دعائي

قلت المدون تم بحمد الله وفضله ثم قلت: اللهم فكما ألهمت بإنشائه وأعنت على إنهائه فاجعله نافعاً في الدنيا وذخيرة صالحة في الأخرى واختم بالسعادة آجالنا وحقق بالزيادة آمالنا واقرن بالعافية غدونا وآصالنا واجعل إلى حصنك مصيرنا ومآلنا وتقبل بفضلك أعمالنا إنك مجيب الدعوات ومفيض الخيرات والحمد الله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم إلى يوم الدين اللهم لنا جميعا يا رب العالمين .وسبحان الله وبحمده  عدد خلقه وزنة عرشه  ورضا نفسه ومداد كلماته  } أقولها ما حييت وبعد موتي  والي يوم الحساب وارحم  واغفر اللهم لوالديَّ ومن مات من اخوتي واهلي والمؤمنين منذ خَلَقْتَ الخلق الي يوم الحساب آمين وفرِّجِ كربي وردَّ اليَّ عافيتي وارضي عني في الدارين  واعِنِّي علي أن اُنْفِقها في سبيلك يا ربي اللهم فرِّج كربي واكفني همي واكشف البأساء والضراء عني وعنا.. وردَّ إليَّ عافيتي وثبتني علي دينك الحق ولا تُزِغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب اللهم وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وتوفنا مع الأبرار وألِّفْ بين قلوبنا اجمعين.يا عزيز يا غفار ... اللهم واشفني شفاءاً لا يُغَادر سقما واعفو عني وعافني وارحمني وفرج كربي واكفني همي واعتقني مما أصابني من مكروه أنت تعلمه واعتقني من النار وقني عذاب القبر وعذاب جهنم وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال ومن المأثم والمغرم ومن غلبة الدين وقهر الرجال اللهم آمين /اللهم ربي اشرح لي صدري ويسر لي أمري وأحلل عُقَد لساني واغنني بك عمن سواك يارب . والحمد الله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم إلى يوم الدين آمين.

الجمعة، 19 أغسطس 2022

مجلد5.و6.الأم للشافعي

  مجلد5.و6.الأم للشافعي

 

5. الأم
محمد بن إدريس الشافعي أبو عبد الله
سنة الولادة 150/ سنة الوفاة
204

- * ذَكَاةُ الْجَرَادِ وَالْحِيتَانِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا عَرَفْت في الشَّاةِ الْحَيَاةَ تَتَحَرَّكُ بَعْدَ الذَّكَاةِ أو قَبْلَهَا أُكِلَتْ وَلَيْسَ يَتَحَرَّكُ بَعْدَ الذَّكَاةِ ما مَاتَ قَبْلَهَا إنَّمَا يَتَحَرَّكُ بَعْدَهَا ما كان فيه الرُّوحُ قَبْلَهَا ( قال ) وَكُلُّ ما عُرِفَتْ فيه الْحَيَاةُ ثُمَّ ذُبِحَتْ بَعْدَهُ أُكِلَتْ - * ذكاة ( ( ( زكاة ) ) ) ما في بَطْنِ الذَّبِيحَةِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) في ذَبْحِ الْجَنِينِ إنَّمَا ذَبِيحَتُهُ تَنْظِيفٌ وَإِنْ لم يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ عليه وقد نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن الْمَصْبُورَةِ الشَّاةُ تُرْبَطُ ثُمَّ تُرْمَى بِالنَّبْلِ - * ذَبَائِحُ من اشْتَرَكَ في نَسَبِهِ من أَهْلِ الْمِلَلِ وَغَيْرِهِمْ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) في الْغُلَامِ أَحَدُ أَبَوَيْهِ نَصْرَانِيٌّ وَالْآخَرُ مَجُوسِيٌّ يَذْبَحُ أو يَصِيدُ لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ وَلَا صَيْدُهُ لِأَنَّهُ من أَبَوَيْهِ وَلَيْسَ هذا كَالْمُسْلِمِ يَكُونُ ابْنُهُ الصَّغِيرُ على دِينِهِ وَلَا كَالْمُسْلِمَةِ يَكُونُ ابْنُهَا على دِينِهَا من قِبَلِ أَنَّ حَظَّ الْإِسْلَامِ إذَا شَرِكَ حَظَّ الْكُفْرِ فِيمَنْ لم يَدْنُ كان حَظُّ الْإِسْلَامِ أَوْلَى بِهِ وَلَيْسَ حَظُّ النَّصْرَانِيَّةِ بِأَوْلَى من حَظِّ الْمَجُوسِيَّةِ وَلَا حَظُّ الْمَجُوسِيَّةِ بِأَوْلَى من حَظِّ النَّصْرَانِيَّةِ كِلَاهُمَا كُفْرٌ بِاَللَّهِ وَلَوْ ارْتَدَّ نَصْرَانِيٌّ إلَى مَجُوسِيَّةٍ أو مَجُوسِيٌّ إلَى نَصْرَانِيَّةٍ لم نَسْتَتِبْهُ ولم نَقْتُلْهُ لِأَنَّهُ خَرَجَ من كُفْرٍ إلَى كُفْرٍ وَمَنْ خَرَجَ من دِينِ الْإِسْلَامِ إلَى غَيْرِهِ قَتَلْنَاهُ إنْ لم يَتُبْ فإذا بَلَغَ هذا الْمَوْلُودُ فَدَانَ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ فَهُوَ منهم أُكِلَتْ ذَبِيحَتُهُ فَإِنْ ذَهَبَ رَجُلٌ يَقِيسُ الْإِسْلَامَ بِالْكُفْرِ أُلْحِقَ الْوَلَدُ بِالنَّصْرَانِيَّةِ فَزَعَمَ أَنَّ النَّصْرَانِيَّةَ تَعْمَلُ ما يَعْمَلُ الْإِسْلَامُ دخل عليه أَنْ يُفَرَّقَ بين من يَرْتَدُّ من نَصْرَانِيَّةٍ إلَى مَجُوسِيَّةٍ وَدَخَلَ لِغَيْرِهِ عليه أَنْ يَقُولَ وَلَدُ الْأَمَةِ من الْحُرِّ عَبْدٌ حُكْمُهُ حُكْمُ أُمِّهِ وَوَلَدُ الْحُرَّةِ من الْعَبْدِ حُرٌّ حُكْمُهُ حُكْمُ أُمِّهِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) إن ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ التي يَحِلُّ أَكْلُهَا صِنْفَانِ صِنْفٌ لَا يَحِلُّ إلَّا بِأَنْ يُذَكِّيَهُ من تَحِلُّ ذَكَاتُهُ وَالصَّيْدُ وَالرَّمْيُ ذَكَاةٌ ما لَا يَقْدِرُ عليه وَصِنْفٌ يَحِلُّ بِلَا ذَكَاةٍ مَيِّتُهُ وَمَقْتُولُهُ إنْ شَاءَ وَبِغَيْرِ الذَّكَاةِ وهو الْحُوتُ وَالْجَرَادُ وإذا كان كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَحِلُّ بِلَا ذَكَاةٍ حَلَّ مَيِّتًا فَأَيُّ حَالٍ وَجَدْتُهُمَا مَيِّتًا أُكِلَ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَالْحُوتُ كان أَوْلَى أَنْ لَا يَحِلَّ مَيِّتًا لِأَنَّ ذَكَاتَهُ أَمْكَنُ من ذَكَاةِ الْجَرَادِ فَهُوَ يَحِلُّ مَيِّتًا وَالْجَرَادَةُ تَحِلُّ مَيِّتَةً وَلَا يَجُوزُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَارِقٌ فَلْيُدَلِّلْ من سَنَّ له ذَكَاةَ الْجَرَادِ أو أَحَلَّ له بَعْضَهُ مَيِّتًا وَحَرَّمَ عليه بَعْضَهُ مَيِّتًا ما رَأَيْت الْمَيِّتَ يَحِلُّ من شَيْءٍ إلَّا الْجَرَادُ وَالْحُوتُ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا عبد الرحمن بن زَيْدِ بن أَسْلَمَ عن أبيه عن بن عُمَرَ قال قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أُحِلَّتْ لنا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ أَمَّا الْمَيْتَتَانِ الْحُوتُ وَالْجَرَادُ وَالدَّمَانِ أَحْسِبُهُ قال الْكَبِدُ وَالطِّحَالُ
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا حَاتِمُ بن إسْمَاعِيلَ والدراوردي أو أَحَدُهُمَا عن جَعْفَرٍ عن أبيه رضي اللَّهُ عنهما قال النُّونُ وَالْجَرَادُ ذَكِيٌّ - * ما يُكْرَهُ من الذَّبِيحَةِ - *

(2/233)


فَجُعِلَ حُكْمُ الْوَلَدِ الْمُسْلِمِ حُكْمَ الْأُمِّ دُونَ الْأَبِ فَإِنْ قال قَائِلٌ الْمُرْتَدُّ عن الْإِسْلَامِ يُقْتَلُ وَالْإِسْلَامُ غَيْرُ الشِّرْكِ وَلَا يُؤْكَلُ صَيْدٌ لم يَصِدْهُ مُسْلِمٌ وَلَا كِتَابِيٌّ يُقَرُّ على دِينِهِ وَلَا أَعْلَمُ من الناس أَحَدًا مَجُوسِيًّا وَلَا وَثَنِيًّا أَشَرَّ ذَبِيحَةٍ منه من قِبَلِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَأْخُذَ الْجِزْيَةَ من الْمَجُوسِيِّ وَيُقِرَّهُ على دِينِهِ وَيَجُوزَ له بَعْدَ الْقُدْرَةِ على الْحَرْبِيِّ أَنْ يَدَعَهُ بِلَا قَتْلٍ وَلَا يَجُوزُ له هذا في الْمُرْتَدِّ فَيَحِلَّ دَمُهُ بِمَا يَحِلُّ بِهِ دَمُ الْمُحَارِبِ وَلَا يَحِلُّ فيه تَرْكُهُ كما يَحِلُّ في الْمُحَارِبِ لِعِظَمِ ذَنْبِهِ بِخُرُوجِهِ من دِينِ اللَّهِ الذي ارْتَضَى - * الذَّكَاةُ وما أُبِيحَ أَكْلُهُ وما لم يُبَحْ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا وُجِدَ الْحُوتُ في بَطْنِ حُوتٍ أو طَائِرٍ أو سَبُعٍ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْحُوتِ وَلَوْ وُجِدَ في مَيِّتٍ لم يَحْرُمْ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ مَيِّتًا وَلَوْ كُنْت أُحَرِّمُهُ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ ما في بَطْنِهَا لم يَحِلَّ ما كان منه في بَطْنِ سَبُعٍ لِأَنَّ السَّبُعَ لَا يُؤْكَلُ وَلَا في بَطْنِ طَائِرٍ إلَّا إنْ أَدْرَكَ ذَكَاتَهُ ثُمَّ ما كان لي أَنْ أَجْعَلَ ذَكَاتَهُ بِذَكَاةِ الطَّائِرِ لِأَنَّهُ ليس بِمَخْلُوقٍ من الطَّائِرِ إنَّمَا تَكُونُ ذَكَاةُ الْجَنِينِ في الْبَطْنِ ذَكَاةَ أُمِّهِ لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ منها وَحُكْمُهُ حُكْمُهَا ما لم يُزَايِلْهَا في الْآدَمِيِّينَ وَالدَّوَابِّ فَأَمَّا ما ازْدَرَدَهُ طَائِرٌ فَلَوْ ازْدَرَدَ عُصْفُورًا ما كان حَلَالًا بِأَنْ يذكى الْمُزْدَرَدَ وكان على من وَجَدَهُ أَنْ يَطْرَحَهُ فَكَذَلِكَ ما أَصَبْنَا في بَطْنِ طَائِرٍ سِوَى الْجَرَادِ وَالْحُوتِ فَلَا يُؤْكَلُ لَحْمًا كان أو طَائِرًا لِأَنَّهُ شَيْءٌ من غَيْرِهِ فَإِنَّمَا تَقَعُ ذَكَاتُهُ على ما هو منه لَا على ما هو من غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ الْحُوتُ لو ازْدَرَدَ شَاةً أَكَلْنَا الْحُوتَ وَأَلْقَيْنَا الشَّاةَ لِأَنَّ الشَّاةَ غَيْرُ الْحُوتِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) الذَّكَاةُ وَجْهَانِ وَجْهٌ فِيمَا قُدِرَ عليه الذَّبْحُ وَالنَّحْرُ وَفِيمَا لم يُقْدَرْ عليه ما نَالَهُ الْإِنْسَانُ بِسِلَاحٍ بيده أو رَمْيِهِ بيده فَهِيَ عَمَلُ يَدِهِ أو ما أَحَلَّ اللَّهُ عز وجل من الْجَوَارِحِ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ الْمُعَلَّمَاتِ التي تَأْخُذُ بِفِعْلِ الْإِنْسَانِ كما يُصِيبُ السَّهْمُ بِفِعْلِهِ فَأَمَّا الْمُحْفِرَةُ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ وَاحِدًا من ذَا كان فيها سِلَاحٌ يَقْتُلُ أو لم يَكُنْ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا نَصَبَ سَيْفًا أو رُمْحًا ثُمَّ اضْطَرَّ صَيْدًا إلَيْهِ فَأَصَابَهُ فَذَكَّاهُ لم يَحِلَّ أَكْلُهُ لِأَنَّهَا ذَكَاةٌ بِغَيْرِ قَتْلِ أَحَدٍ وَكَذَلِكَ لو مَرَّتْ شَاةٌ أو صَيْدٌ فَاحْتَكَّتْ بِسَيْفٍ فَأَتَى على مَذْبَحِهَا لم يَحِلَّ أَكْلُهَا لِأَنَّهَا قَاتِلَةٌ نَفْسَهَا لَا قَاتِلُهَا غَيْرُهَا مِمَّنْ له الذَّبْحُ وَالصَّيْدُ وإذا صَادَ رَجُلٌ حِيتَانًا وَجَرَادًا فَأَحَبُّ إلى لو سَمَّى اللَّهَ تَعَالَى وَلَوْ تَرَكَ ذلك لم نُحَرِّمْهُ إذَا أَحْلَلْته مَيِّتًا فَالتَّسْمِيَةُ إنَّمَا هِيَ من سُنَّةِ الذَّكَاةِ فإذا سَقَطَتْ الذَّكَاةُ حَلَّتْ بِتَرْكِ التَّسْمِيَةِ وَالذَّكَاةُ ذَكَاتَانِ فَأَمَّا ما قُدِرَ على قَتْلِهِ من أنسى أو وَحْشِيٍّ فَلَا ذَكَاةَ إلَّا في اللَّبَّةِ وَالْحَلْقِ وَأَمَّا ما هَرَبَ منه من أنسى أو وَحْشِيٍّ فما نَالَهُ بِهِ من السِّلَاحِ فَهُوَ ذَكَاتُهُ إذَا قَتَلَهُ وَمِثْلُهُ الْبَعِيرُ وَغَيْرُهُ يَتَرَدَّى في الْبِئْرِ فَلَا يُقْدَرُ على مَذْبَحِهِ وَلَا مَنْحَرِهِ فَيُضْرَبُ بِالسِّكِّينِ على أَيِّ آرَابِهِ قُدِرَ عليه ويسمى وَتَكُونُ تِلْكَ ذَكَاةً له ( قال ) وَلَوْ حَدَّدَ الْمِعْرَاضَ حتى يَمُورَ مَوَرَانَ السِّلَاحِ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ - * الصَّيْدُ في الصَّيْدِ - *

(2/234)


- * إرْسَالُ الرَّجُلِ الْجَارِحَ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا رَمَى الصَّيْدَ فَأَثْبَتَهُ إثْبَاتًا لَا يَقْدِرُ معه على أَنْ يَمْتَنِعَ من أَنْ يُؤْخَذَ أو كان مَرِيضًا أو مَكْسُورًا أو صَغِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ الِامْتِنَاعَ من أَنْ يُؤْخَذَ فَرَمَى فَقَتَلَ لم يَحِلَّ أَكْلُهُ وَلَا يَحِلُّ هذا إلَّا بِالذَّكَاةِ وَالذَّكَاةُ وَجْهَانِ ما كان من وحشى أو أنسى فما قُدِرَ عليه بِغَيْرِ الرَّمْيِ وَالسِّلَاحِ لم يَحِلَّ إلَّا بِذَكَاةٍ وما لم يُقْدَرْ عليه إلَّا بِرَمْيٍ أو بِسِلَاحٍ فَهُوَ ذَكَاةٌ له - * بَابٌ في الذَّكَاةِ وَالرَّمْيِ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عُمَرَ بن سَعِيدِ بن مَسْرُوقٍ عن أبيه عن عَبَايَةَ بن رِفَاعَةَ عن جَدِّهِ رَافِعِ بن خَدِيجٍ قال قُلْنَا يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا لَاقُو الْعَدُوِّ غَدًا وَلَيْسَ مَعَنَا مُدًى أَنُذَكِّي بِاللِّيطِ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ما أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ عليه اسْمُ اللَّهِ فَكُلُوهُ إلَّا ما كان من سِنٍّ أو ظُفُرٍ فإن السِّنَّ عَظْمٌ من الْإِنْسَانِ وَالظُّفُرَ مُدَى الْحَبَشِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ كان رَجُلٌ رَمَى صَيْدًا فَكَسَرَهُ أو قَطَعَ جَنَاحَهُ أو بَلَغَ بِهِ الْحَالُ التي لَا يَقْدِرُ الصَّيْدُ أَنْ يَمْتَنِعَ فيها من أَنْ يَكُونَ مَأْخُوذًا فَرَمَاهُ أَحَدٌ فَقَتَلَهُ كان حَرَامًا وكان على الرَّامِي قِيمَتُهُ بِالْحَالِ التي رَمَاهُ بها مَكْسُورًا أو مَقْطُوعًا لِأَنَّهُ مُسْتَهْلِكٌ لِصَيْدٍ قد صَارَ لِغَيْرِهِ وَلَوْ رَمَاهُ فَأَصَابَهُ ثُمَّ أَدْرَكَ ذَكَاتَهُ فَذَكَّى كان لِلرَّامِي الْأَوَّلِ وكان على الرَّامِي الثَّانِي ما نَقَصَتْهُ الرَّمْيَةُ في الْحَالِ التي أَصَابَهُ فيها وَلَوْ رَمَاهُ الْأَوَّلُ فَأَصَابَهُ وكان مُمْتَنِعًا بِطَيَرَانٍ إنْ كان طَائِرًا أو بُعْدٍ وَإِنْ كان دَابَّةً ثُمَّ رَمَاهُ الثَّانِي فَأَثْبَتَهُ حتى لَا يَسْتَطِيعَ أَنْ يَمْتَنِعَ كان لِلثَّانِي وَلَوْ رَمَاهُ الْأَوَّلُ في هذه الْحَالِ فَقَتَلَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِلثَّانِي لِأَنَّهُ قد صَارَ له دُونَهُ وَلَوْ رَمَيَاهُ مَعًا فَمَضَى مُمْتَنِعًا ثُمَّ رَمَاهُ ثَالِثٌ فَصَيَّرَهُ غير مُمْتَنِعٍ كان لِلثَّالِثِ دُونَ الْأَوَّلَيْنِ وَلَوْ رَمَاهُ الْأَوَّلَانِ بَعْدَ رَمْيَةِ الثَّالِثِ فَقَتَلَاهُ ضَمِنَاهُ وَلَوْ رَمَيَاهُ مَعًا أو أَحَدُهُمَا قبل الْآخَرِ فَأَخْطَأَتْهُ إحْدَى الرَّمْيَتَيْنِ وَأَصَابَتْهُ الْأُخْرَى كان الذي أَصَابَتْهُ رَمْيَتُهُ ضَامِنًا وَلَوْ أَصَابَتَاهُ مَعًا أو إحْدَاهُمَا قبل الْأُخْرَى كانت الرَّمْيَتَانِ مُسْتَوِيَتَيْنِ أو مُخْتَلِفَتَيْنِ إلَّا أَنَّهُمَا قد جَرَحَتَاهُ فَأَنْفَذَتْ إحْدَاهُمَا مَقَاتِلَهُ ولم تُنْفِذْهُ الْأُخْرَى كَانَا جميعا قَاتِلَيْنِ له وكان الصَّيْدُ بَيْنَهُمَا كما يَجْرَحُ الرَّجُلَانِ الرَّجُلَ أَحَدُهُمَا الْجُرْحَ الْخَفِيفَ وَالْآخَرُ الْجُرْحَ الثَّقِيلَ أو عَدَدَ الْجِرَاحِ الْكَثِيرَةِ فَيَكُونَانِ جميعا قَاتِلَيْنِ فَإِنْ كانت إحْدَى الرَّمْيَتَيْنِ أَتَتْ منه على ما لَا يَعِيشُ منه طَرْفَةَ عَيْنٍ مِثْلَ أَنْ تَقْطَعَ حُلْقُومَهُ أو مَرِيئَهُ أو رَأْسَهُ أو تَقْطَعَهُ بِاثْنَيْنِ فَإِنْ كانت هِيَ التي وَقَعَتْ أَوَّلًا ثُمَّ وَقَعَتْ الرَّمْيَةُ الآخرى آخِرًا فَإِنَّمَا رَمَى الْآخَرُ مَيِّتًا فَلَا ضَمَانَ عليه إلَّا أَنْ يَكُونَ أَفْسَدَ بِالرَّمْيَةِ جِلْدًا أو لَحْمًا فَيَضْمَنُ قَدْرَ ما أَفْسَدَ من الْجِلْدِ أو اللَّحْمِ وَيَكُونُ الصَّيْدُ لِلرَّامِي الذي ذَكَّاهُ وَلَوْ كانت الرَّمْيَةُ التي لم تَبْلُغْ ذَكَاتَهُ أَوَّلًا وَالرَّمْيَةُ التي بَلَغَتْ ذَكَاتَهُ آخِرًا كان لِلرَّامِي الْآخَرِ لِأَنَّهُ الذي ذَكَّاهُ ولم يَكُنْ على الرَّامِي الْأَوَّلِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لم يَجْنِ عليه بعد ما صَارَ له وَلَا على الذي ذَكَّاهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَمَى صَيْدًا مُمْتَنِعًا له رَمْيُهُ وَلَوْ كان رَمَاهُ فَبَلَغَ أَنْ لَا يَمْتَنِعَ مِثْلُهُ وَتَحَامَلَ فَدَخَلَ دَارَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا أَرْسَلَ الرَّجُلُ الْجَارِحَ طَائِرًا كان أو دَابَّةً على الصَّيْدِ فَمَضَى ثُمَّ صَرَعَهُ فَرَأَى الصَّيْدَ أو لم يَرَهُ فَإِنْ كان إنَّمَا رَجَعَ عن سُنَنِهِ وَأَخَذَ طَرِيقًا إلَى غَيْرِهَا فَهَذَا طَالِبٌ غَيْرُ رَاجِعٍ فَإِنْ قَتَلَ الصَّيْدَ أَكَلَ وإذا رَجَعَ إلَى صَاحِبِهِ رَأَى الصَّيْدَ أو لم يَرَهُ ثُمَّ عَادَ بَعْدَ رُجُوعِهِ فَقَتَلَهُ لم يُؤْكَلْ من قِبَلِ أَنَّ الْإِرْسَالَ الْأَوَّلَ قد انْقَضَى وَهَذَا إحْدَاثُ طَلَبٍ بَعْدَ إرْسَالٍ فَإِنْ زَجَرَهُ صَاحِبُهُ بِرُجُوعِهِ فَانْزَجَرَ أو في وَقْفَةٍ وَقَفَهَا فَاسْتَقْبَلَ أو في طَرِيقٍ غَيْرِ طَرِيقِ الصَّيْدِ فَعَادَ في جَرْيِهِ فَقَتَلَهُ أكل ( ( ( وأكل ) ) ) وكان ذلك كَإِرْسَالِهِ إيَّاهُ من يَدِهِ

(2/235)


رَجُلٍ فَأَخَذَهُ الرَّجُلُ فَذَكَّاهُ كان لِلْأَوَّلِ لِأَنَّهُ الذي بَلَغَ بِهِ أَنْ يَكُونَ غير مُمْتَنِعٍ وكان على صَاحِبِ الدَّارِ ما نَقَصَتْهُ الذَّكَاةُ إنْ كانت نَقَصَتْهُ شيئا وَلَوْ أَخَذَهُ صَاحِبُ الدَّارِ ولم يُذَكِّهِ كان عليه رَدُّهُ إلَى صَاحِبِهِ وَلَوْ مَاتَ في يَدِهِ قبل أَنْ يَرُدَّهُ كان ضَامِنًا له من قِبَلِ أَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِأَخْذِهِ وَمَنَعَ من صَاحِبِهِ ذَكَاتَهُ وَلَوْ كانت الرَّمْيَةُ لم تَبْلُغْ بِهِ أَنْ يَكُونَ غير مُمْتَنِعٍ وكان فيه ما يَتَحَامَلُ طَائِرًا أو عَادِيًا فَدَخَلَ دَارَ رَجُلٍ فَأَخَذَهُ كان لِصَاحِبِ الدَّارِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أُحِبُّ الذَّكَاةَ بِالْحَدِيدِ وَأَنْ يَكُونَ ما ذُكِّيَ بِهِ من الْحَدِيدِ مُوحِيًا أَخَفَّ على المذكي وَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ الْمُذَكِّي بَالِغًا مُسْلِمًا فَقِيهًا وَمَنْ ذَكَّى من امْرَأَةٍ أو صَبِيٍّ من الْمُسْلِمِينَ جَازَتْ ذَكَاتُهُ وَكَذَلِكَ من ذَكَّى من صِبْيَانِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَنِسَائِهِمْ وَكَذَلِكَ كُلُّ ما ذَكَّى بِهِ من شَيْءٍ أَنْهَرَ الدَّمَ وَفَرَى الْأَوْدَاجَ وَالْمَذْبَحَ ولم يُثَرِّدْ جَازَتْ بِهِ الذَّكَاةُ إلَّا الظُّفْرُ وَالسِّنُّ فإن النهى جاء فِيهِمَا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَمَنْ ذَكَّى بِظُفْرِهِ أو سِنِّهِ وَهُمَا ثَابِتَانِ فيه أو زَائِلَانِ عنه أو بِظُفْرِ سَبُعٍ أو سِنِّهِ أو ما وَقَعَ عليه اسْمُ الظُّفْرِ من أَظْفَارِ الطَّيْرِ أو غَيْرِهِ لم يَجُزْ الْأَكْلُ بِهِ لِنَصِّ السُّنَّةِ فيه عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن عُمَرَ بن سَعِيدِ بن مَسْرُوقٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) كَمَالُ الذَّكَاةِ بِأَرْبَعٍ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وَالْوَدَجَيْنِ وَأَقَلُّ ما يكفى من الذَّكَاةِ اثْنَانِ الْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ رَمَاهُ الْأَوَّلُ وَرَمَاهُ الثَّانِي فلم يُدْرَ أَبَلَغَ بِهِ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ مُمْتَنِعًا أو غير مُمْتَنِعٍ جَعَلْنَاهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ كما نَجْعَلُ الْقَاتِلَيْنِ مَعًا وهو على الذَّكَاةِ حتى يُعْلَمَ أَنَّهُ قد صَارَ إلَى حَالٍ لَا يُقْدَرُ فيها على الِامْتِنَاعِ وَيَكُونُ مَقْدُورًا على ذَكَاتِهِ ( قال ) وإذا رَمَى الرَّجُلُ طَائِرًا يَطِيرُ فَأَصَابَهُ أَيَّ إصَابَةٍ ما كانت أو في أَيِّ مَوْضِعٍ ما كان إذَا جَرَحَتْهُ فَأَدْمَتْهُ أو بَلَغَتْ أَكْثَرَ من ذلك فَسَقَطَ إلَى الْأَرْضِ وَوَجَدْنَاهُ مَيِّتًا لم نَدْرِ أَمَاتَ في الْهَوَاءِ أو بعد ما صَارَ إلَى الْأَرْضِ أُكِلَ من قِبَلِ أَنَّهُ مِمَّا أُحِلَّ من الصَّيْدِ وَأَنَّهُ لَا يُوصَلُ إلَى أَنْ يَكُونَ مَأْخُوذًا إلَّا بِالْوُقُوعِ وَلَوْ حَرَّمْنَا هذا خَوْفًا أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ قَتَلَتْهُ حَرَّمْنَا صَيْدَ الطَّيْرِ كُلَّهُ إلَّا ما أُخِذَ منه فَذُكِّيَ وَكَذَلِكَ لو وَقَعَ على جَبَلٍ أو غَيْرِهِ فلم يَتَحَرَّكْ عنه حتى أُخِذَ وَلَكِنَّهُ لو وَقَعَ على جَبَلٍ فَتَرَدَّى عن مَوْضِعِهِ الذي وَقَعَ عليه قَلِيلًا أو كَثِيرًا كان مُتَرَدِّيًا لَا يُؤْكَلُ إلَّا أَنْ يُذَكَّى حتى يُحِيطَ الْعِلْمُ أَنَّهُ مَاتَ قبل أَنْ يَتَرَدَّى أو تَجِدَ الرَّمْيَةَ قد قَطَعَتْ رَأْسَهُ أو ذَبَحَتْهُ أو قَطَعَتْهُ بِاثْنَيْنِ فَيُعْلَمُ حِينَئِذٍ أَنَّهُ لم يَقَعْ إلَّا ذَكِيًّا فَإِنْ وَقَعَ على مَوْضِعٍ فَتَرَدَّى فَمَرَّ بِحِجَارَةِ حَدَّادٍ أو شَوْكٍ أو شَيْءٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَطَعَ رَأْسَهُ أو نِصْفَهُ أو أتى على ذلك لم يُؤْكَلْ حتى يُحِيطَ الْعِلْمُ أَنَّهُ لم يَتَرَدَّ إلَّا بَعْدَ ما مَاتَ وإذا رَمَى الرَّجُلُ بِسَهْمِهِ صَيْدًا فَأَصَابَ غَيْرَهُ أو أَصَابَهُ فَأَنْفَذَهُ وَقَتَلَ غَيْرَهُ فَسَوَاءٌ وَيَأْكُلُ كُلَّ ما أَصَابَ إذَا قَصَدَ بِالرَّمْيَةِ قَصْدَ صَيْدٍ يَرَاهُ فَقَدْ جَمَعَ الرَّمْيَةَ التي تَكُونُ بها الذَّكَاةُ وَإِنْ نَوَى صَيْدًا وإذا رَمَى الرَّجُلُ الصَّيْدَ بِحَجَرٍ أو بُنْدُقَةٍ فَخَرَقَتْ أو لم تَخْرِقْ فَلَا يَأْكُلُهُ إلَّا أَنْ يُدْرِكَ ذَكَاتَهُ لِأَنَّ الْغَالِبَ منها أنها غَيْرُ ذَكَاةٍ وَوَاقِذَةٍ وَأَنَّهَا إنَّمَا قَتَلَتْ بِالثِّقَلِ دُونَ الْخَرْقِ وَأَنَّهَا لَيْسَتْ من مَعَانِي السِّلَاحِ الذي يَكُونُ ذَكَاةً وَلَوْ رَمَى بِمِعْرَاضٍ فَأَصَابَ بِصَفْحِهِ فَقَتَلَ كان مَوْقُوذًا لَا يُؤْكَلُ وَلَوْ أَصَابَ بِنَصْلِهِ وَحَدِّهِ ونصله ( ( ( نصله ) ) ) مُحَدَّدٌ فَخَرَقَ أُكِلَ من قِبَلِ أَنَّهُ سَهْمٌ إنَّمَا يُقْتَلُ بِالْخَرْقِ لَا بِالثِّقَلِ وَلَوْ رَمَى بِعَصًا أو عُودٍ كان مَوْقُوذًا لَا يُؤْكَلُ وَلَوْ خَسَقَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنْ كان الْخَاسِقُ مِنْهُمَا مُحَدَّدًا يَمُورُ مَوْرَ السِّلَاحِ بِعَجَلَةِ السِّلَاحِ أُكِلَ وَإِنْ كان لَا يَمُورُ إلَّا مُسْتَكْرَهًا نَظَرْت فَإِنْ كان الْعُودُ أو الْعَصَا خَفِيفَيْنِ كَخِفَّةِ السَّهْمِ أُكِلَتْ لِأَنَّهُمَا إذَا خَفَّا قَتَلَا بِالْمَوْرِ وان أبطئا وإن كان ( ( ( أبطآ ) ) ) أَثْقَلَ من ذلك بِشَيْءٍ مُتَبَايِنٍ لم يُؤْكَلْ من قِبَلِ أَنَّ الْأَغْلَبَ على أَنَّ الْقَتْلَ بِالثِّقَلِ فَيَكُونُ مَوْقُوذًا - * الذَّكَاةُ - *

(2/236)


وَإِنَّمَا أَحْبَبْنَا أَنْ يُؤْتَى بِالذَّكَاةِ على الْوَدَجَيْنِ من قِبَلِ أَنَّهُ إذَا أتى على الْوَدَجَيْنِ فَقَدْ اسْتَوْظَفَ قَطْعَ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ حتى أَبَانَهُمَا وَفِيهِمَا مَوْضِعُ الذَّكَاةِ لَا في الْوَدَجَيْنِ لِأَنَّ الْوَدَجَيْنِ عِرْقَانِ قد يَسِيلَانِ من الْإِنْسَانِ ثُمَّ يَحْيَا وَالْمَرِيءُ هو الْمَوْضِعُ الذي يَدْخُلُ فيه طَعَامُ كل خَلْقٍ يَأْكُلُ من بَشَرٍ أو بَهِيمَةٍ وَالْحُلْقُومُ مَوْضِعُ النَّفَسِ وإذا بَانَا فَلَا حَيَاةَ تُجَاوِزُ طُرْفَةَ عَيْنٍ فَلَوْ قَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْوَدَجَيْنِ دُونَ الْمَرِيءِ لم تَكُنْ ذَكَاةً لِأَنَّ الْحَيَاةَ قد تَكُونُ بَعْدَ هذا مُدَّةً وَإِنْ قَصُرَتْ وَكَذَلِكَ لو قَطَعَ الْمَرِيءَ وَالْوَدَجَيْنِ دُونَ الْحُلْقُومِ لم تَكُنْ ذَكَاةً من قِبَلِ أَنَّ الْحَيَاةَ قد تَكُونُ بَعْدَ هذا مُدَّةً وَإِنْ قَصُرَتْ فَلَا تَكُونُ الذَّكَاةُ إلَّا ما يَكُونُ بَعْدَهُ حَيَاةٌ طَرْفَةَ عَيْنٍ وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا في اجْتِمَاعِ قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ دُونَ غَيْرِهِمَا - * بَابُ مَوْضِعِ الذَّكَاةِ في الْمَقْدُورِ على ذَكَاتِهِ وَحُكْمُ غَيْرِ الْمَقْدُورِ عليه - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) الذَّكَاةُ ذَكَاتَانِ فَذَكَاةُ ما قُدِرَ عليه من وحشى أو أنسي الذَّبْحُ أو النَّحْرُ وَمَوْضِعُهُمَا اللَّبَّةُ وَالْمَنْحَرُ وَالْحَلْقُ لَا مَوْضِعَ غَيْرُهُ لِأَنَّ هذا مَوْضِعُ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وَالْوَدَجَيْنِ فَذَلِكَ الذَّكَاةُ فيه بِمَا جَاءَتْ السُّنَّةُ وَالْآثَارُ وما لم يُقْدَرْ عليه فَذَكَاتُهُ ذَكَاةُ الصَّيْدِ أنسيا كان أو وَحْشِيًّا فَإِنْ قال قَائِلٌ بِأَيِّ شَيْءٍ قِسْت هذا قِيلَ قِسْته بِالسُّنَّةِ وَالْآثَارِ وقد كَتَبْت ذلك في غَيْرِ هذا الْمَوْضِعِ لِأَنَّ السُّنَّةَ أَنَّهُ أَمَرَ في الأنسى بِالذَّبْحِ وَالنَّحْرِ إذَا قُدِرَ على ذلك منه وفي الْوَحْشِيِّ بِالرَّمْيِ وَالصَّيْدِ بِالْجَوَارِحِ فلما قُدِرَ على الْوَحْشِيِّ فلم يَحِلَّ إلَّا بِمَا يَحِلُّ بِهِ الأنسي كان مَعْقُولًا عن اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ الصَّيْدَ في الْحَالِ التي لَا يُقْدَرُ عليها على أَنْ يَكُونَ فيها مذكي بِالذَّبْحِ وَالنَّحْرِ وَكَذَلِكَ لَمَّا أَمَرَ بِالذَّبْحِ وَالنَّحْرِ في الأنسي فَامْتَنَعَ امْتِنَاعَ الْوَحْشِيِّ كان مَعْقُولًا أَنَّهُ يذكي بِمَا يذكي بِهِ الْوَحْشِيُّ الْمُمْتَنِعُ فَإِنْ قال قَائِلٌ لَا أَجِدُ هذا في الأنسي قِيلَ وَلَا تجد ( ( ( يجد ) ) ) في الْوَحْشِيِّ الذَّبْحَ فإذا أَحَلْته إلَى الذَّبْحِ وَالْأَصْلُ الذي في الصَّيْدِ غَيْرُ الذَّبْحِ حين صَارَ مَقْدُورًا عليه فَكَذَلِكَ فَأَحَلَّ الأنسي حين صَارَ إلَى الِامْتِنَاعِ إلَى ذَكَاةِ الْوَحْشِيِّ فَإِنْ قُلْت لَا أُحِيلُ الأنسي وَإِنْ امْتَنَعَ إلَى ذَكَاةِ الْوَحْشِيِّ جَازَ عَلَيْك لِغَيْرِك أَنْ يَقُولَ لَا أُحِيلُ الْوَحْشِيَّ إذَا قُدِرَ عليه إلَى ذَكَاةِ الأنسي وَأُثْبِتُ على كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذَكَاتَهُ في أَيِّ حَالٍ ما كان وَلَا أُحِيلُهُمَا عن حَالِهِمَا بَلْ هذا لِصَاحِبِ الصَّيْدِ أَوْلَى لِأَنِّي لَا أَعْلَمُ في الصَّيْدِ خَبَرًا يَثْبُتُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في هذا وَأَعْلَمُ في الأنسي يَمْتَنِعُ خَبَرًا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يَثْبُتُ بِأَنَّهُ رأي ذَكَاتَهُ كَذَكَاةِ الْوَحْشِيِّ كَيْفَ يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُفَرِّقَ بين الْمُجْتَمِعِ ثُمَّ إذَا فَرَّقَ أَبْطَلَ الثَّابِتَ من جِهَةِ الْخَبَرِ وَيُثْبِتُ غَيْرَهُ من غَيْرِ جِهَةِ الْخَبَرِ ( قال ) وإذا رَمَى الرَّجُلُ بِسَيْفٍ أو سِكِّينٍ صَيْدًا فَأَصَابَهُ بِحَدِّ السَّيْفِ أو حَدِّ السِّكِّينِ فَمَارَ فيه فَهُوَ كَالسَّهْمِ يُصِيبُهُ بِنَصْلِهِ وَإِنْ أَصَابَهُ بِصَفْحِ السَّيْفِ أو بِمِقْبَضِهِ أو قَفَاهُ إنْ كان ذَا قَفًا أو بِنِصَابِ السِّكِّينِ أو قَفَاهُ أو صَفْحِهِ فَانْحَرَفَ الْحَدُّ عليه حتى يَمُورَ فَلَا يَأْكُلُهُ إلَّا أَنْ يُدْرِكَ ذَكَاتَهُ وَهَذَا كَالسَّهْمِ يرمى بِهِ وَالْخَشَبَةِ وَالْخَنْجَرِ فَلَا يُؤْكَلُ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَّهمْ قَتَلَهُ ( قال ) وَإِنْ رَمَى صَيْدًا بِعَيْنِهِ بِسَيْفٍ أو سَهْمٍ وَلَا يَنْوِي أَنْ يَأْكُلَهُ فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَهُ كما يَذْبَحُ الشَّاةَ لَا يَنْوِي أَنْ يَأْكُلَهَا فَيَجُوزَ له أَكْلُهَا وَلَوْ رَمَى رَجُلٌ شَخْصًا يَرَاهُ يَحْسِبُهُ خَشَبَةً أو حَجَرًا أو شَجَرًا أو شيئا فَأَصَابَ صَيْدًا فَقَتَلَهُ كان أَحَبُّ إلى أَنْ يَتَنَزَّهَ عن أَكْلِهِ وَلَوْ أَكَلَهُ ما رَأَيْته مُحَرَّمًا عليه وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا لو أَخْطَأَ بِشَاةٍ له فَذَبَحَهَا لَا يُرِيدُ ذَكَاتَهَا أو أَخَذَهَا بِاللَّيْلِ فَحَزَّ حَلْقَهَا حتى أتى على ذَكَاتِهَا وهو يَرَاهَا خَشَبَةً لَيِّنَةً أو غَيْرَهَا ما بَلَغَ عِلْمِي أَنْ يَكُونَ ذَا مُحَرَّمًا عليه وَلَوْ دخل عَلَيْنَا بِالتَّحْرِيمِ عليه إذَا أتى على ما يَكُونُ ذَكَاةً إذَا لم يَنْوِ الذَّكَاةَ دخل عَلَيْنَا أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ رَجُلًا لو أَخَذَ شَاةً لِيَقْتُلَهَا لَا لِيُذَكِّيَهَا فَذَبَحَهَا وَسَمَّى لم يَكُنْ له أَكْلُهَا وَدَخَلَ عَلَيْنَا أَنْ لو رَمَى ما لَا يُؤْكَلُ من الطَّائِرِ وَالدَّوَابِّ فَأَصَابَ صَيْدًا يُؤْكَلُ لم يَأْكُلْهُ من قِبَلِ أَنَّهُ قَصَدَ بِالرَّمْيَةِ قَصْدَ غَيْرِ الذَّكَاةِ وَلَا نِيَّةَ الْمَأْكُولِ وَدَخَلَ عَلَيْنَا أَنْ لو أَرَادَ ذَبْحَ شَاةٍ فَأَخْطَأ

(2/237)


بِغَيْرِهَا فَذَبَحَهُ لم يَكُنْ له أَكْلُهُ وَلَوْ أَضْجَعَ شَاتَيْنِ لِيَذْبَحَ إحْدَاهُمَا وَلَا يَذْبَحُ الْأُخْرَى فَسَمَّى وَأَمَرَ السكين ( ( ( بالسكين ) ) ) فَذَبَحَهُمَا حَلَّ له أَكْلُ التي نَوَى ذَبْحَهَا ولم يَحِلَّ له أَكْلُ التي لم يَنْوِ ذَبْحَهَا وَدَخَلَ عَلَيْنَا أَكْثَرُ من هذا وأولي أَنْ يَدْخُلَ مِمَّا أَدْخَلَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْكَلَامِ وَذَلِكَ أَنْ يَذْبَحَ الرَّجُلُ شَاةَ غَيْرِهِ فَيُدْرِكَهَا الرَّجُلُ الْمَالِكُ لها فَزَعَمَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا من قِبَلِ أَنَّ ذَابِحَهَا عَاصٍ لَا يَحِلُّ له أَكْلُهَا وَمَالِكُهَا غَيْرُ ذَابِحٍ لها وَلَا آمِرٌ بِذَبْحِهَا وَهَذَا قَوْلٌ لَا يَسْتَقِيمُ يُخَالِفُ الْآثَارَ وَلَا أَعْلَمُ في الْأَمْرِ بِالذَّبْحِ وَلَا في النِّيَّةِ عمل ( ( ( عملا ) ) ) غير الذَّكَاةِ وَلَقَدْ دخل على قَائِلِ هذا الْقَوْلِ منه ما تَفَاحَشَ حتى زَعَمَ أَنَّ رَجُلًا لو غَصَبَ سَوْطًا من رَجُلٍ فَضَرَبَ بِهِ أَمَتَهُ حَدَّ الزنى وَلَوْ كان الْغَاصِبُ السُّلْطَانُ فَضَرَبَ بِهِ الْحَدَّ لم يَكُنْ وَاحِدٌ من هَذَيْنِ مَحْدُودًا وكان عَلَيْهِمَا أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِمَا الْحَدُّ بِسَوْطٍ غَيْرِ مَغْصُوبٍ فإذا كان هذا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ على غَيْرِ ما قال فَالنِّيَّةُ أَوْلَى أَنْ لَا تَكُونَ في الذَّبَائِحِ وَالصَّيْدِ تَعْمَلُ شيئا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا ضَرَبَ الرَّجُلُ الصَّيْدَ أو رَمَاهُ فَأَبَانَ يَدَهُ أو رِجْلَهُ فَمَاتَ من تِلْكَ الضَّرْبَةِ فَسَوَاءٌ ذلك وَلَوْ أَبَانَ نِصْفَهُ فَيَأْكُلُ النِّصْفَيْنِ وَالْيَدَ وَالرِّجْلَ وَجَمِيعَ الْبَدَنِ لِأَنَّ تِلْكَ الضَّرْبَةَ إذَا وَقَعَتْ مَوْقِعَ الذَّكَاةِ كانت ذَكَاةً على ما بَانَ وبقى كما لو ضَرَبَهُ أو ذَبَحَهُ فَأَبَانَ رَأْسَهُ كانت الذَّكَاةُ على الرَّأْسِ وَجَمِيعِ الْبَدَنِ وَلَا تَعْدُو الضَّرْبَةُ أو الرَّمْيَةُ أَنْ تَكُونَ ذَكَاةً وَالذَّكَاةُ لَا تَكُونُ على بَعْضِ الْبَدَنِ دُونَ بَعْضٍ أو لَا تَكُونُ ذَكَاةً فَلَا يُؤْكَلُ منه شَيْءٌ وَلَكِنَّهُ لو أَبَانَ منه عُضْوًا ثُمَّ أَدْرَكَ ذَكَاتَهُ فَذَكَّاهُ لم يَأْكُلْ الْعُضْوَ الذي أَبَانَ لِأَنَّ الضَّرْبَةَ الْأُولَى صَارَتْ غير ذَكَاةٍ وَكَانَتْ الذَّكَاةُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما طَلَبَتْهُ الْكِلَابُ أو الْبُزَاةُ فَأَتْعَبَتْهُ فَمَاتَ ولم تَنَلْهُ فَلَا يُؤْكَلُ لِأَنَّهُ مَيْتَةٌ وَإِنَّمَا تَكُونُ الذَّكَاةُ فِيمَا نَالَتْ لِأَنَّهَا بِمَا نَالَتْ تَقُومُ مَقَامَ الذَّكَاةِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا طَلَبَ شَاةً لِيَذْبَحَهَا فَأَتْعَبَهَا حتى مَاتَتْ لم يَأْكُلْهَا وما أُصِيبَ من الصَّيْدِ بِأَيِّ سِلَاحٍ ما كان ولم يَمُرَّ فيه فَلَا يُؤْكَلُ حتى يَبْلُغَ أَنْ يَمُرَّ فيدمى أو يُجَاوِزَ الْإِدْمَاءَ فَيَخْرِقَ أو يَهْتِكَ وما نَالَتْهُ الْكِلَابُ وَالصُّقُورُ وَالْجَوَارِحُ كُلُّهَا فَقَتَلَتْهُ ولم تُدْمِهِ احْتَمَلَ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يُؤْكَلَ حتى يَخْرِقَ شيئا لِأَنَّ الْجَارِحَ ما خَرَقَ وقد قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { الْجَوَارِحِ } وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنَّ فِعْلَهَا كُلَّهُ ذَكَاةٌ فَبِأَيِّ فِعْلِهَا قَتَلَتْ حَلَّ وقد يَكُونُ هذا جَائِزًا فَيَكُونُ فِعْلُهَا غير فِعْلِ السِّلَاحِ لِأَنَّ فِعْلَ السِّلَاحِ فِعْلُ الْآدَمِيِّ وَأَدْنَى ذَكَاةِ الْآدَمِيِّ ما خَرَقَ حتى يدمى وَفِعْلُهَا عَمْدُ الْقَتْلِ لَا على أَنَّ في الْقَتْلِ فِعْلَيْنِ أَحَدُهُمَا ذَكَاةٌ وَالْآخَرُ غَيْرُ ذَكَاةٍ وقد تُسَمَّى جَوَارِحَ لِأَنَّهَا تَجْرَحُ فَيَكُونُ اسْمًا لَازِمًا وَأُكِلَ ما أَمْسَكْنَ مُطْلَقًا فَيَكُونُ ما أَمْسَكْنَ حَلَالًا بِالْإِطْلَاقِ وَيَكُونُ الْجُرْحُ إنْ جَرَحَهَا هو اسْمٌ مَوْضُوعٌ عليها لَا أنها إنْ لم تَجْرَحْ لم يُؤْكَلْ ما قَتَلَتْ وإذا أَحْرَزَ الرَّجُلُ الصَّيْدَ فَرَبَطَهُ وَأَقَامَ عِنْدَهُ أو لم يُقِمْ فَانْفَلَتَ منه فَصَادَهُ غَيْرُهُ من سَاعَتِهِ أو بَعْدَ دَهْرٍ طَوِيلٍ فَسَوَاءٌ ذلك كُلُّهُ وهو لِصَاحِبِهِ الذي أَحْرَزَهُ لِأَنَّهُ قد مَلَكَهُ مِلْكًا صَحِيحًا كما يَمْلِكُ شَاتَه أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لو قَتَلَهُ في يَدَيْهِ ضمن ( ( ( يضمن ) ) ) له قِيمَتَهُ كما يَضْمَنُ له قِيمَةَ شَاتِهِ فإذا كان هذا هَكَذَا فَقَدْ مَلَكَهُ مِلْكَ الشَّاةِ أَلَا تَرَى أَنَّ حِمَارَ الأنسي لو اسْتَوْحَشَ فَأَخَذَهُ رَجُلٌ كان لِلْمَالِكِ الْأَوَّلِ وَسُنَّةُ الْإِسْلَامِ أَنَّ من مَلَكَ من الْآدَمِيِّينَ شيئا لم يَخْرُجْ من مِلْكِهِ إلَّا بِأَنْ يُخْرِجَهُ هو وَلَوْ كان هَرَبَ الْوَحْشِيُّ من يَدَيْهِ يُخْرِجُهُ من مِلْكِهِ كان هَرَبُ الأنسي يُخْرِجُهُ من مِلْكِهِ وَيُسْأَلُ من خَالَفَ هذا الْقَوْلَ إذَا هَرَبَ خَرَجَ من مِلْكِهِ بِهَرَبِ نَفْسِهِ يَمْلِكُ نَفْسَهُ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ غَيْرِهِ أَنْ يَمْلِكَهُ فَإِنْ قال لَا وَكَيْفَ تَمْلِكُ الْبَهَائِمُ أَنْفُسَهَا قِيلَ وَهَكَذَا لَا يَمْلِكُهَا غَيْرُ من مَلَكَهَا على من مَلَكَهَا إلَّا بِإِخْرَاجِهِ إيَّاهَا من يَدِهِ وَيُسْأَلُ ما فَرْقُ بين أَنْ يَخْرُجَ من يَدِهِ فَيَصِيرَ مُمْتَنِعًا فَإِنْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ كان لِلْأَوَّلِ إذَا تَقَارَبَ ذلك وَإِنْ تَبَاعَدَ كان لِلْآخَرِ أَفَرَأَيْت إنْ قال قَائِلٌ إذَا تَبَاعَدَ كان لِلْأَوَّلِ وإذا تَقَارَبَ كان لِلْآخَرِ ما الْحُجَّةُ عليه هل هِيَ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْأَوَّلِ بِكُلِّ حَالٍ وإذا انْفَلَتَ كان لِمَنْ أَخَذَهُ من سَاعَتِهِ وَهَكَذَا كُلُّ وحشى في الْأَرْضِ من طَائِرٍ أو غَيْرِهِ وَالْحُوتُ وَكُلُّ مُمْتَنِعٍ من الصَّيْدِ

(2/238)


في الذَّبْحِ وَلَا يَقَعُ إلَّا على الْبَدَنِ وما ثَبَتَ فيه منه ولم يُزَايِلْهُ وما زايله كان بِمَنْزِلَةِ الْمَيْتَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو ضَرَبَ منه عُضْوًا ثُمَّ أَدْرَكَ ذَكَاتَهُ فَتَرَكَهَا لم يَأْكُلْ منه شيئا لِأَنَّ الذَّكَاةَ قد أَمْكَنَتْهُ فَصَارَتْ الضَّرْبَةُ الْأُولَى غير الذَّكَاةِ - * بَابٌ فيه مَسَائِلُ مِمَّا سَبَقَ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالذَّكَاةُ ذَكَاتَانِ فما قُدِرَ على ذَكَاتِهِ مِمَّا يَحِلُّ أَكْلُهُ فَذَكَاتُهُ في اللَّبَّةِ وَالْحَلْقِ لَا يَحِلُّ بِغَيْرِهِمَا أنسيا كان أو وَحْشِيًّا وما لم يُقْدَرْ عليه فَذَكَاتُهُ أَنْ يُنَالَ بِالسِّلَاحِ حَيْثُ قُدِرَ عليه أنسيا كان أو وَحْشِيًّا فَإِنْ تَرَدَّى بَعِيرٌ في نَهْرٍ أو بِئْرٍ فلم يُقْدَرْ على مَنْحَرِهِ وَلَا مَذْبَحِهِ حَيْثُ يُذَكَّى فَطُعِنَ فيه بِسِكِّينٍ أو شَيْءٍ تَجُوزُ الذَّكَاةُ بِهِ فَأَنْهَرَ الدَّمَ منه ثُمَّ مَاتَ أُكِلَ وَهَكَذَا ذَكَاةُ ما لَا يُقْدَرُ عليه قد تَرَدَّى بَعِيرٌ في بِئْرٍ فَطُعِنَ في شَاكِلَتِهِ فَسُئِلَ عنه بن عُمَرَ فَأَمَرَ بِأَكْلِهِ وَأَخَذَ منه عَشِيرًا بِدِرْهَمَيْنِ وَسُئِلَ بن الْمُسَيِّبِ عن الْمُتَرَدِّي يُنَالُ بِشَيْءٍ من السِّلَاحِ فَلَا يُقْدَرُ على مَذْبَحِهِ فقال حَيْثُمَا نِلْت منه بِالسِّلَاحِ فَكُلْهُ وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفْتِينَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأُحِبُّ في الذَّبِيحَةِ أَنْ تُوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ إذَا أَمْكَنَ ذلك وَإِنْ لم يَفْعَلْ الذَّابِحُ فَقَدْ تَرَكَ ما أَسْتَحِبُّهُ له وَلَا يُحَرِّمُهَا ذلك + ( قال الشَّافِعِيُّ ) نهى عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رضى اللَّهُ عنه عن النَّخْعِ وَأَنْ تُعَجَّلَ الْأَنْفُسُ أَنْ تُزْهَقَ وَالنَّخْعُ أَنْ يَذْبَحَ الشَّاةَ ثُمَّ يَكْسِرَ قَفَاهَا من مَوْضِعِ الذَّبْحِ لِنَخْعِهِ وَلِمَكَانِ الْكَسْرِ فيه أو تُضْرَبَ لِيُعَجِّلَ قَطْعَ حَرَكَتِهَا فَأَكْرَهُ هذا وَأَنْ يَسْلُخَهَا أو يَقْطَعَ شيئا منها وَنَفْسُهَا تَضْطَرِبُ أو يَمَسُّهَا بِضَرْبٍ أو غَيْرِهِ حتى تَبْرُدَ وَلَا يَبْقَى فيها حَرَكَةٌ فَإِنْ فَعَلَ شيئا مِمَّا كَرِهْت له بَعْدَ الْإِتْيَانِ على الذَّكَاةِ كان مُسِيئًا ولم يُحَرِّمْهَا ذلك لِأَنَّهَا ذَكِيَّةٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ ذَبَحَ رَجُلٌ ذَبِيحَةً فَسَبَقَتْهُ يَدُهُ فَأَبَانَ رَأْسَهَا أَكَلَهَا وَذَلِكَ أَنَّهُ أتى بِالذَّكَاةِ قبل قَطْعِ الرَّأْسِ وَلَوْ ذَبَحَهَا من قَفَاهَا أو أَحَدِ صَفْحَتَيْ عُنُقِهَا ثُمَّ لم يَعْلَمْ مَتَى مَاتَتْ لم يَأْكُلْهَا حتى يَعْلَمَ فَإِنْ عَلِمَ أنها حَيِيَتْ بَعْدَ قَطْعِ الْقَفَا أو أَحَدِ صَفْحَتَيْ الْعُنُقِ حتى وَصَلَ بِالْمُدْيَةِ إلَى الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ فَقَطَعَهُمَا وَهِيَ حَيَّةٌ أَكَلَ وكان مُسِيئًا بِالْجُرْحِ الْأَوَّلِ كما لو جَرَحَهَا ثُمَّ ذَكَّاهَا كان مُسِيئًا وَكَانَتْ حَلَالًا وَلَا يَضُرُّهُ بَعْدَ قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ مَعًا أَقَطَعَ ما بقى من رَأْسِهَا أو لم يَقْطَعْهُ إنَّمَا أَنْظُرُ إلَى الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ فإذا وَصَلَ إلَى قَطْعِهِمَا وَفِيهَا الْحَيَاةُ كانت ذَكِيَّةً وإذا لم يَصِلْ إلَى ذلك وَفِيهَا الْحَيَاةُ كانت مَيْتَةً وإذا غَابَ ذلك عَنِّي وقد ابْتَدَأَ من غَيْرِ جِهَتِهَا جَعَلْت الْحُكْمَ على الذي ابْتَدَأَ منه إذَا لم أَسْتَيْقِنْ بِحَيَاةٍ بَعْدُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالتَّسْمِيَةُ على الذَّبِيحَةِ بِاسْمِ اللَّهِ فإذا زَادَ على ذلك شيئا من ذِكْرِ اللَّهِ عز وجل فَالزِّيَادَةُ خَيْرٌ وَلَا أَكْرَهُ مع تَسْمِيَتِهِ على الذَّبِيحَةِ أَنْ يَقُولَ صلى اللَّهُ على رسول اللَّهِ بَلْ أُحِبُّهُ له وَأُحِبُّ له أَنْ يُكْثِرَ الصَّلَاةَ عليه فَصَلَّى اللَّهُ عليه في كل الْحَالَاتِ لِأَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ عز وجل وَالصَّلَاةَ عليه إيمَانٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَعِبَادَةٌ له يُؤْجَرُ عليها إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى من قَالَهَا وقد ذَكَرَ عبد الرحمن بن عَوْفٍ أَنَّهُ كان مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَكُلُّ ما كان مَأْكُولًا من طَائِرٍ أو دَابَّةٍ فَأَنْ يُذْبَحَ أَحَبُّ إلى وَذَلِكَ سُنَّتُهُ وَدَلَالَةُ الْكِتَابِ فيه وَالْبَقَرُ دَاخِلَةٌ في ذلك لِقَوْلِهِ عز وجل { إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً } وَحِكَايَتُهُ فقال { فَذَبَحُوهَا وما كَادُوا يَفْعَلُونَ } إلَّا الْإِبِلَ فَقَطْ فَإِنَّهَا تُنْحَرُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نَحَرَ بُدْنَهُ فَمَوْضِعُ النَّحْرِ في الِاخْتِيَارِ في السُّنَّةِ في اللَّبَّةِ وَمَوْضِعُ الذَّبْحِ في الِاخْتِيَارِ في السُّنَّةِ أَسْفَلُ من اللَّحْيَيْنِ وَالذَّكَاةُ في جَمِيعِ ما يُنْحَرُ وَيُذْبَحُ ما بين اللَّبَّةِ وَالْحَلْقِ فَأَيْنَ ذَبَحَ من ذلك أَجْزَأَهُ فيه ما يُجْزِيهِ إذَا وَضَعَ الذَّبْحَ في مَوْضِعِهِ وَإِنْ نَحَرَ ما يُذْبَحُ أو ذَبَحَ ما يُنْحَرُ كَرِهْته له ولم أُحَرِّمْهُ عليه وَذَلِكَ أَنَّ النَّحْرَ وَالذَّبْحَ ذَكَاةٌ كُلُّهُ غير أَنِّي أُحِبُّ أَنْ يَضَعَ كُلَّ شَيْءٍ من ذلك مَوْضِعَهُ لَا يَعْدُوهُ إلَى غَيْرِهِ قال بن عَبَّاسٍ الذَّكَاةُ في اللَّبَّةِ وَالْحَلْقِ لِمَنْ قَدَرَ وروى مِثْلُ ذلك عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ وزاد عُمَرُ وَلَا تُعَجِّلُوا الْأَنْفُسَ أَنْ تُزْهَقَ

(2/239)


فَتَقَدَّمَهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال فَاتَّبَعَهُ فَوَجَدَهُ عبد الرحمن سَاجِدًا فَوَقَفَ يَنْتَظِرُهُ فَأَطَالَ ثُمَّ رَفَعَ فقال عبد الرحمن لقد خَشِيت أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عز ذِكْرُهُ قد قَبَضَ رُوحَك في سُجُودِك فقال يا عَبْدَ الرحمن إنِّي لَمَّا كُنْت حَيْثُ رَأَيْت لَقِيَنِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي عن اللَّهِ عز وجل أَنَّهُ قال من صلى عَلَيْك صَلَّيْت عليه فَسَجَدْت لِلَّهِ شُكْرًا فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من نسى الصَّلَاةَ عَلَيَّ خطيء ( ( ( خطئ ) ) ) بِهِ طَرِيقُ الْجَنَّةِ ( قال الرَّبِيعُ ) قال مَالِكٌ لَا يصلى على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مع التَّسْمِيَةِ على الذَّبِيحَةِ وَإِنْ ذَا لَعَجَبٌ وَالشَّافِعِيُّ يقول يُصَلَّى على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مع التَّسْمِيَةِ على الذَّبِيحَةِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَذَبْحُ كل من أَطَاقَ الذَّبْحَ من امْرَأَةٍ حَائِضٍ وَصَبِيٍّ من الْمُسْلِمِينَ أَحَبُّ إلى من ذَبْحِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَكُلِّ حَلَالِ الذَّبِيحَةِ غير أَنِّي أُحِبُّ لِلْمَرْءِ أَنْ يَتَوَلَّى ذَبْحَ نُسُكِهِ فإنه يُرْوَى أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لِامْرَأَةٍ من أَهْلِهِ فَاطِمَةَ أو غَيْرِهَا احضري ذَبْحَ نَسِيكَتِك فإنه يُغْفَرُ لَك عِنْدَ أَوَّلِ قَطْرَةٍ منها + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ ذَبَحَ النَّسِيكَةَ غَيْرُ مَالِكِهَا أَجْزَأَتْ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نَحَرَ بَعْضَ هَدْيِهِ وَنَحَرَ بَعْضَهُ غَيْرُهُ وَأَهْدَى هَدْيًا فَإِنَّمَا نَحَرَهُ من أَهْدَاهُ معه غير أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَذْبَحَ شيئا من النَّسَائِكِ مُشْرِكٌ لَأَنْ يَكُونَ ما تُقُرِّبَ بِهِ إلَى اللَّهِ على أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ ذَبَحَهَا مُشْرِكٌ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ أَجْزَأَتْ مع كَرَاهَتِي لِمَا وَصَفْت وَنِسَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ إذَا أَطَقْنَ الذَّبْحَ كَرِجَالِهِمْ وما ذَبَحَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى لِأَنْفُسِهِمْ مِمَّا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ أَكْلُهُ من الصَّيْدِ أو بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ وَكَانُوا يُحَرِّمُونَ منه شَحْمًا أو حَوَايَا أو ما اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ أو غَيْرِهِ إنْ كَانُوا يُحَرِّمُونَهُ فَلَا بَأْسَ على الْمُسْلِمِينَ في أَكْلِهِ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل إذَا أَحَلَّ طَعَامَهُمْ فَكَانَ ذلك عِنْدَ أَهْلِ التَّفْسِيرِ ذَبَائِحَهُمْ فَكُلُّ ما ذَبَحُوا لنا فَفِيهِ شَيْءٌ مِمَّا يُحَرِّمُونَ فَلَوْ كان يَحْرُمُ عَلَيْنَا إذَا ذَبَحُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ من أَصْلِ دِينِهِمْ بِتَحْرِيمِهِمْ لَحَرُمَ عَلَيْنَا إذَا ذَبَحُوهُ لنا وَلَوْ كان يَحْرُمُ عَلَيْنَا بِأَنَّهُ ليس من طَعَامِهِمْ وَإِنَّمَا أُحِلَّ لنا طَعَامُهُمْ وكان ذلك على ما يَسْتَحِلُّونَ كَانُوا قد يَسْتَحِلُّونَ مُحَرَّمًا عَلَيْنَا يَعُدُّونَهُ لهم طَعَامًا فَكَانَ يَلْزَمُنَا لو ذَهَبْنَا هذا الْمَذْهَبَ أَنْ نَأْكُلَهُ لِأَنَّهُ من طَعَامِهِمْ الْحَلَالِ لهم عِنْدَهُمْ وَلَكِنْ ليس هذا مَعْنَى الْآيَةِ مَعْنَاهَا ما وَصَفْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد أَنْزَلَ اللَّهُ عز ذِكْرُهُ على نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فما أَحَلَّ فيه فَهُوَ حَلَالٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كان ذلك مُحَرَّمًا قَبْلَهُ أو لم يَكُنْ مُحَرَّمًا وما حَرَّمَ فيه فَهُوَ حَرَامٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كان ذلك حَرَامًا قَبْلَهُ أو لم يَكُنْ وَنُسِخَ بِهِ ما خَالَفَهُ من كل دِينٍ أَدْرَكَهُ أو كان قَبْلَهُ وَافْتَرَضَ على الْخَلْقِ اتِّبَاعَهُ غير أَنَّهُ أَذِنَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِأَنْ تُؤْخَذَ الْجِزْيَةُ من أَهْلِ الْكِتَابِ وَهُمْ صَاغِرُونَ غير عَاذِرٍ لهم بِتَرْكِهِمْ الْإِيمَانَ وَلَا مُحَرِّمٍ عليهم شيئا أَحَلَّهُ في كِتَابِهِ وَلَا مُحِلٍّ لهم شيئا حَرَّمَهُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَسْنَا نَعْلَمُ مُسْلِمًا وَلَا نَخَافُ عليه أَنْ تَكُونَ صَلَاتُهُ عليه صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ وَلَقَدْ خَشِيت أَنْ يَكُونَ الشَّيْطَانُ أَدْخَلَ على بَعْضِ أَهْلِ الْجَهَالَةِ النَّهْيَ عن ذِكْرِ اسْمِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عِنْدَ الذَّبِيحَةِ لِيَمْنَعَهُمْ الصَّلَاةَ عليه في حَالٍ لِمَعْنًى يَعْرِضُ في قُلُوبِ أَهْلِ الْغَفْلَةِ وما يُصَلِّي عليه أَحَدٌ إلَّا إيمَانًا بِاَللَّهِ تَعَالَى وَإِعْظَامًا له وَتَقَرُّبًا إلَيْهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَقَرَّبَنَا بِالصَّلَاةِ عليه منه زُلْفَى وَالذِّكْرُ على الذَّبَائِحِ كُلِّهَا سَوَاءٌ وما كان منها نُسُكًا فَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي قَالَهُ وَإِنْ قال اللَّهُمَّ مِنْك وَإِلَيْك فَتَقَبَّلْ مِنِّي وَإِنْ ضَحَّى بها عن أَحَدٍ فقال تَقَبَّلْ من فُلَانٍ فَلَا بَأْسَ هذا دُعَاءٌ له لَا يُكْرَهُ في حَالٍ وقد روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من وَجْهٍ لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ أَنَّهُ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ فقال في أَحَدِهِمَا بَعْدَ ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ عز وجل اللَّهُمَّ عن مُحَمَّدٍ وَعَنْ آلِ مُحَمَّدٍ وفي الْآخَرِ اللَّهُمَّ عن مُحَمَّدٍ وَعَنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ( قال الرَّبِيعُ ) رَأَيْت الشَّافِعِيَّ إذَا حَضَرَ الْجَزَّارُ لِيَذْبَحَ الضَّحِيَّةَ حَضَرَهُ حتى يَذْبَحَ - * بَابُ الذَّبِيحَةِ وَفِيهِ من يَجُوزُ ذَبْحُهُ - *

(2/240)


في كِتَابِهِ وَسَوَاءٌ ذَبَائِحُ أَهْلِ الْكِتَابِ حَرْبِيِّينَ كَانُوا أو مُسْتَأْمَنِينَ أو ذِمَّةً (1) * كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ وَلَيْسَ في التَّرَاجِمِ وَتَرْجَمَ فيه ما يَحِلُّ وَيَحْرُمُ + * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَصْلُ ما يَحِلُّ أَكْلُهُ من الْبَهَائِمِ وَالدَّوَابِّ وَالطَّيْرِ شَيْئَانِ ثُمَّ يَتَفَرَّقَانِ فَيَكُونُ منها شَيْءٌ مُحَرَّمٌ نَصًّا في سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَشَيْءٌ مُحَرَّمٌ في جُمْلَةِ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل خَارِجٌ من الطَّيِّبَاتِ وَمِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فإن اللَّهَ عز وجل يقول { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ } وَيَقُولُ { أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ } فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنَّ اللَّهَ عز وجل يقول { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا على طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ } فَأَهْلُ التَّفْسِيرِ أو من سَمِعْت منه منهم يقول في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا } يعنى مِمَّا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ فإن الْعَرَبَ كانت تُحَرِّمُ أَشْيَاءَ على أنها من الْخَبَائِثِ وَتُحِلُّ أَشْيَاءَ على أنها من الطَّيِّبَاتِ فَأُحِلَّتْ لهم الطَّيِّبَاتُ عِنْدَهُمْ إلَّا ما اسْتَثْنَى منها وَحُرِّمَتْ عليهم الْخَبَائِثُ عِنْدَهُمْ قال اللَّهُ عز وجل { وَيُحَرِّمُ عليهم الْخَبَائِثَ } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على ما وَصَفْت قِيلَ لَا يَجُوزُ في تَفْسِيرِ الآي ( ( ( الآية ) ) ) إلَّا ما وَصَفْت من أَنْ تَكُونَ الْخَبَائِثُ مَعْرُوفَةً عِنْدَ من خُوطِبَ بها وَالطَّيِّبَاتُ كَذَلِكَ إمَّا في لِسَانِهَا وَإِمَّا في خَبَرٍ يَلْزَمُهَا وَلَوْ ذَهَبَ ذاهب إلي أَنْ يَقُولَ كُلُّ ما حَرُمَ حَرَامٌ بِعَيْنِهِ وما لم يَنُصَّ بِتَحْرِيمٍ فَهُوَ حَلَالٌ أَحَلَّ أَكْلَ الْعَذِرَةِ وَالدُّودِ وَشُرْبِ الْبَوْلِ لِأَنَّ هذا لم يُنَصَّ فَيَكُونُ مُحَرَّمًا وَلَكِنَّهُ دَاخِلٌ في مَعْنَى الْخَبَائِثِ التي حَرَّمُوا فَحُرِّمَتْ عليهم بِتَحْرِيمِهِمْ وكان هذا في شَرٍّ من حَالِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ الْمُحَرَّمَيْنِ لِأَنَّهُمَا نَجِسَانِ يُنَجِّسَانِ ما مَاسَّا وقد كانت الْمَيْتَةُ قبل الْمَوْتِ غير نَجِسَةٍ فَالْبَوْلُ وَالْعَذِرَةُ اللَّذَانِ لم يَكُونَا قَطُّ إلَّا نَجِسَيْنِ أَوْلَى أَنْ يَحْرُمَا أَنْ يُؤْكَلَا أو يُشْرَبَا وإذا كان هذا هَكَذَا فَفِيهِ كِفَايَةٌ مع أَنَّ ثَمَّ دَلَالَةٌ بِسُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فلما أَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِقَتْلِ الْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ وَالْعَقْرَبِ وَالْفَأْرَةِ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ دَلَّ هذا على تَحْرِيمِ أَكْلِ ما أَمَرَ بِقَتْلِهِ في الْإِحْرَامِ وَلَمَّا كان هذا من الطَّائِرِ وَالدَّوَابِّ كما وَصَفْت دَلَّ هذا على أَنْ أَنْظُرَ إلَى كل ما كانت الْعَرَبُ تَأْكُلُهُ فَيَكُونُ حَلَالًا وَإِلَى ما لم تَكُنْ الْعَرَبُ تَأْكُلُهُ فَيَكُونُ حَرَامًا فلم تَكُنْ الْعَرَبُ تَأْكُلُ كَلْبًا وَلَا ذِئْبًا وَلَا أَسَدًا وَلَا نَمِرًا وَتَأْكُلُ الضَّبُعَ فَالضَّبُعُ حَلَالٌ وَيُجْزِيهَا الْمُحَرَّمُ بِخَبَرٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أنها صَيْدٌ وَتُؤْكَلُ ولم تكن تَأْكُلْ الْفَأْرَ وَلَا الْعَقَارِبَ وَلَا الْحَيَّاتِ وَلَا الْحِدَأَ وَلَا الْغِرْبَانَ فَجَاءَتْ السُّنَّةُ مُوَافِقَةً لِلْقُرْآنِ بِتَحْرِيمِ ما حَرَّمُوا وَإِحْلَالِ ما أَحَلُّوا وَإِبَاحَةِ أَنْ يُقْتَلَ في الْإِحْرَامِ ما كان غير حَلَالٍ أَنْ يُؤْكَلَ ثُمَّ هذا أَصْلُهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْكَلَ الرَّخَمُ وَلَا الْبُغَاثُ وَلَا الصُّقُورُ وَلَا الصَّوَائِدُ من الطَّائِرِ كُلِّهِ مِثْلُ الشَّوَاهِينِ وَالْبُزَاةِ وَالْبَوَاشِقِ وَلَا تُؤْكَلُ الْخَنَافِسُ وَلَا الْجُعْلَان وَلَا الْعَظَاءُ وَلَا اللُّحَكَاءُ وَلَا الْعَنْكَبُوتُ وَلَا الزَّنَابِيرُ وَلَا كُلُّ ما كانت الْعَرَبُ لَا تَأْكُلُهُ وَيُؤْكَلُ الضَّبُّ وَالْأَرْنَبُ وَالْوَبْرُ وَحِمَارُ الْوَحْشِ وَكُلُّ ما أَكَلَتْهُ الْعَرَبُ أو فذاه ( ( ( فداه ) ) )
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا أَكْرَهُ ذَبِيحَةَ الْأَخْرَسِ الْمُسْلِمِ وَلَا الْمَجْنُونِ في حَالِ إفَاقَتِهِ وَأَكْرَهُ ذَبِيحَةَ السَّكْرَانِ وَالْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ في حَالِ جُنُونِهِ وَلَا أَقُولُ إنَّهَا حَرَامٌ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَلِمَ زَعَمْتَ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُجْزِي عن هَذَيْنِ لو صَلَّيَا وَأَنَّ ذَكَاتَهُمَا تُجْزِي قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ لِاخْتِلَافِ الصَّلَاةِ وَالذَّكَاةِ الصَّلَاةُ أَعْمَالٌ لَا تُجْزِي إلَّا من عَقَلَهَا وَلَا تُجْزِي إلَّا بِطَهَارَةٍ وفي وَقْتٍ وَأَوَّلٍ وَآخِرٍ وَهُمَا مِمَّا لَا يَعْقِلُ ذلك وَالذَّكَاةُ إنَّمَا أُرِيدُ أَنْ يُؤْتَى عليها فإذا أَتَيَا عليها لم أَسْتَطِعْ أَنْ أَجْعَلَهُمَا فيها أَسْوَأَ حَالًا من مُشْرِكٍ وَمُشْرِكَةٍ حَائِضٍ أو صَغِيرَةٍ لَا تَعْقِلُ أو من لَا تَجِبُ عليه الْحُدُودُ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ تُجْزِي ذَكَاتُهُ فَقُلْت بهذا الْمَعْنَى إنَّهُ إنَّمَا أُرِيدَ الْإِتْيَانُ على الذَّكَاةِ

(2/241)


الْمُحْرِمُ في سُنَّةٍ أو أَثَرٍ وَتُؤْكَلُ الضَّبُعُ وَالثَّعْلَبُ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مُسْلِمٌ وَعَبْدُ الْمَجِيدِ وَعَبْدُ اللَّهِ بن الحرث عن بن جُرَيْجٍ عن عبد اللَّهِ بن عُبَيْدِ بن عُمَيْرٍ عن بن أبي عَمَّارٍ قال سَأَلْت جَابِرَ بن عبد اللَّهِ عن الضَّبُعِ أَصَيْدٌ هِيَ فقال نعم قُلْت أَتُؤْكَلُ قال نعم قُلْت أَسَمِعْتَهُ من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال نعم (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالدَّوَابُّ وَالطَّيْرُ على أُصُولِهَا فما كان منها أَصْلُهُ وَحْشِيًّا واستأنس ( ( ( واستؤنس ) ) ) فَهُوَ فِيمَا يَحِلُّ منه وَيَحْرُمُ كَالْوَحْشِ وَذَلِكَ مِثْلُ حِمَارِ الْوَحْشِ وَالظَّبْيِ يُسْتَأْنَسَانِ وَالْحِمَارُ يُسْتَأْنَسُ فَلَا يَكُونُ لِلْمُحْرِمِ قَتْلُهُ فَإِنْ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ وَيَحِلُّ أَنْ يَذْبَحَ حِمَارَ الْوَحْشِ الْمُسْتَأْنَسِ فَيُؤْكَلُ وما كان لَا أَصْلَ له في الْوَحْشِ مِثْلُ الدَّجَاجِ وَالْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَالْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَالْبَقَرِ فَتَوَحَّشَتْ فَقَتَلَهَا الْمُحْرِمُ لم يُجِزْهَا وَيَغْرَمُ قِيمَتَهَا لِلْمَالِكِ إنْ كان لها لِأَنَّا صَيَّرْنَا هذه الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا على أُصُولِهَا فَإِنْ قال قَائِلٌ في الْوَحْشِ بَقَرٌ وَظِبَاءٌ مِثْلُ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ قِيلَ نعم تُخْلَقُ غير خَلْقِ الْأَهْلِيَّةِ شَبَهًا لها مَعْرُوفَةً منها وَلَوْ أَنَّا زَعَمْنَا أَنَّ حِمَارَ الْوَحْشِ إذَا تَأَهَّلَ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ دخل عَلَيْنَا أَنْ لو قَتَلَهُ مُحْرِمٌ لم يُجِزْهُ كما لو قَتَلَ حِمَارًا أَهْلِيًّا لم يُجِزْهُ وَدَخَلَ عَلَيْنَا في الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ أَنْ لو تَوَحَّشَ كان حَلَالًا وَكُلُّ ما تَوَحَّشَ من الْأَهْلِيِّ في حُكْمِ الْوَحْشِيِّ وما استأنس ( ( ( استؤنس ) ) ) من الْوَحْشِيِّ في حُكْمِ الْإِنْسِيِّ فَأَمَّا الْإِبِلُ التي أَكْثَرُ عَلَفِهَا الْعَذِرَةُ الْيَابِسَةُ فَكُلُّ ما صَنَعَ هذا من الدَّوَابِّ التي تُؤْكَلُ فَهِيَ جَلَّالَةٌ وَأَرْوَاحُ الْعَذِرَةِ تُوجَدُ في عِرْقِهَا وجررها ( ( ( وجرارها ) ) ) لِأَنَّ لُحُومَهَا تغتذى بها فَتَقْلِبُهَا وما كان من الْإِبِلِ وَغَيْرِهَا أَكْثَرُ عَلَفِهِ من غَيْرِ هذا وكان يَنَالُ هذا قَلِيلًا فَلَا يَبِينُ في عِرْقِهِ وَلَا جُرُرِهِ لِأَنَّ اغْتِذَاءَهُ من غَيْرِهِ فَلَيْسَ بِجَلَّالٍ مَنْهِيٍّ عنه وَالْجَلَّالَةُ مَنْهِيٌّ عن لُحُومِهَا حتى تُعْلَفَ عَلَفًا غَيْرَهُ ما تَصِيرُ بِهِ إلَى أَنْ يُوجَدَ عِرْقُهَا وَجُرُرُهَا مُنْقَلِبًا عَمَّا كانت تَكُونُ عليه فَيُعْلَمُ أَنَّ اغْتِذَاءَهَا قد انْقَلَبَ فَانْقَلَبَ عِرْقُهَا وَجُرُرُهَا فَتُؤْكَلُ إذَا كانت هَكَذَا وَلَا نجد ( ( ( تجد ) ) ) شيئا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَجِدَهُ فيها كُلِّهَا أَبْيَنَ من هذا وقد جاء في بَعْضِ الْآثَارِ أَنَّ الْبَعِيرَ يُعْلَفُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَالشَّاةُ عَدَدًا أَقَلَّ من هذا وَالدَّجَاجَةُ سَبْعًا وَكُلُّهُمْ فِيمَا يُرَى إنَّمَا أَرَادَ الْمَعْنَى الذي وَصَفْت من تَغَيُّرِهَا من الطِّبَاعِ الْمَكْرُوهَةِ إلَى الطِّبَاعِ غَيْرِ الْمَكْرُوهَةِ التي هِيَ في فِطْرَةِ الدَّوَابِّ - * بَابُ ذَبَائِحِ بَنِي إسْرَائِيلَ - * أخبرنا الرَّبِيعُ قال + ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { كُلُّ الطَّعَامِ كان حِلًّا لِبَنِي إسْرَائِيلَ إلَّا ما حَرَّمَ إسْرَائِيلُ على نَفْسِهِ } الْآيَةَ وقال عز ذِكْرُهُ { فَبِظُلْمٍ من الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عليهم طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لهم } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) يَعْنِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ طَيِّبَاتٍ كانت أُحِلَّتْ لهم وقال عز وجل { وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ } إلَى قَوْلِهِ { لَصَادِقُونَ } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) الْحَوَايَا ما حَوَى الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ في الْبَطْنِ فلم يَزَلْ ما حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى على بَنِي إسْرَائِيلَ الْيَهُودِ خَاصَّةً وَغَيْرِهِمْ عَامَّةً مُحَرَّمًا من حِينِ حَرَّمَهُ حتى بَعَثَ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ مُحَمَّدًا صلى اللَّهُ عليه وسلم فَفَرَضَ الْإِيمَانَ بِهِ وَأَمَرَ بِاتِّبَاعِ رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَطَاعَةِ أَمْرِهِ وَأَعْلَمَ خَلْقَهُ أَنَّ طَاعَتَهُ طَاعَتُهُ وَأَنَّ دِينَهُ الْإِسْلَامُ الذي نَسَخَ بِهِ كُلَّ دِينٍ كان قَبْلَهُ وَجَعَلَ من أَدْرَكَهُ وَعَلِمَ دِينَهُ فلم يَتَّبِعْهُ كَافِرًا بِهِ فقال { إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ } فَكَانَ هذا في الْقُرْآنِ وَأَنْزَلَ عز وجل في أَهْلِ الْكِتَابِ من الْمُشْرِكِينَ { قُلْ يا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ }
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما يُبَاعُ لَحْمُ الضِّبَاعِ بِمَكَّةَ إلَّا بين الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَكُلُّ ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ لَا يَكُونُ إلَّا ما عَدَا على الناس وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا في ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ من السِّبَاعِ الْأَسَدُ وَالذِّئَابُ وَالنُّمُورُ فَأَمَّا الضَّبُعُ فَلَا يَعْدُو على الناس وَكَذَلِكَ الثَّعْلَبُ وَيُؤْكَلُ الْيَرْبُوعُ وَالْقُنْفُذُ

(2/242)


إلَى قَوْلِهِ { مُسْلِمُونَ } وَأُمِرْنَا بِقِتَالِهِمْ حتى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ إنْ لم يُسْلِمُوا وَأَنْزَلَ فِيهِمْ { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النبي الْأُمِّيَّ الذي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ في التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ } إلَى قَوْلِهِ { وَالْأَغْلَالَ التي كانت عليهم } فَقِيلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَوْزَارَهُمْ وما مَنَعُوا بِمَا أَحْدَثُوا قبل ما شُرِعَ من دِينِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّهُ عليه وسلم فلم يَبْقَ خَلْقٌ يَعْقِلُ مُنْذُ بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى مُحَمَّدًا صلى اللَّهُ عليه وسلم كِتَابِيٌّ وَلَا وَثَنِيٌّ وَلَا حَيٌّ ذُو رُوحٍ من جِنٍّ وَلَا إنْسٍ بَلَغَتْهُ دَعْوَةُ مُحَمَّدٍ صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا قَامَتْ عليه حُجَّةُ اللَّهِ عز وجل بِاتِّبَاعِ دِينِهِ وكان مُؤْمِنًا بِاتِّبَاعِهِ وَكَافِرًا بِتَرْكِ اتِّبَاعِهِ وَلَزِمَ كُلَّ امريء ( ( ( امرئ ) ) ) منهم آمَنَ بِهِ أو كَفَرَ تَحْرِيمُ ما حَرَّمَ اللَّهُ عز وجل على لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان مُبَاحًا قَبْلَهُ في شَيْءٍ من الْمِلَلِ وَأَحَلَّ اللَّهُ عز وجل طَعَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ وقد وَصَفَ ذَبَائِحَهُمْ ولم يَسْتَثْنِ منها شيئا فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَحْرُمَ منها ذَبِيحَةُ كِتَابِيٍّ وفي الذَّبِيحَةِ حَرَامٌ على كل مُسْلِمٍ مِمَّا كان حَرُمَ على أَهْلِ الْكِتَابِ قبل مُحَمَّدٍ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبْقَى من شَحْمِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَكَذَلِكَ لو ذَبَحَهَا كتابى لِنَفْسِهِ وَأَبَاحَهَا لِمُسْلِمٍ لم يَحْرُمْ على مُسْلِمٍ من شَحْمِ بَقَرٍ وَلَا غَنَمٍ منها شَيْءٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ حَلَالًا من جِهَةِ الذَّكَاةِ لِأَحَدٍ حَرَامًا على غَيْرِهِ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل أَبَاحَ ما ذَكَرَ عَامًّا لَا خَاصًّا فَإِنْ قال قَائِلٌ هل يَحْرُمُ على أَهْلِ الْكِتَابِ ما حَرُمَ عليهم قبل مُحَمَّدٍ صلى اللَّهُ عليه وسلم من هذه الشُّحُومِ وَغَيْرِهَا إذَا لم يَتَّبِعُوا مُحَمَّدًا صلى اللَّهُ عليه وسلم فَقَدْ قِيلَ ذلك كُلُّهُ مُحَرَّمٌ عليهم حتى يُؤْمِنُوا وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُحَرَّمًا عليهم وقد نُسِخَ ما خَالَفَ دِينَ مُحَمَّدٍ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِدِينِهِ كما لَا يَجُوزُ إنْ كانت الْخَمْرُ حَلَالًا لهم إلَّا أَنْ تَكُونَ مُحَرَّمَةً عليهم إذْ حُرِّمَتْ على لِسَانِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَإِنْ لم يَدْخُلُوا في دِينِهِ - * ما حَرَّمَ الْمُشْرِكُونَ على أَنْفُسِهِمْ - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَرَّمَ الْمُشْرِكُونَ على أَنْفُسِهِمْ من أَمْوَالِهِمْ أَشْيَاءَ أَبَانَ اللَّهُ عز وجل أنها لَيْسَتْ حَرَامًا بِتَحْرِيمِهِمْ وقد ذَكَرْت بَعْضَ ما ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى منها وَذَلِكَ مِثْلُ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ كَانُوا يَتْرُكُونَهَا في الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ كَالْعِتْقِ فَيُحَرِّمُونَ أَلْبَانَهَا وَلُحُومَهَا وَمِلْكَهَا وقد فَسَّرْته في غَيْرِ هذا الْمَوْضِعِ فقال تَبَارَكَ وَتَعَالَى { ما جَعَلَ اللَّهُ من بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ } وقال { قد خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمْ اللَّهُ افْتِرَاءً على اللَّهِ قد ضَلُّوا وما كَانُوا مُهْتَدِينَ } وقال اللَّهُ عز وجل وهو يَذْكُرُ ما حَرَّمُوا { وَقَالُوا هذه أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إلَّا من نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ } إلَى قَوْلِهِ { حَكِيمٌ عَلِيمٌ } وَقَالُوا { ما في بُطُونِ هذه الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ على أَزْوَاجِنَا } الْآيَةَ وقال { ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ من الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنْ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ } الْآيَةَ وَالْآيَتَيْنِ بَعْدَهَا فَأَعْلَمَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ لَا يُحَرِّمُ عليهم ما حَرَّمُوا وَيُقَالُ نَزَلَتْ فِيهِمْ { قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمْ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هذا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ } فَرَدَّ إلَيْهِمْ ما أَخْرَجُوا من الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ لم يُحَرِّمْ عليهم ما حَرَّمُوا بِتَحْرِيمِهِمْ وقال { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إلَّا ما يُتْلَى عَلَيْكُمْ } يعنى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ من الْمَيْتَةِ وَيُقَالُ أُنْزِلَ في ذلك { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا على طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ } إلَى قَوْلِهِ { فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ } وَهَذَا يُشْبِهُ ما قِيلَ يَعْنِي { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا } أَيْ من بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ إلَّا مَيْتَةً أو دَمًا مَسْفُوحًا منها وَهِيَ حَيَّةٌ أو ذَبِيحَةُ كَافِرٍ وَذَكَرَ تَحْرِيمَ الْخِنْزِيرِ مَعَهَا وقد قِيلَ ما كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ إلَّا كَذَا وقال { فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا } إلَى قَوْلِهِ { وما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ } وَهَذِهِ الْآيَةُ في مِثْلِ مَعْنَى الْآيَةِ قَبْلَهَ

(2/243)


- * ما حَرُمَ بِدَلَالَةِ النَّصِّ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عن تَرَاضٍ مِنْكُمْ } وقال { إنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إنَّمَا يَأْكُلُونَ في بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا }
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَيُحِلُّ لهم الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عليهم الْخَبَائِثَ } فَيُقَالُ يُحِلُّ لهم الطَّيِّبَاتِ عِنْدَهُمْ وَيُحَرِّمُ عليهم الْخَبَائِثَ عِنْدَهُمْ قال اللَّهُ عز وجل { لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ من النَّعَمِ } وكان الصَّيْدُ ما امْتَنَعَ بِالتَّوَحُّشِ كُلُّهُ وَكَانَتْ الْآيَةُ مُحْتَمِلَةً أَنْ يَحْرُمَ على الْمُحْرِمِ ما وَقَعَ عليه اسْمُ صَيْدٍ وهو يجزئ بَعْضَ الصَّيْدِ دُونَ بَعْضٍ فَدَلَّتْ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على أَنَّ من الصَّيْدِ شيئا ليس على الْمُحْرِمِ جَزَاؤُهُ كُلُّ ما يُبَاحُ لِلْمُحْرِمِ قَتْلُهُ ولم يَكُنْ في الصَّيْدِ شَيْءٌ يَتَفَرَّقُ إلَّا بِأَحَدِ مَعْنَيَيْنِ إمَّا بِأَنْ يَكُونَ اللَّهُ عز وجل أَرَادَ أَنْ يفدى الصَّيْدَ الْمُبَاحَ أَكْلُهُ وَلَا يفدى ما لَا يُبَاحُ أَكْلُهُ وَهَذَا أَوْلَى مَعْنَيَيْهِ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَصِيدُونَ لِيَأْكُلُوا لَا لِيَقْتُلُوا وهو يُشْبِهُ دَلَالَةَ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل قال اللَّهُ تَعَالَى { لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّهُ بِشَيْءٍ من الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ } وقال عز وجل { لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } وقال { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُمًا } فذكر جَلَّ ثَنَاؤُهُ إبَاحَةَ صَيْدِ الْبَحْرِ لِلْمُحْرِمِ وَمَتَاعًا له يَعْنِي طَعَامًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ حَرَّمَ صَيْدَ الْبَرِّ فَأَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا حَرَّمَ عليه بِالْإِحْرَامِ ما كان أَكْلُهُ مُبَاحًا له قبل الْإِحْرَامِ ثُمَّ أَبَاحَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَقْتُلَ الْغُرَابَ وَالْحِدَأَةَ وَالْفَأْرَةَ وَالْكَلْبَ الْعَقُورَ وَالْأَسَدَ وَالنَّمِرَ وَالذِّئْبَ الذي يَعْدُو على الناس فَكَانَتْ مُحَرَّمَةَ الْأَكْلِ على لِسَانِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذْ نهى عن أَكْلِ كل ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ فَكَانَ ما أُبِيحَ قَتْلُهُ مَعَهَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مُحَرَّمَ الْأَكْلِ لِإِبَاحَتِهِ مَعَهَا وَأَنَّهُ لَا يَضُرُّ ضَرَرُهَا وَأَبَاحَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَكْلَ الضَّبُعِ وهو أَعْظَمُ ضَرَرًا من الْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ وَالْفَأْرَةِ أَضْعَافًا وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَقْتُلَ الْمُحْرِمُ ما ضَرَّ وَلَا يَقْتُلَ ما لَا يَضُرُّ وَيَفْدِيهِ إنْ قَتَلَهُ وَلَيْسَ هذا مَعْنَاهُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَحَلَّ أَكْلَ لَحْمِ الضَّبُعِ وَأَنَّ السَّلَفَ وَالْعَامَّةَ عِنْدَهُمْ فَدَوْهَا وَهِيَ أَعْظَمُ ضَرَرًا من الْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ والفأرة ( ( ( والفأر ) ) ) وَكُلُّ ما لم تَكُنْ الْعَرَبُ تَأْكُلُهُ من غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَكَانَتْ تَدَعُهُ على التَّقَذُّرِ بِهِ مُحَرَّمٌ وَذَلِكَ مِثْلُ الْحِدَأِ وَالْبُغَاثِ وَالْعُقْبَانِ وَالْبُزَاةِ وَالرَّخَمِ وَالْفَأْرَةِ وَاللُّحَكَاءِ وَالْخَنَافِسِ وَالْجِعْلَانِ وَالْعَظَاءِ وَالْعَقَارِبِ وَالْحَيَّاتِ وَالذَّرِّ وَالذِّبَّانِ وما أَشْبَهَ هذا وَكُلُّ ما كانت تَأْكُلُهُ لم يَنْزِلْ تَحْرِيمُهُ ولم يَكُنْ في مَعْنَى ما نَصَّ تَحْرِيمَهُ أو يَكُونُ على تَحْرِيمِهِ دَلَالَةٌ فَهُوَ حَلَالٌ كَالْيَرْبُوعِ وَالضَّبُعِ وَالثَّعْلَبِ وَالضَّبِّ وما كانت لَا تَأْكُلُهُ ولم يَنْزِلْ تَحْرِيمُهُ مِثْلُ الْبَوْلِ والخرء ( ( ( والخمر ) ) ) وَالدُّودِ وما في هذا الْمَعْنَى وَعِلْمُ هذا مَوْجُودٌ عِنْدَهَا إلَى الْيَوْمِ وَكُلُّ ما قُلْت حَلَالٌ حَلَّ ثَمَنُهُ وَيَحِلُّ بِالذَّكَاةِ وَكُلُّ ما قُلْت حَرَامٌ حَرُمَ ثَمَنُهُ ولم يَحِلَّ بِالذَّكَاةِ وَلَا يَجُوزُ أَكْلُ التِّرْيَاقِ الْمَعْمُولِ بِلُحُومِ الْحَيَّاتِ إلَّا أَنْ يَجُوزَ في حَالِ ضَرُورَةٍ وَحَيْثُ تَجُوزُ الْمَيْتَةُ وَلَا تَجُوزُ مَيْتَةٌ بِحَالٍ - * الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ - * أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال

(2/244)


وقال عز وجل { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } فَبَيَّنَ اللَّهُ عز وجل في كِتَابِهِ أَنَّ مَالَ الْمَرْأَةِ مَمْنُوعٌ من زَوْجِهَا الْوَاجِبُ الْحَقُّ عليها إلَّا بِطِيبِ نَفْسِهَا وَأَبَاحَهُ بِطِيبِ نَفْسِهَا لِأَنَّهَا مَالِكَةٌ لِمَالِهَا مَمْنُوعٌ بِمِلْكِهَا مُبَاحٌ بِطِيبِ نَفْسِهَا كما قضي اللَّهُ عز وجل في كِتَابِهِ وَهَذَا بَيَّنَ أَنَّ كُلَّ من كان مَالِكًا فَمَالُهُ مَمْنُوعٌ بِهِ مُحَرَّمٌ إلَّا بِطِيبِ نَفْسِهِ بِإِبَاحَتِهِ فَيَكُونُ مُبَاحًا بِإِبَاحَةِ مَالِكِهِ له لَا فَرْقَ بين الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ وَبَيَّنَ أَنَّ سُلْطَانَ الْمَرْأَةِ على مَالِهَا كَسُلْطَانِ الرَّجُلِ على مَالِهِ إذَا بَلَغَتْ الْمَحِيضَ وَجَمَعَتْ الرُّشْدَ وَقَوْلُ اللَّهِ عز وجل { إنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا } يَدُلُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا لم يَسْتَثْنِ فيه إلَّا بِطِيبِ أَنْفُسِ الْيَتَامَى على أَنَّ طِيبَ نَفْسِ الْيَتِيمِ لَا يُحِلُّ أَكْلَ مَالِهِ وَالْيَتِيمُ وَالْيَتِيمَةُ في ذلك وَاحِدٌ وَالْمَحْجُورُ عليه عِنْدَنَا كَذَلِكَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسَلَّطٍ على مَالِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّ الناس في أَمْوَالِهِمْ وَاحِدٌ من اثْنَيْنِ مُخَلًّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ فما حَلَّ له فَأُحِلُّهُ لِغَيْرِهِ حِلٌّ أو مَمْنُوعٌ من مَالِهِ فما أَبَاحَ منه لم يَجُزْ لِمَنْ أَبَاحَهُ له لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسَلَّطٍ على إبَاحَتِهِ له فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ لِلْحَجْرِ في الْقُرْآنِ أَصْلٌ يَدُلُّ عليه قِيلَ نعم إنْ شَاءَ اللَّهُ قال اللَّهُ عز وجل { فَإِنْ كان الذي عليه الْحَقُّ سَفِيهًا أو ضَعِيفًا أو لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هو فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ } الْآيَةَ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال
أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا يَحْلُبَن أحدكم مَاشِيَةَ أَخِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَيُحِبُّ أحدكم أَنْ تُؤْتَى مَشْرَبَتُهُ فَتُكْسَرَ فَيُنْتَقَلَ مَتَاعُهُ وقد روى حَدِيثٌ لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ إذَا دخل أحدكم الْحَائِطَ فَلْيَأْكُلْ وَلَا يَتَّخِذْ خُبْنَةً وما لَا يَثْبُتُ لَا حُجَّةَ فيه وَلَبَنُ الْمَاشِيَةِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا فَإِنْ لم يَثْبُتْ هَكَذَا من ثَمَرِ الْحَائِطِ لِأَنَّ ذلك اللَّبَنَ يُسْتَخْلَفُ في كل يَوْمٍ وَاَلَّذِي يَعْرِفُ الناس أَنَّهُمْ يَبْذُلُونَ منه وَيُوجِبُونَ من بَذْلِهِ ما لَا يَبْذُلُونَ من الثَّمَرِ وَلَوْ ثَبَتَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قُلْنَا بِهِ ولم نُخَالِفْهُ - * جِمَاعُ ما يَحِلُّ من الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَيَحْرُمُ - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أَصْلُ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ إذَا لم يَكُنْ لِمَالِكٍ من الْآدَمِيِّينَ أو أَحَلَّهُ مَالِكُهُ من الْآدَمِيِّينَ حَلَالٌ إلَّا ما حَرَّمَ اللَّهُ عز وجل في كِتَابِهِ أو على لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فإن ما حَرَّمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَزِمَ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل أَنْ يُحَرَّمَ وَيُحَرَّمَ ما لم يَخْتَلِفْ الْمُسْلِمُونَ في تَحْرِيمِهِ وكان في مَعْنَى كِتَابٍ أو سُنَّةٍ أو إجْمَاعٍ فَإِنْ قال قَائِلٌ فما الْحُجَّةُ في أَنَّ كُلَّ ما كان مُبَاحَ الْأَصْلِ يَحْرُمُ بِمَالِكِهِ حتى يَأْذَنَ فيه مَالِكُهُ فَالْحُجَّةُ فيه أَنَّ اللَّهَ عز وجل قال { لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عن تَرَاضٍ مِنْكُمْ } وقال تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ } الْآيَةَ وقال { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } إلَى قَوْلِهِ { هَنِيئًا مَرِيئًا } مع آيٍ كَثِيرَةٍ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل حَظَرَ فيها أَمْوَالَ الناس إلَّا بِطِيبِ أَنْفُسِهِمْ إلَّا بِمَا فُرِضَ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل ثُمَّ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَجَاءَتْ بِهِ حُجَّةٌ ( قال )
أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال لَا يَحْلُبَن أحدكم مَاشِيَةَ أَخِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَيُحِبُّ أحدكم أَنْ تُؤْتَى مَشْرَبَتُهُ فَتُكْسَرَ فَأَبَانَ اللَّهُ في كِتَابِهِ أَنَّ ما كان مِلْكًا لآدمى لم يَحِلَّ بِحَالٍ إلَّا بِإِذْنِهِ وَأَبَانَه

(2/245)


رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَجَعَلَ الْحَلَالَ حَلَالًا بِوَجْهٍ حَرَامًا بِوَجْهٍ آخَرَ وَأَبَانَتْهُ السُّنَّةُ فإذا مَنَعَ اللَّهُ عز وجل مَالَ الْمَرْأَةِ إلَّا بِطِيبِ نَفْسِهَا وَاسْمُ الْمَالِ يَقَعُ على الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَفِي ذلك مَعْنَى سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في اللَّبَنِ الذي تَخِفُّ مُؤْنَتُهُ على مَالِكِهِ وَيُسْتَخْلَفُ في الْيَوْمِ مَرَّةً أو مَرَّتَيْنِ فَحَرُمَ الْأَقَلُّ إلَّا بِإِذْنِ مَالِكِهِ كان الْأَكْثَرُ مِثْلَ الْأَقَلِّ أو أَعْظَمَ تَحْرِيمًا بِقَدْرِ عِظَمِهِ على ما هو أَصْغَرُ منه من مَالِ الْمُسْلِمِ وَمِثْلُ هذا ما فَرَضَ اللَّهُ عز وجل من الْمَوَارِيثِ بَعْدَ مَوْتِ مَالِكِ الْمَالِ فلما لم يَكُنْ لِقَرِيبٍ أَنْ يَرِثَ الْمَالَ الذي قد صَارَ مَالِكُهُ غير مَالِكٍ إلَّا بِمَا مَلَكَ كان لَأَنْ يَأْخُذَ مَالَ حَيٍّ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسِهِ أو مَيِّتٍ بِغَيْرِ ما جَعَلَ اللَّهُ له أَبْعَدَ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أَصْلُ ما يَمْلِكُ الناس مِمَّا يَكُونُ مَأْكُولًا وَمَشْرُوبًا شيآن ( ( ( شيئان ) ) ) أَحَدُهُمَا ما فيه رُوحٌ وَذَلِكَ الذي فيه مُحَرَّمٌ وَحَلَالٌ وَمِنْهُ ما لَا رُوحَ فيه وَذَلِكَ كُلُّهُ حَلَالٌ إذَا كان بِحَالِهِ التي خَلَقَهُ اللَّهُ بها وكان الْآدَمِيُّونَ لم يُحْدِثُوا فيه صَنْعَةً خَلَطُوهُ بِمُحَرَّمٍ أو اتَّخَذُوهُ مُسْكِرًا فإن هذا مُحَرَّمٌ وما كان منه سُمًّا يَقْتُلُ رَأَيْته مُحَرَّمًا لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل حَرَّمَ قَتْلَ النَّفْسِ على الْآدَمِيِّينَ ثُمَّ قَتْلَهُمْ أَنْفُسَهُمْ خَاصَّةً وما كان منه خَبِيثًا قَذِرًا فَقَدْ تَرَكَتْهُ الْعَرَبُ تَحْرِيمًا له بِقَذَرِهِ وَيَدْخُلُ في ذلك ما كان نَجِسًا وما عَرَفَهُ الناس سُمًّا يَقْتُلُ خِفْت أَنْ لَا يَكُونَ لِأَحَدٍ رُخْصَةٌ في شُرْبِهِ لِدَوَاءٍ وَلَا غَيْرِهِ وَأَكْرَهُ قَلِيلَهُ وَكَثِيرَهُ خَلَطَهُ غَيْرُهُ أو لم يَخْلِطْهُ وَأَخَافُ منه على شَارِبِهِ وَسَاقِيهِ أَنْ يَكُونَ قَاتِلًا نَفْسَهُ وَمَنْ سَقَاهُ وقد قِيلَ يَحْرُمُ الْكَثِيرُ الْبَحْتُ منه وَيَحِلُّ الْقَلِيلُ الذي الْأَغْلَبُ منه أنه يَنْفَعَ وَلَا يَبْلُغَ أَنْ يَكُونَ قَاتِلًا وقد سَمِعْت بِمَنْ مَاتَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَالْأَمْوَالُ مُحَرَّمَةٌ بِمَالِكِهَا مَمْنُوعَةٌ إلَّا بِمَا فَرَضَ اللَّهُ عز وجل في كِتَابِهِ وَبَيَّنَهُ على لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَبِسُنَّةِ رَسُولِهِ فَلَزِمَ خَلْقَهُ بِفَرْضِهِ طَاعَةُ رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فإنه يَجْمَعُ مَعْنَيَيْنِ مِمَّا لِلَّهِ عز وجل طَاعَةٌ بِمَا أَوْجَبَ في أَمْوَالِ الْأَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ طَابَتْ أَنْفُسُهُمْ بِذَلِكَ أو لم تَطِبْ من الزَّكَاةِ وما لَزِمَهُمْ بِإِحْدَاثِهِمْ وَإِحْدَاثِ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ سَنَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على من سَنَّ منهم أَخْذَهُ من أَمْوَالِهِمْ وَالْمَعْنَى الثَّانِي يُبَيِّنُ أَنَّ ما أَمَرَ بِهِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلَازِمٌ بِفَرْضِ اللَّهِ عز وجل فَذَلِكَ مِثْلُ الدِّيَةِ على قَاتِلِ الْخَطَأِ فَيَكُونُ على عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ وَإِنْ لم تَطِبْ بها أَنْفُسُهُمْ وَغَيْرُ ذلك مِمَّا هو مَوْضُوعٌ في مَوَاضِعِهِ من الزَّكَاةِ وَالدِّيَاتِ وَلَوْلَا الِاسْتِغْنَاءُ بِعِلْمِ الْعَامَّةِ بِمَا وَصَفْنَا في هذا لَأَوْضَحْنَا من تَفْسِيرِهِ أَكْثَرَ مِمَّا كَتَبْنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَمَنْ مر ( ( ( أمر ) ) ) لِرَجُلٍ بِزَرْعٍ أو تَمْرٍ أو مَاشِيَةٍ أو غَيْرِ ذلك من مَالِهِ لم يَكُنْ له أَخْذُ شَيْءٍ منه إلَّا بِإِذْنِهِ لِأَنَّ هذا مِمَّا لم يَأْتِ فيه كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ بِإِبَاحَتِهِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ بِمَالِكِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وقد قِيلَ من مَرَّ بِحَائِطٍ فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ وَلَا يَتَّخِذَ خُبْنَةً وروى فيه حَدِيثٌ لو كان يَثْبُتُ مِثْلُهُ عِنْدَنَا لم نُخَالِفْهُ وَالْكِتَابُ وَالْحَدِيثُ الثَّابِتُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَكْلُ مَالِ أَحَدٍ إلَّا بِإِذْنِهِ وَلَوْ اُضْطُرَّ رَجُلٌ فَخَافَ الْمَوْتَ ثُمَّ مَرَّ بِطَعَامٍ لِرَجُلٍ لم أَرَ بَأْسًا أَنْ يَأْكُلَ منه ما يَرُدُّ من جُوعِهِ وَيَغْرَمُ له ثَمَنَهُ ولم أَرَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَمْنَعَهُ في تِلْكَ الْحَالِ فَضْلًا من طَعَامٍ عِنْدَهُ وَخِفْت أَنْ يَضِيقَ ذلك عليه وَيَكُونَ أَعَانَ على قَتْلِهِ إذَا خَافَ عليه بِالْمَنْعِ الْقَتْلَ - * جِمَاعُ ما يَحِلُّ وَيَحْرُمُ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ مِمَّا يَمْلِكُ الناس - *

(2/246)


