ فمن قَاتَلَ عليها وَأَسْلَمَ أَوْلَى أَنْ تَمْنَعَ له وَهَذَا كما قال لو كانت تُمْنَعُ لِخَاصَّةٍ فَلِمَا كان لِعَامَّةٍ لم يَكُنْ في هذا إنْ شَاءَ اللَّهُ مَظْلِمَةٌ وَقَوْلُ عُمَرَ لَوْلَا الْمَالُ الذي أَحْمِلُ عليه في سَبِيلِ اللَّهِ ما حَمَيْت على الْمُسْلِمِينَ من بِلَادِهِمْ شِبْرًا إنِّي لم أَحْمِهَا لِنَفْسِي وَلَا لِخَاصَّتِي وَإِنِّي حَمَيْتهَا لِمَالِ اللَّهِ الذي أَحْمِلُ عليه في سَبِيلِ اللَّهِ وَكَانَتْ من أَكْثَرِ ما عِنْدَهُ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَى الْحِمَى فَنَسَبَ الْحِمَى إلَيْهَا لِكَثْرَتِهَا وقد أَدْخَلَ الْحِمَى خَيْلَ الْغُزَاةِ في سَبِيلِ اللَّهِ فلم يَكُنْ ما حمي لِيُحْمَلَ عليه أَوْلَى بِمَا عِنْدَهُ من الْحِمَى مِمَّا تَرَكَهُ أَهْلُهُ وَيَحْمِلُونَ عليها في سَبِيلِ اللَّهِ لِأَنَّ كُلًّا لتعزيز ( ( ( لتعزير ) ) ) الْإِسْلَامِ وَأَدْخَلَ فيها إبِلَ الضَّوَالِّ لِأَنَّهَا قَلِيلٌ لِعَوَامَّ من أَهْلِ الْبُلْدَانِ وَأَدْخَلَ فيها ما فَضَلَ من سُهْمَانِ أَهْلِ الصَّدَقَةِ من إبِلِ الصَّدَقَةِ وَهُمْ عَوَامُّ من الْمُسْلِمِينَ يَحْتَاجُونَ إلَى ما جَعَلَ لهم مع إدْخَالِهِ من ضَعُفَ عن النُّجْعَةِ مِمَّنْ قَلَّ مَالُهُ وفي تَمَاسُكِ أَمْوَالِهِمْ عليهم غِنًى عن أَنْ يُدْخَلُوا على أَهْلِ الْفَيْءِ من الْمُسْلِمِينَ وَكُلُّ هذا وَجْهُ عَامِّ النَّفْعِ لِلْمُسْلِمِينَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرني عَمِّي محمد بن عَلِيٍّ عن الثِّقَةِ أَحْسَبُهُ مُحَمَّدَ بن عَلِيِّ بن حُسَيْنٍ أو غَيْرَهُ عن مَوْلًى لِعُثْمَانَ بن عَفَّانَ رضي اللَّهُ عنه قال بَيْنَا أنا مع عُثْمَانَ في مَالِهِ بِالْعَالِيَةِ في يَوْمٍ صَائِفٍ إذْ رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بِكْرَيْنِ وَعَلَى الْأَرْضِ مِثْلُ الْفِرَاشِ من الْحَرِّ فقال ما على هذا لو أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ حتى يَبْرُدَ ثُمَّ يَرُوحَ ثُمَّ دَنَا الرَّجُلُ فقال اُنْظُرْ من هذا فقلت أنا رَجُلًا مُعَمَّمًا بِرِدَائِهِ يَسُوقُ بِكْرَيْنِ ثُمَّ دَنَا الرَّجُلُ فقال اُنْظُرْ فَنَظَرْت فإذا عُمَرُ بن الْخَطَّابِ فَقُلْت هذا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فَقَامَ عُثْمَانُ فَأَخْرَجَ رَأْسَهُ من الْبَابِ فأذاه ( ( ( فأداه ) ) ) لَفْحُ السَّمُومِ فَأَعَادَ رَأْسَهُ حتى حَاذَاهُ فقال ما أَخْرَجَك هذه السَّاعَةَ فقال بِكْرَانِ من إبِلِ الصَّدَقَةِ تَخَلَّفَا وقد مَضَى بِإِبِلِ الصَّدَقَةِ فَأَرَدْت أَنْ أَلْحَقَهُمَا بِالْحِمَى وَخَشِيت أَنْ يَضِيعَا فَيَسْأَلَنِي اللَّهُ عنهما فقال عُثْمَانُ يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَلُمَّ إلَى الماء ( ( ( السماء ) ) ) وَالظِّلِّ ونكفيك ( ( ( وتكفيك ) ) ) فقال عُدْ إلَى ظِلِّك فَقُلْت عِنْدَنَا من يَكْفِيك فقال عُدْ إلَى ظِلِّك فَمَضَى فقال عُثْمَانُ من أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْقَوِيِّ الْأَمِينِ فَلْيَنْظُرْ إلَى هذا فَعَادَ إلَيْنَا فَأَلْقَى نَفْسَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) في حِكَايَةِ قَوْلِ عُمَرَ لِعُثْمَانَ في الْبِكْرَيْنِ اللَّذَيْنِ تَخَلَّفَا وَقَوْلِ عُثْمَانَ من أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْقَوِيِّ الْأَمِينِ فَلْيَنْظُرْ إلَى هذا ( أخبرنا ) مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ يَعْنِي بِمَا حَكَاهُ عن عُمَرَ وَعُثْمَانَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كان لِلْخَلِيفَةِ مَالٌ يُحْمَلُ عليه في سَبِيلِ اللَّهِ من إبِلٍ وَخَيْلٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُدْخِلَهَا الْحِمَى وَإِنْ كان منها مَالٌ لِنَفْسِهِ فَلَا يُدْخِلُهَا الْحِمَى فإنه إنْ يَفْعَلْ ظَلَمَ لِأَنَّهُ مَنَعَ منه وَأَدْخَلَ لِنَفْسِهِ وهو من أَهْلِ الْقُوَّةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا من كان له مَالٌ يَحْمِلُ عليه في سَبِيلِ اللَّهِ دُونَ الْخَلِيفَةِ قال وَمَنْ سَأَلَ الْوَالِيَ أَنْ يُقْطِعَهُ في الْحِمَى مَوْضِعًا يُعَمِّرُهُ فَإِنْ كان حِمَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَكُنْ إلَّا مَنْعُهُ إيَّاهُ وَأَنَّ عُمَرَ أَبْطَلَ عِمَارَتَهُ وكان كَمَنْ عَمَرَ فِيمَا ليس له أَنْ يَعْمُرَ فيه وَإِنْ كان حِمًى أُحْدِثَ بَعْدَهُ فَكَانَ يَرَى الْحِمَى حَقًّا كان له مَنْعُهُ ذلك وَإِنْ أَرَادَ الْعِمَارَةَ كان له مَنْعُهُ الْعِمَارَةَ وَإِنْ سَبَقَ فَعَمَرَ لم يَبِنْ لي أَنْ تَبْطُلَ عِمَارَتُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
____________________

(4/48)


وَيُحْتَمَلُ إذَا جَعَلَ الْحِمَى حَقًّا وكان هو في مَعْنَى ما حَمَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِأَنَّهُ حَمَى لِمِثْلِ ما حَمَاهُ له أَنْ يُبْطِلَ عِمَارَتَهُ وَإِنْ أَذِنَ له الْوَالِي بِعِمَارَةٍ لم يَكُنْ له إبْطَالُ عِمَارَتِهِ لِأَنَّ إذْنَهُ له إخْرَاجٌ له من الْحِمَى وقد يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ ما أَحْدَثَ حِمَاهُ من الْحِمَى وَيَحْمِيَ غَيْرَهُ إذَا كان غير ضَرَرٍ على من حَمَاهُ عليه وَلَيْسَ لِلْوَالِي بِحَالٍ أَنْ يَحْمِيَ من الْأَرْضِ إلَّا أَقَلَّهَا وقد يُوَسِّعُ الْحِمَى حتى يَقَعَ مَوْقِعًا وَيُبَيِّنُ ضَرَرَهُ على من حَمَى عليه وما أَحْدَثَ من حِمًى فَرَعَاهُ أَحَدٌ لم يَكُنْ عليه في رَعِيَّتِهِ شَيْءٌ أَكْثَرَ من أَنْ يَمْنَعَ رَعِيَّتَهُ فَأَمَّا غُرْمٌ أو عُقُوبَةٌ فَلَا أَعْلَمُهُ عليه - * تَشْدِيدٌ أَنْ لَا يَحْمِيَ أَحَدٌ على أَحَدٍ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن أبي الزِّنَادِ عن الْأَعْرَجِ عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من مَنَعَ فُضُولَ الْمَاءِ لِيَمْنَعَ بِهِ الْكَلَأَ مَنَعَهُ اللَّهُ فَضْلَ رَحْمَتِهِ يوم الْقِيَامَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَفِي هذا الحديث ما دَلَّ على أَنَّهُ ليس لِأَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَ فَضْلَ مَائِهِ وَإِنَّمَا يَمْنَعُ فَضْلَ رَحْمَةِ اللَّهِ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ فلما كان مَنْعُ فَضْلِ الْمَاءِ مَعْصِيَةً لم يَكُنْ لِأَحَدٍ مَنْعُ فَضْلِ الْمَاءِ وفي هذا الحديث دَلَالَةٌ على أَنَّ مَالِكَ الْمَاءِ أَوْلَى أَنْ يُشْرِبَ بِهِ وَيَسْقِيَ وَأَنَّهُ إنَّمَا يعطى فَضْلَهُ عَمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من مَنَعَ فَضْلَ الْمَاءِ لِيَمْنَعَ بِهِ الْكَلَأَ مَنَعَهُ اللَّهُ فَضْلَ رَحْمَتِهِ وَفَضْلُ الْمَاءِ الْفَضْلُ عن حَاجَةِ مَالِكِ الْمَاءِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا أَوْضَحُ حَدِيثٍ رُوِيَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْمَاءِ وَأَشْبَهُ مَعْنًى لِأَنَّ مَالِكًا رَوَى عن أبي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بن عبد الرحمن عن عُمَرَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا يَمْنَعُ نقع ( ( ( نفع ) ) ) الْبِئْرِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَكَانَ هذا جُمْلَةً نَدَبَ الْمُسْلِمُونَ إلَيْهَا في الْمَاءِ وَحَدِيثُ أبي هُرَيْرَةَ رضي اللَّهُ عنه أَصَحُّهَا وَأَبْيَنُهَا مَعْنًى ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكُلُّ مَاءٍ بِبَادِيَةٍ يَزِيدُ في عَيْنٍ أو بِئْرٍ أو غِيلٍ أو نَهْرٍ بَلَغَ مَالِكُهُ منه حَاجَتَهُ لِنَفْسِهِ وَمَاشِيَتِهِ وَزَرْعٍ إنْ كان له فَلَيْسَ له مَنْعُ فَضْلِهِ عن حَاجَتِهِ من أَحَدٍ يَشْرَبُ أو يَسْقِي ذَا رُوحٍ خَاصَّةٍ دُونَ الزَّرْعِ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَسْقِيَ منه زَرْعًا وَلَا شَجَرًا إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بِذَلِكَ مَالِكُ الْمَاءِ وإذا قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من مَنَعَ فَضْلَ الْمَاءِ لِيَمْنَعَ بِهِ الْكَلَأَ مَنَعَهُ اللَّهُ فَضْلَ رَحْمَتِهِ فَفِي هذا دَلَالَةٌ إذَا كان الْكَلَأُ شيئا من رَحْمَةِ اللَّهِ أَنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ رِزْقُهُ خَلْقَهُ عَامَّةً لِلْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ منهم أَنْ يَمْنَعَهَا من أَحَدٍ إلَّا بِمَعْنَى ما وَصَفْنَا من السُّنَّةِ وَالْأَثَرِ الذي في مَعْنَى السُّنَّةِ وفي مَنْعِ الْمَاءِ لِيَمْنَعَ بِهِ الْكَلَأَ الذي هو من رَحْمَةِ اللَّهِ عَامٌّ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ ما كان ذَرِيعَةً إلَى مَنْعِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لم يَحِلَّ وَكَذَلِكَ ما كان ذَرِيعَةً إلَى إحْلَالِ ما حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ كان هذا هَكَذَا فَفِي هذا ما يُثْبِتُ أَنَّ الذَّرَائِعَ إلَى الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ تُشْبِهُ مَعَانِيَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَنْعُ الْمَاءِ إنَّمَا يَحْرُمُ لِأَنَّهُ في مَعْنَى تَلَفٍ على ما لَا غِنَى بِهِ لِذَوِي الْأَرْوَاحِ وَالْآدَمِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ فإذا مَنَعُوا فَضْلَ الْمَاءِ مَنَعُوا فَضْلَ الْكَلَأِ وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَشْبَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَلَوْ أَنَّ جَمَاعَةً كان لهم مِيَاهٌ بِبَادِيَةٍ فَسَقَوْا بها وَاسْتَقَوْا وَفَضَلَ منها شَيْءٌ فَجَاءَ من لَا مَاءَ له يَطْلُبُ أَنْ يَشْرَبَ أو يَسْقِيَ إلَى وَاحِدٍ منهم دُونَ وَاحِدٍ لم يَجُزْ لِمَنْ معه فَضْلٌ من الْمَاءِ وَإِنْ قَلَّ مَنَعَهُ إيَّاهُ إنْ كان في عَيْنٍ أو بِئْرٍ أو نَهْرٍ أو غَيْلٍ لِأَنَّهُ فَضْلُ مَاءٍ يَزِيدُ وَيَسْتَخْلِفُ وَإِنْ كان الْمَاءُ في سِقَاءٍ أو جَرَّةٍ أو وِعَاءٍ ما كان فَهُوَ مخالف ( ( ( مختلف ) ) ) لِلْمَاءِ الذي يَسْتَخْلِفُ فَلِصَاحِبِهِ مَنْعُهُ وهو كَطَعَامِهِ إلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إلَيْهِ مُسْلِمٌ وَالضَّرُورَةُ أَنْ يَكُونَ لَا يَجِدُ غَيْرَهُ بِشِرَاءٍ أو يَجِدُ بِشِرَاءٍ وَلَا يَجِدُ ثَمَنًا فَلَا يَسَعُ عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَنْعُهُ لِأَنَّ في مَنْعِهِ تَلَفًا له وقد وُجِدَتْ السُّنَّةُ تُوجِبُ الضِّيَافَةَ بِالْبَادِيَةِ وَالْمَاءُ أَعَزُّ فَقْدًا وَأَقْرَبُ من أَنْ يَتْلَفَ من مَنْعِهِ وَأَخَفُّ مُؤْنَةً على من أَخَذَ منه من الطَّعَامِ فَلَا أَرَى من مَنَعَ الْمَاءِ في هذه الْحَالِ إلَّا آثِمًا إذَا كان معه فَضْلٌ من مَاءٍ في وِعَاءٍ فَأَمَّا من وَجَدَ غِنًى عن الْمَاءِ بِمَاءٍ غَيْرِ مَاءِ صَاحِبِ الْوِعَاءِ فَأَرْجُو أَنْ لَا يحرج ( ( ( يخرج ) ) ) من مَنْعِهِ
____________________

(4/49)


- * إقْطَاعُ الْوَالِي - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن يحيى بن جَعْدَةَ قال لَمَّا قَدِمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمَدِينَةَ أَقْطَعَ الناس الدُّورَ فقال حَيٌّ من بَنِي زُهْرَةَ يُقَالُ لهم بَنُو عبد بن زُهْرَةَ نَكَبَ عَنَّا بن أُمِّ عَبْدٍ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلِمَ ابْتَعَثَنِي اللَّهُ إذًا إنَّ اللَّهَ لَا يُقَدِّسُ أُمَّةً لَا يُؤْخَذُ لِلضَّعِيفِ فِيهِمْ حَقُّهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) في هذا الحديث دَلَائِلُ منها أَنَّ حَقًّا على الْوَالِي إقْطَاعَ من سَأَلَهُ الْقَطِيعَ من الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ قَوْلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّ اللَّهَ لَا يُقَدِّسُ أُمَّةً لَا يُؤْخَذُ لِلضَّعِيفِ فِيهِمْ حَقُّهُ دَلَالَةً أَنَّ لِمَنْ سَأَلَهُ الْإِقْطَاعَ أَنْ يُؤْخَذَ لِلضَّعِيفِ فِيهِمْ حَقُّهُ وَغَيْرِهِ وَدَلَالَةٌ على أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَقْطَعَ الناس بِالْمَدِينَةِ وَذَلِكَ بين ظَهْرَانَيْ عِمَارَةِ الْأَنْصَارِ من الْمَنَازِلِ وَالنَّخْلِ فلم يَكُنْ لهم بِالْعَامِرِ مَنْعُ غَيْرِ الْعَامِرِ وَلَوْ كان لهم لم يَقْطَعْهُ الناس وفي هذا دَلَالَةٌ على أَنَّ ما قَارَبَ الْعَامِرَ وكان بين ظَهْرَانَيْهِ وما لم يُقَارِبْ من الْمَوَاتِ سَوَاءٌ في أَنَّهُ لَا مَالِكَ له فَعَلَى السُّلْطَانِ إقْطَاعُهُ مِمَّنْ سَأَلَهُ من الْمُسْلِمِينَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن هِشَامٍ عن عُرْوَةَ عن أبيه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَقْطَعَ الزُّبَيْرَ أَرْضًا وَأَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ أَقْطَعَ الْعَقِيقَ أَجْمَعَ وقال أَيْنَ الْمُسْتَقْطِعُونَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْعَقِيقُ قَرِيبٌ من الْمَدِينَةِ وَقَوْلُهُ أَيْنَ الْمُسْتَقْطِعُونَ نَقْطَعُهُمْ وَإِنَّمَا أَقْطَعَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ عُمَرُ وَمَنْ أَقْطَعَ ما لَا يَمْلِكُهُ أَحَدٌ يُعْرَفُ من الْمَوَاتِ وفي قَوْلِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من أَحْيَا مَوَاتًا فَهُوَ له دَلِيلٌ على أَنَّ من أَحْيَا مَوَاتًا كان له كما يَكُونُ له إنْ أَقْطَعَهُ وَاتِّبَاعٌ في أَنْ يَمْلِكَ من أَحْيَا الْمَوَاتَ ما أَحْيَا كَاتِّبَاعِ أَمْرِهِ في أَنْ يَقْطَعَ الْمَوَاتَ من يُحْيِيهِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْطَعَ الْمَوَاتَ من يُحْيِيهِ وَلَا مَالِكَ له وإذا قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من أَحْيَا مَوَاتًا فَهُوَ له فَعَطِيَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَامَّةٌ لِمَنْ أَحْيَا الْمَوَاتَ فَمَنْ أَحْيَا الْمَوَاتَ فَبِعَطِيَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَحْيَاهُ وَعَطِيَّتُهُ في الْجُمْلَةِ أَثْبَتُ من عَطِيَّةِ من بَعْدَهُ في النَّصِّ وَالْجُمْلَةِ وقد رُوِيَ عن عُمَرَ مِثْلُ هذا الْمَعْنَى لَا يُخَالِفُهُ - * بَابٌ الرِّكَازُ يُوجَدُ في بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ الرِّكَازُ دَفْنُ الْجَاهِلِيَّةِ أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن بن شِهَابٍ عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عبد اللَّهِ عن بن عَبَّاسٍ عن الصَّعْبِ بن جَثَّامَةَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فلما قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا حِمًى إلَّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ لم يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْزِلَ بَلَدًا غير مَعْمُورٍ فَيَمْنَعَ منه شيئا يَرْعَاهُ دُونَ غَيْرِهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْبِلَادَ لِلَّهِ عز وجل لَا مَالِكَ لها من الادميين وَإِنَّمَا سَلَّطَ اللَّهُ الْآدَمِيِّينَ على مَنْعِ ما لهم خَاصَّةً لَا مَنْعِ ما ليس لِأَحَدٍ بِعَيْنِهِ وَقَوْلُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا حِمًى إلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ أَنْ لَا حِمًى إلَّا حِمَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في صَلَاحِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ هُمْ شُرَكَاءُ في بِلَادِ اللَّهِ ليس أَنَّهُ حِمًى لِنَفْسِهِ دُونَهُمْ وَلِوُلَاةِ الْأَمْرِ بَعْدَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يَحْمُوا من الْأَرْضِ شيئا لِمَنْ يَحْتَاجُ إلَى الْحِمَى من الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ لهم أَنْ يَحْمُوا شيئا لِأَنْفُسِهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا عبد الْعَزِيزِ بن مُحَمَّدٍ عن زَيْدِ بن أَسْلَمَ عن أبيه أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه اسْتَعْمَلَ مَوْلًى له يُقَالُ له هنى على الْحِمَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقَوْلُ عُمَرَ إنَّهُمْ لَيَرَوْنَ أَنِّي قد ظَلَمْتُهُمْ يقول يَذْهَبُ رَأْيُهُمْ أَنِّي حَمَيْت بِلَادًا غير مَعْمُورَةٍ لِنَعَمِ الصَّدَقَةِ وَلِنَعَمِ الْفَيْءِ وَأَمَرْت بِإِدْخَالِ أَهْلِ الْحَاجَةِ الْحِمَى دُونَ أَهْلِ الْقُوَّةِ على الرعي ( ( ( المرعى ) ) ) في غَيْرِ الْحِمَى
____________________

(4/50)


إلَى أَنِّي قد ظَلَمْتُهُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) ولم يَظْلِمْهُمْ عُمَرُ رضي اللَّهُ عنه وَإِنْ رَأَوْا ذلك بَلْ حَمَى على مَعْنَى ما حَمَى عليه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِأَهْلِ الْحَاجَةِ دُونَ أَهْلِ الْغِنَى وَجَعَلَ الْحِمَى حَوْزًا لهم خَالِصًا كما يَكُونُ ما عَمَرَ الرَّجُلُ له خَالِصًا دُونَ غَيْرِهِ وقد كان مُبَاحًا قبل عِمَارَتِهِ فَكَذَلِكَ الْحِمَى لِمَنْ حَمَى له من أَهْلِ الْحَاجَةِ وقد كان مُبَاحًا قبل يحمي قال وَبَيَانُ ذلك في قَوْلِ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه لَوْلَا الْمَالُ الذي أَحْمِلُ عليه في سَبِيلِ اللَّهِ ما حَمَيْت على الْمُسْلِمِينَ من بِلَادِهِمْ شِبْرًا أَنَّهُ لم يَحْمِ إلَّا لِمَا يَحْمِلُ عليه لِمَنْ يَحْتَاجُ إلَى الْحِمَى من الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَحْمُوا وَرَأَى إدْخَالَ الضَّعِيفِ حَقًّا له دُونَ الْقَوِيِّ فَكُلُّ ما لم يُعْمَرْ من الْأَرْضِ فَلَا يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَنْزِلُوا وَيَرْعَوْا فيه حَيْثُ شاؤوا إلَّا ما حَمَى الْوَالِي لِمَصْلَحَةِ عَوَامِّ الْمُسْلِمِينَ فَجَعَلَهُ لِمَا يَحْمِلُ عليه في سَبِيلِ اللَّهِ من نَعَمِ الْجِزْيَةِ وما يَفْضُلُ من نَعَمِ الصَّدَقَةِ فَيَعُدُّهُ لِمَنْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ من أَهْلِهَا وما يَصِيرُ إلَيْهِ من ضَوَالِّ الْمُسْلِمِينَ وَمَاشِيَةُ أَهْلِ الضَّعْفِ دُونَ أَهْلِ الْقُوَّةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكُلُّ هذا عَامُّ الْمَنْفَعَةِ بِوُجُوهٍ لِأَنَّ من حَمَلَ في سَبِيلِ اللَّهِ فَذَلِكَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَمَنْ أَرْصَدَ له أَنْ يعطى من مَاشِيَةِ الصَّدَقَةِ فَذَلِكَ لِجَمَاعَةِ ضُعَفَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَكَذَلِكَ من ضَعُفَ من الْمُسْلِمِينَ فَرَعَيْت له مَاشِيَتَهُ فَذَلِكَ لِجَمَاعَةِ ضُعَفَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَرَ عُمَرُ رضي اللَّهُ عنه أَنْ لَا يُدْخَلَ نَعَمُ بن عَفَّانَ وبن عَوْفٍ لِقُوَّتِهِمَا في أَمْوَالِهِمَا وَإِنَّهُمَا لو هَلَكَتْ مَاشِيَتُهُمَا لم يَكُونَا مِمَّنْ يَصِيرُ كَلًّا على الْمُسْلِمِينَ فَكَذَلِكَ يَصْنَعُ بِمَنْ له غِنًى غَيْرُ الْمَاشِيَةِ - * الْأَحْبَاسُ - * أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال جَمِيعُ ما يعطى الناس من أَمْوَالِهِمْ ثَلَاثَةُ وُجُوهٍ ثُمَّ يَتَشَعَّبُ كُلُّ وَجْهٍ منها وَالْعَطَايَا منها في الْحَيَاةِ وَجْهَانِ وَبَعْدَ الْوَفَاةِ وَاحِدٌ فَالْوَجْهَانِ من الْعَطَايَا في الْحَيَاةِ مُفْتَرِقَا الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فَأَحَدُهُمَا يَتِمُّ بِكَلَامِ المعطى وَالْآخَرُ يَتِمُّ بِأَمْرَيْنِ بِكَلَامِ المعطى وَقَبْضِ الْمُعْطَى أو قَبْضِ من يَكُونُ قَبْضُهُ له قَبْضًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْعَطَايَا التي تَتِمُّ بِكَلَامِ المعطى دُونَ أَنْ يَقْبِضَهَا الْمُعْطَى ما كان إذَا خَرَجَ بِهِ الْكَلَامُ من الْمُعْطَى له جائزا ( ( ( جائرا ) ) ) على ما أَعْطَى لم يَكُنْ للمعطى أَنْ يَمْلِكَ ما خَرَجَ منه فيه الْكَلَامُ بِوَجْهٍ أَبَدًا وَهَذِهِ الْعَطِيَّةُ الصَّدَقَاتُ الْمُحَرَّمَاتُ الْمَوْقُوفَاتُ على قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ أو قَوْمٍ مَوْصُوفِينَ وما كان في مَعْنَى هذه الْعَطَايَا مِمَّا سُبِّلَ مَحْبُوسًا على قَوْمٍ مَوْصُوفِينَ وَإِنْ لم يُسَمَّ ذلك مُحَرَّمًا فَهُوَ مُحَرَّمٌ بِاسْمِ الْحَبْسِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا أَشْهَدَ الرَّجُلُ على نَفْسِهِ بِعَطِيَّةٍ من هذه فَهِيَ جَائِزَةٌ لِمَنْ أَعْطَاهَا قَبَضَهَا أو لم يَقْبِضْهَا وَمَتَى قام عليه أَخَذَهَا من يَدَيْ مُعْطِيهَا وَلَيْسَ لِمُعْطِيهَا حَبْسُهَا عنه على حَالٍ بَلْ يُجْبَرُ على دَفْعِهَا إلَيْهِ وَإِنْ اسْتَهْلَكَ منها شيئا بَعْدَ إشْهَادِهِ بِإِعْطَائِهَا ضَمِنَ ما اسْتَهْلَكَ كما يَضْمَنُهُ أَجْنَبِيٌّ لو اسْتَهْلَكَهُ لِأَنَّهُ إذَا خَرَجَ من مِلْكِهِ فَهُوَ وَالْأَجْنَبِيُّ فِيمَا اسْتَهْلَكَ منه سَوَاءٌ وَلَوْ مَاتَ من جُعِلَتْ هذه الصَّدَقَةُ عليه قبل قَبْضِهَا وقد أَغَلَّتْ غَلَّةً أَخَذَ وَارِثُهُ حِصَّتَهُ من غَلَّتِهَا لِأَنَّ الْمَيِّتَ قد كان مَالِكًا لِمَا أَعْطَى وَإِنْ لم يَقْبِضْهُ كما يَكُونُ له غَلَّةُ أَرْضٍ لو غَصَبَهَا أو كانت وَدِيعَةً في يَدَيْ غَيْرِهِ فَجَحَدَهَا ثُمَّ أَقَرَّ بها وَإِنْ لم يَكُنْ قَبَضَ ذلك وَلَوْ مَاتَ المتصدق بها قبل أَنْ يَقْبِضَهَا من تَصَدَّقَ بها عليه لم يَكُنْ لِوَارِثِهِ منها شَيْءٌ وَكَانَتْ لِمَنْ تَصَدَّقَ بها عليه وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ تَرْجِعُ مَوْرُوثَةً وَالْمَوْرُوثُ إنَّمَا يُوَرَّثُ ما كان مِلْكًا لِلْمَيِّتِ فإذا لم يَكُنْ لِلْمُتَصَدِّقِ الْمَيِّتِ أَنْ يَمْلِكَ شيئا في حَيَاتِهِ وَلَا بِحَالٍ أَبَدًا لم يَجُزْ أَنْ يَمْلِكَ الْوَارِثُ عنه بَعْدَ وَفَاتِهِ ما لم يَكُنْ له أَنْ يَمْلِكَ في حَيَاتِهِ بِحَالٍ أَبَدًا قال وفي هذا الْمَعْنَى الْعِتْقُ إذَا تَكَلَّمَ الرَّجُلُ بعتق ( ( ( يعتق ) ) ) من يَجُوزُ له عِتْقُهُ تَمَّ الْعِتْقُ ولم يَحْتَجْ إلَى أَنْ يَقْبَلَهُ الْمُعْتَقُ ولم يَكُنْ لِلْمُعْتِقِ مِلْكُهُ وَلَا لِغَيْرِهِ مِلْكُ رِقٍّ يَكُونُ له فيه بَيْعٌ وَلَا هِبَةٌ وَلَا مِيرَاثٌ
____________________

(4/51)


بِحَالٍ وَالْوَجْهُ الثَّانِي من الْعَطَايَا في الْحَيَاةِ ما أَخْرَجَهُ الْمَالِكُ من يَدِهِ مِلْكًا تَامًّا لِغَيْرِهِ بِهِبَتِهِ أو بِبَيْعِهِ وَيُوَرَّثُ عنه وَهَذَا من الْعَطَايَا يَحِلُّ لِمَنْ أَخْرَجَهُ من يَدَيْهِ أَنْ يَمْلِكَهُ بِوُجُوهٍ وَذَلِكَ أَنْ يَرِثَ من أَعْطَاهُ أو يَرُدَّ عليه الْمُعْطَى الْعَطِيَّةَ أو يَهَبَهَا له أو يَبِيعَهُ إيَّاهَا وَهَذَا مِثْلُ النِّحَلِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ غَيْرِ الْمُحَرَّمَةِ وَلَا التي في مَعْنَاهَا بِالتَّسْبِيلِ وَغَيْرِهِ وَهَذِهِ الْعَطِيَّةُ تَتِمُّ بِأَمْرَيْنِ إشْهَادُ من أَعْطَاهَا وَقَبَضَهَا بِأَمْرِ من أَعْطَاهَا وَالْمُحَرَّمَةُ وَالْمُسَبَّلَةُ تَجُوزُ بِلَا قَبْضٍ قِيلَ تَقْلِيدُ الهدى وَإِشْعَارُهُ وَسِيَاقُهُ وَإِيجَابُهُ بِغَيْرِ تَقْلِيدٍ يَكُونُ على مَالِكِهِ بلاغة الْبَيْتَ ونحره ( ( ( ونحوه ) ) ) وَالصَّدَقَةُ فيه بِمَا صَنَعَ منه ولم يَقْبِضْهُ من جَعَلَ له وَلَيْسَ كَذَلِكَ ما تَصَدَّقَ بِهِ بِغَيْرِ حَبْسٍ مِمَّا لَا يَتِمُّ إلَّا بِقَبْضِ من أُعْطِيهَا لِنَفْسِهِ أو قَبْضِ غَيْرِهِ له مِمَّنْ قَبَضَهُ له قَبْضُ وَهَذَا الْوَجْهِ من الْعَطَايَا لِمُعْطِيهِ أَنْ يَمْنَعَهُ من أَعْطَاهُ إيَّاهُ ما لم يَقْبِضْهُ وَمَتَى رَجَعَ في عَطِيَّتِهِ قبل قَبْضِ من أُعْطِيهِ فَذَلِكَ له وَإِنْ مَاتَ الْمُعْطَى قبل يَقْبِضُ الْعَطِيَّةَ فَالْمُعْطِي بِالْخِيَارِ إنْ أَحَبَّ أَنْ يُعْطِيَهَا وَرَثَتَهُ عَطَاءً مُبْتَدَأً لَا عَطَاءً مَوْرُوثًا عن المعطي لِأَنَّ المعطي لم يَمْلِكْهَا فَعَلَ وَذَلِكَ أَحَبُّ إلَيَّ له وَإِنْ شَاءَ حَبَسَهَا عَنْهُمْ وَإِنْ مَاتَ المعطى قبل يَقْبِضُهَا المعطي فَهِيَ لِوَرَثَةِ المعطى لِأَنَّ مِلْكَهَا لم يَتِمَّ لِلْمُعْطَى قال وَالْعَطِيَّةُ بَعْدَ الْمَوْتِ هِيَ الْوَصِيَّةُ لِمَنْ أَوْصَى له في حَيَاتِهِ فقال إذَا مِتُّ فَلِفُلَانٍ كَذَا فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ في الْوَصِيَّةِ ما لم يَمُتْ فإذا مَاتَ مَلَكَ أَهْلُ الْوَصَايَا وَصَايَاهُمْ بِلَا قَبْضٍ كان من الْمُعْطَى وَلَا بَعْدَهُ وَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَمْنَعُوهُ الْمُوصَى لهم وهو لهم مِلْكًا تَامًّا قال وَأَصْلُ ما ذَهَبْنَا إلَيْهِ أَنَّ هذا مَوْجُودٌ في السُّنَّةِ وَالْآثَارِ أو فِيهِمَا فَفَرَّقْنَا بَيْنَهُ اتِّبَاعًا وَقِيَاسًا - * الْخِلَافُ في الصَّدَقَاتِ الْمُحَرَّمَاتِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَخَالَفْنَا بَعْضَ الناس في الصَّدَقَاتِ الْمُحَرَّمَاتِ وقال من تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ مُحَرَّمَةٍ وَسَبَّلَهَا فَالصَّدَقَةُ بَاطِلٌ وَهِيَ مِلْكٌ لِلْمُتَصَدِّقِ في حَيَاتِهِ وَلِوَارِثِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ قَبَضَهَا من تَصَدَّقَ بها عليه أو لم يَقْبِضْهَا وقال لي بَعْضُ من يَحْفَظُ قَوْلَ قَائِلٍ هذا إنَّا رَدَدْنَا الصَّدَقَاتِ الْمَوْقُوفَاتِ بِأُمُورٍ قُلْت له وما هِيَ فقال قال شُرَيْحٌ جاء مُحَمَّدٌ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِإِطْلَاقِ الْحَبْسِ فَقُلْت له وَتَعْرِفُ الْحَبْسَ التي جاء رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِإِطْلَاقِهَا قال لَا أَعْرِفُ حَبْسًا إلَّا الْحَبْسَ بِالتَّحْرِيمِ فَهَلْ تَعْرِفُ شيئا يَقَعُ عليه اسْمُ الْحَبْسِ غَيْرَهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقُلْت له أَعْرِفُ الْحَبْسَ التي جاء رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِإِطْلَاقِهَا وَهِيَ غَيْرُ ما ذَهَبْت إلَيْهِ وَهِيَ بَيِّنَةٌ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل قال اُذْكُرْهَا قُلْت قال اللَّهُ عز وجل { ما جَعَلَ اللَّهُ من بِحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ } فَهَذِهِ الْحَبْسُ التي كان أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَحْبِسُونَهَا فَأَبْطَلَ اللَّهُ شُرُوطَهُمْ فيها وَأَبْطَلَهَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِإِبْطَالِ اللَّهِ إيَّاهَا وَهِيَ أَنَّ الرَّجُلَ كان يقول إذَا نَتَجَ فَحْلُ إبِلِهِ ثُمَّ أَلْقَحَ فَأُنْتِجَ منه هو حَامٍ أَيْ قد حَمَى ظَهْرُهُ فَيَحْرُمُ رُكُوبُهُ وَيُجْعَلُ ذلك شَبِيهًا بِالْعِتْقِ له وَيَقُولُ في الْبَحِيرَةِ وَالْوَصِيلَةِ على مَعْنًى يُوَافِقُ بَعْضَ هذا وَيَقُولُ لِعَبْدِهِ أنت حُرٌّ سَائِبَةٌ لَا يَكُونُ لي وَلَاؤُك وَلَا عَلَيَّ عَقْلُك قال فَهَلْ قِيلَ في السَّائِبَةِ غَيْرُ هذا فَقُلْت نعم قِيلَ إنَّهُ أَيْضًا في الْبَهَائِمِ قد سَيَّبْتُك ( قال الشَّافِعِيُّ ) فلما كان الْعِتْقُ لَا يَقَعُ على الْبَهَائِمِ رَدَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مِلْكَ الْبَحِيرَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ إلَى مَالِكِهِ وَأَثْبَتَ الْعِتْقَ وَجَعَلَ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ السَّائِبَةَ وَحَكَمَ له بِمِثْلِ حُكْمِ النَّسَبِ ولم يَحْبِسْ اهل الْجَاهِلِيَّةِ عَلِمْته دَارًا وَلَا أَرْضًا تَبَرُّرًا بِحَبْسِهَا وَإِنَّمَا حَبَسَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَالصَّدَقَاتُ يَلْزَمُهَا اسْمُ الْحَبْسِ وَلَيْسَ لَك أَنْ تُخْرِجَ مِمَّا لَزِمَهُ اسْمُ الْحَبْسِ شيئا إلَّا بِخَبَرٍ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَدُلُّ على ما قُلْت وَقُلْت أخبرنا سُفْيَانُ عن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ بن حَفْصٍ الْعُمَرِيِّ عن نَافِعٍ عن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ مَلَكَ مِائَةَ سَهْمٍ من خَيْبَرَ اشْتَرَاهَا فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال يا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَصَبْت مَالًا لم أُصِبْ مثله قَطُّ وقد أَرَدْت أَنْ أَتَقَرَّبَ بِهِ إلَى اللَّهِ عز وجل فقال
____________________

(4/52)


حَبِّسْ الْأَصْلَ وَسَبِّلْ الثَّمَرَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَخْبَرَنِي عُمَرُ بن حَبِيبٍ الْقَاضِي عن عبد اللَّهِ بن عَوْنٍ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أن ( ( ( بأن ) ) ) عُمَرَ بن الْخَطَّابِ قال يا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَصَبْت مَالًا من خَيْبَرَ لم أُصِبْ مَالًا قَطُّ أَعْجَبَ إلَيَّ أو أَعْظَمَ عِنْدِي منه فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنْ شِئْت حَبَسْت أَصْلَهُ وَسَبَّلْت ثَمَرَهُ فَتَصَدَّقَ بِهِ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه ثُمَّ حَكَى صَدَقَتَهُ بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقال إنْ كان هذا ثابتا ( ( ( ثابت ) ) ) فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَبْسُ التي أَطْلَقَ غير الْحَبْسِ التي أَمَرَ بِحَبْسِهَا قُلْت هذا عِنْدَنَا وَعِنْدَك ثَابِتٌ وَعِنْدَنَا أَكْثَرُ من هذا وَإِنْ كانت الْحُجَّةُ تَقُومُ عِنْدَنَا وَعِنْدَك بِأَقَلّ منه قال فَكَيْفَ أَجَزْت الصَّدَقَاتِ الْمُحَرَّمَاتِ وَإِنْ لم يَقْبِضْهَا من تَصَدَّقَ بها عليه فَقُلْت اتِّبَاعًا وَقِيَاسًا فقال وما الِاتِّبَاعُ فَقُلْت له لَمَّا سَأَلَ عُمَرُ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن مَالِهِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَحْبِسَ أَصْلَ مَالِهِ وَيُسَبِّلَ ثَمَرَهُ دَلَّ ذلك على إجَازَةِ الْحَبْسِ وَعَلَى أَنَّ عُمَرَ كان يَلِي حَبْسَ صَدَقَتِهِ وَيُسَبَّلُ ثَمَرَهَا بِأَمْرِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يَلِيهَا غَيْرُهُ قال فقال أَفَيَحْتَمِلُ قَوْلُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم حَبِّسْ أَصْلَهَا وَسَبِّلْ ثَمَرَهَا اشْتَرَطَ ذلك قُلْت نعم وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَظْهَرُهُمَا وَعَلَيْهِ من الْخَبَرِ دَلَالَةٌ أُخْرَى قال وما هِيَ قُلْت إذَا كان عُمَرُ لَا يَعْرِفُ وَجْهَ الْحَبْسِ أَفَيُعَلِّمُهُ حَبْسَ الْأَصْلِ وَسَبْلَ الثَّمَرِ وَيَدْعُ أَنْ يُعَلِّمَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا من يَدَيْهِ إلَى من يَلِيهَا عليه وَلِمَنْ حَبَسَهَا عليه لِأَنَّهَا لو كانت لَا تَتِمُّ إلَّا بِأَنْ يُخْرِجَهَا الْمُحَبِّسُ من يَدَيْهِ إلَى من يَلِيهَا دُونَهُ كان هذا أَوْلَى أَنْ يُعَلِّمَهُ لِأَنَّ الْحَبْسَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ وَلَكِنَّهُ عَلَّمَهُ ما يَتِمُّ به ولم يَكُنْ في إخْرَاجِهَا من يَدَيْهِ شَيْءٌ يَزِيدُ فيها وَلَا في إمْسَاكِهَا يَلِيهَا هو شَيْءٌ يُنْقِصُ صَدَقَتُهُ ولم يَزَلْ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ الْمُتَصَدِّقُ بِأَمْرِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَلِي فِيمَا بَلَغَنَا صَدَقَتَهُ حتى قَبَضَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ولم يَزَلْ عَلِيُّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه يَلِي صَدَقَتَهُ بِيَنْبُعَ حتى لَقِيَ اللَّهَ عز وجل ولم تَزَلْ فَاطِمَةُ عليها السَّلَامُ تَلِي صَدَقَتَهَا حتى لَقِيَتْ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بِذَلِكَ أَهْلُ الْعِلْمِ من وَلَدِ فَاطِمَةَ وَعَلِيٍّ وَعُمَرَ وَمَوَالِيهِمْ وَلَقَدْ حَفِظْنَا الصَّدَقَاتِ عن عَدَدٍ كَثِيرٍ من الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ لقد حَكَى لي عَدَدٌ كَثِيرٌ من أَوْلَادِهِمْ وَأَهِلِيهِمْ أَنَّهُمْ لم يَزَالُوا يَلُونَ صَدَقَاتِهِمْ حتى مَاتُوا يَنْقُلُ ذلك الْعَامَّةُ منهم عن الْعَامَّةِ لَا يَخْتَلِفُونَ فيه وَإِنَّ أَكْثَرَ ما عِنْدَنَا بِالْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ من الصَّدَقَاتِ لَكَمَا وَصَفْت لم يَزَلْ يَتَصَدَّقُ بها الْمُسْلِمُونَ من السَّلَفِ يَلُونَهَا حتى مَاتُوا وَأَنَّ نَقْلَ الحديث فيها كَالتَّكَلُّفِ وَإِنْ كنا قد ذَكَرْنَا بَعْضَهُ قبل هذا فإذا كنا إنَّمَا أَجَزْنَا الصَّدَقَاتِ وَفِيهَا الْعِلَلُ التي أَبْطَلَهَا صَاحِبُك بها من قَوْلِ شُرَيْحٍ جاء مُحَمَّدٌ بِإِطْلَاقِ الْحَبْسِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَالٌ مَمْلُوكًا ثُمَّ يُخْرِجُهُ مَالِكُهُ من مِلْكِهِ إلَى غَيْرِ مَالِكٍ له كُلَّهُ إلَّا بِالسُّنَّةِ وَاتِّبَاعِ الْآثَارِ فَكَيْفَ اتَّبَعْنَاهُمْ في إجَازَتِهَا وَإِجَازَتُهَا أَكْثَرُ وَنَتْرُكُ اتِّبَاعَهُمْ في أَنْ يَحُوزَهَا كما حَازُوهَا ولم يُوَلُّوهَا أَحَدًا فقال فما الْحِصَّةُ فيه من الْقِيَاسِ قُلْت له لَمَّا أَجَازَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يُحْبَسَ الْأَصْلُ أَصْلُ الْمَالِ وَتُسَبَّلَ الثَّمَرَةُ دَلَّ ذلك على أَنَّهُ أَجَازَ أَنْ يُخْرِجَهُ مَالِكُ الْمَالِ من مِلْكِهِ بِالشَّرْطِ إلَى أَنْ يَصِيرَ الْمَالُ مَحْبُوسًا لَا يكون ( ( ( يكن ) ) ) لِمَالِكِهِ بَيْعُهُ وَلَا أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِ بِحَالٍ كما لَا يَكُونُ لِمَنْ سَبَّلَ ثَمَرَهُ عليه بَيْعُ الْأَصْلِ وَلَا مِيرَاثِهِ فَكَانَ هذا مَالًا مُخَالِفًا لِكُلِّ مَالٍ سِوَاهُ لِأَنَّ كُلَّ مَالٍ سِوَاهُ يَخْرُجُ من مَالِكِهِ إلَى مَالِكٍ فَالْمَالِكُ يَمْلِكُ بَيْعَهُ وَهِبَتَهُ وَيَجُوزُ لِلْمَالِكِ الذي أَخْرَجَهُ من مِلْكِهِ أَنْ يَمْلِكَهُ بَعْدَ خُرُوجِهِ من يَدَيْهِ بِبَيْعٍ وَهِبَةٍ وَمِيرَاثٍ وَغَيْرِ ذلك من وُجُوهِ الْمِلْكِ وَيُجَامِعُ الْمَالُ الْمَحْبُوسُ الْمَوْقُوفُ الْعِتْقَ الذي أَخْرَجَهُ مَالِكُهُ من مَالِهِ بِشَيْءٍ جَعَلَهُ اللَّهُ إلَى غَيْرِ مِلْكِ نَفْسِهِ وَلَكِنْ مَلَّكَهُ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ بِلَا مِلْكٍ لِرَقَبَتِهِ كما مَلَّكَ الْمُحْبِسُ من جَعْلِ مَنْفَعَةِ الْمَالِ له بِغَيْرِ مِلْكٍ منه لِرَقَبَةِ الْمَالِ وكان بِإِخْرَاجِهِ الْمِلْكَ من يَدَيْهِ مُحَرِّمًا على نَفْسِهِ أَنْ يَمْلِكَ الْمَالَ بِوَجْهٍ أَبَدًا كما كان مُحَرِّمًا أَنْ يَمْلِكَ الْعَبْدَ بِشَيْءٍ أَبَدًا فَاجْتَمَعَا في مَعْنَيَيْنِ وَإِنْ كان الْعَبْدُ مُفَارِقَهُ في أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ غَيْرُ نَفْسِهِ كما يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ الْمَالِ مَالِكٌ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَالَ لَا يَكُونُ مَالِكًا إنَّمَا يَمْلِكُ الْآدَمِيُّونَ فَلَوْ قال قَائِلٌ لِمَالِهِ أنت حُرٌّ لم يَكُنْ حُرًّا وَلَوْ قال أنت مَوْقُوفٌ لم يَكُنْ مَوْقُوفًا لِأَنَّهُ لم يُمَلِّكْ مَنْفَعَتَهُ أَحَدًا وهو إذَا قال لِعَبْدِهِ أنت حُرٌّ فَقَدْ مَلَّكَهُ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ فقال قد قال فيها فُقَهَاءُ الْمَكِّيِّينَ وَحُكَّامُهُمْ قَدِيمًا وَحَدِيثًا وقد عَلِمْنَا أَنَّهُمْ يَقُولُونَ قَوْلَك وأبو يُوسُفَ
____________________

(4/53)


حين أَجَازَ الصَّدَقَاتِ قال قَوْلَك في أنها تَجُوزُ وَإِنْ وَلِيَهَا صَاحِبُهَا حتى يَمُوتَ وَاحْتَجَّ فيها بِأَنَّهُ إنَّمَا أَجَازَهَا اتِّبَاعًا وَأَنَّ الْمُتَصَدِّقِينَ بها من السَّلَفِ وَلَوْهَا حتى مَاتُوا وَلَكِنَّا قد ذَهَبْنَا فيها وَبَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ إلَى أَنَّ الرَّجُلَ إنْ لم يُخْرِجْهَا من مِلْكِهِ إلَى من يَلِيهَا دُونَهُ في حَيَاتِهِ لِمَنْ تَصَدَّقَ بها عليه كانت مُنْتَقَضَةً وَأَنْزَلَهَا مَنْزِلَةَ الْهِبَاتِ وَتَابَعْنَا بَعْضَ الْمَدَنِيِّينَ فيها وَخَالَفْنَا في الْهِبَاتِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقُلْت له قد حَفِظْنَا عن سَلَفِنَا ما وَصَفْت وما أَعْرِفُ عن أَحَدٍ من التَّابِعِينَ أَنَّهُ أَبْطَلَ صَدَقَةً بِأَنْ لم يَدْفَعْهَا الْمُتَصَدِّقُ بها إلَى وَالٍ في حَيَاتِهِ وما هذا إلَّا شَيْءٌ أَحْدَثَهُ منهم من لَا يَكُونُ قَوْلُهُ حُجَّةً على أَحَدٍ وما أَدْرِي لَعَلَّهُ سمع قَوْلَكُمْ أو قَوْلَ بَعْضِ الْبَصْرِيِّينَ فيه فَاتَّبَعَهُ فقال وأنا أَقُومُ بهذا الْقَوْلِ عَلَيْك قُلْت له هذا قَوْلٌ تُخَالِفُهُ فَكَيْفَ تَقُومُ بِهِ قال أَقُومُ بِهِ لِمَنْ قَالَهُ من أَصْحَابِنَا وَأَصْحَابِك فَأَقُولُ إنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي اللَّهُ عنه نَحَلَ عَائِشَةَ جِدَادَ عِشْرِينَ وَسْقًا فَمَرِضَ قبل تَقْبِضَهُ فقال لها لو كُنْت خَزَنْتِيهِ وَقَبَضْتِيهِ كان لَك وَإِنَّمَا هو الْيَوْمَ مَالُ الْوَارِثِ وَإِنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه قال ما بَالُ رِجَالٍ يَنْحَلُونَ أَبْنَاءَهُمْ نُحْلًا ثُمَّ يُمْسِكُونَهَا فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمْ قال مَالُ أبي نَحَلْنِيهِ وَإِنْ مَاتَ ابْنُهُ قال مَالِي وَبِيَدِي لَا نِحْلَةَ إلَّا نِحْلَةٌ يَحُوزُهَا الْوَلَدُ دُونَ الْوَالِدِ حتى يَكُونَ إنْ مَاتَ أَحَقَّ بها وَأَنَّهُ شكى ( ( ( شكا ) ) ) إلَى عُثْمَانَ بن عَفَّانَ رضي اللَّهُ عنه قَوْلَ عُمَرَ فَرَأَى أَنَّ الْوَالِدَ يحوز ( ( ( يجوز ) ) ) لِوَلَدِهِ ما دَامُوا صِغَارًا فَأَقُولُ إنَّ الصَّدَقَاتِ الْمَوْقُوفَاتِ قِيَاسًا على هذا وَلَا أَزْعُمُ ما زَعَمْت من أنها مُفْتَرِقَةٌ فَقُلْت له أَفَرَأَيْت لو اجْتَمَعَتْ هِيَ وَالصَّدَقَاتُ في مَعْنًى وَاخْتَلَفَتَا في مَعْنَيَيْنِ أو أَكْثَرُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَوْلَى بِتَأْوِيلٍ أو التَّفْرِيقِ قال بَلْ التَّفْرِيقُ فَقُلْت له أَفَرَأَيْت الْهِبَاتِ كُلَّهَا وَالنُّحْلَ وَالْعَطَايَا سِوَى الْوَقْفِ لو تَمَّتْ لِمَنْ أُعْطِيهَا ثُمَّ رَدَّهَا على الذي أَعْطَاهَا أو لم يَقْبَلْهَا منه أو رَجَعَتْ إلَيْهِ بِمِيرَاثٍ أو شِرَاءٍ أو غَيْرِ ذلك من وُجُوهِ الْمِلْكِ أَيَحِلُّ له أَنْ يَمْلِكَهَا قال نعم قُلْت وَلَوْ تَمَّتْ لِمَنْ أُعْطِيهَا حَلَّ له بَيْعُهَا وَهِبَتُهَا قال نعم قُلْت أَفَتَجِدُ الْوَقْفَ إذَا تَمَّ لِمَنْ وَقَفَ له يَرْجِعُ إلَى مَالِكِهِ أَبَدًا بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ أو يَمْلِكُهُ من وَقَفَ عليه مِلْكًا يَكُونُ له فيه بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ وَأَنْ يَكُونَ مَوْرُوثًا عنه قال لَا قُلْت وَالْوُقُوفُ خارجة من مِلْكِ مَالِكِهَا بِكُلِّ حَالٍ وَمَمْلُوكَةُ الْمَنْفَعَةِ لِمَنْ وَقَفْت عليه غَيْرُ مَمْلُوكَةِ الْأَصْلِ قال نعم قُلْت أَفَتَرَى الْعَطَايَا تُشْبِهُ الْوُقُوفَ في مَعْنًى وَاحِدٍ من مَعَانِيهَا قال في أنها لَا تَجُوزُ إلَّا مَقْبُوضَةً قُلْت كَذَلِكَ قُلْت أنت فَأَرَاك جَعَلْت قَوْلَك أَصْلًا قال قِسْته على ما ذَكَرْت وإن خَالَفَ بَعْضَ أَحْكَامِهِ قُلْت فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُقَاسَ الشَّيْءُ بِخِلَافِهِ وَهِيَ مُخَالِفَةٌ ما ( ( ( لما ) ) ) ذَكَرْت من الْعَطَايَا غَيْرِهَا أو رأيت لو قال لَك قَائِلٌ أَرَاك تَسْلُكُ بِالْعَطَايَا كُلِّهَا مَسْلَكًا وَاحِدًا فَأَزْعُمُ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا أَوْجَبَ الْهَدْيَ على نَفْسِهِ بِكَلَامٍ أو سَاقَهُ او قَلَّدَهُ أو أَشْعَرَهُ كان له أَنْ يَبِيعَهُ وَيَهَبَهُ وَيَرْجِعَ لِأَنَّهُ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ ولم يَقْبِضُوهُ أَلَهُ ذلك قال لَا قُلْت وَأَنْتَ تَقُولُ لو دَفَعَ رَجُلٌ إلَى وَالٍ مَالًا يَحْمِلُ بِهِ في سَبِيلِ اللَّهِ أو يَتَصَدَّقُ بِهِ مُتَطَوِّعًا لم يَكُنْ له أَنْ يُخْرِجَهُ من يَدَيْ الْوَالِي بَلْ يَدْفَعُهُ قال نعم قال ما الْعَطَايَا بِوَجْهٍ وَاحِدٍ قُلْت فَعَمَدْت إلَى ما دَلَّتْ عليه السُّنَّةُ وَجَاءَتْ الْآثَارُ بِإِجَازَتِهِ من الصَّدَقَاتِ الْمُحَرَّمَاتِ فَجَعَلْته قِيَاسًا على ما يُخَالِفُهُ وَامْتَنَعْت من أَنْ تَقِيسَ عليه ما هو أَقْرَبُ منه مِمَّا لَا أَصْلَ فيه تُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قال وَقُلْت له لو قال لَك قَائِلٌ أنا أَزْعُمُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَجُوزُ إلَّا مَقْبُوضَةً قال وَكَيْفَ تَكُونُ الْوَصِيَّةُ مَقْبُوضَةً قُلْت بِأَنْ يَدْفَعَهَا الموصى إلَى الْمُوصَى له وَيَجْعَلَهَا له بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنْ مَاتَ جَازَتْ وَإِنْ لم يَدْفَعْهَا لم تَجُزْ كما أَعْتَقَ رَجُلٌ مَمَالِيكَ له فَأَنْزَلَهَا النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَصِيَّةً وَكَمَا يَهَبُ في الْمَرَضِ فَيَكُونُ وَصِيَّةً قال ليس ذلك له قُلْت فَإِنْ قال لَك وَلِمَ قال أَقُولُ لِأَنَّ الْوَصَايَا مُخَالِفَةٌ لِلْعَطَايَا في الصِّحَّةِ قُلْت فاذكر من قال لك يَجُوزُ بِغَيْرِ ما وَصَفْنَا من السَّلَفِ قال ما أَحْفَظُهُ عن السَّلَفِ وما أَعْلَمُ فيه اخْتِلَافًا قُلْنَا فَبَانَ لَك أَنَّ الْمُسْلِمِينَ فَرَّقُوا بين الْعَطَايَا قال ما وَجَدُوا بُدًّا من التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا قُلْت وَالْوَصَايَا بِالْعَطَايَا أَشْبَهُ من
____________________

(4/54)


الْوَقْفِ بِالْعَطَايَا فإن لِلْمُوصِي أَنْ يَرْجِعَ في وَصِيَّتِهِ بَعْدَ الْإِشْهَادِ عليها وَيَرْجِعَ في مَالِهِ إنْ مَاتَ من أَوْصَى له بها أو رَدَّهَا فَكَيْفَ بَايَنْت بين الْعَطَايَا وَالْوَصَايَا سِوَاهَا وَامْتَنَعْت من الْمُبَايَنَةِ بين الْوَقْفِ وَالْعَطَايَا سِوَاهُ وَأَنْتَ تُفَرِّقُ بين الْعَطَايَا سِوَاهُ فَرْقًا بَيِّنًا فتقول ( ( ( فنقول ) ) ) في الْعُمْرَى هِيَ لِصَاحِبِهَا لَا تَرْجِعُ إلَى الذي أَعْطَاهَا وَلَا تَقُولُ هذا في الْعَارِيَّةِ وَلَا الْعَطِيَّةُ غَيْرُ الْعُمْرَى قال بِالسُّنَّةِ قُلْت وإذا جَاءَتْ السُّنَّةُ اتَّبَعْتهَا قال فَذَلِكَ يَلْزَمُنِي قُلْت فَقَدْ وَصَفْت لَك في الْوَقْفِ السُّنَّةَ وَالْخَبَرَ الْعَامَّ عن الصَّحَابَةِ ولم تَتَّبِعْهُ وَقُلْت له أَرَأَيْت النِّحَلَ وَالْهِبَةَ وَالْعَطَايَا غير الْوَقْفِ أَلِصَاحِبِهَا أَنْ يَرْجِعَ فيها ما لم يَقْبِضْهَا من جَعَلَهَا له قال نعم قُلْت فَمَنْ تَقَوَّيْت بِهِ فَمَنْ قال قَوْلَك من أَصْحَابِنَا يقول لَا يَرْجِعْ فيها وَإِنْ مَاتَ قبل يَقْبِضُهَا من أُعْطِيهَا رَجَعَتْ مِيرَاثًا يَكُونُ في ذلك الْوَقْفِ فيسوى بين قَوْلَيْهِ قال فَهَذَا قَوْلٌ لَا يَسْتَقِيمُ وَلَا يَجُوزُ فيه إلَّا وَاحِدٌ من قَوْلَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ كما قُلْت إذَا تَكَلَّمَ بِالْوَقْفِ أو الْعَطِيَّةِ تَمَّتْ لِمَنْ جَعَلَهَا له وَجَبَرَ على إعْطَائِهَا إيَّاهُ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ مع الْعَطَايَا فَيَكُونُ له أَنْ يَرْجِعَ ما لم تَتِمَّ بِقَبْضِ من أُعْطِيهَا وَلَا يَجُوزُ أَبَدًا أَنْ يَكُونَ له حَبْسُهَا إذَا تَكَلَّمَ بِإِعْطَائِهَا وَلَا يَكُونُ لِوَارِثِهِ مِلْكُهَا عنه إذَا لم تَرْجِعْ في حَيَاتِهِ إلَى مِلْكِهِ لم تَرْجِعْ في وَفَاتِهِ إلَى مِلْكِهِ فَتَكُونُ مَوْرُوثَةً عنه وَهَذَا قَوْلٌ مُحَالٌ وَكُلُّ ما وَهَبْت لَك فلى الرُّجُوعُ فيه ما لم تَقْبِضْهُ أو يُقْبَضْ لَك وَهَذَا مِثْلُ أَنْ أَقُولَ قد بِعْتُك عَبْدِي بِأَلْفٍ فَإِنْ قُلْت قد رَجَعْت قبل تَخْتَارَ أَخْذَهُ كان لي الرُّجُوعُ وَكُلُّ أَمْرٍ لَا يَتِمُّ إلَّا بِأَمْرَيْنِ لم يَجُزْ أَنْ يُمْلَكَ بِوَاحِدٍ فَقُلْت هذا كما قُلْت إنْ شَاءَ اللَّهُ وَلَكِنْ رَأَيْتُك ذَهَبْت إلَى رَدِّ الصَّدَقَاتِ قال ما عِنْدِي فيها أَكْثَرُ مِمَّا وَصَفْت فَهَلْ لَك فيها حُجَّةٌ غَيْرُ ما ذَكَرْت مِمَّا لَزِمَك بِهِ عِنْدَنَا إثْبَاتُ الصَّدَقَاتِ قال ما عِنْدِي فيها أَكْثَرُ مِمَّا وَصَفْت ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ قلت فَفِيمَا وَصَفْتَ أَنَّ صَدَقَاتِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَعْرُوفَةٌ قَائِمَةٌ وقد وَرِثَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ النِّسَاءُ الْغَرَائِبُ وَالْأَوْلَادُ ذَوُو الدِّينِ وَالْإِهْلَاكِ لِأَمْوَالِهِمْ وَالْحَاجَةُ إلَى بَيْعِهِ فَمَنَعَهُمْ الْحُكَّامُ في كل دَهْرٍ إلَى الْيَوْمِ فَكَيْفَ أَنْكَرْت إجَازَتَهَا مع عُمُومِ الْعِلْمِ وَأَنْتَ تَقُول لو أَخْرَجَ رَجُلٌ بَيْتًا من دَارِهِ فَبَنَاهُ مَسْجِدًا وَأَذَّنَ فيه لِمَنْ صلى ولم يَتَكَلَّمْ بِوَقْفِهِ كان وَقْفًا لِلْمُصَلِّينَ ولم يَكُنْ له أَنْ يَعُودَ في مِلْكِهِ إذَا أَذَّنَ لَلْمُصَلِّينَ فيه وفي قَوْلِك هذا أَنَّهُ لم يُخْرِجْهُ من مِلْكِهِ وَلَوْ كان إذْنُهُ في الصَّلَاةِ إخْرَاجَهُ من مِلْكِهِ كان إخْرَاجُهُ إلَى غَيْرِ مَالِكٍ بِعَيْنِهِ فَكَانَ مِثْلَ الْحَبْسِ الذي يَلْزَمُك إطْلَاقُهَا لِحَدِيثِ شُرَيْحٍ فَعَمَدْت إلَى ما جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ من الْوَقْفِ في الْأَمْوَالِ وَالدُّورِ وما أَخْرَجَهُ مَالِكُهُ من مِلْكِ نَفْسِهِ فَأَبْطَلْته بِعِلَّةٍ وَأَجَزْت الْمَسْجِدَ بِلَا خَبَرٍ من أَحَدٍ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ جَاوَزْت الْقَصْدَ فيه فَأَخْرَجْته من مِلْكِ صَاحِبِهِ ولم يُخْرِجْهُ صاحبه ( ( ( صاحب ) ) ) من مِلْكِهِ إنَّمَا يُخْرِجُهُ بِالْكَلَامِ وَأَنْتَ تَعِيبُ على الْمَدَنِيِّينَ أَنْ يَقْضُوا بِحِيَازَةِ عَشَرَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً إذَا حَازَ الرَّجُلُ الدَّارَ وَالْمَحُوزُ عليه حَاضِرٌ يَرَاهُ يَبْنِيهَا وَيَهْدِمُهَا وهو يَبِيعُ الْمَنَازِلَ لَا يُكَلِّمُهُ فيها وَقُلْت الصَّمْتُ وَالْحَوْزُ لَا يُبْطِلُ الْحَقَّ إنَّمَا يُبْطِلُهُ الْقَوْلُ وَتَجْعَلُ إذْنَ صَاحِبِ الْمَسْجِدِ وهو لم يَنْطِقْ بِوَقْفِهِ وَقْفًا فَتَزْكَنُ عليه وَتَعِيبُ ما هو أَقْوَى في الْحُجَّةِ من قَوْلِ الْمَدَنِيِّينَ في الْحِيَازَةِ من قَوْلِك في الْمَسْجِدِ وَتَقُولُ هذا وهو إزْكَانٌ وَقُلْت له أَرَأَيْت لو أَذِنَ في دَارِهِ لِلْحَاجِّ أَنْ يَنْزِلُوهَا سَنَةً أو سَنَتَيْنِ أَتَكُونُ صَدَقَةً عليهم قال لَا وَلَهُ مَنْعُهُمْ مَتَى شَاءَ من النُّزُولِ فيها قُلْت فَكَيْفَ لم تَقُلْ هذا في الْمَسْجِدِ يُخْرِجُهُ من الدَّارِ وَلَا يَتَكَلَّمُ بِوَقْفِهِ فقال إنَّ صَاحِبَيْنَا قد عَابَا قَوْلَ صَاحِبِهِمْ وَصَارَا إلَى قَوْلِكُمْ في إجَازَةِ الصَّدَقَاتِ فَقُلْت له ما زَادَ قَوْلُنَا قُوَّةً بِنُزُوعِهِمَا إلَيْهِ وَلَا ضَعْفًا بِفِرَاقِهِمَا حين فَارَقَاهُ وَلَهُمَا بِالرُّجُوعِ إلَيْهِ أَسْعَدُ وما عَلِمْتُهُمَا أَفَادَا حين رَجَعَا إلَيْهِ عِلْمًا كَانَا يَجْهَلَانِهِ قال وَلَكِنْ قد يَصِحُّ عِنْدَهُمَا الشَّيْءُ بَعْدَ أَنْ لم يَصِحَّ فَقُلْت اللَّهُ أَعْلَمُ كَيْفَ كان رُجُوعُهُمَا وَمَقَامُهُمَا وَالرُّجُوعُ بِكُلِّ حَالٍ خَيْرٌ لَهُمَا إنْ شَاءَ اللَّهُ وَقُلْت له أَيَجُوزُ لِعَالِمٍ أَنْ يَأْتِيَهُ الْخَبَرُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في أَمْرٍ مَنْصُوصٍ فيقول بِهِ وَإِنْ عَارَضَهُ مُعَارِضٌ بِخَبَرٍ
____________________

(4/55)


غَيْرِ مَنْصُوصٍ فيقول بِهِ ثُمَّ يَأْتِي مِثْلُهُ فَلَا يَقْبَلُهُ وَيَصْرِفُ أَصْلًا إلَى أَصْلٍ قال لَا قُلْت فَقَدْ فَعَلْت وَصَرَفْت الصَّدَقَاتِ إلَى النِّحَلِ وَهُمَا مُفْتَرِقَانِ عِنْدَك وَقُلْت له أَيَجُوزُ أَنْ يَأْتِيَك الْحَدِيثُ عن بَعْضِ أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في الصَّدَقَاتِ بِأَمْرٍ يَدُلُّ على أَنَّهُمْ تَصَدَّقُوا بها وَوَلَوْهَا وَهُمْ لَا يَفْعَلُونَ إلَّا الْجَائِزَ عِنْدَهُمْ ثُمَّ يَقُولُونَ في النخل ( ( ( النحل ) ) ) عِنْدَهُمْ إنَّمَا تَكُونُ بِأَنْ تَكُونَ مَقْبُوضَاتٍ فَتَقُولُ اجعلوا الصَّدَقَاتِ مثله قال لَا قُلْت فَقَدْ فَعَلْت قال فَلَوْ كان هذا مَأْثُورًا عِنْدَهُمْ عَرَفَهُ الْحِجَازِيُّونَ فَقُلْت قد ذَكَرْت لَك بَعْضَ ما حَضَرَنِي من الْأَخْبَارِ على الدَّلَالَةِ عليه وَأَنَّهُ قَوْلُ الْمَكِّيِّينَ وَلَا أَعْلَمُ من مُتَقَدِّمِي الْمَدَنِيِّينَ أَحَدًا قال بِخِلَافِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَوَصَفْت لَك أهل أَنَّ أَهْلَ هذه الصَّدَقَاتِ من آلِ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِمْ قد ذَكَرُوا ما وَصَفْت من أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه وَمَنْ تَصَدَّقَ لم يَزَلْ يَلِي صَدَقَتَهُ وَصَدَقَاتُهُمْ فيه جَارِيَةٌ ثُمَّ ثَبَتَتْ قَائِمَةٌ مَشْهُورَةُ الْقِسْمِ وَالْمَوْضِعِ إلَى الْيَوْمِ وَهَذَا أَقْوَى من خَبَرِ الْخَاصَّةِ فقال فما تَقُولُ في الرَّجُلِ يَتَصَدَّقُ على ابْنِهِ أو ذِي رَحِمِهِ أو أَجْنَبِيٍّ بِصَدَقَةٍ غَيْرِ مُحَرَّمَةٍ وَلَا في سَبِيلِ الْمُحَرَّمَةِ بِالتَّسْبِيلِ أَيَكُونُ له ما لم يَقْبِضْهَا الْمُتَصَدِّقُ عليه أَنْ يَرْجِعَ فيها قُلْت نعم قال وَسَبِيلُهَا سَبِيلُ الْهِبَاتِ وَالنِّحَلِ قُلْت نعم قال فَأَيْنَ هذا لي قُلْت مَعْنَى تَصَدَّقْت عَلَيْك مُتَطَوِّعًا مَعْنَى وَهَبْت لَك وَنَحَلْتُك لِأَنَّهُ إنَّمَا هو شَيْءٌ من مَالِي لم يَلْزَمْنِي أَنْ أُعْطِيَكَهُ وَلَا غَيْرَك أَعْطَيْتُك مُتَطَوِّعًا وهو يَقَعُ عليه اسْمُ صَدَقَةٍ وَنِحَلٍ وهبه وَصِلَةٍ وَإِمْتَاعٍ وَمَعْرُوفٍ وَغَيْرِ ذلك من اسماء الْعَطَايَا وَلَيْسَ يَحْرُمُ عَلَيَّ لو أَعْطَيْتُكَهُ فَرَدَدْته عَلَيَّ أَنْ أَمْلِكَهُ وَلَوْ مِتُّ أَنْ أَرِثَهُ كما يَحْرُمُ عَلَيَّ لو تَصَدَّقْت عَلَيْك بِصَدَقَةٍ مُحَرَّمَةٍ أَنْ أَمْلِكَهَا عَنْك بِمِيرَاثٍ أو غَيْرِهِ وقد لَزِمَهَا اسْمُ صَدَقَةٍ بِوَجْهٍ أَبَدًا قُلْت له نعم أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن أبي بَكْرِ بن مُحَمَّدِ بن عَمْرِو بن حَزْمٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بن زيد ( ( ( يزيد ) ) ) الْأَنْصَارِيَّ ذَكَرَ الحديث ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَخْبَرَنَا الثِّقَةُ أو سَمِعْت مَرْوَانَ بن مُعَاوِيَةَ عن عبد اللَّهِ بن عَطَاءٍ الْمَدِينِيِّ عن بن بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ عن أبيه أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال إنِّي تَصَدَّقْت على أُمِّي بِعَبْدٍ وَإِنَّهَا مَاتَتْ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قد وَجَبَتْ صَدَقَتُك وهو لَك بِمِيرَاثِك قال فَلِمَ جَعَلْت ما تَصَدَّقَ بِهِ غير وَاجِبٍ عليه على أَحَدٍ بِعَيْنِهِ في مَعْنَى الْهِبَاتِ تَحِلُّ لِمَنْ لَا تَحِلُّ له الصَّدَقَةُ الْوَاجِبَةُ فَهَلْ من دَلِيلٍ على ما وَصَفْت قُلْت نعم أخبرني محمد بن عَلِيِّ بن شَافِعٍ قال أخبرني عبد اللَّهِ بن حَسَنِ بن حُسَيْنٍ عن غَيْرِ وَاحِدٍ من أَهْلِ بَيْتِهِ وَأَحْسَبُهُ قال زَيْدُ بن عَلِيٍّ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم تَصَدَّقَتْ بِمَالِهَا على بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَأَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه تَصَدَّقَ عليهم وَأَدْخَلَ مَعَهُمْ غَيْرَهُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَخْرَجَ إلَى وَالِي الْمَدِينَةِ صَدَقَةَ عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه وَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ أَخَذَهَا من آلِ أبي رَافِعٍ وَأَنَّهَا كانت عِنْدَهُمْ فَأَمَرَ بها فَقُرِئَتْ عَلَيَّ فإذا فيها تَصَدَّقَ بها عَلِيٌّ رضي اللَّهُ عنه على بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَسَمَّى مَعَهُمْ غَيْرَهُمْ قال وَبَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ تَحْرُمُ عليهم الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ ولم يُسَمِّ عَلِيٌّ وَلَا فَاطِمَةُ منهم غَنِيًّا وَلَا فَقِيرًا وَفِيهِمْ غَنِيٌّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا إبْرَاهِيمُ عن مُحَمَّدٍ عن جَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ عن أبيه أَنَّهُ كان يَشْرَبُ من سِقَايَاتٍ كان يَضَعُهَا الناس بين مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَقُلْت أو قِيلَ له فقال إنَّمَا حُرِّمَتْ عَلَيْنَا الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقال أَفَتُجِيزُ أَنْ يَتَصَدَّقَ الرَّجُلُ على الْهَاشِمِيِّ وَالْمُطَّلِبِيُّ وَالْغَنِيِّ منهم وَمِنْ غَيْرِهِمْ مُتَطَوِّعًا فَقُلْت نعم اسْتِدْلَالًا بِمَا وَصَفْت وَأَنَّ الصَّدَقَةَ تَطَوُّعًا إنَّمَا هِيَ عَطَاءٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْطَى الْغَنِيُّ تَطَوُّعًا قال فَهَلْ تَجِدُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى الْغَنِيُّ فَقُلْت ما لِلْمَسْأَلَةِ من هذا مَوْضِعٌ وما بَأْسَ أَنْ يُعْطَى الْغَنِيُّ قال فَاذْكُرْ فيه حُجَّةً قُلْت أخبرنا سُفْيَانُ عن مَعْمَرٍ عن الزُّهْرِيِّ عن السَّائِبِ بن يَزِيدَ عن حُوَيْطِبِ بن عبد الْعُزَّى عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه قال اسْتَعْمَلَنِي قال فَهَلْ تَحْرُمُ الصَّدَقَةُ تَطَوُّعًا على أَحَدٍ فَقُلْت لَا إلَّا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان لَا يَأْخُذُهَا وَيَأْخُذُ الْهَدِيَّةَ وقد يَجُوزُ تَرْكُهُ إيَّاهَا على ما رَفَعَهُ اللَّهُ بِهِ وَأَبَانَهُ من خَلْقِهِ تَحْرِيمًا وَيَجُوزُ لِغَيْرِ ذلك لِأَنَّ مَعْنَى الصَّدَقَاتِ من
____________________

(4/56)


الْعَطَايَا هِبَةٌ لَا يُرَادُ ثَوَابُهَا وَمَعْنَى الْهَدِيَّةِ يُرَادُ ثَوَابُهَا قال أَفَتَجِدُ دَلِيلًا على قَبُولِهِ الْهَدِيَّةِ فَقُلْت نعم أَخْبَرَنِيهِ مَالِكٌ عن رَبِيعَةَ بن أبي عبد الرحمن عن الْقَاسِمِ بن مُحَمَّدٍ عن عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم دخل فَقُرِّبَ إلَيْهِ خُبْزٌ وَأُدْمٌ من أُدْمِ الْبَيْتِ فقال أَلَمْ أَرَ بُرْمَةَ لَحْمٍ فَقَالُوا ذلك شَيْءٌ تُصُدِّقَ بِهِ على بَرِيرَةَ فقال هو لها صَدَقَةٌ وهو لنا هَدِيَّةٌ فقال ما الذي يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَدَقَةً مُحَرَّمَةً قُلْت كُلُّ ما كان الشُّهُودُ يُسَمُّونَهُ بِحُدُودٍ من الْأَرْضِينَ وَالدُّورِ مَعْمُورِهَا وَغَيْرِ مَعْمُورِهَا وَالرَّقِيقِ فقال أَمَّا الْأَرْضُونَ وَالدُّورُ فَهِيَ صَدَقَاتُ من مَضَى فَكَيْفَ أَجَزْت الرَّقِيقَ وَأَصْحَابُنَا لَا يُجِيزُونَ الصَّدَقَةَ بِالرَّقِيقِ إلَّا أَنْ يَكُونُوا في الْأَرْضِ الْمُتَصَدَّقِ بها فَقُلْت له تَصَدَّقَ السَّلَفُ بِالدُّورِ وَالنَّخْلِ وَلَعَلَّ في النَّخْلِ زَرْعًا أَفَرَأَيْت إنْ قال قَائِلٌ لَا أُجِيزُ الصَّدَقَةَ بِحَمَّامٍ وَلَا مَقْبَرَةٍ لِأَنَّهُمَا مُخَالِفَانِ لِلدُّورِ وَأَرَاضِي النَّخْلِ وَالزَّرْعِ هل الْحُجَّةُ عليه إلَّا أَنْ يُقَالَ إذَا كان السَّلَفُ تَصَدَّقُوا بِدُورٍ وَأَرَاضِيِ نَخْلٍ وَزَرْعٍ فَكَانَ ذلك إنَّمَا يُعْرَفُ بِالْحُدُودِ وقد تَتَغَيَّرُ وَكَذَلِكَ الْحَمَّامُ وَالْمَقْبَرَةُ يُعْرَفَانِ بِحَدٍّ وَإِنْ تَغَيَّرَا قال هذه حُجَّةٌ عليه قال فإذا كَانُوا يَعْرِفُونَ الْعَبِيدَ بِأَعْيَانِهِمْ أَتَجِدُهُمْ في مَعْرِفَةِ الشُّهُودِ بِهِمْ في مَعْنَى الْأَرْضِينَ وَالنَّخْلِ أو أَكْثَرَ بِأَنَّهُمْ إذَا عُرِفُوا بِأَعْيَانِهِمْ كَانُوا كَأَرْضٍ تُعْرَفُ حُدُودُهَا قال إنَّهُمْ لِقَرِيبٍ مِمَّا وَصَفْت قُلْت فَكَيْفَ أَبْطَلْت الصَّدَقَةَ الْمُحَرَّمَةَ فِيهِمْ قال قد يَهْلَكُونَ وَيَأْبَقُونَ وَتَنْقَطِعُ مَنْفَعَتُهُمْ قُلْت فَكُلُّ هذا يُدْخِلُ الْأَرْضَ وَالشَّجَرَ قد تُخَرَّبُ الْأَرْضُ بِذَهَابِ الْمَاءِ وَيَأْتِي عليها السَّيْلُ فَيَذْهَبُ بها وَتَنْهَدِمُ الدَّارُ وَيَذْهَبُ بها السَّيْلُ فما كانت قَائِمَةً فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ وَلَا جِنَايَةَ لنا فِيمَا أتى عليها من قَضَاءِ اللَّهِ عز وجل قُلْت وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ لَا جِنَايَةَ لنا في ذَهَابِهِ وَلَا نَقْصِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكُلُّ ما عُرِفَ بِعَيْنِهِ وَقَطَعَ عليه الشُّهُودُ مِثْلُ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ أَنَّهُ صَدَقَةٌ مُحَرَّمَةٌ جَازَتْ الصَّدَقَةُ في الْمَاشِيَةِ قال وَتَتِمُّ الصَّدَقَاتُ الْمُحَرَّمَاتُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بها مَالِكُهَا على قَوْمٍ مَعْرُوفِينَ بِأَعْيَانِهِمْ وَأَنْسَابِهِمْ وَصِفَاتِهِمْ وَيَجْمَعُ في ذلك أَنْ يَقُولَ الْمُتَصَدِّقُ بها تَصَدَّقْت بِدَارِي هذه على قَوْمٍ أو رَجُلٍ مَعْرُوفٍ بِعَيْنِهِ يوم تَصَدَّقَ بها أو صِفَتُهُ أو نَسَبُهُ حتى يَكُونَ إنَّمَا أَخْرَجَهَا من مِلْكِهِ لِمَالِكٍ مَلَّكَهُ مَنْفَعَتَهَا يوم أَخْرَجَهَا وَيَكُونُ مع ذلك أَنْ يَقُولَ صَدَقَةٌ لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ أو يَقُولَ لَا تُورَثُ أو يَقُولَ غَيْرُ مَوْرُوثَةٍ أو يَقُولَ صَدَقَةٌ مُحَرَّمَةٌ أو يَقُولَ صَدَقَةٌ مُؤَبَّدَةٌ فإذا كان وَاحِدٌ من هذا فَقَدْ حُرِّمَتْ الصَّدَقَةُ فَلَا تَعُودُ مِيرَاثًا أَبَدًا وَإِنْ قال صَدَقَةٌ مُحَرَّمَةٌ على من لم يَكُنْ بَعْدِي بِعَيْنِهِ وَلَا نَسَبِهِ ثُمَّ على بَنِي فُلَانٍ أو قال صَدَقَةٌ مُحَرَّمَةٌ على من كان بَعْدِي بِعَيْنِهِ فَالصَّدَقَةُ مُنْفَسِخَةٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَهَا من مِلْكِهِ إلَّا إلَى مَالِكِ مَنْفَعَةٍ له فيها يوم يَخْرُجُهَا إلَيْهِ وإذا انْفَسَخَتْ عَادَتْ في مِلْكِ صَاحِبِهَا كما كانت قبل يَتَصَدَّقَ بها وَلَوْ تَصَدَّقَ بِدَارِهِ صَدَقَةً مُحَرَّمَةً على رَجُلٍ بِعَيْنِهِ أو قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ ولم يسبلها ( ( ( يسلبها ) ) ) على من بَعْدَهُمْ كانت مُحَرَّمَةً أَبَدًا فإذا انْقَرَضَ الرَّجُلُ الْمُتَصَدَّقُ بها عليه أو الْقَوْمُ الْمُتَصَدِّقُ بها عليهم كانت هذه صَدَقَةً مُحَرَّمَةً بِحَالِهَا أَبَدًا وَرَدَدْنَاهَا على اقرب الناس بِالرَّجُلِ الذي تَصَدَّقَ بها يوم تَرْجِعُ الصَّدَقَةُ إنَّمَا تَصِيرُ غير رَاجِعَةٍ مَوْرُوثَةً بِوَاحِدٍ مِمَّا وَصَفْنَا أو ما كان في مَعْنَاهُ وَإِنَّمَا فَسَخْنَاهَا إذَا تَصَدَّقَ بها فَكَانَتْ حين عُقِدَتْ صَدَقَةً لَا مَالِكَ لِمَنْفَعَتِهَا لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَخْرُجَ من مَالِكٍ إلَى غَيْرِ مَالِكِ مَنْفَعَةٍ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ مَنْفَعَةَ نَفْسِهَا كما يَمْلِكُ الْعَبْدُ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ بِالْعِتْقِ وَلَا يَزُولُ عنها الْمِلْكُ إلَّا إلَى مَالِكِ مَنْفَعَةٍ فيها فَأَمَّا إذَا لم يَقُلْ في صَدَقَتِهِ مُحَرَّمَةٌ أو بَعْضُ ما قُلْنَا مِمَّا هو في مَعْنَى تَحْرِيمِهَا من شَرْطِ الْمُتَصَدِّقِ فَالصَّدَقَةُ كَالْهِبَاتِ تُمَلَّكُ بِمَا تُمَلَّكُ بِهِ الْأَمْوَالُ غَيْرُ الْمُحَرَّمَاتِ وَكَالْعُمْرَى أو غَيْرِهَا من الْعَطَايَا وَسَوَاءٌ في الصَّدَقَاتِ الْمُحَرَّمَاتِ يوم يَتَصَدَّقُ بها إلَى مَالِكٍ يَمْلِكُ مَنْفَعَتَهَا سَبَّلْت بَعْدَهُ أو لم تُسَبِّلْ أو دَفَعْت إلَيْهِ أو إلَى غَيْرِ الْمُتَصَدِّقِ أو لم تَدْفَعْ كُلُّ ذلك يُحَرِّمُ بَيْعَهَا بِكُلِّ حَالٍ وَسَوَاءٌ في الصَّدَقَاتِ كُلُّ ما جَازَتْ فيه الصَّدَقَاتُ الْمُحَرَّمَاتُ من أَرْضٍ وَدَارٍ وَغَيْرِهِمَا وَعَلَى ما شَرَطَ الْمُتَصَدِّقُ لِمَنْ تَصَدَّقَ بها عليه من مَنْفَعَتِهَا فَإِنْ شَرَطَ أَنَّ لِبَعْضِهِمْ على بَعْضٍ الْأَثَرَةَ بِالتَّقَدُّمَةِ أو الزِّيَادَةِ من الْمَنْفَعَةِ فَذَلِكَ على ما اشْتَرَطَ فَإِنْ شَرَطَهَا عليهم بِأَسْمَائِهِمْ وَأَنْسَابِهِمْ
____________________

(4/57)


فَسَوَاءٌ كَانُوا أَغْنِيَاءَ أو فُقَرَاءَ فَإِنْ قال على الْأَحْوَجُ منهم فَالْأَحْوَجُ كانت على ما شَرَطَ لَا يُعَدَّى بها شَرَطَهُ وَإِنْ شَرَطَهَا على جَمَاعَةِ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ تَخْرُجُ النِّسَاءُ منها إذَا تَزَوَّجْنَ وَيَرْجِعْنَ إلَيْهَا بِالْفِرَاقِ وَمَوْتِ الْأَزْوَاجِ كانت على ما شَرَطَ وَكَذَلِكَ إنْ شَرَطَ بِأَنْ يَخْرُجَ الرِّجَالُ منها بَالِغِينَ وَيَدْخُلُوا صِغَارًا أو يَخْرُجُوا أَغْنِيَاءَ وَيَدْخُلُوا فُقَرَاءَ أو يَخْرُجُوا غُيَّبًا عن الْبَلَدِ الذي بِهِ الصَّدَقَةُ وَيَدْخُلُوا حُضُورًا كَيْفَمَا شَرَطَ أَنْ يَكُونَ ذلك كان إذَا بَقِيَ لِمَنْفَعَتِهَا مَالِكٌ سِوَى من أَخْرَجَهُ منها - * الْخِلَافُ في الْحَبْسِ وَهِيَ الصَّدَقَاتُ الْمَوْقُوفَاتُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس في الصَّدَقَاتِ الْمَوْقُوفَاتِ فقال لَا تَجُوزُ بِحَالٍ قال وقال شُرَيْحٌ جاء مُحَمَّدٌ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِإِطْلَاقِ الْحَبْسِ قال وقال شُرَيْحٌ لَا حَبْسَ عن فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْحَبْسُ التي جاء رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِإِطْلَاقِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ما وَصَفْنَا من الْبَحِيرَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ وَالسَّائِبَةِ إنْ كانت من الْبَهَائِمِ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على ما وَصَفْت قِيلَ ما عَلِمْنَا جَاهِلِيًّا حَبَسَ دَارًا على وَلَدٍ وَلَا في سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا على مَسَاكِينَ وَحَبْسُهُمْ كانت ما وَصَفْنَا من الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ فَجَاءَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِإِطْلَاقِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وكان بَيِّنًا في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل إطْلَاقُهَا فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهُوَ يَحْتَمِلُ ما وَصَفْت وَيَحْتَمِلُ إطْلَاقَ كل حَبْسٍ فَهَلْ من خَبَرٍ يَدُلُّ على أَنَّ هذا الْحَبْسَ في الدُّورِ وَالْأَمْوَالِ خَارِجَةٌ من الْحَبْسِ الْمُطْلَقَةِ قِيلَ نعم أخبرنا سُفْيَانُ عن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ عن نافع عن بن عُمَرَ قال جاء عُمَرُ إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال يا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَصَبْت مَالًا لم أُصِبْ مثله قَطُّ وقد أَرَدْت أَنْ أَتَقَرَّبَ بِهِ إلَى اللَّهِ عز وجل فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حَبِّسْ أَصْلَهُ وَسَبِّلْ ثَمَرَتَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَحَجَّةُ الذي أَبْطَلَ الصَّدَقَاتِ الْمَوْقُوفَاتِ أَنَّ شُرَيْحًا قال لَا حَبْسَ عن فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى لَا حُجَّةَ فيها عِنْدَنَا وَلَا عِنْدَهُ لِأَنَّهُ يقول قَوْلَ شُرَيْحٍ على الإنفراد لَا يَكُونُ حُجَّةً وَلَوْ كان حُجَّةً لم يَكُنْ في هذا حَبْسٌ عن فَرَائِضِ اللَّهِ عز وجل فَإِنْ قال وَكَيْفَ قِيلَ إنَّمَا أَجَزْنَا الصَّدَقَاتِ الْمَوْقُوفَاتِ إذَا كان الْمُتَصَدِّقُ بها صَحِيحًا فَارِغَةً من الْمَالِ فَإِنْ كان مَرِيضًا لم نُجِزْهَا إلَّا من الثُّلُثِ إذَا مَاتَ من مَرَضِهِ ذلك وَلَيْسَ في وَاحِدَةٍ من الْحَالَيْنِ حَبْسٌ عن فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ قال قَائِلٌ وإذا حَبَّسَهَا صَحِيحًا ثُمَّ مَاتَ لم تُوَرَّثْ عنه قِيلَ فَهُوَ أَخْرَجَهَا وهو مَالِكٌ لِجَمِيعِ مَالِهِ يَصْنَعُ فيه ما يَشَاءُ وَيَجُوزُ له أَنْ يُخْرِجَهَا لِأَكْثَرِ من هذا عِنْدَنَا وَعِنْدَك أَرَأَيْت لو وَهَبَهَا لِأَجْنَبِيٍّ أو بَاعَهُ إيَّاهَا فَحَابَاهُ أَيَجُوزُ فَإِنْ قال نعم قيل ( ( ( قال ) ) ) فإذا فَعَلَ ثُمَّ مَاتَ أَتُوَرَّثُ عنه فَإِنْ قيل ( ( ( قال ) ) ) لَا قِيلَ فَهَذَا فرار ( ( ( قرار ) ) ) من فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ قال لَا لِأَنَّهُ أَعْطَى وهو يَمْلِكُ وَقَبْلَ وُقُوعِ فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى قِيلَ وَهَكَذَا الصَّدَقَةُ تَصَدَّقَ بها صَحِيحًا قبل وُقُوعِ فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَوْلُك لَا حَبْسَ عن فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ قبل أَنْ تَكُونَ فَرَائِضُ اللَّهِ في الْمِيرَاثِ لِأَنَّ الْفَرَائِضَ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَالِكِ وفي الْمَرَضِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَحَجَّةُ الذي صَارَ إلَيْهِ من أَبْطَلَ الصَّدَقَاتِ أَنْ قال إنَّهَا في مَعْنَى الْبَحِيرَةِ وَالْوَصِيلَةِ والحام ( ( ( والحامي ) ) ) لِأَنَّ سَيِّدَهَا أَخْرَجَهَا من مِلْكِهِ إلَى غَيْرِ مَالِكٍ قِيلَ له قد أَخْرَجَهَا إلَى مَالِكٍ يَمْلِكُ مَنْفَعَتَهَا بِأَمْرٍ جَعَلَهُ الله ( ( ( لله ) ) ) تَعَالَى وسنه رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْبَحِيرَةُ وَالْوَصِيلَةُ والحام ( ( ( والحامي ) ) ) لم تَخْرُجْ رَقَبَتُهُ وَلَا مَنْفَعَتُهُ إلَى مَالِكٍ فَهُمَا مُتَبَايِنَانِ فَكَيْفَ تَقِيسُ أَحَدَهُمَا بِالْآخِرِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَاَلَّذِي يقول هذا الْقَوْلَ يَزْعُمُ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا تَصَدَّقَ بِمَسْجِدٍ له جَازَ ذلك ولم يَعُدْ في مِلْكِهِ وكان صَدَقَةً مَوْقُوفًا على من صلى فيه فإذا قِيلَ له فَهَلْ أَخْرَجَهُ إلَى مَالِكٍ يَمْلِكُ منه ما كان مَالِكُهُ يَمْلِكُ قال لَا وَلَكِنْ مَلَّكَ من صلى فيه الصَّلَاةَ وَجَعَلَهُ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَلَوْ لم يَكُنْ عليه حُجَّةٌ بِخِلَافِ السُّنَّةِ إلَّا ما أَجَازَهُ في
____________________

(4/58)


الْمَسْجِدِ مِمَّا ليس فيه سُنَّةٌ وَرَدَّ من الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ وفي الْأَرْضِينَ سُنَّةٌ كان مَحْجُوجًا فَإِنْ قال قَائِلٌ أُجِيزَ الْأَرْضِينَ وَالدُّورُ لِأَنَّ في الْأَرْضِينَ سُنَّةٌ وَالدُّورُ مِثْلُهَا لِأَنَّهَا أَرْضُونَ تَغُلُّ وأرد ( ( ( وأراد ) ) ) الْمَسَاجِدَ كان أَوْلَى أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ مَقْبُولًا مِمَّنْ رَدَّ الدُّورَ وَالْأَرْضِينَ وَأَجَازَ الْمَسَاجِدَ ثُمَّ تَجَاوَزَ في الْمَسَاجِدِ إلَى أَنْ قال لو بَنَى رَجُلٌ في دَارِهِ مَسْجِدًا فَأَخْرَجَ له بَابًا وَأَذِنَ لِلنَّاسِ أَنْ يُصَلُّوا فيه كان حَبْسًا وَقْفًا وهو لم يَتَكَلَّمْ بِوَقْفِهِ وَلَا بِحَبْسِهِ وَجُعِلَ إذْنُهُ بِالصَّلَاةِ كَالْكَلَامِ بِحَبْسِهِ وَوَقْفُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَعَابَ هذا الْقَوْلَ عليه صَاحِبَاهُ وَاحْتَجَّا عليه بِمَا ذَكَرْنَا وَأَكْثَرَ منه وَقَالَا هذا جَهْلٌ صَدَقَاتُ الْمُسْلِمِينَ في الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ أَشْهُرُ من أَنْ يَنْبَغِيَ أَنْ يَجْهَلَهَا عَالِمٌ وَأَجَازُوا الصَّدَقَاتِ الْمُحَرَّمَاتِ في الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ على ما أَجَزْنَاهَا عليه ثُمَّ اعْتَدَلَ قَوْلُ أبي يُوسُفَ فيها فقال بِأَحْسَنِ قَوْلٍ فقال تَجُوزُ الصَّدَقَاتُ الْمُحَرَّمَاتُ إذَا تَكَلَّمَ بها صَاحِبُهَا قُبِضَتْ أو لم تُقْبَضْ وَذَلِكَ أَنَّا إنَّمَا أَجَزْنَاهَا اتِّبَاعًا لِمَنْ كان قَبْلَنَا مِثْلَ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ وَعَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنهما وَغَيْرِهِمْ وَهُمْ وَلَوْا صَدَقَاتِهِمْ حتى مَاتُوا فَلَا يَجُوزُ أَنْ نُخَالِفَهُمْ في أَنْ لَا نُجِيزَهَا إلَّا مَقْبُوضَةً وَهُمْ قد أَجَازُوهَا غير مَقْبُوضَةٍ بِالْكَلَامِ بها فَنُوَافِقُهُمْ في إجَازَتِهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما قال فيها أبو يُوسُفَ كما قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرني غَيْرُ وَاحِدٍ من آلِ عُمَرَ وَآلِ عَلِيٍّ أَنَّ عُمَرَ وَلَّى صَدَقَتَهُ حتى مَاتَ وَجَعَلَهَا بَعْدَهُ إلَى حَفْصَةَ وَوَلَّى عَلِيٌّ صَدَقَتَهُ حتى مَاتَ وَوَلِيَهَا بَعْدَهُ الْحَسَنُ بن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنهما وَأَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلِيَتْ صَدَقَتَهَا حتى مَاتَتْ وَبَلَغَنِي عن غَيْرِ وَاحِدٍ من الْأَنْصَارِ أَنَّهُ ولى صَدَقَتَهُ حتى مَاتَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وفي أَمْرِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضى الله عنه أَنْ يُسَبِّلَ ثَمَرَ أَرْضِهِ وَيُحَبِّسَ أَصْلَهَا دَلِيلٌ على أَنَّهُ رَأَى ما صَنَعَ جَائِزًا فَبِهَذَا نَرَاهُ بِلَا قَبْضٍ جَائِزًا ولم يَأْمُرْهُ أَنْ يُخْرِجَهُ عُمَرُ من مِلْكِهِ إلَى غَيْرِهِ إذَا حَبَّسَهُ وَلَمَّا صَارَتْ الصَّدَقَاتُ مُبَدَّأَةً في الْإِسْلَامِ لَا مِثَالَ لها قَبْلَهُ عَلَّمَهَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عُمَرَ فلم يَكُنْ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ إذَا حَبَّسَ أَصْلَهَا وَسَبَّلَ ثَمَرَتَهَا أَنْ يُخْرِجَهَا إلَى أَحَدٍ يَحُوزُهَا دُونَهُ دَلَالَةٌ على أَنَّ الصَّدَقَةَ تَتِمُّ بِأَنْ يُحَبِّسَ أَصْلَهَا وَيُسَبِّلَ ثَمَرَتَهَا دُونَ وَالٍ يَلِيهَا كما كان في أَمْرِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَبَا إسْرَائِيلَ أَنْ يَصُومَ وَيَسْتَظِلَّ وَيَجْلِسَ وَيَتَكَلَّمَ دَلَالَةٌ على أَنْ لَا كَفَّارَةَ عليه ولم يامره في ذلك بِكَفَّارَةٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس في الصَّدَقَاتِ الْمُحَرَّمَاتِ فقال لَا تَجُوزُ حتى يُخْرِجَهَا الْمُتَصَدِّقُ بها إلَى من يَحُوزُهَا عليه وَالْحُجَّةُ عليه ما وَصَفْنَا وَغَيْرُهُ من افْتِرَاقِ الصَّدَقَاتِ الْمَوْقُوفَاتِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَحْتَاجُ فيه إلَى أَنْ لَا يَتِمَّ إلَّا بِقَبْضٍ - * وَثِيقَةٌ في الْحَبْسِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ إمْلَاءً قال هذا كِتَابٌ كَتَبَهُ فُلَانُ بن فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ في صِحَّةٍ من بَدَنِهِ وَعَقْلِهِ وَجَوَازِ أَمْرِهِ وَذَلِكَ في شَهْرِ كَذَا من سَنَةِ كَذَا إنِّي تَصَدَّقْت بِدَارِي التي بِالْفُسْطَاطِ من مِصْرَ في مَوْضِعِ كَذَا أَحَدُ حُدُودِ جَمَاعَةِ هذه الدَّارِ يَنْتَهِي إلَى كَذَا وَالثَّانِي وَالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ تَصَدَّقْت بِجَمِيعِ أَرْضِ هذه الدَّارِ وَعِمَارَتِهَا من الْخَشَبِ وَالْبِنَاءِ وَالْأَبْوَابِ وَغَيْرِ ذلك من عِمَارَتِهَا وَطُرُقِهَا وَمَسَايِلِ مَائِهَا وَأَرْفَاقِهَا وَمُرْتَفَقِهَا وَكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هو فيها وَمِنْهَا وَكُلِّ حَقٍّ هو لها دَاخِلٌ فيها وَخَارِجٌ منها وَحَبَسْتهَا صَدَقَةً بَتَّةً مُسَبَّلَةً لِوَجْهِ اللَّهِ وَطَلَبِ ثَوَابِهِ لَا مَثْنَوِيَّةَ فيها وَلَا رَجْعَةَ حَبْسًا مُحَرَّمَةً لَا تُبَاعُ وَلَا تُوَرَّثُ وَلَا تُوهَبُ حتى يَرِثَ اللَّهُ الْأَرْضَ وَمَنْ عليها وهو خَيْرُ الْوَارِثِينَ وَأَخْرَجْتهَا من مِلْكِي وَدَفَعْتهَا إلَى فُلَانِ بن فُلَانٍ يَلِيهَا بِنَفْسِهِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ تَصَدَّقْت بها عليه على ما شَرَطْت وَسَمَّيْت في كِتَابِي هذا وَشَرْطِي فيه اني تَصَدَّقْت بها على وَلَدِي لِصُلْبِي ذَكَرِهِمْ وَأُنْثَاهُمْ من كان منهم حَيًّا الْيَوْمَ أو حَدَثَ
____________________

(4/59)


بَعْدَ الْيَوْمِ وَجَعَلْتهمْ فيها سَوَاءً ذَكَرَهُمْ وَأُنْثَاهُمْ صَغِيرَهُمْ وَكَبِيرَهُمْ شَرْعًا في سُكْنَاهَا وَغَلَّتِهَا لَا يَقْدُمُ وَاحِدٌ منهم على صَاحِبِهِ ما لم تَتَزَوَّجْ بَنَاتِي فإذا تَزَوَّجَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ وَبَاتَتْ إلَى زَوْجِهَا انْقَطَعَ حَقُّهَا ما دَامَتْ عِنْدَ زَوْجٍ وَصَارَ بين الْبَاقِينَ من أَهْلِ صَدَقَتِي كما بَقِيَ من صَدَقَتِي يَكُونُونَ فِيهِمْ شَرْعًا ما كانت عِنْدَ زَوْجٍ فإذا رَجَعَتْ بِمَوْتِ زَوْجٍ أو طَلَاقٍ كانت على حَقِّهَا من دَارِي كما كانت عليه قبل أَنْ تَتَزَوَّجَ وَكُلَّمَا تَزَوَّجَتْ وَاحِدَةٌ من بَنَاتِي فَهِيَ على مِثْلِ هذا الشَّرْطِ تَخْرُجُ من صَدَقَتِي نَاكِحَةً وَيَعُودُ حَقُّهَا فيها مُطَلَّقَةً أو مَيِّتًا عنها لَا تَخْرُجُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ من صَدَقَتِي إلَّا بِزَوْجٍ وَكُلُّ من مَاتَ من وَلَدِي لِصُلْبِي ذَكَرِهِمْ وَأُنْثَاهُمْ رَجَعَ حَقُّهُ على الْبَاقِينَ معه من وَلَدِي لِصُلْبِي فإذا انْقَرَضَ وَلَدِي لِصُلْبِي فلم يَبْقَ منهم وَاحِدٌ كانت هذه الصَّدَقَةُ حَبْسًا على وَلَدِ وَلَدِي الذُّكُورِ لِصُلْبِي وَلَيْسَ لِوَلَدِ الْبَنَاتِ من غَيْرِ وَلَدِي شَيْءٌ ثُمَّ كان وَلَدُ وَلَدِي الذُّكُورُ من الْإِنَاثِ وَالذُّكُورُ في صَدَقَتِي هذه على مِثْلِ ما كان عليه وَلَدِي لِصُلْبِي الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فيها سَوَاءٌ وَتَخْرُجُ الْمَرْأَةُ منهم من صَدَقَتِي بِالزَّوْجِ وَتُرَدُّ إلَيْهَا بِمَوْتِ الزَّوْجِ أو طَلَاقِهِ وَكُلُّ من حَدَثَ من وَلَدِي الذُّكُورِ من الْإِنَاثِ وَالذُّكُورِ فَهُوَ دَاخِلٌ في صَدَقَتِي مع وَلَدِ وَلَدِي وَكُلُّ من مَاتَ منهم رَجَعَ حَقُّهُ على الْبَاقِينَ معه حتى لَا يَبْقَى من وَلَدِ وَلَدِي أَحَدٌ فإذا لم يَبْقَ من وَلَدِ وَلَدِي لِصُلْبِي أَحَدٌ كانت هذه الصَّدَقَةُ بِمِثْلِ هذا الشَّرْطِ على وَلَدِ وَلَدِ وَلَدِي الذكور ( ( ( للذكور ) ) ) الَّذِينَ إلَى عَمُودِ نَسَبِهِمْ تَخْرُجُ منها الْمَرْأَةُ بِالزَّوْجِ وَتُرَدُّ إلَيْهَا بِمَوْتِهِ أو فِرَاقِهِ وَيَدْخُلُ عليهم من حَدَثَ أَبَدًا من وَلَدِ وَلَدِ وَلَدِي وَلَا يَدْخُلُ قَرْنٌ مِمَّنْ إلَى عَمُودِ نَسَبِهِ من وَلَدِ وَلَدِي ما تَنَاسَلُوا على الْقَرْنِ الَّذِينَ هُمْ أَبْعَدُ إلَيَّ منهم ما بَقِيَ من ذلك الْقَرْنِ أَحَدٌ وَلَا يَدْخُلُ عليهم أَحَدٌ من وَلَدِ بَنَاتِي الَّذِينَ إلَى عَمُودِ انْتِسَابِهِمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ من وَلَدِ بَنَاتِي من هو من وَلَدِ وَلَدِي الذُّكُورِ الَّذِينَ إلَى عَمُودِ نَسَبِهِ فَيَدْخُلُ مع الْقَرْنِ الَّذِينَ عليهم صَدَقَتِي لِوِلَادَتِي إيَّاهُ من قِبَلِ أبيه لَا من قِبَلِ أُمِّهِ ثُمَّ هَكَذَا صَدَقَتِي أَبَدًا على من بَقِيَ من وَلَدِ أَوْلَادِي الَّذِينَ إلَى عَمُودِي نَسَبُهُمْ وَإِنْ سَفَلُوا أو تَنَاسَخُوا حتى يَكُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ مِائَةُ أب وَأَكْثَرُ ما بَقِيَ أَحَدٌ إلَى عَمُودِ نَسَبِهِ فإذا انْقَرَضُوا كلهم فلم يَبْقَ منهم أَحَدٌ إلَى عَمُودِ نَسَبِهِ فَهَذِهِ الدَّارُ حَبْسُ صَدَقَةٍ لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى على ذَوِي رَحِمِي الْمُحْتَاجِينَ من قِبَلِ أبي وَأُمِّي يَكُونُونَ فيها شَرْعًا سَوَاءٌ ذَكَرُهُمْ وَأُنْثَاهُمْ وَالْأَقْرَبُ إلَيَّ منهم وَالْأَبْعَدُ مِنِّي فإذا انْقَرَضُوا ولم يَبْقَ منهم أَحَدٌ فَهَذِهِ الدَّارُ حَبْسٌ على مُوَالِيَّ الَّذِينَ أَنْعَمْت عليهم وَأَنْعَمَ عليهم آبَائِي بِالْعَتَاقَةِ لهم وَأَوْلَادِهِمْ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ ما تَنَاسَلُوا ذَكَرُهُمْ وَأُنْثَاهُمْ صَغِيرُهُمْ وَكَبِيرُهُمْ وَمَنْ بَعُدَ إلَيَّ وَإِلَى آبَائِي نَسَبُهُ بِالْوَلَاءِ وَنَسَبُهُ إلَى من صَارَ مَوْلَايَ بِوِلَايَةٍ سَوَاءٌ فإذا انْقَرَضُوا فلم يَبْقَ منهم أَحَدٌ فَهَذِهِ الدَّارُ حَبْسُ صَدَقَةٍ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى على من يَمُرُّ بها من غُزَاةِ الْمُسْلِمِينَ وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ وَعَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ من جِيرَانِ هذه الدَّارِ وَغَيْرِهِمْ من أَهْلِ الْفُسْطَاطِ وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ وَالْمَارَّةِ من كَانُوا حتى يَرِثَ اللَّهُ الْأَرْضَ وَمَنْ عليها وَيَلِي هذه الدَّارَ ابْنِي فُلَانُ بن فُلَانٍ الذي وَلَّيْته في حَيَاتِي وَبَعْدَ مَوْتِي ما كان قَوِيًّا على وِلَايَتِهَا أَمِينًا عليها بِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عليه من تَوْفِيرِ غَلَّةٍ إنْ كانت لها وَالْعَدْلُ في قَسْمِهَا وفي إسْكَانِ من أَرَادَ السَّكَنَ من أَهْلِ صَدَقَتِي بِقَدْرِ حَقِّهِ فَإِنْ تَغَيَّرَتْ حَالُ فُلَانِ بن فُلَانٍ ابْنِي يَضْعُفُ عن وِلَايَتِهَا أو قِلَّةُ أمانه فيها أُوَلِّيهَا من وَلَدِي أَفْضَلَهُمْ دِينًا وَأَمَانَةً على الشُّرُوطِ التي شَرَطْت على ابْنِي فُلَانٍ وَيَلِيهَا ما قَوِيَ وَأَدَّى الْأَمَانَةَ فإذا ضَعُفَ أو تَغَيَّرَتْ أَمَانَتُهُ فَلَا وِلَايَةَ له فيها وَتَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ عنه إلَى غَيْرِهِ من أَهْلِ الْقُوَّةِ وَالْأَمَانَةِ من وَلَدِي ثُمَّ كُلُّ قَرْنٍ صَارَتْ هذه الصَّدَقَةُ إلَيْهِ وَلِيَهَا من ذلك الْقَرْنِ أَفْضَلُهُمْ قُوَّةً وَأَمَانَةً وَمَنْ تَغَيَّرَتْ حَالُهُ مِمَّنْ وَلِيَهَا بِضَعْفٍ أو قِلَّةِ أَمَانَةٍ نُقِلَتْ وِلَايَتُهَا عنه إلَى أَفْضَلِ من عليه صَدَقَتِي قُوَّةً وَأَمَانَةً وَهَكَذَا كُلُّ قَرْنٍ صَارَتْ صَدَقَتِي هذه إلَيْهِ يَلِيهَا منه أَفْضَلُهُمْ دِينًا وَأَمَانَةً على مِثْلِ ما شَرَطْت على وَلَدِي ما بَقِيَ
____________________

(4/60)


منهم أَحَدٌ ثُمَّ من صَارَتْ إلَيْهِ هذه الدَّارُ من قَرَابَتِي أو مُوَالِيَّ وَلِيَهَا مِمَّنْ صَارَتْ إلَيْهِ أَفْضَلُهُمْ دِينًا وأمانة ما كان في الْقَرْنِ الذي تَصِيرُ إلَيْهِمْ هذه الصَّدَقَةُ ذُو قُوَّةٍ وَأَمَانَةٍ وَإِنْ حَدَثَ قَرْنٌ ليس فِيهِمْ ذُو قُوَّةٍ وَلَا أَمَانَةٍ ولي قَاضِي الْمُسْلِمِينَ صَدَقَتِي هذه من يَحْمِلُ وِلَايَتَهَا بِالْقُوَّةِ وَالْأَمَانَةِ من أَقْرَبُ الناس إلَيَّ رَحِمًا ما كان ذلك فِيهِمْ فَإِنْ لم يَكُنْ ذلك فِيهِمْ فَمِنْ مُوَالِيَّ وَمَوَالِي آبَائِي الَّذِينَ أَنْعَمْنَا عليهم فَإِنْ لم يَكُنْ ذلك فِيهِمْ فَرَجُلٌ يَخْتَارُهُ الْحَاكِمُ من الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ حَدَثَ من وَلَدِي أو من وَلَدِ وَلَدِي أو من مَوَالِي رَجُلٍ له قُوَّةٌ وَأَمَانَةٌ نَزَعَهَا الْحَاكِمُ من يَدَيْ من وَلَّاهُ من قِبَلِهِ وَرَدَّهَا إلَى من كان قَوِيًّا وَأَمِينًا مِمَّنْ سَمَّيْت وَعَلَى كل وَالٍ يَلِيهَا أَنْ يُعَمِّرَ ما وهى من هذه الدَّارِ وَيُصْلِحَ ما خَافَ فَسَادَهُ منها وَيَفْتَحَ فيها من الْأَبْوَابِ وَيُصْلِحَ منها ما فيه الصَّلَاحُ لها والمستزاد ( ( ( والمسترد ) ) ) في غَلَّتِهَا وَسَكَنِهَا مِمَّا يَجْتَمِعُ من غَلَّةِ هذه الدَّارِ ثُمَّ يُفَرِّقُ ما يَبْقَى على من له هذه الْغَلَّةُ سَوَاءٌ بَيْنَهُمْ ما شَرَطْت لهم وَلَيْسَ لِلْوَالِي من وُلَاةِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُخْرِجَهَا من يَدَيْ من وَلَّيْته إيَّاهَا ما كان قَوِيًّا أَمِينًا عليها وَلَا من يَدَيْ أَحَدٍ من الْقَرْنِ الذي تَصِيرُ إلَيْهِمْ ما كان فِيهِمْ من يَسْتَوْجِبُ وِلَايَتَهَا بِالْقُوَّةِ وَالْأَمَانَةِ وَلَا يولى غَيْرَهُمْ وهو يَجِدُ فِيهِمْ من يَسْتَوْجِبُ الْوِلَايَةَ شَهِدَ على إقْرَارِ فُلَانِ بن فُلَانٍ فُلَانُ بن فُلَانٍ وَمَنْ شَهِدَ (1) * وَتَرْجَمَ في اخْتِلَافِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ بَابُ الْقَضَاءِ في الْهِبَاتِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قال أخبرنا مَالِكٌ عن دَاوُد بن الْحُصَيْنِ عن ابي الْغَطَفَانِ بن طُرَيْفٍ الْمُرِّيَّ عن مَرْوَانَ بن الْحَكَمِ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ قال من ( ( ( ومن ) ) ) وَهَبَ هِبَةً لِصِلَةِ رَحِمٍ أو على وَجْهِ صَدَقَةٍ فإنه لَا يَرْجِعُ فيها وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً يَرَى أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ الثَّوَابَ فَهُوَ على هِبَتِهِ يَرْجِعُ فيها إنْ لم يَرْضَ منها وقال مَالِكٌ إنَّ الْهِبَةَ إذَا تَغَيَّرَتْ عِنْد الْمَوْهُوبِ لِلثَّوَابِ بِزِيَادَةٍ أو نُقْصَانٍ فإن على الْمَوْهُوبِ له أَنْ يعطى الْوَاهِبَ قِيمَتَهَا يوم قَبْضِهَا فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَقُولُ بِقَوْلِ صَاحِبِنَا فقال الشَّافِعِيُّ فَقَدْ ذَهَبَ عُمَرُ في الْهِبَةِ يُرَادُ ثَوَابُهَا أَنَّ الْوَاهِبَ على هِبَتِهِ إنْ لم يَرْضَ منها أَنَّ لِلْوَاهِبِ الْخِيَارَ حتى يَرْضَى من هِبَتِهِ وَلَوْ أَعْطَى أَضْعَافَهَا في مَذْهَبِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كان له أَنْ يَرْجِعَ فيها وَلَوْ تَغَيَّرَتْ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ له بِزِيَادَةٍ كان له أَخْذُهَا وكان كَالرَّجُلِ يَبِيعُ الشَّيْءَ وَلَهُ فيه الْخِيَارُ عَبْدٌ أو أَمَةٌ فَيَزِيدُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَيَخْتَارُ الْبَائِعُ نُقْضَ الْبَيْعِ فَيَكُونُ له نَقْضُهُ وَإِنْ زَادَ الْعَبْدُ الْمَبِيعَ أو الْأَمَةَ الْمَبِيعَةَ فَكَثُرَتْ زِيَادَتُهُ وَمَذْهَبُكُمْ خِلَافُ ما رَوَيْتُمْ عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ - * وفي اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ بَابُ الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا وَهَبَتْ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا هِبَةً أو تَصَدَّقَتْ أو تَرَكَتْ له من مَهْرِهَا ثُمَّ قالت أَكْرَهَنِي وَجَاءَتْ على ذلك بِبَيِّنَةٍ فإن أَبَا حَنِيفَةَ كان يقول لَا أَقْبَلُ بَيِّنَتَهَا وأمضى عليها ما فَعَلَتْ من ذلك وكان بن أبي لَيْلَى يقول أَقْبَلُ بَيِّنَتَهَا على ذلك وَأُبْطِلُ ما صَنَعَتْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا تَصَدَّقَتْ الْمَرْأَةُ على زَوْجِهَا بِشَيْءٍ أو وَضَعَتْ له من مَهْرِهَا أو من دَيْنٍ كان لها عليه فَأَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَكْرَهَهَا على ذلك وَالزَّوْجُ في مَوْضِعِ الْقَهْرِ لِلْمَرْأَةِ أَبْطَلْت ذلك عنها كُلُّهُ وإذا وَهَبَ الرَّجُلُ هِبَةً وَقَبَضَهَا الْمَوْهُوبَةَ له وَهِيَ دَارٌ فَبَنَاهَا بِنَاءً وَأَعْظَمَ النَّفَقَةَ أو كانت جَارِيَةً صَغِيرَةً فَأَصْلَحَهَا أو صَنَعَهَا حتى شَبَّتْ وَأَدْرَكَتْ فإن أَبَا حَنِيفَةَ كان يقول لَا يَرْجِعُ الْوَاهِبُ في شَيْءٍ من ذلك وَلَا في كل هِبَةٍ
____________________
1- * كِتَابُ الْهِبَةِ

(4/61)


زَادَتْ عِنْدَ صَاحِبِهَا خَيْرًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ قد حَدَثَ فيها في مِلْكِ الْمَوْهُوبَةِ له شَيْءٌ لم يَكُنْ في مِلْكِ الْوَاهِبِ أَرَأَيْت إنْ وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ وَلَدًا أَكَانَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فيه ولم يَهَبْهُ له ولم يَمْلِكْهُ قَطُّ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول له أَنْ يَرْجِعَ في ذلك كُلِّهِ وفي الْوَلَدِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا وَهَبَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ جَارِيَةً أو دَارًا فَزَادَتْ الْجَارِيَةُ في يَدَيْهِ أو بَنَى الدَّارَ فَلَيْسَ لِلْوَاهِبِ الذي ذَكَرَ أَنَّهُ وَهَبَ لِلثَّوَابِ ولم يَشْتَرِطْ ذلك أَنْ يَرْجِعَ في الْجَارِيَةِ اي حَالَ ما كانت زَادَتْ خَيْرًا أو نَقَصَتْ كما لَا يَكُونُ له إذَا أَصْدَقَ الْمَرْأَةَ جَارِيَةٌ فَزَادَتْ في يَدَيْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِهَا زَائِدَةً فَأَمَّا الدَّارُ فإن الْبَانِيَ إنَّمَا بَنَى ما يَمْلِكُ فَلَا يَكُونُ له أَنْ يُبْطِلَ بِنَاءَهُ وَلَا يَهْدِمَهُ وَيُقَالُ له إنْ أَعْطَيْته قِيمَةَ الْبِنَاءِ أَخَذْت نِصْفَ الدَّارِ وَالْبِنَاءِ كما يَكُونُ لَك وَعَلَيْك في الشُّفْعَةِ يَبْنِي فيها صَاحِبُهَا وَلَا تَرْجِعُ بِنِصْفِهَا كما لو أَصْدَقهَا دَارًا فَبَنَتْهَا لم يَرْجِعْ بِنِصْفِهَا لأنه ( ( ( لأن ) ) ) مَبْنِيًّا أَكْثَرُ قِيمَةً منه غَيْرُ مَبْنِيٍّ وَلَوْ كانت الْجَارِيَةُ وَلَدَتْ كان الْوَلَدُ لِلْمَوْهُوبَةِ له لِأَنَّهُ حَادِثٌ في مِلْكِهِ بَائِنٍ منها كَمُبَايَنَةِ الْخَرَاجِ وَالْخِدْمَةِ لها كما لو وَلَدَتْ في يَدِ الْمَرْأَةِ الْمُصَدَّقَةِ ثُمَّ طَلُقَتْ قبل الدُّخُولِ كان الْوَلَدُ لِلْمَرْأَةِ وَرَجَعَ بِنِصْفِ الْجَارِيَةِ إنْ أَرَادَ ذلك وإذا وَهَبَ الرَّجُلُ جَارِيَتَهُ لإبنه وَابْنُهُ كَبِيرٌ وهو في عِيَالِهِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ كان يقول لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَقْبِضَ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول إذَا كان الْوَلَدُ في عِيَالِ أبيه وَإِنْ كان قد أَدْرَكَ فَهَذِهِ الْهِبَةُ له جَائِزَةٌ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ إذَا وَهَبَ لِامْرَأَتِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا وَهَبَ الرَّجُلُ لِابْنِهِ جَارِيَةً وَابْنُهُ في عِيَالِهِ فَإِنْ كان الإبن بَالِغًا لم تَكُنْ الْهِبَةُ تَامَّةً حتى يَقْبِضَهَا الإبن وَسَوَاءٌ كان في عِيَالِهِ أو لم يَكُنْ كَذَلِكَ روى عن أبي بَكْرٍ وَعَائِشَةَ وَعُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ في الْبَالِغِينَ وَعَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ رَأَى أَنَّ الْأَبَ يَحُوزُ لِوَلَدِهِ ما كَانُوا صِغَارًا فَهَذَا يَدُلُّ على أَنَّهُ لَا يَحُوزُ لهم إلَّا في حَالِ الصِّغَرِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا كُلُّ هِبَةٍ وَنِحْلَةٍ وَصَدَقَةٍ غَيْرِ مُحَرَّمَةٍ فَهِيَ كُلُّهَا من الْعَطَايَا التي لَا يُؤْخَذُ عليها عِوَضٌ وَلَا تَتِمُّ إلَّا بِقَبْضِ المعطى وإذا وَهَبَ الرَّجُلُ دَارًا لِرَجُلَيْنِ أو مَتَاعًا وَذَلِكَ الْمَتَاعُ مِمَّا يُقَسَّمُ فَقَبَضَاهُ جميعا فإن أَبَا حَنِيفَةَ كان يقول لَا تَجُوزُ تِلْكَ الْهِبَةُ إلَّا أَنْ يُقَسَّمَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حِصَّتَهُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول الْهِبَةُ جَائِزَةٌ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وإذا وَهَبَ اثْنَانِ لِوَاحِدٍ وَقَبَضَ فَهُوَ جَائِزٌ وقال أبو يُوسُفَ هُمَا سَوَاءٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا وَهَبَ الرَّجُلُ لِرَجُلَيْنِ بَعْضَ دَارٍ لَا تُقَسَّمُ أو طَعَامًا أو ثِيَابًا أو عَبْدًا لَا ينقسم ( ( ( تنقسم ) ) ) فَقَبَضَا جميعا الْهِبَةَ فَالْهِبَةُ جَائِزَةٌ كما يَجُوزُ الْبَيْعُ وَكَذَلِكَ لو وَهَبَ اثْنَانِ دَارًا بَيْنَهُمَا تَنْقَسِمُ أو لَا تَنْقَسِمُ أو عبد الرَّجُلِ وَقَبَضَ جَازَتْ الْهِبَةُ وإذا كانت الدَّارُ لِرَجُلَيْنِ فَوَهَبَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ لِصَاحِبِهِ ولم يُقَسِّمْهُ له فإن أَبَا حَنِيفَةَ كان يقول الْهِبَةُ في هذا بَاطِلَةٌ وَلَا تَجُوزُ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وَمِنْ حُجَّتِهِ في ذلك أَنَّهُ قال لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ إلَّا مَقْسُومَةً مَعْلُومَةً مَقْبُوضَةً بَلَغَنَا عن أبي بَكْرٍ رضي ( ( ( رحمه ) ) ) اللَّهُ عنه أَنَّهُ نَحَلَ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ جِدَادَ عِشْرِينَ وَسْقًا من نَخْلٍ له بِالْعَالِيَةِ فلما حَضَرَهُ الْمَوْتُ قال لِعَائِشَةَ إنَّك لم تَكُونِي قَبَضْتِيهِ وَإِنَّمَا هو مَالُ الْوَارِثِ فَصَارَ بين الْوَرَثَةِ لِأَنَّهَا لم تَكُنْ قَبَضَتْهُ وكان إبْرَاهِيمُ يقول لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ إلَّا مَقْبُوضَةً وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول إذَا كانت الدَّارُ بين رَجُلَيْنِ فَوَهَبَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ نَصِيبَهُ فَهَذَا قَبْضٌ منه لِلْهِبَةِ وَهَذِهِ مَعْلُومَةٌ وَهَذِهِ جَائِزَةٌ وإذا وَهَبَ الرَّجُلَانِ دَارًا لِرَجُلٍ فَقَبَضَهَا فَهُوَ جَائِزٌ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَلَا تَفْسُدُ الْهِبَةُ لِأَنَّهَا كانت لِاثْنَيْنِ وَبِهِ يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كانت الدَّارُ بين رَجُلَيْنِ فَوَهَبَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ نَصِيبَهُ فَقَبَضَ الْهِبَةَ فَالْهِبَةُ جَائِزَةٌ وَالْقَبْضُ أَنْ تَكُونَ كانت في يَدَيْ الْمَوْهُوبَةِ له وَلَا وَكِيلَ معه فيها أو يُسَلِّمُهَا رَبَّهَا ويخلى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حتى يَكُونَ لَا حَائِلَ دُونَهَا هو وَلَا وَكِيلَ له فإذا كان هذا هَكَذَا كان قَبْضًا وَالْقَبْضُ في الْهِبَاتِ كَالْقَبْضِ في الْبُيُوعِ ما كان قَبْضًا في الْبَيْعِ كان قَبْضًا في الْهِبَةِ وما لم يَكُنْ قَبْضًا في الْبَيْعِ لم يَكُنْ قَبْضًا في الْهِبَةِ وإذا وَهَبَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ الْهِبَةَ وَقَبَضَهَا دَارًا أو أَرْضًا ثُمَّ عَوَّضَهُ بَعْدَ ذلك منها عِوَضًا وَقَبَضَهُ الْوَاهِبُ
____________________

(4/62)


فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كان يقول ذلك جَائِزٌ وَلَا تَكُونُ فيه شُفْعَةٌ وَبِهِ يَأْخُذُ وَلَيْسَ هذا بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِالشُّفْعَةِ بِقِيمَةِ الْعِوَضِ وَلَا يَسْتَطِيعُ الْوَاهِبُ أَنْ يَرْجِعَ في الْهِبَةِ بَعْدَ الْعِوَضِ في قَوْلِهِمَا جميعا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا وَهَبَ الرَّجُلُ لِرَجُلٍ شِقْصًا من دَارٍ فَقَبَضَهُ ثُمَّ عَوَّضَهُ الْمَوْهُوبَةُ له شيئا فَقَبَضَهُ الْوَاهِبُ سُئِلَ الْوَاهِبُ فَإِنْ قال وَهَبْتهَا لِلثَّوَابِ كان فيها شُفْعَةٌ وَإِنْ قال وَهَبْتهَا لِغَيْرِ ثَوَابٍ لم يَكُنْ فيها شُفْعَةٌ وَكَانَتْ الْمُكَافَأَةُ كَابْتِدَاءِ الْهِبَةِ وَهَذَا كُلُّهُ في قَوْلِ من قال لِلْوَاهِبِ الثَّوَابُ إذَا قال أَرَدْته فَأَمَّا من قال لَا ثَوَابَ لِلْوَاهِبِ إنْ لم يَشْتَرِطْهُ في الْهِبَةِ فَلَيْسَ له الرُّجُوعُ في شَيْءٍ وَهَبَهُ وَلَا الثَّوَابُ منه ( قال الرَّبِيعُ ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ وإذا وَهَبَ وَاشْتَرَطَ الثَّوَابَ فَالْهِبَةُ بَاطِلَةٌ من قَبْلِ أَنَّهُ اشْتَرَطَ عِوَضًا مَجْهُولًا وإذا وَهَبَ لِغَيْرِ الثَّوَابِ وَقَبَضَهُ الْمَوْهُوبُ فَلَيْسَ له أَنْ يَرْجِعَ في شَيْءٍ وَهَبَهُ وهو مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وإذا وَهَبَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ هِبَةً في مَرَضِهِ فلم يَقْبِضْهَا الْمَوْهُوبَةُ له حتى مَاتَ الْوَاهِبُ فإن أَبَا حَنِيفَةَ كان يقول الْهِبَةُ في هذا بَاطِلٌ لَا تَجُوزُ وَبِهِ يَأْخُذُ وَلَا يَكُونُ له وَصِيَّةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذلك في ذِكْرِ وَصِيَّةٍ وكان بن أبي لَيْلَى يقول هِيَ جَائِزَةٌ من الثُّلُثِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا وَهَبَ الرَّجُلُ في مَرَضِهِ الْهِبَةَ فلم يَقْبِضْهَا الْمَوْهُوبَةَ له حتى مَاتَ الْوَاهِبُ لم يَكُنْ لِلْمَوْهُوبَةِ له شَيْءٌ وَكَانَتْ الْهِبَةُ لِلْوَرَثَةِ الْحَجَّاجُ بن أرطأة عن عَطَاءِ بن أبي رَبَاحٍ عن بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما قال لَا تَجُوزُ الصَّدَقَةُ إلَّا مَقْبُوضَةً الْأَعْمَشُ عن إبْرَاهِيمَ قال الصَّدَقَةُ إذَا عُلِمَتْ جَازَتْ والهبة ( ( ( الهبة ) ) ) لَا تَجُوزُ إلَّا مَقْبُوضَةً وكان أبو حَنِيفَةَ يَأْخُذُ بِقَوْلِ بن عَبَّاسٍ في الصَّدَقَةِ وهو قَوْلُ أبي يُوسُفَ ( قال ( ( ( قاله ) ) ) الشَّافِعِيُّ ) وَلَيْسَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ في الْهِبَةِ إذَا قَبَضَ منها عِوَضًا قَلَّ أو كَثُرَ - * بَابٌ في الْعُمْرَى من كِتَابِ اخْتِلَافِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رضي اللَّهُ عنهما - * ( قال الرَّبِيعُ ) سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عمى أَعْمَرَ عُمْرَى له ولعقبة فقال هِيَ لِلَّذِي يُعْطَاهَا لَا تَرْجِعُ إلَى الذي أَعْطَاهَا فَقُلْت ما الْحُجَّةُ في ذلك قال السُّنَّةُ الثَّابِتَةُ من حديث الناس وَحَدِيثِ مَالِكٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( أخبرنا ) مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن أبي سَلَمَةَ بن عبد الرحمن عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال أَيُّمَا رَجُلٍ أُعْمِرَ عُمْرَى له وَلِعَقِبِهِ فَإِنَّهَا لِلَّذِي يُعْطَاهَا لَا تَرْجِعُ إلَى الذي أَعْطَاهَا لِأَنَّهُ أَعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فيه الْمَوَارِيثُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا نَأْخُذُ وَيَأْخُذُ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ في جَمِيعِ الْأَمْصَارِ بِغَيْرِ الْمَدِينَةِ وَأَكَابِرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وقد رَوَى هذا مع جَابِرِ بن عبد اللَّهِ زَيْدُ بن ثَابِتٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نُخَالِفُ هذا فقال تُخَالِفُونَهُ وَأَنْتُمْ تَرْوُونَهُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَقُلْت إنَّ حُجَّتَنَا فيه أَنَّ مَالِكًا قال أخبرني يحيى بن سَعِيدٍ عن عبد الرحمن بن الْقَاسِمِ أَنَّهُ سمع مَكْحُولًا الدِّمَشْقِيَّ يَسْأَلُ الْقَاسِمَ بن مُحَمَّدٍ عن الْعُمْرَى وما يقول الناس فيها فقال له الْقَاسِمُ ما أَدْرَكْت الناس إلَّا وَهُمْ على شُرُوطِهِمْ في أَمْوَالِهِمْ وَفِيمَا أَعْطَوْا ( قال الشَّافِعِيُّ ) ما أَجَابَهُ الْقَاسِمُ في الْعُمْرَى بِشَيْءٍ وما أخبره إلَّا أَنَّ الناس على شُرُوطِهِمْ فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنْ يَقُولَ الْعُمْرَى من الْمَالِ وَالشَّرْطُ فيها جَائِزٌ فَقَدْ يَشْتَرِطُ الناس في أَمْوَالِهِمْ شُرُوطًا لَا تَجُوزُ لهم فَإِنْ قال قَائِلٌ وما هِيَ قِيلَ الرَّجُلُ يَشْتَرِي الْعَبْدَ على أَنْ يُعْتِقَهُ وَالْوَلَاءُ لِلْبَائِعِ فَيَعْتِقُهُ فَهُوَ حُرٌّ وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ فَإِنْ قال السُّنَّةُ تَدُلُّ على إبْطَالِ هذا الشَّرْطِ قُلْنَا وَالسُّنَّةُ تَدُلُّ على إبْطَالِ الشَّرْطِ في الْعُمْرَى فَلِمَ أَخَذْتُمْ بِالسُّنَّةِ مَرَّةً وَتَرَكْتُمُوهَا مع أَنَّ قَوْلَ الْقَاسِمِ يرحمه ( ( ( رحمه ) ) ) اللَّهُ لو كان قَصَدَ بِهِ قَصْدَ
____________________

(4/63)


الْعُمْرَى فقال إنَّهُمْ على شُرُوطِهِمْ فيها لم يَكُنْ في هذا ما يُرَدُّ بِهِ الْحَدِيثُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَإِنْ قال قَائِلٌ وَلِمَ قِيلَ نَحْنُ لَا نَعْلَمُ أَنَّ الْقَاسِمُ قال هذا إلَّا بِخَبَرِ يحيى عن عبد الرحمن عنه وَكَذَلِكَ عَلِمْنَا قَوْلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْعُمْرَى بِخَبَرِ بن شِهَابٍ عن أبي سَلَمَةَ عن جَابِرٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَغَيْرِهِ فإذا قَبِلْنَا خَبَرَ الصَّادِقِينَ فَمَنْ رَوَى هذا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَرْجَحُ مِمَّا رَوَى هذا عن الْقَاسِمِ لَا يَشُكُّ عَالِمٌ أَنَّ ما ثَبَتَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَوْلَى أَنْ يُقَالَ بِهِ مِمَّا قَالَهُ نَاسٌ بَعْدَهُ قد يُمْكِنُ فِيهِمْ أَنْ لَا يَكُونُوا سَمِعُوا من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا بَلَغَهُمْ عنه شَيْءٌ وَأَنَّهُمْ أُنَاسٌ لَا نَعْرِفُهُمْ فَإِنْ قال قَائِلٌ لَا يقول الْقَاسِمُ قال الناس إلَّا لِجَمَاعَةٍ من اصحاب رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أو من أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يَجْهَلُونَ لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم سُنَّةً وَلَا يَجْتَمِعُونَ أَبَدًا من جِهَةِ الرَّأْيِ وَلَا يَجْتَمِعُونَ إلَّا من جِهَةِ السُّنَّةِ فَقِيلَ له قد أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن الْقَاسِمِ بن مُحَمَّدٍ أَنَّ رَجُلًا كانت عِنْدَهُ وَلِيدَةٌ لِقَوْمٍ فقال لِأَهْلِهَا شَأْنُكُمْ بها فَرَأَى الناس انها تَطْلِيقَةٌ وَأَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أنها ثَلَاثٌ وإذا قِيلَ لَكُمْ لِمَ لَا تَقُولُونَ قَوْلَ الْقَاسِمِ وَالنَّاسِ إنَّهَا تَطْلِيقَةٌ قُلْتُمْ لَا نَدْرِي من الناس الَّذِينَ يروى هذا عَنْهُمْ الْقَاسِمُ فَلَئِنْ لم يَكُنْ قَوْلُ الْقَاسِمِ رَأَى الناس حُجَّةً عَلَيْكُمْ في رَأْيِ أَنْفُسِكُمْ لَهُوَ عن أَنْ يَكُونَ على رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حُجَّةٌ أَبْعَدَ وَلَئِنْ كان حُجَّةً لقد أَخْطَأْتُمْ بِخِلَافِكُمْ إيَّاهُ بِرَأْيِكُمْ وَإِنَّا لَنَحْفَظُ عن بن عُمَرَ في الْعُمْرَى مِثْلَ قَوْلِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( أخبرنا ) بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ وَحُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ عن حَبِيبِ بن أبي ثَابِتٍ قال كنت عِنْدَ بن عُمَرَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ من أَهْلِ الْبَادِيَةِ فقال إنِّي وَهَبْت لِابْنِي هذا نَاقَةً حَيَاتِهِ وَإِنَّهَا تَنَاتَجَتْ إبِلًا فقال بن عُمَرَ هِيَ له حَيَاتَهُ وَمَوْتَهُ فقال إنِّي تَصَدَّقْت عليه بها قال ذلك أَبْعَدُ لَك منها ( أخبرنا ) سُفْيَانُ عن بن أبي نَجِيحٍ عن حَبِيبِ بن أبي ثَابِتٍ مثله إلَّا أَنَّهُ قال أَضْنَتْ يَعْنِي كَبُرَتْ وَاضْطَرَبَتْ ( أخبرنا ) الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ أَنَّ طَارِقًا قَضَى بِالْمَدِينَةِ بِالْعُمْرَى عن قَوْلِ جَابِرِ بن عبد اللَّهِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( أخبرنا ) بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن طَاوُسٍ عن حُجْرٍ الْمَدَرِيِّ عن زَيْدِ بن ثَابِتٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم جَعَلَ الْعُمْرَى لِلْوَارِثِ ( أخبرنا ) سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءِ بن أبي رَبَاحٍ عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا تَعْمُرُوا وَلَا تَرْقُبُوا فَمَنْ أُعْمِرَ شيئا أو أَرَقَبَهُ فَهُوَ سَبِيلُ الْمِيرَاثِ ( أخبرنا ) سُفْيَانُ عن ايوب عن بن سِيرِينَ قال حَضَرْت شُرَيْحًا قَضَى لِأَعْمَى بِالْعُمْرَى فقال له الْأَعْمَى يا أَبَا أُمَيَّةَ بِمَ قَضَيْت لي فقال شُرَيْحٌ لَسْت أنا قَضَيْت لَك وَلَكِنْ مُحَمَّدٌ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى لَك مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً قال من أُعْمِرَ شيئا حَيَاتَهُ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ إذَا مَاتَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَتَتْرُكُونَ ما وَصَفْتُمْ من الْعُمْرَى مع ثُبُوتِهِ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وأنه قَوْلُ زَيْدِ بن ثَابِتٍ وَجَابِرِ بن عبد اللَّهِ وبن عُمَرَ وَسُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ وَعُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ وَهَكَذَا عِنْدَكُمْ عَمَلٌ بَعْدَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِتَوَهُّمٍ في قَوْلِ الْقَاسِمِ وَأَنْتُمْ تَجِدُونَ في قَوْلِ الْقَاسِمِ يَعْنِي في رَجُلٍ قال لِأَمَةِ قَوْمٍ شَأْنَكُمْ بها فَرَأَى الناس أنها تَطْلِيقَةٌ ثُمَّ تُخَالِفُونَهُ بِرَأْيِكُمْ وما رَوَى الْقَاسِمُ عن الناس - * وفي بَعْضِ النُّسَخِ مِمَّا يُنْسَبُ لِلْأُمِّ ( في الْعُمْرَى ) - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) وهو يروي عن رَبِيعَةَ إذْ تَرَكَ حَدِيثَ الْعُمْرَى أَنَّهُ يَحْتَجُّ بِأَنَّ الزَّمَانَ قد طَالَ وَأَنَّ الرِّوَايَةَ يُمْكِنُ فيها الْغَلَطُ فإذا رَوَى الزُّهْرِيُّ عن أبي سَلَمَةَ عن جَابِرٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من أُعْمِرَ عُمْرَى له وَلِعَقِبِهِ فَهِيَ لِلَّذِي
____________________

(4/64)


يُعْطَاهَا لَا تَرْجِعُ إلَى الذي أَعْطَى لِأَنَّهُ أَعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فيه الْمَوَارِيثُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد أخبرنا سُفْيَانُ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ عن جَابِرٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من أُعْمِرَ شيئا فَهُوَ له ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن طَاوُسٍ عن حُجْرٍ الْمَدَرِيِّ عن زَيْدِ بن ثَابِتٍ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال الْعُمْرَى لِلْوَارِثِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ وبن أبي نَجِيحٍ عن حَبِيبِ بن أبي ثَابِتٍ قال كنا عِنْدَ عبد اللَّهِ بن عُمَرَ فَجَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فقال له إنِّي أَعْطَيْت بَعْضَ بَنِيَّ نَاقَةً حَيَاتَهُ قال عُمَرُ وفي الحديث وَإِنَّهَا تَنَاتَجَتْ وقال بن أبي نَجِيحٍ في حَدِيثِهِ وَإِنَّهَا أَضْنَتْ وَاضْطَرَبَتْ فقال هِيَ له حَيَاتَهُ وَمَوْتَهُ قال فَإِنِّي تَصَدَّقْتُ بها عليه قال فَذَلِكَ أَبْعَدُ لَك منها ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ عن أَيُّوبَ عن مُحَمَّدِ بن سِيرِينَ أَنَّ شُرَيْحًا قَضَى بِالْعُمْرَى لِأَعْمَى فقال بِمَ قَضَيْت لي يا أَبَا أُمَيَّةَ فقال ما أنا قَضَيْت لَك وَلَكِنْ قَضَى لَك مُحَمَّدٌ صلى اللَّهُ عليه وسلم مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَضَى من أُعْمِرَ شيئا حَيَاتَهُ فَهُوَ له حَيَاتَهُ وَمَوْتَهُ قال سُفْيَانُ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ إذَا مَاتَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَتَرَك هذا وهو يَرْوِيه عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم جَابِرُ بن عبد اللَّهِ من وُجُوهٍ ثَابِتَةٍ وَزَيْدُ بن ثَابِتٍ وَيُفْتِي بِهِ جَابِرٌ بِالْمَدِينَةِ وَيُفْتِي بِهِ بن عُمَرَ وَيُفْتِي بِهِ عَوَامُّ أَهْلِ الْبُلْدَانِ لَا أَعْلَمُهُمْ يَخْتَلِفُونَ فيه بِأَنْ قال أخبرني يحيى بن سَعِيدٍ عن عبد الرحمن بن الْقَاسِمِ أَنَّهُ سمع مَكْحُولًا يَسْأَلُ الْقَاسِمَ بن مُحَمَّدٍ عن الْعُمْرَى وما يقول ( ( ( يقوله ) ) ) الناس فيها فقال الْقَاسِمُ ما أَدْرَكْت الناس إلَّا على شُرُوطِهِمْ في أَمْوَالِهِمْ وَفِيمَا أَعْطَوْا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْقَاسِمُ يَرَحمه الله لم يُجِبْهُ في الْعُمْرَى بِشَيْءٍ إنَّمَا أخبره أَنَّهُ إنَّمَا أَدْرَكَ الناس على شُرُوطِهِمْ ولم يَقُلْ له إنَّ الْعُمْرَى من تِلْكَ الشُّرُوطِ التي أَدْرَكَ الناس عليها وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ الْقَاسِمُ سمع الحديث وَلَوْ سَمِعَهُ ما خَالَفَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ قال فإذا قِيلَ لِبَعْضِ من يَذْهَبُ مَذْهَبَهُ لو كان الْقَاسِمُ قال هذا في الْعُمْرَى أَيْضًا فَعَارَضَك مُعَارِضٌ بِأَنْ يَقُولَ أَخَافُ أَنْ يَغْلَطَ على الْقَاسِمِ من رَوَى هذا عنه إذَا كان الْحَدِيثُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كما وَصَفْنَا يُرْوَى من وُجُوهٍ يُسْنِدُونَهُ قال لَا يَجُوزُ أَنْ يُتَّهَمَ أَهْلُ الْحِفْظِ بِالْغَلَطِ فَقِيلَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُتَّهَمَ من رَوَى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فإذا قال لَا يَجُوزُ قُلْنَا ما يَثْبُتُ عن النبي أَوْلَى أَنْ يَكُونَ لَازِمًا لِأَهْلِ دَيْنِ اللَّهِ أو ما قال الْقَاسِمُ أَدْرَكْت الناس وَلَسْنَا نَعْرِفُ الناس الَّذِينَ حكى هذا عَنْهُمْ فَإِنْ قال لَا يَجُوزُ على مِثْلِ الْقَاسِمِ في عِلْمِهِ أَنْ يَقُولَ أَدْرَكْت الناس إلَّا وَالنَّاسُ الَّذِينَ أَدْرَكَ أَئِمَّةٌ يَلْزَمُهُ قَوْلُهُمْ قِيلَ له فَقَدْ رَوَى يحيى بن سَعِيدٍ عن الْقَاسِمِ أَنَّ رَجُلًا كانت عِنْدَهُ وَلِيدَةٌ لِقَوْمٍ فقال لِأَهْلِهَا شَأْنَكُمْ بها فَرَأَى الناس أنها تَطْلِيقَةٌ وهو يُفْتِي بِرَأْيِ نَفْسِهِ أنها ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ فَإِنْ قال في هذه لَا أَعْرِفُ الناس الَّذِينَ رَوَى الْقَاسِمُ هذا عَنْهُمْ جَازَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَقُولَ لَا أَعْرِفُ الناس الَّذِينَ رَوَى هذا عَنْهُمْ في الشُّرُوطِ وَإِنْ كان يقول إنَّ الْقَاسِمَ لَا يقول الناس إلَّا الْأَئِمَّةَ الَّذِينَ يَلْزَمُهُ قَوْلُهُمْ فَقَدْ تَرَكَ قَوْلَ الْقَاسِمِ بِرَأْيِ نَفْسِهِ وَعَابَ على غَيْرِهِ اتِّبَاعَ السُّنَّةِ (1) * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في اللُّقَطَةِ مِثْلُ حديث مَالِكٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم سَوَاءٌ وقال في ضَالَّةِ الْغَنَمِ إذَا وَجَدْتَهَا في مَوْضِعِ مَهْلَكَةٍ فَهِيَ لَك فَكُلْهَا فإذا جاء صَاحِبُهَا فَاغْرَمْهَا له وقال في الْمَالِ يُعَرِّفُهُ سَنَةً ثُمَّ يَأْكُلُهُ إنْ شَاءَ فَإِنْ جاء صَاحِبُهُ غَرِمَهُ له وقال يُعَرِّفُهَا سَنَةً ثُمَّ يَأْكُلُهَا مُوسِرًا كان أو مُعْسِرًا إنْ شَاءَ إلَّا أَنِّي لَا أَرَى له أَنْ يَخْلِطَهَا بِمَالِهِ وَلَا يَأْكُلَهَا حتى يُشْهِدَ على عَدَدِهَا وَوَزْنِهَا وَظَرْفِهَا وَعِفَاصِهَا وَوِكَائِهَا فَمَتَى جاء صَاحِبُهَا غَرِمَهَا له وَإِنْ مَاتَ كانت دَيْنًا عليه في مَالِهِ وَلَا يَكُونُ عليه في الشَّاةِ يَجِدُهَا بِالْمَهْلَكَةِ تَعْرِيفٌ إنْ أَحَبَّ أَنْ يَأْكُلَهَا فَهِيَ له وَمَتَى لَقِيَ صَاحِبَهَا غَرِمَهَا له وَلَيْسَ ذلك له في ضَالَّةِ الْإِبِلِ وَلَا الْبَقَرِ لِأَنَّهُمَا يَدْفَعَانِ عن أَنْفُسِهِمَا وَإِنَّمَا كان ذلك له
____________________
1- * كِتَابُ اللُّقَطَةِ الصَّغِيرَةِ

(4/65)


في ضَالَّةِ الْغَنَمِ وَالْمَالِ لِأَنَّهُمَا لَا يَدْفَعَانِ عن أَنْفُسِهِمَا وَلَا يَعِيشَانِ وَالشَّاةُ يَأْخُذُهَا من أَرَادَهَا وَتُتْلَفُ لَا تُمْتَنَعُ من السَّبْعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهَا من يَمْنَعُهَا وَالْبَعِيرُ وَالْبَقَرَةُ يَرِدَانِ الْمِيَاهَ وَإِنْ تَبَاعَدَتْ وَيَعِيشَانِ أَكْثَرَ عُمْرِهِمَا بِلَا رَاعٍ فَلَيْسَ له أَنْ يَعْرِضَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَالْبَقَرُ قِيَاسًا على الْإِبِلِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ وَجَدَ رَجُلٌ شَاةً ضَالَّةً في الصَّحْرَاءِ فَأَكَلَهَا ثُمَّ جاء صَاحِبُهَا قال يَغْرَمُهَا خِلَافُ مَالِكٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) بن عُمَرَ لَعَلَّهُ أَنْ لَا يَكُونَ سمع الحديث عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في اللُّقَطَةِ وَلَوْ لم يَسْمَعْهُ انْبَغَى أَنْ يَقُولَ لَا يَأْكُلُهَا كما قال بن عُمَرَ انْبَغَى أَنْ يُفْتِيَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا وَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَنْظُرَ فَإِنْ كان الْآخِذُ لها ثِقَةً أَمَرَهُ بِتَعْرِيفِهَا واشهد شُهُودًا على عَدَدِهَا وَعِفَاصِهَا وَوِكَائِهَا وأمره ( ( ( أمره ) ) ) أَنْ يُوقِفَهَا في يَدَيْهِ إلَى أَنْ يَأْتِيَ رَبُّهَا فَيَأْخُذَهَا وَإِنْ لم يَكُنْ ثِقَةً في مَالِهِ وَأَمَانَتِهِ أَخْرَجَهَا من يَدَيْهِ إلَى من يَعِفُّ عن الْأَمْوَالِ لِيَأْتِيَ رَبُّهَا وَأَمَرَهُ بِتَعْرِيفِهَا لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ تَرْكُ لُقَطَةٍ وَجَدَهَا إذَا كان من أَهْلِ الْأَمَانَةِ وَلَوْ وَجَدَهَا فَأَخَذَهَا ثُمَّ أَرَادَ تَرْكَهَا لم يَكُنْ ذلك له وَهَذَا في كل ما سِوَى الْمَاشِيَةِ فَأَمَّا الْمَاشِيَةُ فَإِنَّهَا تَخْرِقُ بِأَنْفُسِهَا فَهِيَ مُخَالِفَةٌ لها وإذا وَجَدَ رَجُلٌ بَعِيرًا فَأَرَادَ رَدَّهُ على صَاحِبِهِ فَلَا بَأْسَ بِأَخْذِهِ وَإِنْ كان إنَّمَا يَأْخُذُهُ لِيَأْكُلَهُ فَلَا وهو ظَالِمٌ وَإِنْ كان لِلسُّلْطَانِ حِمًى ولم يَكُنْ على صَاحِبِ الضَّوَالِّ مُؤْنَةٌ تَلْزَمُهُ في رِقَابِ الضَّوَالِّ صَنَعَ كما صَنَعَ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه تَرَكَهَا في الْحِمَى حتى يَأْتِيَ صَاحِبُهَا وما تَنَاتَجَتْ فَهُوَ لِمَالِكِهَا وَيُشْهِدُ على نِتَاجِهَا كما يُشْهِدُ على الْأُمِّ حين يَجِدُهَا وَيَوْسُمُ نِتَاجَهَا وَيَوْسُمُ أُمَّهَاتِهَا وَإِنْ لم يَكُنْ لِلسُّلْطَانِ حِمًى وكان يَسْتَأْجِرُ عليها فَكَانَتْ الْأُجْرَةُ تُعَلَّقُ في رِقَابِهَا غُرْمًا رَأَيْت أَنْ يَصْنَعَ كما صَنَعَ عُثْمَانُ بن عَفَّانَ إلَّا في كل ما عَرَفَ أَنَّ صَاحِبَهُ قَرِيبٌ بِأَنْ يَعْرِفَ بَعِيرَ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَيَحْبِسُهُ أو يَعْرِفَ وَسْمَ قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ حَبَسَهَا لهم الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ وَنَحْوَ ذلك - * اللُّقَطَةُ الْكَبِيرَةُ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ ) قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا الْتَقَطَ الرَّجُلُ اللُّقَطَةَ مِمَّا لَا رُوحَ له ما يُحْمَلُ وَيَحُولُ فإذا الْتَقَطَ الرَّجُلُ لُقَطَةً قَلَّتْ أو كَثُرْت عَرَّفَهَا سَنَةً وَيُعَرِّفُهَا على أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ وَالْأَسْوَاقِ وَمَوَاضِعِ الْعَامَّةِ وَيَكُونُ أَكْثَرُ تَعْرِيفِهِ إيَّاهَا في الْجَمَاعَةِ التي أَصَابَهَا فيها وَيُعَرِّفُ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا وَعَدَدَهَا وَوَزْنَهَا وَحِلْيَتَهَا وَيَكْتُبُ وَيُشْهِدُ عليه فَإِنْ جاء صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَهِيَ له بَعْدَ سَنَةٍ على أَنَّ صَاحِبَهَا مَتَى جاء غَرِمَهَا وَإِنْ لم يَأْتِ فَهِيَ مَالٌ من مَالِهِ وَإِنْ جاء بَعْدَ السَّنَةِ وقد اسْتَهْلَكَهَا وَالْمُلْتَقِطُ حَيٌّ أو مَيِّتٌ فَهُوَ غَرِيمٌ من الْغُرَمَاءِ يُحَاصُّ الْغُرَمَاءَ فَإِنْ جاء وَسِلْعَتُهُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا فَهِيَ له دُونَ الْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ وَأُفْتِي الْمُلْتَقِطَ إذَا عَرَفَ رَجُلٌ الْعِفَاصَ وَالْوِكَاءَ وَالْعَدَدَ وَالْوَزْنَ وَوَقَعَ في نَفْسِهِ أَنَّهُ لم يَدَّعِ بَاطِلًا أَنْ يُعْطِيَهُ وَلَا أُجْبِرُهُ في الْحُكْمِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عليها كما تَقُومُ على الْحُقُوقِ فَإِنْ ادَّعَاهَا وَاحِدٌ أو اثْنَانِ أو ثَلَاثَةٌ فَسَوَاءٌ لَا يُجْبَرُ على دَفْعِهَا إلَيْهِمْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ يُقِيمُونَهَا عليه لِأَنَّهُ قد يُصِيبُ الصِّفَةَ بِأَنَّ الْمُلْتَقِطَ وَصَفَهَا وَيُصِيبُ الصِّفَةَ بِأَنَّ الْمُلْتَقَطَةَ عنه قد وَصَفَهَا فَلَيْسَ لِإِصَابَتِهِ الصِّفَةَ مَعْنًى يَسْتَحِقُّ بِهِ أَحَدٌ شيئا في الْحُكْمِ وَإِنَّمَا قَوْلُهُ أَعْرِفُ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ تؤدى عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا مع ما تؤدى منها ولتعلم ( ( ( ولنعلم ) ) ) إذَا وَضَعْتهَا في مَالِكٍ أنها اللُّقَطَةُ دُونَ مَالِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِيَسْتَدِلَّ على صِدْقِ الْمُعْتَرِفِ وَهَذَا الْأَظْهَرُ إنَّمَا قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْبَيِّنَةُ على المدعى فَهَذَا مُدَّعٍ أَرَأَيْت لو أَنَّ عَشَرَةً أو أَكْثَرَ وَصَفُوهَا كلهم فَأَصَابُوا صِفَتَهَا أَلَنَا أَنْ نُعْطِيَهُمْ إيَّاهَا يَكُونُونَ شُرَكَاءَ فيها وَلَوْ كَانُوا أَلْفًا أو أَلْفَيْنِ وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّهُمْ كَاذِبٌ إلَّا وَاحِدًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَلَعَلَّ الْوَاحِدَ يَكُونُ كَاذِبًا ليس يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ بِالصِّفَةِ شيئا وَلَا تَحْتَاجُ إذَا الْتَقَطْت أَنْ تَأْتِيَ بها إمَامًا وَلَا قَاضِيًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا أَرَادَ الْمُلْتَقِطُ أَنْ يَبْرَأَ من ضَمَانِ اللُّقَطَةِ وَيَدْفَعَهَا إلَى من اعْتَرَفَهَا فَلْيَفْعَلْ ذلك بِأَمْرِ حَاكِمٍ لِأَنَّهُ إنْ دَفَعَهَا بِغَيْرِ أَمْرِ حَاكِمٍ ثُمَّ جاء رَجُلٌ فَأَقَامَ عليه
____________________

(4/66)