من قَلِيلٍ قد بَرَأَ منه غَيْرُهُ فَلَا أُحِبُّهُ وَلَا أُرَخِّصُ فيه بِحَالٍ وقد يُقَاسُ بِكَثِيرِ السُّمِّ وَلَا يَمْنَعُ هذا أَنْ يَكُونَ يَحْرُمُ شُرْبُهُ - * تَفْرِيعُ ما يَحِلُّ وَيَحْرُمُ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أَصْلُ التَّحْرِيمِ نَصُّ كِتَابٍ أو سُنَّةٍ أو جُمْلَةُ كِتَابٍ أو سُنَّةٍ أو إجْمَاعٍ قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النبي الْأُمِّيَّ الذي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ في التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عن الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لهم الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عليهم الْخَبَائِثَ } وقال عز وجل { يَسْأَلُونَك مَاذَا أُحِلَّ لهم } الْآيَةَ وَإِنَّمَا تَكُونُ الطَّيِّبَاتُ وَالْخَبَائِثُ عِنْدَ الْآكِلِينَ كَانُوا لها وَهُمْ الْعَرَبُ الَّذِينَ سَأَلُوا عن هذا وَنَزَلَتْ فِيهِمْ الْأَحْكَامُ وَكَانُوا يَكْرَهُونَ من خَبِيثِ الْمَآكِلِ مالا يَكْرَهُهَا غَيْرُهُمْ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَسَمِعْت بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا على طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ } الْآيَةَ يَعْنِي مِمَّا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ في الْآيِ التي ذُكِرَتْ في هذا الْكِتَابِ وما في مَعْنَاهُ ما يَدُلُّ على ما وَصَفْت فَإِنْ قال قَائِلٌ ما يَدُلُّ على ما وَصَفْت قِيلَ أَرَأَيْت لو زَعَمْنَا أَنَّ الْأَشْيَاءَ مُبَاحَةٌ إلَّا ما جاء فيه نَصُّ خَبَرٍ في كِتَابٍ أو سُنَّةٍ أَمَّا زَعْمُنَا أَنَّ أَكْلَ الدُّودِ وَالذِّبَّانِ وَالْمُخَاطِ وَالنُّخَامَةِ وَالْخَنَافِسِ وَاللُّحَكَاءِ وَالْعَظَاءِ وَالْجِعْلَانِ وَخُشَاشِ الْأَرْضِ وَالرَّخَمِ وَالْعُقْبَانِ وَالْبُغَاثِ وَالْغِرْبَانِ وَالْحِدَأِ وَالْفَأْرِ وما في مِثْلِ حَالِهَا حَلَالٌ فَإِنْ قال قَائِلٌ فما دَلَّ على تَحْرِيمِهَا قِيلَ قال اللَّهُ عز وجل { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُمًا } فَكَانَ شيئآن حَلَالَيْنِ فَأَثْبَتَ تَحْلِيلَ أَحَدِهِمَا وهو صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ وَطَعَامُهُ مَالِحُهُ وَكُلُّ ما فيه مَتَاعٌ لهم يَسْتَمْتِعُونَ بِأَكْلِهِ وَحُرِّمَ عليهم صَيْدُ الْبَرِّ أَنْ يَسْتَمْتِعُوا بِأَكْلِهِ في
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ قال اللَّهُ تَعَالَى { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إلَّا ما يُتْلَى عَلَيْكُمْ غير مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } فَاحْتَمَلَ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ } إحْلَالَهَا دُونَ ما سِوَاهَا وَاحْتَمَلَ إحْلَالَهَا بِغَيْرِ حَظْرِ ما سِوَاهَا وَاحْتَمَلَ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وقد فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إلَّا ما اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ } وَقَوْلُهُ عز وجل { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا على طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أو دَمًا مَسْفُوحًا أو لَحْمَ خِنْزِيرٍ فإنه رِجْسٌ أو فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ } وَقَوْلُهُ { فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عليه } وما أَشْبَهَ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ أَنْ يَكُونَ أَبَاحَ كُلَّ مَأْكُولٍ لم يَنْزِلْ تَحْرِيمُهُ في كِتَابِهِ نَصًّا وَاحْتَمَلَ كُلَّ مَأْكُولٍ من ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ لم يَنْزِلْ تَحْرِيمُهُ بِعَيْنِهِ نَصًّا أو تَحْرِيمُهُ على لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَيَحْرُمُ بِنَصِّ الْكِتَابِ وَتَحْلِيلُ الْكِتَابِ بِأَمْرِ اللَّهِ عز وجل بِالِانْتِهَاءِ إلَى أَمْرِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَيَكُونُ إنَّمَا حَرُمَ بِالْكِتَابِ في الْوَجْهَيْنِ فلما احْتَمَلَ أَمْرَ هذه الْمَعَانِي كان أَوْلَاهَا بِنَا الِاسْتِدْلَالَ على ما يَحِلُّ وَيَحْرُمُ بِكِتَابِ اللَّهِ ثُمَّ سُنَّةٍ تُعْرِبُ عن كِتَابِ اللَّهِ أو أَمْرٍ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عليه فإنه لَا يُمْكِنُ في اجْتِمَاعِهِمْ أَنْ يَجْهَلُوا لِلَّهِ حَرَامًا وَلَا حَلَالًا إنَّمَا يُمْكِنُ في بَعْضِهِمْ وَأَمَّا في عَامَّتِهِمْ فَلَا وقد وَضَعْنَا هذا مَوَاضِعَهُ على التَّصْنِيفِ - * ما يَحْرُمُ من جِهَةِ ما لَا تَأْكُلُ الْعَرَبُ - *

(2/247)


كِتَابِهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَاَللَّهُ عز وجل لَا يُحَرِّمُ عليهم من صَيْدِ الْبَرِّ في الْإِحْرَامِ إلَّا ما كان حَلَالًا لهم قبل الْإِحْرَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فلما أَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمُحْرِمَ بِقَتْلِ الْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ وَالْعَقْرَبِ وَالْفَأْرَةِ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ وَقَتْلِ الْحَيَّاتِ دَلَّ ذلك على أَنَّ لُحُومَ هذه مُحَرَّمَةٌ لِأَنَّهُ لو كان دَاخِلًا في جُمْلَةِ ما حَرَّمَ اللَّهُ قَتَلَهُ من الصَّيْدِ في الْإِحْرَامِ لم يُحِلَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَتْلَهُ وَدَلَّ على مَعْنًى آخَرَ أَنَّ الْعَرَبَ كانت لَا تَأْكُلُ مِمَّا أَبَاحَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَتْلَهُ في الْإِحْرَامِ شيئا ( قال ) فَكُلُّ ما سُئِلْتَ عنه مِمَّا ليس فيه نَصُّ تَحْرِيمٍ وَلَا تَحْلِيلٍ من ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ فَانْظُرْ هل كانت الْعَرَبُ تَأْكُلُهُ فَإِنْ كانت تَأْكُلُهُ ولم يَكُنْ فيه نَصُّ تَحْرِيمٍ فَأَحِلَّهُ فإنه دَاخِلٌ في جُمْلَةِ الْحَلَالِ وَالطَّيِّبَاتِ عِنْدَهُمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُحِلُّونَ ما يَسْتَطِيبُونَ وما لم تَكُنْ تَأْكُلُهُ تَحْرِيمًا له بِاسْتِقْذَارِهِ فَحَرِّمْهُ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ في مَعْنَى الْخَبَائِثِ خَارِجٌ من مَعْنَى ما أُحِلَّ لهم مِمَّا كَانُوا يَأْكُلُونَ وَدَاخِلٌ في مَعْنَى الْخَبَائِثِ التي حَرَّمُوا على أَنْفُسِهِمْ فَأَثْبَتَ عليهم تَحْرِيمَهَا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا نَقُولُ ( قال الرَّبِيعُ ) + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّمَا يَحْرُمُ كُلُّ ذِي نَابٍ يَعْدُو بِنَابِهِ - * الْخِلَافُ وَالْمُوَافَقَةُ في أَكْلِ كل ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ وَتَفْسِيرُهُ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ قال لي بَعْضُ من يُوَافِقُنَا في تَحْرِيمِ كل ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ ما لِكُلِّ ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ لَا تُحَرِّمُهُ دُونَ ما خَرَجَ من هذه الصِّفَةِ قُلْت له الْعِلْمُ يُحِيطُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا قَصَدَ قَصَدَ أَنْ يُحَرِّمَ من السِّبَاعِ مَوْصُوفًا فَإِنَّمَا قَصَدَ قَصْدَ تَحْرِيمِ بَعْضِ السِّبَاعِ دُونَ بَعْضِ السِّبَاعِ كما لو قُلْت قد أَوْصَيْت لِكُلِّ شَابٍّ بِمَكَّةَ أو لِكُلِّ شَيْخٍ بِمَكَّةَ أو لِكُلِّ حَسَنِ الْوَجْهِ بِمَكَّةَ كُنْت قد قَصَدْت بِالْوَصِيَّةِ قَصْدَ صِفَةٍ دُونَ صِفَةٍ وَأَخْرَجْت من الْوَصِيَّةِ من لم تَصِفْ أَنَّ له وَصِيَّتَك قال أَجَلْ وَلَوْلَا أَنَّهُ خَصَّ تَحْرِيمَ السِّبَاعِ لَكَانَ أَجْمَعَ وَأَقْرَبَ وَلَكِنَّهُ خَصَّ بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ بِالتَّحْرِيمِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقُلْت له هذه الْمَنْزِلَةُ الْأُولَى من عِلْمِ تَحْرِيمِ كل ذِي نَابٍ فَسَلْ عن الثَّانِيَةِ قال هل منها شَيْءٌ مَخْلُوقٌ له نَابٌ وَشَيْءٌ مَخْلُوقٌ لَا نَابَ له قُلْت ما عَلِمْته قال فَإِنْ لم تَكُنْ تَخْتَلِفُ فَتَكُونُ الْأَنْيَابُ لِبَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ فَكَيْفَ الْقَوْلُ فيها قُلْت لَا مَعْنَى في خَلْقِ الْأَنْيَابِ في تَحْلِيلٍ وَلَا تَحْرِيمٍ لِأَنِّي لَا أَجِدُ إذَا كانت في خَلْقِ الْأَنْيَابِ سَوَاءً شيئا أَنْفِيه خَارِجًا من التَّحْرِيمِ وَلَا بُدَّ من إخْرَاجِ بَعْضِهَا من التَّحْرِيمِ إذَا كان في سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إخْرَاجُهُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَسْت أَحْفَظُ عن أَحَدٍ سَأَلْته من أَهْلِ الْعِلْمِ عَمَّنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ الْمَكِّيِّينَ خِلَافًا وَجُمْلَةُ هذا لِأَنَّ التَّحْرِيمَ قد يَكُونُ مِمَّا حَرَّمَتْ الْعَرَبُ على أَنْفُسِهَا مِمَّا ليس دَاخِلًا في مَعْنَى الطَّيِّبَاتِ وَإِنْ كُنْت لَا أَحْفَظُ هذا التَّفْسِيرَ وَلَكِنَّ هذه الْجُمْلَةَ وفي تَتَابُعِ من حَفِظْت عنه من أَهْلِ الْعِلْمِ حُجَّةٌ وَلَوْلَا الِاخْتِصَارُ لَأَوْضَحْته بِأَكْثَرَ من هذا وَسَيَمُرُّ في تَفَارِيقِ الْأَبْوَابِ إيضَاحٌ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - * تَحْرِيمُ أَكْلِ كل ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ - * قال الرَّبِيعُ
أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن الزُّهْرِيِّ وَمَالِكٍ عن بن شِهَابٍ عن أبي إدْرِيسَ عن أبي ثَعْلَبَةَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن أَكْلِ كل ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ
أخبرنا مَالِكٌ عن إسْمَاعِيلَ بن أبي حَكِيمٍ عن عُبَيْدَةَ بن سُفْيَانَ الْحَضْرَمِيِّ عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال أَكْلُ كل ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ حَرَامٌ

(2/248)


قال أَجَلْ هذا كما وَصَفْت وَلَكِنْ ما أَرَدْت بهذا قُلْت أَرَدْت أَنْ يَذْهَبَ غَلَطُك إلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ وَالتَّحْلِيلَ في خَلْقِ الْأَنْيَابِ قال فَفِيمَ قُلْت في مَعْنَاهُ دُونَ خَلْقِهِ فَسَلْ عن النَّابِ الذي هو غَايَةُ عِلْمِ كل ذِي نَابٍ قال فَاذْكُرْهُ أنت قُلْت كُلُّ ما كان يَعْدُو منها على الناس بِقُوَّةٍ وَمُكَابَرَةٍ في نَفْسِهِ بِنَابِهِ دُونَ مالا يَعْدُو قال وَمِنْهَا ما لَا يَعْدُو على الناس بِمُكَابَرَةٍ دُونَ غَيْرِهِ منها قُلْت نعم قال فَاذْكُرْ ما يَعْدُو قُلْت يَعْدُو الْأَسَدُ وَالنَّمِرُ وَالذِّئْبُ قال فَاذْكُرْ ما لَا يَعْدُو مُكَابَرَةً على الناس قُلْت الضَّبُعُ وَالثَّعْلَبُ وما أَشْبَهَهُ قال فَلَا مَعْنَى له غَيْرُ ما وَصَفْت قُلْت وَهَذَا الْمَعْنَى الثَّانِي وَإِنْ كانت كُلُّهَا مَخْلُوقٌ له نَابٌ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلُحُومُ الضِّبَاعِ تُبَاعُ عِنْدَنَا بِمَكَّةَ بين الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لَا أَحْفَظُ عن أَحَدٍ من أَصْحَابِنَا خِلَافًا في إحْلَالِهَا وفي مَسْأَلَةِ بن أبي عَمَّارٍ جَابِرًا أَصَيْدٌ هِيَ قال نعم وَسَأَلْته أَتُؤْكَلُ قال نعم وَسَأَلْته أَسَمِعْته من النبى صلى اللَّهُ عليه وسلم قال نعم فَهَذَا دَلِيلٌ على أَنَّ الصَّيْدَ الذي نهى اللَّهُ تَعَالَى الْمُحْرِمَ عن قَتْلِهِ ما كان يَحِلُّ أَكْلُهُ من الصَّيْدِ وَأَنَّهُمْ إنَّمَا يَقْتُلُونَ الصَّيْدَ لِيَأْكُلُوهُ لَا عَبَثًا بِقَتْلِهِ وَمِثْلُ ذلك الدَّلِيلِ في حديث عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه وَلِذَلِكَ أَشْبَاهٌ في الْقُرْآنِ منها قَوْلُ اللَّهِ عز وجل { فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عليه إنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ } أَنَّهُ إنَّمَا يَعْنِي مِمَّا أَحَلَّ اللَّهُ أَكْلَهُ لِأَنَّهُ لو ذَبَحَ ما حَرَّمَ اللَّهُ عليه وَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ عليه لم يَحِلَّ الذَّبِيحَةُ ذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ عليه وفي حديث جَابِرٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في الضَّبُعِ دَلِيلٌ على ما قُلْنَا من أَنْ كل ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ ما عَدَا على الناس مُكَابَرَةً وإذا حَلَّ أَكْلُ الضَّبُعِ وَهِيَ سَبُعٌ لَكِنَّهَا لَا تَعْدُو مُكَابَرَةً على الناس وَهِيَ أَضَرُّ على مَوَاشِيهِمْ من جَمِيعِ السِّبَاعِ فَأُحِلَّتْ أنها لَا تَعْدُو على الناس خَاصَّةً مُكَابَرَةً وَفِيهِ دَلَالَةٌ على إحْلَالِ ما كانت الْعَرَبُ تَأْكُلُ مِمَّا لم يُنَصُّ فيه خَبَرٌ وَتَحْرِيمُ ما كانت تُحَرِّمُهُ مِمَّا يَعْدُو من قِبَلِ أنها لم تَزَلْ إلَى الْيَوْمِ تَأْكُلُ الضَّبُعَ ولم تَزَلْ تَدَعْ أَكْلَ الْأَسَدِ وَالنَّمِرِ وَالذِّئْبِ تَحْرِيمًا بِالتَّقَذُّرِ فَوَافَقَتْ السُّنَّةُ فِيمَا أَحَلُّوا وَحَرَّمُوا مع الْكِتَابِ ما وَصَفْت وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَفِيهِ دَلَالَةٌ على أَنَّ الْمُحْرِمَ إنَّمَا يجزئ ما أُحِلَّ أَكْلُهُ من الصَّيْدِ دُونَ ما لم يَحِلَّ أَكْلُهُ وَذَلِكَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ بِقَتْلِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ في الْإِحْرَامِ وهو ما عَدَا على الناس وهو لَا يَأْمُرُ بِقَتْلِ ما لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ وَيَضْمَنُ صَاحِبُهُ بِقَتْلِهِ شيئا فَدَلَّ ذلك على أَنَّ الصَّيْدَ الذي حَرَّمَ اللَّهُ قَتْلَهُ في الْإِحْرَامِ ما يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَدَلَّ على ذلك حَدِيثُ جَابِرِ بن عبد اللَّهِ وَعَلَى ما وَصَفْت وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ كل سَبُعٍ لَا يَعْدُو على الناس من دَوَابِّ الْأَرْضِ مِثْلُ الثَّعْلَبِ وَغَيْرِهِ قِيَاسًا على الضَّبُعِ وما سِوَى السَّبُعِ من دَوَابِّ الْأَرْضِ كُلِّهَا تُؤْكَلُ من مَعْنَيَيْنِ ما كان سَبُعًا لَا يَعْدُو فَحَلَالٌ أَنْ يُؤْكَلَ وما كان غير سَبُعٍ فما كانت الْعَرَبُ تَأْكُلُهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ في مَعْنَى الْآيَةِ خَارِجٌ من
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقُلْت له سَأَزِيدُك في تَبْيِينِهِ قال ما أَحْتَاجُ بعد ما وَصَفْت إلَى زِيَادَةٍ وَلَقَلَّمَا يُمْكِنُ إيضَاحُ شَيْءٍ إمْكَانَ هذا قُلْت أُوَضِّحُهُ لَك وَلِغَيْرِك مِمَّنْ لم يَفْهَمْ منه ما فَهِمْت أو أُفْهِمُهُ فَذَهَبَ إلَى غَيْرِهِ قال فَاذْكُرْهُ - * أَكْلُ الضَّبُع - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا سُفْيَانُ وَمُسْلِمٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عبد اللَّهِ بن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عُمَيْرٍ

(2/249)


الْخَبَائِثِ عِنْدَ الْعَرَبِ وما كانت تَدَعُهُ على معني تَحْرِيمِهِ فإنه خَبِيثُ اللَّحْمِ فَلَا يُؤْكَلُ بِحَالٍ وَكُلُّ ما أُمِرَ بِأَكْلِهِ فَدَاهُ الْمُحْرِمُ إذَا قَتَلَهُ وَمِثْلُ الضَّبُعِ ما خَلَا كُلَّ ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ من دَوَابِّ الْأَرْضِ وَغَيْرِهَا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤْكَلَ منه ما كانت الْعَرَبُ تَأْكُلُهُ وقد فَسَّرْته قبل هذا - * ما يَحِلُّ من الطَّائِرِ وَيَحْرُمُ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ الضَّبِّ صَغِيرًا أو كَبِيرًا فَإِنْ قال قَائِلٌ قد رَوَيْتُمْ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ سُئِلَ عن الضَّبِّ فقال لَسْت آكُلُهُ وَلَا مُحَرِّمُهُ قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ فَهُوَ لم يَرْوِ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الضَّبِّ شيئا غير هذا وَتَحْلِيلُهُ أَكْلَهُ بين يَدَيْهِ ثَابِتٌ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَأَيْنَ ذلك قِيلَ لَمَّا قال لَسْت آكُلُهُ وَلَا مُحَرِّمُهُ دَلَّ على أَنَّ تَرْكَهُ أَكْلَهُ لَا من جِهَةِ تَحْرِيمِهِ وإذا لم يَكُنْ من جِهَةِ تَحْرِيمِهِ فَإِنَّمَا تَرَكَ مُبَاحًا عَافَهُ ولم يَشْتَهِهِ وَلَوْ عَافَ خُبْزًا أو لَحْمًا أو تَمْرًا أو غير ذلك كان ذلك شيئا من الطِّبَاعِ لَا مُحَرِّمًا لِمَا عَافَ فقال لي بَعْضُ الناس أَرَأَيْت إنْ قال هذا الْقَوْلَ غَيْرُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَيَحْتَمِلُ مَعْنًى غير الْمَعْنَى الذي
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَصْلُ فِيمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ من الطَّائِرِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ ما أَذِنَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِلْمُحْرِمِ بِقَتْلِهِ منه ما لَا يُؤْكَلُ لِأَنَّهُ خَارِجٌ من مَعْنَى الصَّيْدِ الذي يَحْرُمُ على الْمُحْرِمِ قَتْلُهُ لِيَأْكُلَهُ وَالْعِلْمُ يَكَادُ يُحِيطُ أَنَّهُ إنَّمَا حَرُمَ على الْمُحْرِمِ الصَّيْدُ الذي كان حَلَالًا له قبل الْإِحْرَامِ فإذا أَحَلَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَتْلَ بَعْضِ الصَّيْدِ دَلَّ على أَنَّهُ مُحَرَّمٌ أَنْ يَأْكُلَهُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا يَحِلُّ قَتْلُ ما أَحَلَّ اللَّهُ عز وجل فَالْحِدَأَةُ وَالْغُرَابُ مِمَّا أَحَلَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَتْلَهُ لِلْمُحْرِمِ فما كان في مِثْلِ مَعْنَاهُمَا من الطَّائِرِ فَهُوَ دَاخِلٌ في أَنْ لَا يَجُوزَ أَكْلُ لَحْمِهِ كما لَا يَجُوزُ أَكْلُ لَحْمِهِمَا لِأَنَّهُ في مَعْنَاهُمَا وَلِأَنَّهُمَا أَيْضًا مِمَّا لم تَكُنْ تَأْكُلُ الْعَرَبُ وَذَلِكَ مِثْلُ ما ضَرَّ من ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ من سَبُعٍ وَطَائِرٍ وَذَلِكَ مِثْلُ الْعُقَابِ وَالنَّسْرِ وَالْبَازِي وَالصَّقْرِ وَالشَّاهِينِ وَالْبَوَاشِقِ وما أَشْبَهَهَا مما يَأْخُذُ حَمَامَ الناس وَغَيْرَهُ من طَائِرِهِمْ فَكُلُّ ما كان في هذا الْمَعْنَى من الطَّائِرِ فَلَا يَجُوزُ أَكْلُهُ لِلْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفْت من أَنَّهُ في مَعْنَى الْحِدَأَةِ وَالْغُرَابِ وَدَاخِلٌ في مَعْنَى ما لَا تَأْكُلُ الْعَرَبُ وَكُلُّ ما كان لَا يَبْلُغُ أَنْ يَتَنَاوَلَ لِلنَّاسِ شيئا من أَمْوَالِهِمْ من الطَّائِرِ فلم تَكُنْ الْعَرَبُ تُحَرِّمُهُ إقْذَارًا له فَكُلُّهُ مُبَاحٌ أَنْ يُؤْكَلَ فَعَلَى هذا هذا الْبَابُ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ نَرَاك فَرَّقْت بين ما خَرَجَ من أَنْ يَكُونَ ذَا نَابٍ من السباع ( ( ( السبع ) ) ) مِثْلُ الضَّبُعِ وَالثَّعْلَبِ فَأَحْلَلْت أَكْلَهَا وَهِيَ تَضُرُّ بِأَمْوَالِ الناس أَكْثَرَ من ضَرَرِ ما حَرَّمْت من الطَّائِرِ قُلْت إنِّي وَإِنْ حَرَّمْته فَلَيْسَ لِلضَّرَرِ فَقَطْ حَرَّمْته وَلَا لِخُرُوجِ الثَّعْلَبِ وَالضَّبُعِ من الضَّرَرِ أَبَحْتهَا إنَّمَا أَبَحْتهَا بِالسُّنَّةِ وَهِيَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إذْ نهى عن كل ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ فَفِيهِ دَلَالَةٌ على أَنَّهُ أَبَاحَ ما كان غير ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ وَأَنَّهُ أَحَلَّ الضَّبُعَ نَصًّا وَأَنَّ الْعَرَبَ لم تَزَلْ تَأْكُلُهَا وَالثَّعْلَبَ وَتَتْرُكُ الذِّئْبَ وَالنَّمِرَ وَالْأَسَدَ فَلَا تَأْكُلُهُ وَأَنَّ الْعَرَبَ لم تَزَلْ تَتْرُكُ أَكْلَ النَّسْرِ وَالْبَازِي وَالصَّقْرِ وَالشَّاهِينِ وَالْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ وَهِيَ ضِرَارٌ وَتَتْرُكُ ما لَا يَضُرُّ من الطَّائِرِ فلم أُجِزْ أَكْلَهُ وَذَلِكَ مِثْلُ الرَّخَمَةِ وَالنَّعَامَةِ وَهُمَا لَا يَضُرَّانِ وَأَكْلُهُمَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُمَا من الْخَبَائِثِ وَخَارِجَانِ من الطَّيِّبَاتِ وقد قُلْت مِثْلَ هذا في الدُّودِ فلم أُجِزْ أَكْلَ اللُّحَكَاءِ وَلَا الْعَظَاءِ وَلَا الْخَنَافِسِ وَلَيْسَتْ بِضَارَّةٍ وَلَكِنَّ الْعَرَبَ كانت تَدَعُ أَكْلَهَا فَكَانَ خَارِجًا من مَعْنَى الطَّيِّبَاتِ دَاخِلًا في مَعْنَى الْخَبَائِثِ عِنْدَهَا - * أَكْلُ الضَّبّ - *

(2/250)


زَعَمْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قاله ( ( ( قال ) ) ) فَزَعَمْت أَنَّهُ بَيِّنٌ لَا يَحْتَمِلُ مَعْنًى غَيْرَهُ قُلْت نعم قال وإذا قُلْت من دُونَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ليس مَعْصُومًا قُلْت له رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يُخْرِجْهُ من التَّحْلِيلِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْأَلَ عن تَحْلِيلٍ وَلَا تَحْرِيمٍ فَيُجِيبَ فيه إلَّا أَحَلَّهُ أو حَرَّمَهُ وَلَيْسَ هَكَذَا أَحَدٌ بَعْدَهُ مِمَّنْ يَعْلَمُ وَيَجْهَلُ وَيَقِفُ وَيُجِيبُ ثُمَّ لَا يَقُومُ جَوَابُهُ مَقَامَ جَوَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال فما الْمَعْنَى الذي قُلْت قد بَيَّنَ هذا الحديث من غَيْرِهِ قُلْت قُرِّبَ إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ضَبٌّ فَامْتَنَعَ من أَكْلِهَا فقال خَالِدُ بن الْوَلِيدِ أَحَرَامٌ هِيَ يا رَسُولَ اللَّهِ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا وَلَكِنْ أَعَافُهَا لم تَكُنْ بِبَلَدِ قَوْمِي فَاجْتَرَّهَا خَالِدُ بن الْوَلِيدِ فَأَكَلَهَا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَنْظُرُ وإذا قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَيْسَتْ حَرَامًا فَهِيَ حَلَالٌ وإذا أَقَرَّ خَالِدًا بِأَكْلِهَا فَلَا يَدَعُهُ يَأْكُلُ حَرَامًا وقد بَيَّنَ أَنَّ تَرْكَهُ إيَّاهَا أَنَّهُ عَافَهَا لَا حَرَّمَهَا - * أَكْلُ لُحُومِ الْخَيْلِ - *
أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن جَابِرٍ قال أَطْعَمَنَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لُحُومَ الْخَيْلِ وَنَهَانَا عن لُحُومِ الْحُمُرِ
أخبرنا سُفْيَانُ بن عيينه عن هِشَامٍ عن فَاطِمَةَ عن أَسْمَاءَ قالت نَحَرْنَا فَرَسًا على عَهْدِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَكَلْنَاهُ
أخبرنا سُفْيَانُ عن عبدالكريم بن أبي أُمَيَّةَ قال أَكَلْت فَرَسًا على عَهْدِ بن الزُّبَيْرِ فَوَجَدْته حُلْوًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) كُلُّ ما لَزِمَهُ اسْمُ الْخَيْلِ من الْعِرَابِ وَالْمَقَارِيفِ وَالْبَرَاذِينِ فَأَكْلُهَا حَلَالٌ - * أَكْلُ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ - *
أخبرنا مَالِكٌ عن شِهَابٍ عن عبد اللَّهِ وَالْحَسَنِ ابنى مُحَمَّدِ بن عَلِيٍّ عن أَبِيهِمَا عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عَامَ خَيْبَرَ عن نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) سَمِعْت سُفْيَانَ يحدث عن الزُّهْرِيِّ أخبرنا عبد اللَّهِ وَالْحَسَنُ ابْنَا مُحَمَّدِ بن عَلِيٍّ وكان الْحَسَنُ أَرْضَاهُمَا عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَخَلْقُ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ يُبَايِنُ خَلْقَ الْحُمُرِ الْوَحْشِيَّةِ مُبَايَنَةً يَعْرِفُهَا أَهْلُ الْخِبْرَةِ بها فَلَوْ تَوَحَّشَ أَهْلِيٌّ لم يَحِلَّ أَكْلُهُ وكان على الْأَصْلِ في التَّحْرِيمِ وَلَوْ اسْتَأْهَلَ وَحْشِيٌّ لم يَحْرُمْ أَكْلُهُ وكان على الْأَصْلِ في التَّحْلِيلِ وَلَا يَذْبَحُهُ الْمُحْرِمُ وَإِنْ اسْتَأْهَلَ وَلَوْ نَزَا حِمَارٌ أَهْلِيٌّ على فَرَسٍ أو فَرَسٌ على أَتَانٍ أَهْلِيَّةٍ لم يَحِلَّ أَكْلُ ما نَتَجَ بَيْنَهُمَا لَسْت أَنْظُرُ في ذلك إلَى أَيِّهِمَا النَّازِي لِأَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُمَا فَلَا يَحِلُّ حتى يَكُونَ لَحْمُهُمَا مَعًا حَلَالًا وَكُلُّ ما عُرِفَ فيه حِمَارٌ أَهْلِيٌّ من قِبَلِ أَبٍ أو أُمٍّ لم يَحِلَّ أَكْلُهُ بِحَالٍ أَبَدًا وَلَا أَكْلُ نَسْلِهِ وَلَوْ نَزَا حِمَارٌ وَحْشِيٌّ على فَرَسٍ أو فَرَسٌ على أَتَانٍ وَحْشِيٍّ حَلَّ أَكْلُ ما وُلِدَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُمَا مُبَاحَانِ مَعًا وَهَكَذَا لو أَنَّ غُرَابًا أو ذَكَرَ حدإ أو بُغَاثًا تَجَثَّمَ حُبَارَى أو ذَكَرُ حُبَارَى أو طَائِرٌ يَحِلُّ لَحْمُهُ تَجَثَّمَ
____________________
1- ( قال ) الشَّافِعِيُّ ) في هذا الحديث دَلَالَتَانِ إحْدَاهُمَا تَحْرِيمُ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَالْأُخْرَى إبَاحَةُ لُحُومِ حُمُرِ الْوَحْشِ لِأَنَّهُ لَا صِنْفَ من الْحُمُرِ إلَّا الْأَهْلِيُّ وَالْوَحْشِيُّ فإذا قَصَدَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالتَّحْرِيمِ قَصَدَ الْأَهْلِيَّ ثُمَّ وَصْفُهُ دَلَّ على أَنَّهُ أَخْرَجَ الْوَحْشِيَّ من التَّحْرِيمِ وَهَذَا مِثْلُ نَهْيِهِ عن كل ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ فَقَصَدَ بِالنَّهْيِ قَصْدَ عَيْنٍ دُونَ عَيْنٍ فَحَرَّمَ ما نهى عنه وَحَلَّ ما خَرَجَ من تِلْكَ الصِّفَةِ سِوَاهُ مع أَنَّهُ قد جاء عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إبَاحَةُ أَكْلِ حُمُرِ الْوَحْشِ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ رضي اللَّهُ عنه أَنْ يَقْسِمَ حِمَارًا وَحْشِيًّا قَتَلَهُ أبو قَتَادَةَ بين الرُّفْقَةِ وَحَدِيثُ طَلْحَةَ أَنَّهُمْ أَكَلُوا معه لَحْمَ حِمَارٍ وَحْشِيٍّ

(2/251)


غُرَابًا أو حِدَأً أو صَقْرًا أو ثِيرَان فَبَاضَتْ وَأَفْرَخَتْ لم يَحِلَّ أَكْلُ فِرَاخِهَا من ذلك التَّجَثُّمِ لِاخْتِلَاطِ الْمُحَرَّمِ وَالْحَلَالِ فيه أَلَا تَرَى أَنَّ خَمْرًا لو اخْتَلَطَتْ بِلَبَنٍ أو وَدَكَ خِنْزِيرٍ بِسَمْنٍ أو مُحَرَّمًا بِحَلَالٍ فَصَارَا لَا يُزِيلُ أَحَدُهُمَا من الْآخَرِ حَرُمَ أَنْ يَكُونَ مَأْكُولًا وَلَوْ أَنَّ صَيْدًا أُصِيبَ أو بَيْضَ صَيْدٍ فَأُشْكِلَتْ خِلْقَتُهُ فلم يُدْرَ لَعَلَّ أَحَدَ أَبَوَيْهِ مِمَّا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَالْآخَرُ يَحِلُّ أَكْلُهُ كان الِاحْتِيَاطُ الْكَفَّ عن أَكْلِهِ وَالْقِيَاسُ أَنْ يُنْظَرَ إلَى خِلْقَتِهِ فَأَيُّهُمَا كان أَوْلَى بِخِلْقَتِهِ جُعِلَ حُكْمُهُ حُكْمَهُ إنْ كان الذي يَحِلُّ أَكْلُهُ أَوْلَى بِخِلْقَتِهِ أَكَلَهُ وَإِنْ كان الذي يَحْرُمْ أَكْلُهُ أَوْلَى بِخِلْقَتِهِ لم يَأْكُلْهُ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَنْزُوَ حِمَارٌ أنسي أَتَانًا وَحْشِيَّةً أو أَتَانًا أنسية وَلَوْ نَزَا حِمَارٌ وَحْشِيٌّ فَرَسًا أو فَرَسٌ أَتَانًا وَحْشِيًّا لم يَكُنْ بِأَكْلِهِ بَأْسٌ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا مِمَّا يَحِلُّ أَكْلُهُ وإذا تَوَحَّشَ وَاصْطِيدَ أُكِلَ بِمَا يُؤْكَلُ بِهِ الصَّيْدُ وَهَكَذَا الْقَوْلُ في صِغَارِ أَوْلَادِهِ وَفِرَاخِهِ وَبَيْضِهِ لَا يَخْتَلِفُ وما قَتَلَ الْمُحْرِمُ من صَيْدٍ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَدَاهُ وَكَذَلِكَ يفدى ما أَصَابَ من بَيْضِهِ وما قَتَلَ من صَيْدٍ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أو أَصَابَ من بَيْضِهِ لم يَفْدِهِ وَلَوْ أَنَّ ذِئْبًا نَزَا على ضَبُعٍ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَإِنَّهَا تأتى بِوَلَدٍ لَا يُشْبِهُهَا مَحْضًا وَلَا الذِّئْبَ مَحْضًا يُقَالُ له السَّبُعُ فلا يَحِلُّ أَكْلُهُ لِمَا وَصَفْت من اخْتِلَاطِ الْمُحَرَّمِ وَالْحَلَالِ وَأَنَّهُمَا لَا يَتَمَيَّزَانِ فيه - * ما يَحِلُّ بِالضَّرُورَةِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَيَحِلُّ ما حَرُمَ من مَيْتَةٍ وَدَمٍ وَلَحْمِ خِنْزِيرٍ وَكُلِّ ما حَرُمَ مِمَّا لَا يُغَيِّرُ الْعَقْلَ من الْخَمْرِ لِلْمُضْطَرِّ وَالْمُضْطَرُّ الرَّجُلُ يَكُونُ بِالْمَوْضِعِ لَا طَعَامَ فيه معه وَلَا شَيْءَ يَسُدُّ فَوْرَةَ جُوعِهِ من لَبَنٍ وما أَشْبَهَهُ وَيُبْلِغُهُ الْجُوعُ ما يَخَافُ منه الْمَوْتَ أو الْمَرَضَ وَإِنْ لم يَخَفْ الْمَوْتَ أو يُضْعِفُهُ وَيَضُرُّهُ أو يَعْتَلُّ أو يَكُونُ مَاشِيًا فَيَضْعُفُ عن بُلُوغِ حَيْثُ يُرِيدُ أو رَاكِبًا فَيَضْعُفُ عن رُكُوبِ دَابَّتِهِ أو ما في هذا الْمَعْنَى من الضَّرَرِ الْبَيِّنِ فَأَيُّ هذا نَالَهُ فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ من الْمُحَرَّمِ وَكَذَلِكَ يَشْرَبُ من الْمُحَرَّمِ غير الْمُسْكِرِ مِثْلَ الْمَاءِ تَقَعُ فيه الْمَيْتَةُ وما أَشْبَهَهُ وَأَحَبُّ إلى أَنْ يَكُونَ آكِلُهُ إنْ أُكِلَ وَشَارِبُهُ إنْ شُرِبَ أو جَمْعُهُمَا فَعَلَى ما يَقْطَعُ عنه الْخَوْفَ وَيَبْلُغُ بِهِ بَعْضَ الْقُوَّةِ وَلَا يُبَيِّنُ أَنْ يَحْرُمَ عليه أَنْ يَشْبَعَ وَيُرْوَى وَإِنْ أَجْزَأَهُ دُونَهُ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ قد زَالَ عنه بِالضَّرُورَةِ وإذا بَلَغَ الشِّبَعَ وَالرِّيَّ فَلَيْسَ له مُجَاوَزَتُهُ لِأَنَّ مُجَاوَزَتَهُ حِينَئِذٍ إلَى الضَّرَرِ أَقْرَبُ منها إلي النَّفْعِ وَمَنْ بَلَغَ إلَى الشِّبَعِ فَقَدْ خَرَجَ في بُلُوغِهِ من حَدِّ الضَّرُورَةِ وَكَذَلِكَ الرِّيُّ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّدَ معه من الْمَيْتَةِ ما اُضْطُرَّ إلَيْهِ فإذا وَجَدَ الغني عنه طَرَحَهُ وَلَوْ تَزَوَّدَ معه مَيْتَةً فلقى مُضْطَرًّا أَرَادَ شِرَاءَهَا منه لم يَحِلَّ له ثَمَنُهَا إنَّمَا حَلَّ له منها مَنْعُ الضَّرَرِ الْبَيِّنِ على بَدَنِهِ لَا ثَمَنُهَا وَلَوْ اُضْطُرَّ وَوَجَدَ طَعَامًا لم يُؤْذَنْ له بِهِ لم يَكُنْ له أَكْلُ الطَّعَامِ وكان له أَكْلُ الْمَيْتَةِ وَلَوْ اُضْطُرَّ وَمَعَهُ ما يشترى بِهِ ما يَحِلُّ فَإِنْ بَاعَهُ بِثَمَنِهِ في مَوْضِعِهِ أو بِثَمَنِ ما يَتَغَابَنُ الناس بمثله لم يَكُنْ له أَكْلُ الْمَيْتَةِ وَإِنْ لم يَبِعْهُ إلَّا بِمَا لَا يَتَغَابَنُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ عز وجل فِيمَا حَرُمَ ولم يَحِلَّ بِالذَّكَاةِ { وما لَكُمْ ألا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عليه وقد فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إلَّا ما اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ } وقال { إنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ } إلَى قَوْلِهِ { غَفُورٌ رَحِيمٌ } وقال في ذِكْرِ ما حَرَّمَ { فَمَنْ اُضْطُرَّ في مَخْمَصَةٍ غير مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فإن اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }

(2/252)


الناس بمثله كان له أَكْلُ الْمَيْتَةِ وَالِاخْتِيَارُ أَنْ يغالى بِهِ وَيَدَعَ أَكْلَ الْمَيْتَةِ وَلَيْسَ له بِحَالٍ أَنْ يُكَابِرَ رَجُلًا على طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وهو يَجِدُ ما يُغْنِيهِ عنه من شَرَابٍ فيه مَيْتَةٌ أو مَيْتَةٌ وَإِنْ اُضْطُرَّ فلم يَجِدْ مَيْتَةً وَلَا شَرَابًا فيه مَيْتَةٌ وَمَعَ رَجُلٍ شَيْءٌ كان له أَنْ يُكَابِرَهُ وَعَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُعْطِيَهُ وإذا كَابَرَهُ أَعْطَاهُ ثَمَنَهُ وَافِيًا فَإِنْ كان إذَا أَخَذَ شيئا خَافَ مَالِكُ الْمَالِ على نَفْسِهِ لم يَكُنْ له مُكَابَرَتُهُ وَإِنْ اُضْطُرَّ وهو مُحْرِمٌ إلَى صَيْدٍ أو مَيْتَةٍ أَكَلَ الْمَيْتَةَ وَتَرَكَ الصَّيْدَ فَإِنْ أَكَلَ الصَّيْدَ فَدَاهُ إنْ كان هو الذي قَتَلَهُ وَإِنْ اُضْطُرَّ فَوَجَدَ من يُطْعِمُهُ أو يُسْقِيهِ فَلَيْسَ له أَنْ يَمْتَنِعَ من أَنْ يَأْكُلَ أو يَشْرَبَ وإذا وَجَدَ فَقَدْ ذَهَبَتْ عنه الضَّرُورَةُ إلَّا في حَالٍ وَاحِدَةٍ أَنْ يَخَافَ إنْ أَطْعَمَهُ أو سَقَاهُ أَنْ يَسُمَّهُ فيه فَيَقْتُلَهُ فَلَهُ تَرْكُ طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ بِهَذِهِ الْحَالِ وَإِنْ كان مَرِيضًا فَوَجَدَ مع رَجُلٍ طَعَامًا أو شَرَابًا يَعْلَمُهُ يَضُرُّهُ وَيَزِيدُ في مَرَضِهِ كان له تَرْكُهُ وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ وَشُرْبُ الْمَاءِ الذي فيه الْمَيْتَةُ وقد قِيلَ إنَّ من الضَّرُورَةِ وَجْهًا ثَانِيًا أَنْ يَمْرَضَ الرَّجُلُ الْمَرَضَ يقول له أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ أو يَكُونُ هو من أَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ قَلَّمَا يَبْرَأُ من كان بِهِ مِثْلُ هذا إلَّا أَنْ يَأْكُلَ كَذَا أو يَشْرَبَ كَذَا أو يُقَالُ له إنَّ أَعْجَلَ ما يُبْرِئُك أَكْلُ كَذَا أو شُرْبُ كَذَا فَيَكُونُ له أَكْلُ ذلك وَشُرْبُهُ ما لم يَكُنْ خَمْرًا إذَا بَلَغَ ذلك منها أَسْكَرَتْهُ أو شيئا يُذْهِبُ الْعَقْلَ من الْمُحَرَّمَاتِ أو غَيْرِهَا فإن إذْهَابَ الْعَقْلِ مُحَرَّمٌ وَمَنْ قال هذا قال أَمَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْأَعْرَابَ أَنْ يَشْرَبُوا أَلْبَانَ الْإِبِلِ وَأَبْوَالَهَا وقد يَذْهَبُ الْوَبَاءُ بِغَيْرِ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا إلَّا أَنَّهُ أَقْرَبُ ما هُنَالِكَ أَنْ يُذْهِبَهُ عن الْأَعْرَابِ لِإِصْلَاحِهِ لِأَبْدَانِهِمْ وَالْأَبْوَالُ كُلُّهَا مُحَرَّمَةٌ لِأَنَّهَا نَجِسَةٌ وَلَيْسَ له أَنْ يَشْرَبَ خَمْرًا لِأَنَّهَا تُعْطِشُ وَتُجِيعُ وَلَا لِدَوَاءٍ لِأَنَّهَا تُذْهِبُ بِالْعَقْلِ وَذَهَابُ الْعَقْلِ مَنْعُ الْفَرَائِضِ وَتُؤَدِّي إلَى إتْيَانِ الْمَحَارِمِ وَكَذَلِكَ ما أَذْهَبَ الْعَقْلَ غَيْرُهَا وَمَنْ خَرَجَ مُسَافِرًا فَأَصَابَتْهُ ضَرُورَةٌ بِجُوعٍ أو عَطَشٍ ولم يَكُنْ سَفَرُهُ في مَعْصِيَةِ اللَّهِ عز وجل حَلَّ له ما حَرُمَ عليه مِمَّا نَصِفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ خَرَجَ عَاصِيًا لم يَحِلَّ له شَيْءٌ مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عز وجل عليه بِحَالٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إنَّمَا أَحَلَّ ما حَرَّمَ بِالضَّرُورَةِ على شَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُضْطَرُّ غير بَاغٍ وَلَا عَادٍ وَلَا مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ وَلَوْ خَرَجَ عَاصِيًا ثُمَّ تَابَ فَأَصَابَتْهُ الضَّرُورَةُ بَعْدَ التَّوْبَةِ رَجَوْت أَنْ يَسَعَهُ أَكْلُ الْمُحَرَّمِ وَشُرْبُهُ وَلَوْ خَرَجَ غير عَاصٍ ثُمَّ نَوَى الْمَعْصِيَةَ ثُمَّ أَصَابَتْهُ الضَّرُورَةُ وَنِيَّتُهُ الْمَعْصِيَةُ خَشِيت أَنْ لَا يَسَعَهُ الْمُحَرَّمُ لِأَنِّي أَنْظُرُ إلَى نِيَّتِهِ في حَالِ الضَّرُورَةِ لَا في حَالِ تَقَدُّمَتِهَا وَلَا تَأَخَّرَتْ عنها
____________________

(2/253)


(1) * - * بَابُ النُّذُورِ التي كَفَّارَتُهَا كَفَّارَةُ أَيْمَانٍ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ قال عَلَيَّ نَذْرٌ ولم يُسَمِّ شيئا فَلَا نَذْرَ وَلَا كَفَّارَةَ لِأَنَّ النَّذْرَ مَعْنَاهُ مَعْنَى على أَنْ أَبَرَّ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ مَعْنَى أَنِّي أَثِمْت وَلَا حَلَفْت فلم أَفْعَلْ وإذا نَوَى بِالنَّذْرِ شيئا من طَاعَةِ اللَّهِ فَهُوَ ما نَوَى + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ قال عَلَيَّ نَذْرٌ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا أو عَلَيَّ نَذْرٌ أَنْ أُكَلِّمَ فُلَانًا يُرِيدُ هِجْرَتَهُ أَنَّ عليه كَفَّارَةَ يَمِينٍ وَأَنَّهُ إنْ قال عَلَيَّ نذره ( ( ( نذر ) ) ) أَنْ أَهْجُرَهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ نَذْرَ هِجْرَتِهِ نَفْسِهَا لَا يَعْنِي قَوْلَهُ إن أَهْجُرَهُ أو لم أَهْجُرْهُ فإنه لَا كَفَّارَةَ عليه وَلِيُكَلِّمَهُ لِأَنَّهُ نَذْرٌ في مَعْصِيَةٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ فُلَانًا أو لَا يَصِلَ فُلَانًا فَهَذَا الذي يُقَالُ له الْحِنْثُ في الْيَمِينِ خَيْرٌ لَك من الْبِرِّ فَكَفِّرْ وَاحْنَثْ لِأَنَّك تَعْصِي اللَّهَ عز وجل في هِجْرَتِهِ وَتَتْرُكُ الْفَضْلَ في مَوْضِعِ صِلَتِهِ وَهَذَا في مَعْنَى الذي قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلْيَأْتِ الذي هو خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عن يَمِينِهِ وَهَكَذَا كُلُّ مَعْصِيَةٍ حَلَفَ عليها أَمَرْنَاهُ أَنْ يَتْرُكَ الْمَعْصِيَةَ وَيَحْنَثَ وَيَأْتِيَ الطَّاعَةَ وإذا حَلَفَ على بِرٍّ أَمَرْنَاهُ أَنْ يَأْتِيَ الْبِرَّ وَلَا يَحْنَثُ مِثْلُ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَأَصُومَن الْيَوْمَ وَاَللَّهِ لِأُصَلِّيَن كَذَا وَكَذَا رَكْعَةً نَافِلَةً فَنَقُولُ له بِرَّ يَمِينَك وَأَطِعْ رَبَّك فَإِنْ لم يَفْعَلْ حَنِثَ وَكَفَّرَ وَأَصْلُ ما نَذْهَبُ إلَيْهِ أَنَّ النَّذْرَ ليس بِيَمِينٍ وَأَنَّ من نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ عز وجل أَطَاعَهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ لم يَعْصِهِ ولم يُكَفِّرْ - * من جَعَلَ شيئا من مَالِهِ صَدَقَةً أو في سَبِيلِ اللَّهِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ في كل شَيْءٍ سِوَى الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ من قَوْلِهِ مَالِي هذا في سَبِيلِ اللَّهِ أو دَارِي هذه في سَبِيلِ اللَّهِ أو غَيْرُ ذلك مِمَّا يَمْلِكُ صَدَقَةً أو في سَبِيلِ اللَّهِ إذَا كان علي مَعَانِي الْأَيْمَانِ فَاَلَّذِي يَذْهَبُ إلَيْهِ عَطَاءٌ أَنَّهُ يُجْزِيهِ من ذلك كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَمَنْ قال هذا الْقَوْلَ قَالَهُ في كل ما حَنِثَ فيه سِوَى عِتْقٍ أو طَلَاقٍ وهو مَذْهَبُ عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها وَالْقِيَاسُ وَمَذْهَبُ عِدَّةٍ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وقال غَيْرُهُ يَتَصَدَّقُ بِجَمِيعِ ما يَمْلِكُ إلَّا أَنَّهُ قال وَيَحْبِسُ قَدْرَ ما يَقُوتُهُ فإذا أَيْسَرَ تَصَدَّقَ بِاَلَّذِي حَبَسَ وَذَهَبَ غَيْرُهُ إلَى أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِثُلُثِ مَالِهِ وَذَهَبَ غَيْرُهُ إلَى أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِزَكَاةِ مَالِهِ وَسَوَاءٌ قال صَدَقَةٌ أو قال في سَبِيلِ اللَّهِ إذَا كانت على مَعَانِي الْأَيْمَانِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ حَلَفَ بِصَدَقَةِ مَالِهِ فَحَنِثَ فَإِنْ كان أَرَادَ يَمِينًا فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ تَبَرُّرًا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمَالِي كُلِّهِ تَصَدَّقَ بِهِ كُلِّهِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ عز وجل فَلْيُطِعْهُ
____________________
1- * كِتَابُ النُّذُورِ

(2/254)


- * بَابُ نَذْرِ التَّبَرُّرِ وَلَيْسَ في التَّرَاجِمِ وَفِيهَا من نَذَرَ أَنْ يمشى إلَى بَيْتِ اللَّهِ عز وجل - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَمْشِي أَحَدٌ إلَى بَيْتِ اللَّهِ إلَّا حَاجًّا أو مُعْتَمِرًا إلَّا بِذِلَّةٍ منه ( قال الرَّبِيعُ ) وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ فَحَنِثَ فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ تُجْزِئُهُ من ذلك إنْ أَرَادَ بِذَلِكَ الْيَمِينَ ( قال الرَّبِيعُ ) وَسَمِعْت الشَّافِعِيَّ أَفْتَى بِذَلِكَ رَجُلًا فقال هذا قَوْلُك أَبَا عبد اللَّهِ فقال هذا قَوْلُ من هو خَيْرٌ مِنِّي قال من هو قال عَطَاءُ بن أبي رَبَاحٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ حَلَفَ بِالْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا مَعْقُولُ مَعْنَى قَوْلِ عَطَاءٍ أَنَّ كُلَّ من حَلَفَ بِشَيْءٍ من النُّسُكِ صَوْمٍ أو حَجٍّ أو عُمْرَةٍ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ إذَا حَنِثَ وَلَا يَكُونُ عليه حَجٌّ وَلَا عُمْرَةٌ وَلَا صَوْمٌ وَمَذْهَبُهُ أَنَّ أَعْمَالَ الْبِرِّ لِلَّهِ لَا تَكُونُ إلَّا بِفَرْضٍ يُؤَدِّيهِ من فُرُوضِ اللَّهِ عز وجل عليه أو تَبَرُّرًا يُرِيدُ اللَّهَ بِهِ فَأَمَّا ما عَلَا عُلُوَّ الأيمان فَلَا يَكُونُ تَبَرُّرًا وَإِنَّمَا يَعْمَلُ التَّبَرُّرَ لِغَيْرِ الْعُلُوِّ وقد قال غَيْرُ عَطَاءٍ عليه الْمَشْيُ كما يَكُونُ عليه إذَا نَذَرَهُ مُتَبَرِّرًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالتَّبَرُّرُ أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ على أن شَفَى اللَّهُ فُلَانًا أو قَدِمَ فُلَانٌ من سَفَرِهِ أو قَضَى عَنِّي دَيْنًا أو كان كَذَا أَنْ أَحُجَّ له نَذْرًا فَهُوَ التَّبَرُّرُ فَأَمَّا إذَا قال إنْ لم أَقْضِك حَقَّك فعلى الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ فَهَذَا من مَعَانِي الْأَيْمَانِ لَا مَعَانِي النُّذُورِ وَأَصْلُ مَعْقُولِ قَوْلِ عَطَاءٍ في مَعَانِي النُّذُورِ من هذا أَنَّهُ يَذْهَبُ إلَى أَنَّ من نَذَرَ نَذْرًا في مَعْصِيَةِ اللَّهِ لم يَكُنْ عليه قَضَاؤُهُ وَلَا كَفَّارَةٌ فَهَذَا يُوَافِقُ السُّنَّةَ وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ على إنْ شَفَانِي أو شَفَى فُلَانًا أَنْ أَنْحَرَ ابْنِي أو أَنْ أَفْعَلَ كَذَا من الْأَمْرِ الذي لَا يَحِلُّ له أَنْ يَفْعَلَهُ فَمَنْ قال هذا فَلَا شَيْءَ عليه فيه وفي السَّائِبَةِ وَإِنَّمَا أَبْطَلَ اللَّهُ عز وجل النَّذْرَ في الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ لِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ ولم يذكر في ذلك كَفَّارَةً وكان فيه دَلَالَةٌ على أَنَّ من نَذَرَ مَعْصِيَةَ اللَّهِ عز وجل أَنْ لَا يَفِيَ وَلَا كَفَّارَةَ عليه وَبِذَلِكَ جَاءَتْ السُّنَّةُ
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن طَلْحَةَ بن عبد الْمَلِكِ الْأَيْلِيِّ عن الْقَاسِمِ بن مُحَمَّدٍ عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِيهِ
( أخبرنا ) سُفْيَانُ عن أَيُّوبَ عن أبي قِلَابَةَ عن أبي الْمُهَلَّبِ عن عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ قال كانت بَنُو عَقِيلٍ حُلَفَاءَ لِثَقِيفٍ في الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَتْ ثَقِيفٌ قد أَسَرَتْ رَجُلَيْنِ من الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ إنَّ الْمُسْلِمِينَ أَسَرُوا رَجُلًا من بَنِي عَقِيلٍ وَمَعَهُ نَاقَةٌ له وَكَانَتْ نَاقَتُهُ قد سَبَقَتْ الْحَاجَّ في الْجَاهِلِيَّةِ كَذَا وَكَذَا مَرَّةً وَكَانَتْ النَّاقَةُ إذَا سَبَقَتْ الْحَاجَّ في الْجَاهِلِيَّةِ لم تُمْنَعْ من كلأ تَرْتَعُ فيه ولم تُمْنَعْ من حَوْضٍ تشرع ( ( ( تشرب ) ) ) منه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فأتى بِهِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال يا محمد فِيمَ أَخَذْتنِي وَأَخَذْت سَابِقَةَ الْحَاجِّ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِك ثَقِيفٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَحُبِسَ حَيْثُ يَمُرُّ بِهِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَمَرَّ بِهِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَعْدَ ذلك فقال له يا محمد إنِّي مُسْلِمٌ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لو قُلْتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَك كُنْت قد أَفْلَحْت كُلَّ الْفَلَاحِ قال ثُمَّ مَرَّ بِهِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مَرَّةً أُخْرَى فقال يا محمد إنِّي جَائِعٌ فَأَطْعِمْنِي وَظَمْآنُ فَاسْقِنِي فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم تِلْكَ حَاجَتُك ثُمَّ إنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بَدَا له فَفَادَى بِهِ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ أَسَرَتْ ثَقِيفٌ وَأَمْسَكَ النَّاقَةَ ثُمَّ إنَّهُ أَغَارَ على الْمَدِينَةِ عَدُوٌّ فَأَخَذُوا سَرْحَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَوَجَدُوا النَّاقَةَ فيها قال وقد كانت عِنْدَهُمْ امْرَأَةٌ من الْمُسْلِمِينَ قد أَسَرُوهَا وَكَانُوا يُرِيحُونَ النَّعَمَ عِشَاءً فَجَاءَتْ الْمَرْأَةُ ذَاتَ لَيْلَةٍ إلَى النَّعَمِ فَجَعَلَتْ لَا تَجِيءُ إلَى بَعِيرٍ إلارغا حتى انْتَهَتْ إلَيْهَا فلم تَرْغُ فَاسْتَوَتْ عليها فَنَجَتْ فلما قَدِمَتْ الْمَدِينَةَ قال الناس الْعَضْبَاءُ الْعَضْبَاءُ فقالت الْمَرْأَةُ إنِّي نَذَرْت إنْ اللَّهُ أَنْجَانِي عليها أَنْ أَنْحَرَهَا فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِئْسَمَا جَزَيْتهَا لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ في مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ بن آدَمَ
أخبرنا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَنْ نَذَرَ تَبَرُّرًا أَنْ يمشى إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ لَزِمَهُ أَنْ يَمْشِيَ إنْ قَدَرَ على الْمَشْيِ وَإِنْ لم يَقْدِرْ رَكِبَ وَأَهْرَاقَ دَمًا احْتِيَاطًا لِأَنَّهُ لم يَأْتِ بِمَا نَذَرَ كما نَذَرَ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ عليه دَمٌ من قِبَلِ أَنَّهُ إذَا لم يُطِقْ شيئا سَقَطَ عنه كما لَا يُطِيقُ الْقِيَامَ في الصَّلَاةِ فَيَسْقُطُ عنه ويصلى قَاعِدًا وَلَا يُطِيقُ الْقُعُودَ فيصلى مُضْطَجِعًا وَإِنَّمَا فَرَّقْنَا بين الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالصَّلَاةِ أَنَّ الناس أَصْلَحُوا أَمْرَ الْحَجِّ بِالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ وَالنُّسُكِ ولم يُصْلِحُوا أَمْرَ الصَّلَاةِ إلَّا بِالصَّلَاةِ

(2/255)


عبد الْوَهَّابِ عن أَيُّوبَ عن أبي قِلَابَةَ عن أبي الْمُهَلَّبِ عن عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا نَذَرَ الرَّجُلُ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا مَشَى حتى يَحِلَّ له النِّسَاءُ ثُمَّ يَرْكَبَ بَعْدُ وَذَلِكَ كَمَالُ حَجِّ هذا وإذا نَذَرَ أَنْ يَعْتَمِرَ مَاشِيًا مَشَى حتى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَيَسْعَى بين الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَيَحْلِقَ أو يُقَصِّرَ وَذَلِكَ كَمَالُ عُمْرَةِ هذا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَمَشَى فَفَاتَهُ الْحَجُّ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بين الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مَاشِيًا حَلَّ وَعَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ مَاشِيًا كما يَكُونُ عليه حَجٌّ قَابِلٌ إذَا فَاتَهُ هذا الْحَجُّ أَلَا تَرَى أَنَّ حُكْمَهُ لو كان مُتَطَوِّعًا بِالْحَجِّ أو نَاذِرًا له أو كان عليه حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتُهُ أَلَّا يجزئ هذا الْحَجُّ من حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ فإذا كان حُكْمُهُ أَنْ يَسْقُطَ وَلَا يجزئ من حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ فَكَيْفَ لَا يَسْقُطُ الْمَشْيُ الذي إنَّمَا هو هَيْئَةٌ في الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا نَذَرَ الرَّجُلُ أَنْ يَحُجَّ أو نَذَرَ أَنْ يَعْتَمِرَ ولم يَحُجَّ ولم يَعْتَمِرْ فَإِنْ كان نَذَرَ ذلك مَاشِيًا فَلَا يمشى لِأَنَّهُمَا جميعا حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتُهُ فَإِنْ مَشَى فَإِنَّمَا مَشَى حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتَهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ وَيَعْتَمِرَ مَاشِيًا من قِبَلِ أَنَّ أَوَّلَ ما يَعْمَلُ الرَّجُلُ من حَجٍّ وَعُمْرَةٍ إذَا لم يَعْتَمِرْ وَيَحُجَّ فَإِنَّمَا هو حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَإِنْ لم يَنْوِ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَنَوَى بِهِ نَذْرًا أو حَجًّا عن غَيْرِهِ أو تَطَوُّعًا فَهُوَ كُلُّهُ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتُهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ لِنَذْرِهِ فَيُوفِيَهُ كما نَذَرَ مَاشِيًا أو غير مَاشٍ ( قال الرَّبِيعُ ) هذا إذَا كان الْمَشْيُ لَا يَضُرُّ بِمَنْ يَمْشِي فإذا كان مُضِرًّا بِهِ فَيَرْكَبُ وَلَا شَيْءَ عليه على مِثْلِ ما أَمَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَبَا إسْرَائِيلَ أَنْ يُتِمَّ صَوْمَهُ وَيَتَنَحَّى عن الشَّمْسِ فَأَمَرَهُ بِاَلَّذِي فيه الْبِرُّ وَلَا يَضُرُّ بِهِ وَنَهَاهُ عن تَعْذِيبِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِلَّهِ في تَعْذِيبِهِ وَكَذَلِكَ الذي يمشى إذَا كان الْمَشْيُ تَعْذِيبًا له يَضُرُّ بِهِ تَرَكَهُ وَلَا شَيْءَ عليه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قال إنْ شَفَى اللَّهُ فُلَانًا فَلِلَّهِ على أَنْ أَمْشِيَ لم يَكُنْ عليه مَشْيٌ حتى يَكُونَ نَوَى شيئا يَكُونُ مِثْلُهُ بِرًّا فَإِنْ لم يَنْوِ شيئا فَلَا شَيْءَ عليه لِأَنَّهُ ليس في الْمَشْيِ إلَى غَيْرِ مَوَاضِعِ الْبِرِّ بِرٌّ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ نَذَرَ فقال عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى إفْرِيقِيَّةَ أو الْعِرَاقِ أو غَيْرِهِمَا من الْبُلْدَانِ لم يَكُنْ عليه شَيْءٌ لِأَنَّهُ ليس لِلَّهِ طَاعَةٌ في الْمَشْيِ إلَى شَيْءٍ من الْبُلْدَانِ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْمَشْيُ إلَى الْمَوَاضِعِ التي يرتجي فيها الْبِرُّ وَذَلِكَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ وَأَحَبُّ إلَيَّ لو نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَنْ يَمْشِيَ وَإِلَى مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَنْ يَمْشِيَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ وَمَسْجِدِي هذا وَمَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَلَا يُبَيِّنُ لي أَنْ أُوجِبَ الْمَشْيَ إلَى مَسْجِدِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَمَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ كما يُبَيِّنُ لي أَنْ أُوجِبَ الْمَشْيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ وَذَلِكَ أَنَّ الْبِرَّ بِإِتْيَانِ بَيْتِ اللَّهِ فَرْضٌ وَالْبِرُّ بِإِتْيَانِ هَذَيْنِ نَافِلَتَيْنِ وإذا نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ وَلَا نِيَّةَ له فَالِاخْتِيَارُ أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ وَلَا يَجِبُ ذلك عليه إلَّا بِأَنْ يَنْوِيَهُ لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ بُيُوتُ اللَّهِ وهو إذَا نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى مَسْجِدِ مِصْرَ لم يَكُنْ عليه أَنْ يَمْشِيَ إلَيْهِ وَلَوْ نَذَرَ بِرًّا أَمَرْنَاهُ بِالْوَفَاءِ بِهِ ولم يُجْبَرْ عليه وَلَيْسَ هذا كما يُؤْخَذُ لِلْآدَمِيِّينَ من الْآدَمِيِّينَ هذا عَمَلٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عز وجل لَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِإِيجَابِهِ على نَفْسِهِ بِعَيْنِهِ وإذا نَذَرَ الرَّجُلُ أَنْ يَنْحَرَ بِمَكَّةَ لم يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يَنْحَرَ بِمَكَّةَ وَذَلِكَ أَنَّ النَّحْرَ بِمَكَّةَ بِرٌّ وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَنْحَرَ بِغَيْرِهَا لِيَتَصَدَّقَ لم يُجْزِهِ أَنْ يَنْحَرَ إلَّا حَيْثُ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ وَإِنَّمَا أَوْجَبْته وَلَيْسَ في النَّحْرِ في غَيْرِهَا بِرٌّ لِأَنَّهُ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ على مَسَاكِينِ ذلك الْبَلَدِ فإذا نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ على مَسَاكِينِ بَلَدٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ عليهم
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَخَذَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نَاقَتَهُ ولم يَأْمُرْهَا أَنْ تَنْحَرَ مِثْلَهَا أو تَنْحَرَهَا وَلَا تُكَفِّرَ ( قال ) وَكَذَلِكَ نَقُولُ إنَّ من نَذَرَ تَبَرُّرًا أَنْ يَنْحَرَ مَالَ غَيْرِهِ فَهَذَا نَذْرٌ فِيمَا لَا يَمْلِكُ فَالنَّذْرُ سَاقِطٌ عنه وَبِذَلِكَ نَقُولُ قِيَاسًا على من نَذَرَ ما لَا يُطِيقُ أَنْ يَعْمَلَهُ بِحَالٍ سَقَطَ النَّذْرُ عنه لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَعْمَلَهُ فَهُوَ كما لَا يَمْلِكُ مِمَّا سِوَاهُ
أخبرنا سُفْيَانُ عن أَيُّوبَ عن أبي قِلَابَةَ عن أبي الْمُهَلَّبِ عن عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا نَذْرَ في مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ بن آدَمَ وكان في حديث عبد الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ بهذا الْإِسْنَادِ أَنَّ امْرَأَةً من الْأَنْصَارِ نَذَرَتْ وَهَرَبَتْ على نَاقَةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنْ نَجَّاهَا اللَّهُ لَتَنْحَرَنهَا فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم هذا الْقَوْلَ وَأَخَذَ نَاقَتَهُ ولم يَأْمُرْهَا بِأَنْ تَنْحَرَ مِثْلَهَا وَلَا تُكَفِّرَ فَكَذَلِكَ نَقُولُ إنَّ من نَذَرَ تَبَرُّرًا أَنْ يَنْحَرَ مَالَ غَيْرِهِ فَهَذَا نَذْرٌ فِيمَا لَا يَمْلِكُ وَالنَّذْرُ سَاقِطٌ عنه وَكَذَلِكَ نَقُولُ قِيَاسًا على من نَذَرَ مالا يُطِيقُ أَنْ يَعْمَلَهُ بِحَالٍ سَقَطَ النَّذْرُ عنه لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَعْمَلَهُ فَهُوَ كما لَا يَمْلِكُ مِمَّا سِوَاهُ

(2/256)


- * وفي تَرْجَمَةِ الهدى الْمَذْكُورَةِ في تَرَاجُمِ مُخْتَصَرِ الْحَجِّ الْمُتَوَسِّطِ نُصُوصٌ تَتَعَلَّقُ بالهدى الْمَنْذُورِ - * فَمِنْهَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ الهدى من الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَسَوَاءٌ الْبُخْتُ وَالْعِرَابُ من الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْجَوَامِيسِ وَالضَّأْنِ وَالْمَعْزِ وَمَنْ نَذَرَ هَدْيًا فَسَمَّى شيئا لَزِمَهُ الشَّيْءُ الذي سَمَّى صَغِيرًا كان أو كَبِيرًا وَمَنْ لم يُسَمِّ شيئا لَزِمَهُ هدى ليس بِجَزَاءٍ من صَيْدٍ فَيَكُونُ عَدْلَهُ فَلَا يُجْزِيهِ من الْإِبِلِ وَلَا الْبَقَرِ وَلَا الْمَعْزِ إلَّا ثنى فَصَاعِدًا وَيُجْزِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَيُجْزِي من الضَّأْنِ وَحْدَهُ الْجَذَعُ وَالْمَوْضِعُ الذي يَجِبُ عليه فيه الْحَرَمُ لَا مَحِلَّ للهدى دُونَهُ إلَّا أَنْ يسمى الرَّجُلُ مَوْضِعًا من الْأَرْضِ فَيَنْحَرَ فيه هَدْيًا أو يُحْصَرَ رَجُلٌ بِعَدُوٍّ فَيَنْحَرَ حَيْثُ أُحْصِرَ وَلَا هدى إلَّا في الْحَرَمِ لَا في غَيْرِ ذلك وَذُكِرَ هُنَا التَّقْلِيدُ وَالْإِشْعَارُ وقد سَبَقَ في بَابِ الهدى آخِرَ الْحَجِّ وهو يَتَعَلَّقُ بِالْمَنْذُورِ وَالتَّطَوُّعِ ( قال ) وإذا سَاقَ الهدى فَلَيْسَ له أَنْ يَرْكَبَهُ إلَّا من ضَرُورَةٍ وإذا اُضْطُرَّ إلَيْهِ رَكِبَهُ رُكُوبًا غير فَادِحٍ له وَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ الرَّجُلَ المعي ( ( ( المعيا ) ) ) وَالْمُضْطَرَّ على هَدْيِهِ وإذا كان الهدى أُنْثَى فَنَتَجَتْ فَإِنْ تَبِعَهَا فَصِيلُهَا سَاقَهُ وَإِنْ لم يتبعه ( ( ( يتبعها ) ) ) حَمَلَهُ عليها وَلَيْسَ له أَنْ يَشْرَبَ من لَبَنِهَا إلَّا بَعْدَ رِيِّ فَصِيلِهَا وَكَذَلِكَ ليس له أَنْ يسقى أَحَدًا وَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ فَصِيلَهَا وَإِنْ حَمَلَ عليها من غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَأَعْجَفَهَا غَرِمَ قِيمَةَ ما نَقَصَهَا وَكَذَلِكَ إنْ شَرِبَ من لَبَنِهَا ما يُنْهِكُ فَصِيلَهَا غَرِمَ قِيمَةَ اللَّبَنِ الذي شَرِبَ وَإِنْ قَلَّدَهَا وَأَشْعَرَهَا وَوَجَّهَهَا إلَى الْبَيْتِ أو وَجَّهَهَا بِكَلَامٍ فقال ( ( ( فقيل ) ) ) هذه هَدْيِي فَلَيْسَ له أَنْ يَرْجِعَ فيها وَلَا يُبَدِّلُهَا بِخَيْرٍ وَلَا بِشَرٍّ منها كانت زَاكِيَةً أو غير زَاكِيَةٍ وَكَذَلِكَ لو مَاتَ لم يَكُنْ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يَرِثُوهَا وَإِنَّمَا أَنْظُرُ في الهدى إلَى يَوْمِ يُوجِبُ فَإِنْ كان وَافِيًا ثُمَّ أَصَابَهُ بَعْدَ ذلك عَوَرٌ أو عَرَجٌ أو ما لَا يَكُونُ بِهِ وَافِيًا على الِابْتِدَاءِ لم يَضُرَّهُ إذَا بَلَغَ الْمَنْسَكَ وَإِنْ كان يوم وَجَبَ ليس بِوَافٍ ثُمَّ صَحَّ حتى يَصِيرَ وَافِيًا قبل يَنْحَرَ لم يَجُزْ عنه ولم يَكُنْ له أَنْ يَحْبِسَهُ وَلَا عليه أَنْ يُبَدِّلَهُ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بِإِبْدَالِهِ مع نَحْرِهِ أو يَكُونَ أَصْلُهُ وَاجِبًا فَلَا يجزئ عنه فيه إلَّا وَافٍ ( قال ) والهدى هَدْيَانِ هدى أَصْلُهُ تَطَوُّعٌ فذكر في عَطَبِهِ وَإِطْعَامِهِ ما سَبَقَ في بَابِ الهدى ( قال ) وهدى وَاجِبٌ فَذَلِكَ إذَا عَطِبَ دُونَ الْحَرَمِ صَنَعَ بِهِ صَاحِبُهُ ما شَاءَ من بَيْعٍ وَهِبَةٍ وَإِمْسَاكٍ وَعَلَيْهِ بَدَلُهُ بِكُلِّ حَالٍ وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهِ في مَوْضِعِهِ على مَسَاكِينَ كان عليه بَدَلُهُ لِأَنَّهُ قد خَرَجَ من أَنْ يَكُونَ هَدْيًا حين عَطِبَ قبل أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَذَكَرَ هُنَا دَمَ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَغَيْرِ ذلك مِمَّا ذَكَرْنَاهُ في بَابِ الهدى ( قال ) وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ كان عَلَيْهِمَا هَدْيَانِ وَاجِبَانِ فَأَخْطَأَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِهَدْيِ صَاحِبِهِ فَذَبَحَهُ ثُمَّ أَدْرَكَهُ قبل أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هدى نَفْسِهِ وَرَجَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على صَاحِبِهِ بِقِيمَةِ ما بين الْهَدْيَيْنِ حَيَّيْنِ وَمَنْحُورَيْنِ وَأَجْزَأَ عنهما وَتَصَدَّقَا بِكُلِّ ما ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ وَلَوْ لم يُدْرِكَاهُ حتى فَاتَ بِصَدَقَةٍ ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ قِيمَةَ الهدى حَيًّا وكان على كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَدَلُ وَلَا أُحِبُّ أَنْ يُبَدِّلَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَّا بِجَمِيعِ ثَمَنِ هَدْيِهِ وَإِنْ لم يَجِدْ بِثَمَنِ هَدْيِهِ هَدْيًا زَادَ حتى يُبَدِّلَهُ هَدْيًا وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا نَحَرَ هَدْيًا فَمَنَعَ الْمَسَاكِينَ دَفَعَهُ إلَيْهِمْ أو نَحَرَهُ بِنَاحِيَةٍ ولم يخل ( ( ( يحل ) ) ) بين الْمَسَاكِينِ وَبَيْنَهُ حتى يُنْتِنَ كان عليه أَنْ يُبَدِّلَهُ وَالنَّحْرُ يَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ مِنًى كُلُّهَا حتى تَغِيبَ الشَّمْسُ من آخِرِ أَيَّامِهَا فإذا غَابَتْ الشَّمْسُ فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنَّ من كان عليه هدى وَاجِبٌ نَحَرَهُ وَأَعْطَاهُ مَسَاكِينَ الْحَرَمِ قَضَاءً وَيَذْبَحُ في اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَإِنَّمَا أَكْرَهُ ذَبْحَ اللَّيْلِ لِئَلَّا يُخْطِئَ رَجُلٌ في الذَّبْحِ أو لَا يُوجَدُ مَسَاكِينُ حَاضِرُونَ فَأَمَّا إذَا أَصَابَ الذَّبْحَ فَوَجَدَ مَسَاكِينَ حَاضِرِينَ فَسَوَاءٌ وفي أَيِّ الْحَرَمِ ذَبَحَهُ ثُمَّ أَبْلَغَهُ مَسَاكِينَ الْحَرَمِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ كان ذَبْحُهُ إيَّاهُ في غَيْرِ مَوْضِعِ نَاسٍ وَيَنْحَرُ الْإِبِلَ قِيَامًا غير مَعْقُولَةٍ وَإِنْ أَحَبَّ عَقْلَ إحْدَى قَوَائِمِهَا وَإِنْ نَحَرَهَا بَارِكَةً أو مُطْلَقَةً أَجْزَأَتْ عنه وَيَنْحَرُ الْإِبِلَ وَيَذْبَحُ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَإِنْ نَحَرَ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ أو ذَبَحَ
____________________

(2/257)


الْإِبِلَ كَرِهْت له ذلك وَأَجْزَأَتْ عنه وَمَنْ أَطَاقَ الذَّبْحَ من امْرَأَةٍ أو رَجُلٍ أَجْزَأَ أَنْ يَذْبَحَ النَّسِيكَةَ وَهَكَذَا من حَلَّتْ ذَكَاتُهُ إلَّا أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَذْبَحَ النَّسِيكَةَ يهودى أو نَصْرَانِيٌّ فَإِنْ فَعَلَ فَلَا إعَادَةَ على صَاحِبِهِ وَأَحَبُّ إلى أَنْ يَذْبَحَ النَّسِيكَةَ صَاحِبُهَا أو يَحْضُرَ الذَّبْحَ فإنه يُرْجَى عِنْدَ سُفُوحِ الدَّمِ الْمَغْفِرَةُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا قال الرَّجُلُ غُلَامِي حُرٌّ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لي في سَاعَتِي هذه أو في يَوْمِي هذا أو أشاء ( ( ( شاء ) ) ) أو يَشَاءُ فُلَانٌ أَنْ لَا يَكُونَ حُرًّا أو امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إلَّا أَنْ أَشَاءَ أَنْ لَا تَكُونَ طَالِقًا في يومى هذا أو يَشَاءُ فُلَانٌ فَشَاءَ أو شَاءَ الذي اسْتَثْنَى مَشِيئَتَهُ لم يَكُنْ الْعَبْدُ حُرًّا وَلَا الْمَرْأَةُ طَالِقًا ( قال ) وإذا قال الرَّجُلُ أنا أهدى هذه الشَّاةَ نَذْرًا أو أَمْشِي نَذْرًا فَعَلَيْهِ أَنْ يُهْدِيَهَا وَعَلَيْهِ أَنْ يَمْشِيَ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أني سَأُحْدِثُ نَذْرًا أو إنِّي سَأُهْدِيهَا فَلَا يَلْزَمُهُ ذلك وهو كما قَالَهُ لِغَيْرِ إيجَابٍ فإذا نَذَرَ الرَّجُلُ أَنْ يَأْتِيَ مَوْضِعًا من الْحَرَمِ مَاشِيًا أو رَاكِبًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ الْحَرَمَ حَاجًّا أو مُعْتَمِرًا وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يأتى عَرَفَةَ أو مَرًّا أو مَوْضِعًا قَرِيبًا من الْحَرَمِ ليس بِحَرَمٍ لم يَكُنْ عليه شَيْءٌ لِأَنَّ هذا نَذْرٌ في غَيْرِ طَاعَةٍ وإذا نَذَرَ الرَّجُلُ حَجًّا ولم يُسَمِّ وَقْتًا فَعَلَيْهِ حَجٌّ يُحْرِمُ بِهِ في أَشْهُرِ الْحَجِّ مَتَى شَاءَ وإذا قال على نَذْرُ حَجٍّ إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَلَيْسَ عليه شَيْءٌ وَلَوْ شَاءَ فُلَانٌ إنَّمَا النَّذْرُ ما أُرِيدَ اللَّهُ عز وجل بِهِ ليس على مَعَانِي الْعُلُوِّ وَلَا مَشِيئَةِ غَيْرِ النَّاذِرِ وإذا نَذَرَ الرَّجُلُ أَنْ يهدى شيئا من النَّعَمِ لم يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يُهْدِيَهُ وإذا نَذَرَ أَنْ يهدى مَتَاعًا لم يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يُهْدِيَهُ أو يَتَصَدَّقَ بِهِ على مَسَاكِينِ الْحَرَمِ فَإِنْ كانت نِيَّتُهُ في هذه أَنْ يَعْقِلَهُ على الْبَيْتِ أو يَجْعَلَ في طِيبٍ لِلْبَيْتِ جَعَلَهُ حَيْثُ نَوَى وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يهدى مالا يُحْمَلُ مِثْلَ الْأَرَضِينَ وَالدُّورِ بَاعَ ذلك فَأَهْدَى ثَمَنَهُ ويلى الذي نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِذَلِكَ وَتَعْلِيقُهُ على الْبَيْتِ وَتَطْيِيبُهُ بِهِ أو يُوَكِّلُ بِهِ ثِقَةً يَلِي ذلك بِهِ وإذا نَذَرَ أَنْ يهدى بَدَنَةً لم يُجْزِهِ منها إلَّا ثنى من الْإِبِلِ أو ثَنِيَّةٌ وَسَوَاءٌ في ذلك الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى والخصى وَأَكْثَرُهَا ثَمَنًا أَحَبُّهَا إلى وإذا لم يجد بدنة لم يجزه منها إلا ثنى من الإبل أو ثنية وسواء في ذلك الذكر والأنثى والخصى وأكثرها ثمنا أحبها إلى وإذا لم يَجِدْ بَدَنَةً أَهْدَى بَقَرَةً ثَنِيَّةً فَصَاعِدًا وإذا لم يَجِدْ بَقَرَةً أَهْدَى سَبْعًا من الْغَنَمِ ثَنِيًّا فَصَاعِدًا إنْ كُنَّ مِعْزَى أو جَذَعًا فَصَاعِدًا إنْ كُنَّ ضَأْنًا وَإِنْ كانت نِيَّتُهُ على بَدَنَةٍ من الْإِبِلِ دُونَ الْبَقَرِ فَلَا يُجْزِيهِ أَنْ يُهْدِيَ مَكَانَهَا إلَّا بِقِيمَتِهَا وإذا نَذَرَ الرَّجُلُ هَدْيًا ولم ( ( ( لم ) ) ) يُسَمِّ الهدى ولم يَنْوِ شيئا فَأَحَبُّ إلى أَنْ يهدى شَاةً وما أَهْدَى من مُدِّ حِنْطَةٍ أو ما قُوتُهُ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ كُلَّ هذا هدى وَلَوْ أَهْدَى ما ( ( ( إنما ) ) ) كان أَحَبَّ إلى لِأَنَّ كُلَّ هذا هدى أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ من النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا } فَقَدْ يَقْتُلُ الصَّيْدَ وهو صَغِيرٌ أَعْرَجُ وَأَعْمَى وَإِنَّمَا يُجْزِيهِ بمثله أو لا تَرَى أَنَّهُ يَقْتُلُ الْجَرَادَةَ وَالْعُصْفُورَ وَهُمَا من الصَّيْدِ فَيُجْزِي الْجَرَادَةَ بِتَمْرَةٍ وَالْعُصْفُورَ بِقِيمَتِهِ وَلَعَلَّهُ قَبْضَةٌ وقد سَمَّى اللَّهُ عز وجل هذا كُلَّهُ هَدْيًا وإذا قال الرَّجُلُ شَاتِي هذه هدى إلَى الْحَرَمِ أو بُقْعَةٌ من الْحَرَمِ أَهْدَى وإذا نَذَرَ الرَّجُلُ بَدَنَةً لم تُجْزِئْهُ إلَّا بِمَكَّةَ فَإِنْ سَمَّى مَوْضِعًا من الْأَرْضِ يَنْحَرُهَا فيه أَجْزَأَتْهُ وإذا نَذَرَ الرَّجُلُ عَدَدَ صَوْمٍ صَامَهُ إنْ شَاءَ مُتَفَرِّقًا وَإِنْ شَاءَ مُتَتَابِعًا ( قال ) وإذا نَذَرَ صِيَامَ أَشْهُرٍ فما صَامَ منها بِالْأَهِلَّةِ صَامَهُ عَدَدًا ما بين الْهِلَالَيْنِ إنْ كان تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَثَلَاثِينَ فَإِنْ صَامَهُ بِالْعَدَدِ صَامَ عن كل شَهْرٍ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وإذا نَذَرَ صِيَامَ سَنَةٍ بِعَيْنِهَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا سَمَّى اللَّهَ عز وجل على النَّسِيكَةِ أَجْزَأَ عنه وَإِنْ قال اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ عنى أو تَقَبَّلْ عن فُلَانٍ الذي أَمَرَهُ بِذَبْحِهِ فَلَا بَأْسَ ثُمَّ ذَكَرَ الْأَكْلَ من هدى التَّطَوُّعِ وقد ذَكَرْنَاهُ في بَابِ الهدى ( قال ) والهدى هَدْيَانِ وَاجِبٌ وَتَطَوُّعٌ فَكُلُّ ما كان أَصْلُهُ وَاجِبًا على الْإِنْسَانِ ليس له حَبْسُهُ فَلَا يَأْكُلُ منه شيئا وَذَلِكَ مِثْلُ هدى الْفَسَادِ وَالطِّيبِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَالنُّذُورِ وَالْمُتْعَةِ فان أَكَلَ من الهدى الْوَاجِبِ تَصَدَّقَ بِقِيمَةِ ما أَكَلَ منه ثُمَّ ذَكَرَ ما يَتَعَلَّقُ بِالتَّطَوُّعِ وقد تَقَدَّمَ ( قال ) وَإِنْ لم يُقَلِّدْ هَدْيَهُ ولم يُشْعِرْهُ قَارِنًا كان أو غَيْرَهُ أَجْزَأَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ هَدْيًا من مني أو من مَكَّةَ ثُمَّ يَذْبَحُهُ مَكَانَهُ لِأَنَّهُ ليس على الهدى عَمَلٌ إنَّمَا الْعَمَلُ على الْآدَمِيِّينَ وَالنُّسُكُ لهم وَإِنَّمَا هذا من أَمْوَالِهِمْ يَتَقَرَّبُونَ بِهِ إلَى اللَّهِ عز وجل

(2/258)


صَامَهَا كُلَّهَا إلَّا رَمَضَانَ فإنه يَصُومُ لِرَمَضَانَ وَيَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ النَّحْرِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَلَا قَضَاءَ عليه كما لو قَصَدَ بِنَذْرٍ أَنْ يَصُومَ هذه الْأَيَّامَ لم يَكُنْ عليه نَذْرٌ وَلَا قَضَاءٌ فَإِنْ نَذَرَ سَنَةً بِغَيْرِ عَيْنِهَا قَضَى هذه الْأَيَّامَ كُلَّهَا حتى يوفى صَوْمَ سَنَةٍ كَامِلَةٍ وَإِنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَرَضٌ أو خَطَأُ عَدَدٍ أو نِسْيَانٌ أو تَوَانٍ قَضَاهُ إذَا زَعَمْت أَنَّهُ يُهِلُّ بِالْحَجِّ فَيُحْصَرُ بِعَدُوٍّ فَلَا يَكُونُ عليه قَضَاءٌ كان من نَذَرَ حَجًّا بِعَيْنِهِ مثله وما زَعَمْت أَنَّهُ إذَا أُحْصِرَ فإن عليه الْقَضَاءَ أَمَرْته أَنْ يَقْضِيَهُ إنْ نَذَرَهُ فَأُحْصِرَ وَهَكَذَا إنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ سَنَةً بِعَيْنِهَا فَمَرِضَ قَضَاهَا إلَّا الْأَيَّامَ التي ليس له أَنْ يَصُومَهَا فَإِنْ قال قَائِلٌ فَلِمَ تَأْمُرُ الْمُحْصَرَ إذَا أُحْصِرَ بالهدى وَلَا تَأْمُرُ بِهِ هذا قُلْت آمُرُهُ بِهِ لِلْخُرُوجِ من الْإِحْرَامِ وَهَذَا لم يُحْرِمْ فَآمُرُهُ بالهدى ( قال ) وإذا أَكَلَ الصَّائِمُ أو شَرِبَ في رَمَضَانَ أو نَذْرٍ أو صَوْمِ كَفَّارَةٍ أو وَاجِبٍ بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ أو تَطَوُّعٍ نَاسِيًا فَصَوْمُهُ تَامٌّ وَلَا قَضَاءَ عليه وإذا تَسَحَّرَ بَعْدَ الْفَجْرِ وهو لَا يَعْلَمُ أو أَفْطَرَ قبل اللَّيْلِ وهو لَا يَعْلَمُ فَلَيْسَ بِصَائِمٍ في ذلك الْيَوْمِ وَعَلَيْهِ بَدَلُهُ فَإِنْ كان صَوْمُهُ مُتَتَابِعًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْنِفَهُ وإذا قال لِلَّهِ على أَنْ أَصُومَ الْيَوْمَ الذي يَقْدُمُ فيه فُلَانٌ فَقَدِمَ لَيْلًا فَلَيْسَ عليه صَوْمٌ صَبِيحَةَ ذلك الْيَوْمِ لِأَنَّهُ قَدِمَ في اللَّيْلِ ولم يَقْدُمْ في النَّهَارِ وَأَحَبُّ إلى لو صَامَهُ وَلَوْ قَدِمَ الرَّجُلُ نَهَارًا وقد أَفْطَرَ الذي نَذَرَ الصَّوْمَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَهُ لِأَنَّهُ نَذْرٌ وَالنَّذْرُ لَا يُجْزِيهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ صِيَامَهُ قبل الْفَجْرِ وَهَذَا احْتِيَاطٌ وقد يَحْتَمِلُ الْقِيَاسَ أَنْ لَا يَكُونَ عليه قَضَاؤُهُ من قِبَلِ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ له أَنْ يَكُونَ فيه صَائِمًا عن نَذْرِهِ وَإِنَّمَا قُلْنَا بِالِاحْتِيَاطِ أَنَّ جَائِزًا أَنْ يَصُومَ وَلَيْسَ هو كَيَوْمِ الْفِطْرِ وَإِنَّمَا كان عليه صَوْمُهُ بَعْدَ مَقْدِمِ فُلَانٍ فَقُلْنَا عليه قَضَاؤُهُ وَهَذَا أَصَحُّ في الْقِيَاسِ من الْأَوَّلِ وَلَوْ أَصْبَحَ فيه صَائِمًا من نَذْرٍ غَيْرِ هذا أو قَضَاءِ رَمَضَانَ أَحْبَبْت أَنْ يَعُودَ لِصَوْمِ نَذْرِهِ وَقَضَائِهِ وَيَعُودُ لِصَوْمِهِ لِمَقْدِمِ فُلَانٍ وَلَوْ أَنَّ فُلَانًا قَدِمَ يوم الْفِطْرِ أو يوم النَّحْرِ أو التَّشْرِيقِ لم يَكُنْ عليه صَوْمُ ذلك الْيَوْمِ وَلَا عليه قَضَاؤُهُ لِأَنَّهُ ليس في صَوْمِ ذلك الْيَوْمِ طَاعَةٌ فَلَا يقضى ما لَا طَاعَةَ فيه وَلَوْ قال لِلَّهِ على أَنْ أَصُومَ الْيَوْم الذي يَقْدَمُ فيه فُلَانٌ أَبَدًا فَقَدِمَ فُلَانٌ يوم الِاثْنَيْنِ فإن عليه قَضَاءَ الْيَوْمِ الذي قَدِمَ فيه وَصَوْمَ الِاثْنَيْنِ كُلَّمَا اسْتَقْبَلَهُ فَإِنْ تَرَكَهُ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ قَضَاهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ يوم فِطْرٍ أو أَضْحَى أو أَيَّامَ التَّشْرِيقِ فَلَا يَصُومُ وَلَا يَقْضِيهِ وَكَذَلِكَ إنْ كان في رَمَضَانَ لم يَقْضِهِ وَصَامَهُ في رَمَضَانَ كما لو أَنَّ رَجُلًا نَذَرَ أَنْ يَصُومَ رَمَضَانَ صَامَ رَمَضَانَ بِالْفَرِيضَةِ ولم يَصُمْهُ بِالنَّذْرِ ولم يَقْضِهِ وَكَذَلِكَ لو نَذَرَ أَنْ يَصُومَ يوم الْفِطْرِ أو الْأَضْحَى أو أَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَقَدِمَ فُلَانٌ يوم الِاثْنَيْنِ وقد وَجَبَ عليه صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ صَامَهُمَا وَقَضَى كُلَّ اثْنَيْنِ مِنْهُمَا وَلَا يُشْبِهُ هذا شَهْرَ رَمَضَانَ لِأَنَّ هذا شَيْءٌ أَدْخَلَهُ على نَفْسِهِ بعد ما أُوجِبَ عليه صَوْمُ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَصَوْمُ رَمَضَانَ شَيْءٌ أَوْجَبَهُ اللَّهُ لَا شَيْءَ أَدْخَلَهُ على نَفْسِهِ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وكان النَّاذِرُ امْرَأَةً فَكَالرَّجُلِ وتقضى كُلَّ ما مَرَّ عليها من حَيْضِهَا وإذا قالت الْمَرْأَةُ لِلَّهِ على أَنْ أَصُومَ كُلَّمَا حِضْت أؤ أَيَّامَ حَيْضِي فَلَيْسَ عليها صَوْمٌ وَلَا قَضَاءٌ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ صَائِمَةً وَهِيَ حَائِضٌ وإذا نَذَرَ الرَّجُلُ صَلَاةً أو صَوْمًا ولم يَنْوِ عَدَدًا فَأَقَلُّ ما يَلْزَمُهُ من الصَّلَاةِ رَكْعَتَانِ وَمِنْ الصَّوْمِ يَوْمٌ لِأَنَّ هذا أَقَلُّ ما يَكُونُ من الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لَا الْوِتْرُ ( قال الرَّبِيعُ ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ يُجْزِيهِ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ مَرْوِيٌّ عن عُمَرَ أَنَّهُ تَنَفَّلَ بِرَكْعَةٍ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ بَعْدَ عَشْرِ رَكَعَاتٍ وَأَنَّ عُثْمَانَ أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ ( قال الرَّبِيعُ ) فلما كانت رَكْعَةٌ صَلَاةً وَنَذَرَ أَنْ يصلى صَلَاةً ولم يَنْوِ عَدَدًا فَصَلَّى رَكْعَةً كانت رَكْعَةٌ صَلَاةً بِمَا ذَكَرْنَا (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا قال لِلَّهِ على عِتْقُ رَقَبَةٍ فَأَيُّ رَقَبَةٍ أَعْتَقَ أجزأه ( ( ( أجزأ ) )

(2/259)


3 (1) * أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قال قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عن تَرَاضٍ مِنْكُمْ } وقال اللَّهُ تَعَالَى { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } قال الشَّافِعِيُّ وَذَكَرَ اللَّهُ الْبَيْعَ في غَيْرِ مَوْضِعٍ من كِتَابِهِ بِمَا يَدُلُّ على إبَاحَتِهِ فَاحْتَمَلَ إحْلَالُ اللَّهِ عز وجل الْبَيْعَ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ أَحَلَّ كُلَّ بَيْعِ تَبَايَعَهُ الْمُتَبَايِعَانِ جَائِزِي الْأَمْرِ فِيمَا تَبَايَعَاهُ عن تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَهَذَا أَظْهَرُ مَعَانِيهِ ( قال ) وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عز وجل أَحَلَّ الْبَيْعَ إذَا كان مِمَّا لم يَنْهَ عنه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمُبَيِّنُ عن اللَّهِ عز وجل مَعْنَى ما أَرَادَ فَيَكُونُ هذا من الْجُمَلِ التي أَحْكَمَ اللَّهُ فَرْضَهَا بِكِتَابِهِ وَبَيَّنَ كَيْفَ هِيَ على لِسَانِ نَبِيِّهِ أو من الْعَامِّ الذي أَرَادَ بِهِ الْخَاصَّ فَبَيَّنَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ما أُرِيدَ بِإِحْلَالِهِ منه وما حُرِّمَ أو يَكُونُ دَاخِلًا فِيهِمَا أو من الْعَامِّ الذي أَبَاحَهُ إلَّا ما حُرِّمَ على لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم منه وما في مَعْنَاهُ كما كان الْوُضُوءُ فَرْضًا على كل مُتَوَضِّئٍ لَا خَفِيَ عليه لَبْسُهُمَا على كَمَالِ الطَّهَارَةِ وَأَيُّ هذه الْمَعَانِي كان فَقَدْ أَلْزَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى خَلْقَهُ بِمَا فَرَضَ من طَاعَةِ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأن ما قبل عنه فعن الله عز وجل قبل لأنه بكتاب الله تعالى قبل ( قال ) فلما نهى رسول الله صلى اللَّهُ عليه وسلم عن بُيُوعٍ تَرَاضَى بها الْمُتَبَايِعَانِ اسْتَدْلَلْنَا على أَنَّ اللَّهَ عز وجل أَرَادَ بِمَا أَحَلَّ من الْبُيُوعِ ما لم يَدُلَّ على تَحْرِيمِهِ على لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم دُونَ ما حَرَّمَ على لِسَانِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَصْلُ الْبُيُوعِ كُلِّهَا مُبَاحٌ إذَا كانت بِرِضَا الْمُتَبَايِعَيْنِ الْجَائِزَيْ الْأَمْرِ فِيمَا تَبَايَعَا إلَّا ما نهى عنه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم منها وما كان في مَعْنَى ما نهى عنه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مُحَرَّمٌ بِإِذْنِهِ دَاخِلٌ في الْمَعْنَى الْمَنْهِيِّ عنه وما فَارَقَ ذلك أَبَحْنَاهُ بِمَا وَصَفْنَا من إبَاحَةِ الْبَيْعِ في كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَجِمَاعُ ما يَجُوزُ من كل بَيْعٍ آجِلٍ وَعَاجِلٍ وما لَزِمَهُ اسْمُ بَيْعٍ بِوَجْهٍ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ حتى يُجْمِعَا أَنْ يَتَبَايَعَاهُ بِرِضًا مِنْهُمَا بِالتَّبَايُعِ بِهِ وَلَا يَعْقِدَاهُ بِأَمْرٍ مَنْهِيٍّ عنه وَلَا على أَمْرٍ مَنْهِيٍّ عنه وَأَنْ يَتَفَرَّقَا بَعْدَ تَبَايُعِهِمَا عن مَقَامِهِمَا الذي تَبَايَعَا فيه على التَّرَاضِي بِالْبَيْعِ فإذا اجْتَمَعَ هذا لَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيْعُ ولم يَكُنْ له رَدُّهُ إلَّا بِخِيَارٍ أو عَيْبٍ يَجِدُهُ أو شَرْطٍ يَشْرِطُهُ أو خِيَارِ رُؤْيَةٍ إن جاز خيار الرؤية ومتى لم يكن هذا لم يقع البيع بين المتابيعين ( قال الربيع ) قد رجع الشافعي عن خيار الرؤية وقال لَا يَجُوزُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أَصْلُ الْبَيْعِ بَيْعَانِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا بَيْعُ صِفَةٍ مَضْمُونَةٍ على بَائِعِهَا فإذا جاء بها فلا خِيَارٌ لِلْمُشْتَرِي فِيمَا إذَا كانت على صِفَتِهِ وَبَيْعُ عَيْنٍ مَضْمُونَةٍ على بَائِعِهَا بِعَيْنِهَا يُسَلِّمُهَا الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي فإذا تَلِفَتْ لم يَضْمَنْ سِوَى الْعَيْنِ التي بَاعَ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ غَيْرِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ وَهَذَانِ مُفْتَرَقَانِ في كِتَابِ الْبُيُوعِ
____________________
1- * كِتَابُ الْبُيُوعِ

(3/3)


- * بَابٌ بَيْعُ الْخِيَارِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا مَالِكُ بن أَنَسٍ عن نَافِعٍ عن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على صَاحِبِهِ بِالْخِيَارِ ما لم يَتَفَرَّقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ أخبرنا بن جُرَيْجٍ قال أملي على نَافِعٌ مولى بن عُمَرَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بن عُمَرَ أخبره أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إذَا تَبَايَعَ الْمُتَبَايِعَانِ الْبَيْعَ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ من بَيْعِهِ ما لم يَتَفَرَّقَا أو يَكُونُ بَيْعُهُمَا عن خِيَارٍ قال نَافِعٌ وكان عبد اللَّهِ إذَا ابْتَاعَ الْبَيْعَ فَأَرَادَ أَنْ يُوجِبَ الْبَيْعَ مَشَى قَلِيلًا ثُمَّ رَجَعَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عبد اللَّهِ بن دِينَارٍ عن بن عُمَرَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا الثِّقَةُ عن حَمَّادِ بن سَلَمَةَ عن قَتَادَةَ عن أبي الْخَلِيلِ عن عبد اللَّهِ بن الحرث عن حَكِيمِ بن حِزَامٍ قال قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ ما لم يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَّا وَجَبَتْ الْبَرَكَةُ في بَيْعِهِمَا وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ الْبَرَكَةُ من بَيْعِهِمَا أخبرنا الثِّقَةُ يحيى بن حَسَّانَ عن حَمَّادِ بن زَيْدٍ عن جَمِيلِ بن مُرَّةَ عن أبى الْوَضِيءِ قال كنا في غَزَاةٍ فَبَاعَ صَاحِبٌ لنا فَرَسًا من رَجُلٍ فلما أَرَدْنَا الرَّحِيلَ خَاصَمَهُ فيه إلَى أبي بَرْزَةَ فقال له أبو بَرْزَةَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول الْبَيْعَانِ بِالْخِيَارِ ما لم يَتَفَرَّقَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وفي الحديث ما يُبَيِّنُ هذا أَيْضًا لم يَحْضُرْ الذي حدثني حِفْظَهُ وقد سَمِعْتُهُ من غَيْرِهِ أَنَّهُمَا بَاتَا لَيْلَةً ثُمَّ غَدَوْا عليه فقال لَا أَرَاكُمَا تَفَرَّقْتُمَا وَجَعَلَ له الْخِيَارَ إذَا بَاتَا مَكَانًا وَاحِدًا بَعْدَ الْبَيْعِ ( قال ) أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ قال إذَا وَجَبَ الْبَيْعُ خَيَّرَهُ بَعْدَ وُجُوبِهِ قال يقول اخْتَرْ إنْ شِئْت فَخُذْ وَإِنْ شِئْت فَدَعْ قال فَقُلْت له فَخَيَّرَهُ بَعْدَ وُجُوبِ الْبَيْعِ فَأَخَذَ ثُمَّ نَدِمَ قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا من مَجْلِسِهِمَا ذلك أنفيلة ( ( ( أتقبله ) ) ) منه لَا بُدَّ قال لَا أَحْسَبُهُ إذَا خَيَّرَهُ بَعْدَ وُجُوبِ الْبَيْعِ أخبرنا عبد الْوَهَّابِ بن عبدالمجيد الثَّقَفِيُّ عن أَيُّوبَ بن أبي تَمِيمَةَ عن مُحَمَّدِ بن سِيرِينَ عن شُرَيْحٍ أَنَّهُ قال شَاهِدَانِ ذَوَا عَدْلٍ أنكما افْتَرَقْتُمَا بَعْدَ رِضًا بِبَيْعٍ أو خَيَّرَ أَحَدُكُمَا صَاحِبَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا نَأْخُذُ وهو قَوْلُ الْأَكْثَرِ من أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْأَكْثَرِ من أَهْلِ الْآثَارِ بِالْبُلْدَانِ ( قال ) وَكُلُّ مُتَبَايِعَيْنِ في سَلَفٍ إلَى أَجَلٍ أو دَيْنٍ أو عَيْنٍ أو صَرْفٍ أو غَيْرِهِ تَبَايَعَا وَتَرَاضَيَا ولم يَتَفَرَّقَا عن مَقَامِهِمَا أو مَجْلِسِهِمَا الذي تَبَايَعَا فيه فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُ الْبَيْعِ وَإِنَّمَا يَجِبُ على كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيْعُ حتى لَا يَكُونَ له رَدُّهُ إلَّا بِخِيَارٍ أو شَرْطِ خِيَارٍ أو ما وَصَفْت إذَا تَبَايَعَا فيه وَتَرَاضَيَا وَتَفَرَّقَا بَعْدَ الْبَيْعِ عن مَقَامِهِمَا الذي تَبَايَعَا فيه أو كان بَيْعُهُمَا عن خِيَارٍ فإن الْبَيْعَ يَجِبُ بِالتَّفَرُّقِ وَالْخِيَارِ ( قال ) وَاحْتَمَلَ قَوْلُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ مَعْنَيَيْنِ أَظْهَرُهُمَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِاللِّسَانِ وَأَوْلَاهُمَا بِمَعْنَى السُّنَّةِ وَالِاسْتِدْلَالِ بها وَالْقِيَاسُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذْ جَعَلَ الْخِيَارَ لِلْمُتَبَايِعَيْنِ فَالْمُتَبَايِعَانِ اللَّذَانِ عَقَدَا الْبَيْعَ حتى يَتَفَرَّقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ فإن الْخِيَارَ إذَا كان لَا يَنْقَطِعُ بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ في السُّنَّةِ حتى يَتَفَرَّقَا وَتَفَرُّقُهُمَا هو أَنْ يَتَفَرَّقَا عن مَقَامِهِمَا الذي تَبَايَعَا فيه كان بِالتَّفَرُّقِ أو بِالتَّخْيِيرِ وكان مَوْجُودًا في اللِّسَانِ وَالْقِيَاسِ إذَا كان الْبَيْعُ يَجِبُ بِشَيْءٍ بَعْدَ الْبَيْعِ وهو الْفِرَاقُ أَنْ يَجِبَ بِالثَّانِي بَعْدَ الْبَيْعِ فَيَكُونُ إذَا خَيَّرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ كان الْخِيَارُ تَجْدِيدَ شَيْءٍ يُوجِبُهُ كما كان التَّفَرُّقُ تَجْدِيدَ شَيْءٍ يُوجِبُهُ وَلَوْ لم يَكُنْ فيه سُنَّةٌ بَيِّنَةٌ بِمِثْلِ ما ذَهَبَ إلَيْهِ كان ما وَصَفْنَا أَوْلَى الْمَعْنَيَيْنِ أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ لِمَا وَصَفْت من الْقِيَاسِ مع أَنَّ سُفْيَانَ بن عُيَيْنَةَ أخبرنا عن عبد اللَّهِ بن طَاوُسٍ عن أبيه قال خَيَّرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَجُلًا بَعْدَ الْبَيْعِ فقال الرَّجُلُ عَمْرَك اللَّهُ مِمَّنْ أنت فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم امْرُؤٌ من قُرَيْشٍ قال وكان أبي يَحْلِفُ ما الْخِيَارُ إلَّا بَعْدَ الْبَيْعِ ( قال ) وَبِهَذَا نَقُولُ وقد قال بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَجِبُ الْبَيْعُ بِالتَّفَرُّقِ بَعْدَ الصَّفْقَةِ وَيَجِبُ بِأَنْ يَعْقِدَ الصَّفْقَةَ على خِيَارٍ وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لَك بِسِلْعَتِك كَذَا بَيْعًا خِيَارًا فيقول قد اخْتَرْت الْبَيْعَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَيْسَ نَأْخُذُ بهذا وَقَوْلُنَا الْأَوَّلُ لَا يَجِبُ الْبَيْعُ
____________________

(3/4)


إلَّا بِتَفَرُّقِهِمَا أو تَخْيِيرِ أَحَدِهِمَا صَاحِبَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ فَيَخْتَارُهُ ( قال ) وإذا تَبَايَعَ الْمُتَبَايِعَانِ السِّلْعَةَ وَتَقَابَضَا أو لم يَتَقَابَضَا فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ ما لم يَتَفَرَّقَا أو يُخَيِّرْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ فإذا خَيَّرَهُ وَجَبَ الْبَيْعُ بِمَا يَجِبُ بِهِ إذَا تَفَرَّقَا وَإِنْ تَقَابَضَا وَهَلَكَتْ السِّلْعَةُ في يَدِ الْمُشْتَرِي قبل التَّفَرُّقِ أو الْخِيَارِ فَهُوَ ضَامِنٌ لَقِيمَتِهَا بَالِغًا ما بَلَغَ كان أَقَلَّ أو أَكْثَرَ من ثَمَنِهَا لِأَنَّ الْبَيْعَ لم يَتِمَّ فيها ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ هَلَكَتْ في يَدِ الْبَائِعِ قبل قَبْضِ الْمُشْتَرِي لها وَقَبْلَ التَّفَرُّقِ أو بَعْدَهُ انْفَسَخَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا وَلَا تَكُونُ من ضَمَانِ الْمُشْتَرِي حتى يَقْبِضَهَا فَإِنْ قَبَضَهَا ثُمَّ رَدَّهَا على الْبَائِعِ وَدِيعَةً فَهُوَ كَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَوْدَعَهُ إيَّاهَا وَإِنْ تَفَرَّقَا فَمَاتَتْ فَهِيَ من ضَمَانِ الْمُشْتَرِي وَعَلَيْهِ ثَمَنُهَا وإن قبضها وردها عل البائع وديعة فماتت قبل التفرق أو الخيار فهي مضمونه على بالقيمة وَإِنْ كان المشتري أَمَةً فَأَعْتَقَهَا الْمُشْتَرِي قبل التَّفَرُّقِ أو الْخِيَارِ فَاخْتَارَ الْبَائِعُ نَقْضَ الْبَيْعِ كان له ذلك وكان عِتْقُ الْمُشْتَرِي بَاطِلًا لِأَنَّهُ أَعْتَقَ ما لم يَتِمَّ له مِلْكُهُ وإذا أَعْتَقَهَا الْبَائِعُ كان عِتْقُهُ جَائِزًا لِأَنَّهَا لم تُمْلَكْ عليه مِلْكًا يَقْطَعُ الْمِلْكَ الْأَوَّلَ عنها إلَّا بِتَفَرُّقٍ بَعْدَ الْبَيْعِ أو خِيَارٍ وَأَنَّ كُلَّ ما لم يَتِمَّ فيه مِلْكُ الْمُشْتَرِي فَالْبَائِعُ أَحَقُّ بِهِ إذَا شَاءَ لِأَنَّ أَصْلَ الْمِلْكِ كان له ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَلِكَ لو عَجَّلَ الْمُشْتَرِي فَوَطِئَهَا قبل التَّفَرُّقِ في غَفْلَةٍ من الْبَائِعِ عنه فَاخْتَارَ الْبَائِعُ فَسْخَ الْبَيْعِ كان له فَسْخُهُ وكان على الْمُشْتَرِي مَهْرُ مِثْلِهَا لِلْبَائِعِ وَإِنْ أَحَبْلهَا فَاخْتَارَ الْبَائِعُ رَدَّ الْبَيْعِ كان له رَدُّهُ وَكَانَتْ الْأَمَةُ له وَلَهُ مَهْرُ مِثْلِهَا فَأَعْتَقْنَا وَلَدَهَا بِالشُّبْهَةِ وَجَعَلْنَا على الْمُشْتَرِي قِيمَةَ وَلَدِهِ يوم وُلِدَ وَإِنْ وَطِئَهَا الْبَائِعُ فَهِيَ أَمَتُهُ وَالْوَطْءُ كَالِاخْتِيَارِ منه لِفَسْخِ الْبَيْعِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ مَاتَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا قام وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ وكان لهم الْخِيَارُ في الْبَيْعِ ما كان له وَإِنْ خَرِسَ قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا أو غُلِبَ على عَقْلِهِ أَقَامَ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ من يَنْظُرُ له وَجَعَلَ له الْخِيَارَ في رَدِّ الْبَيْعِ أو أَخْذِهِ فَأَيُّهُمَا فَعَلَ ثُمَّ أَفَاقَ الْآخَرُ فَأَرَادَ نَقْضَ ما فَعَلَهُ لم يَكُنْ له أَنْ يُمْضِيَ الْحُكْمَ عليه بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كان المشتري أَمَةً فَوَلَدَتْ أو بَهِيمَةً فَنَتَجَتْ قبل التَّفَرُّقِ فَهُمَا على الْخِيَارِ فَإِنْ اخْتَارَا إنْفَاذَ الْبَيْعِ أو تَفَرَّقَا فولد ( ( ( فالولد ) ) ) المشتري لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ وَقَعَ وهو حَمْلٌ وَكَذَلِكَ كُلُّ خِيَارٍ بِشَرْطٍ جَائِزٍ في أَصْلِ الْعَقْدِ
____________________