الْبَيِّنَةَ ضَمِنَ قال وإذا كان في يَدَيْ رَجُلٍ الْعَبْدُ الْآبِقُ أو الضَّالَّةُ من الضَّوَالِّ فَجَاءَ سَيِّدُهُ فَمِثْلُ اللُّقَطَةِ ليس عليه أَنْ يَدْفَعَهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ يُقِيمُهَا فإذا دَفَعَهُ بِبَيِّنَةٍ يُقِيمُهَا عِنْدَهُ كان الِاحْتِيَاطُ له أَنْ لَا يَدْفَعَهُ إلَّا بِأَمْرِ الْحَاكِمِ لِئَلَّا يُقِيمَ عليه غَيْرُهُ بَيِّنَةً فَيَضْمَنُ لِأَنَّهُ إذَا دَفَعَهُ بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عِنْدَهُ فَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْبَيِّنَةُ غير عَادِلَةٍ وَيُقِيمُ آخَرُ بَيِّنَةً عَادِلَةً فَيَكُونُ أَوْلَى وقد تَمُوتُ الْبَيِّنَةُ وَيَدَّعِي هو أَنَّهُ دَفَعَهُ بِبَيِّنَةٍ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ غير أَنَّ الذي قَبَضَ منه إذَا اقر له فَيَضْمَنُهُ الْقَاضِي لِلْمُسْتَحِقِّ الْآخَرِ رَجَعَ هذا على الْمُسْتَحِقِّ الْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَقَرَّ أَنَّهُ له فَلَا يَرْجِعُ عليه وإذا أَقَامَ رَجُلٌ شَاهِدًا على اللُّقَطَةِ أو ضَالَّةٍ حَلَفَ مع شَاهِدِهِ وَأَخَذَ ما أَقَامَ عليه بَيِّنَةً لِأَنَّ هذا مَالٌ وإذا أَقَامَ الرَّجُلُ بِمَكَّةَ بَيِّنَةً على عَبْدٍ وَوَصَفَتْ الْبَيِّنَةُ الْعَبْدَ وَشَهِدُوا أَنَّ هذه صِفَةُ عَبْدِهِ وَأَنَّهُ لم يَبِعْ ولم يَهَبْ أو لم نَعْلَمْهُ بَاعَ وَلَا وَهَبَ وَحَلَفَ رَبُّ الْعَبْدِ كَتَبَ الْحَاكِمُ بَيِّنَتَهُ إلَى قَاضِي بَلَدٍ غَيْرِ مَكَّةَ فَوَافَقَتْ الصِّفَةُ صفة الْعَبْدَ الذي في يَدَيْهِ لم يَكُنْ لِلْقَاضِي أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ بِالصِّفَةِ وَلَا يَقْبَلُ إلَّا أَنْ يَكُونَ شُهُودٌ يَقْدُمُونَ عليه فَيَشْهَدُونَ عليه بِعَيْنِهِ وَلَكِنْ إنْ شَاءَ الذي له عليه بَيِّنَةٌ أَنْ يَسْأَلَ الْقَاضِيَ أَنْ يَجْعَلَ هذا الْعَبْدَ ضَالًّا فَيَبِيعُهُ فِيمَنْ يَزِيدُ وَيَأْمُرُ من يَشْتَرِيهِ ثُمَّ يَقْبِضُهُ من الذي اشْتَرَاهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَقَامَ عليه الْبَيِّنَةَ بِمَكَّةَ بِعَيْنِهِ أَبْرَأَ الْقَاضِي الذي اشْتَرَاهُ من الثَّمَنِ بِإِبْرَاءِ رَبِّ الْعَبْدِ وَيَرُدُّ عليه الثَّمَنَ إنْ كان قَبَضَهُ منه وقد قِيلَ يَخْتِمُ في رَقَبَةِ هذا الْعَبْدِ وَيَضْمَنُهُ الذي اسْتَحَقَّهُ بِالصِّفَةِ فَإِنْ ثَبَتَ عليه الشُّهُودُ فَهُوَ له وَيَفْسَخُ عنه الضَّمَانَ وَإِنْ لم يُثْبِتْ عليه الشُّهُودُ رُدَّ وَإِنْ هَلَكَ فِيمَا بين ذلك كان له ضَامِنًا وَهَذَا يَدْخُلُهُ أَنْ يُفْلِسَ الذي ضَمِنَ وَيَسْتَحِقُّهُ رَبُّهُ فَيَكُونُ الْقَاضِي أَتْلَفَهُ وَيَدْخُلُهُ أَنْ يَسْتَحِقَّهُ رَبُّهُ وهو غَائِبٌ فَإِنْ قَضَى على الذي دَفَعَهُ إلَيْهِ بِإِجَازَتِهِ في غِيبَتِهِ قَضَى عليه بِأَجْرٍ ما لم يُغْصَبْ ولم يُسْتَأْجَرْ وَإِنْ أَبْطَلَ عنه كان قد مَنَعَ هذا حَقَّهُ بِغَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ له وَيَدْخُلُهُ أَنْ يَكُونَ جَارِيَةً فَارِهَةً لَعَلَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لِرَجُلٍ فيخلى بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَجُلٍ يغبب ( ( ( يغيب ) ) ) عليها وَلَا يَجُوزُ فيه إلَّا الْقَوْلُ الْأَوَّلُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اعْتَرَفَ الرَّجُلُ الدَّابَّةَ في يَدَيْ رَجُلٍ فَأَقَامَ رَجُلٌ عليها بَيِّنَةً أنها له قَضَى له الْقَاضِي بها فَإِنْ ادَّعَى الذي هِيَ في يَدَيْهِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا من رَجُلٍ غَائِبٍ لم يَحْبِسْ الدَّابَّةَ عن الْمَقْضِيِّ له بها ولم يَبْعَثْ بها إلَى الْبَلَدِ الذي فيها الْبَيْعُ كان الْبَلَدُ قَرِيبًا أو بَعِيدًا وَلَا أَعْمِدُ إلَى مَالِ رَجُلٍ فَأَبْعَثُ بِهِ إلَى الْبَلَدِ لَعَلَّهُ يُتْلَفُ قبل أَنْ يَبْلُغَهُ بِدَعْوَى إنْسَانٍ لَا أَدْرِي كَذَبَ أَمْ صَدَقَ وَلَوْ عَلِمْت أَنَّهُ صَدَقَ ما كان لي أَنْ أُخْرِجَهَا من يَدَيْ مَالِكهَا نَظَرًا لِهَذَا أَنْ لَا يُضَيِّعَ حَقَّهُ على الْمُغْتَصِبِ لَا تُمْنَعُ الْحُقُوقُ بِالظُّنُونِ وَلَا تُمْلَكُ بها وَسَوَاءٌ كان الذي اسْتَحَقَّ الدَّابَّةَ مُسَافِرًا أو غير مُسَافِرٍ وَلَا يُمْنَعُ منها وَلَا تُنْزَعُ من يَدَيْهِ إلَّا أَنْ يَطِيبَ نَفْسًا عنها وَلَوْ أعطى قِيمَتَهَا أَضْعَافًا لِأَنَّا لَا نُجْبِرُهُ على بَيْعِ سِلْعَتِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيَأْكُلُ اللُّقَطَةَ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ وَمَنْ تَحِلُّ له الصَّدَقَةُ وَمَنْ لَا تَحِلُّ له فَقَدْ أَمَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أُبَيَّ بن كَعْبٍ وهو أَيْسَرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أو كَأَيْسَرِهِمْ وَجَدَ صُرَّةً فيها ثَمَانُونَ دِينَارًا أَنْ يَأْكُلَهَا ( أخبرنا ) الدَّرَاوَرْدِيُّ عن شَرِيكِ بن عبد اللَّهِ بن أبي نَمِرٍ عن عَطَاءِ بن يَسَارٍ عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي ( ( ( رحمه ) ) ) اللَّهُ عنه أَنَّهُ وَجَدَ دِينَارًا على عَهْدِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَمَرَهُ أَنْ يُعَرِّفَهُ فلم يَعْتَرِفْ فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْكُلَهُ ثُمَّ جاء صَاحِبُهُ فَأَمَرَهُ أَنْ يَغْرَمَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَعَلِيُّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه مِمَّنْ تَحْرُمُ عليه الصَّدَقَةُ لِأَنَّهُ من صُلْبِيَّةِ بَنِي هَاشِمٍ وقد رَوَى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْإِذْنَ بِأَكْلِ اللُّقَطَةِ بَعْدَ تَعْرِيفِهَا سَنَةً عَلِيُّ بن أبي طَالِبٍ وَأُبَيُّ بن كَعْبٍ وَزَيْدُ بن خَالِدٍ الْجُهَنِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بن عَمْرِو بن الْعَاصِ وَعِيَاضُ بن حَمَّادٍ الْمُجَاشِعِيُّ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْقَلِيلُ من اللُّقَطَةِ وَالْكَثِيرُ سَوَاءٌ لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ إلَّا بَعْدَ سَنَةٍ فَأَمَّا أَنْ آمُرَ الْمُلْتَقِطَ وَإِنْ كان أَمِينًا أَنْ يَتَصَدَّقَ بها فما أَنْصَفْت الْمُلْتَقِطَ وَلَا الْمُلْتَقَطَ عنه إنْ فَعَلْت إنْ كانت اللُّقَطَةُ مَالًا من مَالِ الْمُلْتَقِطِ بِحَالٍ فلم آمُرْهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ وأنا لَا آمُرُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ وَلَا بِمِيرَاثِهِ من أبيه وَإِنْ أَمَرْته بِالصَّدَقَةِ فَكَيْفَ
____________________

(4/67)


أُضَمِّنُهُ ما آمُرُهُ بِإِتْلَافِهِ وَإِنْ كانت الصَّدَقَةُ مَالًا من مَالِ الْمُلْتَقَطِ عنه فَكَيْفَ آمُرُ الْمُلْتَقِطَ بِأَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّ الْمَالِ ثُمَّ لَعَلَّهُ يَجِدُهُ رَبُّ الْمَالِ مُفْلِسًا فَأَكُونُ قد أَتْوَيْتُ مَالَهُ وَلَوْ تَصَدَّقَ بها مُلْتَقِطُهَا كان مُتَعَدِّيًا فَكَانَ لِرَبِّهَا أَنْ يَأْخُذَهَا بِعَيْنِهَا فَإِنْ نَقَصَتْ في أَيْدِي الْمَسَاكِينِ أو تَلِفَتْ رَجَعَ على الْمُلْتَقِطِ إنْ شَاءَ بِالتَّلَفِ وَالنُّقْصَانِ وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَرْجِعَ بها على الْمَسَاكِينِ رَجَعَ بها إنْ شَاءَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا الْتَقَطَ الْعَبْدُ اللُّقَطَةَ فَعَلِمَ السَّيِّدُ بِاللُّقَطَةِ فَأَقَرَّهَا بيده فَالسَّيِّدُ ضَامِنٌ لها في مَالِهِ في رَقَبَةِ الْعَبْدِ وَغَيْرِهِ إذَا اسْتَهْلَكَهَا الْعَبْدُ قبل السَّنَةِ أو بَعْدَهَا دُونَ مَالِ السَّيِّدِ لِأَنَّ أَخْذَهُ اللُّقَطَةَ عُدْوَانٌ إنَّمَا يَأْخُذُ اللُّقَطَةَ من له ذِمَّةٌ يَرْجِعُ بها عليه وَمَنْ له مَالٌ يَمْلِكُهُ وَالْعَبْدُ لَا مَالَ له وَلَا ذِمَّةَ وَكَذَلِكَ إنْ كان مُدَبَّرًا او مُكَاتَبًا أو أُمَّ وَلَدٍ وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُدَبَّرَةُ كلهم في مَعْنَى الْعَبْدِ إلَّا أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ لَا تُبَاعُ وَيَكُونُ في ذِمَّتِهَا إنْ لم يَعْلَمْهُ السَّيِّدُ وفي مَالِ المولى إنْ عَلِمَ ( قال الرَّبِيعُ ) وفي الْقَوْلِ الثَّانِي إنْ عَلِمَ السَّيِّدُ أَنَّ عَبْدَهُ الْتَقَطَهَا أو لم يَعْلَمْ فَأَقَرَّهَا في يَدِهِ فَهِيَ كَالْجِنَايَةِ في رَقَبَةِ الْعَبْدِ وَلَا يَلْزَمُ السَّيِّدُ في مَالِهِ شَيْءٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْمُكَاتَبُ في اللُّقَطَةِ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ مَالَهُ وَالْعَبْدُ بَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ عَبْدٌ يَقْضِي بِقَدْرِ رِقِّهِ فيه فَإِنْ الْتَقَطَ اللُّقَطَةَ في الْيَوْمِ الذي يَكُونُ لِنَفْسِهِ فيه أُقِرَّتْ في يَدَيْهِ وَكَانَتْ مَالًا من مَالِهِ لِأَنَّ ما كَسَبَ في ذلك الْيَوْمِ في مَعَانِي كَسْبِ الْأَحْرَارِ وَإِنْ الْتَقَطَهَا في الْيَوْمِ الذي هو فيه لِلسَّيِّدِ أَخَذَهَا السَّيِّدُ منه لِأَنَّ ما كَسَبَهُ في ذلك الْيَوْمِ لِلسَّيِّدِ وقد قِيلَ إذَا الْتَقَطَهَا في يَوْمِ نَفْسِهِ أَقَرَّ في يَدَيْ الْعَبْدِ بِقَدْرِ ما عَتَقَ منه وَأَخَذَ السَّيِّدُ بِقَدْرِ ما يَرِقُّ منه وإذا اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَبْدِ مع يَمِينِهِ لِأَنَّهَا في يَدَيْهِ وَلَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْتَفِعَ من اللُّقَطَةُ بِشَيْءٍ حتى تَمْضِيَ سَنَةٌ وإذا بَاعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ اللُّقَطَةَ قبل السَّنَةِ ثُمَّ جاء رَبُّهَا كان له فَسْخُ الْبَيْعِ وَإِنْ بَاعَهَا بَعْدَ السَّنَةِ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَيَرْجِعُ رَبُّ اللُّقَطَةِ على الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ أو قِيمَتِهَا إنْ شَاءَ فَأَيُّهُمَا شَاءَ كان له ( قال الرَّبِيعُ ) ليس له إلَّا ما بَاعَ إذَا كان بَاعَ بِمَا يَتَغَابَنُ الناس بمثله فَإِنْ كان بَاعَ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ الناس بمثله فله ( ( ( غله ) ) ) ما نَقَصَ عَمَّا يَتَغَابَنُ الناس بمثله ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كانت الضَّالَّةُ في يَدَيْ الْوَالِي فَبَاعَهَا فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَلِسَيِّدِ الضَّالَّةِ ثَمَنُهَا فَإِنْ كانت الضَّالَّةُ عَبْدًا فَزَعَمَ سَيِّدُ الْعَبْدِ أَنَّهُ أعتقه ( ( ( أعتقها ) ) ) قبل الْبَيْعِ قَبِلْت قَوْلَهُ مع يَمِينِهِ إنْ شَاءَ الْمُشْتَرِي يَمِينَهُ وَفَسَخْت الْبَيْعَ وَجَعَلْته حُرًّا وَرَدَدْت الْمُشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ الذي أَخَذَ منه ( قال الرَّبِيعُ ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا يُفْسَخُ الْبَيْعُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ لِأَنَّ بَيْعَ الْوَالِي كَبَيْعِ صَاحِبِهِ فَلَا يُفْسَخُ بَيْعُهُ إلَّا بِبَيِّنَةِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ قبل بَيْعِهِ لِأَنَّ رَجُلًا لو بَاعَ عَبْدًا ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ قبل أَنْ يَبِيعَهُ لم يُقْبَلْ قَوْلُهُ فَيُفْسَخُ على الْمُشْتَرِي بَيْعُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ على ذلك ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا الْتَقَطَ الرَّجُلُ الطَّعَامَ الرَّطْبَ الذي لَا يَبْقَى فَأَكَلَهُ ثُمَّ جاء صَاحِبُهُ غَرِمَ قِيمَتَهُ وَلَهُ أَنْ يَأْكُلَهُ إذَا خَافَ فَسَادَهُ وإذا الْتَقَطَ الرَّجُلُ ما يَبْقَى لم يَكُنْ له أَكْلُهُ إلَّا بَعْدَ سَنَةٍ مِثْلَ الْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ وما أَشْبَهَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالرِّكَازُ دَفْنُ الْجَاهِلِيَّةِ فما وَجَدَ من مَالِ الْجَاهِلِيَّةِ على وَجْهِ الْأَرْضِ فَهُوَ لُقَطَةٌ من اللُّقَطِ يُصْنَعُ فيه ما يَصْنَعُ في اللُّقَطَةِ لِأَنَّ وُجُودَهُ على ظَهْرِ الْأَرْضِ وفي مَوَاضِعِ اللُّقَطَةِ يَدُلُّ على انه مِلْكٌ سَقَطَ من مَالِكِهِ وَلَوْ تَوَرَّعَ صاحبه ( ( ( صاحب ) ) ) فَأَدَّى خُمْسَهُ كان أَحَبُّ إلَيَّ وَلَا يَلْزَمُهُ ذلك ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا وَجَدَ الرَّجُلُ ضَالَّةَ الْإِبِلِ لم يَكُنْ له أَخْذُهَا فَإِنْ أَخَذَهَا ثُمَّ أَرْسَلَهَا حَيْثُ وَجَدَهَا فَهَلَكَتْ ضَمِنَ لِصَاحِبِهَا قِيمَتَهَا وَالْبَقَرُ وَالْحَمِيرُ وَالْبِغَالُ في ذلك بِمَنْزِلَةِ ضَوَالِّ الْإِبِلِ وَغَيْرِهَا وإذا أَخَذَ السُّلْطَانُ الضَّوَالَّ فَإِنْ كان لها حِمًى يَرْعُونَهَا فيه بِلَا مُؤْنَةٍ على رَبِّهَا رَعَوْهَا فيه إلَى أَنْ يَأْتِيَ رَبُّهَا وَإِنْ لم يَكُنْ لها حِمًى بَاعُوهَا وَدَفَعُوا أَثْمَانَهَا لِأَرْبَابِهَا وَمَنْ أَخَذَ ضَالَّةً فَأَنْفَقَ عليها فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ بِالنَّفَقَةِ لَا يَرْجِعُ على صَاحِبِهَا بِشَيْءٍ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ على صَاحِبِهَا بِمَا أَنْفَقَ فَلْيَذْهَبْ إلَى الْحَاكِمِ حتى يَفْرِضَ لها نَفَقَةً وَيُوَكِّلَ غَيْرَهُ بِأَنْ يَقْبِضَ لها تِلْكَ النَّفَقَةَ منه وَيُنْفِقَ عليها وَلَا يَكُونُ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَأْذَنَ له أَنْ يُنْفِقَ عليها إلَّا الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وما أَشْبَهَ ذلك مِمَّا لَا يَقَعُ من ثَمَنِهَا مَوْقِعًا فإذا جَاوَزَ ذلك أَمَرَ بِبَيْعِهَا وَمَنْ الْتَقَطَ لُقَطَةً فَاللُّقَطَةُ مُبَاحَةٌ فَإِنْ
____________________

(4/68)


هَلَكَتْ منه بِلَا تَعَدٍّ فيها فَلَيْسَ بِضَامِنٍ لها وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ وإذا الْتَقَطَهَا ثُمَّ رَدَّهَا في مَوْضِعِهَا فَضَاعَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ لها وَإِنْ رَآهَا فلم يَأْخُذْهَا فَلَيْسَ بِضَامِنٍ لها وَهَكَذَا إنْ دَفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ فَضَاعَتْ أُضَمِّنُهُ من ذلك ما أُضَمِّنُ الْمُسْتَوْدَعَ واطرح عنه الضَّمَانَ فِيمَا أَطْرَحُ عن الْمُسْتَوْدَعِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا حَلَّ الرَّجُلُ دَابَّةَ الرَّجُلِ فَوَقَفَتْ ثُمَّ مَضَتْ أو فَتَحَ قَفَصًا لِرَجُلٍ عن طَائِرٍ ثُمَّ خَرَجَ بَعْدُ لم يَضْمَنْ لِأَنَّ الطَّائِرَ وَالدَّابَّةَ أَحْدَثَا الذَّهَابَ وَالذَّهَابُ غَيْرُ فِعْلِ الْحَالِّ وَالْفَاتِحِ وَهَكَذَا الْحَيَوَانُ كُلُّهُ وما فيه رُوحٌ وَلَهُ عَقْلٌ يَقِفُ فيه بِنَفْسِهِ وَيَذْهَبُ بِنَفْسِهِ فَأَمَّا ما لَا عَقْلَ له وَلَا رُوحَ فيه مِمَّا يَضْبِطُهُ الرِّبَاطُ مِثْلَ زِقِّ زَيْتٍ وَرَاوِيَةِ مَاءٍ فَحَلَّهَا الرَّجُلُ فَتَدَفَّقَ الزَّيْتُ فَهُوَ ضَامِنٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ حَلَّ الزَّيْتَ وهو مُسْتَنِدٌ قَائِمٌ فَكَانَ الْحِلُّ لَا يُدَفِّقُهُ فَثَبَتَ قَائِمًا ثُمَّ سَقَطَ بَعْدُ فَإِنْ طَرَحَهُ إنْسَانٌ فَطَارِحُهُ ضَامِنٌ لِمَا ذَهَبَ منه وَإِنْ لم يَطْرَحْهُ إنْسَانٌ لم يَضْمَنْهُ الْحَالُّ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الزَّيْتَ إنَّمَا ذَهَبَ بِالطَّرْحِ دُونَ الْحَلِّ وَأَنَّ الْحَلَّ قد كان وَلَا جِنَايَةَ فيه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا جَعْلَ لِأَحَدٍ جاء بِآبِقٍ وَلَا ضَالَّةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ جُعِلَ له فيه فَيَكُونُ له ما جُعِلَ له وَسَوَاءٌ في ذلك من يُعْرَفُ بِطَلَبِ الضَّوَالِّ وَمَنْ لَا يُعْرَفُ بِهِ وَمَنْ قال لِأَجْنَبِيٍّ إنْ جِئْتَنِي بِعَبْدِي الْآبِقِ فَلَكَ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ ثُمَّ قال لِآخَرَ إنْ جِئْتَنِي بِعَبْدِي الْآبِقِ فَلَكَ عِشْرُونَ دِينَارًا ثُمَّ جَاءَا بِهِ جميعا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ جَعْلِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَ نِصْفَ ما جُعِلَ عليه كُلُّهُ كان صَاحِبُ الْعَشَرَةِ قد سمع قَوْلَهُ لِصَاحِبِ الْعِشْرِينَ أو لم يَسْمَعْهُ وَكَذَلِكَ لو قال لِثَلَاثَةٍ فقال لِأَحَدِهِمْ إنْ جِئْتنِي بِهِ فَلَكَ كَذَا وَلِآخَرَ وَلِآخَرَ فَجَعَلَ أَجْعَالًا مُخْتَلِفَةً ثُمَّ جاؤوا بِهِ جميعا فَلِكُلِّ واحد ( ( ( أحد ) ) ) منهم ثُلُثُ جَعْلِهِ - * وفي اخْتِلَافِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ اللُّقَطَةَ - * ( قال الرَّبِيعُ ) سَأَلْت الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَمَّنْ وَجَدَ لُقَطَةً قال يُعَرِّفُهَا سَنَةً ثُمَّ يَأْكُلُهَا إنْ شَاءَ مُوسِرًا كان أو مُعْسِرًا فإذا جاء صَاحِبُهَا ضَمِنَهَا له فَقُلْت له وما الْحُجَّةُ في ذلك فقال السُّنَّةُ الثَّابِتَةُ وَرَوَى هذا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أُبَيّ بن كَعْبٍ وَأَمَرَهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِأَكْلِهَا وَأُبَيُّ من مَيَاسِيرِ الناس يَوْمَئِذٍ وَقَبْلُ بعد ( ( ( وبعد ) ) ) ( أخبرنا ) مَالِكٌ عن رَبِيعَةَ بن أبي عبد الرحمن عن يَزِيدَ مولى الْمُنْبَعِثِ عن زَيْدِ بن خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قال جاء رَجُلٌ إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَسَأَلَهُ عن اللُّقَطَةِ فقال أعرف عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سنة فَإِنْ جاء صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَشَأْنُك بها ( أخبرنا ) مَالِكٌ عن أَيُّوبَ بن مُوسَى عن مُعَاوِيَةَ بن عبد اللَّهِ بن بَدْرٍ أَنَّ أَبَاهُ أخبره أَنَّهُ نَزَلَ مَنْزِلَ قَوْمٍ بِطَرِيقِ الشَّامِ فَوَجَدَ صُرَّةً فيها ثَمَانُونَ دِينَارًا فذكر ذلك لِعُمَرَ بن الْخَطَّابِ فقال له عُمَرُ عَرِّفْهَا على أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ وَاذْكُرْهَا لِمَنْ يَقْدُمُ من الشَّامِ سَنَةً فإذا مَضَتْ السَّنَةُ فَشَأْنُك بها ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَرَوَيْتُمْ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ عن عُمَرَ أَنَّهُ أَبَاحَ بَعْدَ سَنَةٍ أَكْلَ اللُّقَطَةِ ثُمَّ خَالَفْتُمْ ذلك فَقُلْتُمْ يُكْرَهُ أَكْلُ اللُّقَطَةِ لِلْغَنِيِّ وَالْمِسْكَيْنِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ لُقَطَةً فَجَاءَ إلَى عبد اللَّهِ بن عُمَرَ فقال إنِّي وَجَدْتُ لُقَطَةً فَمَاذَا تَرَى فقال له بن عُمَرَ عَرِّفْهَا قال قد فَعَلْت قال فَزِدْ قال فَعَلْت قال لَا آمُرُك أَنْ تَأْكُلَهَا وَلَوْ شِئْت لم تَأْخُذْهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وبن عُمَرَ لم يُوَقِّتْ في التَّعْرِيفِ وَقْتًا وَأَنْتُمْ تُوَقِّتُونَ في التَّعْرِيفِ سَنَةً وبن عُمَرَ كَرِهَ لِلَّذِي وَجَدَ اللُّقَطَةَ أَكْلَهَا غَنِيًّا كان أو فَقِيرًا وَأَنْتُمْ ليس هَكَذَا تَقُولُونَ وبن عُمَرَ يَكْرَهُ له أَخْذَهَا وبن عُمَرَ كَرِهَ له أَنْ يَتَصَدَّقَ بها وَأَنْتُمْ لَا تَكْرَهُونَ له أَخْذَهَا بَلْ تَسْتَحِبُّونَهُ وَتَقُولُونَ لو تَرَكَهَا ضَاعَتْ
____________________

(4/69)


- * وَتَرْجَمَ في كِتَابِ اخْتِلَافِ عَلِيٍّ وبن مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ عنهما اللُّقَطَةَ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال دخل على بن قَيْسٍ قال سَمِعْت هُزَيْلًا يقول رَأَيْت عَبْدَ اللَّهِ أَتَاهُ رَجُلٌ بِصُرَّةٍ مَخْتُومَةٍ فقال عَرَّفْتُهَا ولم أَجِدْ من يَعْرِفُهَا قال اسْتَمْتِعْ بها وَهَذَا قَوْلُنَا إذَا عَرَّفَهَا سَنَةً فلم يَجِدْ من يَعْرِفُهَا فَلَهُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بها وَهَكَذَا السُّنَّةُ الثَّابِتَةُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَحَدِيثُ بن مَسْعُودٍ يُشْبِهُ السُّنَّةَ وقد خَالَفُوا هذا كُلَّهُ وَرَوَوْا حَدِيثًا عن عَامِرٍ عن أبيه عن عبد اللَّهِ أَنَّهُ اشْتَرَى جَارِيَةً فَذَهَبَ صَاحِبُهَا فَتَصَدَّقُوا بِثَمَنِهَا وقال اللَّهُمَّ عن صَاحِبِهَا فَإِنْ كَرِهَ فَلِي وعلى الْغُرْمُ ثُمَّ قال وَهَكَذَا نَفْعَلُ بِاللُّقَطَةِ فَخَالَفُوا السُّنَّةَ في اللُّقَطَةِ التي لَا حُجَّةَ فيها وَخَالَفُوا حَدِيثَ بن مَسْعُودٍ الذي يُوَافِقُ السُّنَّةَ وهو عِنْدَهُمْ ثَابِتٌ وَاحْتَجُّوا بهذا الحديث الذي عن عَامِرٍ وَهُمْ يُخَالِفُونَهُ فِيمَا هو بِعَيْنِهِ يَقُولُونَ إنْ ذَهَبَ الْبَائِعُ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا وَلَكِنَّهُ يَحْبِسُهُ حتى يَأْتِيَ صَاحِبُهَا مَتَى جاء (1) * ( أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ ) قال سَمِعْت الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ يقول في الْمَنْبُوذِ هو حُرٌّ وَلَا وَلَاءَ له وَإِنَّمَا يَرِثُهُ الْمُسْلِمُونَ بِأَنَّهُمْ قد خُوِّلُوا كُلَّ مَالٍ لَا مَالِكَ له أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ مَالَ النَّصْرَانِيِّ وَلَا وَارِثَ له وَلَوْ كَانُوا أَعْتَقُوهُ لم يَأْخُذُوا مَالَهُ بِالْوَلَاءِ وَلَكِنَّهُمْ خُوِّلُوا ما لَا مَالِكَ له من الْأَمْوَالِ وَلَوْ وَرِثَهُ الْمُسْلِمُونَ وَجَبَ على الْإِمَامِ أَنْ لَا يُعْطِيَهُ أَحَدًا من الْمُسْلِمِينَ دُونَ أَحَدٍ وَأَنْ يَكُونَ أَهْلُ السُّوقِ وَالْعَرَبِ من الْمُسْلِمِينَ فيه سَوَاءً ثُمَّ وَجَبَ عليه أَنْ يَجْعَلَ وَلَاءَهُ يوم وَلَدَتْهُ أُمُّهُ لِجَمَاعَةِ الْأَحْيَاءِ من الْمُسْلِمِينَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ثُمَّ يَجْعَلُ مِيرَاثَهُ لِوَرَثَتِهِ من كان حَيًّا من الْمُسْلِمِينَ من الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ كما يُورَثُ الْوَلَاءُ وَلَكِنَّهُ مَالٌ كما وَصَفْنَا لَا مَالِكَ له وَيُرَدُّ على الْمُسْلِمِينَ يَضَعُهُ الْإِمَامُ على الِاجْتِهَادِ حَيْثُ يَرَى - * وَتَرْجَمَ في سِيَرِ الْأَوْزَاعِيِّ الصَّبِيُّ يُسْبَى ثُمَّ يَمُوتُ - * سُئِلَ أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ عن الصَّبِيِّ يُسْبَى وَأَبُوهُ كَافِرٌ وَقَعَا في سَهْمِ رَجُلٍ ثُمَّ مَاتَ أَبُوهُ وهو كَافِرٌ ثُمَّ مَاتَ الْغُلَامُ قبل أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالْإِسْلَامِ فقال لَا يُصَلَّى عليه وهو على دِينِ أبيه لِأَنَّهُ لَا يُقِرُّ بِالْإِسْلَامِ وقال الْأَوْزَاعِيُّ مَوْلَاهُ أَوْلَى من أبيه يُصَلَّى عليه وقال لو لم يَكُنْ معه أَبُوهُ وَخَرَجَ أَبُوهُ مُسْتَأْمَنًا لَكَانَ لِمَوْلَاهُ أَنْ يَبِيعَهُ من أبيه وقال أبو يُوسُفَ إذَا لم يُسْبَ معه أَبُوهُ صَارَ مُسْلِمًا ليس لِمَوْلَاهُ أَنْ يَبِيعَهُ من أبيه إذَا دخل بِأَمَانٍ وهو يَنْقُضُ قَوْلَ الْأَوْزَاعِيِّ إنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُبْتَاعَ السَّبْيُ وَيُرَدَّ إلَى دَارِ الْحَرْبِ في مَسْأَلَةٍ قبل هذا فَالْقَوْلُ في هذا ما قال أبو حَنِيفَةَ إذَا كان معه ابواه أو أَحَدُهُمَا فَهُوَ على دِينِهِ حتى يُقِرَّ بِالْإِسْلَامِ وإذا لم يَكُنْ معه أَبَوَاهُ أو أَحَدُهُمَا فَهُوَ مُسْلِمٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) سَبَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نِسَاءَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَذَرَارِيِّهِمْ فَبَاعَهُمْ من الْمُشْرِكِينَ فَاشْتَرَى أبو الشَّحْمِ الْيَهُودِيُّ أَهْلَ بيت ( ( ( بنت ) ) ) عَجُوزٍ وَلَدَهَا من النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَبَعَثَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِمَا بَقِيَ من السَّبَايَا اثلاثا ثُلُثًا إلَى تِهَامَةَ وَثُلُثًا إلَى نَجْدٍ وَثُلُثًا إلَى طَرِيقِ الشَّامِ فَبِيعُوا بِالْخَيْلِ وَالسِّلَاحِ وَالْإِبِلِ وَالْمَالِ وَفِيهِمْ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وقد يُحْتَمَلُ هذا أَنْ يَكُونُوا من أَجْلِ أَنَّ أُمَّهَاتِ الْأَطْفَالِ مَعَهُمْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ في الْأَطْفَالِ من لَا أُمَّ له فإذا سُبُوا مع أُمَّهَاتِهِمْ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُبَاعُوا من الْمُشْرِكِينَ وَكَذَلِكَ لو سُبُوا مع آبَائِهِمْ وَلَوْ مَاتَ أُمَّهَاتُهُمْ وَآبَاؤُهُمْ قبل أَنْ يَبْلُغُوا فَيَصِفُوا الْإِسْلَامَ لم يَكُنْ لنا أَنْ نُصَلِّيَ عليهم لِأَنَّهُمْ على دَيْنِ الْأُمَّهَاتِ وَالْآبَاءِ إذَا كان النِّسَاءُ بَلْغًا فَلَنَا بَيْعُهُمْ بَعْدَ مَوْتِ أُمَّهَاتِهِمْ من الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّا قد حَكَمْنَا عليهم بِأَنَّ حُكْمَ الشِّرْكِ ثَابِتٌ عليهم إذَا تَرَكْنَا الصَّلَاةَ عليهم كما حَكَمْنَا بِهِ وَهُمْ مع آبَائِهِمْ لَا فَرْقَ بين ذلك إذَا لَزِمَهُمْ
____________________
1- * كِتَابُ اللَّقِيطِ

(4/70)


حُكْمُ الشِّرْكِ كان لنا بَيْعُهُمْ من الْمُشْرِكِينَ وَكَذَلِكَ النِّسَاءُ الْبَوَالِغُ قد اسْتَوْهَبَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم جَارِيَةً بَالِغًا من أَصْحَابِهِ فَفَدَى بها رَجُلَيْنِ - * وَتَرْجَمَ في اخْتِلَافِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ بَابُ الْمَنْبُوذِ - * ( أخبرنا ) مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن سِنِينَ أبي جَمِيلَةَ رَجُلٌ من بَنِي سُلَيْمٍ أَنَّهُ وَجَدَ مَنْبُوذًا في زَمَانِ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ فَجَاءَ بِهِ إلَى عُمَرَ فقال ما حَمَلَك على أَخْذِ هذه النَّسَمَةِ قال وَجَدْتهَا ضَائِعَةً فَأَخَذْتهَا فقال عَرِيفِي يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أنه رَجُلٌ صَالِحٌ فقال أَكَذَلِكَ قال نعم قال عُمَرُ اذْهَبْ فَهُوَ حُرٌّ وَوَلَاؤُهُ لَك وَعَلَيْنَا نَفَقَتُهُ قال مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عليه عِنْدَنَا في الْمَنْبُوذِ أَنَّهُ حُرٌّ وَأَنَّ وَلَاءَهُ لِلْمُسْلِمِينَ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَبِقَوْلِ مَالِكٍ نَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقَدْ تَرَكْتُمْ ما روى عن عُمَرَ في الْمَنْبُوذِ فَإِنْ كُنْتُمْ تَرَكْتُمُوهُ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ فَقَدْ زَعَمْتُمْ أَنَّ في ذلك دَلِيلًا على أَنْ لَا يَكُونَ الْوَلَاءُ إلَّا لِمَنْ أُعْتِقَ وَلَا يَزُولُ عن مُعْتَقٍ فَقَدْ خَالَفْتُمْ عُمَرَ اسْتِدْلَالًا بِالسُّنَّةِ ثُمَّ خَالَفْتُمْ السُّنَّةَ فَزَعَمْتُمْ أَنَّ السَّائِبَةَ لَا يَكُونُ وَلَاؤُهُ للذى أَعْتَقَهُ وهو مُعْتَقٌ فَخَالَفْتُمُوهُمَا جميعا وَخَالَفْتُمْ السُّنَّةَ في النَّصْرَانِيِّ يَعْتِقُ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ فَزَعَمْتُمْ أَنْ لَا وَلَاءَ له وهو مُعْتَقٌ وَخَالَفْتُمْ السُّنَّةَ في الْمَنْبُوذِ إذْ كان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ فَهَذَا نفي أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَالْمَنْبُوذُ غَيْرُ مُعْتَقٍ وَلَا وَلَاءَ له فَمَنْ أَجْمَعَ تَرَكَ السُّنَّةَ وَخَالَفَ عُمَرَ فَيَا لَيْتَ شَعْرِي من هَؤُلَاءِ المجمعون ( ( ( المجمعين ) ) ) لَا يُسَمُّونَ فَإِنَّا لَا نَعْرِفُهُمْ وهو الْمُسْتَعَانُ ولم يُكَلِّفْ اللَّهُ أَحَدًا أَنْ يَأْخُذَ دِينَهُ عَمَّنْ لَا يَعْرِفُهُ وَلَوْ كَلَّفَهُ أَفَيَجُوزُ له أَنْ يَقْبَلَ عَمَّنْ لَا يَعْرِفُ إنَّ هذه لَغَفْلَةٌ طَوِيلَةٌ فَلَا أَعْرِفُ أَحَدًا يؤخذ عنه هذا الْعِلْمَ يُؤْخَذُ عليه مِثْلُ هذا في قَوْلِهِ وَاحِدٌ يَتْرُكُ ما روى في اللَّقِيطِ عن عُمَرَ لِلسُّنَّةِ ثُمَّ يَدَعُ السُّنَّةَ فيه في مَوْضِعٍ آخَرَ في السَّائِبَةِ وَالنَّصْرَانِيِّ يُعْتِقُ الْمُسْلِمَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد خَالَفَنَا بَعْضُ الناس في هذا فَكَانَ قَوْلُهُ أَشَدَّ تَوْجِيهًا من قَوْلِكُمْ قالوا يُتَّبَعُ ما جاء عن عُمَرَ في اللَّقِيطِ لِأَنَّهُ قد يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ خِلَافًا لِلسُّنَّةِ وَأَنْ تَكُونَ السُّنَّةُ في الْمُعْتَقِ فِيمَنْ لَا وَلَاءَ له وَيَجْعَلُ وَلَاءَ الرَّجُلِ يُسْلِمُ على يَدَيْهِ الرَّجُلُ لِلْمُسْلِمِ بِحَدِيثِ عبد الْعَزِيزِ بن عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَقَالُوا في السَّائِبَةِ وَالنَّصْرَانِيِّ يُعْتِقُ الْمُسْلِمَ قَوْلَنَا فَزَعَمْنَا أَنَّ عليهم حُجَّةً بِأَنَّ قَوْلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ لَا يَكُونُ الْوَلَاءُ إلَّا لِمُعْتَقٍ وَلَا يَزُولُ عن مُعْتِقٍ فَإِنْ كانت لنا عليهم بِذَلِكَ حُجَّةٌ فَهِيَ عَلَيْكُمْ أَبْيَنُ لِأَنَّكُمْ خَالَفْتُمُوهُ حَيْثُ يَنْبَغِي أَنْ تُوَافِقُوهُ وَوَافَقْتُمُوهُ حَيْثُ كان لَكُمْ شُبْهَةٌ لو خَالَفْتُمُوهُ - * بَابُ الْجَعَالَة وَلَيْسَ في التَّرَاجِمِ - * وفي آخِرِ اللُّقَطَةِ الْكَبِيرَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا جَعْلَ لِأَحَدٍ جاء بِآبِقٍ وَلَا ضَالَّةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَعَلَ له فيه فَيَكُونُ له ما جَعَلَ له وَسَوَاءٌ في ذلك من يُعْرَفُ بِطَلَبِ الضَّوَالِّ وَمَنْ لَا يُعْرَفُ بِهِ وَمَنْ قال لِأَجْنَبِيٍّ إنْ
____________________

(4/71)


جِئْتنِي بِعَبْدِي الْآبِقِ فَلَكَ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ ثُمَّ قال لآخر ( ( ( الآخر ) ) ) إنْ جِئْتنِي بِعَبْدِي الْآبِقِ فَلَكَ عِشْرُونَ دِينَارًا ثُمَّ جاآ ( ( ( جاءا ) ) ) بِهِ جميعا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ جَعْلِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَ نِصْفَ ما جَعَلَ عليه كان صَاحِبُ الْعَشَرَةِ قد سمع قَوْلَهُ لِصَاحِبِ الْعِشْرِينَ أو لم يَسْمَعْهُ وَكَذَلِكَ لو قال لِثَلَاثَةٍ فقال لِأَحَدِهِمْ إنْ جِئْتنِي بِهِ فَلَكَ كَذَا وَلِآخَرَ وَلِآخَرَ فَجَعَلَ أَجْعَالًا مُخْتَلِفَةً ثُمَّ جاؤوا بِهِ مَعًا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ منهم ثُلُثُ جَعْلِهِ (1) * - * بَابُ الْمَوَارِيثِ - * - * من سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى له الْمِيرَاثَ وكان يَرِثُ وَمَنْ خَرَجَ من ذلك - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى مِيرَاثَ الْوَالِدَيْنِ وَالْإِخْوَةِ وَالزَّوْجَةِ وَالزَّوْجِ فَكَانَ ظَاهِرُهُ أَنَّ من كان وَالِدًا أو أَخًا مَحْجُوبًا وزوج ( ( ( وزوجا ) ) ) وَزَوْجَةً فإن ظَاهِرَهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَرِثُوا وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ سمى له مِيرَاثٌ إذَا كان في حَالٍ دُونَ حَالٍ فَدَلَّتْ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ أَقَاوِيلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ على أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ أَهْلَ الْمَوَارِيثِ إنَّمَا وَرِثُوا إذَا كَانُوا في حَالٍ دُونَ حَالٍ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ وَهَكَذَا نَصُّ السُّنَّةِ قال لَا وَلَكِنْ هَكَذَا دَلَالَتُهَا قُلْت وَكَيْفَ دَلَالَتُهَا قال أَنْ يَكُونَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال قَوْلًا يَدُلُّ على أَنَّ بَعْضَ من سمى له مِيرَاثٌ لَا يَرِثُ فَيُعْلَمُ أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى لو كان على أَنْ يَرِثَ من لَزِمَهُ اسْمُ الْأُبُوَّةِ وَالزَّوْجَةِ وَغَيْرِهِ عَامًّا لم يَحْكُمْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في أَحَدٍ لَزِمَهُ اسْمُ الْمِيرَاثِ بِأَنْ لَا يَرِثَ بِحَالٍ قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ فَاذْكُرْ الدَّلَالَةَ فِيمَنْ لَا يَرِثُ مَجْمُوعَةً قال لَا يَرِثُ أَحَدٌ مِمَّنْ سُمِّيَ له مِيرَاثٌ حتى يَكُونَ دِينُهُ دِينَ الْمَيِّتِ الْمَوْرُوثِ وَيَكُونُ حُرًّا وَيَكُونُ بَرِيئًا من أَنْ يَكُونَ قَاتِلًا لِلْمَوْرُوثِ فإذا بريء من هذه الثَّلَاثِ الْخِصَالِ وَرِثَ وإذا كانت فيه وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ لم يَرِثْ فَقُلْت فَاذْكُرْ ما وَصَفْت قال أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن الزُّهْرِيِّ عن عَلِيِّ بن الْحُسَيْنِ عن عَمْرِو بن عُثْمَانَ عن أُسَامَةَ بن زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ وَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن عَلِيِّ بن الْحُسَيْنِ عن عَمْرِو بن عُثْمَانَ عن أُسَامَةَ بن زَيْدٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ وَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن عَلِيِّ بن الْحُسَيْنِ قال إنَّمَا وَرِثَ ابا طَالِبٍ عَقِيلٌ وَطَالِبٌ ولم يَرِثْهُ عَلِيٌّ وَلَا جَعْفَرٌ قال فَلِذَلِكَ تَرَكْنَا نَصِيبَنَا من الشِّعْبِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَدَلَّتْ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على ما وَصَفْت لَك من أَنَّ الدِّينَيْنِ إذَا اخْتَلَفَا بِالشِّرْكِ وَالْإِسْلَامِ لم يَتَوَارَثْ من سُمِّيَتْ له فَرِيضَةٌ أخبرنا سُفْيَانُ عن الزُّهْرِيِّ عن سَالِمٍ عن أبيه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من بَاعَ عَبْدًا له مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فلما قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّ مَالَ الْعَبْدِ إذَا بِيعَ لِسَيِّدِهِ دَلَّ هذا على أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ شيئا وَأَنَّ اسْمَ مَالِهِ إنَّمَا هو إضَافَةُ الْمَالِ إلَيْهِ كما يَجُوزُ في كَلَامِ الْعَرَبِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِأَجِيرٍ في غَنَمِهِ وَدَارِهِ وَأَرْضِهِ هذه أَرْضُك وَهَذِهِ غَنَمُك على الْإِضَافَةِ لَا الْمِلْكِ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على أَنَّ هذا مَعْنَاهُ وهو يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ مِلْكًا له قِيلَ له قَضَاءُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِأَنَّ مَالَهُ لِلْبَائِعِ دَلَالَةٌ على أَنَّ مِلْكَ الْمَالِ لِمَالِكِ الرَّقَبَةِ وَأَنَّ الْمَمْلُوكَ لَا يَمْلِكُ شيئا ولم أَسْمَعْ اخْتِلَافًا في أَنَّ قَاتِلَ الرَّجُلِ عَمْدًا لَا يَرِثُ من قَتَلَ من دِيَةٍ وَلَا مَالٍ شيئا ثُمَّ افْتَرَقَ الناس في الْقَاتِلِ خَطَأً فقال بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَرِثُ من الْمَالِ وَلَا يَرِثُ من الدِّيَةِ
____________________
1- * كِتَابُ الْفَرَائِضِ

(4/72)


وروى ذلك عن بَعْضِ أَصْحَابِنَا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِحَدِيثٍ لَا يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وقال غَيْرُهُمْ لَا يَرِثُ قَاتِلُ الخطإ من دِيَةٍ وَلَا مَالٍ وهو كَقَاتِلِ الْعَمْدِ وإذا لم يَثْبُتْ الْحَدِيثُ فَلَا يَرِثُ قَاتِلُ عَمْدٍ وَلَا خطإ شيئا أَشْبَهَ بِعُمُومِ أَنْ لَا يَرِثَ قَاتِلٌ مِمَّنْ قَتَلَ - * بَابُ الْخِلَافِ في مِيرَاثِ أَهْلِ الْمِلَلِ وَفِيهِ شَيْءٌ يَتَعَلَّقُ بِمِيرَاثِ الْعَبْدِ وَالْقَاتِلِ - * ( قال الرَّبِيعُ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَوَافَقَنَا بَعْضُ الناس فقال لَا يَرِثُ مَمْلُوكٌ وَلَا قَاتِلٌ عَمْدًا وَلَا خَطَأً وَلَا كَافِرٌ شيئا ثُمَّ عَادَ فقال إذَا ارْتَدَّ الرَّجُلُ عن الاسلام فَمَاتَ على الرِّدَّةِ أو قُتِلَ وَرِثَهُ وَرَثَتُهُ الْمُسْلِمُونَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقِيلَ لِبَعْضِهِمْ أَيَعْدُو الْمُرْتَدُّ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا أو مُسْلِمًا قال بَلْ كَافِرٌ قِيلَ فَقَدْ قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ ولم يَسْتَثْنِ من الْكُفَّارِ أَحَدًا فَكَيْفَ وَرَّثْت مُسْلِمًا كَافِرًا فقال إنَّهُ كَافِرٌ قد كان ثَبَتَ له حُكْمُ الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَزَالَهُ عن نَفْسِهِ قُلْنَا فَإِنْ كان زَالَ بِإِزَالَتِهِ إيَّاهُ فَقَدْ صَارَ إلَى أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ قَضَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ لَا يَرِثَهُ مُسْلِمٌ وَلَا يَرِثُ مُسْلِمًا وَإِنْ كان لم يَزُلْ بِإِزَالَتِهِ إيَّاهُ أَفَرَأَيْت أَنَّ من مَاتَ له بن مُسْلِمٌ وهو مُرْتَدٌّ أَيَرِثُهُ قال لَا قُلْنَا وَلِمَ حَرَمْتَهُ قال لِلْكُفْرِ قُلْنَا فَلِمَ لَا يُحْرَمُ منه بِالْكُفْرِ كما حَرَمْته هل يَعْدُو أَنْ يَكُونَ في الْمِيرَاثِ بِحَالِهِ قبل أَنْ يَرْتَدَّ فَيَرِثَ وَيُورَثَ أو يَكُونَ خَارِجًا من حَالِهِ قبل أَنْ يَرْتَدَّ فَلَا يَرِثَ وَلَا يُورَثَ وقد قَتَلْته وَذَلِكَ يَدُلُّ على أَنَّ حاله قد زَالَتْ بِإِزَالَتِهِ وَحَرَّمْت عليه امْرَأَتَهُ وَحَكَمْت عليه حُكْمَ الْمُشْرِكِينَ في بَعْضٍ وَحُكْمَ الْمُسْلِمِينَ في بَعْضٍ قال فَإِنِّي إنَّمَا ذَهَبْت إلَى أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ تعالى عنه وَرَّثَ وَرَثَةَ مُرْتَدٍّ قَتَلَهُ من الْمُسْلِمِينَ مَالَهُ قُلْنَا قد رَوَيْته عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه وقد زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ قَبْلَك أَنَّهُ غُلِطَ على عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَلَوْ كان ثَابِتًا عنه كان أَصْلُ مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِك أَنَّهُ لَا حُجَّةَ في أَحَدٍ مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَا يَرِثُ الْكَافِرُ الذي لم يَزَلْ كَافِرًا قُلْنَا فَإِنْ كان حُكْمُ الْمُرْتَدِّ مُخَالِفًا حُكْمَ من لم يَزَلْ كَافِرًا فَوَرَّثَهُ فَوَرَثَتُهُ الْمُسْلِمُونَ إذَا مَاتُوا قَبْلَهُ فعلى لم يَنْهَك عن هذا قال هو دَاخِلٌ في جُمْلَةِ الحديث عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قُلْت فَإِنْ كان دَاخِلًا في جُمْلَةِ الحديث عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَزِمَك أَنْ تَتْرُكَ قَوْلَك في أَنَّ وَرَثَتَهُ من الْمُسْلِمِينَ يَرِثُونَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد روى عن مُعَاذِ بن جَبَلٍ وَمُعَاوِيَةَ وَمَسْرُوقٍ وبن الْمُسَيِّبِ وَمُحَمَّدِ بن عَلِيِّ بن الْحُسَيْنِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَرِثُ الْكَافِرَ وَلَا يَرِثُهُ الْكَافِرُ وقال بَعْضُهُمْ كما تَحِلُّ لنا نِسَاؤُهُمْ وَلَا تَحِلُّ لهم نِسَاؤُنَا فَإِنْ قال لَك قَائِلٌ قَضَاءُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كان في كَافِرٍ من أَهْلِ الْأَوْثَانِ وَأُولَئِكَ لَا تَحِلُّ ذَبَائِحُهُمْ وَلَا نِسَاؤُهُمْ وَأَهْلُ الْكِتَابِ غَيْرُهُمْ فَيَرِثُ الْمُسْلِمُونَ من أَهْلِ الْكِتَابِ اعْتِمَادًا على ما وَصَفْنَا أو بَعْضِهِمْ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ لهم ما احْتَمَلَ لَك بَلْ لهم شُبْهَةٌ لَيْسَتْ لَك بِتَحْلِيلِ ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَنِسَائِهِمْ قال لَا يَحِلُّ له ذلك قُلْنَا وَلِمَ قال لِأَنَّهُمْ دَاخِلُونَ في الْكَافِرِينَ وَحَدِيثُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم جُمْلَةٌ قُلْنَا فَكَذَلِكَ الْمُرْتَدُّ دَاخِلٌ في جُمْلَةِ الْكَافِرِينَ
____________________

(4/73)


- * بَابُ من قال لَا يُورَثُ أَحَدٌ حتى يَمُوتَ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل { إنْ امْرُؤٌ هَلَكَ ليس له وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ ما تَرَكَ وهو يَرِثُهَا إنْ لم يَكُنْ لها وَلَدٌ } وقال اللَّهُ عز وجل { وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إنْ لم يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ } وقال عز وَعَلَا { وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إنْ لم يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ } وقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وكان مَعْقُولًا عن اللَّهِ عز وجل ثُمَّ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ في لِسَانِ الْعَرَبِ وَقَوْلِ عَوَامِّ أَهْلِ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا أَنَّ امْرَأً لَا يَكُونُ مَوْرُوثًا أَبَدًا حتى يَمُوتَ فإذا مَاتَ كان مَوْرُوثًا وَأَنَّ الْأَحْيَاءَ خِلَافُ الْمَوْتَى فَمَنْ وَرِثَ حَيًّا دخل عليه وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ خِلَافَ حُكْمِ اللَّهِ عز وجل وَحُكْمِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَقُلْنَا وَالنَّاسُ مَعَنَا بهذا لم يَخْتَلِفْ في جُمْلَتِهِ وَقُلْنَا بِهِ في الْمَفْقُودِ وَقُلْنَا لَا يُقَسَّمُ مَالُهُ حتى يُعْلَمَ يَقِينُ وَفَاتِهِ وَقَضَى عُمَرُ وَعُثْمَانُ في امْرَأَتِهِ بِأَنْ تَتَرَبَّصَ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ تَعْتَدَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وقد يُفَرَّقَ بين الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بِالْعَجْزِ عن إصَابَتِهَا وَنُفَرِّقُ نَحْنُ بِالْعَجْزِ عن نَفَقَتِهَا وَهَاتَانِ سَبَبَا ضَرَرٍ وَالْمَفْقُودُ قد يَكُونُ سَبَبَ ضَرَرٍ أَشَدَّ من ذلك فَعَابَ بَعْضُ الْمَشْرِقِيِّينَ الْقَضَاءَ في الْمَفْقُودِ وَفِيهِ قَوْلُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وما وَصَفْنَا مِمَّا يَقُولُونَ فيه بِقَوْلِنَا وَيُخَالِفُونَا وَقَالُوا كَيْفَ يَقْضِي لِامْرَأَتِهِ بِأَنْ يَكُونَ مَيِّتًا بَعْدَ مُدَّةٍ ولم يَأْتِ يَقِينُ مَوْتِهِ ثُمَّ دَخَلُوا في أَعْظَمَ مِمَّا عَابُوا خِلَافَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَجُمْلَةُ ما عَابُوا فَقَالُوا في الرَّجُلِ يَرْتَدُّ في ثَغْرٍ من ثُغُورِ الْمُسْلِمِينَ فَيَلْحَقُ بِمَسْلَحَةٍ من مَسَالِحِ
____________________

(4/74)


الْمُشْرِكِينَ فَيَكُونُ قَائِمًا فيها يَتَرَهَّبُ أو جاء إلَيْنَا مُقَاتِلًا يُقَسَّمُ مِيرَاثُهُ بين وَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ وَتُحَلُّ دُيُونُهُ وَيُعْتَقُ مُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَيُحْكَمُ عليه حُكْمُ الْمَوْتَى في جَمِيعِ أَمْرِهِ ثُمَّ يَعُودُ لِمَا حُكِمَ بِهِ عليه فيقول فيه قَوْلًا مُتَنَاقِضًا خَارِجًا كُلَّهُ من أَقَاوِيلِ الناس وَالْقِيَاسِ وَالْمَعْقُولِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقال ما وَصَفْت بَعْضَ من هو أَعْلَمُهُمْ عِنْدَهُمْ أو كَأَعْلَمِهِمْ فَقُلْت له ما وَصَفْت وَقُلْت له أسالك عن قَوْلِك فَقَدْ زَعَمْت أَنَّ حَرَامًا أَنْ يَقُولَ أَحَدٌ أَبَدًا قَوْلًا ليس خَبَرًا لَازِمًا أو قِيَاسًا أَقَوْلُكَ في أَنْ يُورَثَ الْمُرْتَدُّ وهو حَيٌّ إذَا لَحِقَ بِدَارِ الْكُفْرِ خَبَرًا أو قِيَاسًا فقال أَمَّا خَبَرٌ فَلَا فَقُلْت فَقِيَاسٌ قال نعم من وَجْهٍ قُلْت فَأَوْجِدْنَا ذلك الْوَجْهَ قال أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو كان مَعِي في الدَّارِ وَكُنْتُ قَادِرًا عليه قَتَلْته فَقُلْت فَإِنْ لم تَكُنْ قَادِرًا عليه فَتَقْتُلُهُ أَفَمَقْتُولٌ هو أَمْ مَيِّتٌ بِلَا قَتْلٍ قال لَا قُلْت فَكَيْفَ حَكَمْت عليه حُكْمَ الْمَوْتَى وهو غَيْرُ مَيِّتٍ أَوَرَأَيْت لو كانت عِلَّتُك بِأَنَّك لو قَدَرْت عليه في حَالِهِ تِلْكَ فَقَتَلْته فَجَعَلْته في حُكْمِ الْمَوْتَى فَكَانَ هَارِبًا في بِلَادِ الْإِسْلَامِ مُقِيمًا على الرِّدَّةِ دَهْرًا من دَهْرِهِ أَتُقَسِّمُ مِيرَاثَهُ قال لَا قُلْت فَأَسْمَعُ عِلَّتَك بِأَنَّك لو قَدَرْت عليه قَتَلْته قال فَإِنْ لم تَقْدِرْ عليه حُكِمَ عليه حُكْمُ الْمَوْتَى كانت بَاطِلًا عِنْدَك فَرَجَعْت إلَى الْحَقِّ عِنْدَك في أَنْ لَا تَقْتُلَهُ إذَا كان هَارِبًا في بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَأَنْتَ لو قَدَرْت عليه قَتَلْته وَلَوْ كانت عِنْدَك حَقًّا فَتَرَكْت الْحَقَّ في قَتْلِهِ إذَا كان هَارِبًا في بِلَادِ الْإِسْلَامِ قُلْت فَإِنَّمَا قَسَّمْت مِيرَاثَهُ بِلُحُوقِهِ بِدَارِ الْكُفْرِ دُونَ الْمَوْتِ قال نعم قُلْت فَالْمُسْلِمُ يَلْحَقُ بِدَارِ الْكُفْرِ أَيُقَسَّمُ مِيرَاثُهُ إذَا كان في دَارٍ لَا يجرى عليه فيها الْحُكْمُ قال لَا قُلْنَا فَالدَّارُ لَا تُمِيتُ أَحَدًا وَلَا تُحْيِيهِ فَهُوَ حَيٌّ حَيْثُ كان حَيًّا وَمَيِّتٌ حَيْثُ كان مَيِّتًا قال نعم قُلْنَا أَفَتَسْتَدْرِكُ على أَحَدٍ أَبَدًا بِشَيْءٍ من جِهَةِ الرَّأْيِ أَقْبَحُ من أَنْ تَقُولَ الْحَيُّ مَيِّتٌ أَرَأَيْت لو تَابَعَك أَحَدٌ على أَنْ تَزْعُمَ أَنَّ حَيًّا يُقَسَّمُ مِيرَاثُهُ ما كان يَجِبُ عَلَيْك أَنَّ من تَابَعَك على هذا مَغْلُوبٌ على عَقْلِهِ أو غَبِيٌّ لَا يُسْمَعُ منه فَكَيْفَ إذَا كان الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ يَدُلَّانِ مَعًا مع دَلَالَةِ الْمَعْقُولِ على خِلَافِكُمَا مَعًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقُلْت له عِبْتُمْ على من قال قَوْلَ عُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما في امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ وَمِنْ أَصْلِ ما تَذْهَبُونَ كما تَزْعُمُونَ أَنَّ الْوَاحِدَ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا قال قَوْلًا كان قَوْلُهُ غَايَةً ينتهي إلَيْهَا وَقَبِلْتُمْ عن عُمَرَ أَنَّهُ قال إذَا أُرْخِيَتْ السُّتُورُ وَجَبَ الْمَهْرُ وَالْعِدَّةُ وَرَدَدْتُمْ على من تَأَوَّلَ الْآيَتَيْنِ وَهُمَا قَوْلُ اللَّهِ عز وجل { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ من قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ } وَقَوْلُهُ { فما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ من عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا } وقد روى هذا عن بن عَبَّاسٍ وَشُرَيْحٍ وَذَهَبْنَا إلَى أَنَّ الْإِرْخَاءَ وَالْإِغْلَاقَ لَا يَصْنَعُ شيئا إنَّمَا يَصْنَعُهُ الْمَسِيسُ فَكَيْفَ لم تُجِيزُوا لِمَنْ تَأَوَّلَ على قَوْلِ عُمَرَ وقال بِقَوْلِ بن عَبَّاسٍ وَقُلْتُمْ عُمَرُ في إمَامَتِهِ أَعْلَمُ بِمَعْنَى الْقُرْآنِ ثُمَّ امْتَنَعْتُمْ من الْقَبُولِ عن عُمَرَ وَعُثْمَانَ الْقَضَاءَ في امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ وَهُمَا لم يَقْضِيَا في مَالِهِ بِشَيْءٍ عَلِمْنَاهُ وَقُلْتُمْ لَا يَجُوزُ ان يُحْكَم عليه حُكْمُ الْمَوْتَى قبل أَنْ تَسْتَيْقِنَ وَفَاتَهُ وَإِنْ طَالَ زَمَانُهُ ثُمَّ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ تَحْكُمُونَ على رَجُلٍ حُكْمَ الْمَوْتِ وَأَنْتَ على يَقِينٍ من حَيَاتِهِ في طَرْفَةِ عَيْنٍ فَلَقَلَّمَا رَأَيْتُكُمْ عِبْتُمْ على أَحَدٍ في الإخبار التي انْتَهَى إلَيْهَا شيئا قَطُّ إلَّا قُلْتُمْ من جِهَةِ الراي بمثله وَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَعِيبًا فَأَيُّ جَهْلٍ أَبْيَنُ من أَنْ تَعِيبَ في الْخَبَرِ الذي هو عِنْدَك فِيمَا تَزْعُمُ غَايَةُ ما نَقُولُ من جِهَةِ الرَّأْيِ ما عِبْت منه أو مِثْلِهِ وَقُلْت لِبَعْضِهِمْ أَرَأَيْت قَوْلَك لو لم يَعِبْ بِخِلَافِ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا إجْمَاعٍ وَلَا قِيَاسٍ وَلَا مَعْقُولٍ وَسَكَتَ لَك عن هذا كُلِّهِ أَلَا يَكُونُ قَوْلُك مَعِيبًا بِلِسَانِك ( قال ) وَأَيْنَ قُلْت أَرَأَيْت إذَا كانت الرِّدَّةُ واللحوق ( ( ( اللحوق ) ) ) بِدَارِ الْحَرْبِ يُوجِبُ عليه حُكْمُ الْمَوْتِ لِمَ زَعَمْت أَنَّ الْقَاضِيَ إنْ فَرَّطَ أو لم يُرْفَعْ ذلك إلَيْهِ حتى يَمْضِيَ سِنِينَ وهو في دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ رَجَعَ قبل أَنْ يَحْكُمَ الْقَاضِي مُسْلِمًا أَنَّهُ على اصل مِلْكِهِ وَلِمَ زَعَمْت أَنَّ الْقَاضِيَ إنْ حَكَمَ في طَرْفَةِ عَيْنٍ عليه بِحُكْمِ الْمَوْتِ ثُمَّ رَجَعَ مُسْلِمًا كان الْحُكْمُ مَاضِيًا في بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ ما زَعَمْت أَنَّ حُكْمَ الْمَوْتِ يَجِبُ عليه بِالرِّدَّةِ وَاللُّحُوقِ بِدَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّك لو زَعَمْت ذلك قُلْت لو رَجَعَ مُسْلِمًا أُنَفِّذُ عليه الْحُكْمَ لِأَنَّهُ وَجَبَ ولا ( ( ( ولو ) ) ) زَعَمْت أَنَّ الْحُكْمَ إذَا أُنْفِذَ عليه وَرَجَعَ مُسْلِمًا
____________________

(4/75)


رُدَّ الْحُكْمُ فَلَا يُنَفَّذُ فَأَنْتَ زَعَمْت أَنْ يُنَفِّذَ بَعْضًا وَيَرُدَّ بَعْضًا ( قال ) وما ذلك قُلْت زَعَمْت أَنَّهُ يُعْتَقُ مُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ ويعطى غَرِيمَهُ الذي حَقُّهُ إلَى ثَلَاثِينَ سَنَةً حَالًّا وَيُقَسِّمُ مِيرَاثَهُ فَيَأْتِي مُسْلِمًا وَمُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَمَالُهُ قَائِمٌ في يَدَيْ غَرِيمِهِ يُقِرُّ بِهِ وَيَشْهَدُ عليه وَلَا يَرُدُّ من هذا شيئا وهو مَالُهُ بِعَيْنِهِ فَكُلُّ مَالٍ في يَدَيْ الْغَرِيمِ مَالُهُ بِعَيْنِهِ وَتَقُولُ لَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ ثُمَّ تَنْزِعُ مِيرَاثَهُ من يَدَيْ وَرَثَتِهِ فَكَيْفَ نَقَضْت بَعْضَ الْحُكْمِ دُونَ بَعْضٍ قال قُلْت هو مَالُهُ بِعَيْنِهِ لم يُحَلَّلْ له وَمُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ بِأَعْيَانِهِمْ ثُمَّ زَعَمْت أَنَّهُ يُنْقَضُ الْحُكْمُ لِلْوَرَثَةِ وَأَنَّهُ إنْ اسْتَهْلَكَ بَعْضُهُمْ مَالَهُ وهو مُوسِرٌ لم يَغْرَمْهُ إيَّاهُ وَإِنْ لم يَسْتَهْلِكْهُ بَعْضُهُمْ أَخَذْته مِمَّنْ لم يَسْتَهْلِكْهُ هل يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ كَمُلَ عَقْلُهُ وَعِلْمُهُ لو تَخَاطَأَ أَنْ يَأْتِيَ بِأَكْثَرَ من هذا في الْحُكْمِ بِعَيْنِهِ أَرَأَيْت من نَسَبْتُمْ إلَيْهِ الضَّعْفَ من أَصْحَابِنَا وَتَعْطِيلِ النَّظَرِ وَقُلْتُمْ إنَّمَا يَتَخَرَّصُ فَيَلْقَى ما جاء على لِسَانِهِ هل كان تَعْطِيلُ النَّظَرِ يُدْخِلُ عليه أَكْثَرَ من خِلَافِ كِتَابٍ وَسُنَّةٍ فَقَدْ جَمَعَتْهُمَا جميعا أو خِلَافِ مَعْقُولٍ أو قِيَاسٍ أو تَنَاقُضِ قَوْلٍ فَقَدْ جَمَعْتَهُ كُلَّهُ فَإِنْ كان أَخْرَجَك عِنْدَ نَفْسِك من أَنْ تَكُونَ مَلُومًا على هذا أنك أَبْدَيْتَهُ وَأَنْتَ تَعْرِفُهُ فَلَا أَحْسِبُ لِمَنْ أتى ما ليس له وهو يَعْرِفُهُ عُذْرًا عِنْدَنَا لِأَنَّهُ إذَا لم يَكُنْ لِلْجَاهِلِ بِأَنْ يَقُولَ من قِبَلِ أَنَّهُ يُخْطِئُ وَلَا يَعْلَمُ فَأَحْسِبُ الْعَالِمَ غير مَعْذُورٍ بِأَنْ يُخْطِئَ وهو يَعْلَمُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقال فما تَقُولُ أنت فَقُلْت أَقُولُ إنِّي أَقِفُ مَالَهُ حتى يَمُوتَ فَأَجْعَلُهُ فَيْئًا أو يَرْجِعَ إلَى الْإِسْلَامِ فَأَرُدَّهُ إلَيْهِ وَلَا أَحْكُمُ بِالْمَوْتِ على حَيٍّ فَيَدْخُلَ على بَعْضُ ما دخل عَلَيْك - * بَابُ رَدِّ الْمَوَارِيثِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل { إنْ امْرُؤٌ هَلَكَ ليس له وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ ما تَرَكَ وهو يَرِثُهَا إنْ لم يَكُنْ لها وَلَدٌ } وقال اللَّهُ عز وجل { وَإِنْ كَانُوا إخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } وقال { وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إنْ لم يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كان لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ من بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بها أو دَيْنٍ } وقال تَعَالَى { وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إنْ لم يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كان لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ } وقال عز اسْمُهُ { وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إنْ كان له وَلَدٌ فَإِنْ لم يَكُنْ له وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كان له إخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ } قال الشَّافِعِيُّ فَهَذِهِ الْآيُ في الْمَوَارِيثِ كُلِّهَا تَدُلُّ على أَنَّ اللَّهَ عز وجل انْتَهَى بِمَنْ سَمَّى له فَرِيضَةً إلَى شَيْءٍ فَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَزِيدَ من انْتَهَى اللَّهُ بِهِ إلَى شَيْءٍ غَيْرِ ما انْتَهَى بِهِ وَلَا يَنْقُصُهُ فَبِذَلِكَ قُلْنَا لَا يَجُوزُ رَدُّ الْمَوَارِيثِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا تَرَكَ الرَّجُلُ أُخْتَهُ أَعْطَيْتهَا نِصْفَ ما تَرَكَ وكان ما بَقِيَ لِلْعَصَبَةِ فَإِنْ لم تَكُنْ عَصَبَةٌ فَلِمَوَالِيهِ الَّذِينَ أَعْتَقُوهُ فَإِنْ لم يَكُنْ له مَوَالٍ أَعْتَقُوهُ كان النِّصْفُ مَرْدُودًا على جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ من أَهْلِ بَلَدِهِ وَلَا تُزَادُ أُخْتُهُ على النِّصْفِ وَكَذَلِكَ لَا يُرَدُّ على وَارِثٍ ذِي قَرَابَةٍ وَلَا زَوْجٍ وَلَا زَوْجَةٍ له فَرِيضَةٌ وَلَا تُجَاوِزُ بِذِي فَرِيضَةٍ فَرِيضَتُهُ وَالْقُرْآنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى يَدُلُّ على هذا وهو قَوْلُ زَيْدِ بن ثَابِتٍ وَقَوْلُ الْأَكْثَرِ مِمَّنْ لَقِيت من أَصْحَابِنَا - * بَابُ الْخِلَافِ في رَدِّ الْمَوَارِيثِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فقال لي بَعْضُ الناس إذَا تَرَكَ الْمَيِّتُ أُخْتَهُ وَلَا وَارِثَ له غَيْرُهَا وَلَا مولى أَعْطَيْت الْأُخْتَ الْمَالَ كُلَّهُ قال فَقُلْت لِبَعْضِ من يقول هذا إلَى أَيُّ شَيْءٍ ذَهَبْتُمْ قال ذَهَبْنَا إلَى أَنْ رَوَيْنَا عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ وبن مَسْعُودٍ رَدُّ الْمَوَارِيثِ فَقُلْت له ما هو عن وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا عَلِمْته بِثَابِتٍ وَلَوْ كان ثَابِتًا كُنْت قد تُرِكَتْ عَلَيْهِمَا أَقَاوِيلُ لَهُمَا في الْفَرَائِضِ غير قَلِيلَةٍ لِقَوْلِ زَيْدِ بن ثَابِتٍ فَكَيْفَ إنْ كان زَيْدٌ لَا يقول
____________________

(4/76)


بِقَوْلِهِمَا لَا يَرُدُّ الْمَوَارِيثَ لِمَ لم تَتَّبِعْهُ دُونَهُمَا كما اتَّبَعْته دُونَهُمَا في غَيْرِ هذا من الْفَرَائِضِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقال فَدَعْ هذا وَلَكِنْ أَرَأَيْت إذَا اخْتَلَفَ الْقَوْلَانِ في رَدِّ الْمَوَارِيثِ أَلَيْسَ يَلْزَمُنَا أَنْ نَصِيرَ إلَى أَشْبَهِ الْقَوْلَيْنِ بِكِتَابِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قُلْنَا بَلَى قال فَعُدَّهُمَا خَالَفَاهُ أَيُّ الْقَوْلَيْنِ أَشْبَهُ بِكِتَابِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قُلْنَا قَوْلُ زَيْدِ بن ثَابِتٍ لَا شَكَّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قال وَأَيْنَ الدَّلَالَةُ على مُوَافَقَةِ قَوْلِكُمْ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل دُونَ قَوْلِنَا قُلْت قال اللَّهُ عز وجل { إنْ امْرُؤٌ هَلَكَ ليس له وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ ما تَرَكَ وهو يَرِثُهَا إنْ لم يَكُنْ لها وَلَدٌ } وقال { وإن كَانُوا إخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } فذكر الْأُخْتَ مُنْفَرِدَةً فَانْتَهَى بها إلَى النِّصْفِ وَذَكَرَ الْأَخ مُنْفَرِدًا فَانْتَهَى بِهِ إلَى الْكُلِّ وَذَكَرَ الْأَخَ وَالْأُخْتَ مُجْتَمَعَيْنِ فَجَعَلَهَا على النِّصْفِ من الْأَخِ في الِاجْتِمَاعِ كما جَعَلَهَا في الإنفراد أَفَرَأَيْت إنْ أَعْطَيْتهَا الْكُلَّ مُنْفَرِدَةً أَلَيْسَ قد خَالَفْت حُكْمَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى نَصًّا لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل انْتَهَى بها إلَى النِّصْفِ وَخَالَفْت مَعْنَى حُكْمِ اللَّهِ إذْ سَوَّيْتهَا بِهِ وقد جَعَلَهَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى معه على النِّصْفِ منه ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقُلْت له وَآيُ الْمَوَارِيثِ كُلُّهَا تَدُلُّ على خِلَافِ رَدِّ الْمَوَارِيثِ قال فقال أَرَأَيْت إنْ قُلْت لَا أُعْطِيهَا النِّصْفَ الْبَاقِيَ مِيرَاثًا قُلْت له قُلْ ما شِئْت قال أَرَاهَا مَوْضِعَهُ قُلْت فَإِنْ رَأَى غَيْرُك غَيْرَهَا مَوْضِعَهُ فَأَعْطَاهَا جَارَةً له مُحْتَاجَةً أو جَارًا له مُحْتَاجًا أو غَرِيبًا مُحْتَاجًا قال فَلَيْسَ له ذلك قُلْت وَلَا لَك بَلْ هذا أَعْذَرُ مِنْك هذا لم يُخَالِفْ حُكْمَ الْكِتَابِ نَصًّا وَإِنَّمَا خَالَفَ قَوْلَ عَوَامِّ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ عَوَامَّ منهم يَقُولُونَ هو لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ - * بَابُ الْمَوَارِيثِ - * أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وكان في مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ } وقال عز وجل { وَإِذْ قال إبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزر } فَنَسَبَ إبْرَاهِيمَ إلَى أبيه وَأَبُوهُ كَافِرٌ وَنَسَبَ بن نُوحٍ إلَى أبيه نُوحٍ وَابْنُهُ كَافِرٌ وقال اللَّهُ عز وجل لِنَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في زَيْدِ بن حَارِثَةَ { اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هو أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لم تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ في الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ } وقال تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عليه وَأَنْعَمْت عليه } فَنَسَبُ الْمَوَالِي نسبين ( ( ( نسبان ) ) ) أَحَدُهُمَا إلَى الْآبَاءِ وَالْآخَرُ إلَى الْوَلَاءِ وَجَعَلَ الْوَلَاءَ بِالنِّعْمَةِ وقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ما بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ في كِتَابِ اللَّهِ ما كان من شَرْطٍ ليس في كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كان مِائَةُ شَرْطٍ قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُهُ أَوْثَقُ وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أعتق ( ( ( أعتقه ) ) ) فَبَيَّنَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ الْوَلَاءَ إنَّمَا يَكُونُ لِلْمُعْتِقِ قال وَرُوِيَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ فَدَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ على أَنَّ الْوَلَاءَ إنَّمَا يَكُونُ بِمُتَقَدِّمِ فِعْلٍ من الْمُعْتِقِ كما يَكُونُ النَّسَبُ بِمُتَقَدِّمِ وِلَادٍ من الْأَبِ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لو كان لَا أَبَ له يُعْرَفُ جاء رَجُلًا فسأله ( ( ( فسأل ) ) ) أَنْ يَنْسُبَهُ إلَى نَفْسِهِ وَرَضِيَ ذلك الرَّجُلُ لم يَجُزْ أَنْ يَكُونَ له ابْنًا أَبَدًا فَيَكُونُ مُدْخِلًا بِهِ على عَاقِلَتِهِ مَظْلَمَةٌ في أَنْ يَعْقِلُوا عنه وَيَكُونُ نَاسِبًا إلَى نَفْسِهِ غير من وَلَدَ وَإِنَّمَا قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَكَذَلِكَ إذَا لم يُعْتِقْ الرَّجُلُ الرَّجُلَ لم يَجُزْ أَنْ يَكُونَ مَنْسُوبًا إلَيْهِ بِالْوَلَاءِ فَيَدْخُلَ على عَاقِلَتِهِ الْمَظْلَمَة في عَقْلِهِمْ عنه وَيَنْسُبَ إلَى نَفْسِهِ وَلَاءَ من لم يُعْتِقْ وَإِنَّمَا قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ فَبَيَّنَ في قَوْلِهِ إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ الْوَلَاءُ إلَّا لِمَنْ أَعْتَقَ أو لا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لو أَمَرَ ابْنَهُ أَنْ يَنْتَسِبَ إلَى غَيْرِهِ أو يَنْتَفِيَ من نَسَبِهِ وَتَرَاضَيَا على ذلك لم تَنْقَطِعْ أُبُوَّتُهُ عنه بِمَا أَثْبَتَ اللَّهُ عز وجل لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على صَاحِبِهِ أَوَلَا تَرَى أَنَّهُ لو أَعْتَقَ عَبْدًا له ثُمَّ أَذِنَ له بَعْدَ الْعِتْقِ أَنْ يُوَالِيَ من شَاءَ أو يَنْتَفِي من وِلَايَتِهِ وَرَضِيَ بِذَلِكَ الْمُعْتَقُ لم يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَفْعَلَ ذلك لِمَا أَثْبَتَ اللَّهُ تَعَالَى عليه من النِّعْمَةِ فلما كان الْمَوْلَى في الْمَعْنَى الذي فيه النَّسَبُ ثَبَتَ الْوَلَاءُ
____________________

(4/77)


بِمُتَقَدِّمِ الْمِنَّةِ كما ثَبَتَ النَّسَبُ بِمُتَقَدِّمِ الْوِلَادَةِ لم يَجُزْ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا أَبَدًا إلَّا بِسُنَّةٍ أو إجْمَاعٍ من أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَيْسَ في الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا في هذا الْمَعْنَى سُنَّةٌ وَلَا إجْمَاعٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) قد حَضَرَنِي جَمَاعَةٌ من أَصْحَابِنَا من الْحِجَازِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ فَكَلَّمَنِي رَجُلٌ من غَيْرِهِمْ بِأَنْ قال إذَا اسلم الرَّجُلُ على يَدَيْ رَجُلٍ فَلَهُ وَلَاؤُهُ إذَا لم يَكُنْ له وَلَاءُ نِعْمَةٍ وَلَهُ ان يُوَالِيَ من شَاءَ وَلَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ بِوَلَائِهِ ما لم يَعْقِلْ عنه فإذا عَقَلَ عنه لم يَكُنْ له أَنْ يَنْتَقِلَ عنه وقال لي فما حُجَّتُك في تَرْكِ هذا قُلْت خِلَافُهُ ما حَكَيْت من قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ } الْآيَةَ وَقَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ فَدَلَّ ذلك على أَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِمُتَقَدِّمِ الْوِلَادِ كما ثَبَتَ الْوَلَاءُ بِمُتَقَدِّمِ الْعِتْقِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الذي يُسْلِمُ على يَدَيْ الرَّجُلِ فَكَانَ النَّسَبُ شَبِيهًا بِالْوَلَاءِ وَالْوَلَاءُ شَبِيهًا بِالنَّسَبِ فقال لي قَائِلٌ إنَّمَا ذَهَبْت في هذا إلَى حَدِيثٍ رَوَاهُ بن مَوْهَبٍ عن تَمِيمٍ الدَّارِيِّ قُلْت لَا يَثْبُتُ قال أَفَرَأَيْت إذَا كان هذا الْحَدِيثُ ثَابِتًا أَيَكُونُ مُخَالِفًا لِمَا رَوَيْت عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ قُلْت لَا قال فَكَيْفَ تَقُولُ قُلْت أَقُولُ إنَّ قَوْلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَنَهْيُهُ عن بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ وَقَوْلُهُ الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ فِيمَنْ أَعْتَقَ لِأَنَّ الْعِتْقَ نَسَبٌ وَالنَّسَبُ لَا يُحَوَّلُ وَاَلَّذِي يُسْلِمُ على يَدَيْ الرَّجُلِ ليس هو الْمَنْهِيُّ أَنْ يُحَوَّلَ وَلَاؤُهُ قال فَبِهَذَا قُلْنَا فما مَنَعَك منه إذَا كان الْحَدِيثَانِ مُحْتَمِلَيْنِ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَجْهٌ قُلْت مَنَعَنِي أَنَّهُ ليس بِثَابِتٍ إنَّمَا يَرْوِيه عبد الْعَزِيزِ بن عُمَرَ عن بن مَوْهَبٍ عن تَمِيمٍ الدَّارِيِّ وبن مَوْهَبٍ ليس بِالْمَعْرُوفِ عِنْدَنَا وَلَا نَعْلَمُهُ لَقِيَ تَمِيمًا وَمِثْلُ هذا لَا يَثْبُتُ عِنْدَنَا وَلَا عِنْدَك من قِبَلِ أَنَّهُ مَجْهُولٌ وَلَا نَعْلَمُهُ مُتَّصِلًا قال فإن من حُجَّتِنَا أَنَّ عُمَرَ قال في الْمَنْبُوذِ هو حُرٌّ وَلَك وَلَاؤُهُ يَعْنِي لِلَّذِي الْتَقَطَهُ قُلْت وَهَذَا لو ثَبَتَ عن عُمَرَ حُجَّةٌ عَلَيْك لِأَنَّك تُخَالِفُهُ قال وَمِنْ أَيْنَ قُلْت أنت تَزْعُمُ أَنَّهُ لَا يوالى عن الرَّجُلِ إلَّا نَفْسَهُ بَعْدَ أَنْ يَعْقِلَ وَأَنَّ له إذَا وَالَى عن نَفْسِهِ أَنْ يَنْتَقِلَ بِوَلَائِهِ ما لم يَعْقِلْ عنه فَإِنْ زَعَمْت أَنَّ مُوَالَاةَ عُمَرَ عنه لِأَنَّهُ وَلِيُّهُ جَائِزَةٌ عليه فَهَلْ لِوَصِيِّ الْيَتِيمِ أَنْ يُوَالِيَ عنه قال ليس ذلك له قُلْت فَإِنْ زَعَمْت أَنَّ ذلك لِلْوَالِي دُونَ الْوَصِيِّ فَهَلْ وَجَدْته يَجُوزُ لِلْوَالِي شَيْءٌ في الْيَتِيمِ لَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ فَإِنْ زَعَمْت أَنَّ ذلك حُكْمٌ من عُمَرَ وَالْحُكْمُ لَا يَجُوزُ عِنْدَك على أَحَدٍ إلَّا بِشَيْءٍ يُلْزِمُهُ نَفْسَهُ أو فِيمَا لَا بُدَّ له منه مِمَّا لَا يُصْلِحُهُ غَيْرُهُ وَلِلْيَتِيمِ بُدٌّ من الْوَلَاءِ فَإِنْ قُلْت هو حُكْمٌ فَلَا يَكُونُ له أَنْ يَنْتَقِلَ بِهِ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ له أَنْ يَنْتَقِلَ إذَا عَقَدَ على نَفْسِهِ عَقْدًا ما لم يَعْقِلْ عنه وَلَا يَكُونُ له أَنْ يَنْتَقِلَ إنْ عَقَدَهُ عليه غَيْرُهُ ( قال ) فَإِنْ قُلْت هو أَعْلَمُ بِمَعْنَى حديث رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قُلْت وَنُعَارِضُك بِمَا هو أَثْبَتُ عن مَيْمُونَةَ وبن عَبَّاسٍ من هذا عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ قال وما هو قُلْت وَهَبَتْ مَيْمُونَةُ وَلَاءَ بَنِي يَسَارٍ لِابْنِ اختها عبد اللَّهِ بن عَبَّاسٍ فَاتَّهَبَهُ فَهَذِهِ زَوْجُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وبن عَبَّاسٍ وَهُمَا اثْنَانِ قال فَلَا يَكُونُ في أَحَدٍ وَلَوْ كَانُوا عَدَدًا كَثِيرًا مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم حُجَّةٌ قُلْنَا فَكَيْفَ احْتَجَجْت بِأَحَدٍ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال هَكَذَا يقول بَعْضُ أَصْحَابِنَا قُلْت أَبَيْت أَنْ تَقْبَلَ هذا من غَيْرِك فقال من حَضَرَنَا من الْمَدَنِيِّينَ هذه حُجَّةٌ ثَابِتَةٌ قال فَأَنْتُمْ إنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَهَا ثَابِتَةً فَقَدْ تُخَالِفُونَهَا في شَيْءٍ قالوا ما نُخَالِفُهَا في شَيْءٍ وما نَزْعُمُ أَنَّ الْوَلَاءَ يَكُونُ إلَّا لِذِي نِعْمَةٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقال لي قَائِلٌ اعتقد عَنْهُمْ جَوَابُهُمْ فَأَزْعُمُ أَنَّ لِلسَّائِبَةِ أَنْ يُوَالِيَ من شَاءَ قُلْت لَا يَجُوزُ هذا إذَا كان من احْتَجَجْنَا بِهِ من الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ فيه خَبَرٌ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أو أَمْرٌ أَجْمَعَ الناس عليه فَنُخْرِجُهُ من جُمْلَةِ الْمُعْتَقِينَ اتِّبَاعًا قال فَهُمْ يَرْوُونَ
____________________

(4/78)


أَنَّ حَاطِبًا أَعْتَقَ سَائِبَةً على عَهْدِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قُلْنَا وَنَحْنُ لَا نَمْنَعُ أَحَدًا أَنْ يُعْتِقَ سَائِبَةً فَهَلْ رَوَيْت أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال وَلَاءُ السَّائِبَةِ إلَيْهِ يُوَالِي من شَاءَ قال لَا قُلْت فَدَاخِلٌ هو في مَعْنَى الْمُعْتَقِينَ قال نعم قُلْت أَفَيَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ وهو مُعْتَقٌ من أَنْ يَثْبُتَ له وَعَلَيْهِ الْوَلَاءُ قال فَإِنَّهُمْ يَرْوُونَ أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ سَائِبَةً فَقَضَى عُمَرُ بِعَقْلِهِ على الْقَاتِلِ فقال أبو الْقَاتِلِ أَرَأَيْت لو قَتَلَ ابْنِي قال إذًا لَا يَغْرَمُ قال فَهُوَ إذًا مِثْلُ الْأَرْقَمِ قال عُمَرُ فَهُوَ مِثْلُ الْأَرْقَمِ فَاسْتَدَلُّوا بأنه ( ( ( بأمه ) ) ) لو كانت له عَاقِلَةٌ بِالْوَلَاءِ قَضَى عُمَرُ بن الْخَطَّابِ على عَاقِلَتِهِ قُلْت فَأَنْتَ إنْ كان هذا ثَابِتًا عن عُمَرَ مَحْجُوجٌ بِهِ قال وَأَيْنَ قُلْت تَزْعُمُ أَنَّ وَلَاءَ السَّائِبَةِ لِمَنْ أَعْتَقَهُ قال فَأَعْفِنِي من ذَا فَإِنَّمَا أَقُومُ لهم بِقَوْلِهِمْ قُلْت فَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ من لَا وَلَاءَ له من لَقِيطٍ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ إذَا قَتَلَ إنْسَانًا قَضَى بِعَقْلِهِ على جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ لهم مِيرَاثَهُ وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ عُمَرَ لم يَقْضِ بِعَقْلِهِ على أَحَدٍ قال وَهَكَذَا يقول جَمِيعُ الْمُفْتِينَ قُلْت أَفَيَجُوزُ لِجَمِيعِ الْمُفْتِينَ أَنْ يُخَالِفُوا عُمَرَ قال لَا هو عن عُمَرَ مُنْقَطِعٌ ليس بِثَابِتٍ قُلْت فَكَيْفَ احْتَجَجْت بِهِ قال لَا أَعْلَمُ لهم حُجَّةً غَيْرَهُ قُلْت فَبِئْسَ ما قَضَيْت على من قُمْت بِحُجَّتِهِ إذَا كان احْتَجَّ بِغَيْرِ حُجَّةٍ عِنْدَك قال فَعِنْدَك في السَّائِبَةِ شَيْءٌ مُخَالِفٌ لِهَذَا قُلْت إنْ قَبِلْت الْخَبَرَ الْمُنْقَطِعَ فَنَعَمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سَعِيدٌ وَمُسْلِمٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّ طَارِقَ بن الْمُرَقَّعِ أَعْتَقَ أَهْلَ أَبْيَاتٍ من أَهْلِ الْيَمَنِ سَوَائِبَ فانقلعوا عن بِضْعَةَ عَشْرَ أَلْفًا فذكر ذلك لِعُمَرَ بن الْخَطَّابِ فَأَمَرَ أَنْ تُدْفَعَ إلَى طَارِقٍ أو إلَى وَرَثَةِ طَارِقٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَهَذَا إنْ كان ثَابِتًا يَدُلُّك على أَنَّ عُمَرَ يُثْبِتُ وَلَاءَ السَّائِبَةِ لِمَنْ سَيَّبَهُ وَهَذَا مَعْرُوفٌ عن أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه في تِرْكَةِ سَالِمٍ الذي يُقَالُ له سَالِمُ مولى أبي حُذَيْفَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَعْطَى فَضْلَ مِيرَاثِهِ عَمْرَةَ بِنْتَ يعار الْأَنْصَارِيَّةَ وَكَانَتْ أَعْتَقَتْهُ سَائِبَةً وروى عن بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ قال في السَّائِبَةِ شَبِيهًا بِمَعْنَى ذلك فِيمَا أَظُنُّ حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ قال فَهَلْ عِنْدَك حُجَّةٌ تُفَرِّقُ بين السَّائِبَةِ وَبَيْنَ الذي يُسْلِمُ على يَدَيْ الرَّجُلِ غَيْرُ الحديث الْمُنْقَطِعِ قُلْت نعم من الْقِيَاسِ قال ما هو قُلْت إنَّ الذي يُسْلِمُ على يَدَيْ الرَّجُلِ وَيَنْتَقِلُ بِوَلَائِهِ إلَى مَوْضِعٍ إنَّمَا ذلك بِرِضَا الْمُنْتَسِبِ وَالْمَنْسُوبِ إلَيْهِ وَلَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ بِغَيْرِ رِضَا من انْتَسَبَ إلَيْهِ وَإِنَّ السَّائِبَةَ يَقَعُ الْعِتْقُ عليه بِلَا رضا ( ( ( رضى ) ) ) منه وَلَيْسَ له أَنْ يَنْتَقِلَ منه وَلَوْ رضي بِذَلِكَ هو وَمُعْتِقُهُ وَإِنَّهُ مِمَّنْ يَقَعُ عليه عِتْقُ الْمُعْتِقِ مع دُخُولِهِ في جُمْلَةِ الْمُعْتَقِينَ كان أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْحَرُونَ الْبَحِيرَةَ وَيُسَيِّبُونَ السَّائِبَةَ وَيُوصِلُونَ الْوَصِيلَةَ وَيَعْفُونَ الحام ( ( ( الحامي ) ) ) وَهَذِهِ من الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ فَكَانُوا يَقُولُونَ في الحام ( ( ( الحامي ) ) ) إذَا ضَرَبَ في إبِلِ الرَّجُلِ عَشْرَ سِنِينَ وَقِيلَ نَتَجَ له عَشَرَةُ حَامٍ أَيْ حَمَى ظَهْرَهُ فَلَا يَحِلُّ أَنْ يُرْكَبَ وَيَقُولُونَ في الْوَصِيلَةِ وَهِيَ من الْغَنَمِ إذَا وَصَلَتْ بُطُونًا تُومًا وَنَتَجَ نِتَاجُهَا فَكَانُوا يَمْنَعُونَهَا مِمَّا يَفْعَلُونَ بِغَيْرِهَا مِثْلَهَا وَيُسَيِّبُونَ السَّائِبَةَ فَيَقُولُونَ قد اعتقناك سَائِبَةً وَلَا وَلَاءَ لنا عَلَيْك وَلَا مِيرَاثَ يَرْجِعُ مِنْك لِيَكُونَ أَكْمَلَ لَتَبَرُّرِنَا فِيك فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل { ما جَعَلَ اللَّهُ من بِحِيرَةِ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ } الْآيَةُ فَرَدَّ اللَّهُ ثُمَّ رَسُولُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْغَنَمَ إلَى مَالِكِهَا إذَا كان الْعِتْقُ لَا يَقَعُ على غَيْرِ الْآدَمِيِّينَ وَكَذَلِكَ لو أَنَّهُ أَعْتَقَ بَعِيرَهُ لم يُمْنَعْ بِالْعِتْقِ منه إذَا حَكَمَ اللَّهُ عز وجل أَنْ يُرَدَّ إلَيْهِ ذلك وَيُبْطِلُ الشَّرْطَ فيه فَكَذَلِكَ أَبْطَلَ الشُّرُوطَ في السَّائِبَةِ وَرَدَّهُ إلَى وَلَاءِ من أَعْتَقَهُ مع الْجُمْلَةِ التي وَصَفْنَا لَك ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بن أبي بَكْرٍ وَعَبْدَ الْعَزِيزِ أَخْبَرَاهُ أَنَّ عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ كَتَبَ في خِلَافَتِهِ في سَائِبَةٍ مَاتَ أَنْ يَدْفَعَ مِيرَاثَهُ إلَى الذي أَعْتَقَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كانت الْكِفَايَةُ فِيمَا ذَكَرْنَا من الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ فقال فما تَقُولُ في النَّصْرَانِيِّ يَعْتِقُ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ قُلْت فَهُوَ حُرٌّ قال فَلِمَنْ وَلَاؤُهُ قُلْت لِلَّذِي أَعْتَقَهُ قال فما الْحُجَّةُ فيه قُلْت ما وَصَفْت لَك إذْ كان اللَّهُ عز وجل نَسَبَ كَافِرًا إلَى مُسْلِمٍ وَمُسْلِمًا إلَى كَافِرٍ وَالنَّسَبُ أَعْظَمُ من الْوَلَاءِ قال فالنصراني ( ( ( النصراني ) ) ) لَا يَرِثُ الْمُسْلِمَ قُلْت وَكَذَلِكَ الْأَبُ لَا يَرِثُ ابْنَهُ إذَا اخْتَلَفَ أَدْيَانُهُمَا وَلَيْسَ مَنْعُهُ مِيرَاثَهُ
____________________

(4/79)


بِاَلَّذِي قَطَعَ نَسَبَهُ منه هو ابْنُهُ بِحَالِهِ إذْ كان ثَمَّ مُتَقَدِّمُ الْأُبُوَّةِ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ مَوْلَاهُ بِحَالِهِ إذْ كان ثَمَّ مُتَقَدِّمُ الْعِتْقِ قال وَإِنْ أَسْلَمَ الْمُعْتَقُ قُلْت يَرِثُهُ قال فَإِنْ لم يُسْلِمْ قُلْت فَإِنْ كان لِلْمُعْتَقِ ذَوُو رَحِمٍ مُسْلِمُونَ فَيَرِثُونَهُ قال وما الْحُجَّةُ في هذا وَلِمَ إذ دَفَعْت الذي أَعْتَقَهُ عن مِيرَاثِهِ تُوَرِّثُ بِهِ غَيْرَهُ إذْ لم يَرِثْ هو فَغَيْرُهُ أَوْلَى أَنْ لَا يَرِثَ بِقَرَابَتِهِ منه قُلْت هذا من شُبَهِكَ قال فَأَوْجِدْنِي الْحُجَّةَ فِيمَا قُلْت قُلْت أَرَأَيْت الإبن إذَا كان مُسْلِمًا فَمَاتَ وَأَبُوهُ كَافِرٌ قال لَا يَرِثُهُ قُلْت فَإِنْ كان له إخْوَةٌ أو أَعْمَامٌ أو بَنُو عَمٍّ مُسْلِمُونَ قال يَرِثُونَهُ قُلْت وَبِسَبَبِ من وَرِثُوهُ قال ( ( ( قلت ) ) ) بِقَرَابَتِهِمْ من الْأَبِ قُلْت فَقَدْ مَنَعْت الْأَبَ من الْمِيرَاثِ وَأَعْطَيْتهمْ بِسَبَبِهِ قال إنَّمَا مَنَعْته بِالدِّينِ فَجَعَلَتْهُ إذَا خَالَفَ دِينَهُ كَأَنَّهُ مَيِّتٌ وَوَرَثَتُهُ أَقْرَبُ الناس بِهِ مِمَّنْ هو على دِينِهِ قُلْت فما مَنَعْنَا من هذه الْحُجَّةِ في النَّصْرَانِيِّ قال هِيَ لَك وَنَحْنُ نَقُولُ بها مَعَك وَلَكِنَّا احْتَجَجْنَا لِمَنْ خَالَفَك من أَصْحَابِك قُلْت أو رَأَيْت فِيمَا احْتَجَجْت بِهِ حُجَّةً قال لَا وقال أَرَأَيْت إذَا مَاتَ رَجُلٌ وَلَا وَلَاءَ له قُلْت فَمِيرَاثُهُ لِلْمُسْلِمِينَ قال بِأَنَّهُمْ مَوَالِيهِ قُلْت لَا وَلَا يَكُونُ الْمَوْلَى إلَّا مُعْتِقًا وَهَذَا غَيْرُ مُعَتِّقٍ قال فإذا لم تُوَرِّثْهُمْ بِأَنَّهُمْ مَوَالٍ وَلَيْسُوا بِذَوِي نَسَبٍ فَكَيْفَ أَعْطَيْتهمْ مَالَهُ قُلْت لم أُعْطِهِمُوهُ مِيرَاثًا وَلَوْ أَعْطَيْتهُمُوهُ مِيرَاثًا وَجَبَ على أَنْ أُعْطِيَهُ من على الْأَرْضِ حين يَمُوتُ كما أَجْعَلُهُ لو كَانُوا مَعًا أَعْتَقُوهُ وأنا وَأَنْتَ إنَّمَا نُصَيِّرُهُ لِلْمُسْلِمِينَ يُوضَعُ منهم في خَاصَّةٍ وَالْمَالُ الْمَوْرُوثُ لَا يُوضَعُ في خَاصَّةٍ فَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيْك لو زَعَمْت بِأَنَّهُ وَرِثَ بِالْوَلَاءِ هذا وَأَنْ تَقُولَ أنظر الْيَوْمَ الذي أَسْلَمَ فيه فَأَثْبَتَ وَلَاءَهُ لِجَمَاعَةِ من كان حَيًّا من الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ فَيَرِثُهُ وَرَثَةُ أُولَئِكَ الْأَحْيَاءِ دُونَ غَيْرِهِمْ وَيَدْخُلُ عَلَيْك في النَّصْرَانِيِّ يَمُوتُ وَلَا وَارِثَ له فَتَجْعَلُ مَالَهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وقد قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ قال فَبِأَيِّ شَيْءٍ تُعْطِي الْمُسْلِمِينَ مِيرَاثَ من لَا نَسَبَ له وَلَا وَلَاءَ له من الْمُسْلِمِينَ وَمِيرَاثُ النَّصْرَانِيِّ إذَا لم يَكُنْ له نَسَبٌ وَلَا وَلَاءٌ قُلْت بِمَا أَنْعَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ على أَهْلِ دِينِهِ فَخَوَّلَهُمْ من أَمْوَالِ الْمُشْرِكِينَ إذَا قَدَرُوا عليها وَمِنْ كل مَالٍ لَا مَالِكَ له يُعْرَفُ من الْمُسْلِمِينَ مِثْلَ الْأَرْضِ الْمَوَاتِ فلم يُحَرِّمْ عليهم أَنْ يُحْيُوهَا فلما كان هَذَانِ الْمَالَانِ لَا مَالِكَ لَهُمَا يُعْرَفُ خَوَّلَهُمَا اللَّهُ أَهْلَ دَيْنِ اللَّهِ من الْمُسْلِمِينَ - * الرَّدُّ في الْمَوَارِيثِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ كانت له فَرِيضَةٌ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل أو سُنَّةِ رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أو ما جاء عن السَّلَفِ انْتَهَيْنَا بِهِ إلَى فَرِيضَتِهِ فَإِنْ فَضَلَ من الْمَالِ شَيْءٌ لم نَرُدَّهُ عليه وَذَلِكَ أَنَّ عَلَيْنَا شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ لَا نَنْقُصَهُ مِمَّا جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى له وَالْآخَرُ أَنْ لَا نَزِيدَهُ عليه والإنتهاء إلَى حُكْمِ اللَّهِ عز وجل هَكَذَا وقال بَعْضُ الناس نَرُدُّهُ عليه إذَا لم يَكُنْ لِلْمَالِ من يَسْتَغْرِقُهُ وكان من ذَوِي الْأَرْحَامِ وَأَنْ لَا نَرُدَّهُ على زَوْجٍ وَلَا زَوْجَةٍ وَقَالُوا رَوَيْنَا قَوْلَنَا هذا عن بَعْضِ أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قُلْنَا لهم أَنْتُمْ تَتْرُكُونَ ما تَرْوُونَ عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه وَعَبْدِ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ في أَكْثَرِ الْفَرَائِضِ لِقَوْلِ زَيْدِ بن ثَابِتٍ وَكَيْفَ لم يَكُنْ هذا مِمَّا تَتْرُكُونَ قالوا إنَّا سَمِعْنَا قَوْلَ اللَّهِ عز وجل { وأولو ( ( ( وأولوا ) ) ) الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ في كِتَابِ اللَّهِ } فَقُلْنَا مَعْنَاهَا على غَيْرِ ما ذَهَبْتُمْ إلَيْهِ وَلَوْ كان على ما ذَهَبْتُمْ إلَيْهِ كُنْتُمْ قد تَرَكْتُمُوهُ قالوا فما مَعْنَاهَا قُلْنَا تَوَارَثَ الناس بِالْحِلْفِ وَالنُّصْرَةِ ثُمَّ تَوَارَثُوا بِالْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَةِ ثُمَّ نُسِخَ ذلك فَنَزَلَ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل { وأولو ( ( ( وأولوا ) ) ) الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ في كِتَابِ اللَّهِ } على مَعْنَى ما فَرَضَ اللَّهُ عز ذِكْرُهُ وَسَنَّ رَسُولُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا مُطْلَقًا هَكَذَا أَلَا تَرَى أَنَّ الزَّوْجَ يَرِثُ أَكْثَرَ مِمَّا يَرِثُ ذَوُو الْأَرْحَامِ وَلَا رَحِمَ له أو لا تَرَى أَنَّ بن الْعَمِّ الْبَعِيدَ يَرِثُ الْمَالَ كُلَّهُ وَلَا يَرِثُهُ الْخَالُ وَالْخَالُ أَقْرَبُ رَحِمًا منه فَإِنَّمَا مَعْنَاهَا على ما وَصَفْت لَك من أنها على ما فَرَضَ اللَّهُ لهم وَسَنَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عليه وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ إنَّ الناس
____________________

(4/80)


يَتَوَارَثُونَ بِالرَّحِمِ وَتَقُولُونَ خِلَافَهُ في مَوْضِعٍ آخَرَ تَزْعُمُونَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا مَاتَ وَتَرَكَ أَخْوَالَهُ وَمَوَالِيَهُ فَمَالُهُ لِمَوَالِيهِ دُونَ أَخْوَالِهِ فَقَدْ مَنَعْت ذَوِي الْأَرْحَامِ الَّذِينَ قد تُعْطِيهِمْ في حَالٍ وَأَعْطَيْت الْمَوْلَى الذي لَا رَحِمَ له الْمَالَ قال فما حَجَّتُك في أَنْ لَا تُرَدَّ الْمَوَارِيثَ قُلْنَا ما وَصَفْت لَك من الإنتهاء إلَى حُكْمِ اللَّهِ عز وجل وَأَنْ لَا أَزِيدَ ذَا سَهْمٍ على سَهْمِهِ وَلَا أَنْقُصُهُ قال فَهَلْ من شَيْءٍ تُثْبِتهُ سِوَى هذا قُلْت نعم قال اللَّهُ عز وجل { إنْ امْرُؤٌ هَلَكَ ليس له وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ ما تَرَكَ وهو يَرِثُهَا إنْ لم يَكُنْ لها وَلَدٌ } وقال عز ذِكْرُهُ { وَإِنْ كَانُوا إخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } فذكر الْأَخَ وَالْأُخْتَ مُنْفَرِدَيْنِ فَانْتَهَى بِالْأُخْتِ إلَى النِّصْفِ وَبِالْأَخِ إلَى الْكُلِّ وَذَكَرَ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ مُجْتَمَعِينَ فَحَكَمَ بَيْنَهُمْ مِثْلَ حُكْمِهِ بَيْنَهُمْ مُنْفَرِدِينَ قال { فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } فَجَعَلَهَا على النِّصْفِ منه في كل حَالٍ فَمَنْ قال بِرَدِّ الْمَوَارِيثِ قال أُوَرِّثُ الْأُخْتَ الْمَالَ كُلَّهُ فَخَالَفَ قَوْلُهُ الْحُكْمَيْنِ مَعًا قُلْت فَإِنْ قُلْتُمْ نُعْطِيهَا النِّصْفَ بِكِتَابِ اللَّهِ عز وجل وَنَرُدُّ عليها النِّصْفَ لَا مِيرَاثًا قُلْنَا بِأَيِّ شَيْءٍ تَرُدُّهُ عليها قال ما نَرُدُّهُ أَبَدًا إلَّا مِيرَاثًا أو يَكُونُ ما لا حُكْمُهُ إلَى الْوُلَاةِ فما كان كَذَلِكَ فَلَيْسَ الْوُلَاةُ بِمُخَيَّرِينَ وَعَلَى الْوُلَاةِ أَنْ يَجْعَلُوهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ كَانُوا فيه مُخَيَّرِينَ كان لِلْوَالِي أَنْ يُعْطِيَهُ من شَاءَ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ - * بَابُ مِيرَاثِ الْجَدِّ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقُلْنَا إذَا وَرِثَ الْجَدُّ مع الْإِخْوَةِ قَاسَمَهُمْ ما كانت الْمُقَاسَمَةُ خَيْرًا له من الثُّلُثِ فإذا كان الثُّلُثُ خَيْرًا له منها أُعْطِيهِ وَهَذَا قَوْلُ زَيْدِ بن ثَابِتٍ وَعَنْهُ قَبِلْنَا أَكْثَرُ الْفَرَائِضِ وقد روى هذا الْقَوْلُ عن عُمَرَ وَعُثْمَانَ أَنَّهُمَا قَالَا فيه مِثْلَ قَوْلِ زَيْدِ بن ثَابِتٍ وقد روى هذا أَيْضًا عن غَيْرِ وَاحِدٍ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وهو قَوْلُ الْأَكْثَرِ من فُقَهَاءِ الْبُلْدَانِ وقد خَالَفْنَا بَعْضَ الناس في ذلك فقال الْجَدُّ أَبٌ وقد اخْتَلَفَ فيه أَصْحَابُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال أبو بَكْرٍ وَعَائِشَةُ وبن عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بن عُتْبَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بن الزُّبَيْرِ رضي اللَّهُ عنه إنَّهُ أَبٌ إذَا كان معه الْإِخْوَةُ طُرِحُوا وكان الْمَالُ لِلْجَدِّ دُونَهُمْ وقد زَعَمْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ أَنَّ أَصْحَابَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا اخْتَلَفُوا لم نَصِرْ إلَى قَوْلِ وَاحِدٍ منهم دُونَ قَوْلِ الْآخَرِ إلَّا بِالتَّثَبُّتِ مع الْحُجَّةِ الْبَيِّنَةِ عليه وَمُوَافَقَتِهِ لِلسُّنَّةِ وَهَكَذَا نَقُولُ وَإِلَى الْحُجَّةِ ذَهَبْنَا في قَوْلِ زَيْدِ بن ثَابِتٍ وَمَنْ قال قَوْلَهُ قالوا فَإِنَّا نَزْعُمُ أَنَّ الْحُجَّةَ في قَوْلِ من قال الْجَدُّ أَبٌ لِخِصَالٍ منها أَنَّ اللَّهَ عز وجل قال { يا بَنِي آدَمَ } وقال { مِلَّةَ أَبِيكُمْ إبْرَاهِيمَ } فَأَقَامَ الْجَدَّ في النَّسَبِ أَبًا وَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ لم يَخْتَلِفُوا في أَنْ لم يُنْقِصُوهُ من السُّدُسِ وَهَذَا حُكْمُهُمْ لِلْأَبِ وَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ حَجَبُوا بِالْجَدِّ الْأَخَ لِلْأُمِّ وَهَكَذَا حُكْمُهُمْ في الْأَبِ فَكَيْفَ جَازَ أَنْ يَجْمَعُوا بين أَحْكَامِهِ في هذه الْخِصَالِ وَأَنْ يُفَرِّقُوا بين أَحْكَامِهِ وَحُكْمِ الْأَبِ فِيمَا سِوَاهَا قُلْنَا إنَّهُمْ لم يَجْمَعُوا بين أَحْكَامِهِ فيها قِيَاسًا منهم لِلْجَدِّ على الْأَبِ قالوا وما دَلَّ على ذلك قُلْنَا أَرَأَيْتُمْ الْجَدَّ لو كان إنَّمَا يَرِثُ بِاسْمِ الْأُبُوَّةِ هل كان اسْمُ الْأُبُوَّةِ يُفَارِقُهُ لو كان دُونَهُ أَبٌ أو يُفَارِقُهُ لو كان قَاتِلًا أو مَمْلُوكًا أو كَافِرًا قال لَا قُلْنَا فَقَدْ نَجِدُ اسْمَ الْأُبُوَّةِ يَلْزَمُهُ وهو غَيْرُ وَارِثٍ وَإِنَّمَا وَرَّثْنَاهُ بِالْخَبَرِ في بَعْضِ الْمَوَاضِعِ دُونَ بَعْضٍ لَا بِاسْمِ الْأُبُوَّةِ قال فَإِنَّهُمْ لَا يُنْقِصُونَهُ من السُّدُسِ وَذَلِكَ حُكْمُ الْأَبِ قُلْنَا وَنَحْنُ لَا نَنْقُصُ الْجَدَّةَ من السُّدُسِ افترى ذلك قِيَاسًا على الْأَبِ فَتَقِفُهَا مَوْقِفَ الْأَبِ فَتَحْجُبُ بها الْإِخْوَةُ قالوا لَا وَلَكِنْ قد حَجَبْتُمْ الْإِخْوَةَ من الْأُمِّ بِالْجَدِّ كما حَجَبْتُمُوهُمْ بِالْأَبِ قُلْنَا نعم قُلْنَا هذا خَبَرًا لَا قِيَاسًا أَلَا تَرَى أَنَّا نُحَجِّبُهُمْ بِابْنَةِ بن مُتَسَفِّلَةٍ وَلَا نَحْكُمُ لها بِحُكْمِ الْأَبِ وَهَذَا يُبَيِّنُ لَكُمْ أَنَّ الْفَرَائِضَ تَجْتَمِعُ في بَعْضِ الْأُمُورِ دُونَ بَعْضٍ قالوا وَكَيْفَ لم تَجْعَلُوا أَبَا الْأَبِ كَالْأَبِ كما جَعَلْتُمْ بن الِابْنِ كَالِابْنِ قُلْنَا لِاخْتِلَافِ الْأَبْنَاءِ وَالْآبَاءِ لِأَنَّا وَجَدْنَا الْأَبْنَاءَ أَوْلَى بِكَثْرَةِ الْمَوَارِيثِ من الْآبَاءِ وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ يَتْرُكُ أَبَاهُ وَابْنَهُ فَيَكُونُ لِابْنِهِ خَمْسَةُ أَسْدَاسٍ وَلِأَبِيهِ السُّدُسُ وَيَكُونُ له بَنُونَ يَرِثُونَهُ مَعًا وَلَا يَكُونُ
____________________

(4/81)


أَبَوَانِ يَرِثَانِهِ مَعًا وقد نُوَرِّثُ نَحْنُ وَأَنْتُمْ الْأُخْتَ وَلَا نُوَرِّثُ ابْنَتَهَا أو نُوَرِّثُ الْأُمَّ وَلَا نُوَرِّثُ ابْنَتَهَا إذَا كان دُونَهَا غَيْرَهَا وَإِنْ وَرَّثْنَاهَا لم نُوَرِّثْهَا قِيَاسًا على أُمِّهَا وَإِنَّمَا وَرَّثْنَاهَا خَبَرًا لَا قِيَاسًا قال فما حُجَّتُكُمْ في أَنْ أَثْبَتُّمْ فَرَائِضَ الْإِخْوَةِ مع الْجَدِّ قُلْنَا ما وَصَفْنَا من الِاتِّبَاعِ وَغَيْرِ ذلك قالوا وما غَيْرُ ذلك قُلْنَا أَرَأَيْت رَجُلًا مَاتَ وَتَرَكَ أَخَاهُ وَجَدَّهُ هل يُدْلِي وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَى الْمَيِّتِ بِقَرَابَةِ نَفْسِهِ قالوا لَا قُلْنَا اليس إنَّمَا يقول أَخُوهُ أنا بن أبيه وَيَقُولُ جَدُّهُ أنا أبو أبيه وَكِلَاهُمَا يَطْلُبُ مِيرَاثَهُ لِمَكَانِهِ من أبيه قالوا بَلَى قُلْنَا أَفَرَأَيْتُمْ لو كان أَبُوهُ الْمَيِّتَ في تِلْكَ السَّاعَةِ ايهما أَوْلَى بِمِيرَاثِهِ قال يَكُونُ لِابْنِهِ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ وَلِأَبِيهِ السُّدُسُ قُلْنَا وإذا كَانَا جميعا إنَّمَا يُدْلِيَانِ بِالْأَبِ فَابْنُ الْأَبِ أَوْلَى بِكَثْرَةِ مِيرَاثِهِ من أبيه فَكَيْفَ جَازَ أَنْ يُحْجَبَ الذي هو أَوْلَى بِالْأَبِ الذي يُدْلِيَانِ بِقَرَابَتِهِ بِاَلَّذِي هو أَبْعَدُ منه قُلْنَا مِيرَاثُ الْإِخْوَةِ ثَابِتٌ في الْقُرْآنِ وَلَا فَرْضَ لِلْجَدِّ فيه فَهُوَ اقوى في الْقُرْآنِ وَالْقِيَاسِ في ثُبُوتِ الْمِيرَاثِ قال فَكَيْفَ جَعَلْتُمْ الْجَدَّ إذَا كَثُرَ الْإِخْوَةُ أَكْثَرَ مِيرَاثًا من أَحَدِهِمْ قُلْنَا خَبَرًا وَلَوْ كان مِيرَاثُهُ قِيَاسًا جَعَلْنَاهُ أَبَدًا مع الْوَاحِدِ وَأَكْثَرُ من الْإِخْوَةِ أَقَلُّ مِيرَاثًا فَنَظَرْنَا كُلَّ ما صَارَ لِلْأَخِ مِيرَاثًا فَجَعَلْنَا لِلْأَخِ خَمْسَةُ اسهم وَلِلْجَدِّ سَهْمًا كما وَرَّثْنَاهُمَا حين مَاتَ بن الْجَدِّ أبو الِابْنِ قال فَلِمَ لم تَقُولُوا بهذا قُلْنَا لم نَتَوَسَّعْ بِخِلَافِ ما رَوَيْنَا عنه من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا أَنْ يُخَالِفَ بَعْضُهُمْ إلَى قَوْلِ بَعْضٍ فَنَكُونُ غير خَارِجِينَ من أَقَاوِيلِهِمْ - * مِيرَاثُ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقُلْنَا إذَا مَاتَ وَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ وَوَلَدُ الزنى وَرَّثْت أُمَّهُ حَقَّهَا في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل وَإِخْوَتَهُ لِأُمِّهِ حُقُوقَهُمْ وَنَظَرْنَا ما بَقِيَ فَإِنْ كانت أُمُّهُ مَوْلَاةَ عَتَاقَةٍ كان ما بَقِيَ مِيرَاثًا لِمَوَالِي أُمِّهِ وَإِنْ كانت عَرَبِيَّةً أو لَا وَلَاءَ لها كان ما بَقِيَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وقال بَعْضُ الناس بِقَوْلِنَا فيها إلَّا في خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ إذَا كانت أُمُّهُ عَرَبِيَّةً أو لَا وَلَاءَ لها رَدُّوا ما بَقِيَ من مِيرَاثِهِ على عَصَبَةِ أُمِّهِ وكان عَصَبَةُ أُمِّهِ عَصَبَتَهُ وَاحْتَجُّوا فيه بِرِوَايَةٍ لَيْسَتْ بِثَابِتَةٍ وَأُخْرَى لَيْسَتْ مِمَّا يَقُومُ بها حُجَّةٌ وَقَالُوا كَيْفَ لم تَجْعَلُوا عَصَبَتَهُ عَصَبَةَ أُمِّهِ كما جَعَلْتُمْ مَوَالِيَهُ مَوَالِيَ أُمِّهِ قُلْنَا بِالْأَمْرِ الذي لم نَخْتَلِفْ نَحْنُ وَأَنْتُمْ في أَصْلِهِ ثُمَّ تَرَكْتُمْ قَوْلَكُمْ فيه قُلْت أَرَأَيْتُمْ الْمَوْلَاةَ الْعَتِيقَةَ تَلِدُ من مَمْلُوكٍ أو مِمَّنْ لَا يُعْرَفُ أَلَيْسَ يَكُونُ وَلَاءُ وَلَدِهَا تَبَعًا لِوَلَائِهَا حتى يَكُونُوا كَأَنَّهُمْ أُعْتِقُوا مَعًا ما لم يَجُرَّ أَبٌ وَلَاءَهُمْ قالوا بَلَى قُلْنَا أو يَعْقِلُ عَنْهُمْ مَوَالِيَ أُمِّهِمْ وَيَكُونُونَ أَوْلِيَاءَ في التَّزْوِيجِ لهم قالوا بَلَى قُلْنَا فَإِنْ كانت عَرَبِيَّةً فَتَكُونُ عَصَبَتُهَا عَصَبَةَ وَلَدِهَا فَيَعْقِلُونَ عَنْهُمْ وَيُزَوِّجُونَ بَنَاتِهِمْ قالوا لَا قُلْنَا فإذا كان مَوَالِي الْأُمِّ يَقُومُونَ مَقَامَ الْعَصَبَةِ في وَلَدِ مَوْلَاتِهِمْ وكان الْأَخْوَالُ لَا يَقُومُونَ ذلك الْمَقَامَ في بَنِي أُخْتِهِمْ فَكَيْفَ أَنْكَرْت ما قُلْنَا وَالْأَصْلُ الذي ذَهَبْنَا إلَيْهِ وَاحِدٌ - * مِيرَاثُ الْمَجُوسِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقُلْنَا إذَا أَسْلَمَ الْمَجُوسِيُّ وَابْنَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتُهُ أو أُخْتُهُ أُمُّهُ نَظَرْنَا إلَى أَعْظَمِ السَّبَبَيْنِ فَوَرَّثْنَاهَا بِهِ والغينا الْآخَرَ وَأَعْظَمُهُمَا أَثْبَتُهُمَا بِكُلِّ حَالٍ وإذا كانت أُمٌّ أُخْتًا وَرَّثْنَاهَا بِأَنَّهَا أُمٌّ وَذَلِكَ أَنَّ الْأُمَّ قد تَثْبُتُ في كل حَالٍ وَالْأُخْتَ قد تَزُولُ وَهَكَذَا جَمِيعُ فَرَائِضِهِمْ على هذه الْمَنَازِلِ وقال بَعْضُ الناس أُوَرِّثُهَا من الْوَجْهَيْنِ مَعَهَا فَقُلْنَا له أَرَأَيْت إذَا كان مَعَهَا أُخْتٌ وَهِيَ أُخْتُ أُمٍّ قال أَحْجُبُهَا من الثُّلُثِ بِأَنَّ مَعَهَا أُخْتَيْنِ وَأُوَرِّثُهَا من الْوَجْهِ الْآخَرِ لِأَنَّهَا أُخْتٌ قُلْنَا أَرَأَيْت حُكْمَ اللَّهِ عز وجل إذْ جَعَلَ لِلْأُمِّ الثُّلُثَ في حَالٍ وَنَقَصَهَا منه بِدُخُولِ الْإِخْوَةِ عليها أَلَيْسَ إنَّمَا نَقَصَهَا بِغَيْرِهَا لَا بِنَفْسِهَا قال بَلَى بِغَيْرِهَا نَقَصَهَا فَقُلْنَا وَغَيْرُهَا خِلَافُهَا قال نعم قُلْنَا فإذا نَقَصْتهَا بِنَفْسِهَا أَفَلَيْسَ قد نَقَصْتهَا بِخِلَافِ ما نَقَصَهَا اللَّهُ عز وجل بِهِ وَقُلْنَا أَرَأَيْت إذَا كانت أُمًّا على الْكَمَالِ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ تُعْطِيَهَا بِنَقْصِهَا دُونَ الْكَمَالِ
____________________

(4/82)


وَتُعْطِيَهَا أُمًّا كَامِلَةً وَأُخْتًا كَامِلَةً وَهُمَا بَدَنَانِ وَهَذَا بَدَنٌ قال فَقَدْ دخل عَلَيْك أَنْ عَطَّلْت أَحَدَ الْحَقَّيْنِ قُلْنَا لَمَّا لم يَكُنْ سَبِيلٌ إلَى اسْتِعْمَالِهِمَا إلَّا بِخِلَافِ الْكِتَابِ وَخِلَافِ الْمَعْقُولِ لم يَجُزْ إلَّا تَعْطِيلُ أَصْغَرِهِمَا لَا أَكْبَرِهِمَا قال فَهَلْ تَجِدُ عَلَيْنَا شيئا من ذلك قُلْنَا نعم قد تَزْعُمُ أَنَّ الْمُكَاتَبَ ليس بِكَامِلِ الْحُرِّيَّةِ وَلَا رَقِيقٍ وَأَنَّ كُلَّ من لم تَكْمُلْ فيه الْحُرِّيَّةُ صَارَ إلَى حُكْمِ الْعَبِيدِ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَلَا يُحَدُّ من قَذَفَهُ وَلَا يُحَدُّ هو إلَّا حَدَّ الْعَبِيدِ فَتَعَطَّلَ مَوْضِعُ الْحُرِّيَّةِ منه قال إنِّي أَحْكُمُ عليه أَنَّهُ رَقِيقٌ قُلْت أَفِي كل حاله ( ( ( حال ) ) ) أو في بَعْضِ حاله ( ( ( حال ) ) ) دُونَ بَعْضٍ قال بَلْ في بَعْضِ حَالِهِ دُونَ بَعْضٍ لِأَنِّي لو قُلْت لَك في كل حَالِهِ قُلْت لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ أَنْ يَبِيعَهُ وَيَأْخُذَ مَالَهُ قُلْت فإذا كان قد اخْتَلَطَ أَمْرُهُ فلم يُمْحَضْ عَبْدًا ولم يُمْحَضْ حُرًّا فَكَيْفَ لم تَقُلْ فيه بِمَا رَوَيْته عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ يَعْتِقُ منه بِقَدْرِ ما أَدَّى وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ بِقَدْرِ ما أَدَّى وَيُحَدُّ بِقَدْرِ ما أَدَّى وَيَرِثُ وَيُورَثُ بِقَدْرِ ما أَدَّى قال لَا نقول ( ( ( تقول ) ) ) بِهِ قُلْنَا وتصيره ( ( ( وتصير ) ) ) على أَصْلِ أَحْكَامِهِ وهو حُكْمُ الْعَبِيدِ فِيمَا نَزَلَ بِهِ وَتَمْنَعُهُ الْمِيرَاثَ قال نعم قُلْنَا فَكَيْفَ لم تَجُزْ لنا في فَرْضِ الْمَجُوسِ ما وَصَفْنَا وَإِنَّمَا صَيَّرْنَا الْمَجُوسَ إلَى أَنْ أَعْطَيْنَاهُمْ بِأَكْثَرِ ما يَسْتَوْجِبُونَ فلم نَمْنَعْهُمْ حَقًّا من وَجْهٍ إلَّا أَعْطَيْنَاهُمْ ذلك الْحَقَّ أو بَعْضَهُ من وَجْهٍ آخَرَ وَجَعَلْنَا الْحُكْمَ فِيهِمْ حُكْمًا وَاحِدًا مَعْقُولًا لَا مُتَبَعِّضًا لَا أَنَّا جَعَلْنَا بَدَنًا وَاحِدًا في حُكْمِ بَدَنَيْنِ - * مِيرَاثُ الْمُرْتَدِّ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن الزُّهْرِيِّ عن عَلِيِّ بن الْحُسَيْنِ عن عَمْرِو بن عُثْمَانَ عن أُسَامَةَ بن زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا
____________________

(4/83)


نَقُولُ فَكُلُّ من خَالَفَ دِينَ الْإِسْلَامِ من أَهْلِ الْكِتَابِ وَمِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ فَإِنْ ارْتَدَّ أَحَدٌ من هَؤُلَاءِ عن الْإِسْلَامِ لم يَرِثْهُ الْمُسْلِمُ لِقَوْلِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَقَطْعِ اللَّهِ الْوِلَايَةَ بين الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ فَوَافَقْنَا بَعْضَ الناس على كل كَافِرٍ إلَّا الْمُرْتَدَّ وَحْدَهُ فإنه قال تَرِثُهُ وَرَثَتُهُ من الْمُسْلِمِينَ فَقُلْنَا فَيَعْدُو الْمُرْتَدُّ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا في مَعْنَى الْكَافِرِينَ أو يَكُونَ في أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ قُلْت هو في بَعْضِ حُكْمِهِ في أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ قُلْنَا أَفَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا في حُكْمٍ مُؤْمِنًا في غَيْرِهِ فيقول لَك غَيْرُك فَهُوَ كَافِرٌ حَيْثُ جَعَلْته مُؤْمِنًا وَمُؤْمِنٌ حَيْثُ جَعَلْته كَافِرًا قال لَا قُلْنَا أَفَلَيْسَ يَجُوزُ
____________________

(4/84)


لَك من هذا شَيْءٌ إلَّا جَازَ عَلَيْك مِثْلُهُ قال فَإِنَّا إنَّمَا صِرْنَا في هذا إلَى أَثَرٍ رَوَيْنَاهُ أَنَّ عَلِيَّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه قَتَلَ الْمُسْتَوْرِدَ وَوَرَّثَ مِيرَاثَهُ وَرَثَتَهُ الْمُسْلِمِينَ قُلْنَا فَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الحديث مِنْكُمْ أَنَّهُ غَلَطٌ وَنَحْنُ نَجْعَلُهُ لَك ثَابِتًا أَفَرَأَيْت حُكْمَهُ في سِوَى الْمِيرَاثِ أَحُكْمُ مُشْرِكٍ أو مُسْلِمٍ قال بَلْ حُكْمُ مُشْرِكٍ قُلْنَا فَإِنْ حَبَسْت الْمُرْتَدَّ لتقتله ( ( ( لقتله ) ) ) أو لِتَسْتَتِيبَهُ فَمَاتَ بن له مُسْلِمٌ أَيَرِثُهُ قال لَا قُلْنَا أَفَرَأَيْت أَحَدًا قَطُّ لَا يَرِثُ وَلَدَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَاتِلَهُ وَيَرِثُهُ وَلَدُهُ إنَّمَا أَثْبَتَ اللَّهُ عز وجل الْمَوَارِيثَ لِلْأَبْنَاءِ من الْآبَاءِ حَيْثُ أَثْبَتَ الْمَوَارِيثَ لِلْآبَاءِ من الْأَبْنَاءِ وَقَطَعَ وِلَايَةَ الْمُسْلِمِينَ من الْمُشْرِكِينَ وَسَنَّ رسول
____________________

(4/85)


اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ لَا يَرِثَ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ فَإِنْ كان الْمُرْتَدُّ خَارِجًا من مَعْنَى حُكْمِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَحُكْمِ رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من بَيْنِ الْمُشْرِكِينَ بِالْأَثَرِ الذي زَعَمْت لَزِمَك أَنْ تَكُونَ قد خَالَفْت الْأَثَرَ لِأَنَّ عَلِيَّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه لم يَمْنَعْهُ مِيرَاثَ وَلَدِهِ لو مَاتُوا وهو لو وَرَّثَ وَلَدَهُ منه انْبَغَى أَنْ يُوَرِّثَهُ وَلَدَهُ إذَا كان عِنْدَهُ مُخَالِفًا لِغَيْرِهِ من الْمُشْرِكِينَ وَلَوْ جَازَ أَنْ يَرِثُوهُ وَلَا يَرِثُهُمْ كان في مِثْلِ مَعْنَى ما حَكَمَ بِهِ مُعَاوِيَةُ بن أبي سُفْيَانَ وَتَابَعَهُ عليه
____________________

(4/86)


غَيْرُهُ فقال نَرِثُ الْمُشْرِكِينَ وَلَا يَرِثُونَا كما تَحِلُّ لنا نِسَاؤُهُمْ وَلَا تَحِلُّ لهم نِسَاؤُنَا أَفَرَأَيْت إنْ احْتَجَّ عَلَيْك أَحَدٌ بهذا من قَوْلِ مُعَاوِيَةَ وَمَنْ تَابَعَهُ عليه منهم سَعِيدُ بن الْمُسَيِّبِ وَمُحَمَّدُ بن عَلِيِّ بن الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُمَا وقد روى عن مُعَاذِ بن جَبَلٍ شَبِيهُهُ وقد قَالَهُ مُعَاوِيَةُ وَمُعَاذٌ في أَهْلِ الْكِتَابِ وقال لَك إنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا كان يَحْكُمُ بِهِ على أَهْلِ الْأَوْثَانِ وَالنِّسَاءِ اللَّاتِي يَحْلِلْنَ لِلْمُسْلِمِينَ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ لَا نِسَاءِ أَهْلِ الْأَوْثَانِ فقال لِمُعَاذِ بن جَبَلٍ وَلِمُعَاوِيَة وَلَهُمَا فِقْهٌ وَعِلْمٌ فَلِمَ لم تُوَافِقْ قَوْلَهُمَا وقد يَحْتَمِلُ قَوْلُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ الْكُفَّارَ من أَهْلِ الْأَوْثَانِ وَأَتَّبِعُ مُعَاوِيَةَ وَمُعَاذًا في أَهْلِ الْكِتَابِ فَأُوَرِّثُ الْمُسْلِمَ من الْكَافِرِ وَلَا أُوَرِّثُ الْكَافِرَ من الْمُسْلِمِ كما أَقُولُ في نِكَاحِ نِسَائِهِمْ قال لَا يَكُونُ ذلك له لِأَنَّهُ إذَا قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ فَهَذَا على جَمِيعِ الْكُفَّارِ قُلْنَا وَلِمَ لَا تَسْتَدِلُّ بِقَوْلِ من سَمَّيْنَا مع أَنَّ الحديث مُحْتَمَلٌ له قال إنَّهُ قَلَّ حَدِيثٌ إلَّا وهو يَحْتَمِلُ مَعَانِيَ وَالْأَحَادِيثُ على ظَاهِرِهَا لَا تُحَالُ عنه إلَى مَعْنَى تَحْتَمِلُهُ إلَّا بِدَلَالَةٍ عَمَّنْ حَدَّثَ عنه قُلْنَا وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَإِنْ كان مُقَدَّمًا حُجَّةً في أَنْ يَقُولَ بِمَعْنًى يَحْتَمِلُهُ الْحَدِيثُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا قُلْنَا فَكُلُّ ما قُلْت من هذا حُجَّةٌ عَلَيْك في مِيرَاثِ الْمُرْتَدِّ وَفِيمَا رَوَيْت عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي الله عنه مِثْلُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقُلْنَا لَا يُؤْخَذُ مَالُ الْمُرْتَدِّ عنه حتى يَمُوتَ أو يُقْتَلَ على رِدَّتِهِ وَإِنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ كان أَحَقَّ بِمَالِهِ وقال بَعْضُ الناس إذَا ارْتَدَّ فَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ قَسَّمَ الْإِمَامُ مِيرَاثَهُ كما يُقَسِّمُ مِيرَاثَ الْمَيِّتِ وَأَعْتَقَ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَمُدَبَّرِيهِ وَجَعَلَ دَيْنَهُ الْمُؤَجَّلَ حَالًّا وَأَعْطَى وَرَثَتَهُ مِيرَاثَهُ فَقِيلَ له عِبْت أَنْ يَكُونَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما حَكَمَا في دَارِ السُّنَّةِ وَالْهِجْرَةِ في امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ الذي لَا يُسْمَعُ له بِخَبَرٍ وَالْأَغْلَبُ أَنَّهُ قد مَاتَ بِأَنْ تَتَرَبَّصَ امْرَأَتُهُ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ثُمَّ تُنْكَحُ فَقُلْت وَكَيْفَ نَحْكُمُ بِحُكْمِ الْوَفَاةِ على رَجُلٍ في امْرَأَتُهُ وقد يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَيًّا وَهُمْ لم يَحْكُمُوا في مَالِهِ بِحُكْمِ الْحَيَاةِ إنَّمَا حَكَمُوا بِهِ لِمَعْنَى الضَّرَرِ على الزَّوْجَةِ وقد نُفَرِّقُ نَحْنُ وَأَنْتَ بين الزَّوْجِ وَزَوْجَتِهِ بِأَقَلَّ من هذا الضَّرَرِ على الزَّوْجَةِ فَنَزْعُمُ أَنَّهُ إذَا كان عِنِّينًا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ صِرْت بِرَأْيِك إلَى أَنْ حَكَمْت على رَجُلٍ حَيٍّ لو ارْتَدَّ بطرسوس ( ( ( بطرسس ) ) ) فَامْتَنَعَ بِمُسَلِّحَةِ الرُّومِ وَنَحْنُ نَرَى حَيَاتَهُ بِحُكْمِ الْمَوْتَى في كل شَيْءٍ في سَاعَةٍ من نَهَارٍ خَالَفْت فيه الْقُرْآنَ وَدَخَلْت في أَعْظَمِ من الذي عِبْت وَخَالَفْت من عَلَيْك عِنْدَك اتِّبَاعُهُ فِيمَا عَرَفْت وَأَنْكَرْت قال وَأَيْنَ الْقُرْآنُ الذي خَالَفْت قُلْت قال اللَّهُ عز وجل { إنْ امْرُؤٌ هَلَكَ ليس له وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ ما تَرَكَ } وقال جَلَّ وَعَزَّ { وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ } فَإِنَّمَا نَقَلَ مِلْكَ الْمَوْتَى إلَى الْأَحْيَاءِ وَالْمَوْتَى خِلَافُ الْأَحْيَاءِ ولم يَنْقُلْ بِمِيرَاثٍ قَطُّ مِيرَاثَ حَيٍّ إلَى حَيٍّ فَنَقَلْت مِيرَاثَ الْحَيِّ إلَى الْحَيِّ وهو خِلَافُ حُكْمِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قال فَإِنِّي أَزْعُمُ أَنَّ رِدَّتَهُ وَلُحُوقَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ مِثْلُ مَوْتِهِ قُلْت قَوْلُك هذا خَبَرٌ قال ما فيه خَبَرٌ وَلَكِنِّي قُلْته قِيَاسًا قُلْت فَأَيْنَ الْقِيَاسُ قال أَلَا تَرَى أَنِّي لو وَجَدْته في هذه الْحَالِ قَتَلْته فَكَانَ مَيِّتًا قُلْت قد عَلِمْت أَنَّك إذَا قَتَلْته مَاتَ فَأَنْتَ لم تَقْتُلْهُ فَأَيْنَ الْقِيَاسُ إنَّمَا قَتْلُهُ لو أَمَتَّهُ فَأَنْتَ لم تُمِتْهُ وَلَوْ كُنْت بِقَوْلِك لو قَدَرْت عليه قَتَلْته كَالْقَاتِلِ له لَزِمَك إذَا رَجَعَ إلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ حكم الْمَيِّتَ فَتُنَفِّذُ عليه حُكْمَ الْمَوْتَى قال ما أَفْعَلُ وَكَيْفَ أَفْعَلُ وهو حَيٌّ قُلْت قد فَعَلْت أَوَّلًا وهو حَيٌّ ثُمَّ زَعَمْت أَنَّك إنْ حَكَمْت عليه بِحُكْمِ الْمَوْتَى فَرَجَعَ تَائِبًا وَأُمُّ وَلَدِهِ قَائِمَةٌ ومدبرة قَائِمٌ وفي يَدِ غَرِيمِهِ مَالُهُ بِعَيْنِهِ الذي دَفَعْته إلَيْهِ وهو إلَى عَشْرِ سِنِينَ وفي يَدِ أبيه مِيرَاثُهُ فقال لَك رُدَّ عَلَيَّ مَالِي وَهَذَا غَرِيمِي يقول هذا مَالُك بِعَيْنِهِ لم أُغَيِّرْهُ وَإِنَّمَا هو لي إلَى عَشْرِ سِنِينَ وَهَذِهِ أُمُّ وَلَدِي وَمُدَبَّرِي بِأَعْيَانِهِمَا قال لَا أَرُدُّهُ عليه لِأَنَّ الْحُكْمَ قد نَفَذَ فيه قُلْنَا فَكَيْفَ رَدَدْت عليه ما في يَدَيْ وَارِثِهِ وقد نَفَذَ له بِهِ الْحُكْمُ قال هذا
____________________

(4/87)


مَالُهُ بِعَيْنِهِ قُلْنَا وَالْمَالُ الذي في يَدِ غَرِيمِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ وَمُدَبَّرُهُ مَالُهُ بِعَيْنِهِ فَكَيْفَ نَقَضْت الْحُكْمَ في بَعْضِهِ دُونَ بَعْضٍ هل قُلْت هذا خَبَرًا أو قِيَاسًا قال ما قُلْته خَبَرًا وَلَكِنْ قُلْته قِيَاسًا قُلْنَا فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ قِسْته قال على أَمْوَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ يُصِيبُهَا أَهْلُ الْعَدْلِ فَإِنْ تَابَ أَهْلُ الْبَغْيِ فَوَجَدُوا أَمْوَالَهُمْ بِأَعْيَانِهَا أَخَذُوهَا وَإِنْ لم يَجِدُوهَا بِأَعْيَانِهَا لم يَغْرَمْهَا أَهْلُ الْعَدْلِ وَكَذَلِكَ ما أَصَابَ أَهْلُ الْعَدْلِ لِأَهْلِ الْبَغْيِ قُلْنَا فَهَذَا وَجَدَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ فَرَدَدْت بَعْضَهُ ولم تَرْدُدْ بَعْضَهُ فَأَمَّا أَهْلُ الْعَدْلِ لو أَصَابُوا لِأَهْلِ الْبَغْيِ أُمَّ وَلَدٍ أو مُدَبَّرَةً رَدَدْتُهُمَا على صَاحِبِهِمَا وَقُلْت لَا يَعْتِقَانِ وَلَا يَمْلِكُهُمَا غَيْرُ صَاحِبِهِمَا وَلَيْسَ هَكَذَا قُلْت في مَالِ الْمُرْتَدِّ - * مِيرَاثُ الْمُشْرِكَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قُلْنَا إنَّ الْمُشْرِكَةَ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَأَخَوَانِ لِأَبٍ وَأُمٌّ وَأَخَوَانِ لِأُمٍّ فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْأَخَوَيْنِ من الْأُمِّ الثُّلُثُ وَيُشْرِكُهُمْ بَنُو الْأَبِ والأم لِأَنَّ الْأَبَ لَمَّا سَقَطَ حُكْمُهُ صَارُوا بَنِي أُمٍّ مَعًا وقال بَعْضُ الناس مِثْلَ قَوْلِنَا إلَّا أَنَّهُمْ قالوا لَا يُشْرِكُهُمْ بَنُو الْأَبِ وَالْأُمِّ وَاحْتَجُّوا عَلَيْنَا بِأَنَّ أَصْحَابَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم اخْتَلَفُوا فيها فقال بَعْضُهُمْ قَوْلَنَا وقال بَعْضُهُمْ قَوْلَهُمْ فَقَالُوا اخْتَرْنَا قَوْلَ من قُلْنَا بِقَوْلِهِ من قَبْلُ أَنَّا وَجَدْنَا بَنِي الْأَبِ وَالْأُمِّ قد يَكُونُونَ مع بَنِي الْأُمِّ فَيَكُونُ لِلْوَاحِدِ منهم الثُّلُثَانِ وَلِلْجَمَاعَةِ من بَنِي الْأُمِّ الثُّلُثُ وَوَجَدْنَا بَنِي الْأَبِ وَالْأُمِّ قد يُشْرِكُهُمْ أَهْلُ الْفَرَائِضِ فَيَأْخُذُونَ أَقَلَّ مِمَّا يَأْخُذُ بَنُو الْأُمِّ فلما وَجَدْنَاهُمْ مَرَّةً يَأْخُذُونَ أَكْثَرَ مِمَّا يَأْخُذُونَ وَمَرَّةً أَقَلَّ مِمَّا يَأْخُذُونَ فَرَّقْنَا بين حُكْمَيْهِمْ فَوَرَّثْنَا كُلًّا على حُكْمِهِ لِأَنَّا وَإِنْ جَمَعَتْهُمْ الْأُمُّ لم نُعْطِهِمْ دُونَ الْأَبِ وَإِنْ أَعْطَيْنَاهُمْ بِالْأَبِ مع الْأُمِّ فَرَّقْنَا بين حُكْمَيْهِمْ فَقُلْنَا إنَّا إنَّمَا أَشْرَكْنَاهُمْ مع بَنِي الْأُمِّ لِأَنَّ الْأُمَّ جَمَعَتْهُمْ وَسَقَطَ حُكْمُ الْأَبِ فإذا سَقَطَ حُكْمُ الْأَبِ كان كَأَنْ لم يَكُنْ وَلَوْ صَارَ لِلْأَبِ مَوْضِعٌ يَكُونُ له فيه حُكْمٌ اسْتَعْمَلْنَاهُ قَلَّ نُصِيبُهُمْ أو كَثُرَ قال فَهَلْ تَجِدُ مِثْلَ ما وَصَفْت من أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مُسْتَعْمِلًا في حَالٍ ثُمَّ تَأْتِي حَالٌ فَلَا يَكُونُ مُسْتَعْمِلًا فيها قُلْنَا نعم قال وما ذَاكَ قُلْنَا ما قُلْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ وَخَالَفْت فيه صَاحِبَك من الزَّوْجِ يَنْكِحُ الْمَرْأَةَ بَعْدَ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا فَتَحِلُّ لِلزَّوْجِ قَبْلَهُ وَيَكُونُ مُبْتَدِئًا لِنِكَاحِهَا وَتَكُونُ عِنْدَهُ على ثَلَاثٍ وَلَوْ نَكَحَهَا بَعْدَ وَاحِدَةٍ أو اثْنَتَيْنِ لم يَهْدِمْ الْوَاحِدَ وَلَا الثِّنْتَيْنِ كما يَهْدِمُ الثَّلَاثَ لِأَنَّهُ لَمَّا كان له مَعْنًى في إحْلَالِ الْمَرْأَةِ هُدِمَ الطَّلَاقُ الذي تَقَدَّمَهُ إذَا كانت لَا تَحِلُّ إلَّا بِهِ وَلَمَّا لم يَكُنْ له مَعْنًى في الْوَاحِدَةِ وَالثِّنْتَيْنِ وَكَانَتْ تَحِلُّ لِزَوْجِهَا بِنِكَاحٍ قبل زَوْجٍ كما كانت تَحِلُّ لو لم يُطَلِّقْهَا لم يَكُنْ له مَعْنًى فلم نَسْتَعْمِلْهُ قال إنَّا لَنَقُولُ هذا خَبَرًا عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه قُلْت وَقِيَاسًا كما وَصَفْنَا لِأَنَّهُ قد خَالَفَ عُمَرُ فيه غَيْرَهُ قال فَهَلْ تَجِدُ لي هذا في الْفَرَائِضِ قُلْت نعم الْأَبُ يَمُوتُ ابْنُهُ وللإبن إخْوَةٌ فَلَا يَرِثُونَ مع الْأَبِ فإذا كان الْأَبُ قَاتِلًا وَرِثُوا ولم يُوَرَّثْ الْأَبُ من قِبَلِ أَنَّ حُكْمَ الْأَبِ قد زَالَ وما زَالَ حُكْمُهُ كان كَمَنْ لم يَكُنْ فلم نَمْنَعْهُمْ الْمِيرَاثَ به إذَا صَارَ لَا حُكْمَ له كما مَنَعْنَاهُمْ بِهِ إذَا كان له حُكْمٌ وَكَذَلِكَ لو كان كَافِرًا أو مَمْلُوكًا قال فَهَذَا لَا يَرِثُ بِحَالٍ وَأُولَئِكَ يَرِثُونَ بِحَالٍ قُلْنَا أو ليس إنَّمَا نَنْظُرُ في الْمِيرَاثِ إلَى الْفَرِيضَةِ التي يُدْلُونَ فيها بِحُقُوقِهِمْ لَا نَنْظُرُ إلَى حَالِهِمْ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا قال وما تَعْنِي بِذَلِكَ قُلْت لو لم يَكُنْ قَاتِلًا وَرِثَ وإذا صَارَ قَاتِلًا لم يَرِثْ وَلَوْ كان مَمْلُوكًا فَمَاتَ ابْنُهُ لم يَرِثْ وَلَوْ عَتَقَ قبل أَنْ يَمُوتَ وَرِثَ قال هذا هَكَذَا قُلْنَا فَنَظَرْنَا إلَى الْحَالِ التي لم يَكُنْ فيها لِلْأَبِ حُكْمٌ في الْفَرِيضَةِ أَسْقَطْنَاهُ وَوَجَدْنَاهُمْ لَا يَخْرُجُونَ من أَنْ يَكُونُوا إلَى بَنِي الْأُمِّ

  (1) * أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال كَتَبْنَا هذا الْكِتَابَ من نُسْخَةِ الشَّافِعِيِّ من خَطِّهِ بيده ولم نَسْمَعْهُ منه وَذَكَرَ الرَّبِيعُ في أَوَّلِهِ وإذا أَوْصَى الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ وَلَدِهِ وَذَكَرَ بَعْدَهُ تَرَاجِمَ وفي آخِرِهَا ما يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُقَدَّمًا وهو - * بَابُ الْوَصِيَّةِ وَتَرْكِ الْوَصِيَّةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْوَصِيَّةِ إنَّ قَوْلَهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم ما حَقُّ امْرِئٍ له مَالٌ يَحْتَمِلُ ما لِامْرِئٍ أَنْ يَبِيتَ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ وَيَحْتَمِلُ ما الْمَعْرُوفُ في الْأَخْلَاقِ إلَّا هذا لَا من وَجْهِ الْفَرْضِ - * بَابُ الْوَصِيَّةِ يمثل ( ( ( بمثل ) ) ) نَصِيبِ أَحَدِ وَلَدِهِ أو أَحَدِ وَرَثَتِهِ وَنَحْوِ ذلك وَلَيْسَ في التَّرَاجِمِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا وَصَّى الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ وَلَدِهِ فَإِنْ كَانُوا اثْنَيْنِ فَلَهُ الثُّلُثُ وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَلَهُ الرُّبُعُ حتى يَكُونَ مِثْلَ أَحَدِ وَلَدِهِ وَإِنْ كان أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيب ابْنِهِ فَقَدْ أَوْصَى له بِالنِّصْفِ فَلَهُ الثُّلُثُ كَامِلًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ الإبن أَنْ يُسَلِّمَ له السُّدُسَ ( قال ) وَإِنَّمَا ذَهَبْت إذَا كَانُوا ثَلَاثَةً إلَى أَنْ يَكُونَ له الرُّبُعُ وقد يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ له الثُّلُثُ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَ وَلَدِهِ الثَّلَاثَةِ يَرِثُهُ الثُّلُثُ وَأَنَّهُ لَمَّا كان الْقَوْلُ مُحْتَمِلًا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ كَأَحَدِ وَلَدِهِ وَأَرَادَ أَنْ يَكُونَ له مِثْلُ ما يَأْخُذُ أَحَدُ وَلَدِهِ جَعَلْت له الْأَقَلَّ فَأَعْطَيْته إيَّاهُ لِأَنَّهُ الْيَقِينُ وَمَنَعْته الشَّكَّ وَهَكَذَا لو قال أَعْطَوْهُ مِثْلَ نَصِيبِ أَحَدِ وَلَدِي فَكَانَ في وَلَدِهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ أَعْطَيْته نَصِيبَ امْرَأَةٍ لِأَنَّهُ أَقَلُّ وَهَكَذَا لو كان وَلَدُهُ ابْنَةً وبن بن فقال أَعْطُوهُ مِثْلَ نَصِيبِ أَحَدِ وَلَدِي أَعْطَيْته السُّدُسَ وَلَوْ كان وَلَدُ الإبن اثْنَيْنِ أو أَكْثَرَ أَعْطَيْته أَقَلَّ ما يُصِيبُ وَاحِدًا منهم وَلَوْ قال له مِثْلُ نَصِيبِ أَحَدِ وَرَثَتِي فَكَانَ في وَرَثَتِهِ امْرَأَةٌ تَرِثُهُ ثُمُنًا وَلَا وَارِثَ له يَرِثُ أَقَلَّ من ثُمُنٍ أَعْطَيْته إيَّاهُ وَلَوْ كان له أَرْبَعُ نِسْوَةٍ يَرِثْنَهُ ثُمُنًا أَعْطَيْته رُبُعَ الثُّمُنِ وَهَكَذَا لو كانت له عَصَبَةٌ فَوَرِثُوهُ أَعْطَيْته مِثْلَ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ وَإِنْ كان سَهْمًا من أَلْفِ سَهْمٍ وَهَكَذَا لو كَانُوا مَوَالِيَ وَإِنْ قَلَّ عَدَدُهُمْ وكان مَعَهُمْ وَارِثٌ غَيْرُهُمْ زَوْجَةٌ أو غَيْرُهَا أَعْطَيْته أَبَدًا الْأَقَلَّ مِمَّا يُصِيبُ أَحَدَ وَرَثَتِهِ وَلَوْ كان وَرَثَتُهُ إخْوَةً لِأَبٍ وَأُمٍّ وَإِخْوَةً لِأَبٍ وَإِخْوَةً لِأُمٍّ فقال أَعْطُوهُ مِثْلَ نَصِيبِ أَحَدِ إخْوَتِي أو له مِثْلُ نَصِيبِ أَحَدِ إخْوَتِي فَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ وَلَا تَبْطُلُ وَصِيَّتُهُ بِأَنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ لَا يَرِثُونَ ويعطى مِثْلَ نَصِيبِ أَقَلِّ إخْوَتِهِ الَّذِينَ يَرِثُونَهُ نَصِيبًا إنْ كان أَحَدُ إخْوَتِهِ لِأُمٍّ أَقَلَّ نَصِيبًا أو بَنِي الْأُمِّ وَالْأَبِ أعطي مِثْلُ نَصِيبِهِ ( قال ) وَلَوْ قال أَعْطُوهُ مِثْلَ أَكْثَرِ نَصِيبِ وَارِثٍ لي نُظِرَ من يَرِثُهُ فَأَيُّهُمْ كان أَكْثَرَ له مِيرَاثًا أُعْطِيَ مِثْلَ نَصِيبِهِ حتى يَسْتَكْمِلَ الثُّلُثَ فَإِنْ جَاوَزَ نَصِيبُهُ الثُّلُثَ لم يَكُنْ له إلَّا الثُّلُثُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ ذلك الْوَرَثَةُ وَهَكَذَا لو قال أَعْطُوهُ أَكْثَرَ مِمَّا يُصِيبُ أَحَدًا من مِيرَاثِي أو أَكْثَرَ نَصِيبِ أَحَدِ وَلَدِي أعطي ذلك حتى يَسْتَكْمِلَ الثُّلُثَ وَلَوْ قال أَعْطُوهُ ضَعْفَ ما يُصِيبُ أَكْثَرَ وَلَدِي نَصِيبًا أَعْطَى مِثْلَيْ ما يُصِيبُ أَكْثَرُ وَلَدِهِ نَصِيبًا وَلَوْ قال ضِعْفَيْ ما يُصِيبُ ابْنِي نَظَرْت ما يُصِيبُ ابْنَهُ فَإِنْ كان مِائَةً أَعْطَيْته ثلاثمائة فَأَكُونُ أَضْعَفْت الْمِائَةَ التي تُصِيبُهُ بِمِيرَاثِهِ مَرَّةً ثُمَّ مَرَّةً فَذَاكَ ضِعْفَانِ وَهَكَذَا إنْ قال ثَلَاثَةُ أَضْعَافٍ وَأَرْبَعَةٌ لم أَزِدْ على أَنْ أَنْظُرَ أَصْلَ الْمِيرَاثِ فَأُضَعِّفُهُ له مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ حتى يَسْتَكْمِلَ ما أَوْصَى له بِهِ وَلَوْ قال أَعْطُوهُ مِثْلَ نَصِيبِ أَحَدِ من أَوْصَيْت له أُعْطِيَ أَقَلَّ ما يُصِيبُ أَحَدًا مِمَّنْ أَوْصَى له لِأَنِّي إذَا أَعْطَيْته أَقَلَّ فَقَدْ أَعْطَيْته ما أَعْلَمُ أَنَّهُ أَوْصَى له بِهِ فَأَعْطَيْته بِالْيَقِينِ وَلَا أُجَاوِزُ ذلك لِأَنَّهُ شَكٌّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
____________________
1- * كِتَابُ الْوَصَايَا

(4/89)


- * بَابُ الْوَصِيَّةِ بِجُزْءٍ من مَالِهِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ قال لِفُلَانٍ نَصِيبٌ من مَالِي أو جُزْءٌ من مَالِي أو حَظٌّ من مَالِي كان هذا كُلُّهُ سَوَاءً وَيُقَالُ لِلْوَرَثَةِ أَعْطُوهُ منه ما شِئْتُمْ لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ جُزْءٌ وَنَصِيبٌ وَحَظٌّ فَإِنْ قال الْمُوصَى له قد عَلِمَ الْوَرَثَةُ أَنَّهُ أَرَادَ أَكْثَرَ من هذا أُحَلِّفُ الْوَرَثَةَ ما تَعْلَمُهُ أَرَادَ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهُ وَنُعْطِيهِ وَهَكَذَا لو قال أَعْطُوهُ جُزْءًا قَلِيلًا من مَالِي أو حَظًّا أو نَصِيبًا وَلَوْ قال مَكَانٌ قَلِيلٌ كَثِيرًا ما عَرَفْت لِلْكَثِيرِ حَدًّا وَذَلِكَ أَنِّي لو ذَهَبْت إلَى أَنْ أَقُولَ الْكَثِيرُ كُلُّ ما كان له حُكْمٌ وَجَدْت قَوْله تَعَالَى { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } فَكَانَ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ قَلِيلًا وقد جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لها حُكْمًا يُرَى في الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَرَأَيْت قَلِيلَ مَالِ الْآدَمِيِّينَ وَكَثِيرَهُ سَوَاءً يَقْضِي بِأَدَائِهِ على من أَخَذَهُ غَصْبًا أو تَعَدِّيًا أو اسْتَهْلَكَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَوَجَدْت رُبُعَ دِينَارٍ قَلِيلًا وقد يُقْطَعُ فيه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَوَجَدْت مِائَتِي دِرْهَمٍ قَلِيلًا وَفِيهَا زَكَاةٌ وَذَلِكَ قد يَكُونُ قَلِيلًا فَكُلُّ ما وَقَعَ عليه اسْمُ قَلِيلٍ وَقَعَ عليه اسْمُ كَثِيرٍ فلما لم يَكُنْ لِلْكَثِيرِ حَدٌّ يُعْرَفُ وكان اسْمُ الْكَثِيرِ يَقَعُ على الْقَلِيلِ كان ذلك إلَى الْوَرَثَةِ وَكَذَلِكَ لو كان حَيًّا فَأَقَرَّ لِرَجُلٍ بِقَلِيلِ مَالِهِ أو كَثِيرِهِ كان ذلك إلَيْهِ فَمَتَى لم يُسَمِّ شيئا ولم يُحْدِدْهُ فَذَلِكَ إلَى الْوَرَثَةِ لِأَنِّي لَا أُعْطِيهِ بِالشَّكِّ وَلَا أُعْطِيه إلَّا بِالْيَقِينِ - * بَابُ الْوَصِيَّةِ بِشَيْءٍ مُسَمًّى بِغَيْرِ عَيْنِهِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ فقال أَعْطُوهُ عَبْدًا من رَقِيقِي أَعْطَوْهُ اي عَبْدٍ شاؤوا وَكَذَلِكَ لو قال أَعْطَوْهُ شَاةً من غَنَمِي أو بَعِيرًا من إبِلِي أو حِمَارًا من حَمِيرِي أو بَغْلًا من بِغَالِي أَعْطَاهُ الْوَرَثَةُ أَيَّ ذلك شاؤوا مِمَّا سَمَّاهُ وَلَوْ قال أَعْطُوهُ أَحَدَ رَقِيقِي أو بَعْضَ رَقِيقِي أو رَأْسًا من رَقِيقِي أَعْطَوْهُ أَيَّ رَأْسٍ شاؤوا من رَقِيقِهِ ذَكَرًا أو أُنْثَى صَغِيرًا أو كَبِيرًا مَعِيبًا أو غير مَعِيبٍ وَكَذَلِكَ إذَا قال دَابَّةً من دَوَابِّي أَعْطَوْهُ أَيَّ دَابَّةٍ شاؤوا أُنْثَى أو ذَكَرًا صَغِيرَةً كانت أو كَبِيرَةً وَكَذَلِكَ يُعْطُونَهُ صَغِيرًا من الرَّقِيقِ إنْ شاؤوا أو كَبِيرًا وَلَوْ أَوْصَى فقال أَعْطُوهُ رَأْسًا من رَقِيقِي أو دَابَّةً من دَوَابِّي فَمَاتَ من رَقِيقِهِ رَأْسٌ أو من دوابه دَابَّةٍ فقال الْوَرَثَةُ هذا الذي أَوْصَى لَك بِهِ وَأَنْكَرَ الْمُوصَى له ذلك فَقَدْ ثَبَتَ للموصى له عبد ( ( ( عبدا ) ) ) أو رأس ( ( ( رأسا ) ) ) من رَقِيقِهِ فَيُعْطِيهِ الْوَرَثَةُ أَيَّ ذلك شاؤوا وَلَيْسَ عليه ما مَاتَ ما حَمَلَ الثُّلُثُ ذلك كما لو أَوْصَى له بِمِائَةِ دِينَارٍ فَهَلَكَ من مَالِهِ مِائَةُ دِينَارٍ لم يَكُنْ عليه أَنْ يَحْسِبَ عليه ما حَمَلَ ذلك الثُّلُثُ وَذَلِكَ أَنَّهُ جَعَلَ الْمَشِيئَةَ فِيمَا يَقْطَعُ بِهِ إلَيْهِمْ فَلَا يَبْرَءُونَ حتى يُعْطُوهُ إلَّا أَنْ يَهْلَكَ ذلك كُلُّهُ فَيَكُونُ كَهَلَاكِ عَبْدٍ أَوْصَى له بِهِ بِعَيْنِهِ وَإِنْ لم يَبْقَ إلَّا وَاحِدٌ مِمَّا أَوْصَى له بِهِ من دَوَابَّ أو رَقِيقٍ فَهُوَ له وَإِنْ هَلَكَ الرَّقِيقُ أو الدَّوَابُّ أو ما أَوْصَى له بِهِ كُلُّهُ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ - * بَابُ الْوَصِيَّةِ بِشَيْءٍ مُسَمًّى لَا يَمْلِكُهُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ قال الموصى أَعْطُوا فُلَانًا شَاةً من غَنَمِي أو بَعِيرًا من إبِلِي أو عَبْدًا من رَقِيقِي أو دَابَّةً من دَوَابِّي فلم يُوجَدْ له دَابَّةٌ وَلَا شَيْءٌ من الصِّنْفِ الذي اوصى له بِهِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّهُ أَوْصَى له بِشَيْءٍ مُسَمًّى أضافه إلَى مِلْكِهِ لَا يَمْلِكُهُ وَكَذَلِكَ لو أَوْصَى له وَلَهُ هذا الصِّنْفُ فَهَلَكَ أو بَاعَهُ قبل مَوْتِهِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ له وَلَوْ مَاتَ وَلَهُ من صِنْف ما أَوْصَى فيه شَيْءٌ فَمَاتَ ذلك الصِّنْفُ إلَّا وَاحِدًا كان ذلك الْوَاحِدُ لِلْمُوصَى له إذَا حَمَلَهُ الثُّلُثُ وَلَوْ مَاتَ فلم يَبْقَ منه شَيْءٌ بَطَلَتْ وَصِيَّةُ الرَّجُلِ له بِذَهَابِهِ وَلَوْ تَصَادَقُوا على أَنَّهُ بَقِيَ منه شَيْءٌ فقال الْمُوصَى له اسْتَهْلَكَهُ الْوَرَثَةُ وقال الْوَرَثَةُ بَلْ هَلَكَ من السَّمَاءِ كان الْقَوْلُ قَوْلَ الْوَرَثَةِ وعلى الْمُوصَى له الْبَيِّنَةُ فَإِنْ جاء بها قِيلَ لِلْوَرَثَةِ أَعْطُوهُ ما شِئْتُمْ مِمَّا يَكُونُ مثله ثَمَنًا لِأَقَلِّ الصِّنْفِ الذي أَوْصَى له بِهِ وَالْقَوْلُ في ثَمَنِهِ قَوْلُكُمْ إذَا جِئْتُمْ بِشَيْءٍ يَحْتَمِلُ
____________________