(3/5)


- * بَابٌ الْخِلَافُ فِيمَا يَجِبُ بِهِ الْبَيْعُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس فِيمَا يَجِبُ بِهِ الْبَيْعُ فقال إذَا عُقِدَ الْبَيْعُ وَجَبَ وَلَا أُبَالِي أَنْ لَا يُخَيِّرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ قبل بَيْعٍ وَلَا بَعْدَهُ وَلَا يَتَفَرَّقَانِ بَعْدَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقِيلَ لِبَعْضِ من قال هذا الْقَوْلَ إلَى أَيِّ شَيْءٍ ذَهَبْت في هذا الْقَوْلِ قال أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَهَذَا بَيْعٌ وَإِنَّمَا أَحَلَّ اللَّهُ عز وجل منه لِلْمُشْتَرِي ما لم يَكُنْ يَمْلِكُ وَلَا أَعْرِفُ الْبَيْعَ إلَّا بِالْكَلَامِ لَا بِتَفَرُّقِ الْأَبَدَانِ فَقُلْت له أَرَأَيْت لو عَارَضَك مُعَارِضٌ جَاهِلٌ بِمِثْلِ حُجَّتِك فقال مِثْلَ ما قُلْت أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَلَا أَعْرِفُ بَيْعًا حَلَالًا وَآخَرَ حَرَامًا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَلْزَمُهُ اسْمُ الْبَيْعِ ما الْحُجَّةُ عليه قال إذْ نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن بُيُوعٍ فَرَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمُبَيِّنُ عن اللَّهِ عز وجل مَعْنَى ما أَرَادَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) قُلْت له وَلَك بهذا حُجَّةٌ في النَّهْيِ فما عَلِمْنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم سَنَّ سُنَّةً في الْبُيُوعِ أَثْبَتَ من قَوْلِهِ الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ ما لم يَتَفَرَّقَا فإن بن عُمَرَ وَأَبَا بَرْزَةَ وَحَكِيمَ بن حِزَامٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بن عَمْرِو بن الْعَاصِ يَرْوُونَهُ ولم يُعَارِضْهُمْ أَحَدٌ بِحَرْفٍ يُخَالِفُهُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وقد نهى عن الدِّينَارِ بِالدِّينَارَيْنِ فَعَارَضَ ذلك أُسَامَةُ بن زَيْدٍ بِخَبَرٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم خِلَافِهِ فَنَهَيْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ عن الدِّينَارِ بِالدِّينَارَيْنِ وَقُلْنَا هذا أَقْوَى في الحديث وَمَعَ من خَالَفْنَا مِثْلُ ما احْتَجَجْت بِهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَلَّ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا وَأَنَّ نَهْيَهُ عن الرِّبَا خِلَافُ ما رَوَيْته وَرَوَوْهُ أَيْضًا عن سَعْدِ بن أبي وَقَّاصٍ وبن عَبَّاسٍ وَعُرْوَةَ وَعَامَّةُ فُقَهَاءِ الْمَكِّيِّينَ فإذا كنا نُمَيِّزُ بين الْأَحَادِيثِ فَنَذْهَبُ إلَى الْأَكْثَرِ وَالْأَرْجَحِ وَإِنْ اُخْتُلِفَ فيه عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَنَرَى لنا حُجَّةً على من خَالَفَنَا أَفَمَا نَرَى أَنَّ ما رُوِيَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مِمَّا لم يُخَالِفْهُ أَحَدٌ بِرِوَايَةٍ عنه أَوْلَى أَنْ يَثْبُتَ قال بَلَى إنْ كان كما تَقُولُ قُلْت فَهُوَ كما أَقُولُ فَهَلْ تَعْلَمُ مُعَارِضًا له عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يُخَالِفُهُ قال لَا وَلَكِنِّي أَقُولُ إنَّهُ ثَابِتٌ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كما قُلْت وَبِهِ أَقُولُ وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ على غَيْرِ ما قُلْت قُلْت فَاذْكُرْ لي الْمَعْنَى الذي ذَهَبْت إلَيْهِ فيه قال الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ ما لم يَتَفَرَّقَا في الْكَلَامِ قال فَقُلْت له الذي ذَهَبْت إلَيْهِ مُحَالٌ لَا يَجُوزُ في اللِّسَانِ قال وما إحَالَتُهُ وَكَيْفَ لَا يَحْتَمِلُهُ اللِّسَانُ قُلْت إنَّمَا يَكُونَانِ قبل التَّسَاوُمِ غير مُتَسَاوِمَيْنِ ثُمَّ يَكُونَانِ مُتَسَاوِمَيْنِ قبل التَّبَايُعِ ثُمَّ يَكُونَانِ بَعْدَ التَّسَاوُمِ مُتَبَايِعَيْنِ وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِمَا اسْمُ مُتَبَايِعَيْنِ حتى يَتَبَايَعَا وَيَفْتَرِقَا في الْكَلَامِ على التَّبَايُعِ ( قال ) فقال فَادْلُلْنِي على ما وَصَفْت بِشَيْءٍ أَعْرِفُهُ غير ما قُلْت الْآنَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقُلْت
____________________

(3/6)


له أَرَأَيْت لو تَسَاوَمْت أنا وَأَنْتَ بِسِلْعَةِ فقال رَجُلٍ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ كُنْتُمَا تَبَايَعْتُمَا فيها قال فَلَا تَطْلُقُ من قِبَلِ أَنَّكُمَا غَيْرُ مُتَبَايِعَيْنِ إلَّا بِعَقْدِ الْبَيْعِ قُلْت وَعَقْدُ الْبَيْعِ التَّفَرُّقُ عِنْدَك في الْكَلَامِ عن الْبَيْعِ قال نعم قُلْت أَرَأَيْت لو تَقَاضَيْتُك حَقًّا عَلَيْك فَقُلْت وَاَللَّهِ لَا أُفَارِقُك حتى تُعْطِيَنِي حَقِّي مَتَى أَحْنَثُ قال إنْ فَارَقْتَهُ بِبَدَنِك قبل أَنْ يُعْطِيَك حَقَّك قُلْت فَلَوْ لم تَعْرِفْ من لِسَانِ الْعَرَبِ شيئا إلَّا هذا أَمَا دَلَّك على أَنَّ قَوْلَك مُحَالٌ وإن اللِّسَانَ لَا يَحْتَمِلُهُ بهذا الْمَعْنَى وَلَا غَيْرِهِ قال فَاذْكُرْ غَيْرَهُ فَقُلْت له أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن مَالِكِ بن أَوْسِ بن الْحَدَثَانِ أَنَّهُ الْتَمَسَ صَرْفًا بِمِائَةِ دِينَارٍ قال فَدَعَانِي طَلْحَةُ بن عُبَيْدِ اللَّهِ فَتَرَاوَضْنَا حتى اصْطَرَفَ مِنِّي وَأَخَذَ الذَّهَبَ يُقَلِّبُهَا في يَدِهِ ثُمَّ قال حتى يَأْتِيَ خَازِنِي أو حتى تَأْتِيَ خَازِنَتِي من الْغَابَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أنا شَكَكْت وَعُمَرُ يَسْمَعُ فقال عُمَرُ وَاَللَّهِ لَا تُفَارِقُهُ حتى تَأْخُذَ منه ثُمَّ قال قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ قُلْت له أَفَبِهَذَا نَقُولُ نَحْنُ وَأَنْتَ إذَا تَفَرَّقَ الْمُصْطَرِفَانِ عن مَقَامِهِمَا الذي تَصَارَفَا فيه انْتَقَضَ الصَّرْفُ وما لم يَتَفَرَّقَا لم يُنْتَقَضْ فقال نعم قُلْت له فما بَانَ لَك وَعَرَفْت من هذا الحديث أَنَّ التَّفَرُّقَ هو تَفَرُّقُ الْأَبَدَانِ بَعْدَ التَّبَايُعِ لَا التَّفَرُّقُ عن الْبَيْعِ لِأَنَّك لو قُلْت تَفَرَّقَ الْمُتَصَارِفَانِ عن الْبَيْعِ قبل التَّقَابُضِ لِبَعْضِ الصَّرْفِ دخل عَلَيْك أَنْ تَقُولَ لَا يَحِلُّ الصَّرْفُ حتى يَتَرَاضَيَا وَيَتَوَازَنَا وَيَعْرِفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ما يَأْخُذُ وَيُعْطِي ثُمَّ يُوجِبَا الْبَيْعَ في الصَّرْفِ بَعْدَ التَّقَابُضِ أو معه قال لَا أَقُولُ هذا قُلْت وَلَا أَرَى قَوْلَك التَّفَرُّقَ تَفَرُّقُ الْكَلَامِ إلَّا جَهَالَةً أو تَجَاهُلًا بِاللِّسَانِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) قُلْت له أَرَأَيْت رَجُلًا قال لَك أُقَلِّدُك فَأَسْمَعُك تَقُولُ الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ ما لم يَتَفَرَّقَا وَالتَّفَرُّقُ عِنْدَك التَّفَرُّقُ بِالْكَلَامِ وَأَنْتَ تَقُولُ إذَا تَفَرَّقَ الْمُتَصَارِفَانِ قبل التَّقَابُضِ كان الصَّرْفُ رِبًا وَهُمَا في مَعْنَى الْمُتَبَايِعَيْنِ غَيْرَهُمَا لِأَنَّ الْمُتَصَارِفَيْنِ مُتَبَايِعَانِ وإذا تَفَرَّقَا عن الْكَلَامِ قبل التَّقَابُضِ فَسَدَ الصَّرْفُ قال ليس هذا له قُلْت فيقول لَك كَيْفَ صِرْت إلَى نَقْضِ قَوْلِك قال إنَّ عُمَرَ سمع طَلْحَةَ وَمَالِكًا قد تَصَارَفَا فلم يَنْقُضْ الصَّرْفَ وَرَأَى أَنَّ قَوْلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم هَاءَ وَهَاءَ إنَّمَا هو لَا يَتَفَرَّقَا حتى تَقَاضَا قُلْت تَفَرَّقَا عن الْكَلَامِ قال نعم قُلْت فقال لَك أَفَرَأَيْت لو احْتَمَلَ اللِّسَانُ ما قُلْت وما قال من خَالَفَك اما يَكُونُ من قال بِقَوْلِ الرَّجُلِ الذي سمع الحديث أَوْلَى أَنْ يُصَارَ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ الذي سمع الحديث فَلَهُ فَضْلُ السَّمَاعِ وَالْعِلْمِ بِمَا سمع وَبِاللِّسَانِ قال بَلَى قُلْت فلم لم تُعْطِ هذا بن عُمَرَ وهو سمع الحديث من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ ما لم يَتَفَرَّقَا فَكَانَ إذَا اشْتَرَى شيئا يُعْجِبُهُ أَنْ يَجِبَ له فَارَقَ صَاحِبَهُ فَمَشَى قَلِيلًا ثُمَّ رَجَعَ وَلِمَ لم تُعْطِ هذا أَبَا بَرْزَةَ وهو سمع من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ وَقَضَى بِهِ وقد تَصَادَقَا بِأَنَّهُمَا تَبَايَعَا ثُمَّ كان مَعًا لم يَتَفَرَّقَا في لَيْلَتِهِمَا ثُمَّ غَدَوَا إلَيْهِ فَقَضَى أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارَ في رَدِّ بَيْعِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ تَقُولُ إنَّ قَوْلِي مُحَالٌ قُلْت نعم قال فلست أراه كما قلت وأنت وإن كانت لك بما قلت حجة نذهب اليها فاللسان يحتمل ما قلت فقلت لا قال فبينه قلت فما أَحْسَبُنِي إلَّا قد اكْتَفَيْت بِأَقَلَّ مِمَّا ذَكَرْت وَأَسْأَلُكَ قال فَسَلْ قُلْت أَفَرَأَيْت إذْ قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ ما لم يَتَفَرَّقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ أَلَيْسَ قد جَعَلَ إلَيْهِمَا الْخِيَارَ إلَى وَقْتَيْنِ يَنْقَطِعُ الْخِيَارُ إلَى أَيِّهِمَا كان قال بلى ( ( ( لي ) ) ) قُلْت فما الْوَقْتَانِ قال أَنْ يَتَفَرَّقَا بِالْكَلَامِ قُلْت فما الْوَجْهُ الثَّانِي قال لَا أَعْرِفُ له وَجْهًا فَدَعْهُ قُلْت أَفَرَأَيْت إنْ بِعْتُك بَيْعًا وَدَفَعْتُهُ إلَيْك فَقُلْت أنت فيه بِالْخِيَارِ إلَى اللَّيْلِ من يَوْمِك هذا وَأَنْ تَخْتَارَ إجَازَةَ الْبَيْعِ قبل اللَّيْلِ أَجَائِزٌ هذا الْبَيْعُ قال نعم قُلْت فَمَتَى يَنْقَطِعُ خِيَارُك وَيَلْزَمُك الْبَيْعُ فَلَا يَكُونُ لَك رَدُّهُ قال إنْ انْقَضَى الْيَوْمُ ولم اختر رَدَّ الْبَيْعِ انْقَطَعَ الْخِيَارُ في الْبَيْعِ أو اخْتَرْت قبل اللَّيْلِ إجَازَةَ الْبَيْعِ انْقَطَعَ الْخِيَارُ في الرَّدِّ قُلْت فَكَيْفَ لَا تَعْرِفُ أَنَّ هذا قَطَعَ الْخِيَارَ في الْمُتَبَايِعَيْنِ أَنْ يَتَفَرَّقَا بَعْدَ الْبَيْعِ أو يُخَيِّرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقال دَعْهُ قُلْت نعم
____________________

(3/7)


بَعْدَ الْعِلْمِ مِنِّي بِأَنَّك إنَّمَا عَمَدْت تَرْكَ الحديث وَأَنَّهُ لَا يَخْفَى عليك أَنَّ قَطْعَ الْخِيَارِ في الْبَيْعَ التَّفَرُّقُ أو التَّخْيِيرُ كما عَرَفْتُهُ في جَوَابِك قَبْلَهُ فَقُلْت له أَرَأَيْت إنْ زَعَمْتَ أَنَّ الْخِيَارَ إلَى مُدَّةٍ وَزَعَمْتَ أنها أَنْ يَتَفَرَّقَا في الْكَلَامِ أَيُقَالُ لِلْمُتَسَاوِمَيْنِ أَنْتُمَا بِالْخِيَارِ قال نعم السَّائِمُ في أَنْ يَرُدَّ أو يَدَعَ وَالْبَائِعُ في أَنْ يُوجِبَ أو يَدَعَ قُلْت أَلَمْ يَكُونَا قبل التَّسَاوُمِ هَكَذَا قال بَلَى قُلْت فَهَلْ أَحْدَثَ لَهُمَا التَّسَاوُمُ حُكْمًا غير حُكْمِهِمَا قَبْلَهُ أو يَخْفَى على أَحَدٍ أَنَّهُ مَالِكٌ لِمَالِهِ إنْ شَاءَ أَعْطَاهُ وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُ قال لَا قُلْت فَيُقَالُ لِإِنْسَانٍ أنت بِالْخِيَارِ في مَالِك الذي لم تُوجِبْ فيه شيئا لِغَيْرِك فَالسَّائِمُ عِنْدَك لم يُوجِبْ في مَالِهِ شيئا لِغَيْرِهِ إنَّك لِتُحِيلَ فِيمَا تُجِيبُ فيه من الْكَلَامِ قال فَلِمَ لَا أَقُولُ لَك أنت بِالْخِيَارِ في مَالِك قُلْت لِمَا وَصَفْت لَك وَإِنْ قُلْت ذلك إلَى مُدَّةٍ تَرَكْت قَوْلَك قال وَأَيْنَ قُلْت وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ من كان له الْخِيَارُ إلَى مُدَّةٍ فإذا اخْتَارَ انْقَطَعَ خِيَارُهُ كما قُلْت إذَا جَعَلْتَهُ بِالْخِيَارِ يَوْمًا فَمَضَى الْيَوْمُ انْقَطَعَ الْخِيَارُ قال أَجَلْ وَكَذَلِكَ إذَا أَوْجَبَ الْبَيْعَ فَهُوَ إلَى مُدَّةٍ قُلْت لم أُلْزِمْهُ قبل إيجَابِ الْبَيْعِ شيئا فَيَكُونُ فيه يَخْتَارُ وَلَوْ جَازَ أَنْ يُقَالَ أنت بِالْخِيَارِ في مَالِك ما جَازَ أَنْ يُقَالَ أنت بِالْخِيَارِ إلَى مُدَّةٍ إنَّمَا يُقَالُ أنت بِالْخِيَارِ أَبَدًا قال فَإِنْ قُلْت الْمُدَّةُ أَنْ يُخْرِجَهُ من مِلْكِهِ قُلْت وإذا أَخْرَجَهُ من مِلْكِهِ فَهُوَ لِغَيْرِهِ أَفَيُقَالُ لِأَحَدٍ أنت بِالْخِيَارِ في مَالِ غَيْرِك ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقُلْت أَرَأَيْت لو أَنَّ رَجُلًا جَاهِلًا عَارَضَك بِمِثْلِ حُجَّتِك فقال قد قُلْت الْمُتَسَاوِمَانِ يَقَعُ عَلَيْهِمَا اسْمُ مُتَبَايِعَيْنِ وقد قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم هُمَا بِالْخِيَارِ ما لم يَتَفَرَّقَا وَالتَّفَرُّقُ عِنْدَك يَحْتَمِلُ تَفَرُّقَ الْأَبَدَانِ وَالتَّفَرُّقَ بِالْكَلَامِ فَإِنْ تَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا فَلَا خِيَارَ لَهُمَا وَعَلَى صَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يُعْطِيَ بَيِّعَهُ ما بَذَلَ له منه وَعَلَى صَاحِبِ السِّلْعَةِ أَنْ يُسَلِّمَ سِلْعَتَهُ له بِمَا اسْتَامَ عليه وَلَا يَكُونُ له الرُّجُوعُ عَمَّا بَذَلَهَا بِهِ إذَا تَفَرَّقَا قال ليس ذلك له قُلْت وَلَا لَك ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال أَفَلَيْسَ يَقْبُحُ أَنْ أَمْلِكَ سِلْعَتَك وَتَمْلِكَ مَالِي ثُمَّ يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا الرَّدُّ بِغَيْرِ عَيْبٍ أو ليس يَقْبُحُ أَنْ أَبْتَاعَ مِنْك عَبْدًا ثُمَّ أُعْتِقُهُ قبل أَنْ نَتَفَرَّقَ وَلَا يَجُوزُ عِتْقِي وأنا مَالِكٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) قُلْت ليس يَقْبُحُ في هذا شَيْءٌ إلَّا دخل عَلَيْك أَعْظَمُ منه قال وما ذلك قُلْت أَرَأَيْت إنْ بِعْتُك عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَتَقَابَضْنَا وَتَشَارَطْنَا أَنَّا جمعيا ( ( ( جميعا ) ) ) أو أَحَدَنَا بِالْخِيَارِ إلَى ثَلَاثِينَ سَنَةٍ قال فَجَائِزٌ قُلْت وَمَتَى شَاءَ وَاحِدٌ مِنَّا نَقْضَ الْبَيْعِ نَقَضَهُ وَرُبَّمَا مَرِضَ الْعَبْدُ ولم يَنْتَفِعْ بِهِ سَيِّدُهُ وَانْتَفَعَ الْبَائِعُ بِالْمَالِ وَرُبَّمَا انتفع الْمُبْتَاعُ بِالْعَبْدِ حتى يَسْتَغِلَّ منه أَكْثَرَ من ثَمَنِهِ ثُمَّ يَرُدَّهُ وَإِنْ كان أَخَذَهُ بِدَيْنٍ ولم يَنْتَفِعْ الْبَائِعُ بِشَيْءٍ من مَالِ الْمُبْتَاعِ وقد عَظُمَتْ مَنْفَعَةُ الْمُبْتَاعِ بِمَالِ الْبَائِعِ قال نعم هو رضى بهذا قُلْت وَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي في الثَّلَاثِينَ سَنَةٍ لم يَجُزْ وَإِنْ أَعْتَقَهُ الْبَائِعُ جَازَ قال نعم قُلْت فَإِنَّمَا جَعَلْتُ له الْخِيَارَ بِسُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ما لم يَتَفَرَّقَا وَلَعَلَّ ذلك يَكُونُ في طَرْفَةِ عَيْنٍ أو لَا يَبْلُغُ يَوْمًا كَامِلًا لِحَاجَةِ الناس إلَى الْوُضُوءِ أو تَفَرُّقِهِمْ لِلصَّلَاةِ وَغَيْرِ ذلك فَقَبَّحْتَهُ وَجَعَلَتْ له الْخِيَارَ ثَلَاثِينَ سَنَةٍ بِرَأْيِ نَفْسِك فَلِمَ تُقَبِّحُهُ قال ذلك بِشَرْطِهِمَا قلت فَمَنْ شَرَطَ له رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَوْلَى أَنْ يَثْبُتَ له شَرْطُهُ مِمَّنْ شَرَطَ له بَائِعٌ وَمُشْتَرٍ وَقُلْتُ له أَرَأَيْتَ لو اشْتَرَيْتُ مِنْك كَيْلًا من طَعَامٍ مَوْصُوفٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ قال فَجَائِزٌ قلت وَلَيْسَ لي وَلَا لَك نَقْضُ الْبَيْعِ قبل تَفَرُّقٍ قال لَا قلت وَإِنْ تَفَرَّقْنَا قبل التَّقَابُضِ انْتَقَضَ الْبَيْعُ قال نعم قلت أَفَلَيْسَ قد وَجَبَ لي عَلَيْك شَيْءٌ لم يَكُنْ لي وَلَا لَك نَقْضُهُ ثُمَّ انْتَقَضَ بِغَيْرِ رِضَا وَاحِدٍ مِنَّا بِنَقْضِهِ قال نعم إنَّمَا نَقَضْنَاهُ اسْتِدْلَالًا بِالسُّنَّةِ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ قلت فَإِنْ قال لَك قَائِلٌ أَهْلُ الحديث يُوَهِّنُونَ هذا الحديث وَلَوْ كان ثَابِتًا لم يَكُنْ هذا دَيْنًا لِأَنِّي مَتَى شِئْتُ أَخَذْتَ مِنْكَ دَرَاهِمِي التي بِعْتُك بها إذَا لم أُسَمِّ لَك أَجَلًا وَالطَّعَامُ إلَى مُدَّتِهِ قال لَا يَجُوزُ ذلك قلت وَلِمَ وَعَلَيْكَ فيه لِمَنْ طَالَبَكَ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّك تُجِيزُ تَبَايُعَ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْعَرَضَ بِالنَّقْدِ وَلَا يُسَمِّيَانِ
____________________

(3/8)


أَجَلًا وَيَفْتَرِقَانِ قبل التَّقَابُضِ وَلَا تَرَى به بَأْسًا وَلَا تَرَى هذا دَيْنًا بِدَيْنٍ فإذا كان هذا هَكَذَا عِنْدَك احْتَمَلَ اللَّفْظُ أَنْ يُسَلِّفَ في كَيْلٍ مَعْلُومٍ بِشَرْطِ سِلْعَةٍ وَإِنْ لم يَدْفَعْهَا فَيَكُونُ حَالًّا غير دَيْنٍ بِدَيْنٍ وَلَكِنَّهُ عَيْنٌ بِدَيْنٍ قال بَلْ هو دَيْنٌ بِدَيْنٍ قلت فَإِنْ قال لَك قَائِلٌ فَلَوْ كان كما وَصَفْتَ أَنَّهُمَا إذَا تَبَايَعَا في السَّلَفِ فَتَفَرَّقَا قبل التَّقَابُضِ انْتَقَضَ الْبَيْعُ بِالتَّفَرُّقِ وَلَزِمَك أَنَّك قد فَسَخْت الْعُقْدَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ الصَّحِيحَةَ بِتَفَرُّقِهِمَا بِأَبْدَانِهِمَا وَالتَّفَرُّقُ عِنْدَك في الْبُيُوعِ ليس له مَعْنَى إنَّمَا الْمَعْنَى في الْكَلَامِ أو لَزِمَك أَنْ تَقُولَ في الْبَيِّعَيْنِ بِالْخِيَارِ ما لم يَتَفَرَّقَا إنَّ لِتُفَرِّقْهُمَا بابدانهما مَعْنًى يُوجِبُهُ كما كان لِتَفَرُّقِ هَذَيْنِ بِأَبْدَانِهِمَا مَعْنًى يَنْقُضُهُ وَلَا تَقُولُ هذا ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقال فَإِنَّا رَوَيْنَا عن عُمَرَ أَنَّهُ قال الْبَيْعُ عن صَفْقَةٍ أو خِيَارٍ قلت أَرَأَيْتَ إذَا جاء عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ما وَصَفْتَ لو كان قال رَجُلٌ من أَصْحَابِهِ قَوْلًا يُخَالِفُهُ أَلَا يَكُونُ الذي تَذْهَبُ إلَيْهِ فيه أَنَّهُ لو سمع عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم شيئا لم يُخَالِفْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَتَقُولُ قد يَعْزُبُ عن بَعْضِهِمْ بَعْضُ السُّنَنِ قال بَلَى قلت أَفَتَرَى في أَحَدٍ مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم حُجَّةً فقال عَامَّةُ من حَضَرَهُ لَا قلت وَلَوْ أَجَزْتَ هذا خَرَجَتْ من عَامَّةِ سُنَنِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَدَخَلَ عَلَيْكَ ما لَا تُعْذَرُ منه قال فَدَعْهُ قلت فَلَيْسَ بِثَابِتٍ عن عُمَرَ وقد رَوَيْتُمْ عن عُمَرَ مِثْلَ قَوْلِنَا زَعَمَ أبو يُوسُفَ عن مُطَرِّفٍ عن الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ قال الْبَيْعُ عن صَفْقَةٍ أو خِيَارٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا مِثْلُ ما رَوَيْنَا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال فَهَذَا مُنْقَطِعٌ قلت وَحَدِيثُك الذي رَوَيْت عن عُمَرَ غَلَطٌ وَمَجْهُولٌ أو مُنْقَطِعٌ فَهُوَ جَامِعٌ لِجَمِيعِ ما تُرَدُّ بِهِ الْأَحَادِيثُ قال لَئِنْ أَنْصَفْنَاك ما يَثْبُتُ مِثْلُهُ فقلت احْتِجَاجُك بِهِ مع مَعْرِفَتِكَ بِمَنْ حدثه وَعَمَّنْ حدثه تَرْكُ النَّصَفَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقُلْتُ له لو كان كما رَوَيْتَ كان بِمَعْنَى قَوْلِنَا أَشْبَهَ وكان خِلَافَ قَوْلِكَ كُلِّهِ قال وَمَنْ أَيْنَ قلت أَرَأَيْت إذْ زَعَمْتَ أَنَّ عُمَرَ قال الْبَيْعُ عن صَفْقَةٍ أو خِيَارٍ أَلَيْسَ تَزْعُمُ أَنَّ الْبَيْعَ يَجِبُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا بِصَفْقَةٍ وَإِمَّا بِخِيَارٍ قال بَلَى قلت أَفَيَجِبُ الْبَيْعُ بِالْخِيَارِ وَالْبَيْعُ بِغَيْرِ خِيَارٍ قال نعم قلت وَيَجِبُ بِالْخِيَارِ قال تُرِيدُ مَاذَا قلت ما يَلْزَمُك قال وما يَلْزَمُنِي قلت تَزْعُمُ أَنَّهُ يَجِبُ الْخِيَارُ بِلَا صَفْقَةٍ لِأَنَّهُ إذَا زَعَمَ أَنَّهُ يَجِبُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ عَلِمْنَا أَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ كما تَقُولُ في الْمَوْلَى يَفِيءُ أو يُطَلِّقُ وفي الْعَبْدِ يَجْنِي يُسَلَّمُ أو يُفْدَى وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ الْآخَرِ قال ما يَصْنَعُ الْخِيَارُ شيئا إلَّا بِصَفْقَةٍ تَقْدُمُهُ أو تَكُونُ معه وَالصَّفْقَةُ مُسْتَغْنِيَةٌ عن الْخِيَارِ فَهِيَ إنْ وَقَعَتْ مَعَهَا خِيَارٌ أو بَعْدَهَا أو ليس مَعَهَا وَلَا بَعْدَهَا وَجَبَتْ قال نعم قلت وقد زَعَمْتُ أَنَّ قَوْلَهُ أو خِيَارٌ لَا مَعْنَى له قال فَدَعْ هذا قلت نعم بَعْدَ الْعِلْمِ بِعِلْمِك إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّك زَعَمْتُ أَنَّ ما ذَهَبْتُ إلَيْهِ مُحَالٌ قال فما مَعْنَاهُ عِنْدَك قلت لو كان قَوْلُهُ هذا موافقا ( ( ( موفقا ) ) ) لَمَا رَوَى أبو يُوسُفَ عن مُطَرِّفٍ عن الشَّعْبِيِّ عنه وكان مِثْلَ مَعْنَى قَوْلِهِ فَكَانَ مِثْلَ الْبَيْعِ في مَعْنَى قَوْلِهِ فَكَانَ الْبَيْعُ عن صفقه بَعْدَهَا تَفَرُّقٌ أو خِيَارٌ قال بَعْضُ من حَضَرَ ماله مَعْنَى يَصِحُّ غَيْرُهَا قال أَمَّا إنَّهُ لَا يَصِحُّ حَدِيثُهُ قلت أَجَلْ فَلِمَ اسْتَعَنْتَ بِهِ قال فَعَارَضَنَا غَيْرُ هذا بِأَنْ قال فَأَقُولُ إنَّ بن مَسْعُودٍ رَوَى أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فَالْقَوْلُ ما قال الْبَائِعُ وَالْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا الْحَدِيثُ مُنْقَطِعٌ عن بن مَسْعُودٍ وَالْأَحَادِيثُ التي ذَكَرْنَاهَا ثَابِتَةٌ مُتَّصِلَةٌ فَلَوْ كان هذا يُخَالِفُهَا لم يَجُزْ لِلْعَالِمِ بِالْحَدِيثِ أَنْ يَحْتَجَّ بِهِ على وَاحِدٍ منها لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ هو بِنَفْسِهِ
____________________

(3/9)


فَكَيْفَ يُزَالُ بِهِ ما يَثْبُتُ بِنَفْسِهِ وَيَشُدُّهُ أَحَادِيثُ معه كُلُّهَا ثَابِتَةٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ كان هذا الْحَدِيثُ ثَابِتًا لم يَكُنْ يُخَالِفُ منها شيئا من قِبَلِ أَنَّ هَذَيْنِ مُتَبَايِعَانِ إنْ تَصَادَقَا على التَّبَايُعِ وَاخْتَلَفَا في الثَّمَنِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَخْتَارُ أَنْ يُنْفِذَ الْبَيْعَ إلَّا أَنْ تَكُونَ دَعْوَاهُمَا مِمَّا يُعْقَدُ بِهِ الْبَيْعُ مُخْتَلِفَةً تَنْقُضُ أَصْلَهُ ولم يَجْعَلْ الْخِيَارَ إلَّا لِلْمُبْتَاعِ في أَنْ يَأْخُذَ أو يَدَعَ وَحَدِيثُ الْبَيْعِ بِالْخِيَارِ جَعَلَ الْخِيَارَ لَهُمَا مَعًا من غَيْرِ اخْتِلَافٍ في ثَمَنٍ وَلَا ادِّعَاءٍ من وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشَيْءٍ يُفْسِدُ أَصْلَ الْبَيْعِ وَلَا يَنْقُضُهُ إنَّمَا أَرَادَ تَحْدِيدَ نَقْضِ الْبَيْعِ بِشَيْءٍ جُعِلَ لَهُمَا مَعًا وَإِلَيْهِمَا إنْ شَاءَا فَعَلَاهُ وَإِنْ شَاءَا تَرَكَاهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ غَلِطَ رَجُلٌ إلَى أَنَّ الحديث على الْمُتَبَايِعَيْنِ اللَّذَيْنِ لم يَتَفَرَّقَا من مَقَامِهِمَا لم يُجِزْ له الْخِيَارُ لَهُمَا بَعْدَ تَفَرُّقِهِمَا من مَقَامِهِمَا فَإِنْ قال فما يُغْنِي في الْبَيْعِ اللَّازِمِ بِالصَّفْقَةِ أو التَّفَرُّقِ بَعْدَ الصَّفْقَةِ قِيلَ لو وَجَبَ بِالصَّفْقَةِ استغنى عن التَّفَرُّقِ وَلَكِنَّهُ لَا يَلْزَمُ إلَّا بَهُمَا وَمَعْنَى خِيَارِهِ بَعْدَ الصَّفْقَةِ كَمَعْنَى الصَّفْقَةِ وَالتَّفَرُّقِ وَبَعْدَ التَّفَرُّقِ فَيَخْتَلِفَانِ في الثَّمَنِ فَيَكُونُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ كما يَكُونُ له الْخِيَارُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَقَبْلَ التَّفَرُّقِ وَبَعْدَ زَمَانٍ إذَا ظَهَرَ على عَيْبٍ وَلَوْ جَازَ أَنْ نَقُولَ إنَّمَا يَكُونُ له الْخِيَارُ إذَا اخْتَلَفَا في الثَّمَنِ لم يَجُزْ أَنْ يَكُونَ له الْخِيَارُ إذَا ظَهَرَ على عَيْبٍ وَجَازَ أَنْ يُطْرَحَ كُلُّ حَدِيثٍ اشبه حَدِيثًا في حَرْفٍ وَاحِدٍ لِحُرُوفٍ أُخُرَ مِثْلِهِ وَإِنْ وُجِدَ لَهُمَا مَحْمَلٌ يُخَرَّجَانِ فيه فَجَازَ عليه لِبَعْضِ الْمَشْرِقِيِّينَ ما هو أَوْلَى أَنْ يجوز ( ( ( يحوز ) ) ) من هذا فَإِنَّهُمْ قالوا نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن التَّمْرِ بِالتَّمْرِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَعَنْ الْمُزَابَنَةِ وَهِيَ الْجُزَافُ بِالْكَيْلِ من جِنْسِهَا وَعَنْ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فَحَرَّمْنَا الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا من التَّمْرِ لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ في هذا الْمَعْنَى وَزَعَمْنَا نَحْنُ وَمَنْ قال هذا الْقَوْلَ من أَصْحَابِنَا أَنَّ الْعَرَايَا حَلَالٌ بِإِحْلَالِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَوَجَدْنَا لِلْحَدِيثَيْنِ مَعْنًى يُخَرَّجَانِ عليه وَلَجَازَ هذا عَلَيْنَا في أَكْثَرِ ما يُقْدَرُ عليه من الْأَحَادِيثِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَخَالَفَنَا بَعْضُ من وَافَقَنَا في الْأَصْلِ أَنَّ الْبَيْعَ يَجِبُ بِالتَّفَرُّقِ وَالْخِيَارِ فقال الْخِيَارُ إذَا وَقَعَ مع الْبَيْعِ جَازَ فَلَيْسَ عليه أَنْ يُخَيَّرَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَالْحُجَّةُ عليه ما وَصَفْتُ من أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم خَيَّرَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَمِنْ الْقِيَاسِ إذَا كانت بَيْعًا فَلَا يَتِمُّ الْبَيْعُ إلَّا بِتَفَرُّقِ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَتَفَرُّقُهُمَا شَيْءٌ غَيْرُ عَقْدِ الْبَيْعِ يُشْبِهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ لَا يَكُونَ يَجِبُ بِالْخِيَارِ إلَّا بَعْدَ الْبَيْعِ كما كان التَّفَرُّقُ بَعْدَ الْبَيْعِ وَكَذَلِكَ الْخِيَارُ بَعْدَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَحَدِيثُ مَالِكِ بن أَوْسِ بن الْحَدَثَانِ النصرى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يَدُلُّ على أَنَّ التَّفَرُّقَ بين الْمُتَبَايِعَيْنِ تَفَرُّقُ الْأَبَدَانِ وَيَدُلُّ على غَيْرِهِ وهو مَوْضُوعٌ في مَوْضِعِهِ قال وَحَدِيثُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يَبِعْ أحدكم على بَيْعِ أَخِيهِ يَدُلُّ على أَنَّهُ في مَعْنَى حديث أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ لِأَنِّي لو كنت إذَا بِعْتُ رَجُلًا سِلْعَةً تَسْوَى مِائَةَ أَلْفٍ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ الْبَيْعُ حتى لَا يَسْتَطِيعَ أَنْ يَنْقُضَهُ ما ضَرَّنِي أَنْ يَبِيعَهُ رَجُلٌ سِلْعَةً خَيْرًا منها بِعَشْرَةٍ وَلَكِنْ في نَهْيِهِ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ على بَيْعِ أَخِيهِ دَلَالَةٌ على أَنْ يَبِيعَ على بَيْعِ أَخِيهِ قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا لِأَنَّهُمَا لَا يَكُونَانِ مُتَبَايِعَيْنِ إلَّا بَعْدَ الْبَيْعِ وَلَا يَضُرُّ بَيْعُ الرَّجُلِ على بَيْعِ أَخِيهِ إلَّا قبل التَّفَرُّقِ حتى يَكُونَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ في رَدِّ الْبَيْعِ وَأَخْذِهِ فيها لِئَلَّا يُفْسِدَ على الْبَائِعِ وَلَعَلَّهُ يُفْسِدُ على الْبَائِعِ ثُمَّ يَخْتَارُ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ عَلَيْهِمَا مَعًا وَلَوْ لم يَكُنْ هذا لم يَكُنْ لِلْحَدِيثِ مَعْنًى أَبَدًا لِأَنَّ الْبَيْعَ إذَا وَجَبَ على الْمُشْتَرِي قبل التَّفَرُّقِ أو بَعْدَهُ فَلَا يَضُرُّ الْبَائِعَ من بَاعَ على بَيْعِهِ وَلَوْ جَازَ أَنْ يُجْعَلَ هذا الْحَدِيثُ على غَيْرِ هذا جَازَ أَنْ لَا يَصِيرَ الناس إلَى حَدِيثٍ إلَّا أَحَالَهُمْ غَيْرُهُمْ إلَى حَدِيثٍ غَيْرِهِ
____________________

(3/10)


- * بَابُ بَيْعِ الْكِلَابِ وَغَيْرِهَا من الْحَيَوَانِ غَيْرِ الْمَأْكُولِ - * أخبرنا الرَّبِيعُ قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكُ بن أَنَسٍ عن بن شِهَابٍ عن أبي بَكْرِ بن عَبْدَ الرحمن بن الحرث بن هِشَامٍ عن أبي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ ( قال ) قال مَالِكٌ فَلِذَلِكَ أَكْرَهُ بَيْعَ الْكِلَابِ الضَّوَارِي وَغَيْرِ الضَّوَارِي أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من اقْتَنَى كَلْبًا إلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أو ضَارِيًا نَقَصَ من عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن يَزِيدَ بن خُصَيْفَةَ أَنَّ السَّائِبَ بن يَزِيدَ أخبره أَنَّهُ سمع سُفْيَانَ بن أبي زُهَيْرٍ وهو رَجُلٌ من شَنُوءَةَ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول من اقْتَنَى كَلْبًا نَقَصَ من عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قيراط ( ( ( قيراطا ) ) ) قالوا أنت سَمِعْت هذا من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إي وَرَبِّ هذا الْمَسْجِدِ أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا نَقُولُ لَا يَحِلُّ لِلْكَلْبِ ثَمَنٌ بِحَالٍ وإذا لم يَحِلَّ ثَمَنُهُ لم يَحِلَّ أَنْ يَتَّخِذَهُ إلَّا صَاحِبُ صَيْدٍ أو حَرْثٍ أو مَاشِيَةٍ وَإِلَّا لم يَحِلَّ له أَنْ يَتَّخِذَهُ ولم يَكُنْ له إنْ قَتَلَهُ أَخْذُ ثَمَنٍ إنَّمَا يَكُونُ الثَّمَنُ فِيمَا قُتِلَ مِمَّا يُمْلَكُ إذَا كان يَحِلُّ أَنْ يَكُونَ له في الْحَيَاةِ ثَمَنٌ يُشْتَرَى بِهِ وَيُبَاعُ ( قال ) وَلَا يَحِلُّ اقْتِنَاؤُهُ إلَّا لِصَاحِبِ صَيْدٍ أو زَرْعٍ أو مَاشِيَةٍ أو ما كان في مَعْنَاهُ لِمَا جاء فيه عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَمْرُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِقَتْلِ الْكِلَابِ يَدُلُّ على أنها لو صَلُحَتْ أَنْ يَكُونَ لها أَثْمَانٌ بِحَالٍ لَمَا جَازَ قَتْلُهَا وَلَكَانَ لِمَالِكِهَا بَيْعُهَا فَيَأْخُذُ أَثْمَانَهَا لِتَصِيرَ إلَى من يَحِلُّ له قنيتها ( ( ( قنيتهما ) ) ) ( قال ) وَلَا يَحِلُّ السَّلَمُ فيها لِأَنَّهُ بَيْعٌ وما أُخِذَ في شَيْءٍ يُمْلَكُ فيه بِحَالٍ مُعَجَّلًا أو مُؤَخَّرًا أو بِقِيمَتِهِ في حَيَاةٍ أو مَوْتٍ فَهُوَ ثَمَنٌ من الْأَثْمَانِ وَلَا يَحِلُّ لِلْكَلْبِ ثَمَنٌ لِمَا وَصَفْنَا من نهى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عن ثَمَنِهِ وَلَوْ حَلَّ ثَمَنُهُ حَلَّ حُلْوَانُ الْكَاهِنِ وَمَهْرُ الْبَغِيِّ ( قال ) وقد قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من اقْتَنَى كَلْبًا إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أو زَرْعٍ أو مَاشِيَةٍ نَقَصَ كُلَّ يَوْمٍ من عَمَلِهِ قِيرَاطَانِ وقال لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فيه كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ ( قال ) وقد نَصَبَ اللَّهُ عز وجل الْخِنْزِيرَ فَسَمَّاهُ رِجْسًا وَحَرَّمَهُ فَلَا يَحِلُّ أَنْ يَخْرُجَ له ثَمَنٌ مُعَجَّلٌ وَلَا مُؤَخَّرٌ وَلَا قِيمَةٌ بِحَالٍ وَلَوْ قَتَلَهُ إنْسَانٌ لم يَكُنْ فيه قِيمَةٌ وما لَا يَحِلُّ ثَمَنُهُ مِمَّا يُمْلَكُ لَا تَحِلُّ قِيمَتُهُ لِأَنَّ الْقِيمَةَ ثَمَنٌ من الْأَثْمَانِ ( قال ) وما كان فيه مَنْفَعَةٌ في حَيَاتِهِ بِيعَ من الناس غير الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَإِنْ لم يَحِلَّ أَكْلُهُ فَلَا بَأْسَ بِابْتِيَاعِهِ وما كان لَا بَأْسَ بِابْتِيَاعِهِ لم يَكُنْ بِالسَّلَفِ فيه بَأْسٌ إذَا كان لَا يَنْقَطِعُ من
____________________

(3/11)


أَيْدِي الناس وَمَنْ مَلَكَهُ فَقَتَلَهُ غَيْرُهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ في الْوَقْتِ الذي قَتَلَهُ فيه وما كان منه مُعَلَّمًا فَقَتَلَهُ مُعَلَّمًا فَقِيمَتُهُ مُعَلَّمًا كما تَكُونُ قِيمَةُ الْعَبْدِ مُعَلَّمًا وَذَلِكَ مِثْلُ الْفَهْدِ يُعَلَّمُ الصَّيْدَ وَالْبَازِي وَالشَّاهَيْنِ وَالصَّقْرِ وَغَيْرِهَا من الْجَوَارِحِ الْمُعَلَّمَةِ وَمِثْلُ الْهِرِّ وَالْحِمَارِ الأنسي وَالْبَغْلِ وَغَيْرِهَا مِمَّا فيه مَنْفَعَةٌ حَيًّا وَإِنْ لم يُؤْكَلْ لَحْمُهُ ( قال ) فَأَمَّا الضَّبُعُ وَالثَّعْلَبُ فَيُؤْكَلَانِ وَيُبَاعَانِ وَهُمَا مُخَالِفَانِ لِمَا وَصَفْتُ يَجُوزُ فِيهِمَا السَّلَفُ إنْ كان انْقِطَاعُهُمَا في الْحِينِ الذي يُسْلَفُ فِيهِمَا مَأْمُونًا الْأَمَانَ الظَّاهِرَ عِنْدَ الناس وَمَنْ قَتَلَهُمَا وَهُمَا لِأَحَدٍ غَرِمَ ثَمَنَهُمَا كما يَغْرَمُ ثَمَنَ الظَّبْيِ وَغَيْرِهِ من الْوَحْشِ الْمَمْلُوكِ غَيْرُهُمَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكُلُّ ما لَا مَنْفَعَةَ فيه من وَحْشٍ مِثْلُ الْحِدَأَةِ وَالرَّخَمَةِ وَالْبُغَاثَةِ وما لَا يَصِيدُ من الطَّيْرِ الذي لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَمِثْلُ اللحكاء ( ( ( اللحكة ) ) ) وَالْقَطَا وَالْخَنَافِسِ وما أَشْبَهَ هذا فَأَرَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ لَا يَجُوزَ شِرَاؤُهُ وَلَا بَيْعُهُ بِدَيْنٍ وَلَا غَيْرِهِ وَلَا يَكُونُ على أَحَدٍ لو حَبَسَهُ رَجُلٌ عِنْدَهُ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ له قِيمَةٌ وَكَذَلِكَ الْفَأْرُ وَالْجِرْذَانُ وَالْوِزْغَانُ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلْمَنْفَعَةِ فيه حَيًّا وَلَا مَذْبُوحًا وَلَا مَيِّتًا فإذا اشْتَرَى هذا أَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ أَكْلَ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ وقد نهى اللَّهُ عز وجل عن أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُجِيزَ لِلْمُسْلِمِينَ بَيْعُ ما انْتَفَعُوا بِهِ مَأْكُولًا أو مُسْتَمْتَعًا بِهِ في حَيَاتِهِ لِمَنْفَعَةٍ تَقَعُ مَوْقِعًا وَلَا مَنْفَعَةَ في هذا تَقَعُ مَوْقِعًا وإذا نهى عن بَيْعِ ضِرَابِ الْفَحْلِ وهو مَنْفَعَةٌ إذَا تَمَّ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِعَيْنٍ تُمْلَكُ لِمَنْفَعَةٍ كان مالا مَنْفَعَةَ فيه بِحَالٍ أَوْلَى أَنْ يُنْهَى عن ثَمَنِهِ عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - * بَابُ الْخِلَافِ في ثَمَنِ الْكَلْبِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس فَأَجَازَ ثَمَنَ الْكَلْبِ وَشِرَاءَهُ وَجَعَلَ على من قَتَلَهُ ثَمَنَهُ قلت له أَفَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يُحَرِّمُ ثَمَنَ الْكَلْبِ وَتَجْعَلُ له ثَمَنًا حَيًّا أو مَيِّتًا أو يَجُوزُ أَنْ يَأْمُرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِقَتْلِ الْكِلَابِ وَلَهَا أَثْمَانٌ يَغْرَمُهَا قَاتِلُهَا أَيَأْمُرُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِقَتْلِ ما يَغْرَمُهُ قَاتِلُهُ وَكُلُّ ما غَرِمَهُ قَاتِلُهُ أَثِمَ من قَتْلِهِ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكُ ما يَكُونُ مَالًا لِمُسْلِمٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يَأْمُرُ بِمَأْثَمٍ ( وقال قَائِلٌ ) فَإِنَّا إنَّمَا أَخَذْنَا أَنَّ الْكَلْبَ يَجُوزُ ثَمَنُهُ خَبَرًا وَقِيَاسًا قُلْت له فَاذْكُرْ الْخَبَرَ قال أخبرني بَعْضُ أَصْحَابِنَا عن مُحَمَّدِ بن إِسْحَاقَ عن عِمْرَانَ بن أبي أَنَسٍ أَنَّ عُثْمَانَ أَغْرَمَ رَجُلًا ثَمَنَ كَلْبٍ قَتَلَهُ عِشْرِينَ بَعِيرًا قال وإذا جُعِلَ فيه مَقْتُولًا قِيمَةً كان حِيَالَهُ ثَمَنٌ لَا يَخْتَلِفُ ذلك ( قال ) فقلت له أَرَأَيْتَ لو ثَبَتَ هذا عن عُثْمَانَ كُنْتَ لم تَصْنَعْ شيئا في احْتِجَاجِكَ على شَيْءٍ ثَبَتَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالثَّابِتُ عن عُثْمَانَ خِلَافُهُ قال فَاذْكُرْهُ قُلْت أخبرنا الثِّقَةُ عن يُونُسَ عن الْحَسَنِ قال سَمِعْت عُثْمَانَ بن عَفَّانَ يَخْطُبُ وهو يَأْمُرُ بِقَتْلِ الْكِلَابِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَكَيْفَ يَأْمُرُ بِقَتْلِ ما يَغْرَمُ من قَتَلَهُ قِيمَتَهُ قال فَأَخَذْنَاهُ قِيَاسًا على أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَنْهَ صَاحِبَ الزَّرْعِ وَلَا الْمَاشِيَةِ عن اتِّخَاذِهِ وَذَكَرَ له صَيْدَ الْكِلَابِ فقال فيه ولم يَنْهَ عنه فلما رَخَّصَ في أَنْ يَكُونَ الْكَلْبُ مَمْلُوكًا كَالْحِمَارِ حَلَّ ثَمَنُهُ وَلَمَّا حَلَّ ثَمَنُهُ كانت قِيمَتُهُ على من قَتَلَهُ ( قال ) فقلت له فإذا أَبَاحَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم اتِّخَاذَهُ لِصَاحِبِ الزَّرْعِ وَالْمَاشِيَةِ ولم يَنْهَ عنه صَاحِبِ الصَّيْدِ وَحَرَّمَ ثَمَنَهُ فَأَيُّهُمَا أَوْلَى بِنَا وَبِك وَبِكُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَتَّبِعَهُ في الْقَوْلَيْنِ فَتُحَرِّمُ ما حَرُمَ ثَمَنُهُ وَتَقْتُلُ الْكِلَابَ على من لم يُبَحْ له اتِّخَاذُهَا كما أَمَرَ بِقَتْلِهَا وَتُبِيحُ اتِّخَاذَهَا لِمَنْ أَبَاحَهُ له ولم يَنْهَهُ عنه أو تَزْعُمُ أَنَّ الْأَحَادِيثَ فيها تَضَادٌّ قال فما تَقُولُ أنت قُلْت أَقُولُ الْحَقَّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إثْبَاتُ الْأَحَادِيثِ على ما جَاءَتْ كما جَاءَتْ إذَا احتملت ( ( ( احتلمت ) ) ) أَنْ تَثْبُتَ كُلُّهَا وَلَوْ جَازَ ما قُلْت من طَرْحِ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ جَازَ عَلَيْك ما أَجَزْت لِنَفْسِك قال فيقول قَائِلٌ لَا نَعْرِفُ الْأَحَادِيثَ قُلْت إذَا كان يَأْثَمُ بها من اتخاذها ( ( ( اتخذها ) ) ) لَا أُحِلُّ لِأَحَدٍ اتِّخَاذَهَا وَأَقْتُلُهَا حَيْثُ وَجَدْتُهَا ثُمَّ لَا يَكُونُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ منه قال أَفَيَجُوزُ عِنْدَك أَنْ يَتَّخِذَهَا مُتَّخِذٌ وَلَا ثَمَنَ لها قلت بَلْ لَا يَجُوزُ فيها غَيْرُهُ
____________________

(3/12)


لو كان أَصْلُ اتِّخَاذِهَا حَلَالًا حَلَّتْ لِكُلِّ أَحَدٍ كما يَحِلُّ لِكُلِّ أَحَدٍ اتِّخَاذُ الْحُمُرِ وَالْبِغَالِ وَلَكِنَّ أَصْلَ اتِّخَاذِهَا مُحَرَّمٌ إلَّا بِمَوْضِعٍ كَالضَّرُورَةِ لِإِصْلَاحِ الْمَعَاشِ لِأَنِّي لم أَجِدْ الْحَلَالَ يُحْظَرُ على أَحَدٍ وَأَجِدُ من الْمُحَرَّمِ ما يُبَاحُ لِبَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ ( قال ) وَمِثْلُ مَاذَا قُلْت الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ مُبَاحَانِ لِذِي الضَّرُورَةِ فإذا فَارَقَ الضَّرُورَةَ عَادَ أَنْ يَكُونَا مُحَرَّمَيْنِ عليه بِأَصْلِ تَحْرِيمِهِمَا وَالطَّهَارَةُ بِالتُّرَابِ مُبَاحَةٌ في السَّفَرِ لِمَنْ لم يَجِدْ مَاءً فإذا وَجَدَهُ حُرِّمَ عليه الطَّهَارَةُ بِالتُّرَابِ لِأَنَّ أَصْلَ الطَّهَارَةِ إنَّمَا هِيَ بِالْمَاءِ وَمُحَرَّمَةٌ بِمَا خَالَفَهُ إلَّا في الضَّرُورَةِ بِالْإِعْوَازِ وَالسَّفَرِ أو الْمَرَضِ وَلِذَلِكَ إذَا فَارَقَ رَجُلٌ اقْتِنَاءَ الْكَلْبِ لِلصَّيْدِ أو الزَّرْعِ أو الْمَاشِيَةِ حَرُمَ عليه اتِّخَاذُهَا قال فَلِمَ لَا يَحِلُّ ثَمَنُهَا في الْحِينِ الذي يَحِلُّ اتِّخَاذُهَا قلت لِمَا وَصَفْتُ لَك من أنها مَرْجُوعَةٌ على الْأَصْلِ فَلَا ثَمَنَ لِمُحَرَّمٍ في الْأَصْلِ وَإِنْ تَنْقَلِبْ حَالَاتُهُ بِضَرُورَةٍ أو مَنْفَعَةٍ فإن إحْلَالَهُ خَاصٌّ لِمَنْ أُبِيحَ له قال فَأَوْجِدْنِي مِثْلَ ما وَصَفْتُ قلت أَرَأَيْتَ دَابَّةَ الرَّجُلِ مَاتَتْ فَاضْطُرَّ إلَيْهَا بَشَرٌ أَيَحِلُّ لهم أَكْلُهَا قال نعم قلت أَفَيَحِلُّ له بَيْعُهَا منهم أو لِبَعْضِهِمْ إنْ سَبَقَ بَعْضُهُمْ إلَيْهَا قال إنْ قلت ليس ذلك له قلت فَقَدْ حَرَّمْتَ على مَالِكِ الدَّابَّةِ بَيْعَهَا وَإِنْ قُلْتَ نعم قلت فَقَدْ أَحْلَلْتَ بَيْعَ الْمُحَرَّمِ قلت نعم قال فَأَقُولُ لَا يَحِلُّ بَيْعُهَا قلت وَلَوْ أَحْرَقَهَا رَجُلٌ في الْحِينِ الذي أُبِيحَ لِهَؤُلَاءِ أَكْلُهَا فيه لم يَغْرَمْ ثَمَنَهَا قال لَا قلت فَلَوْ لم يَدُلَّك على النَّهْيِ عن ثَمَنِ الْكَلْبِ إلَّا ما وَصَفْتُ لَك انْبَغَى أَنْ يَدُلَّك قال أَفَتُوجِدَنِّي غير هذا أَقُولُهُ قلت نعم زَعَمْتُ أَنَّهُ لو كان لَك خَمْرٌ حُرِّمَ عَلَيْك اتِّخَاذُهَا وَحَلَّ لَك أَنْ تُفْسِدَهَا بِمِلْحٍ وَمَاءٍ وَغَيْرِ ذلك مِمَّا يُصَيِّرُهَا خَلًّا وَزَعَمْتَ أَنَّ رَجُلًا لو أَهْرَاقَهَا وقد أَفْسَدَهَا قبل أَنْ تَصِيرَ خَلًّا لم يَكُنْ عليه في ثَمَنِهَا شَيْءٌ لِأَنَّهَا لم تَحِلَّ بَعْدُ عن الْمَحْرَمِ فَتَصِيرُ عَيْنًا غَيْرَهُ وَزَعَمْتَ أَنَّ مَاشِيَتَك لو مُوِّتَتْ حَلَّ لَك سَلْخُهَا وَحَبْسُ جِلْدِهَا وإذا دَبَغْتهَا حَلَّ ثَمَنُهَا وَلَوْ حَرَقَهَا رَجُلٌ قبل أَنْ تَدْبُغَهَا لم يَكُنْ عليه فيها قِيمَةٌ قال إنِّي لَا أَقُولُ هذا وَلَكِنِّي أَقُولُ إذَا صَارَتْ خَلًّا وَصَارَتْ مَدْبُوغَةً كان لها ثَمَنٌ وَعَلَى من حَرَقَهَا قِيمَتُهُ قلت لِأَنَّهَا تَصِيرُ عِنْدَك عَيْنًا حَلَالًا لِكُلِّ أَحَدٍ قال نعم قلت أَفَتَصِيرُ الْكِلَابُ حَلَالًا لِكُلِّ أَحَدٍ قال لَا إلَّا بِالضَّرُورَةِ أو طَلَبِ الْمَنْفَعَةِ وَالْكِلَابُ بِالْمَيْتَةِ أَشْبَهُ وَالْمَيْتَةُ لنا فيها أَلْزَمُ قلت وَهَذَا يَلْزَمُك في الْحِينِ الذي يَحِلُّ لَك فيه حَبْسُ الْخَمْرِ وَالْجُلُودِ فَأَنْتَ لَا تَجْعَلُ في ذلك الْحِينِ لها ثَمَنًا قال أَجَلْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) ثُمَّ حَكَى أَنَّ قَائِلًا قال لَا ثَمَنَ لِكَلْبِ الصَّيْدِ وَلَا الزَّرْعِ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن ثَمَنِ الْكَلْبِ جُمْلَةً ثُمَّ قال وَإِنْ قَتَلَ إنْسَانٌ لِآخَرَ كَلْبًا غَرِمَ ثَمَنَهُ لِأَنَّهُ أَفْسَدَ عليه مَالَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما لم يَكُنْ له ثَمَنٌ حَيًّا بِأَنَّ أَصْلَ ثَمَنِهِ مُحَرَّمٌ كان ثَمَنُهُ إذَا قُتِلَ أَوْلَى أَنْ يَبْطُلَ أو مِثْلُ ثَمَنِهِ حَيًّا وَكُلُّ ما وَصَفْتُ حُجَّةً على من حَكَيْتُ قَوْلَهُ وَحُجَّةً على من قال هذا الْقَوْلَ وَعَلَيْهِ زِيَادَةُ حُجَّةٍ من قَوْلِهِ من أَنَّهُ إذَا لم يَحِلَّ ثَمَنُهَا في الْحَالِ التي أَبَاحَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم اتِّخَاذَهَا كان إذَا قُتِلَتْ أَحْرَى أَنْ لَا يَكُونَ بها حَلَالًا قال فقال لي قَائِلٌ فإذا أَخْصَى رَجُلٌ كَلْبَ رَجُلٍ أو جَدَعَهُ قُلْت إذَا لم يَكُنْ له ثَمَنٌ ولم يَكُنْ على من قَتَلَهُ قِيمَةٌ كان فِيمَا أُصِيبَ مِمَّا دُونَ الْقَتْلِ أَوْلَى ولم يَكُنْ عليه فيه غُرْمٌ وَيُنْهَى عنه وَيُؤَدَّبُ إذَا عَادَ
____________________

(3/13)


- * بَابُ الرِّبَا بَابُ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ - * أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن مَالِكِ بن أَوْسِ بن الْحَدَثَانِ النَّصْرِيِّ أَنَّهُ الْتَمَسَ صَرْفًا بِمِائَةِ دِينَارٍ قال فَدَعَانِي طَلْحَةُ بن عُبَيْدِ اللَّهِ فَتَرَاوَضْنَا حتى اصْطَرَفَ مِنِّي وَأَخَذَ الذَّهَبَ يُقَلِّبُهَا في يَدِهِ ثُمَّ قال حتى تَأْتِيَ خَازِنَتِي أو خَازِنِي ( قال الشَّافِعِيُّ ) أنا شَكَكْت بعد ما قَرَأْتُهُ عليه وَعُمَرُ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه يَسْمَعُ فقال عُمَرُ لَا وَاَللَّهِ لَا تُفَارِقُهُ حتى تَأْخُذَ منه ثُمَّ قال قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن الزُّهْرِيِّ عن مَالِكِ بن أَوْسِ بن الْحَدَثَانِ عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا عبد الْوَهَّابِ
____________________

(3/14)


عن أَيُّوبَ عن مُسْلِمِ بن يَسَارٍ وَرَجُلٍ آخَرَ عن عُبَادَةَ بن الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَلَا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ وَلَا الْبُرَّ بِالْبُرِّ وَلَا الشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ وَلَا الْمِلْحَ بِالْمِلْحِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ عَيْنًا بِعَيْنٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَكِنْ بِيعُوا الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ وَالْوَرِقَ بِالذَّهَبِ وَالْبُرَّ بِالشَّعِيرِ وَالشَّعِيرَ بِالْبُرِّ وَالتَّمْرَ بِالْمِلْحِ وَالْمِلْحَ بِالتَّمْرِ يَدًا بِيَدٍ كَيْفَ شِئْتُمْ قال وَنَقَصَ أَحَدُهُمَا التَّمْرَ أو الْمِلْحَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَبِهَذَا نَأْخُذُ وهو مُوَافِقٌ لِلْأَحَادِيثِ في الصَّرْفِ وَبِهَذَا تَرَكْنَا قَوْلَ من رَوَى أَنْ لَا رِبَا إلَّا في نَسِيئَةٍ وَقُلْنَا الرِّبَا من وَجْهَيْنِ في النَّسِيئَةِ وَالنَّقْدِ وَذَلِكَ أَنَّ الرِّبَا منه يَكُونُ في النَّقْدِ بِالزِّيَادَةِ في الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَيَكُونُ في الدَّيْنِ بِزِيَادَةِ الْأَجَلِ وقد يَكُونُ مع الْأَجَلِ زِيَادَةً في النَّقْدِ ( قال ) وَبِهَذَا نَأْخُذُ وَاَلَّذِي حَرَّمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْفَضْلَ في بَعْضِهِ على بعض ( ( ( بعضه ) ) ) يَدًا بِيَدٍ الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ وَالْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ وَالتَّمْرُ وَالْمِلْحُ ( قال ) وَالذَّهَبُ وَالْوَرِقُ مُبَايِنَانِ لِكُلِّ شَيْءٍ لِأَنَّهُمَا أَثْمَانُ كل شَيْءٍ وَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِمَا شَيْءٌ من الطَّعَامِ وَلَا من غَيْرِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَالتَّحْرِيمُ مَعَهُمَا من الطَّعَامِ من مَكِيلٍ كُلِّهِ مَأْكُولٍ ( قال ) فَوَجَدْنَا الْمَأْكُولَ إذَا كان مَكِيلًا فَالْمَأْكُولُ إذَا كان مَوْزُونًا في مَعْنَاهُ لِأَنَّهُمَا مَأْكُولَانِ مَعًا وَكَذَلِكَ إذَا كان مَشْرُوبًا
____________________

(3/15)


مَكِيلًا أو مَوْزُونًا لِأَنَّ الْوَزْنَ أَنْ يُبَاعَ مَعْلُومًا عِنْدَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي كما كان الْكَيْلُ مَعْلُومًا عِنْدَهُمَا بَلْ الْوَزْنُ أَقْرَبُ من الْإِحَاطَةِ لِبُعْدِ تَفَاوُتِهِ من الْكَيْلِ فلما اجْتَمَعَا في أَنْ يَكُونَا مَأْكُولَيْنِ وَمَشْرُوبَيْنِ وَبَيْعًا مَعْلُومًا بِمِكْيَالٍ أو مِيزَانٍ كان مَعْنَاهُمَا مَعْنًى وَاحِدًا فَحَكَمْنَا لَهُمَا حُكْمًا وَاحِدًا وَذَلِكَ مِثْلُ حُكْمِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِأَنَّ مَخْرَجَ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ في الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالنَّوَى فيه لِأَنَّهُ لَا صلاح ( ( ( إصلاح ) ) ) له إلَّا بِهِ وَالْمِلْحُ وَاحِدٌ لَا يَخْتَلِفُ وَلَا نُخَالِفُ في شَيْءٍ من أَحْكَامِ ما نَصَّتْ السُّنَّةُ من الْمَأْكُولِ غَيْرَهُ وَكُلُّ ما كان قِيَاسًا عليها مِمَّا هو في مَعْنَاهَا وَحُكْمُهُ حُكْمُهَا لم نُخَالِفْ بين أَحْكَامِهَا وَكُلُّ ما كان قِيَاسًا عليها مِمَّا هو في مَعْنَاهَا حَكَمْنَا له حُكْمَهَا من الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَكَذَلِكَ في مَعْنَاهَا عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كُلُّ مَكِيلٍ وَمَشْرُوبٍ بِيعَ عَدَدًا لِأَنَّا وَجَدْنَا كَثِيرًا منها يُوزَنُ بِبَلْدَةٍ وَلَا يُوزَنُ بِأُخْرَى وَوَجَدْنَا عَامَّةَ الرُّطَبِ بِمَكَّةَ إنَّمَا يُبَاعُ في سِلَالٍ جُزَافًا وَوَجَدْنَا عَامَّةَ اللَّحْمِ إنَّمَا يُبَاعُ جُزَافًا وَوَجَدْنَا أَهْلَ الْبَدْوِ إذَا تَبَايَعُوا لَحْمًا أو لَبَنًا لم يَتَبَايَعُوهُ إلَّا جُزَافًا وَكَذَلِكَ يَتَبَايَعُونَ السَّمْنَ وَالْعَسَلَ وَالزُّبْدَ وَغَيْرَهُ وقد يُوزَنُ عِنْدَ غَيْرِهِمْ وَلَا يَمْتَنِعُ من الْوَزْنِ وَالْكَيْلِ في بَيْعِ من بَاعَهُ جُزَافًا وما بِيعَ جُزَافًا أو عَدَدًا فَهُوَ في مَعْنَى الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ من
____________________

(3/16)


الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَكُلُّ ما يَبْقَى منه وَيُدَّخَرُ وما لَا يَبْقَى وَلَا يُدَّخَرُ سَوَاءٌ لَا يَخْتَلِفُ فَلَوْ نَظَرْنَا في الذي يَبْقَى منه وَيُدَّخَرُ فَفَرَّقْنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ما لَا يَبْقَى وَلَا يُدَّخَرُ وَجَدْنَا التَّمْرَ كُلَّهُ يَابِسًا يَبْقَى غَايَةً وَوَجَدْنَا الطَّعَامَ كُلَّهُ لَا يَبْقَى ذلك الْبَقَاءَ وَوَجَدْنَا اللَّحْمَ لَا يَبْقَى ذلك الْبَقَاءَ وَوَجَدْنَا اللَّبَنَ لَا يَبْقَى وَلَا يُدَّخَرُ فَإِنْ قال قد يُوقَطُ قِيلَ وَكَذَلِكَ عَامَّةُ الْفَاكِهَةِ الْمَوْزُونَةِ قد تَيْبَسُ وَقِشْرُ الْأُتْرُجِّ بِمَا لَصِقَ فيه يَيْبَسُ وَلَيْسَ فِيمَا يَبْقَى وَلَا يَبْقَى مَعْنًى يُفَرِّقُ بَيْنَهُ إذَا كان مَأْكُولًا وَمَشْرُوبًا فَكُلُّهُ صِنْفٌ وَاحِدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وما كان غير مَأْكُولٍ وَلَا مَشْرُوبٍ لِتَفَكُّهٍ وَلَا تَلَذُّذٍ مِثْلَ الْأَسْبِيُوشِ وَالثُّفَّاءِ وَالْبُزُورِ كُلِّهَا فَهِيَ وَإِنْ أُكِلَتْ غَيْرُ مَعْنَى الْقُوتِ فَقَدْ تُعَدُّ مَأْكُولَةً وَمَشْرُوبَةً وَقِيَاسُهَا على الْمَأْكُولِ الْقُوتَ أَوْلَى من قِيَاسِهَا على ما فَارَقَهُ مِمَّا يُسْتَمْتَعُ بِهِ لِغَيْرِ الْأَكْلِ ثُمَّ الْأَدْوِيَةُ كُلُّهَا أهليلجها وايليلجها وسَقَمُونْيِهَا وَغَارِيقُونَهَا يَدْخُلُ في هذا الْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( قال ) وَوَجَدْنَا كُلَّ ما يُسْتَمْتَعُ بِهِ لِيَكُونَ مَأْكُولًا أو مَشْرُوبًا يَجْمَعُهُ أَنَّ الْمَتَاعَ بِهِ لِيُؤْكَلَ أو يُشْرَبَ وَوَجَدْنَا يَجْمَعُهُ أَنَّ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ لِلْمَنْفَعَةِ وَوَجَدْنَا الْأَدْوِيَةَ تُؤْكَلُ وَتُشْرَبُ لِلْمَنْفَعَةِ بَلْ مَنَافِعُهَا كَثِيرَةٌ أَكْثَرُ من مَنَافِعِ الطَّعَامِ فَكَانَتْ
____________________

(3/17)


أَنْ تُقَاسَ بِالْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ أَوْلَى من أَنْ يُقَاسَ بها الْمَتَاعُ لِغَيْرِ الْأَكْلِ من الْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ وَالْخَشَبِ وَغَيْرِ ذلك فَجَعَلْنَا لِلْأَشْيَاءِ أَصْلَيْنِ أَصْلٌ مَأْكُولٌ فيه الرِّبَا وَأَصْلٌ مَتَاعٌ لِغَيْرِ الْمَأْكُولِ لَا رِبَا في الزِّيَادَةِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ فَالْأَصْلُ في الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ إذَا كان بَعْضُهُ بِبَعْضٍ كَالْأَصْلِ في الدَّنَانِيرِ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ وإذا كان منه صِنْفٌ بِصِنْفٍ غَيْرِهِ فَهُوَ كَالدَّنَانِيرِ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّرَاهِمُ بِالدَّنَانِيرِ لَا يَخْتَلِفُ إلَّا بِعِلَّةٍ وَتِلْكَ الْعِلَّةُ لَا تَكُونُ في الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ بِحَالٍ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ منه رَطْبٌ بِيَابِسٍ منه وَهَذَا لَا يَدْخُلُ الذَّهَبُ وَلَا الْوَرِقُ أَبَدًا ( قال ) فَإِنْ قال قَائِلٌ كَيْفَ فَرَّقْتُمْ بين الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَبَيْنَ الْمَأْكُولِ في هذه الْحَالِ قُلْت الْحُجَّةُ فيه ما لَا حُجَّةَ معه من سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَقِيسَ شيئا بِشَيْءٍ مُخَالِفٍ له فإذا كانت الرُّطُوبَةُ مَوْجُودَةً في غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَاسَ شَيْءٌ بِشَيْءٍ في الْمَوْضِعِ الذي يُخَالِفُهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَأَوْجِدْنَا السُّنَّةَ فيه قِيلَ إنْ شَاءَ اللَّهُ أخبرنا الرَّبِيعُ
____________________

(3/18)


قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن عبد اللَّهِ بن يَزِيدَ مولى الْأَسْوَدِ بن سُفْيَانَ أَنَّ زَيْدًا أَبَا عَيَّاشٍ أخبره أَنَّهُ سَأَلَ سَعْدَ بن أبي وَقَّاصٍ عن الْبَيْضَاءِ بِالسَّلْتِ فقال له سَعْدٌ أَيَّتُهُمَا أَفْضَلُ فقال الْبَيْضَاءُ فَنَهَى عن ذلك وقال سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يُسْأَلُ عن شِرَاءِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ فَقَالُوا نعم فَنَهَى عن ذلك ( قال ) فَفِي هذا الحديث رَأْيُ سَعْدٍ نَفْسِهِ أَنَّهُ كَرِهَ الْبَيْضَاءَ بِالسَّلْتِ فَإِنْ كان كَرِهَهَا بِسُنَّةٍ فَذَلِكَ مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَبِهِ نَأْخُذُ وَلَعَلَّهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ كَرِهَهَا لِذَلِكَ فَإِنْ كان كَرِهَهَا مُتَفَاضِلَةً فإن رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قد أَجَازَ الْبُرَّ بِالشَّعِيرِ مُتَفَاضِلًا وَلَيْسَ في قَوْلِ أَحَدٍ حُجَّةٌ مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وهو الْقِيَاسُ على سُنَّةِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَيْضًا ( قال ) وَهَكَذَا كُلُّ ما اخْتَلَفَتْ أَسْمَاؤُهُ وَأَصْنَافُهُ من الطَّعَامِ فَلَا بَأْسَ بِالْفَضْلِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فيه نَسِيئَةً كَالدَّنَانِيرِ بِالدَّرَاهِمِ لَا يَخْتَلِفُ هو وَهِيَ وَكَذَلِكَ زَبِيبٌ بِتَمْرٍ وَحِنْطَةٌ بِشَعِيرٍ وَشَعِيرٌ بِسَلْتٍ وَذُرَةٌ بِأُرْزٍ وما اخْتَلَفَ أَصْنَافُهُ من الْمَأْكُولِ أو الْمَشْرُوبِ هَكَذَا كُلُّهُ وفي حَدِيثِهِ عن
____________________

(3/19)


رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم دَلَائِلُ منها أَنَّهُ سَأَلَ أَهْلَ الْعِلْمِ بِالرُّطَبِ عن نُقْصَانِهِ فَيَنْبَغِي للامام إذَا حَضَرَهُ اهل الْعِلْمِ بِمَا يَرِدُ عليه أَنْ يَسْأَلَهُمْ عنه وَبِهَذَا صِرْنَا إلَى قِيَمِ الْأَمْوَالِ بِقَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْقَبُولِ من أَهْلِهَا وَمِنْهَا أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم نَظَرَ في مُعْتَقَبِ الرُّطَبِ فلما كان يَنْقُصُ لم يُجِزْ بَيْعَهُ بِالتَّمْرِ لِأَنَّ التَّمْرَ من الرُّطَبِ إذَا كان نُقْصَانُهُ غير مَحْدُودٍ وقد حَرُمَ أَنْ يَكُونَ التَّمْرُ بِالتَّمْرِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَكَانَتْ فيها زِيَادَةُ بَيَانِ النَّظَرِ في الْمُعْتَقَبِ من الرُّطَبِ فَدَلَّتْ على أَنَّهُ لَا يَجُوزُ رُطَبٌ بِيَابِسٍ من جِنْسِهِ لِاخْتِلَافِ الْكَيْلَيْنِ وَكَذَلِكَ دَلَّتْ على أَنَّهُ لَا يَجُوزُ رُطَبٌ بِرُطَبٍ لِأَنَّهُ نَظَرَ في الْبُيُوعِ في الْمُعْتَقَبِ خَوْفًا من أَنْ يَزِيدَ بَعْضُهَا على بَعْضٍ فَهُمَا رُطَبَانِ مَعْنَاهُمَا مَعْنًى وَاحِدٌ فإذا نَظَرَ في الْمُعْتَقَبِ فلم يَجُزْ رُطَبٌ بِرُطَبٍ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ وَقَعَتْ وَلَا يُعْرَف كَيْفَ يَكُونَانِ في الْمُعْتَقَبِ وكان بَيْعًا مَجْهُولًا الْكَيْلُ بِالْكَيْلِ وَلَا يَجُوزُ الْكَيْلُ وَلَا الْوَزْنُ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنُ من جِنْسِهِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ
____________________

(3/20)


- * بَابُ جِمَاعِ تَفْرِيعِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) مَعْرِفَةُ الْأَعْيَانِ أَنْ يُنْظَرَ إلَى الِاسْمِ الْأَعَمِّ الْجَامِعِ الذي يَنْفَرِدُ بِهِ من جُمْلَةِ ما مَخْرَجُهُ مَخْرَجُهَا فَذَلِكَ جِنْسٌ فَأَصْلُ كل ما أَنْبَتَتْ الْأَرْضُ أَنَّهُ نَبَاتٌ ثُمَّ يُفَرَّقُ بِهِ أَسْمَاءُ فَيُقَالُ هذا حَبٌّ ثُمَّ يُفَرَّقُ بِالْحَبِّ اسماء وَالْأَسْمَاءُ التي تُفَرَّقُ بِالْحَبِّ من جِمَاعِ التَّمْيِيزِ فَيُقَالُ تَمْرٌ وَزَبِيبٌ وَيُقَالُ حِنْطَةٌ وَذُرَةٌ وَشَعِيرٌ وَسَلْتٌ فَهَذَا الْجِمَاعُ الذي هو جِمَاعُ التَّمْيِيزِ وهو من الْجِنْسِ الذي تَحْرُمُ الزِّيَادَةُ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ إذَا كان من صِنْفٍ وَاحِدٍ وهو في الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ هَكَذَا وَهُمَا مَخْلُوقَانِ من الْأَرْضِ أو فيها ثُمَّ هُمَا تِبْرٌ ثُمَّ يُفَرَّقُ بِهِمَا أَسْمَاءُ ذَهَبٌ وَوَرِقٌ وَالتِّبْرُ سواهما ( ( ( وسواهما ) ) ) من النُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ وَغَيْرِهِمَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْحُكْمُ فِيمَا كان يَابِسًا من صِنْفٍ وَاحِدٍ من أَصْنَافِ الطَّعَامِ حُكْمٌ وَاحِدٌ لَا اخْتِلَافَ فيه كَحُكْمِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ بِالْوَرِقِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ذَكَرَ تَحْرِيمَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالْمِلْحِ ذِكْرًا وَاحِدًا وَحَكَمَ فيها حُكْمًا وَاحِدًا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بين أَحْكَامِهَا بِحَالٍ وقد جَمَعَهَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم - * بَابُ تَفْرِيعِ الصِّنْفِ من الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ بمثله - * قال الرَّبِيعُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) الْحِنْطَةُ جِنْسٌ وَإِنْ تَفَاضَلَتْ وَتَبَايَنَتْ في الْأَسْمَاءِ كما يَتَبَايَنُ الذَّهَبُ وَيَتَفَاضَلُ في الْأَسْمَاءِ فَلَا يَجُوزُ ذَهَبٌ بِذَهَبٍ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ يَدًا بِيَدٍ قال وَأَصْلُ الْحِنْطَةِ الْكَيْلُ وَكُلُّ ما كان أَصْلُهُ كَيْلًا لم يَجُزْ أَنْ يُبَاعَ بمثله وَزْنًا بِوَزْنٍ وَلَا وَزْنًا بِكَيْلٍ قال وَلَا بَأْسَ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَيَدًا بِيَدٍ وَلَا يَفْتَرِقَانِ حتى يَتَقَابَضَا وَإِنْ تَفَرَّقَا قبل أَنْ يَتَقَابَضَا فَسَدَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا كما يَكُونُ ذلك في الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ لَا يَخْتَلِفُ قال وَلَا بَأْسَ بِحِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ يَسْوَى مُدُّهَا دِينَارًا بِحِنْطَةٍ رَدِيئَةٍ لَا يُسَوَّى مُدُّهَا سُدُسَ دِينَارٍ وَلَا حِنْطَةٍ حَدِيثَةٍ بِحِنْطَةٍ قَدِيمَةٍ وَلَا حِنْطَةٍ بَيْضَاءَ صَافِيَةٍ بِحِنْطَةٍ سَوْدَاءَ قَبِيحَةٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ كَيْلًا بِكَيْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا يَتَفَرَّقَانِ حتى يَتَقَابَضَا إذَا كانت حِنْطَةُ أَحَدِهِمَا صِنْفًا وَاحِدًا وَحِنْطَةُ بَائِعِهِ صِنْفًا وَاحِدًا وَكُلُّ ما لم يَجُزْ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ فَلَا خَيْرَ في أَنْ يُبَاعَ منه شَيْءٌ وَمَعَهُ شَيْءٌ غَيْرُهُ بِشَيْءٍ آخَرَ لَا خَيْرَ في مُدِّ تَمْرٍ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ بمدى تَمْرٍ عَجْوَةٍ وَلَا مُدِّ حِنْطَةٍ سَوْدَاءَ وَدِرْهَمٍ بمدى حِنْطَةٍ مَحْمُولَةٍ حتى يَكُونَ الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ لَا شَيْءَ مع وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُهُمَا أو يَشْتَرِي شيئا من غَيْرِ صِنْفِهِ ليس معه من صِنْفِهِ شَيْءٌ - * بَابٌ في التَّمْرِ بِالتَّمْرِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالتَّمْرُ صِنْفٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبْتَاعَ صَاعَ تَمْرٍ بِصَاعِ تَمْرٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا يَتَفَرَّقَانِ حتى يَتَقَابَضَا وَلَا بَأْسَ إذَا كان صَاعُ أَحَدِهِمَا صِنْفًا وَاحِدًا وَصَاعُ الْآخَرِ صِنْفًا وَاحِدًا أَنْ يَأْخُذَهُ وَإِنْ كان بردى ( ( ( برديء ) ) ) وَعَجْوَةٌ بِعَجْوَةٍ أو بردى ( ( ( برديء ) ) ) وَصَيْحَانِيٌّ بِصَيْحَانِيٍّ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يَكُونَ صَاعُ أَحَدِهِمَا من تَمْرَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَصَاعُ الْآخَرِ من تَمْرٍ وَاحِدٍ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يَتَبَايَعَا التَّمْرَ بِالتَّمْرِ مَوْزُونًا في جِلَالٍ كان أو قِرَبٍ أو غَيْرِ ذلك وَلَوْ طُرِحَتْ عنه الْجِلَالُ وَالْقِرَبُ لم يَجُزْ أَنْ يُبَاعَ وَزْنًا وَذَلِكَ أَنَّ وَزْنَ التَّمْرِ يَتَبَايَنُ فَيَكُونُ صَاعٌ وَزْنُهُ أَرْطَالٌ وَصَاعٌ آخَرُ وَزْنُهُ أَكْثَرُ منها فَلَوْ كَيْلًا كان صَاعٌ بِأَكْثَرَ من صَاعٍ كَيْلًا وَهَكَذَا كُلُّ كَيْلٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ بمثله وَزْنًا
____________________

(3/21)


وَكُلُّ وَزْنٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ بمثله كَيْلًا وإذا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبْتَاعَ كَيْلًا وَإِنْ كان أَصْلُهُ الْوَزْنَ وَجُزَافًا لِأَنَّا إنَّمَا نَأْمُرُ بِبَيْعِهِ على الْأَصْلِ كَرَاهِيَةَ التَّفَاضُلِ فإذا كان ما يَجُوزُ فيه التَّفَاضُلُ فَلَا نُبَالِي كَيْفَ تَبَايَعَاهُ إنْ تَقَابُضَاه قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا - * بَابٌ ما في مَعْنَى التَّمْرِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا كُلُّ صِنْفٍ يَابِسٍ من الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ فَالْقَوْلُ فيه كما وَصَفْت في الْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ لَا يَخْتَلِفُ في حَرْفٍ منه وَذَلِكَ يُخَالِفُ الشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ وَالذُّرَةَ بِالذُّرَةِ وَالسَّلْتَ بِالسَّلْتِ وَالدَّخَنَ بِالدَّخَنِ وَالْأُرْزَ بِالْأُرْزِ وَكُلَّ ما أَكَلَ الناس مِمَّا يُنْبِتُونَ أو لم يُنْبِتُوا مِثْلَ الْفَثِّ وَغَيْرِهِ من حَبِّ الْحَنْظَلِ وَسُكَّرِ الْعُشْرِ وَغَيْرِهِ مِمَّا أَكَلَ الناس ولم يُنْبِتُوا وَهَكَذَا كُلُّ مَأْكُولٍ يَبِسَ من أَسْبِيُوشٍ بِأَسْبِيُوشٍ وَثُفَّاءٍ بِثُفَّاءٍ وَصَعْتَرٍ بِصَعْتَرٍ فما بِيعَ منه وَزْنًا بِشَيْءٍ من صِنْفِهِ لم يُصْرَفْ إلَى كَيْلٍ وما بِيعَ منه كَيْلًا لم يُصْرَفْ إلَى وَزْنٍ لِمَا وَصَفْتُ من اخْتِلَافِهِ في يُبْسِهِ وَخِفَّتِهِ وَجَفَائِهِ قال وَهَكَذَا وَكُلُّ مَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ أَخْرَجَهُ اللَّهُ من شَجَرٍ أو أَرْضٍ فَكَانَ بِحَالِهِ التي أخرجه الله تعالى بها لم يحدث فيه الآدميون شيئا فينقلونه عن حاله التي أَخْرَجَهُ اللَّهُ تَعَالَى بها إلَى غَيْرِهَا فَأَمَّا ما لو تَرَكُوهُ لم يَزَلْ رَطْبًا بِحَالِهِ أَبَدًا فَفِي هذا الصِّنْفِ منه عِلَّةٌ سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَّا ما أَحْدَثَ فيه الْآدَمِيُّونَ تَجْفِيفًا من الثَّمَرِ فَهُوَ شَيْءٌ اسْتَعْجَلُوا بِهِ صَلَاحَهُ وَإِنْ لم يَنْقُلُوهُ وَتَرَكُوهُ جَفَّ وما أَشْبَهَ هذا - * بَابٌ ما يُجَامِعُ التَّمْرَ وما يُخَالِفُهُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَالزَّيْتُونُ مَخْلُوقٌ ثَمَرَةٌ لو تَرَكَهَا الْآدَمِيُّونَ صَحِيحَةً لم يَخْرُجْ منها زَيْتٌ وَلَمَّا عَصَرُوهَا خَرَجَتْ زَيْتًا فَإِنَّمَا اُشْتُقَّ لها اسْمُ الزَّيْتِ بِأَنَّ شَجَرَتَهَا زَيْتُونٌ فَاسْمُ ثَمَرَةِ شَجَرَتِهَا التي منها الزَّيْتُ زَيْتُونٌ فَكُلُّ ما خَرَجَ من زَيْتِ الزَّيْتُونِ فَهُوَ صِنْفٌ وَاحِدٌ يَجُوزُ فيه ما يَجُوزُ في الْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَيُرَدُّ منه ما يُرَدُّ من الْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ لَا يَخْتَلِفُ وقد يُعْصَرُ من الْفُجْلِ دُهْنٌ يُسَمَّى زَيْتُ الْفُجْلِ قال وَلَيْسَ مِمَّا يَكُونُ بِبِلَادِنَا فَيُعْرَفُ له اسْمٌ بِأُمِّهِ وَلَسْت أَعْرِفُهُ يُسَمَّى زَيْتًا إلَّا على مَعْنَى أَنَّهُ دُهْنٌ لَا اسْمَ له مُسْتَعْمَلٌ في بَعْضِ ما يُسْتَعْمَلُ فيه الزَّيْتُ وهو مُبَايِنٌ لِلزَّيْتِ في طَعْمِهِ وَرِيحِهِ وَشَجَرَتِهِ وهو زَرْعٌ وَالزَّيْتُونُ أَصْلٌ قال وَيَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ فَاَلَّذِي هو أَلْيَقُ بِهِ عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ لَا يُحْكَمَ بِأَنْ يَكُونَ زَيْتًا وَلَكِنْ يُحْكَمُ بِأَنْ يَكُونَ دُهْنًا من الْأَدْهَانِ فَيَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ الْوَاحِدُ منه بِالِاثْنَيْنِ من زَيْتِ الزَّيْتُونِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قال رَجُلٌ أَكَلْت زَيْتًا أو اشْتَرَيْت زَيْتًا عُرِفَ أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ زَيْتُ الزَّيْتُونِ لِأَنَّ الِاسْمَ له دُونَ زَيْتِ الْفُجْلِ وقد يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ هو صِنْفٌ من الزَّيْتِ فَلَا يُبَاعُ بِالزَّيْتِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالسَّلِيطُ دُهْنُ الْجُلْجُلَانِ وهو صِنْفٌ غَيْرُ زَيْتِ الْفُجْلِ وَغَيْرِ زَيْتِ الزَّيْتُونِ فَلَا بَأْسَ بِالْوَاحِدِ منه بِالِاثْنَيْنِ من كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكَذَلِكَ دُهْنُ الْبِزْرِ وَالْحُبُوبِ كُلِّهَا كُلُّ دُهْنٍ منه مُخَالِفٌ دُهْنَ غَيْرِهِ دُهْنُ الصَّنَوْبَرِ وَدُهْنُ الْحَبِّ الْأَخْضَرِ وَدُهْنُ الْخَرْدَلِ وَدُهْنُ
____________________

(3/22)


السِّمْسِمِ وَدُهْنُ نَوَى الْمِشْمِشِ وَدُهْنُ اللَّوْزِ وَدُهْنُ الْجَوْزِ فَكُلّ دُهْنٍ من هذه الْأَدْهَانِ خَرَجَ من حَبَّةٍ أو ثَمَرَةٍ فَاخْتَلَفَ ما يَخْرُجُ من تِلْكَ الثَّمَرَةِ أو تِلْكَ الْحَبَّةِ أو تِلْكَ الْعُجْمَةِ فَهُوَ صِنْفٌ وَاحِدٌ فَلَا يَجُوزُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَكُلُّ صِنْفٍ منه خَرَجَ من حَبَّةٍ أو ثَمَرَةٍ أو عُجْمَةٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ في غَيْرِ صِنْفِهِ الْوَاحِدُ منه بِالِاثْنَيْنِ ما لم يَكُنْ نَسِيئَةً لَا بَأْسَ بِدُهْنِ خَرْدَلٍ بِدُهْنِ فُجْلٍ وَدُهْنِ خَرْدَلٍ بِدُهْنِ لَوْزٍ وَدُهْنِ لَوْزٍ بِدُهْنِ جَوْزٍ اُرْدُدْ أُصُولَهُ كُلَّهُ إلَى ما خَرَجَ منه فإذا كان ما خَرَجَ منه وَاحِدًا فَهُوَ صِنْفٌ كَالْحِنْطَةِ صِنْفٌ وإذا خَرَجَ من أَصْلَيْنِ مُفْتَرَقَيْنِ فَهُمَا صِنْفَانِ مُفْتَرَقَانِ كَالْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ فَعَلَى هذا جَمِيعُ الْأَدْهَانِ الْمَأْكُولَةِ وَالْمَشْرُوبَةِ لِلْغِذَاءِ وَالتَّلَذُّذِ لَا يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فيها كَهُوَ في التَّمْرِ وَالْحِنْطَةِ سَوَاءٌ فَإِنْ كان من هذه الْأَدْهَانِ شَيْءٌ لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ بِحَالٍ أَبَدًا لِدَوَاءٍ وَلَا لِغَيْرِهِ فَهُوَ خَارِجٌ من الرِّبَا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُبَاعَ وَاحِدٌ منه بِعَشْرَةٍ منه يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً وَوَاحِدٌ منه بِوَاحِدٍ من غَيْرِهِ وَبِاثْنَيْنِ يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً إنَّمَا الرِّبَا فِيمَا أُكِلَ أو شُرِبَ بِحَالٍ وفي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَإِنْ قال قَائِلٌ قد يجمعهما ( ( ( يجمعها ) ) ) اسْمُ الدُّهْنِ قِيلَ وَكَذَلِكَ يَجْمَعُ الْحِنْطَةَ وَالذُّرَةَ وَالْأُرْزَ اسْمُ الْحَبِّ فلما تَبَايَنَ حِلُّ الْفَضْلِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَيْسَ لِلْأَدْهَانِ أَصْلُ اسْمٍ مَوْضُوعٍ عِنْدَ الْعَرَبِ إنَّمَا سُمِّيَتْ بِمَعَانِي أنها تُنْسَبُ إلَى ما تَكُونُ منه فَأَمَّا أُصُولُهَا من السِّمْسِمِ وَالْحَبِّ الْأَخْضَرِ وَغَيْرِهِ فَمَوْضُوعٌ له أَسْمَاءُ كَأَسْمَاءِ الْحِنْطَةِ لَا بِمَعَانٍ فَإِنْ قِيلَ فَالْحَبُّ الْأَخْضَرُ بِمَعْنًى فَاسْمُهُ عِنْدَ من يَعْرِفُهُ الْبُطْمُ وَالْعَسَلُ الذي لَا يُعْرَفُ بِالِاسْمِ الْمَوْضُوعِ وَاَلَّذِي إذَا لَقِيت رَجُلًا فَقُلْت له عَسَلٌ عَلِمَ أنه عَسَلَ النَّحْلِ صِنْفٌ وقد سُمِّيَتْ أَشْيَاءُ من الْحَلَاوَةِ تُسَمَّى بها عَسَلًا وَقَالَتْ الْعَرَبُ لِلْحَدِيثِ الْحُلْوِ حَدِيثٌ مَعْسُولٌ وَقَالَتْ لِلْمَرْأَةِ الْحُلْوَةِ الْوَجْهِ مَعْسُولَةُ الْوَجْهِ وَقَالَتْ فِيمَا الْتَذَّتْ هذا عَسَلٌ وَهَذَا مَعْسُولٌ وقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يَحِلُّ لَكِ حتى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ يَعْنِي يُجَامِعُهَا لِأَنَّ الْجِمَاعَ هو الْمُسْتَحْلَى من الْمَرْأَةِ فَقَالُوا لِكُلِّ ما اسْتَحْلَوْهُ عَسَلٌ وَمَعْسُولٌ على مَعْنَى أَنَّهُ يُسْتَحْلَى اسْتِحْلَاءَ الْعَسَلِ قال فَعَسَلُ النَّحْلِ الْمُنْفَرِدِ بِالِاسْمِ دُونَ ما سِوَاهُ من الْحُلْوِ فَإِنَّمَا سُمِّيَتْ على ما وُصِفَتْ من الشَّبَهِ وَالْعَسَلُ فِطْرَةُ الْخَالِقِ لَا صَنْعَةَ للادميين فيه وما سِوَاهُ من الْحُلْوِ فَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ من قَصَبٍ أو ثَمَرَةٍ أو حَبَّةٍ كما تُسْتَخْرَجُ الْأَدْهَانُ فَلَا بَأْسَ بِالْعَسَلِ بِعَصِيرِ قَصَبِ السُّكْرِ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى عَسَلًا إلَّا على ما وَصَفْت فَإِنَّمَا يُقَالُ عَصِيرُ قَصَبٍ وَلَا بَأْسَ بالعسل ( ( ( العسل ) ) ) بِعَصِيرِ الْعِنَبِ وَلَا بِرُبِّ الْعِنَبِ وَلَا بَأْسَ بِعَصِيرِ الْعِنَبِ بِعَصِيرِ قَصَبِ السُّكَّرِ لِأَنَّهُمَا مُحْدَثَانِ وَمِنْ شَجَرَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ وَكَذَلِكَ رُبِّ التَّمْرِ بِرُبِّ الْعِنَبِ مُتَفَاضِلًا وَهَكَذَا كُلُّ ما اُسْتُخْرِجَ من شَيْءٍ فَكَانَ حُلْوًا فَأَصْلُهُ على ما وَصَفْت عليه أُصُولَ الْأَدْهَانِ مِثْلُ عَصِيرِ الرُّمَّانِ بِعَصِيرِ السَّفَرْجَلِ وَعَصِيرِ التُّفَّاحِ بِعَصِيرِ اللَّوْزِ وما أَشْبَهَ هذا فَعَلَى هذا الْبَابِ كُلِّهِ وَقِيَاسِهِ وَلَا يَجُوزُ منه صِنْفٌ بمثله إلَّا يَدًا بِيَدٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ إنْ كان يُوزَنُ وَكِيلًا إنْ كان أَصْلُهُ الْكَيْلَ بِكَيْلٍ وَلَا يَجُوزُ منه مَطْبُوخٌ بِنَيْءٍ بِحَالٍ لِأَنَّهُ إذَا كان إنَّمَا يُدَّخَرُ مَطْبُوخًا فَأَعْطَيْت منه نَيْئًا بِمَطْبُوخٍ فَالنَّيْءُ إذَا طُبِخَ يَنْقُصُ فَيَدْخُلُ فيه النُّقْصَانُ في النَّيْءِ فَلَا يَحِلُّ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا يُبَاعُ منه وَاحِدٌ بِآخَرَ مَطْبُوخَيْنِ مَعًا لِأَنَّ النَّارَ تَبْلُغُ من بَعْضِهِ أَكْثَرَ مِمَّا تَبْلُغُ من بَعْضٍ وَلَيْسَ لِلْمَطْبُوخِ غَايَةٌ يَنْتَهِي إلَيْهَا كما يَكُونُ لِلتَّمْرِ في الْيُبْسِ غَايَةٌ يَنْتَهِي إلَيْهَا وقد يُطْبَخُ فَيَذْهَبُ منه جُزْءٌ من مِائَةِ جُزْءٍ وَيُطْبَخُ فَيَذْهَبُ منه عَشْرَةُ أَجْزَاءٍ من أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ منه مَطْبُوخٌ بِمَطْبُوخٍ لِمَا وَصَفْت وَلَا مَطْبُوخٌ بِنَيْءٍ وَلَا يَجُوزُ إلَّا نَيْءٌ بِنَيْءٍ فَإِنْ كان منه شَيْءٌ لَا يُعْصَرُ إلَّا مَشُوبًا بِغَيْرِهِ لم يَجُزْ أَنْ يُبَاعَ بِصِنْفِهِ مِثْلًا بِمِثْلٍ لِأَنَّهُ لَا يدري ما حِصَّةُ الْمَشُوبِ من حِصَّةِ الشَّيْءِ الْمَبِيعِ بِعَيْنِهِ الذي لَا يَحِلُّ الْفَضْلُ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ - * بَابُ الْمَأْكُولِ من صِنْفَيْنِ شِيبَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال قال الشَّافِعِيُّ وفي السُّنَّةِ خَبَرٌ نَصًّا وَدَلَالَةً بِالْقِيَاسِ عليها أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ فَلَا بَأْسَ بِالْفَضْلِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فيه نَسِيئَةً وَذَلِكَ في حديث عُبَادَةَ بن الصَّامِتِ بَيِّنٌ وما سِوَاهُ قِيَاسٌ عليه
____________________

(3/23)


في مِثْلِ مَعْنَاهُ وَلَا بَأْسَ بِمُدِّ حِنْطَةٍ بمدى شَعِيرٍ وَمُدِّ حِنْطَةٍ بمدى أُرْزٍ وَمُدِّ حِنْطَةٍ بمدى ذُرَةٍ وَمُدِّ حِنْطَةٍ بمدى تَمْرٍ وَمُدِّ تَمْرٍ بمدى زَبِيبٍ وَمُدِّ زَبِيبٍ بمدى مِلْحٍ وَمُدِّ مِلْحٍ بمدى حِنْطَةٍ وَالْمِلْحُ كُلُّهُ صِنْفُ مِلْحُ جَبَلٍ وَبَحْرٍ وما وَقَعَ عليه اسْمُ مِلْحٍ وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِيمَا اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهُ فَلَا بَأْسَ بِالْفَضْلِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فيه نَسِيئَةً مِثْلُ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ سَوَاءً لَا يَخْتَلِفَانِ فَعَلَى هذا هذا الْبَابُ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ وَكُلُّ ما سَكَتَ عنه مِمَّا يُؤْكَلُ أو يُشْرَبُ بِحَالٍ أَبَدًا يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ صِنْفٌ منه بِصِنْفٍ فَهُوَ كَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ أو صِنْفٌ بِصِنْفٍ يُخَالِفُهُ فَهُوَ كَالذَّهَبِ بِالْوَرِقِ لَا يَخْتَلِفَانِ في حَرْفٍ وَلَا يَكُونُ الرَّجُلُ لَازِمًا لِلْحَدِيثِ حتى يَقُولَ هذا لِأَنَّ مَخْرَجَ الْكَلَامِ فِيمَا حَلَّ بَيْعُهُ وَحُرِّمَ من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَاحِدٌ وإذا تَفَرَّقَ الْمُتَبَايِعَانِ الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ قبل أَنْ يَتَقَابَضَا انْتَقَضَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا قال وَالْعَسَلُ كُلُّهُ صِنْفٌ وَاحِدٌ فَلَا بَأْسَ بِوَاحِدٍ منه بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فيه مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ وَلَا مُسْتَوِيًا وَلَا مُتَفَاضِلًا نَسِيئَةً وَلَا يُبَاعُ عَسَلٌ بِعَسَلٍ إلَّا مُصَفَّيَيْنِ من الشَّمْعِ وَذَلِكَ أَنَّ الشَّمْعَ غَيْرُ الْعَسَلِ فَلَوْ بِيعَا وَزْنًا وفي أَحَدِهِمَا الشَّمْعُ كان الْعَسَلُ بِأَقَلَّ منه وَكَذَلِكَ لو بَاعَهُ وَزْنًا وفي كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَمْعٌ لم يَخْرُجَا من أَنْ يَكُونَ ما فِيهِمَا من الْعَسَلِ من وَزْنِ الشَّمْعِ مَجْهُولًا فَلَا يَجُوزُ مَجْهُولٌ بِمَجْهُولٍ وقد يَدْخُلُهُمَا أَنَّهُمَا عَسَلٌ بِعَسَلٍ مُتَفَاضِلًا وَكَذَلِكَ لو بِيعَا كَيْلًا بِكَيْلٍ وَلَا خَيْرَ في مُدِّ حِنْطَةٍ فيها قَصْلٌ أو فيها حِجَارَةٌ أو فيها زُوَانٌ بِمُدِّ حِنْطَةٍ لَا شَيْءَ فيها من ذلك أو فيها تِبْنٌ لِأَنَّهَا الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ مُتَفَاضِلَةً وَمَجْهُولَةً كما وَصَفْتُ في الْعَسَلِ بِالْعَسَلِ وَهَكَذَا كُلُّ صِنْفٍ من هذه خَلَطَهُ غَيْرُهُ مِمَّا يَقْدِرُ على تَمْيِيزِهِ منه لم يَجُزْ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ إلَّا خَالِصًا مِمَّا يَخْلِطُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ ما يُخْلَطُ الْمَكِيلُ لَا يَزِيدُ في كَيْلِهِ مِثْلُ قَلِيلِ التُّرَابِ وما دُقَّ من تِبْنِهِ فَكَانَ مِثْلَ التُّرَابِ فَذَلِكَ لَا يَزِيدُ في كَيْلِهِ فَأَمَّا الْوَزْنُ فَلَا خَيْرَ في شَيْءٍ من هذا فيه لِأَنَّ كُلَّ هذا يَزِيدُ في الْوَزْنِ وَهَكَذَا كُلُّ ما شَابَهَ غَيْرُهُ فَبِيعَ وَاحِدٌ منه بِوَاحِدٍ من جِنْسِهِ وَزْنًا بِوَزْنٍ فَلَا خَيْرَ فيه وَإِنْ بِيعَ كَيْلًا بِكَيْلٍ فَكَانَ ما شَابَهَ يَنْقُصُ من كَيْلِ الْجِنْسِ فَلَا خَيْرَ فيه مِثْلُ ما وَصَفْت من الْحِنْطَةِ مَعَهَا شَيْءٌ بِحِنْطَةٍ وَهِيَ مِثْلُ لَبَنٍ خَلَطَهُ مَاءٌ بِلَبَنٍ خَلَطَهُ مَاءٌ أو لم يَخْلِطْهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ قَدْرُ ما دَخَلَهُ أو دخلهما ( ( ( دخلها ) ) ) مَعًا من الْمَاءِ فَيَكُونُ اللَّبَنُ بِاللَّبَنِ مُتَفَاضِلًا - * بَابُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) الرُّطَبُ يَعُودُ تَمْرًا وَلَا أَصْلَ لِلتَّمْرِ إلَّا الرُّطَبَ فلما نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وكان في الْخَبَرِ عنه أَنَّ نَهْيَهُ عنه أَنَّهُ نَظَرَ في الْمُعْتَقَبِ وكان مَوْجُودًا في سُنَّتِهِ تَحْرِيمُ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَغَيْرِهِ من الْمَأْكُولِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ قُلْنَا بِهِ على ما قَالَهُ وَفَسَّرَ لنا مَعْنَاهُ فَقُلْنَا لَا يَجُوزُ رُطَبٌ بِرُطَبٍ لِأَنَّهُ إذَا نَظَرَ فيه في الْمُعْتَقَبِ فَلَا يَخْرُجُ من الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ أَبَدًا من أَنْ يُبَاعَ مَجْهُولَ الْكَيْلِ إذَا عَادَ تَمْرًا وَلَا خَيْرَ في تَمْرٍ بِتَمْرٍ مَجْهُولِي الْكَيْلِ مَعًا وَلَا أَحَدَهُمَا مَجْهُولٌ لِأَنَّ نُقْصَانَهُمَا أَبَدًا يَخْتَلِفُ فَيَكُونُ أَحَدُ التَّمْرِينِ بِالْآخَرِ وَأَحَدُهُمَا أَكْثَرُ كَيْلًا من الاخر وقد نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن هذا ( قال ) فإذا كان هذا هَكَذَا لم يَجُزْ أَنْ يُبَاعَ رُطَبٌ منه كَيْلًا بِرُطَبٍ لِمَا وَصَفْت قِيَاسًا على الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَاللَّحْمُ كُلُّهُ صِنْفٌ وَاحِدٌ وَحْشِيُّهُ وَطَائِرُهُ وأنسيه لَا يَحِلُّ الْفَضْلُ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ وَلَا يَحِلُّ حتى يَكُونَ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ وَيَكُونَ يَابِسًا وَيَخْتَلِفُ فَيَكُونُ لَحْمُ الْوَحْشِ بِلَحْمِ الطَّيْرِ وَاحِدٌ بِاثْنَيْنِ وَأَكْثَرَ وَلَا خَيْرَ في تَمْرِ نَخْلَةٍ بِرُطَبِ نَخْلَةٍ بِخَرْصٍ وَلَا بتحر ( ( ( بتجر ) ) ) وَلَا غَيْرِهِ فَالْقَسْمُ وَالْمُبَادَلَةُ وَكُلُّ ما أُخِذَ له عِوَضٌ مِثْلُ
____________________

(3/24)


الْبَيْعِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَاسِمَ رَجُلٌ رَجُلًا رُطَبًا في نَخْلِهِ وَلَا في الْأَرْضِ وَلَا يُبَادِلُهُ بِهِ لِأَنَّ كلاهما ( ( ( كلهما ) ) ) في مَعْنَى الْبَيْعِ ها هنا إلَّا الْعَرَايَا الْمَخْصُوصَةَ وَهَكَذَا كُلُّ صِنْفٍ من الطَّعَامِ الذي يَكُونُ رَطْبًا ثُمَّ يَيْبَسُ فَلَا يَجُوزُ فيه إلَّا ما جَازَ في الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَالرُّطَبِ نَفْسِهِ بِبَعْضٍ لَا يَخْتَلِفُ ذلك وَهَكَذَا ما كان رَطْبًا فِرْسِكٍ وَتُفَّاحٌ وَتِينٌ وَعِنَبٌ وَإِجَّاصٌ وَكُمَّثْرَى وَفَاكِهَةٌ لَا يُبَاعُ شَيْءٌ منها بِشَيْءٍ رَطْبًا وَلَا رَطْبٌ منها بِيَابِسٍ وَلَا جُزَافٌ منها بِمَكِيلٍ وَلَا يُقَسَّمُ رَطْبٌ منها على الْأَرْضِ بِكَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ وَلَا في شَجَرِهَا لِأَنَّ حُكْمَهَا كما وَصَفْت في الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَالرُّطَبِ بِالرُّطَبِ وَهَكَذَا كُلُّ مَأْكُولٍ لو تُرِكَ رَطْبًا يَيْبَسُ فَيَنْقُصُ وَهَكَذَا كُلُّ رُطَبٍ لَا يَعُودُ تَمْرًا بِحَالٍ وَكُلُّ رَطْبٍ من الْمَأْكُولِ لَا يَنْفَعُ يَابِسًا بِحَالٍ مِثْلُ الْخِرْبِزِ وَالْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ وَالْفَقُّوسِ وَالْجَزَرِ وَالْأُتْرُجِّ لَا يُبَاعُ منه شَيْءٌ بِشَيْءٍ من صِنْفِهِ وَزْنًا بِوَزْنٍ وَلَا كَيْلًا بِكَيْلٍ لِمَعْنًى ما في الرُّطُوبَةِ من تَغَيُّرِهِ عند اليبس وكثره ما يحمل بعضها من الماء فيثقل به ويعظم وقلة ما يحمل غيرها فيضمر به ويجف وإذا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ منه فَلَا بَأْسَ بِبِطِّيخٍ بِقِثَّاءَ مُتَفَاضِلًا جُزَافًا وَوَزْنًا وَكَيْفَمَا شَاءَ إذَا أَجَزْت التَّفَاضُلَ في الْوَزْنِ أَجَزْت أَنْ يُبَاعَ جُزَافًا لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى في الْجُزَافِ يُحَرِّمُهُ إلَّا التَّفَاضُلُ وَالتَّفَاضُلُ فِيهِمَا مُبَاحٌ وَهَكَذَا جَزَرٌ بِأُتْرُجٍّ وَرُطَبٌ بِعِنَبٍ في شَجَرِهِ وَمَوْضُوعًا جُزَافًا وَمَكِيلًا كما قُلْنَا فِيمَا اخْتَلَفَ أَصْنَافُهُ من الْحِنْطَةِ وَالذُّرَةِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ سَوَاءٌ في ذلك الْمَعْنَى لَا يُخَالِفُهُ وفي كل ما خَرَجَ من الْأَرْضِ من مَأْكُولٍ وَمِنْ مَشْرُوبٍ وَالرَّطْبُ من الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَكُونُ رَطْبًا ثُمَّ يُتْرَكُ بِلَا عَمَلٍ من عَمَلِ الْآدَمِيِّينَ يُغَيِّرُهُ عن بِنْيَةِ خِلْقَتِهِ مِثْلُ ما يُطْبَخُ فَتَنْقُصُهُ النَّارُ وَيُحْمَلُ عليه غَيْرُهُ فَيَذْهَبُ رُطُوبَتُهُ وَيُغَيِّرُهُ مِثْلُ الرُّطَبِ يَعُود تَمْرًا وَاللَّحْمِ يُقَدَّدُ بِلَا طَبْخٍ يُغَيِّرُهُ وَلَا عَمَلِ شَيْءٍ حُمِلَ عليه غَيْرُهُ فَكُلُّ ما كان من الرَّطْبِ في هذا الْمَعْنَى لم يَجُزْ أَنْ يُبَاعَ منه رَطْبٌ بِيَابِسٍ من صِنْفِهِ وَزْنًا بِوَزْنٍ وَلَا كَيْلًا بِكَيْلٍ وَلَا رَطْبٌ بِرَطْبٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ وَلَا كَيْلًا بِكَيْلٍ كما وَصَفْت في الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَمِثْلُهُ كُلُّ فَاكِهَةٍ يَأْكُلُهَا الْآدَمِيُّونَ فَلَا يَجُوزُ رَطْبٌ بِيَابِسٍ من صِنْفِهَا وَلَا رَطْبٌ بِرَطْبٍ من صِنْفِهَا لِمَا وَصَفْته من الِاسْتِدْلَالِ بِالسُّنَّةِ - * بَابُ ما جاء في بَيْعِ اللَّحْمِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَكَذَا اللَّحْمُ لَا يَجُوزُ منه بَيْعُ لَحْمٍ ضَائِنٍ بِلَحْمٍ ضَائِنٍ رَطْلًا بِرَطْلٍ أَحَدُهُمَا يَابِسٌ وَالْآخَرُ رَطْبٌ وَلَا كِلَاهُمَا رَطْبٌ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ اللَّحْمُ يَنْقُصُ نُقْصَانًا وَاحِدًا لِاخْتِلَافِ خِلْقَتِهِ وَمَرَاعِيهِ التي يَغْتَذِي منها لحمة فَيَكُونُ منها الرَّخْصُ الذي يَنْقُصُ إذَا يَبِسَ نُقْصَانًا كَثِيرًا وَالْغَلِيظُ الذي يَقِلُّ نَقْصُهُ ثُمَّ يَخْتَلِفُ غِلَظُهُمَا بِاخْتِلَافِ خِلْقَتِهِ وَرُخْصُهُمَا بِاخْتِلَافِ خِلْقَتِهِ فَلَا يَجُوزُ لَحْمٌ أَبَدًا إلَّا يَابِسًا قد بَلَغَ إنَاهُ بِيُبْسِهِ وَزْنًا بِوَزْنٍ من صِنْفٍ وَاحِدٍ كَالتَّمْرِ كَيْلًا بِكَيْلٍ من صِنْفٍ وَاحِدٍ وَيَدًا بِيَدٍ وَلَا يَفْتَرِقَانِ حتى يَتَقَابَضَا فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ يَخْتَلِفُ الْوَزْنُ وَالْكَيْلُ فِيمَا بِيعَ يَابِسًا قِيلَ يَجْتَمِعَانِ وَيَخْتَلِفَانِ فَإِنْ قِيلَ قد عَرَفْنَا حَيْثُ يَجْتَمِعَانِ فَأَيْنَ يَخْتَلِفَانِ قِيلَ التَّمْرُ إذَا وَقَعَ عليه اسْمُ الْيُبْسِ ولم يَبْلُغْ إنَاهُ بِيُبْسِهِ فَبِيعَ كَيْلًا بِكَيْلٍ لم يَنْقُصْ في الْكَيْلِ شيئا وإذا تُرِكَ زَمَانًا نَقَصَ في الْوَزْنِ لِأَنَّ الْجُفُوفَ كُلَّمَا زَادَ فيه كان أَنْقَصَ لِوَزْنِهِ حتى يَتَنَاهَى قال وما بِيعَ وَزْنًا فَإِنَّمَا قُلْت في اللَّحْمِ لَا يُبَاعُ حتى يَتَنَاهَى جُفُوفُهُ لِأَنَّهُ قد يَدْخُلُهُ اللَّحْمُ بِاللَّحْمِ مُتَفَاضِلَ الْوَزْنِ أو مَجْهُولًا وَإِنْ كان بِبِلَادٍ
____________________

(3/25)


نَدِيَّةٍ فَكَانَ إذَا يَبِسَ ثُمَّ أَصَابَهُ النَّدَى رَطِبَ حتى يَثْقُلَ لم يُبَعْ وَزْنًا بِوَزْنٍ رَطْبًا من نَدًى حتى يَعُودَ إلَى الْجُفُوفِ وَحَالُهُ إذَا حَدَثَ النَّدَى فَزَادَ في وَزْنِهِ كَحَالِهِ الْأُولَى وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ حتى يَتَنَاهَى جُفُوفُهُ كما لم يَجُزْ في الِابْتِدَاءِ وَالْقَوْلُ في اللَّحْمَانِ الْمُخْتَلِفَةِ وَاحِدٌ من قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ لَحْمَ الْغَنَمِ صِنْفٌ وَلَحْمَ الابل صِنْفٌ وَلَحْمَ الْبَقَرِ صِنْفٌ وَلَحْمَ الظِّبَاءِ صِنْفٌ وَلَحْمَ كل ما تَفَرَّقَتْ بِهِ أَسْمَاءُ دُونَ الْأَسْمَاءِ الْجَامِعَةِ صِنْفٌ فَيُقَالُ كُلُّهُ حَيَوَانٌ وَكُلُّهُ دَوَابُّ وَكُلُّهُ من بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَهَذَا جِمَاعُ أَسْمَائِهِ كُلِّهِ ثُمَّ تَفَرَّقَ اسماؤه فَيُقَالُ لَحْمُ غَنَمٍ وَلَحْمُ إبِلٍ وَلَحْمُ بَقَرٍ وَيُقَالُ لَحْمُ ظِبَاءَ وَلَحْمُ أَرَانِبَ وَلَحْمُ يَرَابِيعَ وَلَحْمُ ضِبَاعٍ وَلَحْمُ ثَعَالِبَ ثُمَّ يُقَالُ في الطَّيْرِ هَكَذَا لَحْمُ كَرَاكِي وَلَحْمُ حُبَارَيَاتٍ وَلَحْمُ حَجْلٍ وَلَحْمُ يعاقيب وَكَمَا يُقَالُ طَعَامٌ ثُمَّ يُقَالُ حِنْطَةٌ وَذُرَةٌ وَشَعِيرٌ وَأُرْزٌ وَهَذَا قَوْلٌ يَصِحُّ وَيَنْقَاسُ فَمَنْ قال هذا قال الْغَنَمُ صِنْفٌ ضانها وَمَعْزَاهَا وَصِغَارُ ذلك وَكِبَارُهُ وَإِنَاثُهُ وَفُحُولُهُ وَحُكْمُهَا أنها تَكُونُ مِثْلَ الْبُرِّ الْمُتَفَاضِلِ صِنْفًا وَالتَّمْرِ الْمُتَبَايِنِ الْمُتَفَاضِلِ صِنْفًا فَلَا يُبَاعُ منه يَابِسٌ مُنْتَهَى الْيُبْسِ بِيَابِسٍ مِثْلِهِ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ يَدًا بِيَدٍ وإذا اختلف بيع لحم الغنم بلحم البقر يابس برطب ورطب برطب وزنا بوزن ووزنا منه بثلاثة أمثاله يدا بيد ولا خير فيه نسيئة وذلك أنه لا ربا في الفضل في بعضه على بعض يدا بيد وإنما الربا فيه بنسيئة وإذا جَازَ الْفَضْلُ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ لم يَكُنْ لِلْوَزْنِ مَعْنًى إلَّا أَنْ يَعْرِفَ الْمُتَبَايِعَانِ ما اشْتَرَيَا وَبَاعَا وَلَا بَأْسَ بِهِ جُزَافًا وَكَيْفَ شَاءَ ما لم يَدْخُلْهُ نَسِيئَةٌ كما قُلْنَا في التَّمْرِ بِالزَّبِيبِ وَالْحِنْطَةِ بِالذُّرَةِ وَلَا يَخْتَلِفُ ذلك ثُمَّ هَكَذَا الْقَوْلُ في لَحْمِ الْأَنِيسِ وَالْوَحْشِ كُلِّهِ فَلَا خَيْرَ في لَحْمِ طَيْرٍ بِلَحْمِ طَيْرٍ إلَّا أَنْ يَيْبَسَ مُنْتَهَى الْيُبْسِ وَزْنًا بِوَزْنٍ يَدًا بِيَدٍ كما قُلْنَا في لَحْمِ الْغَنَمِ وَلَا باس بِلَحْمِ ظَبْيٍ بِلَحْمِ أَرْنَبٍ رَطْبًا بِرَطْبٍ وَيَابِسًا بِيَابِسٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَبِأَكْثَرَ وَزْنًا بِجُزَافٍ وَجُزَافًا بِجُزَافٍ لِاخْتِلَافِ الصِّنْفَيْنِ وَهَكَذَا الْحِيتَانِ كُلُّهُ لَا يَجُوزُ فيه أَنْ أَقُولَ هو صِنْفٌ لِأَنَّهُ سَاكِنُ الْمَاءِ وَلَوْ زَعَمْته زَعَمْت أَنَّ سَاكِنَ الْأَرْضِ كُلَّهُ صِنْفٌ وَحْشِيُّهُ وأنسيه أو كان أَقَلَّ ما يَلْزَمُنِي أَنْ أَقُولَ ذلك في وَحْشِيِّهِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ اسْمُ الصَّيْدِ فإذا اخْتَلَفَ الْحَيَوَانُ فَكُلُّ ما تَمْلِكُهُ وَيَصِيرُ لَك فَلَا بَأْسَ بِرَطْلٍ من أَحَدِهِمَا بِأَرْطَالٍ من الْآخَرِ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فيه نَسِيئَةً وَلَا بَأْسَ فيه يَدًا بِيَدٍ وَجُزَافًا بِجُزَافٍ وَجُزَافًا بِوَزْنٍ وَلَا خَيْرَ في رَطْلِ لَحْمِ حُوتٍ تَمْلِكُهُ رطب ( ( ( رطبا ) ) ) بِرَطْلِ لَحْمٍ تَمْلِكُهُ رطب ( ( ( رطبا ) ) ) وَلَا أَحَدُهُمَا رَطْبٌ وَالْآخَرُ يَابِسٌ وَلَا خَيْرَ فيه حتى يُمَلَّحَ وَيُجَفَّفَ وَيَنْتَهِي نُقْصَانُهُ وَجُفُوفُ ما كَثُرَ لَحْمُهُ منه أَنْ يُمَلَّحَ وَيَسِيلَ مَاؤُهُ فَذَلِكَ انْتِهَاءُ جُفُوفِهِ فإذا انْتَهَى بِيعَ رَطْلًا بِرَطْلٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ يَدًا بِيَدٍ من صِنْفٍ فإذا اخْتَلَفَ فَلَا بَأْسَ بِالْفَضْلِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فيه نَسِيئَةً وما رَقَّ لَحْمُهُ من الْحِيتَانِ إذَا وُضِعَ جَفَّ جُفُوفًا شَدِيدًا فَلَا خَيْرَ في ذلك حتى يَبْلُغَ إبَّانَهُ من الْجُفُوفِ وَيُبَاعُ الصِّنْفُ منه بمثله وَزْنًا بِوَزْنٍ يَدًا بِيَدٍ وإذا اخْتَلَفَ فَالْقَوْلُ فيه كما وَصَفْت قَبْلَهُ يُبَاعُ رَطْبًا جُزَافًا بِرَطْبٍ جُزَافٍ وَيَابِسٍ جُزَافٍ وَمُتَفَاضِلٍ في الْوَزْنِ فَعَلَى هذا هذا الْبَابُ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ لَا يَخْتَلِفُ وَالْقَوْلُ الثَّانِي في هذا الْوَجْهِ أَنْ يُقَالَ اللَّحْمُ كُلُّهُ صِنْفٌ كما أَنَّ التَّمْرَ كُلَّهُ صِنْفٌ وَمَنْ قال هذا لَزِمَهُ عِنْدِي أَنْ يَقُولَ في الْحِيتَانِ لِأَنَّ اسْمَ اللَّحْمِ جَامِعٌ لِهَذَا الْقَوْلِ وَمَنْ ذَهَبَ هذا الْمَذْهَبَ لَزِمَهُ إذَا أَخَذَهُ بِجِمَاعِ اللَّحْمِ أَنْ يَقُولَ هذا كَجِمَاعِ الثَّمَرِ يَجْعَلُ الزَّبِيبَ وَالتَّمْرَ وَغَيْرَهُ من الثِّمَارِ صِنْفًا وَهَذَا مِمَّا لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَهُ عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فَإِنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ حَالِفًا لو حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ لَحْمًا حَنِثَ بِلَحْمِ الْإِبِلِ حِنْثَهُ بِلَحْمِ الْغَنَمِ فَكَذَلِكَ لو حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ ثَمَرًا حَنِثَ بِالزَّبِيبِ حِنْثَهُ بِالتَّمْرِ وَحِنْثَهُ بِالْفِرْسِكِ وَلَيْسَ الْأَيْمَانُ من هذا بِسَبِيلِ الْأَيْمَانِ على الْأَسْمَاءِ وَالْبُيُوعِ على الْأَصْنَافِ وَالْأَسْمَاءُ الْخَاصَّةُ دُونَ الْأَسْمَاءِ الْجَامِعَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
____________________

(3/26)


- * بَابُ ما يَكُونُ رَطْبًا أَبَدًا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ الصِّنْفُ من الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ الذي يَكُونُ رَطْبًا أَبَدًا إذَا تُرِكَ لم يَيْبَسْ مِثْلُ الزَّيْتِ وَالسَّمْنِ وَالشَّيْرَجِ وَالْأَدْهَانِ وَاللَّبَنِ وَالْخَلِّ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَا يَنْتَهِي بِيُبْسٍ في مُدَّةٍ جَاءَتْ عليه أَبَدًا إلَّا أَنْ يَبْرُدَ فَيَجْمُدَ بَعْضُهُ ثُمَّ يَعُودُ ذَائِبًا كما كان أو بِأَنْ يَنْقَلِبَ بِأَنْ يُعْقَدَ على نَارٍ أو يُحْمَلَ عليه يَابِسٌ فَيَصِيرُ هذا يَابِسًا بِغَيْرِهِ وَعَقْدِ نَارٍ فَهَذَا الصِّنْفُ خَارِجٌ من مَعْنَى ما يَكُونُ رَطْبًا بِمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ رُطُوبَةَ ما يَبِسَ من التَّمْرِ رُطُوبَةٌ في شَيْءٍ خُلِقَ مُسْتَجْسَدًا إنَّمَا هو رُطُوبَةٌ طَرَاءَةً كَطَرَاءَةِ اغْتِذَائِهِ في شَجَرِهِ وَأَرْضِهِ فإذا زَايَلَ مَوْضِعَ الِاغْتِذَاءِ من مَنْبَتِهِ عَادَ إلَى الْيُبْسِ وما وَصَفْت رُطُوبَةً مُخْرَجَةً من إنَاثِ الْحَيَوَانِ أو ثَمَرِ شَجَرٍ أو زَرْعٍ قد زَايَلَ الشَّجَرَ وَالزَّرْعَ الذي هو لَا يَنْقُصُ بِمُزَايَلَةِ الْأَصْلِ الذي هو فيه نَفْسُهُ وَلَا يَجِفُّ بِهِ بَلْ يَكُونُ ما هو فيه رَطْبًا من طِبَاعِ رُطُوبَتِهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَعُودُ يَابِسًا كما يَعُودُ غَيْرُهُ إذَا تُرِكَ مُدَّةً إلَّا بِمَا وَصَفْت من أَنْ يُصْرَفَ بِإِدْخَالِ غَيْرِهِ عليه بِخَلْطِهِ وَإِدْخَالِ عَقْدِ النَّارِ على ما يُعْقَدُ منه فلما خَالَفَهُ بِأَنْ لم تَكُنْ فيه الرُّطُوبَةُ التي رُطُوبَتُهُ تُفْضِي إلَى جُفُوفِهِ إذَا تُرِكَ بِلَا عَمَلِ الْآدَمِيِّينَ لم يَجُزْ أَنْ نَقِيسَهُ عليه وَجَعَلْنَا حُكْمَ رُطُوبَتِهِ حُكْمَ جُفُوفِهِ لِأَنَّا كَذَلِكَ نَجِدُهُ في كل أَحْوَالِهِ لَا مُنْتَقِلًا إلَّا بِنَقْلِ غَيْرِهِ فَقُلْنَا لَا بَأْسَ بِلَبَنٍ حَلِيبٍ بِلَبَنٍ حَامِضٍ وَكَيْفَمَا كان بِلَبَنٍ كَيْفَمَا كان حَلِيبًا أو رَائِبًا أو حَامِضًا وَلَا حَامِضَ بِحَلِيبٍ وَلَا حَلِيبَ بِرَائِبٍ ما لم يَخْلِطْهُ مَاءٌ فإذا خَلَطَهُ مَاءٌ فَلَا خَيْرَ فيه إذَا خَلَطَ الْمَاءُ أَحَدَ اللَّبَنَيْنِ أو كلاهما ( ( ( كليهما ) ) ) لِأَنَّ الْمَاءَ غِشٌّ لَا يَتَمَيَّزُ فَلَوْ أَجَزْنَاهُ أَجَزْنَا الْغَرَرَ وَلَوْ تَرَاضَيَا بِهِ لم يَجُزْ من قِبَلِ أَنَّهُ مَاءٌ وَلَبَنٌ مُخْتَلَطَانِ لَا تُعْرَفُ حِصَّةُ الْمَاءِ من اللَّبَنِ فَنَكُونُ أَجَزْنَا اللَّبَنَ بِاللَّبَنِ مَجْهُولًا أو مُتَفَاضِلًا أو جَامِعًا لَهُمَا وما كان يَحْرُمُ الْفَضْلُ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ لم يَجُزْ أَنْ يُبْتَاعَ إلَّا مَعْلُومًا كُلَّهُ كَيْلًا بِكَيْلٍ أو وَزْنًا بِوَزْنٍ فَجِمَاعُ عِلْمِ بَيْعِ اللَّبَنِ بِاللَّبَنِ أَنَّهُ يَجُوزُ كَيْفَمَا كان اللَّبَنُ بِاللَّبَنِ لم يَخْلِطْ وَاحِدًا مِنْهُمَا مَاءٌ وَيُرَدَّانِ خَلَطَهُمَا مَاءٌ أو وَاحِدًا مِنْهُمَا وَلَا يَجُوزُ إذَا كان اللَّبَنُ صِنْفًا وَاحِدًا إلَّا يَدًا بِيَدٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ كَيْلًا بِكَيْلٍ وَالصِّنْفُ الْوَاحِدُ لَبَنُ الْغَنَمِ ما عزه وَضَائِنُهُ وَالصِّنْفُ الذي يُخَالِفُهُ الْبَقَرُ دِرْبَانِيُّهُ وعربية وَجَوَامِيسُهُ وَالصِّنْفُ الْوَاحِدُ الذي يُخَالِفُهُمَا مَعًا لَبَنُ الْإِبِلِ أَوَارِكُهَا وَغَوَادِيهَا وَمُهْرِيُّهَا وَبُخْتُهَا وَعِرَابُهَا وَأَرَاهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ جَائِزٌ أَنْ يُبَاعَ لَبَنُ الْغَنَمِ بِلَبَنِ الْبَقَرِ وَلَبَنُ الْبَقَرِ بِلَبَنِ الْإِبِلِ لِأَنَّهَا مُخْتَلِفَةٌ مُتَفَاضِلًا وَمُسْتَوِيًا وَجُزَافًا وَكَيْفَ ما شَاءَ الْمُتَبَايِعَانِ يَدًا بِيَدٍ لَا خَيْرَ في وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ نَسِيئَةً وَلَا خَيْرَ في لَبَنٍ مَغْلِيٍّ بِلَبَنٍ على وَجْهِهِ لِأَنَّ الْإِغْلَاءَ يَنْقُصُ اللَّبَنَ وَلَا خَيْرَ في لَبَنِ غَنَمٍ بِأَقِطِ غَنَمٍ من قِبَلِ أَنَّ الْأَقِطَ لَبَنٌ مَعْقُودٌ فإذا بِعْت اللَّبَنَ بِالْأَقِطِ أَجَزْت اللَّبَنَ بِاللَّبَنِ مَجْهُولًا وَمُتَفَاضِلًا أو جَمَعْتهمَا مَعًا فإذا اخْتَلَفَ اللَّبَنُ وَالْأَقِطُ فَلَا بَأْسَ بِلَبَنِ إبِلٍ بِأَقِطِ غَنَمٍ وَلَبَنِ بَقَرٍ بِأَقِطِ غَنَمٍ لِمَا وَصَفْت من اخْتِلَافِ اللَّبَنَيْنِ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فيه نَسِيئَةً قال وَلَا أُحِبُّ أَنْ يَشْتَرِيَ زُبْدًا من غَنَمٍ بِلَبْنِ غَنَمٍ لِأَنَّ الزُّبْدَ شَيْءٌ من اللَّبَنِ وَهُمَا مَأْكُولَانِ في حالهما ( ( ( حالها ) ) ) التي يَتَبَايَعَانِ فيها وَلَا خَيْرَ في سَمْنِ غَنَمٍ بِزُبْدِ غَنَمٍ بِحَالٍ لِأَنَّ السَّمْنَ من الزُّبْدِ بِيعَ مُتَفَاضِلًا أو مَجْهُولًا وَهُمَا مَكِيلَانِ أو مَوْزُونَانِ في الْحَالِ التي يَتَبَايَعَانِ وَمِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ وإذا اخْتَلَفَ الزُّبْدُ وَالسَّمْنُ فَكَانَ زُبْدُ غَنَمٍ بِزُبْدِ بَقَرٍ أو سَمْنُ غَنَمٍ بِزُبْدِ بَقَرٍ فَلَا باس لِاخْتِلَافِهِمَا بِأَنْ يُبَاعَا كَيْفَ شَاءَ الْمُتَبَايِعَانِ إذَا تَقَابَضَا قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا قال وَلَا بَأْسَ بِلَبَنٍ بِشَاةٍ يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً إذَا كان أَحَدُهُمَا نَقْدًا وَالدَّيْنُ مِنْهُمَا مَوْصُوفًا قال وَإِنْ كانت الشَّاةُ لَبُونًا وكان اللَّبَنُ لَبَنَ غَنَمٍ وفي الشَّاةِ حين تَبَايَعَا لَبَنٌ ظَاهِرٌ يَقْدِرُ على حَلْبِهِ في سَاعَتِهِ
____________________

(3/27)


تِلْكَ فَلَا خَيْرَ في الشِّرَاءِ من قِبَلِ أَنَّ في الشَّاةِ لَبَنًا لَا أَدْرِي كَمْ حِصَّتُهُ من اللَّبَنِ الذي اشْتَرَيْت بِهِ نَقْدًا وَإِنْ كان اللَّبَنُ نَسِيئَةً فَهُوَ أَفْسَدُ لِلْبَيْعِ فَإِنْ قال قَائِلٌ وَكَيْفَ جَعَلْتَ لِلَّبَنِ وهو مَغِيبٌ حِصَّةً من الثَّمَنِ قِيلَ فإن رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم جَعَلَ لِلَّبَنِ الْمُصَرَّاةِ حِصَّةً من الثَّمَنِ وَإِنَّمَا اللَّبَنُ في الضُّرُوعِ كَاللَّوْزِ وَالْجَوْزِ الرَّائِعِ في قِشْرِهِ فَيَسْتَخْرِجُهُ صَاحِبُهُ إذَا شَاءَ وَلَيْسَ كَمَوْلُودٍ لَا يَقْدِرُ آدَمِيٌّ على إخْرَاجِهِ وَلَا ثَمَرَةٍ لَا يَقْدِرُ آدَمِيٌّ على إخْرَاجِهَا فَإِنْ قال قَائِلٌ كَيْفَ أَجَزْت لَبَنَ الشَّاةِ بِالشَّاةِ وقد يَكُونُ منها اللَّبَنُ قال فَيُقَالُ إنَّ الشَّاةَ نَفْسَهَا لَا رِبَا فيها لِأَنَّهَا من الْحَيَوَانِ وَلَيْسَ بِمَأْكُولٍ في حَالِهِ التي يُبَاعُ فيها إنَّمَا تُؤْكَلُ بَعْدَ الذَّبْحِ وَالسَّلْخِ وَالطَّبْخِ وَالتَّجْفِيفِ فَلَا تُنْسَبُ الْغَنَمُ إلَى أَنْ تَكُونَ مَأْكُولَةً إنَّمَا تُنْسَبُ إلَى أنها حَيَوَانٌ قال وَالْآدَامُ كُلُّهَا سَوَاءٌ السَّمْنُ وَاللَّبَنُ وَالشَّيْرَجُ وَالزَّيْتُ وَغَيْرُهُ لَا يَحِلُّ الْفَضْلُ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ إذَا كان من صِنْفٍ وَاحِدٍ فَزَيْتُ الزَّيْتُونِ صِنْفٌ وَزَيْتُ الْفُجْلِ صِنْفٌ غَيْرُهُ وَدُهْنُ كل شَجَرَةٍ تُؤْكَلُ أو تُشْرَبُ بَعْدَ الذي وَصَفْت وَاحِدٌ لَا يَحِلُّ في شَيْءٍ منه الْفَضْلُ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وإذا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ منه حَلَّ الْفَضْلُ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ ولم يَجُزْ نَسِيئَةً وَلَا بَأْسَ بِدُهْنِ الْحَبِّ الْأَخْضَرِ بِدُهْنِ الشَّيْرَجِ مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فيه نَسِيئَةً قال وَالْأَدْهَانُ التي تُشْرَبُ لِلدَّوَاءِ عِنْدِي في هذه الصِّفَةِ دُهْنُ الْخِرْوَعِ وَدُهْنُ اللَّوْزِ الْمُرِّ وَغَيْرِهِ من الْأَدْهَانِ وما كان من الْأَدْهَانِ لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ بِحَالٍ فَهُوَ خَارِجٌ من حَدِّ الرِّبَا وهو في مَعْنَى غَيْرِ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ لَا رِبَا في بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً وَيَحِلُّ أَنْ يُبَاعَ إذَا كانت فيه مَنْفَعَةٌ ولم يَكُنْ مُحَرَّمًا فَأَمَّا ما فيه سُمٌّ أو غَيْرُهُ فَلَا خَيْرَ في شِرَائِهِ وَلَا بَيْعِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ يُوضَعُ من ظَاهِرٍ فَيَبْرَأُ فَلَا يُخَافُ منه التَّلَفُ فَيُشْتَرَى لِلْمَنْفَعَةِ فيه قال وَكُلُّ ما لم يَجُزْ أَنْ يُبْتَاعَ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَكِيلًا بِكَيْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ فَالْقَسْمُ فيه كَالْبَيْعِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَسَّمَ ثَمَرُ نَخْلٍ في شَجَرِهِ رَطْبًا وَلَا يَابِسًا وَلَا عِنَبُ كَرْمٍ وَلَا حَبُّ حِنْطَةٍ في سنبلة وَلَا غَيْرُهُ مِمَّا الْفَضْلُ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ الرِّبَا وَكَذَلِكَ لَا يُشْتَرَى بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَلَا يُبَادَلُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ لِأَنَّ هذا كُلَّهُ في مَعْنَى الشِّرَاءِ قال وَكَذَلِكَ لَا يَقْتَسِمَانِ طَعَامًا مَوْضُوعًا بِالْأَرْضِ بِالْحَزْرِ حتى يَقْتَسِمَاهُ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ لَا يَجُوزُ فيه غَيْرُ ذلك بِحَالٍ وَلَسْت أَنْظُرُ في ذلك إلَى حَاجَةِ رَجُلٍ إلَى ثَمَرٍ رَطْبٍ لِأَنِّي لو أَجَزْته رَطْبًا لِلْحَاجَةِ أَجَزْته يَابِسًا لِلْحَاجَةِ وَبِالْأَرْضِ لِلْحَاجَةِ وَمَنْ احْتَاجَ إلَى قَسْمِ شَيْءٍ لم يَحْلُلْ له بِالْحَاجَةِ ما لَا يَحِلُّ له في أَصْلِهِ وَلَيْسَ يَحِلُّ بِالْحَاجَةِ مُحَرَّمٌ إلَّا في الضَّرُورَاتِ من خَوْفِ تَلَفِ النَّفْسِ فَأَمَّا غَيْرُ ذلك فَلَا أَعْلَمُهُ يَحِلُّ لِحَاجَةٍ وَالْحَاجَةُ فيه وَغَيْرُ الْحَاجَةِ سَوَاءٌ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَكَيْفَ أَجَزْت الْخَرْصَ في الْعِنَبِ وَالنَّخْلِ ثُمَّ تُؤْخَذُ صَدَقَتُهُ كَيْلًا وَلَا تُجِيزُ أَنْ يُقَسَّمَ بِالْخَرْصِ قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِافْتِرَاقِ ما تُؤْخَذُ بِهِ الصَّدَقَاتُ وَالْبُيُوعُ وَالْقَسْمُ فَإِنْ قال فَافْرُقْ بين الصَّدَقَاتِ وَغَيْرِهَا قُلْت أَرَأَيْت رَجُلَيْنِ بَيْنَهُمَا ثَمَرُ حَائِطٍ لِأَحَدِهِمَا عشرة وَالْآخَرُ تِسْعَةُ أَعْشَارِهِ فَأَرَادَ صَاحِبُ الْعُشْرِ أَنْ يَأْخُذَ عُشْرَهُ من وَسَطِ الطَّعَامِ أو أَعْلَاهُ أو أَرْدَئِهِ أَيَكُونُ له ذلك فَإِنْ قال لَا وَلَكِنَّهُ شَرِيكٌ في كل شَيْءٍ منه رَدِيءٌ أو جَيِّدٌ بِالْقَسَمِ قُلْنَا فالجعرور وَمُصْرَانُ الْفَأْرَةِ فَإِنْ قال نعم قِيلَ فَالْمُصَدِّقُ لَا يَأْخُذُ الجعرور وَلَا مُصْرَانَ الْفَأْرَةِ وَيَكُونُ له أَنْ يَأْخُذَ وَسَطَ التَّمْرِ وَلَا يَكُونُ له أَنْ يَأْخُذَ الصَّدَقَةَ خَرْصًا إنَّمَا يَأْخُذُهَا كَيْلًا وَالْمُقْتَسِمَانِ يَأْخُذَانِ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَرْصًا فَيَأْخُذُ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِمَّا يَأْخُذُ الْآخَرُ وَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَجْهُولَ الْكَيْلِ أو رَأَيْت لو كان بين رَجُلَيْنِ غَنَمٌ لِأَحَدِهِمَا رُبْعُ عُشْرِهَا وَكَانَتْ منها تِسْعٌ وَثَلَاثُونَ لَبُونًا وَشَاةٌ ثَنِيَّةٌ
____________________

(3/28)


أَكَانَ على صَاحِبِ رُبْعِ الْعُشْرِ إنْ أَرَادَ الْقَسْمَ أَنْ يَأْخُذَ شَاةً ثَنِيَّةً قِيمَتُهَا أَقَلُّ من قِيمَةِ نِصْفِ شَاةٍ من اللَّبَنِ فَإِنْ قال لَا قِيلَ فَهَذَا على الْمُصَدِّقِ أو رَأَيْت لو كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَالْغَنَمُ كُلُّهَا أو أَكْثَرُهَا دُونَ الثَّنِيَّةِ وَفِيهَا شَاةٌ ثَنِيَّةٌ أَيَأْخُذُهَا فَإِنْ قال لَا يَأْخُذُ إلَّا شَاةً بِقِيمَةٍ وَيَكُونُ شَرِيكًا في مُنْخَفِضِ الْغَنَمِ وَمُرْتَفِعِهِ قِيلَ فَالْمُصَدِّقُ يَأْخُذُهَا وَلَا يُقَاسَ بِالصَّدَقَةِ شَيْءٌ من الْبُيُوعِ وَلَا الْقَسْمِ الْمُقَاسِمُ شَرِيكٌ في كل شَيْءٍ مِمَّا يُقَاسَمُ أَبَدًا إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُكَالُ من صِنْفٍ وَاحِدٍ أو بِقِيمَتِهِ إذَا اخْتَلَفَ الْأَصْنَافُ مِمَّا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ وَيَكُونُ شَرِيكًا فِيمَا يُكَالُ أو يُوزَنُ بِقَدْرِ حَقِّهِ مِمَّا قَلَّ منه أو كَثُرَ وَلَا يُقَسِّمُ الرَّجُلَانِ الثَّمَرَةَ بَلَحًا وَلَا طَلْعًا وَلَا بُسْرًا وَرُطَبًا وَلَا تَمْرًا بِحَالٍ فَإِنْ فَعَلَا فَفَاتَتْ طَلْعًا أو بُسْرًا أو بَلَحًا فَعَلَى كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِيمَةُ ما اسْتَهْلَكَ يَرُدُّهُ وَيَقْتَسِمَانِهِ قال وَهَكَذَا كُلُّ قَسْمٍ فَاسِدٍ يَرْجِعُ على من اسْتَهْلَكَهُ بِمِثْلِ ما كان له مِثْلٌ وَقِيمَةٌ ما لم يَكُنْ له مِثْلٌ قال وَلَوْ كانت بين رَجُلَيْنِ نَخْلٌ مُثْمِرَةٌ فَدَعَوَا إلَى اقْتِسَامِهَا قِيلَ لَهُمَا إنْ شِئْتُمَا قَسَمْنَا بَيْنَكُمَا بِالْكَيْلِ قال وَالْبَقْلُ الْمَأْكُولُ كُلُّهُ سَوَاءٌ لَا يَجُوزُ الْفَضْلُ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ رَجُلٌ رَجُلًا رَكِيبَ هِنْدِبًا بِرَكِيبِ هِنْدِبًا وَلَا بِأَكْثَرَ وَلَا يَصْلُحُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَكِنْ رَكِيبُ هِنْدِبًا بِرَكِيبِ جِرْجِيرٍ وَرَكِيبُ جِرْجِيرٍ بِرَكِيبِ سَلْقٍ وَرَكِيبُ سَلْقٍ بِرَكِيبِ كُرَّاثٍ وَرَكِيبُ كُرَّاثٍ بِرَكِيبِ جِرْجِيرٍ إذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ فَلَا بَأْسَ بِالْفَضْلِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فيه نَسِيئَةً وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ منه شَيْءٌ إلَّا يجز ( ( ( بجز ) ) ) مَكَانِهِ فَأَمَّا أَنْ يُبَاعَ على أَنْ يُتْرَكَ مُدَّةً يَطُولُ في مِثْلِهَا فَلَا خَيْرَ فيه من قِبَلِ أَنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ الْمَبِيعُ منه من الْحَادِثِ الذي لم يُبَعْ وَلَا يُبَاعُ إلَّا جِزَّةً جِزَّةً عِنْدَ جِزَازِهَا كما قُلْنَا في الْقَصَبِ - * بَابٌ الْآجَالُ في الصَّرْفِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا مَالِكُ بن أَنَسٍ عن بن شِهَابٍ عن مَالِكِ بن أَوْسِ بن الْحَدَثَانِ أَنَّهُ أخبره أَنَّهُ الْتَمَسَ صَرْفًا بِمِائَةِ دِينَارٍ قال فَدَعَانِي طَلْحَةُ بن عُبَيْدِ اللَّهِ فَتَرَاوَضْنَا حتى اصْطَرَفَ مِنِّي وَأَخَذَ الذَّهَبَ يُقَلِّبُهَا في يَدِهِ ثُمَّ قال حتى يَأْتِيَ خَازِنِي من الْغَابَةِ أو حتى تَأْتِيَ خَازِنَتِي من الْغَابَةِ وَعُمَرُ بن الْخَطَّابِ يَسْمَعُ فقال عُمَرُ لَا وَاَللَّهِ لَا تُفَارِقُهُ حتى تَأْخُذَ منه ثُمَّ قال قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) قَرَأْته على مَالِكٍ صَحِيحًا لَا شَكَّ فيه ثُمَّ طَالَ على الزَّمَانُ ولم أَحْفَظْ حِفْظًا فَشَكَكْت في خَازِنَتِي أو خَازِنِي وَغَيْرِي يقول عنه خَازِنِي ( أَخْبَرْنَا ) بن عُيَيْنَةَ عن بن شِهَابٍ عن مَالِكِ بن أَوْسِ بن الْحَدَثَانِ عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مِثْلُ مَعْنَى حديث مَالِكٍ وقال حتى يَأْتِيَ خَازِنِي من الْغَابَةِ فَحَفِظْته لَا شَكَّ فيه ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تَبِيعُوا بَعْضَهَا على بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تَبِيعُوا بَعْضَهَا على بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا منها غَائِبًا بِنَاجِزٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَحَدِيثُ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ وابي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَدُلَّانِ على مَعَانٍ منها تَحْرِيمُ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا يُبَاعُ منها غَائِبٌ بِنَاجِزٍ وَحَدِيثُ عُمَرَ يَزِيدُ على حديث أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ الذي حَرَّمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فما سُمِّيَ من الْمَأْكُولِ الْمَكِيلِ كَاَلَّذِي حَرُمَ في الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ سَوَاءٌ لَا يَخْتَلِفَانِ
____________________

(3/29)


وقد ذَكَرَ عُبَادَةُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مِثْلَ مَعْنَاهُمَا وَأَكْثَرَ وَأَوْضَحَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنَّمَا حَرَّمْنَا غير ما سَمَّى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من الْمَأْكُولِ وَالْمَكِيلِ لِأَنَّهُ في مَعْنَى ما سَمَّى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم منه وَكَذَلِكَ حَرَّمْنَا الْمَأْكُولَ وَالْمَوْزُونَ لِأَنَّ الْكَيْلَ في مَعْنَى الْوَزْنِ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مَعْلُومٌ عِنْدَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي بِمِثْلِ ما عُلِمَ بِالْكَيْلِ أو أَكْثَرَ لِأَنَّ الْوَزْنَ أَقْرَبُ من الْإِحَاطَةِ من الْكَيْلِ فَلَا يُوجَدُ في الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ مَعْنًى أَقْرَبُ من الْإِحَاطَةِ مِنْهُمَا فَاجْتَمَعَا على أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِمَا أَنْ يَكُونَا مَعْلُومَيْنِ وَأَنَّهُمَا مَأْكُولَانِ فَكَانَ الْوَزْنُ قِيَاسًا على الْكَيْلِ في مَعْنَاهُ وما أُكِلَ من الْكَيْلِ ولم يُسَمَّ قِيَاسًا على مَعْنَى ما سُمِّيَ من الطَّعَامِ في مَعْنَاهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) ولم يَجُزْ أَنْ يُقَاسَ الْوَزْنُ من الْمَأْكُولِ على الْوَزْنِ من الذَّهَبِ لِأَنَّ الذَّهَبَ غَيْرُ مَأْكُولٍ وَكَذَلِكَ الْوَرِقُ لو قِسْنَاهُ عليه وَتَرَكْنَا الْمَكِيلَ الْمَأْكُولَ قِسْنَا على أَبْعَدَ منه مِمَّا تَرَكْنَا أَنْ نَقِيسَهُ عليه وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُقَاسَ على الْأَبْعَدِ وَيُتْرَكَ الْأَقْرَبُ وَلَزِمَنَا أَنْ لَا نُسَلِّمَ دِينَارًا في مَوْزُونٍ من طَعَامٍ أَبَدًا وَلَا غَيْرِهِ كما لَا يَجُوزُ أَنْ نُسَلِّمَ دِينَارًا في مَوْزُونٍ من فِضَّةٍ وَلَا أَعْلَمُ الْمُسْلِمِينَ اخْتَلَفُوا في أَنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ يُسَلَّمَانِ في كل شَيْءٍ إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يُسَلَّمُ في الْآخَرِ لَا ذَهَبَ في ذَهَبٍ وَلَا وَرِقَ في وَرِقٍ إلَّا في الْفُلُوسِ فإن منهم من كَرِهَهُ - * بَابُ ما جاء في الصَّرْفِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَجُوزُ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَلَا الْوَرِقُ بِالْوَرِقِ وَلَا شَيْءٌ من الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ بِشَيْءٍ من صِنْفِهِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ إنْ كان مِمَّا يُوزَنُ فَوَزْنٌ بِوَزْنٍ وَإِنْ كان مِمَّا يُكَالُ فَكَيْلٌ بِكَيْلٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ شَيْءٌ وَأَصْلُهُ الْوَزْنُ بِشَيْءٍ من صِنْفِهِ كَيْلًا وَلَا شَيْءٌ أَصْلُهُ الْكَيْلُ بِشَيْءٍ من صِنْفِهِ
____________________

(3/30)


وَزْنًا لَا يُبَاعُ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ كَيْلًا لِأَنَّهُمَا قد يَمْلَآنِ مِكْيَالًا وَيَخْتَلِفَانِ في الْوَزْنِ أو يُجْهَلُ كَمْ وَزْنُ هذا من وَزْنِ هذا وَلَا التَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَزْنًا لِأَنَّهُمَا قد يَخْتَلِفَانِ إذَا كان وَزْنُهَا وَاحِدًا في الْكَيْلِ وَيَكُونَانِ مَجْهُولًا من الْكَيْلِ بِمَجْهُولٍ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يَتَفَرَّقَ الْمُتَبَايِعَانِ بِشَيْءٍ من هذه الْأَصْنَافِ من مَقَامِهِمَا الذي يَتَبَايَعَانِ فيه حتى يَتَقَابَضَا وَلَا يَبْقَى لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا قِبَلَ صَاحِبِهِ من الْبَيْعِ شَيْءٌ فَإِنْ بَقِيَ منه شَيْءٌ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ وَسَوَاءٌ كان الْمُشْتَرِي مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ أو كان وَكِيلًا لِغَيْرِهِ وَسَوَاءٌ تَرَكَهُ نَاسِيًا أو عَامِدًا في فَسَادِ الْبَيْعِ فإذا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ من هذا وكان ذَهَبًا بِوَرِقٍ أو تَمْرًا بِزَبِيبٍ أو حِنْطَةً بِشَعِيرٍ فَلَا بَأْسَ بِالْفَضْلِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ لَا يَفْتَرِقَانِ من مَقَامِهِمَا الذي تَبَايَعَا فيه حتى يَتَقَابَضَا فَإِنْ دخل في شَيْءٍ من هذا تَفَرُّقٌ قبل أَنْ يَتَقَابَضَا جَمِيعَ الْمَبِيعِ فَسَدَ الْبَيْعُ كُلُّهُ وَلَا بَأْسَ بِطُولِ مَقَامِهِمَا في مَجْلِسِهِمَا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَصْطَحِبَا من مَجْلِسِهِمَا إلَى غَيْرِهِ لِيُوَفِّيَهُ لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ لم يَفْتَرِقَا وَحَدُّ الْفُرْقَةِ أَنْ يَتَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا وَحَدُّ فَسَادِ الْبَيْعِ أَنْ يَتَفَرَّقَا قبل أَنْ يَتَقَابَضَا وَكُلُّ مَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ من هذا الصِّنْفِ قِيَاسًا عليه وَكُلَّمَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُبَاعَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ جُزَافًا لِأَنَّ أَصْلَ الْبَيْعِ إذَا كان حَلَالًا بِالْجُزَافِ وَكَانَتْ الزِّيَادَةُ إذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ حلالا ( ( ( حلال ) ) ) فَلَيْسَ في الْجُزَافِ مَعْنًى أَكْثَرُ من أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ من الْآخَرِ وَلَا يدري أَيُّهُمَا أَكْثَرُ فإذا عَمَدْت أَنْ لَا أُبَالِيَ أَيُّهُمَا كان أَكْثَرَ فَلَا بَأْسَ بِالْجُزَافِ في أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَلَا يَجُوزُ أَنْ يشتري ذَهَبٌ فيه حَشْوٌ وَلَا معه شَيْءٌ غَيْرُهُ بِالذَّهَبِ كان الذي معه قَلِيلًا أو كَثِيرًا لِأَنَّ أَصْلَ الذي نَذْهَبُ إلَيْهِ أَنَّ الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ مَجْهُولٌ أو مُتَفَاضِلٌ وهو حَرَامٌ من كل وَاحِدٍ من الْوَجْهَيْنِ وَهَكَذَا الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وإذا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يشتري أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ وَمَعَ الْآخَرِ شَيْءٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يشتري بِالذَّهَبِ فِضَّةٌ مَنْظُومَةٌ بِخَرَزٍ لِأَنَّ أَكْثَرَ ما في هذا أَنْ يَكُونَ التَّفَاضُلُ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالذَّهَبِ فِضَّةً مَنْظُومَةً بِحِرْزٍ لِأَنَّ أَكْثَرَ ما في هذا أَنْ يَكُونَ التَّفَاضُلُ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَلَا بَأْسَ بِالتَّفَاضُلِ فِيهِمَا وَكُلُّ وَاحِدٍ من الْمَبِيعَيْنِ بِحِصَّتِهِ من الثَّمَنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا صَرَفَ الرَّجُلُ الدِّينَارَ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا فَقَبَضَ تِسْعَةَ عَشَرَ ولم يَجِدْ دِرْهَمًا فَلَا خَيْرَ في أَنْ يَتَفَرَّقَا قبل أَنْ يَقْبِضَ الدِّرْهَمَ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ التِّسْعَةَ عَشَرَ بِحِصَّتِهَا من الدِّينَارِ وَيُنَاقِصَهُ بِحِصَّةِ الدِّرْهَمِ من الدِّينَارِ ثُمَّ إنْ شَاءَ أَنْ يَشْتَرِيَ منه بِفَضْلِ الدِّينَارِ مِمَّا شَاءَ وَيَتَقَابَضَا قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتْرُكَ فَضْلَ الدِّينَارِ عِنْدَهُ يَأْخُذُهُ مَتَى شَاءَ ( قال الرَّبِيعُ ) قال أبو يَعْقُوبَ الْبُوَيْطِيُّ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ الدِّينَارَ حَاضِرًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا صَرَفَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ أو دَنَانِيرَ بِدَرَاهِمَ فَوَجَدَ فيها دِرْهَمًا زَائِفًا فَإِنْ كان زَافَ من قِبَلِ السِّكَّةِ أو قُبْحِ الْفِضَّةِ فَلَا بَأْسَ على الْمُشْتَرِي أَنْ يَقْبَلَهُ وَلَهُ رَدُّهُ فَإِنْ رَدَّهُ رَدَّ الْبَيْعَ كُلَّهُ لِأَنَّهَا بَيْعَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ شَرَطَ عليه أَنَّ له رَدَّهُ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَذَلِكَ له شَرَطَهُ أو لم يَشْرِطْهُ وَإِنْ شَرَطَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ الصَّرْفَ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ إذَا عَقَدَ على هذا عُقْدَةَ الْبَيْعِ ( قال ) وَإِنْ كان زَافَ من قِبَلِ أَنَّهُ نُحَاسٌ أو شَيْءٌ غَيْرُ فِضَّةٍ فَلَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقْبَلَهُ من قِبَلِ أَنَّهُ غَيْرُ ما اشْتَرَى وَالْبَيْعُ مُنْتَقَضٌ بَيْنَهُمَا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَصْرِفَ الرَّجُلُ من الصَّرَّافِ دَرَاهِمَ فإذا قَبَضَهَا وَتَفَرَّقَا أَوْدَعَهُ إيَّاهَا وإذا صَرَفَ الرَّجُلُ شيئا لم يَكُنْ له أَنْ يُفَارِقَ من صَرَفَ منه حتى يَقْبِضَ منه وَلَا يُوَكِّلَ بِهِ غَيْرَهُ إلَّا أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ ثُمَّ يُوَكِّلُ هذا بِأَنْ يُصَارِفَهُ وَلَا بَأْسَ إذَا صَرَفَ منه وَتَقَابَضَا أَنْ يَذْهَبَا فَيَزِنَا الدَّرَاهِمَ وَكَذَلِكَ لَا بَأْسَ أَنْ يَذْهَبَ هو على الِانْفِرَادِ فَيَزِنُهَا وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ الدِّينَارَ عِنْدَ رَجُلٍ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ بَاعَهُ الدِّينَارَ بِدَرَاهِمَ وَقَبَضَهَا منه فَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْبِضَهُ منها بَعْدَ أَنْ يَقْبِضَهَا وإذا كان لِلرَّجُلِ عِنْدَ الرَّجُلِ دَنَانِيرُ وَدِيعَةً فَصَارَفَهُ فيها ولم يُقِرَّ الذي عِنْدَهُ الدَّنَانِيرُ أَنَّهُ اسْتَهْلَكَهَا حتى يَكُونَ ضَامِنًا وَلَا أنها في يَدِهِ حين صَارَفَهُ فيها فَلَا خَيْرَ في الصَّرْفِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَلَا حَاضِرٍ وقد
____________________

(3/31)


يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَلَكَ في ذلك الْوَقْتِ فَيَبْطُلُ الصَّرْفُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ عِنْدَ الرَّجُلِ رَهْنًا فَتَرَاضَيَا أَنْ يَفْسَخَ ذلك الرَّهْنَ وَيُعْطِيَهُ مَكَانَهُ غَيْرَهُ فَلَا بَأْسَ إنْ كان الرَّهْنُ دَنَانِيرَ فَأَعْطَاهُ مَكَانَهَا دَرَاهِمَ أو عَبْدًا فَأَعْطَاهُ مَكَانَهُ عَبْدًا آخَرَ غَيْرَهُ وَلَيْسَ في شَيْءٍ من هذا بَيْعٌ فَيُكْرَهُ فيه ما يُكْرَهُ في الْبُيُوعِ وَلَا نُحِبُّ مُبَايَعَةَ من أَكْثَرُ مَالِهِ الرِّبَا أو ثَمَنُ الْمُحَرَّمِ ما كان أو اكْتِسَابُ الْمَالِ من الْغَصْبِ وَالْمُحَرَّمِ كُلِّهِ وَإِنْ بَايَعَ رَجُلٌ رَجُلًا من هَؤُلَاءِ لم أَفْسَخْ الْبَيْعَ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ قد يَمْلِكُونَ حَلَالًا فَلَا يُفْسَخُ الْبَيْعُ وَلَا نُحَرِّمُ حَرَامًا بَيِّنًا إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ حَرَامًا يَعْرِفُهُ أو بِثَمَنٍ حَرَامٍ يَعْرِفُهُ وَسَوَاءٌ في هذا الْمُسْلِمُ والذمى والحربى الْحَرَامُ كُلُّهُ حَرَامٌ ( وقال ) لَا يُبَاعُ ذَهَبٌ بِذَهَبٍ مع أَحَدِ الذَّهَبَيْنِ شَيْءٌ غَيْرُ الذَّهَبِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُبَاعَ ذَهَبٌ وَثَوْبٌ بِدَرَاهِمَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا تَوَاعَدَ الرَّجُلَانِ الصَّرْفَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلَانِ الْفِضَّةَ ثُمَّ يُقِرَّانِهَا عِنْدَ أَحَدِهِمَا حتى يَتَبَايَعَاهَا وَيَصْنَعَا بها ما شَاءَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا الْفِضَّةَ ثُمَّ أَشْرَكَ فيها رَجُلًا آخَرَ وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِكُ ثُمَّ أَوْدَعَهَا إيَّاهُ بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَا بَأْسَ وَإِنْ قال أُشْرِكُك على أنها في يَدِي حتى نَبِيعَهَا لم يَجُزْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ بَاعَ رَجُلًا ثَوْبًا بِنِصْفِ دِينَارٍ ثُمَّ بَاعَهُ ثَوْبًا آخَرَ بِنِصْفِ دِينَارٍ حَالَّيْنِ أو إلَى أَجَلٍ وَاحِدٍ فَلَهُ عليه دِينَارٌ فَإِنْ شَرَطَ عليه عِنْدَ الْبَيْعَةِ الْآخِرَةِ أَنَّ له عليه دِينَارًا فَالشَّرْطُ جَائِزٌ وَإِنْ قال دِينَارًا لَا يُعْطِيهِ نِصْفَيْنِ وَلَكِنْ يُعْطِيهِ وَاحِدًا جَازَتْ الْبَيْعَةُ الْأُولَى ولم تَجُزْ الْبَيْعَةُ الثَّانِيَةُ وَإِنْ لم يَشْتَرِطْ هذا الشَّرْطَ ثُمَّ أَعْطَاهُ دِينَارًا وَافِيًا فَالْبَيْعُ جَائِزٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان بين الرَّجُلَيْنِ ذَهَبٌ مَصْنُوعٌ فَتَرَاضَيَا أَنْ يَشْتَرِيَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَ الْآخَرِ بِوَزْنِهِ أو مِثْلِ وَزْنِهِ ذَهَبًا يَتَقَابَضَانِهِ قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا فَلَا بَأْسَ وَمَنْ صَرَفَ من رَجُلٍ صَرْفًا فَلَا باس أَنْ يَقْبِضَ منه بَعْضَهُ وَيَدْفَعَ ما قَبَضَ منه إلَى غَيْرِهِ أو يَأْمُرَ الصَّرَّافَ أَنْ يَدْفَعَ بَاقِيَهُ إلَى غَيْرِهِ إذَا لم يَتَفَرَّقَا من مَقَامِهِمَا حتى يَقْبِضَا جَمِيعَ ما بَيْنَهُمَا أَرَأَيْت لو صَرَفَ منه دِينَارًا بِعِشْرِينَ وَقَبَضَ منه عَشْرَةً ثُمَّ قَبَضَ منه بَعْدَهَا عَشْرَةً قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا فَلَا باس بهذا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ اشْتَرَى من رَجُلٍ فِضَّةً بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ وَنِصْفٍ فَدَفَعَ إلَيْهِ سِتَّةً وقال خَمْسَةٌ وَنِصْفٌ بِاَلَّذِي عِنْدِي وَنِصْفٌ وَدِيعَةً فَلَا بَأْسَ بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا وَكَّلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ بِأَنْ يَصْرِفَ له شيئا أو يَبِيعَهُ فَبَاعَهُ من نَفْسِهِ بِأَكْثَرَ مِمَّا وَجَدَ أو مِثْلِهِ أو أَقَلَّ منه فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ مَعْقُولًا أَنَّ من وَكَّلَ رَجُلًا بِأَنْ يَبِيعَ له فلم يُوَكِّلْهُ بِأَنْ يَبِيعَ له من نَفْسِهِ كما لو قال له بِعْ هذا من فُلَانٍ فَبَاعَهُ من غَيْرِهِ لم يَجُزْ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ وَكَّلَهُ بِفُلَانٍ ولم يُوَكِّلْهُ بِغَيْرِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا صَرَفَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الدِّينَارَ بِعَشْرَةٍ فَوَزَنَ له عَشْرَةً وَنِصْفًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَهُ مَكَانَ النِّصْفِ نِصْفَ فِضَّةٍ إذَا كان في بَيْعِهِ غَيْرُ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ وَهَكَذَا لو بَاعَهُ ثَوْبًا بِنِصْفِ دِينَارٍ فَأَعْطَاهُ دِينَارًا وَأَعْطَاهُ صَاحِبُ الثَّوْبِ نِصْفَ دِينَارٍ ذَهَبًا لم يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ لِأَنَّ هذا بَيْعٌ حَادِثٌ غَيْرُ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ وَلَوْ كان عَقَدَ عُقْدَةَ الْبَيْعِ على ثَوْبٍ وَنِصْفِ دِينَارٍ بِدِينَارٍ كان فَاسِدًا لِأَنَّ الدِّينَارَ مَقْسُومٌ على نِصْفِ الدِّينَارِ وَالثَّوْبِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ صَرَفَ من رَجُلٍ دَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ فَعَجَزَتْ الدَّرَاهِمُ فَتَسَلَّفَ منه دَرَاهِمَ فَأَتَمَّهُ جَمِيعَ صَرْفِهِ فَلَا باس ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا بَأْسَ أَنْ يُبَاعَ الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ جُزَافًا مَضْرُوبًا أو غير مَضْرُوبٍ لِأَنَّ أَكْثَرَ ما فيه أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ من الْآخَرِ وَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ وَلَا باس أَنْ تَشْتَرِيَ الدَّرَاهِمَ من الصَّرَّافِ بِذَهَبٍ وَازِنَةً ثُمَّ تَبِيعَ تِلْكَ الدَّرَاهِمَ منه أو من غَيْرِهِ بِذَهَبٍ وازنه أو نَاقِصَةً لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ من الْبَيْعَتَيْنِ غَيْرُ الْأُخْرَى قال الرَّبِيعُ لَا يُفَارِقُ صَاحِبَهُ في الْبَيْعَةِ الْأُولَى حتى يَتِمَّ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) حَرَّمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وما حَرَّمَ معه إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ يَدًا بِيَدٍ وَالْمَكِيلُ من صِنْفٍ وَاحِدٍ مع الذَّهَبِ كَيْلًا بِكَيْلٍ فَلَا خَيْرَ في أَنْ يَأْخُذَ منه شيئا بِأَقَلَّ منه وَزْنًا على وَجْهِ الْبَيْعِ مَعْرُوفًا كان أو غير مَعْرُوفٍ وَالْمَعْرُوفُ ليس يُحِلُّ بَيْعًا وَلَا يُحَرِّمُهُ فَإِنْ كان وَهَبَ له دِينَارًا وَأَثَابَهُ الْآخَرُ دِينَارًا أَوْزَنَ منه أو أَنْقَصَ فَلَا بَأْسَ
____________________

(3/32)


( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَمَّا السَّلَفُ فَإِنْ أَسْلَفَهُ شيئا ثُمَّ اقْتَضَى منه أَقَلَّ فَلَا باس لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ له بِهِبَةِ الْفَضْلِ وَكَذَلِكَ إنْ تَطَوَّعَ له الْقَاضِي بِأَكْثَرَ من وَزْنِ ذَهَبِهِ فَلَا بَأْسَ لِأَنَّ هذا ليس من مَعَانِي الْبُيُوعِ وَكَذَلِكَ لو كان عليه سَلَفٌ ذَهَبًا فَاشْتَرَى منه وَرِقًا فَتَقَابَضَاهُ قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كان حَالًّا فَأَمَّا إذَا كان له عليه ذَهَبٌ إلَى أَجَلٍ فقال له أقضيك قبل الأجل على أن تأخذ مني أنقص فلا خير فيه ( قال الشافعي ) ومن تسلف من رجل دنانير أو دراهم فَجَاءَهُ بها وَأَكْثَرَ منها فَلَا بَأْسَ بِهِ كان ذلك عَادَةً أو غير عَادَةٍ وَمَنْ كانت عليه دَرَاهِمُ لِرَجُلٍ وَلِلرَّجُلِ عليه دَنَانِيرُ فَحَلَّتْ أو لم تَحِلَّ فَتَطَارَحَاهَا صَرْفًا فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ ذلك دَيْنٌ بِدَيْنٍ وقال مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا حَلَّ فَجَائِزٌ وإذا لم يَحِلَّ فَلَا يَجُوزُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ كان له على رَجُلٍ ذَهَبٌ حَالًّا فاعطاه دَرَاهِمَ على غَيْرِ بَيْعٍ مُسَمًّى من الذَّهَبِ فَلَيْسَ بِبَيْعٍ وَالذَّهَبُ كما هو عليه وَعَلَى هذا دَرَاهِمُ مِثْلُ الدَّرَاهِمِ التي أَخَذَ منه وَإِنْ أَعْطَاهُ دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ منها أو دِينَارَيْنِ فَتَقَابَضَاهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَمَنْ أَكْرَى من رَجُلٍ مَنْزِلًا إلَى أَجَلٍ فَتَطَوَّعَ له المكترى بِأَنْ يُعْطِيَهُ بَعْضَ حَقِّهِ مِمَّا أَكْرَاهُ بِهِ وَذَلِكَ ذَهَبٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ تَطَوَّعَ له بِأَنْ يُعْطِيَهُ فِضَّةً من الذَّهَبِ ولم يَحِلَّ الذَّهَبُ فَلَا خَيْرَ فيه وَمَنْ حَلَّ له على رَجُلٍ دَنَانِيرُ فَأَخَّرَهَا عليه إلَى أَجَلٍ أو آجَالٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلَهُ مَتَى شَاءَ أَنْ يَأْخُذَهَا منه لِأَنَّ ذلك مَوْعِدٌ وَسَوَاءٌ كانت من ثَمَنِ بَيْعٍ أو سَلَفٍ وَمَنْ سَلَفَ فُلُوسًا أو دَرَاهِمَ أو بَاعَ بها ثُمَّ أَبْطَلَهَا السُّلْطَانُ فَلَيْسَ له إلَّا مِثْلُ فُلُوسِهِ أو دَرَاهِمِهِ التي أَسَلَفَ أو بَاعَ بها ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَفِ في الْفُلُوسِ إلَى أَجَلٍ لِأَنَّ ذلك ليس مِمَّا فيه الرِّبَا وَمَنْ أَسَلَفَ رَجُلًا دَرَاهِمَ على أنها بِدِينَارٍ أو بِنِصْفِ دِينَارٍ فَلَيْسَ عليه إلَّا مِثْلُ دَرَاهِمِهِ وَلَيْسَ له عليه دِينَارٌ وَلَا نِصْفُ دِينَارٍ وَإِنْ اسْتَسْلَفَهُ نِصْفَ دِينَارٍ فَأَعْطَاهُ دِينَارًا فقال خُذْ لِنَفْسِك نِصْفَهُ وَبِعْ لي نصفه بِدَرَاهِمَ فَفَعَلَ ذلك كان له عليه نِصْفُ دِينَارِ ذَهَبٍ وَلَوْ كان قال له بِعْهُ بِدَرَاهِمَ ثُمَّ خُذْ لِنَفْسِك نِصْفَهُ وَرُدَّ عَلَيَّ نِصْفَهُ كانت له عليه دَرَاهِمُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ إنَّمَا أَسْلَفَهُ دَرَاهِمَ لَا نِصْفَ دِينَارٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ بَاعَ رَجُلًا ثَوْبًا فقال أَبِيعُكَهُ بِعِشْرِينَ من صَرْفِ عِشْرِينَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ من قِبَلِ أَنَّ صَرْفَ عِشْرِينَ ثَمَنٌ غَيْرُ مَعْلُومٍ بِصِفَةٍ وَلَا عَيْنٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ كانت عليه دَنَانِيرُ مُنَجَّمَةً أو دَرَاهِمُ فَأَرَادَ أَنْ يَقْبِضَهَا جُمْلَةً فَذَلِكَ له وَمَنْ كان له على رَجُلٍ ذهب فَأَعْطَاهُ شيئا يَبِيعُهُ له غير ذَهَبٍ وَيَقْبِضُ منه مِثْلَ ذَهَبِهِ فَلَيْسَ في هذا من الْمَكْرُوهِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَقُولَ لَا أَقْضِيك إلَّا بِأَنْ تَبِيعَ لي وما أُحِبُّ من الإحتياط لِلْقَاضِي وَمَنْ كان لِرَجُلٍ عليه دِينَارٌ فَكَانَ يُعْطِيهِ الدَّرَاهِمَ تَتَهَيَّأُ عِنْدَهُ بِغَيْرِ مصارفه حتى إذَا صَارَ عِنْدَهُ قَدْرُ صَرْفِ دِينَارٍ فَأَرَادَ أَنْ يُصَارِفَهُ فَلَا خَيْرَ فيه لِأَنَّ هذا دَيْنٌ بِدَيْنٍ وَإِنْ أَحْضَرَهُ إيَّاهَا فَدَفَعَهَا إلَيْهِ ثُمَّ بَاعَهُ إيَّاهَا فَلَا بَأْسَ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَنْتَفِعَ بِالدَّرَاهِمِ إذَا لم يَكُنْ أَعْطَاهُ إيَّاهَا على أنها بَيْعٌ من الدِّينَارِ وَإِنَّمَا هِيَ حِينَئِذٍ سَلَفٌ له إنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ بها دَرَاهِمَ وإذا كانت الْفِضَّةُ مَقْرُونَةً بِغَيْرِهَا خَاتَمًا فيه فَصٌّ أو فِضَّةٌ أو حِلْيَةٌ لِلسَّيْفِ أو مُصْحَفٌ أو سِكِّينٌ فَلَا يشتري بِشَيْءٍ من الْفِضَّةِ قَلَّ أو كَثُرَ بِحَالٍ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ فِضَّةٌ بِفِضَّةٍ مَجْهُولَةِ الْقِيمَةِ وَالْوَزْنِ وَهَكَذَا الذَّهَبُ وَلَكِنْ إذَا كانت الْفِضَّةُ مع سَيْفٍ اشترى بِذَهَبٍ وَإِنْ كان فيه ذَهَبٌ اشترى بِفِضَّةٍ وَإِنْ كان فيه ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ لم يُشْتَرَ بِذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ واشترى بِالْعَرَضِ ( قال الرَّبِيعُ ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يشتري شَيْءٌ فيه فِضَّةٌ مِثْلُ مُصْحَفٍ أو سَيْفٍ وما أَشْبَهَهُ بِذَهَبٍ وَلَا وَرِقٍ لِأَنَّ في هذه الْبَيْعَةِ صَرْفًا وَبَيْعًا لَا يدري كَمْ حِصَّةُ الْبَيْعِ من حِصَّةِ الصَّرْفِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا خَيْرَ في شِرَاءِ تُرَابِ الْمَعَادِنِ بِحَالٍ لِأَنَّ فيه فِضَّةً لَا يدري كَمْ هِيَ لَا يَعْرِفُهَا الْبَائِعُ وَلَا الْمُشْتَرِي وَتُرَابُ الْمَعْدِنِ وَالصَّاغَةِ سَوَاءٌ وَلَا يَجُوزُ شِرَاءُ ما خَرَجَ منه يَوْمًا وَلَا يَوْمَيْنِ وَلَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ بِشَيْءٍ وَمَنْ أَسَلَفَ رَجُلًا أَلْفَ دِرْهَمٍ على أَنْ يَصْرِفَهَا منه بِمِائَةِ دِينَارٍ فَفَعَلَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ حين أَسَلَفَهُ على أَنْ يَبِيعَهُ منه وَيَتَرَادَّانِ وَالْمِائَةُ الدِّينَارِ عليه
____________________

(3/33)


مَضْمُونَةٌ لِأَنَّهَا بِسَبَبِ بَيْعٍ وَسَلَفٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَقْضِيَ عنه دِينَارًا أو نِصْفَ دِينَارٍ فَرَضِيَ الذي له الدِّينَارُ بِثَوْبٍ مَكَانَ الدِّينَارِ أو طَعَامٍ أو دَرَاهِمَ فَلِلْقَاضِي على المقضي عنه الْأَقَلُّ من دِينَارٍ أو قِيمَةُ ما قَضَى عنه وَمَنْ اشْتَرَى حُلِيًّا من أَهْلِ الْمِيرَاثِ على أَنْ يُقَاصُّوهُ من دَيْنٍ كان له على الْمَيِّتِ فَلَا خَيْرَ في ذلك ( قال أبو يَعْقُوبَ ) مَعْنَاهَا عِنْدِي أَنْ يَبِيعَهُ أَهْلُ الْمِيرَاثِ وَأَنْ لَا يُقَاصُّوهُ عِنْدَ الصَّفْقَةِ ثُمَّ يُقَاصُّوهُ بَعْدُ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ اشْتَرَى أَوَّلًا حُلِيًّا بِذَهَبٍ أو وَرِقٍ إلَى أَجَلٍ وهو قَوْلُ أبي مُحَمَّدٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ سَأَلَ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ فِضَّةً لِيُشْرِكَهُ فيه وَيَنْقُدَ عنه فَلَا خَيْرَ في ذلك كان ذلك منه على وَجْهِ الْمَعْرُوفِ أو غَيْرِ ذلك ( قال الشَّافِعِيُّ ) الشَّرِكَةُ وَالتَّوْلِيَةُ بَيْعَانِ من الْبُيُوعِ يُحِلُّهُمَا ما يُحِلُّ الْبُيُوعَ وَيُحَرِّمُهُمَا ما يُحَرِّمُ الْبُيُوعَ فَإِنْ وَلَّى رَجُلٌ رَجُلًا حُلِيًّا مَصُوغًا أو أَشْرَكَهُ فيه بعد ما يَقْبِضُهُ الْمَوْلَى ويتوازناه ولم يَتَفَرَّقَا قبل أَنْ يَتَقَابَضَا جَازَ كما يَجُوزُ في الْبُيُوعِ وَإِنْ تَفَرَّقَا قبل أَنْ يَتَقَابَضَا فَسَدَ وإذا كانت لِلرَّجُلِ على الرَّجُلِ الدَّنَانِيرُ فاعطاه أَكْثَرَ منها فَالْفَضْلُ لِلْمُعْطِي إلَّا أَنْ يَهَبَهُ للمعطي وَلَا بَأْسَ أَنْ يَدَعَهُ على الْمُعْطِي مَضْمُونًا عليه حتى يَأْخُذَهُ منه مَتَى شَاءَ أو يَأْخُذَ بِهِ منه ما يَجُوزُ له أَنْ يَأْخُذَهُ لو كان دَيْنًا عليه من غَيْرِ ثَمَنٍ بِعَيْنِهِ وَلَا قَضَاءٍ وَإِنْ أَعْطَاهُ أَقَلَّ مِمَّا له عليه فَالْبَاقِي عليه دَيْنٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤَخِّرَهُ أو يُعْطِيَهُ بِهِ شيئا مِمَّا شَاءَ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ بِدَيْنِهِ عليه وَإِنْ اشْتَرَى الرَّجُلُ من الرَّجُلِ السِّلْعَةَ من الطَّعَامِ أو غَيْرِهِ بِدِينَارٍ فَوَجَدَ دِينَارَهُ نَاقِصًا فَلَيْسَ على الْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَهُ إلَّا وَافِيًا وَإِنْ تَنَاقَضَا الْبَيْعَ وَبَاعَهُ بعد ما يَعْرِفُ وَزْنَهُ فَلَا بَأْسَ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُلْزِمَهُ الْبَيْعَ على أَنْ يُنْقِصَهُ بِقَدْرِهِ لم يَكُنْ ذلك على الْبَائِعِ وَلَا الْمُشْتَرِي ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْقَضَاءُ ليس بِبَيْعٍ فإذا كانت لِلرَّجُلِ على رَجُلٍ ذَهَبٌ فَأَعْطَاهُ أو وَزَنَ منها مُتَطَوِّعًا فَلَا بَأْسَ وَكَذَلِكَ إنْ تَطَوَّعَ الذي له الْحَقُّ فَقَبِلَ منه أَنْقَصَ منها وَهَذَا لَا يَحِلُّ في الْبُيُوعِ وَمَنْ اشْتَرَى من رَجُلٍ ثَوْبًا بِنِصْفِ دِينَارٍ فَدَفَعَ إلَيْهِ دِينَارًا فقال أقبض نِصْفًا لَك وَأَقِرَّ لي النِّصْفَ الْآخَرَ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَمَنْ كان له على رَجُلٍ نِصْفُ دِينَارٍ فَأَتَاهُ بِدِينَارٍ فَقَضَاهُ نِصْفًا وَجَعَلَ النِّصْفَ الْآخَرَ في سِلْعَةٍ مُتَأَخِّرَةٍ مَوْصُوفَةٍ قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا فَلَا بَأْسَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) في الرَّجُلِ يَشْتَرِي الثَّوْبَ بِدِينَارٍ إلَى شَهْرٍ على أَنَّهُ إذَا حَلَّ الدِّينَارُ أَخَذَ بِهِ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً إلَى شَهْرَيْنِ فَلَا خَيْرَ فيه وهو حَرَامٌ من ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ من قِبَلِ بَيْعَتَيْنِ في بَيْعَةٍ وَشَرْطَيْنِ في شَرْطٍ وَذَهَبٍ بِدَرَاهِمَ إلَى أَجَلٍ وَمَنْ رَاطَلَ رَجُلًا ذَهَبًا فَزَادَ مِثْقَالًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ ذلك الْمِثْقَالَ منه بِمَا شَاءَ من الْعَرَضِ نَقْدًا أو مُتَأَخِّرًا بَعْدَ أَنْ يَكُون يَصِفُهُ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَبْتَاعَهُ منه بِدَرَاهِمَ نَقْدًا إذَا قَبَضَهَا منه قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا وَإِنْ رَجَحَتْ إحْدَى الذَّهَبَيْنِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتْرُكَ صَاحِبُ الْفَضْلِ مِنْهُمَا فَضْلَهُ لِصَاحِبِهِ لِأَنَّ هذا غَيْرُ الصَّفْقَةِ الْأُولَى فَإِنْ نَقَصَ أَحَدُ الذَّهَبَيْنِ فَتَرَكَ صَاحِبُ الْفَضْلِ فَضْلَهُ فَلَا بَأْسَ وإذا جَمَعَتْ صَفْقَةُ الْبَيْعِ شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْقِيمَةِ مِثْلُ تَمْرٍ بردى وَتَمْرِ عَجْوَةٍ بَيْعًا مَعًا بِصَاعَيْ تَمْرٍ وَصَاعٍ من هذا بِدِرْهَمَيْنِ وَصَاعٍ من هذا بِعَشْرَةِ دَرَاهِمَ فَقِيمَةُ البردى خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الاثنى عَشَرَ وَقِيمَةُ الْعَجْوَةِ سُدُسُ الإثنى عَشَرَ وَهَكَذَا لو كان صَاعُ البردى ( ( ( البرني ) ) ) وَصَاعُ الْعَجْوَةِ بِصَاعَيْ لَوَّنَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحِصَّتِهِ من اللَّوْنِ فَكَانَ البردى ( ( ( البرني ) ) ) بِخَمْسَةِ أَسْدَاسِ صَاعَيْنِ وَالْعَجْوَةُ بِسُدُسِ صَاعَيْنِ فَلَا يَحِلُّ من قِبَلِ أَنَّ البردى ( ( ( البرني ) ) ) بِأَكْثَرَ من كَيْلِهِ وَالْعَجْوَةَ بِأَقَلَّ من كَيْلِهَا وَهَكَذَا ذَهَبٌ بِذَهَبٍ كان مِائَةَ دِينَارٍ مَرْوَانِيَّةً وَعَشَرَةً ( محدية ( ( ( محمدية ) ) ) ) بِمِائَةِ دِينَارٍ وَعَشْرَةٍ هَاشِمِيَّةً فَلَا خَيْرَ فيه من قِبَلِ أَنَّ قِيَمَ الْمَرْوَانِيَّةِ أَكْثَرُ من قِيَمِ المحدية ( ( ( المحمدية ) ) ) وَهَذَا الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مُتَفَاضِلًا لِأَنَّ الْمَعْنَى الذي في هذا في الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ مُتَفَاضِلًا وَلَا بَأْسَ أَنْ يُرَاطِلَ الدَّنَانِيرَ الْهَاشِمِيَّةَ التَّامَّةَ بِالْعِتْقِ النَّاقِصَةَ مِثْلًا بِمِثْلٍ في الْوَزْنِ وَإِنْ كان لِهَذِهِ فَضْلُ وَزْنِهَا وَهَذِهِ فَضْلُ عُيُونِهَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا كان وَزْنًا بِوَزْنٍ وَمَنْ كانت له على رَجُلٍ ذَهَبٌ بِوَزْنٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ بِوَزْنِهَا أَكْثَرَ عَدَدًا منها
____________________

(3/34)


وَلَا يَجُوزُ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَيَدًا بِيَدٍ وَأَقْصَى حَدٍّ يَدًا بِيَدٍ قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ تَفَرَّقَا قبل أَنْ يَتَقَابَضَا فَسَدَ بَيْعُهُمَا إنْ كَانَا تَبَايَعَا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالْمُوَازَنَةُ أَنْ يَضَعَ هذا ذَهَبَهُ في كِفَّةٍ وَهَذَا ذَهَبَهُ في كفه فإذا اعْتَدَلَ الْمِيزَانُ أَخَذَ وَأَعْطَى فَإِنْ وَزَنَ له بِحَدِيدَةٍ وَاتَّزَنَ بها منه كان ذلك لَا يَخْتَلِفُ إلَّا كَاخْتِلَافِ ذَهَبٍ في كِفَّةٍ وَذَهَبٍ في كِفَّةٍ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَا أَحْسَبُهُ يَخْتَلِفُ وَإِنْ كان يَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا بَيِّنًا لم يَجُزْ فَإِنْ قِيلَ لِمَ أَجَزْته قِيلَ كما أُجِيزَ مِكْيَالًا بمكيالا ( ( ( بمكيال ) ) ) وإذا كِيلَ له مِكْيَالٌ ثُمَّ أَخَذَ منه آخَرُ وإذا اشْتَرَى رَجُلٌ من رَجُلٍ ذَهَبًا بِذَهَبٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ منه بِمَا أُخِذَ منه كُلُّهُ أو بَعْضُهُ دَرَاهِمَ أو ما شَاءَ وإذا بَاعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ السِّلْعَةَ بِمِائَةِ دِينَارٍ مَثَاقِيلَ فَلَهُ مِائَةُ دِينَارٍ مَثَاقِيلَ أَفْرَادٍ ليس له أَكْثَرُ منها وَلَا أَقَلُّ إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَا على الرِّضَا بِذَلِكَ وإذا كانت لِرَجُلٍ على رَجُلٍ مِائَةُ دِينَارٍ عِتْقٍ فَقَضَاهُ شَرًّا منها أَكْثَرَ من عَدَدِهَا أو وَزْنِهَا فَلَا بَأْسَ إذَا كان هذا مُتَطَوِّعًا له بِفَضْلِ عُيُونِ ذَهَبِهِ على ذَهَبِهِ وَهَذَا مُتَطَوِّعٌ له بِفَضْلِ وَزْنِ ذَهَبِهِ على ذَهَبِهِ وَإِنْ كان هذا عن شَرْطٍ عِنْدَ الْبَيْعِ أو عِنْدَ الْقَضَاءِ فَلَا خَيْرَ فيه لِأَنَّ هذا حِينَئِذٍ ذَهَبٌ بِذَهَبٍ أَكْثَرَ منها وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الثَّوْبَ بِدِينَارٍ إلَّا وَزْنًا من الذَّهَبِ مَعْلُومٌ رُبْعٌ أو ثُلُثٌ أو أَقَلُّ أو أَكْثَرُ لِأَنَّهُ بَاعَهُ حِينَئِذٍ الثَّوْبَ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ دِينَارٍ أو ثُلُثَيْ دِينَارٍ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يَبِيعَهُ الثَّوْبَ بِدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمٍ وَلَا دِينَارٍ إلَّا مُدَّ حِنْطَةٍ لِأَنَّ الثَّمَنَ حِينَئِذٍ مَجْهُولٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَهُ ثَوْبًا وَدِرْهَمًا يَرَاهُ وَثَوْبًا وَمُدَّ تَمْرٍ يَرَاهُ بِدِينَارٍ ( قال الرَّبِيعُ ) فيه قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ إذَا بَاعَهُ ثَوْبًا وَذَهَبًا يَرَاهُ فَلَا يَجُوزُ من قِبَلِ أَنَّ فيه صَرْفًا وَبَيْعًا لَا يَدْرِي حِصَّةَ الْبَيْعِ من حِصَّةِ الصَّرْفِ فَأَمَّا إذَا بَاعَهُ ثَوْبًا وَمُدَّ تَمْرٍ بِدِينَارٍ يَرَاهُ فَجَائِزٌ لِأَنَّ هذا بَيْعٌ كُلُّهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُسَلِّمَ إلَيْهِ دِينَارًا إلَّا درهم ( ( ( درهما ) ) ) وَلَكِنْ يُسَلِّمُ دِينَارًا يَنْقُصُ كَذَا وَكَذَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) من ابْتَاعَ بِكَسْرِ دِرْهَمٍ شيئا فَأَخَذَ بِكَسْرِ دِرْهَمِهِ مِثْلَ وَزْنِهِ فِضَّةً أو سِلْعَةً من السِّلَعِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ من ابْتَاعَ بِنِصْفِ دِينَارٍ مَتَاعًا فَدَفَعَ دِينَارًا وَأَخَذَ فَضْلَ دِينَارِهِ مِثْلَ وَزْنِهِ ذَهَبًا أو سِلْعَةً من السِّلَعِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَهَذَا في جَمِيعِ الْبُلْدَانِ سَوَاءٌ وَلَا يَحِلُّ شَيْءٌ من ذلك في بَلَدٍ يَحْرُمُ في بَلَدٍ آخَرَ وَسَوَاءٌ الذي ابْتَاعَ بِهِ قَلِيلٌ من الدِّينَارِ أو كَثِيرٌ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُصَارِفَ الرَّجُلُ الصَّائِغَ الْفِضَّةَ بِالْحُلِيِّ الْفِضَّةَ الْمَعْمُولَةَ وَيُعْطِيهِ إجَارَتَهُ لِأَنَّ هذا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ مُتَفَاضِلًا وَلَا خَيْرَ في أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ بِالْفَصِّ إلَى الصَّائِغِ فيقول له اعْمَلْهُ لي خَاتَمًا حتى أُعْطِيَك أُجْرَتَك وَقَالَهُ مَالِكٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مِائَةَ دِينَارٍ بِالْمَدِينَةِ على أَنْ يُعْطِيَهُ مِثْلَهَا بِمَكَّةَ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى أو غَيْرِ أَجَلٍ لِأَنَّ هذا لَا سَلَفَ وَلَا بَيْعَ السَّلَفُ ما كان لَك أَخْذُهُ بِهِ وَعَلَيْك قَبُولُهُ وَحَيْثُ أَعْطَاكَهُ وَالْبَيْعُ في الذَّهَبِ ما يَتَقَابَضَاهُ مَكَانَهُمَا قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا فإذا أَرَادَ أَنْ يَصِحَّ هذا له فَلْيُسَلِّفْهُ ذَهَبًا فَإِنْ كَتَبَ له بها إلَى مَوْضِعٍ فَقَبِلَ فَقَبَضَهَا فَلَا بَأْسَ وَأَيُّهُمَا أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَهَا من الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ لم يَكُنْ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ أَنْ يَمْتَنِعَ وَسَوَاءٌ في أَيِّهِمَا كان له فيه الْمُرْفَقُ أو لم يَكُنْ وَمَنْ أَسَلَفَ سَلَفًا فَقَضَى أَفْضَلَ من ذلك في الْعَدَدِ وَالْوَزْنِ مَعًا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا لم يَكُنْ ذلك شَرْطًا بَيْنَهُمَا في عَقْدِ السَّلَفِ وَمَنْ ادَّعَى على رَجُلٍ مَالًا وَأَقَامَ بِهِ شَاهِدًا ولم يَحْلِفْ وَالْغَرِيمُ يَجْحَدُ ثُمَّ سَأَلَهُ الْغَرِيمُ أَنْ يُقِرَّ له بِالْمَالِ إلَى سَنَةٍ فَإِنْ قال لَا أُقِرُّ لَك بِهِ إلَّا على تَأْخِيرٍ كَرِهْت ذلك له إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْمَالَ له عليه فَلَا أَكْرَهُ ذلك لِصَاحِبِ الْمَالِ وَأَكْرَهُهُ لِلْغَرِيمِ
____________________

(3/35)


- * بَابٌ في بَيْعِ الْعُرُوضِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ قال بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما أَمَّا الذي نهى عنه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ تَعَالَى عليه وسلم فَهُوَ الطَّعَامُ أَنْ يُبَاعَ حتى يُقْبَضَ وقال بن عَبَّاسٍ بِرَأْيِهِ وَلَا أَحْسَبُ كُلَّ شَيْءٍ إلَّا مثله وَهَذَا كما قال بن عَبَّاسٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ لِأَنَّهُ ليس في الطَّعَامِ مَعْنًى ليس في غَيْرِهِ من الْبُيُوعِ وَلَا معني يُعْرَفُ إلَّا وَاحِدٌ وهو أَنِّي إذَا ابْتَعْت من الرَّجُلِ شيئا فَإِنَّمَا أَبْتَاعُ منه عَيْنًا أو مَضْمُونًا وإذا ابْتَعْت منه مَضْمُونًا فَلَيْسَتْ بِعَيْنٍ وقد يُفْلِسُ فَأَكُونُ قد بِعْت شيئا ضَمَانُهُ على من اشْتَرَيْته منه وَإِنَّمَا بِعْته قبل أَنْ يَصِيرَ في تَصَرُّفِي وَمِلْكِي تَامًّا وَلَا يَجُوزُ أَنْ أَبِيعَ ما لَا أَمْلِكُ تَامًّا وَإِنْ كان الذي اشْتَرَيْته منه عَيْنًا فَلَوْ هَلَكَتْ تِلْكَ الْعَيْنُ انقض ( ( ( انتقض ) ) ) الْبَيْعُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فإذا بِعْتهَا ولم يَتِمَّ مِلْكُهَا إلَيَّ بِأَنْ يَكُونَ ضَمَانُهَا مِنِّي بِعْته ما لم يَتِمَّ لي مِلْكُهُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ ما لم يَتِمَّ لي مِلْكُهُ وَمَعَ هذا أَنَّهُ مَضْمُونٌ على من اشْتَرَيْته منه فإذا بِعْتُ بِعْتُ شيئا مَضْمُونًا على غَيْرِي فَإِنْ زعمت أني لست بضامن فقد زعمت أني أبيع ما لم أضمن ولا يجوز لأحد أن يبيع ما لا يضمن وإن زَعَمْت أَنِّي ضَامِنٌ فعلى من الضَّمَانِ ما على دُونِ من اشْتَرَيْت منه أَرَأَيْت إنْ هَلَكَ ذلك في يَدِي الذي اشْتَرَيْته منه أَيُؤْخَذُ مِنِّي شَيْءٌ فَإِنْ قال لَا قِيلَ فَقَدْ بِعْت ما لَا تَضْمَنُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ ما لَا أَضْمَنُ وَإِنْ قِيلَ بَلْ أنت ضَامِنٌ فَلَيْسَ هَكَذَا بَيْعُهُ كَيْفَ أَضْمَنُ شيئا قد ضَمِنْته له على غَيْرِي وَلَوْ لم يَكُنْ في هذا شَيْءٌ مِمَّا وَصَفْت دَلَّتْ عليه السُّنَّةُ وَأَنَّهُ في مَعْنَى الطَّعَامِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ تَعَالَى { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } وقال { لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عن تَرَاضٍ مِنْكُمْ } فَكُلُّ بَيْعٍ كان عن تَرَاضٍ من الْمُتَبَايِعَيْنِ جَائِزٌ من الزِّيَادَةِ في جَمِيعِ الْبُيُوعِ إلَّا بَيْعًا حَرَّمَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ تَعَالَى عليه وسلم إلَّا الذَّهَبَ وَالْوَرِقَ يَدًا بِيَدٍ وَالْمَأْكُولُ وَالْمَشْرُوبُ في مَعْنَى الْمَأْكُولِ فَكُلُّ ما أَكَلَ الْآدَمِيُّونَ وَشَرِبُوا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ شَيْءٌ منه بِشَيْءٍ من صِنْفِهِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ إنْ كان وَزْنًا فَوَزْنٌ وَإِنْ كان كَيْلًا فَكَيْلٌ يَدًا بِيَدٍ وَسَوَاءٌ في ذلك الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ وَجَمِيعُ الْمَأْكُولِ فَإِنْ تَفَرَّقَا قبل أَنْ يَتَقَابَضَا فَسَدَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْعَرَايَا لِأَنَّهَا من الْمَأْكُولِ فَإِنْ تَفَرَّقَا قبل أَنْ يَتَقَابَضَا فَسَدَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا وإذا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ مِمَّا ليس في بَعْضِهِ بِبَعْضِ الرِّبَا فَلَا بَأْسَ بِوَاحِدٍ منه بِاثْنَيْنِ أو أَكْثَرَ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فيه نَسِيئَةً وإذا جَازَ الْفَضْلُ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ فَلَا بَأْسَ بِجُزَافٍ منه بِجُزَافٍ وَجُزَافٍ بِمَعْلُومٍ وَكُلُّ ما أَكَلَهُ الْآدَمِيُّونَ دَوَاءٌ فَهُوَ في مَعْنَى الْمَأْكُولِ مِثْلُ الأهليلج وَالثُّفَّاءِ وَجَمِيعِ الْأَدْوِيَةِ ( قال ) وما عَدَا هذا مِمَّا أَكَلَتْهُ الْبَهَائِمُ ولم يَأْكُلْهُ الْآدَمِيُّونَ مِثْلُ الْقَرَظِ وَالْقَضْبِ وَالنَّوَى وَالْحَشِيشِ وَمِثْلُ الْعُرُوضِ التي لَا تُؤْكَلُ مِثْلُ الْقَرَاطِيسِ وَالثِّيَابِ وَغَيْرِهَا وَمِثْلُ الْحَيَوَانِ فَلَا بَأْسَ بِفَضْلِ بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً تَبَاعَدَتْ أو تَقَارَبَتْ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ في مَعْنَى ما أَحَلَّ اللَّهُ من الْبُيُوعِ وَخَارِجٌ من مَعْنَى ما حَرَّمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من الْفَضْلِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ وَدَاخِلٌ في نَصِّ إحْلَالِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ أَصْحَابِهِ من بَعْدِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا الثِّقَةُ عن اللَّيْثِ عن أبي الزُّبَيْرِ عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم اشْتَرَى عَبْدًا بِعَبْدَيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ بَاعَ بَعِيرًا له بِأَرْبَعَةِ أَبْعِرَةٍ مَضْمُونَةٍ عليه بِالرَّبَذَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن صَالِحِ بن كَيْسَانَ عن الْحَسَنِ بن مُحَمَّدِ بن عَلِيٍّ أَنَّ عَلِيَّ بن أبي طَالِبٍ
____________________

(3/36)


رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه بَاعَ بَعِيرًا يُقَالُ له عُصَيْفِير بِعِشْرِينَ بَعِيرًا إلَى أَجَلٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن بن الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قال لَا رِبَا في الْحَيَوَانِ وَإِنَّمَا نهى من الْحَيَوَانِ عن الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ أَنَّهُ سئل عن بَعِيرٍ بِبَعِيرَيْنِ إلَى أَجَلٍ فقال لَا بَأْسَ بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بن عُلَيَّةَ إنْ شَاءَ اللَّهُ شَكَّ الرَّبِيعُ عن سَلَمَةَ بن عَلْقَمَةَ شَكَكْت عن مُحَمَّدِ بن سِيرِينَ أَنَّهُ سئل عن بَيْعِ الْحَدِيدِ بِالْحَدِيدِ فقال اللَّهُ أَعْلَمُ أَمَّا هُمْ فَكَانُوا يَتَبَايَعُونَ الدِّرْعَ بِالْأَدْرَاعِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا بَأْسَ بِالْبَعِيرِ بِالْبَعِيرَيْنِ مِثْلِهِ وَأَكْثَرَ يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً فإذا تَنَحَّى عن أَنْ يَكُونَ في مَعْنَى ما لَا يَجُوزُ الْفَضْلُ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ فَالنَّقْدُ منه وَالدَّيْنُ سَوَاءٌ وَلَا بَأْسَ بِاسْتِسْلَافِ الْحَيَوَانِ كُلِّهِ إلَّا الْوَلَائِدَ وَإِنَّمَا كَرِهْت اسْتِسْلَافَ الْوَلَائِدِ لِأَنَّ من اسْتَسْلَفَ أَمَةً كان له أَنْ يَرُدَّهَا بِعَيْنِهَا فإذا كان له أَنْ يَرُدَّهَا بِعَيْنِهَا وَجَعَلْته مَالِكًا لها بِالسَّلَفِ جَعَلْته يَطَؤُهَا وَيَرُدُّهَا وقد حَاطَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ثُمَّ رَسُولُهُ صلى اللَّهُ تَعَالَى عليه وسلم ثُمَّ الْمُسْلِمُونَ الْفُرُوجَ فَجَعَلَ الْمَرْأَةَ لَا تُنْكَحُ وَالنِّكَاحُ حَلَالٌ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشُهُودٍ وَنَهَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ تَعَالَى عليه وسلم أَنْ يَخْلُوَ بها رَجُلٌ في حَضَرٍ أو سَفَرٍ ولم يُحَرِّمْ ذلك في شَيْءٍ مِمَّا خَلَقَ اللَّهُ غَيْرَهَا جَعَلَ الْأَمْوَالَ مَرْهُونَةً وَمَبِيعَةً بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ ولم يَجْعَلْ الْمَرْأَةَ هَكَذَا حتى حَاطَهَا فِيمَا أَحَلَّ اللَّهُ لها بِالْوَلِيِّ وَالشُّهُودِ فَفَرَّقْنَا بين حُكْمِ الْفُرُوجِ وَغَيْرِهَا بِمَا فَرَّقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ثُمَّ الْمُسْلِمُونَ بَيْنَهُمَا وإذا بَاعَ الرَّجُلُ غَنَمًا بِدَنَانِيرَ إلَى أَجَلٍ فَحَلَّتْ الدَّنَانِيرُ فَأَعْطَاهُ بها غَنَمًا من صِنْفِ غَنَمِهِ أو غَيْرِ صِنْفِهَا فَهُوَ سَوَاءٌ وَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ حَاضِرًا وَلَا تَكُونُ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ في مَعْنَى ما اُبْتِيعَ بِهِ من الْعُرُوضِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ حتى يَقْبِضَ وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَفِ في الْحَيَوَانِ كُلِّهِ بِصِفَةٍ معلومة وَأَجَلٍ مَعْلُومٍ وَالسَّلَفُ فيها اشْتِرَاءٌ لها وَشِرَاؤُهَا غَيْرُ اسْتِلَافِهَا فَيَجُوزُ ذلك في الْوَلَائِدِ وَلَا خَيْرَ في السَّلَفِ إلَّا إن يَكُونَ مَضْمُونًا على الْمُسَلِّفِ مَأْمُونًا في الظَّاهِرِ أَنْ يَعُودَ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُسَلِّفَ في ثَمَرِ حَائِطٍ بِعَيْنِهِ وَلَا نِتَاجِ مَاشِيَةٍ بِعَيْنِهَا لِأَنَّ هذا يَكُونُ وَلَا يَكُونُ وَمَنْ سَلَّفَ في عَرَضٍ من الْعُرُوضِ أو شَيْءٍ من الْحَيَوَانِ فلما حَلَّ أَجَلُهُ سَأَلَهُ بَائِعُهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ منه بِمِثْلِ ثَمَنِهِ أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ أو بِعَرَضٍ كان ذلك الْعَرَضُ مُخَالِفًا له أو مثله فَلَا خَيْرَ في أَنْ يَبِيعَهُ بِحَالٍ لِأَنَّهُ بَيْعُ ما لم يُقْبَضْ وإذا سَلَّفَ الرَّجُلُ في عَرَضٍ من الْعُرُوضِ إلَى أَجَلٍ فَعَجَّلَ له الْمُسَلِّفُ قبل مَحِلِّ الْأَجَلِ فَلَا بَأْسَ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُعَجِّلَهُ له على أَنْ يَضَعَ عنه وَلَا في أَنْ يُعَجِّلَهُ على أَنْ يَزِيدَهُ الْمُسَلِّفُ لِأَنَّ هذا بَيْعٌ يُحْدِثَانِهِ غَيْرُ الْبِيَعِ الأول ( ( ( الأولى ) ) ) وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُعْطِيَهُ من غَيْرِ الصِّنْفِ الذي سَلَّفَهُ عليه لِأَنَّ هذا بَيْعٌ يُحْدِثُهُ وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ من ذلك الصِّنْفِ بِعَيْنِهِ مِثْلَ شَرْطِهِمَا أو أَكْثَرَ فَيَكُونُ مُتَطَوِّعًا وَإِنْ أَعْطَاهُ من ذلك الصِّنْفِ أَقَلَّ من شَرْطِهِ على غَيْرِ شَرْطٍ فَلَا بَأْسَ كما أَنَّهُ لو فَعَلَ بَعْدَ مَحِلِّهِ جَازَ وَإِنْ أَعْطَاهُ على شَرْطٍ فَلَا خَيْرَ فيه لِأَنَّهُ يُنْقِصُهُ على أَنْ يُعَجِّلَهُ وَكَذَلِكَ لَا يَأْخُذُ بَعْضَ ما سَلَّفَهُ فيه وَعَرَضًا غَيْرَهُ لِأَنَّ ذلك بَيْعُ ما لم يُقْبَضْ بَعْضُهُ وَمَنْ سَلَّفَ في صِنْفٍ فَأَتَاهُ الْمُسَلِّفُ من ذلك الصِّنْفِ بارفع من شَرْطِهِ فَلَهُ قَبْضُهُ منه وَإِنْ سأله ( ( ( لم ) ) ) زيادة ( ( ( يفعل ) ) ) على جودته ( ( ( صاع ) ) ) فلا يجوز أن يزيده إلَّا أَنْ يَتَفَاسَخَا الْبَيْعَ الْأَوَّلَ ويشترى هذا شِرَاءً جَدِيدًا لِأَنَّهُ إذَا لم يَفْعَلْ فَهُوَ شِرَاءُ ما لم يُعْلَمْ كَأَنَّهُ سَلَّفَهُ على صَاعِ عَجْوَةٍ جَيِّدَةٍ فَلَهُ أَدْنَى الْجَيِّدِ فَجَاءَهُ بِالْغَايَةِ من الْجَيِّدِ وقال زِدْنِي شيئا فَاشْتَرَى منه الزِّيَادَةَ وَالزِّيَادَةُ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ لَا هِيَ كَيْلٌ زَادَهُ فَيَزِيدُهُ وَلَا هِيَ مُنْفَصِلَةٌ من الْبَيْعِ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ إذَا زَادَهُ اشْتَرَى ما لَا يَعْلَمُ وَاسْتَوْفَى ما لَا يَعْلَمُ وقد قِيلَ أنه لو اسلفه في عَجْوَةٍ فَأَرَادَ أَنْ يُعْطِيَهُ صَيْحَانِيًّا مَكَانَ الْعَجْوَةِ لم يَجُزْ لِأَنَّ هذا بَيْعُ الْعَجْوَةِ بالصيحاني قبل أَنْ تُقْبَضْ وقد نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن بَيْعِ الطَّعَامِ حتى يُقْبَضَ وَهَكَذَا كُلُّ صِنْفٍ سَلَّفَ فيه من
____________________

(3/37)


طَعَامٍ أو عَرَضٍ أو غَيْرِهِ له أَنْ يَقْبِضَهُ أَدْنَى من شَرْطِهِ وَأَعْلَى من شَرْطِهِ إذَا تَرَاضَيَا لِأَنَّ ذلك جِنْسٌ واحد ( ( ( واحدة ) ) ) وَلَيْسَ له أَنْ يَقْبِضَ من غَيْرِ جِنْسِ ما سَلَّفَ فيه لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ بَيْعُ ما اشْتَرَى قبل أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ ( قال ) وَلَا يَأْخُذُ إذَا سَلَّفَ في جَيِّدٍ رَدِيئًا على أَنْ يَزْدَادَ شيئا وَالْعِلَّةُ فيه كَالْعِلَّةِ في أَنْ يَزِيدَهُ وَيَأْخُذَ أَجْوَدَ وإذا أَسَلَفَ رَجُلٌ رَجُلًا في عَرَضٍ فَدَفَعَ الْمُسَلَّفُ إلَى الْمُسَلِّفِ ثَمَنَ ذلك الْعَرَضِ على أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِنَفْسِهِ وَيَقْبِضَهُ كَرِهْت ذلك فإذا اشْتَرَاهُ وَقَبَضَهُ بريء منه الْمُسَلِّفُ وَسَوَاءٌ كان ذلك بِبَيِّنَةٍ أو بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ إذَا تَصَادَقَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَفِ في كل ما أَسَلَفَ فيه حَالًّا أو إلَى أَجَلٍ إذَا حَلَّ أَنْ يَشْتَرِيَ بِصِفَةٍ نَقْدًا وقد قال هذا بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ ثُمَّ رَجَعَ عطاء عنه وإذا سَلَّفَ رَجُلٌ في صُوفٍ لم يَجُزْ أن أَنْ يُسَلِّفَ فيه إلَّا بِوَزْنٍ مَعْلُومٍ وَصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يُسَلِّفَ فيه عَدَدًا لِاخْتِلَافِهِ وَمَنْ اشْتَرَى من رَجُلٍ سِلْعَةً فَسَأَلَهُ أَنْ يُقِيلَهُ فيها بِأَنْ يُعْطِيَهُ الْبَائِعُ شيئا أو يُعْطِيَهُ الْمُشْتَرِي نَقْدًا أو إلَى أَجَلٍ فَلَا خَيْرَ في الْإِقَالَةِ على ازْدِيَادٍ وَلَا نَقْصٍ بِحَالٍ لِأَنَّهَا إنَّمَا هِيَ فَسْخُ بَيْعٍ وَهَكَذَا لو بَاعَهُ إيَّاهَا فَاسْتَقَالَهُ على أَنْ يُنْظِرَهُ بِالثَّمَنِ لم يَجُزْ لِأَنَّ النَّظِرَةَ ازْدِيَادٌ وَلَا خَيْرَ في الْإِقَالَةِ على زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ وَلَا تَأْخِيرَ في كِرَاءٍ وَلَا بَيْعٍ وَلَا غَيْرِهِ وَهَكَذَا إنْ بَاعَهُ سِلْعَةً إلَى أَجَلٍ فَسَأَلَهُ أَنْ يُقِيلَهُ فلم يَقُلْهُ إلَّا على أَنْ يُشْرِكَهُ الْبَائِعُ وَلَا خَيْرَ فيه لِأَنَّ الشَّرِكَةَ بَيْعٌ وَهَذَا بَيْعُ ما لم يُقْبَضْ وَلَكِنَّهُ إنْ شَاءَ أَنْ يُقِيلَهُ في النِّصْفِ أَقَالَهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَرِيكًا له وَالْمُتَبَايِعَانِ بِالسَّلَفِ وَغَيْرِهِ بِالْخِيَارِ ما لم يَتَفَرَّقَا من مَقَامِهِمَا الذي تَبَايَعَا فيه فإذا تَفَرَّقَا أو خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بَعْدَ الْبَيْعِ فَاخْتَارَ الْبَيْعَ فَقَدْ انْقَطَعَ الْخِيَارُ وَمَنْ سَلَّفَ في طَعَامٍ أو غَيْرِهِ إلَى أَجَلٍ فلما حَلَّ الْأَجَلُ أَخَذَ بَعْضَ ما سَلَّفَ فيه وَأَقَالَ الْبَائِعَ من الْبَاقِي فَلَا بَأْسَ وَكَذَلِكَ لو بَاعَ حَيَوَانًا أو طَعَامًا إلَى أَجَلٍ فَأَعْطَاهُ نِصْفَ رَأْسِ مَالِهِ وَأَقَالَهُ الْمُشْتَرِي من النِّصْفِ وَقَبَضَهُ بِلَا زِيَادَةٍ ازْدَادَهَا وَلَا نُقْصَانٍ يَنْقُصُهُ فَلَا بَأْسَ ( قال ) وَلَا يَجُوزُ من الْبُيُوعِ إلَّا ثَلَاثَةٌ بَيْعُ عَيْنٍ بِعَيْنِهَا حَاضِرَةً وَبَيْعُ عَيْنٍ غَائِبَةٍ فإذا رَآهَا الْمُشْتَرِي فَهُوَ بِالْخِيَارِ فيها وَلَا يَصْلُحُ أَنْ تُبَاعَ الْعَيْنُ الْغَائِبَةُ بِصِفَةٍ وَلَا إلَى أَجَلٍ لِأَنَّهَا قد تُدْرَكُ قبل الْأَجَلِ فَيَبْتَاعُ الرَّجُلُ ما يُمْنَعُ منه وهو يَقْدِرُ على قَبْضِهِ وَأَنَّهَا قد تَتْلَفُ قبل أَنْ تُدْرَكَ فَلَا تَكُونُ قبل الْأَجَلِ فَيَبْتَاعُ الرَّجُلُ ما يُمْنَعُ منه وهو يَقْدِرُ على قَبْضِهِ وَأَنَّهَا قد تَتْلَفُ قبل أَنْ تُدْرَكَ فَلَا تَكُونُ مَضْمُونَةً وَالْبَيْعُ الثَّالِثُ صِفَةٌ مَضْمُونَةٌ إذَا جاء بها صَاحِبُهَا على الصِّفَةِ لَزِمَتْ مُشْتَرِيَهَا وَيُكَلَّفُ أَنْ يَأْتِيَ بها من حَيْثُ شَاءَ ( قال أبو يَعْقُوبَ ) الذي كان يَأْخُذُ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَيَعْمَلُ بِهِ أَنَّ الْبَيْعَ بَيْعَانِ بَيْعُ عَيْنٍ حَاضِرَةٍ تُرَى أو بَيْعُ مَضْمُونٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَلَا ثَالِثَ لَهُمَا ( قال الرَّبِيعُ ) قد رَجَعَ الشَّافِعِيُّ عن بَيْعِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً من السِّلَعِ إلَى أَجَلٍ من الْآجَالِ وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَهَا الذي اشْتَرَاهَا بأقل من الثمن أو أكثر ودين ونقد لأنها بيعة غير البيعة الأولى وقد قال بعض الناس لا يشتريها البائع بِأَقَلَّ من الثَّمَنِ وَزَعَمَ أَنَّ الْقِيَاسَ في ذلك جَائِزٌ وَلَكِنَّهُ زَعْمٌ تَبِعَ الْأَثَرَ وَمَحْمُودٌ منه أَنْ يَتْبَعَ الْأَثَرَ الصَّحِيحَ فلما سئل عن الْأَثَرِ إذَا هو أبو إِسْحَاقَ عن امْرَأَتِهِ عَالِيَةَ بِنْتِ أَنْفَعَ أنها دَخَلَتْ مع امْرَأَةِ أبي السَّفَرِ على عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها فَذَكَرَتْ لِعَائِشَةَ أَنَّ زَيْدَ بن أَرْقَمَ بَاعَ شيئا إلَى الْعَطَاءِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهُ بِهِ فقالت عَائِشَةُ أَخْبِرِي زَيْدَ بن أَرْقَمَ أَنَّ اللَّهَ قد أَبْطَلَ جِهَادَهُ مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا أَنْ يَتُوبَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقِيلَ له ثَبَتَ هذا الْحَدِيثُ عن عَائِشَةَ فقال أبو إِسْحَاقَ رَوَاهُ عن امْرَأَتِهِ فَقِيلَ فَتَعْرِفُ امْرَأَتَهُ بِشَيْءٍ يُثْبِتُ بِهِ حَدِيثَهَا فما عَلِمْته قال شيئا فَقُلْت تَرُدُّ حَدِيثَ
____________________