(4/90)


وَاحْلِفُوا له إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ على أَنَّ أَقَلَّهُ ثَمَنًا كان مَبْلَغُ ثَمَنِهِ كَذَا وَلَوْ اسْتَهْلَكَ ذلك كُلَّهُ وَارِثٌ أو أَجْنَبِيٌّ كان لِلْمُوصَى له أَنْ يَرْجِعَ على مُسْتَهْلِكِهِ من كان بِثَمَنِ أَيِّ شَيْءٍ سَلَّمَهُ له الْوَارِثُ منه فَإِنْ أَخَذَ الْوَارِثُ منه ثَمَنَ بَعْضِ ذلك الصِّنْفِ وَأَفْلَسَ بِبَعْضِهِ رَجَعَ الْمُوصَى له على الْوَارِثِ بِمَا اصاب ما سَلَّمَ له الْوَارِثُ من ذلك الصِّنْفِ بِقَدْرِ ما أَخَذَ كَأَنَّهُ أَخَذَ نِصْفَ ثَمَنِ غَنَمٍ فقال الْوَارِثُ أَسْلَمَ له أَدْنَى شَاةٍ منها وَقِيمَتُهَا دِرْهَمَانِ فَيَرْجِعُ على الْوَارِثِ بِدِرْهَمٍ وَهَكَذَا هذا في كل صِنْفٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - * بَابُ الْوَصِيَّةِ بِشَاةٍ من مَالِهِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِشَاةٍ من مَالِهِ قِيلَ لِلْوَرَثَةِ أَعْطُوهُ أَيَّ شَاةٍ شِئْتُمْ كانت عِنْدَكُمْ أو اشْتَرَيْتُمُوهَا له صَغِيرَةً أو كَبِيرَةً ضَائِنَةً أو مَاعِزَةً فَإِنْ قالوا نُعْطِيهِ ظَبْيًا أو أُرْوِيَّةً لم يَكُنْ ذلك لهم وَإِنْ وَقَعَ على ذلك اسْمُ شَاةٍ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ إذَا قِيلَ شَاةٌ ضَائِنَةٌ أو مَاعِزَةٌ وَهَكَذَا لو قالوا نُعْطِيك تَيْسًا أو كَبْشًا لم يَكُنْ ذلك لهم لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ إذَا قِيلَ شَاةٌ أنها أُنْثَى وَكَذَلِكَ لو قال أَعْطُوهُ بَعِيرًا أو ثَوْرًا من مَالِي لم يَكُنْ لهم أَنْ يُعْطُوهُ نَاقَةً وَلَا بَقَرَةً لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ على هَذَيْنِ اسْمُ الْبَعِيرِ وَلَا الثَّوْرِ على الإنفراد وَهَكَذَا لو قال أَعْطُوهُ عَشْرَ أَيْنُقُ من مَالِي لم يَكُنْ لهم أَنْ يُعْطُوهُ فيها ذَكَرًا وَهَكَذَا لو قال أَعْطُوهُ عَشَرَةَ أَجْمَالٍ أو عَشَرَةَ أَثْوَارٍ أو عَشَرَةَ أَتْيَاسٍ لم يَكُنْ لهم أَنْ يُعْطُوهُ أُنْثَى من وَاحِدٍ من هذه الْأَصْنَافِ وَلَوْ قال أَعْطُوهُ عَشْرًا من غَنَمِي أو عَشْرًا من إبِلِي أو عَشْرًا من أَوْلَادِ غَنَمِي أو إبِلِي أو بَقَرِي أو قال أَعْطُوهُ عَشْرًا من الْغَنَمِ أو عَشْرًا من الْبَقَرِ أو عَشْرًا من الْإِبِلِ كان لهم أَنْ يُعْطُوهُ عَشْرًا إنْ شاؤوا إنَاثًا كُلَّهَا وَإِنْ شاؤوا ذُكُورًا كُلَّهَا وَإِنْ شاؤوا ذُكُورًا وَإِنَاثًا لِأَنَّ الْغَنَمَ وَالْبَقَرَ وَالْإِبِلَ جِمَاعٌ يَقَعُ على الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَلَا شَيْءَ أَوْلَى من شَيْءٍ أَلَا تَرَى أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ليس فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ فلم يَخْتَلِفْ الناس أَنَّ ذلك في الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ وَالْإِنَاثِ دُونَ الذُّكُورِ وَالذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ لو كانت لِرَجُلٍ وَلَوْ قال أَعْطُوا فُلَانًا من مَالِي دَابَّةً قِيلَ لهم أَعْطُوهُ إنْ شِئْتُمْ من الْخَيْلِ أو الْبِغَالِ أو الْحَمِيرِ انثى أو ذَكَرًا لِأَنَّهُ ليس الذَّكَرُ منها بِأَوْلَى بِاسْمِ الدَّابَّةِ من الْأُنْثَى وَلَكِنَّهُ لو قال أُنْثَى من الدَّوَابِّ أو ذَكَرًا من الدَّوَابِّ لم يَكُنْ له إلَّا ما أَوْصَى بِهِ ذَكَرًا كان أو أُنْثَى صَغِيرًا كان أو كَبِيرًا أَعْجَفَ كان أو سَمِينًا مَعِيبًا كان أو سَلِيمًا وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ - * بَابُ الْوَصِيَّةِ بِشَيْءٍ مُسَمًّى فَيَهْلِكُ بِعَيْنِهِ أو غَيْرِ عَيْنِهِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَوْصَى الرَّجُلُ لِرَجُلٍ بِثُلُثِ شَيْءٍ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ مِثْلَ عَبْدٍ وَسَيْفٍ وَدَارٍ وَأَرْضٍ وَغَيْرِ ذلك فَاسْتَحَقَّ ثُلُثَا ذلك الشَّيْءِ أو هَلَكَ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ مِثْلُ دَارٍ ذَهَبَ السَّيْلُ بِثُلُثَيْهَا أو أَرْضٍ كَذَلِكَ فَالثُّلُثُ الباقي ( ( ( كالباقي ) ) ) لِلْمُوصَى له بِهِ إذَا خَرَجَ من الثُّلُثِ من قِبَلِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ مَوْجُودَةٌ وَخَارِجَةٌ من الثُّلُثِ - * بَابُ ما يَجُوزُ من الْوَصِيَّةِ في حَالٍ وَلَا يَجُوزُ في أُخْرَى - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ قال أَعْطُوا فُلَانًا كَلْبًا من كِلَابِي وَكَانَتْ له كِلَابٌ كانت الْوَصِيَّةُ جَائِزَةً لِأَنَّ الْمُوصَى له يَمْلِكُهُ بِغَيْرِ ثَمَنٍ وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ الْوَرَثَةُ ولم يُعْطُوهُ إيَّاهُ أو غَيْرُهُمْ لم يَكُنْ له ثَمَنٌ يَأْخُذُهُ لِأَنَّهُ لَا ثَمَنَ لِلْكَلْبِ وَلَوْ لم يَكُنْ له كَلْبٌ فقال أَعْطُوا فُلَانًا كَلْبًا من مَالِي كانت الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةً لِأَنَّهُ ليس على الْوَرَثَةِ وَلَا لهم أَنْ يَشْتَرُوا من ثُلُثِهِ كَلْبًا فَيُعْطُوهُ إيَّاهُ وَلَوْ اسْتَوْهَبُوهُ فَوَهَبَ لهم لم يَكُنْ دَاخِلًا في مَالِهِ وكان مِلْكًا لهم ولم يَكُنْ عليهم أَنْ يُعْطُوا مِلْكَهُمْ لِلْمُوصَى له والموصى لم يَمْلِكْهُ وَلَوْ قال أَعْطُوهُ طَبْلًا من طُبُولِي وَلَهُ الطَّبْلُ الذي يُضْرَبُ بِهِ لِلْحَرْبِ
____________________

(4/91)


وَالطَّبْلُ الذي يُضْرَبُ بِهِ لِلَّهْوِ فَإِنْ كان الطَّبْلُ الذي يُضْرَبُ بِهِ لِلَّهْوِ يَصْلُحُ لِشَيْءٍ غَيْرِ اللَّهْوِ قِيلَ لِلْوَرَثَةِ أَعْطُوهُ أَيَّ الطَّبْلَيْنِ شِئْتُمْ لِأَنَّ كُلًّا يَقَعُ عليه اسْمُ طَبْلٍ وَلَوْ لم يَكُنْ له إلَّا أَحَدُ الصِّنْفَيْنِ لم يَكُنْ لهم أَنْ يُعْطُوهُ من الْآخَرِ وَهَكَذَا لو قال أَعْطُوهُ طَبْلًا من مَالِي وَلَا طَبْلَ له ابْتَاعَ له الْوَرَثَةُ أَيَّ الطَّبْلَيْنِ شاؤوا بِمَا يَجُوزُ له فيه وَإِنْ ابْتَاعُوا له الطَّبْلَ الذي يُضْرَبُ بِهِ لِلْحَرْبِ فَمِنْ أَيِّ عُودٍ أو صُفْرٍ شاؤوا ابْتَاعُوهُ وَيَبْتَاعُونَهُ وَعَلَيْهِ أَيُّ جِلْدٍ شاؤوا مِمَّا يَصْلُحُ على الطُّبُولِ فَإِنْ أخذوه ( ( ( أخذه ) ) ) بِجِلْدَةٍ لَا تَعْمَلُ على الطُّبُولِ لم يَجُزْ ذلك حتى يَأْخُذُوهُ بِجِلْدَةٍ يُتَّخَذُ مِثْلُهَا على الطُّبُولِ وَإِنْ كانت أَدْنَى من ذلك فَإِنْ اشْتَرَى له الطَّبْلَ الذي يُضْرَبُ بِهِ فَكَانَ يَصْلُحُ لِغَيْرِ الضَّرْبِ وَاشْتَرَى له طَبْلًا فَإِنْ كان الْجِلْدَانِ اللَّذَانِ يَجْعَلَانِ عَلَيْهِمَا يَصْلُحَانِ لِغَيْرِ الضَّرْبِ أَخَذَ بِجِلْدَتِهِ وَإِنْ كَانَا لَا يَصْلُحَانِ لِغَيْرِ الضَّرْبِ أَخَذَ الطَّبْلَيْنِ بِغَيْرِ جِلْدَيْنِ وَإِنْ كان يَقَعُ على طَبْلِ الْحَرْبِ اسْمُ طَبْلٍ بِغَيْرِ جِلْدَةٍ أَخَذَتْهُ الْوَرَثَةُ إنْ شاؤوا بِلَا جِلْدٍ وَإِنْ كان الطَّبْلُ الذي يُضْرَبُ بِهِ لَا يَصْلُحُ إلَّا لِلضَّرْبِ لم يَكُنْ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يُعْطُوهُ طَبْلًا إلَّا طَبْلًا لِلْحَرْبِ كما لو كان أَوْصَى له بِأَيِّ دَوَابِّ الْأَرْضِ شَاءَ الْوَرَثَةُ لم يَكُنْ لهم أَنْ يُعْطُوهُ خِنْزِيرًا وَلَوْ قال أَعْطَوْهُ كَبَرًا كان الْكَبَرُ الذي يُضْرَبُ بِهِ دُونَ ما سِوَاهُ من الطُّبُولِ وَدُونَ الْكَبَرِ الذي يَتَّخِذُهُ النِّسَاءُ في رؤوسهن ( ( ( رءوسهن ) ) ) لِأَنَّهُنَّ إنَّمَا سَمَّيْنَ ذلك كَبَرًا تَشْبِيهًا بهذا وكان الْقَوْلُ فيه كما وَصَفْت إنْ صَلُحَ لِغَيْرِ الضَّرْبِ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ وَإِنْ لم يَصْلُح إلَّا لِلضَّرْبِ لم تَجُزْ عِنْدِي وَلَوْ قال أَعْطُوهُ عُودًا من عِيدَانِي وَلَهُ عِيدَانٌ يُضْرَبُ بها وَعِيدَانُ قسى وعصى وَغَيْرُهَا فَالْعُودُ إذَا وَجَّهَ بِهِ الْمُتَكَلِّمُ لِلْعُودِ الذي يُضْرَبُ بِهِ دُونَ ما سِوَاهُ مِمَّا يَقَعُ عليه اسْمُ عُودٍ فَإِنْ كان الْعُودُ يَصْلُحُ لِغَيْرِ الضَّرْبِ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ ولم يَكُنْ عليه إلَّا أَقَلُّ ما يَقَعُ عليه اسْمُ عُودٍ وَأَصْغَرُهُ بِلَا وَتَرٍ وَإِنْ كان لَا يَصْلُحُ إلَّا لِلضَّرْبِ بَطَلَتْ عِنْدِي الْوَصِيَّةُ وَهَكَذَا الْقَوْلُ في الْمَزَامِيرِ كُلِّهَا وَإِنْ قال مِزْمَارٌ من مَزَامِيرِي أو من مَالِي فَإِنْ كانت له مَزَامِيرُ شَتَّى فَأَيُّهَا شاؤوا أَعْطَوْهُ وَإِنْ لم يَكُنْ له إلَّا صِنْفٌ منها أَعْطَوْهُ من ذلك الصِّنْفِ وَإِنْ قال مِزْمَارٌ من مَالِي أَعْطَوْهُ أَيَّ مِزْمَارٍ شاؤوا نَايٍ أو قَصَبَةٍ أو غَيْرِهَا إنْ صَلُحَتْ لِغَيْرِ الزَّمْرِ وَإِنْ لم تَصْلُحْ إلَّا لِلزَّمْرِ لم يُعْطَ منها شيئا وَلَوْ أَوْصَى رَجُلٌ لِرَجُلٍ بِجَرَّةِ خَمْرٍ بِعَيْنِهَا بِمَا فيها أُهْرِيقَ الْخَمْرُ وأعطى ظَرْفَ الْجَرَّةِ وَلَوْ قال أَعْطُوهُ قَوْسًا من قِسِيِّي وَلَهُ قسى مَعْمُولَةٌ وقسى غَيْرُ مَعْمُولَةٍ أو ليس له منها شَيْءٌ فقال أَعْطُوهُ عُودًا من الْقِسِيِّ كان عليهم أَنْ يُعْطُوهُ قَوْسًا مَعْمُولَةً أَيَّ قَوْسٍ شاؤوا صَغِيرَةً أو كَبِيرَةً عَرَبِيَّةً أو أَيِّ عَمَلٍ شاؤوا إذَا وَقَعَ عليها اسْمُ قَوْسٍ تُرْمَى بِالنَّبْلِ أو النُّشَّابِ أو الْحُسْبَانِ وَمِنْ أَيِّ عُودٍ شاؤوا وَلَوْ ارادوا أَنْ يُعْطُوهُ قَوْسَ جلاهق أو قَوْسَ نَدَّافٍ أو قَوْسَ كُرْسُفٍ لم يَكُنْ لهم ذلك لِأَنَّ من وَجَّهَ بِقَوْسٍ فَإِنَّمَا يَذْهَبُ إلَى قَوْسٍ رمي بِمَا وَصَفْت وَكَذَلِكَ لو قال أَيَّ قَوْسٍ شِئْتُمْ أو أَيَّ قَوْسِ الدُّنْيَا شِئْتُمْ وَلَكِنَّهُ لو قال اعطوه اي قَوْسٍ شِئْتُمْ مِمَّا يَقَعُ عليه اسْمُ قَوْسٍ أَعْطَوْهُ إنْ شاؤوا قَوْسَ نَدَّافٍ أو قَوْسَ قُطْنٍ أو ما شاؤوا مِمَّا وَقَعَ عليه اسْمُ قَوْسٍ وَلَوْ كان له صِنْفٌ من القسى فقال أَعْطُوهُ من قِسِيِّي لم يَكُنْ لهم أَنْ يُعْطُوهُ من غَيْرِ ذلك الصِّنْفِ وَلَا عليهم وكان لهم أَنْ يُعْطُوهُ أَيَّهَا شاؤوا كانت ( ( ( أكانت ) ) ) عَرَبِيَّةً أو فَارِسِيَّةً أو دودانية أو قَوْسَ حُسْبَانٍ أو قَوْسَ قُطْنٍ - * بَابُ الْوَصِيَّةِ في الْمَسَاكِينِ وَالْفُقَرَاءِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَوْصَى الرَّجُلُ فقال ثُلُثُ مَالِي في الْمَسَاكِينِ فَكُلُّ من لَا مَالَ له وَلَا كَسْبَ يُغْنِيهِ دَاخِلٌ في هذا الْمَعْنَى وهو لِلْأَحْرَارِ دُونَ الْمَمَالِيكِ مِمَّنْ لم يَتِمَّ عِتْقُهُ ( قال ) وَيَنْظُرُ أَيْنَ كان مَالُهُ فَيُخْرِجُ
____________________

(4/92)


ثُلُثَهُ فَيُقَسَّمُ في مَسَاكِينِ أَهْلِ ذلك الْبَلَدِ الذي بِهِ مَالُهُ دُونَ غَيْرِهِمْ فَإِنْ كَثُرَ حتى يُغْنِيَهُمْ نُقِلَ إلَى أَقْرَبِ الْبُلْدَانِ له ثُمَّ كان هَكَذَا حَيْثُ كان له مَالٌ صَنَعَ بِهِ هذا وَهَكَذَا لو قال ثُلُثُ مَالِي في الْفُقَرَاءِ كان مِثْلُ الْمَسَاكِينِ يَدْخُلُ فيه الْفَقِيرُ وَالْمِسْكِينُ لِأَنَّ الْمِسْكِينَ فَقِيرٌ وَالْفَقِيرَ مِسْكِينٌ إذَا أَفْرَدَ الْمُوصِي الْقَوْلَ هَكَذَا وَلَوْ قال ثُلُثُ مَالِي في الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ عَلِمْنَا أَنَّهُ أَرَادَ التَّمْيِيزَ بين الفقر ( ( ( الفقير ) ) ) وَالْمَسْكَنَةِ فَالْفَقِيرُ الذي لَا مَالَ له وَلَا كَسْبَ يَقَعُ منه مَوْقِعًا وَالْمِسْكِينُ من له مَالٌ أو كَسْبٌ يَقَعُ منه مَوْقِعًا وَلَا يُغْنِيهِ فَيُجْعَلُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ نِصْفَيْنِ وَنَعْنِي بِهِ مَسَاكِينَ أَهْلِ الْبَلَدِ الذي بين أَظْهُرِهِمْ ماله وَفُقَرَاءَهُمْ وَإِنْ قَلَّ وَمَنْ أَعْطَى في فُقَرَاءَ أو مَسَاكِينَ فَإِنَّمَا أَعْطَى لِمَعْنَى فَقْرٍ أو مسكنه فَيَنْظُرُ في الْمَسَاكِينِ فَإِنْ كان فِيهِمْ من يُخْرِجُهُ من الْمَسْكَنَةِ مِائَةٌ وَآخَرُ يُخْرِجُهُ من الْمَسْكَنَةِ خَمْسُونَ أَعْطَى الذي يُخْرِجُهُ من الْمَسْكَنَةِ مِائَةٌ سَهْمَيْنِ وَاَلَّذِي يُخْرِجُهُ خَمْسُونَ سَهْمًا وَهَكَذَا يَصْنَع في الْفُقَرَاءِ على هذا الْحِسَابِ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِمْ وَلَا يُفَضَّلُ ذُو قَرَابَةٍ على غَيْرِهِ إلَّا بِمَا وَصَفْت في غَيْرِهِ من قَدْرِ مَسْكَنَتِهِ أو فَقْرِهِ ( قال ) فإذا نُقِلَتْ من بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ أو خُصَّ بها بَعْضُ الْمَسَاكِينِ وَالْفُقَرَاءِ دُونَ بَعْضٍ كَرِهْته ولم يَبِنْ لي أَنْ يَكُونَ على من فَعَلَ ذلك ضَمَانٌ وَلَكِنَّهُ لو أَوْصَى لِفُقَرَاءَ وَمَسَاكِينَ فَأَعْطَى أَحَدَ الصِّنْفَيْنِ دُونَ الْآخَرِ ضَمِنَ نِصْفَ الثُّلُثِ وهو السُّدُسُ لِأَنَّا قد عَلِمْنَا أَنَّهُ أَرَادَ صِنْفَيْنِ فَحَرَّمَ أَحَدَهُمَا وَلَوْ أَعْطَى من كل صِنْفٍ أَقَلَّ من ثَلَاثَةٍ ضَمِنَ وَلَوْ أَعْطَى وَاحِدًا ضَمِنَ ثُلُثَيْ السُّدُسِ لِأَنَّ أَقَلَّ ما يُقَسَّمُ عليه السُّدُسُ ثَلَاثَةٌ وَكَذَلِكَ لو كان الثُّلُثُ لِصِنْفٍ كان أَقَلُّ ما يُقَسَّمُ عليه ثَلَاثَةً وَلَوْ أَعْطَاهَا اثْنَيْنِ ضَمِنَ حِصَّةَ وَاحِدٍ إنْ كان الذي أَوْصَى بِهِ السُّدُسُ فَثُلُثُ السُّدُسِ وَإِنْ كان الثُّلُثُ فَثُلُثُ الثُّلُثِ لِأَنَّهُ حِصَّةٌ وَاحِدَةٌ وَكَذَلِكَ لو قال ثُلُثُ مَالِي في الْمَسَاكِينِ يَضَعُهُ حَيْثُ رَأَى منهم كان له أَقَلُّ ما يَضَعُهُ فيه ثَلَاثَةٌ يَضْمَنُ إنْ وَضَعَهُ في أَقَلِّ منهم حِصَّةٍ ما بَقِيَ من الثَّلَاثَةِ وكان الِاخْتِيَارُ له أَنْ يَعُمَّهُمْ وَلَا يَضِيقُ عليه أَنْ يَجْتَهِدَ فَيَضَعُهُ في أَحْوَجِهِمْ وَلَا يَضَعُهُ كما وَصَفْت في أَقَلَّ من ثَلَاثَةٍ وكان له الِاخْتِيَارُ إذَا خَصَّ أَنْ يُخَصَّ قَرَابَةَ الْمَيِّتِ لإن إعْطَاءَ قَرَابَتِهِ يَجْمَعُ أَنَّهُمْ من الصِّنْفِ الذي أَوْصَى لهم وَأَنَّهُمْ ذُو رَحِمٍ على صِلَتِهَا ثَوَابٌ - * بَابُ الْوَصِيَّةِ في الرِّقَابِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ في الرِّقَابِ أعطي منها في الْمُكَاتَبِينَ وَلَا يَبْتَدِئُ منها عِتْقَ رَقَبَةٍ وَأَعْطَى من وَجَدَ من الْمُكَاتَبِينَ بِقَدْرِ ما بَقِيَ عليهم وَعَمُوا كما وَصَفْت في الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ لَا يَخْتَلِفُ ذلك وَأَعْطَى ثُلُثَ كل مَالٍ له في بَلَدٍ في مُكَاتَبِي أَهْلِهِ ( قال ) وَإِنْ قال يَضَعُهُ منهم حَيْثُ رَأَى فَكَمَا قُلْت في الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ لَا يَخْتَلِفُ فَإِنْ قال يَعْتِقُ بِهِ عَنِّي رِقَابًا لم يَكُنْ له أَنْ يُعْطِيَ مُكَاتَبًا منه دِرْهَمًا وَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ وَإِنْ بَلَغَ أَقَلَّ من ثَلَاثِ رِقَابٍ لم يُجْزِهِ أَقَلُّ من عِتْقِ ثَلَاثِ رِقَابٍ فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ حِصَّةَ من تَرَكَهُ من الثُّلُثِ وَإِنْ لم يَبْلُغْ ثَلَاثَ رِقَابٍ وَبَلَغَ أَقَلَّ من رَقَبَتَيْنِ يَجِدُهُمَا ثَمَنًا وَفَضَلَ فَضْلٌ جَعَلَ الرَّقَبَتَيْنِ أَكْثَرَ ثَمَنًا حتى يَذْهَبَ في رَقَبَتَيْنِ وَلَا يَحْبِسُ شيئا لَا يَبْلُغُ رَقَبَةً وَهَكَذَا لو لم يَبْلُغْ رَقَبَتَيْنِ وزاد على رَقَبَةٍ وَيُجْزِيهِ أَيُّ رَقَبَةٍ اشْتَرَى صَغِيرَةً أو كَبِيرَةً أو ذَكَرًا أو أُنْثَى وَأَحَبُّ إلى أَزْكَى الرِّقَابِ وَخَيْرُهَا وَأَحْرَاهَا أَنْ يَفُكَّ من سَيِّدِهِ مِلْكَهُ وَإِنْ كان في الثُّلُثِ سَعَةٌ تَحْتَمِلُ أَكْثَرَ من ثَلَاثِ رِقَابٍ فَقِيلَ أَيُّهُمَا أَحَبُّ إلَيْك إقْلَالُ الرِّقَابِ وَاسْتِغْلَاؤُهَا أو إكْثَارُهَا وَاسْتِرْخَاصُهَا قال إكْثَارُهَا وَاسْتِرْخَاصُهَا أَحَبُّ إلَيَّ فَإِنْ قال وَلِمَ قيل لِأَنَّهُ يُرْوَى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال من أَعْتَقَ رَقَبَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ منها عُضْوًا منه من النَّارِ وَيَزِيدُ بَعْضُهُمْ في الحديث حتى الْفَرْجَ بِالْفَرْجِ
____________________

(4/93)


- * بَابُ الْوَصِيَّةِ في الْغَارِمِينَ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ في الْغَارِمِينَ فَالْقَوْلُ أَنَّهُ يُقَسَّمُ في غَارِمِي الْبَلَدِ الذي بِهِ مَالُهُ وفي أَقَلِّ ما يُعْطَاهُ ثَلَاثَةٌ فَصَاعِدًا كَالْقَوْلِ في الْفُقَرَاءِ وَالرِّقَابِ وفي أَنَّهُ يعطي الْغَارِمُونَ بِقَدْرِ غُرْمِهِمْ كَالْقَوْلِ في الْفُقَرَاءِ لَا يَخْتَلِفُ ويعطي من له الدَّيْنُ عليهم أَحَبُّ إلَيَّ وَلَوْ أَعْطَوْهُ في دَيْنِهِمْ رَجَوْت أَنْ يَسَعَ - * بَابُ الْوَصِيَّةِ في سَبِيلِ اللَّهِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَوْصَى الرَّجُلُ بِثُلُثِ مَالِهِ في سَبِيلِ اللَّهِ أُعْطِيه من أَرَادَ الْغَزْوَ لَا يجزى عِنْدِي غَيْرُهُ لإن من وَجْهٍ بِأَنْ أعطي في سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَذْهَبُ إلَى غَيْرِ الْغَزْوِ وَإِنْ كان كُلُّ ما أُرِيدَ اللَّهُ بِهِ من سَبِيلِ اللَّهِ وَالْقَوْلُ في أَنْ يُعْطَاهُ من غَزَا من غَيْرِ الْبَلَدِ الذي بِهِ مَالُ الموصى وَيَجْمَعُ عُمُومَهُمْ وأن يُعْطُوا بِقَدْرِ مَغَازِيهِمْ إذَا بَعُدَتْ وَقَرُبَتْ مِثْلُ الْقَوْلِ في أَنْ تُعْطَى الْمَسَاكِينُ بِقَدْرِ مَسْكَنَتِهِمْ لَا يَخْتَلِفُ وفي أَقَلِّ من يُعْطَاهُ وفي مُجَاوَزَتِهِ إلَى بَلَدِ غَيْرِهِ مِثْلُ الْقَوْلِ في الْمَسَاكِينِ لَا يَخْتَلِفُ وَلَوْ قال أَعْطَوْهُ في سَبِيلِ اللَّهِ أو في سَبِيلِ الْخَيْرِ أو في سَبِيل الْبِرِّ أو في سَبِيلِ الثَّوَابِ جُزِّئَ أَجْزَاءً فَأُعْطِيه ذُو قَرَابَتِهِ فُقَرَاءَ كَانُوا أو أَغْنِيَاءَ وَالْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ وفي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَالْغُزَاةُ وبن السَّبِيلِ وَالْحَاجُّ وَدَخَلَ الضَّيْفُ وبن السَّبِيلِ وَالسَّائِلُ وَالْمُعْتَرُّ فِيهِمْ أو في الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ لَا يُجَزِّئُ عِنْدِيِّ غَيْرُهُ أَنْ يُقَسَّمَ بين هَؤُلَاءِ لِكُلِّ صِنْفُ منهم سَهْمٌ فَإِنْ لم يَفْعَلْ الْوَصِيُّ ضَمِنَ سَهْمَ من مَنَعَهُ إذَا كان مَوْجُودًا وَمَنْ لم يَجِدْهُ حَبَسَ له سَهْمَهُ حتى يَجِدَهُ بِذَلِكَ الْبَلَدِ أو يُنْقَلَ إلَى أَقْرَبِ الْبُلْدَانِ بِهِ مِمَّنْ فيه ذلك الصِّنْفُ فَيُعْطُونَهُ - * بَابُ الْوَصِيَّةِ في الْحَجِّ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا مَاتَ الرَّجُلُ وكان قد حَجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ فَأَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عنه فَإِنْ بَلَغَ ثُلُثُهُ حَجَّةً من بَلَدِهِ أَحَجَّ عنه رجل ( ( ( رجلا ) ) ) من بَلَدِهِ وَإِنْ لم يَبْلُغْ أَحَجَّ عنه رَجُلًا من حَيْثُ بَلَغَ ثُلُثُهُ ( قال الرَّبِيعُ ) الذي يَذْهَبُ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ من لم يَكُنْ حَجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ أَنَّ عليه أَنْ يُحَجَّ عنه من رَأْسِ الْمَالِ وَأَقَلُّ ذلك من الْمِيقَاتِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ قال أَحِجُّوا عَنِّي فُلَانًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَكَانَتْ الْمِائَةُ أَكْثَرَ من إجَارَتِهِ أُعْطِيهَا لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ له كان بِعَيْنِهِ أو بِغَيْرِ عَيْنِهِ ما لم يَكُنْ وَارِثًا فَإِنْ كان وَارِثًا فَأَوْصَى له أَنْ يَحُجَّ عنه بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَهِيَ أَكْثَرُ من أَجْرِ مِثْلِهِ قِيلَ له إنْ شِئْت فاحجج عنه بِأَجْرِ مِثْلِك وَيُبْطِلُ الْفَضْلُ عن أَجْرِ مِثْلِك لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ وَالْوَصِيَّةُ لِوَارِثٍ لَا تَجُوزُ وَإِنْ لم تَشَأْ أَحَجَجْنَا عنه غَيْرَك بِأَقَلِّ ما يَقْدِرُ عليه أَنْ يَحُجَّ عنه من بَلَدِهِ وَالْإِجَارَةُ بَيْعٌ من الْبُيُوعِ فإذا لم يَكُنْ فيها مُحَابَاةٌ فَلَيْسَتْ بِوَصِيَّةٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو أَوْصَى أَنْ يُشْتَرَى عَبْدٌ لِوَارِثٍ فَيُعْتَقُ فاشترى بِقِيمَتِهِ جَازَ وَهَكَذَا لو أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عنه فقال وَارِثُهُ أنا أَحُجُّ عنه بِأَجْرِ مِثْلِي جَازَ له أَنْ يَحُجَّ عنه بِأَجْرِ مِثْلِهِ ( قال ) وَلَوْ قال أَحِجُّوا عَنِّي بِثُلُثَيْ حُجَّةٍ وَثُلُثُهُ يَبْلُغُ أَكْثَرُ من حِجَجٍ جَازَ ذلك لِغَيْرِ وَارِثٍ وَلَوْ قال أَحِجُّوا عَنِّي بِثُلُثِي وَثُلُثُهُ يَبْلُغُ حِجَجًا فَمَنْ أَجَازَ أَنْ يَحُجَّ عنه مُتَطَوِّعًا أَحَجَّ عنه بِثُلُثِهِ بِقَدْرِ ما بَلَغَ لَا يَزِيدُ أَحَدًا وَيَحُجُّ عنه على أَجْرِ مِثْلِهِ فَإِنْ فَضَلَ من ثُلُثِهِ ما لَا يَبْلُغُ أَنْ يَحُجَّ عنه أَحَدٌ من بَلَدِهِ أَحَجَّ عنه من أَقْرَبِ الْبُلْدَانِ إلَى مَكَّةَ حتى يَنْفَدَ ثُلُثُهُ فَإِنْ فَضَلَ دِرْهَمٌ أو أَقَلُّ مِمَّا لَا يَحُجُّ عنه بِهِ أَحَدٌ رُدَّ مِيرَاثًا وكان كَمَنْ اوصى لِمَنْ لم يَقْبَلْ الْوَصِيَّةَ ( قال ) فَإِنْ أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عنه حَجَّةً أو حِجَجًا في قَوْلِ من أَجَازَ أَنْ يُحَجَّ عنه فَأَحَجَّ عنه ضَرُورَةً لم يَحُجَّ فَالْحَجُّ عن الْحَاجِّ لَا عن الْمَيِّتِ وَيَرُدُّ الْحَاجُّ جَمِيعَ الْأُجْرَةِ ( قال ) وَلَوْ اُسْتُؤْجِرَ عنه من حَجَّ فَأَفْسَدَ الْحَجَّ رُدَّ جَمِيعُ الْإِجَارَةِ لِأَنَّهُ أَفْسَدَ الْعَمَلَ الذي اُسْتُؤْجِرَ عليه وَلَوْ أَحَجُّوا عنه امْرَأَةً أَجْزَأَ عنه==

8.   مجلد8.الأم للشافعي
محمد بن إدريس الشافعي أبو عبد الله
سنة الولادة 150/ سنة الوفاة 204

وكان الرَّجُلُ أَحَبُّ إلَيَّ وَلَوْ أَحَجُّوا رَجُلًا عن امْرَأَةٍ أَجْزَأَ عنها ( قال ) وَإِحْصَارُ الرَّجُلِ عن الْحَجِّ مَكْتُوبٌ في كِتَابِ الْحَجِّ وإذا أَوْصَى الرَّجُلُ أَنْ يُحِجُّوا عنه رَجُلًا فَمَاتَ الرَّجُلُ قبل أَنْ يَحُجَّ عنه أَحَجَّ عنه غَيْرَهُ كما لو أَوْصَى أَنْ يَعْتِقَ عنه رَقَبَةً فَابْتِيعَتْ فلم تُعْتَقْ حتى مَاتَتْ أَعْتَقَ عنه أُخْرَى وَلَوْ أَوْصَى رَجُلٌ قد حَجَّ حِجَّةَ الْإِسْلَامِ فقال أَحِجُّوا عَنِّي فُلَانًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَأَعْطُوا ما بَقِيَ من ثُلُثِي فُلَانًا وَأَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَلِلْمُوصَى له بِالثُّلُثِ نِصْفُ الثُّلُثِ لِأَنَّهُ قد أَوْصَى له بِالثُّلُثِ وَلِلْحَاجِّ وَلِلْمُوصَى له بِمَا بَقِيَ من الثُّلُثِ نِصْفُ الثُّلُثِ وَيَحُجُّ عنه رَجُلٌ بِمِائَةِ - * بَابُ الْعِتْقِ وَالْوَصِيَّةِ في الْمَرَضِ - * أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا عبد الْوَهَّابِ عن أَيُّوبَ عن أبي قِلَابَةَ عن أبي الْمُهَلَّبِ عن عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ له عِنْدَ مَوْتِهِ ليس له مَالٌ غَيْرُهُمْ وَذَكَرَ الحديث ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَعِتْقُ الْبَتَاتِ في الْمَرَضِ إذَا مَاتَ الْمُعْتِقُ من الثُّلُثِ وَهَكَذَا الْهِبَاتُ وَالصَّدَقَاتُ في الْمَرَضِ لِأَنَّ كُلَّهُ شَيْءٌ أَخْرَجَهُ الْمَالِكُ من مِلْكِهِ بِلَا عِوَضِ مَالٍ أَخَذَهُ فإذا أَعْتَقَ الْمَرِيضُ عِتْقَ بَتَاتٍ وَعِتْقَ تَدْبِيرٍ ووصية ( ( ( لوصية ) ) ) بُدِئَ بِعِتْقِ الْبَتَاتِ قبل عِتْقِ التَّدْبِيرِ وَالْوَصِيَّةِ وَجَمِيعِ الْوَصَايَا فَإِنْ فَضَلَ من الثُّلُثِ فَضْلٌ عَتَقَ منه التَّدْبِيرُ وَالْوَصَايَا وَأُنْفِذَتْ الْوَصَايَا لِأَهْلِهَا وَإِنْ لم يَفْضُلُ منه فَضْلٌ لم تَكُنْ وَصِيَّةً وكان كَمَنْ مَاتَ لَا مَالَ له وَهَكَذَا كُلُّ ما وَهَبَ فَقَبَضَهُ الْمَوْهُوبُ له أو تَصَدَّقَ بِهِ فَقَبَضَهُ لِأَنَّ مَخْرَجَ ذلك في حَيَاتِهِ وَأَنَّهُ مَمْلُوكٌ عليه إنْ عَاشَ بِكُلِّ حَالٍ لَا يَرْجِعُ فيه فَهِيَ كما لَزِمَهُ بِكُلِّ حَالٍ في ثُلُثِ مَالِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ وفي جَمِيعِ مَالِهِ إنْ كانت له صِحَّةٌ وَالْوَصَايَا بَعْدَ الْمَوْتِ لم تَلْزَمْهُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ فَكَانَ له أَنْ يَرْجِعَ فيها في حَيَاتِهِ فإذا أَعْتَقَ رَقِيقًا له لَا مَالَ له غَيْرَهُمْ في مَرَضِهِ ثُمَّ مَاتَ قبل أَنْ تَحْدُثُ له صِحَّةٌ فَإِنْ كان عِتْقُهُ في كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ إنَّهُمْ أَحْرَارٌ أو يَقُولَ رَقِيقِي أو كُلُّ مَمْلُوكٍ لي حُرٌّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَأُعْتِقَ ثُلُثُهُ وَأَرَقَّ الثُّلُثَانِ وَإِنْ أَعْتَقَ وَاحِدًا أو اثْنَيْنِ ثُمَّ أَعْتَقَ من بَقِيَ بُدِئَ بِالْأَوَّلِ مِمَّنْ أُعْتِقَ فَإِنْ خَرَجَ من الثُّلُثِ فَهُوَ حُرٌّ وَإِنْ لم يَخْرُجْ عَتَقَ ما خَرَجَ من الثُّلُثِ وَرُقَّ ما بَقِيَ وَإِنْ فَضَلَ من الثُّلُثِ شَيْءٌ عَتَقَ الذي يَلِيه ثُمَّ هَكَذَا ابدا لَا يُعْتَقُ وَاحِدٌ حتى يُعْتَقَ الذي بَدَأَ بِعِتْقِهِ فَإِنْ فَضَلَ فَضْلٌ عَتَقَ الذي يَلِيه لِأَنَّهُ لَزِمَهُ عِتْقُ الْأَوَّلِ قبل الثَّانِي وَأَحْدَثَ عِتْقُ الثَّانِي وَالْأَوَّلُ خَارِجٌ من مِلْكِهِ بِكُلِّ حَالٍ إنْ صَحَّ وَكُلُّ حَالٍ بَعْدَ الْمَوْتِ إنْ خَرَجَ من الثُّلُثِ فَإِنْ لم يَفْضُلْ من الثُّلُثِ شَيْءٌ بَعْدَ عِتْقِهِ فَإِنَّمَا أُعْتِقَ وَلَا ثُلُثَ له ( قال ) وَهَكَذَا لو قال لِثَلَاثَةِ أَعْبُدٍ له أَنْتُمْ أَحْرَارٌ ثُمَّ قال ما بَقِيَ من رَقِيقِي حُرٌّ بُدِئَ بِالثَّلَاثَةِ فَإِنْ خَرَجُوا من الثُّلُثِ أُعْتِقُوا مَعًا وَإِنْ عَجَزَ الثُّلُثُ عَنْهُمْ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ وَإِنْ عَتَقُوا مَعًا وَفَضَلَ من الثُّلُثِ شَيْءٌ أَقْرَعَ بين من بَقِيَ من رَقِيقِهِ إنْ لم يَحْمِلْهُمْ الثُّلُثُ وَلَوْ كان مع هَؤُلَاءِ مُدَبَّرُونَ وَعَبِيدٌ وقال إنْ مِتُّ من مَرَضِي فَهُمْ أَحْرَارٌ بُدِئَ بِاَلَّذِينَ أَعْتَقَ عِتْقَ الْبَتَاتِ فَإِنْ خَرَجُوا من الثُّلُثِ ولم يَفْضُلْ شَيْءٌ لم يُعْتَقْ مُدَبَّرٌ وَلَا مُوصًى بِعِتْقِهِ بِعَيْنِهِ وَلَا صِفَتِهِ وَإِنْ فَضَلَ من الثُّلُثِ عِتْقُ الْمُدَبَّرِ والموصى بِعِتْقِهِ بِعَيْنِهِ وَصِفَتِهِ وَإِنْ عَجَزَ عن أَنْ يُعْتِقُوا منه كَانُوا في الْعِتْقِ سَوَاءً لَا يَبْدَأُ الْمُدَبَّرُ على عِتْقِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّ كُلًّا وَصِيَّةٌ وَلَا يُعْتَقُ بِحَالٍ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ في كُلٍّ في حَيَاتِهِ وَلَوْ كان في الْمُعْتَقِينَ في الْمَرَضِ عِتْقُ بَتَاتِ إمَاءٍ فَوَلَدْنَ بَعْدَ الْعِتْقِ وَقَبْلَ مَوْتِ الْمُعْتِقِ فَخَرَجُوا من الثُّلُثِ ولم يَخْرُجْ الْوَلَدُ عَتَقُوا وَالْإِمَاءُ من الثُّلُثِ وَالْأَوْلَادُ أَحْرَارٌ من غَيْرِ الثُّلُثِ لِأَنَّهُمْ أَوْلَادُ حَرَائِرَ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وكان الثُّلُثُ ضَيِّقًا عن أَنْ يَخْرُجَ جَمِيعُ من أَعْتَقَ من الرَّقِيقِ عِتْقَ بَتَاتِ قَوْمِنَا الإماء ( ( ( والإماء ) ) ) كُلُّ أَمَةٍ مِنْهُنَّ مَعَهَا وَلَدُهَا لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ ثُمَّ أَقْرَعْنَا بينهن ( ( ( بينهم ) ) ) فَأَيَّ أَمَةٍ خَرَجَتْ في سَهْمِ الْعِتْقِ عَتَقَتْ من الثُّلُثِ وَتَبِعَهَا وَلَدُهَا من غَيْرِ الثُّلُثِ لِأَنَّا قد عَلِمْنَا أَنَّهُ وَلَدُ حُرَّةٍ لَا يَرِقُّ وإذا أَلْغَيْنَا قِيَمَ الْأَوْلَادِ الَّذِينَ عَتَقُوا بِعِتْقِ أُمِّهِمْ فَزَادَ الثُّلُثُ أَعَدْنَا الْقُرْعَةَ بين من بَقِيَ فَإِنْ خَرَجَتْ أَمَةٌ مَعَهَا وَلَدُهَا أُعْتِقَتْ من الثُّلُثِ وَعَتَقَ
____________________

(4/95)


وَلَدُهَا لِأَنَّهُ بن حُرَّةٍ من غَيْرِ الثُّلُثِ فَإِنْ بَقِيَ من الثُّلُثِ شَيْءٌ أَعَدْنَاهُ هَكَذَا أَبَدًا حتى نستوظفه كُلَّهُ ( قال ) وَإِنْ ضَاقَ ما يبقي من الثُّلُثِ فَعَتَقَ ثُلُثُ أُمِّ وَلَدٍ مِنْهُنَّ عِتْقُ ثُلُثِ وَلَدِهَا مَعَهَا وَرُقَّ ثُلُثَاهُ كما رُقَّ ثُلُثَاهَا وَيَكُونُ حُكْمُ وَلَدِهَا حُكْمَهَا فما عَتَقَ منها قبل وِلَادِهِ عَتَقَ منه وإذا وَقَعَتْ عليها قُرْعَةُ الْعِتْقِ فَإِنَّمَا أَعْتَقْنَاهَا قبل الْوِلَادَةِ وَهَكَذَا لو وَلَدَتْهُمْ بَعْدَ الْعِتْقِ الْبَتَاتِ وَمَوْتِ الْمُعْتِقِ لِأَقَلِّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ أو أَكْثَرَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَوْصَى الرَّجُلُ بِعِتْقِ أَمَةٍ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنْ مَاتَ من مَرَضِهِ أو سَفَرِهِ فَوَلَدَتْ قبل أَنْ يَمُوتَ الْمُوصِي فَوَلَدُهَا مَمَالِيكُ لِأَنَّهُمْ وُلِدُوا قبل أَنْ يَعْتِقَ في الْحِينِ الذي لو شَاءَ أَرَقَّهَا وَبَاعَهَا وفي الْحِينِ الذي لو صَحَّ بَطُلَتْ وَصِيَّتُهَا وَلَوْ كان عِتْقُهَا تَدْبِيرًا كان فيه قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا هذا لِأَنَّهُ يَرْجِعُ في التَّدْبِيرِ وَالْآخَرُ أَنَّ وَلَدَهَا بِمَنْزِلَتِهَا لِأَنَّهُ عِتْقٌ وَاقِعٌ بِكُلِّ حَالٍ ما لم يَرْجِعْ فيه وقد اُخْتُلِفَ في الرَّجُلِ يُوصِي بِالْعِتْقِ وَوَصَايَا غَيْرُهُ فقال غَيْرُ وَاحِدٍ من الْمُفْتِينَ يُبْدَأُ بِالْعِتْقِ ثُمَّ يُجْعَلُ ما بَقِيَ من الثُّلُثِ في الْوَصَايَا فَإِنْ لم يَكُنْ في الثُّلُثِ فَضْلٌ عن الْعِتْقِ فَهُوَ رَجُلٌ أَوْصَى فِيمَا ليس له ( قال ) وَلَسْت أَعْرِفُ في هذا أَمْرًا يَلْزَمُ من أَثَرٍ ثَابِتٍ وَلَا إجْمَاعٍ لَا اخْتِلَافَ فيه ثُمَّ اخْتَلَفَ قَوْلُ من قال هذا في الْعِتْقِ مع الْوَصَايَا فقال مَرَّةً بهذا وَفَارَقَهُ أُخْرَى فَزَعَمَ أَنَّ من قال لِعَبْدِهِ إذَا مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ وقال إنْ مِتُّ من مَرَضِي هذا فَأَنْتَ حُرٌّ فَأَوْقَع له عِتْقًا بِمَوْتِهِ بِلَا وَقْتٍ بُدِئَ بهذا على الْوَصَايَا فلم يَصِلْ إلَى أَهْلِ الْوَصَايَا وَصِيَّةٌ إلَّا فَضْلًا عن هذا وقال إذَا قال اعْتِقُوا عَبْدِي هذا بَعْدَ مَوْتِي أو قال عَبْدِي هذا حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِيَوْمٍ أو بِشَهْرٍ أو وَقْتٍ من الْأَوْقَاتِ لم يُبْدَأْ بهذا على الْوَصَايَا وَحَاصَّ هذا أَهْلُ الْوَصَايَا وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ قِيلَ يَبْدَأُ بِالْعِتْقِ قبل الْوَصِيَّةِ وما أَعْلَمُهُ قال يبدأ بالعتق قبل الوصية وما أعلمه قال يَبْدَأُ بِالْعِتْقِ قبل الْوَصِيَّةِ مُطْلَقًا وَلَا يُحَاصُّ الْعِتْقُ الْوَصِيَّةَ مُطْلَقًا بَلْ فَرَّقَ الْقَوْلَ فيه بِغَيْرِ حُجَّةٍ فِيمَا أَرَى وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ ( قال ) وَلَا يَجُوزُ في الْعِتْقِ في الْوَصِيَّةِ إلَّا وَاحِدٌ من قَوْلَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْعِتْقُ إذَا وَقَعَ بِأَيِّ حَالٍ ما كان بُدِئَ على جَمِيعِ الْوَصَايَا فلم يَخْرُجْ منها شَيْءٌ حتى يَكْمُلَ الْعِتْقُ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْعِتْقُ وَصِيَّةً من الْوَصَايَا يُحَاصُّ بها الْمُعْتِقُ أَهْلَ الْوَصَايَا فَيُصِيبُهُ من الْعِتْقِ ما أَصَابَ أَهْلَ الْوَصَايَا من وَصَايَاهُمْ وَيَكُونُ كُلُّ عِتْقٍ كان وَصِيَّةً بَعْدَ الْمَوْتِ بِوَقْتٍ أو بِغَيْرِ وَقْتٍ سَوَاءً أو يُفَرِّقُ بين ذلك خَبَرٌ لَازِمٌ أو إجْمَاعٌ وَلَا أَعْلَمُ فيه وَاحِدًا مِنْهُمَا فَمَنْ قال عَبْدِي مُدَبَّرٌ أو عَبْدِي هذا حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي أو مَتَى مِتُّ أو إنْ مِتُّ من مَرَضِي هذا أو اعتقوه بَعْدَ مَوْتِي أو هو مُدَبِّرٌ في حَيَاتِي فإذا مِتُّ فَهُوَ حُرٌّ فَهُوَ كُلُّهُ سَوَاءٌ وَمَنْ جَعَلَ الْمُعْتِقَ يُحَاصُّ أَهْلَ الْوَصَايَا فَأَوْصَى معه بِوَصِيَّةٍ حَاصَّ الْعَبْدُ في نَفْسِهِ أَهْلَ الْوَصَايَا في وَصَايَاهُمْ فَأَصَابَهُ من الْعِتْقِ ما اصابهم وَرَقَّ منه لم يَخْرُجْ من الثُّلُثِ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنُ الْعَبْدِ خَمْسِينَ دِينَارًا وَقِيمَةُ ما يَبْقَى من ثُلُثِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ خَمْسِينَ دِينَارًا فَيُوصَى بِعِتْقِ الْعَبْدِ ويوصى لِرَجُلٍ بِخَمْسِينَ دِينَارًا وَلَآخِرَ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَيَكُونُ ثُلُثُهُ مِائَةً وَوَصِيَّتُهُ مِائَتَيْنِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ من الْمُوصَى لهم نِصْفُ وَصِيَّتِهِ فَيَعْتِقُ نِصْفَ الْعَبْدِ وَيَرِقُّ نِصْفَهُ وَيَكُونُ لِصَاحِبِ الْخَمْسِينَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَلِلْمُوصَى له بِالْمِائَةِ خَمْسُونَ - * بَابُ التَّكْمِلَاتِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَوْصَى رَجُلٌ لِرَجُلٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ من مَالِهِ أو بِدَارٍ مَوْصُوفَةٍ بِعَيْنٍ أو بِصِفَةٍ أو بِعَبْدٍ كَذَلِكَ أو مَتَاعٍ أو غَيْرِهِ وقال ثُمَّ ما فَضَلَ من ثُلُثِي فَلِفُلَانٍ كان ذلك كما قال يُعْطَى الْمُوصَى له بِالشَّيْءِ بِعَيْنِهِ أو صِفَتِهِ ما أَوْصَى له بِهِ فَإِنْ فَضَلَ من الثُّلُثِ شَيْءٌ كان لِلْمُوصَى له بِمَا فَضَلَ من الثُّلُثِ وَإِنْ لم يَفْضُلْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ له ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان الْمُوصَى له بِهِ عَبْدًا أو شيئا يُعْرَفُ بِعَيْنٍ أو صِفَةٍ مِثْلُ عَبْدٍ أو دَارٍ أو عَرَضٍ من الْعُرُوضِ فَهَلَكَ ذلك الشَّيْءُ هَلَكَ من مَالِ الْمُوصَى له وَقَوْمٍ من الثُّلُثِ ثُمَّ أَعْطَى الذي أَوْصَى له بِتَكْمِلَةِ الثُّلُثِ ما فَضَلَ عن
____________________

(4/96)


قِيمَةِ الْهَالِكِ كما يُعْطَاهُ لو سَلَّمَ الْهَالِكَ فَدَفَعَ إلَى الْمُوصَى له بِهِ ( قال ) وَلَوْ كان الْمُوصَى بِهِ عَبْدًا فَمَاتَ الْمُوصِي وهو صَحِيحٌ ثُمَّ اعْوَرَّ قُوِّمَ صَحِيحًا بِحَالِهِ يوم مَاتَ الموصى وَبِقِيمَةِ مِثْلِهِ يَوْمَئِذٍ فَأَخْرَجَ من الثُّلُثِ وَدَفَعَ إلَى الْمُوصَى له بِهِ كَهَيْئَتِهِ نَاقِصًا أو تَامًّا وَأَعْطَى الْمُوصَى له بِمَا فَضَلَ عنه ما فَضَلَ عن الثُّلُثِ وَإِنَّمَا الْقِيمَةُ في جَمِيعِ ما أَوْصَى بِهِ بِعَيْنِهِ يوم يَمُوتُ الْمَيِّتُ وَذَلِكَ يوم تَجِبُ الْوَصِيَّةُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا قال الرَّجُلُ ثُلُثُ مَالِي إلَى فُلَانٍ يَضَعُهُ حَيْثُ أَرَاهُ اللَّهُ فَلَيْسَ له أَنْ يَأْخُذَ لِنَفْسِهِ شيئا كما لَا يَكُونُ له لو أَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَ له شيئا أَنْ يَبِيعَهُ من نَفْسِهِ لِأَنَّ مَعْنَى يَبِيعُهُ أَنْ يَكُونَ مُبَايَعًا بِهِ وهو لَا يَكُونُ مُبَايَعًا إلَّا لِغَيْرِهِ وَكَذَلِكَ مَعْنَى يَضَعُهُ يُعْطِيهِ غَيْرَهُ وَكَذَلِكَ ليس له أَنْ يُعْطِيَهُ وَارِثًا لِلْمَيِّتِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ له ما كان يَجُوزُ لِلْمَيِّتِ فلما لم يَكُنْ يجوز لِلْمَيِّتِ أَنْ يُعْطِيَهُ لم يَجُزْ لِمَنْ صَيَّرَهُ إلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَ منه من لم يَكُنْ له أَنْ يُعْطِيَهُ ( قال ) وَلَيْسَ له أَنْ يَضَعَهُ فِيمَا ليس لِلْمَيِّتِ فيه نَظَرٌ كما ليس له لو وَكَّلَهُ بِشَيْءٍ أَنْ يَفْعَلَ فيه ما ليس له فيه نَظَرٌ وَلَا يَكُونُ له أَنْ يَحْبِسَهُ عِنْدَ نَفْسِهِ وَلَا يُودِعَهُ غَيْرَهُ لِأَنَّهُ لَا أَجْرَ لِلْمَيِّتِ في هذا وَإِنَّمَا الْأَجْرُ لِلْمَيِّتِ في أَنْ يَسْلُكَ في سَبِيلِ الْخَيْرِ التي يُرْجَى أَنْ تُقَرِّبَهُ إلَى اللَّهِ عز وجل ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَخْتَارُ لِلْمُوصَى إلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُ أَهْلَ الْحَاجَةِ من قَرَابَةِ الْمَيِّتِ حتى يعطى كُلَّ رَجُلٍ منهم دُونَ غَيْرِهِمْ فإن إعطاءهموه أَفْضَلُ من إعْطَاءِ غَيْرِهِمْ لِمَا يَنْفَرِدُونَ بِهِ من صِلَةِ قَرَابَتِهِمْ لِلْمَيِّتِ وَيُشْرِكُونَ بِهِ أَهْلَ الْحَاجَةِ في حَاجَاتِهِمْ ( قال ) وَقَرَابَتُهُ ما وَصَفْت من الْقَرَابَةِ من قِبَلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ مَعًا وَلَيْسَ الرَّضَاعُ قَرَابَةً ( قال ) وَأُحِبُّ له إنْ كان له رُضَعَاءُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ دُونَ جِيرَانِهِ لِأَنَّ حُرْمَةَ الرَّضَاعِ تُقَابِلُ حُرْمَةَ النَّسَبِ ثُمَّ أُحِبُّ له أَنْ يُعْطِيَ جِيرَانَهُ الْأَقْرَبَ منهم فَالْأَقْرَبَ وَأَقْصَى الْجِوَارِ فيها أَرْبَعُونَ دَارًا من كل نَاحِيَةٍ ثُمَّ أُحِبُّ له أَنْ يُعْطِيَهُ أَفْقَرَ من يَجِدُهُ واشده تَعَفُّفًا وَاسْتِتَارًا وَلَا يبقى منه في يَدِهِ شيئا يُمْكِنُهُ أَنْ يَخْرُجَهُ سَاعَةً من نَهَارٍ - * بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلرَّجُلِ وَقَبُولِهِ وَرَدِّهِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَوْصَى الرَّجُلُ الْمَرِيضُ لِرَجُلٍ بِوَصِيَّةٍ ما كانت ثُمَّ مَاتَ فَلِلْمُوصَى له قَبُولُ الْوَصِيَّةِ وَرَدُّهَا لَا يُجْبَرُ أَنْ يَمْلِكَ شيئا لَا يُرِيدُ مِلْكَهُ بِوَجْهٍ أَبَدًا الا بِأَنْ يَرِثَ شيئا فإنه إذَا وَرِثَ لم يَكُنْ له دَفْعُ الْمِيرَاثِ وَذَلِكَ أَنَّ حُكْمًا من اللَّهِ عز وجل أَنَّهُ نَقْلُ مِلْكِ الْمَوْتَى إلَى وَرَثَتِهِمْ من الْأَحْيَاءِ فَأَمَّا الْوَصِيَّةُ وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَجَمِيعُ وُجُوهِ الْمِلْكِ غَيْرِ الْمِيرَاثِ فَالْمُمَلَّكُ لها بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَبِلَهَا وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَلَوْ أَنَّا أَجْبَرْنَا رَجُلًا على قَبُولِ الْوَصِيَّةِ جبرناه ( ( ( أجبرناه ) ) ) إنْ أَوْصَى له بِعَبِيدٍ زَمْنَى أَنْ يُنْفِقَ عليهم فَأَدْخَلْنَا الضَّرَرَ عليه وهو لم يُحِبَّهُ ولم يُدْخِلْهُ على نَفْسِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَكُونُ قَبُولٌ وَلَا رَدٌّ في وَصِيَّةِ حَيَاةِ الموصى فَلَوْ قَبِلَ الْمُوصَى له قبل مَوْتِ الموصى كان له الرَّدُّ إذَا مَاتَ وَلَوْ رَدَّ في حَيَاةِ الموصى كان له أَنْ يَقْبَلَ إذَا مَاتَ وَيُجْبَرُ الْوَرَثَةُ على ذلك لِأَنَّ تِلْكَ الْوَصِيَّةَ لم تَجِبْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الموصى فَأَمَّا في حَيَاتِهِ فَقَبُولُهُ وَرَدُّهُ وَصَمْتُهُ سَوَاءٌ لِأَنَّ ذلك فِيمَا لم يَمْلِكْ ( قال ) وَهَكَذَا لو أَوْصَى له بِأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَوَلَدِهِ كَانُوا كَسَائِرِ الْوَصِيَّةِ إنْ قَبِلَهُمْ بَعْدَ مَوْتِ الموصى عَتَقُوا وَإِنْ رَدَّهُمْ فَهُمْ مَمَالِيكُ تَرَكَهُمْ الْمَيِّتُ لَا وَصِيَّةَ فِيهِمْ فَهُمْ لِوَرَثَتِهِ ( قال الرَّبِيعُ ) فَإِنْ قَبِلَ بَعْضَهُمْ وَرَدَّ بَعْضًا كان ذلك له وَعَتَقَ عليه من قَبِلَ وكان من لم يَقْبَلْ مَمْلُوكًا لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ وَلَوْ مَاتَ الموصى ثُمَّ مَاتَ الْمُوصَى له قبل أَنْ يَقْبَلَ أو يَرُدَّ كان لِوَرَثَتِهِ أَنْ يَقْبَلُوا أو يَرُدُّوا فَمَنْ قَبِلَ منهم فَلَهُ نَصِيبُهُ بِمِيرَاثِهِ مِمَّا قَبِلَ وَمَنْ رَدَّ كان ما رَدَّ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ جَارِيَةَ رَجُلٍ فَوَلَدَتْ له ثُمَّ أَوْصَى له بها وَمَاتَ فلم يَعْلَمْ الْمُوصَى له بِالْوَصِيَّةِ حتى وَلَدَتْ له بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهَا أَوْلَادًا كَثِيرًا فَإِنْ قَبِلَ الْوَصِيَّةَ فَمَنْ وَلَدَتْ له بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ له تَمْلِكُهُمْ بِمَا مَلَكَ بِهِ أُمَّهُمْ وإذا مَلَكَ وَلَدَهُ عَتَقُوا عليه ولم تَكُنْ أُمُّهُمْ أُمَّ وَلَدٍ له حتى تَلِدَ بَعْدَ قَبُولِهَا منه لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ فَتَكُونُ بِذَلِكَ أُمَّ وَلَدٍ وَذَلِكَ أَنَّ الْوَطْءَ الذي كان قبل الْقَبُولِ إنَّمَا كان وَطْءَ نِكَاحٍ وَالْوَطْءُ بَعْدَ
____________________

(4/97)


الْقَبُولِ وَطْءَ مِلْكٍ وَالنِّكَاحُ مُنْفَسِخٌ وَلَوْ مَاتَ قبل أَنْ يَرُدَّ أو يَقْبَلَ قام وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ فَإِنْ قَبِلُوا الْوَصِيَّةَ فَإِنَّمَا مَلَكُوا لِأَبِيهِمْ فَأَوْلَادُ أَبِيهِمْ الَّذِينَ وَلَدَتْ بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهَا الْمُوصِي أَحْرَارٌ وَأُمُّهُمْ مَمْلُوكَةٌ وَإِنْ رَدُّوهَا كَانُوا مَمَالِيكَ كُلَّهُمْ وَأَكْرَهُ لهم رَدَّهَا وإذا قَبِلَ الْمُوصَى له الْوَصِيَّةَ بَعْدَ أَنْ تَجِبَ له بِمَوْتِ الْمُوصِي ثُمَّ رَدَّهَا فَهِيَ مَالٌ من مَالِ الْمَيِّتِ مَوْرُوثَةٌ عنه كَسَائِرِ مَالِهِ وَلَوْ أَرَادَ بَعْدَ رَدِّهَا أَخْذَهَا بِأَنْ يَقُولَ إنَّمَا أَعْطَيْتُكُمْ ما لم تَقْبِضُوا جَازَ أَنْ يَقُولُوا له لم تَمْلِكْهَا بِالْوَصِيَّةِ دُونَ الْقَبُولِ فلما كُنْت إذَا قَبِلْت مَلِكَتَهَا وَإِنْ لم تَقْبِضْهَا لِأَنَّهَا لَا تُشْبِهُ هِبَاتِ الْأَحْيَاءِ التي لَا يَتِمُّ مِلْكُهَا إلَّا بِقَبْضِ الْمَوْهُوبَةِ له لها جَازَ عَلَيْك ما تُرِكَتْ من ذلك كما جَازَ لَك ما أَعْطَيْت بِلَا قَبْضٍ في وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَجَازَ لهم أَنْ يَقُولُوا ردكها إبْطَالٌ لِحَقِّك فِيمَا أَوْصَى لَك بِهِ الْمَيِّتُ وَرَدٌّ إلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ فَيَكُونُ مَوْرُوثًا عنه ( قال ) وَلَوْ قَبِلَهَا ثُمَّ قال قد تَرَكْتُهَا لِفُلَانٍ من بَيْنِ الْوَرَثَةِ أو كان له على الْمَيِّتِ دَيْنٌ فقال قد ( ( ( فقد ) ) ) تَرَكْته لِفُلَانٍ من بَيْنِ الْوَرَثَةِ قِيلَ قَوْلُك تَرَكْته لِفُلَانٍ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ أَظْهَرُهُمَا تَرَكْته تَشْفِيعًا لِفُلَانٍ أو تَقَرُّبًا إلَى فُلَانٍ فَإِنْ كُنْت هذا أَرَدْت فَهَذَا مَتْرُوكٌ لِلْمَيِّتِ فَهُوَ بين وَرَثَتِهِ كُلِّهِمْ وَأَهْلِ وَصَايَاهُ وَدَيْنِهِ كما تَرَكَ وَإِنْ مِتَّ قبل أَنْ تَسْأَلَ فَهُوَ هَكَذَا لِأَنَّ هذا أَظْهَرُ مَعَانِيهِ كما تَقُولُ عَفَوْت عن دَيْنِي على فُلَانٍ لِفُلَانٍ وَوَضَعْت عن فُلَانٍ حَقِّي لِفُلَانٍ أَيْ بِشَفَاعَةِ فُلَانٍ أو حِفْظِ فُلَانٍ أو التَّقَرُّبِ إلَى فُلَانٍ وَإِنْ لم تَمُتْ فَسَأَلْنَاك فَقُلْت تَرَكْت وَصِيَّتِي أو تَرَكْت دَيْنِي لِفُلَانٍ وَهَبْته لِفُلَانٍ من بَيْنِ الْوَرَثَةِ فَذَلِكَ لِفُلَانٍ من بَيْنِ الْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ وَهَبَ له شيئا يَمْلِكُهُ وإذا أَوْصَى رَجُلٌ لِرَجُلَيْنِ بِعَبْدٍ أو غَيْرَهُ فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا وَرَدَّ الْآخَرُ فَلِلْقَابِلِ نِصْفُ الْوَصِيَّةِ وَنِصْفُ الْوَصِيَّةِ مَرْدُودٌ في مَالِ الْمَيِّتِ وَلَوْ أَوْصَى رَجُلٌ لِرَجُلٍ بِجَارِيَةٍ فَمَاتَ الْمُوصِي ولم يَقْبَلْ الْمُوصَى له ولم يَرُدَّ حتى وَهَبَ إنْسَانٌ لِلْجَارِيَةِ مِائَةَ دِينَارٍ وَالْجَارِيَةُ ثُلُثُ مَالِ الْمَيِّتِ ثُمَّ قَبِلَ الْوَصِيَّةَ فَالْجَارِيَةُ له لَا يَجُوزُ فِيمَا وَهَبَ لها وفي وَلَدٍ وَلَدَتْهُ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ وَقَبْلَ قَبُولِ الْوَصِيَّةِ وَرَدِّهَا إلَّا وَاحِدٌ من قَوْلَيْنِ أَنْ يَكُونَ ما وَهَبَ لِلْجَارِيَةِ أو وَلَدِهَا مِلْكًا لِلْمُوصَى له بها لِأَنَّهَا كانت خَارِجَةً من مَالِ الْمَيِّتِ إلَى مَالِهِ إلَّا أَنَّ له إنْ شَاءَ أَنْ يَرُدَّهَا وَمَنْ قال هذا قال هو وَإِنْ كان له رَدُّهَا فَإِنَّمَا رَدُّهَا إخْرَاجٌ لها من مَالِهِ كما له أَنْ يُخْرِجَ من مَالِهِ ما شَاءَ فإذا كانت هِيَ وَمِلْكُ ما وَهَبَ لِلْأَمَةِ وَوَلَدِهَا لِمَنْ يَمْلِكُهَا فَالْمُوصَى له بها الْمَالِكُ لها وَمَنْ قال هذا قال فَإِنْ اسْتَهْلَكَ رَجُلٌ من الْوَرَثَةِ شيئا مِمَّا وَهَبَ لها أو وَلَدَهَا فَهُوَ ضَامِنٌ له لِلْمُوصَى له بها وَكَذَلِكَ إنْ جَنَى أَجْنَبِيٌّ على مَالِهَا او نَفْسِهَا أو وَلَدِهَا فَالْمُوصَى له بها إنْ قَبِلَ الْوَصِيَّةَ الْخَصْمُ في ذلك لِأَنَّهُ له وَإِنْ مَاتَ الْمُوصَى له بها قبل الْقَبُولِ وَالرَّدِّ فَوَرَثَتُهُ يَقُومُونَ مَقَامَهُ في ذلك كُلِّهِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ ذلك كُلَّهُ لِوَرَثَةِ الْمُوصِي وأن الْمُوصَى له إنَّمَا يَمْلِكُ إذَا اخْتَارَ قَبُولَ الْوَصِيَّةِ وَهَذَا قَوْلٌ مُنْكَرٌ لَا نَقُولُ بِهِ لِأَنَّ الْقَبُولَ إنَّمَا هو على شَيْءٍ مُلِّكَ مُتَقَدَّمًا ليس بِمُلْكٍ حَادِثٍ وقد قال بَعْضُ الناس تَكُونُ له الْجَارِيَةُ وَثُلُثُ أَوْلَادِهَا وَثُلُثُ ما وَهَبَ لها وَإِنْ كانت الْجَارِيَةُ لَا تَخْرُجُ من الثُّلُثِ فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَوَهَبَ لها مَالًا لم يَكُنْ في كِتَابِ الشَّافِعِيُّ من هذه الْمَسْأَلَةِ غَيْرُ هذا بَقِيَ في الْمَسْأَلَةِ الْجَوَابُ - * بَابُ ما نُسِخَ من الْوَصَايَا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا على الْمُتَّقِينَ فَمَنْ بَدَّلَهُ بعد ما سَمِعَهُ } الْآيَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وكان فَرْضًا في كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى على من تَرَكَ خَيْرًا وَالْخَيْرُ الْمَالُ أَنْ يُوصِيَ لِوَالِدَيْهِ وَأَقْرَبِيهِ ثُمَّ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ الْوَارِثِينَ مَنْسُوخَةٌ وَاخْتَلَفُوا في الْأَقْرَبِينَ غَيْرِ الْوَارِثِينَ فَأَكْثَرُ من لَقِيت من أَهْلِ الْعِلْمِ مِمَّنْ حَفِظْت عنه قال الْوَصَايَا مَنْسُوخَةٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَ بها إذَا كانت إنَّمَا يُورَثُ بها فلما قَسَّمَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرَهُ الْمَوَارِيثَ
____________________

(4/98)


كانت تَطَوُّعًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كُلُّهُ كما قالوا فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على ما وَصَفْت قِيلَ له قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إنْ كان له وَلَدٌ فَإِنْ لم يَكُنْ له وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كان له إخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ } أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ عن مُجَاهِدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ وما وَصَفْت من أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ مَنْسُوخَةٌ بِآيِ الْمَوَارِيثِ وَأَنْ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ مِمَّا لَا أَعْرِفُ فيه عن أَحَدٍ مِمَّنْ لَقِيت خِلَافًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كانت الْوَصَايَا لِمَنْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِالْوَصِيَّةِ مَنْسُوخَةً بآى الْمَوَارِيث وَكَانَتْ السُّنَّةُ تَدُلُّ على أنها لَا تَجُوزُ لِوَارِثٍ وَتَدُلُّ على أنها تَجُوزُ لِغَيْرِ قَرَابَةٍ دَلَّ ذلك على نَسْخِ الْوَصَايَا لِلْوَرَثَةِ وَأَشْبَهُ أَنْ يَدُلَّ على نَسْخِ الْوَصَايَا لِغَيْرِهِمْ ( قال ) وَدَلَّ على أَنَّ الْوَصَايَا لِلْوَالِدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ يَرِثُ بِكُلِّ حَالٍ إذَا كان في مَعْنًى غَيْرِ وَارِثٍ فَالْوَصِيَّةُ له جَائِزَةٌ وَمِنْ قِبَلِ أنها إنَّمَا بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ إذَا كان وَارِثًا فإذا لم يَكُنْ وَارِثًا فَلَيْسَ بِمُبْطِلٍ لِلْوَصِيَّةِ وإذا كان الْمُوصِي يَتَنَاوَلُ من شَاءَ بِوَصِيَّتِهِ كان وَالِدُهُ دُونَ قَرَابَتِهِ إذَا كَانُوا غير وَرَثَةٍ في مَعْنَى من لَا يَرِثُ وَلَهُمْ حَقُّ الْقَرَابَةِ وَصِلَةُ الرَّحِمِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَأَيْنَ الدَّلَالَةُ على أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِغَيْرِ ذِي الرَّحِمِ جَائِزَةٌ قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَدِيثُ عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ ستة مَمْلُوكِينَ له ليس له مَالٌ غيرهم ( ( ( فيهم ) ) ) فَجَزَّأَهُمْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً وَالْمُعْتِقُ عَرَبِيٌّ وَإِنَّمَا كانت الْعَرَبُ تَمْلِكُ من لَا قَرَابَةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ فَلَوْ لم تَجُزْ الْوَصِيَّةُ إلَّا لِذِي قَرَابَةٍ لم تَجُزْ للمملوكين ( ( ( للملوكين ) ) ) وقد أَجَازَهَا لهم رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم - * بَابُ الْخِلَافِ في الْوَصَايَا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن طَاوُسٍ عن ابيه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْحُجَّةُ في ذلك ما وَصَفْنَا من الِاسْتِدْلَالِ بِالسُّنَّةِ وَقَوْلِ الْأَكْثَرِ مِمَّنْ لَقِينَا فَحَفِظْنَا عنه وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - * بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلزَّوْجَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ } الْآيَةُ وكان فَرْضُ الزَّوْجَةِ أَنْ يُوصِي لها الزَّوْجُ بِمَتَاعٍ إلَى الْحَوْلِ ولم أَحْفَظْ عن أَحَدٍ خِلَافًا أَنَّ الْمَتَاعَ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى وَالْكِسْوَةُ إلَى الْحَوْلِ وَثَبَتَ لها السُّكْنَى فقال { غَيْرُ إخْرَاجٍ } ثُمَّ قال { فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ في ( ( ( فيما ) ) ) ما فَعَلْنَ في أَنْفُسِهِنَّ من مَعْرُوفٍ } فَدَلَّ الْقُرْآنُ على انهن إنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ على الْأَزْوَاجِ لِأَنَّهُنَّ تَرَكْنَ ما فُرِضَ لَهُنَّ وَدَلَّ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ إذَا كان السُّكْنَى لها فَرْضًا فَتَرَكَتْ حَقَّهَا فيه ولم يَجْعَلْ اللَّهُ تَعَالَى على الزَّوْجِ حَرَجًا أَنَّ من تَرَكَ حَقَّهُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ له لم يَخْرُجْ من الْحَقِّ عليه ثُمَّ حَفِظْت عَمَّنْ أَرْضَى من أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ نَفَقَةَ الْمُتَوَفَّى عنها زَوْجُهَا وَكِسْوَتَهَا حَوْلًا مَنْسُوخٌ بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ قال اللَّهُ عز وجل { وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إنْ لم يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كان لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ من بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بها أو دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إنْ لم يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كان لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ من بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بها أو دَيْنٍ } قال الشَّافِعِيُّ ولم أَعْلَمْ مُخَالِفًا فِيمَا وَصَفْت من نَسْخِ نَفَقَةِ الْمُتَوَفَّى عنها وَكِسْوَتُهَا سَنَةً وَأَقَلُّ من سَنَةٍ ثُمَّ احْتَمَلَ سُكْنَاهَا إذْ كان مَذْكُورًا مع نَفَقَتِهَا بِأَنَّهُ يَقَعُ عليه اسْمُ الْمَتَاعِ أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا في السُّنَّةِ وَأَقَلُّ منها كما كانت النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ مَنْسُوخَتَيْنِ في السُّنَّةِ وَأَقَلُّ منها وَاحْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ نُسِخَتْ في السُّنَّةِ وَأُثْبِتَتْ في عِدَّةِ الْمُتَوَفَّى عنها حتى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا بِأَصْلِ هذه الْآيَةِ وَأَنْ تَكُونَ دَاخِلَةً في جُمْلَةِ الْمُعْتَدَّاتِ
____________________

(4/99)


فإن اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يقول في الْمُطَلَّقَاتِ { لَا تُخْرِجُوهُنَّ من بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ } فلما فَرَضَ اللَّهُ في الْمُعْتَدَّةِ من الطَّلَاقِ السُّكْنَى وَكَانَتْ الْمُعْتَدَّةُ من الْوَفَاةِ في مَعْنَاهَا احْتَمَلَتْ أَنْ يَجْعَلَ لها السُّكْنَى لِأَنَّهَا في مَعْنَى الْمُعْتَدَّاتِ فَإِنْ كان هذا هَكَذَا فَالسُّكْنَى لها في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل مَنْصُوصٌ أو في مَعْنَى من نَصَّ لها السُّكْنَى في فَرْضِ الْكِتَابِ وَإِنْ لم يَكُنْ هَكَذَا فَالْفَرْضُ في السُّكْنَى لها في السُّنَّةِ ثَمَّ فيما أَحْفَظُ عَمَّنْ حَفِظْت عنه من أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ لِلْمُتَوَفَّى عنها السُّكْنَى وَلَا نَفَقَةَ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَأَيْنَ السُّنَّةُ في سُكْنَى الْمُتَوَفَّى عنها زَوْجُهَا قِيلَ أخبرنا مَالِكٌ عن سَعْدِ بن إِسْحَاقَ عن كَعْبِ بن عُجْرَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما وَصَفْت في مَتَاعِ الْمُتَوَفَّى عنها هو الْأَمْرُ الذي تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وقد قال بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ إنَّ آيَةَ الْمَوَارِيثِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَهَذَا ثَابِتٌ لِلْمَرْأَةِ وَإِنَّمَا نَزَلَ فَرْضُ مِيرَاثِ الْمَرْأَةِ وَالزَّوْجِ بَعْدُ وَإِنْ كان كما قال فَقَدْ اثبت لها الْمِيرَاثَ كما أَثْبَتَهُ لِأَهْلِ الْفَرَائِضِ وَلَيْسَ في أَنْ يَكُونَ ذلك بِآخِرِ ما أَبْطَلَ حَقَّهَا وقال بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إنَّ عِدَّتَهَا في الْوَفَاةِ كانت ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ كَعِدَّةِ الطَّلَاقِ ثُمَّ نُسِخَتْ بِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } فَإِنْ كان هذا هَكَذَا فَقَدْ بَطُلَتْ عنها الإقراء وَثَبَتَتْ عليها الْعِدَّةُ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرَ مَنْصُوصَةٍ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل ثُمَّ في سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَإِنْ قال قَائِلٌ فَأَيْنَ هِيَ في السُّنَّةِ قِيلَ أخبرنا حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ عن حُمَيْدِ بن نَافِعٍ قال اللَّهُ عز وجل في عِدَّةِ الطَّلَاقِ { وَاَللَّائِي لم يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } فَاحْتَمَلَتْ الْآيَةُ أَنْ تَكُونَ في الْمُطَلَّقَةِ لَا تَحِيضُ خَاصَّةً لِأَنَّهَا سِيَاقُهَا وَاحْتَمَلَتْ أَنْ تَكُونَ في الْمُطَلَّقَةِ كُلُّ مُعْتَدَّةٍ مُطَلَّقَةٍ تَحِيضُ وَمُتَوَفًّى عنها لِأَنَّهَا جَامِعَةٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اسْتِئْنَافُ كَلَامٍ على الْمُعْتَدَّاتِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَأَيُّ مَعَانِيهَا أَوْلَى بها قِيلَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فأما ( ( ( فأنا ) ) ) الذي يُشَبِّهُ فأن ( ( ( فإنها ) ) ) تَكُونُ في كل مُعْتَدَّةٍ وَمُسْتَبْرَأَةٍ فَإِنْ قال ما دَلَّ على ما وَصَفْت قِيلَ قال الشَّافِعِيُّ لَمَّا كانت الْعِدَّةُ اسْتِبْرَاءً وَتَعَبُّدًا وكان وَضْعُ الْحَمْلِ بَرَاءَةً من عِدَّةِ الْوَفَاةِ هَادِمًا لِلْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَالْعَشْرِ كان هَكَذَا في جَمِيعِ الْعَدَدِ والإستبراء وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مع أَنَّ الْمَعْقُولَ أَنَّ وَضْعَ الْحَمْلِ غَايَةُ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ حتى لَا يَكُونَ في النَّفْسِ منه شَيْءٌ فَقَدْ يَكُونُ في النَّفْسِ شَيْءٌ في جَمِيعِ الْعَدَدِ والإستبراء وَإِنْ كان ذلك بَرَاءَةً في الظَّاهِرِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُوَفِّقُ - * بَابُ اسْتِحْدَاثِ الْوَصَايَا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى في غَيْرِ آيَةٍ في قِسْمِ الْمِيرَاثِ { من بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بها أو دَيْنٍ } وَ { من بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بها أو دَيْنٍ } قال الشَّافِعِيُّ فَنَقَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِلْكَ من مَاتَ من الْأَحْيَاءِ إلَى من بَقِيَ من وَرَثَةِ الْمَيِّتِ فَجَعَلَهُمْ يَقُومُونَ مَقَامَهُ فِيمَا مَلَّكَهُمْ من مِلْكِهِ وقال اللَّهُ عز وجل { من بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بها أو دَيْنٍ } قال فَكَانَ ظَاهِرُ الْآيَةِ الْمَعْقُولُ فيها { من بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بها أو دَيْنٍ } إنْ كان عليهم دَيْنٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا نَقُولُ وَلَا أَعْلَمُ من أَهْلِ الْعِلْمِ فيه مُخَالِفًا وقد تَحْتَمِلُ الْآيَةُ مَعْنًى غير هذا أَظْهَرَ منه وَأَوْلَى بِأَنَّ الْعَامَّةَ لَا تَخْتَلِفُ فيه فِيمَا عَلِمْت وَإِجْمَاعُهُمْ لَا يَكُونُ عن جَهَالَةٍ بِحُكْمِ اللَّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وفي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { من بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بها أو دَيْنٍ } مَعَانٍ سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فلما لم يَكُنْ بين أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافٍ عَلِمْته في أَنَّ ذَا الدَّيْنِ أَحَقُّ بِمَالِ الرَّجُلِ في حَيَاتِهِ منه حتى يستوفى دَيْنَهُ وكان أَهْلُ الْمِيرَاثِ إنَّمَا يَمْلِكُونَ عن الْمَيِّتِ ما كان الْمَيِّتُ أَمْلَكُ بِهِ كان بَيِّنًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ في حُكْمِ اللَّهِ عز وجل ثُمَّ ما لم أَعْلَمْ أَهْلُ الْعِلْمِ اختلفوا ( ( ( فاختلفوا ) ) ) فيه أَنَّ الدَّيْنَ مَبْدَأٌ على الْوَصَايَا وَالْمِيرَاثِ فَكَانَ حُكْمُ الدَّيْنَ كما وَصَفْت مُنْفَرِدًا مُقَدَّمًا وفي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { أو دَيْنٍ } ثُمَّ إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ لَا وَصِيَّةَ وَلَا مِيرَاثَ إلَّا بَعْدَ
____________________

(4/100)


الدَّيْنِ دَلِيلٌ على أَنَّ كُلَّ دَيْنٍ في صِحَّةٍ كان أو في مَرَضٍ بِإِقْرَارٍ أو بَيِّنَةٍ أو أَيَّ وَجْهٍ ما كان سَوَاءٌ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل لم يَخُصَّ دَيْنًا دُونَ دَيْنٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد روى في تَبْدِئَةِ الدَّيْنِ قبل الْوَصِيَّةِ حَدِيثٌ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يُثْبِتُ أَهْلُ الحديث مثله أخبرنا سُفْيَانُ عن ابي إِسْحَاقَ عن الحرث عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تعالى عنه أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى بِالدَّيْنِ قبل الْوَصِيَّةِ وَأَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عن هِشَامِ بن حُجَيْرٍ عن طَاوُسٍ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قِيلَ له كَيْفَ تَأْمُرُنَا بِالْعُمْرَةِ قبل الْحَجِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى يقول { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } فقال كَيْفَ تقرؤون ( ( ( تقرءون ) ) ) الدَّيْنَ قبل الْوَصِيَّةِ أو الْوَصِيَّةَ قبل الدَّيْنِ فَقَالُوا الْوَصِيَّةُ قبل الدَّيْنِ قال فَبِأَيِّهِمَا تَبْدَءُونَ قالوا بِالدَّيْنِ قال فَهُوَ ذَاكَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) يَعْنِي أَنَّ التَّقْدِيمَ جَائِزٌ وإذا قضى الدَّيْنُ كان لِلْمَيِّتِ أَنْ يُوصِيَ بِثُلُثِ مَالِهِ فَإِنْ فَعَلَ كان لِلْوَرَثَةِ الثُّلُثَانِ وَإِنْ لم يُوصِ أو أَوْصَى بِأَقَلِّ من ثُلُثِ مَالِهِ كان ذلك مَالًا من ماله تَرَكَهُ قال فَكَانَ لِلْوَرَثَةِ ما فَضَلَ عن الْوَصِيَّةِ من الْمَالِ إنْ أَوْصَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ عز ذِكْرُهُ لِلْوَرَثَةِ الْفَضْلَ عن الْوَصَايَا وَالدَّيْنِ فَكَانَ الدَّيْنُ كما وَصَفْت وَكَانَتْ الْوَصَايَا مُحْتَمَلَةً أَنْ تَكُونَ مُبْدَأَةً على الْوَرَثَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ كما وَصَفْت لَك من الْفَضْلِ عن الْوَصِيَّةِ وَأَنْ يَكُونَ لِلْوَصِيَّةِ غَايَةٌ يَنْتَهِي بها إلَيْهَا كَالْمِيرَاثِ لكل ( ( ( بكل ) ) ) وَارِثٍ غَايَةٌ كانت الْوَصَايَا مِمَّا أَحْكَمَ اللَّهُ عز وجل فَرْضَهُ بِكِتَابِهِ وَبَيَّنَ كَيْفَ فَرَضَهُ على لِسَانِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَكَانَ غَايَةُ مُنْتَهَى الْوَصَايَا التي لو جَاوَزَهَا الْمُوصِي كان لِلْوَرَثَةِ رَدُّ ما جَاوَزَ ثُلُثِ مَالِ الْمُوصِي قال وَحَدِيثُ عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ يَدُلُّ على أَنَّ من جَاوَزَ الثُّلُثَ من الْمُوصِينَ رُدَّتْ وَصِيَّتُهُ إلَى الثُّلُثِ وَيَدُلُّ على أَنَّ الْوَصَايَا تَجُوزُ لِغَيْرِ قَرَابَةٍ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حين رَدَّ عِتْقَ الْمَمْلُوكِينَ إلَى الثُّلُثِ دَلَّ على أَنَّهُ حَكَمَ بِهِ حُكْمَ الْوَصَايَا وَالْمُعْتَقِ عَرَبِيٌّ وَإِنَّمَا كانت الْعَرَبُ تَمْلِكُ من لَا قَرَابَةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - * بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ وَأَقَلِّ من الثُّلُثِ وَتَرْكِ الْوَصِيَّةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَوْصَى الرَّجُلُ فَوَاسِعٌ له أَنْ يَبْلُغَ الثُّلُثَ وقال في قَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِسَعْدٍ الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ أو كَبِيرٌ إنَّك أن تَدَعْ وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ من أَنْ تَذَرْهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ الناس ( قال الشَّافِعِيُّ ) غَيًّا كما قال من بَعْدَهُ في الْوَصَايَا وَذَلِكَ بَيِّنٌ في كَلَامِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ قَصْدَ اخْتِيَارِ أَنْ يَتْرُكَ الْمُوصِي وَرَثَتَهُ أَغْنِيَاءَ فإذا تَرَكَهُمْ أَغْنِيَاءَ اخْتَرْت له أَنْ يَسْتَوْعِبَ الثُّلُثَ وإذا لم يَدَعْهُمْ أَغْنِيَاءَ كَرِهْت له أَنْ يَسْتَوْعِبَ الثُّلُثَ وَأَنْ يُوصِيَ بِالشَّيْءِ حتى يَكُونَ يَأْخُذُ بِالْحَظِّ من الْوَصِيَّةِ وَلَا وَقْتَ في ذلك إلَّا ما وَقَعَ عليه اسْمُ الْوَصِيَّةِ لِمَنْ لم يَدَعْ كَثِيرَ مَالٍ وَمَنْ تَرَكَ أَقَلَّ مِمَّا يُغْنِي وَرَثَتَهُ وَأَكْثَرَ من التَّافِهِ زَادَ شيئا في وَصِيَّتِهِ وَلَا أُحِبُّ بُلُوغَ الثُّلُثِ إلَّا لِمَنْ تَرَكَ وَرَثَتَهُ أَغْنِيَاءَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) في قَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ أو كَبِيرٌ يَحْتَمِلُ الثُّلُثَ غير قَلِيلٍ وهو أَوْلَى مَعَانِيهِ لِأَنَّهُ لو كَرِهَهُ لِسَعْدٍ لَقَالَ له غُضَّ منه وقد كان يَحْتَمِلُ أَنَّ له بُلُوغَهُ وَيَجِبُ له الْغَضُّ منه وَقَلَّ كَلَامٌ إلَّا وهو مُحْتَمِلٌ وَأَوْلَى مَعَانِي الْكَلَامِ بِهِ ما دَلَّ عليه الْخَبَرُ وَالدَّلَالَةُ ما وَصَفْت من أَنَّهُ لو كَرِهَهُ لِسَعْدٍ أَمَرَهُ أَنْ يَغُضَّ منه قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ فَهَلْ اخْتَلَفَ الناس في هذا قال لم أَعْلَمْهُمْ اخْتَلَفُوا في أَنَّ جَائِزًا لِكُلِّ مُوصٍ أَنْ يَسْتَكْمِلَ الثُّلُثَ قَلَّ ما تَرَكَ أو كَثُرَ وَلَيْسَ بِجَائِزٍ له أَنْ يُجَاوِزَهُ فَقِيلَ لِلشَّافِعِيِّ وَهَلْ اخْتَلَفُوا في اخْتِيَارِ النَّقْصِ عن الثُّلُثِ أو بُلُوغِهِ قال نعم وَفِيمَا وَصَفْت لَك من الدَّلَالَةِ عن رسول الله صلى اللَّهُ عليه وسلم ما أَغْنَى عَمَّا سِوَاهُ فَقُلْت فَاذْكُرْ اخْتِلَافَهُمْ فقال أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ
____________________

(4/101)


- * بَابُ عَطَايَا الْمَرِيضِ - * أخبرنا الرَّبِيعُ قال قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَعْتَقَ الرَّجُلُ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ له لَا مَالَ له غَيْرُهُمْ في مَرَضِهِ ثُمَّ مَاتَ فَأَعْتَقَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً دَلَّ ذلك على أَنَّ كُلَّ ما أَتْلَفَ الْمَرْءُ من مَالِهِ في مَرَضِهِ بِلَا عِوَضٍ يَأْخُذُهُ مِمَّا يَتَعَوَّضُ الناس مِلْكًا في الدُّنْيَا فَمَاتَ من مَرَضِهِ ذلك فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْوَصِيَّةِ وَلَمَّا كان إنَّمَا يُحْكَمُ بِأَنَّهُ كَالْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ فما أَتْلَفَ الْمَرْءُ من مَالِهِ في مَرَضِهِ ذلك فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْوَصَايَا فَإِنْ صَحَّ تَمَّ عليه ما يَتِمُّ بِهِ عَطِيَّةُ الصَّحِيحِ وَإِنْ مَاتَ من مَرَضِهِ ذلك كان حُكْمُهُ حُكْمَ وَصِيَّتِهِ وَمَتَى حَدَثَتْ له صِحَّةٌ بَعْدَ ما أَتْلَفَ منه ثُمَّ عَاوَدَهُ مَرَضٌ فَمَاتَ تَمَّتْ عَطِيَّتُهُ إذَا كانت الصِّحَّةُ بَعْدَ الْعَطِيَّةِ فَحُكْمُ الْعَطِيَّةِ حُكْمُ عَطِيَّةِ الصَّحِيحِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَجِمَاعُ ذلك ما وَصَفْت من أَنْ يُخْرِجَ من مِلْكِهِ شيئا بِلَا عِوَضٍ يَأْخُذُهُ الناس من أَمْوَالِهِمْ في الدُّنْيَا فَالْهِبَاتُ كُلُّهَا وَالصَّدَقَاتُ وَالْعَتَاقُ وَمَعَانِي هذه كُلُّهَا هَكَذَا فما كان من هِبَةٍ أو صَدَقَةٍ أو ما في مَعْنَاهَا لِغَيْرِ وَارِثٍ ثُمَّ مَاتَ فَهِيَ من الثُّلُثِ فَإِنْ كان مَعَهَا وَصَايَا فَهِيَ مَبْدَأَةٌ عليها لِأَنَّهَا عَطِيَّةُ بَتَاتٍ قد مُلِّكَتْ عليه مِلْكًا يَتِمُّ بِصِحَّتِهِ من جَمِيعِ مَالِهِ وَيَتِمُّ بِمَوْتِهِ من ثُلُثِهِ إنْ حَمَلَهُ وَالْوَصَايَا مُخَالِفَةٌ لِهَذَا الْوَصَايَا لم تُمَلَّكْ عليه وَلَهُ الرُّجُوعُ فيها وَلَا تُمَلَّكُ إلَّا بِمَوْتِهِ وَبَعْدَ انْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَى غَيْرِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما كان من عَطِيَّةِ بَتَاتٍ في مَرَضِهِ لم يَأْخُذْ بها عِوَضًا أَعْطَاهُ إيَّاهَا وهو يوم أَعْطَاهُ مِمَّنْ يَرِثُهُ لو مَاتَ اولا يَرِثُهُ فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ فإذا مَاتَ فَإِنْ كان الْمُعْطَى وَارِثًا له حين مَاتَ أُبْطِلَتْ الْعَطِيَّةُ لِأَنِّي إذَا جَعَلْتُهَا من الثُّلُثِ لم أَجْعَلْ لِوَارِثٍ في الثُّلُثِ شيئا من جِهَةِ الْوَصِيَّةِ وَإِنْ كان الْمُعْطَى حين مَاتَ المعطى غير وَارِثٍ أَجَزْتهَا له لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ لِغَيْرِ وَارِثٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما كان من عَطَايَا الْمَرِيضِ على عِوَضٍ أَخَذَهُ مِمَّا يَأْخُذُ الناس من الْأَمْوَالِ في الدُّنْيَا فَأَخَذَ بِهِ عِوَضًا يَتَغَابَنُ الناس بمثله ثُمَّ مَاتَ فَهُوَ جَائِزٌ من رَأْسِ الْمَالِ وَإِنْ أَخَذَ بِهِ عِوَضًا لَا يَتَغَابَنُ الناس بمثله فَالزِّيَادَةُ عَطِيَّةٌ بِلَا عِوَضٍ فَهِيَ من الثُّلُثِ فَمَنْ جَازَتْ له وَصِيَّةٌ جَازَتْ له وَمَنْ لم تَجُزْ له وَصِيَّةٌ لم تَجُزْ له الزِّيَادَةُ وَذَلِكَ الرَّجُلُ يَشْتَرِي الْعَبْدَ أو يَبِيعُهُ أو الْأَمَةَ أو الدَّارَ أو غير ذلك مِمَّا يَمْلِكُ الْآدَمِيُّونَ فإذا بَاعَ الْمَرِيضُ وَدَفَعَ إلَيْهِ ثَمَنَهُ أو لم يَدْفَعْ حتى مَاتَ فقال وَرَثَتُهُ حَابَاك فيه أو غَبَنْته فيه نُظِرَ إلَى قِيمَةِ الْمُشْتَرَى يوم وَقَعَ الْبَيْعُ وَالثَّمَنِ الذي اشْتَرَاهُ بِهِ فَإِنْ كان اشْتَرَاهُ بِمَا يَتَغَابَنُ أَهْلُ الْمِصْرِ بمثله كان الشِّرَاءُ جَائِزًا من رَأْسِ الْمَالِ وَإِنْ كان اشْتَرَاهُ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ الناس بمثله كان ما يَتَغَابَنُ أَهْلُ الْمِصْرِ بمثله جَائِزًا من رَأْسِ الْمَالِ وما جَاوَزَهُ جَائِزًا من الثُّلُثِ فَإِنْ حَمَلَهُ الثُّلُثَ جَازَ له الْبَيْعُ وَإِنْ لم يَحْمِلْهُ الثُّلُثَ قِيلَ لِلْمُشْتَرِي لَك الْخِيَارُ في رَدِّ الْبَيْعِ إنْ كان قَائِمًا وَتَأْخُذُ ثَمَنَهُ الذي أُخِذَ مِنْك أو تُعْطِي الْوَرَثَةَ الْفَضْلَ عَمَّا يَتَغَابَنُ الناس بمثله مِمَّا لم يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ فَإِنْ كان الْبَيْعُ فَائِتًا رَدَّ ما بين قِيمَةِ ما لَا يَتَغَابَنُ الناس بمثله مِمَّا لم يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ وَكَذَلِكَ إنْ كان الْبَيْعُ قَائِمًا قد دَخَلَهُ عَيْبٌ رَدَّ قِيمَتَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ كان الْمَرِيضُ المشترى فَهُوَ في هذا الْمَعْنَى وَيُقَالُ لِلْبَائِعِ الْبَيْعُ جَائِزٌ فِيمَا يَتَغَابَنُ الناس بمثله من رَأْسِ الْمَالِ وَبِمَا جَاوَزَ ما يَتَغَابَنُ الناس بمثله من الثُّلُثِ فَإِنْ لم يَكُنْ له ثُلُثٌ أو كان فلم يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ قِيلَ له إنْ شِئْت سَلَّمْته بِمَا سُلِّمَ لَك من رَأْسِ الْمَالِ وَالثُّلُثِ وَتَرَكْت الْفَضْلَ وَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَإِنْ شِئْت رَدَدْت ما أَخَذْت وَنَقَضْت الْبَيْعَ إنْ كان الْبَيْعُ قَائِمًا بِعَيْنِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كان مُسْتَهْلَكًا ولم تَطِبْ نَفْسُ الْبَائِعِ عن الْفَضْلِ فَلِلْبَائِعِ من مَالِ الْمَيِّتِ ما يَتَغَابَنُ الناس بمثله في سِلْعَتِهِ وما حَمَلَ الثُّلُثُ مِمَّا لَا يَتَغَابَنُ الناس بمثله وَيَرُدُّ الْفَضْلُ عن ذلك على الْوَرَثَةِ وَإِنْ كان السِّلْعَةُ قَائِمَةً قد دَخَلَهَا عَيْبٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كان الْمَبِيعُ عَبْدًا أو غَيْرَهُ فَاشْتَرَاهُ
____________________

(4/102)


الْمَرِيضُ فَظَهَرَ منه على عَيْبٍ فَأَبْرَأَ الْبَائِعَ من الْعَيْبِ فَكَانَ في ذلك غَبْنٌ كان الْقَوْلُ فيه كَالْقَوْلِ فِيمَا انْعَقَدَ عليه الْبَيْعُ وَفِيهِ غَبْنٌ وَكَذَلِكَ لو اشْتَرَاهُ صَحِيحًا ثُمَّ ظَهَرَ منه على عَيْبٍ وهو مَرِيضٌ فَأَبْرَأَهُ منه أو اشْتَرَاهُ وَلَهُ فيه خِيَارُ رُؤْيَةٍ أو خِيَارُ شَرْطٍ أو خِيَارُ صَفْقَةٍ فلم يَسْقُطْ خِيَارُ الصَّفْقَةِ بِالتَّفَرُّقِ وَلَا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ بِالرُّؤْيَةِ وَلَا خِيَارُ الشَّرْطِ بِانْقِضَاءِ الشَّرْطِ حتى مَرِضَ فَفَارَقَ الْبَائِعَ أو رَأَى السِّلْعَةَ فلم يَرُدَّهَا أو مَضَتْ أَيَّامُ الْخِيَارِ وهو مَرِيضٌ فلم يَرُدَّهُ لِأَنَّ الْبَيْعَ تَمَّ في هذا كُلِّهِ وهو مَرِيضٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَسَوَاءٌ في هذا كُلِّهِ كان الْبَائِعُ الصَّحِيحَ وَالْمُشْتَرِي الْمَرِيضَ أو الْمُشْتَرِي الصَّحِيحَ وَالْبَائِعُ الْمَرِيضَ على أَصْلِ ما ذَهَبْنَا إلَيْهِ من أَنَّ الْغَبْنَ يَكُونُ في الثُّلُثِ وَهَكَذَا لو بَاعَ مَرِيضٌ من مَرِيضٍ أو صَحِيحٌ من صَحِيحٍ وَلَوْ اخْتَلَفَ وَرَثَةُ الْمَرِيضِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي الصَّحِيحِ في قِيمَةِ ما بَاعَ الْمَرِيضُ فقال الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتهَا منه وَقِيمَتُهَا مِائَةٌ وقال الْوَرَثَةُ بَلْ بَاعَكَهَا وَقِيمَتُهَا مِائَتَانِ وَلَوْ كان الْمُشْتَرِي في هذا كُلِّهِ وَارِثًا أو غير وَارِثٍ فلم يَمُتْ الْمَيِّتُ حتى صَارَ وَارِثًا كان بِمَنْزِلَةِ من لم يَزَلْ وَارِثًا له إذَا مَاتَ الْمَيِّتُ فإذا بَاعَهُ الْمَيِّتُ وَقَبَضَ الثَّمَنَ منه ثُمَّ مَاتَ فَهُوَ مِثْلُ الْأَجْنَبِيِّ في جَمِيعِ حَالِهِ الا فِيمَا زَادَ على ما يَتَغَابَنُ الناس بِهِ فَإِنْ بَاعَهُ بِمَا يَتَغَابَنُ الناس بمثله جَازَ وَإِنْ بَاعَهُ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ الناس بمثله قِيلَ لِلْوَارِثِ حُكْمُ الزِّيَادَةِ على ما يَتَغَابَنُ الناس بمثله حُكْمُ الْوَصِيَّةِ وَأَنْتَ فَلَا وَصِيَّةَ لَك فَإِنْ شِئْت فَارْدُدْ الْبَيْعَ إذَا لم يُسَلِّمْ لَك ما بَاعَك وَإِنْ شِئْت فَأَعْطِ الْوَرَثَةَ من ثَمَنِ السِّلْعَةِ ما زَادَ على ما يَتَغَابَنُ الناس بمثله ثُمَّ هو في فَوْتِ السِّلْعَةِ وَغَبْنِهَا مِثْلُ الْأَجْنَبِيِّ وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَ مَرِيضٌ وَارِثٌ من مَرِيضٍ وَارِثٍ - * بَابُ نِكَاحِ الْمَرِيضِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَجُوزُ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَنْكِحَ جَمِيعَ ما أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى أَرْبَعًا وما دُونَهُنَّ كما يَجُوزُ له أَنْ يَشْتَرِيَ فإذا أَصْدَقَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ صَدَاقَ مِثْلِهَا جَازَ لها من جَمِيعِ الْمَالِ وَأَيَّتُهُنَّ زَادَ على صَدَاقِ مِثْلِهَا فَالزِّيَادَةُ مُحَابَاةٌ فَإِنْ صَحَّ قبل أَنْ يَمُوتَ جَازَ لها من جَمِيعِ الْمَالِ وَإِنْ مَاتَ قبل أَنْ يَصِحَّ بَطَلَتْ عنها الزِّيَادَةُ على صَدَاقِ مِثْلِهَا وَثَبَتَ النِّكَاحُ وكان لها الْمِيرَاثُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن مُوسَى بن عُقْبَةَ عن نَافِعٍ مولى بن عُمَرَ أَنَّهُ قال كانت ابْنَةُ حَفْصِ بن الْمُغِيرَةِ عِنْدَ عبد اللَّهِ بن أبي رَبِيعَةَ فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً ثُمَّ إنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ تَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ فَحُدِّثَ أنها عَاقِرٌ لَا تَلِدُ فَطَلَّقَهَا قبل أَنْ يُجَامِعَهَا فَمَكَثَتْ حَيَاةَ عُمَرَ وَبَعْضَ خِلَافَةِ عُثْمَانَ بن عَفَّانَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا عبد اللَّهِ بن أبي رَبِيعَةَ وهو مَرِيضٌ لِتُشْرِكَ نِسَاءَهُ في الْمِيرَاثِ وكان بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ اخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ أَنَّهُ سمع عِكْرِمَةَ بن خَالِدٍ يقول أَرَادَ عبد الرحمن بن أُمِّ الْحَكَمِ في شَكَوَاهُ أَنْ يُخْرِجَ امْرَأَتَهُ من مِيرَاثِهَا منه فَأَبَتْ فَنَكَحَ عليها ثَلَاثَ نِسْوَةٍ واصدقهن أَلْفَ دِينَارٍ كُلَّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ فَأَجَازَ ذلك عبد الْمَلِكِ بن مَرْوَانَ وَشَرَكَ بَيْنَهُنَّ في الثُّمُنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أَرَى ذلك صَدَاقَ مِثْلِهِنَّ وَلَوْ كان أَكْثَرَ من صَدَاقِ مِثْلِهِنَّ لَجَازَ النِّكَاحُ وَبَطَلَ ما زَادَهُنَّ على صَدَاقِ مِثْلِهِنَّ إذَا مَاتَ من مَرَضِهِ ذلك لِأَنَّهُ في حُكْمِ الْوَصِيَّةِ وَالْوَصِيَّةُ لَا تَجُوزُ لِوَارِثٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبَلَغَنَا أَنَّ مُعَاذَ بن جَبَلٍ قال في مَرَضِهِ الذي مَاتَ فيه زَوِّجُونِي لَا أَلْقَى اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وأنا عَزَبٌ ( قال ) وَأَخْبَرَنِي
____________________

(4/103)


سَعِيدُ بن سَالِمٍ أَنَّ شُرَيْحًا قَضَى في نِكَاحِ رَجُلٍ نَكَحَ عِنْدَ مَوْتِهِ فَجَعَلَ الميراث ( ( ( الوارث ) ) ) وَالصَّدَاقَ في مَالِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ نَكَحَ الْمَرِيضُ فَزَادَ الْمَنْكُوحَةَ على صَدَاقِ مِثْلِهَا ثُمَّ صَحَّ ثُمَّ مَاتَ جَازَتْ لها الزِّيَادَةُ لِأَنَّهُ قد صَحَّ قبل أَنْ يَمُوتَ فَكَانَ كَمَنْ ابْتَدَأَ نِكَاحًا وهو صَحِيحٌ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا ثُمَّ لم يَصِحَّ حتى مَاتَتْ الْمَنْكُوحَةُ فَصَارَتْ غير وَارِثٍ كان لها جَمِيعُ ما أَصْدَقَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا من رَأْسِ الْمَالِ وَالزِّيَادُ من الثُّلُثِ كما يَكُونُ ما وَهَبَ لِأَجْنَبِيَّةِ فَقَبَضَتْهُ من الثُّلُثِ فما زَادَ من صَدَاقِ الْمَرْأَةِ على الثُّلُثِ إذَا مَاتَتْ مِثْلُ الْمَوْهُوبِ الْمَقْبُوضِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَالْمُتَزَوِّجَةُ مِمَّنْ لَا تَرِثُ بِأَنْ تَكُونَ ذِمِّيَّةً ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ عِنْدَهُ جَازَ لها جَمِيعُ الصَّدَاقِ صَدَاقُ مِثْلِهَا من جَمِيعِ الْمَالِ وَالزِّيَادَةُ على صَدَاقِ مِثْلِهَا من الثُّلُثِ لِأَنَّهَا غَيْرُ وَارِثٍ وَلَوْ أَسْلَمَتْ فَصَارَتْ وَارِثًا بَطَلَ عنها ما زَادَ على صَدَاقِ مِثْلِهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ نَكَحَ الْمَرِيضُ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا ثُمَّ مَاتَ لم تَرِثْهُ ولم يَكُنْ لها مَهْرٌ إنْ لم يَكُنْ أَصَابَهَا فَإِنْ كان أَصَابَهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا كان أَقَلَّ مِمَّا سمى لها أو أَكْثَرَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كانت لِرَجُلٍ أَمَةٌ فَأَعْتَقَهَا في مَرَضِهِ ثُمَّ نَكَحَهَا وَأَصْدَقَهَا صَدَاقًا وَأَصَابَهَا بَقِيَ الْجَوَابُ ( قال الرَّبِيعُ ) أنا أُجِيبُ فيها وَأَقُولُ يُنْظَرُ فَإِنْ خَرَجَتْ من الثُّلُثِ كان الْعِتْقُ جَائِزًا وكان النِّكَاحُ جَائِزًا بِصَدَاقِ مِثْلِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الذي سمى لها من الصَّدَاقِ أَقَلَّ من صَدَاقِ مِثْلِهَا فَلَيْسَ لها إلَّا ما سَمَّاهُ لها فَإِنْ كان أَكْثَرَ من صَدَاقِ مِثْلِهَا رُدَّتْ إلَى صَدَاقِ مِثْلِهَا وَكَانَتْ وَارِثَةً وَإِنْ لم تَخْرُجْ من الثُّلُثِ عَتَقَ منها ما احْتَمَلَ الثُّلُثُ وكان لها صَدَاقُ مِثْلِهَا بِحِسَابِ ما عَتَقَ منها ولم تَكُنْ وَارِثَةً لِأَنَّ بَعْضَهَا رَقِيقٌ - * هِبَاتُ الْمَرِيضِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وما ابْتَدَأَ الْمَرِيضُ هِبَةً في مَرَضِهِ لِوَارِثٍ أو غَيْرِ وَارِثٍ فَدَفَعَ إلَيْهِ ما وَهَبَ له فَإِنْ كان وَارِثًا ولم يَصِحَّ الْمَرِيضُ حتى مَاتَ من مَرَضِهِ الذي وَهَبَ فيه فَالْهِبَةُ مَرْدُودَةٌ كُلُّهَا وَكَذَلِكَ إنْ وَهَبَهُ له وهو غَيْرُ وَارِثٍ ثُمَّ صَارَ وَارِثًا فَإِنْ اسْتَغَلَّ ما وُهِبَ له ثُمَّ مَاتَ الْوَاهِبُ قبل أَنْ يَصِحَّ رَدَّ الْغَلَّةَ لِأَنَّهُ إذَا مَاتَ اسْتَدْلَلْنَا على أَنَّ مِلْكَ ما وُهِبَ له كان في مِلْكِ الْوَاهِبِ وَلَوْ وَهَبَ لِوَارِثٍ وهو مَرِيضٌ ثُمَّ صَحَّ ثُمَّ مَرِضَ فَدَفَعَ إلَيْهِ الْهِبَةَ في مَرَضِهِ الذي مَاتَ فيه كانت الْهِبَةُ مَرْدُودَةً لِأَنَّ الْهِبَةَ إنَّمَا تَتِمُّ بِالْقَبْضِ وَقَبْضُهُ إيَّاهَا كان وهو مَرِيضٌ وَلَوْ كانت الْهِبَةُ وهو مَرِيضٌ ثُمَّ كان الدَّفْعُ وهو صَحِيحٌ ثُمَّ مَرِضَ فَمَاتَ كانت الْهِبَةُ تَامَّةً من قِبَلِ أنها تَمَّتْ بِالْقَبْضِ وقد كان لِلْوَاهِبِ حَبْسُهَا وكان دَفْعُهُ إيَّاهَا كَهِبَتِهِ إيَّاهَا وَدَفْعِهِ وهو صَحِيحٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كانت الْهِبَةُ لِمَنْ يَرَاهُ يَرِثُهُ فَحَدَثَ دُونَهُ وَارِثٌ فَحَجَبَهُ فَمَاتَ وهو غَيْرُ وَارِثٍ أو لِأَجْنَبِيٍّ كانت سَوَاءً لِأَنَّ كِلَيْهِمَا غَيْرُ وَارِثٍ فإذا كانت هِبَتُهُ لَهُمَا صَحِيحًا أو مَرِيضًا وَقَبَّضَهُمَا الْهِبَةَ وهو صَحِيحٌ فَالْهِبَةُ لَهُمَا جَائِزَةٌ من رَأْسِ مَالِهِ خَارِجَةٌ من مِلْكِهِ وَكَذَلِكَ لو كانت هِبَتُهُ وهو مَرِيضٌ ثُمَّ صَحَّ ثُمَّ مَاتَ كان ذلك كَقَبْضِهِمَا وهو صَحِيحٌ وَلَوْ كان قَبَّضَهُمَا الْهِبَةَ وهو مَرِيضٌ فلم يَصِحَّ كانت الْهِبَةُ وهو صَحِيحٌ أو مَرِيضٌ فَذَلِكَ سَوَاءٌ وَالْهِبَةُ من الثُّلُثِ مُبْدَأَةٌ على الْوَصَايَا لِأَنَّهَا عَطِيَّةُ بَتَاتٍ وما حَمَلَ الثُّلُثُ منها جَازَ وما لم يَحْمِلْ رُدَّ وكان الْمَوْهُوبُ له شَرِيكًا لِلْوَرَثَةِ بِمَا حَمَلَ الثُّلُثُ مِمَّا وُهِبَ له ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما نَحَلَ أو ما تَصَدَّقَ بِهِ على رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَهُوَ مِثْلُ الْهِبَاتِ لَا يَخْتَلِفُ لِأَنَّهُ لَا يُمَلَّكُ من هذا شَيْءٌ إلَّا بِالْقَبْضِ وَكُلُّ ما لَا يُمَلَّكُ إلَّا بِالْقَبْضِ فَحُكْمُهُ حُكْمٌ وَاحِدٌ لَا يَخْتَلِفُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَاهِبَ وَالنَّاحِلَ وَالْمُتَصَدِّقَ لو مَاتَ قبل أَنْ يَقْبِضَ الْمَوْهُوبُ له وَالْمَنْحُولُ وَالْمُتَصَدَّقُ عليه ما صُيِّرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ منهم بَطَلَ ما صَنَعَ وكان مَالًا من مَالِ الْوَاهِبِ النَّاحِلِ الْمُتَصَدِّقِ لِوَرَثَتِهِ أو لا تَرَى أَنَّ جَائِزًا لِمَنْ أَعْطَى هذا أَنْ يَرُدَّهُ على مُعْطِيهِ فَيَحِلَّ لِمُعْطِيهِ مِلْكُهُ وَيَحِلَّ لِمُعْطِيهِ شِرَاؤُهُ منه وَارْتِهَانُهُ
____________________

(4/104)


منه وَيَرِثُهُ إيَّاهُ فَيَمْلِكُهُ كما كان يَمْلِكُهُ قبل خُرُوجِهِ من يَدِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كانت دَارُ رَجُلٍ أو عَبْدُهُ في يَدَيْ رَجُلٍ بِسُكْنَى أو إجَارَةٍ أو عَارِيَّةٍ فقال قد وَهَبْت لَك الدَّارَ التي في يَدَيْك وَكُنْت قد أَذِنْت لَك في قَبْضِهِ لِنَفْسِك كانت هذه هِبَةً مَقْبُوضَةً لِلدَّارِ وَالْعَبْدِ الذي في يَدَيْهِ ثُمَّ لم يُحْدِثْ له مَنْعًا لِمَا وَهَبَ له حتى مَاتَ عُلِمَ أَنَّهُ لها قَابِضٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما كان يَجُوزُ بِالْكَلَامِ دُونَ الْقَبْضِ مُخَالِفٌ لِهَذَا وَذَلِكَ الصَّدَقَاتُ الْمُحَرَّمَاتُ فإذا تَكَلَّمَ بها الْمُتَصَدِّقُ وَشُهِدَ بها عليه فَهِيَ خَارِجَةٌ من مِلْكِهِ تَامَّةٌ لِمَنْ تَصَدَّقَ بها عليه لَا يَزِيدُهَا الْقَبْضُ تَمَامًا وَلَا يَنْقُصُ منها تَرْكُ ذلك وَذَلِكَ أَنَّ الْمُخْرِجَ لها من مِلْكِهِ أَخْرَجَهَا بِأَمْرٍ مَنَعَهَا بِهِ أَنْ يَكُونَ مِلْكُهُ منها مُتَصَرِّفًا فِيمَا يُصْرَفُ فيه الْمَالُ من بَيْعٍ وَمِيرَاثٍ وَهِبَةٍ وَرَهْنٍ وَأَخْرَجَهَا من مِلْكِهِ خُرُوجًا لَا يَحِلُّ له أَنْ يَعُودَ إلَيْهِ بِحَالٍ فَأَشْبَهَتْ الْعِتْقَ في كَثِيرٍ من أَحْكَامِهَا ولم تُخَالِفْهُ إلَّا في أن الْمُعْتَقِ يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ وَكَسْبَهَا وَأَنَّ مَنْفَعَةَ هذه مَمْلُوكَةٌ لِمَنْ جُعِلَتْ له وَذَلِكَ أنها لَا تَكُونُ مَالِكَةً وَإِنَّمَا مَنَعْنَا من كِتَابِ الْآثَارِ في هذا أَنَّهُ مَوْضُوعٌ في غَيْرِهِ فإذا تَكَلَّمَ بِالصَّدَقَةِ الْمُحَرَّمَةِ صَحِيحًا ثُمَّ مَرِضَ أو مَرِيضًا ثُمَّ صَحَّ فَهِيَ جَائِزَةٌ خَارِجَةٌ من مَالِهِ وإذا كان تَكَلَّمَ بها مَرِيضًا فلم يَصِحَّ فَهِيَ من ثُلُثِهِ جَائِزَةٌ بِمَا تَصَدَّقَ بِهِ لِمَنْ جَازَتْ له الْوَصِيَّةُ بِالثُّلُثِ وَمَرْدُودَةٌ عَمَّنْ تُرَدُّ عنه الْوَصِيَّةُ بِالثُّلُثِ - * بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ - * وَفِيهِ الْوَصِيَّةُ بِالزَّائِدِ على الثُّلُثِ وَشَيْءٌ يَتَعَلَّقُ بِالْإِجَارَةِ ولم يذكر الرَّبِيعُ تَرْجَمَةً تَدُلُّ على الزَّائِدِ على الثُّلُثِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَسُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم تَدُلُّ على أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَحَدٍ وَصِيَّةٌ إذَا جَاوَزَ الثُّلُثَ مِمَّا تَرَكَ فَمَنْ أَوْصَى فَجَاوَزَ الثُّلُثَ رُدَّتْ وَصَايَاهُ كُلُّهَا إلَى الثُّلُثِ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ الْوَرَثَةُ فَيُجِيزُونَ له ذلك فَيَجُوزُ بِإِعْطَائِهِمْ وإذا تَطَوَّعَ له الْوَرَثَةُ فَأَجَازُوا ذلك له فَإِنَّمَا أَعْطَوْهُ من أَمْوَالِهِمْ فَلَا يَجُوزُ في الْقِيَاسِ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَتِمُّ للمعطي بِمَا يَتِمُّ بِهِ له ما ابْتَدَءُوا بِهِ عَطِيَّتَهُ من أَمْوَالِهِمْ من قبضه ذلك وَيُرَدُّ بِمَا رُدَّ بِهِ ما ابْتَدَءُوا من أَمْوَالِهِمْ إنْ مَاتَ الْوَرَثَةُ قبل أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُوصَى له ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِنِصْفِهِ وَلِآخَرَ بِرُبُعِهِ فلم ( ( ( ولم ) ) ) تُجِزْ ذلك الْوَرَثَةُ اقْتَسَمَ أَهْلُ الْوَصَايَا الثُّلُثَ على قَدْرِ ما أوصى لهم بِهِ يُجَزَّأُ الثُّلُثُ
____________________

(4/105)


ثَلَاثَةَ عَشْرَ جُزْءًا فَيَأْخُذُ منه صَاحِبُ النِّصْفِ سِتَّةً وَصَاحِبُ الثُّلُثِ أَرْبَعَةً وَصَاحِبُ الرُّبُعِ ثَلَاثَةً وَلَوْ أَجَازَ الْوَرَثَةُ اقْتَسَمُوا جَمِيعَ الْمَالِ على أَنَّهُ دخل عليهم عَوْلُ نِصْفِ السُّدُسِ فَأَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ منهم من الْعَوْلِ نِصْفَ سُدُسِ وَصِيَّتِهِ وَاقْتَسَمُوا الْمَالَ كُلَّهُ كما اقْتَسَمُوا الثُّلُثَ حتى يَكُونُوا سَوَاءً في الْعَوْلِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ قال لِفُلَانٍ غُلَامِي فُلَانٌ وَلِفُلَانٍ دَارِي وَوَصَفَهَا وَلِفُلَانٍ خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ فلم يَبْلُغْ هذا الثُّلُثَ ولم تُجِزْهُ لهم الْوَرَثَةُ وكان الثُّلُثُ أَلْفًا وَالْوَصِيَّةُ أَلْفَيْنِ وَكَانَتْ قِيمَةُ الْغُلَامِ خَمْسَمِائَةٍ وَقِيمَةُ دَارِهِ أَلْفًا وَالْوَصِيَّةُ خَمْسُمِائَةٍ دخل على كل وَاحِدٍ منهم في وَصِيَّتِهِ عَوْلُ النِّصْفِ وَأَخَذَ نِصْفَ وَصِيَّتِهِ فَكَانَ لِلْمُوصَى له بِالْغُلَامِ نِصْفُ الْغُلَامِ وَلِلْمُوصَى له بِالدَّارِ نِصْفُ الدَّارِ وَلِلْمُوصَى له بِالْخَمْسِمِائَةِ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ دِينَارًا لَا تُجْعَلُ وَصِيَّةُ أَحَدٍ منهم أوصى له في شَيْءٍ بِعَيْنِهِ إلَّا فِيمَا أوصى له بِهِ وَلَا يَخْرُجُ إلَى غَيْرِهِ إلَّا ما سَلَّمَهَا الْوَرَثَةُ فَإِنْ قال الْوَرَثَةُ لَا نُسَلِّمُ له من الدَّارِ إلَّا ما لَزِمَنَا قِيلَ له ثُلُثُ الدَّارِ شَرِيكٌ لَكُمْ بها إنْ شَاءَ وَشِئْتُمْ اقْتَسَمْتُمْ وَيُضْرَبُ بِقِيمَةِ سُدُسِ الدَّارِ الذي جَازَ له من وَصِيَّتِهِ في مَالِ الْمَيِّتِ يَكُونُ شَرِيكًا لَكُمْ بِهِ وَهَكَذَا الْعَبْدُ وَكُلُّ ما أوصى له بِهِ بِعَيْنِهِ فلم تُسَلِّمْهُ له الْوَرَثَةُ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ - * بَابُ الْوَصِيَّةِ في الدَّارِ وَالشَّيْءِ بِعَيْنِهِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَوْصَى رَجُلٌ لِرَجُلٍ بِدَارٍ فقال دَارِي التي كَذَا وَوَصَفَهَا وَصِيَّةٌ لِفُلَانٍ فَالدَّارُ له بِجَمِيعِ بِنَائِهَا وما ثَبَتَ فيها من بَابٍ وَخَشَبٍ وَلَيْسَ له مَتَاعٌ فيها وَلَا خَشَبٌ وَلَا أَبْوَابٌ لَيْسَتْ بِثَابِتَةٍ في الْبِنَاءِ وَلَا لَبِنٌ وَلَا حِجَارَةٌ وَلَا آجُرٌّ لم يُبْنَ بِهِ لِأَنَّ هذا لَا يَكُونُ من الدَّارِ حتى يُبْنَى بِهِ فَيَكُونَ عِمَارَةً لِلدَّارِ ثَابِتَةً فيها وَلَوْ أَوْصَى له بِالدَّارِ فَانْهَدَمَتْ في حَيَاةِ الْمُوصِي لم يَكُنْ له ما انْهَدَمَ من الدَّارِ وكان له ما بَقِيَ لم يَنْهَدِمْ من الدَّارِ وما ثَبَتَ فيها لم يَنْهَدِمْ منها من خَشَبٍ وَأَبْوَابٍ وَغَيْرِهِ وَلَوْ جاء عليها سَيْلٌ فَذَهَبَ بها أو بِبَعْضِهَا بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ أو بَطَلَ منها ما ذَهَبَ من الدَّارِ وَهَكَذَا لو أَوْصَى له بِعَبْدٍ فَمَاتَ أو اعَوَرَّ أو نَقَصَ منه شَيْءٌ بِعَيْنِهِ فَذَهَبَ لم يَكُنْ له فِيمَا بَقِيَ من الثُّلُثِ سِوَى ما أَوْصَى له بِهِ شَيْءٌ لِأَنَّ ما أَوْصَى له بِهِ قد ذَهَبَ وَهَكَذَا كُلُّ ما أَوْصَى له بِهِ بِعَيْنِهِ فَهَلَكَ أو نَقَصَ وَهَكَذَا لو أَوْصَى له بِشَيْءٍ فَاسْتَحَقَّ على الموصى بِشَيْءٍ بِشِرَاءٍ أو هِبَةٍ أو غَصْبٍ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّهُ اوصى له بِمَا لَا يَمْلِكُ - * بَابُ الْوَصِيَّةِ بِشَيْءٍ بِصِفَتِهِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اوصى رَجُلٌ لِرَجُلٍ بِعَبْدٍ فقال له غُلَامِي الْبَرْبَرِيُّ او غُلَامِي الْحَبَشِيُّ أو نَسَبَهُ إلَى جِنْسٍ من الْأَجْنَاسِ وَسَمَّاهُ بِاسْمِهِ ولم يَكُنْ له عَبْدٌ من ذلك الْجِنْسِ يُسَمَّى بِذَلِكَ الِاسْمِ كان غير جَائِزٍ وَلَوْ زَادَ فَوَصَفَهُ وكان له عَبْدٌ من ذلك الْجِنْسِ يُسَمَّى بِاسْمِهِ وَتُخَالِفُ صِفَتُهُ صِفَتَهُ كان جَائِزًا له ( قال الرَّبِيعُ ) أَخَافُ أَنْ يَكُونَ هذا غَلَطًا من الْكَاتِبِ لِأَنَّهُ لم يُقْرَأْ على الشَّافِعِيِّ ولم يُسْمَعْ منه وَالْجَوَابُ فيها عِنْدِي أَنَّهُ إنْ وَافَقَ اسْمُهُ أَنَّهُ إنْ أَوْصَى له بِغُلَامٍ وَسَمَّاهُ بِاسْمِهِ وَجِنْسِهِ وَوَصَفَهُ فَوَجَدْنَا له غُلَامًا بِذَلِكَ الِاسْمِ وَالْجِنْسِ غير أَنَّهُ
____________________

(4/106)


مُخَالِفٌ لِصِفَتِهِ كَأَنَّهُ قال في صِفَتِهِ أَبْيَضُ طِوَالٌ حَسَنُ الْوَجْهِ فَأَصَبْنَا ذلك الِاسْمَ وَالْجِنْسَ أَسْوَدَ قصير ( ( ( قصيرا ) ) ) أَسْمَجَ الْوَجْهِ لم نَجْعَلْهُ له ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان سَمَّاهُ بِاسْمِهِ وَنَسَبَهُ إلَى جِنْسِهِ فَكَانَ له عَبْدَانِ أو أَكْثَرُ من ذلك الْجِنْسِ فَاتَّفَقَ اسْمَاهُمَا وَأَجْنَاسُهُمَا لَا تُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا صِفَةٌ ولم تُثْبِتْ الشُّهُودُ أَيَّهُمَا أَرَادَ ( قال الرَّبِيعُ ) فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الشَّهَادَةَ بَاطِلَةٌ إذَا لم يُثْبِتُوا الْعَبْدَ بِعَيْنِهِ كما لو شَهِدُوا لِرَجُلٍ على رَجُلٍ أَنَّ له هذا الْعَبْدَ أو هذه الْجَارِيَةَ أَنَّ الشَّهَادَةَ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُمْ لم يُثْبِتُوا الْعَبْدَ بِعَيْنِهِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْوَصِيَّةَ جَائِزَةٌ في أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ وَهُمَا مَوْقُوفَانِ بين الْوَرَثَةِ وَالْمُوصَى له حتى يَصْطَلِحُوا لِأَنَّا قد عَرَفْنَا أَنَّ له أَحَدَهُمَا وَإِنْ كان بِغَيْرِ عَيْنِهِ - * بَابُ الْمَرَضِ الذي تَكُونُ عَطِيَّةُ الْمَرِيضِ فيه جَائِزَةً أو غير جَائِزَةٍ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْمَرَضُ مَرَضَانِ فَكُلُّ مَرَضٍ كان الْأَغْلَبُ منه أَنَّ الْمَوْتَ مَخُوفٌ منه فَعَطِيَّةُ الْمَرِيضِ فيه إنْ مَاتَ في حُكْمِ الْوَصَايَا وَكُلُّ مَرَضٍ كان الْأَغْلَبُ منه أَنَّهُ غَيْرُ مَخُوفٍ فَعَطِيَّةُ الْمَرِيضِ فيه كَعَطِيَّةِ الصَّحِيحِ وَإِنْ مَاتَ منه فَأَمَّا الْمَرَضُ الذي الْأَغْلَبُ منه أَنَّ الْمَوْتَ مَخُوفٌ منه فَكُلُّ حُمَّى بَدَأَتْ بِصَاحِبِهَا حتى جَهِدَته أَيَّ حُمَّى كانت ثُمَّ إذَا تَطَاوَلَتْ فَكُلُّهَا مَخُوفٌ إلَّا الرِّبْعَ فَإِنَّهَا إذَا اسْتَمَرَّتْ بِصَاحِبِهَا رِبْعًا كان الْأَغْلَبُ فيها أنها غَيْرُ مَخُوفَةٍ فما أَعْطَى الذي اسْتَمَرَّتْ بِهِ حُمَّى الرِّبْعِ وهو في حُمَّاهُ فَهُوَ كَعَطِيَّةِ الصَّحِيحِ وما أَعْطَى من بِهِ حُمَّى غَيْرُ رِبْعٍ فَعَطِيَّةُ مَرِيضٍ فَإِنْ كان مع الرِّبْعِ غَيْرُهَا من الْأَوْجَاعِ وكان ذلك الْوَجَعُ مَخُوفًا فَعَطِيَّتُهُ كَعَطِيَّةِ الْمَرِيضِ ما لم يَبْرَأْ من ذلك الْوَجَعِ وَذَلِكَ مِثْلُ الْبِرْسَامِ وَالرُّعَافِ الدَّائِمِ وَذَاتِ الْجَنْبِ وَالْخَاصِرَةِ وَالْقُولَنْجِ وما أَشْبَهَ هذا وَكُلُّ وَاحِدٍ من هذا انْفَرَدَ فَهُوَ مَرَضٌ مَخُوفٌ وإذا ابْتَدَأَ الْبَطْنُ بِالرَّجُلِ فَأَصَابَهُ يَوْمًا أو يَوْمَيْنِ لَا يَأْتِي فيه دَمٌ وَلَا شَيْءٌ غَيْرُ ما يَخْرُجُ من الْخَلَاءِ لم يَكُنْ مَخُوفًا فَإِنْ اسْتَمَرَّ بِهِ بَعْدَ يَوْمَيْنِ حتى يُعَجِّلَهُ أو يَمْنَعَهُ نَوْمًا أو يَكُونَ مُنْخَرِقًا فَهُوَ مَخُوفٌ وَإِنْ لم يَكُنْ الْبَطْنُ مُنْخَرِقًا وكان معه زَحِيرٌ أو تَقْطِيعٌ فَهُوَ مَخُوفٌ ( قال ) وما أَشْكَلَ من هذا أَنْ يُخَلَّصَ بين مخوفة وَغَيْرِ مخوفة سُئِلَ عنه أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ فَإِنْ قالوا هو مَخُوفٌ لم تَجُزْ عَطِيَّتُهُ إذَا مَاتَ إلَّا من ثُلُثِهِ وَإِنْ قالوا لَا يَكُونُ مَخُوفًا جَازَتْ عَطِيَّتُهُ جَوَازَ عَطِيَّةِ الصَّحِيحِ وَمَنْ سَاوَرَهُ الدَّمُ حتى تَغَيَّرَ عَقْلُهُ أو تَغَلَّبَهُ وَإِنْ لم يَتَغَيَّرْ عَقْلُهُ أو المرار ( ( ( المزار ) ) ) فَهُوَ في حَالِهِ تِلْكَ مَخُوفٌ عليه وَإِنْ تَطَاوَلَ بِهِ كان كَذَلِكَ وَمَنْ سَاوَرَهُ الْبَلْغَمُ كان مَخُوفًا عليه في حَالِ مُسَاوَرَتِهِ فَإِنْ اسْتَمَرَّ بِهِ فَالِجٌ فَالْأَغْلَبُ أَنَّ الْفَالِجَ يَتَطَاوَلُ بِهِ وَأَنَّهُ غَيْرُ مَخُوفِ الْمُعَاجَلَةِ وَكَذَلِكَ إنْ أَصَابَهُ سُلٌّ فَالْأَغْلَبُ أَنَّ السُّلَّ يَتَطَاوَلُ وهو غَيْرُ مَخُوفِ الْمُعَاجَلَةِ وَلَوْ أَصَابَهُ طَاعُونٌ فَهَذَا مَخُوفٌ عليه حتى يَذْهَبَ عنه الطَّاعُونُ وَمَنْ أَنْفَذَتْهُ الْجِرَاحُ حتى تَصِلَ منه إلَى جَوْفٍ فَهُوَ مَخُوفٌ عليه وَمَنْ أَصَابَهُ من الْجِرَاحِ ما لَا يَصِلُ منه إلَى مَقْتَلٍ فَإِنْ كان لَا يُحَمُّ عليها وَلَا يَجْلِسُ لها وَلَا يَغْلِبُهُ لها وَجَعٌ وَلَا يُصِيبُهُ فيها ضَرَبَانٌ وَلَا أَذًى ولم يَأْكُلْ وَيَرْمِ فَهَذَا غَيْرُ مَخُوفٍ وَإِنْ اصابه بَعْضُ هذا فَهُوَ مَخُوفٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) ثُمَّ جَمِيعُ الْأَوْجَاعِ التي لم تُسَمَّ على ما وَصَفْت يُسْأَلُ عنها أَهْلُ الْعِلْمِ بها فَإِنْ
____________________

(4/107)


قالوا مَخُوفَةٌ فَعَطِيَّةُ المعطى عَطِيَّةُ مَرِيضٍ وَإِنْ قالوا غَيْرُ مَخُوفَةٍ فَعَطِيَّتُهُ عَطِيَّةُ صَحِيحٍ وَأَقَلُّ ما يَكُونُ في الْمَسْأَلَةِ عن ذلك وَالشَّهَادَةِ بِهِ شَاهِدَانِ ذَوَا عَدْلٍ - * بَابُ عَطِيَّةِ الْحَامِلِ وَغَيْرِهَا مِمَّنْ يُخَافُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَتَجُوزُ عَطِيَّةُ الْحَامِلِ حتى يَضْرِبَهَا الطَّلْقُ لِوِلَادٍ أو إسْقَاطٍ فَتَكُونَ تِلْكَ حَالَ خَوْفٍ عليها إلَّا أَنْ يَكُونَ بها مَرَضٌ غير الْحَمْلِ مِمَّا لو أَصَابَ غير الْحَامِلِ كانت عَطِيَّتُهَا عَطِيَّةَ مَرِيضٍ وإذا وَلَدَتْ الْحَامِلُ فَإِنْ كان بها وَجَعٌ من جُرْحٍ أو وَرَمٍ أو بَقِيَّةِ طَلْقٍ أو أَمْرٍ مَخُوفٍ فَعَطِيَّتُهَا عَطِيَّةُ مَرِيضٍ وَإِنْ لم يَكُنْ بها من ذلك شَيْءٌ فَعَطِيَّتُهَا عَطِيَّةُ صَحِيحٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ ضُرِبَتْ الْمَرْأَةُ أو الرَّجُلُ بِسِيَاطٍ أو خَشَبٍ أو حِجَارَةٍ فَثَقَبَ الضَّرْبُ جَوْفًا أو وَرَّمَ بَدَنًا أو حَمَلَ قَيْحًا فَهَذَا كُلُّهُ مَخُوفٌ وهو قبل أَنْ يَبْلُغَ هذا في أَوَّلِ ما يَكُونُ الضَّرْبُ إنْ كان مِمَّا يَصْنَعُ مِثْلُهُ مِثْلَ هذا مَخُوفٌ فَإِنْ أَتَتْ عليه أَيَّامٌ يُؤْمَنُ فيها أَنْ يَبْقَى بَعْدَهَا وكان مُقَتِّلًا فَلَيْسَ بِمَخُوفٍ - * بَابُ عَطِيَّةِ الرَّجُلِ في الْحَرْبِ وَالْبَحْرِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَتَجُوزُ عَطِيَّةُ الرَّجُلِ في الْحَرْبِ حتى يَلْتَحِمَ فيها فإذا الْتَحَمَ كانت عَطِيَّتُهُ كَعَطِيَّةِ الْمَرِيضِ كان مُحَارِبًا مُسْلِمِينَ أو عَدُوًّا ( قال الرَّبِيعُ ) وَلَهُ فِيمَا أَعْلَمُ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّ عَطِيَّتَهُ عَطِيَّةُ الصَّحِيحِ حتى يُجْرَحَ ( قال ) وقد قال لو قُدِّمَ في قِصَاصٍ لِضَرْبِ عُنُقِهِ إنَّ عَطِيَّتَهُ عَطِيَّةُ الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ قد يُعْفَى عنه فإذا أُسِرَ فَإِنْ كان في أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ جَازَتْ عَطِيَّتُهُ في مَالِهِ وَإِنْ كان في أَيْدِي مُشْرِكِينَ لَا يَقْتُلُونَ أَسِيرًا فَكَذَلِكَ وَإِنْ كان في أَيْدِي مُشْرِكِينَ يَقْتُلُونَ الْأَسْرَى وَيَدَعُونَهُمْ فَعَطِيَّتُهُ عَطِيَّةُ الْمَرِيضِ لِأَنَّ الْأَغْلَبَ منهم أَنْ يَقْتُلُوا وَلَيْسَ يَخْلُو الْمَرْءُ في حَالٍ أَبَدًا من رَجَاءِ الْحَيَاةِ وَخَوْفِ الْمَوْتِ لَكِنْ إذَا كان الْأَغْلَبُ عِنْدَهُ وَعِنْدَ غَيْرِهِ الْخَوْفَ عليه فَعَطِيَّتُهُ عَطِيَّةُ مَرِيضٍ وإذا كان الْأَغْلَبُ عِنْدَهُ وَعِنْدَ غَيْرِهِ الْأَمَانَ عليه مِمَّا نَزَلَ بِهِ من وَجَعٍ أو إسَارٍ أو حَالٍ كانت عَطِيَّتُهُ عَطِيَّةَ الصَّحِيحِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كان في مُشْرِكِينَ يَفُونَ بِالْعَهْدِ فَأَعْطَوْهُ أَمَانًا على شَيْءٍ يُعْطِيهُمُوهُ أو على غَيْرِ شَيْءٍ فَعَطِيَّتُهُ عَطِيَّةُ الصَّحِيحِ - * بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا سُفْيَانُ عن سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ عن مُجَاهِدٍ يَعْنِي في حديث لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَرَأَيْت مُتَظَاهِرًا عِنْدَ عَامَّةِ من لَقِيت من أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال في خُطْبَتِهِ عَامَ الْفَتْحِ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ ولم أَرَ بين الناس في ذلك اخْتِلَافًا وإذا قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ فَحُكْمُ الْوَصِيَّةِ لِوَارِثٍ حُكْمُ ما لم يَكُنْ فَمَتَى أَوْصَى رَجُلٌ لِوَارِثٍ وَقَفْنَا الْوَصِيَّةَ فَإِنْ مَاتَ الْمُوصِي وَالْمُوصَى له وَارِثٌ فَلَا وَصِيَّةَ له وَإِنْ حَدَثَ لِلْمُوصِي وَارِثٌ يَحْجُبُهُ أو خَرَجَ الْمُوصَى له من أَنْ يَكُونَ يوم يَمُوتُ وَارِثًا له بِأَنْ يَكُونَ أَوْصَى صَحِيحًا لِامْرَأَتِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ مَاتَ مَكَانَهُ فلم تَرِثْهُ فَالْوَصِيَّةُ لها جَائِزَةٌ لِأَنَّهَا غَيْرُ وَارِثَةٍ وَإِنَّمَا تُرَدُّ الْوَصِيَّةُ وَتَجُوزُ إذَا كان لها حُكْمٌ وَلَا يَكُونُ لها حُكْمٌ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي حتى تَجِبَ أو تَبْطُلَ وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ وَلَهُ دُونَهُ وَارِثٌ يَحْجُبُهُ فَمَاتَ الْوَارِثُ قبل الْمُوصِي فَصَارَ الْمُوصَى له وَارِثًا أو لِامْرَأَةٍ ثُمَّ نَكَحَهَا وَمَاتَ وَهِيَ
____________________

(4/108)


زَوْجَتُهُ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لَهُمَا مَعًا لِأَنَّهَا صَارَتْ وَصِيَّةً لِوَارِثٍ وَلَوْ أَوْصَى لِوَارِثٍ وَأَجْنَبِيٍّ بِعَبْدٍ أو أَعْبُدٍ أو دَارٍ أو ثَوْبٍ أو مَالٍ مُسَمًّى ما كان بَطَلَ نَصِيبُ الْوَارِثِ وَجَازَ لِلْأَجْنَبِيِّ ما يُصِيبُهُ وهو النِّصْفُ من جَمِيعِ ما أَوْصَى بِهِ لِلْوَارِثِ وَالْأَجْنَبِيِّ وَلَكِنْ لو قال أَوْصَيْت بِكَذَا لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ فَإِنْ كان سمي لِلْوَارِثِ ثُلُثًا وَلِلْأَجْنَبِيِّ ثُلُثَيْ ما أَوْصَى بِهِ جَازَ لِلْأَجْنَبِيِّ ما سمى له وَرُدَّ عن الْوَارِثِ ما سمى له وَلَوْ كان له بن يَرِثُهُ وَلِابْنِهِ أُمٌّ وَلَدَتْهُ أو حَضَنَتْهُ أو أَرْضَعَتْهُ أو أَبٌ أَرْضَعَهُ أو زَوْجَةٌ أو وَلَدٌ لَا يَرِثُهُ أو خَادِمٌ أو غَيْرُهُ فَأَوْصَى لِهَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ أو لِبَعْضِهِمْ جَازَتْ لهم الْوَصِيَّةُ لِأَنَّ كُلَّ هَؤُلَاءِ غَيْرُ وَارِثٍ وَكُلَّ هَؤُلَاءِ مَالِكٌ لِمَا أَوْصَى له بِهِ لِمِلْكِهِ مَالَهُ إنْ شَاءَ مَنَعَهُ ابْنَهُ وَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ إيَّاهُ وما أَحَدٌ أَوْلَى بِوَصِيَّتِهِ من ذَوِي قَرَابَتِهِ وَمَنْ عَطَفَ على وَلَدِهِ وَلَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْوَصِيَّةَ فقال { إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ } وَأَنَّ الْأَغْلَبَ من الْأَقْرَبِينَ لِأَنَّهُمْ يَبْتَلُونَ أَوْلَادَ الْمُوصِي بِالْقَرَابَةِ ثُمَّ الْأَغْلَبُ أَنْ يَزِيدُوا وَأَنْ يَبْتَلُوهُمْ بِصِلَةِ أَبِيهِمْ لهم بِالْوَصِيَّةِ وَيَنْبَغِي لِمَنْ مَنَعَ أَحَدًا مَخَافَةَ أَنْ يَرُدَّ على وَارِثٍ أو يَنْفَعَهُ أَنْ يَمْنَعَ ذَوِي الْقَرَابَةِ وَأَنْ لَا يُعْتِقَ الْعَبِيدَ الَّذِينَ قد عُرِفُوا بِالْعَطْفِ على الْوَرَثَةِ وَلَكِنْ لَا يَمْنَعُ أَحَدٌ وَصِيَّةَ غَيْرِ الْوَارِثِ بِالْخَبَرِ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وما لَا يَخْتَلِفُ فيه من أَحْفَظُ عنه مِمَّنْ لَقِيَتْ - * بَابُ ما يَجُوزُ من إجَازَةِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ وَغَيْرِهِ وما لَا يَجُوزُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يُوصِيَ لِوَارِثٍ فقال لِلْوَرَثَةِ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُوصِيَ بِثُلُثِي لِفُلَانٍ وَارِثِي فَإِنْ أَجَزْتُمْ ذلك فَعَلْت وَإِنْ لم تُجِيزُوا أَوْصَيْت بِثُلُثِي لِمَنْ تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ له فَأَشْهَدُوا له على أَنْفُسِهِمْ بِأَنْ قد أَجَازُوا له جَمِيعَ ما أَوْصَى له وَعَلِمُوهُ ثُمَّ مَاتَ فَخَيْرٌ لهم فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ عز وجل أَنْ يُجِيزُوهُ لِأَنَّ في ذلك صِدْقًا وَوَفَاءً بِوَعْدٍ وَبُعْدًا من غَدْرٍ وَطَاعَةً لِلْمَيِّتِ وَبِرًّا لِلْحَيِّ فَإِنْ لم يَفْعَلُوا لم يُجْبِرْهُمْ الْحَاكِمُ على إجَازَتِهِ ولم يَخْرُجْ ثُلُثُ مَالِ الْمَيِّتِ في شَيْءٍ إذَا لم يُخْرِجْهُ هو فيه وَذَلِكَ أَنَّ إجازتهموه قبل أَنْ يَمُوتَ الْمَيِّتُ لَا يَلْزَمُهُمْ بها حُكْمٌ من قِبَلِ انهم أَجَازُوا ما ليس لهم أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ قد يَكُونُونَ ثَلَاثَةً وَاثْنَيْنِ وَوَاحِدًا فَتَحْدُثُ له أَوْلَادٌ أَكْثَرُ منهم فَيَكُونُونَ أَجَازُوا كُلَّ الثُّلُثِ وإنما ( ( ( إنما ) ) ) لهم بَعْضُهُ وَيَحْدُثُ له وَارِثٌ غَيْرُهُمْ يَحْجُبُهُمْ وَيَمُوتُونَ قَبْلَهُ فَلَا يَكُونُونَ أَجَازُوا في وَاحِدَةٍ من الْحَالَيْنِ في شَيْءٍ يَمْلِكُونَهُ بِحَالٍ وَإِنَّ أَكْثَرَ أَحْوَالِهِمْ فيه أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَهُ أَبَدًا إلَّا بعد ما يَمُوتُ أو لا تَرَى أَنَّهُمْ لو أَجَازُوهَا لِوَارِثٍ كان الذي أُجِيزَتْ له الْوَصِيَّةُ قد يَمُوتُ قبل الْمُوصِي فَلَوْ كان مِلْكُ الْوَصِيَّةِ بِوَصِيَّةِ الْمَيِّتِ وَإِجَازَتُهُمْ مِلْكَهَا كان لم يُمَلَّكْهَا وَلَا شَيْءٌ من مَالِ الْمَيِّتِ إلَّا بِمَوْتِهِ وَبَقَائِهِ بَعْدَهُ فَكَذَلِكَ الَّذِينَ أَجَازُوا له الْوَصِيَّةَ أَجَازُوهَا فِيمَا لَا يَمْلِكُونَ وَفِيمَا قد لَا يَمْلِكُونَهُ أَبَدًا ( قال ) وَهَكَذَا لو اسْتَأْذَنَهُمْ فِيمَا يُجَاوِزُ الثُّلُثَ من وَصِيَّتِهِ فَأَذِنُوا له بِهِ وَهَكَذَا لو قال رَجُلٌ منهم مِيرَاثِي مِنْك لِأَخِي فُلَانٍ أو لِبَنِي فُلَانٍ لم يَكُنْ له لِأَنَّهُ اعطاه ما لم يَمْلِكْ وَهَكَذَا لو اسْتَأْذَنَهُمْ في عِتْقِ عَبِيدٍ له فأعتقهم ( ( ( أعتقهم ) ) ) بَعْدَ مَوْتِهِ فلم يَخْرُجُوا من الثُّلُثِ كان لهم رَدُّ من لَا يَخْرُجُ من الثُّلُثِ منهم وَخَيْرٌ في هذا كُلِّهِ أَنْ يُجِيزُوهُ وَلَكِنَّهُ لو أَوْصَى لِوَارِثٍ بِوَصِيَّةٍ فقال فَإِنْ أَجَازَهَا الْوَرَثَةُ وَإِلَّا فَهِيَ لِفُلَانٍ رَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ أو في سَبِيلِ اللَّهِ أو في شَيْءٍ مِمَّا تَجُوزُ له الْوَصِيَّةُ بِهِ مَضَى ذلك على ما قال إنْ أَجَازَهَا الْوَرَثَةُ جَازَتْ وَإِنْ رَدُّوهَا فَذَلِكَ لهم وَعَلَيْهِمْ أَنْ يُنَفِّذُوهَا لِمَنْ أَوْصَى له بها إنْ لم تُجِزْهَا الْوَرَثَةُ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ لِغَيْرِ وَارِثٍ وَكَذَلِكَ لو أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ لِرَجُلٍ فقال فَإِنْ مَاتَ قَبْلِي فما أَوْصَيْت له بِهِ لِفُلَانٍ فَمَاتَ قَبْلَهُ كانت الْوَصِيَّةُ لِفُلَانٍ وَكَذَلِكَ لو قال لِفُلَانٍ ثُلُثِي إلَّا أَنْ يَقْدَمَ فُلَانٌ فإن ( ( ( فقدم ) ) ) قدم فُلَانٌ هذا الْبَلَدَ فَهُوَ له جَازَ ذلك على ما قال
____________________

(4/109)


- * بَابُ ما يَجُوزُ من إجَازَةِ الْوَرَثَةِ لِلْوَصِيَّةِ وما لَا يَجُوزُ - * أخبرنا الرَّبِيعُ قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَوْصَى الْمَيِّتُ لِمَنْ لَا تَجُوزُ له وَصِيَّتُهُ من وَارِثٍ أو غَيْرِهِ أو بِمَا لَا تَجُوزُ بِهِ مِمَّا جَاوَزَ الثُّلُثَ فَمَاتَ وقد عَلِمُوا ما أَوْصَى بِهِ وَتَرَكَ فَقَالُوا قد أَجَزْنَا ما صَنَعَ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ قَوْلَهُمْ بَعْدَ عِلْمِهِمْ وَقَصِّهِمْ مِيرَاثَهُ لهم قد أَجَزْنَا ما صَنَعَ جَائِزٌ لِمَنْ أَجَازُوهُ له كَهِبَتِهِ لو دَفَعُوهُ إلَيْهِ من أَيْدِيهِمْ وَلَا سَبِيلَ لهم في الرُّجُوعِ فيه وَمَنْ قال هذا الْقَوْلَ قال إنَّ الوصايا ( ( ( الوصاية ) ) ) بَعْدَ الْمَوْتِ مُخَالِفَةٌ عَطَايَا الْأَحْيَاءِ التي لَا تَجُوزُ إلَّا بِقَبْضٍ من قِبَلِ أَنَّ مُعْطِيَهَا قد مَاتَ وَلَا يَكُونُ مَالِكًا قَابِضًا لِشَيْءٍ يُخْرِجُهُ من يَدَيْهِ وَإِنَّمَا هِيَ إدْخَالٌ منه لِأَهْلِ الْوَصِيَّةِ على الْوَرَثَةِ فَقَوْلُهُ في وَصِيَّتِهِ يُثْبِتُ لِأَهْلِ الْوَصِيَّةِ فِيمَا يَجُوزُ لهم يُثْبِتُ لهم ما يَثْبُتُ لِأَهْلِ الْمِيرَاثِ واذا كان هَكَذَا فَأَجَازَ الْوَرَثَةُ بَعْدَ عِلْمِهِمْ وَمِلْكِهِمْ فَإِنَّمَا قَطَعُوا حُقُوقَهُمْ من مَوَارِيثِهِمْ عَمَّا أَوْصَى بِهِ الْمَيِّتُ مَضَى على ما فَعَلَ منه جَائِزٌ له جَوَازَ ما فَعَلَ مِمَّا لم يَرُدُّوهُ وَلَيْسَ ما أَجَازُوا لِأَهْلِ الْوَصَايَا بِشَيْءٍ في أَيْدِيهِمْ فَيُخْرِجُونَهُ إلَيْهِمْ إنَّمَا هو شَيْءٌ لم يَصِرْ إلَيْهِمْ إلَّا بِسَبَبِ الْمَيِّتِ وإذا سَلَّمُوا حُقُوقَهُمْ سُلِّمَ ذلك لِمَنْ سَلَّمُوهُ له كما يَبْرَءُونَ من الدَّيْنِ وَالدَّعْوَى فَيَبْرَأُ منها من أَبْرَءُوهُ وَيَبْرَءُونَ من حُقُوقِهِمْ من الشُّفْعَةِ فَتَنْقَطِعُ حُقُوقُهُمْ فيها وَلِهَذَا وَجْهٌ مُحْتَمَلٌ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنْ يَقُولَ ما تَرَكَ الْمَيِّتُ مِمَّا لَا تَجُوزُ له الْوَصِيَّةُ بِهِ فَهُوَ مِلْكٌ نَقَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِمْ فَكَيْنُونَتُهُ في أَيْدِيهِمْ وَغَيْرُ كَيْنُونَتِهِ سَوَاءٌ وَإِجَازَتُهُمْ ما صَنَعَ الْمَيِّتُ هِبَةٌ منهم لِمَنْ وَهَبُوهُ له فَمَنْ دَفَعُوهُ إلَيْهِ جَازَ له وَلَهُمْ الرُّجُوعُ ما لم يَدْفَعُوهُ كما تَكُونُ لهم أَمْوَالٌ وَدَائِعُ في أَيْدِي غَيْرِهِمْ فَيَهَبُونَ منها الشَّيْءَ لِغَيْرِهِمْ فَلَا تَتِمُّ له الْهِبَةُ إلَّا بِالْقَبْضِ وَلِهَذَا وَجْهٌ مُحْتَمَلٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَإِنْ قالوا أَجَزْنَا ما صَنَعَ وَلَا نَعْلَمُهُ وَكُنَّا نَرَاهُ يَسِيرًا انْبَغَى في الْوَجْهَيْنِ جميعا أَنْ يُقَالَ أَجِيزُوا يَسِيرًا وَاحْلِفُوا ما أَجَزْتُمُوهُ إلَّا وَأَنْتُمْ تَرَوْنَهُ هَكَذَا ثُمَّ لهم الرُّجُوعُ فِيمَا بَقِيَ وَكَذَلِكَ إنْ كَانُوا غُيَّبًا وَإِنْ أُقِيمَتْ عليهم الْبَيِّنَةُ بِأَنَّهُمْ عَلِمُوهُ جَازَتْ عليهم في قَوْلِ من أَجَازَ إجَازَتَهُمْ بِغَيْرِ قَبْضٍ وَإِنَّمَا تَجُوزُ عليهم إذَا أَوْصَى بِثُلُثَيْ مَالِهِ أو بِمَالِهِ كُلِّهِ أو بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ منه إنْ عَلِمُوا كَمْ تَرَكَ كَأَنْ أَوْصَى بِشَيْءٍ يُسَمِّيهِ فقال لِفُلَانٍ كَذَا وَكَذَا دِينَارًا وَلِفُلَانٍ عَبْدِي فُلَانٌ وَلِفُلَانٍ من إبِلِي كَذَا وَكَذَا فَقَالُوا قد أَجَزْنَا له ذلك ثُمَّ قالوا إنَّمَا أَجَزْنَا ذلك وَنَحْنُ نَرَاهُ يُجَاوِزُ الثُّلُثَ بِيَسِيرٍ لِأَنَّا قد عَهِدْنَا له مَالًا فلم نَجِدْهُ أو عَهِدْنَاهُ غير ذِي دَيْنٍ فَوَجَدْنَا عليه دَيْنًا فَفِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُقَالَ هذا يَلْزَمُهُمْ في قَوْلِ من أَجَازَ إجَازَتَهُمْ لِأَنَّهُمْ أَجَازُوا ما يَعْرِفُونَ وما لَا يُعْذَرُونَ بِجَهَالَتِهِمْ وَالْآخَرُ أَنَّ لهم أَنْ يَحْلِفُوا وَيَرُدُّوا الْآنَ هذا إنَّمَا يَجُوزُ من مَالِ الْمَيِّتِ وَيُقَالُ لهم إذًا حلفوا ( ( ( احلفوا ) ) ) أَجِيزُوا منه ما كُنْتُمْ تَرَوْنَهُ يُجَاوِزُ الثُّلُثَ سُدُسًا كان أو رُبُعًا أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ - * بَابُ اخْتِلَافِ الْوَرَثَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ أَجَازَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ فِيمَا تَلْزَمُ الْإِجَازَةُ فيه ولم يُجِزْ بَعْضُهُمْ جَازَ في حِصَّةِ من أَجَازَ ما أَجَازَ كَأَنَّ الْوَرَثَةَ كَانُوا اثْنَيْنِ فَيَجِبُ لِلْمُوصَى له نِصْفُ ما أَوْصَى له بِهِ مِمَّا جَاوَزَ الثُّلُثَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان في الْوَرَثَةِ صَغِيرٌ او بَالِغٌ مَحْجُورٌ عليه أو مَعْتُوهٌ لم يَجُزْ على وَاحِدٍ من هَؤُلَاءِ أَنْ يُجِيزَ في نَصِيبِهِ بِشَيْءٍ جَاوَزَ الثُّلُثَ من الْوَصِيَّةِ ولم يَكُنْ لِوَلِيٍّ وَاحِدٍ من هَؤُلَاءِ أَنْ يُجِيزَ ذلك في نَصِيبِهِ وَلَوْ أَجَازَ ذلك في مَالِهِ كان ضَامِنًا له في مَالِهِ وَإِنْ وُجِدَ في يَدَيْ من أُجِيزَ له أُخِذَ من يَدَيْهِ وكان لِلْوَلِيِّ أَنْ يَتْبَعَ من أَعْطَاهُ إيَّاهُ بِمَا أَعْطَى منه لِأَنَّهُ أَعْطَاهُ ما لَا يَمْلِكُ
____________________

(4/110)


- * الْوَصِيَّةُ لِلْقَرَابَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا أَوْصَى الرَّجُلُ فقال ثُلُثُ مَالِي لِقَرَابَتِي أو لِذَوِي قَرَابَتِي أو لِرَحِمِي أو لِذَوِي رَحِمِي أو لِأَرْحَامِي أو لِأَقْرِبَائِي أو قَرَابَاتِي فَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ وَالْقَرَابَةُ من قِبَل الْأُمِّ وَالْأَبِ في الْوَصِيَّةِ سَوَاءٌ وَأَقْرَبُ قَرَابَتِهِ وَأَبْعَدُهُمْ منه في الْوَصِيَّةِ سَوَاءٌ والذكر ( ( ( الذكر ) ) ) وَالْأُنْثَى وَالْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ لِأَنَّهُمْ أُعْطُوا بِاسْمِ الْقَرَابَةِ فَاسْمُ الْقَرَابَةِ يَلْزَمُهُمْ مَعًا كما أعطى من شَهِدَ الْقِتَالَ بِاسْمِ الْحُضُورِ وإذا كان الرَّجُلُ من قَبِيلَةٍ من قُرَيْشٍ فَأَوْصَى في قَرَابَتِهِ فَلَا يَجُوزُ إذَا كان كُلُّ من يُعْرَفُ نَسَبُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ من يَلْقَاهُ إلَى أَبٍ وَإِنْ بَعُدَ قَرَابَةً فإذا كان الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْعَامَّةِ أَنَّ من قال من قُرَيْشٍ لِقَرَابَتِي لَا يُرِيدُ جَمِيعَ قُرَيْشٍ وَلَا من هو أَبْعَدُ منهم وَمَنْ قال لِقَرَابَتِي لَا يُرِيدُ أَقْرَبَ الناس أو ذَوِي قَرَابَةٍ أَبْعَدَ منه بِأَبٍ وَإِنْ كان قَرِيبًا صِيرَ إلَى الْمَعْرُوفِ من قَوْلِ الْعَامَّةِ ذَوِي قَرَابَتِي فَيُنْظَرُ إلَى الْقَبِيلَةِ التي يُنْسَبُ إلَيْهَا فَيُقَالُ من بَنِي عبد مَنَافٍ ثُمَّ يُقَالُ قد يَتَفَرَّقُ بَنُو عبد مَنَافٍ فَمِنْ أَيِّهِمْ فَيُقَالُ من بَنِي الْمُطَّلِبِ فَيُقَالُ أَيَتَمَيَّزُ بَنُو الْمُطَّلِبِ قِيلَ نعم هُمْ قَبَائِلُ فَمِنْ أَيِّهِمْ قِيلَ من بَنِي عبد يَزِيدَ بن هَاشِمِ بن الْمُطَّلِبِ فَيُقَالُ أَفَيَتَمَيَّزُ هَؤُلَاءِ قِيلَ نعم هُمْ قَبَائِلُ قِيلَ فَمِنْ أَيِّهِمْ قِيلَ من بَنِي عُبَيْدِ بن عبد يَزِيدَ قِيلَ أَفَيَتَمَيَّزُ هَؤُلَاءِ قِيلَ نعم هُمْ بَنُو السَّائِبِ بن عُبَيْدِ بن عبد يَزِيدَ قِيلَ وَبَنُو شَافِعٍ وَبَنُو عَلِيٍّ وَبَنُو عَبَّاسٍ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ من بَنِي السَّائِبِ فَإِنْ قِيلَ أَفَيَتَمَيَّزُ هَؤُلَاءِ قِيلَ نعم كُلُّ بَطْنٍ من هَؤُلَاءِ يَتَمَيَّزُ عن صَاحِبِهِ فإذا كان من آلِ شَافِعٍ فقال لِقَرَابَتِهِ فَهُوَ لِآلِ شَافِعٍ دُونَ آلِ عَلِيٍّ وَآلِ عَبَّاسٍ وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ هَؤُلَاءِ يَتَمَيَّزُونَ ظَاهِرَ التَّمْيِيزِ من الْبَطْنِ الْآخَرِ يَعْرِفُ ذلك منهم إذَا قَصَدُوا آبَاءَهُمْ دُونَ الشُّعُوبِ وَالْقَبَائِلِ في آبَائِهِمْ وفي تَنَاصُرِهِمْ وَتَنَاكُحِهِمْ وَيَحُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ على هَؤُلَاءِ الَّذِينَ مَعَهُمْ وَلَوْ قال ثُلُثُ مَالِي لِأَقْرَبِ قَرَابَتِي أو لِأَدْنَى قَرَابَتِي أو لِأَلْصَقِ قَرَابَتِي كان هذا كُلُّهُ سَوَاءً وَنَظَرْنَا إلَى أَقْرَبِ الناس منه رَحِمًا من قِبَلِ ابيه وَأُمِّهِ فَأَعْطَيْنَاهُ إيَّاهُ ولم نُعْطِهِ غَيْرَهُ مِمَّنْ هو أَبْعَدُ منه كَأَنَّا وَجَدْنَا له عَمَّيْنِ وَخَالَيْنِ وَبَنِي عَمٍّ وَبَنِي خَالٍ وَأَعْطَيْنَا الْمَالَ عَمَّيْهِ وَخَالَيْهِ سَوَاءٌ بَيْنَهُمْ دُونَ بَنِي الْعَمِّ وَالْخَالِ لِأَنَّهُمْ يَلْقَوْنَهُ عِنْدَ أبيه وَأُمِّهِ قبل بَنِي عَمِّهِ وَخَالِهِ وَهَكَذَا لو وَجَدْنَا له إخْوَةً لِأَبٍ وَإِخْوَةً لِأُمٍّ وَعَمَّيْنِ وَخَالَيْنِ أَعْطَيْنَا الْمَالَ إخْوَتَهُ لِأَبِيهِ وَإِخْوَتَهُ لِأُمِّهِ دُونَ عَمَّيْهِ وَخَالَيْهِ لِأَنَّهُمْ يَلْقَوْنَهُ عِنْدَ أبيه وَأُمِّهِ الأدنين ( ( ( الأدنيين ) ) ) قبل عَمَّيْهِ وَخَالَيْهِ وَلَوْ كان مع الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ والأخوة لِلْأُمِّ إخْوَةٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ كان الْمَالُ لهم دُونَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ لِأَنَّا إذَا عَدَدْنَا الْقَرَابَةَ من قِبَل الْأَبِ وَالْأُمِّ سَوَاءً فَجَمْعُ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ قَرَابَةُ الْأَبِ وَالْأُمِّ كَانُوا أَقْرَبَ بِالْمَيِّتِ وَلَوْ كان مع الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَلَدُ وَلَدٍ مُتَسَفِّلٍ لَا يَرِثُ كان الْمَالُ له دُونَ الْإِخْوَةِ لِأَنَّهُ بن نَفْسِهِ وبن نَفْسِهِ أَقْرَبُ إلَيْهِ من بن أبيه وَلَوْ كان مع وَلَدِ الْوَلَدِ المتسفل ( ( ( المستفل ) ) ) جَدٌّ كان الْوَلَدُ أَوْلَى منه وَإِنْ كان جَدًّا أَدْنَى ( قال ) وَلَوْ كان مع الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ أو الْأُمِّ جَدٌّ كان الْإِخْوَةُ أَوْلَى من الْجَدِّ في قَوْلِ من قال الْإِخْوَةُ أَوْلَى بِوَلَاءِ الْمَوَالِي من الْجَدِّ لِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ منه وَأَنَّهُمْ يَلْقَوْنَ الْمَيِّتَ قبل أَنْ يَصِيرَ الْمَيِّتُ إلَى الْجَدِّ وَلَوْ قال في هذا كُلِّهِ ثُلُثُ مَالِي لِجَمَاعَةٍ من قَرَابَتِي فَإِنْ كان أَقْرَبَ الناس بِهِ ثَلَاثَةٌ فَصَاعِدًا فَهُوَ لهم وَسَوَاءٌ كَانُوا رِجَالًا أو نِسَاءً وَإِنْ كَانُوا اثْنَيْنِ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ وَاحِدٌ أو أَكْثَرُ كان لِلِاثْنَيْنِ الثُّلُثَانِ من الثُّلُثِ وَلِلْوَاحِدِ فَأَكْثَرَ ما بَقِيَ من الثُّلُثِ وَإِنْ كَانُوا وَاحِدًا فَلَهُ ثُلُثُ الثُّلُثِ وَلِمَنْ يَلِيهِ من قَرَابَتِهِ إنْ كَانُوا اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا ثُلُثَا الثُّلُثِ وَلَوْ كان أَقْرَبَ الناس وَاحِدًا وَاَلَّذِي يَلِيهِ في الْقَرَابَةِ وَاحِدٌ أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثَ الثُّلُثِ وَأَخَذَ الَّذِينَ يَلُونَهُمَا في الْقَرَابَةِ وَاحِدَ أو أَكْثَرَ الثُّلُثِ الْبَاقِي سَوَاءً بَيْنَهُمْ
____________________

(4/111)


- * بَابُ الْوَصِيَّةِ لِمَا في الْبَطْنِ وَالْوَصِيَّةِ بِمَا في الْبَطْنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِمَا في الْبَطْنِ وَلِمَا في الْبَطْنِ إذَا كان مَخْلُوقًا يوم وَقَعَتْ الْوَصِيَّةُ ثُمَّ يَخْرُجُ حَيًّا فَلَوْ قال رَجُلٌ ما في بَطْنِ جَارِيَتِي فُلَانَةَ لِفُلَانٍ ثُمَّ توفى فَوَلَدَتْ جَارِيَتُهُ لِأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ من يَوْمِ تَكَلَّمَ بِالْوَصِيَّةِ كان لِمَنْ أَوْصَى له بِهِ وَإِنْ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ لم يَكُنْ له لِأَنَّهُ قد يَحْدُثُ الْحَمْلُ فَيَكُونُ الْحَمْلُ الْحَادِثُ غير الذي أوصى بِهِ وَلَوْ قال وَلَدُ جَارِيَتِي أو جَارِيَتِي أو عَبْدٌ بِعَيْنِهِ وَصِيَّةٌ لِمَا في بَطْنِ فُلَانَةَ امْرَأَةٍ يُسَمِّيهَا بِعَيْنِهَا فَإِنْ وَلَدَتْ تِلْكَ الْمَرْأَةُ لِأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ من يَوْمِ تَكَلَّمَ بِالْوَصِيَّةِ فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ وَإِنْ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ من يَوْمِ تَكَلَّمَ بِالْوَصِيَّةِ فَأَكْثَرَ فَالْوَصِيَّةُ مَرْدُودَةٌ لِأَنَّهُ قد يَحْدُث حَمْلٌ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ فَيَكُونُ غير ما أَوْصَى له وَإِنْ كان الْحَمْلُ الذي أَوْصَى بِهِ غُلَامًا أو جَارِيَةً أو غُلَامًا وَجَارِيَةً أو أَكْثَرَ كانت الْوَصِيَّةُ بِهِمْ كُلِّهِمْ جَائِزَةً لِمَنْ أَوْصَى له بِهِمْ وَإِنْ كان الْحَمْلُ الذي أَوْصَى له غُلَامًا أو ( ( ( وجارية ) ) ) جارية أو أَكْثَرَ كانت الْوَصِيَّةُ بَيْنَهُمْ سَوَاءً على الْعَدَدِ وَإِنْ مَاتَ الْمُوصِي قبل أَنْ تَلِدَ التي أَوْصَى لِحَمْلِهَا وَقَفَتْ الْوَصِيَّةُ حتى تَلِدَ فإذا وَلَدَتْ لِأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ كانت الْوَصِيَّةُ له - * بَابُ الْوَصِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ على الشَّيْءِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ أَوْصَى فقال إنْ مِتُّ من مَرَضِي هذا فَفُلَانٌ لِعَبْدٍ له حُرٌّ وَلِفُلَانٍ كَذَا وَصِيَّةً وَيَتَصَدَّقُ عَنِّي بِكَذَا ثُمَّ صَحَّ من مَرَضِهِ الذي أَوْصَى فيه ثُمَّ مَاتَ بَعْدَهُ فَجْأَةً أو من مَرَضٍ غَيْرِ ذلك الْمَرَضِ بَطَلَتْ تِلْكَ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّهُ أَوْصَى إلَى أَجَلٍ وَمَنْ أَوْصَى له وَأَعْتَقَ على شَرْطٍ لم يَكُنْ وَكَذَلِكَ إذَا حَدَّ في وَصِيَّتِهِ حَدًّا فقال إنْ مِتُّ في عَامِي هذا أو في مَرَضِي هذا فَمَاتَ من مَرَضٍ سِوَاهُ بَطَلَ فَإِنْ أَبْهَمَ هذا كُلَّهُ وقال هذه وَصِيَّتِي ما لم أُغَيِّرْهَا فَهُوَ كما قال وَهِيَ وَصِيَّتُهُ ما لم يُغَيِّرْهَا وَلَكِنَّهُ لو قال هذا وَأَشْهَدَ أَنَّ وَصِيَّتَهُ هذه ثَابِتَةٌ ما لم يُغَيِّرْهَا كانت وَصِيَّتُهُ نَافِذَةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ أَوْصَى فقال إنْ حَدَثَ بِي حَدَثُ الْمَوْتِ وَصِيَّةً مُرْسَلَةً ولم يُحَدِّدْ لها حَدًّا أو قال مَتَى حَدَثَ بِي حَدَثُ الْمَوْتِ أو مَتَى مِتُّ فَوَصِيَّتُهُ ثَابِتَةٌ يَنْفُذُ جَمِيعُ ما فيها مِمَّا جَازَ له مَتَى مَاتَ ما لم يُغَيِّرْهَا - * بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ } الْآيَةَ إلَى { الْمُتَّقِينَ } وقال عز وجل في آيِ الْمَوَارِيثِ { وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إنْ كان له وَلَدٌ فَإِنْ لم يَكُنْ له وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ } وَذَكَرَ من وَرِثَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ في آيٍ من كِتَابِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَاحْتَمَلَ إجْمَاعُ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْوَصِيَّةِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ معنين ( ( ( معنيين ) ) ) أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ الْأَمْرَانِ مَعًا فَيَكُونَ على الْمُوصِي أَنْ يُوصِيَ لهم فَيَأْخُذُونَ بِالْوَصِيَّةِ وَيَكُونَ لهم الْمِيرَاثُ فَيَأْخُذُونَ بِهِ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِالْوَصِيَّةِ نَزَلَ نَاسِخًا لَأَنْ تَكُونَ الْوَصِيَّةُ لهم ثَابِتَةً فَوَجَدْنَا الدَّلَالَةَ على أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ الْوَارِثِينَ مَنْسُوخَةٌ بِآيِ الْمَوَارِيثِ من وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَخْبَارٌ لَيْسَتْ بِمُتَّصِلَةٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من جِهَةِ الْحِجَازِيِّينَ منها أَنَّ سُفْيَانَ بن عُيَيْنَةَ أخبرنا عن سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ عن مُجَاهِدٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا وصية لِوَارِثٍ وَغَيْرُهُ يُثْبِتُهُ بهذا الْوَجْهِ وَوَجَدْنَا غَيْرَهُ قد يَصِلُ فيه حَدِيثًا
____________________

(4/112)


عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِمِثْلِ هذا الْمَعْنَى ثُمَّ لم نَعْلَمْ أَهْلَ الْعِلْمِ في الْبُلْدَانِ اخْتَلَفُوا في أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَالِدَيْنِ مَنْسُوخَةٌ بِآيِ الْمَوَارِيثِ وَاحْتَمَلَ إذَا كانت مَنْسُوخَةً أَنْ تَكُونَ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ سَاقِطَةً حتى لو أَوْصَى لَهُمَا لم تَجُزْ الْوَصِيَّةُ وَبِهَذَا نَقُولُ وما روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وما لم نَعْلَمُ أَهْلَ الْعِلْمِ اخْتَلَفُوا فيه يَدُلُّ على هذا وَإِنْ كان يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ وُجُوبُهَا مَنْسُوخًا وإذا أَوْصَى لهم جَازَ وإذا أَوْصَى لِلْوَالِدَيْنِ فَأَجَازَ الْوَرَثَةُ فَلَيْسَ بِالْوَصِيَّةِ أَخَذُوا وَإِنَّمَا أَخَذُوا بِإِعْطَاءِ الْوَرَثَةِ لهم ما لهم لِأَنَّا قد أَبْطَلْنَا حُكْمَ الْوَصِيَّةِ لهم فَكَانَ نَصُّ الْمَنْسُوخِ في وَصِيَّةِ الْوَالِدَيْنِ وسمي مَعَهُمْ الْأَقْرَبِينَ جُمْلَةً فلما كان الْوَالِدَانِ وَارِثَيْنِ قِسْنَا عليهم كُلَّ وَارِثٍ وَكَذَلِكَ الْخَبَرُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فلما كان الْأَقْرَبُونَ وَرَثَةً وَغَيْرَ وَرَثَةٍ أَبْطَلْنَا الْوَصِيَّةَ لِلْوَرَثَةِ من الْأَقْرَبِينَ بِالنَّصِّ وَالْقِيَاسِ وَالْخَبَرِ أَلَا لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ وَأَجَزْنَا الْوَصِيَّةَ لِلْأَقْرَبَيْنِ وَلِغَيْرِ الْوَرَثَةِ من كان فَالْأَصْلُ في الْوَصَايَا لِمَنْ أَوْصَى في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل وما رُوِيَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وما لم أَعْلَمْ من مَضَى من أَهْلِ الْعِلْمِ اخْتَلَفُوا فيه في أَنْ يُنْظَرَ إلَى الْوَصَايَا فإذا كانت لِمَنْ يَرِثُ الْمَيِّتَ أَبْطَلْتهَا وَإِنْ كانت لِمَنْ لَا يَرِثُهُ أَجَزْتهَا على الْوَجْهِ الذي تَجُوزُ بِهِ وَمَوْجُودٌ عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فِيمَا وَصَفْت من الْكِتَابِ وما رُوِيَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَحَيْثُ إنَّ ما لم نَعْلَمْ من مَضَى من أَهْلِ الْعِلْمِ اخْتَلَفُوا فيه أَنَّهُ إنَّمَا يُمْنَعُ الْوَرَثَةُ الْوَصَايَا لِئَلَّا يَأْخُذُوا مَالَ الْمَيِّتِ من وَجْهَيْنِ وَذَلِكَ أَنَّ ما تَرَكَ الْمُتَوَفَّى يُؤْخَذُ بِمِيرَاثٍ أو وَصِيَّةٍ فلما كان حُكْمُهُمَا مُخْتَلِفَيْنِ لم يَجُزْ أَنْ يُجْمَعَ لِوَاحِدٍ الْحُكْمَانِ الْمُخْتَلِفَانِ في حُكْمٍ وَاحِدٍ وَحَالٍ وَاحِدَةٍ كما لَا يَجُوزُ أَنْ يعطي بِالشَّيْءِ وَضِدِّ الشَّيْءِ ولم يَحْتَمِلْ مَعْنًى غَيْرَهُ بحال فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنْ يَقُولَ إنَّمَا لم تَجُزْ الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ من قِبَلِ تُهْمَةِ الْمُوصِي لَأَنْ يَكُونَ يُحَابِي وَارِثَهُ بِبَعْضِ مَالِهِ فَلَوْلَا أَنَّ الْعَنَاءَ مُسْتَعْلٍ على بَعْضِ من يَتَعَاطَى الْفِقْهَ ما كان فِيمَنْ ذَهَبَ إلَى هذا الْمَذْهَب عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِلْجَوَابِ مَوْضِعٌ لِأَنَّ من خَفِيَ عليه هذا حتى لَا يَتَبَيَّنَ له الْخَطَأُ فيه كان شَبِيهًا أَنْ لَا يُفَرِّقَ بين الشَّيْءِ وَضِدِّ الشَّيْءِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَأَيْنَ هذا قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَرَأَيْت امْرَأً من الْعَرَبِ عَصَبَتُهُ يَلْقَوْنَهُ بَعْدَ ثَلَاثِينَ أَبًا قد قَتَلَ آبَاءَ عَصَبَتِهِ آبَاءَهُ وَقَتَلَهُمْ آبَاؤُهُ وَبَلَغُوا غَايَةَ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهُمْ بتسافك الدِّمَاءِ وَانْتِهَاكِ الْمَحَارِمِ وَالْقَطِيعَةِ وَالنَّفْيِ من الْأَنْسَابِ في الْأَشْعَارِ وَغَيْرِهَا وما كان هو يَصْطَفِي ما صُنِعَ بِآبَائِهِ وَيُعَادِي عَصَبَتُهُ عليه غَايَةَ الْعَدَاوَةِ وَيَبْذُلُ مَالَهُ في أَنْ يَسْفِكَ دِمَاءَهُمْ وكان من عَصَبَتِهِ الَّذِينَ يَرِثُونَهُ من قَتَلَ أَبَوَيْهِ فَأَوْصَى من مَرَضِهِ لِهَؤُلَاءِ الْقَتَلَةِ وَهُمْ وَرَثَتُهُ مع غَيْرِهِمْ من عَصَبَتِهِ كان الْوَارِثُ مَعَهُمْ في حَالِ عَدَاوَتِهِمْ أو كان له سِلْمًا بِهِ بَرًّا وَلَهُ وَاصِلًا وَكَذَلِكَ كان آبَاؤُهُمَا اتجوز الْوَصِيَّةُ لِأَعْدَائِهِ وهو لَا يُتَّهَمُ فِيهِمْ فَإِنْ قال لَا قِيلَ وَكَذَلِكَ لو كان من الْمَوَالِي فَكَانَ مَوَالِيهِ قد بَلَغُوا بِآبَائِهِ ما بَلَغَ بِهِمْ وَبِأَبِيهِمْ ما وَصَفْت من حَالِ الْقُرْبَى فَأَوْصَى لِوَرَثَتِهِ من مَوَالِيهِ وَمَعَهُمْ ابْنَتُهُ أَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لهم وهو لَا يُتَّهَمُ فِيهِمْ فَإِنْ قال لَا قِيلَ وَهَكَذَا زَوْجَتُهُ لو كانت نَاشِزَةً منه عَاصِيَةً له عَظِيمَةَ الْبُهْتَانِ وَتَرْمِيه بِالْقَذْفِ قد سَقَتْهُ سُمًّا لِتَقْتُلَهُ وَضَرَبَتْهُ بِالْحَدِيدِ لِتَقْتُلَهُ فَأَفْلَتَ من ذلك وَبَقِيَتْ مُمْتَنِعَةً منه وَامْتَنَعَ من فِرَاقِهَا إضْرَارًا لها ثُمَّ مَاتَ فَأَوْصَى لها لم تَجُزْ وَصِيَّتُهُ لِأَنَّهَا وَارِثٌ فَإِنْ قال نعم قِيلَ وَلَوْ أَنَّ أَجْنَبِيًّا مَاتَ ليس له وَارِثٌ أَعْظَمَ النِّعْمَةَ عليه صَغِيرًا وَكَبِيرًا وَتَتَابَعَ إحْسَانُهُ عليه وكان مَعْرُوفًا بِمَوَدَّتِهِ فَأَوْصَى له بِثُلُثِ مَالِهِ أَيَجُوزُ فَإِنْ قال نعم قِيلَ وَهَكَذَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ له وَإِنْ كان وَرَثَتُهُ أَعْدَاءً له فَإِنْ قال نعم تَجُوزُ وَصِيَّتُهُ في ثُلُثِهِ كان وَرَثَتُهُ أَعْدَاءً له أو غير أَعْدَاءٍ قِيلَ له أَرَأَيْت لو لم يَكُنْ في أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَبْطُلُ لِلْوَارِثِ وَأَنَّهُ إذَا خَصَّ بِإِبْطَالِ وَصِيَّتِهِ الْوَارِثَ لم يَكُنْ فيها مَعْنًى إلَّا ما قُلْنَا ثُمَّ كان الْأَصْلُ
____________________

(4/113)


الذي وَصَفْت لم يَسْبِقْك إلَيْهِ أَحَدٌ يَعْقِلُ من أَهْلِ الْعِلْمِ شيئا عَلِمْنَاهُ أَمَا كُنْت تَرَكْته أو ما كان يَلْزَمُك أَنْ تَزْعُمَ انك تَنْظُرُ إلَى وَصِيَّتِهِ أَبَدًا فَإِنْ كانت وَصِيَّتُهُ لِرَجُلٍ عَدُوٍّ له أو بَغِيضٍ إلَيْهِ أو غَيْرِ صِدِّيقٍ أَجَزْتهَا وَإِنْ كان وَارِثًا وَإِنْ كانت لَصَدِيقٍ له أو لِذِي يَدٍ عِنْدَهُ أو غَيْرِ عَدُوٍّ فَأَبْطَلْتهَا وإذا فَعَلْت هذا خَرَجْت مِمَّا رُوِيَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَمِمَّا يَدْخُلُ فِيمَا لم يَخْتَلِفْ فيه أَهْلُ الْعِلْمِ عَلِمْنَاهُ أو رأيت لو كان له عَبْدٌ يُعْلَمُ أَنَّهُ أَحَبُّ الناس إلَيْهِ وَأَوْثَقُهُ في نَفْسِهِ وَأَنَّهُ يُعْرَفُ بِتَوْلِيجِ مَالِهِ إلَيْهِ في الْحَيَاةِ وله ( ( ( ولد ) ) ) وَلَدٍ دُونَ وَلَدِهِ ثُمَّ مَاتَ وَلَدُهُ فَصَارَ وَارِثُهُ عَدُوًّا له فَأَعْتَقَ عَبْدَهُ في وَصِيَّتِهِ أَلَيْسَ يَلْزَمُك أَنْ لَا تُجِيزَ الْعِتْقَ لِشَأْنِ تُهْمَتِهِ فيه حَيًّا إذْ كان يُؤْثِرُهُ بِمَالِهِ على وَلَدِ نَفْسِهِ وَمَيِّتًا إذْ كان عِنْدَهُ بِتِلْكَ الْحَالِ وكان الْوَارِثُ له عَدُوًّا أو رَأَيْت لو كان وَارِثُهُ له عَدُوًّا فقال وَاَللَّهِ ما يَمْنَعُنِي أَنْ أَدَعَ الْوَصِيَّةَ فَيَكُونَ الْمِيرَاثُ وَافِرًا عَلَيْك إلَّا حُبَّ أَنْ يُفْقِرَك اللَّهُ وَلَا يُغْنِيَك وَلَكِنِّي أُوصِي بِثُلُثِ مَالِي لِغَيْرِك فَأَوْصَى لِغَيْرِهِ أَلَيْسَ إنْ أَجَازَ هذا أَجَازَ ما يَنْبَغِي أَنْ يُرَدَّ وَرَدَّ ما كان يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ من الْوَصِيَّةِ لِوَارِثٍ عَدُوٍّ في اصل قَوْلِهِ أَوَرَأَيْت إذَا كانت السُّنَّةُ تَدُلُّ على أَنَّ لِلْمَيِّتِ أَنْ يُوصِيَ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَا يُحْظَرُ عليه منه شَيْءٌ أَنْ يُوصِيَ بِهِ إلَّا لِوَارِثٍ إذَا دخل عليه أَحَدٌ أَنْ يُحْظَرَ عليه الْوَصِيَّةُ لِغَيْرِ وَارِثٍ بِحَالٍ أَلَيْسَ قد خَالَفْنَا السُّنَّةَ أو رَأَيْت إذَا كان حُكْمُ الثُّلُثِ إلَيْهِ يُنَفِّذُهُ لِمَنْ رَأَى غير وَارِثٍ لو كان وَارِثُهُ في الْعَدَاوَةِ له على ما وَصَفْت من الْعَدَاوَةِ وكان بَعِيدَ النَّسَبِ أو كان مَوْلًى له فَأَقَرَّ لِرَجُلٍ آخَرَ بِمَالٍ قد كان يَجْحَدُهُ إيَّاهُ أو كان لَا يُعْرَفُ بِالْإِقْرَارِ له بِهِ وَلَا الْآخَرُ بِدَعْوَاهُ أَلَيْسَ إنْ أَجَازَهُ له مِمَّا يُخْرِجُ الْوَارِثُ من جَمِيعِ الْمِيرَاثِ أجاز ( ( ( أجابه ) ) ) له أَكْثَرَ من الثُّلُثِ وهو مُتَّهَمٌ على أَنْ يَكُونَ صَارَ الْوَارِثَ وَإِنْ أَبْطَلَهُ أَبْطَلَ إقْرَارًا بِدَيْنٍ أَحَقَّ من الْمِيرَاثِ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الدَّيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) الْأَحْكَامُ على الظَّاهِرِ وَاَللَّهُ وَلِيُّ الْمُغَيَّبِ وَمَنْ حَكَمَ على الناس بِالْإِزْكَانِ جَعَلَ لِنَفْسِهِ ما حَظَرَ اللَّهُ تَعَالَى عليه وَرَسُولُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل إنَّمَا يُوَلِّي الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ على الْمُغَيَّبِ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا هو جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَكَلَّفَ الْعِبَادَ أَنْ يَأْخُذُوا من الْعِبَادِ بِالظَّاهِرِ وَلَوْ كان لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ بِبَاطِنٍ عليه دَلَالَةٌ كان ذلك لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وما وَصَفْت من هذا يَدْخُلُ في جَمِيعِ الْعِلْمِ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على ما وَصَفْت من أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِالْبَاطِنِ قِيلَ كِتَابُ اللَّهِ ثُمَّ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ذَكَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْمُنَافِقِينَ فقال لِنَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا جَاءَك الْمُنَافِقُونَ قالوا نَشْهَدُ أنك لَرَسُولُ اللَّهِ قَرَأَ إلَى فَصُدُّوا عن سَبِيلِ اللَّهِ فَأَقَرَّهُمْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَتَنَاكَحُونَ وَيَتَوَارَثُونَ وَيُسْهَمُ لهم إذَا حَضَرُوا الْقِسْمَةَ وَيُحْكَمُ لهم أَحْكَامَ الْمُسْلِمِينَ وقد اخبر اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ عن كُفْرِهِمْ وَأَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أنهم اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً من الْقَتْلِ بِإِظْهَارِ الْأَيْمَانِ على الْإِيمَانِ وقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا أنا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ من بَعْضٍ فَأَقْضِي له على نَحْوِ ما أَسْمَعُ منه فَمَنْ قَضَيْت له بِشَيْءٍ من حَقِّ اخيه فَلَا يَأْخُذْ بِهِ فَإِنَّمَا اقطع له بِقِطْعَةٍ من النَّارِ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ يَقْضِي بِالظَّاهِرِ وَأَنَّ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ عِنْدَ اللَّهِ على الْبَاطِنِ وَأَنَّ قَضَاءَهُ لَا يُحِلُّ لِلْمَقْضِيِّ له ما حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عليه إذَا عَلِمَهُ حَرَامًا وقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَيُّهَا الناس قد آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عن مَحَارِمِ اللَّهِ تَعَالَى فَمَنْ أَصَابَ مِنْكُمْ من هذه الْقَاذُورَاتِ شيئا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فإنه من يُبْدِ لنا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عليه كِتَابَ اللَّهِ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لَا يَكْشِفُهُمْ عَمَّا لَا يُبْدُونَ من أَنْفُسِهِمْ وَأَنَّهُمْ إذَا ابدوا ما فيه الْحَقُّ عليهم أُخِذُوا بِذَلِكَ وَبِذَلِكَ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فقال { وَلَا تَجَسَّسُوا } وَبِذَلِكَ أَوْصَى صلى اللَّهُ عليه وسلم ولا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بين أَخَوَيْ بَنِي الْعَجْلَانِ ثُمَّ قال اُنْظُرُوا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا فَهُوَ لِلَّذِي
____________________

(4/114)


يَتَّهِمُهُ فَجَاءَتْ بِهِ على النَّعْتِ الذي قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَهُوَ لِلَّذِي يَتَّهِمُهُ بِهِ وقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّ أَمْرَهُ لَبَيِّنٌ لَوْلَا ما حَكَمَ اللَّهُ ولم يَسْتَعْمِلْ عَلَيْهِمَا الدَّلَالَةَ الْبَيِّنَةَ التي لَا تَكُونُ دَلَالَةٌ أَبْيَنَ منها وَذَلِكَ خَبَرُهُ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ ثُمَّ جاء الْوَلَدُ على ما قال مع أشباه ( ( ( أشياء ) ) ) لِهَذَا كُلِّهَا تَبْطُلُ حُكْمُ الْإِزْكَانِ من الذَّرَائِعِ في الْبُيُوعِ وَغَيْرِهَا من حُكْم الْإِزْكَانِ فَأَعْظَمُ ما فِيمَا وَصَفْت من الْحُكْمِ بِالْإِزْكَانِ خِلَافُ ما امر اللَّهُ عز وجل بِهِ أَنْ يُحْكَمَ بين عِبَادِهِ من الظَّاهِرِ وما حَكَمَ بِهِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ لم يَمْتَنِعْ من حَكَمَ بِالْإِزْكَانِ أن اخْتَلَفَتْ أَقَاوِيلُهُ فيه حتى لو لم يَكُنْ آثِمًا بِخِلَافِهِ ما وَصَفْت من الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كان يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ أَكْثَرُ أَقَاوِيلِهِ مَتْرُوكَةً عليه لِضَعْفِ مَذْهَبِهِ فيها وَذَلِكَ أَنَّهُ يُزْكَنُ في الشَّيْءِ الْحَلَالِ فَيُحَرِّمُهُ ثُمَّ يَأْتِي ما هو أَوْلَى أَنْ يُحَرِّمَهُ منه إنْ كان له التَّحْرِيمُ بِالْإِزْكَانِ فَلَا يُحَرِّمُهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ وَمِثْلُ مَاذَا من الْبُيُوعِ قِيلَ أَرَأَيْت رَجُلًا اشْتَرَى فَرَسًا على أنها عَقُوقٌ فَإِنْ قال لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ لِأَنَّ ما في بَطْنِهَا مُغَيَّبٌ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِصِفَةٍ عليه قِيلَ له وَكَذَلِكَ لو اشْتَرَاهَا وما في بَطْنِهَا بِدِينَارٍ فَإِنْ قال نعم قِيلَ أَرَأَيْت إذَا كان الْمُتَبَايِعَانِ بَصِيرَيْنِ فَقَالَا هذه الْفَرَسُ تَسْوَى خَمْسَةَ دَنَانِيرَ إنْ كانت غير عَقُوقٍ وعشرة ( ( ( عشرة ) ) ) إنْ كانت عَقُوقًا فَأَنَا آخُذُهَا مِنْك بِعَشْرَةٍ وَلَوْلَا أنها عِنْدِي عَقُوقٌ لم أَزِدْك على خَمْسَةٍ وَلَكِنَّا لَا نَشْتَرِطُ مَعَهَا عُقُوقًا لِإِفْسَادِ الْبَيْعِ فَإِنْ قال هذا الْبَيْعُ يَجُوزُ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ وَقَعَتْ على الْفَرَسِ دُونَ ما في بَطْنِهَا وَنِيَّتُهُمَا مَعًا وَإِظْهَارُهُمَا الزِّيَادَةَ لِمَا في الْبَطْنِ لَا يُفْسِدُ الْبَيْعَ إذَا لم تُعْقَدْ الصَّفْقَةُ على ما يُفْسِدُ الْبَيْعَ وَلَا أُفْسِدَ الْبَيْعُ هَا هُنَا بِالنِّيَّةِ قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَلِكَ لَا يَحِلُّ نِكَاحُ الْمُتْعَةِ وَيُفْسَخُ فَإِنْ قال نعم قِيلَ وَإِنْ كان أَعْزَبَ أو آهِلًا فَإِنْ قال نعم قِيلَ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَنْكِحَ امْرَأَةً وَنَوَى أَنْ لَا يَحْبِسَهَا إلَّا يَوْمًا أو عَشْرًا إنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ منها وَطَرًا وَكَذَلِكَ نَوَتْ هِيَ منه غير أَنَّهُمَا عَقَدَا النِّكَاحَ مُطْلَقًا على غَيْرِ شَرْطٍ فإن ( ( ( وإن ) ) ) قال هذا يَحِلُّ قِيلَ له وَلِمَ تُفْسِدُهُ بِالنِّيَّةِ إذَا كان الْعَقْدُ صَحِيحًا فَإِنْ قال نعم قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَهَلْ تَجِدُ في الْبُيُوعِ شيئا من الذَّرَائِعِ أو في النِّكَاحِ شيئا من الذَّرَائِعِ تُفْسِدُ بِهِ بَيْعًا أو نِكَاحًا أَوْلَى أَنْ تُفْسِدَ بِهِ الْبَيْعَ من شِرَاءِ الْفَرَسِ الْعَقُوقِ على ما وصفت ( ( ( وصف ) ) ) وَكُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ سِوَاهَا وَالنِّكَاحُ على ما وَصَفْت فإذا لم تُفْسِدْ بَيْعًا وَلَا نِكَاحًا بِنِيَّةٍ يَتَصَادَقُ عليها الْمُتَبَايِعَانِ وَالْمُتَنَاكِحَانِ أَيَّمَا كانت نِيَّتُهُمَا ظَاهِرَةً قبل الْعَقْدِ وَمَعَهُ وَبَعْدَهُ وَقُلْت لَا أُفْسِدُ وَاحِدًا مِنْهُمَا لِأَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ وَعَقْدَ النِّكَاحِ وَقَعَ على صِحَّةٍ وَالنِّيَّةُ لَا تَصْنَعُ شيئا وَلَيْسَ مَعَهَا كَلَامٌ فَالنِّيَّةُ اذا لم يَكُنْ مَعَهَا كَلَامٌ أَوْلَى أَنْ لَا تَصْنَعَ شيئا يَفْسُدُ بِهِ بَيْعٌ وَلَا نِكَاحٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا لم يَفْسُدْ على الْمُتَبَايِعَيْنِ نِيَّتُهُمَا أو كَلَامُهُمَا فَكَيْفَ أَفْسَدْت عَلَيْهِمَا بِأَنْ أزكنت عَلَيْهِمَا أَنَّهُمَا نَوَيَا أو أَحَدُهُمَا شيئا وَالْعَقْدُ صَحِيحٌ فَأَفْسَدْت الْعَقْدَ الصَّحِيحَ بِإِزْكَانِك أَنَّهُ نَوَى فيه ما لو شَرَطَ في الْبَيْعِ أو النِّكَاحِ فَسَدَ فَإِنْ قال وَمِثْلُ مَاذَا قال قِيلَ له مِثْلُ قَوْلِك وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ - * بَابُ تفريع ( ( ( تفريغ ) ) ) الْوَصَايَا لِلْوَارِثِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَكُلُّ ما أَوْصَى بِهِ الْمَرِيضُ في مَرَضِهِ الذي يَمُوتُ فيه لِوَارِثٍ من مِلْكِ مَالٍ وَمَنْفَعَةٍ بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ لم تَجُزْ الْوَصِيَّةُ لِوَارِثٍ بِأَيِّ هذا كان - * الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ - * قال الرَّبِيعُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اسْتَأْذَنَ الرَّجُلُ أَنْ يوصى لِوَارِثٍ في صِحَّةٍ منه أو مَرَضٍ فَأَذِنُوا له أو لم يَأْذَنُوا فَذَلِكَ سَوَاءٌ فَإِنْ وَفَّوْا له كان خَيْرًا لهم وَأَتْقَى لِلَّهِ عز ذِكْرُهُ وَأَحْسَنَ في الْأُحْدُوثَةِ أَنْ يُجِيزُوهُ فَإِنْ لم يَفْعَلُوا لم يَكُنْ لِلْحَاكِمِ
____________________

(4/115)


أَنْ يُجْبِرَهُمْ على شَيْءٍ منه وَذَلِكَ بِمَا نُقِلَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من الْمِيرَاثِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ قال سَمِعْت الزُّهْرِيَّ يقول زَعَمَ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَنَّ شَهَادَةَ الْمَحْدُودِ لَا تَجُوزُ فَأَشْهَدُ لَأَخْبَرَنِي فُلَانٌ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه قال لِأَبِي بَكْرَةَ تُبْ تُقْبَلْ شَهَادَتُك أو إنْ تُبْت قُبِلَتْ شَهَادَتُك قال سُفْيَانُ سمي الزُّهْرِيُّ الذي أخبره فَحَفِظْته ثُمَّ نَسِيته وَشَكَكْت فيه فلما قُمْنَا سَأَلْت من حَضَرَ فقال لي عَمْرُو بن قَيْسٍ هو سَعِيدُ بن الْمُسَيِّبِ فَقُلْت هل شَكَكْت فِيمَا قال فقال لَا هو سَعِيدُ بن الْمُسَيِّبِ غير شَكٍّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَثِيرًا ما سَمِعْته يُحَدِّثُهُ فَيُسَمِّي سَعِيدًا وَكَثِيرٌ ما سَمِعْته يقول عن سَعِيدٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وقد رَوَى غَيْرُهُ من أَهْلِ الْحِفْظِ عن سَعِيدٍ ليس فيه شَكٌّ وزاد فيه أَنَّ عُمَرَ اسْتَتَابَ الثَّلَاثَةَ فَتَابَ اثْنَانِ فَأَجَازَ شَهَادَتَهُمَا وَأَبَى أبو بَكْرٍ فَرَدَّ شَهَادَتَهُ - * مَسْأَلَةٌ في الْعِتْقِ - * ( قال ) وَمَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدِهِ وَلَا يَحْمِلُهُ الثُّلُثُ فَأَجَازَ له بَعْضُ الْوَرَثَةِ وَأَبَى بَعْضٌ أَنْ يُجِيزَ عَتَقَ منه ما حَمَلَ الثُّلُثُ وَحِصَّةُ من أَجَازَ وكان الْوَلَاءُ لِلَّذِي أَعْتَقَ لَا لِلَّذِي أَجَازَ إنْ قال أَجَزْت لَا أَرُدُّ ما فَعَلَ الْمَيِّتُ وَلَا أُبْطِلُهُ من قِبَلِ أَنَّهُ لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ لَزِمَهُ عِتْقُهُ في حَيَاتِهِ أو وَجْهُ ذِكْرِهِ مِثْلُ هذا وَمَنْ أَوْصَى له بِثُلُثِ رَقِيقٍ وَفِيهِمْ من يُعْتَقُ عليه إذَا مَلَكَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ في أَنْ يَقْبَلَ أو يَرُدَّ الْوَصِيَّةَ فَإِنْ قِبَلَ عَتَقَ عليه من يُعْتَقُ عليه إذَا مَلَكَهُ وَقُوِّمَ عليه ما بَقِيَ منه إنْ كان مُوسِرًا وكان له وَلَاؤُهُ وَيُعْتَقُ على الرَّجُلِ كُلُّ من وَلَدَ الرَّجُلَ من أَبٍ وَجَدِّ اب وَجَدِّ أُمٍّ إذَا كان له وَالِدًا من جِهَةٍ من الْجِهَاتِ وَإِنْ بَعُدَ وَكَذَلِكَ كُلُّ من كان وَلَدٌ بِأَيِّ جِهَةٍ من الْجِهَاتِ وَإِنْ بَعُدَ وَلَا يُعْتَقُ عليه أَخٌ وَلَا عَمٌّ وَلَا ذُو قَرَابَةٍ غَيْرُهُمْ وَمَنْ أَوْصَى لِصَبِيٍّ لم يَبْلُغْ بِأَبِيهِ أو جَدِّهِ كان لِلْوَصِيِّ أَنْ يَقْبَلَ الْوَصِيَّةَ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عليه في أَنْ يُعْتَقَ على الصَّبِيِّ وَلَهُ وَلَاؤُهُ وَإِنْ أَوْصَى له بِبَعْضِهِ لم يَكُنْ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَقْبَلَ الْوَصِيَّةَ على الصَّبِيِّ وَإِنْ قَبِلَ لم يُقَوَّمْ على الصَّبِيِّ وَعَتَقَ منه ما مَلَكَ الصَّبِيُّ وَإِنَّمَا يَجُوزُ له أَمْرُ الْوَلِيِّ فِيمَا زَادَ الصَّبِيُّ أو لم يَنْقُصْ أو فِيمَا لَا بُدَّ له منه فَأَمَّا ما يَنْقُصُهُ مِمَّا له منه بُدٌّ فَلَا يَجُوزُ عليه وَهَذَا نَقْصٌ له منه بُدٌّ وإذا كان الْعَبْدُ بين اثْنَيْنِ فَأَعْطَى أَحَدَهُمَا خَمْسِينَ دِينَارًا على أَنْ يُعْتِقَهُ أو يُعْتِقَ نَصِيبَهُ منه فَأَعْتَقَهُ عَتَقَ عليه وَرَجَعَ شَرِيكُهُ عليه بِنِصْفِ الْخَمْسِينَ وَأَخَذَهَا وَنِصْفِ قِيمَةِ الْعَبْدِ وكان له وَلَاؤُهُ وَرَجَعَ السَّيِّدُ على الْعَبْدِ بِالْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ التي قَبَضَهَا منه السَّيِّدُ وَلَوْ كان السَّيِّدُ قال إنْ سَلِمَتْ لي هذه الْخَمْسُونَ فَأَنْتَ حُرٌّ لم يَكُنْ حُرًّا وكان لَلشَّرِيكِ أَنْ يَأْخُذَ منه نِصْفَ الْخَمْسِينَ لِأَنَّهُ مَالُ الْعَبْدِ وَمَالُهُ بَيْنَهُمَا وَمَنْ قال إذَا مِتُّ فَنِصْفُ غُلَامِي حُرٌّ فَنِصْفُ غُلَامِهِ حُرٌّ وَلَا يُعْتَقُ عليه النِّصْفُ الثَّانِي وَإِنْ حَمَلَ ذلك ثُلُثُهُ لِأَنَّهُ إذَا مَاتَ فَقَدْ انْقَطَعَ مِلْكُهُ عن مَالِهِ وَإِنَّمَا كان له أَنْ يَأْخُذَ من مَالِهِ ما كان حَيًّا فلما أَوْقَعَ الْعِتْقَ في حَالٍ ليس هو فيها مَالِكٌ لم يَقَعْ منه إلَّا ما أَوْقَعَ وإذا كنا في حَيَاتِهِ لو أَعْتَقَ نِصْفَ مَمْلُوكٍ وَنِصْفُهُ لِغَيْرِهِ وهو مُعْسِرٌ لم نَعْتِقْهُ عليه فَهُوَ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يَمْلِكُ في حَالِهِ التي أَعْتَقَ فيها وَلَا يُفِيدُ مِلْكًا بَعْدَهُ وَلَوْ أَعْتَقَهُ فَبَتَّ عِتْقَهُ في مَرَضِهِ عَتَقَ عليه كُلَّهُ لِأَنَّهُ أَعْتَقَ وهو مَالِكٌ لِلْكُلِّ أو الثُّلُثُ وإذا مَاتَ فَحَمَلَ الثُّلُثُ عِتْقَ كُلِّهِ وَبُدِئَ على التَّدْبِيرِ وَالْوَصَايَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان الْعَبْدُ بين رَجُلَيْنِ أو أَكْثَرَ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمْ وهو مُوسِرٌ وَشُرَكَاؤُهُ غُيَّبٌ عَتَقَ كُلَّهُ وَقُوِّمَ فَدَفَعَ إلَى وُكَلَاءِ شُرَكَائِهِ نَصِيبَهُمْ من الْعَبْدِ وكان حُرًّا وَلَهُ وَلَاؤُهُ فَإِنْ لم يَكُنْ لهم وُكَلَاءُ وُقِفَ ذلك لهم على أَيْدِي من يَضْمَنُهُ بِالنَّظَرِ من الْقَاضِي لهم أو أَقَرَّهُ على الْمُعْتِقِ إنْ كان مَلِيئًا وَلَا يُخْرِجُهُ من يَدَيْهِ إذَا كان مَلِيئًا مَأْمُونًا إنَّمَا يُخْرِجُهُ إذَا كان غير مَأْمُونٍ وإذا قال الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ أنت حُرٌّ على أَنَّ عَلَيْك مِائَةَ دِينَارٍ أو خِدْمَةَ سَنَةٍ أو عَمَلَ كَذَا فَقَبِلَ الْعَبْدُ الْعِتْقَ على هذا لَزِمَهُ ذلك وكان دَيْنًا عليه فَإِنْ مَاتَ قبل أَنْ يَخْدُمَ رَجَعَ عليه الْمَوْلَى بِقِيمَةِ الْخِدْمَةِ في مَالِهِ إنْ كان له ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ قال في هذا أَقْبَلُ الْعِتْقَ
____________________

(4/116)


وَلَا أَقْبَلُ ما جَعَلْت عَلَيَّ لم يَكُنْ حُرًّا وهو كَقَوْلِك أنت حُرٌّ إنْ ضَمِنْت مِائَةَ دِينَارٍ أو ضَمِنْت لي كَذَا وَكَذَا وَلَوْ قال أنت حُرٌّ وَعَلَيْك مِائَةُ دِينَارٍ وَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ عَلَيْك مِائَةُ دِينَارٍ او خِدْمَةٌ فَإِنْ أَلْزَمَهُ الْعَبْدُ نَفْسَهُ أو لم يُلْزِمْهُ نَفْسَهُ عَتَقَ في الْحَالَيْنِ مَعًا ولم يَلْزَمْهُ منه شَيْءٌ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ أَنْ جَعَلَ عليه شيئا فَجَعَلَهُ على رَجُلٍ لَا يَمْلِكُهُ ولم يَعْقِدْ بِهِ شَرْطًا فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بِأَنْ يَضْمَنَهُ له ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَعْتَقَ الرَّجُلُ شِرْكًا له في عَبْدٍ فَإِنَّمَا أَنْظُرُ إلَى الْحَالِ التي أَعْتَقَ فيها فَإِنْ كان مُوسِرًا سَاعَةَ أَعْتَقَهُ أَعْتَقْته وَجَعَلْت له وَلَاءَهُ وَضَمَّنْته نَصِيبَ شُرَكَائِهِ وَقَوَّمْته بِقِيمَتِهِ حين وَقَعَ الْعِتْقُ وَجَعَلْته حين وَقَعَ الْعِتْقُ حُرًّا جنايتة وَالْجِنَايَةَ عليه وَشَهَادَتَهُ وَحُدُودَهُ وَجَمِيعَ أَحْكَامِهِ أَحْكَامَ حُرٍّ وَإِنْ لم يَدْفَعْ الْقِيمَةَ ولم يَرْتَفِعْ إلَى الْقَاضِي إلَّا بَعْدَ سَنَةٍ أو أَكْثَرَ وَإِنْ كانت قِيمَتُهُ يوم أَعْتَقَهُ مِائَةَ دِينَارٍ ثُمَّ نَقَصَتْ ثُمَّ لم يُرَافِعْهُ إلَى الْحَاكِمِ حتى تَصِيرَ عَشْرَةً أو زَادَتْ حتى تَصِيرَ أَلْفًا فَسَوَاءٌ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ وَإِنْ كانت الْمُعْتَقَةُ أَمَةً فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا بَعْدَ الْعِتْقِ فَالْقِيمَةُ قِيمَةُ الْأُمِّ يوم وَقَعَ الْعِتْقُ حَامِلًا كانت أو غير حَامِلٍ وَلَا قِيمَةَ لِمَا حَدَثَ من الْحَمْلِ وَلَا من الْوِلَادَةِ بَعْدَ الْعِتْقِ لِأَنَّهُمْ أَوْلَادُ حُرَّةٍ وَلَوْ كان الْعَبْدُ بين رَجُلَيْنِ فَأَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا وَأَعْتَقَهُ الثَّانِي بَعْدَ عِتْقِ الْأَوَّلِ فَعِتْقُهُ بَاطِلٌ وَهَذَا إذَا كان الْأَوَّلُ مُوسِرًا فَلَهُ وَلَاؤُهُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَإِنْ كان مُعْسِرًا فَعِتْقُ الثَّانِي جَائِزٌ وَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ أَعْتَقَاهُ جميعا مَعًا لم يَتَقَدَّمْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ في الْعِتْقِ كان حُرًّا وَلَهُمَا وَلَاؤُهُ وَهَكَذَا إنْ وَلَّيَا رَجُلًا عِتْقَهُ فَأَعْتَقَهُ كان حُرًّا وكان وَلَاؤُهُ بَيْنَهُمَا وَلَوْ قال أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ إذَا أعتقته ( ( ( أعتقت ) ) ) فَهُوَ حُرٌّ فَأَعْتَقَهُ صَاحِبُهُ كان حُرًّا حين قال الْمُعْتِقُ وَلَا يَكُونُ حُرًّا لو قال إذَا أَعْتَقْتُكَ فَأَنْتَ حُرٌّ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الْعِتْقَ بَعْدَ كَمَالِ الْأَوَّلِ وكان كَمَنْ قال إذَا أَعْتَقْته فَهُوَ حُرٌّ وَلَا أَلْتَفِتُ إلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ وإذا كان الْعَبْدُ بين شَرِيكَيْنِ فَأَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا وهو مُعْسِرٌ فَنَصِيبُهُ حُرٌّ وَلِلْمُعْتِقِ نِصْفُ مَالِهِ وَلِلَّذِي لم يَعْتِقْ نِصْفُهُ وَلَوْ كان مُوسِرًا كان حُرًّا وَضَمِنَ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهِ وكان مَالُ الْعَبْدِ بَيْنَهُمَا وَلَا مَالَ لِلْعَبْدِ إنَّمَا مَالُهُ لِمَالِكِهِ إنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَهُ أَخَذَهُ وَعِتْقُهُ غَيْرُ هِبَةِ مَالِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وهو غَيْرُ مَالِهِ وهو يَقَعُ عليه الْعِتْقُ وَلَا يَقَعُ على مَالِهِ وَلَوْ قال رَجُلٌ لِغُلَامِهِ أنت حُرٌّ وَلِمَالِهِ أنت حُرٌّ كان الْغُلَامُ حُرًّا ولم يَكُنْ الْمَالُ حُرًّا ما كان الْمَالُ من حَيَوَانٍ أو غَيْرِهِ لَا يَقَعُ الْعِتْقُ إلَّا على بني آدَمَ وإذا أَعْتَقَ الرَّجُلُ عَبْدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ وَلَهُ من الْمَالِ ما يَعْتِقُ عليه ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ إلَّا أَنَّ الْكُلَّ لَا يَخْرُجُ عَتَقَ عليه ما احْتَمَلَ مَالُهُ منه وكان له من وَلَائِهِ بِقَدْرِ ما عَتَقَ منه وَيَرِقُّ منه ما بَقِيَ وَسَوَاءٌ فِيمَا وَصَفْت الْعَبْدُ بين الْمُسْلِمِينَ أو الْمُسْلِمُ وَالنَّصْرَانِيُّ وَسَوَاءٌ أَيَّهُمَا أَعْتَقَهُ وَسَوَاءٌ كان الْعَبْدُ مُسْلِمًا أو نَصْرَانِيًّا فإذا أَعْتَقَهُ النَّصْرَانِيُّ وهو مُوسِرٌ فَهُوَ حُرٌّ كُلُّهُ وَلَهُ وَلَاؤُهُ وهو فيه مِثْلُ الْمُسْلِمِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَرِثُهُ لِاخْتِلَافِ الدِّينَيْنِ كما لَا يَرِثُ إبنه فَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدُ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى الْمُعْتِقُ وَرِثَهُ وَلَا يَبْعُدُ النَّصْرَانِيُّ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا مُعْتِقًا فَعِتْقُ الْمَالِكِ جَائِزٌ وقد قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَلَا يَكُونُ مَالِكًا لِمُسْلِمٍ فَلَوْ أَعْتَقَهُ لم يَجُزْ عِتْقُهُ فَأَمَّا مَالِكُ مُعْتِقٍ يَجُوزُ عِتْقُهُ وَلَا يَكُونُ له وَلَاؤُهُ فلم اسمع بهذا وَهَذَا خِلَافُ السُّنَّةِ وإذا مَلَكَ الرَّجُلُ اباه أو أُمَّهُ بِمِيرَاثٍ عَتَقَا عليه وإذا مَلَكَ بَعْضَهُمَا عَتَقَ مِنْهُمَا ما مَلَكَ ولم يَكُنْ عليه أَنْ يُقَوَّمَا عليه لِأَنَّ الْمِلْكَ لَزِمَهُ وَلَيْسَ له دَفْعُهُ لِأَنَّهُ ليس له دَفْعُ الْمِيرَاثِ لِأَنَّ حُكْمَ اللَّهِ عز وجل أَنَّهُ نَقَلَ مِيرَاثَ الْمَوْتَى إلَى الْأَحْيَاءِ الْوَارِثِينَ وَلَكِنَّهُ لو أَوْصَى له أو وَهَبَ له او تَصَدَّقَ بِهِ عليه أو مَلَكَهُ بِأَيِّ مِلْكٍ ما شَاءَ غَيْرِ الْمِيرَاثِ عَتَقَ عليه وَإِنْ مَلَكَ بَعْضَهُمَا بِغَيْرِ مِيرَاثٍ كان عليه أَنْ يُقَوَّمَا عليه وَلَوْ اشْتَرَى بَعْضَهُمَا لِأَنَّهُ قد كان له دَفْعُ هذا الْمِلْكِ كُلِّهِ ولم يَكُنْ عليه قَبُولُهُ ولم يَكُنْ مَالِكًا له إلَّا بِأَنْ يَشَاءَ فَكَانَ اخْتِيَارُهُ الْمِلْكَ مِلْكَ ما له قِيمَةٌ وَالْعِتْقُ يَلْزَمُ الْعَبْدَ أَحَبَّ أو كَرِهَ وَلَوْ أَعْتَقَ الرَّجُلُ شِقْصًا له في عَبْدٍ قُوِّمَ عليه فقال عِنْدَ الْقِيمَةِ إنَّهُ آبِقٌ أو سَارِقٌ كُلِّفَ الْبَيِّنَةَ فَإِنْ جاء بها قُوِّمَ كَذَلِكَ وَإِنْ أَقَرَّ له شَرِيكُهُ قُوِّمَ كَذَلِكَ وَإِنْ لم يُقِرَّ له شَرِيكُهُ أُحْلِفَ فَإِنْ حَلَفَ قَوْمٌ بَرِيَا من الْإِبَاقِ وَالسَّرِقَةِ فَإِنْ نَكَلَ عن الْيَمِينِ رَدَدْنَا الْيَمِينَ على الْمُعْتَقِ فَإِنْ حَلَفَ قَوَّمْنَاهُ آبِقًا سَارِقًا وَإِنْ نَكَلَ قَوَّمْنَاهُ صَحِيحًا
____________________

(4/117)


- * بَابُ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَوْصَى رَجُلٌ بِوَصِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ ثُمَّ أَوْصَى بَعْدَهَا بِوَصِيَّةٍ أُخْرَى أُنْفِذَتْ الْوَصِيَّتَانِ مَعًا وَكَذَلِكَ إنْ أَوْصَى بِالْأُولَى فَجَعَلَ إنْفَاذَهَا إلَى رَجُلٍ وَبِالْأُخْرَى فَجَعَلَ إنْفَاذَهَا إلَى رَجُلٍ كانت كُلُّ وَاحِدَةٍ من الْوَصِيَّتَيْنِ إلَى من جَعَلَهَا إلَيْهِ وَإِنْ كان قال في الْأُولَى وَجَعَلَ وَصِيَّتَهُ وَقَضَاءَ دَيْنِهِ وَتَرِكَتَهُ إلَى فُلَانٍ وقال في الْأُخْرَى مِثْلَ ذلك كان كُلُّ ما قال في وَاحِدَةٍ من الْوَصِيَّتَيْنِ ليس في الْأُخْرَى إلَى الْوَصِيِّ في تِلْكَ الْوَصِيَّةِ دُونَ صَاحِبِهِ وكان قَضَاءُ دَيْنِهِ وَوِلَايَةُ تَرِكَتِهِ إلَيْهِمَا مَعًا وَلَوْ قال في إحْدَى الْوَصِيَّتَيْنِ أوصي بِمَا في هذه الْوَصِيَّةِ إلَى فُلَانٍ وقال في الْأُخْرَى أوصي بِمَا في هذه الْوَصِيَّةِ وَوِلَايَةِ من خَلَفَ وَقَضَاءِ دَيْنِهِ إلَى فُلَانٍ فَهَذَا مُفْرَدٌ بِمَا افرده بِهِ من قَضَاءِ دَيْنِهِ وَوِلَايَةِ تَرِكَتِهِ وما في وَصِيَّتِهِ لَيْسَتْ في الْوَصِيَّةِ الْأُخْرَى وَشَرِيكٌ مع الْآخَرِ فِيمَا في الْوَصِيَّةِ الْأُخْرَى - * بَابُ الرُّجُوعِ في الْوَصِيَّةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلِلرَّجُلِ إذَا أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ تَطَوَّعَ بها أَنْ يَنْقُضَهَا كُلَّهَا او يُبَدِّلَ منها ما شَاءَ التَّدْبِيرَ أو غَيْرَهُ ما لم يَمُتْ وَإِنْ كان في وَصِيَّتِهِ إقْرَارٌ بِدَيْنٍ أو غَيْرِهِ أو عِتْقٍ بَتَاتٍ فَذَلِكَ شَيْءٌ وَاجِبٌ عليه أَوْجَبَهُ على نَفْسِهِ في حَيَاتِهِ لَا بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَيْسَ له أَنْ يَرْجِعَ من ذلك في شَيْءٍ - * بَابُ ما يَكُونُ رُجُوعًا في الْوَصِيَّةِ وَتَغْيِيرًا لها وما لَا يَكُونُ رُجُوعًا وَلَا تَغْيِيرًا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَوْصَى رَجُلٌ بِعَبْدٍ بِعَيْنِهِ لِرَجُلٍ ثُمَّ أَوْصَى بِذَلِكَ الْعَبْدِ بِعَيْنِهِ لِرَجُلٍ فَالْعَبْدُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَلَوْ قال الْعَبْد الذي أَوْصَيْت بِهِ لِفُلَانٍ لِفُلَانٍ أو قد أَوْصَيْت بِالْعَبْدِ الذي أَوْصَيْت بِهِ لِفُلَانٍ لِفُلَانٍ كان هذا رَدًّا لِلْوَصِيَّةِ الْأُولَى وَكَانَتْ وَصِيَّتُهُ لِلْآخَرِ مِنْهُمَا وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِعَبْدٍ ثُمَّ أَوْصَى أَنْ يُبَاعَ ذلك الْعَبْدُ كان هذا دَلِيلًا على ( ( ( ثم ) ) ) إبْطَالُ وَصِيَّتِهِ بِهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْبَيْعَ وَالْوَصِيَّةَ لَا يَجْتَمِعَانِ في عَبْدٍ وَكَذَلِكَ لو أَوْصَى لِرَجُلٍ بِعَبْدٍ ثُمَّ أَوْصَى بِعِتْقِهِ أو أَخْذِ مَالٍ منه وَعِتْقِهِ كان هذا كُلُّهُ إبْطَالًا لِلْوَصِيَّةِ بِهِ لِلْأَوَّلِ وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِعَبْدٍ ثُمَّ بَاعَهُ أو كَاتَبَهُ أو دَبَّرَهُ أو وَهَبَهُ كان هذا كُلُّهُ إبْطَالًا لِلْوَصِيَّةِ فيه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَوْصَى بِهِ لِرَجُلٍ ثُمَّ أَذِنَ له في التِّجَارَةِ أو بَعَثَهُ تَاجِرًا إلَى بَلَدٍ أو أَجَّرَهُ أو عَلَّمَهُ كِتَابًا أو قُرْآنًا أو عِلْمًا أو صِنَاعَةً أو كَسَاهُ أو وَهَبَ له مَالًا أو زَوَّجَهُ لم يَكُنْ شَيْءٌ من هذا رُجُوعًا في الْوَصِيَّةِ وَلَوْ كان الموصى بِهِ طَعَامًا فَبَاعَهُ أو وَهَبَهُ أو أَكَلَهُ أو كان حِنْطَةً فَطَحَنَهَا أو دَقِيقًا فَعَجَنَهُ أو خَبَزَهُ أو حنطة فَجَعَلَهَا سَوِيقًا كان هذا كُلُّهُ كَنَقْضِ الْوَصِيَّةِ وَلَوْ أَوْصَى له بِمَا في هذا الْبَيْتِ من الْحِنْطَةِ ثُمَّ خَلَطَهَا بِحِنْطَةِ غَيْرِهَا كان هذا إبْطَالًا لِلْوَصِيَّةِ وَلَوْ أَوْصَى له مِمَّا في الْبَيْتِ بِمَكِيلَةِ حِنْطَةٍ ثُمَّ خَلَطَهَا بِحِنْطَةٍ مِثْلِهَا لم يَكُنْ هذا إبْطَالًا لِلْوَصِيَّةِ وَكَانَتْ له الْمَكِيلَة التي أَوْصَى بها له - * تَغْيِيرُ وَصِيَّةِ الْعِتْقِ - * أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال حدثنا الشَّافِعِيُّ إمْلَاءً قال وَلِلْمُوصِي أَنْ يُغَيِّرَ من وَصِيَّتِهِ ما شَاءَ من تَدْبِيرٍ وَغَيْرِ تَدْبِيرٍ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ عَطَاءٌ يُعْطِيهِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَهُ الرُّجُوعُ فيه ما لم يَتِمَّ لِصَاحِبِهِ بِمَوْتِهِ قال وَتَجُوزُ وَصِيَّةُ كل من عَقَلَ الْوَصِيَّةَ من بَالِغٍ مَحْجُورٍ عليه وَغَيْرِ بَالِغٍ لِأَنَّا إنَّمَا نَحْبِسُ عليه مَالَهُ ما لم يَبْلُغْ رُشْدَهُ فإذا صَارَ إلَى أَنْ يُحَوِّلَ مِلْكَهُ لِغَيْرِهِ لم نَمْنَعْهُ أَنْ يَتَقَرَّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى في مَالِهِ بِمَا أَجَازَتْ له السُّنَّةُ من الثُّلُثِ قال وَنَقْتَصِرُ في الْوَصَايَا على الثُّلُثِ وَالْحُجَّةُ
____________________

(4/118)


في أَنْ يُقْتَصَرَ بها على الثُّلُثِ وفي أَنْ تَجُوزَ لِغَيْرِ الْقَرَابَةِ حَدِيثُ عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ أَنْ رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةً مَمْلُوكِينَ له عِنْدَ الْمَوْتِ فَأَقْرَعَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً فَاقْتَصَرَ بِوَصِيَّتِهِ على الثُّلُثِ وَجَعَلَ عِتْقَهُ في الْمَرَضِ إذَا مَاتَ وَصِيَّةً وَأَجَازَهَا لِلْعَبِيدِ وَهُمْ غَيْرُ قَرَابَةٍ وَأُحِبُّ إلَيْنَا أَنْ يُوصِيَ لِلْقَرَابَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَوْصَى رَجُلٌ لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ أو شَيْءٍ مُسَمًّى من دَنَانِيرَ أو دَرَاهِمَ أو عَرْضٍ من الْعُرُوضِ وَلَهُ مَالٌ حَاضِرٌ لا يَحْتَمِلُ ما أَوْصَى بِهِ وَمَالٌ غَائِبٌ فيه فَضْلٌ عَمَّا أَوْصَى بِهِ أَعْطَيْنَا الموصى له ما أَوْصَى له بِمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَسْتَكْمِلَ ثُلُثَ الْمَالِ الْحَاضِرِ وَبَقَّيْنَا ما بَقِيَ له وَكُلَّمَا حَضَرَ من الْمَالِ شَيْءٌ دَفَعْنَا إلَى الْوَرَثَةِ ثُلُثَيْهِ والى الموصى له ثُلُثَهُ حتى يَسْتَوْفُوا وَصَايَاهُمْ وَإِنْ هَلَكَ الْمَالُ الْغَائِبُ هَلَكَ منهم وَمِنْ الْوَرَثَةِ وَإِنْ أبطا عليهم أَبْطَأَ عليهم مَعًا وَأَحْسَنُ حَالِ الموصى له أَبَدًا أَنْ يَكُونَ كَالْوَارِثِ ما احْتَمَلَتْ الْوَصِيَّةُ الثُّلُثَ فإذا عَجَزَ الثُّلُثُ عنها سَقَطَ معه فَأَمَّا أَنْ يزاد ( ( ( يزيد ) ) ) أَحَدٌ بِحَالٍ أَبَدًا على ما أَوْصَى له بِهِ قَلِيلًا أو كَثِيرًا فَلَا إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ له الْوَرَثَةُ فَيَهَبُونَ له من أَمْوَالِهِمْ أَرَأَيْت من زَعَمَ أَنَّ رَجُلًا لو أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ وَتَرَكَ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ وَعَرَضًا غَائِبًا يُسَاوِي ألف ( ( ( ألفا ) ) ) ألف فقال أُخَيِّرُ الْوَرَثَةَ بين أَنْ يُعْطُوا الموصى له هذه الثَّلَاثَةَ دَرَاهِمَ كُلَّهَا وَيُسْلَمَ لهم ثُلُثُ مَالِ الْمَيِّتِ أو أُجْبِرُهُمْ على دِرْهَمٍ من الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُ ثُلُثُ ما حَضَرَ وَأَجْعَلُ للموصى له ثُلُثَيْ الثُّلُثِ فِيمَا غَابَ من مَالِهِ أَلَيْسَ كان أَقْرَبَ إلَى الْحَقِّ وَأَبْعَدَ من الْفُحْشِ في الظُّلْمِ لو جَبْرَهُمْ على أَنْ يُعْطُوهُ من الثَّلَاثَةِ دَرَاهِمَ دِرْهَمًا فإذا لم يجز ( ( ( يحز ) ) ) عِنْدَهُ أَنْ يُجْبِرَهُمْ على دِرْهَمَيْنِ يَدْفَعُونَهُمَا من قِبَلِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ له أَنْ تَسْلَمَ إلَيْهِ وَصِيَّتُهُ ولم تَأْخُذْ الْوَرَثَةُ مِيرَاثَهُمْ كان أَنْ يُعْطُوهُ قِيمَةَ أُلُوفٍ أَحْرَمَ عليه وَأُفْحِشَ في الظُّلْمِ وَإِنَّمَا أَحْسَنُ حَالَاتِ الْمُوصَى له أَنْ يستوفى ما أوصى له بِهِ لَا يُزَادَ عليه بِشَيْءٍ وَلَا يَدْخُلَ عليه النَّقْصُ فَأَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا تَحِلُّ وَلَكِنْ كُلَّمَا حَضَرَ من مَالِ الْمَيِّتِ أَعْطَيْنَا الْوَرَثَةَ الثُّلُثَيْنِ وَلَهُ الثُّلُثَ حتى يَسْتَوْفِيَ وَصِيَّتَهُ وَكَذَلِكَ لو أَوْصَى له بِعَبْدٍ بِعَيْنِهِ ولم يَتْرُكْ الْمَيِّتُ غَيْرَهُ إلَّا مَالًا غَائِبًا سَلَّمْنَا له ثُلُثَهُ وَلِلْوَرَثَةِ الثُّلُثَيْنِ وَكُلَّمَا حَضَرَ من الْمَالِ الْغَائِبِ شَيْءٌ له ثُلُثٌ زِدْنَا الْمُوصَى له في الْعَبْدِ أَبَدًا حتى يستوفى رَقَبَتَهُ أو يعجز ( ( ( سقط ) ) ) الثُّلُثُ فَيَكُونُ له ما حَمَلَ الثُّلُثُ وَلَا أُبَالِي تَرَكَ الْمَيِّتُ دَارًا أو أَرْضًا أو غير ذلك لِأَنَّهُ لَا مَأْمُونَ في الدُّنْيَا قد تَنْهَدِمُ الدَّارُ وَتَحْتَرِقُ وَيَأْتِي السَّيْلُ عليها فَيَنْسِفُ أَرْضَهَا وَعِمَارَتَهَا وَلَيْسَ من الْعَدْلِ أَنْ يَكُونَ لِلْوَرَثَةِ ثُلُثَانِ بِكِتَابِ اللَّهِ عز وجل وللموصى له ثُلُثٌ تَطَوَّعَا من الْمَيِّتِ فَيُعْطَى بِالثُّلُثِ ما لَا تُعْطَى الْوَرَثَةُ بِالثُّلُثَيْنِ - * بَابُ وَصِيَّةِ الْحَامِلِ - * أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) تَجُوزُ وَصِيَّةُ الْحَامِلِ ما لم يَحْدُثْ لها مَرَضٌ غَيْرُ الْحَمْلِ كَالْأَمْرَاضِ التي يَكُونُ فيها صَاحِبُهَا مُضْنِيًا أو تَجْلِسُ بين الْقَوَابِلِ فَيَضْرِبُهَا الطَّلْقُ فَلَوْ أَجَزْت أَنْ تُوصِيَ حَامِلٌ مَرَّةً وَلَا تُوصِي اخرى كان لِغَيْرِي أَنْ يَقُولَ إذَا ابْتَدَأَ الْحَمْلُ تَغْثَى نَفْسُهَا وَتُغَيِّر عن حَالِ الصِّحَّةِ وَتَكْرَهُ الطَّعَامَ فَلَا أُجِيزُ وَصِيَّتَهَا في هذه الْحَالِ وَأَجَزْت وَصِيَّتَهَا إذَا اسْتَمَرَّتْ في الْحَمْلِ وَذَهَبَ عنها الْغَثَيَانُ وَالنُّعَاسُ وَإِقْهَامُ الطَّعَامِ ثُمَّ يَكُونُ أَوْلَى أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ مِمَّنْ فَرَّقَ بين حَالِهَا قبل الطَّلْقِ وَلَيْسَ في هذا وَجْهٌ يَحْتَمِلُهُ إلَّا ما قُلْنَا لِأَنَّ الطَّلْقَ حَادِثٌ كَالتَّلَفِ أو كَأَشَدِّ وَجَعِ في الْأَرْضِ مُضْنٍ وَأَخْوَفُهُ أو لَا تَجُوزُ وَصِيَّتُهَا إذَا حَمَلَتْ بِحَالٍ لِأَنَّهَا حَامِلًا مُخَالِفَةٌ حَالَهَا غير حَامِلٍ وقد قال في الرَّجُلِ يَحْضُرُ الْقِتَالَ تَجُوزُ هِبَتُهُ وَجَمِيعُ ما صَنَعَ في مَالِهِ في كُلٍّ ما لم يُجْرَحْ فإذا جُرِحَ جُرْحًا مَخُوفًا فَهَذَا كَالْمَرَضِ الْمُضْنِي أو أَشَدُّ خَوْفًا فَلَا يَجُوزُ مِمَّا صَنَعَ في مَالِهِ إلَّا الثُّلُثُ وَكَذَلِكَ الْأَسِيرُ يَجُوزُ له ما صَنَعَ في مَالِهِ وَكَذَلِكَ من حَلَّ عليه الْقِصَاصُ ما لم يُقْتَلْ أو يُجْرَحْ من قِبَلِ أَنَّهُ قد يُمْكِنُ أَنْ يَحْيَا
____________________

(4/119)


- * صَدَقَةُ الْحَيِّ عن الْمَيِّتِ - * أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال حدثنا الشَّافِعِيُّ إمْلَاءً قال يَلْحَقُ الْمَيِّتَ من فِعْلِ غَيْرِهِ وَعَمَلِهِ ثَلَاثٌ حَجٌّ يُؤَدَّى عنه وَمَالٌ يُتَصَدَّقُ بِهِ عنه أو يُقْضَى وَدُعَاءٌ فَأَمَّا ما سِوَى ذلك من صَلَاةٍ أو صِيَامٍ فَهُوَ لِفَاعِلِهِ دُونَ الْمَيِّتِ وَإِنَّمَا قُلْنَا بهذا دُونَ ما سِوَاهُ اسْتِدْلَالًا بِالسُّنَّةِ في الْحَجِّ خَاصَّةً وَالْعُمْرَةُ مِثْلُهُ قِيَاسًا وَذَلِكَ الْوَاجِبُ دُونَ التَّطَوُّعِ وَلَا يَحُجَّ أَحَدٌ عن أَحَدٍ تَطَوُّعًا لِأَنَّهُ عَمَلٌ على الْبَدَنِ فَأَمَّا الْمَالُ فإن الرَّجُلَ يَجِبُ عليه فِيمَا له الْحَقُّ من الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا فَيُجْزِيه أَنْ يُؤَدِّي عنه بِأَمْرِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُرِيدَ بِالْفَرْضِ فيه تَأْدِيَتُهُ إلَى أَهْلِهِ لَا عَمَلٌ على الْبَدَنِ فإذا عَمِلَ امْرُؤٌ عَنِّي على ما فُرِضَ في مَالِي فَقَدْ أَدَّى الْفَرْضَ عَنِّي وَأَمَّا الدُّعَاءُ فإن اللَّهَ عز وجل نَدَبَ الْعِبَادَ إلَيْهِ وَأَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِهِ فإذا جَازَ أَنْ يُدْعَى لِلْأَخِ حَيًّا جَازَ أَنْ يُدْعَى له مَيِّتًا وَلَحِقَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بركة ذلك مع أَنَّ اللَّهَ عز ذِكْرُهُ وَاسِعٌ لَأَنْ يُوَفِّي الْحَيَّ أَجْرَهُ وَيُدْخِلَ على الْمَيِّتِ مَنْفَعَتَهُ وَكَذَلِكَ كُلَّمَا تَطَوَّعَ رَجُلٌ عن رَجُلٍ صَدَقَةَ تَطَوُّعٍ - * بَابُ الْأَوْصِيَاءِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ إلَّا إلَى بَالِغٍ مُسْلِمٍ عَدْلٍ أو امْرَأَةٍ كَذَلِكَ وَلَا تَجُوزُ إلَى عَبْدٍ أَجْنَبِيٍّ وَلَا عبد الْمُوصِي وَلَا عبد الْمُوصَى له وَلَا إلَى أَحَدٍ لم تَتِمَّ فيه الْحُرِّيَّةُ من مُكَاتَبٍ وَلَا غَيْرِهِ وَلَا تَجُوزُ وَصِيَّةُ مُسْلِمٍ إلَى مُشْرِكٍ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَكَيْفَ لم تُجِزْ الْوَصِيَّةَ إلَى من ذَكَرْت أنها لَا تَجُوزُ إلَيْهِ قِيلَ لَا تَعْدُو الْوَصِيَّةُ أَنْ تَكُونَ كَوِكَالَةِ الرَّجُلِ في الْحَقِّ له فَلَسْنَا نَرُدُّ على رَجُلٍ وَكَّلَ عَبْدًا كَافِرًا خَائِنًا لِأَنَّهُ أَمْلَكُ بِمَالِهِ وَنُجِيزُ له أَنْ يُوَكِّلَ بِمَا يَجُوزُ له في مَالِهِ وَلَا نُخْرِجُ من يَدَيْهِ ما دَفَعَ إلَيْهِ منه وَلَا نَجْعَلُ عليه فيه أَمِينًا وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا يُجِيزُ في الْوَصِيَّةِ ما يُجِيزُ في الْوَكَالَةِ من هذا وما أَشْبَهَهُ فإذا صَارُوا إلَى أَنْ لَا يُجِيزُوا هذا في الْوَصِيَّةِ فَلَا وَجْهَ لِلْوَصِيَّةِ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ نَظَرَ لِمَنْ أَوْصَى له بِدَيْنٍ وَتَطَوُّعٍ من وِلَايَةِ وَلَدِهِ فَأَسْنَدَهُ إلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فلما خَرَجَ من مِلْكِ الْمَيِّتِ فَصَارَ يَمْلِكُهُ وَارِثٌ أو ذُو دَيْنٍ أو مُوصًى له لَا يَمْلِكُهُ الْمَيِّتُ فإذا قَضَى عليهم فِيمَا كان لهم بِسَبَبِهِ قَضَاءٌ يَجُوزُ أَنْ يَبْتَدِئَ الْحَاكِمُ الْقَضَاءَ لهم بِهِ لِأَنَّهُ نَظَرَ لهم أَجَزْته وكان فيه مَعْنَى أَنْ يَكُونَ من أَسْنَدَ ذلك إلَيْهِ يَعْطِفُ عليهم من الثِّقَةِ بِمَوَدَّةٍ لِلْمَيِّتِ أو لِلْمُوصَى لهم فإذا ولي حُرًّا أو حُرَّةً عَدْلَيْنِ أَجَزْنَا ذلك لَهُمَا بِمَا وَصَفْت من أَنَّ ذلك يَصْلُح على الِابْتِدَاءِ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُوَلِّي أَحَدَهُمَا فإذا لم يُوَلِّ من هو في هذه الصِّفَةِ بأن لنا ان قد أَخْطَأَ عَامِدًا أو مُجْتَهِدًا على غَيْرِهِ وَلَا نُجِيزُ خَطَأَهُ على غَيْرِهِ إذَا بَانَ ذلك لنا كما نجيز ( ( ( تجيز ) ) ) أَمْرَ الْحَاكِمِ فِيمَا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ صَوَابًا وَلَا نُجِيزُهُ فِيمَا بَانَ خَطَؤُهُ وَنُجِيزُ أَمْرَ الْوَالِي فِيمَا صَنَعَ نَظَرًا وَنَرُدُّهُ فِيمَا صَنَعَ من مَالِ من يَلِي غير نَظَرٍ وَنُجِيزُ قَوْلَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ في نَفْسِهِ فِيمَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ صِدْقًا وَلَا نُجِيزُهُ فِيمَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ صِدْقًا وَهَكَذَا كُلُّ من شَرَطْنَا عليه في نَظَرِهِ أَنْ يَجُوزَ بِحَالٍ لم يَجُزْ في الْحَالِ التي يُخَالِفُهَا وإذا أَوْصَى الرَّجُلُ إلَى من تَجُوزُ وَصِيَّتُهُ ثُمَّ حَدَثَ لِلْمُوصَى إلَيْهِ حَالٌ تُخْرِجُهُ من حَدِّ أَنْ يَكُونَ كَافِيًا لِمَا أُسْنِدَ إلَيْهِ أو أَمِينًا عليه أَخْرَجْت الْوَصِيَّةَ من يَدَيْهِ إذَا لم يَكُنْ أَمِينًا وَأَضُمُّ إلَيْهِ إذَا كان أَمِينًا ضَعِيفًا عن الْكِفَايَةِ قَوِيًّا على الْأَمَانَةِ فَإِنْ ضَعُفَ عن الْأَمَانَةِ أُخْرِجَ بِكُلِّ حَالٍ وَكُلَّمَا صَارَ من أُبْدِلَ مَكَانَ وَصِيٍّ إلَى تَغَيُّرٍ في أَمَانَةٍ أو ضَعْفٍ كان مِثْلَ الْوَصِيِّ يُبْدَلُ مَكَانُهُ كما يُبْدَلُ مَكَانُ الْوَصِيِّ إذَا تَغَيَّرَتْ حَالُهُ وإذا أَوْصَى إلَى رَجُلَيْنِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا أو تَغَيَّرَتْ حَالُهُ أُبْدِلَ مَكَانَ الْمَيِّتِ أو الْمُتَغَيِّرِ رَجُلٌ آخَرُ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لم يَرْضَ قِيَامَ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَلَوْ أَوْصَى رَجُلٌ إلَى رَجُلٍ فَمَاتَ
____________________

(4/120)


الْمُوصَى إلَيْهِ وَأَوْصَى بِمَا أَوْصَى بِهِ إلَى رَجُلٍ لم يَكُنْ وصى الْوَصِيِّ وَصِيًّا لِلْمَيِّتِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْمَيِّتَ الْأَوَّلَ لم يَرْضَ الْمُوصَى الْآخَرَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ قال أَوْصَيْت إلَى فُلَانٍ فَإِنْ حَدَثَ بِهِ حَدَثٌ فَقَدْ أَوْصَيْت إلَى من أوصي إلَيْهِ لم يَجُزْ ذلك لِأَنَّهُ إنَّمَا أَوْصَى بِمَالِ غَيْرِهِ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَنْظُرَ فِيمَنْ أَوْصَى إلَيْهِ الْوَصِيُّ الْمَيِّتُ فَإِنْ كان كَافِيًا أَمِينًا ولم يَجِدْ آمَنَ منه أو مثله في الْأَمَانَةِ مِمَّنْ يَرَاهُ أَمْثَلَ لِتَرِكَةِ الْمَيِّتِ من ذِي قَرَابَةِ الْمَيِّتِ أو مَوَدَّةً له أو قَرَابَةً لِتَرِكَتِهِ أو مَوَدَّةً لهم ابْتَدَأَ توليته ( ( ( لتوليته ) ) ) بِتَرِكَةِ الْمَيِّتِ وَإِنْ وَجَدَ أَكْفَأَ وَأَمْلَأَ بِبَعْضِ هذه الْأُمُورِ منه وَلَّى الذي يَرَاهُ أَنْفَعَ لِمَنْ يُوَلِّيهِ أَمْرَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اخْتَلَفَ الْوَصِيَّانِ أو الْمَوْلَيَانِ أو الْوَصِيُّ والمولى معه في الْمَالِ قَسَمَ ما كان منه يُقْسَمُ فَجَعَلَ في أَيْدِيهِمَا نِصْفَيْنِ وآمر بِالِاحْتِفَاظِ بِمَا لَا يُقْسَمُ منه مَعًا وإذا أَوْصَى الْمَيِّتُ بِإِنْكَاحِ بَنَاتِهِ إلَى رَجُلٍ فَإِنْ كان وَلِيَّهُنَّ الذي لَا أَوْلَى منه زَوَّجَهُنَّ بِوِلَايَةِ النَّسَبِ أو الْوَلَاءِ دُونَ الْوَصِيَّةِ جَازَ وَإِنْ لم يَكُنْ وَلِيَّهُنَّ لم يَكُنْ له أَنْ يُزَوِّجَهُنَّ وفي إجَازَةِ تَزْوِيجِ الْوَصِيِّ إبْطَالٌ لِلْأَوْلِيَاءِ إذَا كان الْأَوْلِيَاءُ أَهْلَ النَّسَبِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَلِيَ غَيْرُ ذِي نَسَبٍ فَإِنْ قال قَائِلٌ يَجُوزُ بِوَصِيَّةِ الْمَيِّتِ أَنْ يَلِيَ ما كان يَلِي الْمَيِّتُ فَالْمَيِّتُ لَا وِلَايَةَ له على حَيٍّ فَيَكُونُ يَلِي أَحَدٌ بِوِلَايَةِ الْمَيِّتِ إذَا مَاتَ صَارَتْ الْوِلَايَةُ لِأَقْرَبِ الناس بِالْمُزَوَّجَةِ من قِبَل أَبِيهَا بَعْدَهُ أَحَبَّتْ ذلك أو كَرِهَتْهُ وَلَوْ جَازَ هذا لِوَصِيِّ الْأَبِ جَازَ لِوَصِيِّ الْأَخِ وَالْمَوْلَى وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ لِوَصِيٍّ فَإِنْ قِيلَ قد يُوَكِّلُ أَبُوهَا الرَّجُلَ فَيُزَوِّجَهَا فَيَجُوزُ قِيلَ نعم وَوَلِيُّهَا من كان وَالْوِلَايَةُ حِينَئِذٍ لِلْحَيِّ مِنْهُمَا وَالْوَكِيلُ يَقُومُ مَقَامَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا قال الرَّجُلُ قد أَوْصَيْت إلَى فُلَانٍ بِتَرِكَتِي أو قال قد اوصيت إلَيْهِ بِمَالِي أو قال بِمَا خَلَّفْت ( قال الرَّبِيعُ ) أنا أُجِيبُ فيها أَقُولُ يَكُونُ وَصِيًّا بِالْمَالِ وَلَا يَكُونُ إلَيْهِ من النِّكَاحِ شَيْءٌ إنَّمَا النِّكَاحُ إلَى الْعَصَبَةِ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ من الْمُزَوِّجَةِ وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَمُ - * بَابُ ما يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَصْنَعَهُ في أَمْوَالِ الْيَتَامَى - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُخْرِجُ الْوَصِيُّ من مَالِ الْيَتِيمِ كُلَّ ما لَزِمَ الْيَتِيمَ من زَكَاةِ مَالِهِ وَجِنَايَتِهِ وما لَا غِنَى بِهِ عنه من كِسْوَتِهِ وَنَفَقَتِهِ بِالْمَعْرُوفِ وإذا بَلَغَ الْحُلُمَ ولم يَبْلُغْ رُشْدَهُ زَوَّجَهُ وإذا احْتَاجَ إلَى خَادِمٍ وَمِثْلُهُ يُخْدَمُ اشْتَرَى له خادم ( ( ( خادما ) ) ) وإذا ابْتَاعَ له نَفَقَةً وَكِسْوَةً فَسُرِقَ ذلك أَخْلَفَ له مَكَانَهَا وَإِنْ أَتْلَفَ ذلك فائته ( ( ( فأته ) ) ) يَوْمًا يَوْمًا وَأْمُرْهُ بِالِاحْتِفَاظِ بِكِسْوَتِهِ فَإِنْ أَتْلَفَهَا رَفَعَ ذلك إلَى الْقَاضِي وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَحْبِسَهُ في إتْلَافِهَا وَيُخِيفَهُ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَأْمُرَ أَنْ يُكْسَى أَقَلَّ ما يَكْفِيهِ في الْبَيْتِ مِمَّا لَا يَخْرُجُ فيه فإذا رَأَى أَنْ قد أَدَّبَهُ أَمَرَ بِكِسْوَتِهِ ما يَخْرُجُ فيه وَيُنْفِقُ على امْرَأَتِهِ إنْ زَوَّجَهُ وَخَادِمٍ إنْ كانت لها بِالْمَعْرُوفِ وَيَكْسُوهَا وَكَذَلِكَ يُنْفِقُ على جَارِيَتِهِ إنْ اشْتَرَاهَا له لِيَطَأَهَا وَلَا أَرَى أَنْ يَجْمَعَ له امْرَأَتَيْنِ وَلَا جَارِيَتَيْنِ لِلْوَطْءِ وَإِنْ اتَّسَعَ مَالُهُ لِأَنَّا إنَّمَا نُعْطِيهِ منه ما فيه الْكِفَايَةُ مِمَّا يُخْرِجُ من حَدِّ الضِّيقِ وَلَيْسَ بِامْرَأَةٍ وَلَا جَارِيَةٍ لِوَطْءٍ ضِيقٌ إلَّا أَنْ تَسْقَمَ أَيَّتُهُمَا كانت عِنْدَهُ حتى لَا يَكُونَ فيها مَوْضِعٌ لِلْوَطْءِ فَيَنْكِحَ أو يَتَسَرَّى إذَا كان مَالُهُ مُحْتَمِلًا لِذَلِكَ وَهَذَا ما لَا صَلَاحَ له إلَّا بِهِ إنْ كان يَأْتِي النِّسَاءَ فَإِنْ كان مَجْبُوبًا أو حَصُورًا فَأَرَادَ جَارِيَةً يَتَلَذَّذُ بها لم تُشْتَرَ له وَإِنْ أَرَادَ جَارِيَةً لِلْخِدْمَةِ اُشْتُرِيَتْ له فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَتَلَذَّذَ بها تَلَذَّذَ بها وَإِنْ أَرَادَ امْرَأَةً لم يُزَوَّجْهَا لِأَنَّ هذا مِمَّا له منه بُدٌّ وإذا زُوِّجَ الْمَوْلَى عليه فَأَكْثَرَ طَلَاقَهَا أَحْبَبْت أَنْ يَتَسَرَّى فَإِنْ أَعْتَقَ فَالْعِتْقُ مَرْدُودٌ عليه
____________________

(4/121)


- * الْوَصِيَّةُ التي صَدَرَتْ من الشَّافِعِيُّ رضي اللَّهُ عنه - * قال الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ هذا كِتَابٌ كَتَبَهُ محمد بن إدْرِيسَ بن الْعَبَّاسِ الشَّافِعِيُّ في شَعْبَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَمِائَتَيْنِ واشهد اللَّهَ عَالَمَ خَائِنَةِ الْأَعْيُنِ وما تُخْفِي الصُّدُورُ وَكَفَى بِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ شَهِيدًا ثُمَّ من سَمِعَهُ أَنَّهُ شَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ لم يَزَلْ يَدِينُ بِذَلِكَ وَبِهِ يَدِينُ حتى يَتَوَفَّاهُ اللَّهُ وَيَبْعَثُهُ عليه إنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَنَّهُ يُوصِي نَفْسَهُ وَجَمَاعَةَ من سمع وَصِيَّتَهُ بِإِحْلَالِ ما أَحِلَّ اللَّهُ عز وجل في كِتَابِهِ ثُمَّ على لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَتَحْرِيمِ ما حَرَّمَ اللَّهُ في الْكِتَابِ ثُمَّ في السُّنَّةِ وَأَنْ لَا يُجَاوِزَ من ذلك إلَى غَيْرِهِ وَأَنَّ مُجَاوَزَتَهُ تَرْكُ رِضَا اللَّهِ وَتَرْكَ ما خَالَفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَهُمَا من الْمُحَدِّثَاتِ وَالْمُحَافَظَةِ على أَدَاءِ فَرَائِضِ اللَّهِ عز وجل في الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ وَالْكَفِّ عن مَحَارِمِهِ خَوْفًا لِلَّهِ وَكَثْرَةِ ذِكْرِ الْوُقُوفِ بين يَدَيْهِ { يوم تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ من خَيْرٍ مُحْضَرًا وما عَمِلَتْ من سُوءٍ تَوَدُّ لو أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا } وَأَنْ تُنْزِلَ الدُّنْيَا حَيْثُ أَنْزَلَهَا اللَّهُ فإنه لم يَجْعَلْهَا دَارَ مَقَامٍ إلَّا مَقَامَ مُدَّةٍ عَاجِلَةِ الِانْقِطَاعِ وَإِنَّمَا جَعَلَهَا دَارَ عَمَلٍ وَجَعَلَ الْآخِرَةَ دَارَ قَرَارٍ وَجَزَاءٍ فيها بِمَا عَمِلَ في الدُّنْيَا من خَيْرٍ أو شَرٍّ إنْ لم يَعْفُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وإن لَا يُخَالَّ أَحَدًا إلَّا احدا خَالَّهُ لِلَّهِ ممن ( ( ( فمن ) ) ) يَفْعَلْ الْخُلَّةَ في اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَيُرْجَى منه إفَادَةَ عِلْمٍ في دِينٍ وَحُسْنِ أَدَبٍ في الدُّنْيَا وَأَنْ يَعْرِفَ الْمَرْءُ زَمَانَهُ وَيَرْغَبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ في الْخَلَاصِ من شَرِّ نَفْسِهِ فيه وَيُمْسِكَ عن الْإِسْرَافِ من قَوْلٍ أو فِعْلٍ في أَمْرٍ لَا يَلْزَمُهُ وَأَنْ يُخْلِصَ النِّيَّةَ لِلَّهِ عز وجل فِيمَا قال وَعَمِلَ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَكْفِيهِ مِمَّا سِوَاهُ وَلَا يَكْفِي منه شَيْءٌ غَيْرُهُ وَأَوْصَى مَتَى حَدَثَ بِهِ حَادِثُ الْمَوْتِ الذي كَتَبَهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ على خَلْقِهِ الذي أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَوْنَ عليه وَعَلَى ما بَعْدَهُ وَكِفَايَةَ كل هَوْلٍ دُونَ الْجَنَّةِ بِرَحْمَتِهِ ولم يُغَيِّرْ وَصِيَّتَهُ هذه أَنْ يَلِيَ أَحْمَدُ بن مُحَمَّدِ بن الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيُّ النَّظَرَ في أَمْرِ ثَابِتٍ الخصى الْأَقْرَعِ الذي خَلَفَ بِمَكَّةَ فَإِنْ كان غير مُفْسِدٍ فِيمَا خَلَّفَهُ محمد بن إدْرِيسَ فيه أَعْتَقَهُ عن مُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ فَإِنْ حَدَثَ بِأَحْمَدَ بن مُحَمَّدٍ حَدَثٌ قبل أَنْ يَنْظُرَ في أَمْرِهِ نَظَرَ في أَمْرِهِ الْقَائِمُ بِأَمْرِ مُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ بَعْدَ أَحْمَدَ فَأَنْفَذَ فيه ما جُعِلَ إلَى أَحْمَدَ وَأَوْصَى أَنَّ جَارِيَتَهُ الْأَنْدَلُسِيَّةَ التي تُدْعَى فَوْزُ التي تُرْضِعُ ابْنَهُ أَبَا الْحَسَنِ بن مُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ إذَا اسْتَكْمَلَ ابو الْحَسَنِ بن مُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ سَنَتَيْنِ وَاسْتَغْنَى عن رَضَاعِهَا أو مَاتَ قبل ذلك فَهِيَ حُرَّةٌ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى وإذا اسْتَكْمَلَ سَنَتَيْنِ ورؤى ( ( ( ورئي ) ) ) أَنَّ الرَّضَاعَ خَيْرٌ له أَرْضَعَتْهُ سَنَةً أُخْرَى ثُمَّ هِيَ حُرَّةٌ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنْ يُرَى أَنَّ تَرْكَ الرَّضَاعِ خَيْرٌ له أو يَمُوتَ فَتُعْتَقُ بِأَيِّهِمَا كان وَمَتَى أُخْرِجَ إلَى مَكَّةَ أُخْرِجَتْ معه حتى يُكْمِلَ ما وَصَفْت من رَضَاعِهِ ثُمَّ هِيَ حُرَّةٌ وَإِنْ عَتَقَتْ قبل أَنْ يَخْرُجَ إلَى مَكَّةَ لم تُكْرَهْ في الْخُرُوجِ إلَى مَكَّةَ وَأَوْصَى أَنْ تُحْمَلَ أُمُّ ابى الْحَسَنِ أُمُّ وَلَدِهِ دَنَانِيرَ وَأَنْ تعطى جَارِيَتَهُ سِكَّةَ السَّوْدَاءَ وَصِيَّةً لها أو أَنْ يشتري لها جَارِيَةٌ أو خصى بِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ دِينَارًا أو يُدْفَعَ إلَيْهَا عِشْرُونَ دِينَارًا وَصِيَّةً لها فَأَيَّ وَاحِدٍ من هذا اخْتَارَتْهُ دُفِعَ إلَيْهَا وَإِنْ مَاتَ ابْنُهَا أبو ( ( ( أبا ) ) ) الْحَسَنِ قبل أَنْ تَخْرُجَ بِهِ إلَى مَكَّةَ فَهَذِهِ الْوَصِيَّةُ لها إنْ شَاءَتْهَا وَإِنْ فوز لم تُعْتِقْ حتى تَخْرُجَ بِأَبِي الْحَسَنِ إلَى مَكَّةَ حُمِلَتْ وَابْنُهَا مَعَهَا مع أبي الْحَسَنِ وَإِنْ مَاتَ أبو الْحَسَنِ قبل أَنْ تَخْرُجَ بِهِ إلَى مَكَّةَ عَتَقَتْ فَوْزُ وَأَعْطَيْت ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ وَأَوْصَى أَنْ يُقْسَمَ ثُلُثُ مَالِهِ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا فيوقف على دَنَانِيرَ سَهْمَانِ من أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا من ثُلُثِ مَالِهِ ما عَاشَ ابْنُهَا وَأَقَامَتْ معه يُنْفَقُ عليها منه وَإِنْ مَاتَ ابْنُهَا أبو الْحَسَنِ وَأَقَامَتْ مع وَلَدِ مُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ فَذَلِكَ لها وَمَتَى فَارَقَتْ ابْنَهَا وَوَلَدَهُ قُطِعَ عنها ما أَوْصَى لها بِهِ وَإِنْ أَقَامَتْ فَوْزُ مع دَنَانِيرَ بعد ما تُعْتَقُ فَوْزُ وَدَنَانِيرُ مُقِيمَةٌ مع ابْنِهَا مُحَمَّدٍ أو وَلَدِ
____________________

(4/122)


مُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ وُقِفَ على فَوْزَ سَهْمٌ من أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا من ثُلُثِ مَالِ مُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ يُنْفَقُ عليها منه ما أَقَامَتْ مَعَهَا وَمَعَ وَلَدِ مُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ فَإِنْ لم تُقِمْ فَوْزُ قُطِعَ عنها وَرُدَّ على دَنَانِيرَ أُمِّ وَلَدِ مُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ وَأَوْصَى لِفُقَرَاءِ آلِ شَافِعِ بن السَّائِبِ بِأَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ من أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا من ثُلُثِ مَالِهِ يُدْفَع إلَيْهِمْ سَوَاءٌ فيه صَغِيرُهُمْ وَكَبِيرُهُمْ وَذَكَرُهُمْ وأناثهم وَأَوْصَى لِأَحْمَدَ بن مُحَمَّدِ بن الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيِّ بِسِتَّةِ أَسْهُمٍ مع أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا من ثُلُثِ مَالِهِ وَأَوْصَى أَنْ يُعْتَقَ عنه رِقَابٌ بِخَمْسَةِ أَسْهُمٍ من أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا من ثُلُثِ مَالِهِ وَيُتَحَرَّى أَفْضَلَ ما يُقْدَرُ عليه وَأَحْمَدَهُ ويشتري منهم مَسْعَدَة الْخَيَّاطُ إنْ بَاعَهُ من هو له فَيُعْتَقُ وَأَوْصَى أَنْ يُتَصَدَّق على جِيرَانِ دَارِهِ التي كان يَسْكُنُ بِذِي طُوًى من مَكَّةَ بِسَهْمٍ وَاحِدٍ من أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا من ثُلُثِ مَالِهِ يَدْخُلُ فِيهِمْ كُلُّ من يَحْوِي إدْرِيسَ وَلَاءَهُ وَمَوَالِي أُمِّهِ ذَكَرُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ فيعطى كُلَّ وَاحِدِ منهم ثَلَاثَةَ أَضْعَافِ ما يعطى وَاحِدًا من جِيرَانِهِ وَأَوْصَى لِعُبَادَةَ السِّنْدِيَّةِ وَسَهْلٍ وَوَلَدِهِمَا مَوَالِيَهُ وَسَلِيمَة مَوْلَاةِ أُمِّهِ وَمَنْ أَعْتَقَ في وَصِيَّتِهِ بِسَهْمٍ من أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا من ثُلُثِ مَالِهِ يَجْعَلُ لِعِبَادَةِ ضَعْفَ ما يَجْعَلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ منهم ويسوى بين الْبَاقِينَ وَلَا يعطى من مَوَالِيهِ إلَّا من كان بِمَكَّةَ وَكُلُّ ما أَوْصَى بِهِ من السَّهْمَانِ من ثُلُثِهِ بعد ما أَوْصَى بِهِ من الْحَمُولَةِ وَالْوَصَايَا يَمْضِي بِحَسَبِ ما أَوْصَى بِهِ بِمِصْرَ فَيَكُونُ مَبْدَأَ ثُمَّ يَحْسِبُ بَاقِيَ ثُلُثِهِ فَيُخْرِجَ الْأَجْزَاءَ التي وَصَفْت في كِتَابِهِ وَجَعَلَ محمد بن إدْرِيسَ إنْفَاذَ ما كان من وَصَايَاهُ بِمِصْرَ وَوِلَايَةَ جَمِيعِ تَرِكَتِهِ بها إلَى اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ إلَى عبد اللَّهِ بن عبد الْحَكَمِ الْقُرَشِيِّ وَيُوسُفُ بن عَمْرِو بن يَزِيدَ الْفَقِيهِ وَسَعِيدُ بن الْجَهْمِ الْأَصْبَحِيُّ فَأَيُّهُمْ مَاتَ أو غَابَ أو تَرَكَ الْقِيَامَ بِالْوَصِيَّةِ قام الْحَاضِرُ الْقَائِمُ بِوَصِيَّتِهِ مَقَامًا يُغْنِيهِ عَمَّنْ غَابَ عن وَصِيَّةِ مُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ أو تَرَكَهَا وَأَوْصَى يُوسُفَ بن يَزِيدَ وَسَعِيدَ بن الْجَهْمِ وَعَبْدُ اللَّهِ بن عبد الْحَكَمِ أَنْ يُلْحِقُوا ابْنَهُ ابا الْحَسَنِ مَتَى أَمْكَنَهُمْ إلْحَاقُهُ بِأَهْلِهِ بِمَكَّةَ وَلَا يُحْمَلَ بَحْرًا والى الْبِرِّ سَبِيلٌ بِوَجْهٍ وَيَضُمُّوهُ وَأُمَّهُ إلَى ثِقَةٍ وَيُنَفِّذُوا ما أَوْصَاهُمْ بِهِ بِمِصْرَ وَيَجْمَعُوا مَالَهُ وَمَالَ أبي الْحَسَنِ ابْنِهِ بها وَيُلْحِقُوا ذلك كُلَّهُ وَرَقِيقَ أبي الْحَسَنِ معه بِمَكَّةَ حتى يُدْفَعَ إلَى وَصِيِّ مُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ بها وما يَخْلُفُ لِمُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ أو ابْنِهِ أبي الْحَسَنِ بن مُحَمَّدٍ بِمِصْرَ من شَيْءٍ فَسَعِيدُ بن الْجَهْمِ وَعَبْدُ اللَّهِ بن عبد الْحَكَمِ وَيُوسُفُ بن عَمْرٍو أَوْصِيَاءَهُ فيه وَوُلَاةُ وَلَدِهِ وما كان له وَلَهُمْ بِمِصْرَ على ما شَرَطَ أَنْ يَقُومَ الْحَاضِرُ منهم في كل ما أُسْنِدَ إلَيْهِ مَقَامَ كُلِّهِمْ وما أَوْصَلُوا إلَى أَوْصِيَاءِ مُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ بِمَكَّةَ وَوُلَاةِ وَلَدِهِ مِمَّا يَقْدِرُ على إيصَالِهِ فَقَدْ خَرَجُوا منه وَهُمْ قَائِمُونَ بِدَيْنِ مُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ قَبَضَا وَقَضَاءَ دَيْنٍ إنْ كان عليه ( ( ( عليها ) ) ) بها وَبَيْعَ ما رَأَوْا بَيْعَهُ من تَرِكَتِهِ وَغَيْرَ ذلك من جَمِيعِ مَالِهِ وَعَلَيْهِ بِمِصْرَ وَوِلَايَةُ ابْنِهِ أبي الْحَسَنِ ما كان بِمِصْرَ وَجَمِيعُ تَرِكَةِ مُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ بِمِصْرَ من أَرْضٍ وَغَيْرِهَا وَجَعَلَ محمد بن إدْرِيسَ وَلَاءَ وَلَدِهِ بِمَكَّةَ وَحَيْثُ كَانُوا إلَى عُثْمَانَ وَزَيْنَبَ وَفَاطِمَةَ بَنِي مُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ وَوَلَاءَ ابْنِهِ أبي الْحَسَنِ بن مُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ من دَنَانِيرَ أُمِّ وَلَدِهِ إذَا فَارَقَ مِصْرَ وَالْقِيَامَ بِجَمِيعِ أَمْوَالِ وَلَدِهِ الَّذِينَ سَمَّى وَوَلَدَانِ حَدَثٌ لِمُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ حتى يَصِيرُوا إلَى الْبُلُوغِ وَالرُّشْدِ مَعًا وَأَمْوَالَهُمْ حَيْثُ كانت إلَّا ما يَلِي أَوْصِيَاؤُهُ بمصر فإن ذلك إلَيْهِمْ ما قام بِهِ قَائِمٌ منهم فإذا تَرَكَهُ فَهُوَ إلَى وصيه ( ( ( وصييه ) ) ) بِمَكَّةَ وَهُمَا أَحْمَدُ بن مُحَمَّدِ بن الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيُّ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بن إسْمَاعِيلَ بن مُقَرِّظ الصَّرَّافُ فَإِنْ عُبَيْدَ اللَّهِ توفى أو لم يَقْبَلْ وَصِيَّةَ مُحَمَّدِ بن إدْرِيسَ فَأَحْمَدُ بن مُحَمَّدٍ الْقَائِمُ بِذَلِكَ كُلِّهِ وَمُحَمَّدٌ يَسْأَلُ اللَّهَ الْقَادِرَ على ما يَشَاءُ أَنْ يُصَلِّيَ على سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْ يَرْحَمُهُ فإنه فَقِيرٌ إلَى رَحْمَتِهِ وَأَنْ يُجِيرَهُ من النَّارِ فإن اللَّهَ تَعَالَى غَنِيٌّ عن عَذَابِهِ وَأَنْ يَخْلُفَهُ في جَمِيعِ ما يُخْلَفُ بِأَفْضَلَ ما خَلَفَ بِهِ أَحَدًا من الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْ يَكْفِيَهُمْ فَقْدَهُ ويجير ( ( ( ويجبر ) ) ) مُصِيبَتَهُمْ من بَعْدِهِ وَأَنْ يَقِيَهُمْ مَعَاصِيَهُ وَإِتْيَانَ ما يَقْبُحُ بِهِمْ وَالْحَاجَةَ إلَى أَحَدٍ من خَلْقِهِ بِقُدْرَتِهِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ أَشْهَدَ مُحَمَّدَ بن إدْرِيسَ الشَّافِعِيَّ على نَفْسِهِ في مَرَضِهِ أَنَّ سُلَيْمًا الْحَجَّامَ ليس له إنَّمَا هو لِبَعْضِ وَلَدِهِ وهو
____________________

(4/123)


مَشْهُودٌ عَلَيَّ فَإِنْ بِيعَ فَإِنَّمَا ذلك على وَجْهِ النَّظَرِ له فَلَيْسَ في مَالِي منه شَيْءٌ وقد أَوْصَيْت بِثُلُثِي وَلَا يَدْخُلُ في ثُلُثِي ما لَا قَدْرَ له من فُخَّارٍ وَصِحَافٍ وَحُصْر من سَقْطِ الْبَيْتِ وَبَقَايَا طَعَامِ الْبَيْتِ وما لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِمَّا لَا خَطَرَ له شَهِدَ على ذلك
____________________

(4/124)


- * بَابُ الْوَلَاءِ وَالْحَلِفِ - * أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال أخبرنا محمد بن إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ قال أَمَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يُنْسَبَ من كان له نَسَبٌ من الناس نَسَبَيْنِ من كان له أَبٌ أَنْ يُنْسَبَ إلَى أبيه وَمَنْ لم يَكُنْ له أَبٌ فَلْيُنْسَبْ إلَى مَوَالِيهِ وقد يَكُونُ ذَا أَبٍ وَلَهُ مَوَالٍ فَيُنْسَبُ إلَى أبيه وَمَوَالِيهِ وَأُولَى نَسَبَيْهِ أَنْ يُبْدَأَ بِهِ أَبُوهُ وَأَمَرَ أَنْ يُنْسَبُوا إلَى الإخوة في الدِّينِ مع الْوَلَاءِ وَكَذَلِكَ يُنْسَبُونَ إلَيْهَا مع النَّسَبِ وَالْإِخْوَةُ في الدِّينِ لَيْسَتْ بِنَسَبٍ إنَّمَا هو صِفَةٌ تَقَعُ على الْمَرْءِ بِدُخُولِهِ في الدِّينِ وَيَخْرُجُ منها بِخُرُوجِهِ منه وَالنَّسَبُ إلَى الْوَلَاءِ وَالْآبَاءِ إذَا ثَبَتَ لم يُزِلْهُ الْمَوْلَى من فَوْقٍ وَلَا من أَسْفَلَ وَلَا الْأَبُ وَلَا الْوَلَدُ وَالنَّسَبُ اسْمٌ جَامِعٌ لَمَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ فَيُنْسَبُ الرَّجُلُ إلَى الْعِلْمِ وَإِلَى الْجَهْلِ وَإِلَى الصِّنَاعَةِ وَإِلَى التِّجَارَةِ وَهَذَا كُلُّهُ نَسَبٌ مُسْتَحْدَثٌ من فِعْلِ صَاحِبِهِ وَتَرْكِهِ الْفِعْلَ وكان منهم صِنْفٌ ثَالِثٌ لَا آبَاءَ لهم يُعْرَفُونَ وَلَا وَلَاءَ فَنُسِبُوا إلَى عُبُودِيَّةِ اللَّهِ وَإِلَى أَدْيَانِهِمْ وَصِنَاعَاتِهِمْ وَأَصْلُ ما قُلْت من هذا في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وما أَجْمَعَ عليه عَوَامُّ أَهْلِ الْعِلْمِ قال اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هو أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لم تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ في الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ } وقال عز وجل { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عليه وَأَنْعَمْت عليه أَمْسِكْ عَلَيْك زَوْجَك وَاتَّقِ اللَّهَ } وقال تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وكان في مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مع الْكَافِرِينَ قال سَآوِي إلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي من الْمَاءِ قال لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ من أَمْرِ اللَّهِ إلَّا من رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ من الْمُغْرِقِينَ } وقال عز وجل { وَاذْكُرْ في الْكِتَابِ إبْرَاهِيمَ إنَّهُ كان صِدِّيقًا نَبِيًّا إذْ قال لِأَبِيهِ يا أَبَتْ لم تَعْبُدُ ما لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْك شيئا } وقال تَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ { لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ من حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أو أَبْنَاءَهُمْ أو إخْوَانَهُمْ أو عَشِيرَتَهُمْ } فَمَيَّزَ اللَّهُ عز وجل بَيْنَهُمْ بِالدِّينِ ولم يَقْطَعْ الْأَنْسَابَ بَيْنُهُمْ فَدَلَّ ذلك على أَنَّ الْأَنْسَابَ لَيْسَتْ من الدِّينِ في شَيْءٍ الانساب ثَابِتَةٌ لَا تَزُولُ وَالدِّينُ شَيْءٌ يَدْخُلُونَ فيه أو يَخْرُجُونَ منه وَنَسَبَ بن نُوحٍ إلَى أبيه وَابْنُهُ كَافِرٌ وَنَسَبَ إبْرَاهِيمُ خَلِيلَهُ إلَى أبيه وَأَبُوهُ كَافِرٌ وقال عز وجل ذِكْرُهُ { يا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنكُمْ الشَّيْطَانُ } فَنَسَبَ إلَى آدَمَ الْمُؤْمِنَ من وَلَدِهِ وَالْكَافِرَ وَنَسَبَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمُسْلِمِينَ بِأَمْرِ اللَّهِ عز وجل إلَى آبَائِهِمْ كُفَّارًا كَانُوا أو مُؤْمِنِينَ وَكَذَلِكَ نَسَبَ الْمَوَالِي إلَى وَلَائِهِمْ وَإِنْ كان الْمَوَالِي مُؤْمِنِينَ وَالْمُعْتِقُونَ مُشْرِكِينَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ وَسُفْيَانُ عن عبد اللَّهِ بن دِينَارٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) قال أخبرنا محمد بن الْحُسَيْنِ عن يَعْقُوبَ عن عبد اللَّهِ بن دِينَارٍ عن بن عُمَرَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ عن بن أبي نَجِيحٍ عن مُجَاهِدٍ أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قال الْوَلَاءُ بِمَنْزِلَةِ الحلف ( ( ( الخلف ) ) ) أَقِرَّهُ حَيْثُ جَعَلَهُ اللَّهُ عز وجل ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ عن عَائِشَةَ أنها أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيَةً تُعْتِقُهَا
____________________

(4/125)


فقال أَهْلُهَا بيعكها ( ( ( نبيعكها ) ) ) على أَنَّ وَلَاءَهَا لنا فَذَكَرَتْ ذلك لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال ( لَا يَمْنَعُك ذلك فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن هِشَامٍ بن عُرْوَةَ عن أبيه عن عَائِشَةَ رضى اللَّهُ تَعَالَى عنها أنها قالت جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فقالت إنِّي كَاتَبْت أَهْلِي على تِسْعِ أَوَاقٍ في كل عَامٍ أُوقِيَّةٌ فَأَعِينِينِي فقالت لها عَائِشَةُ إنْ أَحَبَّ أَهْلُك أَنْ أُعِدَّهَا لهم وَيَكُونَ وَلَاؤُك لي فَعَلْت فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إلَى أَهْلِهَا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم جَالِسٌ فقالت إنِّي قد عَرَضْت عليهم ذلك فَأَبَوْا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لهم فَسَمِعَ ذلك رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَسَأَلَهَا فَأَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ فقال رسول الله صلى اللَّهُ عليه وسلم ( خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لهم الْوَلَاءَ فإن الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ ) فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ ثُمَّ قام رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الناس فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عليه فقال ( أَمَّا بَعْدُ فما بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ في كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ما كان من شَرْطٍ ليس في كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وأن كان مِائَةَ شَرْطٍ قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُهُ أَوْثَقُ وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ ( قال الشافعى ) في حديث هِشَامٍ بن عُرْوَةَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم دَلَائِلُ قد غَلِطَ في بَعْضِهَا من يَذْهَبُ مَذْهَبَهُمْ من أَهْلِ الْعِلْمِ فقال لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْمُكَاتَبِ بِكُلِّ حَالٍّ وَلَا أَرَاهُ إلَّا قد غَلِطَ الْكِتَابَةُ ثَابِتَةٌ فإذا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَهُ فقال لي قَائِلٌ بَرِيرَةُ كانت مكاتبه وَبِيعَتْ وَأَجَازَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْبَيْعَ فَقُلْت له أَلَا تَرَى أَنَّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ تَسْتَعِينُ في كِتَابَتِهَا وَتَذْهَبُ مُسَاوِمَةً بِنَفْسِهَا لِمَنْ يَشْتَرِيهَا وَتَرْجِعُ بِخَبَرِ أَهْلِهَا فقال بَلَى وَلَكِنْ ما قُلْت في هذا قُلْت إنَّ هذا رِضًا منها بِأَنْ تُبَاعَ قال أَجَلْ قُلْت وَدَلَالَةٌ على عَجْزِهَا أو رِضَاهَا بِالْعَجْزِ قال أَمَّا رِضَاهَا بِالْعَجْزِ فإذا رَضِيَتْ بِالْبَيْعِ دَلَّ ذلك على رِضَاهَا بِالْعَجْزِ وَأَمَّا على عَجْزِهَا فَقَدْ تَكُونُ غير عَاجِزَةٍ وَتَرْضَى بِالْعَجْزِ رَجَاءَ تَعْجِيلِ الْعِتْقِ فَقُلْت له وَالْمُكَاتَبُ إذَا حَلَّتْ نُجُومُهُ فقال قد عَجَزْت لم يُسْأَلْ عنه غَيْرُهُ وَرَدَدْنَاهُ رَقِيقًا وَجَعَلْنَا لِلَّذِي كَاتِبَهُ بَيْعَهُ وَيُعْتِقُ وَيُرِقُّ قال أَمَّا هذا فَلَا يَخْتَلِفُ فيه أَحَدٌ أَنَّهُ إذَا عَجَزَ رُدَّ رَقِيقًا قُلْت وَلَا يُعْلَمُ عَجْزُهُ إلَّا بِأَنْ يَقُولَ قد عَجَزْت أو تَحِلَّ نُجُومُهُ فَلَا يُؤَدِّي وَلَا يُعْلَمُ له مَالٌ قال أَجَلْ وَلَكِنْ ما دَلَّ على أَنَّ بَرِيرَةَ لم تَكُنْ ذَاتَ مَالٍ قُلْت مَسْأَلَتُهَا في أُوقِيَّةٍ وقد بَقِيَتْ عليها أَوَاقٍ وَرِضَاهَا بِأَنْ تُبَاعَ دَلِيلٌ على أَنَّ هذا عَجْزٌ منها على لِسَانِهَا قال إنَّ هذا الحديث لَيَحْتَمِلُ ما وَصَفْت وَيَحْتَمِلُ جَوَازَ بَيْعِ الْمُكَاتَبِ قُلْت أَمَّا ظَاهِرُهُ فَعَلَى ما وَصَفْت وَالْحَدِيثُ على ظَاهِرِهِ وَلَوْ احْتَمَلَ ما وَصَفْت وَوَصَفْت كان أَوْلَى الْمَعْنَيَيْنِ أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ ما لَا يَخْتَلِفُ فيه أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ من أَنَّ الْمُكَاتَب لَا يُبَاعُ حتى يَعْجَزَ ولم يُنْسَبْ إلَى الْعَامَّةِ أَنْ يَجْهَلَ مَعْنَى حديث ما روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَبَيِّنٌ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل ثُمَّ سُنَّةِ رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ ما لَا تَمْتَنِعُ منه الْعُقُولُ من أَنَّ الْمَرْءَ إذَا كان مَالِكًا لِرَجُلٍ فَأَعْتَقَهُ فأنتقل حُكْمُهُ من الْعُبُودِيَّةِ إلَى الْحُرِّيَّةِ فَجَازَتْ شَهَادَتُهُ وَوَرِثَ وَأَخَذَ سَهْمَهُ في الْمُسْلِمِينَ وَحُدَّ حُدُودَهُمْ وَحُدَّ له فَكَانَتْ هذه الْحُرِّيَّةُ إنَّمَا تُثْبِتْ الْعِتْقَ لِلْمَالِكِ وكان الْمَالِكُ الْمُسْلِمُ إذَا أَعْتَقَ مُسْلِمًا ثَبَتَ وَلَاؤُهُ عليه فلم يَكُنْ لِلْمَالِكِ الْمُعْتِقِ أَنْ يَرُدَّ وَلَاءَهُ فَيَرُدَّهُ رَقِيقًا وَلَا يَهَبَهُ وَلَا يَبِيعَهُ وَلَا لِلْمُعْتَقِ وَلَا لَهُمَا لو اجْتَمَعَا على ذلك فَهَذَا مِثْلُ النَّسَبِ الذي لَا يُحَوَّلُ وَبَيِّنٌ في السُّنَّةِ وما وَصَفْنَا في الْوَلَاءِ أَنَّ الْوَلَاءَ لَا يَكُونُ بِحَالٍ إلَّا لِمُعْتِقٍ وَلَا يَحْتَمِلُ مَعْنًى غير ذلك فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على ذلك قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل { إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ } فلم يَخْتَلِفْ الْمُسْلِمُونَ إنها لَا تَكُونُ إلَّا لِمَنْ سَمَّى اللَّهُ وإن في قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا إنها لِمَنْ سُمِّيَتْ له وَالْآخَرُ أنها لَا تَكُونُ لِغَيْرِهِمْ بِحَالٍ وَكَذَلِكَ قَوْلُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ ) فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا لَا وَلَاءَ له وَالَى رَجُلًا أو أَسْلَمَ على يَدَيْهِ لم يَكُنْ مَوْلًى له بِالْإِسْلَامِ وَلَا الْمُوَالَاةِ وَلَوْ اجْتَمَعَا على ذلك وَكَذَلِكَ
____________________

(4/126)


لو وَجَدَهُ مولودا ( ( ( معبودا ) ) ) فَالْتَقَطَهُ وَمَنْ لم يَثْبُتْ له وَلَاءٌ بِنِعْمَةٍ تجرى عليه لِلْمُعْتِقِ فَلَا يُقَالُ لِهَذَا مولا ( ( ( مولى ) ) ) أَحَدٍ وَلَا يُقَالُ له مولى الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ قال قَائِلٌ فما بَالُهُ إذَا مَاتَ كان مَالُهُ لِلْمُسْلِمِينَ قِيلَ له ليس بِالْوَلَاءِ وَرِثُوهُ وَلَكِنْ وَرِثُوهُ بِأَنَّ اللَّه عز وجل مَنَّ عليهم بِأَنْ خَوَّلَهُمْ ما لَا مَالَك له دُونَهُ فلما لم يَكُنْ لِمِيرَاثِ هذا مَالِكٌ بِوَلَاءٍ وَلَا بِنَسَبٍ وَلَا له مَالِكٌ مَعْرُوفٌ كان مِمَّا خُوِّلُوهُ فَإِنْ قال وما يُشْبِهُ هذا قِيلَ الْأَرْضُ في بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ لَا مَالَك لها يُعْرَفُ هِيَ لِمَنْ أَحْيَاهَا من الْمُسْلِمِينَ وَاَلَّذِي يَمُوتُ وَلَا وَارِثَ له يَكُونُ مَالُهُ لِجَمَاعَتِهِمْ لَا أَنَّهُمْ مَوَالِيه وَلَوْ كَانُوا أَعْتَقُوهُ لم يَرِثْهُ من اعتقه منهم وهو كَافِرٌ وَلَكِنَّهُمْ خُوِّلُوا مَالَهُ بِأَنْ لَا مَالِكَ له وَلَوْ كان حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ في الذي لَا وَلَاءَ له إذَا مَاتَ أَنَّهُمْ يَرِثُونَهُ بِالْوَلَاءِ حتى كَأَنَّهُ أَعْتَقَهُ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ وَجَبَ عَلَيْنَا فيه أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُنْظَرَ إلَى الْحَالِ التي كان فيها مَوْلُودًا لَا رِقَّ عليه وَمُسْلِمًا فَيُجْعَلُ وَرَثَتُهُ الْأَحْيَاءَ يَوْمئِذٍ من الْمُسْلِمِينَ دُونَ من حَدَثَ منهم فَإِنْ مَاتُوا وَرَّثْنَا وَرَثَةَ الْأَحْيَاءِ يَوْمئِذٍ من الرِّجَالِ مَالَهُ أو جَعَلْنَا من كان حَيًّا من الْمُسْلِمِينَ يوم يَمُوتُ وَرَثَتَهُ قَسَمْنَاهُ بَيْنَهُمْ قَسْمَ مِيرَاثِ الْوَلَاءِ وَلَا نَجْعَلُ في وَاحِدَةٍ من الْحَالَيْنِ مَالَهُ لِأَهْلِ بَلَدٍ دُونَ أَهْلِ بَلَدٍ وَأَحْصَيْنَا من في الْأَرْضِ من الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَعْطَيْنَا كُلَّ وَاحِدٍ منهم حَظَّهُ من مِيرَاثِهِ كما يُصْنَعُ بِجَمَاعَةٍ لو أَعْتَقَتْ وَاحِدًا فَتَفَرَّقُوا في الْأَرْضِ وَنَحْنُ وَالْمُسْلِمُونَ إنَّمَا يُعْطُونَ مِيرَاثَهُ أَهْلَ الْبَلَدِ الذي يَمُوتُ فيه دُونَ غَيْرِهِمْ وَلَكِنَّا إنَّمَا جَعَلْنَاهُ لِلْمُسْلِمِينَ من الْوَجْهِ الذي وَصَفْت لَا من إنه مَوْلًى لِأَحَدٍ فَكَيْفَ يَكُونُ مَوْلًى لِأَحَدٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول ( فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ اعتق ) وفي قَوْلِهِ إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ تَثْبِيتُ أَمْرَيْنِ أَنَّ الْوَلَاءَ لِلْمُعْتِقِ بِأَكِيدٍ ونفى أَنَّهُ لَا يَكُونُ الْوَلَاءُ إلَّا لِمَنْ أَعْتَقَ وَهَذَا غَيْرُ مُعْتِقٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا له سَائِبَةً فَالْعِتْقُ مَاضٍ وَلَهُ وَلَاؤُهُ وَلَا يُخَالِفُ الْمُعْتَقُ سَائِبَةً في ثُبُوتِ الْوَلَاءِ عليه وَالْمِيرَاثُ منه غَيْرُ السَّائِبَةِ لِأَنَّ هذا مُعْتَقٌ وقد جَعَلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ وَهَكَذَا الْمُسْلِمُ يُعْتِقُ مُشْرِكًا فَالْوَلَاءُ لِلْمُسْلِمِ وَإِنْ مَاتَ الْمُعْتَقُ لم يَرِثْهُ مَوْلَاهُ بِاخْتِلَافِ الدِّينَيْنِ وَكَذَلِكَ الْمُشْرِكُ الذِّمِّيُّ وَغَيْرُ الذِّمِّيِّ فَالْعِتْقُ جَائِزٌ وَالْوَلَاءُ لِلْمُشْرِكِ الْمُعْتِقِ وَإِنْ مَاتَ الْمُسْلِمُ الْمُعْتَقُ لم يَرِثْهُ الْمُشْرِكُ الذي أَعْتَقَهُ بِاخْتِلَافِ الدِّينَيْنِ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى أَنْ لَا يَرِثَ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ فَكَانَ هذا في النَّسَبِ وَالْوَلَاءِ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَخُصَّ وَاحِدًا منهم دُونَ الْآخَرِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا قال الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ أنت حُرٌّ عن فُلَانٍ ولم يَأْمُرْهُ بِالْحُرِّيَّةِ وَقَبِلَ الْمُعْتَقُ عنه ذلك بَعْدَ الْعِتْقِ أو لم يَقْبَلْهُ فَسَوَاءٌ وهو حُرٌّ عن نَفْسِهِ لَا عن الذي أَعْتَقَهُ عنه وَوَلَاؤُهُ له لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا مَاتَ الْمَوْلَى الْمُعْتِقُ وَكَانَتْ له قَرَابَةٌ من قِبَلِ أبيه تَرِثُهُ بِأَصْلِ فَرِيضَةٍ أو عَصَبَةٍ أو إخْوَةٌ لِأُمٍّ يَرِثُونَهُ بِأَصْلِ فَرِيضَةٍ أو زَوْجَةٌ أو كانت امْرَأَةً وكان لها زَوْجٌ وَرِثَ أَهْلُ الْفَرَائِضِ فَرَائِضَهُمْ وَالْعَصَبَةُ شيئا إنْ بَقِيَ عَنْهُمْ فَإِنْ لم يَكُنْ عَصَبَةٌ قام الْمَوْلَى الْمُعْتِقُ مَقَامَ الْعَصَبَةِ فَيَأْخُذُ الْفَضْلَ عن أَهْلِ الْفَرَائِضِ فإذا مَاتَ الْمَوْلَى الْمُعْتِقِ قبل الْمَوْلَى الْمُعْتَقِ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى الْمُعْتَقِ وَلَا وَارِثَ له غير مَوَالِيهِ أو له وَارِثٌ لَا يَحُوزُ مِيرَاثَهُ كُلَّهُ خَالَفَ مِيرَاثُ الْوَلَاءِ مِيرَاثَ النَّسَبِ كما سَأَصِفُهُ لَك إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فأنظر فَإِنْ كان لِلْمَوْلَى الْمُعْتِقِ بَنُونَ وَبَنَاتٌ أَحْيَاءُ يَوْم يَمُوتُ الْمَوْلَى الْمُعْتَقِ فأقسم مَالَ الْمَوْلَى الْمُعْتَقِ أو ما فَضَلَ عن أَهْلِ الْفَرَائِضِ منه بين بَنِي الْمَوْلَى الْمُعْتِقِ فَلَا تُوَرَّثُ بَنَاتُهُ منه شيئا فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى الْمُعْتَقُ وَلَا بَنِينَ لِلْمَوْلَى الْمُعْتِقِ لِصُلْبِهِ وَلَهُ وَلَدُ وَلَدٍ مستفلون ( ( ( متسفلون ) ) ) أو قَرَابَةُ نَسَبٍ من قِبَلِ الْأَبِ فأنظر الأحباء ( ( ( الأحياء ) ) ) يوم مَاتَ الْمَوْلَى الْمُعْتَقُ من وَلَدِ وَلَدِ الْمَوْلَى الْمُعْتِقِ فَإِنْ كان وَاحِدٌ منهم أَقْعُدَ إلَى الْمَوْلَى الْمُعْتِقِ باب وَاحِدٍ فَقَطْ فَاجْعَلْ الْمِيرَاثَ له دُونَ من بَقِيَ من وَلَدِ وَلَدِهِ وَإِنْ اسْتَوَوْا في القعدد ( ( ( القعود ) ) ) فَاجْعَلْ الْمِيرَاثَ بَيْنَهُمْ شَرْعًا فَإِنْ كان الْمَوْلَى الْمُعْتَقُ مَاتَ وَلَا وَلَدَ له وَلَا وَالِدَ لِلْمَوْلَى الْمُعْتِقِ وَلَهُ إخْوَةٌ
____________________

(4/127)


لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَإِخْوَةٌ لِأَبِيهِ وَإِخْوَةٌ لِأُمِّهِ فَلَا حَقَّ لِلْإِخْوَةِ من الْأُمِّ في وَلَاءِ مَوَالِيهِ ولم يَكُنْ مَعَهُمْ غَيْرُهُمْ وَالْمِيرَاثُ لِلْإِخْوَةِ من الْأَبِ وَالْأُمِّ دُونَ الأخوة لِلْأَبِ وَلَوْ كان الأخوة لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَاحِدًا وَهَكَذَا مَنْزِلَةُ أَبْنَاءِ الأخوة ما كَانُوا مُسْتَوِينَ فإذا كان بَعْضُهُمْ أَقْعُدَ من بَعْضٍ فأنظر فَإِنْ كان الْقُعْدَدُ لِبَنِي الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أو لِوَاحِدٍ منهم فَاجْعَلْ الْمِيرَاثَ له وَكَذَلِكَ إنْ كَانُوا مثله في الْقُعْدَدِ لِمُسَاوَاتِهِ في الْقُعْدَدِ وَلِانْفِرَادِهِ بِقَرَابَةِ الْأُمِّ دُونَهُمْ وَمُسَاوَاتِهِ إيَّاهُمْ في قَرَابَةِ الْأَبِ فَإِنْ كان الْقُعْدَدِ لِابْنِ الْأَخِ لِأَبٍ دُونَ بَنِي الْأَبِ وَالْأُمِّ فأجعله لِأَهْلِ الْقُعْدَدِ بِالْمَوْلَى الْمُعْتِقِ وَهَكَذَا مَنْزِلَةُ عَصَبَتِهِمْ كُلِّهِمْ بَعُدُوا أو قَرُبُوا في مِيرَاثِ الْوَلَاءِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ كانت الْمُعْتِقَةُ امْرَأَةً وَرِثَتْ من أَعْتَقَتْ وَكَذَلِكَ من أَعْتَقَ من أَعْتَقَتْ وَلَا تَرِثُ من أَعْتَقَ أَبُوهَا وَلَا أُمُّهَا وَلَا أَحَدٌ غَيْرُهَا وَغَيْرُ من أَعْتَقَ من أَعْتَقَتْ وَإِنْ سَفُلُوا وَيَرِثُ وَلَدُ الْمَرْأَةِ الْمُعْتِقَةِ من أَعْتَقَتْ كما يَرِثُ وَلَدُ الرَّجُلِ الذُّكُورُ دُونَ الْإِنَاثِ فَإِنْ انْقَرَضَ وَلَدُهَا وَوَلَدُ وَلَدِهَا الذُّكُورُ وَإِنْ سَفُلُوا ثُمَّ مَاتَ مَوْلًى لها أَعْتَقَتْهُ وَرِثَهُ أَقْرَبُ الناس بها من رِجَالِ عَصَبَتِهَا لَا عَصَبَةِ وَلَدِهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن عبد اللَّهِ بن أبي بَكْرِ بن مُحَمَّدِ بن عَمْرِو بن حَزْم عن عبد الْمَلِكِ بن أبي بَكْرِ بن عبد الرَّحْمَن بن الحرث بن هِشَامٍ عن أبيه أَنَّهُ أخبره أَنَّ الْعَاصِ بن هِشَامٍ هَلَكَ وَتَرَكَ بَنِينَ له ثَلَاثَةً اثْنَانِ لِأُمٍّ وَرَجُلٌ لِعَلَّةٍ فَهَلَكَ أَحَدُ الَّذِينَ لِأُمٍّ وَتَرَكَ مَالًا وَمَوَالِيَ فَوَرِثَهُ أَخُوهُ الذي لِأُمِّهِ وَأَبِيهِ مَالَهُ وَوَلَاءَ مَوَالِيهِ ثُمَّ هَلَكَ الذي وَرِثَ الْمَالَ وَوَلَاءَ الْمَوَالِي وَتَرَكَ ابْنَهُ وَأَخَاهُ لِأَبِيهِ فقال ابْنُهُ قد أَحْرَزْت ما كان أبي أَحْرَزَ من الْمَالِ وَوَلَاءِ الْمَوَالِي وقال أَخُوهُ ليس كَذَلِكَ وَإِنَّمَا أَحْرَزْت الْمَالَ فَأَمَّا وَلَاءُ الْمَوَالِي فَلَا أَرَأَيْت لو هَلَكَ أَخِي الْيَوْمَ أَلَسْت أَرِثُهُ أنا فَاخْتَصَمَا إلَى عُثْمَانَ فَقَضَى لِأَخِيهِ بِوَلَاءِ الْمَوَالِي ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن عبد اللَّهِ بن أبي بَكْرٍ أَنَّ أَبَاهُ أخبره أَنَّهُ كان جَالِسًا عِنْدَ أَبَانَ بن عُثْمَانَ فَاخْتَصَمَ إلَيْهِ نَفَرٌ من جُهَيْنَةَ وَنَفَرٌ من بَنِي الحرث بن الْخَزْرَجِ وَكَانَتْ امْرَأَةٌ من جُهَيْنَةَ عِنْدَ رَجُلٍ من بَنِي الحرث بن الْخَزْرَجِ يُقَالُ له إبْرَاهِيمُ بن كُلَيْبٍ فَمَاتَتْ الْمَرْأَةُ وَتَرَكَتْ مَالًا وَمَوَالِيَ فَوَرِثَهَا ابْنُهَا وَزَوْجُهَا ثُمَّ مَاتَ ابْنُهَا فقالت وَرَثَتُهُ لنا وَلَاءُ الْمَوَالِي قد كان ابْنُهَا أَحْرَزَهُ وقال الجهنيون ليس كَذَلِكَ إنَّمَا هُمْ مَوَالِي صَاحِبَتِنَا فإذا مَاتَ وَلَدُهَا فَلَنَا وَلَاؤُهُمْ وَنَحْنُ نَرِثُهُمْ فَقَضَى أَبَانُ بن عُثْمَانَ للجهنيين بِوَلَاءِ الْمَوَالِي ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكُ بن أَنَسٍ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن إسْمَاعِيلَ بن أبي حَكِيمٍ أَنَّ عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ أَعْتَقَ عَبْدًا له نَصْرَانِيًّا فتوفى الْعَبْدُ بعد ما عَتَقَ قال إسْمَاعِيلُ فَأَمَرَنِي عُمَرُ بن عبد الْعَزِيزِ أَنْ آخُذَ مَالَهُ فَأَجْعَلَهُ في بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ - * مِيرَاثُ الْوَلَدِ الْوَلَاءَ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا مَاتَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ وَبَنَاتٍ وَمَوَالِيَ هو أَعْتَقَهُمْ فَمَاتَ الْمَوْلَى الْمُعْتِقِ وَرِثَهُ آبناه ولم يَرِثْهُ أَحَدٌ من بَنَاتِهِ فَإِنْ مَاتَ أَحَدُ الإبنين وَتَرَكَ وَلَدًا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الْمَوَالِي الَّذِينَ أَعْتَقَهُمْ وَرِثَهُ بن الْمُعْتِقِ لِصُلْبِهِ دُونَ بَنِي أَخِيهِ لِأَنَّ الْمُعْتَقَ لو مَاتَ يوم يَمُوتُ الْمَوْلَى كان مِيرَاثُهُ لِابْنِهِ لِصُلْبِهِ دُونَ بن ابْنِهِ ثُمَّ هَكَذَا مِيرَاثُ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الْوَلَدِ أَبَدًا وَإِنْ تَسَفَّلُوا في الْمَوَالِي أنسب وَلَدَ الْوَلَدِ أَبَدًا إلَى الْمَوْلَى الْمُعْتِقِ يوم يَمُوتُ الْمَوْلَى الْمُعْتَقُ فَأَيُّهُمْ كان أَقْرَبَ إلَيْهِ بِأَبٍ وَاحِدٍ فَاجْعَلْ له جَمِيعَ مِيرَاثِ الْمَوْلَى الْمُعْتَقِ وَلَوْ أَعْتَقَ رَجُلٌ غُلَامًا ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتِقُ وَتَرَكَ ثَلَاثَةَ بَنِينَ ثُمَّ مَاتَ الْبَنُونَ الثَّلَاثَةُ وَتَرَكَ أَحَدُهُمْ ابْنًا وَالْآخَرُ أَرْبَعَةَ بَنِينَ وَالْآخَرُ خَمْسَةَ بَنِينَ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى الْمُعْتَقُ اقْتَسَمُوا مِيرَاثَ الْمَوْلَى على عَشْرَةِ أَسْهُمٍ لِلِابْنِ سَهْمٌ وَلِلْأَرْبَعَةِ الْبَنِينَ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَلِلْخَمْسَةِ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ كما يَقْتَسِمُونَ مِيرَاثَ الْجَدِّ لو مَاتَ يَوْمئِذٍ وَهُمْ وَرَثَتُهُ لِاخْتِلَافِ
____________________

(4/128)


حَالِ مِيرَاثِ الْوَلَاءِ وَالْمَالِ وَلَوْ كان الْجَدُّ الْمَيِّتَ فَوَرِثَهُ ثَلَاثَةٌ بَنُونَ ثُمَّ مَاتَ الْبَنُونَ وَتَرَكَ أَحَدُهُمْ ابْنًا وَالْآخَرُ أَرْبَعَةً وَالْآخَرُ خَمْسَةً ثُمَّ ظَهَرَ لِلْجَدِّ مَالٌ اقْتَسَمَ بَنُو الْبَنِينَ على أَنَّهُ ورثة ثَلَاثَةُ بَنِينَ ثُمَّ وَرِثَ الثَّلَاثَةَ الْبَنِينَ أَبْنَاؤُهُمْ فللإبن الْمُنْفَرِدِ بِمِيرَاثِ أبيه ثُلُثُ مِيرَاثِ الْجَدِّ وَذَلِكَ حِصَّةُ أبيه من مِيرَاثِ الْجَدِّ وَلِلْأَرْبَعَةِ الْبَنِينَ ثُلُثُ مِيرَاثِ الْجَدِّ أَرْبَاعًا بَيْنَهُمْ وَذَلِكَ حِصَّةُ مِيرَاثِ أَبِيهِمْ وَلِلْخَمْسَةِ الْبَنِينَ ثُلُثُ مِيرَاثِ الْجَدِّ أَخْمَاسًا بَيْنَهُمْ وَذَلِكَ حِصَّةُ أَبِيهِمْ من مِيرَاثِ جَدِّهِمْ وَلَوْ كان مَعَهُمْ في الْمَالِ بَنَاتٌ دَخَلْنَ وَلَا يَدْخُلْنَ في مِيرَاثِ الْوَلَاءِ فإذا أَعْتَقَ رَجُلٌ عَبْدًا فَمَاتَ الْمَوْلَى الْمُعْتِقُ وَتَرَكَ أَبَاهُ وَأَوْلَادًا ذُكُورًا فَمِيرَاثُ الْمَوْلَى الْمُعْتَقِ لِذُكُورِ وَلَدِهِ دُونَ بَنَاتِهِ وَجَدِّهِ لَا يَرِثُ الْجَدُّ مع وَلَدِ الْمُعْتِقِ شيئا ما كان فِيهِمْ ذَكَرٌ وَلَا وَلَدُ وَلَدِهِ وَإِنْ سَفُلُوا فإن ( ( ( فإذا ) ) ) مَاتَ الْمَوْلَى الْمُعْتِقُ وَتَرَكَ أَبَاهُ وَإِخْوَتَهُ لِأَبِيهِ وَأُمَّهُ أو لِأَبِيهِ فَالْمَالُ لِلْأَبِ دُونَ الأخوة لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَلْقَوْنَ الْمَيِّتَ عِنْدَ أبيه فَأَبُوهُ أَوْلَى بِوَلَاءِ الموالى إذَا كَانُوا إنَّمَا يُدْلُونَ بِقَرَابَتِهِ فإذا مَاتَ الْمَوْلَى الْمُعْتَقُ وَتَرَكَ جَدَّهُ وَإِخْوَتَهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ أو لِأَبِيهِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا في مِيرَاثِ الْجَدِّ وَالْأَخِ فَمِنْهُمْ من قال الْمِيرَاثُ لِلْأَخِ دُونَ الْجَدِّ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَجْمَعُهُ وَالْمَيِّتَ أَبٌ قبل الْجَدِّ وَمَنْ قال هذا الْقَوْلَ قال وَكَذَلِكَ بن الْأَخِ وبن ابْنِهِ وَإِنْ سَفُلُوا لِأَنَّ الْأَبَ يَجْمَعُهُمْ وَالْمَوْلَى الْمُعْتِقُ قبل الْجَدِّ وَبِهَذَا أَقُولُ وَمِنْ أَصْحَابِنَا من قال الْجَدُّ وَالْأَخُ في وَلَاءِ الموالى بِمَنْزِلَةٍ لِأَنَّ الْجَدَّ يَلْقَى الْمَوْلَى الْمُعْتِقَ عِنْدَ أَوَّلِ أَبٍ يُنْتَسَبُ إلَيْهِ فَيَجْمَعُهُ وَالْمَيِّتَ أَبٌ يَكُونَانِ فيه سَوَاءً وَأَوَّلُ من يُنْسَبُ إلَيْهِ الْمَيِّتُ أبو الْمَيِّتِ وَالْمَيِّتُ ابْنُهُ وَالْجَدُّ أَبُوهُ فَذَهَبَ إلَى أَنْ يُشْرِكَ الْجَدَّ وَالْمَيِّتَ الْمُعْتِقَ أَبٌ هُمَا شَرَعَ فيه الْجَدُّ بِالْأُبُوَّةِ وَالِابْنُ بِوِلَادَتِهِ وَيَذْهَبُ إلَى انهما سَوَاءٌ وَمَنْ قال هذا قال الْجَدُّ أَوْلَى بِوَلَاءِ الموالى من بني الْأَخِ إذَا سَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَخِ جَعَلَ الْمَالَ لِلْجَدِّ بِالْقُرْبِ من الْمَيِّتِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) الأخوة أَوْلَى بِوَلَاءِ الْمَوَالِي من الْجَدِّ وَبَنُو الْإِخْوَةِ أَوْلَى بِوَلَاءِ الْمَوَالِي من الْجَدِّ فَعَلَى هذا هذا الْبَابِ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ فَأَمَّا إنْ مَاتَ الْمَوْلَى الْمُعْتِقُ وَتَرَكَ جَدَّهُ وَعَمَّهُ وَمَاتَ الْمَوْلَى الْمُعْتَقُ فَالْمَالُ لِلْجَدِّ دُونَ الْعَمِّ لِأَنَّ الْعَمَّ لَا يُدْلِي بِقَرَابَةٍ إلَّا بِأُبُوَّةِ الْجَدِّ فَلَا شَيْءَ له مع من يُدْلِي بِقَرَابَتِهِ وَلَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَتَرَكَ عَمَّهُ وَجَدَّ أبيه كان الْقَوْلُ فيها على قِيَاسِ من قال الأخوة أَوْلَى بِوَلَاءِ الموالى من الْجَدِّ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ لِلْعَمِّ لِأَنَّهُ يَلْقَى الْمَيِّتَ عِنْدَ جَدٍّ يَجْمَعُهُمَا قبل الذي يُنَازِعُهُ وَكَذَلِكَ وَلَدُ الْعَمِّ وَإِنْ تَسَفَّلُوا لِأَنَّهُمْ يَلْقَوْنَهُ عِنْدَ أَبٍ لهم وُلِدَ قبل جَدِّ أبيه وَمَنْ قال الْأَخُ وَالْجَدُّ سَوَاءٌ فَجَدُّ الْأَبِ وَالْعَمِّ سَوَاءٌ لِأَنَّ الْعَمَّ يَلْقَاهُ عِنْدَ جَدِّهِ وَجَدُّ أبيه أبو جَدِّهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ كان الْمُنَازِعُ لِجَدِّ الْأَبِ بن الْعَمِّ فَجَدُّ الْأَبِ أَوْلَى كما يَكُونُ الْجَدُّ أَوْلَى من بن الْأَخِ لِلْقُرْبِ من الْمَوْلَى الْمُعْتَقِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا مَاتَ الْمَوْلَى الْمُعْتِقِ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى الْمُعْتَقِ وَلَا وَارِثَ لِلْمَوْلَى الْمُعْتَقِ وَتَرَكَ أَخَاهُ لِأُمِّهِ وبن عَمٍّ قَرِيبٍ أو بَعِيدٍ فَالْمَالُ لِابْنِ الْعَمِّ الْقَرِيبِ أو الْبَعِيدِ لِأَنَّ الْأَخَ من الْأُمِّ لَا يَكُونُ عَصَبَةً فَإِنْ كان الْأَخُ من الْأُمِّ من عَصَبَتِهِ وكان في عَصَبَتِهِ من هو أُقْعَدُ منه من أَخِيهِ لِأُمِّهِ الذي هو من عَصَبَتِهِ كان لِلَّذِي هو أُقْعَدُ إلَى الْمَوْلَى الْمُعْتِقِ فَإِنْ اسْتَوَى أَخُوهُ لِأُمِّهِ الذي هو من عَصَبَتِهِ وَعُصْبَتُهُ فَالْمِيرَاثُ كُلُّهُ لِلْأَخِ من الْأُمِّ لِأَنَّهُ سَاوَى عَصَبَتَهُ في النَّسَبِ وَانْفَرَدَ منهم بِوِلَادَةِ الْأُمِّ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ في عَصَبَتِهِ بَعُدُوا أو قَرُبُوا لَا اخْتِلَافَ في ذلك وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ - * الْخِلَافُ في الْوَلَاءِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وقال لي بَعْضُ الناس الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْقِيَاسُ وَالْمَعْقُولُ وَالْأَثَرُ على أَكْثَرِ ما قُلْت في أَصْلِ وَلَاءِ السَّائِبَةِ وَغَيْرِهِ وَنَحْنُ لَا نُخَالِفُك منه إلَّا في مَوْضِعٍ ثُمَّ نَقِيسُ عليه غَيْرَهُ فَيَكُونُ مَوَاضِعَ قُلْت وما ذَاكَ قال الرَّجُلُ إذَا أَسْلَمَ على يَدَيْ الرَّجُلِ كان له وَلَاؤُهُ كما يَكُونُ لِلْمُعْتَقِ قُلْت أَتَدْفَعُ أَنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَالْقِيَاسَ يَدُلُّ على ما وَصَفْنَا من أَنَّ الْمُنْعِمَ بِالْعِتْقِ يَثْبُتُ له الْوَلَاءُ كَثُبُوتِ النَّسَبِ قال لَا قُلْت وَالنَّسَبُ إذَا ثَبَتَ فَإِنَّمَا
____________________

(4/129)


الْحُكْمُ فيه أَنَّ الْوَلَدَ مَخْلُوقٌ من الْوَالِدِ قال نعم قُلْت فَلَوْ أَرَادَ الْوَالِدُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِأَنَّ الْمَوْلُودَ منه نَفْيَهُ وَأَرَادَ ذلك الْوَلَدُ لم يَكُنْ لَهُمَا وَلَا لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ذلك قال نعم قُلْت فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا لَا أَبَ له رضي أَنْ يُنْتَسَبَ إلَى رَجُلٍ وَرَضِيَ ذلك الرَّجُلُ وَتَصَادَقَا مع التَّرَاضِي بِأَنْ يُنْتَسَبَ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ وَعُلِمَ أَنَّ أُمَّ الْمَنْسُوبِ إلَى الْمُنْتَسِبِ إلَيْهِ لم تَكُنْ لِلْمُنْتَسِبِ إلَيْهِ زَوْجَةً وَلَا أمه وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ لم يَكُنْ ذلك لَهُمَا وَلَا لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا قال نعم قُلْت لِأَنَّا إنَّمَا نَنْسِبُ بِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا الْفِرَاشُ وفي مِثْلِ مَعْنَاهُ ثُبُوتُ النَّسَبِ بِالشُّبْهَةِ بِالْفِرَاشِ وَالنُّطْفَةِ بَعْدَ الْفِرَاشِ قال نعم قُلْت وَلَا نَنْسِبُ بِالتَّرَاضِي إذَا تَصَادَقَا إذَا لم يَكُنْ ما يُنْسَبُ بِهِ قال نعم قُلْت وَثَبَتَ له حُكْمُ الْأَحْرَارِ وَيَنْتَقِلُ عن أَحْكَامِ الْعُبُودِيَّةِ قال نعم قُلْت وَالْوَلَاءُ هو إخْرَاجُك مَمْلُوكَك من الرِّقِّ بِعِتْقِك وَالْعِتْقُ فِعْلٌ مِنْك لم يَكُنْ لِمَمْلُوكِك رَدُّهُ عَلَيْك قال نعم قُلْت وَلَوْ رَضِيَتْ أَنْ تَهَبَ وَلَاءَهُ أو تَبِيعَهُ لم يَكُنْ ذلك لَك قال نعم قُلْت فإذا كان هذا ثَبَتَ فَلَا يَزُولُ بِمَا وَصَفْت من مُتَقَدِّمِ الْعِتْقِ وَالْفِرَاشِ وَالنُّطْفَةِ وما وَصَفْت من ثُبُوتِ الْحُقُوقِ في النَّسَبِ وَالْوَلَاءِ أَفَتَعْرِفُ أَنَّ الْمَعْنَى الذي اجْتَمَعْنَا عليه في تَثْبِيتِ النَّسَبِ وَالْوَلَاءِ لَا يَنْتَقِلُ وَإِنْ رضي الْمُنْتَسِبُ وَالْمُنْتَسَبُ إلَيْهِ وَالْمَوْلَى الْمُعْتِقُ وَالْمَوْلَى الْمُعْتَقُ لم يَجُزْ له وَلَا لَهُمَا بِتَرَاضِيهِمَا قال نعم هَكَذَا السُّنَّةُ وَالْأَثَرُ وَإِجْمَاعُ الناس فَهَلْ تَعْرِفُ السَّبَبَ الذي كان ذلك ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقُلْت له في وَاحِدٍ مِمَّا وَصَفْت وَوَصَفْنَا كِفَايَةٌ وَالْمَعْنَى الذي حَكَمَ بِذَلِكَ بَيِّنٌ عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قال فما هو قُلْت إنَّ اللَّهَ عز وجل أَثْبَتَ لِلْوَلَدِ وَالْوَالِدِ حُقُوقًا في الْمَوَارِيثِ وَغَيْرِهَا وَكَانَتْ الْحُقُوقُ التي تَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على صَاحِبِهِ تَثْبُتُ لِلْوَالِدِ على وَلَدِ الْوَلَدِ وَلِلْوَلَدِ من الْأُمِّ على وَالِدَيْ الْوَالِدِ حُقُوقًا في الْمَوَارِيثِ وَوَلَاءَ الموالى وَعَقْلَ الْجِنَايَاتِ وَوِلَايَةَ النِّكَاحِ وَغَيْرَ ذلك فَلَوْ تَرَكَ الْوَالِدُ وَالْوَلَدُ حَقَّهُمَا من ذلك ومما ( ( ( وما ) ) ) يَثْبُتُ لِأَنْفُسِهِمَا لم يَكُنْ لَهُمَا تركة لِآبَائِهِمَا أو أَبْنَائِهِمَا أو عَصَبَتِهِمَا وَلَوْ جَازَ لِلِابْنِ أَنْ يُبْطِلَ حَقَّهُ عن الْأَبِ في وِلَايَةِ الصَّلَاةِ عليه لو مَاتَ وَالْقِيَامِ بِدَمِهِ لو قُتِلَ وَالْعَقْلِ عنه لو جَنَى لم يَجُزْ له أَنْ يُبْطِلَ ذلك لِآبَائِهِ وَلَا أَبْنَائِهِ وَلَا لِإِخْوَتِهِ وَلَا عَصَبَتِهِ لِأَنَّهُ قد ثَبَتَ لِآبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ وَعَصَبَتِهِ حُقُوقٌ على الْوَلَدِ لَا يَجُوزُ لِلْوَالِدِ إزَالَتُهَا بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَمِثْلُ هذه الْحَالِ الْوَلَدُ فلما كان هذا هَكَذَا لم يَجُزْ أَنْ يُثْبِتَ رَجُلٌ على آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ وَعَصَبَتِهِ نَسَبَ من قد عَلِمَ أَنَّهُ لم يَلِدْهُ فَيُدْخِلَ عليهم ما ليس له وَلَا من قِبَلِ أَحَدٍ من الْمُسْلِمِينَ مِيرَاثَ من نُسِبَ إلَيْهِ إلى من نُسِبَ له وَالْمَوْلَى الْمُعْتَقُ كَالْمَوْلُودِ فِيمَا يَثْبُتُ له من عَقْلِ جِنَايَتِهِ وَيَثْبُتُ عليه من أَنْ يَكُونَ مَوْرُوثًا وَغَيْرِ ذلك فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْتَسِبَ إلَى وَلَاءِ رَجُلٍ لم يُعْتِقْهُ لِأَنَّ الذي يُثْبِتُ الْمَرْءُ على نَفْسِهِ يُثْبِتُ على وَلَدِهِ وَآبَائِهِ وَعَصَبَتِهِ وِلَايَتَهُمْ فَلَا يَجُوزُ له أَنْ يُثْبِتَ عليهم ما لَا يَلْزَمُهُمْ من عَقْلٍ وَغَيْرِهِ بِأَمْرٍ لَا يَثْبُتُ وَلَا لهم بِأَمْرٍ لم يَثْبُتْ فقال هذا كما وَصَفْت إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قُلْت فَلِمَ جَازَ لَك أَنْ تُوَافِقَهُ في مَعْنًى وَتُخَالِفَهُ في مَعْنًى وما وَصَفْت في تَثْبِيتِ الْحُقُوقِ في النَّسَبِ وَالْوَلَاءِ قال أَمَّا الْقِيَاسُ على الْأَحَادِيثِ التي ذَكَرْت وما يَعْرِفُ الناس فَكَمَا قُلْت لَوْلَا شَيْءٌ أَرَاك أَغْفَلْته وَالْحُجَّةُ عَلَيْك فيه قَائِمَةٌ قُلْت وما ذَاكَ قال حَدِيثُ عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ قُلْت له ليس يَثْبُتُ مِثْلُ هذا الحديث عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ قال لِأَنَّهُ خَالَفَ غَيْرَهُ من حَدِيثِك الذي هو أَثْبَتُ منه قُلْت لو خَالَفَك ما هو أَثْبُتُ منه لم نُثْبِتْهُ وكان عَلَيْنَا أَنْ نُثْبِتَ الثَّابِتَ وَنَرُدَّ الْأَضْعَفَ قال أَفَرَأَيْت لو كان ثَابِتًا أَيُخَالِفُ حَدِيثُنَا حَدِيثَك عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْوَلَاءِ فَقُلْت لو ثَبَتَ لَاحْتَمَلَ خِلَافَهَا وَأَنْ لَا يُخَالِفَهَا لِأَنَّا نَجِدُ تَوْجِيهَ الْحَدِيثَيْنِ مَعًا لو ثَبَتَ وما وَجَدْنَا له من الْأَحَادِيثِ تَوْجِيهًا اسْتَعْمَلْنَاهُ مع غَيْرِهِ قال فَكَيْفَ كان يَكُونُ الْقَوْلُ فيه لو كان ثَابِتًا قُلْت يُقَالُ الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ لَا يَنْتَقِلُ عنه أَبَدًا وَلَوْ نَقَلَهُ عن نَفْسِهِ ويوجه ( ( ( وبوجه ) ) ) قَوْلِ
____________________