(3/38)


بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ مُهَاجِرَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِالْفَضْلِ بِأَنْ تَقُولَ حَدِيثُ امْرَأَةٍ وَتَحْتَجُّ بِحَدِيثِ امْرَأَةٍ لَيْسَتْ عِنْدَك منها مَعْرِفَةٌ أَكْثَرُ من أَنَّ زَوْجَهَا رَوَى عنها وَلَوْ كان هذا من حديث من يَثْبُتُ حَدِيثُهُ هل كان أَكْثَرُ ما في هذا إلَّا أَنَّ زَيْدَ بن أَرْقَمَ وَعَائِشَةَ اخْتَلَفَا لِأَنَّك تَعْلَمُ أَنَّ زَيْدًا لَا يَبِيعُ إلَّا ما يَرَاهُ حَلَالًا له وَرَأَتْهُ عَائِشَةُ حَرَامًا وَزَعَمْت أَنَّ الْقِيَاسَ مع قَوْلِ زَيْدٍ فَكَيْفَ لم تَذْهَبْ إلَى قَوْلِ زَيْدٍ وَمَعَهُ الْقِيَاسُ وَأَنْتَ تَذْهَبُ إلَى الْقِيَاسِ في بَعْضِ الْحَالَاتِ فَتَتْرُكُ بِهِ السُّنَّةَ الثَّابِتَةَ قال أَفَلَيْسَ قَوْلُ عَائِشَةَ مُخَالِفًا لِقَوْلِ زَيْدٍ قِيلَ ما تَدْرِي لَعَلَّهَا إنَّمَا خَالَفَتْهُ في أَنَّهُ بَاعَ إلَى الْعَطَاءِ وَنَحْنُ نُخَالِفُهُ في هذا الْمَوْضِعِ لِأَنَّهُ أَجَلٌ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَأَمَّا إنْ اشْتَرَاهَا بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهُ بها فَلَعَلَّهَا لم تُخَالِفْهُ فيه قَطُّ لَعَلَّهَا رَأَتْ الْبَيْعَ إلَى الْعَطَاءِ مَفْسُوخًا وَرَأَتْ بَيْعَهُ إلَى الْعَطَاءِ لَا يَجُوزُ فَرَأَتْهُ لم يَمْلِكْ ما بَاعَ وَلَا بَأْسَ في أَنْ يُسْلِفَ الرَّجُلُ فِيمَا ليس عِنْدَهُ أَصْلُهُ وإذا أَرَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ السِّلْعَةَ فقال اشْتَرِ هذه وَأُرْبِحْك فيها كَذَا فَاشْتَرَاهَا الرَّجُلُ فَالشِّرَاءُ جَائِزٌ وَاَلَّذِي قال أُرْبِحْك فيها بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَحْدَثَ فيها بَيْعًا وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَهَكَذَا إنْ قال اشْتَرِ لي مَتَاعًا وَوَصَفَهُ له أو مَتَاعًا أَيَّ مَتَاعٍ شِئْت وأنا أُرْبِحْك فيه فَكُلُّ هذا سَوَاءٌ يَجُوزُ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ وَيَكُونُ هذا فِيمَا أَعْطَى من نَفْسِهِ بِالْخِيَارِ وَسَوَاءٌ في هذا ما وَصَفْتُ إنْ كان قال أَبْتَاعُهُ وَأَشْتَرِيهِ مِنْك بِنَقْدٍ أو دَيْنٍ يَجُوزُ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ وَيَكُونَانِ بِالْخِيَارِ في الْبَيْعِ الْآخَرِ فَإِنْ جَدَّدَاهُ جَازَ وَإِنْ تَبَايَعَا بِهِ على أَنْ أَلْزَمَا أَنْفُسَهُمَا الْأَمْرَ الْأَوَّلَ فَهُوَ مَفْسُوخٌ من قِبَلِ شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ تَبَايَعَاهُ قبل أَنْ يَمْلِكَهُ الْبَائِعُ وَالثَّانِي أَنَّهُ على مُخَاطَرَةِ أَنَّك إنْ اشْتَرَيْتَهُ على كَذَا أُرْبِحْك فيه كَذَا وَإِنْ اشْتَرَى الرَّجُلُ طَعَامًا إلَى أَجَلٍ فَقَبَضَهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَهُ مِمَّنْ اشْتَرَاهُ منه وَمِنْ غَيْرِهِ بِنَقْدٍ وَإِلَى أَجَلٍ وَسَوَاءٌ في هذا الْمُعَيَّنَيْنِ وَغَيْرِ الْمُعَيَّنَيْنِ وإذا بَاعَ الرَّجُلُ السِّلْعَةَ بِنَقْدٍ أو إلَى أَجَلٍ فَتَسَوَّمَ بها الْمُبْتَاعُ فَبَارَتْ عليه أو بَاعَهَا بِوَضْعٍ أو هَلَكَتْ من يَدِهِ فَسَأَلَ الْبَائِعَ أَنْ يَضَعَ عنه من ثَمَنِهَا شيئا أو يَهَبَهَا كُلَّهَا فَذَلِكَ إلَى الْبَائِعِ إنْ شَاءَ فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ لم يَفْعَلْ من قِبَلِ أَنَّ الثَّمَنَ له لَازِمٌ فَإِنْ شَاءَ تَرَكَ له من الثَّمَنِ اللَّازِمِ وَإِنْ شَاءَ لم يَتْرُكْ وَسَوَاءٌ كان هذا عن عَادَةٍ اعْتَادَهَا أو غَيْرِ عَادَةٍ وَسَوَاءٌ أَحْدَثَا هذا في أَوَّلِ بَيْعَةٍ تَبَايَعَا بِهِ أو بَعْدَ مِائَةِ بَيْعَةٍ ليس لِلْعَادَةِ التي اعْتَادَهَا مَعْنًى يُحِلُّ شيئا وَلَا يُحَرِّمُهُ وَكَذَلِكَ الْمَوْعِدُ إنْ كان قبل الْعَقْدِ أو بَعْدَهُ فَإِنْ عَقَدَ الْبَيْعَ على مَوْعِدٍ أَنَّهُ إنْ وَضَعَ في الْبَيْعِ وَضَعَ عنه فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ لِأَنَّ الثَّمَنَ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَلَيْسَ تَفْسُدُ الْبُيُوعُ أَبَدًا وَلَا النِّكَاحُ وَلَا شَيْءٌ أَبَدًا إلَّا بِالْعَقْدِ فإذا عَقَدَ عَقْدًا صَحِيحًا لم يُفْسِدْهُ شَيْءٌ تَقَدَّمَهُ وَلَا تَأَخَّرَ عنه كما إذَا عقد عَقَدَا فَاسِدًا لم يُصْلِحْهُ شَيْءٌ تَقَدَّمَهُ وَلَا تَأَخَّرَ عنه إلَّا بِتَجْدِيدِ عَقْدٍ صَحِيحٍ وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ من الرَّجُلِ طَعَامًا بِدِينَارٍ على أَنَّ الدِّينَارَ عليه إلَى شَهْرٍ إلَّا أَنْ يَبِيعَ الطَّعَامَ قبل ذلك فَيُعْطِيَهُ ما بَاعَ من الطَّعَامِ فَلَا خَيْرَ فيه لِأَنَّهُ إلَى أَجَلٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ وَلَوْ بَاعَهُ إلَى شَهْرٍ ولم يَشْرِطْ في الْعَقْدِ شيئا أَكْثَرَ من ذلك ثُمَّ قال له إنْ بِعْتَهُ أَعْطَيْتُك قبل الشَّهْرِ كان جَائِزًا وكان مَوْعِدًا إنْ شَاءَ وَفَّى له وَإِنْ شَاءَ لم يَفِ له لِأَنَّهُ لَا يَفْسُدُ حتى يَكُونَ في الْعَقْدِ وإذا ابْتَاعَ رَجُلٌ طَعَامًا سَمَّى الثَّمَنَ إلَى أَجَلٍ وَالطَّعَامُ نَقْدٌ وَقَبَضَ الطَّعَامَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ الطَّعَامَ بِحَدَاثَةِ الْقَبْضِ وَبَعْدَ زَمَانٍ إذَا صَارَ من ضَمَانِهِ من الذي اشْتَرَى منه وَمِنْ غَيْرِهِ وَبِنَقْدٍ وَإِلَى أَجَلٍ لِأَنَّ الْبَيْعَةَ الْآخِرَةَ غَيْرُ الْبَيْعَةِ الْأُولَى وإذا سَلَّفَ رَجُلٌ في الْعُرُوضِ وَالطَّعَامِ الذي يَتَغَيَّرُ إلَى أَجَلٍ فَلَيْسَ عليه أَنْ يَقْبِضَهُ حتى يَحِلَّ أَجَلُهُ فإذا حَلَّ أَجَلُهُ جُبِرَ على قَبَضَهُ وَسَوَاءٌ عَرَضَهُ عليه قبل أَنْ يَحِلَّ الْأَجَلُ بِسَاعَةٍ أو بِسَنَةٍ وَإِنْ اجْتَمَعَا على الرِّضَا بِقَبْضِهِ فَلَا بَأْسَ وَسَوَاءٌ كان ذلك قبل أَنْ يَحِلَّ الْأَجَلُ بِسَنَةٍ أو بِسَاعَةٍ وإذا
____________________

(3/39)


ابْتَاعَ الرَّجُلُ شيئا من الْحَيَوَانِ أو غَيْرِهِ غَائِبًا عنه وَالْمُشْتَرِي يَعْرِفُهُ بِعَيْنِهِ فَالشِّرَاءُ جَائِزٌ وهو مَضْمُونٌ من مَالِ الْبَائِعِ حتى يَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي فإذا كان الْمُشْتَرِي لم يَرَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ من عَيْبٍ وَمِنْ غَيْرِ عَيْبٍ وَسَوَاءٌ وُصِفَ له أو لم يُوصَفْ إذَا اشْتَرَاهُ بِعَيْنِهِ غير مَضْمُونٍ على صَاحِبِهِ فَهُوَ سَوَاءٌ وهو شِرَاءُ عَيْنٍ وَلَوْ جاء بِهِ على الصِّفَةِ إذَا لم يَكُنْ رَآهُ لم يَلْزَمْهُ أَنْ يَأْخُذَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ وَسَوَاءٌ أَدْرَكْتهَا بِالصِّفَةِ حَيَّةً أو مَيِّتَةً وَلَوْ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ على صِفَةٍ مَضْمُونَةٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ فَجَاءَهُ بِالصِّفَةِ لَزِمَتْ الْمُشْتَرِيَ أَحَبَّ أو كَرِهَ وَذَلِكَ أَنَّ شِرَاءَهُ ليس بِعَيْنٍ وَلَوْ وَجَدَ تِلْكَ الصِّفَةَ في يَدِ الْبَائِعِ فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَهَا كان لِلْبَائِعِ أَنْ يَمْنَعَهُ إيَّاهَا إذَا أَعْطَاهُ صِفَةً غَيْرَهَا وَهَذَا فَرْقٌ بين شِرَاءِ الْأَعْيَانِ وَالصِّفَاتِ الْأَعْيَانُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحَوِّلَ الشِّرَاءَ منها في غَيْرِهَا إلَّا أَنْ يَرْضَى الْمُبْتَاعُ وَالصِّفَاتُ يَجُوزُ أَنْ تُحَوَّلُ صِفَةٌ في غَيْرِهَا إذَا أَوْفَى أَدْنَى صِفَةٍ وَيَجُوزُ النَّقْدُ في الشَّيْءِ الْغَائِبِ وفي الشَّيْءِ الْحَاضِرِ بِالْخِيَارِ وَلَيْسَ هذا من بَيْعٍ وَسَلَفٍ بِسَبِيلٍ وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ الشَّيْءَ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ تَطَوَّعَ بِالنَّقْدِ فَلَا بَأْسَ وإذا اشْتَرَى ولم يُسَمِّ أَجَلًا فَهُوَ بِنَقْدٍ وَلَا أُلْزِمُهُ أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ حتى يَدْفَعَ إلَيْهِ ما اشْتَرَى وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ أو الْعَبْدَ وقد رَآهُ وهو غَائِبٌ عنه وَأَبْرَأ الْبَائِعَ من عَيْبٍ بِهِ ثُمَّ أَتَاهُ بِهِ فقال قد زَادَ الْعَيْبُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مع يَمِينِهِ وَلَا تُبَاعُ السِّلْعَةُ الْغَائِبَةُ على أنها إنْ تَلِفَتْ فَعَلَى صَاحِبِهَا مِثْلُهَا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ الشَّيْءَ لِغَائِبٍ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَالْأَجَلُ من يَوْمِ تَقَعُ الصَّفْقَةُ فَإِنْ قال اشتريها مِنْك إلَى شَهْرٍ من يَوْمِ أَقْبِضُ السِّلْعَةَ فَالشِّرَاءُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ قد يَقْبِضُهَا في يَوْمِهِ وَيَقْبِضُهَا بَعْدَ شَهْرٍ وَأَكْثَرَ - * بَابٌ في بَيْعِ الْغَائِبِ إلَى أَجَلٍ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا بَاعَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ عَبْدًا له غَائِبًا بِذَهَبٍ دَيْنًا له على آخَرَ أو غَائِبَةً عنه بِبَلَدٍ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ ( قال ) وَكَذَلِكَ لو بَاعَهُ عَبْدًا وَدَفَعَهُ إلَيْهِ إلَّا أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ ويرضى الْآخَرَ بِحَوَالَةٍ على رَجُلٍ فإما أَنْ يَبِيعَهُ إيَّاهُ وَيَقُولُ خُذْ ذَهَبِي الْغَائِبَةَ على أَنَّهُ إنْ لم يَجِدْهَا فَالْمُشْتَرِي ضَامِنٌ لها فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ لِأَنَّ هذا أَجَلٌ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَبَيْعٌ بِغَيْرِ مُدَّةٍ وَمُحَوَّلًا في ذِمَّةٍ أُخْرَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ أتى حَائِكًا فَاشْتَرَى ثَوْبًا على مَنْسَجِهِ قد بَقِيَ منه بَعْضُهُ فَلَا خَيْرَ فيه نَقَدَهُ أو لم يَنْقُدْهُ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي كَيْفَ يُخْرِجُ بَاقِيَ الثَّوْبِ وَهَذَا لَا بَيْعُ عَيْنٍ يَرَاهَا وَلَا صِفَةٍ مَضْمُونَةٍ قال وَلَا بَأْسَ بِشِرَاءِ الدَّارِ حَاضِرَةً وَغَائِبَةً وَنَقْدِ ثَمَنِهَا وَمُذَارَعَةً وَغَيْرَ مُذَارَعَةٍ ( قال ) وَلَا بَأْسَ بِالنَّقْدِ في بَيْعِ الْخِيَارِ ( قال ) وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ بِالْخِيَارِ وَقَبَضَ الْمُشْتَرِي فَالْمُشْتَرِي ضَامِنٌ حتى يَرُدَّ السِّلْعَةَ كما أَخَذَهَا وَسَوَاءٌ كان الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أو لِلْمُشْتَرِي أو لَهُمَا مَعًا وإذا بَاعَ الرَّجُلُ السِّلْعَةَ وهو بِالْخِيَارِ فَلَيْسَ لِلَّذِي عليه الْخِيَارُ أَنْ يَرُدَّ إنَّمَا يَرُدُّ الذي له الْخِيَارُ ( قال ) وَبَيْعُ الْخِيَارِ جَائِزٌ من بَاعَ جَارِيَةً فَلِلْمُشْتَرِي قَبْضُهَا وَلَيْسَ عليه وَضْعُهَا لِلِاسْتِبْرَاءِ وَيَسْتَبْرِئُهَا الْمُشْتَرِي عِنْدَهُ وإذا قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي فَهِيَ من ضَمَانِهِ وفي مِلْكِهِ وإذا حَالَ الْبَائِعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَضَعَهَا على يَدَيْ عَدْلٍ يَسْتَبْرِئُهَا فَهِيَ من ضَمَانِ الْبَائِعِ حتى يَقْبِضَهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ يَكُونَ هو الذي يَضَعُهَا وَيَجُوزُ بَيْعُ الْمُشْتَرِي فيها وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْبَائِعِ حتى يَرُدَّهَا الْمُشْتَرِي أو يَتَفَاسَخَا الْبَيْعَ وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِالْخِيَارِ فَمَاتَ قبل أَنْ يَخْتَارَ فَوَرَثَتُهُ يَقُومُونَ مَقَامَهُ وإذا بَاعَ الرَّجُلُ السِّلْعَةَ لِرَجُلٍ وَاسْتَثْنَى رِضَا الْمَبِيعِ له ما بَيْنَهُ وَبَيْنَ ثَلَاثٍ فَإِنْ رضي الْمَبِيعُ له فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَإِنْ أَرَادَ الرَّدَّ فَلَهُ الرَّدُّ وَإِنْ جَعَلَ الرَّدَّ إلَى غَيْرِهِ فَلَيْسَ ذلك له إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ وَكِيلًا بِرَدٍّ أو إجَازَةٍ فَتَجُوزُ الْوَكَالَةُ عن أَمْرِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ بَاعَ
____________________

(3/40)


سِلْعَةً على رِضَا غَيْرِهِ كان لِلَّذِي شُرِطَ له الرِّضَا الرَّدُّ ولم يَكُنْ لِلْبَائِعِ فَإِنْ قال على أَنْ أَسْتَأْمِرَ فَلَيْسَ له أَنْ يَرُدَّ حتى يَقُولَ قد اسْتَأْمَرْتُ فَأُمِرْتُ بِالرَّدِّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا خَيْرَ في أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ الدَّابَّةَ بِعَيْنِهَا على أَنْ يَقْبِضَهَا بَعْدَ سَنَةٍ لِأَنَّهَا قد تَتَغَيَّرُ إلَى سَنَةٍ وَتَتْلَفُ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ الدَّابَّةَ وَيَشْتَرِطَ رُكُوبَهَا قَلَّ ذلك أو كَثُرَ ( قال ) وَلَا خَيْرَ في أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ الدَّابَّةَ وَيَشْتَرِطَ عِقَاقَهَا وَلَوْ قال هِيَ عَقُوقٌ ولم يَشْرِطْ ذلك لم يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ وإذا بَاعَ الرَّجُلُ وَلَدَ جَارِيَتِهِ على أَنَّ عليه رَضَاعَهُ وَمُؤْنَتَهُ سَنَةً أو أَقَلَّ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ قد يَمُوتُ قبل سَنَةٍ فَلَوْ كان مَضْمُونًا لِلْمُشْتَرِي فَضْلُ الرَّضَاعِ لم يَجُزْ لِأَنَّهُ وَقْعٌ لَا يَعْرِفُ حِصَّتَهُ من حِصَّةِ الْبَيْعِ وَلَوْ كان مَضْمُونًا من الْبَائِعِ كان عَيْنًا يَقْدِرُ على قَبْضِهَا وَلَا يَقْدِرُ على قَبْضِهَا إلَّا بَعْدَ سَنَةٍ وَيَكُونُ دُونَهَا وَبَيْعٌ وَإِجَارَةٌ - * بَابُ ثَمَرِ الْحَائِطِ يُبَاعُ أَصْلُهُ - * أخبرنا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن الزُّهْرِيِّ عن سَالِمٍ عن أبيه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من بَاعَ نَخْلًا بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من بَاعَ نَخْلًا قد أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا الْحَدِيثُ ثَابِتٌ عِنْدَنَا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَبِهِ نَأْخُذُ وَفِيهِ دَلَالَاتٌ إحْدَاهَا لَا يُشْكَلُ في أَنَّ الْحَائِطَ إذَا بِيعَ وقد أُبِّرَ نَخْلُهُ فَالثَّمَرَةُ لِبَائِعِهِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا مبتاعة فَيَكُونُ مِمَّا وَقَعَتْ عليه صَفْقَةُ الْبَيْعِ وَيَكُونُ لها حِصَّةٌ من الثَّمَنِ ( قال ) وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الْحَائِطَ إذَا بِيعَ ولم يُؤَبَّرْ نَخْلُهُ فَالثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذا ( ( ( إذ ) ) ) حَدَّ فقال إذَا أُبِّرَ فَثَمَرَتُهُ لِلْبَائِعِ فَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ حُكْمَهُ إذَا لم يُؤَبَّرْ غَيْرُ حُكْمِهِ إذَا أُبِّرَ وَلَا يَكُونُ ما فيه إلَّا لِلْبَائِعِ أو لِلْمُشْتَرِي لَا لِغَيْرِهِمَا وَلَا مَوْقُوفًا فَمَنْ بَاعَ حَائِطًا لم يُؤَبَّرْ فَالثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي بِغَيْرِ شَرْطٍ اسْتِدْلَالًا مَوْجُودًا بِالسُّنَّةِ ( قال ) وَمَنْ بَاعَ أَصْلَ فَحْلِ نَخْلٍ أو فُحُولٍ بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ إنَاثُ النَّخْلِ فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ وَمَنْ بَاعَ فَحْلًا قبل أَنْ تُؤَبَّرَ إنَاثُ النَّخْلِ فَالثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي ( قال ) وَالْحَوَائِطُ تَخْتَلِفُ بِتِهَامَةَ وَنَجْدٍ والسقف ( ( ( والسقيف ) ) ) فَيَسْتَأْخِرُ إبَارُ كل بَلَدٍ بِقَدْرِ حَرِّهَا وَبَرْدِهَا وما قَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى من إبَّانِهَا فَمَنْ بَاعَ حَائِطًا منها لم يُؤَبَّرْ فَثَمَرُهُ لِلْمُبْتَاعِ وَإِنْ أُبِّرَ غَيْرُهُ لِأَنَّ حُكْمَهُ بِهِ لَا بِغَيْرِهِ وَكَذَلِكَ لَا يُبَاعُ منها شَيْءٌ حتى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ وَإِنْ بَدَا صَلَاحُ غَيْرِهِ وَسَوَاءٌ كان نَخْلُ الرَّجُلِ قَلِيلًا أو كَثِيرًا إذَا كان في حِظَارٍ وَاحِدٍ أو بُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ في غَيْرِ حِظَارٍ فَبَدَا صَلَاحُ وَاحِدَةٍ منه حَلَّ بَيْعُهُ وَلَوْ كان إلَى جَنْبِهِ حَائِطٌ له آخَرُ أو لِغَيْرِهِ فَبَدَا صَلَاحُ حَائِطِ غَيْرِهِ الذي هو إلَى جَنْبِهِ لم يَحِلَّ بَيْعُ ثَمَرِ حَائِطِهِ بِحُلُولِ بَيْعِ الذي إلَى جَنْبِهِ وَأَقَلُّ ذلك أَنْ يُرَى في شَيْءٍ منه الْحُمْرَةُ أو الصُّفْرَةُ وَأَقَلُّ الْإِبَارِ أَنْ يَكُونَ في شَيْءٍ منه الْإِبَارُ فَيَقَعُ عليه اسْمُ أَنَّهُ قد أُبِّرَ كما أَنَّهُ إذَا بَدَا صَلَاحُ شَيْءٍ منه وَقَعَ عليه اسْمُ أَنَّهُ قد بَدَا صَلَاحُهُ وَاسْمُ أَنَّهُ قد أُبِّرَ فَيَحِلُّ بَيْعُهُ وَلَا يُنْتَظَرُ آخِرُهُ بَعْدَ أَنْ يُرَى ذلك في أَوَّلِهِ ( قال ) وَالْإِبَارُ التَّلْقِيحُ وهو أَنْ يَأْخُذَ شيئا من طَلْعِ الْفَحْلِ فَيُدْخِلُهُ بين ظَهْرَانَيْ طَلْعِ الْإِنَاثِ من النَّخْلِ فَيَكُونُ له بِإِذْنِ اللَّهِ صَلَاحًا ( قال ) وَالدَّلَالَة بِالسُّنَّةِ في النَّخْلِ قبل أَنْ يُؤَبَّرَ وَبَعْدَ الْإِبَارِ في أَنَّهُ دَاخِلٌ في الْبَيْعِ مِثْلُ الدَّلَالَةِ بِالْإِجْمَاعِ في جَنِينِ الْأَمَةِ وَذَاتِ الْحَمْلِ من الْبَهَائِمِ فإن الناس لم يَخْتَلِفُوا في أَنَّ كُلَّ ذَاتِ حَمْلٍ من بَنِي آدَمَ وَمِنْ
____________________

(3/41)


الْبَهَائِمِ بِيعَتْ فَحَمْلُهَا تَبَعٌ لها كَعُضْوٍ منها دَاخِلٌ في الْبَيْعِ بِلَا حِصَّةٍ من الثَّمَنِ لِأَنَّهُ لم يُزَايِلْهَا وَمَنْ بَاعَهَا وقد وَلَدَتْ فَالْوَلَدُ غَيْرُهَا وهو لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ فَيَكُونُ قد وَقَعَتْ عليه الصَّفْقَةُ وَكَانَتْ له حِصَّةٌ من الثَّمَنِ وَيُخَالِفُ الثَّمَرُ لم يُؤَبَّرْ الْجَنِينَ في أَنَّ له حِصَّةً من الثَّمَنِ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ وَلَيْسَتْ لِلْجَنِينِ لِأَنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَلَوْلَا ما جاء عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في ذلك لَمَا كان الثَّمَرُ قد طَلَعَ مِثْلَ الْجَنِينِ في بَطْنِ امه لِأَنَّهُ قد يَقْدِرُ على قَطْعِهِ وَالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَجَرِهِ وَيَكُونُ ذلك مُبَاحًا منه وَالْجَنِينُ لَا يَقْدِرُ على إخْرَاجِهِ حتى يُقَدِّرَ اللَّهُ تَعَالَى له وَلَا يُبَاحُ لِأَحَدٍ إخْرَاجُهُ وَإِنَّمَا جَمَعْنَا بَيْنَهُمَا حَيْثُ اجْتَمَعَا في بَعْضِ حُكْمِهِمَا بِأَنَّ السُّنَّةَ جَاءَتْ في الثَّمَرِ لم يُؤَبَّرْ كَمَعْنَى الْجَنِينِ في الْإِجْمَاعِ فَجَمْعُنَا بَيْنَهُمَا خَبَرًا لَا قِيَاسًا إذْ وَجَدْنَا حُكْمَ السُّنَّةِ في الثَّمَرِ لم يُؤَبَّرْ كَحُكْمِ الْإِجْمَاعِ في جَنِينِ الْأَمَةِ وَإِنَّمَا مَثَّلْنَا فيه تَمْثِيلًا لِيَفْقَهَهُ من سَمِعَهُ من غَيْرِ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُقَاسَ على شَيْءٍ بَلْ الْأَشْيَاءُ تَكُونُ له تَبَعًا ( قال ) وَلَوْ بَاعَ رَجُلٌ أَصْلَ حَائِطٍ وقد تَشَقَّقَ طَلْعُ إنَاثِهِ أو شَيْءٌ منه فَأَخَّرَ إبَارَهُ وقد أُبِّرَ غَيْرُهُ مِمَّنْ حَالُهُ مِثْلُ حَالِهِ كان حُكْمُهُ حُكْمَ ما تَأَبَّرَ لِأَنَّهُ قد جاء عليه وَقْتُ الْإِبَارِ وَظَهَرَتْ الثَّمَرَةُ وريئت ( ( ( ورئيت ) ) ) بَعْدَ تَغْيِيبِهَا في الْجُفِّ قال وإذا بَدَأَ في إبَارِ شَيْءٍ منه كان جَمِيعُ ثَمَرِ الْحَائِطِ الْمَبِيعِ لِلْبَائِعِ كما يَكُونُ إذَا ريئت ( ( ( رئيت ) ) ) في شَيْءٍ من الْحَائِطِ الْحُمْرَةُ أو الصُّفْرَةُ حَلَّ بَيْعُ الثَّمَرَةِ وَإِنْ كان بَعْضُهُ أو أَكْثَرُهُ لم يَحْمَرَّ أو يَصْفَرَّ ( قال ) وَالْكُرْسُفُ إذَا بِيعَ أَصْلُهُ كَالنَّخْلِ إذَا خَرَجَ من جَوْزِهِ ولم يَنْشَقَّ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي وإذا انْشَقَّ جَوْزُهُ فَهُوَ لِلْبَائِعِ كما يَكُونُ الطَّلْعُ قبل الْإِبَارِ وَبَعْدَهُ ( قال ) فَإِنْ قال قَائِلٌ فَإِنَّمَا جَعَلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الثَّمَرَةَ لِلْبَائِعِ إذَا ابر فَكَيْفَ قُلْت يَكُونُ له إذَا اسْتَأْبَرَ وَإِنْ لم يُؤَبَّرْ قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَا مَعْنَى للابار إلَّا وَقْتَهُ وَلَوْ كان الذي يُوجِبُ الثَّمَرَةَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا يَسْتَحِقُّهَا بِأَنْ يَأْبُرَهَا فَاخْتَلَفَ هو وَالْمُشْتَرِي انْبَغَى أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي شيئا قد خَرَجَ منه إلَى الْمُشْتَرِي وَانْبَغَى إنْ تَصَادَقَا أَنْ يَكُونَ له ثَمَرُ كل نَخْلَةٍ أَبَّرَهَا وَلَا يَكُونُ له ثَمَرُ نَخْلَةٍ لم يَأْبُرْهَا ( قال ) وما قُلْت من هذا هو مَوْجُودٌ في السُّنَّةِ في بَيْعِ الثَّمَرِ إذَا بَدَا صَلَاحُهُ وَذَلِكَ إذَا احْمَرَّ أو بَعْضُهُ وَذَلِكَ وَقْتٌ يَأْتِي عليه وَهَذَا مَذْكُورٌ في بَيْعِ الثِّمَارِ إذَا بَدَا صَلَاحُهَا ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّ عَطَاءً أخبره أَنَّ رَجُلًا بَاعَ على عَهْدِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حَائِطًا مُثْمِرًا ولم يَشْتَرِطْ الْمُبْتَاعُ الثَّمَرَ ولم يَسْتَثْنِ الْبَائِعُ الثَّمَرَ ولم يَذْكُرَاهُ فلما ثَبَتَ الْبَيْعُ اخْتَلَفَا في الثَّمَرِ فَاحْتُكِمَا فيه إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَقَضَى بِالثَّمَرِ لِلَّذِي لَقَّحَ النَّخْلَ لِلْبَائِعِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن بن طاوس ( ( ( طاووس ) ) ) عن أبيه أَنَّهُ كان يقول في الْعَبْدِ له الْمَالُ وفي النَّخْلِ الْمُثْمِرِ يُبَاعَانِ وَلَا يَذْكُرَانِ مَالَهُ وَلَا ثَمَرَهُ هو لِلْبَائِعِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ أَرَأَيْت لو أَنَّ إنْسَانًا بَاعَ رَقَبَةَ حَائِطٍ مُثْمِرٍ لم يذكر الثَّمَرَةَ عِنْدَ الْبَيْعِ لَا الْبَائِعُ وَلَا الْمُشْتَرِي أو عَبْدًا له مَالٌ كَذَلِكَ فلما ثَبَتَ الْبَيْعُ قال الْمُبْتَاعُ إنِّي أَرَدْت الثَّمَرَ قال لَا يُصَدَّقُ وَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَعَنْ بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ عَبْدًا له مَالٌ قال نِيَّتُهُ في ذلك إنْ كان نَوَى في نَفْسِهِ أَنَّ مَالَهُ لَا يُعْتَقُ معه فَمَالُهُ كُلُّهُ لِسَيِّدِهِ وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ في الثَّمَرَةِ وَالْعَبْدِ ( قال ) وإذا بِيعَتْ رَقَبَةُ الْحَائِطِ وقد أُبِّرَ شَيْءٌ من نَخْلِهِ فَثَمَرَةُ ذلك النَّخْلِ في عامة ذلك لِلْبَائِعِ وَلَوْ كان منه ما لم يُؤَبَّرْ ولم يَطْلُعْ لِأَنَّ حُكْمَ ثَمَرَةِ ذلك النَّخْلِ في عَامِهِ ذلك حُكْمٌ وَاحِدٌ كما يَكُونُ إذَا بَدَا صَلَاحُهُ ولم يُؤَبَّرْ ( قال ) وَلَوْ اصيبت الثَّمَرَةُ في يَدَيْ مُشْتَرِي رَقَبَةِ الْحَائِطِ بِجَائِحَةٍ تَأْتِي عليه أو على بَعْضِهِ فَلَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ بِالثَّمَرَةِ الْمُصَابَةِ وَلَا بِشَيْءٍ منها على الْبَائِعِ فَإِنْ قال قَائِلٌ ولم لَا يَرْجِعْ بها وَلَهَا من الثَّمَنِ حِصَّةٌ قِيلَ
____________________

(3/42)


لِأَنَّهَا إنَّمَا جَازَتْ تَبَعًا في الْبَيْعِ إلا تَرَى أنها لو كانت تُبَاعُ مُنْفَرِدَةً لم يَحِلَّ بَيْعُهَا حتى تَحْمَرَّ فلما كانت تَبَعًا في بَيْعِ رَقَبَةِ الْحَائِطِ حَلَّ بَيْعُهَا وكان حُكْمُهَا حُكْمَ رَقَبَةِ الْحَائِطِ وَنَخْلِهِ الذي يَحِلُّ بَيْعُ صَغِيرِهِ وكبيرة وَكَانَتْ مَقْبُوضَةً لِقَبْضِ النَّخْلِ وَكَانَتْ الْمُصِيبَةُ بها كَالْمُصِيبَةِ بِالنَّخْلِ وَالْمُشْتَرِي لو أُصِيبَ بِالنَّخْلِ بَعْدَ أَنْ يَقْبِضَهَا كانت الْمُصِيبَةُ منه فَإِنْ ابْتَاعَ رَجُلٌ حَائِطًا فيه ثَمَرٌ لم يُؤَبَّرْ كان له مع النَّخْلِ أو شَرَطَهُ بعد ما أُبِّرَ فَكَانَ له بِالشَّرْطِ مع النَّخْلِ فلم يَقْبِضْهُ حتى أُصِيبَ بَعْضُ الثَّمَرِ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ بِالْخِيَارِ في رَدِّ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ لم يَسْلَمْ له كما اشْتَرَى أو أَخَذَهُ بِحِصَّتِهِ من الثَّمَنِ بِحَسَبِ ثَمَنِ الْحَائِطِ أو الثَّمَرَةِ فينظر كم حِصَّةُ الْمُصَابِ منها فَيُطْرَحُ عن الْمُشْتَرِي من أَصْلِ الثَّمَنِ بِقَدْرِهِ فَإِنْ كان الثَّمَنُ مِائَةً وَالْمُصَابُ عُشْرَ الْعُشْرِ مِمَّا اشْتَرَى طُرِحَ عنه دِينَارٌ من أَصْلِ الثَّمَنِ لَا من قِيمَةِ الْمُصَابِ لِأَنَّهُ شَيْءٌ خَرَجَ من عُقْدَةِ الْبَيْعِ بِالْمُصِيبَةِ وَهَكَذَا كُلُّ ما وَقَعَتْ عليه صَفْقَةُ الْبَيْعِ بِعَيْنِهِ من نَبَاتٍ أو نَخْلٍ أو غَيْرِهِ فما أُصِيبَ منه شَيْءٌ بَعْدَ الصَّفْقَةِ وَقَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ في رَدِّ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ لم يَسْلَمْ إلَيْهِ كما اشْتَرَى بِكَمَالِهِ أو أَخَذَ ما بَقِيَ بِحِصَّتِهِ من الثَّمَنِ لِأَنَّهُ قد مَلَكَهُ مِلْكًا صَحِيحًا وكان في أَصْلِ الْمِلْكِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ منه بِحِصَّتِهِ من الثَّمَنِ الْمُسَمَّى وَلَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي في هذا الْوَجْهِ خِيَارٌ ( قال ) وَهَكَذَا الثَّمَرُ يُبْتَاعُ مع رَقَبَةِ الْحَائِطِ وَيُقْبَضُ فَتُصِيبُهُ الْجَائِحَةُ في قَوْلِ من وَضَعَ الْجَائِحَةَ وفي الْقَوْلِ الْآخَرِ الذي حَكَيْتُ فيه قَوْلًا يُخَالِفُهُ سَوَاءٌ لَا يَخْتَلِفَانِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إنْ شَاءَ رَدَّ الْبَيْعَ بِالنَّقْصِ الذي دخل عليه قبل الْقَبْضِ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ منه بِجَمِيعِ الثَّمَنِ لَا يَنْقُصُ عنه منه شَيْءٌ لِأَنَّهَا صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ ( قال ) فَإِنْ قال قَائِلٌ فَكَيْفَ أَجَزْتُمْ بَيْعَ الثَّمَرَةِ لم يَبْدُ صَلَاحُهَا مع الْحَائِطِ وَجَعَلْتُمْ لها حِصَّةً من الثَّمَنِ ولم تُجِيزُوهَا على الإنفراد قِيلَ بِمَا وَصَفْنَا من السُّنَّةِ فَإِنْ قال فَكَيْفَ أَجَزْتُمْ بَيْعَ الدَّارِ بِطُرُقِهَا وَمَسِيلِ مَائِهَا وَأَفْنِيَتِهَا وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ قِيلَ أَجَزْنَاهُ لِأَنَّهُ في مَعْنَى الثَّمَرَةِ التي لم يَبْدُ صَلَاحُهَا تَبَعٌ في الْبَيْعِ وَلَوْ بِيعَ من هذا شَيْءٌ على الِانْفِرَادِ لم يَجُزْ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَكَيْفَ يَكُونُ دَاخِلًا في جُمْلَةِ الْبَيْعِ وهو أَنَّ بَعْضًا لم يَجُزْ بَيْعُهُ على الإنفراد قِيلَ بِمَا وَصَفْنَا لَك فَإِنْ قال فَهَلْ يَدْخُلُ في هذا الْعَبْدُ يُبَاعُ قُلْت نعم في مَعْنًى وَيُخَالِفُهُ في آخَرَ فَإِنْ قال فما الْمَعْنَى الذي يَدْخُلُ بِهِ فيه قِيلَ إذَا بِعْنَاك عَبْدًا بِعْنَاكَهُ بِكَمَالِ جَوَارِحِهِ وَسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَلَوْ بِعْنَاك جَارِحَةً من جَوَارِحِهِ تَقْطَعُهَا أو لَا تَقْطَعُهَا لم يَجُزْ الْبَيْعُ فَهِيَ إذَا كانت فيه جَازَتْ وإذا أُفْرِدَتْ منه لم يَحِلَّ بَيْعُهَا لِأَنَّ فيها عَذَابًا عليه وَلَيْسَ فيها مَنْفَعَةٌ لِمُشْتَرِيهِ وَلَوْ لم تُقْطَعْ وَهَذَا الْمَوْضِعُ الذي يُخَالِفُ فيه الْعَبْدُ بِمَا وَصَفْنَا من الطُّرُقِ وَالثَّمَرِ وفي ذلك أَنَّهُ يَحِلُّ تَفْرِيقُ الثَّمَرِ وَقَطْعُ الطُّرُقِ وَلَا يَحِلُّ قَطْعُ الْجَارِحَةِ إلَّا بِحُكْمِهَا ( قال ) وَجَمِيعُ ثِمَارِ الشَّجَرِ في مَعْنَى ثَمَرِ النَّخْلِ إذَا ريء في أَوَّلِهِ النُّضْجُ حَلَّ بَيْعُ آخِرِهِ وَهُمَا يَكُونَانِ بَارِزَيْنِ مَعًا وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حتى يُرَى في أَوَّلِهِمَا النُّضْجُ ( قال ) وَتُخَالِفُ الثِّمَارُ من الْأَعْنَابِ وَغَيْرِهَا النَّخْلَ فَتَكُونُ كُلُّ ثَمَرَةٍ خَرَجَتْ بَارِزَةً تُرَى في أَوَّلِ ما تَخْرُجُ كما تُرَى في آخِرِهِ لَا مِثْلُ ثَمَرِ النَّخْلِ في الطَّلْعَةِ يَكُونُ مَغِيبًا وهو يُرَى يَكُونُ بَارِزًا فَهُوَ في مَعْنَى ثَمَرَةِ النَّخْلِ بَارِزًا فإذا بَاعَهُ شَجَرًا مُثْمِرًا فَالثَّمَرُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ لِأَنَّ الثَّمَرَ قد فَارَقَ أَنْ يَكُونَ مُسْتَوْدَعًا في الشَّجَرِ كما يَكُونُ الْحَمْلُ مُسْتَوْدَعًا في الْأَمَةِ ذَاتِ الْحَمْلِ ( قال ) وَمَعْقُولٌ في السُّنَّةِ إذَا كانت الثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ كان على الْمُشْتَرِي تَرْكُهَا في شَجَرِهَا إلَى أَنْ تَبْلُغَ الْجُذَاذَ وَالْقِطَافَ وَاللِّقَاطَ من الشَّجَرِ ( قال ) وإذا كان لَا يُصْلِحُهَا إلَّا السَّقْيُ فَعَلَى الْمُشْتَرِي تَخْلِيَةُ الْبَائِعِ وما يَكْفِي الشَّجَرَ من السَّقْيِ إلَى أَنْ يجد ( ( ( يجذ ) ) ) وَيُلْقَطَ وَيُقْطَعَ فَإِنْ انْقَطَعَ الْمَاءُ فَلَا شَيْءَ على الْمُشْتَرِي فِيمَا أُصِيبَ بِهِ الْبَائِعُ في ثَمَرِهِ وَكَذَلِكَ إنْ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ لم يَبِعْهُ شيئا فَسَأَلَهُ تَسْلِيمَ ما بَاعَهُ ( قال ) وَإِنْ انْقَطَعَ الْمَاءُ فَكَانَ الثَّمَرُ يَصْلُحُ تُرِكَ حتى يَبْلُغَ وَإِنْ كان لَا يَصْلُحُ لم يَمْنَعْهُ صَاحِبُهُ من قَطْعِهِ وَلَا لو كان الْمَاءُ كما هو وَلَوْ قَطَعَهُ فَإِنْ أَرَادَ الْمَاءَ لم يَكُنْ ذلك له إنَّمَا يَكُونُ له من الْمَاءِ ما فيه صَلَاحُ ثَمَرِهِ فإذا ذَهَبَ ثَمَرُهُ فَلَا حَقَّ له في الْمَاءِ ( قال ) وَإِنْ
____________________

(3/43)


انْقَطَعَ الْمَاءُ فَكَانَ بَقَاءُ الثَّمَرَةِ في النَّخْلِ وَغَيْرِهِ من الشَّجَرِ المسقوى يَضُرُّ بِالنَّخْلِ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَسْأَلَ أَهْلَ ذلك الْوَادِي الذي بِهِ ذلك الْمَاءُ فَإِنْ قالوا ليس يَصْلُحُ في مِثْلِ هذا من انْقِطَاعِ الْمَاءِ إلَّا قَطْعُ ثَمَرِهِ عنه وَإِلَّا أَضَرَّ بِقُلُوبِ النَّخْلِ ضَرَرًا بَيِّنًا فيها أَخَذَ صَاحِبُهُ بِقَطْعِهِ إلَّا أَنْ يَسْقِيَهُ مُتَطَوِّعًا وَقِيلَ قد أُصِبْت وَأُصِيبَ صَاحِبُ الْأَصْلِ بِأَكْثَرَ من مُصِيبَتِك فَإِنْ قالوا هو لَا يُضَرُّ بها ضَرَرًا بَيِّنًا وَالثَّمَرُ يَصْلُحُ إنْ تُرِكَ فيها وَإِنْ كان قَطْعُهُ خَيْرًا لها تُرِكَ إذَا لم يَكُنْ فيه ضَرَرٌ بَيِّنٌ فَإِنْ قالوا لَا يَسْلَمُ الثَّمَرُ إلَّا إنْ تُرِكَ أَيَّامًا تُرِكَ أَيَّامًا حتى إذَا بَلَغَ الْوَقْتُ الذي يَقُولُونَ فيه يُهْلَكُ فَلَوْ قِيلَ اقْطَعْهُ لِأَنَّهُ خَيْرٌ لَك وَلِصَاحِبِك كان وَجْهًا وَلَهُ تَرْكُهُ إذَا لم يَضُرَّ بِالنَّخْلِ ضَرَرًا بَيِّنًا وَإِنْ قال صَاحِبُ عِنَبٍ ليس له أَصْلُهُ ادع عِنَبِي فيه لِيَكُونَ أَبْقَى له أو سَفَرْجَلٌ أو تُفَّاحٌ أو غَيْرُهُ لم يَكُنْ له ذلك إذَا كان الْقِطَافُ وَاللِّقَاطُ وَالْجُذَاذُ أَخَذَ بِجُذَاذِ ثَمَرِهِ وقطافه ( ( ( قطافه ) ) ) وَلِقَاطُهُ وَلَا يَتْرُكُ ثَمَرَهُ فيه بَعْدَ أَنْ يَصْلُحَ فيه الْقِطَافُ وَالْجُذَاذُ وَاللِّقَاطُ قال وَإِنْ اخْتَلَفَ رَبُّ الْحَائِطِ وَالْمُشْتَرِي في السَّقْيِ حَمَلَا في السَّقْيِ على ما لَا غِنَى بِالثَّمَرِ وَلَا صَلَاحَ له إلَّا بِهِ وما يسقى عليه أَهْلُ الْأَمْوَالِ أَمْوَالَهُمْ في الثِّمَارِ عَامَّةً لَا ما يَضُرُّ بِالثَّمَرِ وَلَا ما يَزِيدُ فيه مِمَّا لَا يَسْقِيهِ أَهْلُ الْأَمْوَالِ إذَا كانت لهم الثِّمَارُ ( قال ) فَإِنْ كان الْمَبِيعُ تِينًا أو غَيْرَهُ من شَجَرٍ تَكُونُ فيه الثَّمَرَةُ ظَاهِرَةً ثُمَّ تَخْرُجُ قبل أَنْ تَبْلُغَ الْخَارِجَةُ ثَمَرَةَ غَيْرِهَا من ذلك الصِّنْفِ فَإِنْ كانت الْخَارِجَةُ الْمُشْتَرَاةُ تُمَيَّزُ من الثَّمَرَةِ التي تَحْدُثُ لم يَقَعْ عليها الْبَيْعُ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ لِلْمُشْتَرِي الثَّمَرَةَ الْخَارِجَةَ التي اشْتَرَى يَتْرُكُهَا حتى تَبْلُغَ وَإِنْ كانت لَا تُمَيَّزُ مِمَّا يَخْرُجُ بَعْدَهَا من ثَمَرَةِ الشَّجَرَةِ فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ لِأَنَّ ما يَخْرُجُ بَعْدَ الصَّفْقَةِ من الثَّمَرَةِ التي لم تَدْخُلْ في الْبَيْعِ غَيْرُ مُتَمَيِّزٍ من الثَّمَرَةِ الدَّاخِلَةِ في الصَّفْقَةِ وَالْبُيُوعُ لَا تَكُونُ إلَّا مَعْلُومَةً ( قال الرَّبِيعُ ) وَلِلشَّافِعِيِّ في مِثْلِ هذا قَوْلٌ آخَرُ إنَّ الْبَيْعَ مَفْسُوخٌ إذَا كان الْخَارِجُ لَا يَتَمَيَّزُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّ الْحَائِطِ أَنْ يُسَلِّمَ ما زَادَ من الثَّمَرَةِ التي اخْتَلَطَتْ بِثَمَرِ الْمُشْتَرِي يُسَلِّمُهُ لِلْمُشْتَرِي فَيَكُونُ قد صَارَ إلَيْهِ ثَمَرُهُ وَالزِّيَادَةُ إذَا كانت الْخَارِجَةُ لا ( ( ( غير ) ) ) تميز التي تَطَوَّعَ بها ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ بَاعَهُ على أَنْ يَلْقُطَ الثَّمَرَةَ أو يَقْطَعَهَا حتى يَتَبَيَّنَ بها فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وما حَدَثَ في مِلْكِ الْبَائِعِ لِلْبَائِعِ وَإِنَّمَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ إذَا تُرِكَ ثَمَرَتُهُ فَكَانَتْ مُخْتَلِطَةً بِثَمَرَةِ الْمُشْتَرِي لَا تَتَمَيَّزُ منها ( قال ) وإذا بَاعَ رَجُلٌ رَجُلًا أَرْضًا فيها شَجَرُ رُمَّانٍ وَلَوْزٍ وَجَوْزٍ وَرَانِجٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا دُونَهُ قِشْرٌ يُوَارِيه بِكُلِّ حَالٍ فَهُوَ كما وَصَفْت من الثَّمَرِ الْبَادِي الذي لَا قِشْرَ له يُوَارِيهِ إذَا ظَهَرَتْ ثَمَرَتُهُ فَالثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُبْتَاعُ وَذَلِكَ إن قِشْرَ هذا لَا يَنْشَقُّ عَمَّا في أجوافه ( ( ( أجوفه ) ) ) وَصَلَاحُهُ في بَقَائِهِ إلَّا أَنَّ صِنْفًا من الرُّمَّانِ يَنْشَقُّ منه الشَّيْءُ فَيَكُونُ أَنْقَصَ على مَالِكِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَحَ له أَنْ لَا يَنْشَقَّ لِأَنَّهُ أَبْقَى له وَالْقَوْلُ فيه كَالْقَوْلِ في ثَمَرِ الشَّجَرِ غَيْرِ النَّخْلِ من الْعِنَبِ وَالْأُتْرُجِّ وَغَيْرِهِ لَا يخالفه ( ( ( يخافه ) ) ) وَالْقَوْلُ في تَرْكِهِ إلَى بُلُوغِهِ كَالْقَوْلِ فيها وفي ثَمَرِ النَّخْلِ لَا يُعَجِّلُ مَالِكُهُ عن بُلُوغِ صَلَاحِهِ وَلَا يَتْرُكُ وَإِنْ كان ذلك خَيْرًا لِمَالِكِهِ إذَا بَلَغَ أَنْ يَقْطِفَ مِثْلَهَا أو يَلْقُطَ وَالْقَوْلُ في شَيْءٍ إنْ كان يَزِيدُ فيها كَالْقَوْلِ في التِّينِ لَا يَخْتَلِفُ وَكَذَلِكَ في ثَمَرِ كل شَجَرٍ وَهَكَذَا الْقَوْلُ في الْبَاذِنْجَانِ وَغَيْرِهِ من الشَّجَرِ الذي يَثْبُتُ أَصْلُهُ وَعَلَامَةُ الأصل الذي يثبت أن يثمر مرة ثم تقطع ثمرته ثم يثمر أخرى ثم تقطع ثمرته فما كان هكذا فهو من الْأَصْلِ وَذَلِكَ مِثْلُ الْقِثَّاءِ وَالْخِرْبِزِ وَالْكُرْسُفِ وَغَيْرِهِ وما كان إنْمَاءُ ثَمَرَتِهِ مَرَّةً فَمِثْلُ الزَّرْعِ ( قال ) وَمَنْ بَاعَ أَرْضًا فيها زَرْعٌ قد خَرَجَ من الْأَرْضِ فَالزَّرْعُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ فإذا حُصِدَ فَلِصَاحِبِهِ أَخْذُهُ فَإِنْ كان الزَّرْعُ مِمَّا يَبْقَى له أُصُولٌ في الْأَرْضِ تُفْسِدُهَا فَعَلَى صَاحِبِ الزَّرْعِ نَزْعُهَا عن رَبِّ الْأَرْضِ إنْ شَاءَ رَبُّ الْأَرْضِ قال وَهَكَذَا إذَا بَاعَهُ أَرْضًا فيها زَرْعٌ يُحْصَدُ مَرَّةً وَاحِدَةً ( قال ) فَأَمَّا الْقَصَبُ فإذا بَاعَهُ أَرْضًا فيها قَصَبٌ قد خَرَجَ من الْأَرْضِ فَلِمَالِكِهِ من الْقَصَبِ جِزَّةٌ وَاحِدَةٌ وَلَيْسَ له قَلْعُهُ من أَصْلِهِ لِأَنَّهُ أَصْلٌ ( قال ) وَكُلُّ ما يُجَزُّ مِرَارًا من الزَّرْعِ فَمِثْلُ الْقَصَبِ
____________________

(3/44)


في الْأَصْلِ وَالثَّمَرِ ما خَرَجَ لَا يُخَالِفُهُ ( قال ) وإذا بَاعَهُ أَرْضًا فيها مَوْزٌ قد خَرَجَ فَلَهُ ما خَرَجَ من الْمَوْزِ قبل بَيْعِهِ وَلَيْسَ له ما خَرَجَ مَرَّةً أُخْرَى من الشَّجَرِ الذي بِجَنْبِ الْمَوْزِ وَذَلِكَ أَنَّ شَجَرَةَ الْمَوْزِ عِنْدَنَا تَحْمِلُ مَرَّةً وَيَنْبُتُ إلَى جَنْبِهَا أَرْبَعٌ فَتُقْطَعُ وَيَخْرَجُ في الذي حَوْلَهَا ( قال ) فإذا كان شَجَرُ الْمَوْزِ كَثِيرًا وكان يَخْرُجُ في الْمَوْزِ منه الشَّيْءُ الْيَوْمَ وفي الْأُخْرَى غَدًا وفي الْأُخْرَى بَعْدَهُ حتى لَا يَتَمَيَّزَ ما كان منه خَارِجًا عِنْدَ عُقْدَةِ الْبَيْعِ مِمَّا خَرَجَ بَعْدَهُ بِسَاعَةٍ أو أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ فَالْقَوْلُ فيها كَالْقَوْلِ في التِّينِ وما تَتَابَعَ ثَمَرَتُهُ في الْأَصْلِ الْوَاحِدِ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ بَيْعُهُ أَبَدًا وَذَلِكَ أَنَّ الْمَوْزَةَ الحولى يَتَفَرَّقُ وَيَكُونُ بَيْنَهُ أَوْلَادُهُ بَعْضُهَا أَشَفُّ من بَعْضٍ فَيُبَاعُ وفي الحولى مِثْلُهُ مَوْزٌ خَارِجٌ فَيُتْرَكُ لِيَبْلُغَ وَيَخْرُجَ في كل يَوْمٍ من أَوْلَادِهِ بِقَدْرِ إدْرَاكِهِ مُتَتَابِعًا فَلَا يَتَفَرَّقُ منه ما وَقَعَتْ عليه عُقْدَةُ الْبَيْعِ مِمَّا حَدَثَ بَعْدَهَا ولم يَدْخُلْ في عُقْدَةِ الْبَيْعِ وَالْبَيْعُ ما عُرِفَ الْمَبِيعُ منه من غَيْرِ الْمَبِيعِ فَيُسَلَّمُ إلَى كل وَاحِدٍ من الْمُتَبَايِعَيْنِ حَقُّهُ ( قال ) وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ بِأَنْ يَقُولَ له ثَمَرَةُ مِائَةِ شَجَرَةِ مَوْزٍ منه من قِبَلِ أَنَّ ثِمَارَهَا تَخْتَلِفُ ويخطيء ( ( ( ويخطئ ) ) ) وَيُصِيبُ وَكَذَلِكَ كُلُّ ما كان في مَعْنَاهُ من ذِي ثَمَرٍ وَزَرْعٍ ( قال ) وَكُلُّ أَرْضٍ بِيعَتْ بِحُدُودِهَا فَلِمُشْتَرِيهَا جَمِيعُ ما فيها من الْأَصْلِ وَالْأَصْلُ ما وَصَفْت مِمَّا له ثَمَرَةٌ بَعْدَ ثَمَرَةٍ من كل شَجَرٍ وَزُرُوعٍ مُثْمِرَةٍ وَكُلِّ ما يَثْبُتُ من الشَّجَرِ وَالْبُنْيَانِ وما كان مِمَّا يَخِفُّ من الْبُنْيَانِ مِثْلُ الْبِنَاءِ بِالْخَشَبِ فَإِنَّمَا هذا مُمَيَّزٌ كَالنَّبَاتِ وَالْجَرِيدِ فَهُوَ لِبَائِعِهِ إلَّا أَنْ يُدْخِلَهُ الْمُشْتَرِي في صَفْقَةِ الْبَيْعِ فَيَكُونُ له بِالشِّرَاءِ ( قال ) وَكُلُّ هذا إذَا عَرَفَ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ ما في شَجَرِ الْأَرْضِ من الثَّمَرِ وفي أَدِيمِ الْأَرْضِ من الزَّرْعِ ( قال ) فَإِنْ كانت الْأَرْضُ غَائِبَةً عِنْدَ الْبَيْعِ عن الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي أو عن الْمُشْتَرِي دُونَ الْبَائِعِ فَوَجَدَ في شَجَرِهَا ثَمَرًا قد أبرأ ( ( ( أبر ) ) ) وَزَرْعًا قد طَلَعَ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إذَا عَلِمَ هذا إنْ كان قد رَأَى الْأَرْضَ قبل الشِّرَاءِ وَرَضِيهَا لِأَنَّ في هذا عليه نَقْصًا بِانْقِطَاعِ الثَّمَرَةِ عنه عامة ذلك وَحَبَسَ شَجَرَهُ بِالثَّمَرَةِ وَشَغَلَ أَرْضَهُ بِالزَّرْعِ وَبِالدَّاخِلِ فيها عليه إذَا كانت له ثَمَرَتُهَا لِأَنَّهُ ليس له أَنْ يَمْنَعَهُ الدُّخُولَ عليه في أَرْضِهِ لِتَعَاهُدِ ثَمَرَتِهِ وَلَا يَمْنَعُ من يُصْلِحُ له أَرْضَهُ من عَمَلٍ له فَإِنْ أَحَبَّ أَجَازَ الْبَيْعَ وَإِنْ أَحَبَّ رَدَّهُ ( قال ) وإذا اشْتَرَى وهو عَالِمٌ بِمَا خَرَجَ من ثَمَرِهَا فَلَا خِيَارَ له وإذا بَاعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ أَرْضًا فيها حَبٌّ قد بَذَرَهُ ولم يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي فَالْحَبُّ كَالزَّرْعِ قد خَرَجَ من الْأَرْضِ لَا يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ تَحْتَ الْأَرْضِ وما لم يَمْلِكْهُ الْمُشْتَرِي بِالصَّفْقَةِ فَهُوَ لِلْبَائِعِ وهو ينمى نَمَاءَ الزَّرْعِ فَيُقَالُ لِلْمُشْتَرِي لَك الْخِيَارُ فَإِنْ شِئْت فَأَخِّرْ الْبَيْعَ وَدَعْ الْحَبَّ حتى يَبْلُغَ فَيُحْصَدَ كما تَدَعُ الزَّرْعَ وَإِنْ شِئْت فَانْقُضْ الْبَيْعَ إذَا كان يَشْغَلُ أَرْضَك وَيَدْخُلُ عَلَيْك فَيَهَابُهُ من ليس عَلَيْك دُخُولُهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْبَائِعُ أَنْ يُسَلِّمَ الزَّرْعَ لِلْمُشْتَرِي أو يَقْلَعَهُ عنه وَيَكُونُ قَلْعُهُ غير مُضِرٍّ بِالْأَرْضِ فَإِنْ شَاءَ ذلك لم يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي خِيَارٌ لِأَنَّهُ قد زِيدَ خَيْرًا فَإِنْ قال قَائِلٌ كَيْفَ لم تَجْعَلْ هذا كما لم يَخْرُجْ من ثَمَرِ الشَّجَرِ وَوِلَادِ الْجَارِيَةِ قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَمَّا ثَمَرُ الشَّجَرِ فَأَمْرٌ لَا صَنْعَةَ فيه للادميين هو شَيْءٌ يَخْلُقُهُ اللَّهُ عز وجل كَيْفَ شَاءَ لَا شَيْءَ اسْتَوْدَعَهُ الْآدَمِيُّونَ الشَّجَرَ لم يَكُنْ فيها فادخلوه فيها وما خَرَجَ منه في عَامِهِ خَرَجَ في أَعْوَامٍ بَعْدَهُ مِثْلُهُ لِأَنَّ خِلْقَةَ الشَّجَرِ كَذَلِكَ وَالْبَذْرُ يُنْثَرُ في الْأَرْضِ إنَّمَا هو شَيْءٌ يَسْتَوْدِعُهُ الْآدَمِيُّونَ الآرض وَيُحْصَدُ فَلَا يَعُودُ إلَّا أَنْ يُعَادَ فيها غَيْرُهُ وَلَمَا رَأَيْت ما كان مَدْفُونًا في الْأَرْضِ من مَالٍ وَحِجَارَةٍ وَخَشَبٍ غَيْرِ مَبْنِيَّةٍ كان لِلْبَائِعِ لِأَنَّهُ شَيْءٌ وَضَعَهُ في الْأَرْضِ غَيْرِ الْأَرْضِ لم يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ في أَنَّ الْبَائِعَ يَمْلِكُهُ إلَّا مثله لِأَنَّهُ شَيْءٌ وَضَعَهُ الْبَائِعُ غير الْأَرْضِ فَإِنْ قال قَائِلٌ كَيْفَ لَا يُخْرِجُ زَرْعَهُ كما يُخْرِجُ ما دَفَنَ في الْأَرْضِ من مَالٍ وَخَشَبٍ قِيلَ دَفَنَ تِلْكَ فيها لِيُخْرِجَهَا كما دَفَنَهَا لَا لتنمى بِالدَّفْنِ وإذا مَرَّ بِالْمَدْفُونِ من الْحَبِّ وَقْتٌ فَلَوْ أَخْرَجَهُ لم يَنْفَعْهُ لِقَلْبِ الْأَرْضِ له وَتِلْكَ لَا تُقَلِّبُهَا فَأَمَّا وَلَدُ الْجَارِيَةِ فَشَيْءٌ لَا حُكْمَ له إلَّا حُكْمَ أُمِّهِ إلا تَرَى أنها تُعْتَقُ وَلَا يُقْصَدُ قَصْدُهُ بِعِتْقٍ فَيُعْتَقُ وَتُبَاعُ وَلَا يُبَاعُ فَيَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي وَأَنَّ حُكْمَهُ في الْعِتْقِ وَالْبَيْعِ حُكْمُ عُضْوٍ منها وَإِنْ لم يُسَمِّهِ كان لِلْمُشْتَرِي
____________________

(3/45)


الْخِيَارُ لِاخْتِلَافِ الزَّرْعِ في مَقَامِهِ في الْأَرْضِ وَإِفْسَادِهِ إيَّاهَا ( قال ) وَإِنْ كان الْبَائِعُ قد أَعْلَمَ الْمُشْتَرِيَ أَنَّ له في الْأَرْضِ التي بَاعَهُ بَذْرًا سَمَّاهُ لَا يَدْخُلُ في بَيْعِهِ فَاشْتَرَى على ذلك فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَعَلَيْهِ أَنْ يَدَعَهُ حتى يَصْرِمَ فَإِنْ كان مِمَّا يَثْبُتُ من الزَّرْعِ تَرَكَهُ حتى يَصْرِمَهُ ثُمَّ كان لِلْمُشْتَرِي أَصْلُهُ ولم يَكُنْ لِلْبَائِعِ قَلْعُهُ وَلَا قَطْعُهُ ( قال ) وَإِنْ عَجَّلَ الْبَائِعُ فَقَلَعَهُ قبل بُلُوغِ مِثْلِهِ لم يَكُنْ له أَنْ يَدَعَهُ لِيَسْتَخْلِفَهُ وهو كَمَنْ جد ( ( ( جذ ) ) ) ثمره غَضَّةً فَلَيْسَ له أَنْ يَنْتَظِرَ أُخْرَى حتى تَبْلُغَ لِأَنَّهُ وَإِنْ لم يَكُنْ له مِمَّا خَرَجَ منه إلَّا مَرَّةً فَتَعَجَّلَهَا فَلَا يَتَحَوَّلُ حَقُّهُ في غَيْرِهَا بِحَالٍ وَالْقَوْلُ في الزَّرْعِ من الْحِنْطَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَا يُصْرَمُ إلَّا مَرَّةً أَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ قِيَاسًا على الثَّمَرَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً في السَّنَةِ إلَّا أَنَّهُ يُخَالِفُ الْأَصْلَ فَيَكُونُ الْأَصْلُ مَمْلُوكًا بِمَا تُمْلَكُ بِهِ الْأَرْضُ وَلَا يَكُونُ هذا مَمْلُوكًا بِمَا تُمْلَكُ بِهِ الْأَرْضُ لِأَنَّهُ ليس بِثَابِتٍ فيها ( قال ) وما كان من الشَّجَرِ يُثْمِرُ مِرَارًا فَهُوَ كَالْأَصْلِ الثَّابِتِ يُمْلَكُ بِمَا تُمْلَكُ بِهِ الْأَرْضُ وَإِنْ بَاعَهُ وقد صَلُحَ وقد ظَهَرَ ثَمَرُهُ فيه فَثَمَرُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُبْتَاعُ كما يَكُونُ النَّخْلُ الْمُلَقَّحُ ( قال ) وَذَلِكَ مِثْلُ الْكُرْسُفِ إذَا بَاعَهُ وقد تَشَقَّقَ جَوْزُ كُرْسُفِهِ عنه فَالثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ كما تَشَّقَّقُ الطَّلْعَةُ فَيَكُونُ لِلْبَائِعِ ذلك حين يُلَقَّحُ فَإِنْ بَاعَهُ قبل أَنْ يَتَشَقَّقَ من جَوْزِ كُرْسُفِهِ شَيْءٌ فَالثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي وما كان من الشَّجَرِ هَكَذَا يَتَشَقَّقُ ثَمَرُهُ لِيَصْلُحَ مِثْلَ النَّخْلِ وما كان يَبْقَى بِحَالِهِ فإذا خَرَجَتْ الثَّمَرَةُ فَخُرُوجُهُ كَتَشَقُّقِ الطَّلْعِ وَجَوْزِ الْكُرْسُفِ فَهُوَ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُشْتَرِي ( قال ) وما أَثْمَرَ منه في السَّنَةِ مِرَارًا فَبِيعَ وَفِيهِ ثَمَرَةٌ فَهِيَ لِلْبَائِعِ وَحْدَهَا فإذا انْقَضَتْ فما خَرَجَ بَعْدَهَا مِمَّا لم تَقَعْ عليه صَفْقَةُ الْبَيْعِ فَلِلْمُشْتَرِي الْأَصْلُ مع الْأَرْضِ وَصِنْفٌ من الثَّمَرَةِ فَكَانَ يَخْرُجُ منه الشَّيْءُ بَعْدَ الشَّيْءِ حتى لَا يَنْفَصِلُ ما وَقَعَتْ عليه صَفْقَةُ الْبَيْعِ وهو في شجرة فَكَانَ لِلْبَائِعِ ما لم يَقَعْ عليه صَفْقَةُ الْبَيْعِ وكان لِلْمُشْتَرِي ما حَدَثَ فَإِنْ اخْتَلَطَ ما اشْتَرَى بِمَا لم يُشْتَرَ ولم يَتَمَيَّزْ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ فيه إلَّا بِأَنْ يُسَلِّمَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي الثَّمَرَةَ كُلَّهَا فَيَكُونُ قد أَوْفَاهُ حَقَّهُ وَزِيَادَةً أو يَتْرُكَ الْمُشْتَرِي له هذه الثَّمَرَةَ فَيَكُونُ قد تَرَكَ له حَقَّهُ ( قال ) وَمَنْ أَجَازَ هذا قال هذا كَمَنْ اشْتَرَى طَعَامًا جُزَافًا فَأَلْقَى الْبَائِعُ فيه طَعَامًا غَيْرَهُ ثُمَّ سَلَّمَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي جَمِيعَ ما اشْتَرَى منه وَزَادَهُ ما أَلْقَاهُ في طَعَامِهِ فلم يَظْلِمْهُ ولم يَنْقُصْهُ شيئا مِمَّا بَاعَهُ وَزَادَهُ الذي خَلَطَ وَإِنْ لم يُعْرَفْ الْمَبِيعُ منه من غَيْرِ الْمَبِيعِ وقال ( ( ( قال ) ) ) في الْوَجْهِ الذي يَتْرُكُ فيه الْمُبْتَاعُ حَقَّهُ هذا كَرَجُلٍ ابْتَاعَ من رَجُلٍ طَعَامًا جُزَافًا فَأَلْقَى الْمُشْتَرِي فيه طَعَامًا ثُمَّ أَخَذَ الْبَائِعُ منه شيئا فَرَضِيَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَ ما بَقِيَ من الطَّعَامِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَيَتْرُكَ له حَقَّهُ فِيمَا أَخَذَ منه فإن الصفقه وَقَعَتْ صَحِيحَةً إلَّا أَنَّ فيها خِيَارًا لِلْمُشْتَرِي فَأُجِيزُهَا وَيَكُونُ لِلْمُشْتَرِي تَرْكُ رَدِّهَا بِخِيَارِهِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ يُفْسِدُ الْبَيْعَ من قِبَلِ أَنَّهُ وَإِنْ وَقَعَ صَحِيحًا قد اخْتَلَطَ حتى لَا يَتَمَيَّزَ الصَّحِيحُ منه الذي وَقَعَتْ عليه صَفْقَةُ الْبَيْعِ مِمَّا لم تَقَعْ عليه صَفْقَةُ الْبَيْعِ ( قال ) وَالْقَصَبُ وَالْقِثَّاءُ وَكُلُّ ما كان يُصْرَمُ مَرَّةً بَعْدَ الْأُخْرَى من الْأُصُولِ فَلِلْمُشْتَرِي مِلْكُهُ كما يَمْلِكُ النَّخْلَ إذَا اشْتَرَى الْأَصْلَ وما خَرَجَ فيه من ثمره مَرَّةً فَتِلْكَ الثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ وما بَعْدَهَا لِلْمُشْتَرِي فَأَمَّا الْقَصَبُ فَلِلْبَائِعِ اول صِرْمَةٍ منه وما بَقِيَ بَعْدَهَا لِلْمُشْتَرِي فَعَلَى هذا هذا الْبَابُ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ وَهَكَذَا الْبُقُولُ كُلُّهَا إذَا كانت في الْأَرْضِ فَلِلْبَائِعِ منها أَوَّلُ جزه وما بَقِيَ لِلْمُشْتَرِي وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَقْلَعَهَا من أُصُولِهَا وَإِنْ كانت تُجَزُّ جِزَّةً وَاحِدَةً ثُمَّ تُنْبِتُ بَعْدَهَا جزات ( ( ( جزت ) ) ) فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْأُصُولِ تُمْلَكُ بِمَا تُمْلَكُ بِهِ الْأُصُولُ من شِرَاءِ رَقَبَةِ الْأَرْضِ ( قال ) وما كان من نَبَاتٍ فَإِنَّمَا يَكُونُ مَرَّةً وَاحِدَةً فَهُوَ كَالزَّرْعِ يُتْرَكُ حتى يَبْلُغَ ثُمَّ لِصَاحِبِهِ البائع الأرض أن يقلعه إن شاء فإن كان قلعه يضر بالأرض كلف إعادتها كما كانت ( قال ) وكذلك كل ما كان في الأرض من نَبَاتِ الْأَرْضِ مِمَّا لم يُنْبِتْهُ الناس وكان يَنْبُتُ على الْمَاءِ فَلِصَاحِبِهِ فيه مَالُهُ في الزَّرْع وَالْأَصْلُ يَأْخُذُ ثَمَرَةَ أَوَّلِ جِزَّةٍ منه إنْ كانت تُنْبِتُ بَعْدَهَا وَيُقْلِعُهُ من أَصْلِهِ إنْ كان لَا يَنْفَعُ بَعْدَ جِزَّةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَخْتَلِفُ ذلك ( قال ) وَلَوْ بَاعَ رَجُلٌ رَجُلًا أَرْضًا أو دَارًا فَكَانَ له فيها خَشَبٌ مَدْفُونٌ أو حِجَارَةٌ مَدْفُونَةٌ
____________________

(3/46)


لَيْسَتْ بِمَبْنِيَّةٍ إنْ مَلَكَ الْمَوْضُوعَ كُلَّهُ لِلْبَائِعِ لَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي منه شيئا إنَّمَا يَمْلِكُ الْأَرْضَ بِمَا خُلِقَ في الْأَرْضِ من مَاءٍ وَطِينٍ وما كان فيها من أَصْلٍ ثَابِتٍ من غَرْسٍ أو بِنَاءٍ وما كان غير ثَابِتٍ أو مُسْتَوْدَعٍ فيها فَهُوَ لِبَائِعِهِ وَعَلَى بَائِعِهِ أَنْ يَنْقُلَهُ عنه ( قال ) فَإِنْ نَقَلَهُ عنه كان عليه تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ حتى تَعُودَ مُسْتَوِيَةً لَا يَدَعُهَا حُفَرًا ( قال ) وَإِنْ تَرَكَ قَلْعَهُ منه ثُمَّ أَرَادَ قَلْعَهُ من الْأَرْضِ من زَرْعِهِ لم يَكُنْ ذلك له حتى يَحْصُدَ الزَّرْعَ ثُمَّ يَقْلَعُهُ إنْ شَاءَ وَإِنْ كان له في الْأَرْضِ خَشَبٌ أو حِجَارَةٌ مَدْفُونَةٌ ثُمَّ غَرَسَ الْأَرْضَ على ذلك ثُمَّ بَاعَهُ الْأَصْلَ ثُمَّ لم يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِالْحِجَارَةِ التي فيها نَظَرَ فَإِنْ كانت الْحِجَارَةُ أو الْخَشَبُ تَضُرُّ بِالْغِرَاسِ وَتَمْنَعُ عُرُوقَهُ كان الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ في الْأَخْذِ أو الرَّدِّ لِأَنَّ هذا عَيْبٌ يُنْقِصُ غَرْسَهُ وَإِنْ كان لَا يُنْقِصُ الْغِرَاسَ وَلَا يَمْنَعُ عُرُوقَهُ وكان الْبَائِعُ إذَا اراد إخْرَاجَ ذلك من الْأَرْضِ قَطَعَ من عُرُوقِ الشَّجَرِ ما يَضُرُّ بِهِ قِيلَ لِبَائِعِ الْأَرْضِ أنت بِالْخِيَارِ بين أَنْ تَدَعَ هذا وَبَيْنَ رَدِّ الْبَيْعِ فَإِنْ أَحَبَّ تَرْكَهُ لِلْمُشْتَرِي تَمَّ الْبَيْعُ وَإِنْ امْتَنَعَ من ذلك قِيلَ لِلْمُشْتَرِي لَك الْخِيَارُ بين أَنْ يَقْلَعَهُ من الْأَرْضِ وما أَفْسَدَ عَلَيْك من الشَّجَرِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ إنْ كانت له قِيمَةٌ أو رَدُّ الْبَيْعِ - * بَابُ الْوَقْتِ الذي يَحِلُّ فيه بَيْعُ الثِّمَارِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن الزُّهْرِيِّ عن سَالِمٍ عن أبيه أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن بَيْعِ الثِّمَارِ حتى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا ( قال الشَّافِعِيِّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن بَيْعِ الثِّمَارِ حتى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا نهى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ عن عبد اللَّهِ بن دِينَارٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مِثْلُهُ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عن أَنَسِ بن مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن بَيْعِ الثِّمَارِ حتى تزهى قِيلَ يا رَسُولَ اللَّهِ وما تزهى قال حتى تَحْمَرَّ وقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ تَعَالَى عليه وسلم أَرَأَيْت إذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَأْخُذُ أحدكم مَالَ أَخِيهِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا الثَّقَفِيُّ عن حُمَيْدٍ عن أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن بَيْعِ ثَمَرَةِ النَّخْلِ حتى تَزْهُوَ قِيلَ وما تَزْهُو قال حتى تَحْمَرَّ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن أبي الرِّجَالِ عن عَمْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن بَيْعِ الثِّمَارِ حتى تَنْجُوَ من الْعَاهَةِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن أبي فُدَيْكٍ عن بن أبي ذِئْبٍ عن عُثْمَانَ بن عبد اللَّهِ بن سُرَاقَةَ عن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن بَيْعِ الثِّمَارِ حتى تَذْهَبَ الْعَاهَةُ قال عُثْمَانُ فَقُلْت لِعَبْدِ اللَّهِ مَتَى ذَاكَ قال طُلُوعُ الثُّرَيَّا ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن أبي مَعْبَدٍ قال الرَّبِيعُ أَظُنُّهُ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ كان يَبِيعُ الثَّمَرَ من غُلَامِهِ قبل أَنْ يُطْعَمَ وكان لَا يَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ غُلَامِهِ رِبًا ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ عن جَابِرٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن بَيْعِ الثَّمَرِ حتى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ قال بن جُرَيْجٍ فَقُلْت أَخَصَّ جَابِرٌ النَّخْلَ أو الثَّمَرَ قال بَلْ النَّخْلَ وَلَا نَرَى كُلَّ ثَمَرَةٍ إلَّا مثله ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرٍو عن طَاوُسٍ أَنَّهُ سمع بن عُمَرَ يقول لَا يُبْتَاعُ الثَّمَرُ حتى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ وَسَمِعْنَا بن عَبَّاسٍ يقول لَا تُبَاعُ الثَّمَرَةُ حتى تُطْعَمَ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن عيينه عن حُمَيْدِ بن قَيْسٍ عن سُلَيْمَانَ بن عَتِيقٍ عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ تَعَالَى عليه وسلم نهى عن بَيْعِ السِّنِينَ ( أخبرنا الرَّبِيع ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن أبي الزُّبَيْرِ عن جَابِرٍ عن النبي صلى اللَّهُ تَعَالَى عليه وسلم مِثْلُهُ وَبِهَذَا كُلِّهِ نَقُولُ وفي سُنَنِ رسول اللَّهِ
____________________

(3/47)


صلى اللَّهُ عليه وسلم دَلَائِلُ منها أَنَّ بُدُوَّ صَلَاحِ الثَّمَرِ الذي أَحَلَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَيْعَهُ أَنْ يَحْمَرَّ أو يَصْفَرَّ وَدَلَالَةُ إذْ قال إذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَأْخُذُ أحدكم مَالَ أَخِيهِ أَنَّهُ إنَّمَا نهى عن بَيْعِ الثَّمَرَةِ التي تُتْرَكُ حتى تَبْلُغَ غَايَةَ إبَّانِهَا لا ( ( ( إلا ) ) ) أَنَّهُ نهى عَمَّا يُقْطَعُ منها وَذَلِكَ أَنَّ ما يُقْطَعُ منها لَا آفَةَ تَأْتِي عليه تَمْنَعُهُ إنَّمَا مَنْعُ ما يُتْرَكُ مُدَّةً تَكُونُ فيها الْآفَةُ وَالْبَلَحُ وَكُلُّ ما دُونَ الْبُسْرِ يَحِلُّ بَيْعُهُ لِيُقْطَعَ مَكَانَهُ لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَمَّا نهى عنه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ تَعَالَى عليه وسلم من الْبُيُوعِ دَاخِلٌ فِيمَا أَحَلَّ اللَّهُ من الْبَيْعِ ( قال ) وَلَا يَحِلُّ بَيْعُهُ قبل أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ لِيُتْرَكَ حتى يَبْلُغَ إبَّانَهُ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ في الْمَعْنَى الذي أَمَرَ بِهِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ لَا يُبَاعَ حتى يَبْلُغَهُ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ قال لَا يُبَاعُ حتى يُؤْكَلَ من الرُّطَبِ قَلِيلٌ أو كَثِيرٌ قال بن جُرَيْجٍ فَقُلْت له أَرَأَيْت إنْ كان مع الرُّطَبِ بَلَحٌ كَثِيرٌ قال نعم سَمِعْنَا إذَا أُكِلَ منه ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ الْحَائِطُ تَكُونُ فيه النَّخْلَةُ فَتُزْهَى فَيُؤْكَلُ منها قبل الْحَائِطِ وَالْحَائِطُ بَلَحٌ قال حَسْبُهُ إذَا أَكَلَ منه فَلْيَبِعْ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ وَكُلُّ ثَمَرَةٍ كَذَلِكَ لَا تُبَاعُ حتى يُؤْكَلَ منها قال نعم قال بن جُرَيْجٍ فَقُلْت من عِنَبٍ أو رُمَّانٍ أو فِرْسِكٍ قال نعم قال بن جُرَيْجٍ فَقُلْت له أَرَأَيْت إذَا كان شَيْءٌ من ذلك يَخْلُصُ وَيَتَحَوَّلُ قبل أَنْ يُؤْكَلَ منه أَيُبْتَاعُ قبل أَنْ يُؤْكَلَ منه قال لَا وَلَا شَيْءَ حتى يُؤْكَلَ منه أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّ عَطَاءً قال كُلُّ شَيْءٍ تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ مِمَّا يُؤْكَلُ من خِرْبِزٍ أو قِثَّاءٍ أو بَقْلٍ لَا يُبَاعُ حتى يُؤْكَلَ منه كَهَيْئَةِ النَّخْلِ قال سَعِيدٌ إنَّمَا يُبَاعُ الْبَقْلُ صِرْمَةً صِرْمَةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالسُّنَّةُ يكتفي بها من كل ما ذُكِرَ مَعَهَا غَيْرُهَا فإذا نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن بَيْعِ الثَّمَرِ إلَى أَنْ يَخْرُجَ من أَنْ يَكُونَ غَضًّا كُلُّهُ فَأَذِنَ فيه إذَا صَارَ منه أَحْمَرُ أو أَصْفَرُ فَقَدْ أَذِنَ فيه إذَا بَدَا فيه النُّضْجُ وَاسْتُطِيعَ أَكْلُهُ خَارِجًا من أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ بَلَحًا وَصَارَ عَامَّتُهُ منه وَتِلْكَ الْحَالُ التي أَنْ يَشْتَدَّ اشْتِدَادًا يَمْنَعُ في الظَّاهِرِ من الْعَاهَةِ لِغِلَظِ نَوَاتِهِ في عامة وَإِنْ لم يَبْلُغْ ذلك منه مَبْلَغَ الشِّدَّةِ وَإِنْ لم يَبْلُغْ هذا الْحَدَّ فَكُلُّ ثَمَرَةٍ من أَصْلٍ فَهِيَ مِثْلُهُ لَا تُخَالِفُهُ إذَا خَرَجَتْ ثَمَرَةٌ وَاحِدَةٌ يَرَى مَعَهَا كَثَمَرَةِ النَّخْلِ يَبْلُغُ أَوَّلُهَا أَنْ يُرَى فيه اول النُّضْجِ حَلَّ بَيْعُ تِلْكَ الثَّمَرَةِ كُلِّهَا وَسَوَاءٌ كُلُّ ثَمَرَةٍ من أَصْلٍ يَثْبُتُ أو لَا يَثْبُتُ لِأَنَّهَا في مَعْنَى ثَمَرِ النَّخْلِ إذَا كانت كما وُصِفَتْ تَنْبُتُ فَيَرَاهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ لَا يَنْبُتُ بَعْدَهَا في ذلك الْوَقْتِ شَيْءٌ لم يَكُنْ ظَهَرَ وَكَانَتْ ظَاهِرَةً لَا كِمَامَ دُونِهَا تَمْنَعُهَا من أَنْ تُرَى كَثَمَرَةِ النَّخْلَةِ أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ فما لَا يُؤْكَلُ منه الْحِنَّاءُ وَالْكُرْسُفُ وَالْقَضْبُ قال نعم لَا يُبَاعُ حتى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ الْقَضْبُ يُبَاعُ منه قال لَا إلَّا كُلُّ صِرْمَةٍ عِنْدَ صَلَاحِهَا فإنه لَا يَدْرِي لَعَلَّهُ تُصِيبُهُ في الصِّرْمَةِ الْأُخْرَى عَاهَةٌ أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّ إنْسَانًا سَأَلَ عَطَاءً فقال الْكُرْسُفُ يُجْنَى في السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ فقال لَا إلَّا عِنْدَ كل إجْنَاءَةٍ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّ زِيَادًا أخبره عن بن طَاوُسٍ عن أبيه أَنَّهُ كان يقول في الْكُرْسُفِ تَبِيعُهُ فَلَقَةً وَاحِدَةً قال يقول فَلَقَةً وَاحِدَةً إجْنَاءَةً وَاحِدَةً إذَا فَتَحَ قال بن جُرَيْجٍ وقال زِيَادٌ وَاَلَّذِي قُلْنَا عليه إذَا فَتَحَ الْجَوْزُ بِيعَ ولم يُبَعْ ما سِوَاهُ قال تِلْكَ إجْنَاءَةٌ وَاحِدَةٌ إذَا فَتَحَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) ما قال عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ من هذا كما قَالَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وهو مَعْنَى السُّنَّةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فَكُلُّ ثَمَرَةٍ تُبَاعُ من الْمَأْكُولِ إذَا أُكِلَ منها وَكُلُّ ما لم يُؤْكَلْ فإذا بَلَغَ أَنْ يَصْلُحَ أَنْ يُنْزَعَ بِيعَ قال وَكُلُّ ما قُطِعَ من أَصْلِهِ مِثْلُ الْقَضْبِ فَهُوَ كَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يُبَاعَ إلَّا جِزَّةً عِنْدَ صرامة وَكَذَلِكَ كُلُّ ما يُقْطَعُ من أَصْلِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ
____________________

(3/48)


إلَّا عِنْدَ قطعة لَا يُؤَخِّرُهُ عن ذلك وَذَلِكَ مِثْلُ الْقَضْبِ وَالْبُقُولِ وَالرَّيَاحِينِ وَالْقَصْلِ وما أَشْبَهَهُ وَتَفْتِيحُ الْكُرْسُفِ أَنْ تَنْشَقَّ عنه قِشْرَتُهُ حتى يَظْهَرَ الْكُرْسُفُ وَلَا يَكُونُ له كِمَامٌ تَسْتُرُهُ وهو عِنْدِي يَدُلُّ على مَعْنَى تَرْكِ تَجْوِيزِ ما كان له كِمَامٌ تَسْتُرُهُ من الثَّمَرَةِ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ قُلْت لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ الْقَضْبُ إلَّا عِنْدَ صرامة فصرامة بُدُوُّ صَلَاحِهِ قال فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ يُتْرَكُ الثَّمَرُ بَعْدَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ قِيلَ الثَّمَرَةُ تُخَالِفُهُ في هذا الْمَوْضِعِ فَيَكُونُ الثَّمَنُ إذَا بَدَا صَلَاحُهُ لَا يَخْرُجُ منه شَيْءٌ من أَصْلِ شَجَرَتِهِ لم يَكُنْ خَرَجَ إنَّمَا يتزيد ( ( ( يتزايد ) ) ) في النُّضْجِ وَالْقَضْبُ إذَا تُرِكَ خَرَجَ منه شَيْءٌ يَتَمَيَّزُ من أَصْلِ شَجَرَتِهِ لم يَقَعْ عليه الْبَيْعُ ولم يَكُنْ ظَاهِرًا يُرَى وإذا حَرَّمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَيْعَ الثَّمَرَةِ قبل أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا وَهِيَ تُرَى كان بَيْعُ ما لم يُرَ ولم يَبْدُ صَلَاحُهُ أَحْرَمَ لِأَنَّهُ يَزِيدُ عليها أَنْ لَا يُرَى وَإِنْ لم يَبْدُ صَلَاحُهُ فَيَكُونُ الْمُشْتَرِي اشْتَرَى قَضْبًا طُولُهُ ذِرَاعٌ أو أَكْثَرُ فَيَدْعُهُ فَيَطُولُ ذِرَاعًا مثله أو أَكْثَرَ فَيَصِيرُ الْمُشْتَرِي أَخَذَ مِثْلَ ما اشْتَرَى مِمَّا لم يَخْرُجْ من الْأَرْضِ بَعْدُ وَمِمَّا إذَا خَرَجَ لم تَقَعْ عليه صَفْقَةُ الْبَيْعِ وإذا تُرِكَ كان لِلْمُشْتَرِي منه ما يَنْفَعُهُ وَلَيْسَ في الثَّمَرَةِ شَيْءٌ إذَا أُخِذَتْ غَضَّةً ( قال ) وإذا أَبْطَلْنَا الْبَيْعَ في الْقَضْبِ على ما وَصَفْنَا كان أَنْ يُبَاعَ الْقَضْبُ سَنَةً أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ أو صِرْمَتَيْنِ أُبْطِلَ لِأَنَّ ذلك بَيْعُ ما لم يُخْلَقْ وَمِثْلُ بَيْعِ جَنِينِ الْأَمَةِ وَبَيْعِ النَّخْلِ مُعَاوَمَةً وقد نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عنه وَعَنْ أَنْ يَحُوزَ منه من الثَّمَرَةِ ثَمَرَةً قد رؤيت ( ( ( رئيت ) ) ) إذَا لم تَصِرْ إلَى أَنْ تَنْجُوَ من الْعَاهَةِ ( قال ) فَأَمَّا بَيْعُ الْخِرْبِزِ إذَا بَدَا صَلَاحُهُ فَلِلْخِرْبِزِ نُضْجٌ كَنُضْجِ الرُّطَبِ فإذا رؤى ذلك فيه جَازَ بَيْعُ خِرْبِزِهِ في تِلْكَ الْحَالِ وَأَمَّا الْقِثَّاءُ فَيُؤْكَلُ صِغَارًا طَيِّبًا فَبُدُوُّ صَلَاحِهِ أَنْ يَتَنَاهَى عِظَمُهُ أو عِظَمُ بَعْضِهِ ثُمَّ يُتْرَكُ حتى تَتَلَاحَقَ صِغَارُهُ إنْ شَاءَ مُشْتَرِيهِ كما يُتْرَكُ الْخِرْبِزِ حتى تَنْضُجَ صِغَارُهُ إنْ شَاءَ مُشْتَرِيهِ وَيَأْخُذُهُ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ كما يَأْخُذُ الرُّطَبَ وَلَا وَجْهَ لِقَوْلِ من قال لَا يُبَاعُ الْخِرْبِزِ وَلَا الْقِثَّاءُ حتى يَبْدُوَ صَلَاحُهُمَا وَيَجُوزُ إذَا بَدَا صَلَاحُهُمَا أَنْ يَشْتَرِيَهُمَا فَيَكُونَ لِصَاحِبِهِمَا ما يُنْبِتُ أَصْلَهُمَا يَأْخُذُ كُلَّ ما خَرَجَ مِنْهُمَا فَإِنْ دخلتهما ( ( ( دخلهما ) ) ) آفَةٌ بِشَيْءٍ يَبْلُغُ الثُّلُثَ وُضِعَ عن المشترى ( قال ) وَهَذَا عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ من الْوُجُوهِ التي لم أَكُنْ أَحْسِبُ أَحَدًا يَغْلَطُ إلَى مِثْلِهَا وقد نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن بَيْعِ الثَّمَرَةِ حتى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا لِئَلَّا تُصِيبَهَا الْعَاهَةُ فَكَيْفَ لَا يَنْهَى عن بَيْعِ ما لم يُخْلَقْ قَطُّ وما تَأْتِي الْعَاهَةُ على شَجَرِهِ وَعَلَيْهِ في أَوَّلِ خُرُوجِهِ وَهَذَا مُحَرَّمٌ من مَوَاضِعَ من هذا وَمِنْ بَيْعِ السِّنِينَ وَمِنْ بَيْعِ ما لم يَمْلِكْ وَتَضْمِينِ صَاحِبِهِ وَغَيْرِ وَجْهٍ فَكَيْفَ لَا يَحِلُّ مُبْتَدَأُ بَيْعِ الْقِثَّاءِ وَالْخِرْبِزِ حتى يَبْدُوَ صَلَاحُهُمَا كما لَا يَحِلُّ بَيْعُ الثَّمَرِ حتى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ وقد ظَهَرَا وَرُئِيَا وَيَحِلُّ بَيْعُ ما لم يُرَ مِنْهُمَا قَطُّ وَلَا يدري يَكُونُ أَمْ لَا يَكُونُ وَلَا إنْ كان كَيْفَ يَكُونُ وَلَا كَمْ يَنْبُتُ أَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ ثَمَرَ النَّخْلِ قد بدا صَلَاحُهُ ثَلَاثَ سِنِينَ فَيَكُونُ له فَإِنْ كان لَا يَجُوزُ إلَّا عِنْدَ كل ثَمَرَةٍ وَبَعْدَ أَنْ يَبْدُوَ وصلاحها ( ( ( صلاحها ) ) ) لم يَجُزْ في الْقِثَّاءِ وَالْخِرْبِزِ إلَّا ذلك وَلَيْسَ حِمْلُ الْقِثَّاءِ مَرَّةً يُحِلُّ بَيْعَ حِمْلِهِ ثَانِيَةً ولم يَكُنْ حَمْلُهُ بَعْدُ وَلِحِمْلِ النَّخْلِ أَوْلَى أَنْ لَا يَخْلُفَ في الْمَوَاضِعِ التي لَا تَعْطَشُ وَأَقْرَبُ من حِمْلِ الْقِثَّاءِ الذي إنَّمَا أَصْلُهُ بَقْلَةٌ يَأْكُلُهَا الدُّودُ وَيُفْسِدُهَا السُّمُومُ وَالْبَرْدُ وَتَأْكُلُهَا الْمَاشِيَةُ وَيَخْتَلِفُ حِمْلُهَا وَلَوْ جَازَ هذا جَازَ شِرَاءُ أَوْلَادِ الْغَنَمِ وَكُلِّ أُنْثَى وكان إذَا اشْتَرَى وَلَدَ شَاةٍ قد رَآهُ جَازَ أَنْ يَشْتَرِيَ وَلَدَهَا ثَانِيَةً ولم يَرَهُ وَهَذَا لَا يَجُوزُ أو رَأَيْت إذَا جَنَى الْقِثَّاءَ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَلْفَ قِثَّاءٍ وَثَانِيَةً خَمْسَمِائَةٍ وَثَالِثَةً أَلْفًا ثُمَّ انْقَطَعَ أَصْلُهُ كَيْفَ تُقَدَّرُ الْجَائِحَةُ فِيمَا لم يُخْلَقْ بَعْدُ أَعَلَى ثُلُثِ اجْتِنَائِهِ مِثْلَ الْأَوَّلِ أو أَقَلَّ بِكَمْ أو أَكْثَرَ بِكَمْ أو رَأَيْت إذَا اخْتَلَفَ نَبَاتُهُ فكان يَنْبُتُ في بَلَدٍ أَكْثَرَ منه في بَلَدٍ وفي بَلَدٍ وَاحِدٍ مَرَّةً أَكْثَرَ منه في بَلَدٍ مِرَارًا كَيْفَ تُقَدَّرُ الْجَائِحَةُ فيه وَكَيْفَ إنْ جَعَلْنَا لِمَنْ اشْتَرَاهُ كَثِيرَ حِمْلِهِ مَرَّةً أَيَلْزَمُهُ قَلِيلُ حِمْلِهِ في أُخْرَى إنْ كان حِمْلُهُ يَخْتَلِفُ وقد يَدْخُلُهُ الْمَاءُ فَيَبْلُغُ حِمْلُهُ أَضْعَافَ ما كان قَبْلَهُ وَيُخْطِئُهُ
____________________

(3/49)


فَيَقِلَّ عَمَّا كان يُعْرَفُ وَيَتَبَايَنُ في حِمْلِهِ تَبَايُنًا بَعِيدًا قال في الْقِيَاسِ أَنْ يَلْزَمَهُ ما ظَهَرَ وَلَا يَكُونُ له أَنْ يَرْجِعَ بِشَيْءٍ قُلْت أَفَتَقُولُهُ قال نعم أقوله ( ( ( أقول ) ) ) قُلْت وَكَذَلِكَ تَقُولُ لو اشْتَرَيْت صَدَفًا فيه اللُّؤْلُؤُ بِدَنَانِيرَ فَإِنْ وَجَدْت فيه لولؤة فَهِيَ لَك وَإِنْ لم تَجِدْ فَالْبَيْعُ لَازِمٌ قال نعم هَكَذَا أَقُولُ في كل مَخْلُوقٍ إذَا اشْتَرَيْت ظَاهِرَهُ على ما خُلِقَ فيه وَإِنْ لم يَكُنْ فيه فَلَا شَيْءَ لي قُلْت وَهَكَذَا إنْ بَاعَهُ هذا السُّنْبُلَ في التِّبْنِ حَصِيدًا قال نعم وَالسُّنْبُلُ حَيْثُ كان قُلْت وَهَكَذَا إذَا اشْتَرَى منه بَيْضًا ورانجا ( ( ( ورائجا ) ) ) اشْتَرَى ذلك بِمَا فيه فَإِنْ كان فَاسِدًا أو جَيِّدًا فَهُوَ له قال لَا أَقُولُهُ قُلْت إذًا تَتْرُكُ أَصْلَ قَوْلِك قال فَإِنْ قُلْت أجعل له الْخِيَارَ في السُّنْبُلِ من الْعَيْبِ قال قُلْت وَالْعَيْبُ يَكُونُ فِيمَا وَصَفْت قَبْلَهُ وَفِيهِ ( قال ) فَإِنْ قُلْت أَجْعَلُ له الْخِيَارَ قُلْت فَإِذًا يَكُونُ لِمَنْ اشْتَرَى السُّنْبُلَ أَبَدًا الْخِيَارُ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ فيه خِفَّةَ الْحِمْلِ من كَثْرَتِهِ وَلَا يَصِلُ إلَى ذلك إلَّا بِمُؤْنَةٍ لها إجَارَةٌ فَإِنْ كانت الْإِجَارَةُ على كانت على في بَيْعِ لم يُوفِنِيهِ وَإِنْ كانت على صَاحِبِي كانت عليه ولى الْخِيَارُ إذَا رَأَيْت الْخِفَّةَ في أَخْذِهِ وَتَرْكِهِ لِأَنِّي ابْتَعْت ما لم أَرَ وَلَا يَجُوزُ له أَبَدًا بَيْعُهُ في سُنْبُلِهِ كما وَصَفْت ( قال ) فقال بَعْضُ من حَضَرَهُ مِمَّنْ وَافَقَهُ قد غَلِطْت في هذا وَقَوْلُك في هذا خَطَأٌ قال وَمِنْ أَيْنَ قال أَرَأَيْت من اشْتَرَى السُّنْبُلَ بِأَلْفِ دِينَارٍ أَتَرَاهُ أَرَادَ كِمَامَهُ التي لَا تَسْوَى دِينَارًا كُلُّهَا قال فَنَقُولُ اراد مَاذَا قال أَقُولُ أَرَادَ الْحَبَّ قال فَنَقُولُ لَك أَرَادَ مُغَيَّبًا قال نعم قال فَنَقُولُ لَك أَفَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ قال نعم قال فَنَقُولُ لَك فَعَلَى من حَصَادُهُ وَدِرَاسُهُ قال على الْمُشْتَرِي قال فَنَقُولُ لَك فَإِنْ اخْتَارَ رَدَّهُ أَيَرْجِعُ بِشَيْءٍ من الْحَصَادِ وَالدِّرَاسِ قال لَا وَلَهُ رَدُّهُ من عَيْبٍ وَغَيْرِ عَيْبٍ قال فَنَقُولُ لَك فَإِنْ أَصَابَتْهُ آفَةٌ تُهْلِكُهُ قبل يَحْصُدَهُ قال فَيَكُونُ من الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ جُزَافٌ مَتَى شَاءَ أَخَذَهُ كما يُبْتَاعُ الطَّعَامُ جُزَافًا فَإِنْ خَلَّاهُ وَإِيَّاهُ فَهَلَكَ كان منه ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقُلْت له أَرَاك حَكَمْت بِأَنَّ لِمُبْتَاعِهِ الْخِيَارَ كما يَكُونُ له الْخِيَارُ إذَا ابْتَاعَ بَزًّا في عَدْلٍ لم يَرَهُ وَجَارِيَةً في بَيْتٍ لم يَرَهَا أَرَأَيْت لو احْتَرَقَ الْعَدْلُ أو مَاتَتْ الْجَارِيَةُ وقد خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا أَيَكُونُ عليه الثَّمَنُ أو الْقِيمَةُ قال فَلَا أقوله ( ( ( أقول ) ) ) وَأَرْجِعُ فَأَزْعُمُ أَنَّهُ من الْبَائِعِ حتى يَرَاهُ الْمُشْتَرِي وَيَرْضَاهُ قال فَقُلْت له فَعَلَى من مُؤْنَتُهُ حتى يَرَاهُ المشتري قال إن قلت على الْمُشْتَرِي قُلْت أَرَأَيْت إنْ اشْتَرَى مُغَيَّبًا أَلَيْسَ عليه عِنْدَك أَنْ يُظْهِرَهُ قال بَلَى قُلْت أَفَهَذَا عَدْلٌ مُغَيَّبٌ قال فَإِنْ قُلْته قُلْت أَفَتَجْعَلُ ما لَا مُؤْنَةَ فيه من قَمْحٍ في غِرَارَةٍ أو بزفى عَدْلٍ وَإِحْضَارِ عَبْدٍ غَائِبٍ كَمِثْلِ ما فيه مُؤْنَةُ الْحَصَادِ وَالدِّرَاسِ قال لِعَلَيَّ أَقُولُهُ قُلْت فَاجْعَلْهُ كَهُوَ قال غَيْرُهُ منهم ليس كَهُوَ وَإِنَّمَا أَجَزْنَاهُ بِالْأَثَرِ قُلْت وما الْأَثَرُ قال يُرْوَى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قُلْت أَيَثْبُتُ قال لَا وَلَيْسَ فِيمَا لم يَثْبُتْ حُجَّةٌ قال وَلَكِنَّا نُثْبِتُهُ عن أَنَسِ بن مَالِكٍ قُلْنَا وهو عن أَنَسِ بن مَالِكٍ ليس كما تُرِيدُ وَلَوْ كان ثَابِتًا لَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ كَبَيْعِ الْأَعْيَانِ الْمُغَيَّبَةِ يَكُونُ له الْخِيَارُ إذَا رَآهَا قال وَكُلُّ ثَمَرَةٍ كانت يَنْبُتُ منها الشَّيْءُ فَلَا يجني حتى يَنْبُتَ منها شَيْءٌ آخَرُ قبل أَنْ يُؤْتَى على الْأَوَّلِ لم يَجُزْ بَيْعُهَا أَبَدًا إذَا لم يَتَمَيَّزْ من النَّبَاتِ الْأَوَّلِ الذي وَقَعَتْ عليه صَفْقَةُ الْبَيْعِ بِأَنْ يُؤْخَذَ قبل أَنْ يَخْتَلِطَ بِغَيْرِهِ مِمَّا لم يَقَعْ عليه صَفْقَةُ الْبَيْعِ وَكُلُّ ثَمَرَةٍ وَزَرْعٍ دُونَهَا حَائِلٌ من قِشْرٍ أو كِمَامٍ وَكَانَتْ إذَا صَارَتْ إلَى مَالِكِيهَا أَخْرَجُوهَا من قشرها ( ( ( قشرتها ) ) ) وَكِمَامِهَا بِلَا فَسَادٍ عليها إذَا أَخْرَجُوهَا فَاَلَّذِي أختار فيها أَنْ لَا يَجُوزَ بَيْعُهَا في شَجَرِهَا وَلَا موضوعة لِلْحَائِلِ دُونَهَا فَإِنْ قال قَائِلٌ وما حُجَّةُ من أَبْطَلَ الْبَيْعَ فيه قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْحُجَّةُ فيه أَنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا يُجِيزُ أَنْ يَشْتَرِيَ رَجُلٌ لَحْمَ شَاةٍ وَإِنْ ذُبِحَتْ إذَا كان عليها جِلْدُهَا من قَبْلِ ما تَغِيبُ منه وتغييب ( ( ( وتغيب ) ) ) الْكِمَامُ الْحَبَّ الْمُتَفَرِّقَ الذي بَيْنَهُ حَائِلٌ من حَبِّ الْحِنْطَةِ وَالْفُولِ وَالدُّخْنِ وَكُلِّ ما كان في قَرْنٍ منه حَبٌّ وَبَيْنَهُ شَيْءٌ حَائِلٌ من الْحَبِّ أَكْثَرَ من تَغْيِيبِ الْجِلْدِ اللحم ( ( ( للحم ) ) ) وَذَلِكَ
____________________

(3/50)