(4/130)


النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ ) على الْإِخْبَارِ عن شَرْطِ الْوَلَاءِ فِيمَنْ بَاعَ فَأَعْتَقَهُ غَيْرُهُ أَنَّ الْوَلَاءَ لِلَّذِي أَعْتَقَ إذَا كان مُعْتِقًا لَا على الْعَامِّ إن الْوَلَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا لِمُعْتِقٍ إذْ جَعَلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَاءً لِغَيْرِ مُعْتِقٍ مِمَّنْ أَسْلَمَ على يَدَيْهِ قال هذا الْقَوْلُ الْمُنْصِفُ غَايَةَ النَّصَفَةِ فَلِمَ لم تُثْبِتْ هذا الحديث فتقول ( ( ( فنقول ) ) ) بهذا قُلْت لِأَنَّهُ عن رَجُلٍ مَجْهُولٍ وَمُنْقَطِعٌ وَنَحْنُ وَأَنْتَ لَا نُثْبِتُ حَدِيثَ الْمَجْهُولِينَ وَلَا الْمُنْقَطِعَ من الحديث قال فَهَلْ يَبِينُ لَك أَنَّهُ يُخَالِفُ الْقِيَاسَ إذَا لم يَتَقَدَّمْ عِتْقٌ قُلْت نعم وَذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِمَا وَصَفْنَا من تَثْبِيتِ الْحَقِّ له وَعَلَيْهِ بِثُبُوتِ الْعِتْقِ وإنه إذَا كان يَثْبُتُ بِثُبُوتِ الْعِتْقِ لم يَجُزْ أَنْ يَثْبُتَ بِخِلَافِهِ قال فَإِنْ قُلْت يَثْبُتُ على المولى ( ( ( الموالي ) ) ) بِالْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ من الْعِتْقِ فإذا أَسْلَمَ على يَدَيْهِ فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَهُ قُلْت فما تَقُولُ في مَمْلُوكٍ كَافِرٍ ذِمِّيٍّ لِغَيْرِك أَسْلَمَ على يَدَيْك أَيَكُونُ إسْلَامُهُ ثَابِتًا قال نعم قُلْت أَفَيَكُونُ وَلَاؤُهُ لَك أَمْ يُبَاعُ على سَيِّدِهِ وَيَكُونُ رَقِيقًا لِمَنْ اشْتَرَاهُ قال بَلْ يُبَاعُ وَيَكُونُ رَقِيقًا لِمَنْ اشْتَرَاهُ قُلْت فَلَسْت أَرَاك جَعَلَتْ الْإِسْلَامَ عِتْقًا وَلَوْ كان الْإِسْلَامُ يَكُونُ عِتْقًا كان لِلْعَبْدِ الذِّمِّيِّ أَنْ يُعْتِقَ نَفْسَهُ وَلَوْ كان كَذَلِكَ كان الذِّمِّيُّ الْحُرُّ الذي قُلْت هذا فيه حُرًّا وكان إسْلَامُهُ غير إعْتَاقِ من أَسْلَمَ على يَدَيْهِ لِأَنَّهُ إنْ كان مَمْلُوكًا لِلْمُسْلِمِينَ فَلَهُمْ عِنْدَنَا وَعِنْدَك أَنْ يَسْتَرِقُّوهُ وَلَا يَخْرُجُ بِالْإِسْلَامِ من أَيْدِيهِمْ وَإِنْ قُلْت كان مَمْلُوكًا لِلذِّمِّيِّينَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُبَاعَ وَيُدْفَعَ ثَمَنُهُ إلَيْهِمْ قال ليس بِمَمْلُوكٍ لِلذِّمِّيِّينَ وَكَيْفَ يَكُونُ مَمْلُوكًا لهم وهو يوارثهم وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَلَا لِلْمُسْلِمِينَ بَلْ هو حُرٌّ قُلْت وَكَيْفَ كان الْإِسْلَامُ كَالْعِتْقِ قال بِالْخَبَرِ قُلْت لو ثَبَتَ قُلْنَا بِهِ مَعَك إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقُلْت له وَكَيْفَ قُلْت في الذي لَا وَلَاءَ له ولم يُسْلِمْ على يَدَيْ رَجُلٍ يُوَالِي من شَاءَ قال قِيَاسًا أَنَّ عُمَرَ قال في الْمَنْبُوذِ هو حُرٌّ وَلَك وَلَاؤُهُ قُلْت أَفَرَأَيْت الْمَنْبُوذَ إذَا بَلَغَ أَيَكُونُ له أَنْ يَنْتَقِلَ بِوَلَائِهِ قال فَإِنْ قُلْت لَا لِأَنَّ الْوَالِيَ عَقَدَ الْوَلَاءَ عليه قُلْت أَفَيَكُونُ لِلْوَالِي أَنْ يَعْقِدَ عليه ما لم يَسْبِقْ بِهِ حُرِّيَّةٌ ولم يَعْقِدْ على نَفْسِهِ قال فَإِنْ قُلْت هذا حُكْمٌ من الْوَالِي قُلْت أو يَحْكُمُ الْوَالِي على غَيْرِ سَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ يَكُونُ بِهِ لِأَحَدِ الْمُتَنَازِعَيْنِ على الْآخَرِ حَقٌّ أو يَكُونُ صَغِيرًا يَبِيعُ عليه الْحَاكِمُ فِيمَا لَا بُدَّ له منه وما يُصْلِحُهُ وَإِنْ كان كما وَصَفْت أَفَيَثْبُتُ الْوَلَاءُ بِحُكْمِ الْوَالِي لِلْمُلْتَقَطِ فَقِسْت الْمَوَالِيَ عليه قُلْت فإذا والي فَأَثْبَت عليه الْوَلَاءَ وَلَا تَجْعَلْ له أَنْ يَنْتَقِلَ بِوَلَائِهِ ما لم يُعْقَلْ عنه فَأَنْتَ تَقُولُ يَنْتَقِلُ بِوَلَائِهِ قال فَإِنْ قُلْت ذلك في اللَّقِيطِ قُلْت فَقَدْ زَعَمْت أَنَّ لِلْمَحْكُومِ عليه أَنْ يَفْسَخَ الْحُكْمَ قال فَإِنْ قُلْت ليس لِلَّقِيطِ وَلَا للموالي أَنْ يَنْتَقِلَ وَإِنْ لم يُعْقَلْ عنه قُلْت فَهُمَا يَفْتَرِقَانِ قال وَأَيْنَ افْتِرَاقُهُمَا قُلْت اللَّقِيطُ لم يَرْضَ شيئا وَإِنَّمَا لَزِمَهُ الْحُكْمُ بِلَا رِضًا منه قال وَلَكِنْ بِنِعْمَةٍ من الْمُلْتَقِطِ عليه قُلْت فَإِنْ أَنْعَمَ على غَيْرِ لَقِيطٍ أَكْثَرَ من النِّعْمَةِ على اللَّقِيطِ فَأَنْقَذَ من قَتْلٍ وَغَرَقٍ وَحَرْقٍ وَسَجْنٍ وَأَعْطَاهُ مَالًا أَيَكُونُ لِأَحَدٍ بهذا وَلَاؤُهُ قال لَا قُلْت فإذا كان الْمُوَالَى لَا يَثْبُتُ عليه الْوَلَاءُ إلَّا بِرِضَاهُ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلَّقِيطِ الذي يَثْبُتُ بِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَكَيْفَ قِسْته عليه قال وَلِأَيِّ شَيْءٍ خَالَفْتُمْ حَدِيثَ عُمَرَ قُلْنَا وَلَيْسَ مِمَّا يَثْبُتُ مِثْلُهُ هو عن رَجُلٍ ليس بِالْمَعْرُوفِ وَعِنْدَنَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ مَعْرُوفٌ أَنَّ مَيْمُونَةَ زَوْجَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَهَبَتْ وَلَاءَ بَنِي يَسَارٍ لِابْنِ عَبَّاسٍ فَقَدْ أَجَازَتْ مَيْمُونَةُ وبن عَبَّاسٍ هِبَةَ الْوَلَاءِ فَكَيْفَ تَرَكْته قال نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ قُلْنَا أَفَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَهْيُهُ على غَيْرِ التَّحْرِيمِ قال هو على التَّحْرِيمِ وَإِنْ احْتَمَلَ غَيْرَهُ قُلْت فَإِنْ قال لَك قَائِلٌ لَا يَجْهَلُ بن عَبَّاسٍ وَمَيْمُونَةُ كَيْفَ وَجْهُ نَهْيِهِ قال قد يَذْهَبُ عنهما الْحَدِيثُ رَأْسًا فنقول ( ( ( فتقول ) ) ) ليس في أَحَدٍ مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم حُجَّةٌ قُلْت فَكَيْفَ أَغْفَلْت هذه الْحُجَّةَ في اللَّقِيطِ فلم تَرَهَا تَلْزَمُ غَيْرَك كما لَزِمَتْك حُجَّتُك في أَنَّ الحديث عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قد يَعْزُبُ عن بَعْضِ أَصْحَابِهِ وإنه على ظَاهِرِهِ وَلَا يُحَالُ إلَى بَاطِنٍ وَلَا خَاصٍّ إلَّا بِخَبَرٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه
____________________

(4/131)


وسلم لَا عن غَيْرِهِ قال فَهَكَذَا نَقُولُ قُلْت نعم في الْجُمْلَةِ وفي بَعْضِ الْأَمْرِ دُونَ بَعْضٍ قال قد شَرَكَنَا في هذا بَعْضُ أَصْحَابِك قُلْت أَفَحَمِدْت ذلك منهم قال لَا قُلْت فَلَا أَشْرُكُهُمْ فِيمَا لم تَحْمَدْ وَفِيمَا نَرَى الْحُجَّةَ في غَيْرِهِ فقال لِمَنْ حَضَرْنَا من الْحِجَازِيِّينَ أَكَمَا قال صَاحِبُكُمْ في أَنْ لَا وَلَاءَ إلَّا لِمَنْ أَعْتَقَ فَقَالُوا نعم وَبِذَلِكَ جَاءَتْ السُّنَّةُ قال فإن مِنْكُمْ من يُخَالِفُ في السَّائِبَةِ وَالذِّمِّيِّ يَعْتِقُ الْمُسْلِمَ قالوا نعم قال فَيُكَلِّمُهُ بَعْضُكُمْ أو أَتَوَلَّى كَلَامَهُ لَكُمْ قالوا افْعَلْ فَإِنْ قَصُرْت تَكَلَّمْنَا قال فأنا ( ( ( فأما ) ) ) أَتَكَلَّمُ عن أَصْحَابِك في وَلَاءِ السَّائِبَةِ ما تَقُولُ في وَلَاءِ السَّائِبَةِ وَمِيرَاثِهِ إذَا لم يَكُنْ له وَارِثٌ إلَّا من سَيَّبَهُ فَقُلْت وَلَاؤُهُ لِمَنْ سَيَّبَهُ وَمِيرَاثُهُ له قال فما الْحُجَّةُ في ذلك قُلْت الْحُجَّةُ الْبَيِّنَةُ أَمُعْتَقُ الْمُسَيَّبِ لِلْمُسَيِّبِ قال نعم قُلْت فَقَدْ قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ ) وَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ مِيرَاثَ الْمُعْتَقِ لِمَنْ أَعْتَقَهُ إذَا لم يَكُنْ دُونَهُ من يَحْجُبُهُ بِأَصْلِ فَرِيضَةٍ قال فَهَلْ من حُجَّةٍ غَيْرِ هذه قُلْت ما أَحْسَبُ أَحَدًا سَلَكَ طَرِيقَ النَّصَفَةِ يُرِيدُ وَرَاءَهَا حُجَّةً قال بَلَى وَقُلْت له قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { ما جَعَلَ اللَّهُ من بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ } قال وما مَعْنَى هذا قُلْت سَمِعْت من أَرْضَى من أَهْلِ الْعِلْمِ يَزْعُمُ أَنَّ الرَّجُلَ كان يُعْتِقُ عَبْدَهُ في الْجَاهِلِيَّةِ سَائِبَةً فيقول لَا أَرِثُهُ وَيَفْعَلُ في الوصية ( ( ( الوصيلة ) ) ) من الْإِبِلِ وَالَحَّامِ أَنْ لَا يُرْكَبَ فقال اللَّهُ عز وجل { ما جَعَلَ اللَّهُ من بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ } على مَعْنَى ما جَعَلْتُمْ فَأَبْطَلَ شُرُوطَهُمْ فيها وَقَضَى أَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ وَرَدَّ الْبَحِيرَةَ وَالْوَصِيلَةَ وَالَحَّامَ إلَى مِلْكِ مَالِكِهَا إذَا كان الْعِتْقُ في حُكْمِ الْإِسْلَامِ أَنْ لَا يَقَعَ على الْبَهَائِمِ قال فَهَلْ تَأَوَّلَ أَحَدٌ السَّائِبَةَ على بَعْضِ الْبَهَائِمِ قُلْت نعم وَهَذَا أَشْبَهُ الْقَوْلَيْنِ بِمَا يَعْرِفُ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالسُّنَّةِ قال أَفَرَأَيْت قَوْلَك قد أَعْتَقْتُك سَائِبَةً أَلَيْسَ خِلَافَ قَوْلِك قد أَعْتَقْتُك قُلْت أَمَّا في قَوْلِك أَعْتَقْتُك فَلَا وَأَمَّا في زِيَادَةِ سَائِبَةً فَنَعَمْ قال فَهُمَا كَلِمَتَانِ خَرَجَتَا مَعًا فَإِنَّمَا أَعْتَقَهُ على شَرْطٍ قُلْت أو ما أُعْتِقَتْ بَرِيرَةُ على شَرْطِ أَنَّ الْوَلَاءَ لِلْبَائِعِينَ فَأَبْطَلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الشَّرْطَ فقال ( الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ ) قال بَلَى قُلْت فإذا أَبْطَلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم شَرْطَ الْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ الْمُعْتِقِ وَإِنَّمَا انْعَقَدَ الْبَيْعُ عليه لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ وَرَدَّهُ إلَى الْمُعْتِقِ فَكَيْفَ لَا يَبْطُلُ شَرْطُ الْمُعْتِقِ ولم يَجْعَلْهُ لِغَيْرِهِ من الْآدَمِيِّينَ قال فَإِنْ قُلْت فَلَهُ الْوَلَاءُ وَلَا يَرِثُهُ قُلْت فَقُلْ إذًا الْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ الْمُشْتَرَطِ عليه أَنَّ الْوَلَاءَ لِغَيْرِهِ وَلَا يَرِثُهُ قال لَا يَجُوزُ أَنْ أُثْبِتَ له الْوَلَاءَ وَأَمْنَعَهُ الْمِيرَاثَ وَدِينَاهُمَا وَاحِدٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقُلْت له أَرَأَيْت الرَّجُلَ يَمْلِكُ أَبَاهُ وَيَتَسَرَّى الْجَارِيَةَ وَيَمُوتُ لِمَنْ وَلَاءُ هَذَيْنِ قال لِمَنْ عَتَقَا بِمِلْكِهِ وَفِعْلِهِ قُلْت أَفَرَأَيْت لو قال لَك قَائِلٌ قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ ) ولم يَعْتِقْ وَاحِدٌ من هَذَيْنِ هذا وَرِثَ أَبَاهُ فَيُعْتِقُهُ وَإِنْ كُرِهَ وَهَذَا وَلَدَتْ جَارِيَتُهُ ولم يُعْتِقْهَا بِالْوَلَدِ وهو حَيٌّ فَأَعْتَقَهَا بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا يَكُونُ لِوَاحِدٍ من هَذَيْنِ وَلَاءٌ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا غَيْرُ مُعْتَقٍ هل حُجَّتُنَا وَحُجَّتُك عليه إلَّا أَنَّهُ إذَا زَالَ عنه الرِّقُّ بِسَبَبِ من يَحْكُمُ له بِالْمِلْكِ كان له وَلَاؤُهُ قال لَا وَكَفَى بهذا حُجَّةً مِنْك وَهَذَا في مَعَانِي الْمُعْتَقِينَ قُلْت فَالْمُعْتَقُ سَائِبَةً هو الْمُعْتَقُ وَهَذَا أَكْثَرُ من الذي في مَعَانِي الْمُعْتَقِينَ قال فإن الْقَوْمَ يَذْكُرُونَ أَحَادِيثَ قُلْت فَاذْكُرْهَا قال ذَكَرُوا أَنَّ حَاطِبَ بن أبي بَلْتَعَةَ أَعْتَقَ سَائِبَةً قُلْت وَنَحْنُ نَقُولُ إنْ أَعْتَقَ رَجُلٌ سَائِبَةً فَهُوَ حُرٌّ وَوَلَاؤُهُ له قال فَيَذْكُرُونَ عن عُمَرَ وَعُثْمَانَ ما يُوَافِقُ قَوْلَهُمْ وَيَذْكُرُ سُلَيْمَانُ بن يَسَارٍ أَنَّ سَائِبَةً أَعْتَقَهُ رَجُلٌ من الْحَاجِّ فَأَصَابَهُ غُلَامٌ من بَنِي مَخْزُومٍ فَقَضَى عُمَرُ عليهم بِعَقْلِهِ فقال أبو الْمَقْضِيِّ عليه لو أَصَابَ ابْنِي قال إذًا لَا يَكُونُ له شَيْءٌ قال فَهُوَ إذًا مِثْلُ الْأَرْقَمِ قال عُمَرُ فَهُوَ إذًا مِثْلُ الْأَرْقَمِ فَقُلْت له هذا إذَا ثَبَتَ بِقَوْلِنَا أَشْبَهُ قال وَمِنْ أَيْنَ قُلْت لِأَنَّهُ لو رَأَى وَلَاءَهُ لِلْمُسْلِمِينَ رَأَى عليهم عَقْلَهُ وَلَكِنْ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ رَأَى عَقْلَهُ على مَوَالِيهِ فلما كَانُوا لَا يُعْرَفُونَ لم يَرَ فيه عَقْلًا حتى يَعْرِفَ مَوَالِيَهُ وَلَوْ كان على ما تَأَوَّلُوا وكان الْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ ما قالوا كَانُوا يُخَالِفُونَهُ قال وَأَيْنَ قُلْت هُمْ يَزْعُمُونَ
____________________

(4/132)


أَنَّ السَّائِبَةَ لو قُتِلَ كان عَقْلُهُ على الْمُسْلِمِينَ وَنَحْنُ نَرْوِي عن عُمَرَ وَغَيْرِهِ مِثْلَ مَعْنَى قَوْلِنَا قال فَاذْكُرْهُ قُلْت أخبرنا سُفْيَانُ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءِ بن أبي رَبَاحٍ أَنَّ طَارِقَ بن الْمُرَقَّعِ أَعْتَقَ أَهْلَ بَيْتٍ سَوَائِبَ فَأَتَى بِمِيرَاثِهِمْ فقال عُمَرُ بن الْخَطَّابِ أَعْطُوهُ وَرَثَةَ طَارِقٍ فَأَبَوْا أَنْ يَأْخُذُوا فقال عُمَرُ فَاجْعَلُوهُ في مِثْلِهِمْ من الناس قال فَحَدِيثُ عَطَاءٍ مُرْسَلٌ قُلْت يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَهُ من آلِ طَارِقٍ وَإِنْ لم يَسْمَعْهُ منهم ( ( ( عنهم ) ) ) فَحَدِيثُ سُلَيْمَانَ مُرْسَلٌ قال فَهَلْ غَيْرُهُ قُلْت أخبرنا سُفْيَانُ عن سُلَيْمَانَ بن مِهْرَانَ عن إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ سَائِبَةً فَمَاتَ فقال عبد اللَّهِ هو لَك قال لَا أُرِيدُ قال فَضَعْهُ إذًا في بَيْتِ الْمَالِ فإن له وَارِثًا كَثِيرًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ قال أخبرني أبو طُوَالَةَ عبد اللَّهِ بن عبد الرحمن عن مَعْمَرٍ قال كان سَالِمٌ مولى أبي حُذَيْفَةَ لِامْرَأَةٍ من الْأَنْصَارِ يُقَالُ لها عَمْرَةُ بِنْتُ يعار أَعْتَقَتْهُ سَائِبَةً فَقُتِلَ يوم الْيَمَامَةِ فَأَتَى أبو بَكْرٍ بِمِيرَاثِهِ فقال أَعْطُوهُ عَمْرَةَ فَأَبَتْ تَقَبُّلَهُ قال قد اخْتَلَفَتْ فيه الْأَحَادِيثُ قُلْت فما كنا نَحْتَاجُ إلَيْهَا مع قَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ ) وإذا اخْتَلَفَتْ فَاَلَّذِي يَلْزَمُنَا أَنْ نَصِيرَ إلَى أَقْرَبِهَا من السُّنَّةِ وما قُلْنَا مَعْنَى السُّنَّةِ مع ما ذَكَرْنَا من الِاسْتِدْلَالِ بِالْكِتَابِ قال فَإِنْ قالوا إنَّمَا أَعْتَقَ السَّائِبَةَ عن الْمُسْلِمِينَ قُلْنَا فَإِنْ قال قد أَعْتَقْتُك عن نَفْسِي سَائِبَةً لَا عن غَيْرِي وَأَشْهَدُ بهذا الْقَوْلِ قبل الْعِتْقِ وَمَعَهُ فقال أَرَدْت أَنْ يَكْمُلَ أَجْرِي بِأَنْ لَا يَرْجِعَ إلى وَلَاؤُهُ قال فَإِنْ قالوا فإذا قال هذا فَهَذَا يَدُلُّ على أَنَّهُ أَعْتَقَهُ عن الْمُسْلِمِينَ قُلْنَا هذا الْجَوَابُ مُحَالٌ يقول أَعْتَقْتُك عن نَفْسِي وَيَقُولُ أَعْتَقَهُ عن الْمُسْلِمِينَ فقال هذا قَوْلٌ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ قُلْت أَرَأَيْت لو كان أَخْرَجَهُ من مِلْكِهِ إلَى الْمُسْلِمِينَ أَكَانَ له أَنْ يُعْتِقَهُ ولم يَأْمُرُوهُ بِعِتْقِهِ وَلَوْ فَعَلَ لَكَانَ عِتْقُهُ بَاطِلًا إذَا أَعْتَقَ ما أَخْرَجَ من مِلْكِهِ إلَى غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَإِنْ قال إنَّمَا أَجَزْته لِأَنَّهُ مَالِكٌ مُعْتِقٌ فَقَدْ قَضَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ قال فما حُجَّتُك عليهم في الذِّمِّيِّ يُسْلِمُ عَبْدُهُ فَيُعْتِقُهُ قُلْت مِثْلُ أَوَّلِ حُجَّتِي في السَّائِبَةِ أَنَّهُ لَا يَعْدُو أَنْ يَكُونَ مُعْتَقًا فَقَدْ قَضَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالْوَلَاءِ لِمَنْ أَعْتَقَ أو يَكُونُ إذَا اخْتَلَفَ الدِّينَانِ لَا يَجُوزُ عِتْقُهُ فَيَكُونُ عِتْقُهُ بَاطِلًا قال بَلْ هو مُعْتَقٌ وَالْعِتْقُ جَائِزٌ قُلْت فما أَعْلَمُك بَقَّيْت لِلْمَسْأَلَةِ مَوْضِعًا قال بَلَى لو مَاتَ الْعَبْدُ لم يَرِثْهُ الْمُعْتِقُ قُلْت وما مَنَعَ الْمِيرَاثَ إنَّمَا مَنَعَ الْمِيرَاثَ الذي مَنَعَهُ الْوَرَثَةُ أَيْضًا غَيْرُ الْمُعْتِقِ بِاخْتِلَافِ الدِّينَيْنِ وَكَذَلِكَ يَمْنَعُهُ وَارِثُهُ بِالنَّسَبِ بِاخْتِلَافِ الْوَلَاءِ وَالنَّسَبِ قال أَفَيَجُوزُ أَنْ يُثْبِتَ له عليه وَلَاءً وهو لَا يَرِثُهُ قُلْت نعم كما يَجُوزُ أَنْ يُثْبِتَ له على أبيه أُبُوَّةً وهو لَا يَرِثُهُ إذَا اخْتَلَفَ الدِّينَانِ أو يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إنْ الذِّمِّيَّ إذَا أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ وَلِلذِّمِّيِّ وَلَدٌ مُسْلِمُونَ كان الْوَلَاءُ لِبَنِيهِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَكُونُ لِلَّذِي أَعْتَقَهُ لَئِنْ لم يَكُنْ لِلْمُعْتِقِ فَالْمُعْتَقُ لهم من بَنِيهِ أَبْعَدُ أَنْ يَجُوزَ قال وَأَنْتَ تَقُولُ مِثْلَ هذا قُلْت وَأَيْنَ قال تَزْعُمُ أَنَّ رَجُلًا لو كان له وَلَدٌ مُسْلِمُونَ وهو كَافِرٌ فَمَاتَ أَحَدُهُمْ وَرِثَتْهُ إخْوَتُهُ الْمُسْلِمُونَ ولم يَرِثْهُ أَبُوهُ وَبِهِ وَرِثُوهُ قُلْت أَجَلْ فَهَذِهِ الْحُجَّةُ عَلَيْك قال وَكَيْفَ قُلْت أَرَأَيْت أُبُوَّتَهُ زَالَتْ عن الْمَيِّتِ بِاخْتِلَافِ دِينِهِمَا قال لَا هو أَبُوهُ بِحَالِهِ قُلْت وَإِنْ أَسْلَمَ قبل أَنْ يَمُوتَ وَرَّثْته قال نعم قُلْت وَإِنَّمَا حَرُمَ الْمِيرَاثُ بِاخْتِلَافِ الدِّينَيْنِ قال نعم قُلْت فَلِمَ لم تَقُلْ في المولى ( ( ( الموالي ) ) ) هذا الْقَوْلَ فتقول ( ( ( فنقول ) ) ) مَوْلَاهُ من أَعْتَقَهُ وَلَا يَرِثُهُ ما اخْتَلَفَ دِينَاهُمَا فإذا أَسْلَمَ الْمُعْتِقُ وَرِثَهُ إنْ مَاتَ بَعْدَ إسْلَامِهِ قال فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ إذَا أَعْتَقَهُ الذِّمِّيُّ ثَبَتَ وَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا يَرْجِعُ إلَيْهِ قُلْت وَكَيْفَ ثَبَتَ وَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَغَيْرُهُمْ أَعْتَقَهُ قال فَبِأَيِّ شَيْءٍ يَرِثُونَهُ قُلْت لَيْسُوا يَرِثُونَهُ وَلَكِنَّ مِيرَاثَهُ لهم لِأَنَّهُ لَا مَالِكَ له بِعَيْنِهِ قال وما دَلَّك على ما تَقُولُ فإن الذي يُعْرَفُ أَنَّهُمْ لَا يَأْخُذُونَهُ إلَّا مِيرَاثًا قُلْت أَفَيَجُوزُ أَنْ يَرِثُوا كَافِرًا قال لَا قُلْت أَفَرَأَيْت الذِّمِّيَّ لو مَاتَ وَلَا وَارِثَ له من أَهْلِ دِينِهِ لِمَنْ مِيرَاثُهُ قال لِلْمُسْلِمِينَ قُلْت لِأَنَّهُ لَا مَالِكَ له لَا أَنَّهُ مِيرَاثٌ قال نعم قُلْت وَكَذَلِكَ من
____________________

(4/133)


لَا وَلَاءَ له من لَقِيطٍ وَمُسْلِمٍ لَا وَلَاءَ له أو وَلَاؤُهُ لِكَافِرٍ لَا قَرَابَةَ له من الْمُسْلِمِينَ وَذَكَرْت ما ذَكَرْت في أَوَّلِ الْكِتَابِ من أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ على الْمِيرَاثِ قال فإن من أَصْحَابِنَا من خَالَفَك في مَعْنًى آخَرَ فقال لو أَنَّ مُسْلِمًا أَعْتَقَ نَصْرَانِيًّا فَمَاتَ النَّصْرَانِيُّ وَرِثَهُ وإنما ( ( ( إنما ) ) ) قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ في النَّسَبِ ) فَقُلْت أَمَوْجُودٌ ذلك في الحديث قال فَيَقُولُونَ الْحَدِيثُ يَحْتَمِلُهُ قُلْت أَفَرَأَيْت إنْ عَارَضَنَا وَإِيَّاهُمْ غَيْرُنَا فقال فَإِنَّمَا مَعْنَى الحديث في الْوَلَاءِ قال ليس ذلك له قُلْت وَلِمَ أَلِأَنَّ الحديث لَا يَحْتَمِلُهُ قال بَلْ يَحْتَمِلُهُ وَلَكِنَّهُ ليس في الحديث وَالْمُسْلِمُونَ يَقُولُونَ هذا في النَّسَبِ قُلْت ليس كُلُّ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُونَهُ في النَّسَبِ فَمِنْهُمْ من يُوَرِّثُ الْمُسْلِمَ الْكَافِرَ كما يُجِيزُ له النِّكَاحَ إلَيْهِ وَلَا يُوَرِّثُ الْكَافِرَ الْمُسْلِمَ قال فَحَدِيثُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم جُمْلَةً قُلْت أَجَلْ في جَمِيعِ الْكُفَّارِ وَالْحُجَّةُ على من قال هذا في بَعْضِ الْكَافِرِينَ في النَّسَبِ كَالْحَجَّةِ على من قاله ( ( ( قال ) ) ) في الْوَلَاءِ قُلْت فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ إنْ عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ قَضَى بِهِ فَقُلْت قد أَخْبَرْتُك أَنَّ مَيْمُونَةَ وَهَبَتْ وَلَاءَ بَنِي يَسَارٍ لِابْنِ عَبَّاسٍ فانهبه ( ( ( فأتهيبه ) ) ) وَقُلْت إذَا جاء الْحَدِيثُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم جُمْلَةً فَهُوَ على جُمْلِهِ ولم نُحَمِّلْهُ ما احْتَمَلَ إلَّا بِدَلَالَةٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال وَكَذَلِكَ أَقُولُ قُلْت فَلِمَ لم تَقُلْ هذا في الْمُسْلِمِ يُعْتِقُ النَّصْرَانِيَّ مع أَنَّ الذي رَوَيْنَا عن عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ أَنَّهُ وَضَعَ مِيرَاثَ مَوْلًى له نَصْرَانِيٍّ في بَيْتِ الْمَالِ وَهَذَا أَثْبَتُ الْحَدِيثَيْنِ عنه وَأَوْلَاهُمَا بِهِ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَالْحُجَّةُ في قَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ ) وقد روى عن عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ خِلَافُ هذا قال فَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هذا من عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ تَرْكَ شَيْءٍ وَإِنْ كان له قُلْت نعم وَأَظْهَرُ مَعَانِيهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ ليس له أَنْ يَرِثَ كَافِرًا وَأَنَّهُ إذَا مَنَعَ الْمِيرَاثَ لِلْوَلَدِ وَالْوَالِدِ وَالزَّوْجِ بِالْكُفْرِ كان مِيرَاثُ الْمَوْلَى أَوْلَى أَنْ يَمْنَعَهُ لِأَنَّ الْمَوْلَى أَبْعَدُ من ذِي النَّسَبِ قال فما حُجَّتُك على أَحَدٍ إنْ خَالَفَك في الرَّجُلِ يُعْتِقُ عَبْدَهُ عن الرَّجُلِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فقال الْوَلَاءُ لِلْمُعْتَقِ عنه دُونَ الْمُعْتِقِ لِعَبْدِهِ لِأَنَّهُ عَقَدَ الْعِتْقَ عنه قُلْت أَصْلُ حُجَّتِي عَلَيْك ما وَصَفْت من ان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ( الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ ) وَهَذَا مُعْتِقٌ قال فَقَدْ زَعَمَتْ أَنَّهُ إنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عنه بِأَمْرِهِ كان الْوَلَاءُ للأمر الْمُعْتَقِ عنه عَبْدُهُ وَهَذَا مُعْتَقٌ عنه قُلْت نعم من قِبَلِ أَنَّهُ إذَا أُعْتِقَ عنه بِأَمْرِهِ فَإِنَّمَا مَلَّكَهُ عَبْدَهُ وَأَعْتَقَهُ عنه بعد ما مَلِكَهُ قال أَفَقَبَضَهُ الْمَالِكُ الْمُعْتَقُ عنه قُلْت إذَا أَعْتَقَهُ عنه بِأَمْرِهِ فَعِتْقُهُ أَكْثَرُ من قَبْضِهِ هو لو قَبَضَهُ قال وَمِنْ أَيْنَ قُلْت إذَا جَازَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَأْمُرَ الرَّجُلَ أَنْ يُعْتِقَ عَبْدَ نَفْسِهِ فَأَعْتَقَهُ فَجَازَ بِأَنَّهُ وَكِيلٌ له مَاضِي الْأَمْرِ فيه ما لم يَرْجِعْ في وَكَالَتِهِ وَجَازَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَشْتَرِيَ الْعَبْدَ من الرَّجُلِ فَيُعْتِقَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ تَفَرُّقِهِمَا عن الْمَقَامِ الذي تَبَايَعَا فيه وَقَبْلَ الْقَبْضِ فَيَنْفُذُ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ مَالِكٌ جَازَ إذَا مَلَّكَهُ سَيِّدُ الْعَبْدِ عَبْدَهُ أَنْ يُنَفِّذَ عليه عِتْقَهُ وَعِتْقَ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ قال وَالْوَلَاءُ للأمر قُلْت نعم لِأَنَّهُ مَالِكٌ مُعْتِقٌ قال وَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ مُعْتِقًا وَإِنَّمَا أَعْتَقَ عنه غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ قُلْت إذَا أَمَرَ بِالْعِتْقِ رَجُلًا فَأَعْتَقَ عنه فَهُوَ وَكِيلٌ له جَائِزُ الْعِتْقِ وهو الْمُعْتِقُ إذَا وَكَّلَ وَنَفَذَ الْعِتْقُ بِأَمْرِهِ قال فَكَيْفَ قُلْت في الرَّجُلِ يُعْتِقُ عن غَيْرِهِ عَبْدَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ الْعِتْقُ جَائِزٌ قُلْت نعم لِأَنَّهُ أَعْتَقَ ما يَمْلِكُ قال أَرَأَيْت قَوْلَهُ هو حُرٌّ عن فُلَانٍ أَلِهَذَا مَعْنًى قُلْت أَمَّا مَعْنَى له حُكْمٌ يَرُدُّ بِهِ الْعِتْقَ أو يَنْتَقِلُ بِهِ الْوَلَاءُ فَلَا قال فما الْحُجَّةُ في هذا سِوَى ما ذَكَرْت أَرَأَيْت لو قال إذَا أَعْتَقَهُ عنه بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَقَبِلَ الْعِتْقَ كان له الْوَلَاءُ قُلْت إذًا يَلْزَمُهُ فيه الْعِلَّةُ التي لَا نَرْضَى أَنْ نَقُولَهُ قال وما هو قُلْت يُقَالُ له هل يَكُونُ الْعِتْقُ إلَّا لِمَالِكٍ قال يقول لَا قُلْنَا فَمَتَى مَلَكَ قال حين قَبِلَ قُلْت أَفَرَأَيْت حين قَبِلَ أَقَبِلَ حُرًّا أو مَمْلُوكًا قال فَأَقُولُ بَلْ قَبِلَ حُرًّا قُلْنَا أَفَيُعْتَقُ حُرًّا أو يَمْلِكُهُ قال فَأَقُولُ بَلْ حين فَعَلَ عَلِمْنَا أَنَّهُ كان مَالِكًا حِين وَهَبَهُ له قُلْت أَفَرَأَيْت إنْ قال لَك قد قَبِلْت وَأَبْطَلْت عِتْقَك أَيَكُونُ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ مَمْلُوكًا له قال وَكَيْفَ يَكُونُ مَمْلُوكًا له قُلْت تَجْعَلُهُ بِإِعْتَاقِهِ إيَّاهُ عنه مَمْلُوكًا له قبل الْعِتْقِ وإذا مَلَّكْتنِي عَبْدَك ثُمَّ اعتقته أنت جَازَ تَمْلِيكُك إيَّايَ
____________________

(4/134)


وَبَطَلَ عنه عِتْقُك إذَا لم أُحْدِثْ له عِتْقًا ولم آمُرَك تُحْدِثُهُ لي قال هذا يَلْزَمُ من قال هذا وَهَذَا خَطَأٌ بَيِّنٌ ما يَمْلِكُهُ إيَّاهُ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِهِ من الرِّقِّ وما أَخْرَجَهُ من الرِّقِّ غَيْرُهُ فَالْوَلَاءُ له كما قُلْت وَهَذَا قَوْلٌ قد قَالَهُ غَيْرُك من أَصْحَابِنَا أَفَتُوَضِّحُهُ لي بِشَيْءٍ قُلْت نعم أَرَأَيْت لو أَعْتَقْت عَبْدًا لي ثُمَّ قُلْت بَعْدَ عِتْقِهِ قد جَعَلْت أَجْرَهُ وَوَلَاءَهُ الْآنَ لَك قال فَلَا يَكُونُ لي أَجْرُهُ وَلَا وَلَاؤُهُ وَإِنَّمَا يَقَعُ الْأَجْرُ وَالْوَلَاءُ يوم أَعْتَقْت فلما أَعْتَقْت عن نَفْسِك لم يَنْتَقِلْ إلي أَجْرِك كما لَا يَنْتَقِلُ أَجْرُ عَمَلِك غَيْرِ هذا إلَيَّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقُلْت له الْوَلَاءُ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا من أَعْتَقَ وَلَا يَكُونُ لِمَنْ أَعْتَقَ إخْرَاجُهُ من مِلْكِهِ إلَى غَيْرِهِ وهو غَيْرُ الْأَمْوَالِ الْمَمْلُوكَةِ التي يُحَوِّلُهَا الناس من أَمْوَالِهِمْ إلَى أَمْوَالِ من شاؤوا قال نعم قُلْت فَهَذِهِ الْحُجَّةُ على من خَالَفَنَا في هذا - * الْوَدِيعَةُ - * أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال إذَا اسْتَوْدَعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْوَدِيعَةَ وَأَرَادَ الْمُسْتَوْدِعُ سَفَرًا فلم يَثِقْ بِأَحَدٍ يَجْعَلُهَا عِنْدَهُ فَسَافَرَ بها بِرًّا أو بَحْرًا فَهَلَكَتْ ضَمِنَ وَكَذَلِكَ لو أَرَادَ سَفَرًا فَجَعَلَ الْوَدِيعَةَ في بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ فَهَلَكَتْ ضَمِنَ وَكَذَلِكَ إنْ دَفَنَهَا ولم يُعْلِمْ بها أَحَدًا يَأْمَنُهُ على مَالِهِ فَهَلَكَتْ ضَمِنَ وَكَذَلِكَ إنْ دَفَنَهَا ولم يَخْلُفْ في مَنْزِلِهِ أَحَدًا يَحْفَظُهُ فَهَلَكَتْ ضَمِنَ وإذا أُودَعَ الرَّجُلُ الْوَدِيعَةَ فَتَعَدَّى فيها فلم تَهْلِك حتى أَخَذَهَا وَرَدَّهَا في مَوْضِعِهَا فَهَلَكَتْ ضَمِنَ من قِبَلِ أَنَّهُ قد خَرَجَ من حَدِّ الْأَمَانَةِ إلَى أَنْ كان مُتَعَدِّيًا ضَامِنًا لِلْمَالِ بِكُلِّ حَالٍّ حتى يُحْدِثَ له الْمُسْتَوْدِعُ أَمَانَةً مُسْتَقْبَلَةً وَكَذَلِكَ لو تكاري دَابَّةً إلَى بَلَدٍ فَتَعَدَّى بها ذَاهِبًا أو جَائِيًا ثُمَّ رَدَّهَا سَالِمَةً إلَى الْمَوْضِعِ الذي له في الْكِرَاءِ فَهَلَكَتْ من قَبْلِ أَنْ يَدْفَعَهَا كان لها ضَامِنًا من قِبَلِ أَنَّهُ صَارَ مُتَعَدِّيًا وَمَنْ صَارَ مُتَعَدِّيًا لم يَبْرَأْ حتى يَدْفَعَ إلَى من تَعَدَّى عليه مَالَهُ وَكَذَلِكَ لو سَرَقَ دَابَّةً لِرَجُلٍ من حِرْزِهَا ثُمَّ رَدَّهَا إلَى حِرْزِهَا فَهَلَكَتْ ضَمِنَ وَلَا يَبْرَأُ من ضَمِنَ إلَّا بِدَفْعِ ما ضَمِنَ إلَى مَالِكِهِ وَلَوْ أَوْدَعَهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَتَعَدَّى منها في دِرْهَمٍ فَأَخْرَجَهُ فَأَنْفَقَهُ ثُمَّ أَخَذَهُ فَرَدَّهُ بِعَيْنِهِ ثُمَّ هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ ضَمِنَ الدِّرْهَمَ وَلَا يَضْمَنُ التِّسْعَةَ لِأَنَّهُ تَعَدَّى بِالدِّرْهَمِ ولم يَتَعَدَّ بِالتِّسْعَةِ وَكَذَلِكَ إنْ كان ثَوْبًا فَلَبِسَهُ ثُمَّ رَدَّهُ بِعَيْنِهِ ضَمِنَهُ ( قال الرَّبِيعُ ) قَوْلُ الشَّافِعِيِّ إنْ كان الدِّرْهَمُ الذي أَخَذَهُ ثُمَّ وَضَعَ غَيْرَهُ مَعْرُوفًا من الدَّرَاهِمِ ضَمِنَ الدِّرْهَمَ ولم يَضْمَنْ التِّسْعَةَ وَإِنْ كان لَا يَتَمَيَّزُ ضَمِنَ الْعَشَرَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَوْدَعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الدَّابَّةَ فَأَمَرَهُ بِسَقْيِهَا وَعَلَفِهَا فَأَمَرَ بِذَلِكَ من يَسْقِي دَوَابَّهُ وَيَعْلِفُهَا فَتَلِفَتْ من غَيْرِ جِنَايَةٍ لم يَضْمَنْ وَإِنْ كان سَقَى دَوَابَّهُ في دَارِهِ فَبَعَثَ بها خَارِجًا من دَارِهِ ضَمِنَ قال وإذا اسْتَوْدَعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الدَّابَّةَ فلم يَأْمُرْهُ بِسَقْيِهَا وَلَا عَلَفِهَا ولم يَنْهَهُ فَحَبَسَهَا الْمُسْتَوْدَعُ مُدَّةً إذَا أَتَتْ على مِثْلِهَا ولم تَأْكُلْ ولم تَشْرَبْ تَلِفَتْ فَتَلِفَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ وَإِنْ كانت تَلِفَتْ في مُدَّةٍ قد تُقِيمُ الدَّوَابُّ في مِثْلِهَا وَلَا تَتْلَفُ فَتَلِفَتْ لم يَضْمَنْ من تَرَكَهَا وإذا دَفَعَ إلَيْهِ الدَّابَّةَ وَأَمَرَهُ أَنْ يُكْرِيَهَا مِمَّنْ يَرْكَبُهَا بِسَرْجٍ فَأَكْرَاهَا مِمَّنْ يَحْمِلُ عليها فَعَطِبَتْ ضَمِنَ وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يُكْرِيَهَا مِمَّنْ يَحْمِلُ عليها تِبْنًا فَأَكْرَاهَا مِمَّنْ يَحْمِلُ عليها حَدِيدًا فَعَطِبَتْ ضَمِنَ وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يُكْرِيَهَا مِمَّنْ يَحْمِلُ عليها حَدِيدًا فَأَكْرَاهَا مِمَّنْ يَحْمِلُ عليها تِبْنًا بِوَزْنِهِ فَعَطِبَتْ ضَمِنَ لِأَنَّهُ يَفْتَرِشُ عليها من التِّبْنِ ما يَعُمُّ فَيَقْتُلُ وَيَجْمَعُ عليها من الْحَدِيدِ ما يَلْهَدُ فيتلعى وَيَرْمِ فَيَقْتُلُ وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يُكْرِيَهَا مِمَّنْ يَرْكَبُ بِسَرْجٍ فَأَكْرَاهَا
____________________

(4/135)


مِمَّنْ يَرْكَبُهَا بِلَا سَرْجٍ فَعَطِبَتْ ضَمِنَ لِأَنَّ مَعْرُوفًا أَنَّ السَّرْجَ أُوقَى لها وَإِنْ كان يُعْرَفُ أَنَّهُ ليس بِأَوْقَى لها لم يَضْمَنْ لِأَنَّهُ زَادَهَا خِفَّةً وَلَوْ كانت دَابَّةً ضَئِيلَةً فَأَكْرَاهَا مِمَّنْ يَعْلَمُ أنها لَا تُطِيقُ حَمْلَهُ ضَمِنَ لِأَنَّهُ إذَا سَلَّطَهُ على أَنْ يُكْرِيَهَا فَإِنَّمَا يُسَلِّطُهُ على ان يُكْرِيَهَا مِمَّنْ تَحْمِلُهُ فَأَكْرَاهَا مِمَّنْ لَا تَحْمِلُهُ ضَمِنَ وإذا أَمَرَهُ أَنْ يُكْرِيَهَا مِمَّنْ يَرْكَبُهَا بِسَرْجٍ فَأَكْرَاهَا مِمَّنْ يَرْكَبُهَا بِإِكَافٍ فَكَانَ الْإِكَافُ أَعُمَّ أو أَضُرُّ في حَالٍ ضَمِنَ وَإِنْ كان أَخَفَّ أو مِثْلَ السَّرْجِ لم يَضْمَنْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اسْتَوْدَعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْوَدِيعَةَ فَأَرَادَ الْمُسْتَوْدِعُ السَّفَرَ فَإِنْ كان الْمُسْتَوْدَعُ حَاضِرًا أو وَكِيلٌ له لم يَكُنْ له ان يُسَافِرَ حتى يَرُدّهَا إلَيْهِ أو إلَى وَكِيلِهِ أو يَأْذَنَا له أَنْ يُودَعَهَا من رَأَى فَإِنْ فَعَلَ فَأُودَعَهَا من شَاءَ فَهَلَكَتْ ضَمِنَ إذَا لم يَأْذَنَا له وَإِنْ كان غَائِبًا فَأُودَعَهَا من يُودِعُ مَالَهُ مِمَّنْ يَكُونُ أُمَّيْنَا على ذلك فَهَلَكَتْ لم يَضْمَنْ فَإِنْ أُودَعَهَا مِمَّنْ يُودِعُ مَالَهُ مِمَّنْ لَيْسَتْ له أَمَانَةٌ فَهَلَكَتْ ضَمِنَ وَسَوَاءٌ كان الْمُودِعُ من أَهْلِهَا أو من غَيْرِهِمْ أو حُرًّا أو عَبْدًا أو ذَكَرًا أو أُنْثَى لِأَنَّهُ يَجُوزُ له أَنْ يَسْتَهْلِكَ مَالَهُ وَلَا يَجُوزُ له أَنْ يَسْتَهْلِكَ مَالَ غَيْرِهِ وَيَجُوزُ له أَنْ يُوَكِّلَ بِمَالِهِ غير أَمِينٍ وَلَا يَجُوزُ له أَنْ يُوَكِّلَ بِأَمَانَتِهِ غير أَمِينٍ وَهَكَذَا لو مَاتَ الْمُسْتَوْدَعُ فَأَوْصَى إلَى رَجُلٍ بِمَالِهِ والوديعة ( ( ( الوديعة ) ) ) أو الْوَدِيعَةِ دُونَ مَالِهِ فَهَلَكَتْ فَإِنْ كان الموصي إلَيْهِ بالوديعة ( ( ( الوديعة ) ) ) أَمِينًا لم يَضْمَنْ الْمَيِّتُ وَإِنْ كان غير أَمِينٍ ضَمِنَ وَلَوْ اسْتَوْدَعَهُ إيَّاهَا في قَرْيَةٍ آهِلَةٍ فَانْتَقَلَ إلَى قَرْيَةٍ غَيْرِ آهِلَةٍ أو في عُمْرَانٍ من الْقَرْيَةِ فَانْتَقَلَ إلَى خَرَابٍ من الْقَرْيَةِ وَهَلَكَتْ ضَمِنَ في الْحَالَيْنِ وَلَوْ اسْتَوْدَعَهُ إيَّاهَا في خَرَابٍ فَانْتَقَلَ إلَى عِمَارَةٍ أو في خَوْفٍ فَانْتَقَلَ إلَى مَوْضِعٍ آمِنٍ لم يَكُنْ ضَامِنًا لِأَنَّهُ زَادَهُ خَيْرًا وَلَوْ كان شَرَطَ عليه أَنْ لَا يُخْرِجَهَا من هذا الْمَوْضِعِ فَتَعَدَّى فَأَخْرَجَهَا من غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَهَلَكَتْ ضَمِنَ فَإِنْ كانت ضَرُورَةٌ فَأَخْرَجَهَا إلَى مَوْضِعٍ أَحْرَزَ من الْمَوْضِعِ الذي كانت فيه لم يَضْمَنْ وَذَلِكَ مِثْلُ النَّارِ تَغْشَاهُ وَالسَّيْلِ وَلَوْ اخْتَلَفَا في السَّيْلِ أو النَّارِ فقال الْمُسْتَوْدِعُ لم يَكُنْ سَيْلٌ وَلَا نَارٌ وقال الْمُسْتَوْدَعُ قد كان فَإِنْ كان يُعْلَمُ أَنَّهُ قد كان في تِلْكَ النَّاحِيَةِ ذلك بِعَيْنٍ تُرَى أو أَثَرٍ يَدُلُّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَوْدَعِ وَإِنْ لم يَكُنْ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَوْدِعِ وَمَتَى ما قُلْت لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا الْقَوْلُ قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ الْيَمِينَ إنْ شَاءَ الذي يُخَالِفُهُ أَحْلَفَهُ ( قال ) وإذا اسْتَوْدَعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْوَدِيعَةَ فَاخْتَلَفَا فقال الْمُسْتَوْدِعُ دَفَعْتهَا إلَيْك وقال الْمُسْتَوْدَعُ لم تَدْفَعْهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَوْدَعِ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا غير أَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ قال أَمَرْتنِي أَنْ أَدْفَعَهَا إلَى فُلَانٍ فَدَفَعْتهَا وقال الْمُسْتَوْدِعُ لم آمُرْك فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَوْدِعِ وَعَلَى الْمُسْتَوْدَعِ الْبَيِّنَةُ وَإِنَّمَا فَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ غَيْرُ الْمُسْتَوْدَعِ وقد قال اللَّهُ عز وجل { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الذي اُؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ } فَالْأَوَّلُ إنَّمَا ادعي دَفْعَهَا إلَى من ائْتَمَنَهُ وَالثَّانِي إنَّمَا ادعي دَفْعَهَا إلَى غَيْرِ الْمُسْتَوْدَعِ بِأَمْرِهِ فلما أَنْكَرَ أَنَّهُ أَمَرَهُ أُغْرِمَ له لِأَنَّ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ غَيْرُ الدَّافِعِ وقد قال اللَّهُ عز وجل { فَإِنْ آنَسْتُمْ منهم رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } وقال عز اسْمُهُ { فإذا دَفَعْتُمْ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأُشْهِدُوا عليهم } وَذَلِكَ أَنَّ وَلِيَّ الْيَتِيمِ إنَّمَا هو وَصِيُّ أبيه أو وَصِيٌّ وَصَّاهُ الْحَاكِمُ ليس أَنَّ الْيَتِيمَ اسْتَوْدَعَهُ فلما بَلَغَ الْيَتِيمُ أَنْ يَكُونَ له أَمْرٌ في نَفْسِهِ وقال لم أَرْضَ أَمَانَةَ هذا ولم أَسْتَوْدِعْهُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُسْتَوْدِعِ كان على الْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يُشْهِدَ عليه إنْ أَرَادَ أَنْ يَبْرَأَ وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ فإذا أَقَرَّ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ أَنَّهُ قد قَبَضَ بِأَمْرِ الْمُسْتَوْدِع فَإِنْ كانت الْوَدِيعَةُ قَائِمَةً رَدَّهَا وَإِنْ كان اسْتَهْلَكَهَا رَدَّ قِيمَتَهَا فَإِنْ قال هَلَكَتْ بِغَيْرِ اسْتِهْلَاكٍ وَلَا تَعَدٍّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلَا يَضْمَنُ من قِبَلِ أَنَّ الدَّافِعَ إلَيْهِ بَعْدُ إنَّمَا دَفَعَ إلَيْهِ بِقَوْلِ رَبِّ الْوَدِيعَةِ قال وإذا اسْتَوْدَعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْمَالَ في خَرِيطَةٍ فَحَوَّلَهَا إلَى غَيْرِهَا فَإِنْ كانت التي حَوَّلَهَا إلَيْهَا حِرْزًا كَاَلَّتِي حَوَّلَهَا منها لَا يَضْمَنُ وَإِنْ كانت لَا تَكُونُ حِرْزًا ضَمِنَ إنْ هَلَكَتْ وَإِنْ اسْتَوْدَعَهُ إيَّاهَا على أَنْ يَجْعَلَهَا في صُنْدُوقٍ على أَنْ لَا يَرْقُدَ عليه أو على أَنْ لَا يُقْفِلَهُ أو على أَنْ لَا يَضَعَ عليه مَتَاعًا فَرَقَدَ عليه أو أَقْفَلَهُ أو وَضَعَ عليه مَتَاعًا فَسُرِقَ لم يَضْمَنْ لِأَنَّهُ
____________________

(4/136)


زَادَهُ خَيْرًا وَكَذَلِكَ لو اسْتَوْدَعَهُ على أَنْ يَدْفِنَهَا في مَوْضِعٍ من الْبَيْتِ وَلَا يَبْنِيَ عليه فَوَضَعَهَا في ذلك الْمَوْضِعِ وَبَنَى عليه بُنْيَانًا بِلَا أَنْ يَكُونَ مُخْرِجًا لها من الْبَيْتِ فَسُرِقَتْ لم يَضْمَنْ لِأَنَّهُ زَادَهَا بِالْبِنَاءِ حِرْزًا وإذا اسْتَوْدَعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْوَدِيعَةَ على أَنْ يَجْعَلَهَا في بَيْتٍ وَلَا يَدْخُلُهُ أَحَدٌ فَأَدْخَلَهُ قَوْمًا فَسَرَقَهَا بَعْضُ الَّذِينَ دَخَلُوا أو غَيْرُهُمْ فَإِنْ كان الذي سَرَقَهَا مِمَّنْ أدخله ( ( ( أدخلها ) ) ) فَعَلَيْهِ غُرْمُهَا وَإِنْ كان الذي سَرَقَ لم يَدْخُلْهُ فَلَا غُرْمَ عليه ( قال ) وإذا سَأَلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْوَدِيعَةَ فقال ما اسْتَوْدَعْتنِي شيئا ثُمَّ قال قد كُنْت اسْتَوْدَعْتنِي فَهَلَكَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ لها من قِبَلِ أَنَّهُ قد أَخْرُجَ نَفْسَهُ من الْأَمَانَةِ وَكَذَلِكَ لو سَأَلَهُ إيَّاهَا فقال قد دَفَعْتهَا إلَيْك ثُمَّ قال بَعْدَ قد ضَاعَتْ في يَدِي فلم أَدْفَعْهَا إلَيْك كان ضَامِنًا وَلَوْ قال ما لَك عِنْدِي شَيْءٌ ثُمَّ قال كان لَك عِنْدِي شَيْءٌ فَهَلَكَ كان الْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ صَادِقٌ أَنَّهُ ليس له عِنْدَهُ شَيْءٌ إذَا هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ ( قال ) وإذا اسْتَوْدَعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْوَدِيعَةَ فَوَضَعَهَا في مَوْضِعٍ من دَارِهِ يُحْرَزُ فيه ماله وَيَرَى الناس مثله حِرْزًا وَإِنْ كان غَيْرُهُ من دَارِهِ أَحْرَزَ منه فَهَلَكَتْ لم يَضْمَنْ وَإِنْ وَضَعَهَا في مَوْضِعٍ من دَارِهِ لَا يَرَاهُ الناس حِرْزًا وَلَا يُحْرَزُ فيه مِثْلُ الْوَدِيعَةِ فَهَلَكَتْ ضَمِنَ وإذا اسْتَوْدَعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْوَدِيعَةَ ذَهَبَا أو فِضَّةً في مَنْزِلِهِ على أَنْ لَا يَرْبِطَهَا في كُمِّهِ أو بَعْضِ ثَوْبِهِ فَرَبَطَهَا فَخَرَجَ فَهَلَكَتْ ضَمِنَ وَلَوْ كان رَبَطَهَا في مَكَانِهِ لِيُحْرِزَهَا فَإِنْ كان إحْرَازُهَا يُمْكِنُهُ فَتَرَكَهَا حتى طَرَّتْ ضَمِنَ وَإِنْ كان لَا يُمْكِنهُ بِغَلْقٍ لم يَنْفَتِحُ أو ما أَشْبَهَ ذلك لم يَضْمَنْ ( قال ) وَإِذْ اسْتَوْدَعَهُ إيَّاهَا خَارِجًا من مَنْزِلِهِ على أَنْ يُحْرِزَهَا في مَنْزِلِهِ وَعَلَى أَنْ لَا يَرْبِطَهَا في كُمِّهِ فَرَبَطَهَا فَضَاعَتْ فَإِنْ كان رَبَطَهَا من كُمِّهِ فِيمَا بين عَضُدِهِ وَجَنْبِهِ لم يَضْمَنْ وَإِنْ كان رَبَطَهَا ظَاهِرَةً على عَضُدِهِ ضَمِنَ لِأَنَّهُ لَا يَجِدُ من ثِيَابِهِ شيئا أَحْرَزَ من ذلك الْمَوْضِعِ وقد يَجِدُ من ثِيَابِهِ ما هو أَحَرَزُ من إظْهَارِهَا على عَضُدِهِ وإذا اسْتَوْدَعَهُ إيَّاهَا على أَنْ يَرْبِطَهَا في كُمِّهِ فَأَمْسَكَهَا في يَدِهِ فَانْفَلَتَتْ من يَدِهِ ضَمِنَ وَلَوْ أكرهه ( ( ( كرهه ) ) ) رَجُلٌ على أَخْذِهَا لم يَضْمَنْ وَذَلِكَ أَنْ يَدَهُ أَحَرَزُ من كُمِّهِ ما لم يَجْنِ هو في يَدِهِ شيئا هَلَكَ بِهِ ( قال ) وإذا اسْتَوْدَعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ شيئا من الْحَيَوَانِ ولم يَأْمُرْهُ بِالنَّفَقَةِ عليه انْبَغَى له أَنْ يَرْفَعَهُ إلَى الْحَاكِمِ حتى يَأْمُرَهُ بِالنَّفَقَةِ عليه وَيَجْعَلَهَا دَيْنًا على الْمُسْتَوْدِعِ وَيُوَكِّلُ الْحَاكِمُ بِالنَّفَقَةِ من يَقْبِضُهَا منه وَيُنْفِقُهَا غَيْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ أَمِينَ نَفْسِهِ أو يَبِيعُهَا وَإِنْ لم يَفْعَلْ فَأَنْفَقَ عليها فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ وَلَا يُرْجَع عليه بِشَيْءٍ وَكَذَلِكَ إذَا أَخَذَ له دَابَّةً ضَالَّةً أو عَبْدًا آبِقًا فَأَنْفَقَ عليه فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ وَلَا يُرْجَعُ عليه بِشَيْءٍ وإذا خَافَ هَلَاكَ الْوَدِيعَةِ فَحَمَلَهَا إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ فَلَا يَرْجِعُ بِالْكِرَاءِ على رَبِّ الْوَدِيعَةِ لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ بِهِ ( قال ) وإذا اسْتَوْدَعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الذَّهَبَ فَخَلَطَهَا مع وَرِقٍ له فَإِنْ كان خَلْطُهَا يُنْقِصُهَا ضَمِنَ النُّقْصَانَ وَلَا يَضْمَنُهَا لو هَلَكَتْ وَإِنْ كان لَا يُنْقِصُهَا لم يَضْمَنْ وَكَذَلِكَ لو خَلَطَهَا مع ذَهَبٍ يَتَمَيَّزُ منها فَهَلَكَتْ لم يَضْمَنْ وَإِنْ كان لَا يَتَمَيَّزُ منها تَمَيُّزًا بَيِّنًا فَهَلَكَتْ ضَمِنَ وإذا اسْتَوْدَعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ دَنَانِيرَ أو دَرَاهِمَ فَأَخَذَ منها دِينَارًا أو دِرْهَمًا ثُمَّ رَدَّ مَكَانَهُ بَدَلَهُ فَإِنْ كان الذي رَدَّ مَكَانَهُ يَتَمَيَّزُ من دَنَانِيرِهِ وَدَرَاهِمِهِ فَضَاعَتْ الدَّنَانِيرُ كُلُّهَا ضَمِنَ ما تَسَلَّفَ فَقَطْ وَإِنْ كان الذي وَضَعَ بَدَلًا مِمَّا أَخَذَ لَا يَتَمَيَّزُ وَلَا يُعْرَفُ فَتَلِفَتْ الدَّنَانِيرُ ضَمِنَهَا كُلَّهَا
____________________

(4/137)


- * قَسْمُ الْفَيْءِ - * أخبرنا الرَّبِيعُ قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَصْلُ قَسْمِ ما يَقُومُ بِهِ الْوُلَاةُ من جمل ( ( ( جملة ) ) ) الْمَالِ ثَلَاثَةُ وُجُوهٍ أَحَدُهَا ما جَعَلَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى طُهُورًا لِأَهْلِ دِينِهِ قال اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ لِنَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم { خُذْ من أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً } الْآيَةَ فَكُلُّ ما أَوْجَبَ اللَّهُ عز وجل على مُسْلِمٍ في ماله بِلَا جِنَايَةٍ جَنَاهَا هو وَلَا غَيْرُهُ مِمَّنْ يَعْقِلُ عنه وَلَا شَيْءٍ لَزِمَهُ من كَفَّارَةٍ وَلَا شَيْءٍ أَلْزَمَهُ نَفْسَهُ لِأَحَدٍ وَلَا نَفَقَةٍ لَزِمَتْهُ لِوَالِدٍ أو وَلَدٍ أو مَمْلُوكٍ أو زوجة ( ( ( زوجته ) ) ) أو ما كان في مَعْنَى هذا فَهُوَ صَدَقَةٌ طُهُور له وَذَلِكَ مِثْلُ صَدَقَةِ الْأَمْوَالِ كُلِّهَا عَيْنِيِّهَا وَحَوْلِيِّهَا وَمَاشِيَتِهَا وما وَجَبَ في مَالِ مُسْلِمٍ من زَكَاةٍ أو وَجْهٍ من وُجُوهِ الصَّدَقَةِ في كِتَابٍ أو سُنَّةٍ أو أَثَرٍ أَجْمَعَ عليه الْمُسْلِمُونَ وَقَسْمُ هذا كُلِّهِ وَاحِدٌ لَا يَخْتَلِفُ في كِتَابِ اللَّهِ عز ذِكْرُهُ قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى في سُورَةِ بَرَاءَةٌ ( إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ ) الْآيَةَ وَعَلَى الْمُسْلِمِ في مَالِهِ إيتَاءُ وَاجِبَةٍ في كِتَابٍ أو سُنَّةٍ لَيْسَتْ من هذا الْوَجْهِ وَذَلِكَ مِثْلُ نَفَقَةِ من تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَالضِّيَافَةِ وَغَيْرِهَا وما لَزِمَ بِالْجِنَايَاتِ وَالْإِقْرَارِ وَالْبُيُوعِ وَكُلُّ هذا خُرُوجٌ
____________________

(4/138)


من دَيْنٍ أو تَأْدِيَةُ وَاجِبٍ أو نَافِلَةٍ يُوصَلُ فيها الْأَجْرُ كُلُّ هذا مَوْضُوعٌ على وَجْهِهِ في كِتَابِ الصَّدَقَاتِ في كل صِنْفٍ منه في صِنْفِهِ الذي هو أَمْلِكُ بِهِ - * قَسْمُ الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وما أُخِذَ من مُشْرِكٍ بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ غَيْرِ ضِيَافَةِ من مَرَّ بِهِمْ من الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ على وَجْهَيْنِ لَا يَخْرُجُ مِنْهُمَا كِلَاهُمَا مُبَيَّنٌ في كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى لِسَانِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وفي فِعْلِهِ فَأَحَدُهُمَا الْغَنِيمَةُ قال اللَّهُ عز وجل في سُورَةِ الْأَنْفَالِ { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ من شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ } الْآيَةَ وَالْوَجْهُ الثَّانِي الْفَيْءُ وهو مَقْسُومٌ في كِتَابِ اللَّهِ عز ذِكْرُهُ في سُورَةِ الْحَشْرِ قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وما أَفَاءَ اللَّهُ على رَسُولِهِ منهم } إلَى قَوْلِهِ { رؤوف ( ( ( رءوف ) ) ) رَحِيمٌ } فَهَذَانِ الْمَالَانِ اللَّذَانِ خَوَّلَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى من جَعَلَهُمَا له من أَهْلِ دِينِهِ وَهَذِهِ أَمْوَالٌ يَقُومُ بها الْوُلَاةُ لَا يَسَعُهُمْ تَرْكُهَا وَعَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ ضِيَافَةٌ وَهَذَا صُلْحٌ صُولِحُوا عليه غَيْرُ مُؤَقَّتٍ فَهُوَ لِمَنْ مَرَّ بِهِمْ من الْمُسْلِمِينَ خَاصٌّ دُون الْعَامِّ من الْمُسْلِمِينَ خَارِجٌ من الْمَالَيْنِ وَعَلَى الْإِمَامِ إنْ امْتَنَعَ من صُولِحَ على الضِّيَافَةِ من الضِّيَافَةِ أَنْ يُلْزِمَهُ إيَّاهَا - * جِمَاعُ سُنَنِ قَسْمِ الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ من شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ } الْآيَةَ وقال اللَّهُ تَعَالَى { ما أَفَاءَ اللَّهُ على رَسُولِهِ من أَهْلِ الْقُرَى } الْآيَةَ وقال عز وجل { وما أَفَاءَ اللَّهُ على رَسُولِهِ منهم } الْآيَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَالْغَنِيمَةُ وَالْفَيْءُ يَجْتَمِعَانِ في أَنَّ فِيهِمَا مَعًا الْخُمُسَ من جَمِيعِهِمَا لِمَنْ سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى له وَمَنْ سَمَّاهُ اللَّهُ عز وجل له في الْآيَتَيْنِ مَعًا سَوَاءٌ مُجْتَمَعِينَ غَيْرُ مُفْتَرِقِينَ قال ثُمَّ يُتَعَرَّفُ الْحُكْمُ في الْأَرْبَعَةِ الأخماس ( ( ( الأخمس ) ) ) بِمَا بَيَّنَ اللَّهُ عز وجل على لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وفي فِعْلِهِ فإنه قَسَمَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ وَالْغَنِيمَةُ هِيَ الْمُوجَفُ عليها بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ لِمَنْ حَضَرَ من غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ وَالْفَيْءُ وهو ما لم يُوجَفْ عليه بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ فَكَانَتْ سَنَةُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في قُرَى عُرَيْنَةَ التي أَفَاءَهَا اللَّهُ عليه أَنَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم خَاصَّةً دُونَ الْمُسْلِمِينَ يَضَعُهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حَيْثُ أَرَاهُ اللَّهُ عز وجل أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن الزُّهْرِيِّ عن مَالِكِ بن أَوْسِ بن الْحَدَثَانِ قال سَمِعْت عُمَرَ بن الْخَطَّابِ وَعَلِيٌّ وَالْعَبَّاسُ رَحْمَةُ اللَّهِ عليهم يَخْتَصِمَانِ إلَيْهِ في أَمْوَالِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال عُمَرُ كانت أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ على رَسُولَهُ مِمَّا لم يُوجِفْ عليها الْمُسْلِمُونَ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ فَكَانَتْ لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم خَالِصًا دُونَ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يُنْفِقُ منها على أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَةٍ فما فَضَلَ جَعَلَهُ في الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ عِدَّةً في سَبِيلِ اللَّهِ عز وجل ثُمَّ تُوُفِّيَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَوَلِيَهَا أبو بَكْرٍ بِمِثْلِ ما وَلِيَهَا بِهِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ وَلِيَهَا عُمَرُ بِمِثْلِ ما وَلِيَهَا بِهِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وأبو بَكْرٍ ثُمَّ سَأَلْتُمَانِي أَنْ أُوَلِّيكُمَاهَا فَوَلَّيْتكُمَاهَا على أَنْ تَعْمَلَا فيها بِمِثْلِ ما وَلِيَهَا بِهِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ وَلِيَهَا بِهِ أبو بَكْرٍ ثُمَّ وَلِيتهَا بِهِ فَجِئْتُمَانِي تَخْتَصِمَانِ أَتُرِيدَانِ أَنْ أَدْفَعَ إلَى كل وَاحِدٍ مِنْكُمَا نِصْفًا أَتُرِيدَانِ مِنِّي قَضَاءً غير ما قَضَيْت بِهِ بَيْنَكُمَا أَوَّلًا فَلَا وَاَللَّهِ الذي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ لَا أَقْضِي بَيْنَكُمَا قَضَاءً غير ذلك فَإِنْ عَجَزْتُمَا عنها فَادْفَعَاهَا إلَيَّ أَكْفِكُمَاهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقال لي سُفْيَانُ لم أَسْمَعْهُ من الزُّهْرِيِّ وَلَكِنْ أَخْبَرَنِيهِ عَمْرُو بن دِينَارٍ عن الزُّهْرِيِّ قُلْت كما قَصَصْت قال نعم ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ التي أَفَاءَ اللَّهُ على رَسُولِهِ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ التي يَذْكُرُ عُمَرُ فيها ما بَقِيَ في يَدَيْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بَعْدَ الْخُمُسِ وَبَعْدَ أَشْيَاءَ قد فَرَّقَهَا النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم منها بين رِجَالٍ من الْمُهَاجِرِينَ
____________________

(4/139)


لم يُعْطِ منها أَنْصَارِيًّا إلَّا رَجُلَيْنِ ذَكَرَا فَقْرًا وَهَذَا مُبَيَّنٌ في مَوْضِعِهِ وفي هذا الحديث دَلَالَةٌ على أَنَّ عُمَرَ إنَّمَا حَكَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وهو أَمْضَيَا ما بَقِيَ من هذه الْأَمْوَالِ التي كانت بِيَدِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على وَجْهِ ما رَأَيَا رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَعْمَلُ بِهِ فيها وَأَنَّهُمَا لم يَكُنْ لَهُمَا مِمَّا لم يُوجِفْ عليه الْمُسْلِمُونَ من الْفَيْءِ ما كان لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَنَّهُمَا إنما كَانَا فيه أُسْوَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ سِيرَتُهُمَا وَسِيرَةُ من بَعْدَهُمَا وَالْأَمْرُ الذي لم يَخْتَلِفْ فيه أَحَدٌ من أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدَنَا عَلِمْته ولم يَزَلْ يُحْفَظُ من قَوْلِهِمْ أَنَّهُ ليس لِأَحَدٍ ما كان لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من صَفِيِّ الْغَنِيمَةِ وَلَا من أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ ما لم يُوجَفْ عليه منها ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد مَضَى من كان يُنْفِقُ عليه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من أَزْوَاجِهِ وَغَيْرِهِنَّ لو كان مَعَهُنَّ فلم أَعْلَمْ أَحَدًا من أَهْلِ الْعِلْمِ قال لِوَرَثَتِهِمْ تِلْكَ النَّفَقَةُ التي كانت لهم وَلَا خِلَافَ في أَنْ تُجْعَلَ تِلْكَ النَّفَقَاتُ حَيْثُ كان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يَجْعَلُ فُضُولَ غَلَّاتِ تِلْكَ الْأَمْوَالِ فِيمَا فيه صَلَاحٌ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فما صَارَ في أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ من فَيْءٍ لم يُوجَف عليه فَخُمُسُهُ حَيْثُ قَسَمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ على ما سَأُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ وقد سَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ما فيه الدَّلَالَةُ على ما وَصَفْت أخبرنا مَالِكٌ عن أبي الزِّنَادِ عن الْأَعْرَجِ عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ( لَا يَقْتَسِمَنَّ وَرَثَتِي دِينَارًا ما تَرَكْت بَعْدَ نَفَقَةِ أَهْلِي وَمُؤْنَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ ) أخبرنا سُفْيَانُ عن أبي الزِّنَادِ عن الْأَعْرَجِ عن أبي هُرَيْرَةَ بِمِثْلِ مَعْنَاهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد أخبرنا أَنَّ النَّفَقَةَ إنَّمَا هِيَ جَارِيَةٌ بِقُوتٍ منه على أَعْيَانِ أَهْلِهِ وَأَنَّ ما فَضَلَ من نَفَقَتِهِمْ فَهُوَ صَدَقَةٌ وَمَنْ وُقِفَتْ له نَفَقَةٌ لم تَكُنْ مَوْرُوثَةً عنه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْجِزْيَةُ من الْفَيْءِ وَسَبِيلُهَا سَبِيلُ جَمِيعِ ما أُخِذَ مِمَّا أُوجِفَ من مَالِ مُشْرِكٍ أَنْ يُخَمَّسَ فَيَكُونَ لِمَنْ سَمَّى اللَّهُ عز وجل الْخُمُسُ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ على ما سَأُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَكَذَلِكَ كُلُّ ما أُخِذَ من مَالِ مُشْرِكٍ بِغَيْرِ إيجَافٍ وَذَلِكَ مِثْلُ ما أُخِذَ منه إذَا اخْتَلَفَ في بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَمِثْلُ ما أُخِذَ منه إذَا مَاتَ وَلَا وَارِثَ له وَغَيْرُ ذلك مِمَّا أُخِذَ من مَالِهِ وقد كان في زَمَانِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فُتُوحٌ في غَيْرِ قُرَى عُرَيْنَةَ التي وَعَدَهَا اللَّهُ رَسُولَهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قبل فَتْحِهَا فَأَمْضَاهَا النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كُلَّهَا لِمَنْ هِيَ له ولم يَحْبِسْ منها ما حَبَسَ من الْقُرَى التي كانت له وَذَلِكَ مِثْلُ جِزْيَةِ أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ وَهَجَرُ وَغَيْرِ ذلك وقد كان في زَمَانِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَيْءٌ من غَيْرِ قُرَى عُرَيْنَةَ وَذَلِكَ مِثْلُ جزية أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ فَكَانَ له أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا يُمْضِيهَا حَيْثُ أَرَاهُ اللَّهُ عز وجل كما يُمْضِي مَالَهُ وَأَوْفَى خُمُسَهُ من جَعَلَهُ اللَّهُ له فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على ذلك قِيلَ أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن مُحَمَّدِ بن الْمُنْكَدِرِ عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ الحديث ( قال الرَّبِيعُ ) قال غَيْرُ الشَّافِعِيِّ قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِجَابِرٍ ( لو جَاءَنِي مَالُ الْبَحْرَيْنِ لَأَعْطَيْتُك هَكَذَا وَهَكَذَا ) فتوفى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ولم يَأْتِهِ فَجَاءَ أَبَا بَكْرٍ فَأَعْطَانِي - * تَفْرِيقُ الْقَسْمِ فِيمَا أَوْجَفَ عليه الْخَيْلُ وَالرِّكَابُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا غَزَا الْمُسْلِمُونَ بِلَادَ أَهْلِ الْحَرْبِ بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ فَغَنِمُوا أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ أو بَعْضَ ذلك دُونَ بَعْضٍ فَالسُّنَّةُ في قَسْمِهِ أَنْ يَقْسِمَهُ الْإِمَامُ مُعَجَّلًا على وَجْهِ النَّظَرِ فَإِنْ كان معه كثيرا ( ( ( كثير ) ) ) في ذلك الْمَوْضِعِ آمِنِينَ لَا يَكُرُّ عليهم الْعَدُوُّ فَلَا يُؤَخِّرْ قَسْمَهُ إذَا أَمْكَنَهُ في مَوْضِعِهِ الذي غَنِمَهُ فيه وَإِنْ كانت بِلَادَ حَرْبٍ أو كان يَخَافُ كَرَّةَ الْعَدُوِّ عليهم أو كان مَنْزِلُهُ غير رَافِقٍ بِالْمُسْلِمِينَ تَحَوَّلَ عنه إلَى أَرْفَقَ بِهِمْ منه وَآمَنَ لهم من عَدُوِّهِمْ ثُمَّ قَسَمَهُ وَإِنْ كانت بِلَادَ شِرْكٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَذَلِكَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قَسَمَ اموال بَنِي الْمُصْطَلِقِ
____________________

(4/140)


وَسَبْيَهُمْ في الْمَوْضِعِ الذي غَنِمَهُ فيه قبل أَنْ يَتَحَوَّلَ عنه وما حَوْلَهُ كُلُّهُ بِلَادُ شِرْكٍ وَقَسَمَ أَمْوَالَ أَهْلِ بَدْرٍ بِسَيْر على أَمْيَالٍ من بَدْرٍ وَمَنْ حَوْلَ سِيَرَ وَأَهْلُهُ مُشْرِكُونَ وقد يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَسَمَهُ بِسَيْر لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا أَكْثَرَ من الْمُسْلِمِينَ فَتَحَوَّلَ إلَى مَوْضِعٍ لَعَلَّ الْعَدُوَّ لَا يَأْتُونَهُ فيه وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سِيَرُ أَوَصَفَ بِهِمْ في الْمَنْزِلِ من بَدْر ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَكْثَرُ ما قَسَمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأُمَرَاءُ سَرَايَاهُ ما غَنِمُوا بِبِلَادِ أَهْلِ الْحَرْبِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما وَصَفْت من قَسْمِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَسَرَايَاهُ مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدَنَا لَا يَخْتَلِفُونَ فيه فقال لي بَعْضُ الناس لَا تُقْسَمُ الْغَنِيمَةُ إلَّا في بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَبَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِهِ خَالَفَهُ وقال فيه قَوْلَنَا وَالْحُجَّةُ على من خَالَفَنَا فيه ما وَصَفْنَا من الْمَعْرُوفِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من الْقَسْمِ بِبِلَادِ الْعَدُوِّ وإذا حَوَّلَهُ الْإِمَامُ عن مَوْضِعِهِ إلَى مَوْضِعٍ غَيْرِهِ فَإِنْ كانت معه حَمُولَةٌ حَمَلَهُ عليها وَإِنْ لم تَكُنْ معه فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَحْمِلُوهُ له إنْ كان مَعَهُمْ حُمُولَة بِلَا كِرَاءٍ وَإِنْ امْتَنَعُوا فَوَجَدَ كِرَاءً كَارَى على الْغَنَائِمِ وَاسْتَأْجَرَ عليها ثُمَّ أَخْرَجَ الْكِرَاءَ وَالْإِجَارَةَ من جَمِيعِ الْمَالِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ قال قَائِلٌ يُجْبَرُ من معه فَضْلُ مَحْمَلٍ كان مَذْهَبًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ لم يَجِدْ حَمُولَةً ولم يَحْمِلْ الْجَيْشُ قَسَمَهُ مَكَانَهُ ثُمَّ من شَاءَ أَخَذَ مَالَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ قال قَائِلٌ يُجْبَرُونَ على حَمْلِهِ بِكِرَاءِ مِثْلِهِمْ لِأَنَّ هذا مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ كان مَذْهَبًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا خَرَجَتْ سَرِيَّةٌ من عَسْكَرٍ فَغَنِمَتْ غَنِيمَةً فَالْأَمْرُ فيها كما وَصَفْت في الْجَيْشِ في بِلَادِ الْعَدُوِّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ سَاقَ صَاحِبُ الْجَيْشِ أو السَّرِيَّةِ سَبْيًا أو خُرْثِيًّا أو غير ذلك فَأَدْرَكَهُ الْعَدُوُّ فَخَافَ أَنْ يَأْخُذُوهُ منه أو أَبْطَأَ عليه بَعْضُ ذلك فَالْأَمْرُ الذي لَا أَشُكُّ فيه أَنَّهُ إنْ أَرَادَ قَتَلَ الْبَالِغِينَ من الرِّجَالِ قَتَلَهُمْ وَلَيْسَ له قَتْلُ من لم يَبْلُغْ وَلَا قَتْلُ النِّسَاءِ منهم وَلَا عَقْرُ الدَّوَابِّ وَلَا ذَبْحُهَا وَذَلِكَ أَنِّي إنَّمَا وَجَدْت الدَّلَالَةَ من كِتَابِ اللَّهِ عز وجل ثُمَّ سُنَّةِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ثم ما لَا يَخْتَلِفُ أَهْلُ الْعِلْمِ فيه عِنْدَنَا أَنَّهُ إنَّ ما أُبِيحَ قَتْلُهُ من ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ من الْبَهَائِمِ فَإِنَّمَا أُبِيحَ أَنْ يُذْبَحَ إذَا قُدِرَ على ذَبْحِهِ لِيُؤْكَلَ وَلَا يَقْتُلُ بِغَيْرِ الذَّبْحِ وَالنَّحْرِ الذي هو مِثْلُ الذَّبْحِ وَذَلِكَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى أَنْ تصبر ( ( ( تصير ) ) ) الْبَهَائِمُ وَهِيَ أَنْ تُرْمَى بعد ما تُؤْخَذُ وَأُبِيحَ ما امْتَنَعَ منها بِمَا نِيلَ بِهِ من سِلَاحٍ لِأَحَدِ مَعْنَيَيْنِ أَنْ يُقْتَلَ لِيُؤْكَلَ وَتِلْكَ ذَكَاتُهُ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ من ذَكَاتِهِ على أَكْثَرَ من ذلك أَمَّا قَتْلُ ما لَا يُؤْكَلُ لِضَرَرِهِ وَأَذَاهُ لِأَنَّهُ في مَعَانِي الْأَعْدَاءِ أو الْحُوتِ أو الْجَرَادِ فَإِنْ قَتْلَهُ ذَكَاتُهُ وهو يُؤْكَلُ بِلَا ذَكَاةٍ وَأَمَّا ما سِوَى ذلك فَلَا أَجِدُهُ أُبِيحَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد قِيلَ تُذْبَحُ خَيْلُهُمْ وَتُعْقَرُ وَيُحْتَجُّ بِأَنَّ جَعْفَرًا عَقَرَ عِنْدَ الْحَرْبِ وَلَا أَعْلَمُ ما رُوِيَ عن جَعْفَرٍ من ذلك ثَابِتًا لهم مَوْجُودًا عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْمَغَازِي وَلَا ثَابِتًا بِالْإِسْنَادِ الْمَعْرُوفِ الموتصل ( ( ( المتصل ) ) ) فَإِنْ كان من قال هذا إنَّمَا أَرَادَ غَيْظَ الْمُشْرِكِينَ لِمَا في غَيْظِهِمْ من أَنْ يُكْتَبَ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ فَذَلِكَ فِيمَا أُغِيظُوا بِهِ مِمَّا أُبِيحَ لنا وَكَذَلِكَ إنْ أَرَادَ تُوهِينَهُمْ وَذَلِكَ أنا نَجِدُ مِمَّا يُغِيظُهُمْ وَيُوهِنُهُمْ ما هو مَحْظُورٌ عَلَيْنَا غَيْرُ مُبَاحٍ لنا فَإِنْ قال قَائِلٌ وما ذلك قُلْنَا قَتْلُ أَبْنَائِهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَلَوْ قُتِلُوا كان أَغِيظَ وَأَهْوَنَ لهم وقد نهى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عن ذلك وَقَتْلُ ذَوِي الْأَرْوَاحِ بِغَيْرِ وَجْهِهِ عَذَابٌ فَلَا يَجُوزُ عِنْدِي لِغَيْرِ مَعْنَى ما أُبِيحَ من أَكْلِهِ وَإِطْعَامِهِ أو قَتْلِ ما كان عَدُوًّا منه ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَمَّا ما لَا رُوحَ فيه من أَمْوَالِهِمْ فَلَا بَأْسَ بِتَحْرِيقِهِ وَإِتْلَافِهِ بِكُلِّ وَجْهٍ وَذَلِكَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم حَرَقَ أَمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ وَعَقَرَ النَّخْلَ بِخَيْبَرَ وَالْعِنَبَ بِالطَّائِفِ وَإِنَّ تَحْرِيقَ هذا ليس بِتَعْذِيبٍ له لِأَنَّهُ لَا يَأْلَمُ بِالتَّحْرِيقِ والعذاب إلَّا ذُو رُوحٍ وَهَذَا مَكْتُوبٌ في غَيْرِ هذا الْمَوْضِعِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان رَجُلٌ في
____________________

(4/141)


الْحَرْبِ فَعَقَرَ رَجُلٌ فَرَسَهُ رَجَوْت أَنْ لَا يَكُونَ به بَأْسٌ لِأَنَّ ذلك ضَرُورَةٌ وقد يُبَاحُ في الضَّرُورَاتِ ما لَا يُبَاحُ في غَيْرِ الضَّرُورَاتِ - * الْأَنْفَالُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ لَا يَخْرُجُ من رَأْسِ الْغَنِيمَةِ قبل الْخُمُسِ شَيْءٌ غَيْرُ السَّلَبِ أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن عُمَرَ بن كَثِيرِ بن أَفْلَحَ عن أبي مُحَمَّدٍ مولى أبي قَتَادَةَ عن أبي قَتَادَةَ قال خَرَجْنَا مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَامَ خَيْبَرَ فلما الْتَقَيْنَا كانت لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ فَرَأَيْت رَجُلًا من الْمُشْرِكِينَ قد عَلَا رَجُلًا من الْمُسْلِمِينَ قال فَاسْتَدَرْت له حتى أَتَيْته من وَرَائِهِ قال فَضَرَبْته على حَبْلِ عَاتِقِهِ ضَرْبَةً وَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْت منها رِيحَ الْمَوْتِ ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَأَرْسَلَنِي فَلَحِقْت عُمَرَ بن الْخَطَّابِ فَقُلْت له ما بَالُ الناس فقال أَمَرَ اللَّهُ ثُمَّ إنَّ الناس رَجَعُوا فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( من قَتَلَ قَتِيلًا له عليه بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ ) فَقُمْت فَقُلْت من يَشْهَدُ لي ثُمَّ جَلَسْت ثُمَّ قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( من قَتَلَ قَتِيلًا له عليه بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ ) فَقُمْت فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( ما لَك يا أَبَا قَتَادَةَ ) فَقَصَصْت عليه الْقِصَّةَ فقال رَجُلٌ من الْقَوْمِ صَدَقَ يا رَسُولَ اللَّهِ وَسَلَبُ ذلك الْقَتِيلِ عِنْدِي فَأَرْضِهِ منه فقال أبو بَكْرٍ لَاهَا اللَّهِ إذَا لَا يَعْمِدُ إلَى أَسَدٍ من أُسْدِ اللَّهِ عز وجل يُقَاتِلُ عن اللَّهِ وَعَنْ رَسُولِهِ فَيُعْطِيك سَلَبَهُ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( صَدَقَ فَأُعْطِهِ إيَّاهُ ) فَأَعْطَانِيهِ فَبِعْت الدِّرْعَ وَابْتَعْت بِهِ مَخْرَفًا في بَنِي سَلِمَةَ فإنه لَأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْته في الْإِسْلَامِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) هذا حَدِيثٌ ثَابِتٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَنَا وَاَلَّذِي لَا أَشُكُّ فيه أَنْ يعطى السَّلْبَ من قَتَلَ وَالْمُشْرِكُ مُقْبِلٌ يُقَاتِلُ من أَيْ جِهَةٍ قَتَلَهُ مُبَارِزًا أو غير مُبَارِزٍ وقد أَعْطَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم سَلَبَ مَرْحَبٍ من قَتَلَهُ مُبَارِزًا وأبو قَتَادَةَ غَيْرُ مُبَارِزٍ وَلَكِنَّ الْمَقْتُولَيْنِ جميعا مُقْبِلَانِ ولم يُحْفَظْ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ أَعْطَى أَحَدًا قَتَلَ مُوَلِّيًا سَلَبَ من قَتَلَهُ وَاَلَّذِي لَا أَشُكُّ فيه أَنَّ له سَلَبَ من قُتِلَ الذي يَقْتُلُ الْمُشْرِكَ وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ وَالْمُشْرِكُونَ يُقَاتِلُونَ وَلِقَتْلِهِمْ هَكَذَا مُؤْنَةٌ لَيْسَتْ لهم إذَا انْهَزَمُوا أو انْهَزَمَ الْمَقْتُولُ وَلَا أَرَى أَنْ يُعْطَى السَّلْبَ إلَّا من قَتَلَ مُشْرِكًا مُقْبِلًا ولم يَنْهَزِمْ جَمَاعَةُ الْمُشْرِكِينَ وَإِنَّمَا ذَهَبْت إلَى هذا أَنَّهُ لم يُحْفَظْ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَطُّ أَنَّهُ أَعْطَى السَّلَبَ قاتلا إلا قَاتِلًا قَتَلَ مُقْبِلًا وفي حديث أبي قَتَادَةَ ما دَلَّ على أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ( من قَتَلَ قَتِيلًا له سَلَبُهُ ) يوم حُنَيْنٍ بعد ما قَتَلَ أبو قَتَادَةَ الرَّجُلَ وفي هذا دَلَالَةٌ على أَنَّ بَعْضَ الناس خَالَفَ السُّنَّةَ في هذا فقال لَا يَكُونُ لِلْقَاتِلِ السَّلَبُ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ قبل الْقِتَالِ من قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّ هذا من الْإِمَامِ على وَجْهِ الإجتهاد وَهَذَا من النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عِنْدَنَا حُكْمٌ وقد أَعْطَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ في غَيْرِ مَوْضِعٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ اشْتَرَكَ نَفَرٌ في قَتْلِ رَجُلٍ كان السَّلَبُ بَيْنَهُمْ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا ضَرَبَ رَجُلًا ضَرْبَةً لَا يُعَاشُ من مِثْلِهَا أو ضَرْبَةً يَكُونُ مُسْتَهْلَكًا من مِثْلِهَا وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقْطَعَ يَدَيْهِ أو رِجْلَيْهِ ثُمَّ يَقْتُلُهُ آخَرُ كان السَّلَب لِقَاطِعِ الْيَدَيْنِ أو الرِّجْلَيْنِ لِأَنَّهُ قد صَيَّرَهُ في حَالٍ لَا يَمْنَعُ فيها سَلَبَهُ وَلَا يَمْتَنِعُ من أَنْ يَذْفِفْ عليه وَإِنْ ضَرَبَهُ وَبَقِيَ فيه ما يَمْنَعُ نَفْسَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ بَعْدَهُ آخَرُ فَالسَّلَبُ لِلْآخَرِ إنَّمَا يَكُونُ السَّلَبُ لِمَنْ صَيَّرَهُ بِحَالٍ لَا يَمْتَنِعُ فيها ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالسَّلَبُ الذي يَكُونُ لِلْقَاتِلِ كُلُّ ثَوْبٍ عليه وَكُلُّ سِلَاحٍ عليه وَمِنْطَقَتُهُ وَفَرَسُهُ إنْ كان رَاكِبَهُ أو مُمْسِكُهُ فَإِنْ كان مُنْفَلِتًا منه أو مع غَيْرِهِ فَلَيْسَ له وَإِنَّمَا سَلَبُهُ ما أُخِذَ من يَدَيْهِ أو مِمَّا على بَدَنِهِ أو تَحْتَ بَدَنِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ كان في سَلَبِهِ سِوَارُ ذَهَبٍ أو خَاتَمٌ أو تَاجٌ أو مِنْطَقَةٌ فيها نَفَقَةٌ فَلَوْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنَّ هذا
____________________

(4/142)


مِمَّا عليه من سَلَبِهِ كان مَذْهَبًا وَلَوْ قال ليس هذا من عِدَّةِ الْحَرْبِ وَإِنَّمَا له سَلَبُ الْمَقْتُولِ الذي هو له سِلَاحٌ كان وَجْهًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يُخَمَّس السَّلْبُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَعَارَضَنَا مُعَارِضٌ فَذَكَر أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ قال إنَّا كنا لَا نُخَمِّس السَّلَب وَأَنَّ سَلَبَ الْبَرَاءِ قد بَلَغَ شيئا كَثِيرًا وَلَا أَرَى أَنِّي إلَّا خَامِسُهُ قال فَخَمَّسَهُ وَذُكِرَ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قال السَّلَبُ من الْغَنِيمَةِ وَفِيهِ الْخُمُسُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( من قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ ) فَآخُذُ خُمُسَ السَّلَبِ أَلَيْسَ إنَّمَا يَكُونُ لِصَاحِبِهِ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لَا كُلُّهُ وإذا ثَبَتَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم شَيْءٌ لم يَجُزْ تَرْكُهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَلَعَلَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَعْطَى السَّلَبَ أَنَّهُ لم يَكُنْ ذَا خَطَرٍ وَعُمَرُ يُخْبِرُ أَنَّهُ لم يَكُنْ يُخَمِّسُهُ وَإِنَّمَا خَمَّسَهُ حين بَلَغَ مَالًا كَثِيرًا فَالسَّلَبُ إذَا كان غنيمه فَأَخْرَجْنَاهُ من أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَهَا وَقُلْنَا قد يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى { فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ } على أَكْثَرِ الْغَنِيمَةِ لَا على كُلِّهَا فَيَكُونُ السَّلَبُ مِمَّا لم يُرَدَّ من الْغَنِيمَةِ وَصَفِيُّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وما غَنِمَ مَأْكُولًا فَأَكَلَهُ من غَنِمَهُ وَيَكُونُ هذا بِدَلَالَةِ السُّنَّةِ وما بَقِيَ تَحْتَمِلُهُ الْآيَةُ وإذا كان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَعْطَى السَّلَبَ من قَتَلَ لم يَجُزْ عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يُخَمَّسَ وَيُقْسَمَ إذْ كان اسْمُ السَّلَبِ يَكُونُ كَثِيرًا وَقَلِيلًا ولم يَسْتَثْنِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قَلِيلَ السَّلَبِ وَلَا كَثِيرَهُ أَنْ يَقُولَ يعطي الْقَلِيلُ من السَّلْبِ دُونَ الْكَثِيرِ وَنَقُولُ دَلَّتْ السُّنَّةُ أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِمَا يُخَمَّس ما سِوَى السَّلَبِ من الْغَنِيمَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ من خُمْسِ السَّلَبِ عن عُمَرَ لَيْسَتْ من رِوَايَتِنَا وَلَهُ رِوَايَةٌ عن سَعْدِ بن أبي وَقَّاصٍ في زَمَانِ عُمَرَ تُخَالِفُهَا أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن الْأَسْوَدِ بن قَيْسٍ عن رَجُلٍ من قَوْمِهِ يُسَمَّى سِيَرَ بن عَلْقَمَةَ قال بَارَزْت رَجُلًا يوم الْقَادِسِيَّةِ فَقَتَلْته فَبَلَغَ سَلَبُهُ اثْنَيْ عَشْرَ أَلْفًا فَنَفَّلَنِيهِ سَعْدُ بن أبي وَقَّاصٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَاثْنَيْ عَشْرَ أَلْفًا كَثِيرٌ - * الْوَجْهُ الثَّانِي من النَّفْلِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بَعَثَ سَرِيَّةً فيها عبد اللَّهِ بن عُمَرَ قِبَلَ نَجْدٍ فَغَنِمُوا إبِلًا كَثِيرَةً فكانت ( ( ( كانت ) ) ) سُهْمَانُهُمْ إثني عَشْرَ بَعِيرًا أو أَحَدَ عَشْرَ بَعِيرًا ثُمَّ نُفِلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا أخبرنا مَالِكٌ عن أبي الزِّنَادِ عن الْأَعْرَجِ أَنَّهُ سمع سَعِيدَ بن الْمُسَيِّبِ يقول كان الناس يُعْطَوْنَ النَّفَلَ من الْخُمُسِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَحَدِيثُ بن عُمَرَ يَدُلُّ على أَنَّهُمْ إنَّمَا أُعْطُوا مَالَهُمْ مِمَّا أَصَابُوا على أَنَّهُمْ نُفِلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا وَالنَّفَلُ هو شَيْءٌ زِيدُوهُ غَيْرُ الذي كان لهم وَقَوْلُ بن الْمُسَيِّبِ يُعْطُونَ النَّفَلَ من الْخُمُسِ كما قال إنْ شَاءَ اللَّهُ وَذَلِكَ من خُمُسِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فإن له خمس ( ( ( خمسا ) ) ) الخمس من كل غَنِيمَةٍ فَكَانَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يَضَعُهُ حَيْثُ أَرَاهُ اللَّهُ كما يَضَعُ سَائِرَ مَالِهِ فَكَانَ الذي يُرِيهِ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ما فيه صَلَاحُ الْمُسْلِمِينَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما سِوَى سَهْمِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من جَمِيعِ الْخُمُسِ لِمَنْ سَمَّاهُ اللَّهُ عز وجل له فَلَا يَتَوَهَّمْ عَالَمٌ أَنْ يَكُونَ قَوْمٌ حَضَرُوا فَأَخَذُوا مَالَهُمْ وَأُعْطُوا مِمَّا لِغَيْرِهِمْ إلَّا أَنْ يَطَّوَّعَ بِهِ عليهم غَيْرُهُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالنَّفَلُ في هذا الْوَجْهِ من سَهْمِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْتَهِدَ فإذا كَثُرَ الْعَدُوُّ وَاشْتَدَّتْ الشَّوْكَةُ وَقَلَّ من بِإِزَائِهِ من الْمُسْلِمِينَ نَفَل منه اتِّبَاعًا لِسُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وإذا لم يَكُنْ ذلك لم يُنَفِّلْ وَذَلِكَ أَنَّ أَكْثَرَ مَغَازِي النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَسَرَايَاهُ لم يَكُنْ فيها أَنْفَالٌ من هذا الْوَجْهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالنَّفَلُ في أَوَّلِ مَغْزًى وَالثَّانِي وَغَيْرِ ذلك سَوَاءٌ على ما وَصَفْت من الِاجْتِهَادِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَاَلَّذِي يَخْتَارُ من أَرْضَى من أَصْحَابِنَا أَنْ لَا يُزَادَ أَحَدٌ على مَالِهِ لَا يُعْطَى غير الْأَخْمَاسِ أو السَّلَبِ لِلْقَاتِلِ وَيَقُولُونَ لم نَعْلَمْ أَحَدًا من الْأَئِمَّةِ زَادَ أَحَدًا على حَظِّهِ من سَلَبٍ أو سَهْمًا من مَغْنَمٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ ما وَصَفْت من كَثْرَةِ الْعَدُوِّ وَقِلَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَيُنْفَلُونَ وقد رَوَى بَعْضُ الشَّامِيِّينَ في النَّفَلِ في الْبَدْأَةِ وَالرَّجْعَةِ الثُّلُثُ
____________________

(4/143)


في وَاحِدَةٍ وَالرُّبْعُ في الْأُخْرَى وَرِوَايَةُ بن عُمَرَ أَنَّهُ نُفِلَ نِصْفَ السُّدُسِ فَهَذَا يَدُلُّ على أَنَّهُ ليس لِلنَّفَلِ حَدٌّ لَا يُجَاوِزُهُ الْإِمَامُ وَأَكْثَرُ مَغَازِي رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَكُنْ فيها أنفال فإذا كان لِلْإِمَامِ أَنْ لَا يَنْفُلَ فَنَفَلَ فَيَنْبَغِي لِتَنْفِيلِهِ أَنْ يَكُونَ على الِاجْتِهَادِ غير مَحْدُودٍ - * الْوَجْهُ الثَّالِثُ من النَّفَلِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إذَا بَعَثَ الْإِمَامُ سَرِيَّةً أو جَيْشًا فقال لهم قبل اللِّقَاءِ من غَنِمَ شيئا فَهُوَ له بَعْدَ الْخُمُسِ فَذَلِكَ لهم على ما شَرَطَ الْإِمَامُ لِأَنَّهُمْ على ذلك غَزَوَا وَبِهِ رَضُوا وَقَالُوا يُخَمَّسُ جَمِيعُ ما أَصَابَ كُلَّ وَاحِدٍ منهم غَيْرُ السَّلَبِ في إقْبَالِ الْحَرْبِ وَذَهَبُوا في هذا إلَى أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يوم بَدْرٍ قال ( من أَخَذَ شيئا فَهُوَ له ) وَذَلِكَ قبل نُزُولِ الْخُمُسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ولم أَعْلَمْ شيئا يَثْبُتُ عِنْدَنَا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا ما وَصَفْنَا من قِسْمَةِ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ بين من حَضَرَ الْقِتَالَ وَأَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الْخَمْسِ على أَهْلِهِ وَوَضْعِهِ سَهْمَهُ حَيْثُ أَرَاهُ اللَّهُ عز وجل وهو خُمُسُ الْخَمْسِ وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلِهَذَا مَذْهَبٌ وَذَلِكَ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا قَاتَلَ هَؤُلَاءِ على هذا الشَّرْطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * كَيْفَ تَفْرِيقُ الْقَسْمِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَكُلُّ ما حُصِّلَ مِمَّا غُنِمَ من أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ من شَيْءٍ قَلَّ أو كَثُرَ من دَارٍ أو أَرْضٍ وَغَيْرِ ذلك من الْمَالِ أو سَبْيٍ قُسِمَ كُلُّهُ إلَّا الرِّجَالَ الْبَالِغِينَ فَالْإِمَامُ فِيهِمْ بِالْخِيَارِ بين أَنْ يَمُنَّ على من رَأَى منهم أو يَقْتُلَ أو يفادى أو يَسْبِيَ وَإِنْ مَنَّ أو قَتَلَ فَذَلِكَ له وَإِنْ سَبَى أو فَادَى فَسَبِيلُ ما سَبَى وما أَخَذَ مِمَّا فَادَى سَبِيلُ ما سِوَاهُ من الْغَنِيمَةِ قال وَذَلِكَ إذَا أَخَذَ منهم شيئا على إطْلَاقِهِمْ فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ أَسِيرٌ من الْمُسْلِمِينَ فَيُفَادِيه بِأَسِيرَيْنِ أو أَكْثَرَ فَذَلِكَ له وَلَا شَيْءَ لِلْمُسْلِمِينَ على من فَادَى من الْمُسْلِمِينَ بِأَسَارَى الْمُشْرِكِينَ وإذا جَازَ له أَنْ يَمُنَّ عليهم فَلَا يَعُودَ على الْمُسْلِمِينَ منه مَنْفَعَةٌ يَقْبِضُونَهَا كان أَنْ يَسْتَخْرِجَ أَسِيرًا من الْمُسْلِمِينَ أَنْفَعَ وَأُولَى أَنْ يَجُوزَ أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن أَيُّوبَ عن أبي قِلَابَةَ عن أبي الْمُهَلَّبِ عن عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَادَى رَجُلًا بِرَجُلَيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وفي الرَّجُلِ يَأْسِرُهُ الرَّجُلُ فَيُسْتَرَقُّ أو تُؤْخَذُ منه الْفِدْيَةُ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا ما أُخِذَ منه كَالْمَالِ يُغْنَم وَأَنَّهُ إنْ اُسْتُرِقَّ فَهُوَ كَالذُّرِّيَّةِ وَذَلِكَ يُخَمَّس وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ بين جَمَاعَةِ من حَضَرَ فَلَا يَكُونُ ذلك لِمَنْ أَسَرَهُ وَهَذَا قَوْلٌ صَحِيحٌ لَا أَعْلَمُ خَبَرًا ثَابِتًا يُخَالِفُهُ وقد قِيلَ الرَّجُلُ مُخَالِفٌ لِلسَّبْيِ وَالْمَالِ لِأَنَّ عليه الْقَتْلَ فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ وما أُخِذَ منه فَلِمَنْ أَخَذَهُ كما يَكُونُ سَلَبُهُ لِمَنْ قَتَلَهُ لِأَنَّ أَخْذَهُ أَشَدُّ من قَتْلِهِ وَهَذَا مَذْهَبٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَعْزِلَ خُمُسَ ما حُصِّلَ بعد ما وَصَفْنَا كَامِلًا وَيُقِرَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ وَيَحْسِبَ من حَضَرَ الْقِتَالَ من الرِّجَالِ الْمُسْلِمِينَ الْبَالِغِينَ وَيَعْرِفَ من حَضَرَ من أَهْلِ الذِّمَّةِ وَغَيْرِ الْبَالِغِينَ من الْمُسْلِمِينَ وَمِنْ النِّسَاءِ فَيُنَفِّلُهُمْ شيئا فَمَنْ رَأَى أَنْ يُنَفِّلَهُمْ من الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ عزل لهم نَفَّلَهُمْ وَسَيُذْكَرُ هذا في مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ يَعْرِفُ عَدَدَ الْفُرْسَانِ وَالرَّجَّالَةِ من بَالِغِي الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ حَضَرُوا الْقِتَالَ فَيَضْرِبُ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا فيسوى بين الرَّاجِلِ وَالرَّاجِلِ فَيُعْطَيَانِ سَهْمًا سَهْمًا وَيَفْضُلُ ذُو الْفَرَسِ فإن اللَّهَ عز وجل نَدَبَ إلَى إتخاذ الْخَيْلِ فقال { وَأَعِدُّوا لهم ما اسْتَطَعْتُمْ من قُوَّةٍ } الْآيَةَ فَأَطَاعَ في الرِّبَاطِ وَكَانَتْ عليه مُؤْنَةٌ في اتِّخَاذِهِ وَلَهُ غَنَاءٌ بِشُهُودِهِ عليه ليس الرَّاجِلُ شَبِيهًا بِهِ أخبرنا الثِّقَةُ عن إِسْحَاقَ الْأَزْرَقِ عن عبد اللَّهِ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ضَرَبَ لِلْفَرَسِ بِسَهْمَيْنِ وَلِلْفَارِسِ بِسَهْمٍ فَزَعَمَ بَعْضُ الناس أَنَّهُ لَا يُعْطَى فَرَسٌ إلَّا سَهْمًا وَفَارِسٌ سَهْمًا وَلَا يَفْضُلُ فَرَسٌ على مُسْلِمٍ فَقُلْت لِبَعْضِ من يَذْهَبُ مَذْهَبَهُ هو كَلَامٌ عَرَبِيٌّ وَإِنَّمَا يعطى الْفَارِسَ بِسَبَبِ الْقُوَّةِ وَالْغَنَاءِ
____________________

(4/144)


مع السُّنَّةِ وَالْفَرَسُ لَا يَمْلِكُ شيئا إنَّمَا يَمْلِكُهُ فَارِسُهُ وَلَا يُقَالُ لَا يَفْضُلُ فَرَسٌ على مُسْلِمٍ وَالْفَرَسُ بَهِيمَةٌ لَا يُقَاسُ بِمُسْلِمٍ وَلَوْ كان هذا كما قال صَاحِبُك لم يَجُزْ أَنْ يُسَوَّى بين فَرَسٍ وَمُسْلِمٍ وفي قَوْلِهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا خِلَافُ السُّنَّةِ وَالْآخَرُ قِيَاسُهُ الْفَرَسَ بِالْمُسْلِمِ وهو لو كان قِيَاسًا له دخل عليه أَنْ يَكُونَ قد سَوَّى فَرَسًا بِمُسْلِمٍ وقال بَعْضُ أَصْحَابِهِ بِقَوْلِنَا في سُهْمَانِ الْخَيْلِ وقال هذه السُّنَّةُ التي لَا يَنْبَغِي خِلَافُهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَحَبُّ الْأَقَاوِيلِ إلَيَّ وَأَكْثَرُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْبَرَاذِينَ وَالْمَقَارِيفِ يُسْهَمُ لها سَهْمَانِ الْعَرَبِيَّةِ وَلِأَنَّهَا قد تُغْنِي غَنَاءَهَا في كَثِيرٍ من الْمَوَاطِنِ وَاسْمُ الْخَيْلِ جَامِعٌ لها وقد قِيلَ يَفْضُلُ الْعَرَبِيُّ على الْهَجِينِ وإذا حَضَرَ الرَّجُلُ بِفَرَسَيْنِ أو أَكْثَرَ لم يُسْهَمْ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ وَلَوْ جَازَ أَنْ يُسْهَمَ لِاثْنَيْنِ جَازَ أَنْ يُسْهَمَ لِأَكْثَرَ وهو لَا يُلْفَى أَبَدًا إلَّا على وَاحِدٍ وَلَوْ تَحَوَّلَ عنه كان تَارِكًا له آخذا ( ( ( آخذه ) ) ) لِمِثْلِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَيْسَ فِيمَا قُلْت من أَنْ لَا يُسْهَمَ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ وَلَا خِلَافَهُ خَبَرٌ يَثْبُتُ مِثْلُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَفِيهِ أَحَادِيثُ مُنْقَطِعَةٌ أَشْبَهَهَا أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن يحيى بن سَعِيدِ بن عَبَّادِ بن عبد اللَّهِ بن الزُّبَيْرِ أَنَّ الزُّبَيْرَ بن الْعَوَّامِ كان يَضْرِبُ في الْمَغْنَمِ بِأَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ سَهْمًا له وَسَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ وَسَهْمًا في ذِي الْقُرْبَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) يَعْنِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِسَهْمِ ذِي الْقُرْبَى سَهْمِ صَفِيَّةَ أُمِّهِ وقد شَكَّ سُفْيَانُ أَحَفِظَهُ عن هِشَامٍ عن يحيى سَمَاعًا ولم يَشُكَّ سُفْيَانُ أَنَّهُ من حديث هِشَامٍ عن يحيى هو وَلَا غَيْرُهُ مِمَّنْ حَفِظَهُ عن هِشَامٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَحَدِيثُ مَكْحُولٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مُرْسَلٌ أَنَّ الزُّبَيْرَ حَضَرَ خَيْبَرَ بِفَرَسَيْنِ فَأَعْطَاهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم خَمْسَةَ أَسْهُمٍ سَهْمًا له وَأَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ لفرسيه ( ( ( لفرسه ) ) ) وَلَوْ كان كما حَدَّثَ مَكْحُولٍ أَنَّ الزُّبَيْرَ حَضَرَ خَيْبَرَ بِفَرَسَيْنِ فَأَخَذَ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ كان وَلَدُهُ أَعْرَفَ بِحَدِيثِهِ وَأَحْرَصَ على ما فيه زِيَادَةٌ من غَيْرِهِمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يُسْهَمُ لِرَاكِبِ دَابَّةٍ غَيْرِ الْفَرَسِ لَا بَغْلٍ وَلَا حِمَارٍ وَلَا بَعِيرٍ وَلَا فِيلٍ وَلَا غَيْرِهِ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَعَاهَدَ الْخَيْلَ فَلَا يُدْخِلَ إلَّا شَدِيدًا وَلَا يُدْخِلَ حَطِمًا وَلَا قَحْمًا ضَعِيفًا وَلَا ضَرْعًا وَلَا أَعْجَفَ رَازِحًا فَإِنْ غَفَلَ فَشُهِدَ رَجُلٌ على وَاحِدٍ من هذه فَقَدْ قِيلَ لَا يُسْهَمُ له لِأَنَّهُ ليس لِوَاحِدٍ منها غَنَاءُ الْخَيْلِ التي أَسْهَمَ لها رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ولم نَعْلَمْهُ أَسْهَمَ لِأَحَدٍ فِيمَا مَضَى على مِثْلِ هذه الدَّوَابِّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ قال رَجُلٌ أُسْهِمُ لِلْفَرَسِ كما أُسْهِمُ لِلرَّجُلِ ولم يُقَاتِلْ كانت شُبْهَةً وَلَكِنْ في الْحَاضِرِ غَيْرُ الْمُقَاتِلِ الْعَوْنُ بِالرَّأْيِ وَالدُّعَاءِ وَإِنَّ الْجَيْشَ قد يُنْصَرُونَ بِأَضْعَفِهِمْ وَأَنَّهُ قد لَا يُقَاتِلُ ثُمَّ يُقَاتِلُ وَفِيهِمْ مَرْضَى فأعطى سَهْمَهُ سُنَّةً وَلَيْسَتْ في فَرَسِ ضَرْعٍ وَلَا قَحْمٍ وَلَا وَاحِدٍ مِمَّا وَصَفْنَا من هذه الْمَعَانِي ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنَّمَا أُسْهِمَ لِلْفَارِسِ بِسَهْمِ فَارِسٍ إذَا حَضَرَ شيئا من الْحَرْبِ فَارِسًا قَبْل أَنْ تَنْقَطِعَ الْحَرْبُ فَأَمَّا إنْ كان فَارِسًا إذَا دخل بِلَادَ الْعَدُوِّ وكان فَارِسًا بَعْدَ انْقِطَاعِ الْحَرْبِ وَقَبْلَ جَمْعِ الْغَنِيمَةِ فَلَا يُسْهَمُ له بِسَهْمِ فَارِسٍ قال وقال بَعْضُ الناس إذَا دخل بِلَادَ الْعَدُوِّ فَارِسًا ثُمَّ مَاتَ فَرَسُهُ أُسْهِمَ له سَهْمُ فَارِسٍ وَإِنْ أَفَادَ فَرَسًا بِبِلَادِ الْعَدُوِّ قبل الْقِتَالِ فَحَضَرَ عليه لم يُسْهَمْ له ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقِيلَ له وَلِمَ أَسْهَمْت له إذَا دخل أَدْنَى بِلَادِ الْعَدُوِّ فَارِسًا وَإِنْ لم يَحْضُرْ الْقِتَالَ فَارِسًا قال لِأَنَّهُ قد يَثْبُتُ في الدِّيوَانِ فَارِسًا قِيلَ فَقَدْ يَثْبُتُ هو في الدِّيوَانِ فَإِنْ مَاتَ فَلَا يُسْهَمُ له إلَّا أَنْ يَمُوتَ بعد ما تُحْرَزُ الْغَنِيمَةُ قِيلَ فَقَدْ أُثْبِتَ هو وَفَرَسُهُ في الدِّيوَانِ فَزَعَمْت أَنَّ الْمَوْتَ قبل إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ وَإِنْ حَضَرَ الْقِتَالَ يُقْطَعُ حَظُّهُ في الْغَنِيمَةِ وأن مَوْتَ فَرَسِهِ قبل حُضُورِ الْقِتَالِ لَا يَقْطَعُ حَظَّهُ قبل فعليه ( ( ( فعله ) ) ) مؤنة وقد وافى ( ( ( أوفى ) ) ) أَدْنَى بِلَادِ الْعَدُوِّ قِيلَ فَذَلِكَ كُلُّهُ يَلْزَمُك في نَفْسِهِ وَيَلْزَمُك في الْفَرَسِ أَرَأَيْت الخرساني ( ( ( الخراساني ) ) ) أو الْيَمَانِيَّ يَقُودُ الْفَرَسَ لِلرُّومِ حتى إذَا لم يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَدْنَى بِلَاد الْعَدُوِّ إلَّا مِيلٌ فَمَاتَ فَرَسُهُ أَيُسْهَمُ لِفَرَسِهِ قال لَا قِيلَ فَهَذَا قد تَكَلَّفَ من الْمُؤْنَةِ أَكْثَرَ مِمَّا يَتَكَلَّفُ رَجُلٌ من أَهْلِ الثُّغُورِ ابْتَاعَ فَرَسًا ثُمَّ غَزَا عليه فَأَمْسَى بِأَدْنَى بِلَادِ الْعَدُوِّ ثُمَّ مَاتَ فَرَسُهُ فَزَعَمْت أَنَّك تُسْهِمُ له وَلَوْ كُنْت بِالْمُؤْنَةِ
____________________

(4/145)


التي لَزِمَتْهُ في الْفَرَسِ تُسْهِمُ له كان هذا أَوْلَى أَنْ تَحْرِمَهُ من الذي تَكَلَّفَ أَكْثَرَ مِمَّا تَكَلَّفَ فَحَرَمْته ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ حَاصَرَ قَوْمٌ مَدِينَةً فَكَانُوا لَا يُقَاتِلُونَ إلَّا رَجَّالَةً أو غَزَا قَوْمٌ في الْبَحْرِ فَكَانُوا لَا يُقَاتِلُونَ إلَّا رَجَّالَةً لَا يَنْتَفِعُونَ بِالْخَيْلِ في وَاحِدٍ من الْمَعْنَيَيْنِ أعطى الْفَارِسُ سَهْمَ الْفَارِسِ لم يَنْقُصْ منه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ دخل رَجُلٌ يُرِيدُ الْجِهَادَ فلم يُجَاهِدْ أُسْهِمَ له وَلَوْ دخل أَجِيرٌ يُرِيدُ الْجِهَادَ فَقَدْ قِيلَ يُسْهَمُ له وَقِيلَ يُخَيِّرُ بين أَنْ يُسْهَمَ له وَيَطْرَحَ الْإِجَارَةَ أو الْإِجَارَةِ وَلَا يُسْهَمُ له وقد قِيلَ يُرْضَخُ له (1)
____________________
1- قال الشَّافِعِيُّ وَلَوْ انْفَلَتَ أَسِيرٌ في أَيْدِي الْعَدُوِّ قبل أَنْ تُحْرَزَ الْغَنِيمَةُ فَقَدْ قِيلَ لَا يُسْهَمُ له إلَّا أَنْ يَكُونَ قِتَالٌ فَيُقَاتِلُ فَأَرَى أَنْ يُسْهَمَ له وقد قِيلَ يُسْهَمُ له ما لم تُحْرَزْ الْغَنِيمَةُ وَلَوْ دخل قَوْمٌ تُجَّارٌ فَقَاتَلُوا لم أَرَ بَأْسًا أَنْ يُسْهَمَ لهم وقد قِيلَ لَا يُسْهَمُ لهم ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَمَّا الذِّمِّيُّ غَيْرُ الْبَالِغِ وَالْمَرْأَةُ يُقَاتِلُونَ فَلَا يُسْهَمُ لهم وَيَرْضَخُ لهم وكان أَحَبَّ إلَيَّ في الذِّمِّيِّ لو اُسْتُؤْجِرَ بِشَيْءٍ من غَيْرِ الْغَنِيمَةِ أو الْمَوْلُودُ في بِلَادِ الْحَرْبِ يُرْضَخُ له وَيُرْضَخُ لِمَنْ قَاتَلَ أَكْثَرَ مِمَّا يُرْضَخُ لِمَنْ لم يُقَاتِلْ وَلَيْسَ لذلك ( ( ( ذلك ) ) ) عِنْدِي حَدٌّ مَعْرُوفٌ يُعْطَوْنَ من الخرثى وَالشَّيْءِ الْمُتَفَرِّقِ مِمَّا يُغْنَمُ وَلَوْ قال قَائِلٌ يُرْضَخُ لهم من جَمِيعِ الْمَالِ كان مَذْهَبًا وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُرْضَخَ لهم من الْأَرْبَعَةِ الْأَسْهُمِ لِأَنَّهُمْ حَضَرُوا الْقِتَالَ وَالسُّنَّة بِالرَّضْخِ لهم بِحُضُورِهِمْ كما كانت بِالْإِسْهَامِ لِغَيْرِهِمْ بِحُضُورِهِمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ جاء مَدَدٌ لِلْمُسْلِمِينَ بِلَادَ الْحَرْبِ قبل أَنْ تَنْقَطِعَ الْحَرْبُ فَحَضَرُوا من الْحَرْبِ شيئا قَلَّ أو كَثُرَ شُرِكُوا في الْغَنِيمَةِ وَإِنْ لم يَأْتُوا حتى تَنْقَطِعَ الْحَرْبُ وَلَا يَكُونُ عِنْدَ الْغَنِيمَةِ مَانِعٌ لها لم يُشْرِكُوهُمْ وَلَوْ جاؤوا بعد ما أُحْرِزَتْ الْغَنِيمَةُ ثُمَّ كان قِتَالٌ بَعْدَهَا فَإِنْ غَنِمُوا شيئا حَضَرُوهُ شُرِكُوا فيه وَلَا يُشْرِكُونَ فِيمَا أُحْرِزَ قبل حُضُورِهِمْ وَلَوْ أَنَّ قَائِدًا فَرَّقَ جُنْدَهُ في وَجْهَيْنِ فَغَنِمَتْ إحْدَى الْفِرْقَتَيْنِ ولم تَغْنَمْ الْأُخْرَى أو بَعَثَ سَرِيَّةً من عَسْكَرٍ أو خَرَجَتْ هِيَ فَغَنِمَتْ في بِلَادِ الْعَدُوِّ ولم يَغْنَمْ الْعَسْكَرُ أو غَنِمَ الْعَسْكَرُ ولم تَغْنَمْ السَّرِيَّةُ شَرَكَ كُلُّ وَاحِدٍ من الْفَرِيقَيْنِ صَاحِبَهُ لِأَنَّهُ جَيْشٌ وَاحِدٌ كلهم ردء ( ( ( رد ) ) ) لِصَاحِبِهِ قد مَضَتْ خَيْلُ الْمُسْلِمِينَ فَغَنِمَتْ بِأَوْطَاسٍ غَنَائِمَ كَثِيرَةً وَأَكْثَرَ الْعَسْكَرُ ( حُنَيْنٍ ) فَشَرِكُوهُمْ وَهُمْ مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان قَوْمٌ مُقِيمِينَ بِبِلَادِهِمْ فَخَرَجَتْ منهم طَائِفَةٌ فَغَنِمُوا لم يُشْرِكْهُمْ الْمُقِيمُونَ وَإِنْ كان منهم قَرِيبًا لِأَنَّ السَّرَايَا كانت تَخْرُجُ من الْمَدِينَةِ فَتَغْنَمُ وَلَا يُشْرِكُهُمْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَلَوْ أَنَّ إمَامًا بَعَثَ جَيْشَيْنِ على كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَائِدٌ وَأَمَرَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَتَوَجَّهَ نَاحِيَةً غَيْرِ نَاحِيَةِ صَاحِبِهِ من بِلَادِ عَدُوٍّ فغنم ( ( ( غنم ) ) ) أَحَدُ الْجَيْشَيْنِ لم يُشْرِكْهُمْ الْآخَرُونَ فَإِنْ اجْتَمَعُوا فَغَنِمُوا مُجْتَمِعِينَ فَهُمْ كَجَيْشٍ وَاحِدٍ وَيَرْفَعُونَ الْخُمُسَ إلَى الْإِمَامِ وَلَيْسَ وَاحِدٌ من الْقَائِدَيْنِ بِأَحَقَّ بِوِلَايَةِ الْخُمُسِ إلَى أَنْ يُوصِلَهُ إلَى الْإِمَامِ من الْآخَرِ وَهُمَا فيه شَرِيكَانِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ غَزَتْ جَمَاعَةٌ بَاغِيَةٌ مع جَمَاعَةٍ أَهْلِ عَدْلٍ شَرِكُوهُمْ في الْغَنِيمَةِ وَلِأَهْلِ الْعَدْلِ بِطَاعَةِ الْإِمَامِ أَنْ يَلُوا الْخُمُسَ دُونَهُمْ حتى يُوصِلُوهُ إلَى الْإِمَامِ - * سَنُّ تَفْرِيقِ الْقَسْمِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ اسْمُهُ { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ من شَيْءٍ } الْآيَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مُطَرِّفٌ عن مَعْمَرٍ عن الزُّهْرِيِّ أَنَّ مُحَمَّدَ بن جُبَيْرِ بن مُطْعِمٍ أخبره عن أبيه قال لَمَّا قَسَمَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى بين بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ أَتَيْته أنا وَعُثْمَانُ بن عَفَّانَ فَقُلْنَا يا رَسُولَ اللَّهِ هَؤُلَاءِ إخْوَانُنَا من بَنِي هَاشِمٍ لَا يُنْكَرُ فَضْلُهُمْ لِمَكَانِك الذي وَضَعَك اللَّهُ بِهِ منهم أَرَأَيْت إخْوَانَنَا من بَنِي الْمُطَّلِبِ أَعْطَيْتهمْ وَتَرَكْتنَا أو مَنَعْتنَا وَإِنَّمَا قَرَابَتُنَا وَقَرَابَتُهُمْ وَاحِدَةٌ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( إنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ هَكَذَا وَشَبَّكَ بين أَصَابِعِهِ ) أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا أَحْسَبُهُ دَاوُد الْعَطَّارَ عن بن الْمُبَارَكِ عن يُونُسَ عن بن شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ عن بن الْمُسَيِّبِ عن جُبَيْرِ بن مُطْعِمٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِمِثْلِ مَعْنَاهُ أخبرنا الثِّقَةُ عن مُحَمَّد

(4/146)


بن إِسْحَاقَ عن الزُّهْرِيِّ عن بن الْمُسَيِّبِ عن جُبَيْرِ بن مُطْعِمٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِمِثْلِ مَعْنَاهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَذَكَرْت لِمُطَرِّفِ بن مَازِنٍ أَنَّ يُونُسَ وبن إِسْحَاقَ رَوَيَا حَدِيثَ بن شِهَابٍ عن بن الْمُسَيِّبِ فقال مُطَرِّفٌ حدثنا مَعْمَرٌ كما وَصَفْت وَلَعَلَّ بن شِهَابٍ رَوَاهُ عنهما مَعًا أخبرنا عَمِّي محمد بن عَلِيِّ بن شَافِعٍ عن عَلِيِّ بن الْحُسَيْنِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مثله وزاد ( لَعَنَ اللَّهُ من فَرَّقَ بين بنى هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَخْبَرَنَا عن الزُّهْرِيِّ عن بن الْمُسَيِّبِ عن جُبَيْرِ بن مُطْعِمٍ قال قَسَمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى بين بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ ولم يُعْطِ منه أَحَدًا من بَنِي عبد شَمْسٍ وَلَا بَنِي نَوْفَلٍ شيئا ( قال الشَّافِعِيُّ ) فيعطي جَمِيعُ سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى حَيْثُ كَانُوا لَا يَفْضُلُ منهم أَحَدٌ حَضَرَ الْقِتَالَ على أَحَدٍ لم يَحْضُرْهُ إلَّا بِسَهْمِهِ في الْغَنِيمَةِ كَسَهْمِ الْعَامَّةِ وَلَا فَقِيرٌ على غَنِيٍّ ويعطي الرَّجُلُ سَهْمَيْنِ وَالْمَرْأَةُ سَهْمًا ويعطي الصَّغِيرُ منهم وَالْكَبِيرُ سَوَاءً وَذَلِكَ أَنَّهُمْ إنَّمَا أُعْطُوا بِاسْمِ الْقَرَابَةِ وَكُلُّهُمْ يَلْزَمُهُ اسْمُ الْقَرَابَةِ فَإِنْ قال قَائِلٌ قد أَعْطَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَعْضَهُمْ مِائَةَ وَسْقٍ وَبَعْضَهُمْ أَقَلَّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَكُلُّ من لَقِيت من عُلَمَاءِ أَصْحَابِنَا لم يَخْتَلِفُوا فِيمَا وَصَفْت من التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمْ وَبِأَنَّهُ إنَّمَا قِيلَ أَعْطَى فُلَانًا كَذَا لِأَنَّهُ كان ذَا وَلَدٍ فَقِيلَ أَعْطَاهُ كَذَا وَإِنَّمَا أَعْطَاهُ حَظَّهُ وَحَظَّ عِيَالِهِ وَالدَّلَالَةُ على صِحَّةِ ما حَكَيْت مِمَّا قالوا عَنْهُمْ ما وَصَفْت من اسْمِ الْقَرَابَةِ وَأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَعْطَاهُ من حَضَرَ خَيْبَرَ وَمَنْ لم يَحْضُرْهَا وَأَنَّهُ لم يُسَمِّ أَحَدًا من عِيَالِ من سَمَّى أَنَّهُ أَعْطَى بِعَيْنِهِ وَأَنَّ حَدِيثَ جُبَيْرِ بن مُطْعِمٍ فيه أنه قَسَمَ سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى بين بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَالْقَسْمُ إذَا لم يَكُنْ تَفْضِيلٌ يُشْبِهُ قَسْمَ الْمَوَارِيثِ وفي حديث جُبَيْرِ بن مُطْعِمٍ الدَّلَالَةُ على أَنَّهُ لهم خَاصَّةً وقد أَعْطَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من سَهْمِهِ غير وَاحِدٍ من قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ لَا من سَهْمِ ذِي القربي ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَتُفَرَّقُ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ الْخُمُسِ على من سَمَّى اللَّهُ عز وجل على الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وبن السَّبِيلِ في بِلَادِ الْإِسْلَامِ كُلِّهَا يُحْصَوْنَ ثُمَّ تُوَزَّعُ بَيْنَهُمْ لِكُلِّ صِنْفٍ منهم سَهْمُهُ كَامِلًا لَا يُعْطَى وَاحِدٌ من أَهْلِ السُّهْمَان سَهْمً صَاحِبِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد مَضَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِأَبِي هو وَأُمِّيِّ مَاضِيًا وَصَلَّى اللَّهُ عليه وَمَلَائِكَتُهُ فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ عِنْدَنَا في سَهْمِهِ فَمِنْهُمْ من قال يُرَدُّ على السُّهْمَانِ التي ذَكَرَهَا اللَّهُ عز وجل معه لِأَنِّي رَأَيْت الْمُسْلِمِينَ قالوا فِيمَنْ سمى له سَهْمٌ من أَهْلِ الصَّدَقَاتِ فلم يُوجَدْ يُرَدُّ على من سمى معه وَهَذَا مَذْهَبٌ يَحْسُنُ وَإِنْ كان قَسْمُ الصَّدَقَاتِ مُخَالِفًا قَسْمَ الْفَيْءِ وَمِنْهُمْ من قال يَضَعُهُ الأمام حَيْثُ رَأَى على الِاجْتِهَادِ للاسلام وَأَهْلِهِ وَمِنْهُمْ من قال يَضَعُهُ في الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَاَلَّذِي اختار أَنْ يَضَعَهُ الْإِمَامُ في كل أَمْرٍ حَصَّنَ بِهِ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ من سَدِّ ثَغْرٍ وَإِعْدَادِ كَرَاعٍ أو سِلَاحٍ أو إعْطَاءِ أَهْلِ الْبَلَاءِ في الْإِسْلَامِ نَفْلًا عِنْدَ الْحَرْبِ وَغَيْرِ الْحَرْبِ إعْدَادًا لِلزِّيَادَةِ في تعزيز ( ( ( تعزير ) ) ) الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ على ما صَنَعَ فيه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فإن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قد أَعْطَى الْمُؤَلَّفَةَ وَنَفَلَ في الْحَرْبِ وَأَعْطَى عَامَ خَيْبَرَ نَفَرًا من أَصْحَابِهِ من الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ أَهْلِ الْحَاجَةِ وَفَضَّلَ وَأَكْثَرُهُمْ أَهْلُ فَاقَةٍ نَرَى ذلك كُلَّهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ من سَهْمِهِ وقال بَعْضُ الناس بِقَوْلِنَا في سَهْمِ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وبن السَّبِيلِ وزاد سَهْمَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَسَهْمَ ذِي الْقُرْبَى فَقُلْت له أَعْطَيْت بَعْضَ من قَسَمَ اللَّهُ عز وجل له مَالَهُ وَزِدْته وَمَنَعْت بَعْضَ من قَسَمَ اللَّهُ له مَاله فَخَالَفْت الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فِيمَا أَعْطَيْت وَمَنَعْت فقال ليس لِذِي الْقُرْبَى منه شَيْءٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَلَّمُونَا فيه بِضُرُوبٍ من الْكَلَامِ قد حَكَيْت ما حَضَرَنِي منها وَأَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ فقال بَعْضُهُمْ ما حُجَّتُكُمْ فيه قُلْت الْحُجَّةُ الثَّابِتَةُ من كِتَابِ اللَّهِ عز وجل وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ وَذَكَرْت له الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ فيه قال فإن سُفْيَانَ بن عُيَيْنَةَ رَوَى عن مُحَمَّدِ بن إِسْحَاقَ قال سَأَلْت أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بن عَلِيٍّ ما صَنَعَ عَلِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ في الْخُمُسِ فقال
____________________

(4/147)


سَلَكَ بِهِ طَرِيقَ أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ وكان يَكْرَهُ أَنْ يُؤْخَذَ عليه خِلَافُهُمَا وكان هذا يَدُلُّ على أَنَّهُ كان يَرَى فيه رَأَيَا خِلَافَ رَأْيِهِمَا فَاتَّبَعَهُمَا فَقُلْت له هل عَلِمْت أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَسَمَ على الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَسَوَّى بين الناس وَقَسَمَ عُمَرُ فلم يَجْعَلْ لِلْعَبِيدِ شيئا وَفَضَّلَ بَعْضَ الناس على بَعْضٍ وَقَسَمَ عَلِيٌّ فلم يَجْعَلْ لِلْعَبِيدِ شيئا وَسَوَّى بين الناس قال نعم قُلْت أَفَتَعْلَمُهُ خَالَفَهُمَا مَعًا قال نعم قُلْت أو تَعْلَمُ عُمَرُ قال لَا تُبَاعُ أُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ وَخَالَفَهُ عَلِيٌّ قال نعم قُلْت وَتَعْلَمُ أَنَّ عَلِيًّا خَالَفَ أَبَا بَكْرٍ في الْجَدِّ قال نعم قُلْت فَكَيْفَ جَازَ لَك أَنْ يَكُونَ هذا الْحَدِيثُ عِنْدَك على ما وَصَفْت من أَنَّ عَلِيًّا رَأَى غير رَأْيِهِمَا فَاتَّبَعَهُمَا وَبَيِّنٌ عِنْدَك أَنَّهُ قد يُخَالِفُهُمَا فِيمَا وَصَفْنَا وفي غَيْرِهِ قال فما قَوْلُهُ سَلَكَ بِهِ طَرِيقَ أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ قُلْت هذا كَلَامٌ جُمْلَةٌ يَحْتَمِلُ مَعَانِيَ فَإِنْ قُلْت كَيْفَ صَنَعَ فيه عَلِيٌّ فَذَلِكَ يَدُلُّنِي على ما صَنَعَ فيه أبو بَكْرٍ وَعُمَرُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأُخْبِرْنَا عن جَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ عن أبيه أَنَّ حَسَنًا وَحُسَيْنًا وَعَبْدَ اللَّهِ بن عَبَّاسٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بن جَعْفَرٍ سَأَلُوا عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه وَعَنْهُمْ نَصِيبَهُمْ من الْخُمُسِ فقال هو لَكُمْ حَقٌّ وَلَكِنِّي مُحَارَبٌ مُعَاوِيَةَ فَإِنْ شِئْتُمْ تَرَكْتُمْ حَقَّكُمْ منه ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَخْبَرْت بهذا الحديث عَبْدَ الْعَزِيزِ بن مُحَمَّدٍ فقال صَدَقَ هَكَذَا كان جَعْفَرٌ يُحَدِّثُهُ أَفَمَا حَدَّثَكَهُ عن أبيه عن جَدِّهِ قُلْت لَا قال ما أَحْسَبُهُ إلَّا عن جَدِّهِ قال فَقُلْت له أَجَعْفَرٌ أَوْثَقُ وَأَعْرَفُ بِحَدِيثِ أبيه أَمْ بن إِسْحَاقَ قال بَلْ جَعْفَرٌ فَقُلْت له هذا بَيِّنٌ لَك إنْ كان ثَابِتًا أَنَّ ما ذَهَبْت إلَيْهِ من ذلك على غَيْرِ ما ذَهَبْت إلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَدَلَّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ أَعْطَيَاهُ أَهْلَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) محمد بن عَلِيٍّ مُرْسَلٌ عن أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ لَا أَدْرِي كَيْفَ كان هذا الْحَدِيثُ قُلْت وَكَيْفَ احْتَجَجْت بِهِ إنْ كان حُجَّةً فَهُوَ عَلَيْك وَإِنْ لم يَكُنْ حُجَّةً فَلَا تَحْتَجَّ بِمَا ليس بِحَجَّةٍ وَاجْعَلْهُ كما لم يَكُنْ قال فَهَلْ في حديث جَعْفَرٍ أَعْطَاهُمُوهُ قُلْت أَيَجُوزُ على عَلِيٍّ أو على رَجُلٍ دُونَهُ أَنْ يَقُولَ هو لَكُمْ حَقٌّ ثُمَّ يَمْنَعَهُمْ قال نعم إنْ طَابَتْ أَنْفُسُهُمْ قُلْنَا وَهُمْ إنْ طَابَتْ أَنْفُسُهُمْ عَمَّا في أَيْدِيهِمْ من مَوَارِيثِ آبَائِهِمْ وَأَكْسَابِهِمْ حَلَّ له أَخْذُهُ قال فإن الْكُوفِيِّينَ قد رَوَوْا فيه عن أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ شيئا أَفَعَلِمْته قُلْت نعم وَرَوَوْا ذلك عن أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ مِثْلَ قَوْلِنَا قال وما ذَاكَ قُلْت أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدٍ عن مَطَرٍ الْوَرَّاقِ وَرَجُلٌ لم يُسَمِّهِ كِلَاهُمَا عن الْحَكَمِ بن عُيَيْنَةَ عن عبد الرحمن بن أبي لَيْلَى قال لَقِيت عَلِيًّا عِنْدَ أَحْجَارِ الزَّيْتِ فَقُلْت له بِأَبِي وَأُمِّي ما فَعَلَ أبو بَكْرٍ وَعُمَرُ في حَقِّكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ من الْخُمُسِ فقال عَلِيٌّ أَمَّا أبو بَكْرٍ فلم يَكُنْ في زَمَانِهِ أَخْمَاسٌ وما كان فَقَدْ أَوْفَانَاهُ وَأَمَّا عُمَرُ فلم يَزَلْ يُعْطِينَاهُ حتى جاء مَالُ السُّوسِ وَالْأَهْوَازِ أو قال فَارِسٌ ( قال الرَّبِيعُ أنا أَشُكُّ ) فقال في حديث مَطَرٍ أو حديث الْآخَرِ فقال في الْمُسْلِمِينَ خَلَّةٌ فَإِنْ أَحْبَبْتُمْ تَرَكْتُمْ حَقَّكُمْ فَجَعَلْنَاهُ في خَلَّةِ الْمُسْلِمِينَ حتى يَأْتِيَنَا مَالٌ فَأُوَفِّيكُمْ حَقَّكُمْ منه فقال الْعَبَّاسُ لِعَلِيٍّ لَا نُطْمِعُهُ في حَقِّنَا فَقُلْت يا أَبَا الْفَضْلِ أَلَسْنَا أَحَقَّ من أَجَابَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَرَفَعَ خَلَّةَ الْمُسْلِمِينَ فتوفى عُمَرُ قبل أَنْ يَأْتِيَهُ مَالٌ فيقضيناه وقال الْحُكْمُ في حديث مَطَرٍ أو الْآخَرِ إنَّ عُمَرَ قال لَكُمْ حَقٌّ وَلَا يَبْلُغُ عِلْمِي إذْ كَثُرَ أَنْ يَكُونَ لَكُمْ كُلُّهُ فَإِنْ شِئْتُمْ أَعْطَيْتُكُمْ منه بِقَدْرِ ما أَرَى لَكُمْ فَأَبَيْنَا عليه إلَّا كُلَّهُ فَأَبَى أَنْ يُعْطِيَنَا كُلَّهُ فقال فإن الْحُكْمَ يحكي عن أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَنَّهُمَا أَعْطَيَا ذَوِي الْقُرْبَى حَقَّهُمْ ثُمَّ تَخْتَلِفُ الرُّوَاةُ عنه في عُمَرَ فَتَقُولُ مَرَّةً أَعْطَاهُمْ حتى جَاءَهُمْ مَالٌ السُّوسِ ثُمَّ اسْتَسْلَفَهُ منهم لِلْمُسْلِمِينَ وَهَذَا تَمَامٌ على إعطاءهم ( ( ( إعطائهم ) ) ) الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ منه وَتَقُولُ مَرَّةً أَعْطَاهُمُوهُ حتى كَثُرَ ثُمَّ عَرَضَ عليهم حين كَثُرَ أَنْ يُعْطِيهِمْ بَعْضَ ما يَرَاهُ لهم حَقًّا لَا كُلَّهُ وَهَذَا أَعْطَاهُمْ بَعْضَهُ دُونَ بَعْضٍ وقد رَوَى الزُّهْرِيُّ عن بن هُرْمُزَ عن بن عَبَّاسٍ عن عُمَرَ قَرِيبًا من هذا الْمَعْنَى قال فَكَيْفَ يُقْسَمُ سَهْمُ ذِي الْقُرْبَى وَلَيْسَتْ الرِّوَايَةُ فيه عن أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ مُتَوَاطِئَةً وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَقًّا لِقَوْمٍ وَلَا يَثْبُتُ عنهما من كل وَجْهٍ أَنَّهُمَا أَعْطَيَاهُ عَطَاءً بَيِّنًا مَشْهُورًا فَقُلْت له قَوْلُك هذا قَوْلُ من لَا عِلْمَ له قال وَكَيْفَ قُلْت هذا الْحَدِيثُ يُثْبِتُ
____________________

(4/148)


عن أبي بَكْرٍ أَنَّهُ أَعْطَاهُمُوهُ في هذا الحديث وَعُمَرُ حتى كَثُرَ الْمَالُ ثُمَّ اُخْتُلِفَ عنه في الْكَثْرَةِ وَقُلْت أَرَأَيْت مَذْهَبَ أَهْلِ الْعِلْمِ في الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ إذَا كان الشَّيْءُ مَنْصُوصًا في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل مُبَيَّنًا على لِسَانِ رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أو فَعَلَهُ أَلَيْسَ يُسْتَغْنَى بِهِ عن أَنْ يُسْأَلَ عَمَّا بَعْدَهُ وَيُعْلَمُ أَنَّ فَرْضَ اللَّهِ عز وجل على أَهْلِ الْعِلْمِ اتِّبَاعُهُ قال بَلَى قُلْت قُلْت أَفَتَجِدُ سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى مَفْرُوضًا في آيَتَيْنِ من كِتَابِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مُبَيَّنًا على لِسَانِ رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَفِعْلُهُ ثَابِت بِمَا يَكُونُ من أَخْبَارِ الناس من وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا ثِقَةُ الْمُخْبِرِينَ بِهِ وَاتِّصَالُهُ وَأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ أَهْلُ قَرَابَةٍ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الزُّهْرِيُّ من أَخْوَالِهِ وبن الْمُسَيِّبِ من أَخْوَالِ أبيه وَجُبَيْرُ بن مُطْعِمٍ بن عَمِّهِ وَكُلُّهُمْ قَرِيبٌ منه في جَذْمِ النَّسَبِ وَهُمْ يُخْبِرُونَك مع قَرَابَتِهِمْ وَشَرَفِهِمْ أَنَّهُمْ مُخْرِجُونَ منه وَأَنَّ غَيْرَهُمْ مَخْصُوصٌ بِهِ دُونَهُ وَيُخْبِرُك أَنَّهُ طَلَبَهُ هو وَعُثْمَانُ فَمُنِعَاهُ وَقَرَابَتُهُمَا في جذم ( ( ( حدم ) ) ) النَّسَبِ قَرَابَةُ بَنِي الْمُطَّلِبِ الَّذِينَ أُعْطُوهُ قال نعم قُلْت فَمَتَى تَجِدُ سُنَّةً أَبَدًا أُثْبِتَتْ بِفَرْضِ الْكِتَابِ وَصِحَّةِ الْخَبَرِ وَهَذِهِ الدَّلَالَاتُ من هذه السُّنَّةِ لم يُعَارِضْهَا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مُعَارِضٌ بِخِلَافِهَا وَكَيْفَ تُرِيدُ إبْطَالَ الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ بِأَنْ تَقُولَ ظَاهِرُ الْكِتَابِ يُخَالِفُهُمَا وهو لَا يُخَالِفُهُمَا ثُمَّ تجد ( ( ( نجد ) ) ) الْكِتَابَ بَيِّنًا في حُكْمَيْنِ منه بِسَهْمِ ذِي الْقُرْبَى من الْخُمُسِ معه السُّنَّةُ فَتُرِيدُ إبْطَالَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ هل تَعْلَمُ قَوْلًا أَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ مَرْدُودًا من قَوْلِك هذا وَقَوْلِ من قال قَوْلَك ( قال الشَّافِعِيُّ ) له أَرَأَيْت لو عَارَضَك مُعَارِضٌ بِمِثْلِ حُجَّتِك فقال أَرَاك قد أَبْطَلْت سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى من الْخُمُسِ فَأَنَا أُبْطِلُ سَهْمَ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وبن السَّبِيلِ قال ليس ذلك له قُلْنَا فَإِنْ قال فَأَثْبِتْ لي أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَعْطَاهُمُوهُ أو أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ أَعْطَاهُمُوهُ أو أَحَدُهُمَا قال ما فيه خَبَرٌ ثَابِتٌ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا عَمَّنْ بَعْدَهُ غير أَنَّ الذي يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَعْطَاهُ من أَعْطَى اللَّهُ إيَّاهُ وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ عَمِلَا بِذَلِكَ بَعْدَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قُلْنَا أَفَرَأَيْت لو قال فَأَرَاك تَقُولُ نُعْطِي اليتامي وَالْمَسَاكِينَ وبن السَّبِيلِ سَهْمَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَسَهْمَ ذِي الْقُرْبَى فَإِنْ جَازَ لَك أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عز وجل قَسَمَهُ على خَمْسَةٍ فَجَعَلْته لِثَلَاثَةٍ فَأَنَا أَجْعَلُهُ كُلَّهُ لِذَوِي الْقُرْبَى لِأَنَّهُمْ مُبْدَءُونَ في الْآيَةِ على الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وبن السَّبِيلِ لَا يُعْرَفُونَ مَعْرِفَتَهُمْ وَلِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَعْطَاهُ ذَوِي الْقُرْبَى وَلَا أَجِدُ خَبَرًا مِثْلَ الْخَبَرِ الذي يحكى أَنَّهُ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَعْطَى ذَوِي الْقُرْبَى سَهْمَهُمْ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وبن السَّبِيلِ وَلَا أَجِدُ ذلك عن أبي بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ فقال ليس ذلك له قُلْنَا وَلِمَ قال لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذْ قَسَمَ لِخَمْسَةٍ لم يَجُزْ أَنْ يُعْطَاهَا وَاحِدٌ قُلْت فَكَيْفَ جَازَ لَك وقد قَسَمَ اللَّهُ عز وجل لِخَمْسَةٍ أَنْ أَعْطَيْته ثَلَاثَةً وَذَوُو الْقُرْبَى مَوْجُودُونَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فقال لَعَلَّ هذا إنَّمَا كان في حَيَاةِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِمَكَانِهِمْ منه فلما تُوُفِّيَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَكُنْ لهم قُلْت له أَيَجُوزُ لِأَحَدٍ نَظَرَ في الْعِلْمِ أَنْ يَحْتَجَّ بِمِثْلِ هذا قال وَلِمَ لَا يَجُوزُ إذَا كان يَحْتَمِلُ وَإِنْ لم يَكُنْ ذلك في الْخَبَرِ وَلَا شَيْءَ يَدُلُّ عليه قُلْت فَإِنْ عَارَضَك جَاهِلٌ بِمِثْلِ حُجَّتِك فقال ليس لِلْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وبن السَّبِيلِ بَعْدَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم شَيْءٌ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذلك حَقًّا لِيَتَامَى الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ جَاهَدُوا في سَبِيلِ اللَّهِ مع رَسُولِهِ وَكَانُوا قَلِيلًا في مُشْرِكِينَ كَثِيرٍ وَنَابَذُوا الْأَبْنَاءَ وَالْعَشَائِرَ وَقَطَعُوا الذِّمَمَ وَصَارُوا حِزْبَ اللَّهِ فَهَذَا لِأَيْتَامِهِمْ وَمَسَاكِينِهِمْ وَأَبْنَاءِ سَبِيلِهِمْ فإذا مَضَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَصَارَ الناس مُسْلِمِينَ وَرَأَيْنَا مِمَّنْ لم يَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ولم يَكُنْ لِآبَائِهِ سَابِقَةٌ معه من حُسْنِ الْيَقِينِ وَالْفَضْلِ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُرَى أَخَذُوا وَصَارَ الْأَمْرُ واحدا ( ( ( واحد ) ) ) فَلَا يَكُونُ لِلْيَتَامَى
____________________

(4/149)


وَالْمَسَاكِينِ وبن السَّبِيلِ شَيْءٌ إذَا اسْتَوَى في الْإِسْلَامِ قال ليس ذلك له قُلْت وَلِمَ قال لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل إذَا قَسَمَ شيئا فَهُوَ نَافِذٌ لِمَنْ كان في ذلك الْمَعْنَى إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قُلْت له فَقَدْ قَسَمَ اللَّهُ عز وجل وَرَسُولُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِذَوِي الْقُرْبَى فَلِمَ لم تَرَهُ نَافِذًا لهم إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قال فما مَنَعَك أَنْ أَعْطَيْت ذَوِي الْقُرْبَى أَنْ تُعْطِيَهُمْ على مَعْنَى الْحَاجَةِ فَيُقْضَى دَيْنُ ذِي الدَّيْنِ وَيُزَوَّجُ الْعَزَبُ وَيُخْدَمُ من لَا خَادِمَ له وَلَا يُعْطَى الْغَنِيُّ شيئا قُلْت له مَنَعَنِي أَنِّي وَجَدَتْ كِتَابَ اللَّهِ عز وجل ذَكَرَهُ في قَسْمِ الْفَيْءِ وَسُنَّةُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمُبَيِّنَةُ عن كِتَابِ اللَّهِ عز وجل على غَيْرِ هذا الْمَعْنَى الذي دَعَوْت إلَيْهِ وَأَنْتَ أَيْضًا تُخَالِفُ ما دَعَوْت إلَيْهِ فَتَقُولُ لَا شَيْءَ لِذَوِي الْقُرْبَى قال إنِّي أَفْعَلُ فَهَلُمَّ الدَّلَالَةَ على ما قُلْت قُلْت قَوْلُ اللَّهِ عز وجل { وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى } فَهَلْ تَرَاهُ أَعْطَاهُمْ بِغَيْرِ اسْمِ الْقَرَابَةِ قال لَا وقد يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَعْطَاهُمْ بِاسْمِ الْقَرَابَةِ وَمَعْنَى الْحَاجَةِ قُلْت فَإِنْ وَجَدْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَعْطَى من ذَوِي الْقُرْبَى غَنِيًّا لَا دَيْنَ عليه وَلَا حَاجَةَ بِهِ بَلْ يَعُولُ عَامَّةَ أَهْلِ بَيْتِهِ وَيَتَفَضَّلُ على غَيْرِهِ لِكَثْرَةِ مَالِهِ وما مَنَّ اللَّهُ عز وجل بِهِ عليه من سَعَةِ خَلْقِهِ قال إذًا يُبْطِلُ الْمَعْنَى الذي ذَهَبْت إلَيْهِ قُلْت فَقَدْ أَعْطَى أَبَا الْفَضْلِ الْعَبَّاسَ بن عبد الْمُطَّلِبِ وهو كما وَصَفْت في كَثْرَةِ الْمَالِ يَعُولُ عَامَّةَ بَنِي الْمُطَّلِبِ وَيَتَفَضَّلُ على غَيْرِهِمْ قال فَلَيْسَ لِمَا قُلْت من أَنْ يُعْطَوْا على الْحَاجَةِ مَعْنًى إذَا أُعْطِيَهُ الغنى وَقُلْت له أَرَأَيْت لو عَارَضَك مُعَارِضٌ أَيْضًا فقال قال اللَّهُ عز وجل في الْغَنِيمَةِ { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ من شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ } الْآيَةَ فَاسْتَدْلَلْنَا أَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسَ لِغَيْرِ أَهْلِ الْخُمُسِ فَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَعْطَاهَا من حَضَرَ الْقِتَالَ وقد يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَعْطَاهُمُوهَا على أَحَدِ مَعْنَيَيْنِ أو عَلَيْهِمَا فَيَكُونَ أَعْطَاهَا أَهْلَ الْحَاجَةِ مِمَّنْ حَضَرَ دُونَ أَهْلِ الْغِنَى عنه أو قال قد يَجُوزُ إذَا كان بِالْغَلَبَةِ أَعْطَاهُمُوهُ أَنْ يَكُونَ أَعْطَاهُ أَهْلَ الْبَأْسِ وَالنَّجْدَةِ دُونَ أَهْلِ الْعَجْزِ عن الْغَنَاءِ أو أَعْطَاهُ من جَمَعَ الْحَاجَةَ وَالْغَنَاءَ ما تَقُولُ له قال أَقُولُ ليس ذلك له قد أَعْطَى الْفَارِسَ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ وَالرَّاجِلَ سَهْمًا قُلْت أَفَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَعْطَى الْفَارِسَ وَالرَّاجِلَ مِمَّنْ هو بِهَذِهِ الصِّفَةِ قال إذَا حكى أَنَّهُ أَعْطَى الْفَارِسَ وَالرَّاجِلَ فَهُوَ عَامٌّ حتى تَأْتِيَ دَلَالَةٌ بِخَبَرٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ خَاصٌّ وهو على الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ وَالْعَاجِزِ وَالشُّجَاعِ لِأَنَّا نَسْتَدِلُّ أَنَّهُمْ أُعْطُوهُ لِمَعْنَى الْحُضُورِ فَقُلْت له فَالدَّلَالَةُ على أَنَّ ذَوِي الْقُرْبَى أُعْطُوا سَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى بِمَعْنَى الْقَرَابَةِ مِثْلُهُ أو أَبْيَنُ قُلْت فِيمَنْ حَضَرَ أَرَأَيْت لو قال قَائِلٌ ما غُنِمَ في زَمَانِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ليس بِالْكَثِيرِ فَلَوْ غَزَا قَوْمٌ فَغَنِمُوا غَنَائِمَ كَثِيرَةً أَعْطَيْنَاهُمْ بِقَدْرِ ما كَانُوا يَأْخُذُونَ في زَمَانِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ليس ذلك له قد عَلِمَ اللَّهُ أَنْ يستغنموا الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ فإذا بَيَّنَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ لهم أَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ فَسَوَاءٌ قَلَّتْ أو كَثُرَتْ أو قَلُّوا أو كَثُرُوا أو اسْتَغْنَوْا أو افْتَقَرُوا قُلْت فَلِمَ لَا تَقُولُ هذا في سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقُلْت له أَرَأَيْت لو غَزَا نَفَرٌ يَسِيرٌ بِلَادَ الرُّومِ فَغَنِمُوا ما يَكُونُ السَّهْمُ فيه مِائَةَ أَلْفٍ وَغَزَا آخَرُونَ التُّرْكَ فلم يَغْنَمُوا دِرْهَمًا وَلَقُوا قِتَالًا شَدِيدًا أَيَجُوزُ أَنْ تَصْرِفَ من الكثير ( ( ( التكثير ) ) ) الذي غَنِمَهُ الْقَلِيلُ بِلَا قِتَالٍ من الرُّومِ شيئا إلَى إخْوَانِهِمْ الْمُسْلِمِينَ الْكَثِيرِ الَّذِينَ لَقُوا الْقِتَالَ الشَّدِيدَ من التُّرْكِ ولم يَغْنَمُوا شيئا قال لَا قُلْت وَلِمَ وَكُلٌّ يُقَاتِلُ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا قال لَا يُغَيَّرُ شَيْءٌ عن مَوْضِعِهِ الذي سَنَّهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فيه بِمَعْنًى وَلَا عِلَّةٍ قُلْت وَكَذَلِكَ قُلْت في الْفَرَائِضِ التي أَنْزَلَهَا اللَّهُ عز وجل وَفِيمَا جاء منها عن بَعْضِ أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال وما ذلك قُلْت أَرَأَيْت لو قال لَك قد يَكُونُ وَرِثُوا لِمَعْنَى مَنْفَعَتِهِمْ لِلْمَيِّتِ كانت في حَيَاتِهِ وَحِفْظِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَمَنْفَعَةٍ كانت لهم وَمَكَانِهِمْ كان منه وما يَكُونُ منهم مِمَّا يَتَخَلَّى منه غَيْرُهُمْ فَأَنْظُرُ فَأَيُّهُمْ كان أَحَبَّ إلَيْهِ وَخَيْرًا له في حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ وَأَحْوَجَ إلَى تَرِكَتِهِ وَأَعْظَمَ مُصِيبَةً بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَأَجْعَلُ لهم سَهْمَ من يخالف ( ( ( خالفهم ) ) ) هذا مِمَّنْ كان يُسِيءُ إلَيْهِ في حَيَاتِهِ وَإِلَى تَرِكَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وهو غنى عن مِيرَاثِهِ قال ليس له ذلك بَلْ يُنَفَّلُ
____________________

(4/150)


ما جَعَلَهُ اللَّهُ عز وجل لِمَنْ جَعَلَهُ قُلْت وَقَسْمُ الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ وَالْمَوَارِيثِ وَالْوَصَايَا على الْأَسْمَاءِ دُونَ الْحَاجَةِ قال نعم قُلْت له بَلْ قد يُعْطَى أَيْضًا من الْفَيْءِ الغنى وَالْفَقِيرُ قال نعم قد أَخَذَ عُثْمَانُ وَعَبْدُ الرحمن عَطَاءَهُمَا وَلَهُمَا غِنًى مَشْهُورٌ فلم يُمْنَعَاهُ من الْغِنَى قُلْت فما بَالُ سَهْمِ ذَوِي الْقُرْبَى وَفِيهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وهو أَثْبَتُ مِمَّنْ قُسِمَ له مِمَّنْ معه من الْيَتَامَى وبن السَّبِيلِ وَكَثِيرٍ مِمَّا ذَكَرْنَا أَدْخَلْت فيه ما لَا يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ في مِثْلِهِ وأضعف ( ( ( أضعف ) ) ) منه قال فَأَعَادَ هو وَبَعْضُ من يَذْهَبُ مَذْهَبَهُ قالوا أَرَدْنَا أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا عن أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ قُلْت له أو ما يكتفي بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قال بَلَى قُلْت فَقَدْ أَعَدْت هذا أَفَرَأَيْت إذَا لم يَثْبُتْ بِخَبَرٍ صَحِيحٍ عن أبي بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ إعْطَاءُ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وبن السَّبِيلِ أَطَرَحْتهمْ قال لَا قُلْت أو رأيت إذَا لم يَثْبُت عن أبي بَكْرٍ أَنَّهُ أَعْطَى الْمُبَارِزَ السَّلَبَ وَيَثْبُتُ عن عُمَرَ أَنَّهُ أَعْطَاهُ أُخْرَى وَخَمَّسَهُ فَكَيْفَ قُلْت فيه وَكَيْفَ اسْتَخْرَجْت تَثْبِيتَ السَّلَبِ إذًا قال الْإِمَامُ هو لِمَنْ قَتَلَ وَلَيْسَ يَثْبُتُ عن أبي بَكْرٍ وَخَالَفْت عُمَرَ في الْكَثِيرِ منه وَخَالَفْت بن عَبَّاسٍ وهو يقول السَّلَبُ من الْغَنِيمَةِ وفي السَّلَبِ الْخُمُسُ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ من شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ } الْآيَةَ قال إذَا ثَبَتَ الشَّيْءُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يُوَهِّنُهُ أَنْ لَا يَثْبُتَ عَمَّنْ بَعْدَهُ وَلَا من خَالَفَهُ من بَعْدِهِ قُلْت وَإِنْ كان مَعَهُمْ التَّأْوِيلُ قال وَإِنْ لِأَنَّ الْحُجَّةَ في رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قُلْت له قد ثَبَتَ حُكْمُ اللَّهِ عز وجل وَحُكْمُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِذَوِي الْقُرْبَى بِسَهْمِهِمْ فَكَيْفَ أَبْطَلْته وَقُلْت وقد قال اللَّهُ تَعَالَى { خُذْ من أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بها } وقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( فِيمَا سقى بِالسَّمَاءِ الْعُشْرُ ) لم يُخَصَّ مَالٌ دُونَ مَالٍ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل وَلَا في هذا الحديث وقال إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ العشر فِيمَا أَنْبَتَتْ الْأَرْضُ فَكَيْفَ قُلْت ليس فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ قال فإن أَبَا سَعِيدٍ رَوَاهُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَقُلْت له هل تَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ تَثْبُتُ رِوَايَتُهُ غير أبي سَعِيدٍ قال لَا قُلْت أَفَالْحَدِيثُ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَعْطَى لِذِي الْقُرْبَى سَهْمَهُمْ أَثْبَتُ رِجَالًا وَأَعْرَفُ وَأَفْضَلُ أَمْ من رَوَى دُونَ أبي سَعِيدٍ عن أبي سَعِيدٍ هذا الحديث قال بَلْ من رَوَى سهم ( ( ( منهم ) ) ) ذِي الْقُرْبَى قُلْت وقد قَرَأْت لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثَلَاثَةَ عُهُودٍ عَهْدَهُ لِابْنِ سَعِيدِ بن الْعَاصِ على الْبَحْرَيْنِ وَعَهْدَهُ لِعَمْرِو بن حَزْمٍ على نَجْرَانَ وَعَهْدًا ثَالِثًا وَلِأَبِي بَكْرٍ عَهْدًا وَلِعُمَرَ عُهُودًا وَلِعُثْمَانَ عُهُودًا فما وَجَدْت في وَاحِدٍ منها قَطُّ ( ليس فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ ) وقد عَهِدُوا في الْعُهُودِ التي قَرَأْت على الْعُمَّالِ ما يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ من أَخْذِ الصَّدَقَةِ وَغَيْرِهَا وَلَا وَجَدْنَا أَحَدًا قَطُّ يَرْوِي عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِحَدِيثٍ ثَابِتٍ ( ليس فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ ) غير أبي سَعِيدٍ وَلَا وَجَدْنَا أَحَدًا قَطُّ يروى ذلك عن أبي بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ وَلَا عُثْمَانَ وَلَا عَلِيٍّ فَهَلْ وَجَدْته قال لَا قُلْت أَفَهَذَا لِأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ صَدَقَاتِ الناس من الطَّعَامِ في جَمِيعِ الْبُلْدَانِ وفي السَّنَةِ مِرَارًا لِاخْتِلَافِ زُرُوعِ الْبُلْدَانِ وَثِمَارِهَا أَوْلَى أَنْ يُؤْخَذَ عَنْهُمْ مَشْهُورًا مَعْرُوفًا أَمْ سَهْمُ ذِي الْقُرْبَى الذي هو لِنَفَرٍ بِعَدَدٍ وفي وَقْتٍ وَاحِدٍ من السَّنَةِ قال كِلَاهُمَا مِمَّا كان يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا قُلْت أَفَتَطْرَحُ حَدِيثَ أبي سَعِيدٍ ( ليس فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ ) لِأَنَّهُ ليس عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا من وَجْهٍ وَاحِدٍ وَأَنَّ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ تَأَوَّلَ ظَاهِرَ الْكِتَابِ وَحَدِيثًا مثله وَيُخَالِفُهُ هو ظَاهِرُ الْقُرْآنِ لِأَنَّ الْمَالَ يَقَعُ على ما دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَأَنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ عن أبي بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ وَلَا عُثْمَانَ وَلَا عَلِيٍّ قال لَا وَلَكِنِّي أَكْتَفِي بِالسُّنَّةِ من هذا كُلِّهِ فَقُلْت له قال اللَّهُ عز وجل { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا على طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ } الْآيَةَ وقد قال بن عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ وَعُبَيْدُ بن عُمَيْرٍ لَا بَأْسَ بِأَكْلِ سِوَى ما سَمَّى اللَّهُ عز وجل أَنَّهُ حَرَامٌ وَاحْتَجُّوا بِالْقُرْآنِ وَهُمْ كما تَعْلَمُ في الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ وَرَوَى أبو إدْرِيسَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ نهى عن أَكْلِ كل ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ وَوَافَقَهُ الزُّهْرِيُّ فِيمَا يقول قال كُلُّ ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ حَرَامٌ وَالنَّبِيُّ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَعْلَمُ بِمَعْنَى ما أَرَادَ اللَّهُ عز وجل وَذَكَرَهُ من خالفه ( ( ( خالف ) ) ) شيئا
____________________

(4/151)


مِمَّا روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلَيْسَ في قَوْلِهِ حُجَّةٌ وَلَوْ عَلِمَ الذي قال قَوْلًا يُخَالِفُ ما روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قَالَهُ رَجَعَ إلَيْهِ وقد يَعْزُبُ عن الطَّوِيلِ الصُّحْبَةِ السُّنَّةُ وَيَعْلَمُهَا بَعِيدُ الدَّارِ قَلِيلُ الصُّحْبَةِ وَقُلْت له جَعَلَ أبو بَكْرٍ وبن عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ وبن الزُّبَيْرِ وَعَبْدُ اللَّهِ بن أبي عُتْبَةَ وَغَيْرُهُمْ الْجَدَّ أَبًا وَتَأَوَّلُوا الْقُرْآنَ فَخَالَفْته لِقَوْلِ زَيْدٍ وبن مَسْعُودٍ قال نعم وَخَالَفْت أَبَا بَكْرٍ في إعْطَاءِ الْمَمَالِيكِ فَقُلْت لَا يُعْطَوْنَ قال نعم وَخَالَفْت عُمَرَ في امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ وَالْبَتَّةِ وفي التي تُنْكَحُ في عِدَّتِهَا وفي أَنَّ ضِعْفَ الْغُرْمِ على سُرَّاقِ نَاقَةِ المزنى وفي أَنْ قَضَى في الْقَسَامَةِ بِشَطْرِ الدِّيَةِ وفي أَنْ جَلَدَ في التَّعْرِيضِ الْحَدَّ وَجَلَدَ في رِيحِ الشَّرَابِ الْحَدَّ وفي أَنْ جَلَدَ وَلِيدَةَ حَاطِبٍ وَهِيَ ثَيِّبٌ حَدَّ الزنى حَدَّ الْبِكْرِ وفي شَيْءٍ كَثِيرٍ منه ما تُخَالِفُهُ لِقَوْلِ غَيْرِهِ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَمِنْهُ ما تُخَالِفُهُ وَلَا مُخَالِفَ له منهم قال نعم أُخَالِفُهُ لِقَوْلِ غَيْرِهِ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قُلْت له وَسَعْدُ بن عُبَادَةَ قَسَمَ مَالَهُ صَحِيحًا بين وَرَثَتِهِ ثُمَّ مَاتَ فَجَاءَ أبو بَكْرٍ وَعُمَرُ قَيْسًا فَقَالَا نَرَى أَنْ تَرُدُّوا عليه فقال قَيْسُ بن سَعْدٍ لَا أَرُدُّ شيئا قَضَاهُ سَعْدٌ وَوَهَبَ لهم نَصِيبَهُ وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنْ ليس عليهم رَدُّ شَيْءٍ أُعْطَوْهُ وَلَيْسَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ في هذا مُخَالِفٌ من أَصْحَابِهِمَا فَتَرُدُّ قَوْلَهُمَا مُجْتَمِعَيْنِ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا وَتَرُدُّ قَوْلَهُمَا مُجْتَمِعَيْنِ في قَطْعِ يَدِ السَّارِقِ بَعْدَ يَدِهِ وَرِجْلِهِ لَا مُخَالِفَ لَهُمَا إلَّا ما لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ عن عَلِيٍّ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ ثُمَّ عَدَدْت عليه ثَلَاثَ عَشْرَةَ قَضِيَّةً لِعُمَرَ بن الْخَطَّابِ لم يُخَالِفْهُ فيها غَيْرُهُ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِحَدِيثٍ يَثْبُتُ مِثْلُهُ نَأْخُذُ بها نَحْنُ وَيَدَعُهَا هو منها أَنَّ عُمَرَ قال في التي نُكِحَتْ في عِدَّتِهَا فَأُصِيبَتْ تَعْتَدُّ عِدَّتَيْنِ وقاله ( ( ( وقال ) ) ) عَلِيٌّ وَمِنْهَا أَنَّ عُمَرَ قَضَى في الذي لَا يَجِدُ ما يُنْفِقُ على امْرَأَتِهِ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَمِنْهَا أَنَّ عُمَرَ رَأَى أَنَّ الإيمان في الْقَسَامَةِ على قَوْمٍ ثُمَّ حَوَّلَهَا على آخَرِينَ فقال إنَّمَا أَلْزَمَنَا اللَّهُ عز وجل قَوْلَ رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَفَرَضَ عَلَيْنَا أَنْ نَأْخُذَ بِهِ أَفَيَجُوزُ أَنْ تُخَالِفَ شيئا روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَوْ خَالَفَهُ مِائَةٌ وَأَكْثَرُ ما كانت فِيهِمْ حُجَّةٌ قُلْت فَقَدْ خَالَفْت كِتَابَ اللَّهِ عز وجل وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى ولم يَثْبُتْ عن أَحَدٍ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ خَالَفَهُ قال فَقَدْ روى عن بن عَبَّاسٍ كنا نَرَاهُ لنا فَأَبَى ذلك عَلَيْنَا قَوْمُنَا قُلْت هذا كَلَامٌ عَرَبِيٌّ يَخْرُجُ عَامًّا وهو يُرَادُ بِهِ الْخَاصُّ قال وَمِثْلُ مَاذَا قُلْت مِثْلُ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { الَّذِينَ قال لهم الناس } الْآيَةَ فَنَحْنُ وَأَنْتَ نَعْلَمُ أَنْ لم يَقُلْ ذلك إلَّا بَعْضُ الناس وَاَلَّذِينَ قَالُوهُ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ وَأَنْ لم يُجْمَعْ لهم الناس كلهم إنَّمَا جُمِعَتْ لهم عِصَابَةٌ انْصَرَفَتْ عَنْهُمْ من أُحُدٍ قال هذا كُلُّهُ هَكَذَا قُلْت فإذا لم يُسَمِّ بن عَبَّاسٍ أَحَدًا من قَوْمِهِ أَلَمْ تَرَهُ كَلَامًا من كُلِّهِمْ وبن عَبَّاسٍ يَرَاهُ لهم فَكَيْفَ لم تَحْتَجَّ بِأَنَّ بن عَبَّاسٍ لَا يَرَاهُ لهم إلَّا حَقًّا عِنْدَهُ وَاحْتَجَجْت بِحَرْفِ جُمْلَةٍ خُبِرَ فيه أَنَّ غَيْرَهُ قد خَالَفَهُ فيه مع أَنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فيه أَثْبَتُ من أَنْ يُحْتَاجَ مَعَهُمَا إلَى شَيْءٍ قال أَفَيَجُوزُ أَنَّ قَوْلَ بن عَبَّاسٍ فَأَبَى ذلك عَلَيْنَا قَوْمُنَا يَعْنِي غير أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قُلْت نعم يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَنَى بِهِ يَزِيدَ بن مُعَاوِيَةَ وَأَهْلَهُ قال فَكَيْفَ لم يُعْطِهِمْ عُمَرُ بن عبد الْعَزِيزِ سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى قُلْت فَأَعْطَى عُمَرُ بن عبد الْعَزِيزِ سَهْمَ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وبن السَّبِيلِ قال لَا أَرَاهُ إلَّا قد فَعَلَ قُلْت أَفَيَجُوزُ أَنْ تَقُولَ أَرَاهُ قد فَعَلَ في سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى قال أَرَاهُ ليس بِيَقِينٍ قُلْت أَفَتُبْطِلُ سَهْمَ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وبن السَّبِيلِ حتى تَتَيَقَّنَ أَنْ قد أَعْطَاهُمُوهُ عُمَرُ بن عبد الْعَزِيزِ قال لَا قُلْت وَلَوْ قال عُمَرُ بن عبد الْعَزِيزِ في سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى لَا أُعْطِيهُمُوهُ وَلَيْسَ لهم كان عَلَيْنَا أَنْ نُعْطِيهُمُوهُ إذَا ثَبَتَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ أَعْطَاهُمُوهُ قال نعم قُلْت وَتُخَالِفُ عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ في حُكْمٍ لو حَكَمَ بِهِ لم يُخَالِفْهُ فيه غَيْرُهُ قال نعم وهو رَجُلٌ من التَّابِعِينَ لَا يَلْزَمُنَا قَوْلُهُ وَإِنَّمَا هو كَأَحَدِنَا قُلْت فَكَيْفَ احْتَجَجْت بِالتَّوَهُّمِ عنه وهو عِنْدَك هَكَذَا قال فَعَرَضْت بَعْضَ ما حَكَيْت مِمَّا كَلَّمْت بِهِ من كَلَّمَنِي في سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى
____________________

(4/152)


على عَدَدٍ من أَهْلِ الْعِلْمِ من أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فَكُلُّهُمْ قال إذَا ثَبَتَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم شيء فَالْفَرْضُ من اللَّهِ عز وجل على خَلْقِهِ اتِّبَاعُهُ وَالْحُجَّةُ الثَّابِتَةُ فيه وَمَنْ عَارَضَهُ بِشَيْءٍ يُخَالِفُهُ عن غَيْرِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَهُوَ مخطيء ( ( ( مخطئ ) ) ) ثُمَّ إذَا كان معه كِتَابُ اللَّهِ عز وجل فَذَلِكَ أَلْزَمُ له وَأَوْلَى أَنْ لَا يَحْتَجَّ أَحَدٌ معه وَسَهْمُ ذِي الْقُرْبَى ثَابِتٌ في الْكِتَابِ وَالسَّنَة - * الْخُمُسُ فِيمَا لم يُوجَفْ عليه - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وما أَخَذَ الْوُلَاةُ من الْمُشْرِكِينَ من حزيتهم ( ( ( جزيتهم ) ) ) وَالصُّلْحُ عن أَرْضِهِمْ وما أُخِذَ من أَمْوَالِهِمْ إذَا اخْتَلَفُوا في بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَمِنْ أَمْوَالِهِمْ إنْ صَالَحُوا بِغَيْرِ إيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَمِنْ أَمْوَالِهِمْ إنْ مَاتَ منهم مَيِّتٌ لَا وَارِثَ له وما أَشْبَهَ هذا مِمَّا أَخَذَهُ الْوُلَاةُ من مَالِ الْمُشْرِكِينَ فَالْخُمُسُ في جَمِيعِهِ ثَابِتٌ فيه وهو على ما قَسَمَهُ اللَّهُ عز وجل لِمَنْ قَسَمَهُ له من أَهْلِ الْخُمُسِ الْمُوجَفِ عليه من الْغَنِيمَةِ وَهَذَا هو الْمُسَمَّى في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال لي قَائِلٌ قد احْتَجَجْت بِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَعْطَى سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى عَامَ خَيْبَرَ ذَوِي الْقُرْبَى وَخَيْبَرَ مِمَّا أَوْجَفَ عليه فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّ الْخُمُسَ لهم مِمَّا لم يُوجَفْ عليه فَقُلْت له وَجَدْت الْمَالَيْنِ أُخِذَا من الْمُشْرِكِينَ وَخَوَّلَهُمَا بَعْضُ أَهْلِ دِينِ اللَّهِ عز وجل وَجَدْت اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى اسْمُهُ حَكَمَ في خُمُسِ الْغَنِيمَةِ بِأَنَّهُ على خَمْسَةٍ لِأَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { لِلَّهِ } مِفْتَاحُ كَلَامِ كل شَيْءٍ وَلَهُ الْأَمْرُ من قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ فَأَنْفَذَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِذَوِي الْقُرْبَى حَقَّهُمْ فَلَا يَشُكُّ أَنَّهُ قد أَنْفَذَ لِلْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وبن السَّبِيلِ حَقَّهُمْ وَأَنَّهُ قد انْتَهَى إلَى كل ما أَمَرَهُ اللَّهُ عز وجل بِهِ فلما وَجَدْت اللَّهَ عز وجل قد قال في سُورَةِ الْحَشْرِ { وما أَفَاءَ اللَّهُ على رَسُولِهِ منهم } الْآيَةَ فَحَكَمَ فيها حُكْمَهُ فِيمَا أُوجِفَ عليه بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ وَدَلَّتْ السُّنَّةُ على أَنَّ ذلك الْحُكْمَ على خُمُسِهَا عَلِمْت أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قد أَمْضَى لمن ( ( ( لكن ) ) ) جَعَلَ اللَّهُ له شيئا مِمَّا جَعَلَ اللَّهُ له وَإِنْ لم نُثْبِتْ فيه خَبَرًا عنه كَخَبَرِ جُبَيْرِ بن مُطْعِمٍ عنه في سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى من الْمُوجَفِ عليه كما عَلِمْت أَنْ قد أَنْفَذَ لِلْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وبن السَّبِيلِ فِيمَا أُوجِفَ عليه مِمَّا جُعِلَ لهم بِشَهَادَةٍ أَقْوَى من خَبَرِ رَجُلٍ عن رَجُلٍ بِأَنَّ اللَّهَ عز وجل قد أَدَّى إلَيْهِ رَسُولُهُ كما أَوْجَبَ عليه أَدَاءَهُ وَالْقِيَامَ بِهِ فقال لي قَائِلٌ فإن اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى جَعَلَ الْخُمُسَ فِيمَا أَوْجَفَ عليه على خَمْسَةٍ وَجَعَلَ الْكُلَّ فِيمَا لَا يُوجَفُ عليه على خَمْسَةٍ فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّهُ إنَّمَا لِلْخَمْسَةِ الْخُمُسُ لَا الْكُلُّ فَقُلْت له ما أَبْعَدَ ما بَيْنَك وَبَيْنَ من يُكَلِّمُنَا في إبْطَالِ سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى أنت تُرِيدُ أَنْ تُثْبِتَ لِذِي الْقُرْبَى خُمُسَ الْجَمِيعِ مِمَّا لم يُوجَفْ عليه بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَغَيْرُك يُرِيدُ أَنْ يُبْطِلَ عَنْهُمْ خُمُسَ الْخُمُسِ قال إنَّمَا قَصَدْت في هذا قَصْدَ الْحَقِّ فَكَيْفَ لم تَقُلْ بِمَا قُلْت بِهِ وَأَنْتَ شَرِيكِي في تِلَاوَةِ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل وَلَك فِيمَا زَادَ لِذِي الْقُرْبَى فَقُلْت له إنَّ حَظِّي فيه لَا يَدْعُونِي أَنْ أَذْهَبَ فيه إلَى ما يَعْلَمُ اللَّهُ عز وجل أَنِّي أَرَى الْحَقَّ في غَيْرِهِ قال فما دَلَّك على أَنَّهُ إنَّمَا هو لِمَنْ له خُمُسُ الْغَنِيمَةِ الْمُوجَفُ عليها خُمُسُ الْفَيْءِ الذي لم يُوجَفْ عليه دُونَ الْكُلِّ قُلْت أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن الزُّهْرِيِّ عن مَالِكِ بن أَوْسِ بن الْحَدَثَانِ عن عُمَرَ قال كانت بَنُو النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عز وجل على رَسُولِهِ مِمَّا لم يُوجَفْ عليه بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم خَالِصًا دُونَ الْمُسْلِمِينَ فقال لَسْت أَنْظُرُ إلَى الْأَحَادِيثِ وَالْقُرْآنُ أَوْلَى بِنَا وَلَوْ نَظَرْت إلَى الحديث كان هذا الْحَدِيثُ يَدُلُّ على أنها لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم خَاصَّةً فَقُلْت له هذا كَلَامٌ عَرَبِيٌّ إنَّمَا يَعْنِي لرسول ( ( ( رسول ) ) ) اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ما كان يَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ الْمُوجِفِينَ وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ قال فَاسْتَدْلَلْت بِخَبَرِ عُمَرَ على أَنَّ الْكُلَّ ليس لِأَهْلِ الْخُمُسِ مِمَّا
____________________

(4/153)


أُوجِفَ عليه قُلْت نعم قال فَالْخَبَرُ أنها لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم خَاصَّةً فما دَلَّ على الْخُمُسِ لِأَهْلِ الْخُمُسِ معه قُلْت لَمَّا احْتَمَلَ قَوْلُ عُمَرَ أَنْ يَكُونَ الْكُلُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَنْ تَكُونَ الْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسِ التي كانت تَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ فِيمَا أُوجِفَ عليه لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم دُونَ الْخُمُسِ فَكَانَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يَقُومُ فيها مَقَامَ الْمُسْلِمِينَ اسْتَدْلَلْنَا بِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل في الْحَشْرِ { فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى } الْآيَةَ على أَنَّ لهم الْخُمُسَ وَأَنَّ الْخُمُسَ إذَا كان لهم وَلَا يُشَكُّ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم سَلَّمَهُ لهم فَاسْتَدْلَلْنَا إذ كان حُكْمُ اللَّهِ عز وجل في الْأَنْفَالِ { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ من شَيْءٍ فأن لِلَّهِ خُمُسَهُ } الْآيَةُ فَاتَّفَقَ الْحُكْمَانِ في سُورَةِ الْحَشْرِ وَسُورَةِ الْأَنْفَالِ لِقَوْمٍ مَوْصُوفِينَ وَإِنَّمَا لهم من ذلك الْخُمُسُ لَا غَيْرُهُ فقال فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لهم مِمَّا لم يُوجَفْ عليه الْكُلُّ قُلْت نعم فَلَهُمْ الْكُلُّ وَنَدَعُ الْخَبَرَ قال لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا تَرْكُ الْخَبَرِ وَالْخَبَرُ يَدُلُّ على مَعْنَى الْخَاصِّ وَالْعَامِّ فقال لي قَائِلٌ غَيْرُهُ فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّ الْخُمُسَ ثَابِتٌ في الْجِزْيَةِ وما أَخَذَهُ الْوُلَاةُ من مُشْرِكٍ بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ فَذَكَرْت له الْآيَةَ في الْحَشْرِ قال فَأُولَئِكَ أُوجِفَ عليهم بِلَا خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ فَأَعْطَوْهُ بِشَيْءٍ أَلْقَاهُ اللَّهُ عز وجل في قُلُوبِهِمْ قُلْت أَرَأَيْت الْجِزْيَةَ التي أَعْطَاهَا من أُوجِفَ عليه بِلَا خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ لَمَّا كان أَصْلُ إعْطَائِهَا منهم لِلْخَوْفِ من الْغَلَبَةِ وقد سَيَّرَ إلَيْهِمْ بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ فَأَعْطَوْا فيها أَهِيَ أَقْرَبُ من الْإِيجَافِ أَمْ من أَعْطَى بِأَمْرٍ لم يُسَيَّرْ إلَيْهِ بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ قال نعم قُلْت فإذا كان حُكْمُ اللَّهِ فِيمَا لم يُوجَفْ عليه بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ حتى يَكُونَ مَأْخُوذًا مِثْلَ صُلْحٍ لَا مِثْلَ ما أُوجِفَ عليه بِغَيْرِ صُلْحٍ أَنْ يَكُونَ لِمَنْ سَمَّى كَيْفَ لم تَكُنْ الْجِزْيَةُ وما أَخَذَهُ الْوُلَاةُ من مُشْرِكٍ بِهَذِهِ الْحَالِ قال فَهَلْ من دَلَالَةٍ غَيْرُ هذا قُلْت في هذا كِفَايَةٌ وفي أَنَّ أَصْلَ ما قَسَمَ اللَّهُ من الْمَالِ ثَلَاثَةُ وُجُوهٍ الصَّدَقَاتُ وَهِيَ ما أُخِذَ من مُسْلِمٍ فَتِلْكَ لِأَهْلِ الصَّدَقَاتِ لَا لِأَهْلِ الْفَيْءِ وما غُنِمَ بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ فَتِلْكَ على ما قَسَمَ اللَّهُ عز وجل وَالْفَيْءُ الذي لَا يُوجَفُ عليه بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ فَهَلْ تَعْلَمُ رَابِعًا قال لَا قُلْت فَبِهَذَا قُلْنَا الْخُمُسُ ثَابِتٌ لِأَهْلِهِ في كل ما أُخِذَ من مُشْرِكٍ لِأَنَّهُ لَا يَعْدُو ما أُخِذَ منه أَبَدًا أَنْ يَكُونَ غَنِيمَةً أو فَيْئًا وَالْفَيْءُ ما رَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى على أَهْلِ دِينِهِ - * كَيْفَ يُفَرَّقُ ما أُخِذَ من الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ الْفَيْءِ غَيْرِ الْمُوجَفِ عليه - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُحْصِيَ جَمِيعَ ما في الْبُلْدَانِ من الْمُقَاتِلَةِ وَهُمْ من قد احْتَلَمَ أو قد اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشْرَةَ من الرِّجَالِ ويحصى الذُّرِّيَّةَ وَهُمْ من دُونَ الْمُحْتَلِمِ وَدُونِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَالنِّسَاءَ صَغِيرَهُنَّ وَكَبِيرَهُنَّ وَيَعْرِفَ قَدْرَ نَفَقَاتِهِمْ وما يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ في مُؤْنَاتِهِمْ بِقَدْرِ مَعَاشِ مِثْلِهِمْ في بُلْدَانِهِمْ ثُمَّ يعطى الْمُقَاتِلَةَ في كل عَامٍّ عَطَاءَهُمْ وَالذُّرِّيَّةُ ما يَكْفِيهِمْ لِسَنَتِهِمْ من كِسْوَتِهِمْ وَنَفَقَتِهِمْ طَعَامًا أو قِيمَتِهِ دَرَاهِمَ أو دَنَانِيرَ وَيُعْطِي الْمَنْفُوسَ شيئا ثُمَّ يُزَادُ كُلَّمَا كَبُرَ على قَدْرِ مُؤْنَتِهِ وَهَذَا يَسْتَوِي في أَنَّهُمْ يُعْطُونَ الْكِفَايَةَ وَيُخْتَلَفُ في مَبْلَغِ الْعَطَايَا بِاخْتِلَافِ أَسْعَارِ الْبُلْدَانِ وَحَالَاتِ الناس فيها فإن الْمُؤْنَةَ في بَعْضِ الْبُلْدَانِ أَثْقَلُ منها في بَعْضٍ ولم أَعْلَمْ أَصْحَابَنَا اخْتَلَفُوا في أَنَّ الْعَطَاءَ لِلْمُقَاتِلَةِ حَيْثُ كانت إنَّمَا يَكُونُ من الْفَيْءِ وَقَالُوا في إعْطَاءِ الرَّجُلِ نَفْسَهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَ لِنَفْسِهِ أَكْثَرَ من كِفَايَتِهِ وَذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ بَلَغَ بِالْعَطَاءِ خَمْسَةَ آلَافٍ وَهِيَ أَكْثَرُ من كِفَايَةِ الرَّجُلِ نَفْسَهُ وَمِنْهُمْ من قال خَمْسَةُ آلَافٍ بِالْمَدِينَةِ لِرَجُلٍ يغزي إذَا غَزَا لَيْسَتْ بِأَكْثَرَ من الْكِفَايَةِ إذَا غَزَا عليها لِبُعْدِ الْمَغْزَى وقال هِيَ كَالْكِفَايَةِ على أَنَّهُ يغزي وَإِنْ لم يَغْزُ في كل سَنَةٍ وَقَالُوا وَيُفْرَضُ لِمَنْ هو أَقْرَبُ لِلْجِهَادِ أو أَرْخَصُ سِعْرِ بَلَدٍ أَقَلَّ ولم يَخْتَلِفْ أَحَدٌ لَقِيته في أَنْ ليس لِلْمَمَالِيكِ في الْعَطَاءِ وَلَا للأعراب ( ( ( للأغراب ) ) ) الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الصَّدَقَةِ وَاخْتَلَفُوا في التَّفْضِيلِ على السَّابِقَةِ وَالنَّسَبِ فَمِنْهُمْ من قال أُسَاوِي بين
____________________

(4/154)


الناس وَلَا أُفَضِّلُ على نَسَبٍ وَلَا سَابِقَةٍ وإن أَبَا بَكْرٍ حين قال له عُمَرُ أَتَجْعَلُ الَّذِينَ جَاهَدُوا في اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَهَجَرُوا دِيَارَهُمْ له كَمَنْ إنَّمَا دخل في الْإِسْلَامِ كُرْهًا فقال أبو بَكْرٍ إنَّمَا عَمِلُوا لِلَّهِ وَإِنَّمَا أُجُورُهُمْ على اللَّهِ عز وجل وَإِنَّمَا الدُّنْيَا بَلَاغٌ وَخَيْرُ الْبَلَاغِ أو سعه وَسَوَّى عَلِيُّ بن أبي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَهُ بين الناس فلم يُفَضِّلْ أَحَدًا عَلِمْنَاهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى وَهَذَا الذي أَخْتَارُ وَأَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ وَذَلِكَ أَنِّي رَأَيْت قَسْمَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى اسْمُهُ في الْمَوَارِيثِ على الْعَدَدِ وقد تَكُونُ الْإِخْوَةُ مُتَفَاضِلِي الْغَنَاءَ على الْمَيِّتِ وَالصِّلَةِ في الْحَيَاةِ وَالْحِفْظِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا يَفْضُلُونَ وَقِسْمُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِمَنْ حَضَرَ الْوَقْعَةَ من الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ على الْعَدَدِ وَمِنْهُمْ من يغني غَايَةَ الْغِنَاءِ وَيَكُونُ الْفُتُوحُ علي يَدَيْهِ وَمِنْهُمْ من يَكُونُ مَحْضَرُهُ إمَّا غَيْرُ نَافِعٍ وَإِمَّا ضَرَرٌ بِالْجُبْنِ وَالْهَزِيمَةِ فلما وَجَدْت السُّنَّةَ تَدُلُّ على أَنَّهُ إنَّمَا أَعْطَاهُمْ بِالْحُضُورِ وَسَوَّى بين الْفُرْسَانِ أَهْلِ الْغَنَاءِ وَغَيْرِهِمْ وَالرَّجَّالَةِ وَهُمْ يَتَفَاضَلُونَ كما وَصَفْت كانت التَّسْوِيَةُ أَوْلَى عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ من التَّفْضِيلِ على نَسَبٍ وَسَابِقَةٍ وَلَوْ وَجَدْت الدَّلَالَةَ على التَّفْضِيلِ أَرْجَحَ بِكِتَابٍ أو سُنَّةٍ كُنْت إلَى التَّفْضِيلِ بِالدَّلَالَةِ من الْهَوَاءِ في التَّفْضِيلِ أَسْرَعَ وَلَكِنِّي أَقُولُ يُعْطُونَ على ما وَصَفْت وإذا قَرُبَ الْقَوْمُ من الْجِهَادِ وَرَخُصَتْ أَسْعَارُهُمْ أُعْطُوا أَقَلَّ ما يعطي من بَعُدَتْ دَارُهُ وَغَلَا سِعْرُهُ وَهَذَا وَإِنْ تَفَاضَلَ عَدَدُ الْعَطِيَّةِ من التَّسْوِيَةِ على مَعْنَى ما يَلْزَمُ كُلُّ وَاحِدٍ من الْفَرِيقَيْنِ في الْجِهَادِ إذَا أَرَادَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعَلَيْهِمْ أَنْ يَغْزُوا إذَا أَغَزَوْا وَيَرَى الْإِمَامُ في إغْزَائِهِمْ رَأْيَهُ فإذا أَغْزَى الْبَعِيدَ أَغْزَاهُ إلَى أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ من مُجَاهِدِهِ فَإِنْ اسْتَغْنَى مُجَاهِدُهُ بِعَدَدٍ وَكَثُرَ من قُرْبِهِمْ أَغْزَاهُمْ إلَى أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ من مُجَاهِدِهِمْ وَلِهَذَا كِتَابٌ غَيْرُ هذا - * إعْطَاءُ النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا في إعْطَاءِ من دُونَ الْبَالِغِينَ من الذُّرِّيَّةِ وَإِعْطَاءِ نِسَاءِ أَهْلِ الْفَيْءِ فَمِنْهُمْ من قال يُعْطُونَ معا من الْفَيْءِ وَأَحْسِبُ من حُجَّتِهِمْ أَنْ يَقُولُوا إنَّا إذَا مَنَعْنَاهُمْ الْفَيْءَ وَمُؤْنَتُهُمْ تَلْزَمُ رِجَالَهُمْ كنا لم نُعْطِهِمْ ما يَكْفِيهِمْ وَإِنْ أَعْطَيْنَا رِجَالَهُمْ الْكِفَايَةَ لِأَنْفُسِهِمْ فَعَلَيْهِمْ مُؤْنَةُ عِيَالِهِمْ وَلَيْسَ في إعْطَائِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ كِفَايَةُ ما يَلْزَمُهُمْ فَدَخَلَ عَلَيْنَا أَنْ لم نُعْطِهِمْ كمال الْكِفَايَةِ من الْفَيْءِ وَمِنْهُمْ من قال إذَا كان أَصْلُ الْمَالِ غَنِيمَةً وَفَيْئًا وَصَدَقَةً فَالْفَيْءُ لِمَنْ قَاتَلَ عليه أو من سَوَّى مَعَهُمْ في الْخُمُسِ وَالصَّدَقَةُ لِمَنْ لَا يُقَاتِلُ من ذُرِّيَّةٍ وَنِسَاءٍ وَلَيْسُوا بِأَوْلَى بِذَلِكَ من ذُرِّيَّةِ الأعراب ( ( ( الأغراب ) ) ) وَنِسَائِهِمْ وَرِجَالِهِمْ الَّذِينَ لَا يُعْطُونَ من الْفَيْءِ إذْ لَا يُقَاتِلُونَ عليه * أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن الزُّهْرِيِّ عن مَالِكِ بن أَوْسِ بن الْحَدَثَانِ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ قال ما أَحَدٌ إلَّا وَلَهُ في هذا الْمَالِ حَقٌّ أُعْطِيَهُ أو مُنِعَهُ إلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ * أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدِ بن الْمُنْكَدِرِ عن مَالِكِ بن أَوْسٍ عن عُمَرَ نَحْوَهُ وقال لَئِنْ عِشْت لَيَأْتِيَنَّ الرَّاعِيَ بسر ( ( ( بسرا ) ) ) وَحَمِيرَ حَقُّهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا الْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ مَعَانِيَ منها أَنْ يَقُولَ ليس أَحَدٌ يعطى بِمَعْنَى حَاجَةٍ من أَهْلِ الصَّدَقَةِ أو بِمَعْنَى أَنَّهُ من أَهْلِ الْفَيْءِ الَّذِينَ يَغْزُونَ إلا وَلَهُ حَقٌّ في مَالِ الْفَيْءِ أو الصَّدَقَةِ وَهَذَا كَأَنَّهُ أَوْلَى مَعَانِيهِ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على هذا قِيلَ قد قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في الصَّدَقَةِ ( لَا حَظَّ فيها لِغَنِيٍّ وَلَا لِذِي مِرَّةٍ مُكْتَسِبٍ ) وقال لِرَجُلَيْنِ سَأَلَاهُ ( إنْ شِئْتُمَا إنْ قُلْتُمَا نَحْنُ مُحْتَاجُونَ أَعْطَيْتُكُمَا إذَا كُنْت لَا أَعْرِفُ عِيَالَكُمَا وَلَا حَظَّ فيها لِغَنِيٍّ ) وَاَلَّذِي أَحْفَظُهُ عن أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْأَعْرَابَ لَا يُعْطُونَ من الْفَيْءِ وَلَوْ قُلْنَا مَعْنَى قَوْلِهِ ( إلَّا وَلَهُ في هذا الْمَالِ ) يَعْنِي الْفَيْءَ حَقٌّ كنا خَالَفْنَا ما لَا نَعْلَمُ الناس اخْتَلَفُوا فيه أَنَّهُ ليس لِمَنْ أعطى من الصَّدَقَةِ ما يَكْفِيهِ وَلَا لِمَنْ كان غَنِيًّا من أَهْلِ الصَّدَقَاتِ الَّذِينَ يُؤْخَذُ منهم في الْفَيْءِ نَصِيبٌ وَلَوْ قُلْنَا يَعْنِي عُمَرَ إلَّا له في هذا الْمَالِ حَقُّ مَالِ الصَّدَقَاتِ كنا قد خَالَفْنَا ما روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( لَا حَظَّ فيها لِغَنِيٍّ
____________________

(4/155)


وما لَا نَعْلَمُ الناس اخْتَلَفُوا فيه أَنَّهُ ليس لِأَهْلِ الْفَيْءِ من الصَّدَقَةِ نَصِيبٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَهْلُ الْفَيْءِ كَانُوا في زَمَانِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِمَعْزِلٍ عن الصَّدَقَةِ وَأَهْلُ الصَّدَقَةِ بِمَعْزِلٍ عن الْفَيْءِ قال وَالْعَطَاءُ الْوَاجِبُ من الْفَيْءِ لَا يَكُونُ إلَّا لِبَالِغٍ يُطِيقُ مِثْلُهُ الْقِتَالَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عُمَرَ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ قال عُرِضْتُ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عَامَ أُحُدٍ وأنا بن أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَرَدَّنِي ثُمَّ عُرِضْت عليه عَامَ الْخَنْدَقِ وأنا بن خَمْسَ عَشْرَةَ فَأَجَازَنِي قال نَافِعٌ فَحَدَّثْت بهذا الحديث عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ فقال هذا الْفَرْقُ بين الْمُقَاتِلَةِ وَالذُّرِّيَّةِ وَكَتَبَ في أَنْ يُفْرَضَ لِابْنِ خَمْسَ عَشْرَةَ في الْمُقَاتِلَةِ وَمَنْ لم يَبْلُغْهَا في الذُّرِّيَّةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنْ كان الْمُسْتَكْمِلُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً أَعْمَى لَا يَقْدِرُ على الْقِتَالِ أَبَدًا أو مَنْقُوصَ الْخَلْقِ لَا يَقْدِرُ على الْقِتَالِ أَبَدًا لم يُفْرَضْ له فَرْضُ الْمُقَاتِلَةِ وأعطى بِمَعْنَى الْكِفَايَةِ في الْمُقَامِ وَالْكِفَايَةُ في الْمُقَامِ شَبِيهٌ بِعَطَاءِ الذُّرِّيَّةِ لِأَنَّ الْكِفَايَةَ في الْقِتَالِ لِلسَّفَرِ وَالْمُؤْنَةِ أَكْثَرُ وَكَذَلِكَ لو كان سَالِمًا في الْمُقَاتِلَةِ ثُمَّ عَمِيَ أو أَصَابَهُ ما يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُجَاهِدُ معه أَبَدًا صُيِّرَ إلَى أَنْ يُعْطِيَ الْكِفَايَةَ في الْمُقَامِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ مَرِضَ مَرَضًا طَوِيلًا قد يُرْجَى بُرْؤُهُ منه أَعْطَاهُ عَطَاءَ الْمُقَاتِلَةِ وَيَخْرُجُ الْعَطَاءُ في كل عَامٍ لِلْمُقَاتِلَةِ في وَقْتٍ من الْأَوْقَاتِ وَأَحَبُّ إلَيَّ لو أَعْطَيْت الذُّرِّيَّةَ على ذلك الْوَقْتِ وإذا صَارَ مَالُ الْفَيْءِ إلَى الْوَالِي ثُمَّ مَاتَ مَيِّتٌ قبل أَنْ يَأْخُذَ عَطَاءَهُ أَعْطَى وَرَثَتَهُ عَطَاءَهُ وَإِنْ مَاتَ قبل أَنْ يَصِيرَ الْمَالُ الذي فيه عَطَاؤُهُ لِذَلِكَ الْعَامِ إلَى الْوَالِي لم تُعْطَ وَرَثَتُهُ عَطَاءَهُ وَإِنْ فَضَلَ من الْمَالِ فَضْلٌ بعد ما وَصَفْت من إعْطَاءِ الْعَطَاءِ وَضَعَهُ الْإِمَامُ في إصْلَاحِ الْحُصُونِ والإزدياد في السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ وَكُلِّ ما قَوَّى بِهِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ اسْتَغْنَى بِهِ الْمُسْلِمُونَ وَكَمُلَتْ كُلُّ مَصْلَحَةٍ لهم فَرْقُ ما بَقِيَ منه بَيْنَهُمْ كُلُّهُ على قَدْرِ ما يَسْتَحِقُّونَ في ذلك الْمَالِ وَإِنْ ضَاقَ الْفَيْءُ عن مَبْلَغِ الْعَطَاءِ فَرَّقَ بَيْنَهُمْ بَالِغًا ما بَلَغَ لم يَحْبِسْ عَنْهُمْ منه شيئا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيُعْطَى من الْفَيْءِ رِزْقُ الْحُكَّامِ وَوُلَاةِ الْأَحْدَاثِ وَالصِّلَاتِ بِأَهْلِ الْفَيْءِ وَكُلِّ من قام بِأَمْرِ أَهْلِ الْفَيْءِ من وَالٍ وَكَاتِبٍ وَجُنْدِيٍّ مِمَّنْ لَا غِنَى لِأَهْلِ الْفَيْءِ عنه رِزْقَ مِثْلِهِ فَإِنْ وَجَدَ من يغني غَنَاءَهُ وَيَكُونُ أَمِينًا كهو ( ( ( كما ) ) ) يَلِي له بِأَقَلَّ مِمَّا ولى لم ( ( ( ولم ) ) ) يَزِدْ أَحَدًا على أَقَلِّ ما يُحْدِثُهُ أَهْلُ الْغَنَاءِ وَذَلِكَ أَنَّ مَنْزِلَةَ الْوَالِي من رَعِيَّتِهِ بِمَنْزِلَةِ وَالِي مَالِ الْيَتِيمِ من مَالِهِ لَا يعطي منه على الْغَنَاءِ على الْيَتِيمِ إلَّا أَقَلَّ ما يَقْدِرُ عليه قال وَإِنْ ولى أَحَدٌ على أَهْلِ الصَّدَقَاتِ كان رِزْقُهُ مِمَّا يُؤْخَذُ منها لِأَنَّ له فيها حَقًّا وَلَا يُعْطَى من الْفَيْءِ عليها كما لَا يُعْطَى من الصَّدَقَاتِ على الْفَيْءِ وَلَا يُرْزَقُ من الْفَيْءِ على وِلَايَةِ شَيْءٍ إلَّا ما لَا صَلَاحَ فَلَا يَدْخُلُ الْأَكْثَرُ فِيمَنْ يَرْزُقُهُ على الْفَيْءِ وهو يُغْنِيهِ الْأَقَلُّ وَإِنْ ضَاقَ الْفَيْءُ عن أَهْلِهِ آسَى بَيْنَهُمْ فيه - * الْخِلَافُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ في قَسْمِ الْفَيْءِ فَذَهَبُوا بِهِ مَذَاهِبَ لَا أَحْفَظُ عَنْهُمْ تَفْسِيرَهَا وَلَا أَحْفَظُ أَيُّهُمْ قال ما أَحْكِي من الْقَوْلِ دُونَ من خَالَفَهُ وَسَأَحْكِي ما حَضَرَنِي من مَعَانِي كل من قال في الْفَيْءِ شيئا فَمِنْهُمْ من قال هذا الْمَالُ لِلَّهِ دَلَّ على من يُعْطَاهُ فإذا اجْتَهَدَ الْوَالِي فَأَعْطَاهُ فَفَرَّقَهُ في جَمِيعِ من سَمَّى له على قَدْرِ ما يَرَى من اسْتِحْقَاقِهِمْ بِالْحَاجَةِ إلَيْهِ وَإِنْ فَضَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ في الْعَطَاءِ فَذَلِكَ تَسْوِيَةٌ إذَا كان ما يعطى كُلَّ وَاحِدٍ منهم لِسَدِّ خُلَّتِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ صِنْفًا منهم وَيَحْرِمَ صِنْفًا وَمِنْهُمْ من قال إذَا اجْتَمَعَ الْمَالُ وَنَظَرَ في مَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ فَرَأَى أَنْ يَصْرِفَ الْمَالَ إلَى بَعْضِ الْأَصْنَافِ دُونَ بَعْضٍ فَكَانَ الصِّنْفُ الذي يَصْرِفُهُ إلَيْهِ لَا يَسْتَغْنِي عن شَيْءٍ مِمَّا يَصْرِفُ إلَيْهِ كان أَرْفَقَ بِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ صَرَفَهُ وَإِنْ حَرَمَ غَيْرَهُ وَيُشْبِهُ قَوْلَ الذي يقول هذا إنْ طَلَبَ الْمَالَ صِنْفَانِ فَكَانَ إذَا حَرَمَهُ أَحَدَ الصِّنْفَيْنِ تَمَاسَكَ ولم يُدْخِلْ عليه خَلَّةً مُضِرَّةً وَإِنْ آسَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصِّنْفِ الْآخَرِ كانت على الصِّنْفِ الْآخَرِ مَضَرَّةٌ
____________________

(4/156)


أَعْطَاهُ الذي فِيهِمْ الْخَلَّةُ الْمُضِرَّةُ كُلَّهُ إذَا لم يَسُدَّ خَلَّتَهُمْ غَيْرُهُ وَإِنْ مَنَعَهُ الْمُتَمَاسِكِينَ كُلَّهُ ثُمَّ قال بَعْضُ من قَالَهُ إذَا صَرَفَ مَالَ الْفَيْءِ إلَى نَاحِيَةٍ فَسَدَّهَا وَحَرَمَ الْأُخْرَى ثُمَّ جاء مَالٌ آخَرُ أَعْطَاهَا دُونَ النَّاحِيَةِ التي سَدّهَا فَكَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا جَعَلَ أَهْلَ الْخَلَّةِ وَأَخَّرَ غَيْرَهُمْ حتى أَفَاءَهُمْ بَعْدُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا منهم قال يعطى من يعطى من الصَّدَقَاتِ وَلَا يُجَاهِدُ من الْفَيْءِ شيئا وقال بَعْضُ من أَحْفَظُ عنه فَإِنْ أَصَابَتْ أَهْلَ الصَّدَقَاتِ سَنَةٌ تُهْلِكُ أَمْوَالَهُمْ أَنْفَقَ عليهم من الْفَيْءِ فإذا اسْتَغْنَوْا مُنِعُوا من الْفَيْءِ وَمِنْهُمْ من قال في مَالِ الصَّدَقَاتِ هذا الْقَوْلَ يَزِيدُ بَعْضُ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ على بَعْضٍ وَاَلَّذِي أَقُولُ بِهِ وَأَحْفَظُهُ عَمَّنْ أَرْضَى ممن ( ( ( عمن ) ) ) سَمِعْت منه مِمَّنْ لَقِيت أَنْ لَا يُؤَخِّرَ الْمَالَ إذَا اجْتَمَعَ وَلَكِنْ يُقْسَمُ فإذا كانت نَازِلَةً من عَدُوٍّ وَجَبَ على الْمُسْلِمِينَ الْقِيَامُ بها وَإِنْ غَشِيَهُمْ عَدُوٌّ في دَارِهِمْ وَجَبَ النغير ( ( ( النفير ) ) ) على جَمِيعِ من غَشِيَهُ من الرِّجَالِ أَهْلِ الْفَيْءِ وَغَيْرِهِمْ أخبرنا من أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ على عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه بِمَا أُصِيبَ بِالْعِرَاقِ قال له صَاحِبُ بَيْتِ الْمَالِ أَلَا أُدْخِلُهُ بَيْتَ الْمَالِ قال لَا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ لَا يؤوي ( ( ( يؤدى ) ) ) تَحْتَ سَقْفِ بَيْتٍ حتى أَقْسِمَهُ فَأَمَرَ بِهِ فَوُضِعَ في الْمَسْجِدِ وَوُضِعَتْ عليه الْأَنْطَاعُ وَحَرَسَهُ رِجَالُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فلما أَصْبَحَ غَدَا مع الْعَبَّاسِ بن عبد الْمُطَّلِبِ وَعَبْدِ الرحمن بن عَوْفٍ أَخَذَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا أو أَحَدُهُمَا أَخَذَ بيده فلما رَأَوْهُ كَشَطُوا الْأَنْطَاعَ عن الْأَمْوَالِ فَرَأَى مَنْظَرًا لم يَرَ مثله رَأَى الذَّهَبَ فيه وَالْيَاقُوتَ وَالزَّبَرْجَدَ وَاللُّؤْلُؤَ يَتَلَأْلَأُ فَبَكَى عُمَرُ بن الْخَطَّابِ فقال له أَحَدُهُمَا وَاَللَّهِ ما هو بِيَوْمِ بُكَاءٍ وَلَكِنَّهُ يَوْمُ شُكْرٍ وَسُرُورٍ فقال إنِّي وَاَللَّهِ ما ذَهَبْت حَيْثُ ذَهَبْت وَلَكِنَّهُ وَاَللَّهِ ما كَثُرَ هذا في قَوْمٍ قَطُّ إلَّا وَقَعَ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ ثُمَّ أَقْبَلَ على الْقِبْلَةِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ وقال ( اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك أَنْ أَكُونَ مُسْتَدْرَجًا ) فَإِنِّي أَسْمَعُك تَقُولُ { سَنَسْتَدْرِجُهُمْ من حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ } الْآيَةَ ثُمَّ قال أَيْنَ سُرَاقَةُ بن جَعْشَمٍ فَأُتِيَ بِهِ أَشْعَرَ الذِّرَاعَيْنِ دَقِيقَهُمَا فَأَعْطَاهُ سِوَارَيْ كِسْرَى فقال ألبسهما فَفَعَلَ فقال اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ قال الْحَمْدُ لِلَّهِ الذي سَلَبَهُمَا كِسْرَى بن هُرْمُزَ وَأَلْبَسَهُمَا سُرَاقَةَ بن جَعْشَمٍ أَعْرَابِيًّا من بَنِي مُدْلِجٍ وَجَعَلَ يُقَلِّبُ بَعْضَ ذلك بعصا ( ( ( بعضا ) ) ) ثُمَّ قال إنَّ الذي أَدَّى هذا لَأَمِينٌ فقال له رَجُلٌ أنا أُخْبِرُك أنت أَمِينُ اللَّهِ وَهُمْ يُؤَدُّونَ إلَيْك ما أَدَّيْت إلَى اللَّهِ عز وجل فإذا رَتَعْتَ رَتَعُوا قال صَدَقْتَ ثُمَّ فَرَّقَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّمَا أَلْبَسَهُمَا سُرَاقَةَ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لِسُرَاقَةَ وَنَظَرَ إلَى ذِرَاعَيْهِ ( كَأَنِّي بِك وقد لَبِسْت سِوَارَيْ كِسْرَى ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ولم يَجْعَلْ له إلَّا سِوَارَيْنِ * أخبرنا الثِّقَةُ من أَهْلِ الْمَدِينَةِ قال أَنْفَقَ عُمَرُ على أَهْلِ الرَّمَادَةِ حتى وَقَعَ مَطَرٌ فَتُرَحَّلُوا فَخَرَجَ إلَيْهِمْ عُمَرُ رَاكِبًا فَرَسًا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَهُمْ يَتَرَحَّلُونَ بِظَعَائِنِهِمْ فَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ فقال له رَجُلٌ من بَنِي مُحَارِبَ بن خَصْفَةَ أَشْهَدُ أنها انْحَسَرَتْ عَنْك وَلَسْت بِابْنِ أَمَةٍ فقال له وَيْلَك ذَاكَ لو كُنْت أَنْفَقْت عليهم من مَالِي وَمَالِ الْخَطَّابِ إنَّمَا أَنْفَقْت عليهم من مَالِ اللَّهِ عز وجل - * ما لم يُوجَفْ عليه من الْأَرْضِينَ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَكُلُّ ما صَالَحَ عليه الْمُشْرِكُونَ بِغَيْرِ قِتَالٍ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ فَسَبِيلُهُ سَبِيلُ الْفَيْءِ يُقْسَمُ على قَسْمِ الْفَيْءِ فَإِنْ كَانُوا ما صَالَحُوا عليه أَرْضٌ وَدُورٌ فَالدُّورُ وَالْأَرْضُونَ وَقْفٌ لِلْمُسْلِمِينَ تُسْتَغَلُّ وَيَقْسِمُ الْإِمَامُ غَلَّهَا في كل عَامٍ ثُمَّ كَذَلِكَ أَبَدًا وَأَحْسِبُ ما تَرَكَ عُمَرُ من بِلَادِ أَهْلِ الشِّرْكِ هَكَذَا أو شيئا اسْتَطَابَ أَنْفُسَ من ظَهَرُوا عليه بِخَيْلٍ وَرِكَابٍ فَتَرَكُوهُ كما اسْتَطَابَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْفُسَ أَهْلِ سَبْيِ هَوَازِنَ فَتَرَكُوا حُقُوقَهُمْ وَحَدِيثُ جَرِيرِ بن عبد اللَّهِ عن عُمَرَ أَنَّهُ عَوَّضَهُ من حَقِّهِ وَعَوَّضَ امْرَأَةً من حَقِّهَا بِمِيرَاثِهَا من أَبِيهَا كَالدَّلِيلِ على ما قُلْت وَيُشْبِهُ
____________________

(4/157)


قَوْلَ جَرِيرِ بن عبد اللَّهِ عن عُمَرَ لَوْلَا أَنِّي قَاسِمٌ مسؤول ( ( ( مسئول ) ) ) لَتَرَكْتُكُمْ على ما قُسِمَ لَكُمْ أَنْ يَكُونَ قُسِمَ لهم بِلَادُ صُلْحٍ مع بِلَادِ إيجَافٍ فَرَدَّ قَسْمَ الصُّلْحِ وَعَوَّضَ من بِلَادِ الْإِيجَافِ بِخَيْلٍ وَرِكَابٍ - * بَابُ تَقْوِيمِ الناس في الدِّيوَانِ على مَنَازِلِهِمْ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل { إنَّا خَلَقْنَاكُمْ من ذَكَرٍ وَأُنْثَى } الْآيَةَ وروى عن الزُّهْرِيِّ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عَرَّفَ عَامَ حُنَيْنٍ على كل عَشْرَةٍ عَرِيفًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَجَعَلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِلْمُهَاجِرِينَ شِعَارًا وَلِلْأَوْسِ شِعَارًا وَلِلْخَزْرَجِ شِعَارًا وَعَقَدَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْأَلْوِيَةَ عَامَ الْفَتْحِ فَعَقَدَ لِلْقَبَائِلِ قَبِيلَةً قَبِيلَةً حتى جَعَلَ في الْقَبِيلَةِ أَلْوِيَةً كُلُّ لِوَاءٍ لِأَهْلِهِ وَكُلُّ هذا لِيَتَعَارَفَ الناس في الْحَرْبِ وَغَيْرِهَا وَتَخِفُّ الْمُؤْنَةُ عليهم بِاجْتِمَاعِهِمْ وَعَلَى الْوَالِي كَذَلِكَ لِأَنَّ في تَفْرِيقِهِمْ إذَا أُرِيدَ وَالْأَمْرُ مُؤْنَةٌ عليهم وَعَلَى وَالِيهِمْ وَهَكَذَا أَحَبُّ لِلْوَالِي أَنْ يَضَعَ دِيوَانَهُ على الْقَبَائِلِ وَيَسْتَظْهِرَ على من غَابَ عنه وَمَنْ جَهِلَ مِمَّنْ يَحْضُرُهُ من أَهْلِ الْفَضْلِ من قَبَائِلِهِمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَخْبَرَنَا غَيْرُ وَاحِدٍ من أَهْلِ الْعِلْمِ من قَبَائِلِ قُرَيْشٍ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ لَمَّا كَثُرَ الْمَالُ في زَمَانِهِ أَجْمَعَ على تَدْوِينِ الدِّيوَانِ فَاسْتَشَارَ فقال بِمَنْ تَرَوْنَ أَبْدَأُ فقال له رَجُلٌ ابْدَأْ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ بِك قال ذَكَّرْتُمُونِي بَلْ أَبْدَأُ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَبَدَأَ بِبَنِي هَاشِمٍ * أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن أبي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بن عَلِيٍّ أَنَّ عُمَرَ لَمَّا دَوَّنَ الدَّوَاوِينَ قال بِمَنْ تَرَوْنَ أَبْدَأُ قِيلَ له ابْدَأْ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم * أخبرنا غَيْرُ وَاحِدٍ من أَهْلِ الْعِلْمِ وَالصِّدْقِ من أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ من قَبَائِلِ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ وكان بَعْضُهُمْ أَحْسَنَ اقْتِصَاصًا لِلْحَدِيثِ من بَعْضٍ وقد زَادَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ في الحديث أَنَّ عُمَرَ لَمَّا دَوَّنَ الدِّيوَانَ قال أَبْدَأُ بِبَنِي هَاشِمٍ ثُمَّ قال حَضَرْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يُعْطِيهِمْ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ فإذا كانت السِّنُّ في الْهَاشِمِيِّ قَدَّمَهُ على الْمُطَّلِبِيِّ وإذا كانت في الْمُطَّلِبِيِّ قَدَّمَهُ على الْهَاشِمِيِّ فَوَضَعَ الدِّيوَانَ على ذلك وَأَعْطَاهُمْ عَطَاءَ الْقَبِيلَةِ الْوَاحِدَةِ ثُمَّ اسْتَوَتْ له بَنُو عبد شَمْسٍ وَنَوْفَلٍ في جَذْمِ النَّسَبِ فقال عبد شَمْسٍ إخْوَةُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ دُونَ نَوْفَلٍ فَقَدَّمَهُمْ ثُمَّ دَعَا بَنِي نَوْفَلٍ يَتْلُونَهُمْ ثُمَّ اسْتَوَتْ له عبد الْعُزَّى وَعَبْدُ الدَّارِ فقال في بَنِي أَسَدِ بن عبد الْعُزَّى أَصْهَارُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَفِيهِمْ أَنَّهُمْ من الْمُطَيِّبِينَ وقال بَعْضُهُمْ وَهُمْ من حِلْفِ الْفُضُولِ وَفِيهِمْ كان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وقد قِيلَ ذَكَرَ سَابِقَةً فَقَدَّمَهُمْ على بَنِي عبد الدَّارِ ثُمَّ دَعَا بَنِي عبد الدَّارِ يَتْلُونَهُمْ ثُمَّ انْفَرَدَتْ له زَهْرَةُ فَدَعَاهَا تَتْلُو عَبْدَ الدَّارِ ثُمَّ اسْتَوَتْ له بَنُو تَيْمٍ وَمَخْزُومٌ فقال في بَنِي تَيْمٍ إنَّهُمْ من حِلْفِ الْفُضُولِ وَالْمُطَيَّبِينَ وَفِيهِمَا كان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَقِيلَ ذَكَرَ سَابِقَةً وَقِيلَ ذَكَرَ صِهْرًا فَقَدَّمَهُمْ على مَخْزُومٍ ثُمَّ دَعَا مَخْزُومًا يَتْلُونَهُمْ ثُمَّ اسْتَوَتْ له سَهْمٌ وَجَمَحَ وَعَدِيُّ بن كَعْبٍ فَقِيلَ له ابْدَأْ بِعَدِيٍّ فقال بَلْ أُقِرُّ نَفْسِي حَيْثُ كُنْت فإن الْإِسْلَامَ دخل وَأَمْرُنَا وَأَمْرُ بَنِي سَهْمٍ وَاحِدٌ وَلَكِنْ اُنْظُرُوا بَنِي سَهْمٍ وَجَمَحَ فَقِيلَ قَدِّمْ بَنِي جُمَحَ ثُمَّ دَعَا بَنِي سَهْمٍ فقال وكان دِيوَانُ عَدِيٍّ وَسَهْمٍ مُخْتَلِطًا كَالدَّعْوَةِ الْوَاحِدَةِ فلما خَلَصَتْ إلَيْهِ دَعْوَتُهُ كَبَّرَ تَكْبِيرَةً عَالِيَةً ثُمَّ قال الْحَمْدُ لِلَّهِ الذي أَوْصَلَ إلى حَظِّي من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ دَعَا بَنِي عَامِرِ بن لُؤَيٍّ فقال بَعْضُهُمْ إنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ بن الْجَرَّاحِ الْفِهْرِيَّ لَمَّا رَأَى من تَقَدَّمَ عليه قال أَكُلَّ هَؤُلَاءِ تَدْعُو أَمَامِي فقال يا أَبَا عُبَيْدَةَ اصْبِرْ كما صَبَرْت أو كَلِّمْ قَوْمَك فَمَنْ قَدَّمَك منهم على نَفْسِهِ لم أَمْنَعْهُ فَأَمَّا أنا وَبَنُو عَدِيٍّ فَنُقَدِّمُك إنْ أَحْبَبْت على أَنْفُسِنَا قال فَقَدَّمَ مُعَاوِيَةُ بَعْدَ بَنِي الحرث بن فِهْرٍ فَفَصَلَ بِهِمْ بين بَنِي عبد مَنَافٍ وَأَسَدِ بن عبد الْعُزَّى وَشَجَرَ بين بَنِي سَهْمٍ وَعَدِيٍّ شَيْءٌ في زَمَانِ الْمَهْدِيِّ فَافْتَرَقُوا فَأَمَرَ الْمَهْدِيُّ بِبَنِي عَدِيٍّ فَقُدِّمُوا على سَهْمٍ وَجَمَحَ لِلسَّابِقَةِ فِيهِمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا فَرَغَ
____________________

(4/158)


من قُرَيْشٍ قُدِّمَتْ الْأَنْصَارُ على قَبَائِلِ الْعَرَبِ كُلِّهَا لِمَكَانِهِمْ من الْإِسْلَامِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الناس عِبَادُ اللَّهِ فَأَوْلَاهُمْ أَنْ يَكُونَ مُقَدَّمًا أَقْرَبُهُمْ بِخِيَرَةِ اللَّهِ لِرِسَالَتِهِ وَمُسْتَوْدَعِ أَمَانَتِهِ وَخَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَخَيْرِ خَلْقِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مُحَمَّدٌ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ فَرَضَ له الْوَالِي من قَبَائِلِ الْعَرَبِ رَأَيْت أَنْ يُقَدَّمَ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ منهم بِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في النَّسَبِ فإذا اسْتَوَوْا قُدِّمَ أَهْلُ السَّابِقَةِ على غَيْرِ أَهْلِ السَّابِقَةِ مِمَّنْ هُمْ مِثْلُهُمْ في الْقَرَابَةِ (1) * * أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وما خَلَقْت الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى الْخَلْقَ لِعِبَادَتِهِ ثُمَّ أَبَانَ جَلَّ وَعَلَا أَنَّ خِيرَتَهُ من خَلْقِهِ أَنْبِيَاؤُهُ فقال تَبَارَكَ اسْمُهُ { كان الناس أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ } فَجَعَلَ النَّبِيِّينَ صلى اللَّهُ عليهم وسلم من أَصْفِيَائِهِ دُونَ عِبَادِهِ بِالْأَمَانَةِ على وَحْيِهِ وَالْقِيَامِ بِحُجَّتِهِ فِيهِمْ ثُمَّ ذَكَرَ من خَاصَّتِهِ صَفْوَتَهُ فقال جَلَّ وَعَزَّ { إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ على الْعَالَمِينَ } فَخَصَّ آدَمَ وَنُوحًا بِإِعَادَةِ ذِكْرِ اصْطِفَائِهِمَا وَذَكَرَ إبْرَاهِيمَ فقال جَلَّ ثَنَاؤُهُ { وَاِتَّخَذَ اللَّهُ إبْرَاهِيمَ خَلِيلًا } وَذَكَرَ إسْمَاعِيلَ بن إبْرَاهِيمَ فقال عز ذِكْرُهُ { وَاذْكُرْ في الْكِتَابِ إسْمَاعِيلَ إنَّهُ كان صَادِقَ الْوَعْدِ وكان رَسُولًا نَبِيًّا } ثُمَّ أَنْعَمَ اللَّهُ عز وجل على آلِ إبْرَاهِيمَ وَعِمْرَانَ في الْأُمَمِ فقال تَبَارَكَ وَتَعَالَى { إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ على الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا من بَعْضٍ وَاَللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ اصْطَفَى اللَّهُ عز وجل سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا صلى اللَّهُ عليه وسلم من خَيْرِ آلِ إبْرَاهِيمَ وَأَنْزَلَ كُتُبَهُ قبل إنْزَالِهِ الْفُرْقَانَ على مُحَمَّدٍ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِصِفَةِ فَضِيلَتِهِ وَفَضِيلَةِ من اتَّبَعَهُ بِهِ فقال عز وجل { مُحَمَّدٌ رسول اللَّهِ وَاَلَّذِينَ معه أَشِدَّاءُ على الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا } الْآيَةُ وقال لِأُمَّتِهِ { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } فَفَضِيلَتُهُمْ بِكَيْنُونَتِهِمْ من أُمَّتِهِ دُونَ أُمَمِ الْأَنْبِيَاءِ ثُمَّ أَخْبَرَ جَلَّ وَعَزَّ أَنَّهُ جَعَلَهُ فَاتِحَ رَحْمَتِهِ عِنْدَ فَتْرَةِ رُسُلِهِ فقال { يا أَهْلَ الْكِتَابِ قد جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ على فَتْرَةٍ من الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جَاءَنَا من بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ } وقال { هو الذي بَعَثَ في الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا منهم يَتْلُو عليهم آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } وكان في ذلك ما دَلَّ على أَنَّهُ بَعَثَ إلَى خَلْقِهِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ أو أُمِّيِّينَ وَأَنَّهُ فَتَحَ بِهِ رَحْمَتَهُ وَخَتَمَ بِهِ نُبُوَّتَهُ فقال عز وجل { ما كان مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ من رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ } وَقَضَى أَنْ أَظْهَرَ دِينَهُ على الْأَدْيَانِ فقال عز وجل { هو الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ على الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } وقد وَصَفْنَا بَيَانَ كَيْفَ يُظْهِرُهُ على الدِّينِ في غَيْرِ هذا الْمَوْضِعِ - * مُبْتَدَأُ التَّنْزِيلِ وَالْفَرْضُ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ على الناس - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيُقَالُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ إنَّ أَوَّلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل على رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك الذي خَلَقَ } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى مُحَمَّدًا صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْزَلَ عليه فَرَائِضَهُ كما شَاءَ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ثُمَّ أَتْبَعَ كُلَّ وَاحِدٍ منها فَرْضًا بَعْدَ فَرْضٍ في حِينٍ غَيْرِ حِينِ الْفَرْضِ قَبْلَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيُقَالُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ إنَّ أَوَّلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عليه { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك الذي خَلَقَ } ثُمَّ أَنْزَلَ عليه بَعْدَهَا ما لم يُؤْمَرْ فيه بِأَنْ يَدْعُوَ إلَيْهِ الْمُشْرِكِينَ فَمَرَّتْ لِذَلِكَ مُدَّةٌ ثُمَّ يُقَالُ أَتَاهُ جِبْرِيلُ عليه السَّلَامُ عن اللَّهِ
____________________
1- * كِتَابُ الْجِزْيَةِ

(4/159)


عز وجل بِأَنْ يُعَلِّمَهُمْ نُزُولَ الْوَحْيِ عليه وَيَدْعُوَهُمْ إلَى الْإِيمَانِ بِهِ فَكَبُرَ ذلك عليه وَخَافَ التَّكْذِيبَ وَأَنْ يُتَنَاوَلَ فَنَزَلَ عليه { يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إلَيْك من رَبِّك وَإِنْ لم تَفْعَلْ فما بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاَللَّهُ يَعْصِمُك من الناس } فقال يَعْصِمُك من قَتْلِهِمْ أَنْ يَقْتُلُوك حين تُبَلِّغُ ما أُنْزِلَ إلَيْك ما ( ( ( فلما ) ) ) أُمِرَ بِهِ فَاسْتَهْزَأَ بِهِ قَوْمٌ فَنَزَلَ عليه { فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عن الْمُشْرِكِينَ إنَّا كَفَيْنَاك الْمُسْتَهْزِئِينَ } قال الشَّافِعِيُّ وَأَعْلَمَهُ من عَلِمَهُ منهم أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ بِهِ فقال { وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَك حتى تَفْجُرَ لنا من الْأَرْضِ يَنْبُوعًا أو تَكُونَ لَك جَنَّةٌ من نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالهَا تَفْجِيرًا } قَرَأَ الرَّبِيعُ إلَى { بَشَرًا رَسُولًا } قال الشَّافِعِيُّ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل فِيمَا يُثَبِّتُهُ بِهِ إذَا ضَاقَ من أَذَاهُمْ { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّك يَضِيقُ صَدْرُك بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّك } إلَى آخِرِ السُّورَةِ فَفَرَضَ عليه إبْلَاغَهُمْ وَعِبَادَتَهُ ولم يَفْرِضْ عليه قِتَالَهُمْ وَأَبَانَ ذلك في غَيْرِ آيَةٍ من كِتَابِهِ ولم يَأْمُرْهُ بِعُزْلَتِهِمْ وَأَنْزَلَ عليه { قُلْ يا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ } وَقَوْلُهُ { فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عليه ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ } قَرَأَ الرَّبِيعُ الْآيَةَ وَقَوْلُهُ { ما على الرَّسُولِ إلَّا الْبَلَاغُ } مع أَشْيَاءَ ذُكِرَتْ في الْقُرْآنِ في غَيْرِ مَوْضِعٍ في مِثْلِ هذا الْمَعْنَى وَأَمَرَهُمْ اللَّهُ عز وجل بِأَنْ لَا يَسُبُّوا أَنْدَادَهُمْ فقال عز وجل { وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ من دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ } الْآيَةُ مع ما يُشْبِهُهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَعْدَ هذا في الْحَالِ التي فَرَضَ فيها عُزْلَةَ الْمُشْرِكِينَ فقال { وإذا رَأَيْت الَّذِينَ يَخُوضُونَ في آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } مِمَّا فَرَضَ عليه فقال { وقد نَزَّلَ عَلَيْكُمْ في الْكِتَابِ أَنْ إذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بها وَيُسْتَهْزَأُ بها } قَرَأَ الرَّبِيعُ إلَى { إنَّكُمْ إذًا مِثْلُهُمْ } - * الْإِذْنُ بِالْهِجْرَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وكان الْمُسْلِمُونَ مُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّةَ زَمَانًا لم يُؤْذَنْ لهم فيه بِالْهِجْرَةِ منها ثُمَّ أَذِنَ اللَّهُ عز وجل لهم بِالْهِجْرَةِ وَجَعَلَ لهم مَخْرَجًا فَيُقَالُ نَزَلَتْ { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ له مَخْرَجًا } فَأَعْلَمَهُمْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ قد جَعَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لهم بِالْهِجْرَةِ مَخْرَجًا وقال وَمَنْ { يُهَاجِرْ في سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ في الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً } الْآيَةَ وَأَمَرَهُمْ بِبِلَادِ الْحَبَشَةِ فَهَاجَرَتْ إلَيْهَا منهم طَائِفَةٌ ثُمَّ دخل أَهْلُ الْمَدِينَةِ في الْإِسْلَامِ فَأَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم طَائِفَةً فَهَاجَرَتْ إلَيْهِمْ غير مُحَرِّمٍ على من بَقِيَ تَرْكَ الْهِجْرَةِ إلَيْهِمْ وَذَكَرَ اللَّه جَلَّ ذِكْرُهُ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ وقال { وَلَا يَأْتَلِ أولوا ( ( ( أولو ) ) ) الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ } قَرَأَ الرَّبِيعُ إلَى في سَبِيلِ اللَّهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ أَذِنَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِرَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالْهِجْرَةِ إلَى الْمَدِينَةِ ولم يُحَرِّمْ في هذا على من بَقِيَ بِمَكَّةَ الْمُقَامَ بها وَهِيَ دَارُ شِرْكٍ وَإِنْ قَلُّوا بِأَنْ يُفْتَنُوا ولم يَأْذَنْ لهم بِجِهَادٍ ثُمَّ أَذِنَ اللَّهُ عز وجل لهم بِالْجِهَادِ ثُمَّ فُرِضَ بَعْدَ هذا عليهم أَنْ يُهَاجِرُوا من دَارِ الشِّرْكِ وَهَذَا مَوْضُوعٌ في غَيْرِ هذا الْمَوْضِعِ - * مُبْتَدَأُ الْإِذْنِ بِالْقِتَالِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَذِنَ لهم بِأَحَدِ الْجِهَادَيْنِ بِالْهِجْرَةِ قبل أَنْ يُؤْذَنَ لهم بِأَنْ يَبْتَدِئُوا مُشْرِكًا بِقِتَالٍ ثُمَّ أَذِنَ لهم بِأَنْ يَبْتَدِئُوا الْمُشْرِكِينَ بِقِتَالٍ قال اللَّهُ تَعَالَى { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ على نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا من دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ } الْآيَةُ وَأَبَاحَ لهم الْقِتَالَ بِمَعْنَى أَبَانَهُ في كِتَابِهِ فقال عز وجل { وَقَاتِلُوا في سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ } قَرَأَ الرَّبِيعُ إلَى { كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُقَالُ نَزَلَ هذا في أَهْلِ مَكَّةَ وَهُمْ كَانُوا أَشَدَّ الْعَدُوِّ على الْمُسْلِمِينَ وَفُرِضَ
____________________

(4/160)


عليهم في قِتَالِهِمْ ما ذَكَرَ اللَّهُ عز وجل ثُمَّ يُقَالُ نُسِخَ هذا كُلُّهُ وَالنَّهْيُ عن الْقِتَالِ حتى يُقَاتَلُوا وَالنَّهْيُ عن الْقِتَالِ في الشَّهْرِ الْحَرَامِ بِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَقَاتِلُوهُمْ حتى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ } الْآيَةُ وَنُزُولُ هذه الْآيَةِ بَعْدَ فَرْضِ الْجِهَادِ وَهِيَ مَوْضُوعَةٌ في مَوْضِعِهَا - * فَرْضُ الْهِجْرَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمَّا فَرَضَ اللَّهُ عز وجل الْجِهَادَ على رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَجَاهَدَ الْمُشْرِكِينَ بَعْدَ إذْ كان أَبَاحَهُ وَأَثْخَنَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في أَهْلِ مَكَّةَ وَرَأَوْا كَثْرَةَ من دخل في دِينِ اللَّهِ عز وجل اشْتَدُّوا على من أَسْلَمَ منهم فَفَتَنُوهُمْ عن دِينِهِمْ أو من فَتَنُوا منهم فَعَذَرَ اللَّهُ من لم يَقْدِرْ على الْهِجْرَةِ من الْمَفْتُونِينَ فقال إلَّا من أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَبَعَثَ إلَيْهِمْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( إنَّ اللَّهَ عز وجل جَعَلَ لَكُمْ مَخْرَجًا وَفَرَضَ على من قَدَرَ على الْهِجْرَةِ الْخُرُوجَ إذَا كان مِمَّنْ يُفْتَنُ عن دِينِهِ وَلَا يُمْتَنَعُ ) فقال في رَجُلٍ منهم تُوُفِّيَ تَخَلَّفَ عن الْهِجْرَةِ فلم يُهَاجِرْ { الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالوا فيم ( ( ( فيما ) ) ) كُنْتُمْ } الْآيَةَ وَأَبَانَ اللَّهُ عز وجل عُذْرَ الْمُسْتَضْعَفِينَ فقال { إلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ من الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً } إلَى { رَحِيمًا } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيُقَالُ { عَسَى } من اللَّهِ وَاجِبَةٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَدَلَّتْ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على أَنَّ فَرْضَ الْهِجْرَةِ على من أَطَاقَهَا إنَّمَا هو على من فُتِنَ عن دِينِهِ بِالْبَلَدِ الذي يُسْلِمُ بها لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَذِنَ لِقَوْمٍ بِمَكَّةَ أَنْ يُقِيمُوا بها بَعْدَ إسْلَامِهِمْ الْعَبَّاسُ بن عبد الْمُطَّلِبِ وَغَيْرُهُ إذْ لم يَخَافُوا الْفِتْنَةَ وكان يَأْمُرُ جُيُوشَهُ أَنْ يَقُولُوا لِمَنْ أَسْلَمَ ( إنْ هَاجَرْتُمْ فَلَكُمْ ما لِلْمُهَاجِرِينَ وَإِنْ أَقَمْتُمْ فَأَنْتُمْ كَأَعْرَابٍ وَلَيْسَ يُخَيِّرُهُمْ إلَّا فِيمَا يَحِلُّ لهم ) - * أَصْلُ فَرْضِ الْجِهَادِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمَّا مَضَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مُدَّةٌ من هِجْرَتِهِ أَنْعَمَ اللَّهُ تَعَالَى فيها على جَمَاعَةٍ بِاتِّبَاعِهِ حَدَثَتْ لهم بها مع عَوْنِ اللَّهِ قُوَّةٌ بِالْعَدَدِ لم تَكُنْ قَبْلَهَا فَفَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عليهم الْجِهَادَ بَعْدَ إذْ كان إبَاحَةً لَا فَرْضًا فقال تَبَارَكَ وَتَعَالَى { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وهو كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شيئا وهو خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شيئا وهو شَرٌّ لَكُمْ } وقال عز وجل { إنَّ اللَّهَ اشْتَرَى من الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ } الْآيَةَ وقال تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَقَاتِلُوا في سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } وقال عز وجل { وَجَاهِدُوا في اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ } وقال { فإذا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حتى إذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ } وقال عز وجل { ما لَكُمْ إذَا قِيلَ لَكُمْ انْفِرُوا في سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ } إلَى { قَدِيرٌ } وقال { انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ } الْآيَةَ ثُمَّ ذَكَرَ قَوْمًا تَخَلَّفُوا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مِمَّنْ كان يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ فقال { لو كان عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوك } الْآيَةَ فَأَبَانَ في هذه الْآيَةِ أَنَّ عليهم الْجِهَادَ فِيمَا قَرُبَ وَبَعُدَ بَعْدَ إبَانَتِهِ ذلك في غَيْرِ مَكَان في قَوْلِهِ { ذلك بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ } قَرَأَ الرَّبِيعُ إلَى { أَحْسَنَ ما كَانُوا يَعْمَلُونَ } وَسَنُبَيِّنُ من ذلك ما حَضَرَنَا على وَجْهِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل { فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رسول اللَّهِ } قَرَأَ الرَّبِيعُ الْآيَةَ وقال { إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ في سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ } وقال { وما لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ } مع ما ذُكِرَ بِهِ فَرْضُ الْجِهَادِ وَأُوجِبَ على الْمُتَخَلِّفِ عنه
____________________

(4/161)


- * من لَا يَجِبُ عليه الْجِهَادُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فلما فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الْجِهَادَ دَلَّ في كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ لم يَفْرِضْ الْخُرُوجَ إلَى الْجِهَادِ على مَمْلُوكٍ أو أُنْثَى بَالِغٍ وَلَا حُرٍّ لم يَبْلُغْ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا } وَقَرَأَ الرَّبِيعُ الْآيَةَ فَكَأَنَّ اللَّهَ عز وجل حَكَمَ أَنْ لَا مَالَ لِلْمَمْلُوكِ ولم يَكُنْ مُجَاهِدٌ إلَّا وَيَكُونُ عليه لِلْجِهَادِ مُؤْنَةٌ من الْمَالِ ولم يَكُنْ لِلْمَمْلُوكِ مَالٌ وقد قال لِنَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ على الْقِتَالِ فَدَلَّ على أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ الذُّكُورَ دُونَ الْإِنَاثِ لِأَنَّ الْإِنَاثَ الْمُؤْمِنَاتِ وقال عز وجل { وما كان الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً } وقال { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ } وَكُلُّ هذا يَدُلُّ على أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الذُّكُورَ دُونَ الْإِنَاثِ وقال عز وجل إذْ أَمَرَ بِالِاسْتِئْذَانِ { وإذا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمْ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كما اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ من قَبْلِهِمْ } فَأَعْلَمَ أَنَّ فَرْضَ الِاسْتِئْذَانِ إنَّمَا هو على الْبَالِغِينَ وقال { وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حتى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ منهم رُشْدًا } فلم يَجْعَلْ لِرُشْدِهِمْ حُكْمًا تَصِيرُ بِهِ أَمْوَالُهُمْ إلَيْهِمْ إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ فَدَلَّ على أَنَّ الْفَرْضَ في الْعَمَلِ إنَّمَا هو على الْبَالِغِينَ وَدَلَّتْ السُّنَّةُ ثُمَّ ما لم أَعْلَمْ فيه مُخَالِفًا من أَهْلِ الْعِلْمِ على مِثْلِ ما وَصَفْت ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عبد اللَّهِ أو عُبَيْدِ اللَّهِ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ ( شَكَّ الرَّبِيعُ ) قال عُرِضْتُ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يوم ( أُحُدٍ ) وأنا بن أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَرَدَّنِي وَعُرِضْتُ عليه عَامَ ( الْخَنْدَقِ ) وأنا بن خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَشَهِدَ مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْقِتَالَ عَبِيدٌ وَنِسَاءٌ وَغَيْرُ بَالِغِينَ فَرَضَخَ لهم ولم يُسْهِمْ وَأَسْهَمَ لِضُعَفَاءَ أَحْرَارٍ بَالِغِينَ شَهِدُوا معه فَدَلَّ ذلك على أَنَّ السُّهْمَانَ إنَّمَا تَكُونُ فِيمَنْ شَهِدَ الْقِتَالَ من الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ وَدَلَّ ذلك على أَنْ لَا فَرْضَ في الْجِهَادِ على غَيْرِهِمْ وَهَذَا مَوْضُوعٌ في مَوْضِعِهِ - * من له عُذْرٌ بِالضَّعْفِ وَالْمَرَضِ وَالزَّمَانَةِ في تَرْكِ الْجِهَادِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل في الْجِهَادِ { ليس على الضُّعَفَاءِ وَلَا على الْمَرْضَى وَلَا على الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ } الْآيَةَ وقال { ليس على الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا على الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا على الْمَرِيضِ حَرَجٌ } قال ( ( ( وقال ) ) ) الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقِيلَ الْأَعْرَجُ الْمُقْعَدُ وَالْأَغْلَبُ أَنَّهُ الْأَعْرَجُ في الرِّجْلِ الْوَاحِدَةِ وَقِيلَ نَزَلَتْ في أَنْ لَا حَرَجَ أَنْ لَا يُجَاهِدُوا وهو أَشْبَهُ ما قالوا وَغَيْرُ مُحْتَمَلٍ غَيْرُهُ وَهُمْ دَاخِلُونَ في حَدِّ الضُّعَفَاءِ وَغَيْرُ خَارِجِينَ من فَرْضِ الْحَجِّ وَلَا الصَّلَاةِ وَلَا الصَّوْمِ وَلَا الْحُدُودِ وَلَا يُحْتَمَلُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ أُرِيدَ بِهَذِهِ الْآيَةِ إلَّا وَضْعَ الْحَرَجِ في الْجِهَادِ دُونَ غَيْرِهِ من الْفَرَائِضِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْغَزْوُ غَزْوَانَ غَزْوٌ يُبْعِدُ عن الْمَغَازِي وهو ما بَلَغَ مَسِيرَةَ لَيْلَتَيْنِ قَاصِدَتَيْنِ حَيْثُ تُقْصَرُ الصَّلَاةُ وَتُقَدَّمُ مَوَاقِيتُ الْحَجِّ من مَكَّةَ وَغَزْوٌ يَقْرُبُ وهو ما كان دُونَ لَيْلَتَيْنِ مِمَّا لَا تَقْصُرُ فيه الصَّلَاةُ وما هو أَقْرَبُ من الْمَوَاقِيتِ إلَى مَكَّةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان الْغَزْوُ الْبَعِيدُ لم يَلْزَمْ الْقَوِيَّ السَّالِمَ الْبَدَنِ كُلِّهِ إذَا لم يَجِدْ مَرْكَبًا وَسِلَاحًا وَنَفَقَةً وَيَدَعْ لِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ قُوَّتَهُ إذَنْ قَدْرَ ما يَرَى أَنَّهُ يَلْبَثُ وَإِنْ وَجَدَ بَعْضَ هذا دُونَ بَعْضٍ فَهُوَ مِمَّنْ لَا يَجِدُ ما يُنْفِقُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى نَزَلَتْ { وَلَا على الَّذِينَ إذَا ما أَتَوْك لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عليه تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ من الدَّمْعِ } حَزَنًا الْآيَةَ قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا وُجِدَ هذا كُلُّهُ دخل في جُمْلَةِ من
____________________

(4/162)


يَلْزَمُهُ فَرْضُ الْجِهَادِ فَإِنْ تَهَيَّأَ لِلْغَزْوِ ولم يَخْرُجْ أو خَرَجَ ولم يَبْلُغْ مَوْضِعَ الْغَزْوِ أو بَلَغَهُ ثُمَّ أَصَابَهُ مَرَضٌ أو صَارَ مِمَّنْ لَا يَجِدُ في أَيِّ هذه الْمَوَاضِعِ كان فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ وقد صَارَ من أَهْلِ الْعُذْرِ فَإِنْ ثَبَتَ كان أَحَبَّ إلَيَّ وَوَسِعَهُ الثُّبُوتُ وإذا كان مِمَّنْ لم يَكُنْ لهم قُوَّتُهُمْ لم يَحِلَّ له أَنْ يَغْزُوَ على الِابْتِدَاءِ وَلَا يَثْبُتُ في الْغَزْوِ إنْ غَزَا وَلَا يَكُونُ له أَنْ يُضَيِّعَ فَرْضًا وَيَتَطَوَّعَ لِأَنَّهُ إذَا لم يَجِدْ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ بِالْغَزْوِ وَمَنْ قُلْت له أَنْ لَا يَغْزُوَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ إذَا غَزَا بِالْعُذْرِ وكان ذلك له ما لم يَلْتَقِ الزَّحْفَانِ فإذا الْتَقَيَا لم يَكُنْ له ذلك حتى يَتَفَرَّقَا - * الْعُذْرُ بِغَيْرِ الْعَارِضِ في - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا كان سَالِمَ الْبَدَنِ قَوِيَّهُ وَاجِدًا لِمَا يَكْفِيهِ وَمَنْ خَلَفَ يَكُونُ دَاخِلًا فِيمَنْ عليه فَرْضُ الْجِهَادِ لو لم يَكُنْ عليه دَيْنٌ ولم يَكُنْ له أَبَوَانِ وَلَا وَاحِدٌ من أَبَوَيْنِ يَمْنَعُهُ فَلَوْ كان عليه دَيْنٌ لم يَكُنْ له أَنْ يَغْزُوَ بِحَالٍ إلَّا بِإِذْنِ أَهْلِ الدَّيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان يَحْجُبُهُ مع الشَّهَادَةِ عن الْجَنَّةِ الدَّيْنُ فَبَيَّنَ أَنْ لَا يَجُوزَ له الْجِهَادُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ إلَّا بِإِذْنِ أَهْلِ الدَّيْنِ وَسَوَاءٌ كان الدَّيْنُ لِمُسْلِمٍ أو كَافِرٍ وإذا كان يُؤْمَرُ بِأَنْ يُطِيعَ أَبَوَيْهِ أو أَحَدَهُمَا في تَرْكِ الْغَزْوِ فَبَيَّنَ أَنْ لَا يُؤْمَرَ بِطَاعَةِ أَحَدِهِمَا إلَّا وَالْمُطَاعُ مِنْهُمَا مُؤْمِنٌ فَإِنْ قال قَائِلٌ كَيْفَ تَقُولُ لَا تَجِبُ عليه طَاعَةُ أَبَوَيْهِ وَلَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا حتى يَكُونَ الْمُطَاعُ مُسْلِمًا في الْجِهَادِ ولم تَقُلْهُ في الدَّيْنِ قِيلَ الدَّيْنُ مَالٌ لَزِمَهُ لِمَنْ هو له لَا يَخْتَلِفُ فيه من وَجَبَ له من مُؤْمِنٍ وَلَا كَافِرٍ لِأَنَّهُ يَجِبُ عليه أَدَاؤُهُ إلَى الْكَافِرِ كما يَجِبُ عليه إلَى الْمُؤْمِنِ وَلَيْسَ يُطِيعُ في التَّخَلُّفِ عن الْغَزْوِ صَاحِبَ الدَّيْنِ بِحَقٍّ يَجِبُ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ عليه إلَّا بِمَالِهِ فإذا بريء من مَالِهِ فَأَمْرُ صَاحِبِ الدَّيْنِ وَنَهْيُهُ سَوَاءٌ وَلَا طَاعَةَ له عليه لِأَنَّهُ لَا حَقَّ له عليه بِغَيْرِ الْمَالِ فلما كان الْخُرُوجُ بعرض ( ( ( بغرض ) ) ) إهْلَاكِ مَالِهِ لَدَيْهِ لم يَخْرُجْ إلَّا بِإِذْنِهِ أو بَعْدَ الْخُرُوجِ من دَيْنِهِ وَلِلْوَالِدَيْنِ حَقٌّ في أَنْفُسِهِمَا لَا يَزُولُ بِحَالٍ لِلشَّفَقَةِ على الْوَلَدِ وَالرِّقَّةِ عليه وما يَلْزَمُهُ من مُشَاهَدَتِهِمَا لِبِرِّهِمَا فإذا كَانَا على دِينِهِ فَحَقُّهُمَا لَا يَزُولُ بِحَالٍ وَلَا يَبْرَأُ منه بِوَجْهٍ وَعَلَيْهِ أَنْ لَا يُجَاهِدَ إلَّا بِإِذْنِهِمَا وإذا كَانَا على غَيْرِ دِينِهِ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ أَهْلَ دِينِهِمَا فَلَا طَاعَةَ لَهُمَا عليه في تَرْكِ الْجِهَادِ وَلَهُ الْجِهَادُ وَإِنْ خَالَفَهُمَا وَالْأَغْلَبُ أَنَّ مَنْعَهُمَا سُخْطٌ لِدِينِهِ وَرِضًا لِدِينِهِمَا لَا شَفَقَةً عليه فَقَطْ وقد انْقَطَعَتْ الْوِلَايَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا في الدِّينِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ من دَلِيلٍ على ما وَصَفْت قِيلَ جَاهَدَ بن عُتْبَةَ بن رَبِيعَةَ مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَمَرَهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالْجِهَادِ وَأَبُوهُ مُجَاهِدُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلَسْت أَشُكُّ في كَرَاهِيَةِ أبيه لِجِهَادِهِ مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَجَاهَدَ عبد اللَّهِ بن عبد اللَّهِ بن أُبَيٍّ مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَبُوهُ مُتَخَلِّفٌ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ب أحد ) وَيُخَذِّلُ عنه من أَطَاعَهُ مع غَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَا أَشُكُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى في كَرَاهَتِهِمْ لِجِهَادِ أَبْنَائِهِمْ مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا كَانُوا مُخَالِفِينَ مُجَاهِدِينَ له أو مُخَذِّلِينَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَيُّ الْأَبَوَيْنِ أَسْلَمَ كان حَقًّا على الْوَلَدِ أَنْ لَا يَغْزُوَ إلَّا بِإِذْنِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ يَعْلَمُ من الْوَالِدِ نِفَاقًا فَلَا يَكُونُ له عليه طَاعَةٌ في الْغَزْوِ وَإِنْ غَزَا رَجُلٌ وَأَحَدُ أَبَوَيْهِ أو هُمَا مُشْرِكَانِ ثُمَّ أَسْلَمَا أو أَحَدُهُمَا فَأَمَرَهُ بِالرُّجُوعِ فَعَلَيْهِ الرُّجُوعُ عن وَجْهِهِ ما لم يَصِرْ إلَى مَوْضِعٍ لَا طَاقَةَ له بِالرُّجُوعِ منه إلَّا بِخَوْفِ أَنْ يَتْلَفَ وَذَلِكَ أَنْ يَصِيرَ إلَى بِلَادِ الْعَدُوِّ فَلَوْ فَارَقَ الْمُسْلِمِينَ لم يَأْمَنْ أَنْ يَأْخُذَهُ الْعَدُوُّ فإذا كان هذا هَكَذَا لم يَكُنْ له أَنْ يَرْجِعَ لِلتَّعَذُّرِ في الرُّجُوعِ وَكَذَلِكَ إنْ لم يَكُنْ صَارَ إلَى بِلَادٍ مَخُوفَةٍ إنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ فيها خَافَ التَّلَفَ وَهَكَذَا إذَا غَزَا وَلَا دَيْنَ عليه ثُمَّ ادَّانَ فَسَأَلَهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ الرُّجُوعَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ سَأَلَهُ أَبَوَاهُ أو أَحَدُهُمَا الرُّجُوعَ وَلَيْسَ عليه خَوْفٌ في الطَّرِيقِ وَلَا له عُذْرٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ لِلْعُذْرِ وإذا قُلْت ليس له أَنْ يَرْجِعَ فَلَا أُحِبُّ أَنْ يُبَادِرَ وَلَا يُسْرِعَ في أَوَائِلِ الْخَيْلِ وَلَا الرَّجُلِ وَلَا يَقِفُ
____________________

(4/163)


الْمَوْقِفَ الذي يَقِفُهُ من يَتَعَرَّضُ لِلْقَتْلِ لِأَنَّهُ إذَا نَهَيْته عن الْغَزْوِ لِطَاعَةِ وَالِدَيْهِ أو لِذِي الدَّيْنِ نَهَيْته إذَا كان له الْعُذْرُ عن تَعَرُّضِ الْقَتْلِ وَهَكَذَا أَنْهَاهُ عن تَعَرُّضِ الْقَتْلِ لو خَرَجَ وَلَيْسَ له أَنْ يَخْرُجَ بِخِلَافِ صَاحِبِ دَيْنِهِ وَأَحَدِ أَبَوَيْهِ أو خِلَافِ الذي غَزَا وَأَحَدُ أَبَوَيْهِ وَصَاحِبُ دَيْنِهِ كَارِهٌ وَلَيْسَ على الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ الْغَزْوُ فَإِنْ غَزَا وَقَاتَلَ لم يُعْطَ سَهْمًا وَيُرْضَخُ له ما يُرْضَخُ لِلْمَرْأَةِ وَالْعَبْدُ يُقَاتِلُ فَإِنْ بَانَ لنا أَنَّهُ رَجُلٌ فَعَلَيْهِ من حِينِ يَبِينُ الْغَزْوُ وَلَهُ فيه سَهْمُ رَجُلٍ - * الْعُذْرُ الْحَادِثُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَذِنَ لِلرَّجُلِ أَبَوَاهُ في الْغَزْوِ فَغَزَا ثُمَّ أَمَرَاهُ بِالرُّجُوعِ فَعَلَيْهِ الرُّجُوعُ إلَّا من عُذْرٍ حَادِثٍ وَالْعُذْرُ ما وَصَفْت من خَوْفِ الطَّرِيقِ أو جَدْبِهِ أو من مَرَضٍ يَحْدُثُ بِهِ لَا يَقْدِرُ معه على الرُّجُوعِ أو قِلَّةِ نَفَقَةٍ لَا يَقْدِرُ على أَنْ يَرْجِعَ يَسْتَقِلُّ مَعَهَا أو ذَهَابُ مَرْكَبٍ لَا يَقْدِرُ على الرُّجُوعِ معه أو يَكُونَ غَزَا بِجُعْلٍ مع السُّلْطَانِ وَلَا يَقْدِرُ على الرُّجُوعِ معه وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَغْزُوَ بِجُعْلٍ من مَالِ رَجُلٍ فَإِنْ غَزَا بِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ وَيَرُدَّ الْجُعْلَ وَإِنَّمَا أَجَزْت له هذا من السُّلْطَانِ أَنَّهُ يَغْزُو بِشَيْءٍ من حَقِّهِ وَلَيْسَ لِلسُّلْطَانِ حَبْسُهُ في حَالٍ قُلْت عليه فيها الرُّجُوعُ إلَّا في حَالٍ ثَانِيَةٍ أَنْ يَكُونَ يَخَافُ بِرُجُوعِهِ وَرُجُوعِ من هو في حَالِهِ أَنْ يُكْثِرُوا وَأَنْ يُصِيبَ الْمُسْلِمِينَ خَلَّةٌ بِرُجُوعِهِمْ بِخُرُوجِهِمْ يَعْظُمُ الْخَوْفُ فيها عليهم فَيَكُونُ له حَبْسُهُ في هذه الْحَالِ وَلَا يَكُونُ لهم الرُّجُوعُ عليها فإذا زَالَتْ تِلْكَ الْحَالُ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَرْجِعُوا وَعَلَى السُّلْطَانِ أَنْ يُخَلِّيَهُمْ إلَّا من غَزَا منهم بِجُعْلٍ إذَا كان رُجُوعُهُمْ من قِبَلِ وَالِدٍ أو صَاحِبِ دَيْنٍ لَا من عِلَّةٍ بِأَبْدَانِهِمْ فَإِنْ أَرَادَ أَحَدٌ منهم الرُّجُوعَ لِعِلَّةٍ بِبَدَنِهِ تُخْرِجُهُ من فَرْضِ الْجِهَادِ فَعَلَى السُّلْطَانِ تَخْلِيَتُهُ غَزَا بِجُعْلٍ أو غَيْرِ جُعْلٍ وَلَيْسَ له الرُّجُوعُ في الْجُعْلِ لِأَنَّهُ حَقٌّ من حَقِّهِ أَخَذَهُ وهويستوجبه وَحَدَثَ له حَالُ عُذْرٍ وَذَلِكَ أَنْ يَمْرَضَ أو يُزْمِنَ بِإِقْعَادٍ أو بِعَرَجٍ شَدِيدٍ لَا يَقْدِرُ معه على مَشْيِ الصَّحِيحِ وما أَشْبَهَ هذا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنِّي لَأَرَى الْعَرَجَ إذَا نَقَصَ مَشْيُهُ عن مَشْيِ الصَّحِيحِ وَعَدْوُهُ كُلُّهُ عُذْرًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَكَذَلِكَ إنْ رَجَلَ عن دَابَّتِهِ أو ذَهَبَتْ نَفَقَتُهُ خَرَجَ من هذا كُلِّهِ من أَنْ يَكُونَ عليه فَرْضُ الْجِهَادِ ولم يَكُنْ لِلسُّلْطَانِ حَبْسُهُ عليه إلَّا في حَالٍ وَاحِدَةٍ أَنْ يَكُونَ خَرَجَ إلَى فَرْضِ الْجِهَادِ بِقِلَّةِ الْوُجُودِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُمْ حتى يَكُونَ وَاجِدًا فَإِنْ فَعَلَهُ حَبَسَهُ وَلَيْسَ لِلرَّجُلِ الِامْتِنَاعُ من الْأَخْذِ منه إلَّا ان يُقِيمَ معه في الْجِهَادِ حتى ينقضى فَلَهُ إذَا فَعَلَ الِامْتِنَاعُ من الْأَخْذِ منه وإذا غَزَا الرَّجُلُ فَذَهَبَتْ نَفَقَتُهُ أو دَابَّتُهُ فَقَفَلَ ثُمَّ وَجَدَ نَفَقَةً أو فَادَ دَابَّةً فَإِنْ كان ذلك بِبِلَادِ الْعَدُوِّ لم يَكُنْ له الْخُرُوجُ وكان عليه الرُّجُوعُ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَخَافُ في رُجُوعِهِ وَإِنْ كان قد فَارَقَ بِلَادَ الْعَدُوِّ فَالِاخْتِيَارُ له الْعَوْدُ إلَّا أَنْ يَخَافَ فَلَا يَجِبُ عليه الْعَوْدُ لِأَنَّهُ قد خَرَجَ وهو من أَهْلِ الْعُذْرِ فَإِنْ كانت تَكُونُ خَلَّةٌ بِرُجُوعِهِ أو كَانُوا جَمَاعَةً أَصَابَهُمْ ذلك وَكَانَتْ تَكُونُ بِالْمُسْلِمِينَ خَلَّةٌ بِرُجُوعِهِمْ فَعَلَيْهِمْ وَعَلَى الْوَاحِدِ أَنْ يَرْجِعَ إذَا كانت كما وَصَفْت إلَّا أَنْ يَخَافَ إذَا تَخَلَّفُوا أَنْ يَقْتَطِعُوا في الرُّجُوعِ خَوْفًا بَيَّنَّا فَيَكُونَ لهم عُذْرٌ بِأَنْ لَا يَرْجِعُوا - * تَحْوِيلُ حَالِ من لَا جِهَادَ عليه - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان الرَّجُلُ مِمَّنْ لَا جِهَادَ عليه بِمَا وَصَفْت من الْعُذْرِ أو كان مِمَّنْ عليه جِهَادٌ فَخَرَجَ فيه فَحَدَثَ له ما يَخْرُجُ بِهِ من فَرْضِ الْجِهَادِ بِالْعُذْرِ في نَفْسِهِ وَمَالِهِ ثُمَّ زَالَتْ الْحَالُ عنه عَادَ إلَى أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ عليه فَرْضُ الْجِهَادِ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَعْمَى فَذَهَبَ الْعَمَى وَصَحَّ بَصَرُهُ أو إحْدَى عَيْنَيْهِ فَيَخْرُجُ من حَدِّ الْعَمَى أو يَكُونَ أَعْرَجَ فَيَنْطَلِقُ الْعَرَجُ أو مَرِيضًا فَيَذْهَبُ الْمَرَضُ أو لَا يَجِدُ ثُمَّ يَصِيرُ واجدا ( ( ( واحدا ) ) ) أو صَبِيًّا فَبَلَغَ أو مَمْلُوكًا
____________________

(4/164)


فَيُعْتَقُ أو خُنْثَى مُشْكِلًا فَيَبِينُ رَجُلًا لَا يُشْكِلُ أو كَافِرًا فَيُسْلِمُ فَيَدْخُلُ فِيمَنْ عليه فَرْضُ الْجِهَادِ فَإِنْ كان بَلَدُهُ كان كَغَيْرِهِ مِمَّنْ عليه فَرْضُ الْجِهَادِ فَإِنْ كان قد غَزَا وَلَهُ عُذْرٌ ثُمَّ ذَهَبَ الْعُذْرُ وكان مِمَّنْ عليه فَرْضُ الْجِهَادِ لم يَكُنْ له الرُّجُوعُ عن الْغَزْوِ دُونَ رُجُوعِ من غَزَا معه أو بَعْضِ الْغُزَاةِ في وَقْتٍ يَجُوزُ فيه الرُّجُوعُ قال وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُجَمِّرَ بِالْغَزْوِ فَإِنْ جَمَرَهُمْ فَقَدْ أَسَاءَ وَيَجُوزُ لِكُلِّهِمْ خِلَافُهُ وَالرُّجُوعُ وَإِنْ أَطَاعَتْهُ منهم طَائِفَةٌ فَأَقَامَتْ فَأَرَادَ بَعْضُهُمْ الرُّجُوعَ لم يَكُنْ لهم الرُّجُوعُ إلَّا أَنْ يَكُونَ من تَخَلَّفَ منهم مُمْتَنِعِينَ بِمَوْضِعِهِمْ ليس الْخَوْفُ عليهم بِشَدِيدٍ أَنْ يَرْجِعَ من يُرِيدُ الرُّجُوعَ فَيَكُونَ حِينَئِذٍ لِمَنْ أَرَادَ الرُّجُوعَ أَنْ يَرْجِعَ وَسَوَاءٌ في ذلك الْوَاحِدُ يُرِيدُ الرُّجُوعَ وَالْجَمَاعَةُ لِأَنَّ الْوَاحِدَ قد يَخْلُ بِالْقَلِيلِ وَالْجَمَاعَةُ لَا تَخْلُ بِالْكَثِيرِ وَلِذِي الْعُذْرِ الرُّجُوعُ في كل حَالٍ إذَا جَمَّرَ وَجَوَّزْته قَدْرَ الْغَزْوِ وَإِنْ أَخَلَّ بِمَنْ معه وَكُلُّ مَنْزِلَةٍ قُلْت لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَرْجِعَ فيها فَعَلَى الْإِمَامِ فيها أَنْ يَأْذَنَ في الْوَقْتِ الذي قُلْت لِبَعْضِهِمْ الرُّجُوعُ وَيُمْنَعُ في الْوَقْتِ الذي قُلْت ليس لهم فيه الرُّجُوعُ - * شُهُودُ من لَا فَرْضَ عليه الْقِتَالَ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَاَلَّذِينَ لَا يَأْثَمُونَ بِتَرْكِ الْقِتَالِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِحَالِ ضَرْبَانِ ضَرْبٌ أَحْرَارٌ بَالِغُونَ مَعْذُورُونَ بِمَا وَصَفْت وَضَرْبٌ لَا فَرْضَ عليهم بِحَالٍ وَهُمْ الْعَبِيدُ أو من لم يَبْلُغْ من الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ وَالنِّسَاءِ وَلَا يَحْرُمُ على الْإِمَامِ أَنْ يَشْهَدَ معه الْقِتَالَ الصِّنْفَانِ مَعًا وَلَا على وَاحِدٍ من الصِّنْفَيْنِ أَنْ يَشْهَدَ معه الْقِتَالَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا عبد الْعَزِيزِ بن مُحَمَّدٍ عن جَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ عن أبيه عن يَزِيدَ بن هُرْمُزَ أَنَّ نَجْدَةَ كَتَبَ إلَى بن عَبَّاسٍ يسأله ( ( ( يسأل ) ) ) هل كان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَغْزُو بِالنِّسَاءِ وَهَلْ كان يَضْرِبُ لَهُنَّ بِسَهْمٍ فقال قد كان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَغْزُو بِالنِّسَاءِ فَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى ولم يَكُنْ يَضْرِبُ لَهُنَّ بِسَهْمٍ وَلَكِنْ يَحْذِينَ من الْغَنِيمَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَحْفُوظٌ أَنَّهُ شَهِدَ مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْقِتَالَ الْعَبِيدُ وَالصِّبْيَانُ وأحذاهم من الْغَنِيمَةِ ( قال ) وإذا شَهِدَ من ليس عليه فَرْضُ الْجِهَادِ قَوِيًّا كان أو ضَعِيفًا الْقِتَالَ أحذي من الْغَنِيمَةِ كما كان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يُحْذِي النِّسَاءَ وَقِيَاسًا عَلَيْهِنَّ وَخَبَرٌ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْعَبِيدِ وَالصِّبْيَانِ وَلَا يَبْلُغُ بِحَذِيَّةِ وَاحِدٍ منهم سَهْمَ حُرٍّ وَلَا قَرِيبًا منه وَيُفَضَّلُ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ في الْحَذِيَّةِ إنْ كان منهم أَحَدٌ له غِنَاءٌ في الْقِتَالِ أو مَعُونَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ الْمُقَاتِلِينَ وَلَا يَبْلُغُ بِأَكْثَرِهِمْ حَذِيَّةً سَهْمَ مُقَاتِلٍ من الْأَحْرَارِ وَإِنْ شَهِدَ الْقِتَالَ رَجُلٌ حُرٌّ بَالِغٌ له عُذْرٌ في عَدَمِ شُهُودِ الْقِتَالِ من زَمَنٍ أو ضَعْفٌ بِمَرَضٍ أو عَرَضٍ أو فَقِيرٍ مَعْذُورٍ ضُرِبَ له بِسَهْمِ رَجُلٍ تَامٍّ فَإِنْ قال من أَيْنَ ضَرَبْت لِهَؤُلَاءِ وَلَيْسَ عليهم فَرْضُ الْقِتَالِ وَلَا لهم غَنَاءٌ بِسَهْمٍ ولم تَضْرِبْ بِهِ لِلْعَبِيدِ وَلَهُمْ غِنَاءٌ وَلَا لِلنِّسَاءِ وَالْمُرَاهِقِينَ وَإِنْ أَغْنَوْا وَكُلٌّ ليس عليه فَرْضُ الْقِتَالِ قِيلَ له قُلْنَا خَبَرًا وَقِيَاسًا فَأَمَّا الْخَبَرُ فإن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَحْذَى النِّسَاءَ من الْغَنَائِمِ وكان الْعَبِيدُ وَالصِّبْيَانُ مِمَّنْ لَا فَرْضَ عليهم وَإِنْ كَانُوا أَهْلَ قُوَّةٍ على الْقِتَالِ ليس بِعُذْرٍ في أَبْدَانِهِمْ وَكَذَلِكَ الْعَبِيدُ لو أَنْفَقَ عليهم لم يَكُنْ عليهم الْقِتَالُ فَكَانُوا غير أَهْلِ جِهَادٍ بِحَالٍ كما يَحُجُّ الصَّبِيُّ وَالْعَبْدُ وَلَا يُجْزِئُ عنهما من حَجَّةِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا من أَهْلِ الْفَرْضِ بِحَالٍ وَيَحُجُّ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ الزَّمِنَانِ اللَّذَانِ لَهُمَا الْعُذْرُ بِتَرْكِ الْحَجِّ وَالْفَقِيرَانِ الزَّمِنَانِ فَيُجْزِئُ عنهما عن حَجَّةِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا زَالَ الْفَرْضُ عنهما بِعُذْرٍ في أَبْدَانِهِمَا وَأَمْوَالِهِمَا مَتَى فَارَقَهُمَا ذلك كَانَا من أَهْلِهِ ولم يَكُنْ هَكَذَا الصَّبِيُّ وَالْعَبْدُ في الْحَجِّ قال وَكَذَلِكَ لو لم يَكُونَا كَذَا وَالْمَرْأَةُ مِثْلُهُمَا في الْجِهَادِ وَضَرَبْت
____________________

(4/165)


لِلزَّمِنِ وَالْفَقِيرِ اللَّذَيْنِ لَا غَزْوَ عليهم لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَسْهَمَ لِمَرْضَى وَجَرْحَى وَقَوْمٍ لَا غَنَاءَ لهم على الشُّهُودِ وَأَنَّهُمْ لم يَزَلْ فَرْضُ الْجِهَادِ عليهم إلَّا بِمَعْنَى الْعُذْرِ الذي إذَا زَالَ صَارُوا من أَهْلِهِ فإذا تَكَلَّفُوا شُهُودَهُ كان لهم ما لِأَهْلِهِ - * من ليس لِلْإِمَامِ أَنْ يَغْزُوَ بِهِ بِحَالٍ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى غَزَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَغَزَا معه بَعْضُ من يَعْرِفُ نِفَاقَهُ فَانْخَزَلَ يوم أُحُدٍ عنه بِثَلَثِمِائَةٍ ثُمَّ شَهِدُوا معه يوم الْخَنْدَقِ فَتَكَلَّمُوا بِمَا حَكَى اللَّهُ عز وجل من قَوْلِهِمْ { ما ( ( ( وما ) ) ) وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إلَّا غُرُورًا } ثُمَّ غَزَا النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَشَهِدَهَا معه عَدَدٌ فَتَكَلَّمُوا بِمَا حَكَى اللَّهُ تَعَالَى من قَوْلِهِمْ { لَئِنْ رَجَعْنَا إلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ منها الْأَذَلَّ } وَغَيْرُ ذلك مِمَّا حَكَى اللَّهُ عز وجل من نِفَاقِهِمْ ثُمَّ غَزَا غَزْوَةَ تَبُوكَ فَشَهِدَهَا معه قَوْمٌ منهم نَفَرُوا بِهِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ لِيَقْتُلُوهُ فَوَقَاهُ اللَّهُ عز وجل شَرَّهُمْ وَتَخَلَّفَ آخَرُونَ منهم فِيمَنْ بِحَضْرَتِهِ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل في غَزَاةِ تَبُوكَ أو منصرفة عنها ولم يَكُنْ في تَبُوكَ قِتَالٌ من أَخْبَارِهِمْ فقال وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا له عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اُقْعُدُوا مع الْقَاعِدِينَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَظْهَرَ اللَّهُ عز وجل لِرَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَسْرَارَهُمْ وَخَبَّرَ السَّمَّاعِينَ لهم وَابْتِغَاءَهُمْ أَنْ يَفْتِنُوا من معه بِالْكَذِبِ وَالْإِرْجَافِ وَالتَّخْذِيلِ لهم فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَرِهَ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ إذْ كَانُوا على هذه النِّيَّةِ كان فيها ما دَلَّ على أَنَّ اللَّهَ عز وجل أَمَرَ أَنْ يَمْنَعَ من عَرَفَ بِمَا عُرِفُوا بِهِ من أَنْ يَغْزُوَ مع الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ عليهم ثُمَّ زَادَ في تَأْكِيدِ بَيَانِ ذلك بِقَوْلِهِ { فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رسول اللَّهِ } قَرَأَ الرَّبِيعُ إلَى { الْخَالِفِينَ } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَمَنْ شُهِرَ بِمِثْلِ ما وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُنَافِقِينَ لم يَحِلَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَدَعَهُ يَغْزُو معه ولم يَكُنْ لو غَزَا معه أَنْ يُسْهِمَ له وَلَا يَرْضَخَ لِأَنَّهُ مِمَّنْ مَنَعَ اللَّهُ عز وجل أَنْ يَغْزُوَ مع الْمُسْلِمِينَ لِطَلَبَتِهِ فِتْنَتَهُمْ وَتَخْذِيلِهِ إيَّاهُمْ وَأَنَّ فِيهِمْ من يَسْتَمِعُ له بِالْغَفْلَةِ وَالْقَرَابَةِ وَالصَّدَاقَةِ وَأَنَّ هذا قد يَكُونُ أَضَرَّ عليهم من كَثِيرٍ من عَدُوِّهِمْ ( قال ) وَلَمَّا نَزَلَ هذا على رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَكُنْ لِيَخْرُجَ بِهِمْ أَبَدًا وإذا حَرَّمَ اللَّهُ عز وجل أَنْ يَخْرُجَ بِهِمْ فَلَا سَهْمَ لهم لو شَهِدُوا الْقِتَالَ وَلَا رَضْخَ وَلَا شَيْءَ لِأَنَّهُ لم يَحْرُمْ أَنْ يَخْرُجَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِمْ فَأَمَّا من كان على غَيْرِ ما وَصَفَ اللَّهُ عز وجل من هَؤُلَاءِ أو بَعْضِهِ ولم يَكُنْ يُحْمَدُ حَالُهُ أو ظَنَّ ذلك بِهِ وهو مِمَّنْ لَا يُطَاعُ وَلَا يَضُرُّ ما وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى عن هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَ اللَّهُ عز وجل بِشَيْءٍ من أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ إلَّا ما منعهم ( ( ( منعه ) ) ) اللَّهُ عز وجل لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَقَرَّهُمْ على أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْآيَةِ وَإِنَّمَا مُنِعُوا الْغَزْوَ مع الْمُسْلِمِينَ لِلْمَعْنَى الذي وَصَفَ اللَّهُ عز وجل من ضَرَرِهِمْ وَصَلَاةُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَمْنَعْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَحَدًا أَنْ يُصَلِّيَ عليهم بِخِلَافِ صَلَاتِهِ صَلَاةِ غَيْرِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كان مُشْرِكٌ يَغْزُو مع الْمُسْلِمِينَ وكان معه في الْغَزْوِ من يُطِيعُهُ من مُسْلِمٍ أو مُشْرِكٍ وَكَانَتْ عليه دَلَائِلُ الْهَزِيمَةِ وَالْحِرْصِ على غَلَبَةِ الْمُسْلِمِينَ وَتَفْرِيقِ جَمَاعَتِهِمْ لم يَجُزْ أَنْ يَغْزُوَ بِهِ وَإِنْ غَزَا بِهِ لم يَرْضَخْ له لِأَنَّ هذا إذَا كان في الْمُنَافِقِينَ مع اسْتِتَارِهِمْ بِالْإِسْلَامِ كان في الْمُكْتَشِفِينَ في الشِّرْكِ مِثْلُهُ فِيهِمْ أو أَكْثَرُ إذَا كانت أفعاله ( ( ( أفعالهم ) ) ) كَأَفْعَالِهِمْ أو أَكْثَرَ وَمَنْ كان من الْمُشْرِكِينَ على خِلَافِ هذه الصِّفَةِ فَكَانَتْ فيه مَنْفَعَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ بِدَلَالَةٍ على عَوْرَةِ عَدُوٍّ أو طَرِيقٍ أو ضَيْعَةٍ أو نَصِيحَةٍ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يغزي بِهِ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يُعْطَى من الْفَيْءِ شيئا وَيَسْتَأْجِرَ إجَارَةً من مَالٍ لَا مَالِكَ له بِعَيْنِهِ وهو غَيْرُ سَهْمِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَإِنْ أَغْفَلَ ذلك أعطى من
____________________

(4/166)


سَهْمِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَرَدَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يوم ( بَدْرٍ ) مُشْرِكًا قِيلَ نُعَيْمٌ فَأَسْلَمَ وَلَعَلَّهُ رَدَّهُ رَجَاءَ إسْلَامِهِ وَذَلِكَ وَاسِعٌ لِلْإِمَامِ أَنْ يَرُدَّ الْمُشْرِكَ فَيَمْنَعُهُ الْغَزْوَ وَيَأْذَنَ له وَكَذَلِكَ الضَّعِيفُ من الْمُسْلِمِينَ وَيَأْذَنَ له وَرَدُّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من جِهَةِ إبَاحَةِ الرَّدِّ وَالدَّلِيلُ على ذلك وَاَللَّهُ تعالى أَعْلَمُ أَنَّهُ قد غَزَا بِيَهُودِ بَنِي قَيْنُقَاعَ بَعْدَ بَدْرٍ وَشَهِدَ صَفْوَانُ بن أُمَيَّةَ معه حُنَيْنًا بَعْدَ الْفَتْحِ وَصَفْوَانُ مُشْرِكٌ ( قال ) وَنِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ في هذا وَصِبْيَانِهِمْ كَرِجَالِهِمْ لَا يَحْرُمُ أَنْ يَشْهَدُوا الْقِتَالَ وَأَحَبُّ إلَيَّ لو لم يُعْطُوا وَإِنْ شَهِدُوا الْقِتَالَ فَلَا يُبَيِّنُ أَنْ يَرْضَخَ لهم إلَّا أَنْ تَكُونَ منهم مَنْفَعَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَيَرْضَخَ لهم بِشَيْءٍ ليس كما يَرْضَخُ لِعَبْدٍ مُسْلِمٍ أو لأمرأة وَلَا صَبِيٍّ مُسْلِمَيْنِ وَأَحَبُّ إلَيَّ لو لم يَشْهَدُوا الْحَرْبَ إنْ لم تَكُنْ بِهِمْ مَنْفَعَةٌ لِأَنَّا إنَّمَا أَجَزْنَا شُهُودَ النِّسَاءِ مع الْمُسْلِمِينَ وَالصِّبْيَانَ في الْحَرْبِ رَجَاءَ النُّصْرَةِ بِهِمْ لَمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَهْلِ الْإِيمَانِ وَلَيْسَ ذلك في الْمُشْرِكِينَ - * كَيْفَ تُفَضِّلُ فَرْضَ الْجِهَادِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وهو كُرْهٌ لَكُمْ } مع ما أَوْجَبَ من الْقِتَالِ في غَيْرِ آيَةٍ من كِتَابِهِ وقد وَصَفْنَا أَنَّ ذلك على الْأَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ الْبَالِغِينَ غَيْرُ ذَوِي الْعُذْرِ بِدَلَائِلِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فإذا كان فَرْضُ الْجِهَادِ على من فُرِضَ عليه مُحْتَمِلًا لَأَنْ يَكُونَ كَفَرْضِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا عَامًّا وَمُحْتَمِلًا لَأَنْ يَكُونَ على غَيْرِ الْعُمُومِ فَدَلَّ كِتَابُ اللَّهِ عز وجل وَسُنَّةُ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على أَنَّ فَرْضَ الْجِهَادِ إنَّمَا هو على أَنْ يَقُومَ بِهِ من فيه كِفَايَةٌ لِلْقِيَامِ بِهِ حتى يَجْتَمِعَ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ الْمَخُوفِ على الْمُسْلِمِينَ من يَمْنَعُهُ وَالْآخَرُ أَنْ يُجَاهِدَ من الْمُسْلِمِينَ من في جِهَادِهِ كِفَايَةٌ حتى يُسْلِمَ أَهْلُ الْأَوْثَانِ أو يعطى أَهْلُ الْكِتَابِ الْجِزْيَةَ قُلْ فإذا قام بهذا من الْمُسْلِمِينَ من فيه الْكِفَايَةُ بِهِ خَرَجَ الْمُتَخَلِّفُ منهم من الْمَأْثَمِ في تَرْكِ الْجِهَادِ وكان الْفَضْلُ لِلَّذِينَ وَلَوْا الْجِهَادَ على الْمُتَخَلِّفِينَ عنه قال اللَّهُ عز وجل { لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ من الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ على الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً } الْآيَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبَيَّنَ إذْ وَعَدَ اللَّهُ عز وجل الْقَاعِدِينَ غير أُولِي الضَّرَرِ الْحُسْنَى أَنَّهُمْ لَا يَأْثَمُونَ بِالتَّخَلُّفِ وَيُوعَدُونَ الْحُسْنَى بِالتَّخَلُّفِ بَلْ وَعَدَهُمْ لَمَّا وَسَّعَ عليهم من التَّخَلُّفِ الْحُسْنَى إنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ لم يَتَخَلَّفُوا شَكًّا وَلَا سُوءَ نِيَّةٍ وَإِنْ تَرَكُوا الْفَضْلَ في الْغَزْوِ وَأَبَانَ اللَّهُ عز وجل في قَوْلِهِ في النَّفِيرِ حين أُمِرْنَا بِالنَّفِيرِ { انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا } وقال عز وجل { إلَّا تَنْفِرُوا يَعْذِبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } وقال تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وما كان الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ من كل فِرْقَةٍ منهم طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا في الدِّينِ } الْآيَةَ فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ فَرْضَ الْجِهَادِ على الْكِفَايَةِ من الْمُجَاهِدِينَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) ولم يَغْزُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم غَزَاةً عَلِمْتهَا إلَّا تَخَلَّفَ عنه فيها بَشَرٌ فَغَزَا بَدْرًا وَتَخَلَّفَ عنه رِجَالٌ مَعْرُوفُونَ وَكَذَلِكَ تَخَلَّفَ عنه عَامَ الْفَتْحِ وَغَيْرَهُ من غَزَوَاتِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وقال في غَزْوَةِ تَبُوكَ وفي تَجَهُّزِهِ لِلْجَمْعِ لِلرُّومِ ( لِيَخْرُجَ من كل رَجُلَيْنِ رَجُلٌ فَيَخْلُفُ الْبَاقِي الْغَازِيَ في أَهْلِهِ وَمَالِهِ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبَعَثَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم جُيُوشًا وَسَرَايَا تَخَلَّفَ عنها بِنَفْسِهِ مع حِرْصِهِ على الْجِهَادِ على ما ذَكَرْت ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَبَانَ أَنْ لو تَخَلَّفُوا مَعًا أَثِمُوا مَعًا بِالتَّخَلُّفِ بِقَوْلِهِ عز وجل { إلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } يَعْنِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ إلَّا إنْ تَرَكْتُمْ النَّفِيرَ كُلُّكُمْ عَذَّبْتُكُمْ قال فَفَرْضُ الْجِهَادِ على ما وَصَفْت يُخْرِجُ الْمُتَخَلِّفِينَ من الْمَأْثَمِ القائم بِالْكِفَايَةِ فيه وَيَأْثَمُونَ مَعًا إذَا تَخَلَّفُوا مَعًا
____________________

(4/167)


- * تَفْرِيعُ فَرْضِ الْجِهَادِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ عز وجل { قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ من الْكُفَّارِ } قال فَفَرَضَ اللَّهُ جِهَادَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ أَبَانَ من الَّذِينَ نَبْدَأُ بِجِهَادِهِمْ من الْمُشْرِكِينَ فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُمْ الَّذِينَ يَلُونَ الْمُسْلِمِينَ وكان مَعْقُولًا في فَرْضِ اللَّهِ جِهَادُهُمْ أَنَّ أَوْلَاهُمْ بِأَنْ يُجَاهِدَ أَقْرَبُهُمْ بِالْمُسْلِمِينَ دَارًا لِأَنَّهُمْ إذَا قَوُوا على جِهَادِهِمْ وَجِهَادِ غَيْرِهِمْ كَانُوا على جِهَادِ من قَرُبَ منهم أَقْوَى وكان من قَرُبَ أَوْلَى أَنْ يُجَاهِدَ من قُرْبِهِ من عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّ نِكَايَةَ من قَرُبَ أَكْثَرُ من نِكَايَةِ من بَعُدَ قال فَيَجِبُ على الْخَلِيفَةِ إذَا اسْتَوَتْ حَالُ الْعَدُوِّ أو كانت بِالْمُسْلِمِينَ عليهم قُوَّةٌ أَنْ يَبْدَأَ بِأَقْرَبِ الْعَدُوِّ من دِيَارِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُمْ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ وَلَا يَتَنَاوَلُ من خَلْفَهُمْ من طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ على عَدُوٍّ دُونَهُ حتى يَحْكُمَ أَمْرَ الْعَدُوِّ دُونَهُ بِأَنْ يُسْلِمُوا أو يُعْطُوا الْجِزْيَةَ إنْ كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ وَأُحِبُّ له إنْ لم يُرِدْ تَنَاوُلَ عَدُوٍّ وَرَاءَهُمْ ولم يُطِلْ على الْمُسْلِمِينَ عَدُوٌّ أَنْ يَبْدَأَ بِأَقْرَبِهِمْ من الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُمْ أَوْلَى بِاسْمِ الَّذِينَ يَلُونَ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كان كُلٌّ يَلِي طَائِفَةً من الْمُسْلِمِينَ فَلَا أُحِبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِقِتَالِ طَائِفَةٍ تَلِي قَوْمًا من الْمُسْلِمِينَ دُونَ آخَرِينَ وَإِنْ كانت أَقْرَبَ منهم من الْأُخْرَى إلَى قَوْمٍ غَيْرِهِمْ فَإِنْ اخْتَلَفَ حَالُ الْعَدُوِّ فَكَانَ بَعْضُهُمْ أَنْكَى من بَعْضٍ أو أَخْوَفَ من بَعْضٍ فَلْيَبْدَأْ الْإِمَامُ بِالْعَدُوِّ الْأَخْوَفِ أو الأنكى وَلَا بَأْسَ أَنْ يَفْعَلَ وَإِنْ كانت دَارُهُ أَبْعَدَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حتى ما يَخَافُ مِمَّنْ بَدَأَ بِهِ مِمَّا لَا يَخَافُ من غَيْرِهِ مثله وَتَكُونُ هذه بِمَنْزِلَةِ ضَرُورَةٍ لِأَنَّهُ يَجُوزُ في الضَّرُورَةِ ما لَا يَجُوزُ في غَيْرِهَا وقد بَلَغَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عن الْحَارِثِ بن أبي ضِرَارٍ أَنَّهُ يَجْمَعُ له فَأَغَارَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَقُرْبُهُ عَدُوٌّ أَقْرَبُ منه وَبَلَغَهُ أَنَّ خَالِدَ بن أبي سُفْيَانَ بن شُحٍّ يَجْمَعُ له فَأَرْسَلَ بن أُنَيْسٍ فَقَتَلَهُ وَقُرْبُهُ عَدُوٌّ أَقْرَبُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذِهِ مَنْزِلَةٌ لَا يَتَبَايَنُ فيها حَالُ الْعَدُوِّ كما وَصَفْت وَالْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ أَوَّلَ ما يَبْدَأُ بِهِ سَدُّ أَطْرَافِ الْمُسْلِمِينَ بِالرِّجَالِ وَإِنْ قَدَرَ على الْحُصُونِ وَالْخَنَادِقِ وَكُلِّ أَمْرٍ دَفَعَ الْعَدُوَّ قبل انْتِيَابِ الْعَدُوِّ في دِيَارِهِمْ حتى لَا يَبْقَى لِلْمُسْلِمِينَ طَرَفٌ إلَّا وَفِيهِ من يَقُومُ بِحَرْبِ من يَلِيهِ من الْمُشْرِكِينَ وَإِنْ قَدَرَ على أَنْ يَكُونَ فيه أَكْثَرَ فَعَلَ وَيَكُونُ الْقَائِمُ بِوِلَايَتِهِمْ أَهْلَ الْأَمَانَةِ وَالْعَقْلِ وَالنَّصِيحَةِ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْعِلْمِ بِالْحَرْبِ وَالنَّجْدَةِ وَالْأَنَاةِ وَالرِّفْقِ وَالْإِقْدَامِ في مَوْضِعِهِ وَقِلَّةِ الْبَطْشِ وَالْعَجَلَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا أَحْكَمَ هذا في الْمُسْلِمِينَ وَجَبَ عليه أَنْ يُدْخِلَ الْمُسْلِمِينَ بِلَادَ الْمُشْرِكِينَ في الْأَوْقَاتِ التي لَا يُغَرَّرُ بِالْمُسْلِمِينَ فيها وَيَرْجُو أَنْ يَنَالَ الظَّفَرَ من الْعَدُوِّ فَإِنْ كانت بِالْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ لم أَرَ أَنْ يَأْتِيَ عليه عَامٌ إلَّا وَلَهُ جَيْشٌ أو غَارَةٌ في بِلَادِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَلُونَ الْمُسْلِمِينَ من كل نَاحِيَةٍ عَامَّةٍ وَإِنْ كان يُمْكِنُهُ في السَّنَةِ بِلَا تَغْرِيرٍ بِالْمُسْلِمِينَ أَحْبَبْت له أَنْ لَا يَدَعَ ذلك كُلَّمَا أَمْكَنَهُ وَأَقَلُّ ما يَجِبُ عليه أَنْ لَا يَأْتِيَ عليه عَامٌ إلَّا وَلَهُ فيه غَزْوٌ حتى لَا يَكُونَ الْجِهَادُ مُعَطَّلًا في عَامٍ إلَّا من عُذْرٍ وإذا غَزَا عَامًا قَابِلًا غَزَا بَلَدًا غَيْرَهُ وَلَا يتابع ( ( ( يتأتى ) ) ) الْغَزْوُ على بَلَدٍ وَيُعَطَّلُ من بِلَادِ الْمُشْرِكِينَ غَيْرُهُ إلَّا أَنْ يَخْتَلِفَ حَالُ أَهْلِ الْبُلْدَانِ فَيُتَابِعُ الْغَزْوَ على من يَخَافُ نِكَايَتَهُ أو من يَرْجُو غَلَبَةَ الْمُسْلِمِينَ على بِلَادِهِ فَيَكُونُ تَتَابُعُهُ على ذلك وَعَطَّلَ غَيْرَهُ بِمَعْنَى ليس في غَيْرِهِ مِثْلُهُ قال وَإِنَّمَا قُلْت بِمَا وَصَفْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَخْلُ من حِينِ فَرَضَ عليه الْجِهَادَ من أَنْ غَزَا بِنَفْسِهِ أو غَيْرِهِ في عَامٍ من غَزْوَةٍ أو غَزْوَتَيْنِ أو سَرَايَا وقد كان يَأْتِي عليه الْوَقْتُ لَا يَغْزُو فيه وَلَا يُسْرِي سَرِيَّةً وقد يُمْكِنُهُ وَلَكِنَّهُ يَسْتَجِمُّ وَيُجَمُّ له وَيَدْعُو وَيُظَاهِرُ الْحُجَجُ على من دَعَاهُ وَيَجِبُ على أَهْلِ الْإِمَامِ أَنْ يَغْزُوا أَهْلَ الْفَيْءِ يَغْزُوا كُلُّ قَوْمٍ إلَى من يَلِيهِمْ من الْمُشْرِكِينَ وَلَا يُكَلَّفُ الرَّجُلُ الْبِلَادَ الْبَعِيدَةَ وَلَهُ مُجَاهِدٌ أَقْرَبُ منها إلَّا أَنْ يَخْتَلِفَ حَالُ الْمُجَاهِدِينَ فَيَزِيدَ عن الْقَرِيبِ عن يَكْفِيَهُمْ فَإِنْ عَجَزَ الْقَرِيبُ عن كِفَايَتِهِمْ كَلَّفَهُمْ أَقْرَبَ أَهْلِ الْفَيْءِ بِهِمْ قال وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَغْزُوَ أَهْلُ دَارٍ
____________________

(4/168)


من الْمُسْلِمِينَ كَافَّةً حتى يَخْلُفَ في دِيَارِهِمْ من يَمْنَعُ دَارَهُمْ منه ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا كان أَهْلُ دَارِ الْمُسْلِمِينَ قَلِيلًا إنْ غَزَا بَعْضُهُمْ خِيفَ الْعَدُوُّ على الْبَاقِينَ منهم لم يَغْزُ منهم أَحَدٌ وكان هَؤُلَاءِ في رِبَاطِ الْجِهَادِ وَنُزُلِهِمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كانت مُمْتَنِعَةً غير مَخُوفٍ عليها مِمَّنْ يُقَارِبُهَا فَأَكْثَرُ ما يَجُوزُ أَنْ يُغْزَى من كل رَجُلَيْنِ رَجُلًا فَيَخْلُفُ الْمُقِيمُ الظَّاعِنَ في أَهْلِهِ وَمَالِهِ فإن رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَمَّا تَجَهَّزَ إلَى تَبُوكَ فَأَرَادَ الرُّومَ وَكَثُرَتْ جُمُوعُهُمْ قال لِيَخْرُجَ من كل رَجُلَيْنِ رَجُلٌ وَمَنْ في الْمَدِينَةِ مُمْتَنِعٌ بِأَقَلَّ مِمَّنْ تَخَلَّفَ فيها وإذا كان الْقَوْمُ في سَاحِلٍ من السَّوَاحِلِ كَسَوَاحِلِ الشَّامِ وَكَانُوا على قِتَالِ الرُّومِ وَالْعَدُوُّ الذي يَلِيهِمْ أَقْوَى مِمَّنْ يَأْتِيهِمْ من غَيْرِ أَهْلِ بَلَدِهِمْ وكان جِهَادُهُمْ عليه أَقْرَبَ منه على غَيْرِهِمْ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَغْزُوا إلَيْهِمْ من يُقِيمُ في ثُغُورِهِمْ مع من تَخَلَّفَ منهم وَإِنْ لم يَكُنْ من خُلِّفُوا منهم يَمْنَعُونَ دَارَهُمْ لو انْفَرَدُوا إذَا صَارُوا يَمْنَعُونَ دَارَهُمْ بِمَنْ تَخَلَّفَ من الْمُسْلِمِينَ مَعَهُمْ وَيَدْخُلُونَ بِلَادَ الْعَدُوِّ فَيَكُونُ عَدُوُّهُمْ أَقْرَبَ وَدَوَابُّهُمْ أَجَمَّ وَهُمْ بِبِلَادِهِمْ أَعْلَمُ وَتَكُونُ دَارُهُمْ غير ضَائِعَةٍ بِمَنْ تَخَلَّفَ منهم وَخَلَفَ مَعَهُمْ من غَيْرِهِمْ قال وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُوَلِّيَ الْإِمَامُ الْغَزْوَ إلَّا ثِقَةً في دِينِهِ شُجَاعًا في بَدَنِهِ حَسَنَ الْأَنَاةِ عَاقِلًا لِلْحَرْبِ بَصِيرًا بها غير عَجِلٍ وَلَا نَزِقٍ وَأَنْ يَقْدَمَ إلَيْهِ وَإِلَى من وَلَّاهُ أَنْ لَا يَحْمِلَ الْمُسْلِمِينَ على مَهْلَكَةٍ بِحَالٍ وَلَا يَأْمُرَهُمْ بِنَقْبِ حِصْنٍ يَخَافُ أَنْ يَشْدَخُوا تَحْتَهُ وَلَا دُخُولَ مَطْمُورَةٍ يَخَافُ أَنْ يُقْتَلُوا وَلَا يَدْفَعُوا عن أَنْفُسِهِمْ فيها وَلَا غير ذلك من أَسْبَابِ الْمَهَالِكِ فَإِنْ فَعَلَ ذلك الْإِمَامُ فَقَدْ أَسَاءَ وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى وَلَا عَقْلَ وَلَا قَوَدَ عليه وَلَا كَفَّارَةَ إنْ أُصِيبَ أَحَدٌ من الْمُسْلِمِينَ بِطَاعَتِهِ قال وَكَذَلِكَ لَا يَأْمُرُ الْقَلِيلَ منهم بِانْتِيَابِ الْكَثِيرِ حَيْثُ لَا غَوْثَ لهم وَلَا يَحْمِلُ منهم أَحَدًا على غَيْرِ فَرْضِ الْقِتَالِ عليه وَذَلِكَ أَنْ يُقَاتِلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَيْنِ لَا يُجَاوِزُ ذلك وإذا حَمَلَهُمْ على ما ليس له حَمْلُهُمْ عليه فَلَهُمْ أَنْ لَا يَفْعَلُوهُ قال وَإِنَّمَا قُلْت لَا عَقْلَ وَلَا قَوَدَ وَلَا كَفَّارَةَ عليه أَنَّهُ جِهَادٌ وَيَحِلُّ لهم بِأَنْفُسِهِمْ أَنْ يَقْدَمُوا فيه على ما ليس عليهم بعرض ( ( ( بغرض ) ) ) الْقَتْلِ لِرَجَاءِ إحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ أَلَا تَرَى أَنِّي لَا أَرَى ضِيقًا على الرَّجُلِ أَنْ يَحْمِلَ على الْجَمَاعَةِ حَاسِرًا أو يُبَادِرَ الرَّجُلُ وَإِنْ كان الْأَغْلَبُ أَنَّهُ مَقْتُولٌ لِأَنَّهُ قد بُودِرَ بين يَدَيْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَحَمَلَ رَجُلٌ من الْأَنْصَارِ حَاسِرًا على جَمَاعَةٍ من الْمُشْرِكِينَ يوم بَدْرٍ بَعْدَ إعْلَامِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِمَا في ذلك من الْخَيْرِ فَقُتِلَ - * تَحْرِيمُ الْفِرَارِ من الزَّحْفِ - * قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { يا أَيُّهَا النبي حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ على الْقِتَالِ إنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } وقال عز وجل { الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } الْآيَةُ أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن بن عَبَّاسٍ قال لَمَّا نَزَلَتْ { إنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } فَكَتَبَ عليهم أَنْ لَا يَفِرَّ الْعِشْرُونَ من الْمِائَتَيْنِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل { الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } فَخَفَّفَ عَنْهُمْ وَكَتَبَ عليهم أَنْ لَا يَفِرَّ مِائَةٌ من الْمِائَتَيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا كما قال بن عَبَّاسٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مُسْتَغْنًى فيه بِالتَّنْزِيلِ عن التَّأْوِيلِ وقال اللَّهُ تَعَالَى { إذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمْ الْأَدْبَارَ } الْآيَةَ فإذا غَزَا الْمُسْلِمُونَ أو غُزُوا فَتَهَيَّئُوا لِلْقِتَالِ فَلَقُوا ضِعْفَهُمْ من الْعَدُوِّ حَرُمَ عليهم أَنْ يُوَلُّوا عَنْهُمْ إلَّا مُتَحَرِّفِينَ إلَى فِئَةٍ فَإِنْ كان الْمُشْرِكُونَ أَكْثَرَ من ضِعْفِهِمْ لم أُحِبَّ لهم أَنْ يُوَلُّوا عَنْهُمْ وَلَا يَسْتَوْجِبُ السُّخْطَ عِنْدِي من اللَّهِ عز وَعَلَا لو وَلَّوْا عَنْهُمْ إلَى غَيْرِ التَّحَرُّفِ لِلْقِتَالِ وَالتَّحَيُّزِ إلَى فِئَةٍ لأن ( ( ( لأنا ) ) ) بَيَّنَّا أَنَّ اللَّهَ عز وجل إنَّمَا يُوجِبُ سُخْطَهُ على من تَرَكَ فَرْضَهُ وَأَنَّ فَرْضَ اللَّهِ عز وجل في الْجِهَادِ إنَّمَا هو على أَنْ يُجَاهِدَ الْمُسْلِمُونَ ضِعْفَهُمْ من الْعَدُوِّ وَيَأْثَمُ الْمُسْلِمُونَ لو أَطَلَّ عَدُوٌّ على أَحَدٍ من الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ يَقْدِرُونَ على الْخُرُوجِ إلَيْهِ بِلَا تَضْيِيعٍ لِمَا
____________________

(4/169)


خَلْفَهُمْ من ثَغْرِهِمْ إذَا كان الْعَدُوُّ ضِعْفَهُمْ وَأَقَلَّ قال وإذا لَقِيَ الْمُسْلِمُونَ الْعَدُوَّ فَكَثَرَهُمْ الْعَدُوُّ أو قَوُوا عليهم وَإِنْ لم يَكْثُرُوهُمْ بِمَكِيدَةٍ أو غَيْرِهَا فَوَلَّى الْمُسْلِمُونَ غير مُتَحَرِّفِينَ لِقِتَالٍ أو مُتَحَيِّزِينَ إلَى فِئَةٍ رَجَوْت أَنْ لَا يَأْثَمُوا وَلَا يَخْرُجُونَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ من الْمَأْثَمِ إلَّا بِأَنْ لَا يُوَلُّوا الْعَدُوَّ دُبُرًا إلَّا وَهُمْ يَنْوُونَ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ من التَّحَرُّفِ إلَى الْقِتَالِ أو التَّحَيُّزِ إلَى فِئَةٍ فَإِنْ وَلَّوْا على غَيْرِ نِيَّةِ وَاحِدٍ من الْأَمْرَيْنِ خَشِيت أَنْ يَأْثَمُوا وَأَنْ يُحْدِثُوا بَعْدُ نِيَّةَ خَيْرٍ لهم وَمَنْ فَعَلَ هذا منهم تَقَرَّبَ إلَى اللَّهِ عز وجل بِمَا اسْتَطَاعَ من خَيْرٍ بِلَا كَفَّارَةٍ مَعْلُومَةٍ فيه قال وَلَوْ وَلَّوْا يُرِيدُونَ التَّحَرُّفَ لِلْقِتَالِ أو التَّحَيُّزَ إلَى الْفِئَةِ ثُمَّ أَحْدَثُوا بَعْدُ نِيَّةً في الْمُقَامِ على الْفِرَارِ بِلَا وَاحِدَةٍ من النِّيَّتَيْنِ كَانُوا غير آثِمِينَ بِالتَّوْلِيَةِ مع النِّيَّةِ لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ وَخِفْت أَنْ يَأْثَمُوا بِالنِّيَّةِ الْحَادِثَةِ أَنْ يَثْبُتُوا على الْفِرَارِ لَا لِوَاحِدٍ من الْمَعْنَيَيْنِ وَإِنْ بَعْضُ أَهْلِ الْفَيْءِ نَوَى أَنْ يُجَاهِدَ عَدُوًّا أبدا بِلَا عُذْرٍ خِفْت عليه الْمَأْثَمَ وَلَوْ نَوَى الْمُجَاهِدُ أَنْ يَفِرَّ عنه لَا لِوَاحِدٍ من الْمَعْنَيَيْنِ كان خَوْفِي عليه من الْمَأْثَمِ أَعْظَمَ وَلَوْ شَهِدَ الْقِتَالَ من له عُذْرٌ في تَرْكِ الْقِتَالِ من الضُّعَفَاءِ وَالْمَرْضَى الْأَحْرَارِ خِفْت أَنْ يَضِيقَ على أَهْلِ الْقِتَالِ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا عُذِرُوا بِتَرْكِهِ فإذا تَكَلَّفُوهُ فَهُمْ من أَهْلِهِ كما يُعْذَرُ الْفَقِيرُ الزَّمِنُ بِتَرْكِ الْحَجِّ فإذا حَجَّ لَزِمَهُ فيه ما لَزِمَ من لَا يُعْذَرُ بِتَرْكِهِ من عَمَلٍ وَمَأْثَمٍ وَفِدْيَةٍ قال وَإِنْ شَهِدَ الْقِتَالَ عَبْدٌ أَذِنَ له سَيِّدُهُ كان كَالْأَحْرَارِ ما كان في إذْنِ سَيِّدِهِ يَضِيقُ عليه التَّوْلِيَةُ لِأَنَّ كُلَّ من سَمَّيْت من أَهْلِ الْفَرَائِضِ الَّذِينَ يَجْرِي عليهم الْمَأْثَمُ وَيَصْلُحُونَ لِلْقِتَالِ قال وَلَوْ شَهِدَ الْقِتَالَ عَبْدٌ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ لم يَأْثَمْ بِالْفِرَارِ على غَيْرِ نِيَّةِ وَاحِدٍ من الْأَمْرَيْنِ لِأَنَّهُ لم يَكُنْ للقتال ( ( ( القتال ) ) ) وَلَوْ شَهِدَ الْقِتَالَ مَغْلُوبٌ على عَقْلِهِ بِلَا سُكْرٍ لم يَأْثَمْ بِأَنْ يُوَلِّيَ وَلَوْ شَهِدَهُ مَغْلُوبٌ على عَقْلِهِ بِسُكْرٍ من خَمْرٍ فَوَلَّى كان كَتَوْلِيَةِ الصَّحِيحِ الْمُطِيقِ لِلْقِتَالِ وَلَوْ شَهِدَ الْقِتَالَ من لم يَبْلُغْ لم يَأْثَمْ بِالتَّوْلِيَةِ لِأَنَّهُ مِمَّنْ لَا حَدَّ عليه ولم تَكْمُلْ الْفَرَائِضُ عليه وَلَوْ شَهِدَ النِّسَاءُ الْقِتَالَ فَوَلَّيْنَ رَجَوْت أَنْ لَا يَأْثَمْنَ بِالتَّوْلِيَةِ لِأَنَّهُنَّ لَسْنَ مِمَّنْ عليه الْجِهَادُ كَيْفَ كانت حَالُهُنَّ قال وإذا حَضَرَ الْعَدُوُّ الْقِتَالَ فَأَصَابَ الْمُسْلِمُونَ غَنِيمَةً ولم تُقْسَمْ حتى وَلَّتْ منهم طَائِفَةٌ فَإِنْ قالوا وَلَّيْنَا مُتَحَرِّفِينَ لِقِتَالٍ أو مُتَحَيِّزِينَ إلَى فِئَةٍ كانت لهم سُهْمَانُهُمْ فِيمَا غُنِمَ بَعْدُ وَإِنْ لم يَكُونُوا مُقَاتِلِينَ وَلَا رِدْءًا وَلَوْ غَنِمَ الْمُسْلِمُونَ غَنِيمَةً ثُمَّ لم تُقْسَمْ خُمِّسَتْ أو لم تُخَمَّسْ حتى وَلَّوْا وَأَقَرُّوا أَنَّهُمْ وَلَّوْا بِغَيْرِ نِيَّةِ وَاحِدٍ من الْأَمْرَيْنِ وَادَّعَوْا أَنَّهُمْ بَعْدَ التَّوْلِيَةِ أَحْدَثُوا نِيَّةَ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ وَالرَّجْعَةَ وَرَجَعُوا لم يَكُنْ لهم غَنِيمَةٌ لِأَنَّهَا لم تَصِرْ إلَيْهِمْ حتى صَارُوا مِمَّنْ عَصَى بِالْفِرَارِ وَتَرَكَ الدَّفْعَ عنها وَكَانُوا آثِمِينَ بِالتَّرْكِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا وَلَّى الْقَوْمُ غير مُتَحَرِّفِينَ إلَى فِئَةٍ ثُمَّ غَزَوْا غَزَاةً أُخْرَى وَعَادُوا إلَى تَرْكِ الْغَزَاةِ فما كان فيها من غَنِيمَةٍ شَهِدُوهَا ولم يُوَلُّوا بَعْدَهَا فَلَهُمْ حَقُّهُمْ منها وإذا رَجَعَ الْقَوْمُ القهقري بِلَا نِيَّةٍ لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ كَانُوا كَالْمُوَلِّينَ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُرِيدَ بِالتَّحْرِيمِ الْهَزِيمَةُ عن الْمُشْرِكِينَ وإذا غَزَا الْقَوْمُ فَذَهَبَتْ دَوَابُّهُمْ لم يَكُنْ لهم عُذْرٌ بِأَنْ يُوَلُّوا وَإِنْ ذَهَبَ السِّلَاحُ وَالدَّوَابُّ وَكَانُوا يَجِدُونَ شيئا يَدْفَعُونَ بِهِ من حِجَارَةٍ أو خَشَبٍ أو غَيْرِهَا وَكَذَلِكَ إنْ لم يَجِدُوا من هذا شيئا فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُوَلُّوا فَإِنْ فَعَلُوا أَحْبَبْت أَنْ يَجْمَعُوا مع الْفِعْلِ على أَنْ يَكُونُوا مُتَحَرِّفِينَ لِقِتَالٍ أو مُتَحَيِّزِينَ إلَى فِئَةٍ وَلَا يُبَيِّنُ أَنْ يَأْثَمُوا لِأَنَّهُمْ مِمَّنْ لَا يَقْدِرُ في هذه الْحَالَةِ على شَيْءٍ يَدْفَعُ بِهِ عن نَفْسِهِ وَأُحِبُّ في هذا كُلِّهِ أَنْ لَا يُوَلِّيَ أَحَدٌ بِحَالٍ إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أو مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ وَلَوْ غَزَا الْمُشْرِكُونَ بِلَادَ الْمُسْلِمِينَ كان تَوْلِيَةُ الْمُسْلِمِينَ عَنْهُمْ كَتَوْلِيَتِهِمْ لو غَزَاهُمْ الْمُسْلِمُونَ إذَا كَانُوا نَازِلِينَ لهم عليهم أَنْ يَبْرُزُوا إلَيْهِمْ قال وَلَا يَضِيقُ على الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَحَصَّنُوا من الْعَدُوِّ في بِلَادِ الْعَدُوِّ وَبِلَادِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ كَانُوا قَاهِرِينَ لِلْعَدُوِّ فِيمَا يَرَوْنَ إذَا ظَنُّوا ذلك أَزْيَدَ في قُوَّتِهِمْ ما لم يَكُنْ الْعَدُوُّ يَتَنَاوَلُ من الْمُسْلِمِينَ أو أَمْوَالِهِمْ شيئا في تَحَصُّنِهِمْ عَنْهُمْ فإذا كان وَاحِدٌ من الْمَعْنَيَيْنِ ضَرَرًا على الْمُسْلِمِينَ ضَاقَ عليهم إنْ أَمْكَنَهُمْ الْخُرُوجُ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْهُمْ فَأَمَّا إذَا كان الْعَدُوُّ قَاهِرِينَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَحَصَّنُوا إلَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ
____________________

(4/170)


مَدَدٌ أو تَحْدُثُ لهم قُوَّةٌ وَإِنْ وني عليهم فَلَا بَأْسَ أَنْ يُوَلُّوا عن الْعَدُوِّ ما لم يَلْتَقُوا هُمْ وَالْعَدُوُّ لِأَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا هو في التَّوْلِيَةِ بَعْدَ اللِّقَاءِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَالتَّحَرُّفُ لِلْقِتَالِ الِاسْتِطْرَادُ إلَى أَنْ يُمْكِنَ الْمُسْتَطْرِدُ الْكَرَّةَ في أَيِّ حَالٍ ما كان الْإِمْكَانُ وَالتَّحَيُّزُ إلَى الْفِئَةِ أَيْنَ كانت الْفِئَةُ بِبِلَادِ الْعَدُوِّ أو بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ ذلك أَقْرَبَ إنَّمَا يَأْثَمُ في التَّوْلِيَةِ من لم يَنْوِ وَاحِدًا من الْمَعْنَيَيْنِ * أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن يَزِيدَ بن أبي زِيَادٍ عن عبد الرحمن بن أبي لَيْلَى عن بن عُمَرَ قال بَعَثَنَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في سَرِيَّةٍ فَلَقُوا الْعَدُوَّ فَحَاصَ الناس حَيْصَةً فَأَتَيْنَا الْمَدِينَةَ وَفَتَحْنَا بَابَهَا فَقُلْنَا يا رَسُولَ اللَّهِ نَحْنُ الْفَرَّارُونَ قال أَنْتُمْ الْعَكَّارُونَ وأنا فِئَتُكُمْ أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن بن أبي نَجِيحٍ عن مُجَاهِدٍ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه قال أنا فِئَةُ كل مُسْلِمٍ - * في إظْهَارِ دِينِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم على الْأَدْيَانِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { هو الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ على الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن الزُّهْرِيِّ عن سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ( إذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ وإذا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرُ بَعْدَهُ وَاَلَّذِي نَفْسِي بيده لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا في سَبِيلِ اللَّهِ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) لَمَّا أتى كِسْرَى بِكِتَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مَزَّقَهُ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( يُمَزَّقُ مُلْكُهُ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَحَفِظْنَا أَنَّ قيصرا ( ( ( قيصر ) ) ) أَكْرَمَ كِتَابَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَوَضَعَهُ في مِسْكٍ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( يَثْبُتُ مُلْكُهُ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَوَعَدَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الناس فَتْحَ فَارِسَ وَالشَّامِ فَأَغْزَى أبو بَكْرٍ الشَّامَ على ثِقَةٍ من فَتْحِهَا لِقَوْلِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَفَتَحَ بَعْضَهَا وَتَمَّ فَتْحُهَا في زَمَانِ عُمَرَ وَفَتَحَ الْعِرَاقَ وَفَارِسَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقَدْ أَظْهَرَ اللَّهُ عز وجل دِينَهُ الذي بُعِثَ بِهِ رسوله ( ( ( رسول ) ) ) صلى اللَّهُ عليه وسلم على الْأَدْيَانِ بِأَنْ أَبَانَ لِكُلِّ من سَمِعَهُ أَنَّهُ الْحَقُّ وما خَالَفَهُ من الْأَدْيَانِ بَاطِلٌ وَأَظْهَرَهُ بِأَنَّ جِمَاعَ الشِّرْكِ دِينَانِ دِينُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَدِينُ الْأُمِّيِّينَ فَقَهَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْأُمِّيِّينَ حتى دَانُوا بِالْإِسْلَامِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَقَتَلَ من أَهْلِ الْكِتَابِ وَسَبَى حتى دَانَ بَعْضُهُمْ بِالْإِسْلَامِ وَأَعْطَى بَعْضٌ الْجِزْيَةَ صَاغِرِينَ وَجَرَى عليهم حُكْمُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَهَذَا ظُهُورُ الدِّينِ كُلِّهِ قال وقد يُقَالُ لَيُظْهِرَنَّ اللَّهُ عز وجل دِينَهُ على الْأَدْيَانِ حتى لَا يُدَانَ لله ( ( ( الله ) ) ) عز وجل إلَّا بِهِ وَذَلِكَ مَتَى شَاءَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَنْتَابُ الشَّامَ انْتِيَابًا كَثِيرًا مع مَعَايِشِهَا منه وَتَأْتِي الْعِرَاقُ قال فلما دَخَلَتْ في الْإِسْلَامِ ذَكَرَتْ لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم خَوْفَهَا من انْقِطَاعِ معايشها ( ( ( تعايشها ) ) ) بِالتِّجَارَةِ من الشَّامِ وَالْعِرَاقِ إذَا فَارَقَتْ الْكُفْرَ وَدَخَلَتْ في الْإِسْلَامِ مع خِلَافِ مِلْكِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( إذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فلم يَكُنْ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ كِسْرَى بَعْدَهُ ثَبَتَ له أَمْرٌ بَعْدَهُ قال ( وإذا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ ) فلم يَكُنْ بِأَرْضِ الشَّامِ قَيْصَرَ بَعْدَهُ وَأَجَابَهُمْ على ما قالوا له وكان كما قال لهم رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَقَطَعَ اللَّهُ الْأَكَاسِرَةَ عن الْعِرَاقِ وَفَارِسَ وَقَيْصَرَ وَمَنْ قام بِالْأَمْرِ بَعْدَهُ عن الشَّامِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في كِسْرَى ( يُمَزَّقُ مُلْكُهُ ) فلم يَبْقَ لِلْأَكَاسِرَةِ مِلْكٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وقال في قَيْصَرَ ( يَثْبُتُ مُلْكُهُ ) فَثَبَتَ له مُلْكٌ بِبِلَادِ الرُّومِ إلَى الْيَوْمِ وَتَنَحَّى مُلْكُهُ عن الشَّامِ وَكُلُّ هذا أَمْرٌ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا
____________________