أَنَّ تعييب ( ( ( تغيب ) ) ) الْجِلْدِ اللحم ( ( ( للحم ) ) ) إنَّمَا يَجِيءُ عن بَعْضِ عَجَفِهِ وقد يَكُونُ لِلشَّاةِ مِجَسَّةٌ تَدُلُّ على سَمَانَتِهَا وَعَجَفِهَا وَلَكِنَّهَا مِجَسَّةٌ لَا عِيَانَ وَلَا مِجَسَّةَ لِلْحَبِّ في أَكْمَامِهِ تَدُلُّ على امْتِلَائِهِ وَضَمْرِهِ وَذَلِكَ فيه كَالسَّمَانَةِ وَالْعَجَفِ وَلَا على عَيْنِهِ بِالسَّوَادِ وَالصُّفْرَةِ في أَكْمَامِهِ وَهَذَا قد يَكُونُ في الْحَبِّ وَلَا يَكُونُ هذا في لَحْمِ الشَّاةِ لِأَنَّ الْحَيَاةَ التي فيها حَائِلَةٌ دُونَ تَغَيُّرِ اللَّحْمِ بِمَا يُحِيلُهُ كما تُحَوَّلُ الْحَبَّةُ عن الْبَيَاضِ إلَى السَّوَادِ بِآفَةٍ في كِمَامِهَا وقد يَكُونُ الْكِمَامُ يَحْمِلُ الْكَثِيرَ من الْحَبِّ وَالْقَلِيلَ وَيَكُونُ في الْبَيْتِ من بُيُوتِ الْقَرْنِ الْحَبَّةُ وَلَا حَبَّةَ في الْآخَرِ الذي يَلِيهِ وَهُمَا يَرَيَانِ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَمُخْتَلِفُ حَبِّهِ بِالضَّمْرَةِ وَالِامْتِلَاءِ وَالتَّغَيُّرِ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ من الْمُتَبَايِعَيْنِ قد تَبَايَعَا بِمَا لَا يَعْرِفَانِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) ولم أَجِدْ من أَمْرِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَأْخُذُوا عُشْرَ الْحِنْطَةِ في أَكْمَامِهَا وَلَا عُشْرَ الْحُبُوبِ ذَوَاتِ الْأَكْمَامِ في أَكْمَامِهَا ولم أَجِدْهُمْ يُجِيزُونَ أَنْ يَتَبَايَعُوا الْحِنْطَةَ بِالْحِنْطَةِ في سُنْبُلِهَا كَيْلًا وَلَا وَزْنًا لِاخْتِلَافِ الْأَكْمَامِ وَالْحَبِّ فيها فإذا امْتَنَعُوا من أَخْذِ عُشْرِهَا في أَكْمَامِهَا وَإِنَّمَا الْعُشْرُ مُقَاسَمَةٌ عَمَّنْ جَعَلَ له الْعُشْرَ وَحَقَّ صَاحِبِ الزَّرْعِ بهذا الْمَعْنَى وَامْتَنَعُوا من قِسْمَتِهَا بين أَهْلِهَا في سُنْبُلِهَا أَشْبَهَ أَنْ يَمْتَنِعُوا بِهِ في الْبَيْعِ ولم أَجِدْهُمْ يُجِيزُونَ بَيْعَ الْمِسْكِ في أَوْعِيَتِهِ وَلَا بَيْعَ الْحَبِّ في الْجُرُبِ وَالْغَرَائِرِ وَلَا جَعَلُوا لِصَاحِبِهِ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ ولم يُرَ الْحَبُّ وَلَوْ أَجَازُوهُ جُزَافًا فَالْغَرَائِرُ لَا تَحُولُ دُونَهُ كَمِثْلِ ما يَحُولُ دُونَهُ أَكْمَامُهُ وَيَجْعَلُونَ لِمَنْ اشْتَرَاهُ الْخِيَارَ إذَا رَآهُ وَمَنْ أَجَازَ بَيْعَ الْحَبِّ في أَكْمَامِهِ لم يَجْعَلْ له الْخِيَارَ إلَّا من عَيْبٍ ولم أَرَهُمْ أَجَازُوا بَيْعَ الْحِنْطَةِ في التِّبْنِ مَحْصُودَةً وَمَنْ أَجَازَ بَيْعَهَا قَائِمَةً انْبَغَى أَنْ يُجِيزَ بَيْعَهَا في التِّبْنِ مَحْصُودَةً وَمَدْرُوسَةً وَغَيْرَ مُنَقَّاةٍ وَانْبَغَى أَنْ يُجِيزَ بَيْعَ حِنْطَةٍ وَتِبْنٍ في غِرَارَةٍ فَإِنْ قال لَا تَتَمَيَّزُ الْحِنْطَةُ فَتُعْرَفُ من التِّبْنِ فَكَذَلِكَ لَا تَتَمَيَّزُ قَائِمَةً فَتُعْرَفُ في سُنْبُلِهَا فَإِنْ قال فَأُجِيزُ بَيْعَ الْحِنْطَةِ في سُنْبُلِهَا وَزَرْعِهَا لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْحِنْطَةَ وَتِبْنَهَا وَسُنْبُلَهَا لَزِمَهُ أَنْ يُجِزْ بَيْعَ حِنْطَةٍ في تِبْنِهَا وَحِنْطَةٍ في تُرَابٍ وَأَشْبَاهَ هذا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَجَدْت النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَخَذَ زَكَاةَ حِمْلِ النَّخْلِ بِخَرْصٍ لِظُهُورِهِ وَلَا حَائِلَ دُونَهُ ولم أَحْفَظْ عنه وَلَا عن أَحَدٍ من أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ شيئا من الْحُبُوبِ تُؤْخَذُ زَكَاتُهُ بِخَرْصٍ وَلَوْ احْتَاجَ إلَيْهِ أَهْلُهُ رَطْبًا لِأَنَّهُ لَا يُدْرَكْ عِلْمُهُ كما يُدْرَكُ عِلْمُ ثَمَرَةِ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ مع أَشْيَاءَ شَبِيهَةٍ بهذا ( قال ) وَبَيْعُ التَّمْرِ فيه النَّوَى جَائِزٌ من قِبَلِ أَنَّ الْمُشْتَرَى الْمَأْكُولَ من التَّمْرِ ظَاهِرٌ وَأَنَّ النَّوَاةَ تَنْفَعُ وَلَيْسَ من شَأْنِ أَحَدٍ أَنْ يُخْرِجَ النَّوَى من التَّمْرِ وَذَلِكَ أَنَّ التَّمْرَةَ إذَا جُنِيَتْ مَنْزُوعَةَ النَّوَى تَغَيَّرَتْ بِالسَّنَاخِ وَالضَّمْرِ فَفَتَحَتْ فَتْحًا يُنْقِصُ لَوْنَهَا وَأَسْرَعَ إلَيْهَا الْفَسَادُ وَلَا يُشْبِهُ الْجَوْزَ وَالرُّطَبَ من الْفَاكِهَةِ الْمُيَبَّسَةِ وَذَلِكَ أنها إذَا رُفِعَتْ في قُشُورِهَا فَفِيهَا رُطُوبَتَانِ رُطُوبَةُ النَّبَاتِ التي تَكُونُ قبل الْبُلُوغِ وَرُطُوبَةٌ لَا تُزَايِلُهَا من لِينِ الطِّبَاعِ لَا يُمْسِكُ تِلْكَ الرُّطُوبَةَ عليها إلَّا قُشُورُهَا فإذا زَايَلَتْهَا قُشُورُهَا دَخَلَهَا الْيُبْسُ وَالْفَسَادُ بِالطَّعْمِ وَالرِّيحِ وَقِلَّةِ الْبَقَاءِ وَلَيْسَ تُطْرَحُ تِلْكَ الْقُشُورُ عنها إلَّا عِنْدَ اسْتِعْمَالِهَا بِالْأَكْلِ وَإِخْرَاجِ الدُّهْنِ وَتَعْجِيلِ الْمَنَافِعِ ولم أَجِدْهَا كَالْبَيْضِ الذي إنْ طُرِحَتْ قِشْرَتُهُ ذَهَبَ وَفَسَدَ وَلَا إنْ طُرِحَتْ وَهِيَ مُنْضَجٌ لم تَفْسُدْ وَالنَّاسُ إنَّمَا يَرْفَعُونَ هذا لِأَنْفُسِهِمْ في قِشْرِهِ وَالتَّمْرُ فيه نَوَاهُ لِأَنَّهُ لَا صَلَاحَ له إلَّا بِهِ وَكَذَلِكَ يَتَبَايَعُونَهُ وَلَيْسَ يَرْفَعُونَ الْحِنْطَةَ وَالْحُبُوبَ في أَكْمَامِهَا وَلَا كَذَلِكَ يَتَبَايَعُونَهُ في أَسْوَاقِهِمْ وَلَا قُرَاهُمْ وَلَيْسَ بِفَسَادٍ على الْحُبُوبِ طَرْحُ قُشُورِهَا عنها كما يَكُونُ فَسَادًا على التَّمْرِ إخْرَاجُ نَوَاهُ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالرَّانِجِ وما أَشْبَهَهُ يُسْرِعُ تَغَيُّرُهُ وَفَسَادُهُ إذَا ألقى ذلك عنه وَادُّخِرَ وَعَلَى الْجَوْزِ قِشْرَتَانِ قِشْرَةٌ فَوْقَ الْقِشْرَةِ التي يَرْفَعُهَا الناس عليه وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَعَلَيْهِ الْقِشْرَةُ الْعُلْيَا وَيَجُوزُ وَعَلَيْهِ الْقِشْرَةُ التي إنَّمَا يُرْفَعُ وَهِيَ عليه لِأَنَّهُ يَصْلُحُ بِغَيْرِ الْعُلْيَا وَلَا يَصْلُحُ بِدُونِ السُّفْلَى وَكَذَلِكَ الرَّانِجُ وَكُلُّ ما كانت عليه قِشْرَتَانِ وقد قال غَيْرِي يَجُوزُ بَيْعُ كل شَيْءٍ من هذا إذَا يَبِسَ في سُنْبُلِهِ وَيُرْوَى فيه عن بن سِيرِينَ
____________________

(3/51)


أَنَّهُ أَجَازَهُ وَرَوَى فيه شيئا لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ عَمَّنْ هو أَعْلَى من بن سِيرِينَ وَلَوْ ثَبَتَ اتَّبَعْنَاهُ وَلَكِنَّا لم نَعْرِفْهُ ثَبَتَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ولم يَجُزْ في الْقِيَاسِ إلَّا إبْطَالُهُ كُلُّهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قال وَيَجُوزُ بَيْعُ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالرَّانِجِ وَكُلِّ ذِي قِشْرَةٍ يَدَّخِرُهُ الناس بِقِشْرَتِهِ مِمَّا إذَا طُرِحَتْ عنه الْقِشْرَةُ ذَهَبَتْ رُطُوبَتُهُ وَتَغَيَّرَ طَعْمُهُ وَيُسْرِعُ الْفَسَادُ إلَيْهِ مِثْلُ الْبَيْضِ وَالْمَوْزِ في قُشُورِهِ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما فَرْقُ بين ما أَجْزَتْ في قُشُورِهِ وما لم تُجِزْ منه قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إنَّ هذا لَا صَلَاحَ له مَدْخُورًا إلَّا بقشره وَلَوْ طُرِحَتْ عنه قِشْرَتُهُ لم يَصْلُحْ أَنْ يُدَّخَرَ وَإِنَّمَا يَطْرَحَ الناس عنه قِشْرَتَهُ عِنْدَمَا يُرِيدُونَ أَكْلَهُ أو عَصْرَ ما عُصِرَ منه وَلَيْسَتْ تُجْمَعُ قِشْرَتُهُ إلَّا وَاحِدَةً منه أو تَوْأَمًا لِوَاحِدٍ وَأَنَّ ما على الْحَبِّ من الْأَكْمَامِ يُجْمَعُ الْحَبُّ الْكَثِيرُ تَكُونُ الْحَبَّةُ وَالْحَبَّتَانِ منها في كِمَامٍ غَيْرِ كِمَامِ صَاحِبَتِهَا فَتَكُونُ الْكِمَامُ منها تُرَى وَلَا حَبَّ فيها وَالْأُخْرَى تُرَى وَفِيهَا الْحَبُّ ثُمَّ يَكُونُ مُخْتَلِفًا أو يُدَقُّ عن أَنْ يَكُونَ تُضْبَطُ مَعْرِفَتُهُ كما تُضْبَطُ مَعْرِفَةُ الْبَيْضَةِ التي تَكُونُ مِلْءَ قِشْرَتِهَا وَالْجَوْزَةُ التي تَكُونُ مِلْءَ قِشْرَتِهَا وَاللَّوْزَةُ التي قَلَّمَا تَفْصُلُ من قِشْرَتِهَا لِامْتِلَائِهَا وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ فَسَادُهُ بِتَغَيُّرِ طَعْمِهِ أو بِأَنْ يَكُونَ لَا شَيْءَ فيه وإذا كان هَكَذَا رَدَّ مُشْتَرِيهِ بِمَا كان فَاسِدًا منه على بَيْعِهِ وكان ما فَسَدَ منه يُضْبَطُ وَالْحِنْطَةُ قد تَفْسُدُ بِمَا وَصَفْت وَيَكُونُ لها فَسَادٌ بِأَنْ تَكُونَ مُسْتَحْشِفَةً وَلَوْ قُلْت أَرُدُّهُ بهذا لم أَضْبِطْهُ ولم أَخْلُصْ بَعْضَ الْحِنْطَةِ من بَعْضٍ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ مُخْتَلِطَةً وَلَيْسَ من هذا وَاحِدٌ يُعْرَفُ فَسَادُهُ إلَّا وَحْدَهُ فَيَرُدُّ مَكَانَهُ وَلَا يُعْرَفُ فَسَادُ حَبِّ الْحِنْطَةِ إلَّا مختلطا ( ( ( مختلفا ) ) ) وإذا اخْتَلَطَ خَفِيَ عَلَيْك كَثِيرٌ من الْحَبِّ الْفَاسِدِ فَأَجَزْت عليه بَيْعَ ما لم يَرَ وما يَدْخُلُهُ ما وَصَفْت
____________________

(3/52)


- * بَابُ الْخِلَافُ في بَيْعِ الزَّرْعِ قَائِمًا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَخَالَفَنَا في بَيْعِ الْحِنْطَةِ في سُنْبُلِهَا وما كان في مَعْنَاهَا بَعْضُ الناس واجتمعوا ( ( ( اجتمعوا ) ) ) على إجَازَتِهَا وَتَفَرَّقُوا في الْحُبُوبِ في بَعْضِ ما سَأَلْنَاهُمْ عنه من الْعِلَّةِ في إجَازَتِهَا فَقُلْت لِبَعْضِهِمْ أَتُجِيزُهَا على ما أَجَزْت عليه بَيْعَ الْحِنْطَةِ الْقَائِمَةِ على الْمَوْضِعِ الذي اشْتَرَيْتهَا فيه أو حَاضِرَةَ ذلك الْمَوْضِعِ غَائِبَةً عن نَظَرِ المشترى بِغِرَارَةٍ أو جِرَابٍ أو وِعَاءٍ ما كان أو طَبَقٍ قال لَا وَذَلِكَ أَنِّي لو أَجَزْتهَا لِذَلِكَ الْمَعْنَى جَعَلْت له الْخِيَارَ إذَا رَآهَا قُلْت فَبِأَيِّ مَعْنًى أَجَزْتهَا قال بِأَنَّهُ مَلَكَ السُّنْبُلَةَ فَلَهُ ما كان مَخْلُوقًا فيها إنْ كان فيها خَلْقٌ ما كان الْخَلْقُ وَبِأَيِّ حَالٍ مَعِيبًا وَغَيْرَ مَعِيبٍ كما يَمْلِكُ الْجَارِيَةَ فَيَكُونُ له وَلَدَانِ كان فيها وَكَانَتْ ذَاتَ وَلَدٍ أو لم تَكُنْ أو كان نَاقِصًا أو مَعِيبًا لم أَرُدَّهُ بِشَيْءٍ ولم أَجْعَلْ له خِيَارًا فَقُلْت له أَمَّا ذَوَاتُ الْأَوْلَادِ فَمَقْصُودٌ بِالْبَيْعِ قَصْدَ أَبْدَانِهِنَّ يُشْتَرَيْنَ لِلْمَنَافِعِ بِهِنَّ وما وَصَفْت في أَوْلَادِهِنَّ كما وَصَفْت في ( ( ( وفي ) ) ) الشَّجَرِ كما وَصَفْت أَفِي السُّنْبُلَةِ شَيْءٌ يُشْتَرَى غَيْرُ الْمَغِيبِ فَيَكُونُ الْمَغِيبُ لَا حُكْمَ له كَالْوَلَدِ وَذَاتِ الْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ في الشَّجَرَةِ ام لَا قال وما تَعْنِي بهذا قُلْت أَرَأَيْت إذَا اشْتَرَيْت ذَاتَ وَلَدٍ أَلَيْسَ إنَّمَا تَقَعُ الصَّفْقَةُ عليها دُونَ وَلَدِهَا فَكَذَلِكَ ذَاتُ حِمْلٍ من الشَّجَرِ فَإِنْ أَثْمَرَتْ أو وَلَدَتْ الْأَمَةُ كان لَك بِأَنَّهُ لَا حُكْمَ له إلَّا حُكْمَ أُمِّهِ وَلَا لِلثَّمَرِ إلَّا حُكْمُ شجرة وَلَا حِصَّةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا من الثَّمَنِ وَإِنْ لم يَكُونَا لم يَنْقُصْ الثَّمَنُ وَإِنْ كان مُثْمِرًا كَثِيرًا وَسَالِمًا أو لم يَكُنْ أو مَعِيبًا فَلِلْمُشْتَرِي أَفَهَكَذَا الْحِنْطَةُ عِنْدَك في أَكْمَامِهَا قال فَإِنْ قُلْت نعم قُلْت فما المبيع ( ( ( البيع ) ) ) قال فَإِنْ قُلْت ما تَرَى قُلْت فَإِنْ لم أَجِدْ فِيمَا أَرَى شيئا قال يَلْزَمُنِي أَنْ أَقُولَ يَلْزَمُهُ كَالْجَارِيَةِ إذَا لم يَكُنْ في بَطْنِهَا وَلَدٌ وَلَيْسَ كَهِيَ لِأَنَّ المشتري الْأَمَةُ لاحملها والمشتري الْحَبُّ لاكمامه فَهُمَا مُخْتَلِفَانِ هُنَا وَمُخَالِفٌ لِلْجَوْزِ وما أَشْبَهَهُ لِأَنَّ ادِّخَارَ الْحَبِّ بَعْدَ خُرُوجِهِ من أَكْمَامِهِ وَادِّخَارِ اللَّوْزِ وَشَبَهِهِ بِقِشْرِهِ فَهَذَا يَدْخُلُهُ ما وَصَفْت وَلَيْسَ يُقَاسُ بِشَيْءٍ من هذا وَلَكِنَّا اتَّبَعْنَا الْأَثَرَ قُلْت لو صَحَّ لَكُنَّا أَتْبَعَ له - * بَابُ بَيْعِ الْعَرَايَا - * أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن الزُّهْرِيِّ عن سَالِمٍ عن أبيه أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن بَيْعِ الثَّمَرِ حتى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ وَعَنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ قال عبد اللَّهِ وَحَدَّثَنَا زَيْدُ بن ثَابِتٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَرْخَصَ في الْعَرَايَا أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن إسْمَاعِيلَ الشَّيْبَانِيِّ أو غَيْرُهُ قال بِعْتُ ما في رؤوس نخلى بِمِائَةِ وَسْقٍ إنْ زَادَ فَلَهُمْ وَإِنْ نَقَصَ فَعَلَيْهِمْ فَسَأَلْت بن عُمَرَ فقال نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن هذا إلَّا أَنَّهُ أَرْخَصَ في بَيْعِ الْعَرَايَا ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ عن زَيْدِ بن ثَابِتٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ تَعَالَى وسلم أَرْخَصَ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ أَنْ يَبِيعَهَا بِخَرْصِهَا ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن دَاوُد بن الْحُصَيْنِ عن أبي سُفْيَانَ
____________________

(3/53)


مولى بن أبي احمد عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ تَعَالَى عليه وسلم أَرْخَصَ في بَيْعِ الْعَرَايَا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أو في خَمْسَةِ أَوْسُقٍ شَكَّ دَاوُد قال خَمْسَةُ أَوْسُقٍ أو دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقِيلَ لِمَحْمُودِ بن لَبِيدٍ أو قال مَحْمُودُ بن لَبِيدٍ لِرَجُلٍ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إمَّا زَيْدُ بن ثَابِتٍ وَإِمَّا غَيْرُهُ ما عَرَايَاكُمْ هذه قال فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَسَمَّى رِجَالًا مُحْتَاجِينَ من الْأَنْصَارِ شَكَوْا إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ الرُّطَبَ يأنى ( ( ( يأتي ) ) ) وَلَا نَقْدَ بِأَيْدِيهِمْ يَتَبَايَعُونَ بِهِ رُطَبًا يَأْكُلُونَهُ مع الناس وَعِنْدَهُمْ فُضُولٌ من قُوتِهِمْ من التَّمْرِ فَرَخَّصَ لهم أَنْ يَتَبَايَعُوا الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا من التَّمْرِ الذي في أَيْدِيهِمْ يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا ( قال ) وَحَدِيثُ سُفْيَانَ يَدُلُّ على مِثْلِ هذا الحديث ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن بُشَيْرِ بن يَسَارٍ قال سَمِعْت سَهْلَ بن أبي حَثْمَةَ يقول نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ تَعَالَى عليه وسلم عن بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ إلَّا أَنَّهُ رَخَّصَ في الْعَرِيَّةِ أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا تَمْرًا يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ عن جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن الْمُزَابَنَةِ وَالْمُزَابَنَةُ بَيْعُ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ إلَّا أَنَّهُ أَرْخَصَ في الْعَرَايَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْأَحَادِيثُ قَبْلَهُ تَدُلُّ عليه إذَا كانت الْعَرَايَا دَاخِلَةً في بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وهو مَنْهِيٌّ عنه في الْمُزَابَنَةِ وَخَارِجَةً من أَنْ يُبَاعَ مِثْلًا بِمِثْلٍ بِالْكَيْلِ فَكَانَتْ دَاخِلَةً في مَعَانٍ مَنْهِيٍّ عنها كُلِّهَا خَارِجَةً منه مُنْفَرِدَةً بِخِلَافِ حُكْمِهِ إمَّا بِأَنْ لم يَقْصِدْ بِالنَّهْيِ قَصْدَهَا وَإِمَّا بِأَنْ أَرْخَصَ فيها من جُمْلَةِ ما نهى عنه وَالْمَعْقُولُ فيها أَنْ يَكُونَ أَذِنَ لِمَنْ لَا يَحِلُّ له أَنْ يَبْتَاعَ بِتَمْرٍ من النَّخْلِ ما يَسْتَجْنِيهِ رُطَبًا كما يَبْتَاعُهُ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ فَيَدْخُلُ في مَعْنَى الْحَلَالِ أو يُزَايِلُ مَعْنَى الْحَرَامِ وَقَوْلُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا خَبَرٌ أَنَّ مُبْتَاعَ الْعَرِيَّةِ يَبْتَاعُهَا لِيَأْكُلَهَا يَدُلُّ على أَنَّهُ لَا رُطَبَ له في مَوْضِعِهَا يَأْكُلُهُ غَيْرُهَا وَلَوْ كان صَاحِبُ الْحَائِطِ هو الْمُرَخِّصُ له أَنْ يَبْتَاعَ الْعَرِيَّةَ لِيَأْكُلَهَا كان له حَائِطُهُ مَعَهَا أَكْثَرَ من الْعَرَايَا فَأَكَلَ من حَائِطِهِ ولم يَكُنْ عليه ضَرَرٌ إلَى أَنْ يَبْتَاعَ الْعَرِيَّةَ التي هِيَ دَاخِلَةٌ في مَعْنَى ما وَصَفْت من النَّهْيِ ( قال ) وَلَا يَبْتَاعُ الذي يَشْتَرِي الْعَرِيَّةَ بِالتَّمْرِ الْعَرِيَّةَ إلَّا بِأَنْ تُخْرَصَ الْعَرِيَّةُ كما تُخْرَصُ لِلْعُشْرِ فَيُقَالُ فيها الْآنَ وَهِيَ رُطَبُ كَذَا وإذا تَيْبَسُ كان كَذَا وَيَدْفَعُ من التَّمْرِ مَكِيلَةَ حِرْزِهَا تَمْرًا يُؤَدِّي ذلك إلَيْهِ قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ تَفَرَّقَا قبل دَفْعِهِ فَسَدَ الْبَيْعُ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ تَمْرٌ بِتَمْرٍ أَحَدُهُمَا غَائِبٌ وَالْآخَرُ حَاضِرٌ وَهَذَا مُحَرَّمٌ في سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَإِجْمَاعِ أَكْثَرِ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ ( قال ) وَنَهَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن أَنْ تُبَاعَ الْعَرَايَا إلَّا في خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أو دُونَهَا دَلَالَةٌ على ما وَصَفْت من أَنَّهُ إنَّمَا رَخَّصَ فيها لِمَنْ لَا تَحِلُّ له وَذَلِكَ أَنَّهُ لو كان كَالْبُيُوعِ غَيْرُهُ كان بَيْعُ خَمْسَةٍ وَدُونَهَا وَأَكْثَرَ منها سَوَاءً وَلَكِنَّهُ أَرْخَصَ له فيه بِمَا يَكُونُ مَأْكُولًا على التَّوَسُّعِ له وَلِعِيَالِهِ وَمَنْعُ ما هو أَكْثَرُ منه وَلَوْ كان صَاحِبُ الْحَائِطِ الْمُرَخِّصُ له خَاصَّةً لَأَذَى الدَّاخِلَ عليه الذي أَعْرَاهُ وكان إنَّمَا أَرْخَصَ له لِتَنْحِيَةِ الْأَذَى كان أَذَى الدَّاخِلِ عليه في أَكْثَرَ من خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِثْلَ أو أَكْثَرَ من أَذَاهُ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فإذا حَظَرَ عليه أَنْ يَشْتَرِيَ إلَّا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ لَزِمَهُ الْأَذَى إذَا كان قد أَعْرَى أَكْثَرَ من خَمْسَةِ أَوْسُقٍ ( قال ) فَمَعْنَى السُّنَّةِ وَاَلَّذِي أَحْفَظُ عن أَكْثَرَ من لَقِيت مِمَّنْ أَجَازَ بَيْعَ الْعَرَايَا أنها جَائِزَةٌ لِمَنْ ابْتَاعَهَا مِمَّنْ لَا يَحِلُّ له في مَوْضِعِهَا مِثْلُهَا بِخَرْصِهَا تَمْرًا وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ فيها حتى يَقْبِضَ النَّخْلَةَ بِثَمَرِهَا وَيَقْبِضَ صَاحِبُ النَّخْلَةِ التَّمْرَ بِكَيْلِهِ ( قال ) وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَبِيعَهَا بِجُزَافٍ من التَّمْرِ لِأَنَّهُ جِنْسٌ لَا يَجُوزُ في بَعْضِهِ بِبَعْضِ الْجُزَافِ وإذا بِيعَتْ الْعَرِيَّةُ بِشَيْءٍ من الْمَأْكُولِ أو الْمَشْرُوبِ غَيْرِ التَّمْرِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُبَاعَ جُزَافًا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا حتى يَتَقَابَضَا قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا وهو حِينَئِذٍ مِثْلُ بَيْعِ التَّمْرِ بِالْحِنْطَةِ وَالْحِنْطَةِ بِالذُّرَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ صَاحِبُ الْعَرِيَّةِ من الْعَرَايَا إلَّا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ أو دُونَهَا وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ دُونَهَا لِأَنَّهُ ليس في النَّفْسِ منه شَيْءٌ ( قال ) وإذا ابْتَاعَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ لم أَفْسَخْ الْبَيْعَ ولم أُقَسِّطْ له وَإِنْ ابْتَاعَ أَكْثَرَ من خَمْسَةِ أَوْسُقٍ
____________________

(3/54)


فُسِخَتْ الْعُقْدَةُ كُلُّهَا لِأَنَّهَا وَقَعَتْ على ما يَجُوزُ وما لَا يَجُوزُ ( قال ) وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ صَاحِبُ الْحَائِطِ من غَيْرِ وَاحِدٍ عَرَايَا كُلِّهِمْ يَبْتَاعُونَ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ منهم لم يَحْرُمْ على الِافْتِرَاقِ لِلتَّرْخِيصِ له أَنْ يَبْتَاعَ هذه الْمَكِيلَةَ وإذا حَلَّ ذلك لِكُلِّ وَاحِدٍ منهم لم يَحْرُمْ على رَبِّ الْحَائِطِ أَنْ يَبِيعَ مَالَهُ وكان حَلَالًا لِمَنْ أبتاعه وَلَوْ أتى ذلك على جَمِيعِ حَائِطِهِ ( قال ) وَالْعَرَايَا من الْعِنَبِ كهى من التَّمْرِ لَا يَخْتَلِفَانِ لِأَنَّهُمَا يُخْرَصَانِ مَعًا ( قال ) وَكُلُّ ثَمَرَةٍ ظَاهِرَةٍ من أَصْلٍ ثَابِتٍ مِثْلِ الْفِرْسِكِ وَالْمِشْمِشِ وَالْكُمَّثْرَى والأجاص وَنَحْوِ ذلك مُخَالِفَةً لِلتَّمْرِ وَالْعِنَبِ لِأَنَّهَا لَا تُخْرَصُ لِتَفَرُّقِ ثِمَارِهَا وَالْحَائِلِ من الْوَرَقِ دُونَهَا وَأَحَبُّ إلى أَنْ لَا تَجُوزَ بِمَا وَصَفْت وَلَوْ قال رَجُلٌ هِيَ وَإِنْ لم تُخْرَصْ فَقَدْ رَخَّصَ منها فِيمَا حَرُمَ من غَيْرِهَا أَنْ يُبَاعَ بِالتَّحَرِّي فَأُجِيزُهُ كان مَذْهَبًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( قال ) فإذا بِيعَتْ الْعَرَايَا بِمَكِيلٍ أو مَوْزُونٍ من الْمَأْكُولِ أو الْمَشْرُوبِ لم يَجُزْ أَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَتَقَابَضَا وَالْمَعْدُودُ من الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لِأَنَّهُ مَأْكُولٌ وَمَوْزُونٌ يَحِلُّ وَزْنُهُ أو كَيْلُهُ وَمَوْجُودٌ من يَزِنُهُ وَيَكِيلُهُ وإذا بِيعَتْ بِعَرَضٍ من الْعُرُوضِ مَوْصُوفٍ بِمِثْلِ ثَوْبٍ من جِنْسٍ يُذْرَعُ وَخَشَبَةٍ من جِنْسٍ يُذْرَعُ وَحَدِيدٍ مَوْصُوفٍ يُوزَنُ وَصُفْرٍ وَكُلِّ ما عَدَا الْمَأْكُولَ وَالْمَشْرُوبَ مِمَّا تَقَعُ عليه الصَّفْقَةُ من ذَهَبٍ أو وَرِقٍ أو حَيَوَانٍ وَقَبَضَ الْمُشْتَرِي الْعَرِيَّةَ وسمي أَجَلًا لِلثَّمَنِ كان حَلَالًا وَالْبَيْعُ جَائِزٌ فيها كَهُوَ في طَعَامٍ مَوْضُوعٍ اُبْتِيعَ بِعَرَضٍ وَقَبَضَ الطَّعَامَ ولم يَقْبِضْ الْعَرَضَ إمَّا كان حَالًّا فَكَانَ لِصَاحِبِهِ قَبْضُهُ من بَيْعِهِ مَتَى شَاءَ وَإِمَّا كان إلَى أَجَلٍ فَكَانَ له قَبْضُهُ منه عِنْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْأَجَلِ ( قال ) وَلَا تُبَاعُ الْعَرَايَا بِشَيْءٍ من صِنْفِهِ جُزَافًا لِاتِّبَاعِ عَرِيَّةِ النَّخْلِ بِتَمْرِهِ جُزَافًا وَلَا بِتَمْرِ نَخْلَةٍ مِثْلِهَا وَلَا أَكْثَرَ لِأَنَّ هذا مُحَرَّمٌ إلَّا كَيْلًا بِكَيْلٍ إلَّا الْعَرَايَا خَاصَّةً لِأَنَّ الْخَرْصَ فيها يَقُومُ مَقَامَ الْكَيْلِ بِالْخَبَرِ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَيُبَاعُ تَمْرُ نَخْلَةٍ جُزَافًا بِثَمَرِ عِنَبَةٍ وَشَجَرَةٍ غَيْرِهَا جُزَافًا لِأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْفَضْلِ في بَعْضِ هذا على بَعْضٍ مَوْضُوعًا بِالْأَرْضِ وَاَلَّذِي أَذْهَبُ إلَيْهِ أَنْ لَا بَأْسَ أَنْ يَبْتَاعَ الرَّجُلُ الْعَرَايَا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَإِنْ كان مُوسِرًا لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ تَعَالَى عليه وسلم إذ أَحَلَّهَا فلم يَسْتَثْنِ فيها أنها تَحِلُّ لِأَحَدٍ دُونَ أَحَدٍ وَإِنْ كان سَبَبُهَا بِمَا وَصَفْت فَالْخَبَرُ عنه صلى اللَّهُ عليه وسلم جاء بِإِطْلَاقِ إحْلَالِهَا ولم يَحْظُرْهُ على أَحَدٍ فَنَقُولُ يَحِلُّ لَك وَلِمَنْ كان مِثْلَك كما قال في الضَّحِيَّةِ بِالْجَذَعَةِ تُجْزِيك وَلَا تُجْزِي غَيْرَك وَكَمَا حَرَّمَ اللَّهُ عز وجل الْمَيْتَةَ فلم يُرَخِّصْ فيها إلَّا لِلْمُضْطَرِّ وَهِيَ بِالْمَسْحِ على الْخُفَّيْنِ أَشْبَهَ إذْ مَسَحَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مُسَافِرًا فلم يَحْرُمْ على مُقِيمٍ أَنْ يَمْسَحَ وَكَثِيرٌ من الْفَرَائِضِ قد نَزَلَتْ بِأَسْبَابِ قَوْمٍ فَكَانَ لهم وَلِلنَّاسِ عَامَّةً إلَّا ما بَيَّنَ اللَّهُ عز وجل أَنَّهُ أُحِلَّ لِمَعْنَى ضَرُورَةٍ أو خَاصَّةٍ ( قال ) وَلَا بَأْسَ إذَا اشْتَرَى رَجُلٌ عَرِيَّةً أَنْ يَطْعَمَ منها وَيَبِيعَ لِأَنَّهُ قد مَلَكَ ثَمَرَتَهَا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا في الْمَوْضِعِ من له حَائِطٌ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِمُوَافَقَةِ ثَمَرَتِهَا أو فَضْلِهَا أو قُرْبِهَا لِأَنَّ الْإِحْلَالَ عَامٌّ لَا خَاصٌّ إلَّا أَنْ يُخَصَّ بِخَبَرٍ لَازِمٍ ( قال ) وَإِنْ حَلَّ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ شِرَاؤُهَا حَلَّ له هِبَتُهَا وَإِطْعَامُهَا وَبَيْعُهَا وَادِّخَارُهَا وما يَحِلُّ له من الْمَالِ في مَالِهِ وَذَلِكَ انك إذَا مَلَكْت حَلَالًا حَلَّ لَك هذا كُلُّهُ فيه وَأَنْتَ مَلَكْت الْعَرِيَّةَ حَلَالًا ( قال ) وَالْعَرَايَا ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ هذا الذي وَصَفْنَا أَحَدُهَا وَجِمَاعُ الْعَرَايَا كُلُّ ما أُفْرِدَ لِيَأْكُلَهُ خَاصَّةً ولم يَكُنْ في جُمْلَةِ الْبَيْعِ من ثَمَرِ الْحَائِطِ إذَا بِيعَتْ جُمْلَتُهُ من وَاحِدٍ وَالصِّنْفُ الثَّانِي أَنْ يَخُصَّ رَبُّ الْحَائِطِ الْقَوْمَ فيعطى الرَّجُلَ ثَمَرَ النَّخْلَةِ وَثَمَرَ النَّخْلَتَيْنِ وَأَكْثَرَ عَرِيَّةً يَأْكُلُهَا وَهَذِهِ في مَعْنَى الْمِنْحَةِ من الْغَنَمِ يَمْنَحُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الشَّاةَ أو الشَّاتَيْنِ أو أَكْثَرَ لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا وَيَنْتَفِعَ بِهِ وَلِلْمُعْرَى أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَهَا وَيُتْمِرَهُ وَيَصْنَعَ فيه ما يَصْنَعُ في مَالِهِ لِأَنَّهُ قد مَلَكَهُ ( قال ) وَالصِّنْفُ الثَّالِثُ من الْعَرَايَا أَنْ يعرى الرَّجُلُ الرَّجُلَ النَّخْلَةَ وَأَكْثَرَ من حَائِطِهِ لِيَأْكُلَ ثَمَرَهَا وَيُهْدِيَهُ وَيُتْمِرَهُ وَيَفْعَلَ فيه ما أَحَبَّ وَيَبِيعَ ما بَقِيَ من ثَمَرِ حَائِطِهِ فَتَكُونُ هذه مُفْرَدَةً من الْمَبِيعِ منه جُمْلَةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وقد روى أَنَّ
____________________

(3/55)


مُصَّدِّقَ الْحَائِطِ يَأْمُرُ الْخَارِصَ أَنْ يَدَعَ لِأَهْلِ الْبَيْتِ من حَائِطِهِمْ قَدْرَ ما يَرَاهُمْ يَأْكُلُونَ وَلَا يَخْرُصُهُ لِيَأْخُذَ زَكَاتَهُ وَقِيلَ قِيَاسًا على ذلك أَنَّهُ يَدَعُ ما أَعْرَى لِلْمَسَاكِينِ منها فَلَا يَخْرُصُهُ وَهَذَا مَوْضُوعٌ بِتَفْسِيرِهِ في كِتَابِ الْخَرْصِ - * بَابُ الْعَرِيَّةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْعَرِيَّةُ التي رَخَّصَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في بَيْعِهَا أَنَّ قَوْمًا شَكَوْا إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ الرُّطَبَ يَحْضُرُ وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ ما يَشْتَرُونَ بِهِ من ذَهَبٍ وَلَا وَرِقٍ وَعِنْدَهُمْ فُضُولُ تَمْرٍ من قُوتِ سَنَتِهِمْ فَرَخَّصَ لهم رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يَشْتَرُوا الْعَرِيَّةَ بِخَرْصِهَا تَمْرًا يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا وَلَا تَشْتَرِي بِخَرْصِهَا إلَّا كما سَنَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ تُخْرَصَ رُطَبًا فَيُقَالُ مَكِيلَتُهُ كَذَا وَيَنْقُصُ كَذَا إذَا صَارَ تَمْرًا فَيَشْتَرِيهَا الْمُشْتَرِي لها بِمِثْلِ كَيْلِ ذلك التَّمْرِ وَيَدْفَعُهُ إلَيْهِ قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ تَفَرَّقَا قبل أَنْ يَتَقَابَضَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ وَلَا يَشْتَرِي من الْعَرَايَا إلَّا أَقَلَّ من خَمْسَةِ أَوْسُقٍ بِشَيْءٍ ما كان فإذا كان أَقَلَّ من خَمْسَةِ أَوْسُقٍ جَازَ الْبَيْعُ وَسَوَاءٌ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ في شِرَاءِ الْعَرَايَا لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَمَّا نهى عن بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَالْمُزَابَنَةِ وَالْعَرَايَا تَدْخُلُ في جُمْلَةِ اللَّفْظِ لِأَنَّهَا جُزَافٌ بِكَيْلٍ وَتَمْرٌ بِرُطَبٍ اسْتَدْلَلْنَا على أَنَّ الْعَرَايَا لَيْسَتْ مِمَّا نهى عنه غَنِيٌّ وَلَا فَقِيرٌ وَلَكِنْ كان كَلَامُهُ فيها جُمْلَةً عَامَّ الْمَخْرَجِ يُرِيدُ بِهِ الْخَاصَّ وَكَمَا نهى عن صَلَاةٍ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ وكان عَامَّ الْمَخْرَجِ وَلَمَّا أَذِنَ في الصَّلَاةِ لِلطَّوَافِ في سَاعَاتِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَمَرَ من نَسِيَ صَلَاةً أَنْ يُصَلِّيَهَا إذَا ذَكَرَهَا فَاسْتَدْلَلْنَا على أَنَّ نَهْيَهُ ذلك الْعَامَّ إنَّمَا هو على الْخَاصِّ وَالْخَاصُّ أَنْ يَكُونَ نهى عن أَنْ يَتَطَوَّعَ الرَّجُلُ فَأَمَّا كُلُّ صَلَاةٍ لَزِمَتْهُ فلم يَنْهَ عنه وَكَمَا قال الْبَيِّنَةُ على الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ على الْمُدَّعَى عليه وَقَضَى بِالْقَسَامَةِ وَقَضَى بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ فَاسْتَدْلَلْنَا على أَنَّهُ إنَّمَا اراد بِجُمْلَةِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عليه خَاصًّا وَأَنَّ الْيَمِينَ مع الشَّاهِدِ وَالْقَسَامَةُ اسْتِثْنَاءٌ مِمَّا أَرَادَ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ في الْقَسَامَةِ يَحْلِفُ بِلَا بَيِّنَةٍ وَالْمُدَّعِي مع الشَّاهِدِ يَحْلِفُ وَيَسْتَوْجِبَانِ حُقُوقَهُمَا وَالْحَاجَةُ في الْعَرِيَّةِ وَالْبَيْعِ وَغَيْرِهِمَا سَوَاءٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا تَكُونُ الْعَرَايَا إلَّا في النَّخْلِ وَالْعِنَبِ لِأَنَّهُ لَا يُضْبَطُ خَرْصُ شَيْءٍ غَيْرُهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ كُلَّهُ عَرَايَا إذَا كان لَا يَبِيعُ وَاحِدًا منهم إلَّا أَقَلَّ من خَمْسَةِ أَوْسُقٍ - * بَابُ الْجَائِحَةِ في الثَّمَرَةِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن حُمَيْدِ بن قَيْسٍ عن سُلَيْمَانَ بن عَتِيقٍ عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن بَيْعِ السِّنِينَ وَأَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) سَمِعْت سُفْيَانَ يحدث هذا الحديث كَثِيرًا في طُولِ مُجَالَسَتِي له لَا أحصى ما سَمِعْته يُحَدِّثُهُ من كَثْرَتِهِ لَا يُذْكَرُ فيه أَمْرٌ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ لَا يَزِيدُ على أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن بَيْعِ السِّنِينَ ثُمَّ زَادَ بَعْدَ ذلك وَأَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال سُفْيَانُ وكان حُمَيْدٌ يَذْكُرُ بَعْدَ بَيْعِ السِّنِينَ كَلَامًا قبل وَضْعِ الْجَوَائِحِ لَا أَحْفَظُهُ فَكُنْت أَكُفُّ عن ذِكْرِ وَضْعِ الْجَوَائِحِ لِأَنِّي لَا أَدْرِي كَيْفَ كان الْكَلَامُ وفي الحديث امر بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن أبي الزُّبَيْرِ عن جَابِرٍ عن النبي صلى اللَّهُ تَعَالَى عليه وسلم مِثْلُهُ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن أبي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بن عبد الرحمن عن أُمِّهِ عمره أَنَّهُ سَمِعَهَا تَقُولُ ابْتَاعَ رَجُلٌ ثَمَرَ حَائِطٍ في زَمَانِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَعَالَجَهُ واقام فيه حتى تَبَيَّنَ له النُّقْصَانُ فَسَأَلَ رَبَّ الْحَائِطِ أَنْ يَضَعَ عنه فَحَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ فَذَهَبَتْ أُمُّ الْمُشْتَرِي إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
____________________

(3/56)


فَذَكَرَتْ ذلك له فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم تَأَلَّى أَنْ لَا يَفْعَلَ خَيْرًا فَسَمِعَ بِذَلِكَ رَبُّ الْمَالِ فَأَتَى إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال يا رَسُولَ اللَّهِ هو له ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال سُفْيَانُ في حَدِيثِهِ عن جَابِرٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في وَضْعِ الْجَوَائِحِ ما حَكَيْت فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ الذي لم يَحْفَظْهُ سُفْيَانُ من حديث حميد ( ( ( محمد ) ) ) يَدُلُّ على أَنَّ أَمْرَهُ بِوَضْعِهَا على مِثْلِ أَمْرِهِ بِالصُّلْحِ على النِّصْفِ وَعَلَى مِثْلِ أَمْرِهِ بِالصَّدَقَةِ تَطَوُّعًا حَضًّا على الْخَيْرِ لَا حَتْمًا وما أَشْبَهَ ذلك وَيَجُوزُ غَيْرُهُ فلما احْتَمَلَ الْحَدِيثُ الْمَعْنَيَيْنِ مَعًا ولم يَكُنْ فيه دَلَالَةٌ على أَيِّهِمَا أَوْلَى بِهِ لم يَجُزْ عِنْدَنَا أَنْ نَحْكُمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ على الناس بِوَضْعِ ما وَجَبَ لهم بِلَا خَبَرٍ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَثْبُتُ بِوَضْعِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَحَدِيثُ مَالِكٍ عن عَمْرَةَ مُرْسَلٌ وَأَهْلُ الحديث وَنَحْنُ لَا نُثْبِتُ مُرْسَلًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ ثَبَتَ حَدِيثُ عَمْرَةَ كانت فيه وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ دَلَالَةٌ على أَنْ لَا تُوضَعَ الْجَائِحَةُ لِقَوْلِهَا قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم تَأَلَّى أَنْ لَا يَفْعَلَ خَيْرًا وَلَوْ كان الْحُكْمُ عليه أَنْ يَضَعَ الْجَائِحَةَ لَكَانَ أَشْبَهَ أَنْ يَقُولَ ذلك لَازِمٌ له حَلَفَ أو لم يَحْلِفْ وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ من كان عليه حَقٌّ قِيلَ هذا يَلْزَمُك أَنْ تُؤَدِّيَهُ إذَا امْتَنَعْت من حَقٍّ فَأُخِذَ مِنْك بِكُلِّ حَالٍ ( قال ) وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ الثَّمَرَةَ فَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَأَصَابَتْهَا جَائِحَةٌ فَلَا نَحْكُمُ له على الْبَائِعِ أَنْ يَضَعَ عنه من ثَمَنِهَا شيئا ( قال ) وَلَوْ لم يَكُنْ سُفْيَانُ وَهَنَ حَدِيثُهُ بِمَا وَصَفْت وَثَبَتَتْ السُّنَّةُ بِوَضْعِ الْجَائِحَةِ وَضَعَتْ كُلَّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ أُصِيبَ من السَّمَاءِ بِغَيْرِ جِنَايَةِ أَحَدٍ عليه فَأَمَّا أَنْ يُوضَعَ الثُّلُثُ فَصَاعِدًا وَلَا يُوضَعُ ما دُونَ الثُّلُثِ فَهَذَا لَا خَبَرَ وَلَا قِيَاسَ وَلَا مَعْقُولَ ( قال ) وَلَوْ صِرْت إلَى وَضْعِ الْجَائِحَةِ ما كانت الْحُجَّةُ فيها إلَّا اتِّبَاعَ الْخَبَرِ لو ثَبَتَ وَلَا أَقُولُ قِيَاسًا على الدَّارِ إذَا تَكَارَاهَا سَنَةً أو أَقَلَّ فاقبضها على الْكِرَاءِ فَتَنْهَدِمُ الدَّارُ ولم يَمْضِ من السَّنَةِ إلَّا يَوْمٌ أو قد مَضَتْ إلَّا يَوْمٌ فَلَا يَجِبُ على إلَّا إجَارَةُ يَوْمٍ أو يَجِبُ على إجَارَةُ سَنَةٍ إلَّا يَوْمٌ وَذَلِكَ أَنَّ الذي يَصِلُ إلَى مَنْفَعَةِ الدَّارِ ما كانت الدَّارُ في يَدَيَّ فإذا انْقَطَعَتْ مَنْفَعَةُ الدَّارِ بِانْهِدَامِهَا يَجِبُ على كِرَاءُ ما لم أَجِدْ السَّبِيلَ إلَى أَخْذِهِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فما مَنَعَك أَنْ تَجْعَلَ ثَمَرَةَ النَّخْلِ قِيَاسًا على ما وَصَفْت من كِرَاءِ الدَّارِ وَأَنْتَ تُجِيزُ بَيْعَ ثَمَرِ النَّخْلِ فَيُتْرَكُ إلَى غَايَةٍ في نَخْلِهِ كما تُجِيزُ أَنْ يَقْبِضَ الدَّارَ وَيَسْكُنَهَا إلَى مُدَّةٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الدَّارُ تكتري سَنَةً ثُمَّ تَنْهَدِمُ من قَبْلِ تَمَامِ السَّنَةِ مُخَالَفَةً لِلثَّمَرَةِ تُقْبَضُ من قِبَلِ أَنَّ سُكْنَاهَا ليس بِعَيْنٍ تُرَى إنَّمَا هِيَ بِمُدَّةٍ تَأْتِي فَكُلُّ يَوْمٍ منها يَمْضِي بِمَا فيه وَهِيَ بِيَدِ المكترى يَلْزَمُهُ الْكِرَاءُ فيه وَإِنْ لم يَسْكُنْهَا إذَا خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَالثَّمَرَةُ إذَا اُبْتِيعَتْ وَقُبِضَتْ وَكُلُّهَا في يَدِ الْمُشْتَرِي يَقْدِرُ على أَنْ يَأْخُذَهَا كُلَّهَا من سَاعَتِهِ وَيَكُونَ ذلك له وَإِنَّمَا يَرَى تَرْكَهُ إيَّاهَا اخْتِيَارًا لِتَبْلُغَ غَايَةً يَكُونُ له فيها أَخْذُهُ قَبْلَهَا وقد يَكُونُ رُطَبًا يُمْكِنُهُ أَخْذُهُ وَبَيْعُهُ وَتَيْبِيسُهُ فَيَتْرُكُهُ لِيَأْخُذَهُ يَوْمًا بِيَوْمٍ وَرُطَبًا لِيَكُونَ أَكْثَرَ قِيمَةً إذَا فرقة في الْأَيَّامِ وَأَدْوَمَ لِأَهْلِهِ فَلَوْ زَعَمْت أَنِّي أَضَعُ الْجَائِحَةَ بَعْدَ أَنْ يَرْطُبَ الْحَائِطُ كُلُّهُ أو أَكْثَرُهُ وَيُمْكِنُ فيه أَنْ يُقْطَعَ كُلُّهُ فَيُبَاعَ رُطَبًا وَإِنْ كان ذلك أَنْقَصَ لِمَالِكِ الرُّطَبِ أو يَيْبَسُ تَمْرًا وَإِنْ كان ذلك أَنْقَصَ على مَالِكِهِ زَعَمْت أَنِّي أَضَعُ عنه الْجَائِحَةَ وهو تَمْرٌ وقد تَرَكَ قَطْعَهُ وَتَمْيِيزَهُ في وَقْتٍ يُمْكِنُهُ فيه إحْرَازُهُ وَخَالَفْت بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّارِ التي إذَا تَرَكَ سُكْنَاهَا سَنَةً لَزِمَهُ كِرَاؤُهَا كما يَلْزَمُهُ لو سَكَنَهَا لِأَنَّهُ تَرَكَ ما كان قَادِرًا عليه ( قال ) وَلَوْ جَازَ أَنْ يُقَاسَ على الدَّارِ بِمَا وَصَفْت جَازَ ذلك ما لم يَرْطُبْ لِأَنَّ ذلك ليس وَقْتَ مَنْفَعَتِهَا وَالْحِينُ الذي لَا يَصْلُحُ أَنْ يُتْمِرَ فيه وَأَمَّا بَعْدَ ما يَرْطُبُ فَيَخْتَلِفَانِ ( قال ) وَهَذَا مِمَّا استخير اللَّهَ فيه وَلَوْ صِرْت إلَى الْقَوْلِ بِهِ صِرْت إلَى ما وَصَفْت من وَضْعِ قَبْضَةٍ رُطَبًا أو بُسْرًا لو ذَهَبَ منه كما أَصِيرُ إلَى وَضْعِ كِرَاءِ يَوْمٍ من الدَّارِ لو انْهَدَمَتْ قَبْلَهُ وَكَمَا أَصِيرُ إلَى وَضْعِ قَبْضَةِ حِنْطَةٍ لو ابْتَاعَ رَجُلٌ صَاعًا فَاسْتَوْفَاهُ
____________________

(3/57)


إلَّا قَبْضَةً فَاسْتَهْلَكَهُ لم يَلْزَمْهُ ثَمَنُ ما لم يَصِلْ إلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوضَعَ عنه الْكَثِيرُ بِمَعْنَى أَنَّهُ لم يَصِلْ إلَيْهِ وَلَا يُوضَعُ عنه الْقَلِيلُ وهو في مَعْنَاهُ وَلَوْ صِرْت إلَى وَضْعِهَا فَاخْتَلَفَا في الْجَائِحَةِ فقال الْبَائِعُ لم تُصِبْك الْجَائِحَةُ أو قد أَصَابَتْك فَأَذْهَبَتْ لَك فَرْقًا وقال الْمُشْتَرِي بَلْ أَذْهَبَتْ لي أَلْفَ فَرْقٍ كان الْقَوْلُ قَوْلَ الْبَائِعِ مع يَمِينِهِ لِأَنَّ الثَّمَنَ لَازِمٌ لِلْمُشْتَرِي وَلَا يُصَدَّقُ الْمُشْتَرِي على الْبَرَاءَةِ منه بِقَوْلِهِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةُ بِمَا ذَهَبَ له ( قال ) وَجِمَاعُ الْجَوَائِحِ كُلُّ ما أَذْهَبَ الثَّمَرَةَ أو بَعْضَهَا بِغَيْرِ جِنَايَةِ آدَمِيٍّ ( قال ) وَيَدْخُلُ على من وَضَعَ الْجَائِحَةَ من قِبَلِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لم يَقْبِضْ الثَّمَرَةَ زَعْمٌ وَأَنَّ جِنَايَةَ الْآدَمِيِّينَ جَائِحَةٌ تُوضَعُ لِأَنِّي إذَا وَضَعْت الْجَائِحَةَ زَعَمْت أَنَّ الْبَائِعَ لَا يَسْتَحِقُّ الثَّمَنَ إلَّا إذَا قَبَضْت كما لَا يَسْتَحِقُّ الْكِرَاءَ إلَّا ما كانت السَّلَامَةُ مَوْجُودَةً في الدَّارِ وَهِيَ في يَدَيَّ وكان الْبَائِعُ ابْتَاعَ مَهْلَك الثَّمَرَةِ بِقِيمَةِ ثَمَرَتِهِ أو يَكُونُ لِمُشْتَرِي الثَّمَرَةِ الْخِيَارُ بين أَنْ يُوضَعَ عنه أو لَا يُوضَعَ وَيَبِيعَ مَهْلَك ثَمَرَتِهِ بِمَا أُهْلِكَ منها كما يَكُونُ له الْخِيَارُ في عَبْدٍ أبتاعه فَجَنَى عليه قبل أَنْ يَقْبِضَهُ وَهَذَا قَوْلٌ فيه ما فيه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ قال فَهَلْ من حُجَّةٍ لِمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنْ لَا تُوضَعَ الْجَائِحَةُ قِيلَ نعم فِيمَا روى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ من نَهْيِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن بَيْعِ الثمر ( ( ( الثمار ) ) ) حتى يَنْجُوَ من الْعَاهَةِ وَيَبْدُوَ صَلَاحُهُ وما نهى عنه من قَوْلِهِ أَرَأَيْت إنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَأْخُذُ أحدكم مَالَ أَخِيهِ وَلَوْ كان مَالِكُ الثَّمَرَةِ لَا يَمْلِكُ ثَمَنَ ما اُجْتِيحَ من ثَمَرَتِهِ ما كان لِمَنْعِهِ أَنْ يَبِيعَهَا مَعْنًى إذَا كان يَحِلُّ بَيْعُهَا طَلْعًا وَبَلَحًا وَيُلْقَطُ وَيُقْطَعُ إلَّا أَنَّهُ أَمَرَهُ بِبَيْعِهَا في الْحِينِ الذي الْأَغْلَبُ فيها أَنْ تَنْجُوَ من الْعَاهَةِ لِئَلَّا يَدْخُلَ الْمُشْتَرِي في بَيْعٍ لم يَغْلِبْ أَنْ يَنْجُوَ من الْعَاهَةِ وَلَوْ لم يَلْزَمْهُ ثَمَنُ ما اصابته الْجَائِحَةُ فَجَازَ الْبَيْعُ على أَنَّهُ يَلْزَمُهُ على السَّلَامَةِ ما ضَرَّ ذلك الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ ( قال ) وَلَوْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ في وَضْعِ الْجَائِحَةِ لم يَكُنْ في هذا حُجَّةٌ وَأَمْضَى الحديث على وَجْهِهِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ روى في وَضْعِ الْجَائِحَةِ أو تَرْكِ وَضْعِهَا شَيْءٌ عن بَعْضِ الْفُقَهَاءِ قِيلَ نعم لو لم يَكُنْ فيها إلَّا قَوْلٌ لم يَلْزَمْ الناس فَإِنْ قِيلَ فابنه قِيلَ أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ فِيمَنْ بَاعَ ثَمَرًا فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ قال ما أَرَى إلَّا أَنَّهُ إنْ شَاءَ لم يَضَعْ قال سَعِيدٌ يَعْنِي الْبَائِعَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وروى عن سَعْدِ بن أبي وَقَّاصٍ أَنَّهُ بَاعَ حَائِطًا له فاصابت مُشْتَرِيَهُ جَائِحَةٌ فَأَخَذَ الثَّمَنَ منه وَلَا أَدْرِي أَيَثْبُتُ أَمْ لَا قال وَمَنْ وَضَعَ الْجَائِحَةَ فَلَا يَضَعُهَا إلَّا على مَعْنَى أَنَّ قَبْضَهَا قَبْضٌ إنْ كانت السَّلَامَةُ وَلَزِمَهُ إنْ أَصَابَ ثَمَرَ النَّخْلِ شَيْءٌ يَدْخُلُهُ عَيْبٌ مِثْلُ عَطَشٍ يَضْمُرُهُ أو جَمْحٍ يَنَالُهُ أو غَيْرُ ذلك من الْعُيُوبِ أَنْ يَجْعَلَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارَ في أَخْذِهِ مَعِيبًا أو رَدِّهِ فَإِنْ كان أَخَذَ منه شيئا فَقَدَرَ عليه رَدَّهُ وَإِنْ فَاتَ لَزِمَهُ مِثْلُهُ إنْ كان له مِثْلٌ أو قِيمَتُهُ إنْ لم يَكُنْ له مِثْلٌ وقال يُحْسَبُ عليه ما أُخِذَ بِحِصَّتِهِ من الثَّمَنِ وَيُرَدُّ ما بَقِيَ بِمَا يَلْزَمُهُ من الثَّمَنِ إلَّا أَنْ يَخْتَارَ أَنْ يَأْخُذَهُ مَعِيبًا فَإِنْ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ بَعْدَ الْعَيْبِ رَجَعَ بِحِصَّتِهِ من الثَّمَنِ لِأَنَّ الْجَائِحَةَ غَيْرُ الْعَيْبِ ( قال ) وَلَعَلَّهُ يَلْزَمُهُ لو غَصَبَ ثَمَرَتَهُ قبل أَنْ يَقْطَعَهَا أو تَعَدَّى فيها عليه وَالٍ فَأَخَذَ أَكْثَرَ من صَدَقَتِهِ أَنْ يَرْجِعَ على الْبَائِعِ لِأَنَّهُ لم يُسَلَّمْ له كما لو بَاعَهُ عَبْدًا لم يَقْبِضْهُ أو عَبِيدًا قَبَضَ بَعْضَهُمْ ولم يَقْبِضْ بَعْضًا حتى عَدَا عَادٍ على عَبْدٍ فَقَتَلَهُ أو غَصَبَهُ أو مَاتَ مَوْتًا من السَّمَاءِ كان لِلْمُشْتَرِي فَسْخُ الْبَيْعِ وَلِلْبَائِعِ اتِّبَاعُ الْغَاصِبِ وَالْجَانِي بِجِنَايَتِهِ وَغَصْبِهِ وَمَاتَ الْعَبْدُ الْمَيِّتُ من مَالِ الْبَائِعِ وكان شَبِيهًا أَنْ يَكُونَ جُمْلَةُ الْقَوْلِ فيه أَنْ يَكُونَ الثَّمَرُ الْمَبِيعُ في شَجَرِهِ الْمَدْفُوعِ إلَى مُبْتَاعِهِ من ضَمَانِ الْبَائِعِ حتى يَسْتَوْفِيَ الْمُشْتَرِي ما اشْتَرَى منه لَا يَبْرَأُ الْبَائِعُ من شَيْءٍ منه حتى يَأْخُذَهُ الْمُشْتَرِي أو يُؤْخَذَ بِأَمْرِهِ من شَجَرِهِ كما يَكُونُ من ابْتَاعَ طَعَامًا في بَيْتٍ أو سَفِينَةٍ كُلَّهُ على كَيْلٍ مَعْلُومٍ فما اسْتَوْفَى الْمُشْتَرِي بريء منه الْبَائِعُ وما لم يَسْتَوْفِ حتى يُسْرَقَ أو تُصِيبَهُ آفَةٌ فَهُوَ من مَالِ الْبَائِعِ وما أَصَابَهُ من عَيْبٍ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ في أَخْذِهِ أو رَدِّهِ
____________________

(3/58)


( قال ) وَيَنْبَغِي لِمَنْ وَضَعَ الْجَائِحَةَ أَنْ يَضَعَهَا من كل قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ أَتْلَفَهَا وَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي إنْ تَلِفَ منها شَيْءٌ أَنْ يَرُدَّ الْبَيْعَ أو يَأْخُذَ الْبَاقِيَ بِحِصَّتِهِ من الثَّمَنِ ما لم يَرْطُبْ النَّخْلُ عَامَّةً فإذا أَرْطَبَهُ عَامَّةً حتى يُمْكِنَهُ جِدَادُهَا لَا يَضَعُ من الْجَائِحَةِ شيئا ( قال ) وَكَذَلِكَ كُلُّ ما أَرْطَبَتْ عليه فَأَصَابَتْهَا جَائِحَةٌ انْبَغَى أَنْ لَا يَضَعَهَا عنه لِأَنَّهُ قد خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَبْضِهَا وَوُجِدَ السَّبِيلُ إلَى الْقَبْضِ بِالْجِدَادِ فَتَرَكَهُ إذَا تَرَكَهُ بَعْدَ أَنْ يُمْكِنَهُ أَنْ يَجُدَّهُ فيها حتى يَكُونَ أَصْلُ قَوْلِهِ فيها أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ الثَّمَرَةَ مَضْمُونَةٌ من الْبَائِعِ حتى يَجْتَمِعَ فيها خَصْلَتَانِ أَنْ يُسَلِّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي وَيَكُونَ الْمُشْتَرِي قَادِرًا على قَبْضِهَا بَالِغَةً صَلَاحَهَا بِأَنْ تُرَطَّبَ فَتُجَدَّ لَا يَسْتَقِيمُ فيه عِنْدِي قَوْلٌ غَيْرُ هذا وما أُصِيبَ فيها بَعْدَ إرْطَابِهِ من مَالِ الْمُشْتَرِي ( قال ) وَهَذَا يَدْخُلُهُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَابِضٌ قَادِرٌ على الْقَطْعِ وَإِنْ لم يُرَطَّبْ من قِبَلِ أَنَّهُ لو قَطَعَهُ قبل أَنْ يُرَطَّبَ كان قَطْعَ مَالِهِ وَلَزِمَهُ جَمِيعُ ثَمَنِهِ - * بَابٌ في الْجَائِحَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ الثَّمَرَ فَقَبَضَهُ فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَسَوَاءٌ من قَبْلِ أَنْ يَجِفَّ أو بَعْدَ ما جَفَّ ما لم يَجُدَّهُ وَسَوَاءٌ كانت الْجَائِحَةُ ثَمَرَةً وَاحِدَةً أو أَتَتْ على جَمِيعِ الْمَالِ لَا يَجُوزُ فيها إلَّا وَاحِدٌ من قَوْلَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ لَمَّا قَبَضَهَا وكان مَعْلُومًا أَنْ يَتْرُكَهَا إلَى الْجِدَادِ كان في غَيْرِ مَعْنَى من قَبَضَ فَلَا يَضْمَنُ إلَّا ما قَبَضَ كما يَشْتَرِي الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الطَّعَامَ كَيْلًا فَيَقْبِضُ بَعْضَهُ وَيَهْلَكُ بَعْضُهُ قبل أَنْ يَقْبِضَهُ فَلَا يَضْمَنُ ما هَلَكَ لِأَنَّهُ لم يَقْبِضْهُ وَيَضْمَنُ ما قَبَضَ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ إذَا قَبَضَ الثَّمَرَةَ كان مُسَلَّطًا عليها إنْ شَاءَ قَطَعَهَا وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا فما هَلَكَ في يَدَيْهِ فَإِنَّمَا هَلَكَ من مَالِهِ لَا من مَالِ الْبَائِعِ فَأَمَّا ما يَخْرُجُ من هذا الْمَعْنَى فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يَضْمَنُ الْبَائِعُ الثُّلُثَ إنْ اصابته جَائِحَةٌ فَأَكْثَرَ وَلَا يَضْمَنُ أَقَلَّ من الثُّلُثِ وَإِنَّمَا هو اشْتَرَاهَا بَيْعَةً وَاحِدَةً وَقَبَضَهَا قَبْضًا وَاحِدًا فَكَيْفَ يَضْمَنُ له بَعْضَ ما قَبَضَ وَلَا يَضْمَنُ له بَعْضًا أَرَأَيْت لو قال رَجُلٌ لَا يَضْمَنُ حتى يَهْلِكَ الْمَالُ كُلُّهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ الْجَائِحَةُ أو قال إذَا هَلَكَ سَهْمٌ من الف سَهْمٍ هل الْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا إلَّا ما وَصَفْنَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْجَائِحَةُ من الْمَصَائِبِ كُلِّهَا كانت من السَّمَاءِ أو من الْآدَمِيِّينَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) الْجَائِحَةُ في كل ما اشْتَرَى من الثِّمَارِ كان مِمَّا يَيْبَسُ أو لَا يَيْبَسُ وَكَذَلِكَ هِيَ في كل شَيْءٍ اشترى فَيُتْرَكُ حتى يَبْلُغَ أَوَانَهُ فَأَصَابَتْهُ الْجَائِحَةُ دُونَ أَوَانِهِ فَمَنْ وَضَعَ الْجَائِحَةَ وَضَعَهُ لِأَنَّ كُلًّا لم يُقْبَضْ بِكَمَالِ الْقَبْضِ وإذا بَاعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ ثَمَرَةً على أَنْ يَتْرُكَهَا إلَى الْجُذَاذِ ثُمَّ انْقَطَعَ الْمَاءُ وَكَانَتْ لَا صَلَاحَ لها إلَّا بِهِ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ بين أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَ الثَّمَرَةِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَبَيْنَ أَنْ يَرُدَّهَا بِالْعَيْبِ الذي دَخَلَهَا فَإِنْ رَدَّهَا بِالْعَيْبِ الذي دَخَلَهَا وقد أَخَذَ منها شيئا كان ما أَخَذَ منها بِحِصَّتِهِ من أَصْلِ الثَّمَنِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فيه فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي وإذا ابْتَاعَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ ثَمَرَ حَائِطٍ فَالسَّقْيُ على رَبِّ الْمَالِ لِأَنَّهُ لَا صَلَاحَ لِلثَّمَرَةِ إلَّا بِهِ وَلَيْسَ على الْمُشْتَرِي منه شَيْءٌ فَإِنْ اخْتَلَفَا في السَّقْيِ فَأَرَادَ الْمُشْتَرِي منه أَكْثَرَ مِمَّا يَسْقِي الْبَائِعُ لم يُنْظَرْ إلَى قَوْلِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيُسْأَلُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ فَإِنْ قالوا لَا يَصْلُحُهُ من السَّقْيِ إلَّا كَذَا جَبَرْت الْبَائِعَ عليه وَإِنْ قالوا في هذا صَلَاحُهُ وَإِنْ زِيدَ كان أَزْيَدَ في صَلَاحِهِ لم أُجْبِرْ الْبَائِعَ على الزِّيَادَةِ على صَلَاحِهِ وإذا اشْتَرَطَ الْبَائِعُ على الْمُشْتَرِي أَنَّ عليه السَّقْيَ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ من قِبَلِ أَنَّ السَّقْيَ مَجْهُولٌ وَلَوْ كان مَعْلُومًا أَبْطَلْنَاهُ من قِبَلِ أَنَّهُ بَيْعٌ وَإِجَارَةٌ
____________________

(3/59)


- * بَابُ الثُّنْيَا - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن رَبِيعَةَ أَنَّ الْقَاسِمَ بن مُحَمَّدٍ كان يَبِيعُ ثَمَرَ حَائِطِهِ ويستثنى منه ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن عبد اللَّهِ بن أبي بَكْرِ بن عَمْرٍو أَنَّ جَدَّهُ مُحَمَّدَ بن عَمْرٍو بَاعَ حَائِطًا له يُقَالُ له الأفراق بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ وَاسْتَثْنَى منه بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ ثَمَرًا أو تَمْرًا أنا أَشُكُّ ( قال الرَّبِيعُ ) أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن أبي الرِّجَالِ عن أُمِّهِ عَمْرَةَ أنها كانت تَبِيعُ ثِمَارَهَا وتستثنى منها ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال قُلْت لِعَطَاءٍ أَبِيعُك حَائِطِي إلَّا خَمْسِينَ فَرْقًا أو كَيْلًا مُسَمًّى ما كان قال لَا قال بن جُرَيْجٍ فَإِنْ قُلْت هِيَ من السَّوَادِ سَوَادِ الرُّطَبِ قال لَا ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال قُلْت لِعَطَاءٍ أَبِيعُك نَخْلِي إلَّا عَشْرَ نَخَلَاتٍ أَخْتَارُهُنَّ قال لَا إلَّا أَنْ تستثنى ( ( ( نستثني ) ) ) أيتهن ( ( ( أيهن ) ) ) هِيَ قبل الْبَيْعِ تَقُولُ هذه وَهَذِهِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ أَيَبِيعُ الرَّجُلُ نَخْلَهُ أو عِنَبَهُ أو بُرَّهُ أو عَبْدَهُ أو سِلْعَتَهُ ما كانت على أنى شَرِيكُك بِالرُّبْعِ وَبِمَا كان من ذلك قال لَا بَأْسَ بِذَلِكَ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال قُلْت لِعَطَاءٍ أَبِيعُك ثَمَرَ حَائِطِي بِمِائَةِ دِينَارٍ فَضْلًا عن نَفَقَةِ الرَّقِيقِ فقال لَا من قِبَلِ أَنَّ نَفَقَةَ الرَّقِيقِ مَجْهُولَةٌ ليس لها وَقْتٌ فَمِنْ ثَمَّ فَسَدَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما قال عَطَاءٌ من هذا كُلِّهِ كما قال إنْ شَاءَ اللَّهُ وهو في مَعْنَى السُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ عَلَيْهِمَا أو على أَحَدِهِمَا وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعٌ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ وَإِنْ اشْتَرَى حَائِطًا بِمِائَةِ دِينَارٍ وَنَفَقَةِ الرَّقِيقِ فَالثَّمَنُ مُسَمًّى غَيْرُ مَعْلُومٍ وَالْبَيْعُ فَاسِدٌ وإذا بَاعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ وَاسْتَثْنَى مَكِيلَةً منه فَلَيْسَ ما بَاعَ منه بِمَعْلُومٍ وقد يَكُونُ يستثنى مُدًّا وَلَا يَدْرِي كَمْ الْمُدُّ من الْحَائِطِ أَسَهْمٌ من أَلْفٍ سهم أَمْ مِائَةُ سَهْمٍ أَمْ أَقَلُّ أَمْ أَكْثَرُ فإذا اسْتَثْنَى منه كَيْلًا لم يَكُنْ ما اشْتَرَى منه بِجُزَافٍ مَعْلُومٍ وَلَا كَيْلٍ مَضْمُونٍ وَلَا مَعْلُومٍ وقد تُصِيبُهُ الْآفَةُ فَيَكُونُ الْمُدُّ نِصْفَ ثَمَرِ الْحَائِطِ وقد يَكُونُ سَهْمًا من أَلْفِ سَهْمٍ منه حين بَاعَهُ وَهَكَذَا إذَا اسْتَثْنَى عليه نَخَلَاتٍ يَخْتَارُهُنَّ أو يَتَشَرَّرُهُنَّ فَقَدْ يَكُونُ في الْخِيَارِ وَالشِّرَارِ النَّخْلُ بَعْضُهُ أَكْثَرَ ثَمَنًا من بَعْضٍ وَخَيْرًا منه بِكَثْرَةِ الْحِمْلِ وَجَوْدَةِ الثَّمَرِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يستثنى من الْحَائِطِ نَخْلًا لَا بِعَدَدٍ وَلَا كَيْلٍ بِحَالٍ وَلَا جُزْءًا إلَّا جُزْءًا مَعْلُومًا وَلَا نَخْلًا إلَّا نَخْلًا مَعْلُومًا ( قال ) وَإِنْ بَاعَهُ الْحَائِطَ إلَّا رُبْعَهُ أو نِصْفَهُ أو ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ أو الْحَائِطَ إلَّا نَخَلَاتٍ يُشِيرُ إلَيْهِنَّ بأعيانهن فَإِنَّمَا وَقَعَتْ الصَّفْقَةُ على ما لم يَسْتَثْنِ فَكَانَ الْحَائِطُ فيه مِائَةَ نَخْلَةٍ اسْتَثْنَى مِنْهُنَّ عَشْرَ نَخَلَاتٍ فَإِنَّمَا وَقَعَتْ الصَّفْقَةُ على تِسْعِينَ بِأَعْيَانِهِنَّ وإذا اسْتَثْنَى رُبْعَ الْحَائِطِ فَإِنَّمَا وَقَعَتْ الصَّفْقَةُ على ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْحَائِطِ وَالْبَائِعُ شَرِيكٌ بِالرُّبْعِ كما يَكُونُ رِجَالٌ لو اشْتَرَوْا حَائِطًا مع شُرَكَاءَ فِيمَا اشْتَرَوْا من الْحَائِطِ بِقَدْرِ ما اشْتَرَوْا منه قال وَلَوْ بَاعَ رَجُلٌ ثَمَرَ حَائِطِهِ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ وَاسْتَثْنَى منه بِأَلْفٍ فَإِنْ كان عَقْدُ الْبَيْعِ على هذا فَإِنَّمَا بَاعَهُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْحَائِطِ فَإِنْ قال أستثنى ثَمَرًا بِالْأَلْفِ بِسِعْرِ يَوْمِهِ لم يَجُزْ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ غير مَعْلُومٍ لِلْبَائِعِ وَلَا لِلْمُشْتَرِي وَلَا لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا من بَاعَ رَجُلًا غَنَمًا قد حَالَ عليها الْحَوْلُ أو بَقَرًا أو إبِلًا فَأُخِذَتْ الصَّدَقَةُ منها فالمشترى بِالْخِيَارِ في رَدِّ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ لم يُسَلِّمْ له ما اشْتَرَى كَامِلًا أو أَخَذَ ما بَقِيَ بِحِصَّتِهِ من الثَّمَنِ وَلَكِنْ إنْ بَاعَهُ إبِلًا دُونَ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَعَلَى الْبَائِعِ صَدَقَةُ الْإِبِلِ التي حَالَ عليها الْحَوْلُ في يَدِهِ وَلَا صَدَقَةَ على الْمُشْتَرِي فيها ( قال ) وَمِثْلُ هذا الرَّجُلِ يَبِيعُ الرَّجُلَ الْعَبْدَ قد حَلَّ دَمُهُ عِنْدَهُ بِرِدَّةٍ أو قَتْلِ عَمْدٍ أو حَلَّ قَطْعُ يَدِهِ عِنْدَهُ في سَرِقَةٍ فَيُقْتَلُ
____________________

(3/60)


فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَيَرْجِعُ بِمَا أَخَذَ منه أو يُقْطَعُ فَلَهُ الْخِيَارُ في فَسْخِ الْبَيْعِ أو إمْسَاكِهِ لِأَنَّ الْعُيُوبَ في الْأَبْدَانِ مُخَالِفَةٌ نَقْصَ الْعَدَدِ وَلَوْ كان الْمُشْتَرِي كَيْلًا مُعَيَّنًا كان هَكَذَا إذَا كان نَاقِصًا في الْكَيْلِ أَخَذَ بِحِصَّتِهِ من الثَّمَنِ إنْ شَاءَ صَاحِبُهُ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ فيه الْبَيْعَ وَلَوْ قال أَبِيعُك ثَمَرَ نَخَلَاتٍ تَخْتَارُهُنَّ لم يَجُزْ لِأَنَّ الْبَيْعَ قد وَقَعَ على غَيْرِ مَعْلُومٍ وَلَيْسَ يَفْسُدُ إلَّا من هذا الْوَجْهِ فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ بَيْعُ ثَمَرٍ بِأَكْثَرَ منه فَهُوَ لم يَجِبْ له شَيْءٌ فَكَيْفَ يَبِيعُ ما لم يَجِبْ له وَلَكِنَّهُ لَا يَصْلُحُ إلَّا مَعْلُومًا - * بَابُ صَدَقَةِ الثَّمَرِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ الثَّمَرُ يُبَاعُ ثَمَرَانِ ثَمَرٌ فيه صَدَقَةٌ وَثَمَرٌ لَا صَدَقَةَ فيه فَأَمَّا الثَّمَرُ الذي لَا صَدَقَةَ فيه فَبَيْعُهُ جَائِزٌ لَا عِلَّةَ فيه لِأَنَّهُ كُلُّهُ لِمَنْ اشْتَرَاهُ وَأَمَّا ما بِيعَ مِمَّا فيه صَدَقَةٌ منه فَالْبَيْعُ يَصِحُّ بِأَنْ يَقُولَ أَبِيعُك الْفَضْلَ من ثَمَرِ حَائِطِي هذا عن الصَّدَقَةِ وَصَدَقَتُهُ الْعُشْرُ أو نِصْفُ الْعُشْرِ إنْ كان يُسْقَى بِنَضْحٍ فَيَكُونُ كما وَصَفْنَا في الِاسْتِثْنَاءِ كَأَنَّهُ بَاعَهُ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الْحَائِطِ أو تِسْعَةَ أَعْشَارِ ثَمَرِهِ وَنِصْفَ عُشْرِ ثَمَرِهِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ قال قُلْت لِعَطَاءٍ أَبِيعُك ثَمَرَ حَائِطِي هذا باربعمائة دِينَارٍ فَضْلًا عن الصَّدَقَةِ فقال نعم لِأَنَّ الصَّدَقَةَ لَيْسَتْ لَك إنَّمَا هِيَ لِلْمَسَاكِينِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ بَاعَهُ ثَمَرَ حَائِطِهِ وَسَكَتَ عَمَّا وَصَفْت من أَجْزَاءِ الصَّدَقَةِ وَكَمْ قَدْرُهَا كان فيه قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ في أَخْذِ ما جَاوَزَ الصَّدَقَةَ بِحِصَّتِهِ من ثَمَنِ الْكُلِّ وَذَلِكَ تِسْعَةُ أَعْشَارِ الْكُلِّ أو تِسْعَةُ أَعْشَارٍ وَنِصْفُ عُشْرِ الْكُلِّ أو يَرُدُّ الْبَيْعَ لِأَنَّهُ لم يُسَلَّمْ إلَيْهِ كُلُّ ما اشْتَرَى وَالثَّانِي إنْ شَاءَ أَخَذَ الْفَضْلَ عن الصَّدَقَةِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ ( قال الرَّبِيعُ ) وَلِلشَّافِعِيِّ فيه قَوْلٌ ثَالِثٌ إنَّ الصَّفْقَةَ كُلَّهَا بَاطِلَةٌ من قِبَلِ أَنَّهُ بَاعَهُ ما مَلَكَ وما لم يَمْلِكْ فلما جَمَعَتْ الصَّفْقَةُ حَرَامَ الْبَيْعِ وَحَلَالَ الْبَيْعِ بَطَلَتْ الصَّفْقَةُ كُلُّهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ قال بَائِعُ الْحَائِطِ الصَّدَقَةُ عَلَيَّ لم يَلْزَمْ الْبَيْعُ الْمُشْتَرِيَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ وَذَلِكَ أَنَّ على السُّلْطَانِ أَخْذُ الصَّدَقَةِ من الثَّمَرَةِ التي في يَدِهِ وَلَيْسَ عليه أَنْ يَأْخُذَ بِمَكِيلَتِهَا ثَمَرًا من غَيْرِهَا قال وَكَذَلِكَ الرُّطَبُ لَا يَكُونُ تمرا ( ( ( ثمرا ) ) ) لِأَنَّ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَأْخُذَ عُشْرَ الرُّطَبِ فَإِنْ صَارَ السُّلْطَانُ إلَى أَنْ يَضْمَنَ عُشْرَ رُطَبِهِ تمرا ( ( ( ثمرا ) ) ) مِثْلَ رُطَبِهِ لو كان يَكُونُ تَمْرًا أو اشْتَرَى الْمُشْتَرِي بَعْدَهَا رَجَوْت أَنْ يَجُوزَ الشِّرَاءُ فَأَمَّا إنْ اشْتَرَى قبل هذا فَهُوَ كَمَنْ اشْتَرَى من ثَمَرِ حَائِطٍ فيه الْعُشْرُ لِمَا وَصَفْت من أَنْ يُؤْخَذَ عُشْرُهُ رُطَبًا وَإِنَّ من الناس من يقول يَأْخُذُ عُشْرَ ثَمَنِ الرُّطَبِ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ له فيه فإذا كان هذا هَكَذَا فَالْبَيْعُ وَقَعَ على الْكُلِّ ولم يُسَلَّمْ له وَلَهُ في أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ الْخِيَارُ بين أَنْ يَأْخُذَ تِسْعَةَ أَعْشَارِهِ بِتِسْعَةِ أَعْشَارِ الثَّمَنِ أو رَدِّهِ كُلِّهِ ( قال ) وَمِنْ أَصْحَابِنَا من أَجَازَ الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا إنْ كان قد عَرَفَ الْمُتَبَايِعَانِ مَعًا أَنَّ الصَّدَقَةَ في الثَّمَرَةِ فَإِنَّمَا اشْتَرَى هذا وَبَاعَ هذا الْفَضْلَ عن الصَّدَقَةِ وَالصَّدَقَةُ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَهُمَا ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّ عَطَاءً قال إنْ بِعْت ثَمَرَك ولم تَذْكُرْ الصَّدَقَةَ أنت وَلَا بَيْعَك فَالصَّدَقَةُ على الْمُبْتَاعِ قال إنَّمَا الصَّدَقَةُ على الْحَائِطِ قال هِيَ على الْمُبْتَاعِ قال بن جُرَيْجٍ فَقُلْت له إنْ بِعْتَهُ قبل أو يُخْرَصَ أو بعد ما يُخْرَصُ قال نعم ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنْ عَبْدَ اللَّهِ بن عُبَيْدِ اللَّهِ بن أبي مُلَيْكَةَ قال في مِثْلِ ذلك مِثْلَ قَوْلِ عَطَاءٍ إنَّمَا هِيَ على الْمُبْتَاعِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما قَالَا من هذا كما قَالَا إنَّمَا الصَّدَقَةُ في عَيْنِ الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ فَحَيْثُمَا تَحَوَّلَ فَفِيهِ الصَّدَقَةُ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لو وَرِثَ أُخِذَتْ الصَّدَقَةُ من الْحَائِطِ وَكَذَلِكَ لو وُهِبَ له ثَمَرُهُ أو تُصُدِّقَ بِهِ عليه
____________________

(3/61)


أو مَلَكَهُ بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ ( قال ) وقد قِيلَ في هذا شَيْءٌ آخَرُ إنَّ الثَّمَرَةَ إذَا وَجَبَتْ فيها الصَّدَقَةُ ثُمَّ بَاعَهَا فَالصَّدَقَةُ في الثَّمَرَةِ وَالْمُبْتَاعُ مُخَيَّرٌ لِأَنَّهُ بَاعَهُ مَالَهُ وما لِلْمَسَاكِينِ في أَخْذِ غَيْرِ الصَّدَقَةِ بِحِصَّتِهِ من الثَّمَنِ أو رَدِّ الْبَيْعِ ( قال ) وَأَمَّا إذَا وَهَبَهَا أو تَصَدَّقَ بها أو وَرِثَ الثَّمَرَةَ عن أَحَدٍ وقد أُوجِبَتْ فيها الصَّدَقَةُ أو لم تَجِبْ فَهَذَا كُلُّهُ مَكْتُوبٌ في كِتَابِ الصَّدَقَاتِ بِتَفْرِيعِهِ ( قال ) وقد قال غَيْرُ من وَصَفْت قَوْلَهُ الصَّدَقَةُ على الْبَائِعِ وَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَالثَّمَرَةُ كُلُّهَا لِلْمُبْتَاعِ ( قال ) وإذا كان لِلْوَالِي أَنْ يَأْخُذَ الصَّدَقَةَ من الثَّمَرَةِ فلم تَخْلُصْ الثَّمَرَةُ له كُلُّهَا وَإِنْ قال يُعْطِيهِ رَبُّ الْحَائِطِ ثَمَرًا مِثْلَهَا فَقَدْ أَحَالَ الصَّدَقَةَ في غَيْرِ الْعَيْنِ التي وَجَبَتْ فيها الصَّدَقَةُ وَالْعَيْنُ موجوده ( قال ) وَمَنْ قال هذا الْقَوْلَ فَإِنَّمَا يقول هو لو وَجَبَ عليه في أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارٌ كان له أَنْ يُعْطِيَ دِينَارًا مثله من غَيْرِهَا وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ في الْمَاشِيَةِ وَصُنُوفِ الصَّدَقَةِ ( قال ) قَوْلُ اللَّهِ عز وجل { خُذْ من أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً } يَدُلُّ على أَنَّهُ إذَا كان في الْمَالِ صَدَقَةٌ وَالشَّرْطُ من الصَّدَقَةِ فَإِنَّمَا يُؤْخَذُ منه لَا من غَيْرِهِ فَبِهَذَا أَقُولُ وَبِهَذَا اخْتَرْت الْقَوْلَ الْأَوَّلَ من أَنَّ الْبَيْعَ لَازِمٌ فِيمَا لَا صَدَقَةَ فيه وَغَيْرُ لَازِمٍ فِيمَا فيه الصَّدَقَةُ إذَا عُرِفَتْ عَرَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي ما يَبِيعُ هذا وَيَشْتَرِي هذا ( قال ) وإذا سَمَّى الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي الصَّدَقَةَ وَعَرَّفَاهَا فَتَعَدَّى عليه الْوَالِي فَأَخَذَ أَكْثَرَ من هذا فَالْوَالِي كَالْغَاصِبِ فِيمَا جَاوَزَ الصَّدَقَةَ وَالْقَوْلُ فيها كَالْقَوْلِ في الْغَاصِبِ فَمَنْ لم يَضَعْ الْجَائِحَةَ قال هذا رَجُلٌ ظَلَمَ مَالَهُ وَلَا ذَنْبَ على بَائِعِهِ في ظُلْمِ غَيْرِهِ وقد قَبَضَ ما ابْتَاعَ وَمَنْ وَضَعَ الْجَائِحَةَ كان إنَّمَا يَضَعُهَا بِمَعْنَى أنها غَيْرُ تَامَّةِ الْقَبْضِ يُشْبِهُ أَنْ يَلْزَمَهُ أَنْ يَضَعَ عنه بِقَدْرِ الْعُدْوَانِ عليه وَيُخَيِّرُهُ بَعْدَ الْعُدْوَانِ في رَدِّ الْبَيْعِ أو أَخْذِهِ بِحِصَّتِهِ من الثَّمَنِ لِأَنَّهُ لم يُسَلَّمْ إلَيْهِ كما بَاعَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ الْمَظْلَمَةِ لَيْسَتْ بِجَائِحَةٍ قِيلَ وما مَعْنَى الْجَائِحَةِ أَلَيْسَ ما أُتْلِفَ من مَالِ الرَّجُلِ فَالْمَظْلَمَةُ إتْلَافٌ فَإِنْ قال قل ما أَصَابَ من السَّمَاءِ قِيلَ أَفَرَأَيْت ما ابْتَعْت فلم أَقْبِضْهُ فاصابه من السَّمَاءِ شَيْءٌ يُتْلِفُهُ أَلَيْسَ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ فَإِنْ قال بَلَى قِيلَ فَإِنْ اصابه من الْآدَمِيِّينَ فَأَنَا بِالْخِيَارِ بين أَنْ أَفْسَخَ الْبَيْعَ أو آخُذَهُ وَأَتْبَعَ الْآدَمِيَّ بِقِيمَتِهِ فَإِنْ قال نعم قبل ( ( ( قيل ) ) ) فَقَدْ جَعَلْت ما أَصَابَ من السَّمَاءِ في أَكْثَرَ من مَعْنَى ما أَصَابَ من الْآدَمِيِّينَ أو مثله لِأَنَّك فَسَخْت بِهِ الْبَيْعَ وَإِنْ قال إذَا مَلَكْته فَهُوَ مِنْك وَإِنْ لم تَقْبِضْهُ فإذا هَلَكَ هَلَكَ مِنْك بِالثَّمَرَةِ قد ابْتَعْتهَا وَقَبَضْتهَا فَهِيَ أَوْلَى أَنْ لَا تُوضَعَ عَنِّي بِتَلَفٍ أَصَابَهَا - * بَابٌ في الْمُزَابَنَةِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن الْمُزَابَنَةِ وَالْمُزَابَنَةُ بَيْعُ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا وَبَيْعُ الْكَرْمِ بِالزَّبِيبِ كَيْلًا ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن دَاوُد بن الْحُصَيْنِ عن أبي سُفْيَانَ مولى بن أبي أَحْمَدَ عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أو أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةُ اشْتِرَاءُ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ في رؤوس النَّخْلِ وَالْمُحَاقَلَةُ اسْتِكْرَاءُ الْأَرْضِ بِالْحِنْطَةِ ( أخبرنا الرَّبِيع ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن بن الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةُ اشْتِرَاءُ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَالْمُحَاقَلَةُ اشْتِرَاءُ الزَّرْعِ بِالْحِنْطَةِ وَاسْتِكْرَاءُ الْأَرْضِ بِالْحِنْطَةِ قال بن شِهَابٍ فَسَأَلْت عن اسْتِكْرَاءِ الْأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فقال لَا بَأْسَ بِذَلِكَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْمُحَاقَلَةُ في الزَّرْعِ كَالْمُزَابَنَةِ في التَّمْرِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ ما الْمُحَاقَلَةُ قال الْمُحَاقَلَةُ في الْحَرْثِ كَهَيْئَةِ الْمُزَابَنَةِ في النَّخْلِ سَوَاءٌ بِيعَ الزَّرْعُ وَبِالْقَمْحِ قال بن جُرَيْجٍ فَقُلْت لِعَطَاءٍ أَفَسَّرَ لَكُمْ جَابِرٌ في الْمُحَاقَلَةِ كما أَخْبَرْتنِي قال نعم ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَتَفْسِيرُ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ في الْأَحَادِيثِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
____________________

(3/62)


مَنْصُوصًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ على رِوَايَةِ من هو دُونَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ عن جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن الْمُخَابَرَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةُ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ الزَّرْعَ بِمِائَةِ فَرْقِ حِنْطَةٍ وَالْمُزَابَنَةُ أَنْ يَبِيعَ التَّمْرَ في رؤوس النَّخْلِ بِمِائَةِ فَرْقٍ وَالْمُخَابَرَةُ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن أبي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ أخبره عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَهُ يقول نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن بَيْعِ الصُّبْرَةِ من التَّمْرِ لَا تُعْلَمُ مَكِيلَتُهَا بِالْكَيْلِ الْمُسَمَّى من التَّمْرِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا ( ( ( أخبر ) ) ) الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ سَمِعْت من جَابِرِ بن عبد اللَّهِ خَبَرًا أَخْبَرَنِيهِ أبو الزُّبَيْرِ عنه في الصُّبْرَةِ قال حَسِبْت قال فَكَيْفَ تَرَى أنت في ذلك فَنَهَى عنه ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن بن طَاوُسٍ أخبره عن أبيه أَنَّهُ كان يَكْرَهُ أَنْ تُبَاعَ صُبْرَةٌ بِصُبْرَةٍ من طَعَامٍ لَا تُعْلَمُ مَكِيلُهُمَا أو تُعْلَمُ مَكِيلَةُ إحْدَاهُمَا وَلَا تُعْلَمُ مَكِيلَةُ الْأُخْرَى أو تُعْلَمُ مَكِيلَتُهُمَا جميعا هذه بِهَذِهِ وَهَذِهِ بِهَذِهِ قال لَا إلَّا كَيْلًا بِكَيْلٍ يَدًا بِيَدٍ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أنه قال لِعَطَاءٍ ما الْمُزَابَنَةُ قال التَّمْرُ في النَّخْلِ يُبَاعُ بِالتَّمْرِ فَقُلْت إنْ عُلِمَتْ مَكِيلَةُ التَّمْرِ أو لم تُعْلَمْ قال نعم قال بن جُرَيْجٍ فقال إنْسَانٌ لِعَطَاءٍ أَفَبِالرُّطَبِ قال سَوَاءٌ التَّمْرُ وَالرُّطَبُ ذلك مُزَابَنَةٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا نَقُولُ إلَّا في الْعَرَايَا التي ذَكَرْنَاهَا قبل هذا قال وَجِمَاعُ الْمُزَابَنَةِ أَنْ تَنْظُرَ كُلَّ ما عَقَدْت بَيْعَهُ مِمَّا الْفَضْلُ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ رِبًا فَلَا يَجُوزُ فيه شَيْءٌ يُعْرَفُ كَيْلُهُ بِشَيْءٍ منه جُزَافًا لَا يُعْرَفُ كَيْلُهُ وَلَا جُزَافَ منه بِجُزَافٍ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عليه أَنْ يَأْخُذَهُ إلَّا كَيْلًا بِكَيْلٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ يَدًا بِيَدٍ فإذا كان جُزَافًا بِجُزَافٍ لم يَسْتَوِيَا في الْكَيْلِ وَكَذَلِكَ إذَا كان جُزَافًا بِمَكِيلٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ وَذَلِكَ مُحَرَّمٌ فِيهِمَا عِنْدَنَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا يَكُونَا إلَّا كَيْلًا بِكَيْلٍ أو وَزْنًا بِوَزْنِ فَكُلُّ ما عُقِدَ على هذا مَفْسُوخٌ ( قال ) وَلَوْ تَبَايَعَا جُزَافًا بِكَيْلٍ أو جُزَافًا بِجُزَافٍ من جِنْسِهِ ثُمَّ تَكَايَلَا فَكَانَا سَوَاءً كان الْبَيْعُ مَفْسُوخًا لِأَنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ مَعْلُومٍ أَنَّهُ كَيْلٌ بِكَيْلٍ ( قال ) وَلَوْ عَقَدَا بَيْعَهُمَا على أَنْ يَتَكَايَلَا هَذَيْنِ الطَّعَامَيْنِ جميعا بِأَعْيَانِهِمَا مِكْيَالًا بِمِكْيَالٍ فَتَكَايَلَاهُ فَكَانَا مُسْتَوِيَيْنِ جَازَ وَإِنْ كَانَا مُتَفَاضِلَيْنِ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ لِلَّذِي نَقَصَتْ صُبْرَتُهُ الْخِيَارَ في رَدِّ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ بَيْعُ كَيْلِ شَيْءٍ فلم يُسَلَّمْ له لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ له أَخْذُهُ أو رَدُّ الْبَيْعِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْبَيْعَ مَفْسُوخٌ لِأَنَّهُ وَقَعَ على شَيْءٍ بَعْضُهُ حَرَامٌ وَبَعْضُهُ حَلَالٌ فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ وَبِهَذَا أَقُولُ وَالْقَوْلُ الذي حَكَيْت ضَعِيفٌ ليس بِقِيَاسٍ إنَّمَا يَكُونُ له الْخِيَارُ فِيمَا نَقَصَ مِمَّا لَا رِبَا في زِيَادَةِ بَعْضِهِ على بَعْضٍ فَأَمَّا ما فيه الرِّبَا فَقَدْ انْعَقَدَ الْبَيْعُ على الْكُلِّ فَوُجِدَ الْبَعْضُ مُحَرَّمًا أَنْ يُمْلَكَ بِهَذِهِ الْعُقْدَةِ فَكَيْفَ يَكُونُ له الْخِيَارُ في أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَ بَيْعَةٍ وَفِيهَا حَرَامٌ ( قال ) وما وَصَفْت من الْمُزَابَنَةِ جَامِعٌ لِجَمِيعِهَا كَافٍ من تَفْرِيعِهَا وَمِنْ تَفْرِيعِهَا أَنْ أَبْتَاعَ مِنْك مِائَةَ صَاعِ تَمْرٍ بِتَمْرٍ مِائَةُ نَخْلَةٍ لي أو أَكْثَرُ أو أَقَلُّ فَهَذَا مَفْسُوخٌ من وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ رُطَبٌ بِتَمْرٍ وَجُزَافٌ بِكَيْلٍ من جِنْسِهِ وَمِنْ ذلك أَنْ آخُذَ مِنْك تَمْرًا لَا أَعْرِفُ كَيْلَهُ بِصَاعِ تَمْرٍ أو بِصُبْرَةِ تَمْرٍ لَا أَعْرِفُ كَيْلَهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ مُحَرَّمُ الْفَضْلِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ وَأَنَّهُ لم يُبَحْ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ ( قال ) وَهَكَذَا هذا في الْحِنْطَةِ وَكُلُّ ما في الْفَضْلِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ الرِّبَا ( قال ) فَأَمَّا ثَمَرُ
____________________

(3/63)


نَخْلٍ بِحِنْطَةٍ مَقْبُوضَةٍ كَيْلًا أو صُبْرَةُ تَمْرٍ بِصُبْرَةِ حِنْطَةٍ أو صِنْفٍ بِغَيْرِ صِنْفِهِ جُزَافٍ بِكَيْلٍ أو كَيْلٍ بِجُزَافٍ يَدًا بِيَدٍ مِمَّا لَا بَأْسَ بِالْفَضْلِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ فَلَا بَأْسَ ( قال ) فَأَمَّا الرَّجُلُ يقول لِلرَّجُلِ وَعِنْدَهُ صُبْرَةُ تَمْرٍ له أَضْمَنُ لَك هذه الصُّبْرَةَ بِعِشْرِينَ صَاعًا فَإِنْ زَادَتْ على عِشْرِينَ صَاعًا فَلِي فَإِنْ كانت عِشْرِينَ فَهِيَ لَك وَإِنْ نَقَصَتْ من عِشْرِينَ فَعَلَيَّ إتْمَامُ عِشْرِينَ صَاعًا لَك فَهَذَا لَا يَحِلُّ من قِبَلِ أَنَّهُ من أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ الذي وَصَفْت قبل هذا وَهَذَا بِالْمُخَاطَرَةِ وَالْقِمَارِ أَشْبَهُ وَلَيْسَ من مَعْنَى الْمُزَابَنَةِ بِسَبِيلٍ ليس الْمُزَابَنَةُ إلَّا ما وَصَفْت لَا تُجَاوِزْهُ ( قال ) وَهَذَا جماعة وهو كَافٍ من تَفْرِيعِهِ وَمِنْ تَفْرِيعِهِ ما وَصَفْت فَأَمَّا أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ عُدَّ قِثَّاءَك أو بِطِّيخَك هذا الْمَجْمُوعَ فما نَقَصَ من مِائَةٍ فَعَلَيَّ تَمَامُ مِائَةٍ مِثْلِهِ وما زَادَ فَلِي أو اقْطَعْ ثَوْبَك هذا قَلَانِسَ أو سَرَاوِيلَاتٍ على قَدْرِ كَذَا فما نَقَصَ من كَذَا وَكَذَا قَلَنْسُوَةٌ أو سَرَاوِيلُ فَعَلَيَّ وما زَادَ فَلِي أو اطْحَنْ حِنْطَتَك هذه فما زَادَ على مُدِّ دَقِيقٍ فَلِي وما نَقَصَ فَعَلَيَّ فَهَذَا كُلُّهُ مُخَالِفٌ لِلْمُزَابَنَةِ وَمُحَرَّمٌ من أَنَّهُ أَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ لَا هو تِجَارَةٌ عن تَرَاضٍ وَلَا هو شَيْءٌ أَعْطَاهُ مَالِكُ الْمَالِ المعطي وهو يَعْرِفُهُ فيؤجر ( ( ( فيؤخر ) ) ) فيه أو يُحْمَدُ وَلَا هو شَيْءٌ أَعْطَاهُ إيَّاهُ على مَنْفَعَةٍ فَأَخَذَهَا منه وَلَا على وَجْهِ خَيْرٍ من الْوَجْهِ الْمَأْذُونِ فيه دُونَ غَيْرِهِ الذي هو من وُجُوهِ الْبِرِّ قال وَلَا بَأْسَ بِثَمَرِ نَخْلَةٍ بِثَمَرِ عِنَبَةٍ أو بِثَمَرِ فِرْسِكَةٍ كِلَاهُمَا قد طَابَتْ كان ذلك مَوْضُوعًا بِالْأَرْضِ أو في شجره أو بَعْضُهُ مَوْضُوعًا بِالْأَرْضِ إذَا خَالَفَهُ وكان الْفَضْلُ يَحِلُّ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ حَالًّا وكان يَدًا بِيَدٍ فَإِنْ دَخَلَتْ النَّسِيئَةُ فَسَدَ أو تَفَرَّقَا بَعْدَ الْبَيْعِ قبل أَنْ يَتَقَابَضَا فَسَدَ الْبَيْعُ ( قال ) وَكَذَلِكَ لَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَ نَخْلَةٍ في رَأْسِهَا بِثَمَرِ شَجَرَةِ فِرْسِكٍ في رَأْسِهَا أو يَبِيعَ ثَمَرَ نَخْلَةٍ في رَأْسِهَا بِفِرْسِكٍ مَوْضُوعٍ في الْأَرْضِ أو يَبِيعَ رُطَبًا في الْأَرْضِ بِفِرْسِكٍ مَوْضُوعٍ في الْأَرْضِ جُزَافًا ( قال ) وَجِمَاعُهُ أَنْ تَبِيعَ الشَّيْءَ بِغَيْرِ صِنْفِهِ يَدًا بِيَدٍ كَيْفَ شِئْت ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما كان بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ لم يَحِلَّ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ كَيْلًا بِكَيْلٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا يَتَفَرَّقَانِ حتى يَتَقَابَضَا وَلَا يُبَاعُ منه رَطْبٌ بِيَابِسٍ وَلَا رَطْبٌ يَبِسَ بِرَطْبٍ إلَّا الْعَرَايَا خَاصَّةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ في صَفْقَةٍ شيئا من الذي فيه الرِّبَا في الْفَضْلِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَمِنْ ذلك أَنْ يَشْتَرِيَ صُبْرَةَ تَمْرٍ مَكِيلَةً أو جُزَافًا بِصُبْرَةِ حِنْطَةٍ مَكِيلَةً أو جُزَافًا وَمَعَ الْحِنْطَةِ من التَّمْرِ قَلِيلٌ أو كَثِيرٌ وَذَلِكَ أَنَّ الصَّفْقَةَ في الْحِنْطَةِ تَقَعُ على حِنْطَةٍ وَتَمْرٍ بِتَمْرٍ وَحِصَّةُ التَّمْرِ غَيْرُ مَعْرُوفَةٍ من قِبَلِ أنها إنَّمَا تَكُونُ بِقِيمَتِهَا وَالْحِنْطَةُ بِقِيمَتِهَا وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ لَا يَجُوزُ إلَّا مَعْلُومًا كَيْلًا بِكَيْلٍ - * بَابُ وَقْتِ بَيْعِ الْفَاكِهَةِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَقْتُ بَيْعِ جَمِيعِ ما يُؤْكَلُ من تمر ( ( ( ثمر ) ) ) الشَّجَرِ أَنْ يُؤْكَلَ من أَوَّلِهِ الشَّيْءُ وَيَكُونُ آخِرُهُ قد قَارَبَ أَوَّلَهُ كَمُقَارَبَةِ ثَمَرِ النَّخْلِ بَعْضِهِ لِبَعْضٍ فإذا كان هَكَذَا حَلَّ بَيْعُ ثَمَرَتِهِ الْخَارِجَةِ فيه مَرَّةً وَاحِدَةً وَالشَّجَرُ منه الثَّابِتُ الْأَصْلِ كَالنَّخْلِ لَا يُخَالِفُهُ في شَيْءٍ منه إلَّا في شَيْءٍ سَأَذْكُرُهُ يُبَاعُ إذَا طَابَ أَوَّلُهُ الْكُمَّثْرَى وَالسَّفَرْجَلُ وَالْأُتْرُجُّ وَالْمَوْزُ وَغَيْرُهُ إذَا طَابَ منه الشَّيْءُ الْوَاحِدُ فَبَلَغَ أَنْ يَنْضُجَ بِيعَتْ ثَمَرَتُهُ تِلْكَ كُلُّهَا قال وقد بَلَغَنِي أَنَّ التِّينَ في بَعْضِ الْبُلْدَانِ يَنْبُتُ منه الشَّيْءُ الْيَوْمَ ثُمَّ يُقِيمُ الْأَيَّامَ ثُمَّ يَنْبُتُ منه الشَّيْءُ بَعْدُ حتى يَكُونَ ذلك مِرَارًا وَالْقِثَّاءُ
____________________

(3/64)


وَالْخِرْبِزُ حتى يَبْلُغَ بَعْضُهُ وفي مَوْضِعِهِ من شَجَرِ الْقِثَّاءِ وَالْخِرْبِزِ ما لم يحرج ( ( ( يخرج ) ) ) فيه شَيْءٌ فَكَانَ الشَّجَرُ يَتَفَرَّقُ مع ما يَخْرُجُ فيه ولم يُبَعْ ما لم يَخْرُجْ فيه فَإِنْ كان لَا يُعْرَفُ لم يَجُزْ بَيْعُهُ لِاخْتِلَاطِ الْمَبِيعِ منه بِغَيْرِ الْمَبِيعِ فَيَصِيرُ الْمَبِيعُ غير مَعْلُومٍ فَيَأْخُذُ مُشْتَرِيهِ كُلَّهُ أو ما حُمِلَ مِمَّا لم يَشْتَرِ فَإِنْ بِيعَ وهو هَكَذَا فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) في مَوْضِعٍ آخَرَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْبَائِعُ أَنْ يُسَلِّمَ ما زَادَ على ما بَاعَ فَيَكُونُ قد أَعْطَاهُ حَقَّهُ وَزَادَهُ قال فَيُنْظَرُ من الْقِثَّاءِ وَالْخِرْبِزِ في مِثْلِ ما وَصَفْت من التِّينِ فَإِنْ كان بِبَلَدٍ يَخْرُجُ الشَّيْءُ منه في جَمِيعِ شَجَرِهِ فإذا تُرِكَ في شَجَرِهِ لِتَتَلَاحَقَ صِغَارُهُ خَرَجَ من شَجَرِهِ شَيْءٌ منه كان كما وَصَفْت في التِّينِ إنْ اُسْتُطِيعَ تَمْيِيزُهُ جَازَ ما خَرَجَ اولا ولم يَدْخُلْ ما خَرَجَ بَعْدَهُ في الْبَيْعِ وَإِنْ لم يَسْتَطِعْ تَمْيِيزَهُ لم يَجُزْ فيه الْبَيْعُ بِمَا وَصَفْت قال وَإِنْ حَلَّ بَيْعُ ثَمَرَةٍ من هذا الثَّمَرِ نَخْلٍ أو عِنَبٍ أو قِثَّاءٍ أو خِرْبِزٍ أو غَيْرِهِ لم يَحِلَّ أَنْ تُبَاعَ ثَمَرَتُهَا التي تاتي بَعْدَهَا بِحَالٍ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما الْحُجَّةُ في ذلك قُلْنَا لَمَّا نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن بَيْعِ السِّنِينَ وَنَهَى عن بَيْعِ الْغَرَرِ وَنَهَى عن بَيْعِ الثَّمَرِ حتى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ كان بَيْعُ ثَمَرَةٍ لم تُخْلَقْ بَعْدُ أَوْلَى في جَمِيعِ هذا ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن عَمْرٍو عن جَابِرٍ قال نَهَيْت بن الزُّبَيْرِ عن بَيْعِ النَّخْلِ مُعَاوَمَةً قال فإذا نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن بَيْعِ النَّخْلِ وَالتَّمْرِ بَلَحًا شَدِيدًا لم تُرَ فيه صُفْرَةٌ لِأَنَّ الْعَاهَةَ قد تَأْتِي عليه كان بَيْعُ ما لم يُرَ منه شَيْءٌ قَطُّ من قِثَّاءٍ أو خِرْبِزٍ أُدْخِلَ في مَعْنَى الْغَرَرِ وَأَوْلَى أَنْ لَا يُبَاعَ مِمَّا قد رؤى فَنَهَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عن بَيْعِهِ وَكَيْفَ يَحْرُمُ أَنْ يُبَاعَ قِثَّاءٌ أو خِرْبِزٌ حين بَدَا قبل أَنْ يَطِيبَ منه شَيْءٌ وقد رَوَى رَجُلٌ أَنْ يُبْتَاعَ ولم يُخْلَقْ قَطُّ وَكَيْفَ أُشْكِلَ على أَحَدٍ أَنَّهُ لَا يَكُونُ بَيْعٌ أَبَدًا أَوْلَى بِالْغَرَرِ من هذا الْبَيْعِ الطَّائِرُ في السَّمَاءِ وَالْعَبْدُ الْآبِقُ وَالْجَمَلُ الشَّارِدُ أَقْرَبُ من أَنْ يَكُونَ الْغَرَرُ فيه أَضْعَفُ من هذا وَلِأَنَّ ذلك شَيْءٌ قد خُلِقَ وقد يُوجَدُ وَهَذَا لم يُخْلَقْ بَعْدُ وقد يُخْلَقُ فَيَكُونُ غَايَةً في الْكَثْرَةِ وَغَايَةً في الْقِلَّةِ وَفِيمَا بين الْغَايَتَيْنِ مَنَازِلُ أورأيت إنْ أَصَابَتْهُ الْجَائِحَةُ بِأَيِّ شَيْءٍ يُقَاسُ أَبِأَوَّلِ حِمْلِهِ فَقَدْ يَكُونُ ثَانِيهِ أَكْثَرَ وَثَالِثُهُ فَقَدْ يَخْتَلِفُ وَيَتَبَايَنُ فَهَذَا عِنْدَنَا مُحَرَّمٌ بِمَعْنَى السُّنَّةِ وَالْأَثَرِ وَالْقِيَاسِ عَلَيْهِمَا وَالْمَعْقُولِ وَاَلَّذِي يُمْكِنُ من عُيُوبِهِ أَكْثَرُ مِمَّا حَكَيْنَا وَفِيمَا حَكَيْنَا كِفَايَةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( قال ) فَكُلُّ ما كِيلَ من هذا أو وُزِنَ أو بِيعَ عَدَدًا كما وَصَفْت في الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ لَا يَحِلُّ التَّمْرُ منه بِرُطَبٍ وَلَا جُزَافٌ منه بِكَيْلٍ وَلَا رُطَبٌ بِرُطَبٍ عِنْدِي بِحَالٍ وَلَا يَحِلُّ إلَّا يَابِسًا بِيَابِسٍ كَيْلًا بِكَيْلٍ أو ما يُوزَنُ وَزْنًا بِوَزْنٍ وَلَا يَجُوزُ فيه عَدَدٌ بعدد ( ( ( لعدد ) ) ) وَلَا يَجُوزُ أَصْلًا إذَا كان شَيْءٌ منه رطب ( ( ( رطبا ) ) ) يشترى بِصِنْفِهِ رَطْبَ فِرْسِكٍ بِفِرْسِكٍ وتين ( ( ( وتبن ) ) ) بتين ( ( ( بتبن ) ) ) وَصِنْفٍ بِصِنْفِهِ فإذا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ فَبِعْهُ كَيْفَ شِئْت يَدًا بِيَدٍ جُزَافًا بِكَيْلٍ وَرَطْبًا بِيَابِسٍ وَقَلِيلَهُ بِكَثِيرِهِ لَا يَخْتَلِفُ هو وما وَصَفْت من ثَمَرِ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ في هذا الْمَعْنَى وَيَخْتَلِفُ هو وَثَمَرُ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ في الْعَرَايَا وَلَا يَجُوزُ في شَيْءٍ سِوَى النَّخْلِ وَالْعِنَبِ الْعَرِيَّةُ بِمَا يَجُوزُ فيه بَيْعُ الْعَرَايَا من النَّخْلِ وَالْعِنَبِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ ثَمَرَ تِينَةٍ في راسها بِمَكِيلَةٍ من التِّينِ مَوْضُوعًا بِالْأَرْضِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ من غَيْرِ تِينَةٍ في رَأْسِهَا بِثَمَرٍ منها يَابِسٍ مَوْضُوعٍ بِالْأَرْضِ وَلَا في شَجَرِهِ أَبَدًا جُزَافًا وَلَا كَيْلًا وَلَا بِمَعْنًى فَإِنْ قال قَائِلٌ فَلِمَ لم تُجِزْهُ قُلْت لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذْ سَنَّ الْخَرْصَ في التَّمْرِ وَالْعِنَبِ وَفِيهِمَا أَنَّهُمَا مُجْتَمَعَا الثمر ( ( ( التمر ) ) ) لَا حَائِلَ دُونَهُ يَمْنَعُ الْإِحَاطَةَ وكان يَكُونُ في الْمِكْيَالِ مُسْتَجْمَعًا كَاسْتِجْمَاعِهِ في نَبْتِهِ كان له مَعَانٍ لَا يَجْمَعُ أَحَدَ مَعَانِيهِ شَيْءٌ سِوَاهُ وَغَيْرُهُ وَإِنْ كان يَجْتَمِعُ في الْمِكْيَالِ فَمِنْ فَوْقِ كَثِيرٍ منه حَائِلٌ من الْوَرِقِ وَلَا يُحِيطُ الْبَصَرُ بِهِ وَكَذَلِكَ الْكُمَّثْرَى وَغَيْرُهُ وَأَمَّا الْأُتْرُجُّ الذي هو أَعْظَمُهُ فَلَا يَجْتَمِعُ في مِكْيَالٍ وَكَذَلِكَ الْخِرْبِزِ وَالْقِثَّاءُ وهو مُخْتَلِفُ الْخَلْقِ لَا يُشْبِهُهُمَا وَبِذَلِكَ لم يَجْتَمِعْ في الْمِكْيَالِ وَلَا يُحِيطُ بِهِ الْبَصَرُ إحَاطَتَهُ بِالْعِنَبِ وَالتَّمْرِ وَلَا يُوجَدُ منه شَيْءٌ يَكُونُ مَكِيلًا يُخْرَصُ بِمَا في رؤوس شَجَرِهِ لِغِلَظِهِ وتجافى خِلْقَتِهِ عن أَنْ يَكُونَ مَكِيلًا فَلِذَلِكَ
____________________