(4/171)


- * الْأَصْلُ فِيمَنْ تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ منه وَمَنْ لَا تُؤْخَذُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَعَثَ اللَّهُ عز وجل رَسُولَهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِمَكَّةَ وهى بِلَادُ قَوْمِهِ وَقَوْمُهُ أُمِّيُّونَ وَكَذَلِكَ من كان حَوْلَهُمْ من بِلَادِ الْعَرَبِ ولم يَكُنْ فِيهِمْ من الْعَجَمِ إلَّا مَمْلُوكٌ أو أَجِيرٌ أو مُجْتَازٌ أو من لَا يُذْكَرُ قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { هو الذي بَعَثَ في الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا منهم يَتْلُو عليهم آيَاتِهِ } الْآيَةُ فلم يَكُنْ من الناس أَحَدٌ في أَوَّلِ ما بُعِثَ أَعْدَى له من عَوَامِّ قَوْمِهِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ وَفَرَضَ اللَّهُ عز وجل عليه جِهَادَهُمْ فقال { وَقَاتِلُوهُمْ حتى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ } فَقِيلَ فيه فِتْنَةُ شِرْكٍ وَيَكُونُ الدِّينُ كُلُّهُ وَاحِدًا لِلَّهِ وقال في قَوْمٍ كان بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ شَيْءٌ { فإذا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ } الْآيَةَ مع نَظَائِرَ لها في الْقُرْآنِ * أخبرنا عبد الْعَزِيزِ بن مُحَمَّدٍ عن مُحَمَّدِ بن عُمَرَ عن أبي سَلَمَةَ عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ( لَا أَزَالُ أُقَاتِلُ الناس حتى يَقُولُوا لا إله إلا الله فإذا قالوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَقَدْ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ على اللَّهِ ) أخبرنا سُفْيَانُ بن عبد الْمَلِكِ بن نَوْفَلِ بن مساحق عن أبي عِصَامٍ الْمُزَنِيِّ عن أبيه أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كان إذَا بَعَثَ سَرِيَّةً قال ( إنْ رَأَيْتُمْ مَسْجِدًا أو سَمِعْتُمْ مُؤَذِّنًا فَلَا تَقْتُلُوا أَحَدًا ) أخبرنا سُفْيَانُ عن بن شِهَابٍ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه قال أَلَيْسَ قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ الناس حتى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فإذا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ على اللَّهِ ) قال أبو بَكْرٍ ( هذا من حَقِّهَا لو مَنَعُونِي عِقَالًا مِمَّا أَعْطَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَقَاتَلْتهمْ عليه ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَعْنِي من مَنَعَ الصَّدَقَةَ ولم يَرْتَدَّ * أخبرنا الثِّقَةُ عن مَعْمَرٍ عن الزُّهْرِيِّ عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عبد اللَّهِ بن عُتْبَةَ عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ عُمَرَ قال لِأَبِي بَكْرٍ هذا الْقَوْلَ أو ما مَعْنَاهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا مِثْلُ الْحَدِيثَيْنِ قَبْلَهُ في الْمُشْرِكِينَ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ مُشْرِكُو أَهْلِ الْأَوْثَانِ ولم يَكُنْ بِحَضْرَةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا قُرْبِهِ أَحَدٌ من مُشْرِكِي أَهْلِ الْكِتَابِ إلَّا يَهُودَ الْمَدِينَةِ وَكَانُوا حُلَفَاءَ الْأَنْصَارِ ولم تَكُنْ أَنْصَارٌ اجْتَمَعَتْ أَوَّلَ ما قَدِمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إسْلَامًا فَوَادَعَتْ يَهُودُ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ولم تَخْرُجْ إلَى شَيْءٍ من عَدَاوَتِهِ بِقَوْلٍ يَظْهَرُ وَلَا فِعْلٍ حتى كانت وَقْعَةُ بَدْرٍ فَكَلَّمَ بَعْضُهَا بَعْضًا بِعَدَاوَتِهِ وَالتَّحْرِيضِ عليه فَقَتَلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فِيهِمْ ولم يَكُنْ بِالْحِجَازِ عَلِمْته إلَّا يَهُودِيٌّ أو نَصْرَانِيٌّ بِنَجْرَانَ وَكَانَتْ الْمَجُوسُ بِهَجَرَ وَبِلَادِ الْبَرْبَرِ وَفَارِسَ نَائِينَ عن الْحِجَازِ دُونَهُمْ مُشْرِكُونَ أَهْلُ أَوْثَانٍ كَثِيرٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل على رَسُولِهِ فَرْضَ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ من أَهْلِ الْكِتَابِ فقال { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ } الْآيَةَ فَفَرَّقَ اللَّهُ عز وجل كما شَاءَ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ بين قِتَالِ أَهْلِ الْأَوْثَانِ فَفَرَضَ أَنْ يُقَاتَلُوا حتى يُسْلِمُوا وقتال ( ( ( وقتل ) ) ) أَهْلِ الْكِتَابِ فَفَرَضَ أَنْ يُقَاتَلُوا حتى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ أو أَنْ يُسْلِمُوا وَفَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى * بين قِتَالِهِمْ أخبرنا الثِّقَةُ يحيى بن حَسَّانَ عن مُحَمَّدِ بن أَبَانَ عن عَلْقَمَةَ بن مَرْثَدٍ عن سُلَيْمَانَ بن بُرَيْدَةَ عن أبيه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان إذَا بَعَثَ سَرِيَّةً أو جَيْشًا أَمَّرَ عليهم قال ( إذَا لَقِيت عَدُوًّا من الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ أو ثَلَاثِ خِلَالٍ شَكَّ عَلْقَمَةُ اُدْعُهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَجَابُوك فَاقْبَلْ منهم وَكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ اُدْعُهُمْ إلَى التَّحَوُّلِ من دَارِهِمْ إلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ فَإِنْ أَجَابُوك فَاقْبَلْ منهم وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إنْ فَعَلُوا أَنَّ لهم ما لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ ما عليهم وَإِنْ اخْتَارُوا الْمُقَامَ في دَارِهِمْ أَنَّهُمْ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ يَجْرِي عليهم حُكْمُ اللَّهِ عز وجل كما يَجْرِي على الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ لهم في الْفَيْءِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مع الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ لم يُجِيبُوك إلَى الْإِسْلَامِ فَادْعُهُمْ إلَى إعْطَاءِ الْجِزْيَةِ فَإِنْ فَعَلُوا فَاقْبَلْ منهم وَدَعْهُمْ فَإِنْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ عليهم وَقَاتِلْهُمْ
____________________

(4/172)


( قال الشَّافِعِيُّ ) حدثني عَدَدٌ كلهم ثِقَةٌ عن غَيْرِ وَاحِدٍ كلهم ثِقَةٌ لَا أَعْلَمُ إلَّا أَنَّ فِيهِمْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ عن عَلْقَمَةَ بِمِثْلِ مَعْنَى هذا الحديث لَا يُخَالِفُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا في أَهْلِ الْكِتَابِ خَاصَّةً دُونَ أَهْلِ الْأَوْثَانِ وَلَيْسَ يُخَالِفُ هذا الْحَدِيثُ حَدِيثَ أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ( أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ الناس حتى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ) وَلَكِنَّ أُولَئِكَ الناس أَهْلُ الْأَوْثَانِ وَاَلَّذِينَ أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُقْبَلَ منهم الْجِزْيَةُ أَهْلُ الْكِتَابِ وَالدَّلِيلُ على ذلك ما وَصَفْت من فَرْقِ اللَّهِ بين الْقِتَالَيْنِ وَلَا يُخَالِفُ أَمْرَ اللَّهِ عز وجل أَنْ يُقَاتِلَ الْمُشْرِكُونَ حتى يَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ وَيُقْتَلُوا حَيْثُ وُجِدُوا حتى يَتُوبُوا وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُ اللَّهِ عز وجل بِقِتَالِ أَهْلِ الْكِتَابِ حتى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ وَلَا تُنْسَخُ وَاحِدَةٌ من الْآيِ غَيْرَهَا وَلَا وَاحِدَ من الْحَدِيثَيْنِ غَيْرَهُ وَكُلٌّ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل ثُمَّ سَنَّ رَسُولُهُ فيه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ جَهِلَ رَجُلٌ فقال إنَّ أَمْرَ اللَّهِ بِالْجِزْيَةِ نَسَخَ أَمْرَهُ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ حتى يُسْلِمُوا جَازَ عليه أَنْ يَقُولَ جَاهِلٌ مِثْلُهُ بَلْ الْجِزْيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ حتى يُسْلِمُوا وَلَكِنْ ليس فِيهِمَا نَاسِخٌ لِصَاحِبِهِ وَلَا مُخَالِفٌ - * من يُلْحَقُ بِأَهْلِ الْكِتَابِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) انْتَوَتْ قَبَائِلُ من الْعَرَبِ قبل أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ مُحَمَّدًا صلى اللَّهُ عليه وسلم وَيُنَزِّلَ عليه الْفُرْقَانَ فَدَانَتْ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَقَارَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْكِتَابِ الْعَرَبَ من أَهْلِ الْيَمَنِ فَدَانَ بَعْضُهُمْ دِينَهُمْ وكان من أَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل فَرْضَ قِتَالِهِ من أَهْلِ الْأَوْثَانِ حتى يُسْلِمَ مُخَالِفًا دِينَ من وَصَفْته دَانَ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ قبل نُزُولِ الْفُرْقَانِ على نَبِيِّ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِتَمَسُّكِ أَهْلِ الْأَوْثَانِ بِدِينِ آبَائِهِمْ فَأَخَذَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْجِزْيَةَ من أُكَيْدِرَ دُومَةَ وهو رَجُلٌ يُقَالُ من غَسَّانَ أو من كِنْدَةَ وَأَخَذَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْجِزْيَةَ من ذِمَّةِ أَهْلِ الْيَمَنِ وَعَامَّتِهِمْ عَرَبٌ وَمِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ وَفِيهِمْ عَرَبٌ فَدَلَّ ذلك على ما وَصَفْت من أَنَّ الْإِسْلَامَ لم يَكُنْ وَهُمْ أَهْلُ أَوْثَانٍ بَلْ دَائِنِينَ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ مُخَالِفِينَ دِينَ أَهْلِ الْأَوْثَانِ وكان في هذا دَلِيلٌ على أَنَّ الْجِزْيَةَ لَيْسَتْ على النَّسَبِ إنَّمَا هِيَ على الدِّينِ وكان أَهْلُ الْكِتَابِ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْعَامَّةِ أَهْلُ التَّوْرَاةِ من الْيَهُودِ وَالْإِنْجِيلِ من النَّصَارَى وَكَانُوا من بَنِي إسْرَائِيلَ وَأَحَطْنَا بِأَنَّ اللَّهَ عز وجل أَنْزَلَ كُتُبًا غير التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ قال اللَّهُ عز وجل { أَمْ لم يُنَبَّأْ بِمَا في صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الذي وَفَّى } فَأَخْبَرَ أَنَّ لِإِبْرَاهِيمَ صُحُفًا وقال تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَكَانَتْ الْمَجُوسُ يَدِينُونَ غير دِينِ أَهْلِ الْأَوْثَانِ وَيُخَالِفُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ من الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى في بَعْضِ دِينِهِمْ وكان أَهْلُ الْكِتَابِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى يَخْتَلِفُونَ في بَعْضِ دِينِهِمْ وكان الْمَجُوسُ بِطَرَفٍ من الْأَرْضِ لَا يَعْرِفُ السَّلَفُ من أَهْلِ الْحِجَازِ من دِينِهِمْ ما يَعْرِفُونَ من دِينِ النَّصَارَى وَالْيَهُودِ حتى عَرَفُوهُ وَكَانُوا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَهْلَ كِتَابٍ يَجْمَعُهُمْ اسْمٌ أَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ مع الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى * أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن أبي سَعْدٍ سَعِيدِ بن الْمَرْزُبَانِ عن نَصْرِ بن عَاصِمٍ قال قال فَرْوَةُ بن نَوْفَلٍ الْأَشْجَعِيُّ عَلَامَ تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ من الْمَجُوسِ وَلَيْسُوا بِأَهْلِ كِتَابِ فَقَامَ إلَيْهِ الْمُسْتَوْرِدُ فَأَخَذَ بِلُبِّهِ وقال يا عَدُوَّ اللَّهِ تَطْعَنُ على أبي بَكْرٍ وَعَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ يَعْنِي عَلِيًّا وقد أَخَذُوا منهم الْجِزْيَةَ فَذَهَبَ بِهِ إلَى الْقَصْرِ فَخَرَجَ عَلِيٌّ عَلَيْهِمَا فقال أَلْبِدَا فَجَلَسَا في ظِلِّ الْقَصْرِ فقال عَلِيٌّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أنا أَعْلَمُ الناس بِالْمَجُوسِ كان لهم عِلْمٌ يَعْلَمُونَهُ وَكِتَابٌ يَدْرُسُونَهُ وَإِنَّمَا مَلِكُهُمْ سَكِرَ فَوَقَعَ على ابْنَتِهِ أو أُخْتِهِ فَاطَّلَعَ عليه بَعْضُ أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ فلما صَحَا خَافَ أَنْ يُقِيمُوا عليه الْحَدَّ فَامْتَنَعَ منهم فَدَعَا أَهْلَ مَمْلَكَتِهِ فلما أَتَوْهُ قال تَعْلَمُونَ دِينًا خَيْرًا من دِينِ آدَمَ وقد كان آدَم يَنْكِحُ بَنِيهِ بَنَاتَه وأنا على دِينِ آدَمَ ما يَرْغَبُ بِكُمْ عن دِينِهِ فَتَابَعُوهُ وَقَاتَلُوا الَّذِينَ خَالَفُوهُ حتى قَتَلُوهُمْ
____________________

(4/173)


فَأَصْبَحُوا وقد أَسْرَى على كِتَابِهِمْ فَرُفِعَ من بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ وَذَهَبَ الْعِلْمُ الذي في صُدُورِهِمْ فَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ وقد أَخَذَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وأبو بَكْرٍ وَعُمَرُ منهم الْجِزْيَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وما روى عن عَلِيٍّ من هذا دَلِيلٌ على ما وَصَفْت أَنَّ الْمَجُوسَ أَهْلُ كِتَابٍ وَدَلِيلٌ أَنَّ عَلِيًّا كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ ما خَبَّرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَأْخُذُ الْجِزْيَةَ منهم إلَّا وَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ وَلَا من بَعْدِهِ فَلَوْ كان يَجُوزُ أَخْذُ الْجِزْيَةِ من غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ لَقَالَ عَلِيٌّ الْجِزْيَةُ تُؤْخَذُ منهم كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ أو لم يَكُونُوا أَهْلَهُ ولم أَعْلَمْ مِمَّنْ سَلَفَ من الْمُسْلِمِينَ أَحَدًا أَجَازَ أَنْ تُؤْخَذَ الْجِزْيَةُ من غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ * أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرٍو أَنَّهُ سمع بَجَالَةَ يقول ولم يَكُنْ عُمَرُ أَخَذَ الْجِزْيَةَ من الْمَجُوسِ حتى شَهِدَ عبد الرحمن بن عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَخَذَهَا من مَجُوسِ أَهْلِ هَجَرَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَحَدِيثُ بَجَالَةَ مُتَّصِلٌ ثَابِتٌ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ عُمَرَ وكان رَجُلًا في زَمَانِهِ كَاتِبًا لِعُمَّالِهِ وَحَدِيثِ نَصْرِ بن عَاصِمٍ عن عَلِيٍّ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مُتَّصِلٌ وَبِهِ نأخذ ( ( ( يأخذ ) ) ) وقد روى من حديث الْحِجَازِ حَدِيثَانِ مُنْقَطِعَانِ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ من الْمَجُوسِ * أخبرنا مَالِكٌ عن جَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ عن أبيه أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ ذُكِرَ له الْمَجُوسُ فقال ما أَدْرِي كَيْف أَصْنَعُ في أَمْرِهِمْ فقال له عبد الرحمن بن عَوْفٍ أَشْهَدُ لَسَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول ( سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ كان ثَابِتًا فَنُفْتِي في أَخْذِ الْجِزْيَةِ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ لَا أَنَّهُ يُقَالُ إذَا قال سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ في أَنْ تُنْكَحَ نِسَاؤُهُمْ وَتُؤْكَلَ ذَبَائِحُهُمْ قال وَلَوْ أَرَادَ جَمِيعُ الْمُشْرِكِينَ غير أَهْلِ الْكِتَابِ لَقَالَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ سُنُّوا بِجَمِيعِ الْمُشْرِكِينَ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَكِنْ لَمَّا قال سُنُّوا بِهِمْ فَقَدْ خَصَّهُمْ وإذا خَصَّهُمْ فَغَيْرُهُمْ مُخَالِفٌ وَلَا يُخَالِفُهُمْ إلَّا غَيْرُ أَهْلِ الْكِتَابِ * أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَخَذَ الْجِزْيَةَ من مَجُوسِ الْبَحْرَيْنِ وَأَنَّ عُثْمَانَ بن عَفَّانَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَخَذَهَا من الْبَرْبَرِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْأَلَ عُمَرُ عن الْمَجُوسِ وَيَقُولَ ما أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَعُ بِهِمْ وهو يَجُوزُ عِنْدَهُ أَنْ تُؤْخَذَ الْجِزْيَةُ من جَمِيعِ الْمُشْرِكِينَ لَا يَسْأَلُ عَمَّا يَعْلَمُ أَنَّهُ جَائِزٌ له وَلَكِنَّهُ سَأَلَ عن الْمَجُوسِ إذْ لم يَعْرِفْ من كِتَابِهِمْ ما عَرَفَ من كِتَابِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى حتى أُخْبِرَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِأَخْذِهِ الْجِزْيَةَ وَأَمْرِهِ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ منهم فَيَتَّبِعُهُ وفي كل ما حَكَيْت ما يَدُلُّ على أَنَّهُ لَا يَسَعُهُ أَخْذُ الْجِزْيَةِ من غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ - * تَفْرِيعُ من تُؤْخَذُ منه الْجِزْيَةُ من أَهْلِ الْأَوْثَانِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَكُلُّ من دَانَ وَدَانَ آبَاؤُهُ أو دَانَ بِنَفْسِهِ وَإِنْ لم يَدِنْ آبَاؤُهُ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَيَّ كِتَابٍ كان قبل نُزُولِ الْفُرْقَانِ وَخَالَفَ دِينَ أَهْلِ الْأَوْثَانِ قبل نُزُولِ الْفُرْقَانِ فَهُوَ خَارِجٌ من أَهْلِ الْأَوْثَانِ وَعَلَى الْإِمَامِ إذَا أَعْطَاهُ الْجِزْيَةَ وهو صَاغِرٌ أَنْ يَقْبَلَهَا منه عَرَبِيًّا كان أو عَجَمِيًّا وَكُلُّ من دخل عليه الْإِسْلَامُ وَلَا يَدِينُ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ مِمَّنْ كان عَرَبِيًّا أو عَجَمِيًّا فَأَرَادَ أَنْ تُؤْخَذَ منه الْجِزْيَةُ وَيُقَرَّ على دِينِهِ أو يَحْدُثَ أَنْ يَدِينَ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَ منه الْجِزْيَةَ وَعَلَيْهِ أَنْ يُقَاتِلَهُ حتى يُسْلِمَ كما يُقَاتِلُ أَهْلَ الْأَوْثَانِ حتى يُسْلِمُوا قال وَأَيُّ مُشْرِكٍ ما كان إذَا لم يَدَعْ أَهْلَ دِينِهِ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَهُوَ كَأَهْلِ الْأَوْثَانِ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَعْبُدَ الصَّنَمَ وما اسْتَحْسَنَ من شَيْءٍ وَمَنْ يُعَطِّلُ وَمَنْ في مَعْنَاهُمْ وَمَنْ غَزَا الْمُسْلِمُونَ مِمَّنْ يَجْهَلُونَ دِينَهُ فَذَكَرُوا لهم أَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ فَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ سُئِلُوا مَتَى دَانُوا بِهِ وَآبَاؤُهُمْ فَإِنْ ذَكَرُوا أَنَّ ذلك قبل نُزُولِ الْوَحْيِ على رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَبِلُوا قَوْلَهُمْ إلَّا أَنْ يَعْلَمُوا غير ما قالوا فَإِنْ عَلِمُوا بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عليهم لم يَأْخُذُوا منهم الْجِزْيَةَ ولم يَدَعُوهُمْ
____________________

(4/174)


حتى يُسْلِمُوا أو يَقْتُلُوا وَإِنْ عَلِمُوهُ بِإِقْرَارٍ فَكَذَلِكَ وَإِنْ أَقَرَّ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لم يَدِنْ ولم يَدِنْ آبَاؤُهُ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ إلَّا في وَقْتٍ يَذْكُرُونَهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ قبل أَنْ يَنْزِلَ على رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَقْرَرْنَاهُمْ على دينهم ( ( ( دينه ) ) ) وَأَخَذْنَا منهم الْجِزْيَةَ وَلَا يَكُونُ للإمام ( ( ( الإمام ) ) ) أَخَذَهَا إلَّا أَنْ يَقُولَ آخُذُهَا مِنْكُمْ حتى أَعْلَمَ أن لم تَدِينُوا وَآبَاؤُكُمْ هذا الدِّينَ إلَّا بَعْدَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فإذا عَلِمْته لم آخُذْهَا مِنْكُمْ فِيمَا أَسْتَقْبِلُ وَنَبَذْت إلَيْكُمْ فَإِمَّا أَنْ تُسْلِمُوا وَإِمَّا أَنْ تُقْتَلُوا ( 1 ) فإذا أخبرنا من الَّذِينَ أَسْلَمُوا منهم قَوْمًا عُدُولًا فأثبتوا لنا على هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَخَذْت منهم الْجِزْيَةَ بِقَوْلِهِمْ بِأَنْ لم يَدِينُوا دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ بِحَالٍ إلَّا بَعْدَ نُزُولِ الْفُرْقَانِ وَإِنْ شَهِدَ هَؤُلَاءِ النَّفَرُ الْمُسْلِمُونَ أو اثْنَانِ منهم على جَمَاعَتِهِمْ أن لم يَدِينُوا دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ إلَّا في وَقْتِ كَذَا وَأَنَّ آبَاءَهُمْ كَانُوا يَدِينُونَ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ نَبَذْت إلَى من بَلَغَ منهم ولم يَدِنْ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ إلَّا في وَقْتِ كَذَا وكان ذلك بَعْدَ نُزُولِ الْفُرْقَانِ قال ولم يَنْبِذْ إلَى صِغَارِهِمْ إذْ كان آبَاؤُهُمْ دَانُوا دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ قبل نُزُولِ الْفُرْقَانِ وَلَوْ أَنَّ هَؤُلَاءِ النَّفَرَ الْعُدُولَ شَهِدُوا على أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ لم يَكُونُوا دَانُوا دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ إلَّا بَعْدَ نُزُولِ الْفُرْقَانِ كان إقْرَارًا منهم على أَنْفُسِهِمْ لَا أَجْعَلُهُ شَهَادَةً على غَيْرِهِمْ وَلَا أَقْبَلُ الشَّهَادَةَ على أَحَدٍ منهم إلَّا بِأَنْ يُثْبِتُوهَا عليه أَنَّ الْفُرْقَانَ نَزَلَ وَلَا يَدِينُ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ فإذا فَعَلُوا لم أَقْبَلْ منه الْجِزْيَةَ وَلَوْ كان آبَاؤُهُمْ من أَهْلِ الْكِتَابِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ دِينُهُ دِينَ آبَائِهِ إذَا بَلَغَ إنَّمَا يَكُونُ مقرى ( ( ( مقرا ) ) ) على دِينِ آبَائِهِ ما لم يَبْلُغْ فَلَوْ شَهِدُوا أَنَّ أَبَا رَجُلَيْنِ مَاتَ على دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ يَهُودِيًّا أو نَصْرَانِيًّا وَلَهُ بن بَالِغٌ مُخَالِفٌ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ وبن صَغِيرٌ وَنَزَلَ الْفُرْقَانُ وَهُمَا بِتِلْكَ الْحَالِ فَبَلَغَ الصَّغِيرُ وَدَانَ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَعَادَ الْبَالِغُ إلَى دِينِهِمْ أَخَذْت الْجِزْيَةَ من الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ كان يُقِرُّ على دِينِ أبيه ولم يَدِنْ بَعْدَ الْبُلُوغِ دِينًا غَيْرَهُ وَلَا آخُذُهَا من الْكَبِيرِ الذي نَزَلَ الْفُرْقَانُ وهو على دِينٍ غَيْرِ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ - * من تُرْفَعُ عنه الْجِزْيَةُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ من الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حتى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } قال فَكَانَ بَيِّنًا في الْآيَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّ الَّذِينَ فَرَضَ اللَّهُ عز وجل قِتَالَهُمْ حتى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ الَّذِينَ قَامَتْ عليهم الْحُجَّةُ بِالْبُلُوغِ فَتَرَكُوا دِينَ اللَّهِ عز وجل وَأَقَامُوا على ما وَجَدُوا عليه آبَاءَهُمْ من أَهْلِ الْكِتَابِ وكان بَيِّنًا أَنَّ الَّذِينَ أَمَرَ اللَّهُ بِقِتَالِهِمْ عليها الَّذِينَ فِيهِمْ الْقِتَالُ وَهُمْ الرِّجَالُ الْبَالِغُونَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ أَبَانَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مِثْلَ مَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ عز وجل فَأَخَذَ الْجِزْيَةَ من الْمُحْتَلِمِينَ دُونَ من دُونَهُمْ وَدُونَ النِّسَاءِ وَأَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ لَا تُقْتَلَ النِّسَاءُ من أَهْلِ الْحَرْبِ وَلَا الوالدان ( ( ( الولدان ) ) ) وَسَبَاهُمْ فَكَانَ ذلك دَلِيلًا على خِلَافٍ بين النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالرِّجَالِ وَلَا جِزْيَةَ على من لم يَبْلُغْ من الرِّجَالِ وَلَا على امْرَأَةٍ وَكَذَلِكَ لَا جِزْيَةَ على مَغْلُوبٍ على عَقْلِهِ من قِبَلِ أَنَّهُ لَا دِينَ له تَمَسَّكَ بِهِ تَرَكَ له الْإِسْلَامُ وَكَذَلِكَ لَا جِزْيَةَ على مَمْلُوكٍ لِأَنَّهُ لَا مَالَ له يُعْطِي منه الْجِزْيَةَ فَأَمَّا من غَلَبَ على عَقْلِهِ أَيَّامًا ثُمَّ أَفَاقَ أو جُنَّ ثم أفاق فَتُؤْخَذُ منه الْجِزْيَةُ لِأَنَّهُ يَجْرِي عليه الْقَلَمُ في حَالِ إفَاقَتِهِ وَلَيْسَ يَخْلُو بَعْضُ الناس من الْعِلَّةِ يَغْرُبُ بها عَقْلُهُ ثُمَّ يُفِيقُ فإذا أَخَذْت من صَحِيحٍ ثُمَّ غَلَبَ على عَقْلُهُ حَسَبَ له من يَوْمِ غَلَبَ على عَقْلِهِ فَإِنْ أَفَاقَ لم تُرْفَعْ عنه الْجِزْيَةُ وَإِنْ لم يُفِقْ رُفِعَتْ عنه من يَوْمِ غَلَبَ على عَقْلِهِ قال وإذا صُولِحُوا على أَنْ يُؤَدُّوا عن أَبْنَائِهِمْ وَنِسَائِهِمْ سِوَى ما يُؤَدُّونَ عن أَنْفُسِهِمْ فَإِنْ كان ذلك من أَمْوَالِ الرِّجَالِ فَذَلِكَ جَائِزٌ وهو كما اُزْدِيدَ عليهم من أَقَلِّ الْجِزْيَةِ وَمِنْ الصَّدَقَةِ وَمِنْ أَمْوَالِهِمْ إذَا اخْتَلَفُوا وَغَيْرُ ذلك مِمَّا يَلْزَمُهُمْ إذَا شَرَطُوهُ لنا وَإِنْ كَانُوا على أَنْ
____________________

(4/175)


يُؤَدُّوهَا من أَمْوَالِ نِسَائِهِمْ أو أَبْنَائِهِمْ الصِّغَارِ لم يَكُنْ ذلك عليهم وَلَا لنا أَنْ نَأْخُذَهُ من أَبْنَائِهِمْ وَلَا نِسَائِهِمْ بِقَوْلِهِمْ ( 1 ) فَلَا شيئا عَلَيْك فَإِنْ قالت فأنا أُؤَدِّي بَعْدَ عِلْمِهَا قبل ذلك منها وَمَتَى امْتَنَعْت وقد شَرَطَتْ أَنْ تُؤَدِّيَ لم يَلْزَمْهَا الشَّرْطُ ما أَقَامَتْ في بِلَادِهَا وَكَذَلِكَ لو تَجَرَتْ بِمَالِهَا لم يَكُنْ عليها أَنْ تُؤَدِّيَ إلَّا أَنْ تَشَاءَ وَلَكِنَّهَا تُمْنَعُ الْحِجَازَ فَإِنْ قالت أَدْخُلُهَا على شَيْءٍ يُؤْخَذُ مِنِّي فَأَلْزَمَتْهُ نَفْسَهَا جَازَ عليها لِأَنَّهُ ليس لها دُخُولُ الْحِجَازِ وإذا صَالَحَتْ على أَنْ يُؤْخَذَ من مَالِهَا شَيْءٌ في غَيْرِ بِلَادِ الْحِجَازِ فَإِنْ أَدَّتْهُ قُبِلَ وَإِنْ مَنَعَتْهُ بَعْدَ شَرْطِهِ فَلَهَا مَنْعُهُ لِأَنَّهُ لَا يَبِينُ لي أَنَّ على أَهْلِ الذِّمَّةِ أَنْ يُمْنَعُوا من غَيْرِ الْحِجَازِ وَلَوْ شَرَطَ هذا صَبِيٌّ أو مَغْلُوبٌ على عَقْلِهِ لم يَجُزْ الشَّرْطُ عليه وَلَا يُؤْخَذُ من مَالِهِ وَكَذَلِكَ لو شَرَطَ أبو الصَّبِيِّ أو الْمَعْتُوهِ أو وَلِيُّهُمَا ذلك عَلَيْهِمَا لم يَكُنْ ذلك لنا وَلَنَا أَنْ نَمْنَعَهُمَا من أَنْ يَخْتَلِفَا في بِلَادِ الْحِجَازِ وَكَذَلِكَ يُمْنَعُ مَالُهُمَا مع الذي لَا يُؤَدِّي شيئا عن نَفْسِهِ وَلَا يَكُونُ لنا مَنْعُهُ من مُسْلِمٍ وَلَا ذِمِّيٍّ يُؤَدِّي عن مَالِهِ ونمنع ( ( ( وتمنع ) ) ) أَنْفُسُهُمَا قال وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ دَارٍ من أَهْلِ الْكِتَابِ امْتَنَعَ رِجَالُهُمْ من أَنْ يُصَالِحُوا على جِزْيَةٍ أو يَجْرِيَ عليهم الْحُكْمُ وَأَطَاعُوا بِالْجِزْيَةِ وَلَنَا قُوَّةٌ عليهم وَلَيْسَ في صُلْحِهِمْ نَظَرٌ فَسَأَلُوا أَنْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ عن نِسَائِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ دُونَهُمْ لم يَكُنْ ذلك لنا وَإِنْ صَالَحُوهُمْ على ذلك فَالصُّلْحُ مُنْتَقَضٌ وَلَا نَأْخُذُ منهم شيئا إنْ سَمَّوْهُ على النِّسَاءِ وَالْأَبْنَاءِ لِأَنَّهُمْ قد مَنَعُوا أَمْوَالَهُمْ بِالْأَمَانِ وَلَيْسَ على أَمْوَالِهِمْ جِزْيَةٌ وَكَذَلِكَ لَا نَأْخُذُهَا من رِجَالِهِمْ وَإِنْ شَرَطَهَا رِجَالُهُمْ ولم يَقُولُوا من أَبْنَائِنَا وَنِسَائِنَا أَخَذْنَاهَا من أَمْوَالِ من شَرَطَهَا بِشَرْطِهِ وَكَذَلِكَ لو دَعَا إلَى هذا النِّسَاءُ وَالْأَبْنَاءُ لم يُؤْخَذْ هذا منهم وَكَذَلِكَ لو كان النِّسَاءُ وَالْأَبْنَاءُ أخلياء من رِجَالِهِمْ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا ليس لنا أَنْ نَأْخُذَ منهم الْجِزْيَةَ وَلَنَا أَنْ نَسْبِيَهُمْ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل إنَّمَا أَذِنَ بِالْجِزْيَةِ مع قَطْعِ حَرْبِ الرِّجَالِ وَأَنْ يَجْرِيَ عليهم الْحُكْمُ وَلَا حَرْبَ في النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ إنَّمَا هُنَّ غَنِيمَةٌ وَلَيْسُوا في الْمَعْنَى الذي أَذِنَ اللَّهُ عز وجل بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ بِهِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي ليس لنا سِبَاؤُهُمْ وَعَلَيْنَا الْكَفُّ عَنْهُمْ إذَا أَقَرُّوا بِأَنْ يَجْرِيَ عليهم الْحُكْمُ وَلَيْسَ لنا أَنْ نَأْخُذَ من أَمْوَالِهِمْ شيئا وَإِنْ أَخَذْنَاهُ فَعَلَيْنَا رَدُّهُ قال وَتُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ من الرُّهْبَانِ وَالشَّيْخِ الْفَانِي الزَّمِنِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ عليه الْحُكْمُ من رِجَالِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ أَذِنَ اللَّهُ عز وجل بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ منهم وإذا صَالَحَ الْقَوْمُ من أَهْلِ الذِّمَّةِ على الْجِزْيَةِ ثُمَّ بَلَغَ منهم مَوْلُودٌ قبل حَوْلِهِمْ بِيَوْمٍ أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ فَرَضِيَ بِالصُّلْحِ سُئِلَ فَإِنْ طَابَتْ نَفْسُهُ بِالْأَدَاءِ لِحَوْلِ قَوْمِهِ أُخِذَتْ منه وَإِنْ لم تَطِبْ نَفْسُهُ فَحَوْلُهُ حَوْلُ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَجَبَ عليه الْجِزْيَةُ بِالْبُلُوغِ وَالرِّضَا وَيَأْخُذُ منه الْإِمَامُ من حِينِ رضي على حول ( ( ( حوله ) ) ) أَصْحَابُهُ وَفَضَلَ إنْ كان عليه من سَنَةٍ قَبْلَهَا لِئَلَّا تَخْتَلِفَ أَحْوَالُهُمْ كَأَنْ بَلَغَ قبل الْحَوْلِ بِشَهْرٍ فَصَالَحَهُ على دِينَارٍ كل حَوْلٍ فَيَأْخُذُ منه إذَا حَالَ حَوْلُ أَصْحَابِهِ نِصْفَ سُدُسِ دِينَارٍ وفي حَوْلٍ مُسْتَقْبَلٍ مَعَهُمْ دينارا ( ( ( دينار ) ) ) فإذا أَخَّرَهُ أُخِذَ منه في حَوْلِ أَصْحَابِهِ دِينَارٌ وَنِصْفُ سُدُسِ دِينَارٍ - * الصَّغَارُ مع الْجِزْيَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل { حتى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } قال فلم يَأْذَنْ اللَّهُ عز وجل في أَنْ تُؤْخَذَ الْجِزْيَةُ مِمَّنْ أَمَرَ بِأَخْذِهَا منه حتى يُعْطِيَهَا عن يَدٍ صَاغِرًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَسَمِعْت عَدَدًا من أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ الصَّغَارُ أَنْ يَجْرِيَ عليهم حُكْمُ الْإِسْلَامِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما أَشْبَهَ ما قالوا بِمَا قالوا لِامْتِنَاعِهِمْ من الْإِسْلَامِ فإذا جَرَى عليهم حُكْمُهُ فَقَدْ أُصْغِرُوا بِمَا يَجْرِي عليهم منه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَحَاطَ الْإِمَامُ بِالدَّارِ قبل أَنْ يَسْبِيَ أَهْلَهَا أو قَهَرَ أَهْلَهَا الْقَهْرَ الْبَيِّنَ ولم يَسْبِهِمْ أو كان على سَبْيِهِ بِالْإِحَاطَةِ من قَهْرِهِ لهم ولم يَغْزُهُمْ لِقُرْبِهِمْ أو قِلَّتِهِمْ أو كَثْرَتِهِمْ وَقُوَّتِهِ فَعَرَضُوا عليه ان يُعْطُوا الْجِزْيَةَ على أَنْ يَجْرِيَ عليهم حُكْمُ الْإِسْلَامِ لَزِمَهُ ان يَقْبَلَهَا منهم وَلَوْ سَأَلُوهُ
____________________

(4/176)


أَنْ يُعْطُوهَا على أَنْ لَا يَجْرِيَ عليهم حُكْمُ الْإِسْلَامِ لم يَكُنْ ذلك له وكان عليه أَنْ يُقَاتِلَهُمْ حتى يُسْلِمُوا أو يُعْطُوا الْجِزْيَةَ وَهُمْ صَاغِرُونَ بِأَنْ يَجْرِيَ عليهم حُكْمُ الْإِسْلَامِ قال فَإِنْ سَأَلُوهُ أَنْ يَتْرُكُوا من شَيْءٍ من حُكْمِ الْإِسْلَامِ إذَا طَلَبَهُمْ بِهِ غَيْرُهُمْ أو وَقَعَ عليهم بِسَبَبِ غَيْرِهِمْ لم يَكُنْ له أَنْ يُجِيبَهُمْ إلَيْهِ وَلَا يَأْخُذَ الْجِزْيَةَ منهم عليه فَأَمَّا إذَا كان في غَزْوِهِمْ مَشَقَّةٌ أو من بِإِزَائِهِمْ من الْمُسْلِمِينَ وَمَنْ يَنْتَابُهُمْ عَنْهُمْ ضَعْفٌ أو بِهِمْ ( 1 ) انْتِصَافٌ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُوَادِعُوا وَإِنْ لم يُعْطُوا شيئا أو أَعْطَوْهُ على النَّظَرِ وَإِنْ لم يَجْرِ عليهم حُكْمُ الْإِسْلَامِ كما يَجُوزُ تَرْكُ قِتَالِهِمْ وَمُوَادَعَتِهِمْ على النَّظَرِ وَهَذَا مَوْضُوعٌ في كِتَابِ الْجِهَادِ دُونَ الْجِزْيَةِ - * مَسْأَلَةُ إعْطَاءِ الْجِزْيَةَ بعد ما يُؤْسَرُونَ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَسَرَ الْإِمَامُ قَوْمًا من أَهْلِ الْكِتَابِ وَحَوَى نِسَاءَهُمْ وَذَرَارِيِّهِمْ وَأَوْلَادَهُمْ فَسَأَلُوهُ تَخْلِيَتَهُمْ وَذَرَارِيِّهِمْ ونسائهم ( ( ( ونساءهم ) ) ) على إعْطَاءِ الْجِزْيَةِ لم يَكُنْ ذلك له في نِسَائِهِمْ وَلَا أَوْلَادِهِمْ وَلَا ما غَلَبَ من ذَرَارِيِّهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وإذا سَأَلُوهُ إعْطَاءَ الْجِزْيَةِ في هذا الْوَقْتِ لم يَقْبَلْ ذلك منهم لِأَنَّهُمْ صَارُوا غَنِيمَةً أو فَيْئًا وكان له الْقَتْلُ وَالْمَنُّ وَالْفِدَاءُ كما كان ذلك له في أَحْرَارِ رِجَالِهِمْ الْبَالِغِينَ خَاصَّةً لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قد مَنَّ وَفَادَى وَقَتَلَ أَسْرَى الرِّجَالِ وَأَذِنَ اللَّهُ عز وجل بِالْمَنِّ وَالْفِدَاءِ فِيهِمْ فقال فَضَرْبَ الرِّقَابِ حتى اذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان أَسَرَ أَكْثَرَ الرِّجَالِ وَحَوَى أَكْثَرَ النِّسَاءِ وَالذَّرَارِيّ وَالْأَمْوَالِ وَبَقِيَتْ منهم بَقِيَّةٌ لم يَصِلْ إلَى أَسْرِهِمْ بِامْتِنَاعٍ في مَوْضِعٍ أو هَرَبٍ كان له وَعَلَيْهِ أَنْ يعطى الْمُمْتَنِعِينَ أَحَدَ الْجِزْيَةِ وَالْأَمَانِ على أَمْوَالِهِمْ وَنِسَائِهِمْ إنْ لم يَكُنْ أَحْرَزَ من ذلك شيئا فَإِنْ أَعْطَاهُمْ ذلك مُطْلَقًا فَكَانَ قد أَحْرَزَ من ذلك شيئا لم يَكُنْ له الْوَفَاءُ بِهِ وكان عليه أَنْ يَقْسِمَ ما أَحْرَزَ لهم وَخَيَّرَهُمْ بين أَنْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عن أَنْفُسِهِمْ وما لم يُحْرِزْ لهم أو يَنْبِذْ إلَيْهِمْ وَلَوْ جاء الْإِمَامَ رُسُلُ بَعْضِ أَهْلِ الْحَرْبِ فَأَجَابَهُمْ إلَى أَمَانِ من جاؤوا عِنْدَهُ من بَلَدِ كَذَا وَكَذَا على أَخْذِ الْجِزْيَةِ وَخَالَفَ الرُّسُلُ من غَزَا من الْمُسْلِمِينَ فَافْتَتَحُوهَا وَحَوَوْا بِلَادَهُمْ نُظِرَ فَإِنْ كان الْأَمَانُ كان لهم قبل الْفَتْحِ وَقَبْلَ أَنْ يَحْوُوا الْبِلَادَ خَلَّى سَبِيلَهُمْ وَكَانَتْ لهم الذِّمَّةُ على ما أَعْطَوْا وَلَوْ أَعْطَوْا ذِمَّةً مُنْتَقِصَةً خَلَّى سَبِيلَهُمْ وَنَبَذَ إلَيْهِمْ وَإِنْ كان سَبَاؤُهُمْ وَالْغَلَبَةُ على بِلَادِهِمْ كان قبل إعْطَاءِ الْإِمَامِ إيَّاهُمْ ما أَعْطَاهُمْ مَضَى عليهم السِّبَاءُ وَبَطَلَ ما أَعْطَى الْإِمَامُ لِأَنَّهُ أَعْطَى الْأَمَانَ من كان رَقِيقًا وماله غَنِيمَةً أو فَيْئًا كما لو أَعْطَى قَوْمًا حَوَوْا أَنْ يَرُدَّ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ لم يَكُنْ ذلك له - * مسأله إعْطَاءِ الْجِزْيَةَ على سُكْنَى بَلَدٍ وَدُخُولِهِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } الْآيَةُ قال فَسَمِعْت بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يقول الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ الْحَرَمُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ( لَا يَنْبَغِي لِمُسْلِمٍ أَنْ يُؤَدِّيَ الْخَرَاجَ وَلَا لِمُشْرِكٍ أَنْ يَدْخُلَ الْحَرَمَ ) قال وَسَمِعْت عَدَدًا من أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي يَرْوُونَ أَنَّهُ كان في رِسَالَةِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يَجْتَمِعُ مُسْلِمٌ وَمُشْرِكٌ في الْحَرَمِ بَعْدَ عَامِهِمْ هذا فَإِنْ سَأَلَ أَحَدٌ مِمَّنْ تُؤْخَذُ منه الْجِزْيَةُ أَنْ يُعْطِيَهَا وَيَجْرِيَ عليه الْحُكْمُ على أَنْ يُتْرَكَ يَدْخُلَ الْحَرَمَ بِحَالٍ فَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْبَلَ منه على ذلك شيئا وَلَا أَنْ يَدَعَ مُشْرِكًا يَطَأُ الْحَرَمَ بِحَالٍ من الْحَالَاتِ طَبِيبًا كان أو صَانِعًا بُنْيَانًا أو غَيْرَهُ لِتَحْرِيمِ اللَّهِ عز وجل دُخُولَ الْمُشْرِكِينَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَبَعْدَهُ تَحْرِيمُ رَسُولِهِ ذلك وَإِنْ سَأَلَ من تُؤْخَذُ منه الْجِزْيَةُ أَنْ يُعْطِيَهَا وَيَجْرِيَ عليه الْحُكْمُ على أَنْ يَسْكُنَ الْحِجَازَ لم يَكُنْ ذلك له وَالْحِجَازُ مَكَّةُ
____________________

(4/177)


وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ وَمُخَالِفِيهَا كُلُّهَا لِأَنَّ تَرْكَهُمْ بِسُكْنَى الْحِجَازِ مَنْسُوخٌ وقد كان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم اسْتَثْنَى على أَهْلِ خَيْبَرَ حين عَامَلَهُمْ فقال أُقِرُّكُمْ ما أَقَرَّكُمْ اللَّهُ ثُمَّ أَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِإِجْلَائِهِمْ من الْحِجَازِ وَلَا يَجُوزُ صُلْحُ ذِمِّيٍّ على أَنْ يَسْكُنَ الْحِجَازَ بِحَالٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يَدْخُلَ الْحِجَازَ مُشْرِكٌ بِحَالٍ لِمَا وَصَفْت من أَمْرِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال وَلَا يَبِينُ لي أَنْ يَحْرُمَ أَنْ يَمُرَّ ذِمِّيٌّ بِالْحِجَازِ مَارًّا لَا يُقِيمُ بِبَلَدٍ منها أَكْثَرَ من ثَلَاثِ لَيَالٍ وَذَلِكَ مُقَامُ مُسَافِرٍ لِأَنَّهُ قد يَحْتَمِلُ أَمْرُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِإِجْلَائِهِمْ عنها أَنْ لَا يَسْكُنُوهَا وَيَحْتَمِلُ لو ثَبَتَ عنه ( لَا يَبْقَيَنَّ دِينَانِ بِأَرْضِ الْعَرَبِ ) لَا يَبْقَيَنَّ دِينَانِ مُقِيمَانِ وَلَوْلَا أَنَّ عُمَرَ ولي الْخَرَاجَ أَهْلَ الذِّمَّةِ لِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ من أَنَّ أَمْرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مُحْتَمِلٌ ما رَأَى عُمَرُ من أَنَّ أَجَلَ من قَدِمَ من أَهْلِ الذِّمَّةِ تَاجِرًا ثَلَاثٌ لَا يُقِيمُ فيها بَعْدَ ذلك لَرَأَيْت أَنْ لَا يُصَالَحُوا بِدُخُولِهَا بِكُلِّ حَالٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَتَّخِذُ ذِمِّيٌّ شيئا من الْحِجَازِ دَارًا وَلَا يُصَالَحُ على دُخُولِهَا إلَّا مُجْتَازًا إنْ صُولِحَ * أخبرنا يحيى بن سُلَيْمٍ عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عُمَرَ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ ( 1 ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فإذا أَذِنَ لهم أَنْ يَدْخُلُوا الْحِجَازَ فَذَهَبَ لهم بها مَالٌ أو عَرَضٌ بها شُغْلٌ قِيلَ لهم وَكِّلُوا بها من شِئْتُمْ من الْمُسْلِمِينَ واخرجوا وَلَا يُقِيمُونَ بها أَكْثَرَ من ثَلَاثٍ وَأَمَّا مَكَّةُ فَلَا يَدْخُلُ الْحَرَمَ أَحَدٌ منهم بِحَالٍ أَبَدًا كان لهم بها مَالٌ أو لم يَكُنْ وَإِنْ غَفَلَ عن رَجُلٍ منهم فَدَخَلَهَا فَمَرِضَ أُخْرِجَ مَرِيضًا أو مَاتَ أُخْرِجَ مَيِّتًا ولم يُدْفَنْ بها وَإِنْ مَاتَ منهم مَيِّتٌ بِغَيْرِ مَكَّةَ دُفِنَ حَيْثُ يَمُوتُ أو مَرِضَ فَكَانَ لَا يُطِيقُ أَنْ يُحْمَلَ إلَّا بِتَلَفٍ عليه أو زِيَادَةٍ في مَرَضِهِ تُرِكَ حتي يُطِيقَ الْحَمْلَ ثُمَّ يُحْمَلَ قال وَإِنْ صَالَحَ الْإِمَامُ أَحَدًا من أَهْلِ الذِّمَّةِ على شَيْءٍ يَأْخُذُهُ في السَّنَةِ منهم مِمَّا قُلْت لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عليه على أَنْ يَدْفَعُوا إلَيْهِ شيئا فَيَقْبِضُ ما حَلَّ عليهم فَلَا يَرُدُّ منه شيئا لِأَنَّهُ قد وَفَّى له بِمَا كان بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَإِنْ عَلِمَ بَعْدَ مُضِيِّ نِصْفِ السَّنَةِ نَبَذَهُ إلَيْهِمْ مَكَانَهُ وَأَعْلَمَ أَنَّ صُلْحَهُمْ لَا يَجُوزُ وقال إنْ رَضِيتُمْ صُلْحًا يَجُوزُ جَدَّدْته لَكُمْ وَإِنْ لم تَرْضَوْهُ أَخَذْت مِنْكُمْ ما وَجَبَ عَلَيْكُمْ وهو نِصْفُ ما صَالَحْتُكُمْ عليه في السَّنَةِ لِأَنَّهُ قد تَمَّ لَكُمْ وَنَبَذْت إلَيْكُمْ وَإِنْ كَانُوا صَالَحُوا على أَنْ سَلَّفُوهُ شيئا لِسَنَتَيْنِ رَدَّ عليهم ما صَالَحُوهُ عليه إلَّا قَدْرَ ما اسْتَحَقَّ بِمُقَامِهِمْ وَنَبَذَ إلَيْهِمْ ولم أَعْلَمْ أَحَدًا أَجْلَى أَحَدًا من أَهْلِ الذِّمَّةِ من الْيَمَنِ وقد كانت بها ذِمَّةٌ وَلَيْسَتْ بِحِجَازٍ فَلَا يُجْلِيهِمْ أَحَدٌ من الْيَمَنِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَالِحَهُمْ على مُقَامِهِمْ بِالْيَمَنِ فَأَمَّا سَائِرُ الْبُلْدَانِ ما خَلَا الْحِجَازِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَالِحُوا على الْمُقَامِ بها فإذا وَقَعَ لِذِمِّيٍّ حَقٌّ بِالْحِجَازِ وَكَّلَ بِهِ ولم أُحِبَّ أَنْ يَدْخُلَهَا بِحَالٍ وَلَا يَدْخُلَهَا لِمَنْفَعَةٍ لِأَهْلِهَا وَلَا غَيْرِ ذلك من أَسْبَابِ الدُّخُولِ كَتِجَارَةٍ يُعْطِي منها شيئا وَلَا كِرَاءٍ يَكْرِيهِ مُسْلِمٌ وَلَا غَيْرِهِ ( 2 ) فَإِنْ أَمَرَ بِإِجْلَائِهِ من مَوْضِعٍ فَقَدْ يُمْنَعُ من الْمَوْضِعِ الذي أُجْلِيَ منه وَهَذَا إذَا فَعَلَ فَلَيْسَ في النَّفْسِ منه شَيْءٌ وإذا كان هذا هَكَذَا فَلَا يَتَبَيَّنُ أَنْ يُمْنَعُوا رُكُوبَ بَحْرِ الْحِجَازِ وَيُمْنَعُونَ الْمُقَامَ في سَوَاحِلِهِ وَكَذَلِكَ إنْ كانت في بَحْرِ الْحِجَازِ جَزَائِرُ وَجِبَالٌ تُسْكَنُ مُنِعُوا سُكْنَاهَا لِأَنَّهَا من أَرْضِ الْحِجَازِ وإذا دخل الْحِجَازَ منهم رَجُلٌ في هذه الْحَالَةِ فَإِنْ كان تَقَدَّمَ إلَيْهِ أُدِّبَ وَأُخْرِجَ وَإِنْ لم يَكُنْ تَقَدَّمَ إلَيْهِ لم يُؤَدَّبْ وَأُخْرِجَ وَإِنْ عَادَ أُدِّبَ وَإِنْ مَاتَ منهم مَيِّتٌ في هذه الْحَالِ بِمَكَّةَ أُخْرِجَ منها وَأُخْرِجَ من الْحَرَمِ فَدُفِنَ في الْحِلِّ وَلَا يُدْفَنُ في الْحَرَمِ بِحَالٍ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل قَضَى أَنْ لَا يَقْرُبَ مُشْرِكٌ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَلَوْ أَنْتَنَ أُخْرِجَ من الْحَرَمِ وَلَوْ دُفِنَ بها نُبِشَ ما لم يَنْقَطِعْ وَإِنْ مَاتَ بِالْحِجَازِ دُفِنَ بها وَإِنْ مَرِضَ في الْحَرَمِ أُخْرِجَ فَإِنْ مَرِضَ بِالْحِجَازِ يُمْهَلُ بِالْإِخْرَاجِ حتى يَكُونَ مُحْتَمِلًا لِلسَّفَرِ فَإِنْ احْتَمَلَهُ أُخْرِجَ قال وقد وَصَفْت مَقْدَمَهُمْ بالنجازات ( ( ( بالتجارات ) ) ) بِالْحِجَازِ فِيمَا يُؤْخَذُ منهم وَأَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ وَأَحَبُّ إلى أَنْ لَا يُتْرَكُوا بِالْحِجَازِ بِحَالٍ لِتِجَارَةٍ وَلَا غَيْرِهَا
____________________

(4/178)


- * كَمْ الْجِزْيَةُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { حتى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عن يَدٍ } وكان مَعْقُولًا أَنَّ الْجِزْيَةَ شَيْءٌ يُؤْخَذُ في أَوْقَاتٍ وَكَانَتْ الْجِزْيَةُ مُحْتَمِلَةً لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وكان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمُبَيِّنُ عن اللَّهِ عز وجل مَعْنَى ما أَرَادَ فَأَخَذَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم جِزْيَةَ أَهْلِ الْيَمَنِ دِينَارًا في كل سَنَةٍ أو قِيمَتَهُ من الْمَعَافِرِيِّ وَهِيَ الثِّيَابُ وَكَذَلِكَ روى أَنَّهُ أَخَذَ من أَهْلِ أَيْلَةَ وَمِنْ نَصَارَى مَكَّةَ دِينَارًا عن كل إنْسَانٍ قال وَأَخَذَ الْجِزْيَةَ من أَهْلِ نَجْرَانَ فيها كِسْوَةٌ وَلَا أَدْرِي ما غَايَةُ ما أَخَذَ منهم وقد سَمِعْت بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ من الْمُسْلِمِينَ وَمِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ من أَهْلِ نَجْرَانَ يَذْكُرُ أَنَّ قِيمَةَ ما أَخَذَ من كل وَاحِدٍ أَكْثَرُ من دِينَارٍ وَأَخَذَهَا من أُكَيْدِرَ وَمِنْ مَجُوسِ الْبَحْرَيْنِ لَا أَدْرِي كَمْ غَايَةُ ما أُخِذَ منهم ولم أَعْلَمْ أَحَدًا قَطُّ حَكَى عنه أَنَّهُ أَخَذَ من أَحَدٍ أَقَلَّ من دِينَارٍ * أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدٍ قال أخبرني إسْمَاعِيلُ بن أبي حَكِيمٍ عن عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كَتَبَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ ( إنَّ على كل إنْسَانٍ مِنْكُمْ دِينَارًا أو قِيمَتَهُ من الْمَعَافِرِيِّ ) يَعْنِي أَهْلَ الذِّمَّةِ منهم * أخبرني مُطَرِّفُ بن مَازِنٍ وَهِشَامُ بن يُوسُفَ بِإِسْنَادٍ لَا أَحْفَظُهُ غير أَنَّهُ حَسَنٌ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَرَضَ على أَهْلِ الذِّمَّةِ من أَهْلِ الْيَمَنِ دِينَارًا كُلَّ سَنَةٍ قُلْت لِمُطَرِّفِ بن مَازِنٍ فإنه يُقَالُ وَعَلَى النِّسَاءِ أَيْضًا فقال ليس أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَخَذَ من النِّسَاءِ ثَابِتًا عِنْدَنَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَسَأَلْت مُحَمَّدَ بن خَالِدٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بن عَمْرِو بن مُسْلِمٍ وَعِدَّةً من عُلَمَاءِ أَهْلِ الْيَمَنِ فَكُلٌّ حَكَى عن عَدَدٍ مَضَوْا قَبْلَهُمْ كلهم ثِقَةٌ أَنَّ صُلْحَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لهم كان لِأَهْلِ ذِمَّةِ الْيَمَنِ على دِينَارٍ كل سَنَةٍ وَلَا يُثْبِتُونَ أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ فِيمَنْ تُؤْخَذُ منه الْجِزْيَةُ وقال عَامَّتُهُمْ ولم يَأْخُذْ من زُرُوعِهِمْ وقد كانت لهم الزُّرُوعُ وَلَا من مَوَاشِيهِمْ شيئا عَلِمْنَاهُ وقال لي بعضهم قد جَاءَنَا بَعْضُ الْوُلَاةِ فَخَمَّسَ زُرُوعَهُمْ أو أرادها ( ( ( أرادوها ) ) ) فَأَنْكَرَ ذلك عليه وَكُلُّ من وَصَفْت أخبرني أَنَّ عَامَّةَ ذِمَّةِ أَهْلِ الْيَمَنِ من حِمْيَرَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) سَأَلْت عَدَدًا كَثِيرًا من ذِمَّةِ أَهْلِ الْيَمَنِ مُفْتَرِقِينَ في بُلْدَانِ الْيَمَنِ فَكُلُّهُمْ أَثْبَتَ لي لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُهُمْ أَنَّ مُعَاذًا أَخَذَ منهم دِينَارًا على كل بَالِغٍ وَسَمَّوْا الْبَالِغَ الْحَالِمَ قالوا كان في كِتَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مع مُعَاذٍ ( إنَّ على كل حَالِمٍ دِينَارًا ) أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدٍ عن أبي الْحُوَيْرِثِ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ضَرَبَ على نَصْرَانِيٍّ بِمَكَّةَ يُقَالُ له مَوْهَبٌ دِينَارًا كُلَّ سَنَةٍ وَأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ضَرَبَ على نَصَارَى أَيْلَةَ ثَلَاثَمِائَةِ دِينَارٍ كُلَّ سَنَةٍ وَأَنْ يُضَيِّفُوا من مَرَّ بِهِمْ من الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثًا وَلَا يَغُشُّوا مُسْلِمًا * أخبرنا إبْرَاهِيمُ عن إِسْحَاقَ بن عبد اللَّهِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَوْمَئِذٍ ثَلَاثَمِائَةٍ فَضَرَبَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يَوْمَئِذٍ ثَلَاثَمِائَةِ دِينَارٍ كُلَّ سَنَةٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا دَعَا من يَجُوزُ أَنْ تُؤْخَذَ منه الْجِزْيَةُ إلَى الْجِزْيَةِ على ما يَجُوزُ وَبَذَلَ دِينَارًا عن نَفْسِهِ كُلَّ سَنَةٍ لم يَجُزْ لِلْإِمَامِ إلَّا قَبُولُهُ منه وَإِنْ زَادَهُ على دِينَارٍ ما بَلَغَتْ الزِّيَادَةُ قَلَّتْ أو كَثُرَتْ جَازَ لِلْإِمَامِ أَخْذُهَا منه لِأَنَّ اشْتِرَاطَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم على نَصَارَى أَيْلَةَ في كل سَنَةٍ دِينَارًا على كل وَاحِدٍ وَالضِّيَافَةُ زِيَادَةٌ على الدِّينَارِ وَسَوَاءٌ مُعْسِرُ الْبَالِغِينَ من أَهْلِ الذِّمَّةِ وَمُوسِرُهُمْ بَالِغًا ما بَلَغَ يُسْرُهُ لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا صَالَحَ أَهْلَ الْيَمَنِ وَهُمْ عَدَدٌ كَثِيرٌ على دِينَارٍ على الْمُحْتَلِمِ في كل سَنَةٍ أَنَّ منهم الْمُعْسِرَ فلم يَضَعْ عنه وَأَنَّ فِيهِمْ الْمُوسِرَ فلم يَزِدْ عليه فَمَنْ عَرَضَ دِينَارًا مُوسِرًا كان أو مُعْسِرًا قُبِلَ منه وَإِنْ عَرَضَ أَقَلَّ منه لم يُقْبَلْ منه لِأَنَّ من صَالَحَ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم نَعْلَمْهُ صَالَحَ على أَقَلَّ من دِينَارٍ قال فَالدِّينَارُ أَقَلُّ ما يُقْبَلُ من أَهْلِ الذِّمَّةِ وَعَلَيْهِ إنْ بَذَلُوهُ قَبُولُهُ منه عن كل وَاحِدٍ منهم وَإِنْ لم يَزِدْ ضِيَافَةً وَلَا شيئا يُعْطِيهِ من مَالِهِ فَإِنْ صَالَحَ السُّلْطَانُ أَحَدًا مِمَّنْ يَجُوزُ أَخْذُ الْجِزْيَةِ منه وهو يَقْوَى عليه على الأبدى على أَقَلَّ من دِينَارٍ أو على أَنْ يَضَعَ عَمَّنْ أَعْسَرَ من أَهْلِ دِينِهِ الْجِزْيَةَ أو على أَنْ يُنْفِقَ عليهم من بَيْتِ الْمَالِ فَالصُّلْحُ فَاسِدٌ وَلَيْسَ له أَنْ يَأْخُذَ من
____________________

(4/179)


أَحَدٍ منهم إلَّا ما صَالَحَهُ عليه إنْ مَضَتْ مُدَّةٌ بَعْدَ الصُّلْحِ تُوجِبُ عليه بِشَرْطِهِ شيئا وَعَلَيْهِ أَنْ يَنْبِذَ إلَيْهِمْ حتى يُصَالِحُوهُ صُلْحًا جَائِزًا وَإِنْ صَالِحُوهُ صُلْحًا جَائِزًا على دِينَارٍ أو أَكْثَرَ فَأَعْسَرَ وَاحِدٌ منهم بِجِزْيَتِهِ فَالسُّلْطَانُ غَرِيمٌ من الْغُرَمَاءِ ليس بِأَحَقَّ بِمَالِهِ من غُرَمَائِهِ وَلَا غُرَمَائِهِ منه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ فَلَّسَهُ لِأَهْلِ دِينِهِ قبل أَنْ يَحُولَ الْحَوْلُ عليه ضَرَبَ مع غُرَمَائِهِ بِحِصَّةِ جِزْيَتِهِ لِمَا مَضَى عليه من الْحَوْلِ وَإِنْ قَضَاهُ الْجِزْيَةَ دُونَ غُرَمَائِهِ كان له ما لم يَسْتَعِدَّ عليه غُرَمَاؤُهُ أو بَعْضُهُمْ فإذا اسْتَعْدَى عليه بَعْضُهُمْ فَلَيْسَ له أَنْ يَأْخُذَ جِزْيَتَهُ دُونَهُمْ لِأَنَّ عليه حين اسْتَعْدَى عليه أَنْ يَقِفَ مَالُهُ إذَا أَقَرَّ بِهِ أو ثَبَتَ عليه بِبَيِّنَةٍ فَإِنْ لم يَسْتَعْدِ عليه كان له أَخْذُ جِزْيَتِهِ منه دُونَهُمْ لِأَنَّهُ لم يَثْبُتْ عليه حَقٌّ عِنْدَهُ حين أَخَذَ جِزْيَتَهُ وَإِنْ صَالَحَ أَحَدًا من أَهْلِ الذِّمَّةِ على ما يَجُوزُ له فَغَابَ الذِّمِّيُّ فَلَهُ أَخْذُ حَقِّهِ من مَالِهِ وَإِنْ كان غَائِبًا إذَا عَلِمَ حَيَاتَهُ وَإِنْ لم يَعْلَمْ حَيَاتَهُ سَأَلَ وَكِيلَهُ وَمَنْ يَقُومُ بِمَالِهِ عن حَيَاتِهِ فَإِنْ قالوا مَاتَ وَقَفَ مَالَهُ وَأَخَذَ ما اسْتَحَقَّ فيه إلَى يَوْمِ يَقُولُونَ مَاتَ فَإِنْ قالوا حَيٌّ وَقَفَ مَالَهُ إلَّا أَنْ يُعْطُوهُ مُتَطَوِّعِينَ الْجِزْيَةَ وَلَا يَكُونُ له أَخْذُهَا من مَالِهِ وهو لَا يَعْلَمُ حَيَاتَهُ إلَّا أَنْ يُعْطُوهُ إيَّاهَا مُتَطَوِّعِينَ أو يَكُونَ بِعِلْمِ وَرَثَتِهِ كُلِّهِمْ وَأَنْ لَا وَارِثَ له غَيْرُهُمْ وَأَنْ يَكُونُوا بَالِغِينَ يَجُوزُ أَمْرُهُمْ في مَالِهِمْ فَيُجِيزُ عليهم إقْرَارُهُمْ على أَنْفُسِهِمْ لِأَنَّهُ أن مَاتَ فَهُوَ مَالُهُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ أَخَذَ الْجِزْيَةَ من مَالِهِ لِسَنَتَيْنِ ثُمَّ ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّهُ مَاتَ قَبْلَهُمَا رَدَّ حِصَّةَ ما لم يَسْتَحِقَّ وكان عليه أَنْ يُحَاصَّ الْغُرَمَاءَ فَإِنْ كان ما يُصِيبُهُ إذَا حاصصهم في الْجِزْيَةِ عليه أَقَلُّ مِمَّا أَخَذَ رَدَّهُ عليهم وَإِنْ كان وَرَثَتُهُ بَالِغِينَ جَائِزِي الْأَمْرَ فَقَالُوا مَاتَ أَمْسِ وَشَهِدَ شُهُودٌ أَنَّهُ مَاتَ عَامَ أَوَّلَ فَسَأَلَ الْوَرَثَةُ الْوَالِيَ أَنْ يَرُدَّ عليهم جِزْيَتَهُ سَنَةً لم يَكُنْ على الْوَالِي أَنْ يَرُدَّهَا عليهم لِأَنَّهُمْ يُكَذِّبُونَ الشُّهُودَ بِسُقُوطِ الْجِزْيَةِ عنه بِالْمَوْتِ وَلَوْ جَاءَنَا وَارِثَانِ فَصَدَّقَ أَحَدُهُمَا الشُّهُودَ وَكَذَّبَهُمْ الْآخَرُ فَكَانَا كَرَجُلَيْنِ شَهِدَ لَهُمَا رَجُلَانِ بِحَقَّيْنِ فَصَدَّقَهُمَا أَحَدُهُمَا ولم يُصَدِّقْهُمَا الْآخَرُ فَتَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا لِلَّذِي صَدَّقَهُمَا وَتُرَدُّ لِلَّذِي كَذَّبَهُمَا وكان على الْإِمَامِ أَنْ يَرُدَّ نِصْفَ الدِّينَارِ على الْوَارِثِ الذي صَدَّقَ الشُّهُودَ وَلَا يَرُدُّ على الذي كَذَّبَ الشُّهُودَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ أَخَذْنَا الْجِزْيَةَ من أَحَدٍ من أَهْلِهَا فَافْتَقَرَ كان الْإِمَامُ غَرِيمًا من الْغُرَمَاءِ ولم يَكُنْ له أَنْ يُنْفِقَ من مَالِ اللَّهِ عز وجل على فَقِيرٍ من أَهْلِ الذِّمَّةِ لِأَنَّ مَالَ اللَّهِ عز وجل ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ الصَّدَقَاتُ فَهِيَ لِأَهْلِهَا الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ عز وجل في سُورَةِ بَرَاءَةٌ وَالْفَيْءُ فَلِأَهْلِهِ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ عز وجل في سُورَةِ الْحَشْرِ وَالْغَنِيمَةُ فَلِأَهْلِهَا الَّذِينَ حَضَرُوهَا وَأَهْلُ الْخُمُسِ الْمُسْلِمِينَ في الْأَنْفَالِ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ مُسْلِمٌ فَحَرَامٌ على الْإِمَامِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَأْخُذَ من حَقِّ أَحَدٍ من الْمُسْلِمِينَ فَيُعْطِيهِ مُسْلِمًا غَيْرَهُ فَكَيْفَ بِذِمِّيٍّ لم يَجْعَلْ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى له فِيمَا تَطَوَّلَ بِهِ على الْمُسْلِمِينَ نَصِيبًا أَلَا تَرَى أَنَّ الذِّمِّيَّ منهم يَمُوتُ فَلَا يَكُونُ له وَارِثٌ فَيَكُونُ مَالُهُ لِلْمُسْلِمِينَ دُونَ أَهْلِ الذِّمَّةِ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل أَنْعَمَ على الْمُسْلِمِينَ بِتَخْوِيلِهِمْ ما لم يَكُونُوا يَتَخَوَّلُونَهُ قبل تَخْوِيلِهِمْ وَبِأَمْوَالِ الْمُشْرِكِينَ فَيْئًا وَغَنِيمَةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيَرْوُونَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم جَعَلَ على نَصَارَى أَيْلَةَ جِزْيَةً دِينَارٌ على كل إنْسَانٍ وَضِيَافَةُ من مَرَّ بِهِمْ من الْمُسْلِمِينَ وَتِلْكَ زِيَادَةٌ على الدِّينَارِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ بَذَلَ أَهْلُ الذِّمَّةِ أَكْثَرَ من دِينَارٍ بَالِغًا ما بَلَغَ كان الِازْدِيَادُ أَحَبَّ إلَيَّ ولم يَحْرُمْ على الْإِمَامِ مِمَّا زَادُوهُ شَيْءٌ وقد صَالَحَ عُمَرُ أَهْلَ الشَّامِ على أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ وَضِيَافَةٍ * أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن أَسْلَمَ مولى عُمَرَ بن الْخَطَّابِ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ ضَرَبَ الْجِزْيَةَ على أَهْلِ الذهب ( ( ( المذهب ) ) ) أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ وَمَعَ ذلك إرزاق الْمُسْلِمِينَ وَضِيَافَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد روى أَنَّ عُمَرَ ضَرَبَ على أَهْلِ الْوَرِقِ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ وَعَلَى أَهْلِ الْيُسْرِ وَعَلَى أَهْلِ الْأَوْسَاطِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ وَعَلَى من دُونَهُمْ اثنى عَشَرَ دِرْهَمًا وَهَذَا في الدِّرْهَمِ أَشْبَهُ بِمَذْهَبِ عُمَرَ بِأَنَّهُ
____________________

(4/180)


عَدَّلَ الدَّرَاهِمَ في الدِّيَةِ اثنى عَشَرَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن أبي إِسْحَاقَ عن حَارِثَةَ بن مُضَرَ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ فَرَضَ على أَهْلِ السَّوَادِ ضِيَافَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَمَنْ حَبَسَهُ مَرَضٌ أو مَطَرٌ أَنْفَقَ من مَالِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَحَدِيثُ أَسْلَمَ ضِيَافَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَشْبَهُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم جَعَلَ الضِّيَافَةَ ثَلَاثًا وقد يَكُونُ جَعَلَهَا على قَوْمٍ ثَلَاثًا وَعَلَى قَوْمٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً ولم يَجْعَلْ على آخَرِينَ ضِيَافَةً كما يَخْتَلِفُ صُلْحُهُ لهم فَلَا يَرُدُّ بَعْضُ الحديث بَعْضًا - * بِلَادُ الْعَنْوَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا ظَهَرَ الْإِمَامُ على بِلَادِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَنَفَى عنها أَهْلَهَا أو ظَهَرَ على بِلَادٍ وَقَهَرَ أَهْلَهَا ولم يَكُنْ بين بِلَادِ الْحَرْبِ التي ظَهَرَ عليها وَبَيْنَ بِلَادِ الْإِسْلَامِ مُشْرِكٌ أو كان بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ مُشْرِكُونَ لَا يَمْنَعُونَ أَهْلَ الْحَرْبِ الَّذِينَ ظَهَرُوا على بِلَادِهِمْ وكان قَاهِرًا لِمَنْ بَقِيَ مَحْصُورًا وَمُنَاظِرًا له وَإِنْ لم يَكُنْ مَحْصُورًا فَسَأَلَهُ أُولَئِكَ من الْعَدُوِّ أن ( ( ( وأن ) ) ) يَدَعَ لهم أَمْوَالَهُمْ على شَيْءٍ يأخذه ( ( ( يأخذ ) ) ) منهم فيها أو منها قَلَّ أو كَثُرَ لم يَكُنْ ذلك له لِأَنَّهَا قد صَارَتْ بِلَادَ الْمُسْلِمِينَ وَمِلْكًا لهم ولم يَجُزْ له إلَّا قَسْمُهَا بين أَظْهُرِهِمْ كما صَنَعَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِخَيْبَرَ فإنه ظَهَرَ عليها وهو في عَدَدٍ الْمُشْرِكُونَ من أَهْلِهَا أَكْثَرُ منهم وَقُرْبُهَا مُشْرِكُونَ من الْعَرَبِ غَيْرُ يَهُودٍ وقد أَرَادُوا مَنْعَهُمْ منه فلما بَانَ له أَنَّهُ قَاهِرٌ قَسَمَ أَمْوَالَهُمْ كما يَقْسِمُ ما أَحْرَزَ في بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَخَمَّسَهَا وَسَأَلُوهُ وَهُمْ مُتَحَصِّنُونَ منه لهم شَوْكَةٌ ثَابِتَةٌ أَنْ يُؤَمِّنَهُمْ وَلَا يَسْبِي ذَرَارِيِّهِمْ فَأَعْطَاهُمْ ذلك لِأَنَّهُ لم يَظْهَرْ على الْحُصُونِ وَمَنْ فيها فَيَمْلِكُهَا الْمُسْلِمُونَ ولم يُعْطِهِمْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ذلك فِيمَا ظَهَرَ عليه من الْأَمْوَالِ إذْ رَأَى أَنْ لَا قُوَّةَ بِهِمْ على أَنْ يَبْرُزُوا عن الْحُصُونِ لِمَنْعِ الْأَمْوَالِ وَكَذَلِكَ لم يُعْطِهِمْ ذلك في حِصْنٍ ظَهَرَ فيه بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ وَأُخْتِهَا وَصَارَتْ في يَدَيْهِ لِأَنَّهُ ظَهَرَ عليه كما ظَهَرَ على الْأَمْوَالِ ولم يَكُنْ لهم قُوَّةٌ على مَنْعِهِ إيَّاهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَكَذَا كُلُّ ما ظَهَرَ عليه من قَلِيلِ أَمْوَالِ الْمُشْرِكِينَ أو كَثِيرِهِ أَرْضٍ أو دَارٍ أو غَيْرِهِ لَا يَخْتَلِفُ لِأَنَّهُ غَنِيمَةٌ وَحُكْمُ اللَّهِ عز وجل في الْغَنِيمَةِ أَنْ تُخَمَّسَ وقد بَيَّنَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسَ لِمَنْ أَوْجَفَ عليها بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ وَإِنْ ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ على طَرَفٍ من أَطْرَافِ الْمُشْرِكِينَ حتى يَكُونَ بِهِمْ قُوَّةٌ على مَنْعِهِ من الْمُشْرِكِينَ وَإِنْ لم يَنَالُوا الْمُشْرِكِينَ فَهُوَ بَلَدُ عَنْوَةٍ يَجِبُ عليه قَسْمُهُ وَقَسْمُ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهِ بين من أَوْجَفَ عليه بِخَيْلٍ وَرِكَابٍ إنْ كان فيه عِمَارَةٌ أو كانت لِأَرْضِهِ قِيمَةٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَكُلُّ ما وَصَفْت أَنَّهُ يَجِبُ قَسْمُهُ فَإِنْ تَرَكَهُ الْإِمَامُ ولم يَقْسِمْهُ فَوَقَفَهُ الْمُسْلِمُونَ أو تَرَكَهُ لِأَهْلِهِ رَدَّ حُكْمَ الْإِمَامِ فيه لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ ثُمَّ السُّنَّةِ مَعًا فَإِنْ قِيلَ فَأَيْنَ ذِكْرُ ذلك في الْكِتَابِ قِيلَ قال اللَّهُ عز وجل { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ من شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ } الْآيَةَ وَقَسَمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسِ على من أَوْجَفَ عليه بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ من كل ما أَوْجَفَ عليه من أَرْضٍ أو عِمَارَةٍ أو مَالٍ وَإِنْ تَرَكَهَا لِأَهْلِهَا اتبع أَهْلَهَا بِجَمِيعِ ما كان في أَيْدِيهِمْ من غَلَّتِهَا فَاسْتَخْرَجَ من أَيْدِيهِمْ وَجَعَلَ أَجْرَ مِثْلِهِمْ فِيمَا قَامُوا عليه فيها وكان لِأَهْلِهَا أَنْ يُتْبِعُوا الْإِمَامَ بِكُلِّ ما فَاتَ فيها لِأَنَّهَا أَمْوَالُهُمْ أَفَاتَهَا قال فَإِنْ ظَهَرَ الْإِمَامُ على بِلَادٍ عَنْوَةً فَخَمَّسَهَا ثُمَّ سَأَلَ أَهْلُ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ تَرْكَ حُقُوقِهِمْ منها فَأَعْطَوْهُ ذلك طَيِّبَةً بِهِ أَنْفُسُهُمْ فَلَهُ قَبُولُهُ إنْ أَعْطَوْهُ إيَّاهُ يَضَعُهُ حَيْثُ يَرَى فَإِنْ تَرَكُوهُ كَالْوَقْفِ على الْمُسْلِمِينَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْبَلَهُ من أَهْلِهِ وَغَيْرِ أَهْلِهِ بِمَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَقْبَلَ بِهِ أَرْضَهُ وَأَحْسِبُ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ إنْ كان صَنَعَ هذا في شَيْءٍ من بِلَادِ الْعَنْوَةِ إنَّمَا اسْتَطَابَ أَنْفُسَ أَهْلِهَا عنها فَصَنَعَ ما وَصَفْت فيها كما اسْتَطَابَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْفُسَ من صَارَ في يَدَيْهِ سَبْيُ هَوَازِنَ ب حنين ) فَمَنْ طَابَ نَفْسًا رَدَّهُ وَمَنْ لم يَطِبْ نَفْسًا لم يُكْرِهْهُ على أَخْذِ ما في يَدَيْهِ
____________________

(4/181)


- * بِلَادُ أَهْلِ الصُّلْحِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فإذا غَزَا الْإِمَامُ قَوْمًا فلم يَظْهَرْ عليهم حتى عَرَضُوا عليه الصُّلْحَ على شَيْءٍ من أَرْضِهِمْ أو شَيْءٍ يُؤَدُّونَهُ عن أَرْضِهِمْ فيه ما هو أَكْثَرُ من الْجِزْيَةِ أو مِثْلُ الْجِزْيَةِ فَإِنْ كَانُوا مِمَّنْ تؤخذ ( ( ( يؤخذ ) ) ) منهم الْجِزْيَةُ وَأَعْطَوْهُ ذلك على أَنْ يَجْرِيَ عليهم الْحُكْمُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْبَلَهُ منهم وَلَيْسَ له قَبُولُهُ منهم إلَّا على أَنْ يَجْرِيَ عليهم الْحُكْمُ وإذا قَبِلَهُ كَتَبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ كِتَابًا بِالشَّرْطِ بَيْنَهُمْ وَاضِحًا يَعْمَلُ بِهِ من جاء بَعْدَهُ وَهَذِهِ الْأَرْضُ مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا الَّذِينَ صَالَحُوا عليها على ما صَالَحُوا على أَنْ يُؤَدُّوا عنها شيئا فَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لهم على ذلك وَإِنْ هُمْ صَالَحُوهُ على أَنَّ لِلْمُسْلِمِينَ من رَقَبَةِ الْأَرْضِ شيئا فإن الْمُسْلِمِينَ شُرَكَاؤُهُمْ في رِقَابِ أَرْضِهِمْ بِمَا صَالَحُوهُمْ عليه وَإِنْ صَالَحُوا على أَنَّ الْأَرْضَ لهم وَعَلَيْهِمْ أَنْ يُؤَدُّوا كَذَا من الْحِنْطَةِ أو يُؤَدُّوا من كل ما زَرَعُوا في الْأَرْضِ كَذَا من الْحِنْطَةِ لم يَجُزْ حتى يَسْتَبِينَ فيه ما وَصَفْت فِيمَنْ صَالَحَ على صَدَقَةِ مَالِهِ وإذا صَالَحُوهُمْ على أَنَّ الْأَرْضَ كُلَّهَا لِلْمُشْرِكِينَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَالِحَهُمْ على ذلك وَيَجْعَلُوا عليهم خَرَاجًا مَعْلُومًا إمَّا شَيْءٌ مُسَمًّى يَضْمَنُونَهُ في أَمْوَالِهِمْ كَالْجِزْيَةِ وَإِمَّا شَيْءٌ مُسَمًّى يُؤَدَّى عن كل زَرْعٍ من الْأَرْضِ كَذَا من الْحِنْطَةِ أو غَيْرِهَا إذَا كان ذلك إذَا جَمَعَ مِثْلَ الْجِزْيَةِ أو أَكْثَرَ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُصَالِحُوهُمْ على أَنَّ الْأَرْضَ كُلَّهَا لِلْمُشْرِكَيْنِ وَأَنَّهُمْ إنْ زَرَعُوا شيئا من الْأَرْضِ فللمسلمين ( ( ( للمسلمين ) ) ) من كل جَرِيبٍ أو فَدَانٍ زَرَعُوهُ مَكِيلَةٌ مَعْلُومَةٌ أو جُزْءٌ مَعْلُومٌ لِأَنَّهُمْ قد يَزْرَعُونَ فَلَا يَنْبُتُ أو يَقِلُّ أو يَكْثُرُ أو لَا يَزْرَعُونَ وَلَا يَكُونُونَ حِينَئِذٍ صَالَحُوهُ على جِزْيَةٍ مَعْلُومَةٍ وَلَا أَمْرٍ يُحِيطُ الْعِلْمَ أَنَّهُ يَأْتِي كَأَقَلِّ الْجِزْيَةِ أو يُجَاوِزُ ذلك * وَأَهْلُ الصُّلْحِ أَحْرَارٌ إنْ لم يَظْهَرْ عليهم وَلَهُمْ بِلَادُهُمْ إلَّا ما أَعْطَوْهُ منها * وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُخَمِّسَ ما صَالَحُوا عليه فَيَدْفَعَ خُمُسَهُ إلَى أَهْلِهِ وَأَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ إلَى أَهْلِ الْفَيْءِ فَإِنْ لم يَفْعَلْ ضَمِنَ في مَالِهِ ما اسْتَهْلَكَ عليهم منه كما وَصَفْت في بِلَادِ الْعَنْوَةِ وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَمْنَعَ أَهْلَ الْعَنْوَةِ وَالصُّلْحُ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ جِزْيَةٍ كما وَصَفْته يَمْنَعُ أَهْلَ الْجِزْيَةِ - * الْفَرْقُ بين نِكَاحِ من تُؤْخَذ منه الْجِزْيَةُ وَتُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حُكْمُ اللَّهِ عز وجل في الْمُشْرِكِينَ حُكْمَانِ فَحُكْمٌ أَنْ يُقَاتِلَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ حتى يُسْلِمُوا وَأَهْلُ الْكِتَابِ حتى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ أو يُسْلِمُوا قال وَأَحَلَّ اللَّهُ عز وجل نِسَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَطَعَامَهُمْ فَقِيلَ طَعَامُهُمْ ذَبَائِحُهُمْ فَاحْتَمَلَ إحْلَالُ اللَّهِ نِكَاحَ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَطَعَامَهُمْ كُلَّ أَهْلِ الْكِتَابِ وَكُلَّ من دَانَ دِينَهُمْ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِذَلِكَ بَعْضَ أَهْلِ الْكِتَابِ دُونَ بَعْضٍ فَكَانَتْ دَلَالَةُ ما يُرْوَى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ ما لَا أَعْلَمُ فيه مُخَالِفًا أَنَّهُ أَرَادَ أَهْلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ من بَنِي إسْرَائِيلَ دُونَ الْمَجُوسِ فَكَانَ في ذلك دَلَالَةٌ على أَنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ الْمُرَادُونَ بِإِحْلَالِ النِّسَاءِ وَالذَّبَائِحِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ولم أَعْلَمْ مُخَالِفًا في أَنْ لَا تُنْكَحَ نِسَاءُ الْمَجُوسِ وَلَا تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ فلما دَلَّ الْإِجْمَاعُ على أَنَّ حُكْمَ أَهْلِ الْكِتَابِ حُكْمَانِ وَأَنَّ منهم من تُنْكَحُ نِسَاؤُهُ وَتُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ وَمِنْهُمْ من لَا تُنْكَحُ نِسَاؤُهُ وَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ وَذَكَرَ اللَّهُ عز وجل نِعْمَتَهُ على بَنِي إسْرَائِيلَ في غَيْرِ مَوْضِعٍ من كِتَابِهِ وما آتَاهُمْ دُونَ غَيْرِهِمْ من أَهْلِ دَهْرِهِمْ كان من دَانَ دِينَ بَنِي إسْرَائِيلَ قبل الْإِسْلَامِ من غَيْرِ بَنِي إسْرَائِيلَ في غَيْرِ مَعْنَى من بَنِي إسْرَائِيلَ أَنْ يَنْكِحَ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عليهم أَهْلُ الْكِتَابِ بِأَنَّ آبَاءَهُمْ كَانُوا غير أَهْلِ الْكِتَابِ وَمِنْ غَيْرِ نَسَبِ بَنِي إسْرَائِيلَ فلم يَكُونُوا أَهْلَ كِتَابٍ إلَّا بِمَعْنَى لَا أَهْلَ كِتَابٍ مُطْلَقٍ فلم يَجُزْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَنْكِحَ نِسَاءَ أَحَدٍ من الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ غير بَنِي إسْرَائِيلَ دَانَ دِينَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِحَالٍ أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدٍ
____________________

(4/182)


عن عبد اللَّهِ بن دِينَارٍ عن سَعْدٍ الْجَارِي أو عبد اللَّهِ بن سَعِيدٍ مولى عُمَرَ بن الْخَطَّابِ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ قال ما نَصَارَى الْعَرَبِ بِأَهْلِ كِتَابٍ وما تَحِلُّ لنا ذَبَائِحُهُمْ وما أنا بِتَارِكِهِمْ حتى يُسْلِمُوا أو أَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَمَنْ كان من بَنِي إسْرَائِيلَ يَدِينُ دِينَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى نُكِحَ نِسَاؤُهُ وَأُكِلَتْ ذَبِيحَتُهُ وَمَنْ نُكِحَ نِسَاؤُهُ فسبى منهم أَحَدٌ وطىء بِالْمِلْكِ وَمَنْ دَانَ دِينَ بَنِي إسْرَائِيلَ من غَيْرِهِمْ لم تُنْكَحْ نِسَاؤُهُ ولم تُؤْكَلْ ذَبِيحَتُهُ ولم تُوطَأْ أَمَتُهُ وإذا لم تُنْكَحْ نِسَاؤُهُمْ ولم تُوطَأْ منهم أَمَةٌ بِمِلْكِ الْيَمِينِ ( 1 ) لم تُنْكَحْ منهم امْرَأَةٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ كان الصَّابِئُونَ وَالسَّامِرَةُ من بَنِي إسْرَائِيلَ وَدَانُوا دِينَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَلِأَصْلِ التَّوْرَاةِ وَلِأَصْلِ الْإِنْجِيلِ نُكِحَتْ نِسَاؤُهُمْ وَأُحِلَّتْ ذَبَائِحُهُمْ وَإِنْ خَالَفُوهُمْ في فَرْعٍ من دِينِهِمْ لِأَنَّهُمْ فُرُوعٌ قد يَخْتَلِفُونَ بَيْنَهُمْ وَإِنْ خَالَفُوهُمْ في أَصْلِ التَّوْرَاةِ لم تُؤْكَلْ ذَبَائِحُهُمْ ولم تُنْكَحْ نِسَاؤُهُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكُلُّ من كان من بَنِي إسْرَائِيلَ تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ وَتُنْكَحُ نِسَاؤُهُمْ بِدِينِهِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ حَلَّ ذلك منه حَيْثُمَا كان مُحَارِبًا أو مُهَادِنًا أو مُعْطِيًا لِلْجِزْيَةِ لَا فَرْقَ بين ذلك غير أَنِّي أَكْرَهُ لِلرَّجُلِ النِّكَاحَ بِبِلَادِ الْحَرْبِ خَوْفَ الْفِتْنَةِ وَالسِّبَاءِ عليه وَعَلَى وَلَدِهِ من غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مُحَرَّمًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ ارْتَدَّ من نِسَاءِ الْيَهُودِ إلَى النَّصْرَانِيَّةِ أو من نِسَاءِ النَّصَارَى إلَى الْيَهُودِيَّةِ أو رِجَالِهِمْ لم يُقَرُّوا على الْجِزْيَةِ ولم يُنْكَحْ من ارْتَدَّ عن أَصْلِ دِينِ آبَائِهِ وَكَذَلِكَ إذَا ارْتَدُّوا إلَى مَجُوسِيَّةٍ أو غَيْرِهَا من الشِّرْكِ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُخِذَ منهم على الْإِقْرَارِ على دِينِهِمْ فإذا بَدَّلُوهُ بِغَيْرِ الْإِسْلَامِ حَالَتْ حَالُهُمْ عَمَّا أُخِذَ إذَنْ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ منهم عليه وَأُبِيحَ من طَعَامِهِمْ وَنِسَائِهِمْ - * تَبْدِيلُ أَهْلِ الْجِزْيَةِ دِينَهُمْ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَصْلُ ما نَبْنِي عليه أَنَّ الْجِزْيَةَ لَا تُقْبَلُ من أَحَدٍ دَانَ دِينَ كِتَابِيٍّ إلَّا أَنْ يَكُونَ آبَاؤُهُ أو هو دَانَ ذلك الدِّينَ قبل نُزُولِ الْقُرْآنِ وَتُقْبَلُ من كل من يَثْبُتُ على دِينِهِ وَدِينِ آبَائِهِ قبل نُزُولِ الْقُرْآنِ ما ثَبَتُوا على الْأَدْيَانِ التي أُخِذَتْ الْجِزْيَةُ منهم عليها فَإِنْ بَدَّلَ يَهُودِيٌّ دِينَهُ بِنَصْرَانِيَّةٍ أو مَجُوسِيَّةٍ أو نَصْرَانِيٌّ دِينَهُ بِمَجُوسِيَّةٍ أو بَدَّلَ مَجُوسِيٌّ دِينَهُ بِنَصْرَانِيَّةٍ أو انْتَقَلَ أَحَدٌ منهم من دِينِهِ إلَى غَيْرِ دِينِهِ من الْكُفْرِ مِمَّا وَصَفْت أو التَّعْطِيلُ أو غَيْرُهُ لم يُقْتَلْ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُقْتَلُ من بَدَّلَ دِينَ الْحَقِّ وهو الْإِسْلَامُ وَقِيلَ إنْ رَجَعْت إلَى دِينِك أَخَذْنَا مِنْك الْجِزْيَةَ وَإِنْ أَسْلَمْت طرحناها ( ( ( طرحنا ) ) ) عَنْك فِيمَا يُسْتَقْبَلُ وَنَأْخُذُ مِنْك حِصَّةَ الْجِزْيَةِ التي لَزِمَتْك إلَى أَنْ أَسْلَمْت أو بَدَّلْت وإذا بَدَّلْت بِغَيْرِ الْإِسْلَامِ نَبَذْنَا إلَيْك وَنَفَيْنَاك عن بِلَادِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ بِلَادَ الْإِسْلَامِ لَا تَكُونُ دَارَ مُقَامٍ لِأَحَدٍ إلَّا مُسْلِمٍ أو مُعَاهَدٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ نَأْخُذَ مِنْك الْجِزْيَةَ على غَيْرِ الدِّينِ الذي أُخِذَتْ مِنْك أَوَّلًا عليه وَلَوْ أَجَزْنَا هذا أَجَزْنَا أَنْ يَتَنَصَّرَ وَثَنِيٌّ الْيَوْمَ أو يَتَهَوَّدَ أو يَتَمَجَّسَ فَنَأْخُذَ منه الْجِزْيَةَ فَيَتْرُكَ قِتَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا حتى يُسْلِمُوا وَإِنَّمَا أَذِنَ اللَّهُ عز وجل بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ منهم على ما دَانُوا بِهِ قبل مُحَمَّدٍ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَذَلِكَ خِلَافُ ما أَحْدَثُوا من الدِّينِ بَعْدَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَإِنْ كان له مَالٌ بِالْحِجَازِ قِيلَ وَكِّلْ بِهِ ولم يُتْرَكْ يُقِيمُ إلَّا ثَلَاثًا وَإِنْ كان له بِغَيْرِ الْحِجَازِ لم يُتْرَكْ يُقِيمُ في بِلَادِ الْإِسْلَامِ إلَّا بِقَدْرِ ما يَجْمَعُ مَالَهُ فَإِنْ أَبْطَأَ فَأَكْثَرُ ما يُؤَجَّلُ إلَى الْخُرُوجِ من بِلَادِ الْإِسْلَامِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مُدَّةٍ جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِغَيْرِ الذِّمِّيِّينَ من الْمُشْرِكِينَ وَأَكْثَرُ مُدَّةٍ جَعَلَهَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لهم قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { بَرَاءَةٌ من اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ من الْمُشْرِكِينَ } قَرَأَ الرَّبِيعُ إلَى { غَيْرِ مُعْجِزِي اللَّهِ } فَأَجَّلَهُمْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ما أَجَّلَهُمْ اللَّهُ من أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فإذا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَعَلَيْنَا أَنْ نُؤَدِّيَ إلَيْهِ مَالَهُ
____________________

(4/183)


وَلَيْسَ لنا أَنْ نَغْنَمَهُ بِرِدَّتِهِ عن شِرْكٍ إلَى شِرْكٍ لِمَا سَبَقَ من الْأَمَانِ له فَإِنْ كانت له زَوْجَةٌ وَوَلَدٌ كِبَارٌ وَصِغَارٌ لم يُبَدِّلُوا أَدْيَانَهُمْ أُقِرَّتْ الزَّوْجَةُ وَالْوَلَدُ الْكِبَارُ وَالصِّغَارُ في بِلَادِ الاسلام وَأُخِذَ من وَلَدِهِ الرِّجَالِ الْجِزْيَةُ وَإِنْ مَاتَتْ زَوْجَتُهُ أو أُمُّ وَلَدِهِ ولم تُبَدِّلْ دِينَهَا وَهِيَ على دِينٍ يُؤْخَذُ من أَهْلِهِ الْجِزْيَةُ أَقَرَّ وَلَدُهَا الصِّغَارُ وَإِنْ كانت بَدَّلَتْ دِينَهَا وَهِيَ حَيَّةٌ معه أو بَدَّلَتْهُ ثُمَّ مَاتَتْ أو كانت وَثَنِيَّةً وله وَلَدٌ صِغَارٌ منها فَفِيهِمْ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَخْرُجُوا لِأَنَّهُ لَا ذِمَّةَ لِأَبِيهِمْ وَلَا أُمِّهِمْ يُقِرُّونَ بها في بِلَادِ الاسلام وَالثَّانِي لَا يَخْرُجُونَ لِمَا سَبَقَ لهم من الذِّمَّةِ وَإِنْ بَدَّلُوا هُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قُلْت في زَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَجَارِيَتِهِ وَعَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ وَمُدَبَّرِهِ أَقَرَّهُ في بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَأَرَادَ إخْرَاجَهُمْ وَكَرِهُوهُ فَلَيْسَ ذلك له وَآمُرُهُ فِيمَنْ يَجُوزُ له بَيْعُهُ من رَقِيقِهِ أَنْ يُوَكِّلَ بِهِ أو يَبِيعَهُ وَأَوْقَفَ مَالًا إنْ وَجَدْت له وَأَشْهَدَ عليه أَنَّهُ مَلَكَهُ لِلنَّفَقَةِ على أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ وَزَوْجَتِهِ وَمَنْ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ عليه وَإِنْ لم أَجِدْ له شيئا فَلَا يَنْشَأُ له وَقْفٌ وَنَفَيْته بِكُلِّ حَالٍ عن بِلَادِ الْإِسْلَامِ إنْ لم يُسْلِمْ أو يَرْجِعْ إلَى دِينِهِ الذي أَخَذْت عليه منه الْجِزْيَةَ وإذا مَاتَ قبل إخْرَاجِهِ وَرَّثْت مَالَهُ من كان يَرِثُهُ قبل أَنْ يُبَدِّلَ دِينَهُ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ وَيُوَرَّثُ الْوَثَنِيُّ الْكِتَابِيَّ وَالْمَجُوسِيَّ وَبَعْضُ الْكِتَابِيِّينَ بَعْضًا وَإِنْ اخْتَلَفُوا كما الْإِسْلَامُ مِلَّةٌ - * جِمَاعُ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ وَالْعَهْدِ وَنَقْضِهِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى جِمَاعُ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ وَبِالْعَهْدِ كان بِيَمِينٍ أو غَيْرِهَا في قَوْله تَعَالَى { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } وفي قَوْله تَعَالَى { يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كان شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا } وقد ذَكَرَ اللَّهُ عز وجل الْوَفَاءَ بِالْعُقُودِ بِالْأَيْمَانِ في غَيْرِ آيَةٍ من كِتَابِهِ منها قَوْلُهُ عز وجل { وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا } قَرَأَ الرَّبِيعُ الْآيَةَ وَقَوْلُهُ { يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ } مع ما ذُكِرَ بِهِ الْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا من سَعَةِ لِسَانِ الْعَرَبِ الذي خُوطِبَتْ بِهِ وَظَاهِرُهُ عَامٌّ على كل عَقْدٍ وَيُشْبِهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ اللَّهُ عز وجل أَنْ يُوفِيَ بِكُلِّ عَقْدِ نَذْرٍ إذَا كانت في الْعَقْدِ لِلَّهِ طَاعَةٌ ولم يَكُنْ فِيمَا أَمَرَ بِالْوَفَاءِ منها مَعْصِيَةٌ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على ما وَصَفْت وَالْأَمْرُ فيه كُلُّهُ مُطْلَقٌ وَمِنْ أَيْنَ كان لِأَحَدٍ أَنْ يَنْقُضَ عَهْدًا بِكُلِّ حَالٍ قِيلَ الْكِتَابُ ثُمَّ السُّنَّةُ صَالَحَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قُرَيْشًا بِالْحُدَيْبِيَةِ على أَنْ يَرُدَّ من جاء منهم فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى في امْرَأَةٍ جَاءَتْهُ منهم مُسْلِمَةً { إذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ } فَفَرَضَ اللَّهُ عز وجل عليهم أَنْ لَا تُرَدَّ النِّسَاءُ وقد أَعْطَوْهُمْ رَدَّ من جاء منهم وَهُنَّ منهم فَحَبَسَهُنَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِأَمْرِ اللَّهِ عز وجل وَعَاهَدَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَوْمًا من الْمُشْرِكِينَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل عليه { بَرَاءَةٌ من اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ من الْمُشْرِكِينَ } الْآيَةُ وَأَنْزَلَ { كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ } { من الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لم يَنْقُصُوكُمْ شيئا } الْآيَةَ فَإِنْ قال قَائِلٌ كَيْفَ كان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم صَالَحَ أَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ وَمَنْ صَالَحَ من الْمُشْرِكِينَ قِيلَ كان صُلْحُهُ لهم طَاعَةً لِلَّهِ إمَّا عن أَمْرِ اللَّهِ عز وجل بِمَا صَنَعَ نَصًّا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى جَعَلَ له أَنْ يَعْقِدَ لِمَنْ رَأَى بِمَا رَأَى ثُمَّ أَنْزَلَ قَضَاءَهُ عليه فَصَارُوا إلَى قَضَاءِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَنَسَخَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فِعْلَهُ بِفِعْلِهِ بِأَمْرِ اللَّهِ وَكُلٌّ كان لِلَّهِ طَاعَةً في وَقْتِهِ فَإِنْ قال قَائِلٌ وَهَلْ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْقِدَ عَقْدًا مَنْسُوخًا ثُمَّ يَفْسَخُهُ قِيلَ له ليس له أَنْ يَبْتَدِئَ عَقْدًا مَنْسُوخًا وَإِنْ كان ابْتَدَأَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَنْقُضَهُ كما ليس له أَنْ يُصَلِّيَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ يُصَلِّيَ إلَى الْكَعْبَةِ لِأَنَّ قِبْلَةَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ قد نُسِخَتْ وَمَنْ صلى إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قبل نَسْخِهَا فَهُوَ مُطِيعٌ لِلَّهِ عز وجل كَالطَّاعَةِ له حين صلي إلَى الْكَعْبَةِ وَذَلِكَ أَنَّ قِبْلَةَ
____________________

(4/184)


بَيْتِ الْمَقْدِسِ كانت طَاعَةً لِلَّهِ قبل أَنْ تُنْسَخَ وَمَعْصِيَةً بعد ما نُسِخَتْ فلما قُبِضَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم تَنَاهَتْ فَرَائِضُ اللَّهِ عز وجل فَلَا يُزَادُ فيها وَلَا يُنْقَصُ منها فَمَنْ عَمِلَ منها بِمَنْسُوخٍ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهِ فَهُوَ عَاصٍ وَعَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ عن الْمَعْصِيَةِ وَهَذَا فَرْقٌ بين نَبِيِّ اللَّهِ وَبَيْنَ من بَعْدَهُ من الْوُلَاةِ في النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وفي كل ما وَصَفْت دَلَالَةٌ على أَنْ ليس لِلْإِمَامِ أَنْ يَعْقِدَ عَقْدًا غير مُبَاحٍ له وَعَلَى أَنَّ عليه إذَا عَقَدَهُ أَنْ يَفْسَخَهُ ثُمَّ تَكُونَ طَاعَةُ اللَّهِ في نَقْضِهِ فَإِنْ قِيلَ فما يُشْبِهُ هذا قِيلَ له هذا مِثْلُ ما قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( من نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ ) وَأَسَرَ الْمُشْرِكُونَ امْرَأَةً من الْأَنْصَارِ وَأَخَذُوا نَاقَةَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَانْطَلَقَتْ الْأَنْصَارِيَّةُ على نَاقَةِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَنَذَرَتْ إنْ نَجَّاهَا اللَّهُ عز وجل عليها أَنْ تَنْحَرَهَا فَذُكِرَ ذلك لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال ( لَا نَذْرَ في مَعْصِيَةٍ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ بن آدَمَ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَعْنِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ لَا نَذْرَ يُوَفَّى بِهِ فلما دَلَّتْ السُّنَّةُ على إبْطَالِ النَّذْرِ فِيمَا يُخَالِفُ الْمُبَاحَ من طَاعَةِ اللَّهِ عز وجل دَلَّ على إبْطَالِهِ الْعُقُودَ في خِلَافِ ما يُبَاحُ من طَاعَةِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ أَلَا تَرَى أَنَّ نَحْرَ النَّاقَةِ لم يَكُنْ مَعْصِيَةً لو كانت لها فلما كانت لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَنَذَرَتْ نَحْرَهَا كان نَحْرُهَا مَعْصِيَةً بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا فَبَطَلَ عنها عَقْدُ النَّذْرِ وقال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى في الْأَيْمَانِ { لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ في أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إطْعَامُ عَشْرَةِ مَسَاكِينَ } وقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( من حَلَفَ على يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا منها فَلْيَأْتِ الذي هو خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عن يَمِينِهِ ) فَأَعْلَمَ أَنَّ طَاعَةَ اللَّهِ عز وجل أَنْ لَا يَفِيَ بِالْيَمِينِ إذَا رَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا منها وَأَنْ يُكَفِّرَ بِمَا فَرَضَ اللَّهُ عز وجل من الْكَفَّارَةِ وَكُلُّ هذا يَدُلُّ على أَنَّهُ إنَّمَا يوفي بِكُلِّ عَقْدِ نَذْرٍ وَعَهْدٍ لِمُسْلِمٍ أو مُشْرِكٍ كان مُبَاحًا لَا مَعْصِيَةً لِلَّهِ عز وجل فيه فَأَمَّا ما فيه لِلَّهِ مَعْصِيَةٌ فَطَاعَةُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى في نَقْضِهِ إذَا مَضَى وَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَعْقِدَهُ - * جِمَاعُ نَقْضِ الْعَهْدِ بِلَا خِيَانَةٍ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَإِمَّا تَخَافَنَّ من قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إلَيْهِمْ على سَوَاءٍ إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ } قال الشَّافِعِيُّ نَزَلَتْ في أَهْلِ هُدْنَةٍ بَلَغَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عَنْهُمْ شَيْءٌ اسْتَدَلَّ بِهِ على خِيَانَتِهِمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا جَاءَتْ دَلَالَةٌ على إن لم يُوَفِّ أَهْلَ هُدْنَةٍ بِجَمِيعِ ما هَادَنَهُمْ عليه فَلَهُ أَنْ يَنْبِذَ إلَيْهِمْ وَمَنْ قُلْت له أَنْ يَنْبِذَ إلَيْهِ فَعَلَيْهِ إن يُلْحِقَهُ بِمَأْمَنِهِ ثُمَّ له أَنْ يُحَارِبَهُ كما يُحَارِبُ من لَا هُدْنَةَ له ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ قال الْإِمَامُ أَخَافُ خِيَانَةَ قَوْمٍ وَلَا دَلَالَةَ له على خِيَانَتِهِمْ من خَبَرٍ وَلَا عِيَانٍ فَلَيْسَ له وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ نَقْضُ مُدَّتِهِمْ إذَا كانت صَحِيحَةً لِأَنَّ مَعْقُولًا أَنَّ الْخَوْفَ من خِيَانَتِهِمْ الذي يَجُوزُ بِهِ النَّبْذُ إلَيْهِمْ لَا يَكُونُ إلَّا بِدَلَالَةٍ على الْخَوْفِ ( 1 ) أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو لم يَكُنْ بِمَا يَخْطُرُ على الْقُلُوبِ قبل الْعَقْدِ لهم وَمَعَهُ وَبَعْدَهُ من أَنْ يَخْطُرَ عليها أَنْ يَخُونُوا فَإِنْ قال قَائِلٌ فما يُشْبِهُهُ قِيلَ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل { وَاَللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ في الْمَضَاجِعِ } فَكَانَ مَعْلُومًا أَنَّ الرَّجُلَ إذَا عَقَدَ على الْمَرْأَةِ النِّكَاحَ ولم يَرَهَا فَقَدْ يَخْطُرُ على بَالِهِ أَنْ تَنْشُزَ منه بِدَلَالَةٍ وَمَعْقُولًا عِنْدَهُ أَنَّهُ إذَا أَمَرَهُ بِالْعِظَةِ وَالْهَجْرِ وَالضَّرْبِ لم يُؤْمَرْ بِهِ إلَّا عِنْدَ دَلَالَةِ النُّشُوزِ وما يَجُوزُ بِهِ من بَعْلِهَا ما أبيح ( ( ( أتيح ) ) ) له فيها
____________________

(4/185)


- * نَقْضُ الْعَهْدِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا وَادَعَ الْإِمَامُ قَوْمًا مُدَّةً أو أَخَذَ الْجِزْيَةَ من قَوْمٍ فَكَانَ الذي عَقَدَ الْمُوَادَعَةَ وَالْجِزْيَةَ عليهم رَجُلًا أو رِجَالًا منهم لم تَلْزَمْهُمْ حتى نَعْلَمَ أَنَّ من بَقِيَ منهم قد أَقَرَّ بِذَلِكَ وَرَضِيَهُ وإذا كان ذلك فَلَيْسَ لِأَحَدٍ من الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَنَاوَلَ لهم مَالًا وَدَمًا فَإِنْ فَعَلَ حَكَمَ عليه بِمَا اسْتَهْلَكَ ما كَانُوا مُسْتَقِيمِينَ وإذا نَقَضَ الَّذِينَ عَقَدُوا الصُّلْحَ عليهم أو نَقَضَتْ منهم جَمَاعَةٌ بين أَظْهُرِهِمْ فلم يُخَالِفُوا النَّاقِضَ بِقَوْلٍ أو فِعْلٍ ظَاهِرٍ قبل أَنْ يَأْتُوا الْإِمَامَ أو يَعْتَزِلُوا بِلَادَهُمْ وَيُرْسِلُوا إلَى الْإِمَامِ إنَّا على صُلْحِنَا أو يَكُونَ الَّذِينَ نَقَضُوا خَرَجُوا إلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ أو أَهْلِ ذِمَّةٍ لِلْمُسْلِمِينَ فَيُعِينُونَ الْمُقَاتِلِينَ أو يُعِينُونَ على من قَاتَلَهُمْ منهم فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَغْزُوَهُمْ فإذا فَعَلَ فلم يَخْرُجْ منهم إلَى الْإِمَامِ خَارِجٌ مِمَّا فَعَلَهُ جَمَاعَتُهُمْ فَلِلْإِمَامِ قَتْلُ مُقَاتِلَتِهِمْ وَسَبْيُ ذَرَارِيِّهِمْ وَغَنِيمَةُ أَمْوَالِهِمْ كَانُوا في وَسَطِ دَارِ الْإِسْلَامِ أو في بِلَادِ الْعَدُوِّ وَهَكَذَا فَعَلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِبَنِي قُرَيْظَةَ عَقَدَ عليهم صَاحِبُهُمْ الصُّلْحَ بِالْمُهَادَنَةِ فَنَقَضَ ولم يُفَارِقُوهُ فَسَارَ إلَيْهِمْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في عُقْرِ دَارِهِمْ وَهِيَ معه بِطَرَفِ الْمَدِينَةِ فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ وَسَبَى ذَرَارِيِّهِمْ وَغَنِمَ أَمْوَالَهُمْ وَلَيْسَ كلهم اشْتَرَكَ في الْمَعُونَةِ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ وَلَكِنْ كلهم لَزِمَ حِصْنَهُ فلم يُفَارِقْ الْغَادِرِينَ منهم إلَّا نَفَرٌ فَحَقَنَ ذلك دِمَاءَهُمْ وَأَحْرَزَ عليهم وَكَذَلِكَ إنْ نَقَضَ رَجُلٌ منهم فَقَاتَلَ كان لِلْإِمَامِ قِتَالُ جَمَاعَتِهِمْ كما كان يُقَاتِلُهُمْ قبل الْهُدْنَةِ قد أَعَانَ على خُزَاعَةَ وَهُمْ في عَقْدِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ثَلَاثَةَ نَفَرٍ من قُرَيْشٍ فَشَهِدُوا قِتَالَهُمْ فَغَزَا النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قُرَيْشًا عَامَ الْفَتْحِ بِغَدْرِ النَّفَرِ الثَّلَاثَةِ ( 1 ) وَتَرَكَ الْبَاقُونَ مَعُونَةَ خُزَاعَةَ فَإِنْ خَرَجَ منهم خَارِجٌ بَعْدَ مَسِيرِ الْإِمَامِ وَالْمُسْلِمِينَ إلَيْهِمْ إلَى الْمُسْلِمِينَ مُسْلِمًا أَحْرَزَ له الْإِسْلَامُ مَالَهُ وَنَفْسَهُ وَصِغَارَ ذُرِّيَّتِهِ وَإِنْ خَرَجَ منهم خَارِجٌ فقال أنا على الْهُدْنَةِ التي كانت وَكَانُوا أَهْلَ هُدْنَةٍ لَا أَهْلَ جِزْيَةٍ وَذَكَرَ أَنَّهُ لم يَكُنْ مِمَّنْ غَدَرَ وَلَا أَعَانَ قُبِلَ قَوْلُهُ إذَا لم يَعْلَمْ الْإِمَامُ غير ما قال فَإِنْ عَلِمَ الْإِمَامُ غير ما قال نَبَذَ إلَيْهِ وَرَدَّهُ إلَى مَأْمَنِهِ ثُمَّ قَاتَلَهُ وَسَبَى ذُرِّيَّتَهُ وَغَنِمَ مَالَهُ إنْ لم يُسْلِمْ أو يُعْطِ الْجِزْيَةَ إنْ كان من أَهْلِهَا فَإِنْ لم يَعْلَمْ غير قَوْلِهِ وَظَهَرَ منه ما يَدُلُّ على خِيَانَتِهِ وَخَتْرِهِ أو خَوْفِ ذلك منه نَبَذَ إلَيْهِ الْإِمَامُ وَأَلْحَقَهُ بِمَأْمَنِهِ ثُمَّ قَاتَلَهُ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَإِمَّا تَخَافَنَّ من قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إلَيْهِمْ على سَوَاءٍ } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى نَزَلَتْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ في قَوْمٍ أَهْلِ مُهَادَنَةٍ لَا أَهْلِ جِزْيَةٍ وَسَوَاءٌ ما وَصَفْت فِيمَنْ تُؤْخَذُ منه الْجِزْيَةُ أو لَا تُؤْخَذُ إلَّا أَنَّ من لَا تُؤْخَذُ منه الْجِزْيَةُ إذَا عَرَضَ الْجِزْيَةَ لم يَكُنْ لِلْإِمَامِ أَخْذُهَا منه على الْأَبَدِ وَأَخَذَهَا منه إلَى مُدَّةٍ قال وَإِنَّ أَهْلَ الْجِزْيَةِ لَيُخَالِفُونَ غير أَهْلِ الْجِزْيَةِ في أَنْ يَخَافَ الْإِمَامُ غَدْرَ أَهْلِ الْجِزْيَةِ فَلَا يَكُونُ له أَنْ يَنْبِذَ إلَيْهِمْ بِالْخَوْفِ وَالدَّلَالَةِ كما يَنْبِذُ إلَى غَيْرِ أَهْلِ الْجِزْيَةِ حتى يَنْكَشِفُوا بِالْغَدْرِ أو الِامْتِنَاعِ من الْجِزْيَةِ أو الْحُكْمِ وإذا كان أَهْلُ الْهُدْنَةِ مِمَّنْ يُجَوِّزُ أَنْ تُؤْخَذَ منهم الْجِزْيَةُ فَخِيفَ خِيَانَتُهُمْ نَبَذَ إلَيْهِمْ فَإِنْ قالوا نُعْطِي الْجِزْيَةَ على أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْنَا الْحُكْمُ لم يَكُنْ لِلْإِمَامِ إلَّا قَبُولُهَا منهم وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَغْزُوَ دَارَ من غَدَرَ من ذِي هُدْنَةٍ أو جِزْيَةٍ يُغِيرُ عليهم لَيْلًا وَنَهَارًا وَيَسْبِيهِمْ إذَا ظَهَرَ الْغَدْرُ وَالِامْتِنَاعُ منهم فَإِنْ تَمَيَّزُوا أو يُخَالِفُهُمْ قَوْمٌ فَأَظْهَرُوا الْوَفَاءَ وَأَظْهَرَ قَوْمٌ الِامْتِنَاعَ كان له غَزَوْهُمْ ولم يَكُنْ له الْإِغَارَةُ على جَمَاعَتِهِمْ وإذا قَارَبَهُمْ دَعَا أَهْلَ الْوَفَاءِ إلَى الْخُرُوجِ فَإِنْ خَرَجُوا وَفَّى لهم وَقَاتَلَ من بَقِيَ منهم فَإِنْ لم يَقْدِرُوا على الْخُرُوجِ كان له قَتْلُ الْجَمَاعَةِ وَيَتَوَقَّى أَهْلُ الْوَفَاءِ فَإِنْ قَتَلَ منهم أَحَدًا لم يَكُنْ فيه عَقْلٌ وَلَا قَوَدٌ لِأَنَّهُ بين الْمُشْرِكِينَ وإذا ظَهَرَ عليهم تَرَكَ أَهْلَ الْوَفَاءِ فَلَا يَغْنَمُ لهم مَالًا وَلَا يَسْفِكُ لهم دَمًا وإذا اخْتَلَطُوا فَظَهَرَ عليهم فَادَّعَى كُلٌّ أَنَّهُ لم يَغْدِرْ وقد كانت منهم طَائِفَةٌ اعْتَزَلَتْ أَمْسَكَ عن كل من شَكَّ فيه فلم يَقْتُلْهُ ولم يَسْبِ ذُرِّيَّتَهُ ولم يَغْنَمْ مَالَهُ وَقَتَلَ وَسَبَى ذُرِّيَّةَ من عَلِمَ أَنَّهُ غَدَرَ وَغَنِمَ مَالَهُ
____________________

(4/186)


- * ما أَحْدَثَ الَّذِينَ نَقَضُوا الْعَهْدَ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا وَادَعَ الْإِمَامُ قَوْمًا فَأَغَارُوا على قَوْمٍ مُوَادِعِينَ أو أَهْلِ ذِمَّةٍ أو مُسْلِمِينَ فَقَتَلُوا أو أَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ قبل أَنْ يَظْهَرُوا نُقِضَ الصُّلْحُ فَلِلْإِمَامِ غَزْوُهُمْ وَقَتْلُهُمْ وَسِبَاؤُهُمْ وإذا ظَهَرَ عليهم أَلْزَمَهُمْ بِمَنْ قَتَلُوا وَجَرَحُوا وَأَخَذُوا مَالَهُ الْحُكْمَ كما يَلْزَمُ أَهْلَ الذِّمَّةِ من عَقْلٍ وَقَوَدٍ وَضَمَانٍ قال وَإِنْ نَقَضُوا الْعَهْدَ وَآذَنُوا الْإِمَامَ بِحَرْبٍ أو أَظْهَرُوا نَقْضَ الْعَهْدِ وَإِنْ لم يَأْذَنُوا الْإِمَامَ بِحَرْبٍ إلَّا أَنَّهُمْ قد أَظْهَرُوا الِامْتِنَاعَ في نَاحِيَتِهِمْ ثُمَّ أَغَارُوا أو أُغِيرَ عليهم فَقَتَلُوا أو جَرَحُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ حُورِبُوا وَسُبُوا وَقُتِلُوا فَإِنْ ظَهَرَ عليهم فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَكُونُ عليهم قَوَدٌ في دَمٍ وَلَا جُرْحٍ وَأَخَذَ منهم ما وَجَدَ عِنْدَهُمْ من مَالٍ بِعَيْنِهِ ولم يَضْمَنُوا ما هَلَكَ من الْمَالِ ( 1 ) وَمَنْ قال هذا قال إنَّمَا فَرَّقْت بين هذا وقد حَكَمَ اللَّهُ عز وجل بين الْمُؤْمِنِينَ بِالْقَوَدِ وَزَعَمْت أَنَّك تَحْكُمُ بين الْمُعَاهَدِينَ بِهِ وَيَجْرِي على الْمُعَاهَدِينَ ما يَجْرِي على الْمُؤْمِنِينَ قُلْت اسْتِدْلَالًا بِالسُّنَّةِ في أَهْلِ الْحَرْبِ وَقِيَاسًا عليهم ثُمَّ ما لم أَعْلَمْ فيه مُخَالِفًا فَإِنْ قال فَأَيْنَ قُلْت قَتَلَ وَحْشِيٌّ حَمْزَةَ بن عبد الْمُطَّلِبِ يوم أُحُدٍ وَوَحْشِيٌّ مُشْرِكٌ وَقَتَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ من قُرَيْشٍ غير وَاحِدٍ من الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْضُ من قَتَلَ فلم يَجْعَلْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على قَاتِلٍ منهم قَوَدًا وَأَحْسِبُ ذلك لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لهم ما قد سَلَفَ } يُقَالُ نَزَلَتْ في الْمُحَارِبِينَ من الْمُشْرِكِينَ فَكَانَ الْمُحَارِبُونَ من الْمُشْرِكِينَ خَارِجِينَ من هذا الْحُكْمِ وما وَصَفْت من دَلَالَةِ السُّنَّةِ ثُمَّ أَسْلَمَ طُلَيْحَةُ وَغَيْرُهُ ثُمَّ ارْتَدُّوا وَقَتَلَ طُلَيْحَةَ وَأَخُوهُ ثَابِتُ بن أَفْرَمَ وَعُكَاشَةُ بن مِحْصَنٍ بعد ما أَظْهَرَ طُلَيْحَةُ وَأَخُوهُ الشِّرْكَ فَصَارَا من أَهْلِ الْحَرْبِ وَالِامْتِنَاعِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَجَمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَهُودِيَّيْنِ مُوَادِعَيْنِ زَنَيَا بِأَنْ جَاءُوهُ وَنَزَلَ عليه فَإِنْ جَاءُوك فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بما أنزل ( ( ( أعرض ) ) ) الله ( ( ( عنهم ) ) ) فلم يَجُزْ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ على كل ذِمِّيٍّ وَمُوَادِعٍ في مَالِ مُسْلِمٍ وَمُعَاهَدٍ أَصَابَهُ بِمَا أَصَابَ ما لم يَصِرْ إلَى إظْهَارِ الْمُحَارَبَةِ فإذا صَارَ إلَيْهَا لم يَحْكُمْ عليه بِمَا أَصَابَ بَعْدَ إظْهَارِهَا وَالِامْتِنَاعِ كما لم يَحْكُمْ على من صَارَ إلَى الْإِسْلَامِ ثُمَّ رَجَعَ عنه بِمَا فَعَلَ في الْمُحَارَبَةِ وَالِامْتِنَاعِ مِثْلُ طُلَيْحَةَ وَأَصْحَابِهِ فإذا أَصَابُوا وَهُمْ في دَارِ الْإِسْلَامِ غير مُمْتَنِعِينَ شيئا فيه حَقٌّ لِمُسْلِمٍ أُخِذَ منه وَإِنْ امْتَنَعُوا بَعْدَهُ لم يَزِدْهُمْ الِامْتِنَاعُ خَيْرًا وَكَانُوا في غَيْرِ حُكْمِ الْمُمْتَنِعِينَ ثُمَّ يَنَالُونَ بَعْدَ الِامْتِنَاعِ دَمًا وَمَالًا أُولَئِكَ إنَّمَا نَالُوهُ بَعْدَ الشِّرْكِ وَالْمُحَارَبَةِ وَهَؤُلَاءِ نَالُوهُ قبل الْمُحَارَبَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَنَّ مُسْلِمًا قَتَلَ ثُمَّ ارْتَدَّ وَحَارَبَ ثُمَّ ظَهَرَ عليه وَتَابَ كان عليه الْقَوَدُ وَكَذَلِكَ ما أَصَابَ من مَالِ مُسْلِمٍ أو مُعَاهَدٍ شيئا وَكَذَلِكَ ما أَصَابَ الْمُعَاهَدُ وَالْمُوَادَعُ لِمُسْلِمٍ أو غَيْرِهِ مِمَّنْ يَلْزَمُ أَنْ يُؤْخَذَ له وَيُخَالِفُ الْمُعَاهَدُ الْمُسْلِمَ فِيمَا أَصَابَ من حُدُودِ اللَّهِ عز وجل فَلَا تُقَامُ على الْمُعَاهَدِينَ حتى يَأْتُوا طَائِعِينَ أو يَكُونَ فيه سَبَبُ حَقٍّ لِغَيْرِهِمْ فَيَطْلُبَهُ وَهَكَذَا حُكْمُهُمَا مُعَاهَدِينَ قبل ( ( ( قيل ) ) ) يَمْتَنِعَانِ أو يَنْقُضَانِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الرَّجُلَ إذَا أَسْلَمَ أو الْقَوْمَ إذَا أَسْلَمُوا ثُمَّ ارْتَدُّوا وَحَارَبُوا أو امْتَنَعُوا وَقَتَلُوا ثُمَّ ظَهَرَ عليهم أُقِيدَ منهم في الدِّمَاءِ وَالْجِرَاحِ وَضَمِنُوا الْأَمْوَالَ تَابُوا أو لم يَتُوبُوا وَمَنْ قال هذا قال لَيْسُوا كَالْمُحَارِبِينَ من الْكُفَّارِ لِأَنَّ الْكُفَّارَ إذَا أَسْلَمُوا غُفِرَ لهم ما قد سَلَفَ وَهَؤُلَاءِ إذَا ارْتَدُّوا حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا تَطْرَحُ عَنْهُمْ الرِّدَّةُ شيئا كان يَلْزَمُهُمْ لو فَعَلُوهُ
____________________

(4/187)


مُسْلِمِينَ بِحَالٍ من دَمٍ وَلَا قَوَدٍ وَلَا مَالٍ وَلَا حَدٍّ وَلَا غَيْرِهِ وَمَنْ قال هذا قال لَعَلَّهُ لم يَكُنْ في الرِّدَّةِ قَاتِلٌ يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ أو كان فلم يَثْبُتْ ذلك عليه أو لم يَطْلُبْهُ وُلَاةُ الدَّمِ ( قال الرَّبِيعُ ) وَهَذَا عِنْدِي أَشْبَهَهُمَا بِقَوْلِهِ عِنْدِي في مَوْضِعٍ آخَرَ وقال في ذلك إنْ لم تَزِدْهُ الرِّدَّةُ شَرًّا لم تَزِدْهُ خَيْرًا لِأَنَّ الْحُدُودَ عليهم قَائِمَةٌ فِيمَا نَالُوهُ بَعْدَ الرِّدَّةِ - * ما أَحْدَثَ أَهْلُ الذِّمَّةِ الْمُوَادَعُونَ مِمَّا لَا يَكُونُ نَقْضًا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أُخِذَتْ الْجِزْيَةُ من قَوْمٍ فَقَطَعَ قَوْمٌ منهم الطَّرِيقَ أو قَاتَلُوا رَجُلًا مُسْلِمًا فَضَرَبُوهُ أو ظَلَمُوا مُسْلِمًا أو مُعَاهَدًا أو زَنَى منهم زَانٍ أو أَظْهَرَ فَسَادًا في مُسْلِمٍ أو مُعَاهَدٍ حُدَّ فِيمَا فيه الْحَدُّ وَعُوقِبَ عُقُوبَةً مُنَكَّلَةً فِيمَا فيه الْعُقُوبَةُ ولم يُقْتَلْ إلَّا بِأَنْ يَجِبَ عليه الْقَتْلُ ولم يَكُنْ هذا نَقْضًا لِلْعَهْدِ يَحِلُّ دَمُهُ وَلَا يَكُونُ النَّقْضُ لِلْعَهْدِ إلَّا بِمَنْعِ الْجِزْيَةِ أو الْحُكْمِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَالِامْتِنَاعِ بِذَلِكَ وَلَوْ قال أُؤَدِّي الْجِزْيَةَ وَلَا أُقِرُّ بِحُكْمٍ نَبَذَ إلَيْهِ ولم يُقَاتَلْ على ذلك مَكَانَهُ وَقِيلَ قد تَقَدَّمَ لَك أَمَانٌ بِأَدَائِك لِلْجِزْيَةِ وَإِقْرَارِك بها وقد أَجَّلْنَاك في أَنْ تَخْرُجَ من بِلَادِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ إذَا خَرَجَ فَبَلَغَ مَأْمَنَهُ قُتِلَ إنْ قُدِرَ عليه وَإِنْ كان عَيْنًا لِلْمُشْرِكَيْنِ على الْمُسْلِمِينَ يَدُلُّ على عَوْرَاتِهِمْ عُوقِبَ عُقُوبَةً مُنَكَّلَةً ولم يُقْتَلْ ولم يُنْقَضْ عَهْدُهُ وَإِنْ صَنَعَ بَعْضَ ما وَصَفْتُ من هذا أو ما في مَعْنَاهُ مُوَادِعٌ إلَى مُدَّةٍ نَبَذَ إلَيْهِ فإذا بَلَغَ مَأْمَنَهُ قُوتِلَ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ أو يَكُونَ مِمَّنْ تُقْبَلُ منه الْجِزْيَةُ فَيُعْطِيهَا لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَإِمَّا تَخَافَنَّ من قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إلَيْهِمْ على سَوَاءٍ } الْآيَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَرَ في الَّذِينَ لم يَخُونُوا أَنْ يُتِمُّوا إلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلَى مُدَّتِهِمْ في قَوْلِهِ { إلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ من الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لم يَنْقُصُوكُمْ شيئا ولم يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلَى مُدَّتِهِمْ } الْآيَةَ - * الْمُهَادَنَةُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَرَضَ اللَّهُ عز وجل قِتَالَ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ حتى يُسْلِمُوا وَأَهْلُ الْكِتَابِ حتى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ وقال { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا } فَهَذَا فَرَضَ اللَّهُ على الْمُسْلِمِينَ قِتَالَ الْفَرِيقَيْنِ من الْمُشْرِكِينَ وَأَنْ يُهَادِنُوهُمْ وقد كَفَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن قِتَالِ كَثِيرٍ من أَهْلِ الْأَوْثَانِ بِلَا مهادنه إذ انْتَاطَتْ دُورُهُمْ عَنْهُمْ مِثْلَ بَنِي تَمِيمٍ وَرَبِيعَةَ وَأَسَدٍ وَطِيء حتى كَانُوا هُمْ الَّذِينَ أَسْلَمُوا وَهَادَنَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نَاسًا وَوَادَعَ حين قَدِمَ الْمَدِينَةَ يَهُودًا على غَيْرِ ما خَرَجَ أَخَذَهُ منهم ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقِتَالُ الصِّنْفَيْنِ من الْمُشْرِكِينَ فَرْضٌ إذَا قوى عليهم وَتَرْكُهُ وَاسِعٌ إذَا كان بِالْمُسْلِمِينَ عَنْهُمْ أو عن بَعْضِهِمْ ضَعْفٌ أو في تَرْكِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ نَظَرٌ لِلْمُهَادَنَةِ وَغَيْرِ الْمُهَادَنَةِ فإذا قُوتِلُوا فَقَدْ وَصَفْنَا السِّيرَةَ فِيهِمْ في مَوْضِعِهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ضَعُفَ الْمُسْلِمُونَ عن قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ أو طَائِفَةٍ منهم لِبُعْدِ دَارِهِمْ أو كَثْرَةِ عَدَدِهِمْ أو خَلَّةٍ بِالْمُسْلِمِينَ أو بِمَنْ يَلِيهِمْ منهم جَازَ لهم الْكَفُّ عَنْهُمْ وَمُهَادَنَتُهُمْ على غَيْرِ شَيْءٍ يَأْخُذُونَهُ من الْمُشْرِكِينَ وَإِنْ أَعْطَاهُمْ الْمُشْرِكُونَ شيئا قَلَّ أو كَثُرَ كان لهم أَخْذُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذُوهُ منهم إلَّا إلَى مُدَّةٍ يَرَوْنَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَقْوَوْنَ عليها إذَا لم يَكُنْ فيه وَفَاءٌ بِالْجِزْيَةِ أو كان فيه وَفَاءٌ ولم يُعْطُوا أَنْ يَجْرِيَ عليهم الْحُكْمُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُعْطِيَهُمْ الْمُسْلِمُونَ شيئا بِحَالٍ على أَنْ يَكُفُّوا عَنْهُمْ لِأَنَّ الْقَتْلَ لِلْمُسْلِمِينَ شَهَادَةٌ وَأَنَّ الْإِسْلَامَ أَعَزُّ من ان يُعْطِيَ مُشْرِكٌ على أَنْ يَكُفَّ عن أَهْلِهِ لِأَنَّ أَهْلَهُ قَاتِلِينَ وَمَقْتُولِينَ ظَاهِرُونَ على الْحَقِّ إلَّا في حَالٍ وَاحِدَةٍ وَأُخْرَى أَكْثَرُ منها وَذَلِكَ أَنْ يَلْتَحِمَ قَوْمٌ من الْمُسْلِمِينَ فَيَخَافُونَ أَنْ يصطلموا ( ( ( يصطلحوا ) ) ) لِكَثْرَةِ الْعَدُوِّ وَقِلَّتِهِمْ وَخَلَّةٍ فِيهِمْ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْطُوا في تِلْكَ الْحَالِ شيئا من أَمْوَالِهِمْ على أَنْ يَتَخَلَّصُوا من الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّهُ من مَعَانِي الضَّرُورَاتِ
____________________

(4/188)


يَجُوزُ فيها ما لَا يَجُوزُ في غَيْرِهَا أو يُؤْسَرُ مُسْلِمٌ فَلَا يُخْلَى إلَّا بِفِدْيَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يفدي لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَدَى رَجُلًا من أَصْحَابِهِ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ بِرَجُلَيْنِ أخبرنا عبد الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عن أَيُّوبَ عن أبي قِلَابَةَ عن أبي الْمُهَلَّبِ عن عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَدَى رَجُلًا بِرَجُلَيْنِ - * الْمُهَادَنَةُ على النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَامَتْ الْحَرْبُ بين رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَقُرَيْشٍ ثُمَّ أَغَارَتْ سَرَايَاهُ على أَهْلِ نَجْدٍ حتى تَوَقَّى الناس لِقَاءَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم خَوْفًا لِلْحَرْبِ دُونَهُ من سَرَايَاهُ وَإِعْدَادِ من يُعِدُّ له من عَدُوِّهِ بِنَجْدٍ فَمَنَعَتْ منه قُرَيْشٌ أَهْلَ تِهَامَةَ وَمَنَعَ أَهْلُ نَجْدٍ منه أَهْلَ نَجْدٍ الْمَشْرِقِ ثُمَّ اعْتَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عُمْرَةَ الْحُدَيْبِيَةِ في أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ فَسَمِعَتْ بِهِ قُرَيْشٌ فَجَمَعَتْ له وَجَدَّتْ على مَنْعِهِ وَلَهُمْ جُمُوعٌ أَكْثَرُ مِمَّنْ خَرَجَ فيه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَتَدَاعَوْا الصُّلْحَ فَهَادَنَهُمْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَى مُدَّةٍ ولم يُهَادِنْهُمْ على الْأَبَدِ لِأَنَّ قِتَالَهُمْ حتى يُسْلِمُوا فَرْضٌ إذَا قوى عليهم وَكَانَتْ الْهُدْنَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ عَشْرُ سِنِينَ وَنَزَلَ عليه في سَفَرِهِ في أَمْرِهِمْ إنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا قال بن شِهَابٍ فما كان في الْإِسْلَامِ فَتْحٌ أَعْظَمَ منه كانت الْحَرْبُ قد أَحْرَجَتْ الناس فلما أَمِنُوا لم يَتَكَلَّمْ بِالْإِسْلَامِ أَحَدٌ يَعْقِلُ إلَّا قَبِلَهُ فَلَقَدْ أَسْلَمَ في سِنِينَ من تِلْكَ الْهُدْنَةِ أَكْثَرُ مِمَّنْ أَسْلَمَ قبل ذلك ثُمَّ نَقَضَ بَعْضُ قُرَيْشٍ ولم يُنْكِرْ عليه غَيْرُهُ إنْكَارًا يُعْتَدُّ بِهِ عليه ولم يَعْتَزِلْ دَارِهِ فَغَزَاهُمْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَامَ الْفَتْحِ مُخْفِيًا لِوَجْهِهِ لِيُصِيبَ منهم غُرَّةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَكَانَتْ هُدْنَةُ قُرَيْشٍ نَظَرًا من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِلْمُسْلِمِينَ لِلْأَمْرَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفْتُ من كَثْرَةِ جَمْعِ عَدُوِّهِمْ وَجَدِّهِمْ على قِتَالِهِ وَإِنْ أَرَادُوا الدُّخُولَ عليهم وَفَرَاغَهُ لِقِتَالِ غَيْرِهِمْ وَأَمِنَ الناس حتى دَخَلُوا في الْإِسْلَامِ قال فَأُحِبُّ لِلْإِمَامِ إذَا نَزَلَتْ بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ وَأَرْجُو أَنْ لَا يُنْزِلَهَا اللَّهُ عز وجل بِهِمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مُهَادَنَةً يَكُونُ النَّظَرُ لهم فيها وَلَا يُهَادِنُ إلَّا إلَى مُدَّةٍ وَلَا يُجَاوِزُ بِالْمُدَّةِ مُدَّةَ أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ كانت النَّازِلَةُ ما كانت فَإِنْ كانت بِالْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ قَاتَلُوا الْمُشْرِكِينَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَإِنْ لم يَقْوَ الْإِمَامُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُجَدِّدَ مُدَّةً مِثْلَهَا أو دُونَهَا وَلَا يُجَاوِزُهَا من قِبَلِ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلْمُسْلِمِينَ وَالضَّعْفَ لِعَدُوِّهِمْ قد يَحْدُثُ في أَقَلَّ منها وَإِنْ هَادَنَهُمْ إلَى أَكْثَرَ منها فَمُنْتَقَضَةٌ لِأَنَّ أَصْلَ الْفَرْضِ قِتَالُ الْمُشْرِكِينَ حتى ( ( ( حين ) ) ) يُؤْمِنُوا أو يُعْطُوا الْجِزْيَةَ فإن اللَّهَ عز وجل أَذِنَ بِالْهُدْنَةِ فقال إلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ من الْمُشْرِكِينَ وقال تَبَارَكَ وَتَعَالَى إلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ فلما لم يَبْلُغْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِمُدَّةٍ أَكْثَرَ من مُدَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ لم يَجُزْ أَنْ يُهَادِنَ إلَّا على النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا تَجَاوُزَ ( قال ) وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُهَادِنَ الْقَوْمَ من الْمُشْرِكِينَ على النَّظَرِ إلَى غَيْرِ مُدَّةٍ هُدْنَةً مُطْلَقَةً فإن الْهُدْنَةَ الْمُطْلَقَةَ على الْأَبَدِ وَهِيَ لَا تَجُوزُ لِمَا وَصَفْت وَلَكِنْ يُهَادِنُهُمْ على أَنَّ الْخِيَارَ إلَيْهِ حتى إنْ شَاءَ أَنْ يَنْبِذَ إلَيْهِمْ فَإِنْ رَأَى نَظَرًا لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَنْبِذَ فَعَلَ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ لِهَذِهِ الْمُدَّةِ أَصْلٌ قِيلَ نعم افْتَتَحَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمْوَالَ خَيْبَرَ عَنْوَةً وَكَانَتْ رِجَالُهَا وَذَرَارِيّهَا إلَّا أَهْلَ حِصْنٍ وَاحِدٍ صُلْحًا فَصَالَحُوهُ على أَنْ يُقِرَّهُمْ ما أَقَرَّهُمْ اللَّهُ عز وجل وَيَعْمَلُونَ له وَلِلْمُسْلِمِينَ بِالشَّطْرِ من الثَّمَرِ فَإِنْ قِيلَ فَفِي هذا نَظَرٌ لِلْمُسْلِمِينَ قِيلَ نعم كانت خَيْبَرُ وَسَطَ مُشْرِكِينَ وَكَانَتْ يَهُودُ أَهْلِهَا محالفين ( ( ( مخالفين ) ) ) لِلْمُشْرِكَيْنِ وَأَقْوِيَاءَ على مَنْعِهَا منهم وَكَانَتْ وَبِئَةً لَا تُوطَأُ إلَّا من ضَرُورَةٍ فَكَفَوْهُمْ الْمُؤْنَةَ ولم يَكُنْ بِالْمُسْلِمِينَ كَثْرَةٌ فَيَنْزِلُهَا منهم من يَمْنَعُهَا فلما كَثُرَ الْمُسْلِمُونَ أَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِإِجْلَاءِ الْيَهُودِ عن الْحِجَازِ فَثَبَتَ عِنْدَ عُمَرَ ذلك فَأَجْلَاهُمْ فإذا أَرَادَ الْإِمَامُ أَنْ يُهَادِنَهُمْ إلَى غَيْرِ مُدَّةٍ هَادَنَهُمْ على أَنَّهُ إذَا بَدَا له نَقْضُ الْهُدْنَةِ فَذَلِكَ إلَيْهِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُلْحِقَهُمْ
____________________

(4/189)


بِمَا منهم فَإِنْ قِيلَ فَلِمَ لَا يقول ما أَقَرَّكُمْ اللَّهُ عز وجل قِيلَ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في أَنَّ أَمْرَ اللَّهِ عز وجل كان يَأْتِي رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالْوَحْيِ وَلَا يَأْتِي أَحَدًا غَيْرَهُ بِوَحْيٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ جاء من الْمُشْرِكِينَ يُرِيدُ الْإِسْلَامَ فَحَقٌّ على الْإِمَامِ أَنْ يُؤْمِنَهُ حتى يَتْلُوَ عليه كِتَابَ اللَّهِ عز وجل وَيَدْعُوَهُ إلَى الْإِسْلَامِ بِالْمَعْنَى الذي يَرْجُو أَنْ يُدْخِلَ اللَّهُ عز وجل بِهِ عليه الْإِسْلَامَ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل لِنَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَإِنْ أَحَدٌ من الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَك فَأَجِرْهُ حتى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ الْآيَةُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ قُلْت يَنْبِذُ إلَيْهِ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ وَإِبْلَاغُهُ مَأْمَنَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ من الْمُسْلِمِينَ وَالْمُعَاهَدِينَ ما كان في بِلَادِ الْإِسْلَامِ أو حَيْثُ يَتَّصِلُ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ وَسَوَاءٌ قَرُبَ ذلك أَمْ بَعُدَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ يَعْنِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ مِنْك أو مِمَّنْ يَقْتُلُهُ على دِينِك ( 1 ) مِمَّنْ يُطِيعُك لَا أمانة من غَيْرِك من عَدُوِّك وَعَدُوِّهِ الذي لَا يَأْمَنُهُ وَلَا يُطِيعُك فإذا أَبْلَغَهُ الْإِمَامُ أَدْنَى بِلَادِ الْمُشْرِكِينَ شيئا فَقَدْ أَبْلَغَهُ مَأْمَنَهُ الذي كُلِّفَ إذَا أَخْرَجَهُ سَالِمًا من أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَمَنْ يَجْرِي عليه حُكْمُ الْإِسْلَامِ من أَهْلِ عَهْدِهِمْ فَإِنْ قَطَعَ بِهِ بِلَادَنَا وهو أَهْلُ الْجِزْيَةِ كُلِّفَ الْمَشْيَ وَرُدَّ إلَّا أَنْ يُقِيمَ على إعْطَاءِ الْجِزْيَةِ قُبِلَ منه وَإِنْ كان مِمَّنْ لَا يَجُوزُ فيه الْجِزْيَةُ يُكَلَّفُ الْمَشْيَ أو حُمِلَ ولم يُقِرَّ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ وَأُلْحِقَ بِمَأْمَنِهِ وَإِنْ كانت عَشِيرَتُهُ التي يَأْمَنُ فيها بَعِيدَةً فَأَرَادَ أَنْ يَبْلُغَ أَبْعَدَ منها لم يَكُنْ ذلك على الْإِمَامِ وَإِنْ كان له مأمنان فَعَلَى الْإِمَامِ إلْحَاقُهُ بِحَيْثُ كان يَسْكُنُ مِنْهُمَا وَإِنْ كان له بَلَدَا شِرْكٍ كان يَسْكُنُهُمَا مَعًا أَلْحَقَهُ الْإِمَامُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ الْإِمَامُ وَمَتَى سأله أَنْ يجيره حتى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُبَلِّغَهُ مَأْمَنَهُ وَغَيْرُهُ من الْمُشْرِكِينَ كان ذلك فَرْضًا على الْإِمَامِ وَلَوْ لم يُجَاوِزْ بِهِ مَوْضِعَهُ الذي اسْتَأْمَنَهُ منه رَجَوْت أَنْ يَسَعَهُ - * مُهَادَنَةُ من يَقْوَى على قِتَالِهِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا سَأَلَ قَوْمٌ من الْمُشْرِكِينَ مُهَادَنَةً فَلِلْإِمَامِ مُهَادَنَتُهُمْ على النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ رَجَاءَ أَنْ يُسْلِمُوا أو يُعْطُوا الْجِزْيَةَ بِلَا مُؤْنَةٍ وَلَيْسَ له مُهَادَنَتُهُمْ إذَا لم يَكُنْ في ذلك نَظَرٌ وَلَيْسَ له مُهَادَنَتُهُمْ على النَّظَرِ على غَيْرِ الْجِزْيَةِ أَكْثَرَ من أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { بَرَاءَةٌ من اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ من الْمُشْرِكِينَ } إلَى قَوْلِهِ { أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ من الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ } الْآيَةَ وما بَعْدَهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَمَّا قوى أَهْلُ الْإِسْلَامِ أَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل على رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مَرْجِعَهُ من تَبُوكَ { بَرَاءَةٌ من اللَّهِ وَرَسُولِهِ } فَأَرْسَلَ بِهَذِهِ الْآيَاتِ مع عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه فَقَرَأَهَا على الناس في الْمَوْسِمِ وكان فَرْضًا أَنْ لَا يُعْطِيَ لِأَحَدٍ مُدَّةً بَعْدَ هذه الْآيَاتِ إلَّا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لِأَنَّهَا الْغَايَةُ التي فَرَضَهَا اللَّهُ عز وجل قال وَجَعَلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِصَفْوَانَ بن أُمَيَّةَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ بِسِنِينَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لم أَعْلَمْهُ زَادَ أَحَدًا بَعْدَ أَنْ قَوِيَ الْمُسْلِمُونَ على أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقِيلَ كان الَّذِينَ عَاهَدُوا النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قَوْمًا مُوَادِعِينَ إلَى غَيْرِ مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ فَجَعَلَهَا اللَّهُ عز وجل أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ جَعَلَهَا رَسُولُهُ كَذَلِكَ وَأَمَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى نَبِيَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم في قَوْمٍ عَاهَدَهُمْ إلَى مُدَّةٍ قبل نُزُولِ الْآيَةِ أَنْ يُتِمَّ إلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلَى مُدَّتِهِمْ ما اسْتَقَامُوا له وَمَنْ خَافَ منه خِيَانَةً نَبَذَ إلَيْهِ فلم يَجُزْ أَنْ يَسْتَأْنِفَ مُدَّةً بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ وَبِالْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ إلَى أَكْثَرَ من أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لِمَا وَصَفْتُ من فَرْضِ اللَّهِ عز وجل فِيهِمْ وما فَعَلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال وَلَا أَعْرِفُ كَمْ كانت مُدَّةُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَمُدَّةُ من أَمَرَ أَنْ يُتِمَّ إلَيْهِ عَهْدَهُ إلَى مُدَّتِهِ
____________________

(4/190)


قال وَيَجْعَلُ الْإِمَامُ الْمُدَّةَ إلَى أَقَلَّ من أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إنْ رَأَى ذلك وَلَيْسَ بِلَازِمٍ له أَنْ يُهَادِنَ بِحَالٍ إلَّا على النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ وَيُبَيِّنُ لِمَنْ هَادَنَ وَيَجُوزُ له في النَّظَرِ لِمَنْ رَجَا إسْلَامَهُ وَإِنْ تَكُنْ له شَوْكَةٌ أَنْ يُعْطِيَهُ مُدَّةً أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ إذَا خَافَ إنْ لم يَفْعَلْ أَنْ يَلْحَقَ بِالْمُشْرِكِينَ وَإِنْ ظَهَرَ على بِلَادِهِ فَقَدْ صَنَعَ ذلك النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِصَفْوَانَ حين خَرَجَ هَارِبًا إلَى الْيَمَنِ من الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَنْعَمَ اللَّهُ عز وجل عليه بالاسلام من قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَ مُدَّتُهُ وَمُدَّتُهُ أَشْهُرٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ جَعَلَ الْإِمَامُ لِمَنْ قُلْت ليس له أَنْ يَجْعَلَ له مُدَّةً أَكْثَرَ من أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَنْبِذَ إلَيْهِ لِمَا وَصَفْت من أَنَّ ذلك لَا يَجُوزُ له وَيُوَفِّيَهُ الْمُدَّةَ إلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لَا يَزِيدُهُ عليها وَلَيْسَ له إذَا كانت مُدَّةٌ أَكْثَرَ من أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ أَنْ يَقُولَ لَا أَفِي لَك بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّ الْفَسَادَ إنَّمَا هو فِيمَا جَاوَزَ الْأَرْبَعَةَ الْأَشْهُرَ - * جِمَاعُ الْهُدْنَةِ على أَنْ يَرُدَّ الْإِمَامُ من جاء بَلَدَهُ مُسْلِمًا أو مُشْرِكًا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ عَدَدٌ من أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم هَادَنَ قُرَيْشًا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ على أَنْ يَأْمَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَأَنَّ من جاء قُرَيْشًا من الْمُسْلِمِينَ مُرْتَدًّا لم يَرُدُّوهُ عليه وَمَنْ جاء إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ منهم رَدَّهُ عليهم ولم يُعْطِهِمْ أَنْ يَرُدَّ عليهم من خَرَجَ منهم مُسْلِمًا إلَى غَيْرِ الْمَدِينَةِ في بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَالشِّرْكِ وَإِنْ كان قَادِرًا عليه ولم يذكر أَحَدٌ منهم أَنَّهُ أَعْطَاهُمْ في مُسْلِمٍ غَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ شيئا من هذا الشَّرْطِ وَذَكَرُوا أَنَّهُ أُنْزِلَ عليه في مُهَادَنَتِهِمْ إنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا فقال بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ قَضَيْنَا لَك قَضَاءً مُبِينًا فَتَمَّ الصُّلْحُ بين النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَبَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ على هذا حتى جَاءَتْهُ أُمُّ كُلْثُومٍ ابنة ( ( ( بنت ) ) ) عُقْبَةَ بن أبي مُعَيْطٍ مُسْلِمَةً مُهَاجِرَةً فَنَسَخَ اللَّهُ عز وجل الصُّلْحَ في النِّسَاءِ وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { إذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ } الْآيَةُ كُلُّهَا وما بَعْدَهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ من هذا ما روى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَعَلَ في الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل نَسَخَ رَدَّ النِّسَاءِ إنْ كُنَّ في الصُّلْحِ وَمَنَعَ أَنْ يُرْدَدْنَ بِكُلِّ حَالٍ فإذا صَالَحَ الْإِمَامُ على مِثْلِ ما صَالَحَ عليه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ صَالَحَ على أَنْ لَا يَمْنَعَ الرِّجَالَ دُونَ النِّسَاءِ الرجال ( ( ( للرجال ) ) ) من أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ إذَا جاء أَحَدٌ من رِجَالِ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ إلَى مَنْزِلِ الْإِمَامِ نَفْسِهِ وَجَاءَ من يَطْلُبُهُ من أَوْلِيَائِهِ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ بِأَنْ لَا يَمْنَعَهُ من الذَّهَابِ بِهِ وَأَشَارَ على من أَسْلَمَ أَنْ لَا يَأْتِيَ مَنْزِلَهُ وَأَنْ يَذْهَبَ في الْأَرْضِ فإن أَرْضَ اللَّهِ عز وجل وَاسِعَةٌ فيها مُرَاغَمٌ كَثِيرَةٌ وقد كان أبو بَصِيرٍ لَحِقَ بِالْعِيصِ مُسْلِمًا وَلَحِقَتْ بِهِ جَمَاعَةٌ من الْمُسْلِمِينَ فَطَلَبُوهُمْ من النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال ( إنَّمَا أَعْطَيْنَاكُمْ أَنْ لَا نُؤْيَهُمْ ثُمَّ لَا نَمْنَعَكُمْ منهم إذَا جِئْتُمْ وَنَتْرُكُهُمْ يَنَالُونَ من الْمُشْرِكِينَ ما شاؤوا ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا صَالَحَ الْإِمَامُ على أَنْ يَبْعَثَ إلَيْهِمْ بِمَنْ كان يَقْدِرُ على بَعْثِهِ منهم مِمَّنْ لم يَأْتِهِ لم يَجُزْ الصُّلْحُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَبْعَثْ إلَيْهِمْ منهم بِأَحَدٍ ولم يَأْمُرْ أَبَا بَصِيرٍ وَلَا أَصْحَابَهُ بِإِتْيَانِهِمْ وهو يَقْدِرُ على ذلك وَإِنَّمَا مَعْنَى رَدَدْنَاهُ إلَيْكُمْ لم نَمْنَعْهُ كما نَمْنَعُ غَيْرَهُ وإذا صَالَحَهُمْ على أَنْ لَا يَمْنَعَهُمْ من نِسَاءٍ مُسْلِمَاتٍ جِئْنَهُ لم يَجُزْ الصُّلْحُ وَعَلَيْهِ مَنْعُهُمْ مِنْهُنَّ لِأَنَّهُنَّ إنْ لم يَكُنَّ دَخَلْنَ في الصُّلْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ فَلَيْسَ له أَنْ يُصَالِحَ على هذا فِيهِنَّ وَإِنْ كُنَّ دَخَلْنَ فيه فَقَدْ حَكَمَ اللَّهُ عز وجل أَنْ لَا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ وَمَنَعَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من جَاءَهُ من النِّسَاءِ وَهَكَذَا من جَاءَهُ من مَعْتُوهٍ أو صَبِيٍّ هَارِبًا منهم لم تَكُنْ له التَّخْلِيَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ لِأَنَّهُمَا يُجَامِعَانِ النِّسَاءَ في أَنْ لَا يُمْنَعَا مَعًا وَيَزِيدَانِ على النِّسَاءِ أَنْ لَا يَعْرِفَا ثَوَابًا في أَنْ يَنَالَ مِنْهُمَا الْمُشْرِكُونَ شيئا وَلَا يَرُدُّ إلَيْهِمْ في صَبِيٍّ وَلَا في مَعْتُوهٍ شيئا كما لَا يَرُدُّ إلَيْهِمْ في النِّسَاءِ غير الْمُتَزَوِّجَاتِ شيئا لِأَنَّ الرَّدَّ إنَّمَا هو في الْمُتَزَوِّجَاتِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ جَاءَهُ من عَبِيدِهِمْ مُسْلِمًا لم يَرُدَّهُ إلَيْهِمْ وَأَعْتَقَهُ بِخُرُوجِهِ إلَيْهِ وفي إعْطَائِهِمْ
____________________

(4/191)