(3/65)


لم يَصْلُحْ أَنْ يُبَاعَ جُزَافًا بِشَيْءٍ منه كما يُبَاعُ غَيْرُهُ من النَّخْلِ وَالْعِنَبِ إذَا خَالَفَهُ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَ منه شيئا فيستعريه أبتاعه بِغَيْرِ صِنْفِهِ ثُمَّ اسْتَعْرَاهُ كَيْفَ شَاءَ - * بَابُ ما يَنْبُتُ من الزَّرْعِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ كُلُّ ما كان من نَبَاتِ الْأَرْضِ بَعْضُهُ مَغِيبٌ فيها وَبَعْضُهُ ظَاهِرٌ فَأَرَادَ صَاحِبُهُ بَيْعَهُ لم يَجُزْ بَيْعُ شَيْءٍ منه إلَّا الظَّاهِرُ منه يُجَزُّ مَكَانَهُ فَأَمَّا الْمَغِيبُ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَذَلِكَ مِثْلُ الْجَزَرِ وَالْفُجْلِ وَالْبَصَلِ وما أَشْبَهَهُ فَيَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ وَرَقُهُ الظَّاهِرُ مُقْطَعًا مَكَانَهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ ما في دَاخِلِهِ فَإِنْ وَقَعَتْ الصَّفْقَةُ عليه كُلِّهِ لم يَجُزْ الْبَيْعُ فيه إذَا كان بَيْعُ نَبَاتٍ وَبَيْعُ النَّبَاتِ بَيْعُ الْإِيجَابِ وَذَلِكَ لو أَجَزْت بَيْعَهُ لم أُجِزْهُ إلَّا على أَحَدِ مَعَانٍ إمَّا على ما يَجُوزُ عليه بَيْعُ الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ فَتِلْكَ إذَا رَآهَا الْمُشْتَرِي فَلَهُ الْخِيَارُ في أَخْذِهَا أو تَرْكِهَا فَلَوْ أَجَزْت الْبَيْعَ على هذا فَقَلَعَ جَزَرَةً أو فُجْلَةً أو بَصَلَةً فَجَعَلْت لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارَ كُنْت قد أَدْخَلْت على الْبَائِعِ ضَرَرًا في أَنْ يُقْلِعَ ما في رَكِيبِهِ وَأَرْضِهِ التي اشْتَرَى ثُمَّ يَكُونُ له أَنْ يَرُدَّهُ من غَيْرِ عَيْبٍ فَيَبْطُلُ أَكْثَرُهُ على الْبَائِعِ ( قال ) وَهَذَا يُخَالِفُ الْعَبْدَ يُشْتَرَى غَائِبًا وَالْمَتَاعَ وَذَلِكَ أَنَّهُمَا قد يَرَيَانِ فَيَصِفُهُمَا لِلْمُشْتَرِي من يَثِقُ بِهِ فَيَشْتَرِيَهُمَا ثُمَّ يَكُونُ له خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فَلَا يَكُونُ على الْبَائِعِ ضَرَرٌ في رُؤْيَةِ الْمُشْتَرِي لَهُمَا كما يَكُونُ عليه ضَرَرٌ فِيمَا قُلِعَ من زَرْعِهِ وَلَوْ أَجَزْت بَيْعَهُ على أَنْ لم يَكُنْ فيه عَيْبٌ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ كان فيه الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالْمُخْتَلِفُ الْخِلْقَةِ فَكَانَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَى ما لم يَرَ وَأَلْزَمْته ما لم يَرْضَ بِشِرَائِهِ قَطُّ وَلَوْ أَجَزْته على أَنْ يَبِيعَهُ إيَّاهُ على صِفَةٍ مَوْزُونًا كُنْت أَجَزْت بَيْعَ الصِّفَاتِ غير مَضْمُونَةٍ وَإِنَّمَا تُبَاعُ الصِّفَةُ مَضْمُونَةً ( قال ) وَلَوْ أَسْلَمَ إلَيْهِ في شَيْءٍ منه مَوْصُوفٍ مَوْزُونٍ فَجَاءَ بِهِ على الصِّفَةِ جَازَ السَّلَفُ وَذَلِكَ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِهِ يَأْتِي بِهِ حَيْثُ شَاءَ لَا من أَرْضٍ قد يُخْطِئُ زَرْعَهَا وَيُصِيبُ فَلَا يَجُوزُ في شَيْءٍ من هذا بَيْعٌ إلَّا بِصِفَةِ مَضْمُونٍ مَوْزُونٍ أو حتى يُقْلَعَ فَيَرَاهُ الْمُشْتَرِي ( قال ) وَلَا يُشْبِهُ الْجَوْزَ وَالْبَيْضَ وما أَشْبَهَهُ هذا لاصلاح له في الْأَرْضِ إلَّا بِالْبُلُوغِ ثُمَّ يَخْرُجُ فَيَبْقَى ما بَقِيَ منه وَيُبَاعُ ما لَا يَبْقَى مِثْلُ الْبَقْلِ وَذَلِكَ لَا صَلَاحَ له إلَّا بِبَقَائِهِ في قِشْرِهِ وَذَلِكَ إذَا رئى قِشْرُهُ اُسْتُدِلَّ على قَدْرِهِ في دَاخِلِهِ وَهَذَا لَا دَلَالَةَ على دَاخِلِهِ وَإِنْ رئى خَارِجُهُ قد يَكُونُ الْوَرَقُ كَبِيرًا وَالرَّأْسُ صَغِيرًا وَكَبِيرًا - * بَابُ ما اشترى مِمَّا يَكُونُ مَأْكُولُهُ دَاخِلَهُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) من اشْتَرَى رَانِجًا أو جَوْزًا أو لَوْزًا أو فُسْتُقًا أو بَيْضًا فَكَسَرَهُ فَوَجَدَهُ فَاسِدًا أو مَعِيبًا فَأَرَادَ رَدَّهُ وَالرُّجُوعَ بِثَمَنِهِ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ له أَنْ يَرُدَّهُ وَالرُّجُوعَ بِثَمَنِهِ من قِبَلِ أَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى مَعْرِفَةِ عَيْبِهِ وَفَسَادِهِ وَصَلَاحِهِ إلَّا بِكَسْرِهِ وإذا كان الْمَقْصُودُ قَصْدُهُ بِالْبَيْعِ دَاخِلَهُ فَبَائِعُهُ سَلَّطَهُ عليه وَهَذَا قَوْلٌ ( قال ) وَمَنْ قال هذا الْقَوْلَ انْبَغَى أَنْ يَقُولَ على الْمُشْتَرِي الْكَاسِرِ أَنْ يَرُدَّ الْقِشْرَ على الْبَائِعِ إنْ كانت له قِيمَةٌ وَإِنْ قُلْت إنْ كان يَسْتَمْتِعُ بِهِ كما يَسْتَمْتِعُ بِقِشْرِ الرَّانِجِ وَيَسْتَمْتِعُ بِمَا سِوَاهُ أو يَرُدُّ فَإِنْ لم يَفْعَلْ أُقِيمَ قِشْرُهَا فَكَانَتْ لِلْقِشْرِ قِيمَةٌ منه وَدَاخِلُهُ على أَنَّهُ صَحِيحٌ وَطَرَحَ عنه حِصَّةَ ما لم يَرُدَّهُ من قِشْرِهِ من الثَّمَنِ وَيَرْجِعُ بِالْبَاقِي وَلَوْ كانت حِصَّةُ الْقِشْرِ سَهْمًا من أَلْفِ سَهْمٍ منه وَالْقَوْلُ الثَّانِي أنه إذَا كَسَرَهُ لم يَكُنْ له رَدُّهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْبَائِعُ وَيَرْجِعَ بِمَا بين قِيمَتِهِ صَحِيحًا
____________________

(3/66)


وَقِيمَتِهِ فَاسِدًا وَبَيْضُ الدَّجَاجِ كُلُّهُ لَا قِيمَةَ له فَاسِدًا لِأَنَّ قِشْرَهُ ليس فيه مَنْفَعَةٌ فإذا كَسَرَهُ رَجَعَ بِالثَّمَنِ وَأَمَّا بَيْضُ النَّعَامِ فَلِقِشْرَتِهِ ثَمَنٌ فَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّ قِشْرَتَهَا رُبَّمَا كانت أَكْثَرَ ثَمَنًا من دَاخِلِهَا فَإِنْ لم يَرُدَّ قِشْرَتَهَا صَحِيحَةً رَجَعَ عليه بِمَا بين قِيمَتِهَا غير فَاسِدَةٍ وَقِيمَتِهَا فَاسِدَةً وفي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَرُدُّهَا وَلَا شَيْءَ عليه لِأَنَّهُ سَلَّطَهُ على سِرِّهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَفْسَدَهَا بِالْكَسْرِ وقد كان يَقْدِرُ على كَسْرٍ لَا يُفْسِدُ فَيَرْجِعُ بِمَا بين الْقِيمَتَيْنِ وَلَا يَرُدُّهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَمَّا الْقِثَّاءُ وَالْخِرْبِزُ وما رَطُبَ فإنه يَذُوقُهُ بِشَيْءٍ دَقِيقٍ من حَدِيدٍ أو عُودٍ فَيُدْخِلُهُ فيه فَيَعْرِفُ طَعْمَهُ إنْ كان مُرًّا أو كان الْخِرْبِزُ حَامِضًا فَلَهُ رَدُّهُ وَلَا شَيْءَ عليه في نَقْبِهِ في الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهُ سَلَّطَهُ على ذلك أو أَكْثَرَ منه وَلَا فَسَادَ في النَّقْبِ الصَّغِيرِ عليه وكان يَلْزَمُ من قال لَا يَرُدُّهُ إلَّا كما أَخَذَهُ بِأَنْ يَقُولَ يَرْجِعُ بِمَا بين قِيمَتِهِ سَالِمًا من الْفَسَادِ وَقِيمَتِهِ فَاسِدًا ( قال ) وَلَوْ كَسَرَهَا لم يَكُنْ له رَدُّهَا وَرَجَعَ عليه بِنُقْصَانِ ما بين قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَفَاسِدًا ما كان ذلك الْفَضْلُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَهُ مَكْسُورًا وَيَرُدُّ عليه الثَّمَنَ لِأَنَّهُ قد كان يَقْدِرُ على أَنْ يَصِيرَ إلَيْهِ طَعْمُهُ من ثُقْبِهِ صَحِيحًا ليس كَالْجَوْزِ لَا يَصِلُ إلَى طَعْمِهِ من نَقْبِهِ وَإِنَّمَا يَصِلُ إلَيْهِ رِيحُهُ لَا طَعْمُهُ صَحِيحًا فَأَمَّا الدُّودُ فَلَا يُعْرَفُ بِالْمُذَاقَةِ فإذا كَسَرَهُ وَوَجَدَ الدُّودَ كان له في الْقَوْلِ الْأَوَّلِ رَدُّهُ وفي الْقَوْلِ الثَّانِي الرُّجُوعُ بِفَضْلِ ما بين الْقِيمَتَيْنِ وَلَوْ اشْتَرَى من هذا شيئا رَطْبًا من الْقِثَّاءِ وَالْخِرْبِزِ فَحَبَسَهُ حتى ضَمُرَ وَتَغَيَّرَ وَفَسَدَ عِنْدَهُ ثُمَّ وَجَدَهُ فَاسِدًا بِمَرَارَةٍ أو دُودٍ كان فيه فَإِنْ كان فَسَادُهُ من شَيْءٍ يَحْدُثُ مِثْلُهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ في فَسَادِهِ مع يَمِينِهِ وَذَلِكَ مِثْلُ الْبَيْضِ يُقِيمُ عِنْدَ الرَّجُلِ زَمَانًا ثُمَّ يَجِدُهُ فَاسِدًا وَفَسَادُ الْبَيْضِ يَحْدُثُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - * مَسْأَلَةُ بَيْعِ الْقَمْحِ في سُنْبُلِهِ - * أخبرنا الرَّبِيعُ قال قُلْت لِلشَّافِعِيِّ إنَّ عَلِيَّ بن مَعْبِدٍ رَوَى لنا حَدِيثًا عن أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَجَازَ بَيْعَ الْقَمْحِ في سُنْبُلِهِ إذَا ابْيَضَّ فقال الشَّافِعِيُّ إنْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ قُلْنَا بِهِ فَكَانَ الْخَاصُّ مُسْتَخْرَجًا من الْعَامِّ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن بَيْعِ الْغَرَرِ وَبَيْعُ الْقَمْحِ في سُنْبُلِهِ غَرَرٌ لِأَنَّهُ لَا يُرَى وَكَذَلِكَ بَيْعُ الدَّارِ وَالْأَسَاسِ لَا يُرَى وَكَذَلِكَ بَيْعُ الصُّبْرَةِ بَعْضِهَا فَوْقَ بَعْضٍ أَجَزْنَا ذلك كما أَجَازَهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَكَانَ هذا خَاصًّا مُسْتَخْرَجًا من عَامٍّ وَكَذَلِكَ نُجِيزُ بَيْعَ الْقَمْحِ في سُنْبُلِهِ إذَا ابْيَضَّ إنْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ كما أَجَزْنَا بَيْعَ الدَّارِ وَالصُّبْرَةِ - * بَابُ بَيْعِ الْقَصَبِ وَالْقِرْطِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ قال في الْقَصَبِ لَا يُبَاعُ إلَّا جِزَّةً أو قال صِرْمَةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا نَقُولُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ الْقُرْطُ إلَّا جِزَّةً وَاحِدَةً عِنْدَ بُلُوغِ الْجِزَازِ وَيَأْخُذُ صَاحِبُهُ في جِزَازِهِ عِنْدَ ابْتِيَاعِهِ فَلَا يُؤَخِّرُهُ مُدَّةً أَكْثَرَ من قَدْرِ ما يُمْكِنُهُ جِزَازُهُ فيه من يَوْمِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ اشْتَرَاهُ ثَابِتًا على أَنْ يَدَعَهُ أَيَّامًا لِيَطُولَ أو يغلظ ( ( ( يغلط ) ) ) أو غير ذلك فَكَانَ يَزِيدُ في تِلْكَ الْأَيَّامِ فَلَا خَيْرَ في الشِّرَاءِ وَالشِّرَاءُ مَفْسُوخٌ لِأَنَّ أَصْلَهُ لِلْبَائِعِ وَفَرْعَهُ الظَّاهِرَ لِلْمُشْتَرِي فَإِنْ كان يَطُولُ فَيَخْرُجُ من مَالِ الْبَائِعِ إلَى مَالِ الْمُشْتَرِي منه شَيْءٌ لم يَقَعْ عليه صَفْقَةُ الْبَيْعِ فَيَمْلِكُهُ كُنْت قد أَعْطَيْت الْمُشْتَرِيَ ما لم يَشْتَرِ وَأَخَذْت من الْبَائِعِ ما لم يَبِعْ ثم ( ( ( منه ) ) ) أَعْطَيْته منه شيئا مَجْهُولًا لَا يُرَى بِعَيْنٍ وَلَا يُضْبَطُ بِصِفَةٍ وَلَا يَتَمَيَّزُ فيعرف ما لِلْبَائِعِ فيه مِمَّا لِلْمُشْتَرِي فَيَفْسُدُ من وُجُوهٍ ( قال ) وَلَوْ اشْتَرَاهُ لِيَقْطَعَهُ فَتَرَكَهُ وَقَطْعُهُ له مُمْكِنٌ مُدَّةً يَطُولُ في مِثْلِهَا كان الْبَيْعُ فيه مَفْسُوخًا إذَا كان على ما شُرِطَ في أَصْلِ الْبَيْعِ أَنْ يَدَعَهُ لِمَا وَصَفْت مِمَّا اخْتَلَطَ بِهِ من مَالِ الْبَائِعِ مِمَّا لَا يَتَمَيَّزُ كما لو اشْتَرَى حِنْطَةً جُزَافًا وَشَرَطَ له أنها إنْ
____________________

(3/67)


انْهَالَ له عليها حِنْطَةٌ فَهِيَ دَاخِلَةٌ في الْبَيْعِ فَانْهَالَتْ عليها حِنْطَةٌ لِلْبَائِعِ لم يَبِعْهَا انْفَسَخَ الْبَيْعُ فيها لِأَنَّ ما اشْتَرَى لَا يَتَمَيَّزُ وَلَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ مِمَّا لم يَشْتَرِ فيعطى ما اشْتَرَى وَيَمْنَعُ ما لم يَشْتَرِ وهو في هذا كُلِّهِ بَائِعُ شَيْءٍ قد كان وَشَيْءٍ لم يَكُنْ غير مَضْمُونٍ على أَنَّهُ إنْ كان دخل في الْبَيْعِ وَإِنْ لم يَكُنْ لم يَدْخُلْ فيه وَهَذَا الْبَيْعُ مِمَّا لَا يَخْتَلِفُ الْمُسْلِمُونَ في فَسَادِهِ لِأَنَّ رَجُلًا لو قال أَبِيعُك شيئا إنْ نَبَتَ في أَرْضِي بِكَذَا فَإِنْ لم يَنْبُتْ أو نَبَتَ قَلِيلًا لَزِمَك الثَّمَنُ كان ( ( ( منك ) ) ) مَفْسُوخًا وَكَذَلِكَ لو قال أَبِيعُك شيئا إنْ جَاءَنِي من تِجَارَتِي بِكَذَا وَإِنْ لم يَأْتِ لَزِمَك الثَّمَنُ ( قال ) وَلَكِنَّهُ لو اشْتَرَاهُ كما وَصَفْت وَتَرَكَهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ أَيَّامًا وَقَطَعَهُ يُمْكِنُهُ في أَقَلَّ منها كان الْمُشْتَرِي منه بِالْخِيَارِ في أَنْ يَدَعَ له الْفَضْلَ الذي له بِلَا ثَمَنٍ أو يَنْقُضُ الْبَيْعَ ( قال ) كما يَكُونُ إذَا بَاعَهُ حِنْطَةً جُزَافًا فَانْهَالَتْ عليها حِنْطَةٌ له فَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ في أَنْ يُسَلِّمَ ما بَاعَهُ وما زَادَ في حِنْطَتِهِ أو يَرُدَّ الْبَيْعَ لِاخْتِلَاطِ ما بَاعَ بِمَا لم يَبِعْ ( قال ) وما أَفْسَدْتُ فيه الْبَيْعَ فَأَصَابَ الْقَصَبَ فيه آفَةٌ تُتْلِفُهُ في يَدَيْ الْمُشْتَرِي فَعَلَى الْمُشْتَرِي ضَمَانُهُ بِقِيمَتِهِ وما أَصَابَتْهُ آفَةٌ تُنْقِصُهُ فَعَلَى الْمُشْتَرِي ضَمَانُ ما نَقَصَتْهُ وَالزَّرْعُ لِبَائِعِهِ وَعَلَى كل مُشْتَرٍ شِرَاءً فَاسِدًا أَنْ يَرُدَّهُ كما أَخَذَهُ أو خَيْرًا مِمَّا أَخَذَهُ وَضَمَانُهُ إنْ تَلِفَ وَضَمَانُ نَقْصِهِ إنْ نَقَصَ في كل شَيْءٍ
____________________

(3/68)


- * بَابُ حُكْمِ الْمَبِيعِ قبل الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن طَاوُسٍ عن بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما قال أَمَّا الذي نهى عنه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يُبَاعَ حتى يُقْبَضَ الطَّعَامُ قال بن عَبَّاسٍ بِرَأْيِهِ وَلَا أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ إلَّا مثله ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا نَأْخُذُ فَمَنْ ابْتَاعَ شيئا كَائِنًا ما كان فَلَيْسَ له
____________________

(3/69)


أَنْ يَبِيعَهُ حتى يَقْبِضَهُ وَذَلِكَ أَنَّ من بَاعَ ما لم يَقْبِضْ فَقَدْ دخل في الْمَعْنَى الذي يَرْوِي بَعْضُ الناس عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال لِعَتَّابِ بن أُسَيْدٍ حين وَجَّهَهُ إلَى أَهْلِ مَكَّةَ أنههم عن بَيْعِ ما لم يَقْبِضُوا وَرِبْحِ ما لم يَضْمَنُوا ( قال الشَّافِعِيُّ ) هذا بَيْعُ ما لم يُقْبَضْ وَرِبْحُ ما لم يُضْمَنْ وَهَذَا الْقِيَاسُ على حديث النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ نهى عن بَيْعِ الطَّعَامِ حتى يُقْبَضَ وَمَنْ ابْتَاعَ طعاما ( ( ( طعامه ) ) ) كَيْلًا فَقَبَضَهُ أَنْ يَكْتَالَهُ وَمَنْ أبتاعه جُزَافًا فَقَبَضَهُ أَنْ يَنْقُلَهُ من مَوْضِعِهِ إذَا كان مِثْلُهُ يُنْقَلُ وقد رَوَى بن عُمَرَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَبَايَعُونَ الطَّعَامَ جُزَافًا فَبَعَثَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
____________________

(3/70)


من يَأْمُرُهُمْ بِانْتِقَالِهِ من الْمَوْضِعِ الذي ابْتَاعُوهُ فيه إلَى مَوْضِعٍ غَيْرِهِ وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا لِئَلَّا يَبِيعُوهُ قبل أَنْ يُنْقَلَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ مَلَكَ طَعَامًا بإجارة ( ( ( بإجازة ) ) ) فالإجارة بَيْعٍ من الْبُيُوعِ فَلَا يَبِيعُهُ حتى يَقْبِضَهُ وَمَنْ مَلَكَهُ بِمِيرَاثٍ كان له أَنْ يَبِيعَهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ على غَيْرِهِ بِثَمَنٍ وَكَذَلِكَ ما مَلَكَهُ من وَجْهٍ غَيْرِ وَجْهِ الْبَيْعِ كان له أَنْ يَبِيعَهُ قبل أَنْ يَقْبِضَهُ إنَّمَا لَا يَكُونُ له بَيْعُهُ إذَا كان مَضْمُونًا على غَيْرِهِ بِعِوَضٍ يَأْخُذُهُ منه إذَا فَاتَ وَالْأَرْزَاقُ التي يُخْرِجُهَا السُّلْطَانُ لِلنَّاسِ يَبِيعُهَا قبل أَنْ يَقْبِضَهَا وَلَا يَبِيعُهَا الذي يَشْتَرِيهَا قبل أَنْ يَقْبِضَهَا لِأَنَّ مُشْتَرِيَهَا لم يَقْبِضْ وَهِيَ مَضْمُونَةٌ له على
____________________

(3/71)


بَائِعِهَا بِالثَّمَنِ الذي باعه ( ( ( ابتاعه ) ) ) إيَّاهَا بِهِ حتى يَقْبِضَهَا أو يَرُدَّ الْبَائِعُ إلَيْهِ الثَّمَنَ وَمَنْ ابْتَاعَ من رَجُلٍ طَعَامًا فَكَتَبَ إلَيْهِ الْمُشْتَرِي أَنْ يَقْبِضَهُ له من نَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ الرَّجُلُ قَابِضًا له من نَفْسِهِ وهو ضَامِنٌ عليه حتى يَقْبِضَهُ الْمُبْتَاعُ أو وَكِيلُ الْمُبْتَاعِ غَيْرِ الْبَائِعِ وَسَوَاءٌ أَشْهَدَ على ذلك أو لم يُشْهِدْ وإذا وَكَّلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ أَنْ يَبْتَاعَ له طَعَامًا فَابْتَاعَهُ ثُمَّ وَكَّلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ له من غَيْرِهِ فَهُوَ بِنَقْدٍ لَا بِدَيْنٍ حتى يُبِيحَ له الدَّيْنَ فَهُوَ جَائِزٌ كَأَنَّهُ هو أبتاعه وَبَاعَهُ وَإِنْ وَكَّلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ من نَفْسِهِ لم يَجُزْ الْبَيْعُ من نَفْسِهِ وَإِنْ قال قد بِعْته من غَيْرِي فَهَلَكَ الثَّمَنُ أو هَرَبَ الْمُشْتَرِي فَصَدَّقَهُ الْبَائِعُ فَهُوَ كما قال وَإِنْ كَذَّبَهُ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ قد بَاعَهُ وَلَا يَكُونُ ضَامِنًا لو هَرَبَ الْمُشْتَرِي أو أَفْلَسَ أو قَبَضَ الثَّمَنَ منه فَهَلَكَ لِأَنَّهُ في هذه الْحَالَةِ أَمِينٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ بَاعَ طَعَامًا من نَصْرَانِيٍّ فَبَاعَهُ النَّصْرَانِيُّ قبل أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ فَلَا يَكِيلُهُ له الْبَائِعُ حتى يَحْضُرَ النَّصْرَانِيُّ أو وَكِيلُهُ فَيَكْتَالُهُ لِنَفْسِهِ ( قال ) وَمَنْ سَلَّفَ في طَعَامٍ ثُمَّ بَاعَ ذلك الطَّعَامَ بِعَيْنِهِ قبل أَنْ يَقْبِضَهُ لم يَجُزْ وَإِنْ بَاعَ طَعَامًا بِصِفَةٍ وَنَوَى أَنْ يَقْضِيَهُ من ذلك الطَّعَامِ فَلَا بَأْسَ لِأَنَّ له أَنْ يَقْضِيَهُ من غَيْرِهِ لِأَنَّ ذلك الطَّعَامَ لو كان على غَيْرِ الصِّفَةِ لم يَكُنْ له أَنْ يُعْطِيَهُ منه وَلَوْ قَبَضَهُ وكان على الصِّفَةِ كان له أَنْ يَحْبِسَهُ وَلَا يُعْطِيَهُ إيَّاهُ وَلَوْ هَلَكَ كان عليه أَنْ يُعْطِيَهُ مِثْلَ صِفَةِ طَعَامِهِ الذي بَاعَهُ ( قال ) وَمَنْ سَلَفَ في طَعَامٍ أو بَاعَ طَعَامًا فَأَحْضَرَ الْمُشْتَرِي عِنْدَ اكْتِيَالِهِ من بَائِعِهِ وقال أَكْتَالُهُ لَك لم يَجُزْ لِأَنَّهُ بَيْعُ طَعَامٍ قبل أَنْ يُقْبَضَ فَإِنْ قال أَكْتَالُهُ لِنَفْسِي وَخُذْهُ بِالْكَيْلِ الذي حَضَرْت لم يَجُزْ لِأَنَّهُ بَاعَ كَيْلًا فَلَا يَبْرَأُ حتى يَكْتَالَهُ من مشتريه ( ( ( يشتريه ) ) ) وَيَكُونُ له زِيَادَتُهُ وَعَلَيْهِ نُقْصَانُهُ وَهَكَذَا رَوَى الْحَسَنُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ نهى عن بَيْعِ الطَّعَامِ حتى يَجْرِيَ فيه الصَّاعَانِ فَيَكُونَ له زِيَادَتُهُ وَعَلَيْهِ نُقْصَانُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ بَاعَ طَعَامًا مَضْمُونًا عليه فَحَلَّ عليه الطَّعَامُ فَجَاءَ بِصَاحِبِهِ إلَى طَعَامٍ مُجْتَمِعٍ فقال أَيُّ طَعَامٍ رَضِيت من هذا اشْتَرَيْت لَك فَأَوْفَيْتُك كَرِهْت ذلك له وَإِنْ رضي طَعَامًا فَاشْتَرَاهُ له فَدَفَعَهُ إلَيْهِ بِكَيْلِهِ لم يَجُزْ لِأَنَّهُ ابْتَاعَهُ فَبَاعَهُ قبل أَنْ يَقْبِضَهُ وَإِنْ قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ كَالَهُ له بَعْدُ جَازَ وَلِلْمُشْتَرِي له بَعْدَ رِضَاهُ بِهِ أَنْ يَرُدَّهُ عليه إنْ لم يَكُنْ من صِفَتِهِ وَذَلِكَ أَنَّ الرِّضَا إنَّمَا يَلْزَمُهُ بَعْضُ الْقَبْضِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ حَلَّ عليه طَعَامٌ فَلَا يعطى الذي له عليه الطَّعَامُ ثَمَنَ طَعَامٍ يَشْتَرِي بِهِ لِنَفْسِهِ من قِبَلِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ وَكِيلًا لِنَفْسِهِ مُسْتَوْفِيًا لها قَابِضًا لها منها وَلِيُوَكِّلَ غَيْرَهُ حتى يَدْفَعَ إلَيْهِ وَمَنْ اشْتَرَى طَعَامًا فَخَرَجَ من يَدَيْهِ قبل أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ بِهِبَةٍ أو صَدَقَةٍ أو قَضَاهُ رَجُلًا من سَلَفٍ أو أَسْلَفَهُ آخَرُ قبل أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ فَلَا يَبِيعُهُ أَحَدٌ مِمَّنْ صَارَ إلَيْهِ على شَيْءٍ من هذه الْجِهَاتِ حتى يَسْتَوْفِيَهُ من قِبَلِ أَنَّهُ صَارَ إنَّمَا يَقْبِضُ عن الْمُشْتَرِي كَقَبْضِ وَكِيلِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ كان بيده ثَمَرٌ فَبَاعَهُ وَاسْتَثْنَى شيئا منه بِعَيْنِهِ فَالْبَيْعُ وَاقِعٌ على الْمَبِيعِ لَا على المشتري وَالْمُسْتَثْنَى على مِثْلِ ما كان في مِلْكِهِ لم يُبَعْ قَطُّ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَهُ صَاحِبُهُ لِأَنَّهُ لم يَشْتَرِهِ إنَّمَا يَبِيعُهُ على الْمِلْكِ الْأَوَّلِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَصْلُحُ السَّلَفُ حتى يَدْفَعَ الْمُسْلَفُ إلَى الْمُسْلِفِ الثَّمَنَ قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا من مَقَامِهِمَا الذي تَبَايَعَا فيه وَحَتَّى يَكُونَ السَّلَفُ بِكَيْلٍ مَعْلُومٍ بِمِكْيَالٍ عَامَّةٍ يُدْرَكُ عِلْمُهُ وَلَا يَكُونُ بِمِكْيَالٍ خَاصَّةٍ إنْ هَلَكَ لم يُدْرَكْ عِلْمُهُ أو بِوَزْنٍ عَامَّةٍ كَذَلِكَ وَبِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ جَيِّدٍ نَقِيٍّ وَإِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ إنْ كان إلَى أَجَلٍ وَيُسْتَوْفَى في مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ وَيَكُونُ من أَرْضٍ لَا يُخْطِئُ مِثْلُهَا أَرْضٍ عَامَّةٍ لَا أَرْضٍ خَاصَّةٍ وَيَكُونُ جَدِيدًا طَعَامَ عَامٍ أو طَعَامَ عَامَيْنِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ أَجْوَدُ ما يَكُونُ من الطَّعَامِ لِأَنَّهُ لَا يُوقَفُ على حَدِّهِ وَلَا أَرْدَأُ ما يَكُونُ لِأَنَّهُ لَا يُوقَفُ على حَدِّهِ فإن الرَّدِيءَ يَكُونُ بِالْغَرَقِ وَبِالسُّوسِ وَبِالْقِدَمِ فَلَا يُوقَفُ على حَدِّهِ وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَفِ في الطَّعَامِ حَالًّا وَآجِلًا إذَا حَلَّ أَنْ يُبَاعَ الطَّعَامُ بِصِفَةٍ إلَى أَجَلٍ كان حَالًّا أو إلَى أَنْ يَحِلَّ
____________________

(3/72)


( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ سَلَّفَ رَجُلٌ دَنَانِيرَ على طَعَامٍ إلَى آجَالٍ مَعْلُومَةٍ بَعْضُهَا قبل بَعْضٍ لم يَجُزْ عِنْدِي حتى يَكُونَ الْأَجَلُ وَاحِدًا وَتَكُونُ الْأَثْمَانُ مُتَفَرِّقَةً من قِبَلِ أَنَّ الطَّعَامَ الذي إلَى الْأَجَلِ الْقَرِيبِ أَكْثَرُ قِيمَةً من الطَّعَامِ الذي إلَى الْأَجَلِ الْبَعِيدِ وقد أَجَازَهُ غَيْرِي على مِثْلِ ما أَجَازَ عليه ابْتِيَاعَ الْعُرُوضِ الْمُتَفَرِّقَةِ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلْعُرُوضِ الْمُتَفَرِّقَةِ لِأَنَّ الْعُرُوضَ الْمُتَفَرِّقَةَ نَقْدٌ وَهَذَا إلَى أَجَلٍ وَالْعُرُوضُ شَيْءٌ مُتَفَرِّقٌ وَهَذَا من شَيْءٍ وَاحِدٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا ابْتَاعَ الرَّجُلَانِ طَعَامًا مَضْمُونًا مَوْصُوفًا حَالًّا أو إلَى أَجَلٍ فَتَفَرَّقَا قبل أَنْ يُقْبَضَ الثَّمَنُ فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ لِأَنَّ هذا دَيْنٌ بِدَيْنٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ اشْتَرَى الرَّجُلُ طَعَامًا مَوْصُوفًا مَضْمُونًا عِنْدَ الْحَصَادِ وَقَبْلَ الْحَصَادِ وَبَعْدَهُ فَلَا بَأْسَ وإذا اشْتَرَى منه من طَعَامِ أَرْضٍ بِعَيْنِهَا غير مَوْصُوفٍ فَلَا خَيْرَ فيه لِأَنَّهُ قد يَأْتِي جَيِّدًا أو رَدِيئًا ( قال ) وَإِنْ اشْتَرَاهُ منه من الْأَنْدَرِ مَضْمُونًا عليه فَلَا خَيْرَ فيه لِأَنَّهُ قد يَهْلَكُ قبل أَنْ يُذَرِّيَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَفِ في الطَّعَامِ إلَى سَنَةٍ قبل أَنْ يَزْرَعَ إذَا لم يَكُنْ في زَرْعٍ بِعَيْنِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا خَيْرَ في السَّلَفِ في الْفَدَادِينَ الْقَمْحِ وَلَا في الْقُرْطِ لِأَنَّ ذلك يَخْتَلِفُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ سَلَّفَ رَجُلًا في طَعَامٍ يَحِلُّ فَأَرَادَ الذي عليه الطَّعَامُ أَنْ يُحِيلَ صَاحِبَ الطَّعَامِ على رَجُلٍ له عليه طَعَامٌ مِثْلُهُ من بَيْعٍ أبتاعه منه فَلَا خَيْرَ فيه وَهَذَا هو نَفْسُ بَيْعِ الطَّعَامِ قبل أَنْ يُقْبَضَ وَلَكِنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُ وَكِيلًا يُقْبَضُ له الطَّعَامُ فَإِنْ هَلَكَ في يَدَيْهِ كان أَمِينًا فيه وَإِنْ لم يَهْلَكْ وَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُ قَضَاءً جَازَ ( قال ) وَكَذَلِكَ لو ابْتَاعَ منه طَعَامًا فَحَلَّ فَأَحَالَهُ على رَجُلٍ له عليه طَعَامٌ أَسْلَفَهُ إيَّاهُ من قِبَلِ أَنَّ أَصْلَ ما كان له عليه بَيْعٌ وَالْإِحَالَةُ بَيْعٌ منه له بِالطَّعَامِ الذي عليه بِطَعَامٍ على غَيْرِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا بِكَيْلٍ فَصَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي بِكَيْلِهِ فَلَا يَجُوزُ إلَى أَجَلٍ وإذا قَبَضَ الطَّعَامَ فَالْقَوْلُ في كَيْلِ الطَّعَامِ قَوْلُ الْقَابِضِ مع يَمِينِهِ وَإِنْ ذَكَرَ نُقْصَانًا كَثِيرًا أو قَلِيلًا أو زِيَادَةً قَلِيلَةً أو كَثِيرَةً وَسَوَاءٌ اشْتَرَاهُ بِالنَّقْدِ كان أو إلَى أَجَلٍ وَإِنَّمَا لم أُجِزْ هذا لِمَا وَصَفْت من حديث الْحَسَنِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَإِنِّي أُلْزِمُ من شَرَطَ لِرَجُلٍ شَرْطًا من كَيْلٍ أو صِفَةٍ أَنْ يُوَفِّيَهُ شَرْطَهُ بِالْكَيْلِ وَالصِّفَةِ فلما شَرَطَ له الْكَيْلَ لم يَجُزْ إلَّا أَنْ يُوَفِّيَهُ شَرْطَهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَقَدْ صَدَّقَهُ فَلِمَ لَا يَبْرَأُ كما يَبْرَأُ من الْعَيْبِ قِيلَ لو كان تَصْدِيقُهُ يَقُومُ مَقَامَ الْإِبْرَاءِ من الْعَيْبِ فَشَرَطَ له مِائَةً فَوَجَدَ فيه وَاحِدًا لم يَكُنْ له أَنْ يَرْجِعَ عليه بِشَيْءٍ كما يَشْتَرِطُ له السَّلَامَةَ فَيَجِدُ الْعَيْبَ فَلَا يَرْجِعُ عليه بِهِ إذَا أَبْرَأَهُ منه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا ابْتَاعَ الرَّجُلُ الطَّعَامَ كَيْلًا لم يَكُنْ له أَنْ يَأْخُذَهُ وَزْنًا إلَّا أَنْ يَنْقُضَ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ وَيَسْتَقْبِلَ بَيْعًا بِالْوَزْنِ وَكَذَلِكَ لَا يَأْخُذُهُ بِمِكْيَالٍ إلَّا بِالْمِكْيَالِ الذي أبتاعه بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَكِيلُهُ بِمِكْيَالٍ مَعْرُوفٍ مِثْلِ الْمِكْيَالِ الذي أبتاعه بِهِ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ إنَّمَا أَخَذَهُ بِالْمِكْيَالِ الذي أبتاعه بِهِ وَسَوَاءٌ كان الطَّعَامُ وَاحِدًا أو من طَعَامَيْنِ مُفْتَرِقَيْنِ وَهَذَا فَاسِدٌ من وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ شَرْطِهِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ أَخَذَهُ بَدَلًا قد يَكُونُ أَقَلَّ أو أَكْثَرَ من الذي له وَالْبَدَلُ يَقُومُ مَقَامَ الْبَيْعِ وَأَقَلُّ ما فيه أَنَّهُ مَجْهُولٌ لَا يدري أَهُوَ مِثْلُ ماله أو أَقَلُّ أو أَكْثَرُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ سَلَّفَ في حِنْطَةٍ مَوْصُوفَةٍ فَحَلَّتْ فَأَعْطَاهُ الْبَائِعُ حِنْطَةً خَيْرًا منها بِطِيبِ نَفْسِهِ أو أَعْطَاهُ حِنْطَةً شَرًّا منها فَطَابَتْ نَفْسُ الْمُشْتَرِي فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَطَوِّعٌ بِالْفَضْلِ وَلَيْسَ هذا بَيْعُ طَعَامٍ بِطَعَامٍ وَلَوْ كان أَعْطَاهُ مَكَانَ الْحِنْطَةِ شَعِيرًا أو سُلْتًا أو صِنْفًا غير الْحِنْطَةِ لم يَجُزْ وكان هذا بَيْعَ طَعَامٍ بِغَيْرِهِ قبل أَنْ يُقْبَضَ وَهَكَذَا التَّمْرُ وَكُلُّ صِنْفٍ وَاحِدٍ من الطَّعَامِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ سَلَّفَ في طَعَامٍ إلَى أَجَلٍ فَعَجَّلَهُ قبل أَنْ يَحِلَّ الْأَجَلُ طَيِّبَةٌ بِهِ نَفْسُهُ مِثْلَ طَعَامِهِ أو شَرًّا منه فَلَا بَأْسَ وَلَسْت أَجْعَلُ لِلتُّهْمَةِ أَبَدًا مَوْضِعًا في الْحُكْمِ إنَّمَا أقضى على الظَّاهِرِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ سَلَّفَ في قَمْحٍ فَحَلَّ الْأَجَلُ فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ دَقِيقًا أو سَوِيقًا فَلَا يَجُوزُ وَهَذَا فَاسِدٌ من وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنِّي أَخَذْت غير الذي أَسْلَفْت فيه وهو بَيْعُ الطَّعَامِ قبل أَنْ يُقْبَضَ وَإِنْ قِيلَ هو صِنْفٌ وَاحِدٌ فَقَدْ أَخَذْت
____________________

(3/73)


مَجْهُولًا من مَعْلُومٍ فَبِعْت مُدَّ حِنْطَةٍ بِمُدِّ دَقِيقٍ وَلَعَلَّ الْحِنْطَةَ مُدٌّ وَثُلُثُ دَقِيقٍ وَيَدْخُلُ السَّوِيقُ في مِثْلِ هذا وَمَنْ سَلَّفَ في طَعَامٍ فَحَلَّ فَسَأَلَ الذي حَلَّ عليه الطَّعَامُ الذي له الطَّعَامُ أَنْ يَبِيعَهُ طَعَامًا إلَى أَجَلٍ لِيَقْبِضَهُ إيَّاهُ فَلَا خَيْرَ فيه إنْ عَقَدَا عَقْدَ الْبَيْعِ على هذا من قِبَلِ أَنَّا لَا نُجِيزُ أَنْ يُعْقَدَ على رَجُلٍ فِيمَا يَمْلِكُ أَنْ يُمْنَعَ منه أَنْ يَصْنَعَ فيه ما يَصْنَعُ في مَالِهِ لِأَنَّ الْبَيْعَ ليس بِتَامٍّ وَلَوْ أَنَّهُ بَاعَهُ إيَّاهُ بِلَا شَرْطٍ بِنَقْدٍ أو إلَى أَجَلٍ فَقَضَاهُ إيَّاهُ فَلَا بَأْسَ وَهَكَذَا لو بَاعَهُ شيئا غير الطَّعَامِ وَلَوْ نَوَيَا جميعا أَنْ يَكُونَ يَقْضِيهِ ما يَبْتَاعُ منه بِنَقْدٍ أو إلَى أَجَلٍ لم يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ ما لم يَقَعْ عليه عَقْدُ الْبَيْعِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا لو أَسْلَفَهُ في طَعَامٍ إلَى أَجَلٍ فلما حَلَّ الْأَجَلُ قال له بِعْنِي طَعَامًا بِنَقْدٍ أو إلَى أَجَلٍ حتى أَقْضِيَك فَإِنْ وَقَعَ الْعَقْدُ على ذلك لم يَجُزْ وَإِنْ بَاعَهُ على غَيْرِ شَرْطٍ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ كان الْبَيْعُ نَقْدًا أو إلَى أَجَلٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ سَلَّفَ في طَعَامٍ فَقَبَضَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ منه الذي قَضَاهُ إيَّاهُ بِنَقْدٍ أو نَسِيئَةٍ إذَا كان ذلك بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَا بَأْسَ لِأَنَّهُ قد صَارَ من ضَمَانِ الْقَابِضِ وَبَرِئَ الْمَقْبُوضُ منه وَلَوْ حَلَّ طَعَامُهُ عليه فقال له اقْضِنِي على أَنْ أَبِيعَك فَقَضَاهُ مِثْلَ طَعَامِهِ أو دُونَهُ لم يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ وكان هذا مَوْعِدًا وَعَدَهُ إيَّاهُ إنْ شَاءَ وَفَّى له بِهِ وَإِنْ شَاءَ لم يَفِ وَلَوْ أَعْطَاهُ خَيْرًا من طَعَامِهِ على هذا الشَّرْطِ لم يَجُزْ لِأَنَّ هذا شَرْطٌ غَيْرُ لَازِمٍ وقد أَخَذَ عليه فَضْلًا لم يَكُنْ له وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * بَابُ النَّهْيِ عن بَيْعِ الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ في الْفِتْنَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَصْلُ ما أَذْهَبُ إلَيْهِ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ كان صَحِيحًا في الظَّاهِرِ لم أُبْطِلْهُ بِتُهْمَةٍ وَلَا بِعَادَةٍ بين الْمُتَبَايِعَيْنِ وَأَجَزْته بِصِحَّةِ الظَّاهِرِ وَأَكْرَهُ لَهُمَا النِّيَّةَ إذَا كانت النِّيَّةُ لو أُظْهِرَتْ كانت تُفْسِدُ الْبَيْعَ وَكَمَا أَكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَشْتَرِيَ السَّيْفَ على أَنْ يَقْتُلَ بِهِ وَلَا يَحْرُمُ على بَائِعِهِ أَنْ يَبِيعَهُ مِمَّنْ يَرَاهُ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ ظُلْمًا لِأَنَّهُ قد لَا يَقْتُلُ بِهِ وَلَا أُفْسِدُ عليه هذا الْبَيْعَ وَكَمَا أَكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَبِيعَ الْعِنَبَ مِمَّنْ يَرَاهُ أَنَّهُ يَعْصِرُهُ خَمْرًا وَلَا أُفْسِدُ الْبَيْعَ إذَا بَاعَهُ إيَّاهُ لِأَنَّهُ بَاعَهُ حَلَالًا وقد يُمْكِنُ أَنْ لَا يَجْعَلَهُ خَمْرًا أَبَدًا وفي صَاحِبِ السَّيْفِ أَنْ لَا يَقْتُلَ بِهِ أَحَدًا أَبَدًا وَكَمَا أُفْسِدُ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ وَلَوْ نَكَحَ رَجُلٌ امْرَأَةً عَقْدًا صَحِيحًا وهو يَنْوِي أَنْ لَا يُمْسِكَهَا إلَّا يَوْمًا أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ لم أُفْسِدْ النِّكَاحَ إنَّمَا أُفْسِدُهُ أَبَدًا بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ - * بَابُ السُّنَّةِ في الْخِيَارِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الطَّعَامِ كُلِّهِ جُزَافًا ما يُكَالُ منه وما يُوزَنُ وما يُعَدُّ كان في وِعَاءٍ أو غَيْرِ وِعَاءٍ إلَّا أَنَّهُ إذَا كان في وِعَاءٍ فلم يُرَ عَيْنُهُ فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ ( قال الرَّبِيعُ ) رَجَعَ الشَّافِعِيُّ فقال وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَلَا بَيْعُ الشَّيْءِ الْغَائِبِ بِعَيْنِهِ لِأَنَّهُ قد يَتْلَفُ وَلَا يَكُونُ عليه أَنْ يُعْطِيَهُ غَيْرَهُ وَلَوْ بَاعَهُ إيَّاهُ جُزَافًا على الْأَرْضِ فلما انْتَقَلَ وَجَدَهُ مَصْبُوبًا على دُكَّانٍ أو رَبْوَةٍ أو حَجَرٍ كان هذا نَقْصًا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي فيه الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ وَلَا بَأْسَ بِشِرَاءِ نِصْفِ الثِّمَارِ جُزَافًا وَيَكُونُ الْمُشْتَرِي بِنِصْفِهَا شَرِيكًا لِلَّذِي له النِّصْفُ الْآخَرُ وَلَا يَجُوزُ إذَا أَجَزْنَا الْجُزَافَ في الطَّعَامِ نَسِيئَةً لِسُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا أَنْ يَجُوزَ الْجُزَافُ في كل شَيْءٍ من رَقِيقٍ وَمَاشِيَةٍ وَغَيْرِ ذلك إلَّا أَنَّ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارَ في كل وَاحِدٍ منهم إذَا رَآهُ وَالرَّدُّ بِالْعَيْبِ من قِبَلِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ منهم غَيْرُ الْآخَرِ وَالْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ من الطَّعَامِ إذَا كان من صِنْفٍ وَاحِدٍ كَادَ أَنْ يَكُونَ مُشْتَبِهًا ( قال ) وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ أَبْتَاعُ مِنْك جَمِيعَ هذه الصُّبْرَةِ كُلَّ إرْدَبٍّ بِدِينَارٍ وَإِنْ قال
____________________

(3/74)


أَبْتَاعُ مِنْك هذه الصُّبْرَةَ كُلُّ إرْدَبٍّ بِدِينَارٍ على أَنْ تَزِيدَنِي ثَلَاثَةَ أَرَادِبَ أو على أَنْ أُنْقِصَك منها إرْدَبًّا فَلَا خَيْرَ فيه من قِبَلِ أَنِّي لَا أَدْرِي كَمْ قَدْرُهَا فَأَعْرِفُ الأردب الذي نَقَصَ كَمْ هو منها وَالْأَرَادِبُ التي زِيدَتْ كَمْ هِيَ عليها ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا خَيْرَ في أَنْ أَبْتَاعَ مِنْك جُزَافًا وَلَا كَيْلًا وَلَا عَدَدًا وَلَا بَيْعًا كَائِنًا ما كان على أَنْ أَشْتَرِيَ مِنْك مُدًّا بِكَذَا وَعَلَى أَنْ تَبِيعَنِي كَذَا بِكَذَا حَاضِرًا كان ذلك أو غَائِبًا مَضْمُونًا كان ذلك أو غير مَضْمُونٍ وَذَلِكَ من بَيْعَتَيْنِ في بَيْعَةٍ وَمِنْ أنى إذَا اشْتَرَيْت مِنْك عَبْدًا بِمِائَةٍ على أَنْ أَبِيعَك دَارًا بِخَمْسِينَ فَثَمَنُ الْعَبْدِ مِائَةٌ وَحِصَّتُهُ من الْخَمْسِينَ من الدَّارِ مَجْهُولَةٌ وَكَذَلِكَ ثَمَنُ الدَّارِ خَمْسُونَ وَحِصَّتُهُ من الْعَبْدِ مَجْهُولَةٌ وَلَا خَيْرَ في الثَّمَنِ إلَّا مَعْلُومًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كان قد عَلِمَ كَيْلَهُ ثُمَّ انتقص ( ( ( انتقض ) ) ) منه شَيْءٌ قَلَّ أو كَثُرَ إلَّا أَنَّهُ لَا يُعْلَمُ مَكِيلَةُ ما انْتَقَصَ فَلَا أَكْرَهُ له بَيْعَهُ جُزَافًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ كان له على رَجُلٍ طَعَامٌ حَالًّا من غَيْرِ بَيْعٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ بِهِ شيئا من غَيْرِ صِنْفِهِ إذَا تَقَابَضَا من قَبْلِ أَنْ يَتَفَرَّقَا من ذَهَبٍ أو وَرِقٍ أو غَيْرِ صِنْفِهِ وَلَا أُجِيزُهُ قبل حُلُولِ الْأَجَلِ بِشَيْءٍ من الطَّعَامِ خَاصَّةً فَأَمَّا بِغَيْرِ الطَّعَامِ فَلَا بَأْسَ بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ كان له على رَجُلٍ طَعَامٌ من قَرْضٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ بِالطَّعَامِ من صِنْفِهِ أَجْوَدَ أو أَرْدَأَ أو مثله إذَا طَابَا بِذَلِكَ نَفْسًا ولم يَكُنْ شَرْطًا في أَصْلِ الْقَرْضِ وَكَذَلِكَ لَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ بِالطَّعَامِ غَيْرَهُ من غَيْرِ صِنْفِهِ اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ أَكْثَرَ إذَا تَقَابَضَا قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا وَلَوْ كان هذا من بَيْعٍ لم يَجُزْ له أَنْ يَأْخُذَ بِهِ من غَيْرِ صِنْفِهِ لِأَنَّهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قبل أَنْ يُقْبَضَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ بِهِ من صِنْفِهِ أَجْوَدَ أو أَرْدَأَ قبل مَحَلِّ الْأَجَلِ أو بَعْدَهُ إذَا طَابَ بِذَلِكَ نَفْسًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) في الرَّجُلِ يَشْتَرِي من الرَّجُلِ طَعَامًا مَوْصُوفًا فَيَحِلُّ فَيَسْأَلُهُ رَجُلٌ أَنْ يُسَلِّفَهُ إيَّاهُ فَيَأْمُرُهُ أَنْ يَتَقَاضَى ذلك الطَّعَامَ فإذا صَارَ في يَدِهِ أَسْلَفَهُ إيَّاهُ أو بَاعَهُ فَلَا بَأْسَ بهذا إذَا كان إنَّمَا وَكَّلَهُ بِأَنْ يَقْبِضَهُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ أَحْدَثَ بَعْدَ الْقَبْضِ السَّلَفَ أو الْبَيْعَ وَإِنَّمَا كان أَوَّلًا وَكِيلًا له وَلَهُ مَنْعُهُ السَّلَفَ وَالْبَيْعَ وَقَبْضَ الطَّعَامِ من يَدِهِ وَلَوْ كان شَرَطَ له أَنَّهُ إذَا تَقَاضَاهُ أَسْلَفَهُ إيَّاهُ أو بَاعَهُ إيَّاهُ لم يَكُنْ سَلَفًا وَلَا بَيْعًا وكان له أَجْرُ مِثْلِهِ في التَّقَاضِي قال وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا جاء إلَى رَجُلٍ له زَرْعٌ قَائِمٌ فقال وَلِّنِي حَصَادَهُ وَدِرَاسَهُ ثُمَّ أَكْتَالُهُ فَيَكُونُ على سَلَفًا لم يَكُنْ في هذا خَيْرٌ وكان له أَجْرُ مِثْلِهِ في الْحَصَادِ وَالدِّرَاسِ إنْ حَصَدَهُ وَدَرَسَهُ وَلِصَاحِبِ الطَّعَامِ أَخْذُ الطَّعَامِ من يَدَيْهِ وَلَوْ كان تَطَوَّعَ له بِالْحَصَادِ وَالدِّرَاسِ ثُمَّ أَسْلَفَهُ إيَّاهُ لم يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ وَسَوَاءٌ الْقَلِيلُ في هذا وَالْكَثِيرُ في كل حَلَالٌ وَحَرَامٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ أَسْلَفَ رَجُلًا طَعَامًا فَشَرَطَ عليه خَيْرًا منه أو أَزْيَدَ أو أَنْقَصَ فَلَا خَيْرَ فيه وَلَهُ مِثْلُ ما أَسْلَفَهُ إنْ اسْتَهْلَكَ الطَّعَامَ فَإِنْ أَدْرَكَ الطَّعَامَ بِعَيْنِهِ أَخَذَهُ فَإِنْ لم يَكُنْ له مِثْلٌ فَلَهُ قِيمَتُهُ وَإِنْ أَسْلَفَهُ إيَّاهُ لَا يَذْكُرُ من هذا شيئا فَأَعْطَاهُ خَيْرًا منه مُتَطَوِّعًا أو أَعْطَاهُ شَرًّا منه فَتَطَوَّعَ هذا بِقَبُولِهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَإِنْ لم يَتَطَوَّعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَلَهُ مِثْلُ سَلَفِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَسْلَفَ رَجُلًا طَعَامًا على أَنْ يُقْبِضَهُ إيَّاهُ بِبَلَدٍ آخَرَ كان هذا فَاسِدًا وَعَلَيْهِ أَنْ يُقْبِضَهُ إيَّاهُ في الْبَلَدِ الذي أَسْلَفَهُ فيه ( قال ) وَلَوْ أَسْلَفَهُ إيَّاهُ بِبَلَدٍ فَلَقِيَهُ بِبَلَدٍ آخَرَ فَتَقَاضَاهُ الطَّعَامَ أو كان اسْتَهْلَكَ له طَعَامًا فَسَأَلَ أَنْ يُعْطِيَهُ ذلك الطَّعَامَ في الْبَلَدِ الذي لَقِيَهُ فيه فَلَيْسَ ذلك عليه وَيُقَالُ إنْ شِئْت فَاقْبِضْ منه طَعَامًا مِثْلَ طَعَامِك بِالْبَلَدِ الذي اسْتَهْلَكَهُ لَك أو أَسْلَفْته إيَّاهُ فيه وَإِنْ شِئْت أَخَذْنَاهُ لَك الْآنَ بِقِيمَةِ ذلك الطَّعَامِ في ذلك الْبَلَدِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَنَّ الذي عليه الطَّعَامُ دَعَا إلَى أَنْ يُعْطِيَ طَعَامًا بِذَلِكَ الْبَلَدِ فَامْتَنَعَ الذي له الطَّعَامُ لم يُجْبَرْ الذي له الطَّعَامُ على أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ طَعَامًا مَضْمُونًا له بِبَلَدٍ غَيْرِهِ وَهَكَذَا كُلُّ ما كان لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنَّمَا رَأَيْت له الْقِيمَةَ في الطَّعَامِ يَغْصِبُهُ بِبَلَدٍ فَيَلْقَى الْغَاصِبَ بِبَلَدٍ غَيْرِهِ أَنِّي أَزْعُمُ أَنَّ كُلَّ ما اُسْتُهْلِكَ لِرَجُلٍ
____________________

(3/75)


فَأَدْرَكَهُ بِعَيْنِهِ أو مِثْلِهِ أَعْطَيْته الْمِثْلَ أو الْعَيْنَ فَإِنْ لم يَكُنْ له مِثْلٌ وَلَا عَيْنٌ أَعْطَيْته الْقِيمَةَ لِأَنَّهَا تَقُومُ مَقَامَ الْعَيْنِ إذَا كانت الْعَيْنُ وَالْمِثْلُ عَدَمًا فلما حَكَمْت أَنَّهُ إذَا اسْتَهْلَكَ له طَعَامًا بِمِصْرَ فَلَقِيَهُ بِمَكَّةَ أو بِمَكَّةَ فَلَقِيَهُ بِمِصْرَ لم أَقْضِ له بِطَعَامٍ مِثْلِهِ لِأَنَّ من أَصْلِ حَقِّهِ أَنْ يعطي مثله بِالْبَلَدِ الذي ضَمِنَ له بالإستهلاك لِمَا في ذلك من النَّقْصِ وَالزِّيَادَةِ على كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا وما في الْحَمْلِ على المستوفى ( ( ( المستوى ) ) ) فَكَانَ الْحُكْمُ في هذا أَنَّهُ لَا عَيْنَ وَلَا مِثْلَ له أقضى بِهِ وَأُجْبِرُهُ على أَخْذِهِ فَجَعَلْته كما لَا مِثْلَ له فَأَعْطَيْته قِيمَتَهُ إذَا كُنْت أُبْطِلُ الْحُكْمَ له بمثله وَإِنْ كان مَوْجُودًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان هذا من بَيْعٍ كان الْجَوَابُ في ذلك أَنْ لَا أُجْبِرَ وَاحِدًا مِنْهُمَا على أَخْذِهِ وَلَا دَفْعِهِ بِبَلَدٍ غَيْرِ الْبَلَدِ الذي ضَمِنَهُ وَضَمِنَ له فيه هذا وَلَا أَجْعَلُ له الْقِيمَةَ من قِبَلِ أَنَّ ذلك يَدْخُلُهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قبل أَنْ يُقْبَضَ وَأُجْبِرُهُ على أَنْ يَمْضِيَ فَيَقْبِضَهُ أو يُوَكِّلَ من يَقْبِضُهُ بِذَلِكَ الْبَلَدِ وَأُؤَجِّلُهُ فيه أَجَلًا فَإِنْ دَفَعَهُ إلَيْهِ إلَى ذلك الْأَجَلِ وَإِلَّا حَبَسْتُهُ حتى يَدْفَعَهُ إلَيْهِ أو إلَى وَكِيلِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) السَّلَفُ كُلُّهُ حَالٌّ سَمَّى له الْمُسْلَفُ أَجَلًا أو لم يُسَمِّهِ وَإِنْ سَمَّى له أَجَلًا ثُمَّ دَفَعَهُ إلَيْهِ الْمُسْلِفُ قبل الْأَجَلِ جُبِرَ على أَخْذِهِ لِأَنَّهُ لم يَكُنْ له إلَى أَجَلٍ قَطُّ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يُبْرِئَهُ منه وَلَوْ كان من بَيْعٍ لم يُجْبَرْ على أَخْذِهِ حتى يَحِلَّ أَجَلُهُ وَهَذَا في كل ما كان يَتَغَيَّرُ بِالْحَبْسِ في يَدَيْ صَاحِبِهِ من قِبَلِ أَنَّهُ يُعْطِيهِ إيَّاهُ بِالصِّفَةِ قبل يَحِلَّ الْأَجَلُ فَيَتَغَيَّرَ عن الصفه عِنْدَ مَحَلِّ الْأَجَلِ فَيَصِيرَ بِغَيْرِ الصِّفَةِ وَلَوْ تَغَيَّرَ في يَدَيْ صَاحِبِهِ جَبَرْنَاهُ على أَنْ يُعْطِيَهُ طَعَامًا غَيْرَهُ وقد يَكُونُ يَتَكَلَّفُ مُؤْنَةً في خَزْنِهِ وَيَكُونُ حُضُورُ حَاجَتِهِ إلَيْهِ عِنْدَ ذلك الْأَجَلِ فَكُلُّ ما كان لِخَزْنِهِ مُؤْنَةٌ أو كان يغير ( ( ( يتغير ) ) ) في يَدَيْ صَاحِبِهِ لم يُجْبَرْ على أَخْذِهِ قبل حُلُولِ الْأَجَلِ وَكُلُّ ما كان لَا يَتَغَيَّرُ وَلَا مُؤْنَةَ في خَزْنِهِ مِثْلُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وما أَشْبَهَهُمَا جُبِرَ على أَخْذِهِ قبل مَحَلِّ الْأَجَلِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) في الشَّرِكَةِ وَالتَّوْلِيَةِ بَيْعٌ من الْبُيُوعِ يَحِلُّ بِمَا تَحِلُّ بِهِ الْبُيُوعُ وَيَحْرُمُ بِمَا تَحْرُمُ بِهِ الْبُيُوعُ فَحَيْثُ كان الْبَيْعُ حَلَالًا فَهُوَ حَلَالٌ وَحَيْثُ كان الْبَيْعُ حَرَامًا فَهُوَ حَرَامٌ وَالْإِقَالَةُ فَسْخُ الْبَيْعِ فَلَا بَأْسَ بها قبل الْقَبْضِ لِأَنَّهَا إبْطَالُ عُقْدَةِ الْبَيْعِ بَيْنَهُمَا وَالرُّجُوعُ إلَى حَالِهِمَا قبل أَنْ يَتَبَايَعَا ( قال ) وَمَنْ سَلَّفَ رَجُلًا مِائَةَ دِينَارٍ في مِائَةِ إرْدَبٍّ طَعَامًا إلَى أَجَلٍ فَحَلَّ الْأَجَلُ فَسَأَلَهُ الذي عليه الطَّعَامُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ خَمْسِينَ إرْدَبًّا وَيَفْسَخُ الْبَيْعَ في خَمْسِينَ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا كان له أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ في الْمِائَةِ كانت الْخَمْسُونَ أَوْلَى أَنْ تَجُوزَ وإذا كان له أَنْ يَقْبِضَ الْمِائَةَ كانت الْخَمْسُونَ أَوْلَى أَنْ يَقْبِضَهَا وَهَذَا أَبْعَدُ ما خَلَقَ اللَّهُ من بَيْعٍ وَسَلَفٍ وَالْبَيْعُ وَالسَّلَفُ الذي نهى عنه أَنْ تَنْعَقِدَ الْعُقْدَةُ على بَيْعٍ وَسَلَفٍ وَذَلِكَ أَنْ أَقُولَ أَبِيعُك هذا بكذا ( ( ( لكذا ) ) ) على أَنْ تُسَلِّفَنِي كَذَا وَحُكْمُ السَّلَفِ أَنَّهُ حَالٌّ فَيَكُونُ الْبَيْعُ وَقَعَ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَمَجْهُولٍ وَالْبَيْعُ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَهَذَا الْمُسْلَفُ لم يَكُنْ له قَطُّ إلَّا طَعَامٌ ولم تَنْعَقِدْ الْعُقْدَةُ قَطُّ إلَّا عليه فلما كانت الْعُقْدَةُ صَحِيحَةً وكان حَلَالًا له أَنْ يَقْبِضَ طَعَامَهُ كُلَّهُ وَأَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ في كُلِّهِ كان له أَنْ يَقْبِضَ بَعْضَهُ وَيَفْسَخَ الْبَيْعَ بَيْنَهُ وبينه ( ( ( بينه ) ) ) في بَعْضِ وَهَكَذَا قال بن عَبَّاسٍ وَسُئِلَ عنه فقال هذا الْمَعْرُوفُ الْحَسَنُ الْجَمِيلُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ سَلَّفَ رَجُلًا دَابَّةً أو عَرَضًا في طَعَامٍ إلَى أَجَلٍ فلما حَلَّ الْأَجَلُ فَسَأَلَهُ أَنْ يُقِيلَهُ منه فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ كانت الدَّابَّةُ قَائِمَةً بِعَيْنِهَا أو فَائِتَةً لِأَنَّهُ لو كانت الْإِقَالَةُ بَيْعًا لِلطَّعَامِ قبل أَنْ يُقْبَضَ لم يَكُنْ له إقَالَتُهُ فَيَبِيعُهُ طَعَامًا له عليه بِدَابَّةٍ لِلَّذِي عليه الطَّعَامُ وَلَكِنَّهُ كان فَسَخَ الْبَيْعَ وَفَسْخُ الْبَيْعِ إبْطَالُهُ لم يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ كانت الدَّابَّةُ قَائِمَةً أو مُسْتَهْلَكَةً فَهِيَ مَضْمُونَةٌ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا إذَا كانت مُسْتَهْلَكَةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ أَقَالَ رَجُلًا في طَعَامٍ وَفَسَخَ الْبَيْعَ وَصَارَتْ له عليه دَنَانِيرُ مَضْمُونَةٌ فَلَيْسَ له أَنْ يَجْعَلَهَا سَلَفًا في شَيْءٍ قبل أَنْ يَقْبِضَهَا كما لو كانت له عليه دَنَانِيرُ سَلَفٍ أو كانت له في يَدَيْهِ دَنَانِيرُ وَدِيعَةٍ لم يَكُنْ له أَنْ يَجْعَلَهَا سَلَفًا في شَيْءٍ قبل أَنْ يَقْبِضَهَا وَمَنْ سَلَّفَ مِائَةً في صِنْفَيْنِ من التَّمْرِ وسمي رَأْسَ مَالِ كل
____________________

(3/76)


وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَأَرَادَ أَنْ يُقِيلَ في أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَلَا بَأْسَ لِأَنَّ هَاتَيْنِ بَيْعَتَانِ مُفْتَرِقَتَانِ وَإِنْ لم يُسَمِّ رَأْسَ مَالِ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَهَذَا بَيْعٌ أَكْرَهُهُ وقد أَجَازَهُ غَيْرِي فَمَنْ أَجَازَهُ لم يَجْعَلْ له أَنْ يُقِيلَ من الْبَعْضِ قبل أَنْ يَقْبِضَ من قِبَلِ أَنَّهُمَا جميعا صَفْقَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حِصَّةٌ من الثَّمَنِ لَا تُعْرَفُ إلَّا بِقِيمَةٍ وَالْقِيمَةُ مَجْهُولَةٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا خَيْرَ في أَنْ أَبِيعَك تَمْرًا بِعَيْنِهِ وَلَا مَوْصُوفًا بِكَذَا على أَنْ تَبْتَاعَ مِنِّي تَمْرًا بِكَذَا وَهَذَانِ بَيْعَتَانِ في بَيْعَةٍ لِأَنِّي لم أَمْلِكْ هذا بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ إلَّا وقد شَرَطْت عَلَيْك في ثَمَنِهِ ثَمَنًا لِغَيْرِهِ فَوَقَعَتْ الصَّفْقَةُ على ثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَحِصَّةٌ في الشَّرْطِ في هذا الْبَيْعِ مَجْهُولَةٌ وَكَذَلِكَ وَقَعَتْ في الْبَيْعِ الثَّانِي وَالْبُيُوعُ لَا تَكُونُ إلَّا بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ سَلَّفَ رَجُلًا في مِائَةِ أردب فَاقْتَضَى منه عَشَرَةً أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ ثُمَّ سَأَلَهُ الذي عليه الطَّعَامُ أَنْ يَرُدَّ عليه الْعَشَرَةَ التي أَخَذَ منه أو ما أَخَذَ وَيُقِيلُهُ فَإِنْ كان مُتَطَوِّعًا بِالرَّدِّ عليه تَمَّتْ الْإِقَالَةُ فَلَا بَأْسَ وَإِنْ كان ذلك على شَرْطِ أَنِّي لَا أَرُدُّهُ عَلَيْك إلَّا أَنْ تَفْسَخَ الْبَيْعَ بَيْنَنَا فَلَا خَيْرَ في ذلك وَمَنْ كانت له على رَجُلٍ دَنَانِيرُ فَسَلَّفَ الذي عليه الدَّنَانِيرُ رَجُلًا غَيْرَهُ دَنَانِيرَ في طَعَامٍ فَسَأَلَهُ الذي له عليه الدَّنَانِيرُ أَنْ يَجْعَلَ له تِلْكَ الدَّنَانِيرَ في سَلَفِهِ أو يَجْعَلَهَا له تَوْلِيَةً فَلَا خَيْرَ في ذلك لِأَنَّ التَّوْلِيَةَ بَيْعٌ وَهَذَا بَيْعُ الطَّعَامِ قبل أَنْ يُقْبَضَ وَدَيْنٌ بِدَيْنٍ وهو مَكْرُوهٌ في الْآجِلِ وَالْحَالِّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ ابْتَاعَ من رَجُلٍ مِائَةَ أردب طَعَامٍ فَقَبَضَهَا منه ثُمَّ سَأَلَهُ الْبَائِعُ الموفى أَنْ يُقِيلَهُ منها كُلِّهَا أو بَعْضِهَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وقال مَالِكٌ لَا بَأْسَ أَنْ يُقِيلَهُ من الْكُلِّ وَلَا يُقِيلُهُ من الْبَعْضِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَنَّ نَفَرًا اشْتَرَوْا من رَجُلٍ طَعَامًا فَأَقَالَهُ بَعْضُهُمْ وَأَبَى بَعْضُهُمْ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَمَنْ ابْتَاعَ من رَجُلٍ طَعَامًا كَيْلًا فلم يَكِلْهُ ورضى أَمَانَةَ الْبَائِعِ في كَيْلِهِ ثُمَّ سَأَلَهُ الْبَائِعُ أو غَيْرُهُ أَنْ يُشْرِكَهُ فيه قبل كَيْلِهِ فَلَا خَيْرَ في ذلك لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ قَابِضًا حتى يَكْتَالَهُ وَعَلَى الْبَائِعِ أَنْ يُوَفِّيَهُ الْكَيْلَ فَإِنْ هَلَكَ في يَدِ الْمُشْتَرِي قبل أَنْ يُوَفِّيَهُ الْكُلَّ فَهُوَ مَضْمُونٌ على الْمُشْتَرِي بِكَيْلِهِ وَالْقَوْلُ في الْكَيْلِ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مع يَمِينِهِ فَإِنْ قال الْمُشْتَرِي لَا أَعْرِفُ الْكَيْلَ فَأَحْلِفُ عليه قِيلَ لِلْبَائِعِ ادَّعِ في الْكَيْلِ ما شِئْت فإذا ادَّعَى قِيلَ لِلْمُشْتَرِي إنْ صَدَّقْته فَلَهُ في يَدَيْك هذا الْكَيْلُ وَإِنْ كَذَّبْته فَإِنْ حَلَفْت على شَيْءٍ تُسَمِّيهِ فَأَنْتَ أَحَقُّ بِالْيَمِينِ وَإِنْ أَبَيْت فَأَنْتَ رَادٌّ لِلْيَمِينِ عليه حَلَفَ على ما ادَّعَى وَأَخَذَهُ مِنْك ( قال الشَّافِعِيُّ ) الشَّرِكَةُ وَالتَّوْلِيَةُ بَيْعٌ من الْبُيُوعِ يَحِلُّ فيه ما يَحِلُّ في الْبُيُوعِ وَيَحْرُمُ فيه ما يَحْرُمُ في الْبُيُوعِ فَمَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا أو غَيْرَهُ فلم يَقْبِضْهُ حتى أَشْرَكَ فيه رَجُلًا أو يُوَلِّيهِ إيَّاهُ فَالشَّرِكَةُ بَاطِلَةٌ والتوليه وَهَذَا بَيْعُ الطَّعَامِ قبل أَنْ يُقْبَضَ وَالْإِقَالَةُ فَسْخٌ لِلْبَيْعِ قال الشَّافِعِيُّ وَمَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَاكْتَالَ بَعْضَهُ وَنَقَدَ ثَمَنَهُ ثُمَّ سَأَلَ أَنْ يُقِيلَهُ من بَعْضِهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ سَلَّفَ رَجُلًا في طَعَامٍ فَاسْتَغْلَاهُ فقال له الْبَائِعُ أنا شَرِيكُك فيه فَلَيْسَ بِجَائِزٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ بَاعَ من رَجُلٍ طَعَامًا بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ فَقَبَضَهُ الْمُبْتَاعُ وَغَابَ عليه ثُمَّ نَدِمَ الْبَائِعُ فَاسْتَقَالَهُ وَزَادَهُ فَلَا خَيْرَ فيه من قِبَلِ أَنَّ الْإِقَالَةَ لَيْسَتْ بِبَيْعٍ فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُجَدِّدَ فيه بَيْعًا بِذَلِكَ فَجَائِزٌ وقال مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِهِ وهو بَيْعٌ مُحْدَثٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ بَاعَ طَعَامًا حَاضِرًا بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ فَحَلَّ الْأَجَلُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ في ذلك الثَّمَنِ طَعَامًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو أَخَذَ طَعَامًا فَاسْتُحِقَّ رَجَعَ بِالثَّمَنِ لَا بِالطَّعَامِ وَهَكَذَا إنْ أَحَالَهُ بِالثَّمَنِ على رَجُلٍ قال مَالِكٌ لَا خَيْرَ فيه كُلِّهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ ابْتَاعَ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ طَعَامًا على أَنْ يُعْطِيَهُ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ طَعَامًا حَالًّا أو إلَى أَجَلٍ أو يُعْطِيَ بِالنِّصْفِ ثَوْبًا أو دِرْهَمًا أو عَرَضًا فَالْبَيْعُ حَرَامٌ لَا يَجُوزُ وَهَذَا من بَيْعَتَيْنِ في بَيْعَةٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ بَاعَ طَعَامًا بِنِصْفِ دِرْهَمِ الدِّرْهَمِ نَقْدًا أو إلَى أَجَلٍ
____________________

(3/77)


فَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَهُ دِرْهَمًا يَكُونُ نِصْفُهُ له بِالثَّمَنِ وَيَبْتَاعُ منه بِالنِّصْفِ طَعَامًا أو ما شَاءَ إذَا تَقَابَضَا من قَبْلِ أَنْ يَتَفَرَّقَا وَسَوَاءٌ كان الطَّعَامُ من الصِّنْفِ الذي بَاعَ منه أو غَيْرِهِ لِأَنَّ هذه بَيْعَةٌ جَدِيدَةٌ لَيْسَتْ في الْعُقْدَةِ الْأُولَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا ابْتَاعَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ طَعَامًا بِدِينَارٍ حَالًّا فَقَبَضَ الطَّعَامَ ولم يَقْبِضْ الْبَائِعُ الدِّينَارَ ثُمَّ اشْتَرَى الْبَائِعُ من الْمُشْتَرِي طَعَامًا بِدِينَارٍ فَقَبَضَ الطَّعَامَ ولم يَقْبِضْ الدِّينَارَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُجْعَلَ الدِّينَارُ قِصَاصًا من الدِّينَارِ وَلَيْسَ أَنْ يَبِيعَ الدِّينَارَ بِالدِّينَارِ فَيَكُونُ دَيْنًا بِدَيْنٍ وَلَكِنْ يُبْرِئُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ من الدِّينَارِ الذي عليه بِلَا شَرْطٍ فَإِنْ كان بِشَرْطٍ فَلَا خَيْرَ فيه - * بَابُ بَيْعِ الْآجَالِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَصْلُ ما ذَهَبَ إلَيْهِ من ذَهَبَ في بُيُوعِ الْآجَالِ أَنَّهُمْ رَوَوْا عن عَالِيَةَ بِنْتِ أَنْفَعَ أنها سَمِعَتْ عَائِشَةَ أو سَمِعَتْ امْرَأَةَ أبي السَّفَرِ تَرْوِي عن عَائِشَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْهَا عن بَيْعٍ بَاعَتْهُ من زَيْدِ بن أَرْقَمَ بِكَذَا وَكَذَا إلَى الْعَطَاءِ ثُمَّ اشْتَرَتْهُ منه بِأَقَلَّ من ذلك نَقْدًا فقالت عَائِشَةُ بِئْسَ ما اشْتَرَيْت وَبِئْسَ ما ابْتَعْت أَخْبِرِي زَيْدَ بن أَرْقَمَ أَنَّ اللَّهَ عز وجل قد أَبْطَلَ جِهَادَهُ مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا أَنْ يَتُوبَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) قد تَكُونُ عَائِشَةُ لو كان هذا ثَابِتًا عنها عَابَتْ عليها بَيْعًا إلَى الْعَطَاءِ لِأَنَّهُ أَجَلٌ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَهَذَا مِمَّا لَا نجيزه ( ( ( تجيزه ) ) ) لَا أنها عَابَتْ عليها ما اشْتَرَتْ منه بِنَقْدٍ وقد بَاعَتْهُ إلَى أَجَلٍ وَلَوْ اخْتَلَفَ بَعْضُ أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في شَيْءٍ فقال بَعْضُهُمْ فيه شيئا وقال بَعْضُهُمْ بِخِلَافِهِ كان أَصْلُ ما نَذْهَبُ إلَيْهِ أَنَّا نَأْخُذُ بِقَوْلِ الذي معه الْقِيَاسُ وَاَلَّذِي معه الْقِيَاسُ زَيْدُ بن أَرْقَمَ وَجُمْلَةُ هذا أَنَّا لَا نُثْبِتُ مثله على عَائِشَةَ مع أَنَّ زَيْدَ بن أَرْقَمَ لَا يَبِيعُ إلَّا ما يَرَاهُ حَلَالًا وَلَا يَبْتَاعُ مثله فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا بَاعَ شيئا أو ابْتَاعَهُ نَرَاهُ نَحْنُ مُحَرَّمًا وهو يَرَاهُ حَلَالًا لم نَزْعُمْ أَنَّ اللَّهَ يُحْبِطُ من عَمَلِهِ شيئا فَإِنْ قال قَائِلٌ فَمِنْ اين الْقِيَاسُ مع قَوْلِ زَيْدٍ قُلْت أَرَأَيْت الْبَيْعَةَ الْأُولَى أَلَيْسَ قد ثَبَتَ بها عليه الثَّمَنُ تَامًّا فَإِنْ قال بَلَى قِيلَ أَفَرَأَيْت الْبَيْعَةَ الثَّانِيَةَ أَهِيَ الْأُولَى فَإِنْ قال لَا قِيلَ أَفَحَرَامٌ عليه أَنْ يَبِيعَ مَالَهُ بِنَقْدٍ وَإِنْ كان اشْتَرَاهُ إلَى أَجَلٍ فَإِنْ قال لَا إذَا بَاعَهُ من غَيْرِهِ قِيلَ فَمَنْ حَرَّمَهُ منه فَإِنْ قال كَأَنَّهَا رَجَعَتْ إلَيْهِ السِّلْعَةُ أو اشْتَرَى شيئا دَيْنًا بِأَقَلَّ منه نَقْدًا قِيلَ إذَا قُلْت كان لِمَا ليس هو بِكَائِنٍ لم يَنْبَغِ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْك أَرَأَيْت لو كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَكَانَ بَاعَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ دَيْنًا وَاشْتَرَاهَا بِمِائَةٍ أو بِمِائَتَيْنِ نَقْدًا فَإِنْ قال جَائِزٌ قِيلَ فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ أَخْطَأْت كان ثَمَّ أو ها هنا لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ له أَنْ يَشْتَرِيَ منه مِائَةَ دِينَارٍ دَيْنًا بِمِائَتَيْ دِينَارٍ نَقْدًا فَإِنْ قُلْت إنَّمَا اشْتَرَيْت منه السِّلْعَةَ قِيلَ فَهَكَذَا كان يَنْبَغِي أَنْ تَقُولَ أَوَّلًا وَلَا تَقُولُ كان لِمَا ليس هو بِكَائِنٍ أَرَأَيْت الْبَيْعَةَ الْآخِرَةَ بِالنَّقْدِ لو انْتَقَضَتْ أَلَيْسَ تُرَدُّ السِّلْعَةُ وَيَكُونُ الدَّيْنُ ثَابِتًا كما هو فَتَعْلَمُ أَنَّ هذه بَيْعَةٌ غَيْرُ تِلْكَ الْبَيْعَةِ فَإِنْ قُلْت إنَّمَا اتَّهَمْته قُلْنَا هو أَقَلُّ تُهْمَةً على مَالِهِ مِنْك فَلَا تَرْكَنْ عليه إنْ كان خَطَأً ثُمَّ تُحَرِّمُ عليه ما أَحَلَّ اللَّهُ له لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل أَحَلَّ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا وَهَذَا بَيْعٌ وَلَيْسَ بِرِبًا وقد روى إجَازَةُ الْبَيْعِ إلَى الْعَطَاءِ عن غَيْرِ وَاحِدٍ وروى عن غَيْرِهِمْ خِلَافُهُ وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا أَنْ لَا يُبَاعَ إلَيْهِ لِأَنَّ الْعَطَاءَ قد يَتَأَخَّرُ وَيَتَقَدَّمُ وَإِنَّمَا الْآجَالُ مَعْلُومَةٌ بِأَيَّامٍ مَوْقُوتَةٍ أو اهله وَأَصْلُهَا في الْقُرْآنِ قال اللَّهُ عز وجل { يَسْأَلُونَك عن الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ } وقال تَعَالَى { وَاذْكُرُوا اللَّهَ في أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ } وقال عز وجل { فَعِدَّةٌ من أَيَّامٍ أُخَرَ } فَقَدْ وَقَّتَ بِالْأَهِلَّةِ كما وَقَّتَ بِالْعِدَّةِ وَلَيْسَ الْعَطَاءُ من مَوَاقِيتِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وقد يَتَأَخَّرُ الزَّمَانُ وَيَتَقَدَّمُ وَلَيْسَ تَسْتَأْخِرُ الْأَهِلَّةُ أَبَدًا أَكْثَرَ من يَوْمٍ فإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ من الرَّجُلِ السِّلْعَةَ فَقَبَضَهَا وكان الثَّمَنُ إلَى أَجَلٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ
____________________

(3/78)


يَبْتَاعَهَا من الذي اشْتَرَاهَا منه وَمِنْ غَيْرِهِ بِنَقْدٍ أَقَلَّ او اكثر مِمَّا اشْتَرَاهَا بِهِ أو بِدَيْنٍ كَذَلِكَ أو عَرَضٍ من الْعُرُوضِ سَاوَى الْعَرَضَ ما شَاءَ أَنْ يُسَاوِيَ وَلَيْسَتْ الْبَيْعَةُ الثَّانِيَةُ من الْبَيْعَةِ الْأُولَى بِسَبِيلٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ كان لِلْمُشْتَرِي الْبَيْعَةُ الْأُولَى إنْ كانت أَمَةً أَنْ يُصِيبَهَا أو يَهَبَهَا أو يُعْتِقَهَا أو يَبِيعَهَا مِمَّنْ شَاءَ غير بَيْعِهِ بِأَقَلَّ أو اكثر مِمَّا اشْتَرَاهَا بِهِ نَسِيئَةً فإذا كان هَكَذَا فَمَنْ حَرَّمَهَا على الذي اشْتَرَاهَا وَكَيْفَ يَتَوَهَّمُ أَحَدٌ وَهَذَا إنَّمَا تَمَلَّكَهَا مِلْكًا جَدِيدًا بِثَمَنٍ لها لَا بِالدَّنَانِيرِ الْمُتَأَخِّرَةِ أَنَّ هذا كان ثَمَنًا لِلدَّنَانِيرِ الْمُتَأَخِّرَةِ وَكَيْفَ إنْ جَازَ هذا على الذي بَاعَهَا لَا يَجُوزُ على أَحَدٍ لو اشْتَرَاهَا قال الشَّافِعِيُّ الْمَأْكُولُ وَالْمَشْرُوبُ كُلُّهُ مِثْلُ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ لَا يَخْتَلِفَانِ في شَيْءٍ وإذا بِعْت منه صِنْفًا بِصِنْفِهِ فَلَا يَصْلُحُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ إنْ كان كَيْلًا فَكَيْلٌ وَإِنْ كان وَزْنًا فَوَزْنٌ كما لَا تَصْلُحُ الدَّنَانِيرُ بِالدَّنَانِيرِ إلَّا يَدًا بِيَدٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ وَلَا تَصْلُحُ كَيْلًا بِكَيْلٍ وإذا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ منه فَلَا بَأْسَ بِالْفَضْلِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فيه نَسِيئَةً كما يَصْلُحُ الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ مُتَفَاضِلًا وَلَا يَجُوزُ نَسِيئَةً وإذا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ فَجَازَ الْفَضْلُ في أَحَدِهِمَا على الْآخَرِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ منه جُزَافًا بِجُزَافٍ لِأَنَّ أَكْثَرَ ما في الْجُزَافِ أَنْ يَكُونَ مُتَفَاضِلًا وَالتَّفَاضُلُ لَا بَأْسَ بِهِ وإذا كان شَيْءٌ من الذَّهَبِ أو الْفِضَّةِ أو الْمَأْكُولِ أو الْمَشْرُوبِ فَكَانَ الآدميون ( ( ( للآدميين ) ) ) يصنعون فيه صَنْعَةٌ يَسْتَخْرِجُونَ بها من الْأَصْلِ شيئا يَقَعُ عليه اسْمٌ دُونَ اسْمٍ فَلَا خَيْرَ في ذلك الشَّيْءِ بِشَيْءٍ من الْأَصْلِ وَإِنْ كَثُرَتْ الصَّنْعَةُ فيه كما لو أَنَّ رَجُلًا عَمَدَ إلَى دَنَانِيرَ فَجَعَلَهَا طَسْتًا أو قُبَّةً أو حُلِيًّا ما كان لم تَجُزْ بِالدَّنَانِيرِ أَبَدًا إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ وَكَمَا لو أَنَّ رَجُلًا عَمَدَ إلَى تَمْرٍ فَحَشَاهُ في شَنٍّ أو جَرَّةٍ أو غَيْرِهَا نَزَعَ نَوَاهُ أو لم يَنْزِعْهُ لم يَصْلُحْ أَنْ يُبَاعَ بِالتَّمْرِ وَزْنًا بِوَزْنٍ لِأَنَّ أَصْلَهُمَا الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ بِالْوَزْنِ قد يَخْتَلِفُ في أَصْلِ الْكَيْلِ فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ حِنْطَةٌ بِدَقِيقٍ لِأَنَّ الدَّقِيقَ من الْحِنْطَةِ وقد يَخْرُجُ من الْحِنْطَةِ من الدَّقِيقِ ما هو أَكْثَرُ من الدَّقِيقِ الذي بِيعَ بها وَأَقَلُّ ذلك أَنْ يَكُونَ مَجْهُولًا بِمَعْلُومٍ من صِنْفٍ فيه الرِّبَا وَكَذَلِكَ حِنْطَةٌ بِسَوِيقٍ وَكَذَلِكَ حِنْطَةٌ بِخُبْزٍ وَكَذَلِكَ حِنْطَةٌ بِفَالُوذَجٍ إنْ كان نَشَا سععة من حِنْطَةٍ وَكَذَلِكَ دُهْنُ سِمْسِمٍ بِسِمْسِمٍ وَزَيْتٌ بِزَيْتُونٍ لَا يَصْلُحُ هذا لِمَا وَصَفْت وَكَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ التَّمْرُ الْمَنْثُورُ بِالتَّمْرِ الْمَكْبُوسِ لِأَنَّ أَصْلَ التَّمْرِ الْكَيْلُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا بِعْت شيئا من الْمَأْكُولِ أو الْمَشْرُوبِ أو الذَّهَبِ أو الْوَرِقِ بِشَيْءٍ من صِنْفِهِ فَلَا يَصْلُحُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وإن يَكُونَ ما بِعْت منه صِنْفًا وَاحِدًا جَيِّدًا أو رَدِيئًا وَيَكُونُ ما اشْتَرَيْت منه صِنْفًا وَاحِدًا وَلَا يُبَالِي أَنْ يَكُونَ أَجْوَدَ أو اردأ مِمَّا اشْتَرَيْته بِهِ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يَأْخُذَ خَمْسِينَ دِينَارًا مَرْوَانِيَّةً وَخَمْسِينَ حَدَبًا بِمِائَةٍ هَاشِمِيَّةً وَلَا بِمِائَةٍ غَيْرَهَا وَكَذَلِكَ لَا خَيْرَ في أَنْ يَأْخُذَ صَاعَ بردى وَصَاعَ لَوْنٍ بِصَاعَيْ صَيْحَانِيٍّ وَإِنَّمَا كَرِهْت هذا من قِبَلِ أَنَّ الصَّفْقَةَ إذَا جَمَعَتْ شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَبِيعٌ بِحِصَّتِهِ من الثَّمَنِ فَيَكُونُ ثَمَنُ صَاعِ البردى بِثَلَاثَةِ دَنَانِيرَ وَثَمَنُ صَاعِ اللَّوْنِ دِينَارًا وَثَمَنُ صَاعِ الصَّيْحَانِيِّ يَسْوَى دِينَارَيْنِ فَيَكُونُ صَاعُ البردى بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ صَاعَيْ الصَّيْحَانِيِّ وَذَلِكَ صَاعٌ وَنِصْفٌ وَصَاعُ اللَّوْنِ بِرُبْعِ صاعى الصَّيْحَانِيِّ وَذَلِكَ نِصْفُ صَاعٍ صَيْحَانِيٍّ فَيَكُونُ هذا التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مُتَفَاضِلًا وَهَكَذَا هذا في الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَكُلِّ ما كان فيه الرِّبَا في التَّفَاضُلِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكُلُّ شَيْءٍ من الطَّعَامِ يَكُونُ رَطْبًا ثُمَّ يَيْبَسُ فَلَا يَصْلُحُ منه رَطْبٌ بِيَابِسٍ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم سُئِلَ عن الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فقال أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ فقال نعم فَنَهَى عنه فَنَظَرَ في الْمُعْتَقَبِ فَكَذَلِكَ نَنْظُرُ في الْمُعْتَقَبِ فَلَا يَجُوزُ رُطَبٌ بِرُطَبٍ لِأَنَّهُمَا إذَا تَيَبَّسَا اخْتَلَفَ نَقْصُهُمَا فَكَانَتْ فِيهِمَا الزِّيَادَةُ في الْمُعْتَقَبِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَأْكُولٍ لَا يَيْبَسُ إذَا كان مِمَّا يَيْبَسُ
____________________

(3/79)


فَلَا خَيْرَ في رُطَبٍ منه بِرُطَبٍ كَيْلًا بِكَيْلٍ وَلَا وَزْنًا بِوَزْنٍ وَلَا عَدَدًا بِعَدَدٍ وَلَا خَيْرَ في أُتْرُجَّةٍ بِأُتْرُجَّةٍ وَلَا بِطِّيخَةٍ بِبِطِّيخَةٍ وَزْنًا وَلَا كَيْلًا وَلَا عَدَدًا فإذا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ فَلَا بَأْسَ بِالْفَضْلِ في بَعْضِهِ على بعض وَلَا خَيْرَ فيه نَسِيئَةً وَلَا بَأْسَ بِأُتْرُجَّةٍ بِبِطِّيخَةٍ وَعَشْرِ بِطِّيخَاتٍ وَكَذَلِكَ ما سِوَاهُمَا فإذا كان من الرُّطَبِ شَيْءٌ لَا يَيْبَسُ بِنَفْسِهِ أَبَدًا مِثْلُ الزَّيْتِ وَالسَّمْنِ وَالْعَسَلِ وَاللَّبَنِ فَلَا بَأْسَ بِبَعْضِهِ على بَعْضٍ إنْ كان مِمَّا يُوزَنُ فَوَزْنًا وَإِنْ كان مِمَّا يُكَالُ فَكَيْلًا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تَفَاضُلَ فيه حتى يَخْتَلِفَ الصِّنْفَانِ وَلَا خَيْرَ في التَّمْرِ بِالتَّمْرِ حتى يَكُونَ ينتهى يُبْسُهُ وَإِنْ انْتَهَى يُبْسُهُ إلَّا أَنَّ بَعْضَهُ أَشَدُّ انْتِفَاخًا من بَعْضٍ فَلَا يَضُرُّهُ إذَا انْتَهَى يُبْسُهُ كَيْلًا بِكَيْلٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان منه شَيْءٌ مَغِيبٌ مِثْلُ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وما يَكُونُ مَأْكُولُهُ في دَاخِلِهِ فَلَا خَيْرَ في بَعْضِهِ بِبَعْضٍ عَدَدًا وَلَا كَيْلًا وَلَا وَزْنًا فإذا اخْتَلَفَ فَلَا بَأْسَ بِهِ من قِبَلِ أَنَّ مَأْكُولَهُ مَغِيبٌ وَأَنَّ قِشْرَهُ يَخْتَلِفُ في الثِّقَلِ وَالْخِفَّةِ فَلَا يَكُونُ أَبَدًا إلَّا مَجْهُولًا بِمَجْهُولٍ فإذا كُسِرَ فَخَرَجَ مَأْكُولُهُ فَلَا بَأْسَ في بَعْضِهِ بِبَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَإِنْ كان كَيْلًا فَكَيْلًا وَإِنْ كان وَزْنًا فَوَزْنًا وَلَا يَجُوزُ الْخُبْزُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ عَدَدًا وَلَا وَزْنًا وَلَا كَيْلًا من قِبَلِ أَنَّهُ إذَا كان رَطْبًا فَقَدْ يَيْبَسُ فَيَنْقُصُ وإذا انْتَهَى يُبْسُهُ فَلَا يُسْتَطَاعُ أَنْ يُكْتَالَ وَأَصْلُهُ الْكَيْلُ فَلَا خَيْرَ فيه وَزْنًا لِأَنَّا لَا نُحِيلُ الْوَزْنَ إلَى الْكَيْلِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَصْلُهُ الْوَزْنُ وَالْكَيْلُ بِالْحِجَازِ فَكُلُّ ما وُزِنَ على عَهْدِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَصْلُهُ الْوَزْنُ وَكُلُّ ما كِيلَ فَأَصْلُهُ الْكَيْلُ وما أَحْدَثَ الناس منه مِمَّا يُخَالِفُ ذلك رُدَّ إلَى الْأَصْلِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا ابْتَاعَ الرَّجُلُ ثَمَرَ النَّخْلَةِ أو النَّخْلَ بِالْحِنْطَةِ فَتَقَابَضَا فَلَا بَأْسَ بِالْبَيْعِ لِأَنَّهُ لَا أَجَلَ فيه وَإِنِّي أَعُدُّ الْقَبْضَ في رؤوس النَّخْلِ قَبْضًا كما أَعُدُّ قَبْضَ الْجُزَافِ قَبْضًا إذَا خَلَّى الْمُشْتَرِي بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ لَا حَائِلَ دُونَهُ فَلَا بَأْسَ فَإِنْ تَرَكْته أنا فَالتَّرْكُ من قِبَلِي وَلَوْ أُصِيبُ كان عَلَيَّ لِأَنِّي قَابِضٌ له وَلَوْ أَنِّي اشْتَرَيْته على أَنْ لَا أَقْبِضَهُ إلَى غَدٍ أو أَكْثَرَ من ذلك فَلَا خَيْرَ فيه لِأَنِّي إنَّمَا اشْتَرَيْت الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ إلَى أَجَلٍ وَهَكَذَا اشْتِرَاؤُهُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَا يَصْلُحُ أَنْ أشتريه بِهِمَا على أَنْ أَقْبِضَهُ في غَدٍ أو بَعْدَ غَدٍ لِأَنَّهُ قد يَأْتِي غَدٌ أو بَعْدَ غَدٍ فَلَا يُوجَدُ وَلَا خَيْرَ في اللَّبَنِ الْحَلِيبِ بِاللَّبَنِ الْمَضْرُوبِ لِأَنَّ في الْمَضْرُوبِ مَاءً فَهُوَ مَاءٌ وَلَبَنٌ وَلَوْ لم يَكُنْ فيه مَاءٌ فَأُخْرِجَ زُبْدُهُ لم يَجُزْ بِلَبَنٍ لم يُخْرَجْ زُبْدُهُ لِأَنَّهُ قد اخرج منه شَيْءٌ هو من نَفْسِ جَسَدِهِ وَمَنْفَعَتِهِ وَكَذَلِكَ لَا خَيْرَ في تَمْرٍ قد عُصِرَ وَأُخْرِجَ صَفْوُهُ بِتَمْرٍ لم يُخْرَجْ صَفْوُهُ كَيْلًا بِكَيْلٍ من قِبَلِ أَنَّهُ قد أُخْرِجَ منه شَيْءٌ من نَفْسِهِ وإذا لم يُغَيَّرْ عن خِلْقَتِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَجُوزُ اللَّبَنُ بِاللَّبَنِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ كَيْلًا بِكَيْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا يَجُوزُ إذَا خُلِطَ في شَيْءٍ منه مَاءٌ بِشَيْءٍ قد خُلِطَ فيه مَاءٌ وَلَا بِشَيْءٍ لم يُخْلَطْ فيه مَاءٌ لِأَنَّهُ مَاءٌ وَلَبَنٌ بِلَبَنٍ مَجْهُولٍ وَالْأَلْبَانُ مُخْتَلِفَةٌ فَيَجُوزُ لَبَنُ الْغَنَمِ بِلَبَنِ الْغَنَمِ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ وَلَيْسَ لَبَنُ الظِّبَاءِ منه وَلَبَنُ الْبَقَرِ بِلَبَنِ الْجَوَامِيسِ وَالْعِرَابِ وَلَيْسَ لَبَنُ الْبَقَرِ الْوَحْشِ منه وَيَجُوزُ لَبَنُ الْإِبِلِ بِلَبَنِ الْإِبِلِ الْعِرَابِ وَالْبُخْتِ وَكُلُّ هذا صِنْفٌ الْغَنَمُ صِنْفٌ وَالْبَقَرُ صِنْفٌ وَالْإِبِلُ صِنْفٌ وَكُلُّ صِنْفٍ غَيْرُ صَاحِبِهِ فَيَجُوزُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ وَلَا يَجُوزُ نَسِيئَةً وَيَجُوزُ أَنَسِيُّهُ بِوَحْشِيِّهِ مُتَفَاضِلًا وَكَذَلِكَ لُحُومُهُ مُخْتَلِفَةٌ يَجُوزُ الْفَضْلُ في بَعْضِهَا على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا يَجُوزُ نَسِيئَةً وَيَجُوزُ رَطْبٌ بِيَابِسٍ إذَا اخْتَلَفَ وَرَطْبٌ بِرَطْبٍ وَيَابِسٌ بِيَابِسٍ فإذا كان منها شَيْءٌ من صِنْفٍ وَاحِدٍ مِثْلُ لَحْمِ غَنَمٍ بِلَحْمِ غَنَمٍ لم يَجُزْ رَطْبٌ بِرَطْبٍ وَلَا رَطْبٌ بِيَابِسٍ وَجَازَ إذَا يَبِسَ فَانْتَهَى يُبْسُهُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَزْنًا وَالسَّمْنُ مِثْلُ اللَّبَنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا خَيْرَ في مُدِّ زُبْدٍ وَمُدِّ لَبَنٍ بمدى زُبْدٍ وَلَا خَيْرَ في جُبْنٍ بِلَبَنٍ لِأَنَّهُ قد يَكُونُ من اللَّبَنِ جُبْنٌ إلَّا أَنْ يَخْتَلِفَ اللَّبَنُ وَالْجُبْنُ فَلَا يَكُونُ بِهِ بَأْسٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أُخْرِجَ زُبْدُ اللَّبَنِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُبَاعَ بِزُبْدٍ وَسَمْنٍ لِأَنَّهُ لَا زُبْدَ في اللَّبَنِ وَلَا سَمْنَ وإذا لم يُخْرَجْ
____________________

(3/80)


زُبْدُهُ فَلَا خَيْرَ فيه بِسَمْنٍ وَلَا زُبْدٍ وَلَا خَيْرَ في الزَّيْتِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ إذَا كان من صِنْفٍ وَاحِدٍ فإذا اخْتَلَفَ فَلَا بَأْسَ بِالْفَضْلِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فيه نَسِيئَةً وَلَا بَأْسَ بِزَيْتِ الزَّيْتُونِ بِزَيْتِ الْفُجْلِ وَزَيْتِ الْفُجْلِ بِالشَّيْرَجِ مُتَفَاضِلًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا خَيْرَ في خَلِّ الْعِنَبِ بِخَلِّ الْعِنَبِ إلَّا سَوَاءٌ وَلَا بَأْسَ بِخَلِّ الْعِنَبِ بِخَلِّ التَّمْرِ وَخَلِّ الْقَصَبِ لِأَنَّ أُصُولَهُ مُخْتَلِفَةٌ فَلَا بَأْسَ بِالْفَضْلِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ وإذا كان خَلٌّ لَا يُوصَلُ إلَيْهِ إلَّا بِالْمَاءِ مِثْلُ خَلِّ التَّمْرِ وَخَلِّ الزَّبِيبِ فَلَا خَيْرَ فيه بَعْضُهُ بِبَعْضٍ من قِبَلِ أَنَّ الْمَاءَ يَكْثُرُ وَيَقِلُّ وَلَا بَأْسَ بِهِ إذَا اخْتَلَفَ وَالنَّبِيذُ الذي لَا يُسْكِرُ مِثْلُ الْخَلِّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا بَأْسَ بِالشَّاةِ الْحَيَّةِ التي لَا لَبَنَ فيها حين تُبَاعُ بِاللَّبَنِ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فيها إنْ كان فيها لَبَنٌ حين تُبَاعُ بِاللَّبَنِ لِأَنَّ لِلَّبَنِ الذي فيها حِصَّةً من اللَّبَنِ الْمَوْضُوعِ لَا تُعْرَفُ وَإِنْ كانت مَذْبُوحَةً لَا لَبَنَ فيها فَلَا بَأْسَ بها بِلَبَنٍ وَلَا خَيْرَ فيها مَذْبُوحَةً بِلَبَنٍ إلَى أَجَلٍ وَلَا بَأْسَ بها قَائِمَةً لَا لَبَنَ فيها بِلَبَنٍ إلَى أَجَلٍ لِأَنَّهُ عَرَضٌ بِطَعَامٍ وَلِأَنَّ الْحَيَوَانَ غَيْرُ الطَّعَامِ فَلَا بَأْسَ بِمَا سَمَّيْتَ من أَصْنَافِ الْحَيَوَانِ بِأَيِّ طَعَامٍ شِئْت إلَى أَجَلٍ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ ليس من الطَّعَامِ وَلَا مِمَّا فيه رِبًا وَلَا بَأْسَ بِالشَّاةِ لِلذَّبْحِ بِالطَّعَامِ إلَى أَجَلٍ قال الشَّافِعِيُّ وَلَا بَأْسَ بِالشَّاةِ بِاللَّبَنِ إذَا كانت الشَّاةُ لَا لَبَنَ فيها من قِبَلِ أنها حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ الْعَرَضِ بِالطَّعَامِ وَالْمَأْكُولُ كُلُّ ما أَكَلَهُ بَنُو آدَمَ وَتَدَاوَوْا بِهِ حتى الأهليلج وَالصَّبِرِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ بِالذَّهَبِ وَكُلُّ ما لم يَأْكُلْهُ بَنُو آدَمَ واكلته الْبَهَائِمُ فَلَا بَأْسَ بِبَعْضِهِ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ والى أَجَلٍ مَعْلُومٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالطَّعَامُ بِالطَّعَامِ إذَا اخْتَلَفَ بِمَنْزِلَةِ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ سَوَاءٌ يَجُوزُ فيه ما يَجُوزُ فيه وَيَحْرُمُ فيه ما يَحْرُمُ فيه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اخْتَلَفَ أَجْنَاسُ الْحِيتَانِ فَلَا بَأْسَ بِبَعْضِهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا وَكَذَلِكَ لَحْمُ الطَّيْرِ إذَا اخْتَلَفَ أَجْنَاسُهَا وَلَا خَيْرَ في اللَّحْمِ الطَّرِيِّ بِالْمَالِحِ وَالْمَطْبُوخِ وَلَا بِالْيَابِسِ على كل حَالٍ وَلَا يَجُوزُ الطَّرِيُّ بِالطَّرِيِّ وَلَا الْيَابِسُ بِالطَّرِيِّ حتى يَكُونَا يَابِسَيْنِ أو حتى تَخْتَلِفَ أَجْنَاسُهُمَا فَيَجُوزَ على كل حَالٍ كَيْفَ كان ( قال الرَّبِيعُ ) وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْيَمَامَ من الْحَمَامِ فَلَا يَجُوزُ لَحْمُ الْيَمَامِ بِلَحْمِ الْحَمَامِ مُتَفَاضِلًا وَلَا يَجُوزُ إلَّا يَدًا بِيَدٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ إذَا انْتَهَى يُبْسُهُ وَإِنْ كان من غَيْرِ الْحَمَامِ فَلَا بَأْسَ بِهِ مُتَفَاضِلًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يُبَاعُ اللَّحْمُ بِالْحَيَوَانِ على كل حَالٍ كان من صِنْفِهِ أو من غَيْرِ صِنْفِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن زَيْدِ بن اسلم عن سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مُسْلِمٌ عن بن جُرَيْجٍ عن الْقَاسِمِ بن أبي بَزَّةَ قال قَدِمْت الْمَدِينَةَ فَوَجَدْت جَزُورًا قد جُزِرَتْ فَجُزِّئَتْ أَجْزَاءً كُلَّ جُزْءٍ منها بِعَنَاقٍ فَأَرَدْت أَنْ أَبْتَاعَ منها جُزْءًا فقال لي رَجُلٌ من أَهْلِ الْمَدِينَةِ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى أَنْ يُبَاعَ حَيٌّ بِمَيِّتٍ فَسَأَلْت عن ذلك الرَّجُلِ فَأُخْبِرْت عنه خَيْرًا قال أخبرنا بن أبي يحيى عن صَالِحٍ مولى التَّوْأَمَةِ عن بن عَبَّاسٍ عن أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) سَوَاءٌ كان الْحَيَوَانُ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أو لَا يُؤْكَلُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) سَوَاءٌ اخْتَلَفَ اللَّحْمُ وَالْحَيَوَانُ أو لم يَخْتَلِفْ وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَفِ في اللَّحْمِ إذَا دَفَعْت ما سُلِّفْت فيه قبل أَنْ تَأْخُذَ من اللَّحْمِ شيئا وتسمى اللَّحْمَ ما هو وَالسَّمَانَةُ وَالْمَوْضِعُ وَالْأَجَلُ فيه فَإِنْ تَرَكْت من هذا شيئا لم يَجُزْ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ فيه إلَّا وَاحِدًا فإذا كان الْأَجَلُ فيه وَاحِدًا ثُمَّ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ منه شيئا في كل يَوْمٍ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَتْرُكَ تَرَكَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا خَيْرَ في أَنْ يَأْخُذَ مَكَانَ لَحْمِ ضَأْنٍ قد حَلَّ لَحْمَ بَقَرٍ لِأَنَّ ذلك بَيْعُ الطَّعَامِ قبل أَنْ يُسْتَوْفَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا خَيْرَ في السَّلَفِ في الرُّءُوسِ وَلَا في الْجُلُودِ من قِبَلِ أَنَّهُ لَا يُوقَفُ لِلْجُلُودِ على ذَرْعٍ وَأَنَّ خِلْقَتَهَا تَخْتَلِفُ فَتَتَبَايَنُ في الرِّقَّةِ وَالْغِلَظِ وَأَنَّهَا لَا تَسْتَوِي على كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ وَلَا يَجُوزُ السَّلَفُ في الرُّءُوسِ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَوِي على وَزْنٍ وَلَا تُضْبَطُ بِصِفَةٍ فَتَجُوزُ كما تَجُوزُ الْحَيَوَانَاتُ الْمَعْرُوفَةُ بِالصِّفَةِ وَلَا يَجُوزُ
____________________