الْقِيمَةَ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُعْطُوهَا ذَكَرًا أو أُنْثَى لِأَنَّ رَقِيقَهُمْ ليس منهم وَلَهُمْ حُرْمَةُ الْإِسْلَامِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَكَيْفَ لَا يَكُونُ منهم قِيلَ فإن اللَّهَ عز وجل يقول { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } فلم يَخْتَلِفْ الْمُسْلِمُونَ أنها على الْأَحْرَارِ دُونَ الْمَمَالِيكِ ذَوِي الْعَدْلِ وَلَا يُقَالُ لِرَقِيقِ الرَّجُلِ هُمْ مِنْك إنَّمَا يُقَالُ هُمْ مَالُك وَإِنَّمَا يَرُدُّ عليهم الْقِيمَةَ بِأَنَّهُمْ إذَا صُولِحُوا أَمِنُوا على أَمْوَالِهِمْ وَلَهُمْ أَمَانٌ فلما حَكَمَ اللَّهُ عز وجل بِأَنْ يَرُدَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ لِأَنَّهَا فَائِتَةٌ حُكِمَ بِأَنْ يَرُدَّ قِيمَةَ الْمَمْلُوكِ لِأَنَّهُ فَائِتٌ وما رَدَدْنَا عليهم فيه من النَّفَقَةِ قُلْنَا أَنْ نَأْخُذَ منهم إذَا فَاتَ الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِمْ مثله وما لم نُعْطِهِمْ فيه شيئا من الأحرا ( ( ( الأحرار ) ) ) الرِّجَالِ أو غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ لم نَأْخُذْ منهم شيئا إذَا فَاتَ الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِمْ مِثْلُهُ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل إنَّمَا حَكَمَ بِأَنْ يُرَدَّ إلَيْهِمْ الْعِوَضُ في الْمَوْضِعِ الذي حَكَمَ لِلْمُسْلِمِينَ بِأَنْ يَأْخُذُوا منهم مثله وَالْقَوْلُ الثَّانِي لَا يَرُدُّ إلَيْهِمْ قِيمَةً وَلَا يَأْخُذُ منهم فِيمَنْ فَاتَ إلَيْهِمْ من رَقِيقٍ عَيْنًا وَلَا قِيمَةً لِأَنَّ رَقِيقَهُمْ لَيْسُوا منهم وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ إذَا لم يُصَالِحْ الْقَوْمَ إلَّا على ما وَصَفْت أَنْ يُمَكِّنَهُمْ من مُسْلِمٍ كان أَسِيرًا في أَيْدِيهِمْ فَانْفَلَتَ منهم وَلَا يَقْضِي لهم عليه بِشَيْءٍ وَلَوْ أَقَرَّ عَبْدُهُمْ أَنَّهُمْ أَرْسَلُوهُ على أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهِمْ شيئا لم يَجُزْ له أَنْ يَأْخُذَهُ منه لهم ولم يَخْرُجْ الْمُسْلِمُ بِحَسْبِهِ لِأَنَّهُ أَعْطَاهُمُوهُ على ضَرُورَةٍ هِيَ أَكْثَرُ الْإِكْرَاهِ وَكُلُّ ما أَعْطَى الْمَرْءُ على الْإِكْرَاهِ لم يَلْزَمْهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَنَّ أَسِيرًا في بِلَادِ الْحَرْبِ أَخَذَ منهم مَالًا على أَنْ يُعْطِيَهُمْ منه عِوَضًا كان بِالْخِيَارِ بين أَنْ يُعْطِيَهُمْ مِثْلَ مَالِهِمْ إنْ كان له مِثْلٌ أو مِثْلَ قِيمَتِهِ إنْ لم يَكُنْ له مِثْلٌ أو الْعِوَضَ الذي رَضُوا بِهِ وَإِنْ كان في يَدِهِ رَدَّهُ إلَيْهِمْ بِعَيْنِهِ إنْ لم يَكُنْ تَغَيَّرَ وَإِنْ كان تَغَيَّرَ رَدَّهُ وَرَدَّ ما نَقَصَهُ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ على أَمَانٍ وَإِنَّمَا أَبْطَلْتُ عنه الشَّرْطَ بِالْإِكْرَاهِ وَالضَّرُورَةِ فِيمَا لم يَأْخُذْ بِهِ عوضا ( ( ( عرضا ) ) ) وَهَكَذَا لو صَالَحْنَا قَوْمًا من الْمُشْرِكِينَ على مِثْلِ ما وَصَفْت فَكَانَ في أَيْدِيهِمْ أَسِيرٌ من غَيْرِهِمْ فَانْفَلَتَ فَأَتَانَا لم يَكُنْ لنا رَدُّهُ عليهم من قِبَلِ أَنَّهُ ليس منهم وَأَنَّهُمْ قد يُمْسِكُونَ عن قَتْلِ وَتَعْذِيبِ من كان منهم إمْسَاكًا لَا يُمْسِكُونَهُ عن غَيْرِهِ - * أَصْلُ نَقْضِ الصُّلْحِ فِيمَا لَا يَجُوزُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَفِظْنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم صَالَحَ أَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ الصُّلْحَ الذي وَصَفْتُ فَخَلَّى بين من قَدِمَ عليه من الرِّجَالِ وَوَلِيِّهِ وَقَدِمَتْ عليهم أُمُّ كُلْثُومِ بِنْتُ عُقْبَةَ بن أبي مُعَيْطٍ مُسْلِمَةً مُهَاجِرَةً فَجَاءَ أَخَوَاهَا يَطْلُبَانِهَا فَمَنَعَهَا مِنْهُمَا وَأَخْبَرَ أَنَّ اللَّهَ عز وجل نَقَضَ الصُّلْحَ في النِّسَاءِ وَحَكَمَ فِيهِنَّ غير حُكْمِهِ في الرِّجَالِ وَإِنَّمَا ذَهَبْت إلَى أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ في صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ بِأَنَّهُ لو لم يَدْخُلْ رَدُّهُنَّ في الصُّلْحِ لم يُعْطِ أَزْوَاجَهُنَّ فِيهِنَّ عِوَضًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ أَنَّ هذه الْآيَةَ نَزَلَتْ فيها إذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ قَرَأَ الرَّبِيعُ الْآيَةَ وَمَنْ قال إنَّ النِّسَاءَ كُنَّ في الصُّلْحِ قال بِهَذِهِ الْآيَةِ مع الْآيَةِ التي في بَرَاءَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهَذِهِ الْآيَةِ مع الْآيَةِ في بَرَاءَةَ قُلْنَا إذَا صَالَحَ الْإِمَامُ على ما لَا يَجُوزُ فَالطَّاعَةُ نَقْضُهُ كما صَنَعَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في النِّسَاءِ وقد أَعْطَى الْمُشْرِكِينَ فِيمَا حَفِظْنَا فِيهِنَّ ما أَعْطَاهُمْ في الرِّجَالِ بِأَنْ لم يُسْتَثْنَيْنَ وَأَنَّهُنَّ منهم وَبِالْآيَةِ في بَرَاءَةَ وَبِهَذَا قُلْنَا إذَا ظَفِرَ الْمُشْرِكُونَ بِرَجُلٍ من الْمُسْلِمِينَ فَأَخَذُوا عليه عُهُودًا وَأَيْمَانًا بِأَنْ يَأْتِيَهُمْ أو يَبْعَثَ إلَيْهِمْ بِكَذَا أو بِعَدَدِ أَسْرَى أو مَالٍ فَحَلَالٌ له أَنْ لَا يُعْطِيَهُمْ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا لِأَنَّهَا أَيْمَانُ مُكْرَهٍ وَكَذَلِكَ لو أَعْطَى الْإِمَامُ عليه أَنْ يَرُدَّهُ عليهم إنْ جَاءَهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على ذلك قِيلَ له لم يَمْنَعْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَبَا بَصِيرٍ من وَلِيِّهِ حين جَاءَاهُ فَذَهَبَا بِهِ فَقَتَلَ أَحَدَهُمَا وَهَرَبَ الْآخَرُ منه فلم يُنْكِرْ ذلك عليه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَلْ قال قَوْلًا يُشْبِهُ التَّحْسِينَ له وَلَا حَرَجَ عليه في الإيمان لِأَنَّهَا أَيْمَانُ مُكْرَهٍ وَحَرَامٌ على الْإِمَامِ أَنْ يَرُدَّهُ إلَيْهِمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَرَادَ هو الرُّجُوعَ حَبَسَهُ وَكَذَلِكَ حَرَامٌ على الْإِمَامِ أَنْ
____________________

(4/192)


يَأْخُذَ منه شيئا لهم مِمَّا صَالَحَهُمْ عليه وَكَذَلِكَ إنْ أَعْطَاهُمْ هذا في عَبْدٍ له أو مَتَاعٍ غُلِبُوا عليه لم يَكُنْ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَ منه الشَّيْءَ ( 1 ) يُعْطُونَهُ إيَّاهُ فَيَأْخُذُهُ الْإِمَامُ بِرَدِّ السَّلَفِ أو مِثْلِهِ أو قِيمَتِهِ إنْ لم يَكُنْ له مِثْلٌ وَلَوْ أَعْطَوْهُ إيَّاهُ بَيْعًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ بين أَنْ يَرُدَّهُ إلَيْهِمْ إنْ لم يَكُنْ تَغَيَّرَ أو يُعْطِيَهُمْ قِيمَتَهُ أو الثَّمَنَ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ حين اشْتَرَاهُ وهو أَسِيرٌ فَلَا يَلْزَمُهُ ما اشْتَرَى وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُعْطِيَهُمْ منه ما وَجَبَ لهم عليه بِمَا اشْتَرَاهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهَذَا قُلْنَا لو أَعْطَى الْإِمَامُ قَوْمًا من الْمُشْرِكِينَ الْأَمَانَ على أَسِيرٍ في أَيْدِيهِمْ من الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ جَاءُوهُ لم يَحِلَّ له إلَّا نَزْعَهُ من أَيْدِيهِمْ بِلَا عِوَضٍ لِمَا وَصَفْتُ من خِلَافِ حَالِ الْأَسِيرِ وَأَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ في أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ ( 2 ) ما أَعْطَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ من رَدِّ رِجَالِهِمْ الَّذِينَ هُمْ أَبْنَاؤُهُمْ وَإِخْوَانُهُمْ وَعَشَائِرُهُمْ الْمَمْنُوعِينَ منهم وَمِنْ غَيْرِهِمْ أَنْ يَنَالُوا بِتَلَفٍ فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى رَدِّ أبي جُنْدَلِ بن سُهَيْلٍ إلَى أبيه وَعَيَّاشُ بن أبي رَبِيعَةَ إلَى أَهْلِهِ بِمَا أَعْطَاهُمْ قِيلَ له آبَاؤُهُمْ وَأَهْلُوهُمْ أَشْفَقُ الناس عليهم وَأَحْرَصُ على سَلَامَتِهِمْ وَأَهْلِهِمْ كَانُوا سَيَقُونَهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ مِمَّا يُؤْذِيهِمْ فَضْلًا عن أَنْ يَكُونُوا مُتَّهَمِينَ على أَنْ يَنَالُوهُمْ بِتَلَفٍ أو أَمْرٍ لَا يَحْمِلُونَهُ من عَذَابٍ وَإِنَّمَا نَقَمُوا منهم خِلَافَهُمْ دِينَهُمْ وَدِينَ آبَائِهِمْ فَكَانُوا يَتَشَدَّدُونَ عليهم لِيَتْرُكُوا دِينَ الْإِسْلَامِ وقد وَضَعَ اللَّهُ عز وجل عَنْهُمْ الْمَأْثَمَ في الْإِكْرَاهِ فقال إلَّا من أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَمَنْ أَسَرَ مُسْلِمًا من غَيْرِ قَبِيلَتِهِ وَقَرَابَتِهِ فَقَدْ يَقْتُلُهُ بِأَلْوَانِ الْقَتْلِ وَيَبْلُوهُ بِالْجُوعِ وَالْجَهْدِ وَلَيْسَ حَالُهُمْ وَاحِدَةً وَيُقَالُ له أَيْضًا أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ عز وجل نَقَضَ الصُّلْحَ في النِّسَاءِ إذَا كُنَّ إذَا أُرِيدَ بِهِنَّ الْفِتْنَةُ ضَعُفْنَ عِنْدَ عَرْضِهَا عَلَيْهِنَّ ولم يَفْهَمْنَ فَهْمَ الرِّجَالِ أَنَّ التَّقِيَّةَ تَسْعَهُنَّ في إظْهَارِ ما أَرَادَ الْمُشْرِكُونَ من الْقَوْلِ وكان فِيهِنَّ أَنْ يُصِيبَهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ وَهُنَّ حَرَامٌ فَأَسْرَى الْمُسْلِمِينَ في أَكْثَرَ من هذا الْحَالِ إلَّا أَنَّ الرِّجَالَ ليس مِمَّنْ يَنْكِحُ وَرُبَّمَا كان في الْمُشْرِكِينَ من يَفْعَلُ فِيمَا بَلَغْنَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ - * جِمَاعُ الصُّلْحِ في الْمُؤْمِنَاتِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل { إذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ } قَرَأَ الرَّبِيعُ الْآيَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وكان بَيِّنًا في الْآيَةِ مَنْعُ الْمُؤْمِنَاتِ الْمُهَاجِرَاتِ من أَنْ يُرْدَدْنَ إلَى دَارِ الْكُفْرِ وَقَطْعُ الْعِصْمَةِ بِالْإِسْلَامِ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ أَزْوَاجِهِنَّ وَدَلَّتْ السُّنَّةُ على أَنَّ قَطْعَ الْعِصْمَةِ إذَا انْقَضَتْ عِدَدُهُنَّ ولم يُسْلِمْ أَزْوَاجُهُنَّ من الْمُشْرِكِينَ وكان بَيِّنًا فيها أَنْ يُرَدَّ على الْأَزْوَاجِ نَفَقَاتُهُمْ وَمَعْقُولٌ فيها أَنَّ نَفَقَاتِهِمْ التي تُرَدُّ نَفَقَاتُ اللَّائِي مَلَكُوا عَقْدَهُنَّ وَهِيَ الْمُهُورُ إذَا كَانُوا قد أَعْطَوْهُنَّ إيَّاهَا وَبَيَّنَ أَنَّ الْأَزْوَاجَ الَّذِينَ يُعْطُونَ النَّفَقَاتِ لِأَنَّهُمْ الْمَمْنُوعُونَ من نِسَائِهِمْ وَأَنَّ نِسَاءَهُمْ الْمَأْذُونُ لِلْمُسْلِمِينَ بِأَنْ يَنْكِحُوهُنَّ إذَا آتَوْهُنَّ أُجُورَهُنَّ لِأَنَّهُ لَا إشْكَالَ عليهم في أَنْ يَنْكِحُوا غير ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ إنَّمَا كان الْإِشْكَالُ في نِكَاحِ ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ حتى قَطَعَ اللَّهُ عز وجل عِصْمَةَ الْأَزْوَاجِ بِإِسْلَامِ النِّسَاءِ وَبَيَّنَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ ذلك بِمُضِيِّ الْعِدَّةِ قبل إسْلَامِ الْأَزْوَاجِ فَلَا يُؤْتَى أَحَدٌ نَفَقَتَهُ من امْرَأَةٍ فَاتَتْ إلَّا ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ وقد قال اللَّهُ عز وجل لِلْمُسْلِمِينَ { وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } فَأَبَانَهُنَّ من الْمُسْلِمِينَ وَأَبَانَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ ذلك بِمُضِيِّ الْعِدَّةِ فَكَانَ الْحُكْمُ في إسْلَامِ الزَّوْجِ الْحُكْمَ في إسْلَامِ الْمَرْأَةِ لَا يَخْتَلِفَانِ قال وَاسْأَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا ما أَنْفَقُوا يَعْنِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّ أَزْوَاجَ الْمُشْرِكَاتِ من الْمُؤْمِنِينَ إذَا مَنَعَهُمْ الْمُشْرِكُونَ إتْيَانَ أَزْوَاجِهِمْ بِالْإِسْلَامِ أُوتُوا
____________________

(4/193)


ما دَفَعَ إلَيْهِنَّ الْأَزْوَاجُ من الْمُهُورِ كما يُؤَدِّي الْمُسْلِمُونَ ما دَفَعَ أَزْوَاجُ الْمُسْلِمَاتِ من الْمُهُورِ وَجَعَلَهُ اللَّهُ عز وجل حُكْمًا بَيْنَهُمْ ثُمَّ حَكَمَ لهم في مِثْلِ ذا ( ( ( هذا ) ) ) الْمَعْنَى حُكْمًا ثَانِيًا فقال عز وَعَلَا { وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ من أَزْوَاجِكُمْ إلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ } وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ يُرِيدُ فلم تَعْفُوَا عَنْهُمْ إذَا لم يَعْفُوَا عَنْكُمْ مُهُورَ نِسَائِكُمْ { فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا } كَأَنَّهُ يَعْنِي من مُهُورِهِنَّ إذَا فَاتَتْ امْرَأَةُ مُشْرِكٍ أَتَتْنَا مُسْلِمَةً قد أَعْطَاهَا مِائَةً في مَهْرِهَا وَفَاتَتْ امْرَأَةٌ مُشْرِكَةٌ إلَى الْكُفَّارِ قد أَعْطَاهَا مِائَةً حُسِبَتْ مِائَةُ الْمُسْلِمِ بِمِائَةِ الْمُشْرِكِ فَقِيلَ تِلْكَ الْعُقُوبَةُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَكْتُبُ بِذَلِكَ إلَى أَصْحَابِ عُهُودِ الْمُشْرِكِينَ حتى يُعْطِيَ الْمُشْرِكُ ما قَاصَصْنَاهُ بِهِ من مَهْرِ امْرَأَتِهِ لِلْمُسْلِمِ الذي فَاتَتْ امْرَأَتُهُ إلَيْهِمْ ليس له غَيْرُ ذلك وَلَوْ كان لِلْمُسْلِمَةِ التي تَحْتَ مُشْرِكٍ أَكْثَرُ من مِائَةٍ رَدَّ الْإِمَامُ الْفَضْلَ عن الْمِائَةِ إلَى الزَّوْجِ الْمُشْرِكِ وَلَوْ كان مَهْرُ الْمُسْلِمَةِ ذَاتِ الزَّوْجِ الْمُشْرِكِ مِائَتَيْنِ وَمَهْرُ امْرَأَةِ الْمُسْلِمِ الْفَائِتَةِ إلَى الْكُفَّارِ مِائَةً فَفَاتَتْ امْرَأَةٌ مُشْرِكَةٌ أُخْرَى قَصَّ من مَهْرِهَا مِائَةً وَلَيْسَ على الْإِمَامِ أَنْ يُعْطِيَ مِمَّنْ فَاتَتْهُ زَوْجَتُهُ من الْمُسْلِمِينَ إلَى الْمُشْرِكِينَ إلَّا قِصَاصًا من مُشْرِكٍ فَاتَتْ زَوْجَتُهُ إلَيْنَا وَإِنْ فَاتَتْ زَوْجَةُ الْمُسْلِمِ مُسْلِمَةً أو مُرْتَدَّةً فَمَنَعُوهَا فَذَلِكَ له وَإِنْ فَاتَتْ على أَيِّ الْحَالَيْنِ كان فَرَدُّوهَا لم يُؤْخَذْ لِزَوْجِهَا منهم مَهْرٌ وَتُقْتَلُ إنْ لم تُسْلِمْ إذَا ارْتَدَّتْ وَتُقَرُّ مع زَوْجِهَا مُسْلِمَةً - * تَفْرِيعُ أَمْرِ نِسَاءِ الْمُهَادِنِينَ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا جَاءَتْ الْمَرْأَةُ الْحُرَّةُ من نِسَاءِ أَهْلِ الْهُدْنَةِ مُسْلِمَةً مُهَاجِرَةً من دَارِ الْحَرْبِ إلَى مَوْضِعِ الْإِمَامِ من دَارِ الْإِسْلَامِ أو دَارِ الْحَرْبِ فَمَنْ طَلَبَهَا من وَلِيٍّ سِوَى زَوْجِهَا مُنِعَ منها بِلَا عِوَضٍ وإذا طَلَبَهَا زَوْجُهَا بِنَفْسِهِ أو طَلَبَهَا غَيْرُهُ بِوَكَالَتِهِ مُنِعَهَا وَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا يعطي الْعِوَضَ وَالْعِوَضُ ما قال اللَّهُ عز وجل { فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمِثْلَ ما أَنْفَقُوا يَحْتَمِلُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ما دَفَعُوا بِالصَّدَاقِ لَا النَّفَقَةِ غَيْرُهُ وَلَا الصَّدَاقُ كُلُّهُ إنْ كَانُوا لم يَدْفَعُوهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فإذا جَاءَتْ امْرَأَةُ رَجُلٍ قد نَكَحَهَا بِمِائَتَيْنِ فَأَعْطَاهَا مِائَةً رُدَّتْ إلَيْهِ مِائَةٌ وَإِنْ نَكَحَهَا بِمِائَةٍ فَأَعْطَاهَا خَمْسِينَ رُدَّتْ إلَيْهِ خَمْسُونَ لِأَنَّهَا لم تَأْخُذْ منه من الصَّدَاقِ إلَّا خَمْسِينَ وَإِنْ نَكَحَهَا بِمِائَةٍ ولم يُعْطِهَا شيئا من الصَّدَاقِ لم نرد ( ( ( ترد ) ) ) إلَيْهِ شيئا لِأَنَّهُ لم يُنْفِقْ بِالصَّدَاقِ شيئا وَلَوْ أَنْفَقَ من عُرْسٍ وَهَدِيَّةٍ وَكَرَامَةٍ لم يُعْطِ من ذلك شيئا لِأَنَّهُ تَطَوَّعَ بِهِ وَلَا يُنْظَرُ في ذلك إلَى مَهْرِ مِثْلِهَا إنْ كان زَادَهَا عليه أو نَقَصَهَا منه لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل أَمَرَ بِأَنْ يُعْطُوا مِثْلَ ما أَنْفَقُوا وَيُعْطِي الزَّوْجُ هذا الصَّدَاقَ من سَهْمِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ دُونَ ما سِوَاهُ من الْمَالِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ما لي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ يَعْنِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ في مَصْلَحَتِكُمْ وَبِأَنَّ الْأَنْفَالَ كانت تَكُونُ عنه وَأَنَّ عُمَرَ رَوَى أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يَجْعَلُ فَضْلَ مَالِهِ في الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ عِدَّةً في سَبِيلِ اللَّهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ ادَّعَى الزَّوْجُ صَدَاقًا وَأَنْكَرَهُ الْإِمَامُ أو جَهِلَهُ فَإِنْ جاء الزَّوْجُ بِشَاهِدَيْنِ من الْمُسْلِمِينَ أو شَاهِدٍ حَلَفَ معه أَعْطَاهُ وَإِنْ لم يَجِدْ شَاهِدًا إلَّا مُشْرِكًا لم يُعْطِهِ بِشَهَادَةِ مُشْرِكٍ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْأَلَ الْمَرْأَةَ فَإِنْ أَخْبَرَتْهُ شيئا وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ أو صَدَّقَتْهُ لم يَقْبَلْهُ الْإِمَامُ وكان على الْإِمَامِ أَنْ يَسْأَلَ عن مَهْرِ مِثْلِهَا في نَاحِيَتِهَا وَيُحَلِّفَهُ بِأَنَّهُ دَفَعَهُ ثُمَّ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ وَقَلَّ قَوْمٌ إلَّا وَمُهُورُهُمْ مَعْرُوفَةٌ مِمَّنْ مَعَهُمْ من الْمُسْلِمِينَ الْأَسْرَى وَالْمُسْتَأْمَنِينَ أو الْحَاضِرِينَ لهم أو الْمُصَالِحِ عليهم لم يَكُنْ مَعَهُمْ مُسْلِمُونَ منها ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ أَعْطَاهُ الْمَهْرَ على وَاحِدٍ من هذه الْمَعَانِي بِلَا بَيِّنَةٍ ثُمَّ أَقَامَ عِنْدَهُ شَاهِدًا أَنَّهُ أَكْثَرُ مِمَّا أَعْطَاهُ رَجَعَ عليه بِالْفَضْلِ الذي شَهِدَتْ له بِهِ الْبَيِّنَةُ وَلَوْ أَعْطَاهُ بِهَذِهِ الْمَعَانِي أو بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ أَقَرَّ عِنْدَهُ أَنَّهُ أَقَلُّ
____________________

(4/194)


مِمَّا أَعْطَاهُ رَجَعَ عليه بِالْفَضْلِ وَحَبَسَهُ فيه ولم يَكُنْ هذا نَقْضًا لِعَهْدِهِ وَإِنْ لم يَقْدُمُ زَوْجَهَا وَلَا رَسُولَهُ بِطَلَبِهَا حتى مَاتَ فَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ فِيمَا أَنْفَقَ من صَدَاقِهَا شَيْءٌ لِأَنَّهُ لو كان حَيًّا فلم يَطْلُبْهُ لم يعطه إيَّاهُ وَإِنَّمَا جَعَلَ له ما أَنْفَقَ إذَا مَنَعَ رَدَّهَا إلَيْهِ وهو لَا يُقَالُ له مَمْنُوعٌ رَدُّهَا إلَيْهِ حتى يَطْلُبَهَا فَيَمْنَعَ رَدَّهَا إلَيْهِ وَإِنْ قَدِمَ في طَلَبِهَا فلم يَطْلُبْهَا إلَى الْإِمَامِ حتى مَاتَ كان هَكَذَا وَكَذَلِكَ لو لم يَطْلُبْهَا إلَى الْإِمَامِ حتى طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أو مَلَّكَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا أو تَطْلِيقَةً لم يَبْقَ له عليها من الطَّلَاقِ غَيْرَهَا لم يَكُنْ له عِوَضٌ لِأَنَّهُ قد قَطَعَ حَقَّهُ فيها حتى لو أَسْلَمَ وَهِيَ في عِدَّةٍ لم تَكُنْ له زَوْجَةٌ فَلَا يَرُدُّ إلَيْهِ الْمَهْرَ من امْرَأَةٍ قد قَطَعَ حَقَّهُ فيها بِكُلِّ حَالٍ وَكَذَلِكَ لو خَالَعَهَا قبل أَنْ يَرْتَفِعَ إلَى الْإِمَامِ لِأَنَّهُ لو أَسْلَمَ ثَبَتَ الْخُلْعُ وَكَانَتْ بَائِنًا منه لَا يُعْطَى من نَفَقَتِهِ شَيْءٌ من امْرَأَةٍ قَطَعَ أَنْ تَكُونَ زَوْجَةً له بِحَالٍ وَلَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ ثُمَّ طَلَبَ الْعِوَضَ لم نُعْطِهِ حتى يُرَاجِعَهَا فَإِنْ رَاجَعَهَا في الْعِدَّةِ من يَوْمِ طَلَّقَهَا ثُمَّ طَلَبَهَا أُعْطِيَ الْعِوَضَ لِأَنَّهُ لم يَقْطَعْ حَقَّهُ في الْعِوَضِ لَا يَكُونُ قَطْعُهُ حَقَّهُ في الْعِوَضِ إلَّا بِأَنْ يُحْدِثَ طَلَاقًا لو كانت سَاعَتَهَا تِلْكَ أَسْلَمَتْ وَأَسْلَمَ لم يَكُنْ له عليها رَجْعَةٌ وَلَوْ كانت الْمَرْأَةُ قَدِمَتْ غير مُسْلِمَةٍ كان هذا هَكَذَا قال وَلَوْ قَدِمَتْ مُسْلِمَةً وَجَاءَ زَوْجُهَا فلم يَطْلُبْهَا حتى مَاتَتْ لم يَكُنْ له عِوَضٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعَاوِضُ بِأَنْ يَمْنَعَهَا وَهِيَ بِحَضْرَةِ الْإِمَامِ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فلم تَمُتْ وَلَكِنْ غُلِبَتْ على عَقْلِهَا كان لِزَوْجِهَا الْعِوَضُ وَلَوْ قَدِمَ الزَّوْجُ مُسْلِمًا وَهِيَ في الْعِدَّةِ كان أَحَقَّ بها وَلَوْ قَدِمَ يَطْلُبُهَا مُشْرِكًا ثُمَّ أَسْلَمَ قبل أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا كانت زَوْجَتَهُ وَرَجَعَ عليه بِالْعِوَضِ فَأُخِذَ منه إنْ كان أَخَذَهُ وَلَوْ طَلَبَ الْعِوَضَ فَأُعْطِيَهُ ثُمَّ لم يُسْلِمْ حتى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا ثُمَّ أَسْلَمَ فَلَهُ الْعِوَضُ لِأَنَّهَا قد بَانَتْ منه بِالْإِسْلَامِ في مِلْكِ النِّكَاحِ وَلَوْ نَكَحَهَا بَعْدُ لم نَرْجِعْ عليه بِالْعِوَضِ لِأَنَّهُ إنَّمَا مَلَكَهَا بِعَقْدٍ غَيْرِهِ وَإِنْ قَدِمَتْ امْرَأَةٌ من بِلَادِ الْإِسْلَامِ أو غَيْرِهَا حَيْثُ يَنْفُذُ أَمْرُ الْإِمَامِ ثُمَّ جاء زَوْجُهَا يَطْلُبُهَا إلَى الْإِمَامِ لم يُعْطَ عِوَضًا لِأَنَّهَا لم تَقْدُمْ عليه وَوَاجِبٌ على كل من كانت بين ظَهْرَانِيهِ من الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَمْنَعَهَا زَوْجَهَا وَمَتَى ما صَارَتْ إلَى دَارِ الْإِمَامِ فَمَنَعَهَا منه فَلَهُ الْعِوَضُ وَمَتَى طَلَبَهَا زَوْجُهَا وَهِيَ في دَارِ الْإِمَامِ فَجَاءَ زَوْجُهَا فلم يَرْفَعْهَا إلَى الْإِمَامِ حتى تَنَحَّتْ عن دَارِ الْإِمَامِ لم يَكُنْ له عِوَضٌ لِأَنَّهُ إنما يَكُونُ له الْعِوَضُ بِأَنْ تُقِيمَ في دَارِ الْإِمَامِ وَمَتَى طَلَبَهَا بَعْدَ موتها ( ( ( مدتها ) ) ) أو مَغِيبِهَا عن دَارِ الْإِمَامِ فَلَا عِوَضَ له وَلَوْ قَدِمَتْ مُسْلِمَةً ثُمَّ ارْتَدَّتْ اُسْتُتِيبَتْ فَإِنْ تَابَتْ وَإِلَّا قُتِلَتْ فَإِنْ قَدِمَ زَوْجُهَا بَعْدَ الْقَتْلِ فَقَدْ فَاتَتْ وَلَا عِوَضَ وَإِنْ قَدِمَ قبل أَنْ تَرْتَدَّ فَارْتَدَّتْ وَطَلَبَهَا لم يُعْطَهَا وأعطى الْعِوَضَ وَاسْتُتِيبَتْ فَإِنْ تَابَتْ وَإِلَّا قُتِلَتْ وَإِنْ قَدِمَ وَهِيَ مُرْتَدَّةٌ قبل أَنْ تُقْتَلَ فَطَلَبَهَا أُعْطِيَ الْعِوَضُ وَقُتِلَتْ مَكَانَهَا وَمَتَى طَلَبَهَا فَقَدْ اسْتَوْجَبَ الْعِوَضَ لِأَنَّ على الْإِمَامِ مَنْعَهُ منها وَإِنْ قَدِمَتْ وَطَلَبَهَا الزَّوْجُ ثُمَّ قَتَلَهَا رَجُلٌ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ أو الْعَقْلُ وَلِزَوْجِهَا الْعِوَضُ وَكَذَلِكَ لو قَدِمَ وَفِيهَا الْحَيَاةُ لم تَمُتْ وَإِنْ كان يَرَى أنها في آخِرِ رَمَقٍ لِأَنَّهُ يَمْنَعُهَا في هذه الْأَحْوَالِ إلَّا أَنْ تَكُونَ جَنَى عليها جِنَايَةً فَصَارَتْ في حَالٍ لَا تَعِيشُ فيها إلَّا كما تَعِيشُ الذَّبِيحَةُ فَهِيَ في حَالِ الْمَيْتَةِ فَلَا يُعْطَى فيها عِوَضًا وإذا كان على الْإِمَامِ مَنْعُهُ إيَّاهَا في هذه الْأَحْوَالِ بِأَنْ تَكُونَ في حُكْمِ الْحَيَاةِ كان له الْعِوَضُ وَلَا يَسْتَوْجِبُ الْعِوَضَ بِحَالٍ إلَّا أَنْ يَطْلُبَهَا إلَى الْإِمَامِ أو وَالٍ يَخْلُفُهُ بِبَلَدِهِ فَإِنْ طَلَبَهَا إلَى من دُونَ الْإِمَامِ من عَامَّةِ أو خَاصَّةِ الْإِمَامِ أو وَالٍ مِمَّنْ لم يُوَلِّهِ الْإِمَامُ هذا فَهَذَا لَا يَكُونُ له بِهِ الْعِوَضُ وَمَتَى وَصَلَ إلَى الْإِمَامِ طَلَبَهُ بها وَإِنْ لم يَصِلْ إلَيْهِ فَلَهُ الْعِوَضُ وَإِنْ مَاتَتْ قبل أَنْ تَصِلَ إلَى الْإِمَامِ ثُمَّ طَلَبَهَا إلَيْهِ فَلَا عِوَضَ له وَإِنْ كانت الْقَادِمَةُ مَمْلُوكَةً مُتَزَوِّجَةً رَجُلًا حُرًّا أو مَمْلُوكًا أَمَرَ الْإِمَامُ بِاخْتِيَارِ فِرَاقِ الزَّوْجِ إنْ كان مَمْلُوكًا وَإِنْ كان حُرًّا فَطَلَبَهَا أو مَمْلُوكًا فلم تَخْتَرْ فِرَاقَهُ حتى قَدِمَ مُسْلِمًا فَهِيَ على النِّكَاحِ وَإِنْ قَدِمَ كَافِرًا فَطَلَبَهَا فَمَنْ قال تُعْتَقُ وَلَا عِوَضَ لِمَوْلَاهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ منهم فَلَا عِوَضَ لِمَوْلَاهَا وَلَا لِزَوْجِهَا كما لَا يَكُونُ لِزَوْجِ الْمَرْأَةِ الْمَأْسُورَةِ فِيهِمْ من غَيْرِهِمْ عِوَضٌ وَمَنْ قال
____________________

(4/195)


تُعْتَقُ وَيَرُدُّ الْإِمَامُ على سَيِّدِهَا قِيمَتَهَا فَلِزَوْجِهَا الْعِوَضُ إذَا كان حُرًّا وَإِنْ كان مَمْلُوكًا فَلَا عِوَضَ له إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَ طَلَبُهُ وَطَلَبُ السَّيِّدِ فَيَطْلُبُ هو امْرَأَتَهُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ وَالسَّيِّدُ الْمَالَ ( 1 ) مع طَلَبِهِ فَإِنْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَلَا عِوَضَ له وَإِنْ كان هذا بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَحَدٍ من أَهْلِ الْكِتَابِ فَجَاءَتْنَا امْرَأَةُ رَجُلٍ منهم مُشْرِكَةً أو امْرَأَةُ غَيْرِ كِتَابِيٍّ وَهَذَا الْعَقْدُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فَطَلَبَهَا زَوْجُهَا لم يَكُنْ لنا مَنْعُهُ منها إذَا كان الزَّوْجُ الْقَادِمُ أو مَحْرَمًا لها بِوَكَالَتِهِ إذَا سَأَلَتْ ذلك وَإِنْ كان الزَّوْجُ الْقَادِمُ فَطَلَبَهَا زَوْجُهَا وَأَسْلَمَتْ أَعْطَيْنَاهُ الْعِوَضَ وَإِنْ لم تُسْلِمْ دَفَعْنَاهَا إلَيْهِ وَلَوْ خَرَجَتْ امْرَأَةُ رَجُلٍ منهم مَعْتُوهَةً مَنَعْنَا زَوْجَهَا منها حتى يَذْهَبَ عتهها ( ( ( عنها ) ) ) فإذا ذَهَبَ فَإِنْ قالت خَرَجَتْ مُسْلِمَةً وأنا أَعْقِلُ ثُمَّ عَرَضَ لي فَقَدْ وَجَبَ له الْعِوَضُ وَإِنْ قالت خَرَجَتْ مَعْتُوهَةً ثُمَّ ذَهَبَ هذا عَنِّي فَأَنَا أُسْلِمُ مَنَعْنَاهَا منه وَإِنْ طَلَبَهَا يَوْمَئِذٍ أَعْطَيْنَاهُ الْعِوَضَ وَإِنْ لم يَطْلُبْهَا فَلَا عِوَضَ له ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ خَرَجَتْ إلَيْنَا منهم زَوْجَةُ رَجُلٍ لم تَبْلُغْ وَإِنْ عَقَلَتْ فَوَصَفَتْ الْإِسْلَامَ مَنَعْنَاهَا منه بِصِفَةِ الْإِسْلَامِ وَلَا يُعْطَى حتى تَبْلُغَ فإذا بَلَغَتْ وَثَبَتَتْ على الْإِسْلَامِ أَعْطَيْنَاهُ الْعِوَضَ إذَا طَلَبَهَا بَعْدَ بُلُوغِهَا وَثُبُوتِهَا على الْإِسْلَامِ فَإِنْ لم يَطْلُبْهَا بَعْدَ ذلك لم يَكُنْ له عِوَضٌ من قِبَلِ أَنَّهُ لَا يَكْمُلُ إسْلَامُهَا حتى تُقْتَلَ على الرِّدَّةِ إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَلَوْ جَاءَتْنَا جَارِيَةٌ لم تَبْلُغْ فَوَصَفَتْ الْإِسْلَامَ وَجَاءَ زَوْجُهَا وَطَلَبَهَا فَمَنَعْنَاهُ منها فَبَلَغَتْ ولم تَصِفْ الْإِسْلَامَ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَتَكُونُ من الَّذِينَ أُمِرْنَا إذَا عَلِمْنَا إيمَانَهُنَّ أَنْ لَا نَدْفَعَهُنَّ إلَى أَزْوَاجِهِنَّ فَمَتَى وَصَفَتْ الْإِسْلَامَ بَعْدَ وَصْفِهَا الْإِسْلَامَ وَالْبُلُوغَ لم يَكُنْ له عِوَضٌ وَكَذَلِكَ إنْ بَلَغَتْ مَعْتُوهَةً لم يَكُنْ له عِوَضٌ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ له الْعِوَضَ في كل حَالٍ مَنَعْنَاهَا منه بِصِفَةِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ كانت صَبِيَّةً وإذا جاء زَوْجُ الْمَرْأَةِ يَطْلُبُهَا فلم يَرْتَفِعْ إلَى الْإِمَامِ حتى أَسْلَمَ وقد خَرَجَتْ امْرَأَتُهُ من الْعِدَّةِ لم يَكُنْ له عِوَضٌ وَلَا على امْرَأَتِهِ سَبِيلٌ لِأَنَّهُ لَا يُمْنَعُ من امْرَأَتِهِ إذَا أَسْلَمَ إلَّا بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَلَوْ كانت في عِدَّتِهَا كَانَا على النِّكَاحِ وَإِنَّمَا يُعْطِي الْعِوَضَ من يَمْنَعُ امْرَأَتَهُ وَلَوْ قَدِمَ وَهِيَ في الْعِدَّةِ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ طَلَبَهَا إلَى الْإِمَامِ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَإِنْ لم يَطْلُبْهَا حتى ارْتَدَّتْ بَعْدَ إسْلَامِهِ ثُمَّ طَلَبَ الْعِوَضَ لم يَكُنْ له لِأَنَّهُ لَمَّا أَسْلَمَ صَارَ مِمَّنْ لَا يَمْنَعُ امْرَأَتَهُ فَلَا يَكُونُ له عِوَضٌ لِأَنِّي أَمْنَعُهَا منه بِالرِّدَّةِ فَإِنْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا فَسَأَلَ الْعِوَضَ لم يُعْطِهِ لِمَا وَصَفْت وَلَوْ قَدِمَتْ مُسْلِمَةً ثُمَّ ارْتَدَّتْ ثُمَّ طَلَبَ منها الْإِسْلَامَ الْأَوَّلَ وَيُمْنَعُ منها بِالرِّدَّةِ وَإِنْ رَجَعَتْ إلَى الْإِسْلَامِ وَهِيَ في الْعِدَّةِ فَهُوَ أَحَقُّ بها وَإِنْ رَجَعَتْ بَعْدَ مُضِيِّ الْعِدَّةِ وَالْعِصْمَةُ مُنْقَطِعَةٌ بَيْنَهُمَا فَلَا عِوَضَ وَكُلُّ ما وَصَفْتُ فيه الْعِوَضُ في قَوْلِ من رَأَى أَنْ يعطى الْعِوَضَ وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ لَا يُعْطَى الزَّوْجُ الْمُشْرِكُ الذي جَاءَتْ زَوْجَتُهُ مُسْلِمَةً الْعِوَضَ وَلَوْ شَرَطَ الْإِمَامُ بِرَدِّ النِّسَاءِ كان الشَّرْطُ مُنْتَقَضًا وَمَنْ قال هذا قال إنْ شَرَطَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِأَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ إذْ دخل فيه أَنْ يَرُدَّ من جَاءَهُ منهم وكان النِّسَاءُ منهم كان شَرْطًا صَحِيحًا فَنَسَخَهُ اللَّهُ ثُمَّ رَسُولُهُ لِأَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ وَرَدَّ عليهم فِيمَا نَسَخَ منه الْعِوَضَ وَلَمَّا قَضَى اللَّهُ ثُمَّ رَسُولُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ لَا تُرَدَّ النِّسَاءُ لم يَكُنْ لِأَحَدٍ رَدُّهُنَّ وَلَا عليه عِوَضٌ فِيهِنَّ لِأَنَّ شَرْطَ من شَرَطَ رَدَّ النِّسَاءَ بَعْدَ نَسْخِ اللَّهِ عز وجل ثُمَّ رَسُولُهُ لها بَاطِلٌ وَلَا يُعْطَى بِالشَّرْطِ الْبَاطِلِ شَيْءٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ قال هذا لم يَرُدَّ مَمْلُوكًا بِحَالٍ وَلَا يُعْطِيهِمْ فيه عِوَضًا وَأَشْبَهَهُمَا أَنْ لَا يُعْطُوا عِوَضًا وَالْآخَرُ كما وَصَفْتُ يُعْطُونَ فيه الْعِوَضَ وَمَنْ قال هذا لَا نَرُدُّ إلَى أَزْوَاجِ الْمُشْرِكِينَ عِوَضًا لم يَأْخُذْ لِلْمُسْلِمِينَ فِيمَا فَاتَ من أَزْوَاجِهِمْ عِوَضًا وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْقِدَ هذا الْعَقْدَ إلَّا الْخَلِيفَةُ أو رَجُلٌ بِأَمْرِ الْخَلِيفَةِ لِأَنَّهُ يَلِي الْأَمْوَالَ كُلَّهَا فَمَنْ عَقَدَهُ غَيْرُ خَلِيفَةٍ فَعَقْدُهُ
____________________

(4/196)


مَرْدُودٌ وَإِنْ جَاءَتْ فيه امْرَأَةٌ أو رَجُلٌ لم يُرَدَّ لِلْمُشْرِكِينَ ولم يُعْطُوا عِوَضًا وَنَبَذَ إلَيْهِمْ وإذا عَقَدَ الْخَلِيفَةُ فَمَاتَ أو عُزِلَ وَاسْتُخْلِفَ غَيْرُهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَفِيَ لهم بِمَا عَقَدَ لهم الْخَلِيفَةُ قَبْلَهُ وَكَذَلِكَ على وَالِي الْأَمْرِ بَعْدَهُ إنْفَاذُهُ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَإِنْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ فَمَنْ قَدِمَ من رَجُلٍ أو امْرَأَةٍ لم يَرُدَّهُ ولم يُعْطِ عِوَضًا وَكَانُوا كَأَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ قَدِمَ عَلَيْنَا نِسَاؤُهُمْ وَرِجَالُهُمْ مُسْلِمِينَ فَنَقْبَلُهُمْ وَلَا نُعْطِي أَحَدًا عِوَضًا من امْرَأَتِهِ في قَوْلِ من أَعْطَى الْعِوَضَ فَإِنْ هَادَنَّاهُمْ على التَّرْكِ سَنَةً فَقَدِمَتْ عَلَيْنَا امْرَأَةُ رَجُلٍ منهم وكان الَّذِينَ هَادَنُونَا من أَهْلِ الْكِتَابِ أو مِمَّنْ دَانَ دِينَهُمْ قبل نُزُولِ الْفُرْقَانِ وَأَسْلَمُوا في دَارِهِمْ أو أَعْطَوْا الْجِزْيَةَ ثُمَّ جَاءُونَا يَطْلُبُونَ رِجَالَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ قِيلَ قد انْقَضَتْ الْهُدْنَةُ وَخَيْرٌ لَكُمْ دُخُولُكُمْ في الْإِسْلَامِ وَهَؤُلَاءِ رِجَالُكُمْ فَإِنْ أَحَبُّوا رَجَعُوا وَإِنْ أَحَبُّوا أَقَامُوا وَإِنْ أَحَبُّوا انْصَرَفُوا وَلَوْ نَقَضُوا الْعَهْدَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ لم يُعْطُوا عِوَضًا من امْرَأَةِ رَجُلٍ منهم ولم يَرُدَّ إلَيْهِمْ منهم مُسْلِمٌ وَهَكَذَا لو هَادَنَّا قَوْمًا هَكَذَا وَأَتَانَا رِجَالُهُمْ فَخَلَّيْنَا بين أَوْلِيَائِهِمْ وَبَيْنَهُمْ ثُمَّ نَقَضُوا الْعَهْدَ كان لنا إخْرَاجُهُمْ من أَيْدِيهِمْ وَعَلَيْنَا طَلَبُهُمْ حتى نُخْرِجَهُمْ من أَيْدِيهِمْ لِأَنَّهُمْ تَرَكُوا الْعَهْدَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ وَسَقَطَ الشرط ( ( ( الشر ) ) ) وَهَكَذَا لو هَادَنَّا من لَا تُؤْخَذُ منه الْجِزْيَةُ في كل ما وَصَفْته إلَّا أَنَّهُ ليس لنا أَنْ نَأْخُذَ الْجِزْيَةَ وإذا هَادَنَّا قَوْمًا رَدَدْنَا إلَيْهِمْ ما فَاتَ إلَيْنَا من بَهَائِمِ أَمْوَالِهِمْ وَأَمْتِعَتِهِمْ لِأَنَّهُ ليس في الْبَهَائِمِ حُرْمَةٌ يُمْنَعْنَ بها من أَنْ نُصَيِّرَهَا إلَى مُشْرِكٍ وَكَذَلِكَ الْمَتَاعُ وَإِنْ صَارَتْ في يَدِ بَعْضِنَا فَعَلَيْهِ أَنْ يُصَيِّرَهَا إلَيْهِمْ وَلَوْ اسْتَمْتَعَ بها وَاسْتَهْلَكَهَا كان كَالْغَصْبِ يَلْزَمُهُ لهم ما يَلْزَمُ الْغَاصِبَ من كِرَاءٍ إنْ كان لها وَقِيمَةُ ما هَلَكَ منها في أَكْثَرَ ما كانت قِيمَتُهُ - * إذَا أَرَادَ الْإِمَامُ أَنْ يَكْتُبَ كِتَابَ صُلْحٍ على الْجِزْيَةِ كَتَبَ بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرَّحِيمِ - * هذا كِتَابٌ كَتَبَهُ عبد اللَّهِ فُلَانٌ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّيْلَتَيْنِ خَلَتَا من شَهْرِ رَبِيعِ الْأَوَّلِ سَنَةَ كَذَا وَكَذَا لِفُلَانِ بن فُلَانٍ النَّصْرَانِيِّ من بَنِي فُلَانٍ السَّاكِنِ بَلَدَ كَذَا وَأَهْلُ النَّصْرَانِيَّةِ من أَهْلِ بَلَدِ كَذَا إنَّك سَأَلْتَنِي أَنْ أُؤَمِّنَك وَأَهْلَ النَّصْرَانِيَّةِ من أَهْلِ بَلَدِ كَذَا وَأَعْقِدَ لَك وَلَهُمْ ما يُعْقَدُ لِأَهْلِ الذَّمَّةِ على ما أَعْطَيْتنِي وَشَرَطْتُ لَك وَلَهُمْ وَعَلَيْك وَعَلَيْهِمْ فَأَجَبْتُك إلَى أَنْ عَقَدْت لَك وَلَهُمْ عَلَيَّ وَعَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ الْأَمَانُ ما اسْتَقَمْتَ وَاسْتَقَامُوا بِجَمِيعِ ما أَخَذْنَا عَلَيْكُمْ وَذَلِكَ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْكُمْ حُكْمُ الْإِسْلَامِ لَا حُكْمُ خِلَافِهِ بِحَالٍ يُلْزِمُكُمُوهُ وَلَا يَكُونُ لَكُمْ أَنْ تَمْتَنِعُوا منه في شَيْءٍ رَأَيْنَاهُ نُلْزِمُكُمْ بِهِ وَعَلَى أَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ إنْ ذَكَرَ مُحَمَّدًا صلى اللَّهُ عليه وسلم أو كِتَابَ اللَّهِ عز وجل أو دِينَهُ بِمَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَهُ بِهِ فَقَدْ بَرِئَتْ منه ذِمَّةُ اللَّهِ ثُمَّ ذِمَّةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَجَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ وَنَقَضَ ما أعطى عليه الْأَمَانُ وَحَلَّ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مَالُهُ وَدَمُهُ كما تَحِلُّ أَمْوَالُ أَهْلِ الْحَرْبِ ودماؤهم ( ( ( دماؤهم ) ) ) وَعَلَى أَنَّ أَحَدًا من رجالهم ( ( ( رجالكم ) ) ) إنْ أَصَابَ مُسْلِمَةً بِزِنًا أو اسْمِ نِكَاحٍ أو قَطَعَ الطَّرِيقِ على مُسْلِمٍ أو فَتَنَ مُسْلِمًا عن دِينِهِ أو أَعَانَ الْمُحَارِبِينَ على الْمُسْلِمِينَ بِقِتَالٍ أو دَلَالَةٍ على عَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ وَإِيوَاءٍ لِعُيُونِهِمْ فَقَدْ نَقَضَ عَهْدَهُ وَأَحَلَّ دَمَهُ وَمَالَهُ وَإِنْ نَالَ مُسْلِمًا بِمَا دُونَ هذا في مَالِهِ أو عِرْضِهِ أو نَالَ بِهِ من على مُسْلِمٍ مَنْعُهُ من كَافِرٍ له عَهْدٌ أو أَمَانٌ لَزِمَهُ فيه الْحُكْمُ وَعَلَى أَنْ نَتَتَبَّعَ أَفْعَالَكُمْ في كل ما جَرَى بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ مُسْلِمٍ فما كان لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ مِمَّا لَكُمْ فيه فِعْلٌ رَدَدْنَاهُ وَعَاقَبْنَاكُمْ عليه وَذَلِكَ أَنْ تَبِيعُوا مُسْلِمًا بَيْعًا حرا ما عِنْدَنَا من خَمْرٍ أو خِنْزِيرٍ أو دَمِ مَيْتَةٍ أو غَيْرِهِ وَنُبْطِلُ الْبَيْعَ بَيْنَكُمْ فيه وَنَأْخُذُ ثَمَنَهُ مِنْكُمْ إنْ أَعْطَاكُمُوهُ وَلَا نَرُدُّهُ عَلَيْكُمْ إنْ كان قَائِمًا ونهريقه إنْ كان خَمْرًا أو دَمًا وَنُحَرِّقهُ إنْ كان مَيْتَةً وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ لم نَجْعَلْ عليه فيه شيئا وَنُعَاقِبْكُمْ عليه وَعَلَى أَنْ لَا تُسْقُوهُ أو تُطْعِمُوهُ مُحَرَّمًا أو تُزَوِّجُوهُ بِشُهُودٍ مِنْكُمْ أو بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ عِنْدَنَا وما بَايَعْتُمْ بِهِ كَافِرًا مِنْكُمْ أو من غَيْرِكُمْ لم نَتَّبِعْكُمْ فيه ولم نَسْأَلْكُمْ عنه ما تَرَاضَيْتُمْ بِهِ وإذا أَرَادَ الْبَائِعُ مِنْكُمْ أو الْمُبْتَاعُ نَقْضَ الْبَيْعِ وَأَتَانَا طَالِبًا له فَإِنْ كان مُنْتَقِضًا عِنْدَنَا نَقَضْنَاهُ وَإِنْ كان جَائِزًا أَجَزْنَاهُ إلَّا أَنَّهُ إذَا قَبَضَ الْمَبِيعَ وَفَاتَ لم يَرُدَّهُ لِأَنَّهُ بَيْعٌ بين مُشْرِكَيْنِ مَضَى وَمَنْ
____________________

(4/197)


جَاءَنَا مِنْكُمْ أو من غَيْرِكُمْ من أَهْلِ الْكُفْرِ يُحَاكِمُكُمْ أَجْرَيْنَاكُمْ على حُكْمِ الْإِسْلَامِ وَمَنْ لم يَأْتِنَا لم نَعْرِضْ لَكُمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ وإذا قَتَلْتُمْ مُسْلِمًا أو مُعَاهِدًا مِنْكُمْ أو من غَيْرِكُمْ خَطَأً فَالدِّيَةُ على عَوَاقِلِكُمْ كما تَكُونُ على عَوَاقِلِ الْمُسْلِمِينَ وَعَوَاقِلُكُمْ قَرَابَاتُكُمْ من قِبَلِ آبَائِكُمْ وَإِنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ رَجُلٌ لَا قَرَابَةَ له فَالدِّيَةُ عليه في مَالِهِ وإذا قَتَلَهُ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ إلَّا أَنْ تَشَاءَ وَرَثَتُهُ دِيَةٌ فَيَأْخُذُونَهَا حَالَّةً وَمَنْ سَرَقَ مِنْكُمْ فَرَفَعَهُ الْمَسْرُوقُ إلَى الْحَاكِمِ قَطَعَهُ إذَا سَرَقَ ما يَجِبُ فيه الْقَطْعُ وَغَرِمَ وَمَنْ قَذَفَ فَكَانَ لِلْمَقْذُوفِ حَدٌّ حُدَّ له وَإِنْ لم يَكُنْ حَدٌّ عُزِّرَ حتى تَكُونَ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ جَارِيَةً عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الْمَعَانِي فِيمَا سَمَّيْنَا ولم نُسَمِّ وَعَلَى أَنْ ليس لَكُمْ أَنْ تُظْهِرُوا في شَيْءٍ من أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ الصَّلِيبَ وَلَا تُعْلِنُوا بِالشِّرْكِ وَلَا تَبْنُوا كَنِيسَةً وَلَا مَوْضِعَ مُجْتَمَعٍ لِصَلَاتِكُمْ وَلَا تَضْرِبُوا بِنَاقُوسٍ وَلَا تُظْهِرُوا قَوْلَكُمْ بِالشِّرْكِ في عِيسَى بن مَرْيَمَ وَلَا في غَيْرِهِ لِأَحَدٍ من الْمُسْلِمِينَ وَتَلْبَسُوا الزَّنَانِيرَ من فَوْقِ جَمِيعِ الثِّيَابِ الْأَرْدِيَةِ وَغَيْرِهَا حتى لَا تَخْفَى الزَّنَانِيرُ وَتُخَالِفُوا بِسُرُوجِكُمْ وَرُكُوبِكُمْ وَتُبَايِنُوا بين قَلَانِسِكُمْ وَقَلَانِسِهِمْ بِعَلَمٍ تَجْعَلُونَهُ بِقَلَانِسِكُمْ وَأَنْ لَا تَأْخُذُوا على الْمُسْلِمِينَ سَرَوَاتِ الطُّرُقِ وَلَا الْمَجَالِسِ في الْأَسْوَاقِ وَأَنْ يُؤَدِّيَ كُلُّ بَالِغٍ من أَحْرَارِ رِجَالِكُمْ غَيْرُ مَغْلُوبٍ على عَقْلِهِ جِزْيَةَ رَأْسِهِ دِينَارًا مِثْقَالًا جَيِّدًا في رَأْسِ كل سَنَةٍ لَا يَكُونُ له أَنْ يَغِيبَ عن بَلَدِهِ حتى يُؤَدِّيَهُ أو يُقِيمَ بِهِ من يُؤَدِّيهِ عنه لَا شَيْءَ عليه من جِزْيَةِ رَقَبَتِهِ إلَى رَأْسِ السَّنَةِ وَمَنْ افْتَقَرَ مِنْكُمْ فَجِزْيَتُهُ عليه حتى تُؤَدَّى عنه وَلَيْسَ الْفَقْرُ بِدَافِعٍ عَنْكُمْ شيئا وَلَا نَاقِضٍ لِذِمَّتِكُمْ ( 1 ) عن ما بِهِ فَمَتَى وَجَدْنَا عِنْدَكُمْ شيئا أُخِذْتُمْ بِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْكُمْ في أَمْوَالِكُمْ سِوَى جِزْيَتِكُمْ ما أَقَمْتُمْ في بِلَادِكُمْ وَاخْتَلَفْتُمْ بِبِلَادِ الْمُسْلِمِينَ غير تُجَّارٍ وَلَيْسَ لَكُمْ دُخُولُ مَكَّةَ بِحَالٍ وَإِنْ اخْتَلَفْتُمْ بِتِجَارَةٍ على أَنْ تُؤَدُّوا من جَمِيعِ تِجَارَاتِكُمْ الْعُشْرَ إلَى الْمُسْلِمِينَ فَلَكُمْ دُخُولُ جَمِيعِ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا مَكَّةَ وَالْمُقَامُ بِجَمِيعِ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ كما شِئْتُمْ إلَّا الْحِجَازَ فَلَيْسَ لَكُمْ الْمُقَامُ بِبَلَدٍ منها إلَّا ثَلَاثَ لَيَالٍ حتى تَظْعَنُوا منه وَعَلَى أَنَّ من أَنْبَتَ الشَّعْرُ تَحْتَ ثِيَابِهِ أو احْتَلَمَ أو اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً قبل ذلك فَهَذِهِ الشُّرُوطُ لَازِمَةٌ له إنْ رَضِيَهَا فَإِنْ لم يَرْضَهَا فَلَا عَقْدَ له وَلَا جِزْيَةَ على أَبْنَائِكُمْ الصِّغَارِ وَلَا صَبِيٍّ غَيْرِ بَالِغٍ ولا ( ( ( ومغلوب ) ) ) مغلوب على عَقْلِهِ وَلَا مَمْلُوكٍ فإذا أَفَاقَ الْمَغْلُوبُ على عَقْلِهِ وَبَلَغَ الصَّبِيُّ وَعَتَقَ الْمَمْلُوكُ مِنْكُمْ فَدَانَ دِينَكُمْ فَعَلَيْهِ جِزْيَتُكُمْ وَالشَّرْطُ عَلَيْكُمْ وَعَلَى من رَضِيَهُ وَمَنْ سَخِطَهُ مِنْكُمْ نَبَذْنَا إلَيْهِ وَلَكُمْ أَنْ نَمْنَعَكُمْ وما يَحِلُّ مِلْكُهُ عِنْدَنَا لَكُمْ مِمَّنْ أَرَادَكُمْ من مُسْلِمٍ أو غَيْرِهِ بِظُلْمٍ بِمَا نَمْنَعُ بِهِ أَنْفُسَنَا وَأَمْوَالَنَا وَنَحْكُمُ لَكُمْ فيه على من جَرَى حُكْمُنَا عليه بِمَا نَحْكُمُ بِهِ في أَمْوَالِنَا وما يَلْزَمُ الْمَحْكُومَ في أَنْفُسِكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْنَا أَنْ نَمْنَعَ لَكُمْ شيئا مَلَكْتُمُوهُ مُحَرَّمًا من دَمٍ وَلَا مَيْتَةٍ وَلَا خَمْرٍ وَلَا خِنْزِيرٍ كما نَمْنَعُ ما يَحِلُّ مِلْكُهُ وَلَا نَعْرِضُ لَكُمْ فيه إلَّا أَنَّا لَا نَدَعَكُمْ تُظْهِرُونَهُ في أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ فما نَالَهُ منه مُسْلِمٌ أو غَيْرُهُ لم نُغَرِّمْهُ ثَمَنَهُ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ وَلَا ثَمَنَ لِمُحَرَّمٍ وَنَزْجُرُهُ عن الْعَرْضِ لَكُمْ فيه فَإِنْ عَادَ أُدِّبَ بِغَيْرِ غَرَامَةٍ في شَيْءٍ منه وَعَلَيْكُمْ الْوَفَاءُ بِجَمِيعِ ما أَخَذْنَا عَلَيْكُمْ وَأَنْ لَا تَغْشَوْا مُسْلِمًا وَلَا تُظَاهِرُوا عَدُوَّهُمْ عليهم بِقَوْلٍ وَلَا فِعْلٍ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ وَأَعْظَمُ ما أَخَذَ اللَّهُ على أَحَدٍ من خَلْقِهِ من الْوَفَاءِ بِالْمِيثَاقِ وَلَكُمْ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ وَذِمَّةُ فُلَانٍ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ بِالْوَفَاءِ لَكُمْ وَعَلَى من بَلَغَ من أَبْنَائِكُمْ ما عَلَيْكُمْ بِمَا أَعْطَيْنَاكُمْ ما وَفَّيْتُمْ بِجَمِيعِ ما شَرَطْنَا عَلَيْكُمْ فَإِنْ غَيَّرْتُمْ أو بَدَّلْتُمْ فَذِمَّةُ اللَّهِ ثُمَّ ذِمَّةُ فُلَانٍ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ بَرِيئَةٌ مِنْكُمْ وَمَنْ غَابَ عن كِتَابِنَا مِمَّنْ أَعْطَيْنَاهُ ما فيه فَرَضِيَهُ إذَا بَلَغَهُ فَهَذِهِ الشُّرُوطُ لَازِمَةٌ له وَلَنَا فيه وَمَنْ لم يَرْضَ نَبَذْنَا إلَيْهِ شُهِدَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ شَرَطَ عليهم ضِيَافَةً فإذا فَرَغَ من ذِكْرِ الْجِزْيَةِ كَتَبَ في أَثَرِ قَوْلِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْكُمْ في أَمْوَالِكُمْ غير الدِّينَارِ في السَّنَةِ وَالضِّيَافَةِ على ما سَمَّيْنَا فَكُلُّ من مَرَّ بِهِ مُسْلِمٌ أو جَمَاعَةٌ من الْمُسْلِمِينَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُنْزِلَهُ
____________________

(4/198)


في فَضْلِ مَنَازِلِهِ فِيمَا يكنه ( ( ( يمكنه ) ) ) من حَرٍّ أو بَرْدٍ لَيْلَةً وَيَوْمًا أو ثَلَاثًا إنْ شَرَطُوا ثَلَاثًا وَيُطْعِمُهُ من نَفَقَةِ عَامَّةِ أَهْلِهِ مِثْلَ الخبر ( ( ( الخبز ) ) ) وَالْخَلِّ وَالْجُبْنِ وَاللَّبَنِ وَالْحِيتَانِ وَاللَّحْمِ وَالْبُقُولِ الْمَطْبُوخَةِ وَيَعْلِفُهُ دَابَّةً وَاحِدَةً تِبْنًا أو ما يَقُومُ مَقَامَهُ في مَكَانِهِ فَإِنْ أَقَامَ أَكْثَرَ من ذلك فَلَيْسَ عليه ضِيَافَةٌ وَلَا عَلَفُ دَابَّةٍ وَعَلَى الْوَسَطِ أَنْ يُنْزِلَ كُلَّ من مَرَّ بِهِ رَجُلَيْنِ وَثَلَاثَةً لَا يَزِيدُ عليهم وَيَصْنَعُ لهم ما وَصَفْت وَعَلَى الْمُوسِعِ أَنْ يُنْزِلَ كُلَّ من مَرَّ بِهِ ما بين ثَلَاثَةٍ إلَى سِتَّةٍ لَا يَزِيدُونَ على ذلك وَلَا يَصْنَعُونَ بِدَوَابِّهِمْ إلَّا ما وَصَفْت إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعُوا لهم بِأَكْثَرَ من ذلك فَإِنْ قَلَّتْ الْمَارَّةُ من الْمُسْلِمِينَ يُفَرِّقُهُمْ وَعَدَلُوا في تَفْرِيقِهِمْ فَإِنْ كَثُرَ الْجَيْشُ حتى لَا يَحْتَمِلَهُمْ مَنَازِلُ أَهْلِ الْغِنَى وَلَا يَجِدُونَ مَنْزِلًا أَنْزَلَهُمْ أَهْلُ الْحَاجَةِ في فَضْلِ مَنَازِلِهِمْ وَلَيْسَتْ عليهم ضِيَافَةٌ فَإِنْ لم يَجِدُوا فَضْلًا من مَنَازِلِ أَهْلِ الْحَاجَةِ لم يَكُنْ لهم أَنْ يُخْرِجُوهُمْ وَيَنْزِلُوا مَنَازِلَهُمْ وإذا كَثُرُوا وَقَلَّ من يُضَيِّفُهُمْ فَأَيُّهُمْ سَبَقَ إلَى النُّزُولِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَإِنْ جاؤوا مَعًا أَقْرَعُوا فَإِنْ لم يَفْعَلُوا وَغَلَبَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ضُيِّفَ الْغَالِبُ وَلَا ضِيَافَةَ على أَحَدٍ أَكْثَرَ مِمَّا وَصَفْت فإذا نَزَلُوا بِقَوْمٍ آخَرِينَ من أَهْلِ الذِّمَّةِ أَحْبَبْت أَنْ يَدَعَ الَّذِينَ قَرَوْا الْقِرَى وَيُقْرِيَ الَّذِينَ لم يُقْرُوا فإذا ضَاقَ عليهم الْأَمْرُ فَإِنْ لم يُقْرِهِمْ أَهْلُ الذِّمَّةِ لم يَأْخُذْ منهم ثَمَنًا لِلْقِرَى فإذا مَضَى الْقِرَى لم يُؤْخَذُوا بِهِ ( 1 ) إذَا سبأ ( ( ( سألهم ) ) ) لهم الْمُسْلِمُونَ وَلَا يَأْخُذُ الْمُسْلِمُونَ من ثِمَارِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَا أَمْوَالِهِمْ شيئا بِغَيْرِ إذْنِهِمْ وإذا لم يَشْتَرِطُوا عليهم ضِيَافَةً فَلَا ضِيَافَةَ عليهم وَأَيُّهُمْ قال أو فَعَلَ شيئا مِمَّا وَصَفْته نَقْضًا لِلْعَهْدِ وَأَسْلَمَ لم يُقْتَلْ إذَا كان ذلك قَوْلًا وَكَذَلِكَ إذَا كان فِعْلًا لم يُقْتَلْ إلَّا أَنْ يَكُونَ في دِينِ الْمُسْلِمِينَ إنْ فَعَلَهُ قُتِلَ حَدًّا أو قِصَاصًا فَيُقْتَلُ بِحَدٍّ أو قِصَاصٍ لَا نَقْضَ عَهْدٍ وَإِنْ فَعَلَ ما وَصَفْنَا وَشَرَطَ أَنَّهُ نَقَضَ لِعَهْدِ الذِّمَّةِ فلم يُسْلِمْ وَلَكِنَّهُ قال أَتُوبُ وأعطى الْجِزْيَةَ كما كُنْت أُعْطِيهَا أو على صُلْحٍ أُجَدِّدُهُ عُوقِبَ ولم يُقْتَلْ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَعَلَ فِعْلًا ( 2 ) يُوجِبُ الْقِصَاصَ بِقَتْلٍ أو قَوَدٍ فَأَمَّا ما دُونَ هذا من الْفِعْلِ أو الْقَوْلِ وَكُلُّ قَوْلٍ فَيُعَاقَبُ عليه وَلَا يُقْتَلُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنْ فَعَلَ أو قال ما وَصَفْنَا وَشَرَطَ أَنَّهُ يَحِلُّ دَمُهُ فَظَفِرْنَا بِهِ فَامْتَنَعَ من أَنْ يَقُولَ أَسْلَمَ أو أعطي جِزْيَةً قُتِلَ وَأُخِذَ مَالُهُ فَيْئًا - * الصُّلْحُ على أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل { حتى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } قال فَكَانَ مَعْقُولًا في الْآيَةِ أَنْ تَكُونَ الْجِزْيَةُ غير جَائِزَةٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ إلَّا مَعْلُومًا ثُمَّ دَلَّتْ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على مِثْلِ مَعْنَى ما وَصَفْت من أنها مَعْلُومٌ فَأَمَّا ما لم يُعْلَمْ أَقَلُّهُ وَلَا أَكْثَرُهُ وَلَا كَيْفَ أَخَذَ من أَخَذَهُ من الْوُلَاةِ له وَلَا من أُخِذَتْ منه من أَهْلِ الْجِزْيَةِ فَلَيْسَ في مَعْنَى سُنَّةِ رسوله ( ( ( رسول ) ) ) صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا نُوقَفُ على حَدِّهِ أَلَا تَرَى إنْ قال أَهْلُ الْجِزْيَةِ نُعْطِيكُمْ في كل مِائَةِ سَنَةٍ دِرْهَمًا وقال الْوَالِي بَلْ آخُذُ مِنْكُمْ في كل شَهْرٍ دِينَارًا لم يَقُمْ على أَحَدٍ هذا وَلَا يَجُوزُ فيها إلَّا أَنْ يَسْتَنَّ فيها بِسُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَنَأْخُذُ بِأَقَلَّ ما أَخَذَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلَا يَكُونُ لِوَالٍ أَنْ يَقْبَلَ أَقَلَّ منه وَلَا يَرُدَّهُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَخَذَهَا مَعْلُومَةً أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَخَذَهَا دِينَارًا وَازْدَادَ فيها ضِيَافَةً فَأَخَذَ من كل إنْسَانٍ من أَهْلِ الْيَمَنِ دِينَارًا وَمِنْ أَهْلِ أَيْلَةَ مثله وَأَخَذَ من أَهْلِ نَجْرَانَ كِسْوَةً وَأَعْلَمَنِي عُلَمَاءُ من أَهْلِهَا أنها تَتَجَاوَزُ قِيمَةُ دِينَارٍ ولم يَجُزْ في الْآيَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ على كل بَالِغٍ لَا على بَعْضِ الْبَالِغِينَ دُونَ بَعْضٍ من أَهْلِ دِينٍ وَاحِدٍ فَلَا يَجُوزُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ تُؤْخَذَ الْجِزْيَةُ من قَوْمٍ من أَمْوَالِهِمْ على مَعْنَى تَضْعِيفِ الصَّدَقَةِ بِلَا ثنى عليهم فيها وَذَلِكَ أَنَّ ذلك لو جَازَ كان منهم من لَا مَالَ له تَجِبُ فيه الصَّدَقَةُ وَإِنْ كان له مَالٌ كَثِيرٌ من عُرُوضٍ وَدُورٍ
____________________

(4/199)


كَغَلَّةٍ وَغَيْرِهَا فَيَكُونُونَ بين أَظْهُرِنَا مُقِرِّينَ على دِينِهِمْ بِلَا جِزْيَةٍ ولم يُبَحْ هذا لنا وَلَا أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ من رِجَالِهِمْ خَلِيًّا من الْجِزْيَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ من الْجِزْيَةِ على ما صَالَحُوا عليه من أَمْوَالِهِمْ تَضْعِيفَ صَدَقَةٍ أو عُشْرٍ أو رُبْعٍ أو نِصْفٍ أو نِصْفِ أَمْوَالِهِمْ أو أَثْلَاثِهَا أو ثنى أَنْ يُقَالَ من كان له مِنْكُمْ مَالٌ أَخَذَ منه ما شَرَطَ على نَفْسِهِ وَشَرَطُوا له ما كان يُؤْخَذُ منه في السَّنَةِ تَكُونُ قِيمَتُهُ دِينَارًا أو أَكْثَرَ فإذا لم يَكُنْ له ما يَجِبُ فيه ما شَرَطَ أو هو أَقَلُّ من قِيمَةِ دِينَارٍ فَعَلَيْهِ دِينَارٌ أو تَمَامُ دِينَارٍ وَإِنَّمَا اخْتَرْت هذا أنها جِزْيَةٌ مَعْلُومَةُ الْأَقَلِّ وَأَنْ ليس منهم خلى منها قال وَلَا يَفْسُدُ هذا لِأَنَّهُ شَرْطٌ يَتَرَاضَيَانِ بِهِ لَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا فَيَفْسُدُ بِمَا تَفْسُدُ بِهِ الْبُيُوعُ كما لم يَفْسُدْ أَنْ يَشْتَرِطَ عليهم الضِّيَافَةَ وقد تَتَابَعَ عليهم فَتَلْزَمُهُمْ وَتَغِبُّ فَلَا تَلْزَمُهُمْ بِإِغْبَابِهَا شَيْءٌ قال وَلَعَلَّ عُمَرَ أَنْ يَكُونَ صَالَحَ من نَصَارَى الْعَرَبِ على تَضْعِيفِ الصَّدَقَةِ وَأَدْخَلَ هذا الشَّرْطَ وَإِنْ لم يُحْكَ عنه وقد روى عنه أَنَّهُ أَبَى أَنْ يُقِرَّ الْعَرَبُ إلَّا على الْجِزْيَةِ فَأَنِفُوا منها وَقَالُوا تَأْخُذُهَا مِنَّا على مَعْنَى الصَّدَقَةِ مُضَعَّفَةً كما يُؤْخَذُ من الْعَرَبِ الْمُسْلِمِينَ فَأَبَى فَلَحِقَتْ منهم جَمَاعَةٌ بِالرُّومِ فَكَرِهَ ذلك وَأَجَابَهُمْ إلَى تَضْعِيفِ الصَّدَقَةِ عليهم فَصَالَحَهُ من بَقِيَ في بِلَادِ الْإِسْلَامِ عليها فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَالِحَهُمْ عليها على هذا الْمَعْنَى الذي وَصَفْت من الثنى (1) * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَرَادَ الْإِمَامُ أَنْ يَكْتُبَ لهم كِتَابًا على الْجِزْيَةِ بِشَرْطِ مَعْنَى الصَّدَقَةِ كَتَبَ بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرَّحِيمِ هذا كِتَابٌ كَتَبَهُ عبد اللَّهِ فُلَانٌ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لِفُلَانِ بن فُلَانٍ النَّصْرَانِيِّ من بَنِي فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ من أَهْلِ بَلَدِ كَذَا وَأَهْلِ النَّصْرَانِيَّةِ من أَهْلِ بَلَدِ كَذَا أَنَّك سَأَلْتنِي لِنَفْسِك وَأَهْلِ النَّصْرَانِيَّةِ من أَهْلِ بَلَدِ كَذَا أَنْ أَعْقِدَ لَك وَلَهُمْ عَلَيَّ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ ما يُعْقَدُ لِأَهْلِ الذَّمَّةِ على ما شَرَطْت عَلَيْك وَعَلَيْهِمْ وَلَك وَلَهُمْ فَأَجَبْتُك إلَى ما سَأَلْت لَكُمْ وَلِمَنْ رضي ما عَقَدْت من أَهْلِ بَلَدِ كَذَا على ما شَرَطْنَا عليه في هذا الْكِتَابِ وَذَلِكَ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْكُمْ حُكْمُ الْإِسْلَامِ لَا حُكْمُ خِلَافِهِ وَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ مِنْكُمْ الِامْتِنَاعُ مِمَّا رَأَيْنَاهُ لَازِمًا له فيه وَلَا مُجَاوَزًا بِهِ ثُمَّ يُجْرِي الْكِتَابَ على مِثْلِ الْكِتَابِ الْأَوَّلِ لِأَهْلِ الْجِزْيَةِ التي هِيَ ضَرِيبَةٌ لَا تَزِيدُ وَلَا تَنْقُصُ فإذا انْتَهَى إلَى مَوْضِعِ الْجِزْيَةِ كَتَبَ على أَنَّ من كان له مِنْكُمْ إبِلٌ أو بَقَرٌ أو غَنَمٌ أو كان ذَا زَرْعٍ أو عَيْنِ مَالٍ أو تَمْرٍ يري فيه الْمُسْلِمُونَ على من كان له منهم فيه الصَّدَقَةُ أُخِذَتْ جِزْيَتُهُ منه الصَّدَقَةُ مُضَعَّفَةً وَذَلِكَ أَنْ تَكُونَ غَنَمُهُ أَرْبَعِينَ فَتُؤْخَذَ منه فيها شَاتَانِ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فإذا بَلَغَتْ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةً أُخِذَتْ فيها أَرْبَعُ شِيَاهٍ إلَى مِائَتَيْنِ فإذا زَادَتْ شَاةٌ على مِائَتَيْنِ أُخِذَتْ فيها سِتُّ شِيَاهٍ إلَى أَنْ تَبْلُغَ ثَلَاثَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ فإذا بَلَغَتْ أَرْبَعَمِائَةٍ أُخِذَ فيها ثَمَانُ شِيَاهٍ ثُمَّ لَا شَيْءَ في الزِّيَادَةِ حتى تَكْمُلَ مِائَةً ثُمَّ عليه في كل مِائَةٍ منها شَاتَانِ وَمِنْ كان مِنْكُمْ ذَا بَقَرٍ فَبَلَغَتْ بَقَرُهُ ثَلَاثِينَ فَعَلَيْهِ فيها تَبِيعَانِ ثُمَّ لَا شَيْءَ عليه في زِيَادَتِهَا حتى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ فإذا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ فَعَلَيْهِ فيها مُسِنَّتَانِ ثُمَّ لَا شَيْءَ في زِيَادَتِهَا حتى تَبْلُغَ سِتِّينَ فإذا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا أَرْبَعَةُ أَتْبِعَةٍ ثُمَّ لَا شَيْءَ في زِيَادَتِهَا إلَى ثَمَانِينَ فإذا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا أَرْبَعُ مُسِنَّاتٍ ثُمَّ لَا شَيْءَ في زِيَادَتِهَا حتى تَبْلُغَ تِسْعِينَ فإذا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا سِتَّةُ أَتْبِعَةٍ ثُمَّ لَا شَيْءَ في زِيَادَتِهَا حتى تَبْلُغَ مِائَةً فإذا بَلَغَتْهَا فَعَلَيْهِ فيها مُسِنَّتَانِ وَأَرْبَعَةُ أَتْبِعَةٍ ثُمَّ لَا شَيْءَ في زِيَادَتِهَا حتى تَبْلُغَ مِائَةً وَعَشْرًا فإذا بَلَغَتْهَا فَعَلَيْهِ فيها أَرْبَعُ مُسِنَّاتٍ وَتَبِيعَانِ ثُمَّ لَا شَيْءَ في زِيَادَتِهَا حتى تَبْلُغَ مِائَةً وَعِشْرِينَ فإذا بَلَغَتْهَا فَعَلَيْهِ فيها سِتُّ مُسِنَّاتٍ ثُمَّ يُجْرِي الْكِتَابَ بِصَدَقَةِ الْبَقَرِ مُضَعَّفَةً ثُمَّ يَكْتُبُ في صَدَقَةِ الْإِبِلِ فَإِنْ كانت له إبِلٌ فَلَا شَيْءَ فيها حتى تَبْلُغَ خَمْسًا فإذا بَلَغَتْهَا فَعَلَيْهِ فيها شَاتَانِ ثُمَّ لَا شَيْءَ في زِيَادَتِهَا حتى تَبْلُغَ عَشْرًا فإذا بَلَغَتْهَا فَعَلَيْهِ فيها أَرْبَعُ شِيَاهٍ ثُمَّ لَا شَيْءَ في الزِّيَادَةِ حتى تَبْلُغَ خَمْسَ عَشْرَةَ فإذا بَلَغَتْهَا فَعَلَيْهِ فيها سِتُّ شِيَاهٍ ثُمَّ لَا شَيْءَ في زِيَادَتِهَا
____________________
1- * كِتَابُ الْجِزْيَةِ على شَيْءٍ من أَمْوَالِهِمْ

(4/200)


حتى تَبْلُغَ عِشْرِينَ فإذا بَلَغَتْهَا فَعَلَيْهِ فيها ثَمَانُ شِيَاهٍ ثُمَّ لَا شَيْءَ في زِيَادَتِهَا حتى تَبْلُغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ فإذا بَلَغَتْهَا فَعَلَيْهِ فيها ابْنَتَا مَخَاضٍ فَإِنْ لم يَكُنْ فيها ابْنَتَا مَخَاضٍ فَابْنَا لَبُونٍ ذَكَرَانِ وَإِنْ كانت له ابْنَةُ مَخَاضٍ وَاحِدَةٌ وبن لَبُونٍ وَاحِدٌ أُخِذَتْ بِنْتُ الْمَخَاضِ وبن اللَّبُونِ ثُمَّ لَا شَيْءَ في زِيَادَتِهَا حتى تَبْلُغَ سِتًّا وَثَلَاثِينَ فإذا بَلَغَتْهَا فَعَلَيْهِ فيها ابْنَتَا لَبُونٍ ثُمَّ لَا شَيْءَ في زِيَادَتِهَا حتى تَبْلُغَ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ فإذا بَلَغَتْهَا فَعَلَيْهِ فيها حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْجَمَلِ ثُمَّ لَا شَيْءَ في زِيَادَتِهَا حتى تَبْلُغَ إحْدَى وَسِتِّينَ فإذا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا جَذَعَتَانِ ثُمَّ لَا شَيْءَ في زِيَادَتِهَا حتى تَبْلُغَ سِتًّا وَسَبْعِينَ فإذا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا أَرْبَعُ بَنَاتِ لَبُونٍ ثُمَّ لَا شَيْءَ في زِيَادَتِهَا حتى تَبْلُغَ إحْدَى وَتِسْعِينَ فإذا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا أَرْبَعُ حقاق ( ( ( حقائق ) ) ) ثُمَّ ذلك فَرْضُهَا حتى تَنْتَهِيَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فإذا كانت إحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ طَرَحَ هذا وَعُدَّتْ فَكَانَ في كل أَرْبَعِينَ منها ابْنَتَا لَبُونٍ وفي كل خَمْسِينَ حقتان ( ( ( مباحا ) ) ) وإذا لم يُوجَدْ في مَالِ من عليه الْجِزْيَةُ من الْإِبِلِ السِّنُّ التي شَرَطَ عليه أَنْ تُؤْخَذَ في سِتٍّ وَثَلَاثِينَ فَصَاعِدًا فَجَاءَ بها قُبِلَتْ منه وَإِنْ لم يَأْتِ بها فَالْخِيَارُ إلَى الْإِمَامِ بِأَنْ يَأْخُذَ السِّنَّ التي دُونَهَا وَيُغَرِّمُهُ في كل بَعِيرٍ لَزِمَهُ شَاتَيْنِ أو عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَيَّهُمَا شَاءَ الْإِمَامُ أَخَذَهُ بِهِ وَإِنْ شَاءَ الْإِمَامُ أَخَذَ السِّنَّ التي فَوْقَهَا وَرَدَّ إلَيْهِ في كل بَعِيرٍ شَاتَيْنِ أو عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَيَّهُمَا شَاءَ الْإِمَامُ فَعَلَ وَأَعْطَاهُ إيَّاهُ وإذا اخْتَارَ الْإِمَامُ أَنْ يَأْخُذَ السِّنَّ الْعُلْيَا على أَنْ يُعْطِيَهُ الْإِمَامُ الْفَضْلَ أَعْطَاهُ الْإِمَامُ أَيَّهُمَا كان أَيْسَرَ نَقْدًا على الْمُسْلِمِينَ وإذا اخْتَارَ أَنْ يَأْخُذَ السِّنَّ الْأَدْنَى وَيَغْرَمَ له صَاحِبُ الْإِبِلِ فَالْخِيَارُ إلَى صَاحِبِ الْإِبِلِ فَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ شَاتَيْنِ وَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَمَنْ كان منهم ذَا زَرْعٍ يَقْتَاتُ من حِنْطَةٍ أو شَعِيرٍ أو ذُرَةٍ أو دُخْنٍ أو أَرُزٍّ أو قُطْنِيَّةٍ لم يُؤْخَذْ منه فيه شَيْءٌ حتى يَبْلُغَ زَرْعُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ يَصِفُ الْوَسْقَ في كِتَابِهِ بِمِكْيَالٍ يَعْرِفُونَهُ فإذا بَلَغَهَا زَرْعُهُ فَإِنْ كان مِمَّا يسقي بِغَرْبٍ فَفِيهِ الْعُشْرُ وَإِنْ كان مِمَّا يسقي بِنَهْرٍ أو سَيْحٍ أو عَيْنِ مَاءٍ أو نِيلٍ فَفِيهِ الْخُمُسُ وَمِنْ كان منهم ذَا ذَهَبٍ فَلَا جِزْيَةَ عليه فيها حتى تَبْلُغَ ذَهَبُهُ عِشْرِينَ مِثْقَالًا فإذا بَلَغَتْهَا فَعَلَيْهِ فيها دِينَارٌ نِصْفُ الْعُشْرِ وما زَادَ فَبِحِسَابِ ذلك وَمَنْ كان ذَا وَرِقٍ فَلَا جِزْيَةَ عليه في وَرِقِهِ حتى تَبْلُغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَزْنَ سَبْعَةٍ فإذا بَلَغَتْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَعَلَيْهِ فيها نِصْفُ الْعُشْرِ ثُمَّ ما زَادَ فَبِحِسَابِهِ وَعَلَى أَنَّ من وَجَدَ مِنْكُمْ رِكَازًا فَعَلَيْهِ خُمُسَاهُ وَعَلَى أَنَّ من كان بَالِغًا مِنْكُمْ دَاخِلًا في الصُّلْحِ فلم يَكُنْ له مَالٌ عِنْدَ الْحَوْلِ يَجِبُ على مُسْلِمٍ لو كان له فيه زَكَاةٌ أو كان له مَالٌ يَجِبُ فيه على مُسْلِمٍ لو كان له الزَّكَاةُ فَأَخَذْنَا منه ما شَرَطْنَا عليه فلم يَبْلُغْ قِيمَةَ ما أَخَذْنَا منه دِينَارًا فَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْنَا دِينَارًا إنْ لم نَأْخُذْ منه شيئا وَتَمَامَ دِينَارٍ إنْ نَقَصَ ما أَخَذْنَا منه عن قِيمَةِ دِينَارٍ وَعَلَى أَنَّ ما صَالَحْتُمُونَا عليه على كل من بَلَغَ غير مَغْلُوبٍ على عَقْلِهِ من رِجَالِكُمْ وَلَيْسَ ذلك مِنْكُمْ على بَالِغٍ مَغْلُوبٍ على عَقْلِهِ وَلَا صَبِيٍّ وَلَا امْرَأَةٍ قال ثُمَّ يُجْرِي الْكِتَابَ كما أَجْرَيْت الْكِتَابَ قَبْلَهُ حتى يَأْتِيَ على آخِرِهِ وَإِنْ شَرَطْت عليهم في أَمْوَالِهِمْ قِيمَةَ أَكْثَرَ من دِينَارٍ كَتَبْتَ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ كان أو أَكْثَرَ وإذا شَرَطْتَ عليهم ضِيَافَةً كَتَبْتهَا على ما وَصَفْت عليهم في الْكِتَابِ قَبْلَهُ وَإِنْ أَجَابُوك إلَى أَكْثَرَ منها فَاجْعَلْ ذلك عليهم ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا بَأْسَ فِيهِمْ وَفِيمَنْ وَقَّتَ عليهم الْجِزْيَةَ أَنْ يَكْتُبَ على الْفَقِيرِ منهم كَذَا وَلَا يَكُونُ أَقَلَّ من دِينَارٍ وَمَنْ جَاوَزَ الْفَقْرَ كَذَا لِشَيْءٍ أَكْثَرَ منه وَمَنْ دخل في الْغِنَى كَذَا لِأَكْثَرَ منه وَيَسْتَوُونَ إذَا أُخِذَتْ منهم الْجِزْيَةُ هُمْ وَجَمِيعُ من أُخِذَتْ منه جِزْيَةٌ مُؤَقَّتَةٌ فِيمَا شُرِطَتْ لهم وَعَلَيْهِمْ وما يَجْرِي من حُكْمِ الْإِسْلَامِ على كُلٍّ وإذا شَرَطَ على قَوْمٍ أَنَّ على فَقِيركُمْ دِينَارًا وَعَلَى من جَاوَزَ الْفَقْرَ ولم يُلْحِقْ بغنى مَشْهُورٍ دِينَارَيْنِ وَعَلَى من كان من أَهْلِ الْغِنَى الْمَشْهُورِ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ جَازَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُبَيِّنُهُ فَيَقُولَ وَإِنَّمَا أَنْظُرُ إلَى الْفَقْرِ وَالْغِنَى يوم تَحِلُّ الْجِزْيَةُ لَا يوم عَقْدِ الْكِتَابِ فإذا صَالَحَهُمْ على هذا فَاخْتَلَفَ الْإِمَامُ وَمَنْ تُؤْخَذُ منه الْجِزْيَةُ فقال الْإِمَامُ لِأَحَدِهِمْ أنت غَنِيٌّ مَشْهُورُ الْغِنَى وقال بَلْ أنا فَقِيرٌ أو وَسَطٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ غَيْرُ ما قال بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عليه بِأَنَّهُ غَنِيٌّ لِأَنَّهُ الْمَأْخُوذُ منه وإذا صَالَحَهُمْ على هذا فَجَاءَ الْحَوْلُ وَرَجُلٌ فَقِيرٌ فلم تُؤْخَذْ منه جِزْيَتُهُ حتى يُوسِرَ يُسْرًا مَشْهُورًا أُخِذَتْ
____________________

(4/201)


جِزْيَتُهُ دِينَارًا على الْفَقْرِ لِأَنَّ الْفَقْرَ حَالُهُ يوم وَجَبَتْ عليه الْجِزْيَةُ وَكَذَلِكَ إنْ حَالَ عليه الْحَوْلُ وهو مَشْهُورُ الْغِنَى فلم تُؤْخَذْ جِزْيَتُهُ حتى افْتَقَرَ أُخِذَتْ جِزْيَتُهُ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ على حَالِهِ يوم حَالَ عليه الْحَوْلُ وَإِنْ لم تُوجَدْ له إلَّا تِلْكَ الْأَرْبَعَةُ الدَّنَانِيرِ فَإِنْ أَعْسَرَ بِبَعْضِهَا أُخِذَ منه ما وُجِدَ له منها وَاتُّبِعَ بِمَا بَقِيَ دَيْنًا عليه وَأُخِذَتْ جِزْيَتُهُ ما كان فَقِيرًا فِيمَا اسْتَأْنَفَ دِينَارًا لِكُلِّ سَنَةٍ على الْفَقْرِ وَلَوْ كان في الْحَوْلِ مَشْهُورَ الْغِنَى حتى إذَا كان قبل الْحَوْلِ بِيَوْمٍ افْتَقَرَ أُخِذَتْ جِزْيَتُهُ في عَامِهِ ذلك جِزْيَةَ فَقِيرٍ وَكَذَلِكَ لو كان في حَوْلِهِ فَقِيرًا فلما كان قبل الْحَوْلِ بِيَوْمٍ صَارَ مَشْهُورًا بِالْغِنَى أُخِذَتْ جِزْيَتُهُ جِزْيَةَ غنى - * الضِّيَافَةُ مع الْجِزْيَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَسْت أُثْبِتُ من جَعَلَ عُمَرَ عليه الضِّيَافَةَ ثَلَاثًا وَلَا من جَعَلَ عليه يَوْمًا وَلَيْلَةً وَلَا من جَعَلَ عليه الْجِزْيَةَ ولم يُسَمِّ عليه ضِيَافَةً بِخَبَرِ عَامَّةٍ وَلَا خَاصَّةٍ يَثْبُتُ وَلَا أَحَدِ الَّذِينَ وَلُوا الصُّلْحَ عليها بِأَعْيَانِهِمْ لِأَنَّهُمْ قد مَاتُوا كلهم وَأَيُّ قَوْمٍ من أَهْلِ الذِّمَّةِ الْيَوْمَ أَقَرُّوا أو قَامَتْ على أَسْلَافِهِمْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ صُلْحَهُمْ كان على ضِيَافَةٍ مَعْلُومَةٍ وَأَنَّهُمْ رَضُوهَا بِأَعْيَانِهِمْ أُلْزِمُوهَا وَلَا يَكُونُ رِضَاهُمْ الذي أُلْزِمُوهُ إلَّا بِأَنْ يَقُولُوا صَالَحَنَا على أَنْ نُعْطِيَ كَذَا وَنُضَيِّفَ كَذَا وَإِنْ قالوا أَضَفْنَا تَطَوُّعًا بِلَا صُلْحٍ لم أُلْزِمْهُمُوهُ وَأُحَلِّفْهُمْ ما ضَيَّفُوا على إقْرَارٍ بِصُلْحٍ وَكَذَلِكَ إنْ أَعْطَوْا كَثِيرًا أَحَلَفْتهمْ ما أَعْطَوْهُ على إقْرَارٍ بِصُلْحٍ فإذا حَلَفُوا جَعَلْتُهُمْ كَقَوْمٍ ابْتَدَأْت أَمْرَهُمْ الْآنَ فَإِنْ أَعْطَوْا أَقَلَّ الْجِزْيَةِ وهو دِينَارٌ قَبِلْته وَإِنْ أَبَوْا نَبَذْت إلَيْهِمْ وَحَارَبْتهمْ وَأَيُّهُمْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ في صُلْحِهِ وَأَنْكَرَهُ منهم غَيْرُهُ أَلْزَمْته ما أَقَرَّ بِهِ ولم أَجْعَلْ إقْرَارَهُ لَازِمًا لِغَيْرِهِ إلَّا بِأَنْ يَقُولُوا صَلَحْنَا على أَنْ نُعْطِيَ كَذَا وَنُضَيِّفَ كَذَا فَأَمَّا إذَا قالوا أَضَفْنَا تَطَوُّعًا بِلَا صُلْحٍ فَلَا أُلْزِمُهُمُوهُ قال وَيَأْخُذُهُمْ الْإِمَامُ بِعِلْمِهِ وَإِقْرَارِهِمْ وَبِالْبَيِّنَةِ إنْ قَامَتْ عليهم من الْمُسْلِمِينَ وَلَا نُجِيزُ شَهَادَةَ بَعْضِهِمْ على بَعْضٍ وَكَذَلِكَ نَصْنَعُ في كل أَمْرٍ غَيْرِ مُؤَقَّتٍ مِمَّا صَالَحُوا عليه وفي كل مُؤَقَّتٍ لم يَعْرِفْهُ أَهْلُ الذِّمَّةِ بِالْإِقْرَارِ بِهِ وإذا أَقَرَّ قَوْمٌ منهم بِشَيْءٍ يَجُوزُ لِلْوَالِي أَخْذُهُ أُلْزِمُهُمُوهُ ما حَيُوا وَأَقَامُوا في دَارِ الْإِسْلَامِ وإذا صَالَحُوا على شَيْءٍ أَكْثَرَ من دِينَارٍ ثُمَّ أَرَادُوا أَنْ يَمْتَنِعُوا إلَّا من أَدَاءِ دِينَارٍ أَلْزَمَهُمْ ما صَالَحُوا عليه كَامِلًا فَإِنْ امْتَنَعُوا منه حَارَبَهُمْ فَإِنْ دَعَوْا قبل أَنْ يُظْهَرَ على أَمْوَالِهِمْ وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ إلَى أَنْ يُعْطُوا الْإِمَامَ الْجِزْيَةَ دِينَارًا لم يَكُنْ لِلْإِمَامِ أَنْ يَمْتَنِعَ منهم وَجَعَلَهُمْ كَقَوْمٍ ابْتَدَأَ مُحَارَبَتَهُمْ فَدَعَوْهُ إلَى الْجِزْيَةِ أو قَوْمٍ دَعَوْهُ إلَى الْجِزْيَةِ بِلَا حَرْبٍ فإذا أَقَرَّ منهم قَرْنٌ بِشَيْءٍ صَالَحُوا عليه أَلْزَمَهُمُوهُ فَإِنْ كان فِيهِمْ غَائِبٌ لم يَحْضُرْ لم يُلْزِمْهُ وإذا حَضَرَ أَلْزَمَ ما أَقَرَّ بِهِ مِمَّا يَجُوزُ الصُّلْحُ عليه وإذا نَشَأَ أَبْنَاؤُهُمْ فَبَلَغُوا الْحُلُمَ أو اسْتَكْمَلُوا خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فلم يُقِرُّوا بِمَا أَقَرَّ بِهِ آبَاؤُهُمْ قِيلَ إنْ أَدَّيْتُمْ الْجِزْيَةَ وَإِلَّا حَارَبْنَاكُمْ فَإِنْ عَرَضُوا أَقَلَّ الْجِزْيَةِ وقد أَعْطَى آبَاؤُهُمْ أَكْثَرَ منها لم يَكُنْ لنا أَنْ نُقَاتِلَهُمْ إذَا أَعْطَوْا أَقَلَّ الْجِزْيَةِ وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْنَا أَنْ يُعْطُونَا أَكْثَرَ مِمَّا يُعْطِينَا آبَاؤُهُمْ وَلَا يَكُونُ صُلْحُ الْآبَاءِ صُلْحًا على الْأَبْنَاءِ إلَّا ما كَانُوا صِغَارًا لَا جِزْيَةَ عليهم أو نِسَاءً لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِنَّ أو مَعْتُوهِينَ لَا جِزْيَةَ عليهم فَأَمَّا من لم يَجُزْ لنا إقْرَارُهُ في بِلَادِ الْإِسْلَامِ إلَّا على أَخْذِ الْجِزْيَةِ منه فَلَا يَكُونُ صُلْحُ أبيه وَلَا غَيْرِهِ صُلْحًا عنه إلَّا بِرِضَاهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَمَنْ كان سَفِيهًا بَالِغًا مَحْجُورًا عليه منهم صَالَحَ عن نَفْسِهِ بِأَمْرِ وَلِيِّهِ فَإِنْ لم يَفْعَلْ وَلِيُّهُ وهو مَعًا حُورِبَ فَإِنْ غَابَ وَلِيُّهُ جَعَلَ له السُّلْطَانُ وَلِيًّا يُصَالِحُ عنه فَإِنْ أَبَى الْمَحْجُورُ عليه الصُّلْحَ حَارَبَهُ وَإِنْ أَبَى وَلِيُّهُ وَقَبِلَ الْمَحْجُورُ عليه جُبِرَ وَلِيُّهُ أَنْ يَدْفَعَ الْجِزْيَةَ عنه لِأَنَّهَا لَازِمَةٌ إذَا أَقَرَّ بها لِأَنَّهَا من مَعْنَى النَّظَرِ له لِئَلَّا يُقْتَلَ وَيُؤْخَذَ مَالُهُ فَيْئًا وإذا كان هذا هَكَذَا وكان من صَالَحَهُمْ مِمَّنْ مَضَى من الْأَئِمَّةُ بِأَعْيَانِهِمْ قد مَاتُوا فَحَقُّ الْإِمَامِ أَنْ يَبْعَثَ أُمَنَاءَ فَيَجْمَعُونَ الْبَالِغِينَ من أَهْلِ الذِّمَّةِ في كل بَلَدٍ ثُمَّ يَسْأَلُونَهُمْ عن صُلْحِهِمْ فما أَقَرُّوا بِهِ مِمَّا هو أَزْيَدُ من أَقَلِّ الْجِزْيَةِ قَبْلَهُ منهم إلَّا أَنْ تَقُومَ عليهم بَيِّنَةٌ بِأَكْثَرَ منه ما لم يَنْقُضُوا الْعَهْدَ فَيُلْزِمُهُ منهم من قَامَتْ عليه بَيِّنَةٌ وَيُسْأَلُ عَمَّنْ
____________________

(4/202)


نَشَأَ منهم فَمَنْ بَلَغَ عَرَضَ عليه قَبُولَ ما صَالَحُوا عليه فَإِنْ فَعَلَ قَبِلَهُ منه وَإِنْ امْتَنَعَ إلَّا من أَقَلِّ الْجِزْيَةِ قَبِلَ منه بَعْدَ أَنْ يَجْتَهِدَ بِالْكَلَامِ على اسْتِزَادَتِهِ وَيَقُولُ هذا صُلْحُ أَصْحَابِك فَلَا تَمْتَنِعُ منه وَيَسْتَظْهِرُ بِالِاسْتِعَانَةِ بِأَصْحَابِهِ عليه وَإِنْ أَبَى إلَّا أَقَلَّ الْجِزْيَةِ قَبِلَهُ منه فَإِنْ اُتُّهِمَ أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ منهم بَلَغَ ولم يُقِرَّ عِنْدَهُ بِأَنْ قد اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً أو قد احْتَلَمَ ولم يَقُمْ بِذَلِكَ عليه بَيِّنَةٌ مُسْلِمُونَ أَقَلُّ من يُقْبَلُ في ذلك شَاهِدَانِ عَدْلَانِ كَشَفَهُ كما كَشَفَ رسول اللَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَنِي قُرَيْظَةَ فَمَنْ أَنْبَتَ قَتَلَهُ فإذا أَنْبَتَ قال له إنْ أَدَّيْت الْجِزْيَةَ وَإِلَّا حَارَبْنَاك فَإِنْ قال أَنْبَتَ من اني تَعَالَجْت بِشَيْءٍ تَعَجَّلَ إنْبَاتَ الشَّعْرِ لم يُقْبَلْ منه ذلك إلَّا أَنْ يَقُومَ شَاهِدَانِ مُسْلِمَانِ على مِيلَادِهِ فَيَكُونَ لم يَسْتَكْمِلْ خَمْسَ عَشْرَةَ فَيَدَعْهُ وَلَا يَقْبَلُ لهم وَلَا عليهم شَهَادَةَ غَيْرِ مُسْلِمٍ عَدْلٍ وَيَكْتُبُ أَسْمَاءَهُمْ وَحِلَاهُمْ في الدِّيوَانِ وَيُعَرِّفُ عليهم وَيُحَلَّفُ عُرَفَاؤُهُمْ لَا يَبْلُغُ منهم مَوْلُودٌ إلَّا رَفَعَهُ إلَى وَالِيهِ عليهم وَلَا يَدْخُلُ عليهم أَحَدٌ من غَيْرِهِمْ إلَّا رَفَعُوا إلَيْهِ فَكُلَّمَا دخل فِيهِمْ أَحَدٌ من غَيْرِهِمْ مِمَّنْ لم يَكُنْ له صُلْحٌ وكان مِمَّنْ تُؤْخَذُ منه الْجِزْيَةُ فَعَلَ بِهِ كما وَصَفْت فِيمَنْ فَعَلَ وَكُلَّمَا بَلَغَ منهم بَالِغٌ فَعَلَ بِهِ ما وَصَفْت ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ دخل من له صُلْحٌ أَلْزَمْته صُلْحَهُ وَمَتَى أُخِذَ منه صُلْحُهُ رَفَعَ عنه أَنْ تُؤْخَذَ عنه في غَيْرِ بَلَدِهِ فَإِنْ كان صَالَحَ على دِينَارٍ وقد كان له صُلْحٌ قَبْلَهُ على أَكْثَرَ أُخِذَ منه ما بَقِيَ من الْفَضْلِ على الدِّينَارِ لِأَنَّهُ صَالَحَ عليه وَإِنْ كان صُلْحُهُ الْأُوَلُ على دِينَارٍ بِبَلَدِهِ ثُمَّ صَالَحَ بِبَلَدِ غَيْرِهِ على دِينَارٍ أو أَكْثَرَ قِيلَ له إنْ شِئْت رَدَدْنَا عَلَيْك الْفَضْلَ عَمَّا صَالَحْت عليه أَوَّلًا إلَّا أَنْ يَكُونَ نَقَضَ الْعَهْدَ ثُمَّ أَحْدَثَ صُلْحًا فَيَكُونَ صُلْحُهُ الْآخَرُ كان أَقَلَّ أو أَكْثَرَ من الصُّلْحِ الْأَوَّلِ وَمَتَى مَاتَ منهم مَيِّتٌ أُخِذَتْ من مَالِهِ الْجِزْيَةُ بِقَدْرِ ما مَرَّ عليه من سَنَتِهِ كَأَنَّهُ مَرَّ عليه نِصْفُهَا لم يُؤَدِّهَا يُؤْخَذُ نِصْفُ جِزْيَتِهِ وَإِنْ عَتَهَ رُفِعَ عنه الْجِزْيَةُ ما كان مَعْتُوهًا فإذا أَفَاقَ أَخَذْتهَا منه من يَوْمِ أَفَاقَ فَإِنْ جُنَّ فَكَانَ يُجَنُّ وَيُفِيقُ لم ( ( ( ولم ) ) ) تُرْفَعْ الْجِزْيَةُ لِأَنَّ هذا مِمَّنْ تَجْرِي عليه الْأَحْكَامُ في حَالِ إفَاقَتِهِ وَكَذَلِكَ إنْ مَرِضَ فَذَهَبَ عَقْلُهُ أَيَّامًا ثُمَّ عَادَ إنَّمَا تُرْفَعُ عنه الْجِزْيَةُ إذَا ذَهَبَ عَقْلُهُ فلم يَعُدْ وَأَيُّهُمْ أَسْلَمَ رُفِعَتْ عنه الْجِزْيَةُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ وَأُخِذَتْ لِمَا مَضَى وَإِنْ غَابَ فَأَسْلَمَ فقال أَسْلَمْت من وَقْتِ كَذَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِخِلَافِ ما قال ( قال الرَّبِيعُ ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّ عليه الْجِزْيَةَ من حِينِ غَابَ إلَى أَنْ قَدِمَ فَأَخْبَرَنَا أَنَّهُ مُسْلِمٌ إلَّا أَنْ تَقُومَ له بَيِّنَةٌ بِأَنَّ إسْلَامَهُ قد تَقَدَّمَ قبل أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْنَا بِوَقْتٍ فَيُؤْخَذَ بِالْبَيِّنَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَسْلَمَ ثُمَّ تَنَصَّرَ لم تؤخذ ( ( ( يؤخذ ) ) ) الْجِزْيَةُ وَإِنْ أُخِذَتْ رُدَّتْ وَقِيلَ إنْ أَسْلَمْت وَإِلَّا قُتِلْت وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ إنْ أَسْلَمَتْ وَإِلَّا قُتِلَتْ قال وَيُبَيِّنُ وَزْنَ الدِّينَارِ وَالدَّنَانِيرُ التي تُؤْخَذُ منهم وَكَذَلِكَ صِفَةُ كل ما يُؤْخَذُ منهم وَإِنْ صَالَحَ أَحَدُهُمْ وهو صَحِيحٌ فَمَرَّتْ بِهِ نِصْفُ سَنَةٍ ثُمَّ عَتِهَ إلَى آخِرِ السَّنَةِ ثُمَّ أَفَاقَ أو لم يُفِقْ أُخِذَتْ منه جِزْيَةُ نِصْفِ السَّنَةِ التي كان فيها صَحِيحًا وَمَتَى أَفَاقَ اُسْتُقْبِلَ بِهِ من يَوْمِ أَفَاقَ سَنَةً ثُمَّ أُخِذَتْ جِزْيَتُهُ منه لِأَنَّهُ كان صَالَحَ فَلَزِمَهُ الْجِزْيَةُ ثُمَّ عَتِهَ فَسَقَطَتْ عنه وَإِنْ طَابَتْ نَفْسُهُ أَنْ يُؤَدِّيَهَا سَاعَةَ أَفَاقَ قُبِلَتْ منه وَإِنْ لم تَطِبْ لم يَلْزَمْهَا إلآ بَعْدَ الْحَوْلِ وإذا عَتَقَ الْعَبْدُ الْبَالِغُ من أَهْلِ الذِّمَّةِ أُخِذَتْ منه الْجِزْيَةُ أو نُبِذَ إلَيْهِ وَسَوَاءٌ أَعْتَقَهُ مُسْلِمٌ أو كَافِرٌ - * الضِّيَافَةُ في الصُّلْحِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَقَرَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ بِضِيَافَةٍ في صُلْحِهِمْ وَرَضُوا بها فَعَلَى الْإِمَامِ مَسْأَلَتُهُمْ عنها وَقَبُولُ ما قالوا أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَهُ منها إذَا كانت زِيَادَةً على أَقَلِّ الْجِزْيَةِ وَلَا تُقْبَلُ منهم وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَالِحَهُمْ عليها بِحَالٍ حتى تَكُونَ زِيَادَةً على أَقَلِّ الْجِزْيَةِ فَإِنْ أَقَرُّوا بِأَنْ يُضَيِّفُوا من مَرَّ بِهِمْ من الْمُسْلِمِينَ يَوْمًا وَلَيْلَةً أو ثَلَاثًا أو أَكْثَرَ وَقَالُوا ما حَدَّدْنَا في هذا حَدًّا أُلْزِمُوا أَنْ يُضَيِّفُوا من وَسَطِ ما يَأْكُلُونَ خُبْزًا وَعَصِيدَةً وَإِدَامًا من زَيْتٍ أو لَبَنٍ أو سَمْنٍ
____________________

(4/203)


أو بُقُولٍ مَطْبُوخَةٍ أو حِيتَانٍ أو لَحْمٍ أو غَيْرِهِ أَيُّ هذا تَيَسَّرَ عليهم وإذا أَقَرُّوا بِعَلَفِ دَوَابَّ ولم يُحَدِّدُوا شيئا عَلَفُوا التِّبْنَ وَالْحَشِيشَ مِمَّا تَحُشَّاهُ الدَّوَابُّ وَلَا يُبَيِّنُ أَنْ يُلْزَمُوا حَبًّا لِدَوَابَّ وَلَا ما جَاوَزَ أَقَلَّ ما تَعْلِفُهُ الدَّوَابُّ إلَّا بِإِقْرَارِهِمْ وَلَا يَجُوزُ بِأَنْ يُحْمَلَ على الرَّجُلِ منهم في الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ضِيَافَةٌ إلَّا بِقَدْرِ ما يَحْتَمِلُ أَنْ احْتَمَلَ وَاحِدًا أو اثْنَيْنِ أو ثَلَاثَةً وَلَا يَجُوزُ عِنْدِي أَنْ يُحْمَلَ عليه أَكْثَرُ من ثَلَاثَةٍ وَإِنْ أَيْسَرَ إلَّا بِإِقْرَارِهِمْ وَيُؤْخَذُ بِأَنْ يُنَزِّلَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يُضَيِّفُهُمْ حَيْثُ يَشَاءُ من مَنَازِلِهِ التي يَنْزِلُهَا السُّفَرُ التي تَكُنْ من مَطَرٍ وَبَرْدٍ وَحَرٍّ وَإِنْ لم يُقِرُّوا بهذا فَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُبَيِّنَ إذَا صَالَحَهُمْ كَيْفَ يُضَيِّفُ الْمُوسِرَ الذي يبلغ ( ( ( بلغ ) ) ) يُسْرُهُ كَذَا وَيَصِفُ ما يُضَيِّفُ من الطَّعَامِ وَالْعَلَفِ وَعَدَدِ من يُضَيِّفُهُ من الْمُسْلِمِينَ وَعَلَى الْوَسَطِ الذي يَبْلُغُ مَالُهُ عَدَدَ كَذَا من الْأَصْنَافِ وَعَلَى من عِنْدَهُ فَضْلٌ عن نفسه ( ( ( نفعه ) ) ) وَأَهْلِ بَيْتِهِ عَدَدَ كَذَا وَاحِدًا أو أَكْثَرَ منه وَمَنَازِلُهُمْ وما يقرى كُلَّ وَاحِدٍ منهم لِيَكُونَ ذلك مَعْلُومًا إذَا نَزَلَ بِهِمْ الْجُمُوعُ وَمَرَّتْ الْجُيُوشُ فَيُؤْخَذُونَ بِهِ وَيُجْعَلُ ذلك كُلُّهُ مُدَوَّنًا مَشْهُودًا عليه بِهِ لِيَأْخُذَهُ من وَلِيَهُمْ من وُلَاتِهِ بَعْدَهُ وَيَكْتُبُ في كِتَابِهِمْ أَنَّ كُلَّ من كان مُعْسِرًا فَرَجَعَ إلَى مَالِهِ حتى يَكُونَ مُوسِرًا نُقِلَ إلَى ضِيَافَةِ الْمَيَاسِيرِ - * الصُّلْحُ على الِاخْتِلَافِ في بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا أُحِبُّ أَنْ يَدَعَ الْوَالِي أَحَدًا من أَهْلِ الذِّمَّةِ في صُلْحٍ إلَّا مَكْشُوفًا مَشْهُودًا عليه وَأُحِبُّ أَنْ يَسْأَلَ أَهْلَ الذِّمَّةِ عَمَّا صَالَحُوا عليه مِمَّا يُؤْخَذُ منهم إذَا اخْتَلَفُوا في بِلَادِ للمسلمين ( ( ( المسلمين ) ) ) فَإِنْ أَنْكَرَتْ منهم طَائِفَةٌ أَنْ تَكُونَ صَالَحَتْ على شَيْءٍ يُؤْخَذُ منها سِوَى الْجِزْيَةِ لم يُلْزِمْهَا ما أَنْكَرَتْ وَعَرَضَ عليها إحْدَى خَصْلَتَيْنِ أَنْ لَا تَأْتِيَ الْحِجَازَ بِحَالٍ أو تَأْتِيَ الْحِجَازَ على أنها مَتَى أَتَتْ الْحِجَازَ أَخَذَ منها ما صَالَحَهَا عليه عُمَرُ وَزِيَادَةً إنْ رَضِيَتْ بِهِ وَإِنَّمَا قُلْنَا لَا تَأْتِي الْحِجَازَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَجْلَاهَا من الْحِجَازِ وَقُلْنَا تَأْتِيهِ على ما أَخَذَ عُمَرُ أَنْ ليس في إجْلَائِهَا من الْحِجَازِ أَمْرٌ يُبَيِّنُ أَنْ يَحْرُمَ أَنْ تَأْتِيَ الْحِجَازَ مُنْتَابَةً وَإِنْ رَضِيَتْ بِإِتْيَانِ الْحِجَازِ على شَيْءٍ مِثْلِ ما أَخَذَ عُمَرُ أو أَكْثَرَ منه أَذِنَ لها أَنْ تَأْتِيَهُ مُنْتَابَةً لَا تُقِيمُ بِبَلَدٍ منه أَكْثَرَ من ثَلَاثٍ فَإِنْ لم تَرْضَ مَنَعَهَا منه وَإِنْ دَخَلَتْهُ بِلَا إذْنٍ لم يُؤْخَذْ من مَالِهَا شَيْءٌ وَأَخْرَجَهَا منه وَعَاقَبَهَا إنْ عَلِمَتْ مَنْعَهُ إيَّاهَا ولم يُعَاقِبْهَا إنْ لم تَعْلَمْ مَنْعَهُ إيَّاهَا وَتَقَدَّمَ إلَيْهَا فَإِنْ عَادَتْ عَاقَبَهَا وَيَقْدَمُ إلَى وُلَاتِهِ أَنْ لَا يُجِيزُوا بِلَادَ الْحِجَازِ إلَّا بِالرِّضَا وَالْإِقْرَارِ بِأَنْ يُؤْخَذَ منهم ما أَخَذَ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وَإِنْ زَادُوهُ عليها شيئا لم يَحْرُمْ عليه فَكَانَ أَحَبَّ إلَيَّ وَإِنْ عَرَضُوا عليه أَقَلَّ منه لم أُحِبَّ أَنْ يَقْبَلَهُ وَإِنْ قَبِلَهُ لِخَلَّةٍ بِالْمُسْلِمِينَ رَجَوْت أَنْ يَسَعَهُ ذلك لِأَنَّهُ إذَا لم يَحْرُمْ أَنْ يَأْتُوا الْحِجَازَ مُجْتَازِينَ لم يَحِلَّ إتْيَانُهُمْ الْحِجَازَ كَثِيرٌ يُؤْخَذُ منهم وَيُحَرِّمُهُ قَلِيلٌ وإذا قالوا نَأْتِيهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ لم يَكُنْ ذلك لِلْوَالِي وَلَا لهم وَيَجْتَهِدُ أَنْ يَجْعَلَ هذا عليهم في كل بَلَدٍ انْتَابُوهُ فَإِنْ مُنِعُوا منه في الْبُلْدَانِ فَلَا يَبِينُ لي أَنَّ له أَنْ يَمْنَعَهُمْ بَلَدًا غير الْحِجَازِ وَلَا يَأْخُذُ من أَمْوَالِهِمْ وَإِنْ اتَّجَرُوا في بَلَدٍ غَيْرِ الْحِجَازِ شيئا وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُؤْذَنَ لهم في مَكَّةَ بِحَالٍ ( 1 ) وَإِنْ أَتَوْهَا على الْحِجَازِ أَخَذَ منهم ذلك وَإِنْ جَاءُوهَا على غَيْرِ شَرْطٍ لم يَكُنْ له أَنْ يَأْخُذَ منهم شيئا وَعَاقَبَهُمْ إنْ عَلِمُوا نَهْيَهُ عن إتْيَانِ مَكَّةَ ولم يُعَاقِبْهُمْ إنْ لم يَعْلَمُوا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْتَدِئَ صُلْحَهُمْ على الْبَيَانِ من جَمِيعِ ما وَصَفْت ثُمَّ يُلْزِمَهُمْ ما صَالَحُوا عليه فَإِنْ أَغْفَلَهُمْ مَنَعَهُمْ الْحِجَازَ كُلَّهُ فَإِنْ دَخَلُوهُ بِغَيْرِ صُلْحٍ لم يَأْخُذْ منهم شيئا وَلَا يَبِينُ لي أَنْ يَمْنَعَهُمْ غير الْحِجَازِ من الْبُلْدَانِ قال وَلَا أَحْسَبُ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ وَلَا عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ أَخَذَ ذلك منهم إلَّا عن رِضًا منهم بِمَا أَخَذَ منهم فاخذه منهم كما تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ فأما أَنْ يَكُونَ أَلْزَمَهُمُوهُ بِغَيْرِ رِضًا منهم فَلَا أَحْسَبُهُ وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْحَرْبِ يَمْنَعُونَ الْإِتْيَانَ إلَى بِلَادِ
____________________

(4/204)


الْمُسْلِمِينَ بِتِجَارَةٍ بِكُلِّ حَالٍ إلَّا بِصُلْحٍ فما صَالَحُوا عليه جَازَ لِمَنْ أَخَذَهُ وَإِنْ دَخَلُوا بِأَمَانٍ وَغَيْرِ صُلْحٍ مُقِرِّينَ بِهِ لم يُؤْخَذْ منهم شَيْءٌ من أَمْوَالِهِمْ وَرُدُّوا إلَى مَأْمَنِهِمْ إلَّا أَنْ يَقُولُوا إنَّمَا دَخَلْنَا على أَنْ يُؤْخَذَ مِنَّا فَيُؤْخَذُ منهم وَإِنْ دَخَلُوا بِغَيْرِ أَمَانٍ غَنِمُوا وإذا لم يَكُنْ لهم دَعْوَى أَمَانٍ وَلَا رِسَالَةٍ كَانُوا فَيْئًا وَقُتِلَ رِجَالُهُمْ إلَّا أَنْ يُسْلِمُوا أو يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ قبل أَنْ نَظْفَرَ بِهِمْ إنْ كَانُوا مِمَّنْ يَجُوزُ أَنْ تُؤْخَذَ منهم الْجِزْيَةُ وَإِنْ دخل رَجُلٌ من أَهْلِ الذِّمَّةِ بَلَدًا أو دَخَلَهَا حَرْبِيٌّ بِأَمَانٍ فَأَدَّى عن مَالِهِ شيئا ثُمَّ دخل بَعْدُ لم يُؤْخَذْ ذلك منه إلَّا بِأَنْ يُصَالِحَ عليه قبل الدُّخُولِ أو يَرْضَى بِهِ بَعْدَ الدُّخُولِ فَأَمَّا الرُّسُلُ وَمَنْ ارْتَادَ الْإِسْلَامَ فَلَا يُمْنَعُونَ الْحِجَازَ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل يقول لِنَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَإِنْ أَحَدٌ من الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حتى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ وَإِنْ أَرَادَ أَحَدٌ من الرُّسُلِ الْإِمَامَ وهو بِالْحَرَمِ فَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَخْرُجَ إلَيْهِ وَلَا يُدْخِلْهُ الْحَرَمَ إلَّا أَنْ يَكُونَ يُغْنِي الْإِمَامَ فيه الرِّسَالَةُ وَالْجَوَابُ فَيَكْتَفِيَ بِهِمَا فَلَا يُتْرَكُ يَدْخُلُ الْحَرَمَ بِحَالٍ - * ذِكْرُ ما أَخَذَ عُمَرُ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه من أَهْلِ الذِّمَّةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن سَالِمِ بن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ عن أبيه أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يَأْخُذُ من النَّبَطِ من الْحِنْطَةِ وَالزَّيْتِ نِصْفَ الْعُشْرِ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يُكْثِرَ الْحِمْلَ إلَى الْمَدِينَةِ وَيَأْخُذُ من الْقُطْنِيَّةِ الْعُشْرَ * أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن السَّائِبِ بن يَزِيدَ أَنَّهُ قال كُنْت عَامِلًا مع عبد اللَّهِ بن عُتْبَةَ على سُوقِ الْمَدِينَةِ في زَمَانِ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ فَكَانَ يَأْخُذُ من النَّبَطِ الْعُشْرَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَعَلَّ السَّائِبَ حَكَى أَمْرَ عُمَرَ أَنْ يَأْخُذَ من النَّبَطِ الْعُشْرَ في الْقُطْنِيَّةِ كما حَكَى سَالِمٌ عن أبيه عن عُمَرَ فَلَا يَكُونَانِ مُخْتَلِفَيْنِ أو يَكُونُ السَّائِبُ حَكَى الْعُشْرَ في وَقْتٍ فَيَكُونُ أَخَذَ منهم مَرَّةً في الْحِنْطَةِ وَالزَّيْتِ عُشْرًا وَمَرَّةً نِصْفَ الْعُشْرِ وَلَعَلَّهُ كُلَّهُ بِصُلْحٍ يُحْدِثُهُ في وَقْتٍ بِرِضَاهُ وَرِضَاهُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَسْت أَحْسَبُ عُمَرَ أَخَذَ ما أَخَذَ من النَّبَطِ إلَّا عن شَرْطٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ كَشَرْطِ الْجِزْيَةِ وَكَذَلِكَ أَحْسَبُ عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ أَمَرَ بِالْأَخْذِ منهم وَلَا يَأْخُذُ من أَهْلِ الذِّمَّةِ شيئا إلَّا عن صُلْحٍ وَلَا يُتْرَكُونَ يَدْخُلُونَ الْحِجَازَ إلَّا بِصُلْحٍ وَيُحَدِّدُ الْإِمَامُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ في تِجَارَاتِهِمْ وَجَمِيعِ ما شَرَطَ عليهم أَمْرًا يُبَيِّنُ لهم وَلِلْعَامَّةِ لِيَأْخُذَهُمْ بِهِ الْوُلَاةُ غَيْرُهُ وَلَا يُتْرَكُ أَهْلُ الْحَرْبِ يَدْخُلُونَ بِلَادَ الْمُسْلِمِينَ تُجَّارًا فَإِنْ دَخَلُوا بِغَيْرِ أَمَانٍ وَلَا رِسَالَةٍ غَنِمُوا وَإِنْ دَخَلُوا بِأَمَانٍ وَشَرَطَ أَنْ يَأْخُذَ منهم عُشْرًا أو أَكْثَرَ أو أَقَلَّ أَخَذَ منهم فَإِنْ دَخَلُوا بِلَا أَمَانٍ وَلَا شَرْطٍ رُدُّوا إلَى مَأْمَنِهِمْ ولم يُتْرَكُوا يَمْضُونَ في بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَلَا يُؤْخَذُ منهم شَيْءٌ وقد عَقَدَ لهم الْأَمَانَ إلَّا عن طِيبِ أَنْفُسِهِمْ وَإِنْ عَقَدَ لهم الْأَمَانَ على دِمَائِهِمْ لم يُؤْخَذْ من أَمْوَالِهِمْ شَيْءٌ إنْ دَخَلُوا بِأَمْوَالٍ إلَّا بِشَرْطٍ على أَمْوَالِهِمْ أو طِيبِ أَنْفُسِهِمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَسَوَاءٌ كان أَهْلُ الْحَرْبِ بين قَوْمٍ يَعْشُرُونَ الْمُسْلِمِينَ إنْ دَخَلُوا بِلَادَهُمْ أو يَخْمِسُونَهُمْ لَا يَعْرِضُونَ لهم في أَخْذِ شَيْءٍ من أَمْوَالِهِمْ إلَّا عن طِيبِ أَنْفُسِهِمْ أو صُلْحٍ يَتَقَدَّمُ منهم أو يُؤْخَذُ غَنِيمَةً أو فَيْئًا إنْ لم يَكُنْ لهم ما يَأْمَنُونَ بِهِ على أَمْوَالِهِمْ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل أَذِنَ بِأَخْذِ أَمْوَالِهِمْ غَنِيمَةً وَفَيْئًا وَكَذَلِكَ الْجِزْيَةُ فِيمَا أَعْطَوْهَا أَيْضًا طَائِعِينَ وَحَرَّمَ أَمْوَالَهُمْ بِعَقْدِ الْأَمَانِ لهم وَلَا يُؤْخَذُ إذَا أَمِنُوا إلَّا بِطِيبِ أَنْفُسِهِمْ بِالشَّرْطِ فِيمَا يَخْتَلِفُونَ بِهِ وَغَيْرِهِ فَيَحِلُّ بِهِ أَمْوَالُهُمْ - * تَحْدِيدُ الْإِمَامِ ما يَأْخُذُ من أَهْلِ الذِّمَّةِ في الْأَمْصَارِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُحَدِّدَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ جَمِيعَ ما يُعْطِيهِمْ وَيَأْخُذَ منهم وَيَرَى أَنَّهُ يَنُوبُهُ وَيَنُوبُ الناس منهم فيسمى الْجِزْيَةَ وَأَنْ يُؤَدِّيَهَا على ما وَصَفْت ويسمى شَهْرًا تُؤْخَذُ منهم فيه وَعَلَى أَنْ
____________________

(4/205)


يُجْرِيَ عليهم حُكْمَ الْإِسْلَامِ إذَا طَلَبَهُمْ بِهِ طَالِبٌ أو أَظْهَرُوا ظُلْمًا لِأَحَدٍ وَعَلَى أَنْ لَا يَذْكُرُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا بِمَا هو أَهْلُهُ وَلَا يَطْعَنُوا في دِينِ الْإِسْلَامِ وَلَا يَعِيبُوا من حُكْمِهِ شيئا فَإِنْ فَعَلُوا فَلَا ذِمَّةَ لهم وَيَأْخُذُوا عليهم أَنْ لَا يُسْمِعُوا الْمُسْلِمِينَ شِرْكَهُمْ وَقَوْلَهُمْ في عُزَيْرٍ وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ وَإِنْ وَجَدُوهُمْ فَعَلُوا بَعْدَ التَّقَدُّمِ في عُزَيْرٍ وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ إلَيْهِمْ عَاقَبَهُمْ على ذلك عُقُوبَةً لَا يَبْلُغُ بها حَدًّا لِأَنَّهُمْ قد أَذِنَ بِإِقْرَارِهِمْ على دِينِهِمْ مع عِلْمِ ما يَقُولُونَ وَلَا يَشْتُمُوا الْمُسْلِمِينَ وَعَلَى أَنْ لَا يَغُشُّوا مُسْلِمًا وَعَلَى أَنْ لَا يَكُونُوا عَيْنًا لِعَدُوِّهِمْ وَلَا يَضُرُّوا بِأَحَدٍ من الْمُسْلِمِينَ في حَالِ وَعَلَى أَنْ نُقِرَّهُمْ على دِينِهِمْ وَأَنْ لَا يُكْرِهُوا أَحَدًا على دِينِهِمْ إذَا لم يَرُدَّهُ من أَبْنَائِهِمْ وَلَا رَقِيقِهِمْ وَلَا غَيْرِهِمْ وَعَلَى أَنْ لَا يُحْدِثُوا في مِصْرٍ من أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ كَنِيسَةً وَلَا مُجْتَمَعًا لِضَلَالَاتِهِمْ وَلَا صَوْتَ نَاقُوسٍ وَلَا حَمْلَ خَمْرٍ وَلَا إدْخَالَ خِنْزِيرٍ وَلَا يُعَذِّبُوا بَهِيمَةً وَلَا يَقْتُلُوهَا بِغَيْرِ الذَّبْحِ وَلَا يُحْدِثُوا بِنَاءً يُطِيلُونَهُ على بِنَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ يُفَرِّقُوا بين هيآتهم ( ( ( هيئاتهم ) ) ) في اللِّبَاسِ وَالْمَرْكَبِ وَبَيْنَ هيآت ( ( ( هيئات ) ) ) الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ يَعْقِدُوا الزَّنَانِيرَ في أَوْسَاطِهِمْ فَإِنَّهَا من أَبْيَنِ فَرْقٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ هيآت ( ( ( هيئات ) ) ) الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَدْخُلُوا مَسْجِدًا وَلَا يُبَايِعُوا مُسْلِمًا بَيْعًا يَحْرُمُ عليهم في الْإِسْلَامِ وَأَنْ لَا يُزَوِّجُوا مُسْلِمًا مَحْجُورًا إلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهِ وَلَا يَمْنَعُوا من أَنْ يُزَوِّجُوهُ حُرَّةً إذَا كان حُرًّا ما كان بِنَفْسِهِ أو مَحْجُورًا بِإِذْنِ وَلِيِّهِ بِشُهُودِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَسْقُوا مُسْلِمًا خَمْرًا وَلَا يُطْعِمُوهُ مُحَرَّمًا من لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَلَا غَيْرِهِ وَلَا يُقَاتِلُوا مُسْلِمًا مع مسلم وَلَا غَيْرَهُ وَلَا يُظْهِرُوا الصَّلِيبَ وَلَا الْجَمَاعَةَ في أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانُوا في قَرْيَةٍ يَمْلِكُونَهَا مُنْفَرِدِينَ لم يَمْنَعْهُمْ إحْدَاثَ كَنِيسَةٍ وَلَا رَفْعَ بِنَاءٍ وَلَا يَعْرِضُ لهم في خَنَازِيرِهِمْ وَخَمْرِهِمْ وَأَعْيَادِهِمْ وَجَمَاعَاتِهِمْ وَأَخَذَ عليهم أَنْ لَا يَسْقُوا مُسْلِمًا أَتَاهُمْ خَمْرًا وَلَا يُبَايِعُوهُ مُحَرَّمًا وَلَا يُطْعِمُوهُ وَلَا يَغُشُّوا مُسْلِمًا وما وَصَفْت سِوَى ما أُبِيحَ لهم إذَا ما انْفَرَدُوا قال وإذا كَانُوا بِمِصْرٍ لِلْمُسْلِمِينَ لهم فيه كَنِيسَةٌ أو بِنَاءٌ طَائِلٌ كَبِنَاءِ الْمُسْلِمِينَ لم يَكُنْ لِلْإِمَامِ هَدْمُهَا وَلَا هَدْمُ بِنَائِهِمْ وَتَرَكَ كُلًّا على ما وَجَدَهُ عليه وَمَنَعَ من إحْدَاثِ الْكَنِيسَةِ وقد قِيلَ يَمْنَعُ من الْبِنَاءِ الذي يُطَاوِلُ بِهِ بِنَاءَ الْمُسْلِمِينَ وقد قِيلَ إذَا مَلَكَ دَارًا لم يُمْنَعْ مِمَّا لَا يُمْنَعُ الْمُسْلِمُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَجْعَلُوا بِنَاءَهُمْ دُونَ بِنَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِشَيْءٍ وَكَذَلِكَ إنْ أَظْهَرُوا الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ وَالْجَمَاعَاتِ وَهَذَا إذَا كان الْمِصْرُ لِلْمُسْلِمِينَ أحيوه ( ( ( أحبوه ) ) ) أو فَتَحُوهُ عَنْوَةً وَشَرَطُوا على أَهْلِ الذِّمَّةِ هذا فَإِنْ كَانُوا فَتَحُوهُ على صُلْحٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ من تَرْكِ إظْهَارِ الْخَنَازِيرِ وَالْخَمْرِ وأحداث الْكَنَائِسِ فِيمَا مَلَكُوا لم يَكُنْ له مَنْعُهُمْ من ذلك وَإِظْهَارُ الشِّرْكِ أَكْثَرُ منه وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُصَالِحَ أَحَدًا من أَهْلِ الذِّمَّةِ على أَنْ يُنْزِلَهُ من بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ مَنْزِلًا يُظْهِرُ فيه جَمَاعَةً وَلَا كَنِيسَةً وَلَا نَاقُوسًا إنَّمَا يُصَالِحُهُمْ على ذلك في بِلَادِهِمْ التي وُجِدُوا فيها فَنَفْتَحُهَا عَنْوَةً أو صُلْحًا فَأَمَّا بِلَادٌ لم تَكُنْ لهم فَلَا يَجُوزُ هذا له فيها فَإِنْ فَعَلَ ذلك أَحَدٌ في بِلَادٍ بِمِلْكِهِ مَنَعَهُ الْإِمَامُ منه فيه وَيَجُوزُ أَنْ يَدَعَهُمْ أَنْ يَنْزِلُوا بَلَدًا لَا يُظْهِرُونَ هذا فيه وَيُصَلُّونَ في مَنَازِلِهِمْ بِلَا جَمَاعَاتٍ تَرْتَفِعُ أَصْوَاتُهُمْ وَلَا نَوَاقِيسَ وَلَا نَكُفَّهُمْ إذَا لم يَكُنْ ذلك ظَاهِرًا عَمَّا كَانُوا عليه إذَا لم يَكُنْ فيه فَسَادٌ لِمُسْلِمٍ وَلَا مَظْلَمَةٌ لِأَحَدٍ فَإِنْ أَحَدٌ منهم فَعَلَ شيئا مِمَّا نَهَاهُ عنه مِثْلَ الْغِشِّ لِمُسْلِمٍ أو بَيْعِهِ حَرَامًا أو سَقْيِهِ مُحَرَّمًا أو الضَّرْبِ لِأَحَدٍ أو الْفَسَادِ عليه عَاقَبَهُ في ذلك بِقَدْرِ ذَنْبِهِ وَلَا يَبْلُغُ بِهِ حَدًّا وَإِنْ أَظْهَرُوا نَاقُوسًا أو اجْتَمَعَتْ لهم جَمَاعَاتٌ أو تَهَيَّئُوا بِهَيْئَةٍ نَهَاهُمْ عنها تَقَدَّمَ إلَيْهِمْ في ذلك فَإِنْ عَادُوا عَاقَبَهُمْ وَإِنْ فَعَلَ هذا منهم فَاعِلٌ أو بَاعَ مُسْلِمًا بَيْعًا حَرَامًا فقال ما عَلِمْت تَقَدَّمَ إلَيْهِ الْوَالِي وَأَحْلَفَهُ وَأَقَالَهُ في ذلك فَإِنْ عَادَ عَاقَبَهُ وَمَنْ أَصَابَ منهم مَظْلِمَةً لِأَحَدٍ فيها حَدٌّ مِثْلَ قَطْعِ الطَّرِيقِ وَالْفِرْيَةِ وَغَيْرِ ذلك أُقِيمَ عليه وَإِنْ غَشَّ أَحَدٌ منهم الْمُسْلِمِينَ بِأَنْ يَكْتُبَ إلَى الْعَدُوِّ لهم بِعَوْرَةٍ أو يُحَدِّثَهُمْ شيئا أَرَادُوهُ بِهِمْ وما أَشْبَهَ هذا عُوقِبَ وَحُبِسَ ولم يَكُنْ هذا وَلَا قَطْعَ الطَّرِيقِ نَقْضًا لِلْعَهْدِ ما أَدَّوْا الْجِزْيَةَ على أَنْ يُجْرِيَ عليهم الْحُكْمَ
____________________

(4/206)


- * ما يُعْطِيهِمْ الْإِمَامُ من الْمَنْعِ من الْعَدُوِّ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَنْبَغِي للامام أَنْ يُظْهِرَ لهم أَنَّهُمْ إنْ كَانُوا في بِلَادِ الْإِسْلَامِ أو بين أَظْهُرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ مُنْفَرِدِينَ أو مُجْتَمَعِينَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَمْنَعَهُمْ من أَنْ يَسْبِيَهُمْ الْعَدُوُّ أو يَقْتُلَهُمْ مَنَعَهُ ذلك من الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كانت دَارُهُمْ وَسَطَ دَارِ الْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ من الْمُسْلِمِينَ أَحَدٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْعَدُوِّ فلم يَكُنْ في صُلْحِهِمْ أَنْ يَمْنَعَهُمْ فَعَلَيْهِ مَنْعُهُمْ لِأَنَّ مَنْعُهُمْ مَنَعَ دَارَ الْإِسْلَامِ دُونَهُمْ وَكَذَلِكَ إنْ كان لَا يُوصَلُ إلَى مَوْضِعٍ هُمْ فيه مُنْفَرِدُونَ إلَّا بِأَنْ تُوطَأَ من بِلَادِهِمْ شَيْءٌ كان عليه مَنْعُهُمْ وَإِنْ لم يَشْتَرِطْ ذلك لهم وَإِنْ كانت بِلَادُهُمْ دَاخِلَةً بِبِلَادِ الشِّرْكِ ليس بَيْنَهَا وَبَيْنَ بِلَادِ الْإِسْلَامِ شِرْكُ حَرْبٍ فإذا أَتَاهَا الْعَدُوُّ لم يَطَأْ من بِلَادِ الْإِسْلَامِ شيئا وَمَعَهُمْ مُسْلِمٌ فَأَكْثَرُ كان عليه مَنْعُهُمْ وَإِنْ لم يَشْتَرِطْ ذلك لهم لِأَنَّ مَنْعَ دَارِهِمْ منع ( ( ( منه ) ) ) مُسَلَّمٌ وَكَذَلِكَ إنْ لم يَكُنْ مَعَهُمْ مُسْلِمٌ وكان مَعَهُمْ مَالٌ لِمُسْلِمٍ فَإِنْ كانت دَارُهُمْ كما وَصَفْت مُتَّصِلَةً بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ وَبِلَادِ الشِّرْكِ إذَا غَشِيَهَا الْمُشْرِكُونَ لم يَنَالُوا من بِلَادِ الْإِسْلَامِ شيئا وَأَخَذَ الْإِمَامُ منهم الْجِزْيَةَ فَإِنْ لم يَشْتَرِطْ لهم مَنْعَهُمْ فَعَلَيْهِ مَنْعُهُمْ حتى يُبَيِّنَ في أَصْلِ صُلْحِهِمْ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُهُمْ فَيَرْضَوْنَ بِذَلِكَ وَأُكْرِهَ له إذَا اتَّصَلُوا كما وَصَفْت بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ لَا يَمْنَعَهُمْ وَأَنْ يَدَعَ مَنْعَهُمْ وَلَا يُبَيِّنُ أَنَّ عليه مَنْعَهُمْ فَإِنْ كان أَصْلُ صُلْحِهِمْ أَنَّهُمْ قالوا لَا تَمْنَعْنَا وَنَحْنُ نُصَالِحُ الْمُشْرِكِينَ بِمَا شِئْنَا لم يَحْرُمْ عليه إن يَأْخُذَ الْجِزْيَةَ منهم على هذا وَأَحَبُّ إلَيَّ لو صَالَحَهُمْ على مَنْعِهِمْ لِئَلَّا يَنَالُوا أَحَدًا يَتَّصِلُ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ كَانُوا قَوْمًا من الْعَدُوِّ دُونَهُمْ عَدُوٌّ فَسَأَلُوا أَنْ يُصَالِحُوا على جِزْيَةٍ وَلَا يَمْنَعُوا جَازَ لِلْوَالِي أَخْذُهَا منهم وَلَا يَجُوزُ له أَخْذُهَا بِحَالٍ من هَؤُلَاءِ وَلَا غَيْرِهِمْ إلَّا على أَنْ يُجْرِيَ عليهم حُكْمَ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل لم يَأْذَنْ بِالْكَفِّ عَنْهُمْ إلَّا بِأَنْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ وَالصَّغَارُ أَنْ يُجْرِيَ عليهم حُكْمَ الْإِسْلَامِ فَمَتَى صَالَحَهُمْ على أَنْ لَا يُجْرِيَ عليهم حُكْمَ الْإِسْلَامِ فَالصُّلْحُ فَاسِدٌ وَلَهُ أَخْذُ ما صَالَحُوهُ عليه في الْمُدَّةِ التي كَفَّ فيها عَنْهُمْ وَعَلَيْهِ أَنْ يَنْبِذَ إلَيْهِمْ حتى تَصَالَحُوا على أَنْ يُجْرِيَ عليهم الْحُكْمَ أو يُقَاتِلَهُمْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَالِحَهُمْ على هذا إلَّا أَنْ تَكُونَ بِهِمْ قُوَّةٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ آخُذُ مِنْكُمْ الْجِزْيَةَ إذَا اسْتَغْنَيْتُمْ وَأَدَعُهَا إذَا افْتَقَرْتُمْ وَلَا أَنْ يُصَالِحَهُمْ إلَّا على جِزْيَةٍ مَعْلُومَةٍ لَا يُزَادُ فيها وَلَا يُنْقَصُ وَلَا أَنْ يَقُولَ مَتَى اُفْتُقِرَ مِنْكُمْ مُفْتَقِرٌ أَنْفَقْت عليه من مَالِ اللَّهِ تَعَالَى قال وَمَتَى صَالَحَهُمْ على شَيْءٍ مِمَّا زَعَمْت أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عليه وَأَخَذَ عليه منهم جِزْيَةً أَكْثَرَ من دِينَارٍ في السَّنَةِ رَدَّ الْفَضْلَ على الدِّينَارِ وَدَعَاهُمْ إلَى أَنْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ على ما يَصْلُحُ فَإِنْ لم يَفْعَلُوا نَبَذَ إلَيْهِمْ وَقَاتَلَهُمْ وَمَتَى أَخَذَ منهم الْجِزْيَةَ على أَنْ يَمْنَعَهُمْ فلم يَمْنَعْهُمْ إمَّا بِغَلَبَةِ عدوله حتى هَرَبَ عن بِلَادِهِمْ وَأَسْلَمَهُمْ وَإِمَّا تَحَصَّنَ منه حتى نَالَهُمْ الْعَدُوُّ فَإِنْ كان تَسَلَّفَ منهم جِزْيَةَ سَنَةٍ أَصَابَهُمْ فيها ما وَصَفْت رَدَّ عليهم جِزْيَةَ ما بَقِيَ من السَّنَةِ وَنَظَرَ فَإِنْ كان ما مَضَى من السَّنَةِ نِصْفَهَا أَخَذَ منه ما صَالَحَهُمْ عليه لِأَنَّ الصُّلْحَ كان تَامًّا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ حتى أَسْلَمَهُمْ فَيَوْمَئِذٍ انْتَقَضَ صُلْحُهُ وَإِنْ كان لم يَتَسَلَّفْ منهم شيئا وَإِنَّمَا أَخَذَ منهم جِزْيَةَ سَنَةٍ قد مَضَتْ وَأَسْلَمَهُمْ في غَيْرِهَا لم يَرُدَّ عليهم شيئا وَلَا يَسَعُهُ إسْلَامُهُمْ فَإِنْ غَلَبَ غَلَبَةً فَعَلَى ما وَصَفْت وَإِنْ أَسْلَمَهُمْ بلا غَلَبَةً فَهُوَ آثِمٌ في إسْلَامِهِمْ وَعَلَيْهِ أَنْ يَمْنَعَ من آذَاهُمْ وإذا أَخَذَ منهم الْجِزْيَةَ أَخَذَهَا بِإِجْمَالٍ ولم يَضْرِبْ منهم أَحَدًا ولم ينله ( ( ( يقل ) ) ) بقول ( ( ( لهم ) ) ) قَبِيحٌ وَالصَّغَارُ أَنْ يُجْرِيَ عليهم الْحُكْمَ لَا أَنْ يُضْرَبُوا وَلَا يُؤْذُوا وَيَشْتَرِطُ عليهم أَنْ لَا يَحْيَوْا من بِلَادِ الْإِسْلَامِ شيئا وَلَا يَكُونُ له أَنْ يَأْذَنَ لهم فيه بِحَالٍ وَإِنْ أَقْطَعَهُ رَجُلًا مُسْلِمًا فَغَمَرَهُ ثُمَّ بَاعَهُمُوهُ لم يُنْقَضْ الْبَيْعُ وَتَرَكَهُمْ وإحياءه ( ( ( حياءه ) ) ) لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهُ بِأَمْوَالِهِمْ وَلَيْسَ له أَنْ يَمْنَعَهُمْ الصَّيْدَ في بَرٍّ وَلَا بَحْرٍ لِأَنَّ الصَّيْدَ ليس بِإِحْيَاءِ موات ( ( ( أموات ) ) ) وَكَذَلِكَ لَا يَمْنَعُهُمْ الْحَطْبَ وَلَا الرعى في بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ لَا يُمْلَكُ
____________________

(4/207)


- * تَفْرِيعُ ما يُمْنَعُ من أَهْلِ الذِّمَّةِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا كان عَلَيْنَا أَنْ نَمْنَعَ أَهْلَ الذِّمَّةِ إذَا كَانُوا مَعَنَا في الدَّارِ وَأَمْوَالُهُمْ التي يَحِلُّ لهم أَنْ يتمولوها مِمَّا نَمْنَعُ منه أَنْفُسَنَا وَأَمْوَالَنَا من عَدُوِّهِمْ إنْ أَرَادَهُمْ أو ظُلْمِ ظَالِمٍ لهم وَأَنْ نَسْتَنْقِذَهُمْ من عَدُوِّهِمْ لو أَصَابَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ التي تَحِلُّ لهم لو قَدَرْنَا اسنتقذناهم ( ( ( فإذا ) ) ) وما حَلَّ لهم مِلْكُهُ ولم نَأْخُذْ لهم خَمْرًا وَلَا خِنْزِيرًا فَإِنْ قال قَائِلٌ كَيْفَ تَسْتَنْقِذُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ التي يَحِلُّ لهم مِلْكُهَا وَلَا تَسْتَنْقِذُ لهم الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ وَأَنْتَ تُقِرُّهُمْ على مِلْكِهَا قُلْت إنَّمَا مَنَعْتهمْ بِتَحْرِيمِ دِمَائِهِمْ فإن اللَّهَ عز وجل جَعَلَ في دِمَائِهِمْ دِيَةً وَكَفَّارَةً وَأَمَّا مَنْعِي ما يَحِلُّ من أَمْوَالِهِمْ فَبِذِمَّتِهِمْ وَأَمَّا ما أَقْرَرْتُهُمْ عليه فَمُبَاحٌ لي بِأَنَّ اللَّهَ عز وجل أَذِنَ بِقِتَالِهِمْ حتى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ فَكَانَ في ذلك دَلِيلٌ على تَحْرِيمِ دِمَائِهِمْ بَعْدَ ما أَعْطَوْهَا وَهُمْ صَاغِرُونَ ولم يَكُنْ في إقْرَارِي لهم عليها مَعُونَةٌ عليها أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو امْتَنَعَ عليهم عَبْدٌ أو وَلَدٌ من الشِّرْكِ فَأَرَادُوا إكْرَاهَهُمْ لم أَقِرَّهُمْ على إكْرَاهِهِ بَلْ مَنَعْتُهُمْ منه وَكَمَا لم أَكُنْ بِإِقْرَارِهِمْ على الشِّرْكِ مُعِينًا لهم بِإِقْرَارِهِمْ عليه وَلَا بمنعهم ( ( ( يمنعهم ) ) ) من الْعَدُوِّ مُعِينًا عليه فَكَذَلِكَ لم يَكُنْ إقْرَارُهُمْ على الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ عَوْنًا لهم عليه وَلَا أَكُونُ عَوْنًا لهم على أَخْذِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَإِنْ أَقْرَرْتُهُمْ على مِلْكِهِ فَإِنْ قال فَلِمَ لم تَحْكُمْ لهم بِقِيمَتِهِ على من اسْتَهْلَكَهُ قُلْت أَمَرَنِي اللَّهُ عز وجل أَنْ أَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ولم يَكُنْ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَلَا ما دَلَّ عليه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمُنَزَّلُ عليه الْمُبَيَّنُ عن اللَّهِ عز وجل وَلَا فِيمَا بين الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَكُونَ لِلْمُحَرَّمِ ثَمَنٌ فَمَنْ حَكَمَ لهم بِثَمَنٍ مُحَرَّمٍ حَكَمَ بِخِلَافِ حُكْمِ الْإِسْلَامِ ولم يَأْذَنْ اللَّهُ تَعَالَى لِأَحَدٍ أَنْ يَحْكُمَ بِخِلَافِ حُكْمِ الْإِسْلَامِ وأنا مسؤول ( ( ( مسئول ) ) ) عَمَّا حَكَمْت بِهِ وَلَسْت مَسْئُولًا عَمَّا عَمِلُوا مِمَّا حُرِّمَ عليهم مِمَّا لم أُكَلِّفْ مَنْعَهُ منهم وَمَنْ سَرَقَ لهم من بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ أو أَهْلُ الذِّمَّةِ ما يَجِبُ فيه الْقَطْعُ قَطَعْته وإذا سَرَقُوا فَجَاءَنِي الْمَسْرُوقُ قَطَعْتهمْ وَكَذَلِكَ أَحَدُهُمْ إنْ قَذَفُوا وأعزر ( ( ( وحدانا ) ) ) لهم من قَذَفَهُمْ وَأُؤَدِّبُ لهم من ظَلَمَهُمْ من الْمُسْلِمِينَ وَآخُذُ لهم منه جَمِيعَ ما يَجِبُ لهم مِمَّا يَحِلُّ أَخْذُهُ وَأَنْهَاهُ عن الْعَرْضِ له وإذا عَرَضَ لهم بِمَا يُوجِبُ عليه في مَالِهِ أو بَدَنِهِ شيئا أَخَذْته منه وإذا عَرَضَ لهم بِأَذًى لَا يُوجِبُ ذلك عليه زَجَرْته عنه فَإِنْ عَادَ حَبَسْته أو عَاقَبْته عليه وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يُهْرِيقَ خَمْرَهُمْ أو يَقْتُلَ خَنَازِيرَهُمْ وما أَشْبَهُ هذا فَإِنْ قال قَائِلٌ فَكَيْفَ لَا تُجِيزُ شَهَادَةَ بَعْضِهِمْ على بَعْضٍ وفي ذلك إبْطَالُ الْحُكْمِ عَنْهُمْ قِيلَ قال اللَّهُ عز وجل { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ من رِجَالِكُمْ } وقال { مِمَّنْ تَرْضَوْنَ من الشُّهَدَاءِ } فلم يَكُونُوا من رِجَالِنَا وَلَا مِمَّنْ نَرْضَى من الشُّهَدَاءِ فلما وَصَفَ الشُّهُودَ مِنَّا دَلَّ على أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يقضي بِشَهَادَةِ شُهُودٍ من غَيْرِنَا لم يَجُزْ أَنْ نَقْبَلَ شَهَادَةَ غَيْرِ مُسْلِمٍ وَأَمَّا إبْطَالُ حُقُوقِهِمْ فلم نُبْطِلْهَا إلَّا إذَا لم يَأْتِنَا ما يَجُوزُ فيه وَكَذَلِكَ يَصْنَعُ بِأَهْلِ الْبَادِيَةِ وَالشَّجَرِ وَالْبَحْرِ وَالصِّنَاعَاتِ لَا يَكُونُ منهم من يُعْرَفُ عَدْلُهُ وَهُمْ مُسْلِمُونَ فَلَا تجوز ( ( ( يجوز ) ) ) شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ على بَعْضٍ وقد تَجْرِي بَيْنَهُمْ الْمَظَالِمُ وَالتَّدَاعِي وَالتِّبَاعَاتُ كما تَجْرِي بين أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَسْنَا آثِمِينَ فِيمَا جَنَى جَانِيهِمْ وَمَنْ أَجَازَ شَهَادَةَ من لم يُؤْمَرْ بِإِجَازَةِ شَهَادَتِهِ أَثِمَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ عَمَلٌ نهى عن عَمَلِهِ فَإِنْ قال فإن اللَّهَ عز وجل يقول { شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إذَا حَضَرَ أحدكم الْمَوْتُ } قَرَأَ الرَّبِيعُ إلَى { فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ } فما مَعْنَاهُ قِيلَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا أبو سَعِيدٍ مُعَاذُ بن مُوسَى الْجَعْفَرِيُّ عن بُكَيْرِ بن مَعْرُوفٍ عن مُقَاتِلِ بن حِبَّانَ قال بُكَيْر قال مُقَاتِلٌ أَخَذْت هذا التَّفْسِيرَ عن مُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ وَالضَّحَّاكِ في قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ } الْآيَةَ أَنَّ رَجُلَيْنِ نَصْرَانِيَّيْنِ من أَهْلِ دَارَيْنِ أَحَدُهُمَا تَمِيمِيٌّ وَالْآخَرُ يَمَانِيٌّ صَحِبَهُمَا مَوْلًى لِقُرَيْشٍ في تِجَارَةٍ فَرَكِبُوا الْبَحْرَ وَمَعَ الْقُرَشِيِّ مَالٌ مَعْلُومٌ قد عَلِمَهُ أَوْلِيَاؤُهُ من بَيْنِ آنِيَةٍ ( 1 ) وَبَزِّ وَرِقَةٍ فَمَرِضَ الْقُرَشِيُّ فَجَعَلَ وَصِيَّتَهُ إلَى الدَّارِيَيْنِ
____________________

(4/208)


فَمَاتَ وَقَبَضَ الدَّارِيَانِ الْمَالَ وَالْوَصِيَّةَ فَدَفَعَاهُ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ وَجَاءَ بِبَعْضِ مَالِهِ وَأَنْكَرَ الْقَوْمُ قِلَّةَ الْمَالِ فَقَالُوا لِلدَّارِيَيْنِ إنَّ صَاحِبَنَا قد خَرَجَ وَمَعَهُ مَالٌ أَكْثَرُ مِمَّا أَتَيْتُمَانَا بِهِ فَهَلْ بَاعَ شيئا أو اشْتَرَى شيئا فَوَضَعَ فيه أو هل طَالَ مَرَضُهُ فَأَنْفَقَ على نَفْسِهِ قَالَا لَا قالوا فَإِنَّكُمَا خُنْتُمَانَا فَقَبَضُوا الْمَالَ وَرَفَعُوا أَمْرَهُمَا إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ } إلَى آخِرِ الْآيَةِ فلما نَزَلَتْ أَنْ يُحْبَسَا من بَعْدِ الصَّلَاةِ أَمَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَقَامَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَحَلَفَا بِاَللَّهِ رَبِّ السماوات ما تَرَكَ مَوْلَاكُمْ من الْمَالِ إلَّا ما أَتَيْنَاكُمْ بِهِ وَأَنَّا لَا نَشْتَرِي بأيماننا ثَمَنًا قَلِيلًا من الدُّنْيَا وَلَوْ كان ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إنَّا إذًا لَمِنْ الْآثِمِينَ فلما حَلَفَا خَلَّى سَبِيلَهُمَا ثُمَّ إنَّهُمْ وَجَدُوا بَعْدَ ذلك إنَاءً من آنِيَةِ الْمَيِّتِ فَأَخَذُوا الدَّارِيَيْنِ فَقَالَا اشْتَرَيْنَاهُ منه في حَيَاتِهِ وَكَذَّبَا فَكُلِّفَا الْبَيِّنَةَ فلم يَقْدِرَا عليها فَرَفَعُوا ذلك إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل { فَإِنْ عُثِرَ } يقول فَإِنْ اطَّلَعَ ( على أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إثْمًا ) يَعْنِي الدَّارِيَيْنِ أَيْ كَتَمَا حَقًّا فَآخَرَانِ من أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا من الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عليهم الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ فَيَحْلِفَانِ بِاَللَّهِ إنَّ مَالَ صَاحِبِنَا كان كَذَا وَكَذَا وَإِنَّ الذي نَطْلُبُ قبل الدَّارِيَيْنِ لَحَقٌّ وما اعْتَدَيْنَا إنَّا إذَا لَمِنْ الظَّالِمِينَ هذا قَوْلُ الشَّاهِدَيْنِ أَوْلِيَاءَ الْمَيِّتِ ذلك أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ على وَجْهِهَا يَعْنِي الدَّارِيَيْنِ وَالنَّاسَ أَنْ يَعُودُوا لِمِثْلِ ذلك ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَعْنِي من كان في مِثْلِ حَالِ الدَّارِيَيْنِ من الناس وَلَا أَعْلَمُ الْآيَةَ تَحْتَمِلُ مَعْنًى غير حَمْلِهِ على ما قال وَإِنْ كان لم يُوَضَّحْ بَعْضُهُ لِأَنَّ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ كَشَاهِدَيْ الْوَصِيَّةِ كَانَا أَمِينَيْ الْمَيِّتِ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ إذَا كان شَاهِدَانِ مِنْكُمْ أو من غَيْرِكُمْ أَمِينِينَ على ما شَهِدَا عليه فَطَلَبَ وَرَثَةُ الْمَيِّتِ أَيْمَانَهُمَا أُحْلِفَا بِأَنَّهُمَا أَمِينَانِ لَا في معنى الشُّهُودِ فَإِنْ قال فَكَيْفَ تُسَمَّى في هذا الْوَضْعِ شَهَادَةً قِيلَ كما سُمِّيَتْ أَيْمَانُ الْمُتَلَاعِنَيْنِ شَهَادَةً وَإِنَّمَا مَعْنَى شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ أَيْمَانُ بَيْنِكُمْ إذَا كان هذا الْمَعْنَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَكَيْفَ لم تَحْتَمِلْ الشَّهَادَةَ قِيلَ وَلَا نَعْلَمُ الْمُسْلِمِينَ اخْتَلَفُوا في أَنَّهُ ليس على شَاهِدٍ يَمِينٌ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ أو رُدَّتْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إجماعهم ( ( ( إجماعهما ) ) ) خِلَافًا لِكِتَابِ اللَّهِ عز وجل وَيُشْبِهُ قَوْلَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { فَإِنْ عُثِرَ على أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إثْمًا } يُوجَدُ من مَالِ الْمَيِّتِ في أَيْدِيهِمَا ولم يَذْكُرَا قبل وُجُودِهِ أَنَّهُ في أَيْدِيهِمَا فلما وُجِدَ ادَّعَيَا ابْتِيَاعَهُ فَأُحْلِفَ أَوْلِيَاءُ الْمَيِّتِ على مَالِ الْمَيِّتِ فَصَارَ مَالًا من مَالِ الْمَيِّتِ بِإِقْرَارِهِمَا وَادَّعَيَا لِأَنْفُسِهِمَا شِرَاءَهُ فلم تُقْبَلْ دَعْوَاهُمَا بِلَا بَيِّنَةٍ فَأُحْلِفَ وَارِثَاهُ على ما ادَّعَيَا وَإِنْ كان أبو سَعِيدٍ لم يُبَيِّنْهُ في حَدِيثِهِ هذا التَّبْيِينَ فَقَدْ جاء بِمَعْنَاهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَيْسَ في هذا رَدُّ الْيَمِينِ إنَّمَا كانت يَمِينُ الدَّارِيَيْنِ على إدعاء الْوَرَثَةِ من الْخِيَانَةِ وَيَمِينُ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ على ما ادَّعَى الدَّارِيَانِ مِمَّا وُجِدَ في أَيْدِيهِمَا وَأَقَرَّا أَنَّهُ لِلْمَيِّتِ وَأَنَّهُ صَارَ لَهُمَا من قِبَلِهِ وَإِنَّمَا أَجَزْنَا رَدَّ الْيَمِينِ من غَيْرِ هذه الْآيَةِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فإن اللَّهَ عز وجل يقول { أو يَخَافُوا أَنْ تُرَدُّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ } فَذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّ الْأَيْمَانَ كانت عليهم بِدَعْوَى الْوَرَثَةِ أَنَّهُمْ اخْتَانُوا ثُمَّ صَارَ الْوَرَثَةُ حَالِفِينَ بِإِقْرَارِهِمْ أَنَّ هذا كان لِلْمَيِّتِ وَادِّعَائِهِمْ شِرَاءَهُ منه فَجَازَ أَنْ يُقَالَ أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ تُثْنَى عليهم الْأَيْمَانُ بِمَا يَجِبُ عليهم إنْ صَارَتْ لهم الْأَيْمَانُ كما يَجِبُ على من حَلَفَ لهم وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ { يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا } يَحْلِفَانِ كما أَحَلَفَا وإذا كان هذا كما وَصَفْت فَلَيْسَتْ هذه الْآيَةُ بِنَاسِخَةٍ وَلَا مَنْسُوخَةٍ لِأَمْرِ اللَّهِ عز وجل بِإِشْهَادِ ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَمَنْ نَرْضَى من الشُّهَدَاءِ==

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حدود المجاز في بلاغة العرب وانعكاس التمادي في تجاوزه علي اخطاء الفقهاء وسوء سلوكيات الناس

  ➎ ضحي الإيمان الجمعة، 4 يونيو 2021 قواعد مهمة في المجاز والحقيقة وبيان كيف زوروا معاني الحق الثابت حتي قي فاتل نفسه قلت المدون ...