(3/81)


أَنْ تشتري إلَّا يَدًا بِيَدٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَفِ في الطَّرِيِّ من الْحِيتَانِ إنْ ضُبِطَ بِوَزْنٍ وَصِفَةٍ من صِغَرٍ وَكِبَرٍ وَجِنْسٍ من الْحِيتَانِ مُسَمًّى لَا يَخْتَلِفُ في الْحَالِ التي يَحِلُّ فيها فَإِنْ أَخْطَأَ من هذا شيئا لم يَجُزْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَفِ في الْحَيَوَانِ كُلِّهِ في الرَّقِيقِ وَالْمَاشِيَةِ وَالطَّيْرِ إذَا كان تُضْبَطُ صِفَتُهُ وَلَا يَخْتَلِفُ في الْحِينِ الذي يَحِلُّ فيه وَسَوَاءٌ كان مِمَّا يُسْتَحْيَا أو مِمَّا لَا يُسْتَحْيَا فإذا حَلَّ من هذا شَيْءٌ وهو من أَيِّ شَيْءٍ اُبْتِيعَ لم يَجُزْ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَبِيعَهُ قبل أَنْ يَقْبِضَهُ وَلَا يَصْرِفَهُ إلَى غَيْرِهِ وَلَكِنَّهُ يَجُوزُ له أَنْ يُقِيلَ من أَصْلِ الْبَيْعِ وَيَأْخُذَ الثَّمَنَ وَلَا يَجُوزَ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ الشَّاةَ ويستثنى شيئا منها جِلْدًا وَلَا غَيْرَهُ في سَفَرٍ وَلَا حَضَرٍ وَلَوْ كان الْحَدِيثُ ثَبَتَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في السَّفَرِ أَجَزْنَاهُ في السَّفَرِ وَالْحَضَرِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ تَبَايَعَا على هذا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَإِنْ أَخَذَ ما اسْتَثْنَى من ذلك وَفَاتَ رَجَعَ الْبَائِعُ على الْمُشْتَرِي فَأَخَذَ منه قِيمَةَ اللَّحْمِ يوم أَخَذَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُسَلَّفَ رَجُلٌ في لَبَنِ غَنَمٍ بِأَعْيَانِهَا سمي الْكَيْلَ أو لم يُسَمِّهِ كما لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلَّفَ في طَعَامِ أَرْضٍ بِعَيْنِهَا فَإِنْ كان اللَّبَنُ من غَنَمٍ بِغَيْرِ أَعْيَانِهَا فَلَا بَأْسَ وَكَذَلِكَ إنْ كان الطَّعَامُ من غَيْرِ أَرْضٍ بِعَيْنِهَا فَلَا بَأْسَ ( قال ) وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلَّفَ في لَبَنِ غَنَمٍ بِعَيْنِهَا الشَّهْرَ وَلَا أَقَلَّ من ذلك وَلَا أَكْثَرَ بِكَيْلٍ مَعْلُومٍ كما لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلَّفَ في ثَمَرِ حَائِطٍ بِعَيْنِهِ وَلَا زَرْعٍ بِعَيْنِهِ وَلَا يَجُوزُ السَّلَفُ بِالصِّفَةِ إلَّا في الشَّيْءِ الْمَأْمُونِ أَنْ يَنْقَطِعَ من أَيْدِي الناس في الْوَقْتِ الذي يَحِلُّ فيه وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ لَبَنُ غَنَمٍ بِأَعْيَانِهَا شَهْرًا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي وَلَا أَقَلَّ من شَهْرٍ وَلَا أَكْثَرَ من قِبَلِ أَنَّ الْغَنَمَ يَقِلُّ لَبَنُهَا وَيَكْثُرُ وينفد ( ( ( وينفذ ) ) ) وَتَأْتِي عليه الْآفَةُ وَهَذَا بَيْعُ ما لم يُخْلَقْ قَطُّ وَبَيْعُ ما إذَا خُلِقَ كان غير مَوْقُوفٍ على حَدِّهِ بِكَيْلٍ لِأَنَّهُ يَقِلُّ وَيَكْثُرُ وَبِغَيْرِ صِفَةٍ لِأَنَّهُ يَتَغَيَّرُ فَهُوَ حَرَامٌ من جَمِيعِ جِهَاتِهِ وَكَذَلِكَ لَا يَحِلُّ بَيْعُ المقاثيء ( ( ( المقاثي ) ) ) بُطُونًا وَإِنْ طَابَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْبَطْنَ الْأَوَّلَ وَإِنْ رُئِيَ فَحَلَّ بَيْعُهُ على الإنفراد فما بَعْدَهُ من الْبُطُونِ لم يُرَ وقد يَكُونُ قَلِيلًا فَاسِدًا وَلَا يَكُونُ وَكَثِيرًا جَيِّدًا وَقَلِيلًا مَعِيبًا وَكَثِيرًا بَعْضُهُ أَكْثَرُ من بَعْضٍ فَهُوَ مُحَرَّمٌ في جَمِيعِ جِهَاتِهِ وَلَا يَحِلُّ الْبَيْعُ إلَّا على عَيْنٍ يَرَاهَا صَاحِبُهَا أو بَيْعٌ مَضْمُونٌ على صَاحِبِهِ بِصِفَةٍ يَأْتِي بها على الصِّفَةِ وَلَا يَحِلُّ بَيْعٌ ثَالِثٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا خَيْرَ في أَنْ يكترى الرَّجُلُ الْبَقَرَةَ وَيَسْتَثْنِيَ حِلَابَهَا لِأَنَّ ها هنا بَيْعًا حَرَامًا وَكِرَاءً ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا خَيْرَ في أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الطَّعَامَ الْحَاضِرَ على أَنْ يُوَفِّيَهُ إيَّاهُ بِالْبَلَدِ وَيَحْمِلَهُ إلَى غَيْرِهِ لِأَنَّ هذا فَاسِدٌ من وُجُوهٍ أَمَّا أَحَدُهَا إذَا اسْتَوْفَاهُ بِالْبَلَدِ خَرَجَ الْبَائِعُ من ضَمَانِهِ وكان على الْمُشْتَرِي حَمْلُهُ فَإِنْ هَلَكَ قبل أَنْ يَأْتِيَ الْبَلَدَ الذي حَمَلَهُ إلَيْهِ لم يَدْرِ كَمْ حِصَّةُ الْبَيْعِ من حِصَّةِ الْكِرَاءِ فَيَكُونُ الثَّمَنُ مَجْهُولًا وَالْبَيْعُ لَا يَحِلُّ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ فَأَمَّا أَنْ يَقُولَ هو من ضَمَانِ الْحَامِلِ حتى يُوَفِّيَهُ إيَّاهُ بِالْبَلَدِ الذي شَرَطَ له أَنْ يَحْمِلَهُ إلَيْهِ فَقَدْ زَعَمَ أَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَاهُ على أَنْ يُوَفِّيَهُ بِبَلَدٍ فَاسْتَوْفَاهُ ولم يَخْرُجْ الْبَائِعُ من ضَمَانِهِ وَلَا أَعْلَمُ بَائِعًا يوفى رَجُلًا بَيْعًا إلَّا خَرَجَ من ضَمَانِهِ ثُمَّ إنْ زَعَمَ أَنَّهُ مَضْمُونٌ ثَانِيَةً فَبِأَيِّ شَيْءٍ ضَمِنَ بِسَلَفٍ أو بَيْعٍ أو غَصْبٍ فَهُوَ ليس في شَيْءٍ من هذه الْمَعَانِي فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ ضَمِنَ بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ فَهَذَا شَيْءٌ وَاحِدٌ بِيعَ مَرَّتَيْنِ وأوفى مَرَّتَيْنِ وَالْبَيْعُ في الشَّيْءِ الْوَاحِدِ لَا يَكُونُ مَقْبُوضًا مَرَّتَيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا خَيْرَ في التحري في كل شَيْءٍ كان فيه الرِّبَا في الْفَضْلِ بَعْضُهُ على بَعْضٍ وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ السَّمْنَ أو الزَّيْتَ وَزْنًا بِظُرُوفِهِ فَإِنْ شُرِطَ الظَّرْفُ في الْوَزْنِ فَلَا خَيْرَ فيه وَإِنْ اشْتَرَاهَا وَزْنًا على أَنْ يُفْرِغَهَا ثُمَّ يَزِنَ الظَّرْفَ فَلَا بَأْسَ وَسَوَاءٌ الْحَدِيدُ وَالْفَخَّارُ وَالزُّقَاقُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ اشْتَرَى طَعَامًا يَرَاهُ في بَيْتٍ أو حُفْرَةٍ أو هرى أو طَاقَةٍ فَهُوَ سَوَاءٌ فإذا وُجِدَ أَسْفَلُهُ مُتَغَيِّرًا عَمَّا رَأَى أَعْلَاهُ فَلَهُ الْخِيَارُ
____________________

(3/82)


في أَخْذِهِ أو تَرْكِهِ لِأَنَّ هذا عَيْبٌ وَلَيْسَ يَلْزَمُهُ الْعَيْبُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ كَثُرَ ذلك أو قَلَّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن بَيْعِ الثِّمَارِ حتى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا فإذا كان الْحَائِطُ لِلرَّجُلِ وَطَلَعَتْ الثُّرَيَّا وَاشْتَدَّتْ النَّوَاةُ وَاحْمَرَّ بَعْضُهُ أو اصْفَرَّ حَلَّ بَيْعُهُ على أَنْ يُتْرَكَ إلَى أَنْ يُجَدَّ وإذا لم يَظْهَرْ ذلك في الْحَائِطِ لم يَحِلَّ بَيْعُهُ وَإِنْ ظَهَرَ ذلك فِيمَا حَوْلَهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ ما حَوْلَهُ وَهَذَا إذَا كان الْحَائِطُ نَخْلًا كُلُّهُ ولم يَخْتَلِفْ النَّخْلُ فَأَمَّا إذَا كان نَخْلًا وَعِنَبًا أو نَخْلًا وَغَيْرَهُ من الثَّمَرِ فَبَدَا صَلَاحُ صِنْفٍ منه فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ الصِّنْفُ الْآخَرُ الذي لم يَبْدُ صَلَاحُهُ وَلَا يَجُوزُ شِرَاءُ ما كان الْمُشْتَرَى منه تَحْتَ الْأَرْضِ مِثْلُ الْجَزَرِ وَالْبَصَلِ وَالْفُجْلِ وما أَشْبَهَ ذلك وَيَجُوزُ شِرَاءُ ما ظَهَرَ من وَرَقِهِ لِأَنَّ الْمَغِيبَ منه يَقِلُّ وَيَكْثُرُ وَيَكُونُ وَلَا يَكُونُ وَيَصْغُرُ وَيَكْبُرُ وَلَيْسَ بِعَيْنٍ تُرَى فَيَجُوزُ شِرَاؤُهَا وَلَا مَضْمُونٍ بِصِفَةٍ فَيَجُوزُ شِرَاؤُهُ وَلَا عَيْنٍ غَائِبَةٍ فإذا ظَهَرَتْ لِصَاحِبِهَا كان له الْخِيَارُ وَلَا أَعْلَمُ الْبَيْعَ يَخْرُجُ من وَاحِدَةٍ من هذه الثَّلَاثِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان في بَيْعِ الزَّرْعِ قَائِمًا خَبَرٌ يَثْبُتُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ أَجَازَهُ في حَالٍ دُونَ حَالٍ فَهُوَ جَائِزٌ في الْحَالِ التي أَجَازَهُ فيها وَغَيْرُ جَائِزٍ في الْحَالِ التي تُخَالِفُهُ وَإِنْ لم يَكُنْ فيه خَبَرُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ على حَالٍ لِأَنَّهُ مَغِيبٌ يَقِلُّ وَيَكْثُرُ وَيَفْسُدُ وَيَصْلُحُ كما لَا يَجُوزُ بَيْعُ حِنْطَةٍ في جِرَابٍ وَلَا غِرَارَةٍ وَهُمَا كَانَا أَوْلَى أَنْ يَجُوزَا منه وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْقَصِيلِ إلَّا على أَنْ يُقْطَعَ مَكَانَهُ إذَا كان الْقَصِيلُ مِمَّا يُسْتَخْلَفُ وَإِنْ تَرَكَهُ انْتَقَضَ فيه الْبَيْعُ لِأَنَّهُ يَحْدُثُ منه ما ليس في الْبَيْعِ وَإِنْ كان الْقَصِيلُ مِمَّا لَا يَسْتَخْلِفُ وَلَا يَزِيدُ لم يَجُزْ أَيْضًا بَيْعُهُ إلَّا على أَنْ يَقْطَعَهُ مَكَانَهُ فَإِنْ قَطَعَهُ أو نَتَفَهُ فَذَلِكَ له وَإِنْ لم يَنْتِفْهُ فَعَلَيْهِ قَطْعُهُ إنْ شَاءَ رَبُّ الْأَرْضِ وَالثَّمَرَةِ له لِأَنَّهُ اشْتَرَى أَصْلَهُ وَمَتَى ما شَاءَ رَبُّ الْأَرْضِ أَنْ يُقْلِعَهُ عنه قَلَعَهُ وَإِنْ تَرَكَهُ رَبُّ الْأَرْضِ حتى تَطِيبَ الثمرة ( ( ( الثمر ) ) ) فَلَا بَأْسَ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ من الثَّمَرَةِ شَيْءٌ ( قال ) وإذا ظَهَرَ الْقُرْطُ أو الْحَبُّ فَاشْتَرَاهُ على أَنْ يَقْطَعَهُ مَكَانَهُ فَلَا بَأْسَ وإذا اشْتَرَطَ أَنْ يَتْرُكَهُ فَلَا خَيْرَ فيه وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ ثَمَرَةً لم يَبْدُ صَلَاحُهَا على أَنْ يَقْطَعَهَا فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَعَلَيْهِ أَنْ يَقْطَعَهَا مَتَى شَاءَ رَبُّ النَّخْلِ وَإِنْ تَرَكَهُ رَبُّ النَّخْلِ مُتَطَوِّعًا فَلَا بَأْسَ وَالثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي وَمَتَى أَخَذَهُ بِقَطْعِهَا قَطَعَهَا فَإِنْ اشْتَرَاهَا على أَنْ يَتْرُكَهُ إلَى أَنْ يَبْلُغَ فَلَا خَيْرَ في الشِّرَاءِ فَإِنْ قَطَعَ منها شيئا فَكَانَ له مِثْلُ رَدِّ مِثْلِهِ وَلَا أَعْلَمُ له مِثْلًا وإذا لم يَكُنْ له مِثْلٌ رَدَّ قِيمَتَهُ وَالْبَيْعُ مُنْتَقَضٌ وَلَا خَيْرَ في شِرَاءِ التَّمْرِ إلَّا بِنَقْدٍ أو إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَالْأَجَلُ الْمَعْلُومُ يَوْمٌ بِعَيْنِهِ من شَهْرٍ بِعَيْنِهِ أو هِلَالِ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَى الْعَطَاءِ وَلَا إلَى الْحَصَادِ وَلَا إلَى الْجِدَادِ لِأَنَّ ذلك يَتَقَدَّمُ وَيَتَأَخَّرُ وَإِنَّمَا قال اللَّهُ تَعَالَى { إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } وقال عز وجل { يَسْأَلُونَك عن الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ } فَلَا تَوْقِيتَ إلَّا بِالْأَهِلَّةِ أو سِنِي الْأَهِلَّةِ ( قال ) وَلَا خَيْرَ في بَيْعِ قَصِيلِ الزَّرْعِ كان حَبًّا أو قَصِيلًا على أَنْ يُتْرَكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ في ذلك خَبَرٌ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَإِنْ لم يَكُنْ فيه خَبَرٌ فَلَا خَيْرَ فيه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ اشْتَرَى نَخْلًا فيها ثَمَرٌ قد أُبِّرَتْ فَالثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ فَإِنْ اشْتَرَطَهَا الْمُبْتَاعُ فَجَائِزٌ من قِبَلِ أنها في نَخْلِهِ وَإِنْ كانت لم تُؤَبَّرْ فَهِيَ لِلْمُبْتَاعِ وَإِنْ اشْتَرَطَهَا الْبَائِعُ فَذَلِكَ جَائِزٌ لِأَنَّ صَاحِبَ النَّخْلِ تَرَكَ له كَيْنُونَةَ الثَّمَرَةِ في نَخْلِهِ حين بَاعَهُ إيَّاهَا إذَا كان اسْتَثْنَى على أَنْ يَقْطَعَهَا فَإِنْ اسْتَثْنَى على أَنْ يُقِرَّهَا فَلَا خَيْرَ في الْبَيْعِ لِأَنَّهُ بَاعَهُ ثَمَرَةً لم يَبْدُ صَلَاحُهَا على أَنْ تَكُونَ مُقَرَّةً إلَى وَقْتٍ قد تَأْتِي عليها الْآفَةُ قَبْلَهُ وَلَوْ اسْتَثْنَى بَعْضَهَا لم يَجُزْ إلَّا أَنْ يَكُونَ النصف ( ( ( للنصف ) ) ) مَعْلُومًا فَيَسْتَثْنِيَهُ على أَنْ يَقْطَعَهُ ثُمَّ إنْ تَرَكَهُ بَعْدُ لم يَحْرُمْ عليه والإستثناء مِثْلُ الْبَيْعِ يَجُوزُ فيه ما يَجُوزُ في الْبَيْعِ وَيَفْسُدُ فيه ما يَفْسُدُ فيه ( قال ) وإذا أُبِّرَ من النَّخْلِ وَاحِدَةٌ فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ وَإِنْ لم يُؤَبَّرْ منها شَيْءٌ فَثَمَرُهَا لِلْمُبْتَاعِ كما إذَا طَابَ من
____________________

(3/83)


النَّخْلِ وَاحِدَةٌ يَحِلُّ بَيْعُهُ وَإِنْ لم يَطِبْ الْبَاقِي منه فَإِنْ لم يَطِبْ منه شَيْءٌ لم يَحِلَّ بَيْعُهُ وَلَا شَيْءَ مِثْلُ ثَمَرِ النَّخْلِ أَعْرِفُهُ إلَّا الْكُرْسُفَ فإنه يَخْرُجُ في أَكْمَامِهِ كما يَخْرُجُ الطَّلْعُ في أَكْمَامِهِ ثُمَّ يَنْشَقُّ فإذا انْشَقَّ منه شَيْءٌ فَهُوَ كَالنَّخْلِ يُؤَبَّرُ وإذا انْشَقَّ النَّخْلُ ولم يُؤَبَّرْ فَهِيَ كَالْإِبَارِ لِأَنَّهُمْ يُبَادِرُونَ بِهِ إبَارَتَهُ إنَّمَا يُؤَبَّرُ سَاعَةَ يَنْشَقُّ والا فَسَدَ فَإِنْ كان من الثَّمَرِ شَيْءٌ يَطْلُعُ في أَكْمَامِهِ ثُمَّ يَنْشَقُّ فَيَصِيرُ في إنشقاقه فَهُوَ كَالْإِبَارِ في النَّخْلِ وما كان من الثَّمَرِ يَطْلُعُ كما هو لاكمام عليه أو يَطْلُعُ عليه كِمَامٌ ثُمَّ لَا يَسْقُطُ كِمَامُهُ فَطُلُوعُهُ كَإِبَارِ النَّخْلِ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فإذا بَاعَهُ رَجُلٌ وهو كَذَلِكَ فَالثَّمَرَةُ له إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ وَمَنْ بَاعَ أَرْضًا فيها زَرْعٌ تَحْتَ الْأَرْضِ أو فَوْقَهَا بَلَغَ أو لم يَبْلُغْ فَالزَّرْعُ لِلْبَائِعِ وَالزَّرْعُ غَيْرُ الْأَرْضِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ بَاعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ فَاسْتَثْنَى منه مَكِيلَةً قَلَّتْ أو كَثُرَتْ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ لِأَنَّ الْمَكِيلَةَ قد تَكُونُ نِصْفًا أو ثُلُثًا أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ فَيَكُونُ الْمُشْتَرِي لم يَشْتَرِ شيئا يَعْرِفُهُ وَلَا الْبَائِعُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يستثنى من جُزَافٍ بَاعَهُ شيئا إلَّا ما لَا يُدْخِلُهُ في الْبَيْعِ وَذَلِكَ مِثْلُ نَخَلَاتٍ يُسْتَثْنَيْنَ بِأَعْيَانِهِنَّ فَيَكُونُ بَاعَهُ ما سِوَاهُنَّ أو ثُلُثٌ أو رُبْعٌ أو سَهْمٌ من أَسْهُمِ جُزَافٍ فَيَكُونُ ما لم يُسْتَثْنَ دَاخِلًا في الْبَيْعِ وما استثنى خَارِجًا منه فَأَمَّا أَنْ يَبِيعَهُ جُزَافًا لَا يَدْرِي كَمْ هو ويستثنى منه كَيْلًا مَعْلُومًا فَلَا خَيْرَ فيه لِأَنَّ الْبَائِعَ حِينَئِذٍ لَا يَدْرِي ما بَاعَ وَالْمُشْتَرِي لَا يَدْرِي ما اشْتَرَى وَمِنْ هذا أَنْ يَبِيعَهُ الْحَائِطَ فيستثنى منه نَخْلَةً أو أَكْثَرَ لَا يُسَمِّيهَا بِعَيْنِهَا فَيَكُونُ الْخِيَارُ في اسْتِثْنَائِهَا إلَيْهِ فَلَا خَيْرَ فيه لِأَنَّ لها حَظًّا من الْحَائِطِ لَا يَدْرِي كَمْ هو وَهَكَذَا الْجُزَافُ كُلُّهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَجُوزُ لِرَجُلٍ أَنْ يَبِيعَ رَجُلًا شيئا ثُمَّ يَسْتَثْنِيَ منه شيئا لِنَفْسِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ما اسْتَثْنَى منه خَارِجًا من الْبَيْعِ لم يَقَعْ عليه صَفْقَةُ الْبَيْعِ كما وَصَفْت وَإِنْ بَاعَهُ ثَمَرَ حَائِطٍ على أَنَّ له ما سَقَطَ من النَّخْلِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ من قِبَلِ أَنَّ الذي يَسْقُطُ منها قد يَقِلُّ وَيَكْثُرُ أَرَأَيْت لو سَقَطَتْ كُلُّهَا أَتَكُونُ له فَأَيُّ شَيْءٍ بَاعَهُ إنْ كانت له أو رَأَيْت لو سَقَطَ نِصْفُهَا أَيَكُونُ له النِّصْفُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَّا كما وَصَفْت ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ بَاعَ ثَمَرَ حَائِطِ من رَجُلٍ وَقَبَضَهُ منه وَتَفَرَّقَا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ كُلَّهُ أو بَعْضَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اكْتَرَى الرَّجُلُ الدَّارَ وَفِيهَا نَخْلٌ قد طَابَ ثَمَرُهُ على أَنَّ له الثَّمَرَةَ فَلَا يَجُوزُ من قِبَلِ أَنَّهُ كِرَاءٌ وَبَيْعٌ وقد يَنْفَسِخُ الْكِرَاءُ بِانْهِدَامِ الدَّارِ وَيَبْقَى ثَمَرُ الشَّجَرِ الذي اشْتَرَى فَيَكُونُ بِغَيْرِ حِصَّةٍ من الثَّمَنِ مَعْلُومًا وَالْبُيُوعُ لَا تَجُوزُ إلَّا مَعْلُومَةَ الْأَثْمَانِ فَإِنْ قال قد يَشْتَرِي الْعَبْدَ وَالْعَبْدَيْنِ وَالدَّارَ وَالدَّارَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً قِيلَ نعم فإذا انْتَقَضَ الْبَيْعُ في أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ الْمُشْتَرَيَيْنِ انْتَقَضَ في الْكُلِّ وهو مَمْلُوكُ الرِّقَابِ كُلِّهِ وَالْكِرَاءُ ليس بِمَمْلُوكِ الرَّقَبَةِ إنَّمَا هو مَمْلُوكُ الْمَنْفَعَةِ وَالْمَنْفَعَةُ لَيْسَتْ بِعَيْنٍ قَائِمَةٍ فإذا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ ثَمَرًا وَيَكْتَرِيَ دَارًا تَكَارَى الدَّارَ على حِدَةٍ وَاشْتَرَى الثَّمَرَةَ على حِدَةٍ ثُمَّ حَلَّ في شِرَاءِ الثَّمَرَةِ ما يَحِلُّ في شِرَاءِ الثَّمَرَةِ بِغَيْرِ كِرَاءٍ وَيَحْرُمُ فيه ما يَحْرُمُ فيه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْحَائِطَيْنِ أَحَدُهُمَا بِصَاحِبِهِ اسْتَوَيَا أو اخْتَلَفَا إذَا لم يَكُنْ فِيهِمَا ثَمَرٌ فَإِنْ كان فِيهِمَا ثمر ( ( ( تمر ) ) ) فَكَانَ الثمر ( ( ( التمر ) ) ) مُخْتَلِفًا فَلَا بَأْسَ بِهِ إذَا كان الثَّمَرُ قد طَابَ أو لم يَطِبْ وَإِنْ كان ثَمَرُهُ وَاحِدًا فَلَا خَيْرَ فيه ( قال الرَّبِيعُ ) إذَا بِعْتُك حَائِطًا بِحَائِطٍ وَفِيهِمَا جميعا ثَمَرٌ فَإِنْ كان الثَّمَرَانِ مُخْتَلِفَيْنِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ كَرْمٌ فيه عِنَبٌ أو زَبِيبٌ بِحَائِطِ نَخْلٍ فيه بُسْرٌ أو رُطَبٌ بِعْتُك الْحَائِطَ بِالْحَائِطِ على أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَائِطًا بِمَا فيه فإن الْبَيْعَ جَائِزٌ وَإِنْ كان الْحَائِطَانِ مُسْتَوِيَيْ الثَّمَرِ مِثْلُ النَّخْلِ وَنَخْلٌ فِيهِمَا الثَّمَرُ فَلَا يَجُوزُ من قِبَلِ أَنِّي بِعْتُك حَائِطًا وَثَمَرًا بِحَائِطٍ وَثَمَرٍ
____________________

(3/84)


وَالثَّمَرُ بِالثَّمَرِ لَا يَجُوزُ ( قال الرَّبِيعُ ) مَعْنَى الْقَصِيلِ عِنْدِي الذي ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ إذَا كان قد سَنْبَلَ فَأَمَّا إذَا لم يُسَنْبِلْ وكان بَقْلًا فَاشْتَرَاهُ على أَنْ يَقْطَعَهُ فَلَا بَأْسَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) عَامَلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَهْلَ خَيْبَرَ على الشَّطْرِ وَخَرَصَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ بن رَوَاحَةَ وَخَرَصَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم تَمْرَ الْمَدِينَةِ وامر بِخَرْصِ أَعْنَابِ أَهْلِ الطَّائِفِ فَأَخَذَ الْعُشْرَ منهم بِالْخَرْصِ وَالنِّصْفَ من أَهْلِ خَيْبَرَ بِالْخَرْصِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُقْسَمَ ثَمَرُ الْعِنَبِ وَالنَّخْلِ بِالْخَرْصِ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُقْسَمَ ثَمَرُ غَيْرِهِمَا بِالْخَرْصِ لِأَنَّهُمَا الْمَوْضِعَانِ اللَّذَانِ أَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالْخَرْصِ فِيهِمَا ولم نَعْلَمْهُ أَمَرَ بِالْخَرْصِ في غَيْرِهِمَا وَأَنَّهُمَا مُخَالِفَانِ لِمَا سِوَاهُمَا من الثَّمَرِ بِاسْتِجْمَاعِهِمَا وَأَنَّهُ لَا حَائِلَ دُونَهُمَا من وَرَقٍ وَلَا غَيْرِهِ وَأَنَّ مَعْرِفَةَ خَرْصِهِمَا تَكَادُ أَنْ تَكُونَ بَائِنَةً وَلَا تخطيء ( ( ( تخطئ ) ) ) وَلَا يُقْسَمُ شَجَرٌ غَيْرُهُمَا بِخَرْصٍ وَلَا ثَمَرُهُ بعد ما يُزَايِلُ شَجَرَهُ بِخَرْصٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان بين الْقَوْمِ الْحَائِطُ فيه الثَّمَرُ لم يَبْدُ صَلَاحُهُ فَأَرَادُوا اقْتِسَامَهُ فَلَا يَجُوزُ قَسْمُهُ بِالثَّمَرَةِ بِحَالٍ وَكَذَلِكَ إذَا بَدَا صَلَاحُهَا لم يَجُزْ قَسْمُهُ من قِبَلِ أَنَّ لِلنَّخْلِ وَالْأَرْضِ حِصَّةً من الثَّمَنِ وَلِلثَّمَرَةِ حِصَّةً من الثَّمَنِ فَتَقَعُ الثَّمَرَةُ بِالثَّمَرَةِ مَجْهُولَةً لَا بِخَرْصٍ وَلَا بَيْعٍ وَلَا يَجُوزُ قَسْمُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَا يَقْتَسِمَانِ الْأَصْلَ وَتَكُونُ الثَّمَرَةُ بَيْنَهُمَا مُشَاعَةً إنْ كانت لم تَبْلُغْ أو كانت قد بَلَغَتْ غير أنها إذَا بَلَغَتْ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْتَسِمَاهَا بِالْخَرْصِ قَسْمًا مُنْفَرِدًا وَإِنْ أَرَادَا أَنْ يَكُونَا يَقْتَسِمَانِ الثَّمَرَةَ مع النَّخْلِ اقْتَسَمَاهَا بِبَيْعٍ من الْبُيُوعِ فَقَوَّمَا كُلَّ سَهْمٍ بِأَرْضِهِ وَشَجَرِهِ وَثَمَرِهِ ثُمَّ أَخَذَا بهذا الْبَيْعِ لَا بِقُرْعَةٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اخْتَلَفَ فَكَانَ نَخْلًا وَكَرْمًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُقْسَمَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ وَفِيهِمَا ثَمَرَةٌ لِأَنَّهُ ليس في تَفَاضُلِ الثَّمَرَةِ بِالثَّمَرَةِ تُخَالِفُهَا رِبًا في يَدٍ بِيَدٍ وما جَازَ في الْقَسْمِ على الضَّرُورَةِ جَازَ في غَيْرِهَا وما لم يَجُزْ في الضَّرُورَةِ لم يَجُزْ في غَيْرِهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَصْلُحُ السَّلَمُ في ثَمَرِ حَائِطٍ بِعَيْنِهِ لِأَنَّهُ قد ينفد ( ( ( ينفذ ) ) ) ويخطيء ( ( ( ويخطئ ) ) ) وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ في الرُّطَبِ من الثَّمَرِ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ في وَقْتِ تَطِيب الثَّمَرَةِ فإذا قَبَضَ بَعْضَهُ وَنَفِدَتْ الثَّمَرَةُ الْمَوْصُوفَةُ قبل قَبْضِ الْبَاقِي منها كان لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَ رَأْسَ مَالِهِ كُلَّهُ وَيَرُدَّ عليه مِثْلَ قِيمَةِ ما أُخِذَ منه وَقِيلَ يُحْسَبُ عليه ما أُخِذَ بِحِصَّتِهِ من الثَّمَنِ فَكَانَ كَرَجُلٍ اشْتَرَى مِائَةَ إرْدَبٍّ فَأَخَذَ منها خَمْسِينَ وَهَلَكَتْ خَمْسُونَ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْخَمْسِينَ وَلَهُ الْخِيَارُ في أَنْ يَأْخُذَ الْخَمْسِينَ بِحِصَّتِهِ من الثَّمَنِ وَيَرْجِعَ بِمَا بَقِيَ من رَأْسِ مَالِهِ وَلَهُ الْخِيَارُ في أَنْ يُؤَخِّرَهُ حتى يَقْبِضَ منه رُطَبًا في قَابِلٍ بِمِثْلِ صِفَةِ الرُّطَبِ الذي بَقِيَ له وَمَكِيلَتِهِ كما يَكُونُ له الْحَقُّ من الطَّعَامِ في وَقْتٍ لَا يَجِدُهُ فيه فَيَأْخُذُهُ بَعْدَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا خَيْرَ في الرَّجُلِ يَشْتَرِي من الرَّجُلِ له الْحَائِطُ النَّخْلَةَ أو النَّخْلَتَيْنِ أو أَكْثَرَ أو أَقَلَّ على أَنْ يَسْتَجْنِيَهَا مَتَى شَاءَ على أَنَّ كُلَّ صَاعٍ بِدِينَارٍ لِأَنَّ هذا لَا بَيْعَ جُزَافٍ فَيَكُونُ من مُشْتَرِيهِ إذَا قَبَضَهُ وَلَا بَيْعَ كَيْلٍ يَقْبِضُهُ صَاحِبُهُ مَكَانَهُ وقد يُؤَخِّرُهُ فَيَضْمَنُ إذَا قَرُبَ أَنْ يُثْمِرَ وهو فَاسِدٌ من جَمِيعِ جِهَاتِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا خَيْرَ في أَنْ يَشْتَرِيَ شيئا يَسْتَجْنِيهِ بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ نَخْلَةً بِعَيْنِهَا أو نَخَلَاتٍ بِأَعْيَانِهِنَّ وَيَقْبِضُهُنَّ فَيَكُونُ ضَمَانُهُنَّ منه وَيَسْتَجِدُّهُنَّ كَيْفَ شَاءَ وَيَقْطَعُ ثِمَارَهَا مَتَى شَاءَ أو يَشْتَرِيهِنَّ وَتُقْطَعْنَ له مَكَانَهُ فَلَا خَيْرَ في شِرَاءٍ إلَّا شِرَاءَ عَيْنٍ تُقْبَضُ إذَا اُشْتُرِيَتْ لَا حَائِلَ دُونَ قَابِضِهَا أو صِفَةً مَضْمُونَةً على صَاحِبِهَا وَسَوَاءٌ في ذلك الْأَجَلُ الْقَرِيبُ وَالْحَالُّ البعيد ( ( ( والبعيد ) ) ) لَا اخْتِلَافَ بين ذلك وَلَا خَيْرَ في الشِّرَاءِ إلَّا بِسِعْرٍ مَعْلُومٍ سَاعَةَ يَعْقِدَانِ الْبَيْعَ وإذا أَسْلَفَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ في رُطَبٍ أو تَمْرٍ أو ما شَاءَ فَكُلُّهُ سَوَاءٌ فَإِنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ رَأْسِ مَالِهِ وَنِصْفَ سَلَفِهِ فَلَا بَأْسَ إذَا كان له أَنْ يُقِيلَهُ من السَّلَفِ كُلِّهِ وَيَأْخُذَ منه السَّلَفَ كُلَّهُ فَلِمَ لَا يَكُونُ له أَنْ يَأْخُذَ النِّصْفَ من سَلَفِهِ وَالنِّصْفَ من رَأْسِ مَالِهِ فَإِنْ قالوا كَرِهَ ذلك بن عُمَرَ فَقَدْ أَجَازَهُ بن عَبَّاسٍ وهو جَائِزٌ في الْقِيَاسِ وَلَا يَكُونُ له أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ سَلَفِهِ وَيَشْتَرِيَ منه بِمَا بَقِيَ طَعَامًا وَلَا غَيْرَهُ لأن ( ( ( لأنه ) ) ) له عليه طَعَامًا وَذَلِكَ بَيْعُ الطَّعَامِ قبل أَنْ يُقْبَضَ وَلَكِنْ يُفَاسِخُهُ الْبَيْعَ حتى يَكُونَ له عليه
____________________

(3/85)


دَنَانِيرُ حَالَّةً وإذا سَلَّفَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ في رُطَبٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ فَنَفِدَ الرُّطَبُ قبل أَنْ يَقْبِضَ هذا حَقَّهُ بِتَوَانٍ أو تَرْكٍ من الْمُشْتَرِي أو الْبَائِعِ أو هَرَبَ من الْبَائِعِ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ بين أَنْ يَأْخُذَ رَأْسَ مَالِهِ لِأَنَّهُ مَعُوزٌ بِمَالِهِ في كل حَالٍ لَا يَقْدِرُ عليه وَبَيْنَ أَنْ يُؤَخِّرَهُ إلَى أَنْ يُمْكِنَ الرُّطَبُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ فَيَأْخُذُهُ بِهِ وَجَائِزٌ أَنْ يُسَلَّفَ في ثَمَرِ رُطَبٍ في غَيْرِ أَوَانِهِ إذَا اشْتَرَطَ أَنْ يَقْبِضَهُ في زَمَانِهِ وَلَا خَيْرَ أَنْ يُسَلَّفَ في شَيْءٍ إلَّا في شَيْءٍ مَأْمُونٍ لَا يَعُوزُ في الْحَالِ التي اشْتَرَطَ قَبْضَهُ فيها فَإِنْ سَلَّفَهُ في شَيْءٍ يَكُونُ في حَالٍّ وَلَا يَكُونُ لم أُجِزْ فيه السَّلَفَ وكان كَمَنْ سَلَّفَ في حَائِطٍ بِعَيْنِهِ وَأَرْضٍ بِعَيْنِهَا فَالسَّلَفُ في ذلك مَفْسُوخٌ وَإِنْ قَبَضَ سَلَفَهُ رَدَّ عليه ما قَبَضَ منه وَأَخَذَ رَأْسَ مَالِهِ
____________________

(3/86)


- * بَابُ الشَّهَادَةِ في الْبُيُوعِ - * قال اللَّهُ تَعَالَى { وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَاحْتَمَلَ أَمْرُ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ بِالْإِشْهَادِ عِنْدَ الْبَيْعِ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ الدَّلَالَةُ على ما فيه الْحَظُّ بِالشَّهَادَةِ وَمُبَاحٌ تَرْكُهَا لَا حَتْمًا يَكُونُ من تَرَكَهُ عَاصِيًا بِتَرْكِهِ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ حَتْمًا منه يعصى من تَرَكَهُ بِتَرْكِهِ وَاَلَّذِي أَخْتَارُ أَنْ لَا يَدَعَ الْمُتَبَايِعَانِ الْإِشْهَادَ وَذَلِكَ أَنَّهُمَا إذَا أَشْهَدَا لم يَبْقَ في أَنْفُسِهِمَا شَيْءٌ لِأَنَّ ذلك إنْ كان حَتْمًا فَقَدْ أَدَّيَاهُ وَإِنْ كان دَلَالَةً فَقَدْ أَخَذَا بِالْحَظِّ فيها وَكُلُّ ما نَدَبَ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ من فَرْضٍ أو دَلَالَةٍ فَهُوَ بَرَكَةٌ على من فَعَلَهُ إلا تَرَى أَنَّ الْإِشْهَادَ في الْبَيْعِ إنْ كان فيه دَلَالَةٌ كان فيه أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ أو أَحَدَهُمَا إنْ أَرَادَ ظُلْمًا
____________________

(3/87)


قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عليه فَيُمْنَعُ من الظُّلْمِ الذي يَأْثَمُ بِهِ وَإِنْ كان تَارِكًا لَا يُمْنَعُ منه وَلَوْ نَسِيَ أو وَهِمَ فَجَحَدَ مُنِعَ من الْمَأْثَمِ على ذلك بِالْبَيِّنَةِ وَكَذَلِكَ وَرَثَتُهُمَا بَعْدَهُمَا أو لَا تَرَى أَنَّهُمَا أو أَحَدَهُمَا لو وَكَّلَ وَكِيلًا أَنْ يَبِيعَ فَبَاعَ هذا رَجُلًا وَبَاعَ وَكِيلُهُ آخَرَ ولم يُعْرَفْ أَيُّ الْبَيْعَيْنِ أَوَّلُ لم يُعْطَ الْأَوَّلُ من الْمُشْتَرِيَيْنِ بِقَوْلِ الْبَائِعِ وَلَوْ كانت بَيِّنَةٌ فَأُثْبِتَتْ أَيُّهُمَا أَوَّلُ أعطى الْأَوَّلُ فَالشَّهَادَةُ سَبَبُ قَطْعِ التَّظَالُمِ وَتُثْبِتُ الْحُقُوقَ وَكُلُّ أَمْرِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ ثُمَّ أَمْرِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْخَيْرُ الذي لَا يُعْتَاضُ منه من تَرَكَهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَأَيُّ الْمَعْنَيَيْنِ أَوْلَى بِالْآيَةِ الْحَتْمُ بِالشَّهَادَةِ أَمْ الدَّلَالَةُ فإن الذي يُشْبِهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَإِيَّاهُ أَسْأَلُ التَّوْفِيقَ أَنْ يَكُونَ دَلَالَةً لَا حَتْمًا يحرج ( ( ( يخرج ) ) ) من تَرَكَ الْإِشْهَادَ فَإِنْ قال ما دَلَّ على ما وَصَفْت قِيلَ قال اللَّهُ عز وجل { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } فذكر أَنَّ الْبَيْعَ حَلَالٌ ولم يذكر معه بَيِّنَةً وقال عز وجل في آيَةِ الدَّيْنِ { إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ } وَالدَّيْنُ تَبَايُعٌ وقد أَمَرَ فيه بِالْإِشْهَادِ فَبَيَّنَ الْمَعْنَى الذي أَمَرَ له بِهِ فَدَلَّ ما بَيَّنَ اللَّهُ عز وجل في الدَّيْنِ على أَنَّ اللَّهَ عز وجل إنَّمَا أَمَرَ بِهِ على النَّظَرِ والإحتياط لَا على الْحَتْمِ قُلْت قال اللَّهُ تَعَالَى { إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ } ثُمَّ قال في سِيَاقِ الْآيَةِ { وَإِنْ كُنْتُمْ على سَفَرٍ ولم تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الذي اؤتمن ( ( ( ائتمن ) ) ) أَمَانَتَهُ } فلما أَمَرَ إذَا لم يَجِدُوا كَاتِبًا بِالرَّهْنِ ثُمَّ أَبَاحَ تَرْكَ الرَّهْنِ وقال { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا } دَلَّ على أَنَّ الْأَمْرَ الْأَوَّلَ دَلَالَةٌ على الحظ ( ( ( الحض ) ) ) لَا فَرْضٌ منه يعصى من تَرَكَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وقد حُفِظَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ بَايَعَ أَعْرَابِيًّا في فَرَسٍ فَجَحَدَ الْأَعْرَابِيُّ بِأَمْرِ بَعْضِ الْمُنَافِقِينَ ولم يَكُنْ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ فَلَوْ كان حَتْمًا لم يُبَايِعْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِلَا بَيِّنَةٍ وقد حُفِظَتْ عن عِدَّةٍ لَقِيتهمْ مِثْلَ مَعْنَى قَوْلِي من أَنَّهُ لَا يعصى من تَرَكَ الْإِشْهَادَ وَأَنَّ الْبَيْعَ لَازِمٌ إذَا تَصَادَقَا لَا يُنْقِضُهُ أَنْ لَا تَكُونَ بَيِّنَةٌ كما يُنْقَضُ النِّكَاحُ لِاخْتِلَافِ حُكْمِهِمَا
____________________

(3/88)


- * بَابُ السَّلَفِ وَالْمُرَادُ بِهِ السَّلَمُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ قال اللَّهُ تَعَالَى { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ } إلَى قَوْلِهِ { وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ } قال الشَّافِعِيُّ فلما أَمَرَ اللَّهُ عز وجل بِالْكِتَابِ ثُمَّ رَخَّصَ في الْإِشْهَادِ إنْ كَانُوا على سَفَرٍ ولم يَجِدُوا كَاتِبًا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ فَرْضًا وَأَنْ يَكُونَ دَلَالَةً فلما قال اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ } وَالرَّهْنُ غَيْرُ الْكِتَابِ وَالشَّهَادَةِ ثُمَّ قال { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الذي اُؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ } دَلَّ كِتَابُ اللَّهِ عز وجل على أَنَّ أَمْرَهُ بِالْكِتَابِ ثُمَّ الشُّهُودِ ثُمَّ الرَّهْنِ إرشادا ( ( ( إرشاد ) ) ) لَا فرضا ( ( ( فرض ) ) ) عليهم لِأَنَّ قَوْلَهُ { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الذي اُؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ }
____________________

(3/89)


إبَاحَةٌ لَأَنْ يَأْمَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَيَدَعُ الْكِتَابَ وَالشُّهُودَ وَالرَّهْنَ ( قال ) وَأُحِبُّ الْكِتَابَ وَالشُّهُودَ لِأَنَّهُ إرْشَادٌ من اللَّهِ وَنَظَرٌ لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَذَلِكَ أَنَّهُمَا إنْ كَانَا أَمِينَيْنِ فَقَدْ يَمُوتَانِ أو أَحَدُهُمَا فَلَا يُعْرَفُ حَقُّ الْبَائِعِ على الْمُشْتَرِي فَيَتْلَفُ على الْبَائِعِ أو وَرَثَتِهِ حَقُّهُ وَتَكُونُ التَّبَاعَةُ على الْمُشْتَرِي في أَمْرٍ لم يُرِدْهُ وقد يَتَغَيَّرُ عَقْلُ الْمُشْتَرِي فَيَكُونُ هذا وَالْبَائِعُ وقد يَغْلَطُ الْمُشْتَرِي فَلَا يُقِرُّ فَيَدْخُلُ في الظُّلْمِ من حَيْثُ لَا يَعْلَمُ وَيُصِيبُ ذلك الْبَائِعُ فيدعى ما ليس له فَيَكُونُ الْكِتَابُ وَالشَّهَادَةُ قَاطِعًا هذا عنهما وَعَنْ وَرَثَتِهِمَا ولم يَكُنْ يَدْخُلُهُ ما وَصَفْت انْبَغَى لِأَهْلِ
____________________

(3/90)


دِينِ اللَّهِ اخْتِيَارُ ما نَدَبَهُمْ اللَّهُ إلَيْهِ إرْشَادًا وَمَنْ تَرَكَهُ فَقَدْ تَرَكَ حَزْمًا وَأَمْرًا لم أُحِبَّ تَرْكَهُ من غَيْرِ أَنْ أَزْعُمَ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ عليه بِمَا وَصَفْتُ من الْآيَةِ بَعْدَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ عز وجل { وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كما عَلَّمَهُ اللَّهُ } يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَتْمًا على من دعى لِلْكِتَابِ فَإِنْ تَرَكَهُ تَارِكٌ كان عَاصِيًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كما وَصَفْنَا في كِتَابِ جِمَاعِ الْعِلْمِ على من حَضَرَ من الْكُتَّابِ أَنْ لَا يُعَطِّلُوا كِتَابَ حَقٍّ بين رَجُلَيْنِ فإذا قام بِهِ وَاحِدٌ أَجْزَأَ عَنْهُمْ كما حَقَّ عليهم أَنْ يُصَلُّوا على الْجَنَائِزِ وَيَدْفِنُوهَا فإذا قام بها من يَكْفِيهَا أَخْرَجَ ذلك من تَخَلَّفَ عنها من الْمَأْثَمِ وَلَوْ تَرَكَ
____________________

(3/91)


كُلُّ من حَضَرَ من الْكُتَّابِ خِفْت أَنْ يَأْثَمُوا بَلْ كَأَنِّي لَا أَرَاهُمْ يَخْرُجُونَ من المآثم وَأَيُّهُمْ قام بِهِ أَجْزَأَ عَنْهُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا أَشْبَهُ مَعَانِيهِ بِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقَوْلُ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ { وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذَا ما دُعُوا } يَحْتَمِلُ ما وَصَفْت من أَنْ لا يَأْبَى كُلُّ شَاهِدٍ اُبْتُدِئَ فَيُدْعَى لِيَشْهَدَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فَرْضًا على من حَضَرَ الْحَقَّ أَنْ يَشْهَدَ منهم من فيه الْكِفَايَةُ لِلشَّهَادَةِ فإذا شَهِدُوا أَخْرَجُوا غَيْرَهُمْ من الْمَأْثَمِ وَإِنْ تَرَكَ من حَضَرَ الشَّهَادَةَ خِفْت حَرَجَهُمْ بَلْ لَا أَشُكُّ فيه وَهَذَا أَشْبَهُ مَعَانِيهِ بِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قال فَأَمَّا من سَبَقَتْ شَهَادَتُهُ
____________________

(3/92)


بِأَنْ اشهد أو عَلِمَ حَقًّا لِمُسْلِمٍ أو مُعَاهَدٍ فَلَا يَسَعُهُ التَّخَلُّفُ عن تادية الشَّهَادَةِ مَتَى طُلِبَتْ منه في مَوْضِعِ مَقْطَعِ الْحَقِّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْقَوْلُ في كل دَيْنٍ سُلِّفَ أو غَيْرِهِ كما وَصَفْت وَأُحِبُّ الشَّهَادَةَ في كل حَقٍّ لَزِمَ من بَيْعٍ وَغَيْرِهِ نَظَرًا في الْمُتَعَقَّبِ لِمَا وَصَفْت وَغَيْرِهِ من تَغَيُّرِ الْعُقُولِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ } دَلَالَةٌ على تَثْبِيتِ الْحَجْرِ وهو مَوْضُوعٌ في كِتَابِ الْحَجْرِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى { إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } يَحْتَمِلُ كُلَّ دَيْنٍ وَيَحْتَمِلُ السَّلَفَ خَاصَّةً وقد ذَهَبَ فيه بن عَبَّاسٍ إلَى أَنَّهُ في السَّلَفِ ( أخبرنا ) الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن أَيُّوبَ عن قَتَادَةَ عن أبي حَسَّانَ الْأَعْرَجِ عن بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما قال أَشْهَدُ أَنَّ
____________________

(3/93)


السَّلَفَ الْمَضْمُونَ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قد أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى في كِتَابِهِ وَأَذِنَ فيه ثُمَّ قال { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } قال الشَّافِعِيُّ وَإِنْ كان كما قال بن عَبَّاسٍ في السَّلَفِ قُلْنَا بِهِ في كل دَيْنٍ قِيَاسًا عليه لِأَنَّهُ في مَعْنَاهُ وَالسَّلَفُ جَائِزٌ في سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْآثَارِ وما لَا يَخْتَلِفُ فيه أَهْلُ الْعِلْمِ عَلِمْته ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ عن بن أبي نَجِيحٍ عن عبد اللَّهِ بن كَثِيرٍ عن أبي الْمِنْهَالِ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَهُمْ يُسَلِّفُونَ في التَّمْرِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ وَرُبَّمَا قال السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ فقال من سَلَّفَ فَلْيُسَلِّفْ في كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ وَأَجَلٍ مَعْلُومٍ قال الشَّافِعِيُّ حُفِّظْته كما وَصَفْت من سُفْيَانَ مِرَارًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَخْبَرَنِي من أُصَدِّقُهُ عن سُفْيَانَ أَنَّهُ قال كما قُلْت وقال في الْأَجَلِ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ ( أخبرنا ) سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ سمع بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما يقول لَا نَرَى بِالسَّلَفِ بَأْسًا الْوَرِقُ في الْوَرِقِ نَقْدًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ أَنَّ بن عُمَرَ كان يُجِيزُهُ قال الشَّافِعِيُّ أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ أَنَّهُ كان يقول لَا بَأْسَ أَنْ يُسَلِّفَ الرَّجُلُ في طَعَامٍ مَوْصُوفٍ بِسِعْرٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بن عُلَيَّةَ عن أَيُّوبَ عن مُحَمَّدِ بن سِيرِينَ أَنَّهُ سُئِلَ عن الرَّهْنِ في السَّلَفِ فقال إذَا كان الْبَيْعُ حَلَالًا فإن الرَّهْنَ مِمَّا أُمِرَ بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ أَنَّهُ كان لَا يَرَى بَأْسًا بِالرَّهْنِ وَالْحَمِيلِ في السَّلَمِ وَغَيْرِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالسَّلَمُ السَّلَفُ وَبِذَلِكَ أَقُولُ لَا بَأْسَ فيه بِالرَّهْنِ وَالْحَمِيلِ لِأَنَّهُ بَيْعٌ من الْبُيُوعِ وقد أَمَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالرَّهْنِ فَأَقَلُّ أَمْرِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يَكُونَ إبَاحَةً له فَالسَّلَمُ بَيْعٌ من الْبُيُوعِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ كان لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يُسَلِّفَ الرَّجُلَ في شَيْءٍ يَأْخُذُ فيه رَهْنًا أو حَمِيلًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيَجْمَعُ الرَّهْنَ وَالْحَمِيلَ وَيَتَوَثَّقُ ما قُدِّرَ عليه حَقُّهُ ( أخبرنا ) سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن جَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ عن أبيه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَهَنَ دِرْعَهُ عِنْدَ أبي الشَّحْمِ الْيَهُودِيِّ رَجُلٌ من بَنِي ظَفَرٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا ابراهيم بن مُحَمَّدٍ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كان لَا يَرَى باسا أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ شيئا إلَى أَجَلٍ ليس عِنْدَهُ أَصْلُهُ ( قال ) أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن نَافِعٍ مولى بن عُمَرَ عن بن عُمَرَ مثله ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَفِي سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم دَلَائِلُ منها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَجَازَ أَنْ يُسَلِّفَ إذَا كان ما يُسَلِّفُ فيه كَيْلًا مَعْلُومًا وَيُحْتَمَلُ مَعْلُومُ الْكَيْلِ وَمَعْلُومُ الصِّفَةِ وقال وَوَزْنٌ مَعْلُومٌ وَأَجَلٌ مَعْلُومٌ أو إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ فَدَلَّ ذلك على أَنَّ قَوْلَهُ وَوَزْنٌ مَعْلُومٌ إذَا أَسْلَفَ في كَيْلٍ أَنْ يُسَلِّفَ في كَيْلٍ مَعْلُومٍ وإذا سَمَّى أَنْ يُسَمِّيَ أَجَلًا مَعْلُومًا وإذا سَلَّفَ في وَزْنٍ أَنْ يُسَلِّفَ في وَزْنٍ مَعْلُومٍ وإذا أَجَازَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم السَّلَفَ في التَّمْرِ السَّنَتَيْنِ بِكَيْلٍ وَوَزْنٍ وَأَجَلٍ مَعْلُومٍ كُلِّهِ وَالتَّمْرُ قد يَكُونُ رُطَبًا وقد أَجَازَ أَنْ يَكُونَ في الرُّطَبِ سَلَفًا مَضْمُونًا في غَيْرِ حِينِهِ الذي يَطِيبُ فيه لِأَنَّهُ إذَا سَلَّفَ سَنَتَيْنِ كان بَعْضُهَا في غَيْرِ حِينِهِ ( قال ) وَالسَّلَفُ قد يَكُونُ بَيْعَ ما ليس عِنْدَ الْبَائِعِ فلما نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حَكِيمًا عن بَيْعِ ما ليس عِنْدَهُ وَأَذِنَ في السَّلَفِ اسْتَدْلَلْنَا على أَنَّهُ لَا يَنْهَى عَمَّا أَمَرَ بِهِ وَعَلِمْنَا أَنَّهُ إنَّمَا نهى حَكِيمًا عن بَيْعِ ما ليس عِنْدَهُ إذَا لم يَكُنْ مَضْمُونًا عليه وَذَلِكَ بَيْعُ الْأَعْيَانِ ( قال ) وَيَجْتَمِعُ السَّلَفُ وهو بَيْعُ الصِّفَاتِ وَبَيْعُ الْأَعْيَانِ في أَنَّهُ لَا يَحِلُّ فِيهِمَا بَيْعٌ مَنْهِيٌّ عنه وَيَفْتَرِقَانِ في أَنَّ الْجُزَافَ يَحِلُّ فِيمَا رَآهُ صَاحِبُهُ وَلَا يَحِلُّ في السَّلَفِ إلَّا مَعْلُومٌ بِكَيْلٍ أو وَزْنٍ أو صِفَةٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالسَّلَفُ بِالصِّفَةِ وَالْأَجَلِ ما لَا اخْتِلَافَ فيه عِنْدَ أَحَدٍ من أَهْلِ الْعِلْمِ حُفِظَتْ عنه
____________________

(3/94)


( قال الشَّافِعِيُّ ) وما كَتَبْت من الْآثَارِ بعد ما كَتَبْت من الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ ليس لِأَنَّ شيئا من هذا يَزِيدُ سُنَّةَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قُوَّةً وَلَا لو خَالَفَهَا ولم يُحْفَظْ مَعَهَا يوههنا ( ( ( يوهنها ) ) ) بَلْ هِيَ التي قَطَعَ اللَّهُ بها الْعُذْرَ وَلَكِنَّا رَجَوْنَا الثَّوَابَ في إرْشَادِ من سمع ما كَتَبْنَا فإن فِيمَا كَتَبْنَا بَعْضَ ما يَشْرَحُ قُلُوبَهُمْ لِقَبُولِهِ وَلَوْ تَنَحَّتْ عَنْهُمْ الْغَفْلَةُ لَكَانُوا مِثْلَنَا في الِاسْتِغْنَاءِ بِكِتَابِ اللَّهِ عز وجل ثُمَّ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وما احْتَاجُوا إذَا أَمَرَ اللَّهُ عز وجل بِالرَّهْنِ في الدَّيْنِ إلَى أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ هو جَائِزٌ في السَّلَفِ لِأَنَّ أَكْثَرَ ما في السَّلَفِ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا مَضْمُونًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا أَجَازَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَيْعَ الطَّعَامِ بِصِفَةٍ إلَى أَجَلٍ كان وَاَللَّهُ تَعَالَى اعلم بَيْعُ الطَّعَامِ بِصِفَةٍ حَالًّا أَجْوَزَ لِأَنَّهُ ليس في الْبَيْعِ مَعْنًى إلَّا أَنْ يَكُونَ بِصِفَةٍ مَضْمُونًا على صَاحِبِهِ فإذا ضَمِنَ مُؤَخَّرًا ضَمِنَ مُعَجَّلًا وكان مُعَجَّلًا أَعْجَلَ منه مُؤَخَّرًا وَالْأَعْجَلُ أُخْرِجَ من مَعْنَى الْغَرَرِ وهو مُجَامِعٌ له في أَنَّهُ مَضْمُونٌ له على بَائِعِهِ بِصِفَةٍ - * بَابُ ما يَجُوزُ من السَّلَفِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَجُوزُ جِمَاعُ السَّلَفِ حتى يَجْمَعَ خِصَالًا أَنْ يَدْفَعَ الْمُسَلِّفُ ثَمَنَ ما سَلَّفَ لِأَنَّ في قَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من سَلَّفَ فَلْيُسَلِّفْ إنَّمَا قال فَلْيُعْطِ ولم يَقُلْ لِيُبَايِعَ وَلَا يُعْطِي وَلَا يَقَعُ اسْمُ التَّسْلِيفِ فيه حتى يُعْطِيَهُ ما سَلَّفَهُ قبل أَنْ يُفَارِقَ من سَلَّفَهُ وَأَنْ يَشْرِطَ عليه أَنْ يُسَلِّفَهُ فِيمَا يُكَالُ كَيْلًا أو فِيمَا يُوزَنُ وَزْنًا وَمِكْيَالٌ وَمِيزَانٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْعَامَّةِ فَأَمَّا مِيزَانٌ يُرِيهِ إيَّاهُ أو مِكْيَالٌ يُرِيهِ فَيُشْتَرَطَانِ عليه فَلَا يَجُوزُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا لو اخْتَلَفَا فيه أو هَلَكَ لم يُعْلَمْ ما قَدْرُهُ وَلَا يُبَالِي كان مِكْيَالًا قد أَبْطَلَهُ السُّلْطَانُ أو لَا إذَا كان مَعْرُوفًا وَإِنْ كان تَمْرًا قال تَمْرٌ صَيْحَانِيٌّ أو بردى أو عَجْوَةٌ أو جَنِيبٌ أو صِنْفٌ من التَّمْرِ مَعْرُوفٌ فَإِنْ كان حِنْطَةً قال شَامِيَّةٌ أو ميسانية أو مِصْرِيَّةٌ أو مَوْصِلِيَّةٌ أو صِنْفًا من الْحِنْطَةِ مَوْصُوفًا وَإِنْ كان ذُرَةً قال حَمْرَاءُ أو نَطِيسٌ أو هُمَا أو صِنْفٌ منها مَعْرُوفٌ وَإِنْ كان شَعِيرًا قال من شَعِيرِ بَلَدِ كَذَا وَإِنْ كان يَخْتَلِفُ سمي صِفَتَهُ وقال في كل وَاحِدٍ من هذا جَيِّدًا أو رَدِيئًا أو وَسَطًا وسمي أَجَلًا مَعْلُومًا إنْ كان لِمَا سَلَّفَ أَجَلٌ وَإِنْ لم يَكُنْ له أَجَلٌ كان حَالًّا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأُحِبُّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمَوْضِعَ الذي يُقَبِّضُهُ فيه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كان ما سَلَّفَ فيه رَقِيقًا قال عَبْدٌ نُوبِيٌّ خُمَاسِيٌّ أو سُدَاسِيٌّ أو مُحْتَلِمٌ أو وَصَفَهُ بِشِيَتِهِ وَأَسْوَدُ هو أو أَصْفَرُ أو أَسْحَمُ وقال نَقِيٌّ من الْعُيُوبِ وَكَذَلِكَ ما سِوَاهُ من الرَّقِيقِ بِصِفَةٍ وَسِنٍّ وَلَوْنٍ وَبَرَاءَةٍ من الْعُيُوبِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يَقُولَ إلَّا الْكَيَّ وَالْحُمْرَةَ وَالشُّقْرَةَ وَشِدَّةَ السَّوَادِ وَالْحَمْشَ وَإِنْ سَلَّفَ في بَعِيرٍ قال بَعِيرٌ من نَعَمِ بَنِي فُلَانٍ ثنى غَيْرُ مُودَنٍ نَقِيٌّ من الْعُيُوبِ سَبْطُ الْخَلْقِ أَحْمَرُ مُجْفَرُ الْجَنْبَيْنِ رُبَاعِيٌّ أو بَازِلٌ وَهَكَذَا الدَّوَابُّ يَصِفُهَا بِنِتَاجِهَا وَجِنْسِهَا وَأَلْوَانِهَا وَأَسْنَانِهَا وَأَنْسَابِهَا وَبَرَاءَتِهَا من الْعُيُوبِ إلَّا أَنْ يسمى عَيْبًا يَتَبَرَّأُ الْبَائِعُ منه ( قال ) وَيَصِفُ الثِّيَابَ بِالْجِنْسِ من كَتَّانٍ أو قُطْنٍ وَنَسْجِ بَلَدٍ وَذَرْعٍ من عَرْضٍ وَطُولٍ وَصَفَاقَةٍ وَدِقَّةِ وَجَوْدَةٍ أو رَدَاءَةٍ أو وَسَطٍ وَعَتِيقٍ من الطَّعَامِ كُلِّهِ أو جَدِيدٍ أو غَيْرِ جَدِيدٍ وَلَا عَتِيقٍ وَأَنْ يَصِفَ ذلك بِحَصَادِ عَامٍ مُسَمًّى أَصَحُّ ( قال ) وَهَكَذَا النُّحَاسُ يَصِفُهُ أَبْيَضَ أو شَبَهًا أو أَحْمَرَ وَيَصِفُ الْحَدِيدَ ذَكَرًا أو أَنِيثًا أو بِجِنْسٍ إنْ كان له وَالرَّصَاصَ ( قال ) وَأَقَلُّ ما يَجُوزُ فيه السَّلَفُ من هذا أَنْ يُوصَفَ ما سَلَّفَ فيه بِصِفَةٍ تَكُونُ مَعْلُومَةً
____________________

(3/95)


عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أن اخْتَلَفَ الْمُسَلِّفُ وَالْمُسَلَّفُ وإذا كانت مَجْهُولَةً لَا يُقَامُ على حَدِّهَا أو إلَى أَجَلٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ أو ذَرْعٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ أو لم يَدْفَعْ الْمُسَلِّفُ الثَّمَنَ عِنْدَ التَّسْلِيفِ وَقَبْلَ التَّفَرُّقِ من مَقَامِهِمَا فَسَدَ السَّلَفُ وإذا فَسَدَ رُدَّ إلَى الْمُسَلِّفِ رَأْسُ مَالِهِ ( قال ) فَكُلُّ ما وَقَعَتْ عليه صِفَةٌ يَعْرِفُهَا أَهْلُ الْعِلْمِ بِالسِّلْعَةِ التي سُلِّفَ فيها جَازَ فيها السَّلَفُ ( قال ) وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَلِّفَ الرَّجُلُ في الرُّطَبِ قبل أَنْ يَطْلُعَ النخل ( ( ( للنخل ) ) ) الثَّمَرُ إذَا اشْتَرَطَ أَجَلًا في وَقْتٍ يُمْكِنُ فيه الرُّطَبُ وَكَذَلِكَ الْفَوَاكِهُ الْمَكِيلَةُ الْمَوْصُوفَةُ وَكَذَلِكَ يُسَلِّفُ إلَى سَنَةٍ في طَعَامٍ جَدِيدٍ إذَا حَلَّ حَقُّهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْجِدَّةُ في الطَّعَامِ وَالثَّمَرِ مِمَّا لَا يُسْتَغْنَى عن شَرْطِهِ لِأَنَّهُ قد يَكُونُ جَيِّدًا عَتِيقًا نَاقِصًا بِالْقِدَمِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ اُشْتُرِطَ في شَيْءٍ مِمَّا سُلِّفَ أَجْوَدُ طَعَامِ كَذَا أو أَرْدَأُ طَعَامِ كَذَا أو اُشْتُرِطَ ذلك في ثِيَابٍ أو رَقِيقٍ أو غَيْرِ ذلك من السِّلَعِ كان السَّلَفُ فَاسِدًا لِأَنَّهُ لَا يُوقَفُ على أَجْوَدِهِ وَلَا أَدْنَاهُ أَبَدًا وَيُوقَفُ على جَيِّدٍ وَرَدِيءٍ لِأَنَّا نَأْخُذُهُ بِأَقَلِّ ما يَقَعُ عليه اسْمُ الْجُودَةِ وَالرَّدَاءَةِ - * بَابٌ في الْآجَالِ في السَّلَفِ وَالْبُيُوعِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من سَلَّفَ فَلْيُسَلِّفْ في كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَأَجَلٍ مَعْلُومٍ يَدُلُّ على أَنَّ الْآجَالَ لَا تَحِلُّ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً وَكَذَلِكَ قال اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } قال الشَّافِعِيُّ وَلَا يَصْلُحُ بَيْعٌ إلَى الْعَطَاءِ وَلَا حَصَادٍ وَلَا جُدَادٍ وَلَا عِيدِ النَّصَارَى وَهَذَا غَيْرُ مَعْلُومٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَتَّمَ أَنْ تَكُونَ الْمَوَاقِيتُ بالأهله فِيمَا وَقَّتَ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فقال تَبَارَكَ وَتَعَالَى { يَسْأَلُونَك عن الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ } وقال جَلَّ ثَنَاؤُهُ { شَهْرُ رَمَضَانَ الذي أُنْزِلَ فيه الْقُرْآنُ } وقال جَلَّ وَعَزَّ { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ } وقال { يَسْأَلُونَك عن الشَّهْرِ الْحَرَامِ } وقال { وَاذْكُرُوا اللَّهَ في أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ } قال الشَّافِعِيُّ فَأَعْلَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْأَهِلَّةِ جُمَلَ الْمَوَاقِيتِ وَبِالْأَهِلَّةِ مَوَاقِيتَ الْأَيَّامِ من الْأَهِلَّةِ ولم يَجْعَلْ عِلْمًا لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ إلَّا بها فَمَنْ أُعْلِمَ بِغَيْرِهَا فَبِغَيْرِ ما أَعْلَمَ اللَّهُ أُعْلِمَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ لم يَكُنْ هذا هَكَذَا ما كان من الْجَائِزِ أَنْ تَكُونَ الْعَلَامَةُ بِالْحَصَادِ وَالْجُدَادِ بخلافه ( ( ( فخلافه ) ) ) وَخِلَافُهُ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل أَجَلٍ مُسَمًّى وَالْأَجَلُ الْمُسَمَّى مالا يُخْتَلَفُ وَالْعِلْمُ يُحِيطُ أَنَّ الْحَصَادَ وَالْجُدَادَ يَتَأَخَّرَانِ وَيَتَقَدَّمَانِ بِقَدْرِ عَطَشِ الْأَرْضِ وَرَيِّهَا وَبِقَدْرِ بَرْدِ الْأَرْضِ وَالسَّنَةِ وَحَرِّهَا ولم يَجْعَلْ اللَّهُ فِيمَا اسْتَأْخَرَ أَجَلًا إلَّا مَعْلُومًا وَالْعَطَاءُ إلَى السُّلْطَانِ يَتَأَخَّرُ وَيَتَقَدَّمُ وَفِصْحُ النَّصَارَى عِنْدِي يُخَالِفُ حِسَابَ الْإِسْلَامِ وما أَعْلَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فَقَدْ يَكُونُ عَامًّا في شَهْرٍ وَعَامًّا في غَيْرِهِ فَلَوْ أَجَزْنَاهُ إلَيْهِ أَجَزْنَاهُ على أَمْرٍ مَجْهُولٍ فَكُرِّهَ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ وَأَنَّهُ خِلَافُ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ أَنْ نَتَأَجَّلَ فيه ولم يَجُزْ فيه إلَّا قَوْلُ النَّصَارَى على حِسَابٍ يَقِيسُونَ فيه أَيَّامًا فَكُنَّا إنَّمَا أُعْلِمْنَا في دِينِنَا بِشَهَادَةِ النَّصَارَى الَّذِينَ لَا نُجِيزُ شَهَادَتَهُمْ على شَيْءٍ وَهَذَا عِنْدَنَا غَيْرُ حَلَالٍ لِأَحَدٍ من الْمُسْلِمِينَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ قال فيه أَحَدٌ بَعْدَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قُلْنَا ما نَحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ مع ما وَصَفْت من دَلَائِلِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ وقد رَوَى فيه رَجُلٌ لَا يَثْبُتُ حَدِيثُهُ كُلَّ الثَّبْتِ شيئا ( أخبرنا ) سُفْيَانُ بن عيينه عن عبدالكريم الْجَزَرِيِّ عن عِكْرِمَةَ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قال لَا تَبِيعُوا إلَى الْعَطَاءِ وَلَا إلَى الْأَنْدَرِ وَلَا إلَى الدِّيَاسِ ( أخبرنا ) سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّ عَطَاءً سُئِلَ عن رَجُلٍ بَاعَ طَعَامًا فَإِنْ أَجَّلْت على الطَّعَامِ فَطَعَامُك في قَابِلٍ سَلَفٌ قال لَا إلَّا إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَهَذَانِ أَجَلَانِ لَا يدرى إلَى أَيِّهِمَا يُوَفِّيهِ طَعَامَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ بَاعَ رَجُلٌ عَبْدًا بِمِائَةِ دِينَارٍ إلَى الْعَطَاءِ أو إلَى الْجُدَادِ أو إلَى الْحَصَادِ كان فَاسِدًا وَلَوْ أَرَادَ الْمُشْتَرِي إبْطَالَ الشَّرْطِ وَتَعْجِيلَ الثَّمَنِ لم يَكُنْ ذلك له لِأَنَّ الصَّفْقَة انْعَقَدَتْ فَاسِدَةً فَلَا يَكُونُ له وَلَا لَهُمَا إصْلَاحُ جُمْلَةٍ فَاسِدَةٍ إلَّا بِتَجْدِيدِ بَيْعِ غَيْرِهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَالسَّلَفُ بَيْعٌ مَضْمُونٌ بِصِفَةٍ فَإِنْ
____________________

(3/96)


اخْتَارَ أَنْ يَكُونَ إلَى أَجَلٍ جَازَ وَأَنْ يَكُونَ حَالًّا وكان الْحَالُّ أَوْلَى أَنْ يَجُوزَ لِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَضْمُونٌ بِصِفَةٍ كما كان الدَّيْنُ مَضْمُونًا بِصِفَةٍ وَالْآخَرُ أَنَّ ما أَسْرَعَ المشترى في أَخْذِهِ كان من الْخُرُوجُ من الْفَسَادِ بِغَرُورٍ وَعَارِضٍ أَوْلَى من الْمُؤَجَّلِ ( أخبرنا ) سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَطَاءً فقال له رَجُلٌ سَلَّفْته ذَهَبًا في طَعَامٍ يُوَفِّيهِ قبل اللَّيْلِ وَدَفَعْت إلَيْهِ الذَّهَبَ قبل اللَّيْلِ وَلَيْسَ الطَّعَامُ عِنْدَهُ قال لَا من أَجْلِ الشَّفِّ وقد عَلِمَ كَيْفَ السُّوقُ وَكَمْ السِّعْرُ قال بن جُرَيْجٍ فَقُلْت له لَا يَصْلُحُ السَّلَفُ إلَّا في الشَّيْءِ الْمُسْتَأْخَرِ قال لَا إلَّا في الشَّيْءِ الْمُسْتَأْخَرِ الذي لَا يُعْلَمُ كَيْفَ يَكُونُ السُّوقُ إلَيْهِ يَرْبَحُ أو لَا يَرْبَحُ قال بن جُرَيْجٍ ثُمَّ رَجَعَ عن ذلك بَعْدُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) يَعْنِي أَجَازَ السَّلَفَ حَالًّا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقَوْلُهُ الذي رَجَعَ إلَيْهِ أَحَبُّ إلى من قَوْلِهِ الذي قَالَهُ أَوَّلًا وَلَيْسَ في عِلْمِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَيْفَ السُّوقُ شَيْءٌ يُفْسِدُ بَيْعًا وَلَا في عِلْمِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ أَرَأَيْت لو بَاعَ رَجُلٌ رَجُلًا ذَهَبًا وهو يَعْرِفُ سُوقَهَا أو سِلْعَةً وَلَا يَعْلَمُهُ المشترى أو يَعْلَمُهُ المشترى وَلَا يَعْلَمُهُ الْبَائِعُ أَكَانَ في شَيْءٍ من هذا ما يُفْسِدُ الْبَيْعَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) ليس في شَيْءٍ من هذا شَيْءٌ يُفْسِدُ بَيْعًا مَعْلُومًا نَسِيئَةً وَلَا حَالًّا ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَمَنْ سَلَّفَ إلَى الْجُدَادِ أو الْحَصَادِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما أَعْلَمُ عاما ( ( ( إما ) ) ) إلَّا وَالْجُدَادُ يُسْتَأْخَرُ فيه حتى لقد رَأَيْته يَجِدُّ في ذى الْقَعْدَةِ ثُمَّ رَأَيْته يَجِدُّ في الْمُحَرَّمِ وَمِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ بِالنَّخْلِ فَأَمَّا إذَا إعتلت النَّخْلُ أو إختلفت بُلْدَانُهَا فَهُوَ يَتَقَدَّمُ وَيَتَأَخَّرُ بِأَكْثَرَ من هذا ( قال ) وَالْبَيْعُ إلَى الصَّدْرِ جَائِزٌ وَالصَّدْرُ يَوْمُ النَّفْرِ من مِنًى فَإِنْ قال وهو بِبَلَدٍ غَيْرِ مَكَّةَ إلَى مَخْرَجِ الْحَاجِّ أو إلَى أَنْ يَرْجِعَ الْحَاجُّ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ لِأَنَّ هذا غَيْرُ مَعْلُومٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ إلَى فِعْلٍ يُحْدِثُهُ الْآدَمِيُّونَ لِأَنَّهُمْ قد يُعَجِّلُونَ السَّيْرَ وَيُؤَخِّرُونَهُ لِلْعِلَّةِ التي تَحْدُثُ وَلَا إلَى ثَمَرَةِ شَجَرَةٍ وَجُدَادِهَا لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ في الشُّهُورِ التي جَعَلَهَا اللَّهُ عَلَمًا فقال { إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا } فَإِنَّمَا يَكُونُ الْجُدَادُ بَعْدَ الْخَرِيفِ وقد أَدْرَكْت الْخَرِيفَ يَقَعُ مُخْتَلِفًا في شُهُورِنَا التي وَقَّتَ اللَّهُ لنا يَقَعُ في عَامٍ شَهْرًا ثُمَّ يَعُودُ في شَهْرٍ بَعْدَهُ فَلَا يَكُونُ الْوَقْتُ فِيمَا يُخَالِفُ شُهُورَنَا التي وَقَّتَ لنا رَبُّنَا عز وجل وَلَا بِمَا يُحْدِثُهُ الْآدَمِيُّونَ وَلَا يَكُونُ إلَّا إلَى ما لَا عَمَلَ لِلْعِبَادِ في تَقْدِيمِهِ وَلَا تَأْخِيرِهِ مِمَّا جَعَلَهُ اللَّهُ عز وجل وَقْتًا ( قال ) وَلَوْ سَلَّفَهُ إلَى شَهْرِ كَذَا فَإِنْ لم يَتَهَيَّأْ فَإِلَى شَهْرِ كَذَا كان فَاسِدًا حتى يَكُونَ الْأَجَلُ وَاحِدًا مَعْلُومًا ( قال ) وَلَا يَجُوزُ الْأَجَلُ إلَّا مع عَقْدِ الْبَيْعِ وَقَبْلَ تَفَرُّقِهِمَا عن مَوْضِعِهِمَا الذي تَبَايَعَا فيه فَإِنْ تَبَايَعَا وَتَفَرَّقَا عن غَيْرِ أَجَلٍ ثُمَّ التقيا ( ( ( ألقيا ) ) ) فَجَدَّدَا أَجَلًا لم يَجُزْ إلَّا أَنْ يُجَدِّدَا بَيْعًا ( قال ) وَكَذَلِكَ لو أَسْلَفَهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ في كَيْلٍ من طَعَامٍ يُوَفِّيهِ إيَّاهُ في شَهْرِ كَذَا فَإِنْ لم يَتَيَسَّرْ كُلُّهُ فَفِي شَهْرِ كَذَا كان غير جَائِزٍ لِأَنَّ هَذَيْنِ أَجَلَانِ لَا أَجَلٌ وَاحِدٌ فَإِنْ قال أُوَفِّيكَهُ فِيمَا بُيِّنَ أن دَفَعْته إلى إلَى مُنْتَهَى رَأْسِ الشَّهْرِ كان هذا أَجَلًا غير مَحْدُودٍ حَدًّا وَاحِدًا وَكَذَلِكَ لو قال أَجَلُك فيه شَهْرُ كَذَا أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ لايسمى أَجَلًا وَاحِدًا فَلَا يَصْلُحُ حتى يَكُونَ أَجَلًا وَاحِدًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ سَلَّفَهُ إلَى شَهْرِ كَذَا فَإِنْ حَبَسَهُ فَلَهُ كَذَا كان بَيْعًا فَاسِدًا وإذا سَلَّفَ فقال إلَى شَهْرِ رَمَضَانَ من سَنَةِ كَذَا كان جَائِزًا وَالْأَجَلُ حين يَرَى هِلَالَ شَهْرِ رَمَضَانَ أَبَدًا حتى يَقُولَ إلَى إنسلاخ شَهْرِ رَمَضَانَ أو مُضِيِّهِ أو كَذَا وَكَذَا يَوْمًا يَمْضِي منه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ قال أَبِيعُك إلَى يَوْمِ كَذَا لم يَحِلَّ حتى يَطْلُعَ الْفَجْرُ من ذلك الْيَوْمِ وَإِنْ قال إلَى الظُّهْرِ فإذا دخل وَقْتُ الظُّهْرِ في أَدْنَى الْأَوْقَاتِ وَلَوْ قال إلَى عَقِبِ شَهْرِ كَذَا كان مَجْهُولًا فَاسِدًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ تَبَايَعَا عن غَيْرِ أَجَلٍ ثُمَّ لم يَتَفَرَّقَا عن مَقَامِهِمَا حتى جَدَّدَا أَجَلًا فَالْأَجَلُ لَازِمٌ وَإِنْ تَفَرَّقَا قبل الْأَجَلِ عن مَقَامِهِمَا ثُمَّ جَدَّدَا أَجَلًا لم يَجُزْ إلَّا بِتَجْدِيدِ بَيْعٍ وَإِنَّمَا أَجَزْته أَوَّلًا لِأَنَّ الْبَيْعَ لم يَكُنْ تَمَّ فأذا تَمَّ بِالتَّفَرُّقِ لم يَجُزْ أَنْ يُجَدِّدَاهُ إلَّا بِتَجْدِيدِ بَيْعٍ
____________________

(3/97)


( قال ) وَكَذَلِكَ لو تَبَايَعَا على أَجَلٍ ثُمَّ نَقَضَاهُ قبل التَّفَرُّقِ كان الْأَجَلُ الْآخَرُ وَإِنْ نَقَضَا الْأَجَلَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ بِأَجَلٍ غَيْرِهِ ولم يَنْقُضَا الْبَيْعَ فَالْبَيْعُ الْأَوَّلُ لَازِمٌ تَامٌّ على الْأَجَلِ الْأَوَّلِ وَالْآخَرُ مَوْعِدٌ إنْ أَحَبَّ الْمُشْتَرِي وَفَّى بِهِ وَإِنْ أَحَبَّ لم يَفِ بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّفَهُ مِائَةَ دِينَارٍ في عَشْرَةِ أَكْرَارٍ خَمْسَةٌ منها في وَقْتِ كَذَا وَخَمْسَةٌ في وَقْتِ كَذَا لِوَقْتٍ بَعْدَهُ لم يَجُزْ السَّلَفُ لِأَنَّ قِيمَةَ الْخَمْسَةِ الْأَكْرَارِ الْمُؤَخَّرَةِ أَقَلُّ من قِيمَةِ الْأَكْرَارِ المتقدمة ( ( ( المقدمة ) ) ) فَتَقَعُ الصَّفْقَةُ لَا يُعْرَفُ كَمْ حِصَّةُ كل وَاحِدَةٍ من الْخَمْسَتَيْنِ من الذَّهَبِ فَوَقَعَ بِهِ مَجْهُولًا وهو لَا يَجُوزُ مَجْهُولًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْلَمَ ذَهَبٌ في ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٌ في فِضَّةٍ وَلَا ذَهَبٌ في فِضَّةٍ وَلَا فِضَّةٌ في ذَهَبٍ وَيَجُوزُ أَنْ يُسْلَمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا في كل شَيْءٍ خِلَافِهِمَا من نُحَاسٍ وَفُلُوسٍ وَشَبَهٍ وَرَصَاصٍ وَحَدِيدٍ وَمَوْزُونٍ وَمَكِيلٍ مَأْكُولٍ أو مَشْرُوبٍ وَغَيْرِ ذلك من جَمِيعِ ما يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنَّمَا أَجَزْت أَنْ يُسْلَمَ في الْفُلُوسِ بِخِلَافِهِ في الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِأَنَّهُ لَا زَكَاةَ فيه وَأَنَّهُ ليس بِثَمَنٍ لِلْأَشْيَاءِ كما تَكُونُ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ أَثْمَانًا لِلْأَشْيَاءِ الْمُسَلَّفَةِ فإن في الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ الزَّكَاةَ وَلَيْسَ في الْفُلُوسِ زَكَاةٌ وَإِنَّمَا أنظر في التِّبْرِ إلَى أَصْلِهِ وَأَصْلِ النُّحَاسِ مِمَّا لَا رِبَا فيه فَإِنْ قال قَائِلٌ فَمَنْ أَجَازَ السَّلَمَ في الْفُلُوسِ قُلْت غَيْرُ وَاحِدٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا الْقَدَّاحُ عن مُحَمَّدِ بن أَبَانَ عن حَمَّادِ بن إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قال لَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ في الْفُلُوسِ وقال سَعِيدٌ الْقَدَّاحُ لَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ في الْفُلُوسِ وَاَلَّذِينَ أَجَازُوا السَّلَفَ في النُّحَاسِ يَلْزَمُهُمْ أَنْ يُجِيزُوهُ في الْفُلُوسِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَقَدْ تَجُوزُ في الْبُلْدَانِ جَوَازَ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ قِيلَ في بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ وَبِشَرْطٍ وَكَذَلِكَ الحنطه تَجُوزُ بِالْحِجَازِ التي بها سُنَّتْ السُّنَنُ جَوَازَ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَلَا تَجُوزُ بها الْفُلُوسُ فَإِنْ قال الحنطه لَيْسَتْ بِثَمَنٍ لِمَا اُسْتُهْلِكَ قِيلَ وَكَذَلِكَ الْفُلُوسُ وَلَوْ اسْتَهْلَكَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ قِيمَةَ دِرْهَمٍ أو أَقَلَّ لم يُحْكَمْ عليه بِهِ إلَّا من الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَا من الْفُلُوسِ فَلَوْ كان من كَرِهَهَا إنَّمَا كَرِهَهَا لِهَذَا انْبَغَى له أَنْ يَكْرَهَ السَّلَمَ فى الْحِنْطَةِ لِأَنَّهَا ثَمَنٌ بِالْحِجَازِ وفى الذره لِأَنَّهَا ثَمَنٌ بِالْيَمَنِ فَإِنْ قال قَائِلٌ إنَّمَا تَكُونُ ثَمَنًا بِشَرْطٍ فَكَذَلِكَ الْفُلُوسُ لَا تَكُونُ ثَمَنًا إلَّا بِشَرْطٍ أَلَا تَرَى أن رَجُلًا لو كان له على رَجُلٍ دَانِقٌ لم يُجْبِرْهُ على أَنْ يَأْخُذَ منه فُلُوسًا وَإِنَّمَا يُجْبِرُهُ على أَنْ يَأْخُذَ الْفِضَّةَ وقد بَلَغَنِي أَنَّ أَهْلَ سُوَيْقَةٍ في بَعْضِ الْبُلْدَانِ أَجَازُوا بَيْنَهُمْ خَزَفًا مَكَانَ الْفُلُوسِ وَالْخَزَفُ فَخَّارٌ يُجْعَلُ كَالْفُلُوسِ أَفَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يُكْرَهُ السَّلَفُ في الْخَزَفِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رحمة اللَّهُ أَرَأَيْت الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ مَضْرُوبَيْنِ دَنَانِيرَ أو دَرَاهِمَ أَمْثَلُهُمَا غَيْرُ دَنَانِيرَ أو دَرَاهِمَ لَا يَحِلُّ الْفَضْلُ في وَاحِدٍ مِنْهُمَا على صَاحِبِهِ لَا ذَهَبٌ بِدَنَانِيرَ وَلَا فِضَّةٌ بِدَرَاهِمَ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ وما ضُرِبَ مِنْهُمَا وما لم يُضْرَبْ سَوَاءٌ لَا يَخْتَلِفُ وما كان ضُرِبَ مِنْهُمَا ولم يُضْرَبْ مِنْهُمَا ثَمَنٌ وَلَا غَيْرُ ثَمَنٍ سَوَاءٌ لَا يَخْتَلِفُ لِأَنَّ الْأَثْمَانَ دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ لَا فِضَّةٌ وَلَا يَحِلُّ الْفَضْلُ في مَضْرُوبِهِ على غَيْرِ مَضْرُوبِهِ الرِّبَا في مَضْرُوبِهِ وَغَيْرِ مَضْرُوبِهِ سَوَاءٌ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ مَضْرُوبُ الْفُلُوسِ مُخَالِفًا غير مَضْرُوبِهَا وَهَذَا لَا يَكُونُ في الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكُلُّ ما كان في الزِّيَادَةِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ الرِّبَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْلَمَ شَيْءٌ منه في شَيْءٍ منه إلَى أَجَلٍ وَلَا شَيْءٌ منه مع غَيْرِهِ في شَيْءٍ منه وَحْدَهُ وَلَا مع غَيْرِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْلَمَ شَاةٌ فيها لَبَنٌ بِلَبَنٍ إلَى أَجَلٍ حتى يُسْلِمَهَا مُسْتَحْلَبًا بِلَا لَبَنٍ وَلَا سَمْنٍ وَلَا زُبْدٍ لِأَنَّ حِصَّةَ اللَّبَنِ الذي في الشَّاةِ بِشَيْءٍ من اللَّبَنِ الذي إلَى أَجَلٍ لَا يَدْرِي كَمْ هو لَعَلَّهُ
____________________

(3/98)


بِأَكْثَرَ أو أَقَلَّ وَاللَّبَنُ لايجوز إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَيَدًا بِيَدٍ وَهَكَذَا هذا الْبَابُ كُلُّهُ وقياسة ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَحِلُّ عندى اسْتِدْلَالًا بِمَا وَصَفْت من السُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ أَنْ يُسَلَّفَ شَيْءٌ يُؤْكَلُ أو يُشْرَبُ مِمَّا يُكَالُ فِيمَا يُوزَنُ مِمَّا يُؤْكَلُ أو يُشْرَبُ وَلَا شَيْءٌ يُوزَنُ فِيمَا يُكَالُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يُسَلَّفَ مُدُّ حِنْطَةٍ في رَطْلِ عَسَلٍ وَلَا رَطْلُ عَسَلٍ في مُدِّ زَبِيبٍ وَلَا شَيْءٌ من هذا وَهَذَا كُلُّهُ قِيَاسًا على الذَّهَبِ الذي لَا يَصْلُحُ أَنْ يُسْلَمَ في الْفِضَّةِ وَالْفِضَّةُ التي لَا يَصْلُحُ أَنْ تُسْلَمَ في الذَّهَبِ وَالْقِيَاسُ على الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَنْ لَا يُسَلَّفَ مَأْكُولٌ مَوْزُونٌ في مَكِيلٍ مَأْكُولٍ وَلَا مَكِيلٌ مَأْكُولٌ في مَوْزُونٍ مَأْكُولٍ وَلَا غَيْرُهُ مِمَّا أُكِلَ أو شُرِبَ بِحَالٍ وَذَلِكَ مِثْلُ سَلَفِ الدَّنَانِيرِ في الدَّرَاهِمِ وَلَا يَصْلُحُ شَيْءٌ من الطَّعَامِ بِشَيْءٍ من الطَّعَامِ نَسِيئَةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَلَّفَ الْعَرْضُ في الْعَرْضِ مِثْلِهِ إذَا لم يَكُنْ مَأْكُولًا وَلَا مَشْرُوبًا أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ قال لَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ السِّلْعَةَ بِالسِّلْعَةِ إحْدَاهُمَا ناجزه وَالْأُخْرَى دَيْنٌ أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ قال له أَبِيعُ السِّلْعَةَ بِالسِّلْعَةِ كِلْتَاهُمَا دَيْنٌ فَكَرِهَهُ قال وَبِهَذَا نَقُولُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَبِيعَ دَيْنًا بِدَيْنٍ وَهَذَا مروى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من وَجْهٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكُلُّ ما جَازَ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا من الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا جَازَ أَنْ يُسَلَّفَ بَعْضُهُ في بَعْضٍ ما خَلَا الذَّهَبَ في الْفِضَّةِ وَالْفِضَّةَ في الذَّهَبِ وَالْمَأْكُولَ وَالْمَشْرُوبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا في صَاحِبِهِ فَإِنَّهَا خَارِجَةٌ من هذا الْمَعْنَى وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَلَّفَ مُدُّ حِنْطَةٍ في بَعِيرٍ وَبَعِيرٌ في بَعِيرَيْنِ وَشَاةٌ في شَاتَيْنِ وَسَوَاءٌ اُشْتُرِيَتْ الشَّاةُ وَالْجَدْيُ بِشَاتَيْنِ يُرَادُ بِهِمَا الذَّبْحُ أو لَا يُرَادُ لِأَنَّهُمَا يَتَبَايَعَانِ حَيَوَانًا لَا لَحْمًا بِلَحْمٍ وَلَا لَحْمًا بِحَيَوَانٍ وما كان في هذا الْمَعْنَى وَحْشِيَّةٌ في وَحْشِيَّتَيْنِ مَوْصُوفَتَيْنِ ما خَلَا ما وَصَفْت ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما أُكِلَ أو شُرِبَ مِمَّا لَا يُوزَنُ وَلَا يُكَالُ قِيَاسًا عِنْدِي على ما يُكَالُ وَيُوزَنُ مِمَّا يُؤْكَلُ أو يُشْرَبُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَكَيْفَ قِسْت ما لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ من الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ على ما يُكَالُ وَيُوزَنُ مِنْهُمَا قُلْت وَجَدْت أَصْلَ الْبُيُوعِ شَيْئَيْنِ شيئا في الزِّيَادَةِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ الرِّبَا وَشَيْئًا لَا رِبَا في الزِّيَادَةِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ فَكَانَ الذي في الزِّيَادَةِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ الرِّبَا ذَهَبٌ وفضه وَهُمَا بَائِنَانِ من كل شَيْءٍ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِمَا غَيْرُهُمَا لِمُبَايَنَتِهِمَا ما قِيسَ عَلَيْهِمَا بِمَا وَصَفْنَا من أَنَّهُمَا ثَمَنٌ لِكُلِّ شَيْءٍ وَجَائِزٌ أَنْ يُشْتَرَى بِهِمَا كُلُّ شَيْءٍ عَدَاهُمَا يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً وَبِحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ وَتَمْرٍ وَمِلْحٍ وكان هذا مَأْكُولًا مَكِيلًا مَوْجُودًا في السُّنَّةِ تَحْرِيمُ الْفَضْلِ في كل صِنْفٍ منه على الشَّيْءِ من صِنْفِهِ فَقِسْنَا الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ عَلَيْهِمَا وَوَجَدْنَا ما يُبَاعُ غير مَكِيلٍ وَلَا مَوْزُونٍ فَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ من الْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ وما أَشْبَهَ ذلك مِمَّا لَا يُوزَنُ فلما كان الْمَأْكُولُ غير الْمَكِيلِ عِنْدَ الْعَامَّةِ الْمَوْزُونُ عِنْدَهَا مَأْكُولًا فَجَامَعَ الْمَأْكُولُ الْمَكِيلَ الْمَوْزُونَ في هذا الْمَعْنَى وَوَجَدْنَا أَهْلَ الْبُلْدَانِ يَخْتَلِفُونَ فَمِنْهُمْ من يَزِنُ وَزْنًا وَوَجَدْنَا كَثِيرًا من أَهْلِ الْبُلْدَانِ يَزِنُ اللَّحْمَ وَكَثِيرًا لَا يَزِنُهُ وَوَجَدْنَا كَثِيرًا من أَهْلِ الْبُلْدَانِ يَبِيعُونَ الرُّطَبَ جُزَافًا فَكَانَتْ أَفْعَالُهُمْ فيه مُتَبَايِنَةً وَاحْتَمَلَ كُلُّهُ الْوَزْنَ وَالْكَيْلَ وَمِنْهُمْ من يَكِيلُ منه الشَّيْءَ لَا يَكِيلُهُ غَيْرُهُ وَوَجَدْنَا كُلَّهُ يَحْتَمِلُ الْوَزْنَ وَوَجَدْنَا كَثِيرًا من أَهْلِ الْعِلْمِ يَزِنُ اللَّحْمَ وَكَثِيرًا منهم لَا يَزِنُهُ وَوَجَدْنَا كَثِيرًا من أَهْلِ الْعِلْمِ يَبِيعُونَ الرُّطَبَ جُزَافًا وَكَانَتْ أَفْعَالُهُمْ فيه متباينه وَاحْتَمَلَ كُلُّهَا الْوَزْنَ أو الْكَيْلَ أو كِلَاهُمَا كان أَنْ يُقَاسَ بِالْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ أَوْلَى بِنَا من أَنْ يُقَاسَ على ما يُبَاعُ عَدَدًا من غَيْرِ الْمَأْكُولِ من الثِّيَابِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّا وَجَدْنَاهَا تُفَارِقُهُ فِيمَا وَصَفْت وفي أنها لاتجوز إلَّا بِصِفَةٍ وَذَرْعٍ وَجِنْسٍ وَسِنٍّ في الْحَيَوَانِ وَصِفَةٍ لَا يُوجَدُ في الْمَأْكُولِ مِثْلُهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَصْلُحُ على قِيَاسِ قَوْلِنَا هذا رُمَّانَةٌ بِرُمَّانَتَيْنِ عَدَدًا لَا وَزْنًا وَلَا سَفَرْجَلَةٌ بِسَفَرْجَلَتَيْنِ وَلَا بِطِّيخَةٌ بِبِطِّيخَتَيْنِ وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يُبَاعَ منه جِنْسٌ بمثله إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ يَدًا بِيَدٍ كما نَقُولُ في الْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ وإذا إختلف فَلَا بَأْسَ بِالْفَضْلِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فيه نَسِيئَةً وَلَا بَأْسَ بِرُمَّانَةٍ بِسَفَرْجَلَتَيْنِ وَأَكْثَرَ عَدَدًا وَوَزْنًا كما لا ( ( ( ألا ) ) ) يَكُونَ
____________________

(3/99)


بَأْسٌ بِمُدِّ حِنْطَةٍ بِمُدَّيْ تَمْرٍ وَأَكْثَرَ وَلَا مُدُّ حِنْطَةٍ بِتَمْرٍ جُزَافًا أَقَلَّ من الْحِنْطَةِ أو أَكْثَرَ لِأَنَّهُ إذَا لم يَكُنْ في الزِّيَادَةِ فيه يَدًا بِيَدٍ الرِّبَا لم أُبَالِ أَنْ لَا يَتَكَايَلَاهُ لِأَنِّي إنَّمَا آمُرُهُمَا يَتَكَايَلَانِهِ إذَا كان لَا يَحِلُّ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ فَأَمَّا إذَا جَازَ فيه التَّفَاضُلُ فأنما مُنِعَ إلَّا بِكَيْلٍ كَيْ لَا يَتَفَاضَلَ فَلَا مَعْنَى فيه إنْ تُرِكَ الْكَيْلَ يُحَرِّمُهُ وإذا بِيعَ منه جِنْسٌ بِشَيْءٍ من جِنْسِهِ لم يَصْلُحْ عَدَدًا ولم يَصْلُحْ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ وَهَذَا مَكْتُوبٌ في غَيْرِ هذا الْمَوْضِعِ بِعِلَلِهِ ( قال ) وَلَا يُسَلِّفُ مَأْكُولًا وَلَا مَشْرُوبًا في مَأْكُولٍ وَلَا مَشْرُوبٍ بِحَالٍ كما لَا يُسَلِّفُ الْفِضَّةَ في الذَّهَبِ وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يُبَاعَ إلَّا يَدًا بِيَدٍ كما يَصْلُحُ الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالذَّهَبُ بِالذَّهَبِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَصْلُحُ في شَيْءٍ من الْمَأْكُولِ أَنْ يُسْلِمَ فيه عَدَدًا لِأَنَّهُ لَا صِفَةَ له كَصِفَةِ الْحَيَوَانِ وَذَرْعِ الثِّيَابِ وَالْخَشَبِ وَلَا يُسَلِّفُ إلَّا وَزْنًا مَعْلُومًا أو كَيْلًا مَعْلُومًا إنْ صَلَحَ أَنْ يُكَالَ وَلَا يُسَلِّفُ في جَوْزٍ وَلَا بَيْضٍ وَلَا رَانِجٍ وَلَا غَيْرِهِ عَدَدًا لإختلافه وَأَنَّهُ لَا حَدَّ له يُعْرَفُ كما يُعْرَفُ غَيْرُهُ ( قال ) وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يُسَلَّفَ جُزَافٌ من ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ وَلَا طَعَامٍ وَلَا ثِيَابٍ وَلَا شَيْءٍ وَلَا يُسَلَّفُ شَيْءٌ حتى يَكُونَ مَوْصُوفًا إنْ كان دِينَارًا فَسِكَّتُهُ وَجَوْدَتُهُ وَوَزْنُهُ وَإِنْ كان دِرْهَمًا فَكَذَلِكَ وَبِأَنَّهُ وَضَحٌ أو أَسْوَدُ أو ما يُعْرَفُ بِهِ فَإِنْ كان طَعَامًا قُلْت تَمْرٌ صَيْحَانِيٌّ جَيِّدٌ كَيْلُهُ كَذَا وَكَذَلِكَ إنْ كانت حِنْطَةً وَإِنْ كان ثَوْبًا قُلْت مروى طُولُهُ كَذَا وَعَرْضُهُ كَذَا رَقِيقٌ صَفِيقٌ جَيِّدٌ وَإِنْ كان بَعِيرًا قُلْت ثَنِيًّا مُهْرِيًّا أَحْمَرُ سَبْطُ الْخَلْقِ جَسِيمًا أو مَرْبُوعًا تَصِفُ كُلَّ ما أَسْلَفْته كما تَصِفُ كُلَّ ما أَسْلَفْت فيه وبعت ( ( ( وبعث ) ) ) بِهِ عَرَضًا دَيْنًا لَا يُجْزِئُ في رَأْيِي غَيْرُهُ فَإِنْ تَرَكَ منه شيئا أو تَرَكَ في السَّلَفِ دَيْنًا خِفْتُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَحَالُ ما أَسْلَفْته غَيْرُ حَالِ ما أَسْلَفْت فيه وَهَذَا الْمَوْضِعُ الذي يُخَالِفُ فيه السَّلَفُ بَيْعَ الْأَعْيَانِ إلا تَرَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ إبِلًا قد رَآهَا الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي ولم يَصِفَاهَا بِثَمَرِ حَائِطٍ قد بَدَا صَلَاحُهُ وَرَأَيَاهَا وَأَنَّ الرُّؤْيَةَ مِنْهُمَا في الْجُزَافِ وَفِيمَا لم يَصِفَاهُ من الثَّمَرَةِ أو الْمَبِيعِ كَالصِّفَةِ فِيمَا أَسْلَفَ فيه وَأَنَّ هذا لَا يَجُوزُ في السَّلَفِ أَنْ أَقُولَ أُسَلِّفُك في ثَمَرِ نَخْلَةٍ جَيِّدَةٍ من خَيْرِ النَّخْلِ حِمْلًا أو أَقَلَّهُ أو أَوْسَطَهُ من قِبَلِ أَنْ حِمْلَ النَّخْلُ يَخْتَلِفُ من وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا من السِّنِينَ فَيَكُونُ في سَنَةٍ أَحْمَلَ منه في الْأُخْرَى من الْعَطَشِ وَمِنْ شَيْءٍ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ عز وجل وَيَكُونُ بَعْضُهَا مُخِفًّا وَبَعْضُهَا مُوقِرًا فلما لم أَعْلَمْ من أَهْلِ الْعِلْمِ مُخَالِفًا في أَنَّهُمْ يُجِيزُونَ في بَيْعِ الْأَعْيَانِ الْجُزَافَ وَالْعَيْنَ غير مَوْصُوفَةٍ لِأَنَّ الرئية ( ( ( الرؤية ) ) ) أَكْثَرُ من الصِّفَةِ وَيَرُدُّونَهُ في السَّلَفِ فَفَرَّقُوا بين حُكْمِهِمَا وَأَجَازُوا في بَيْعِ الْعَيْنِ أَنْ يَكُونَ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ ولم يُجِيزُوا في بَيْعِ السَّلَفِ الْمُؤَجَّلِ أَنْ يَكُونَ كان وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَقُولَ كما لَا يَكُونُ الْمَبِيعُ الْمُؤَجَّلُ إلَّا مَعْلُومًا بِمَا يُعْلَمُ بِهِ مِثْلُهُ من صِفَةٍ وَكَيْلٍ وَوَزْنٍ وَغَيْرِ ذلك فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ما أبتيع بِهِ مَعْرُوفًا بِصِفَةٍ وَكَيْلٍ وَوَزْنٍ فَيَكُونُ الثَّمَنُ مَعْرُوفًا كما كان الْمَبِيعُ مَعْرُوفًا وَلَا يَكُونُ السَّلَمُ مَجْهُولَ الصِّفَةِ وَالْوَزْنِ في مَغِيبٍ لم يُرَ فَيَكُونُ مَجْهُولًا بِدَيْنٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ ذَهَبَ هذا الْمَذْهَبَ ذَهَبَ إلَى أَنَّ السَّلَفَ إنْ إنتقض عَرَفَ الْمُسَلِّفُ رَأْسَ مَالِهِ وَيَكُونُ مَعْلُومُ الصِّفَةِ بِمَعْلُومِ الصِّفَةِ وَلَا يَكُونُ مَعْلُومُ الصِّفَةِ بِمَعْلُومِ الصِّفَةِ عَيْنًا مَجْهُولًا وَلَا يَكُونُ مَعْلُومُ الصِّفَةِ عَيْنًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد نَجِدُ خِلَافَ من قال هذا الْقَوْلَ مَذْهَبًا مُحْتَمَلًا وَإِنْ كنا قد إخترنا ما وَصَفْنَا وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ إنَّ بَيْعَ الْجُزَافِ إنَّمَا جَازَ إذَا عَايَنَهُ الْمُجَازِفُ فَكَانَ عِيَانُ الْمُجَازِفِ مِثْلَ الصِّفَةِ فِيمَا غَابَ أو أَكْثَرَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُبْتَاعَ ثَمَرُ حَائِطٍ جُزَافًا بِدَيْنٍ وَلَا يَحِلُّ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ إلَّا مَوْصُوفًا إذَا كان غَائِبًا فَإِنْ كان الثَّمَرُ حَاضِرًا جُزَافًا كَالْمَوْصُوفِ غَائِبًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ قال هذا الْقَوْلَ الْآخَرَ إنبغى أَنْ يُجِيزَ السَّلَفَ جُزَافًا من الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَكُلِّ شَيْءٍ وَيَقُولَ إنْ إنتقض السَّلَفُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ لِأَنَّهُ الْمَأْخُوذُ منه مع يَمِينِهِ كما يَشْتَرِي الدَّارَ بِعَيْنِهَا بِثَمَرِ حَائِطٍ فَيَنْتَقِضُ الْبَيْعُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ في الثَّمَنِ قَوْلَ الْبَائِعِ وَمَنْ قال الْقَوْلَ الْأَوَّلَ في أَنْ
____________________

(3/100)


لَا يَجُوزَ في السَّلَفِ إلَّا ما كان مَقْبُوضًا مَوْصُوفًا كما يُوصَفُ ما سَلَّفَ فيه غَائِبًا قال ما وَصَفْنَا ( قال ) وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَحَبُّ الْقَوْلَيْنِ إلَيَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقِيَاسُ هذا الْقَوْلِ الذي إخترت أَنْ لَا يُسَلَّفَ مِائَةُ دِينَارٍ في مِائَةِ صَاعِ حِنْطَةٍ وَمِائَةِ صَاعِ تَمْرٍ مَوْصُوفَيْنِ إلَّا أَنْ يُسَمَّى رَأْسُ مَالِ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ الصَّفْقَةَ وَقَعَتْ وَلَيْسَ ثَمَنُ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعْرُوفًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ سَلَّفَ مائتي دينار في مِائَتَيْ صَاعِ حِنْطَةٍ مِائَةٌ منهما ( ( ( بينهما ) ) ) إلَى شَهْرِ كَذَا وَمِائَةٌ إلَى شَهْرٍ مُسَمًّى بَعْدَهُ لم يَجُزْ في هذا الْقَوْلِ من قِبَلِ أَنَّهُ لم يُسَمِّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا على حِدَتِهِ وَأَنَّهُمَا إذَا أُقِيمَا كانت مِائَةُ صَاعٍ أَقْرَبَ أَجَلًا من مِائَةِ صَاعٍ أَبْعَدَ أَجَلًا منها أَكْثَرَ في الْقِيمَةِ وَانْعَقَدَتْ الصَّفْقَةُ على مِائَتَيْ صَاعٍ لَيْسَتْ تُعْرَفُ حِصَّةُ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا من الثَّمَنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد أَجَازَهُ غَيْرُنَا وهو يَدْخُلُ عليه ما وَصَفْنَا وَأَنَّهُ إنْ جَعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقِيمَةِ يَوْمٍ يَتَبَايَعَانِ قَوَّمَهُ قبل أَنْ يَجِبَ على بَائِعِهِ دَفْعُهُ وَإِنَّمَا يُقَوَّمُ ما وَجَبَ دَفْعُهُ وَهَذَا لم يَجِبْ دَفْعُهُ فَقَدْ إنعقدت الصَّفْقَةُ وهو غَيْرُهُ مَعْلُومٌ ( قال ) وَلَا يَجُوزُ في هذا الْقَوْلِ أَنْ تُسْلَفَ أَبَدًا في شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَلَا أَكْثَرَ إلا إذَا سَمَّيْتَ رَأْسَ مَالِ كل وَاحِدٍ من ذلك الصِّنْفِ وَأَجَلَهُ حتى يَكُونَ صَفْقَةً جَمَعَتْ بُيُوعًا مُخْتَلِفَةً ( قال ) فَإِنْ فَعَلَ فَأَسْلَفَ مِائَةَ دِينَارٍ في مِائَتَيْ صَاعِ حِنْطَةٍ مِنْهُمَا مِائَةٌ بِسِتِّينَ دِينَارًا إلَى كَذَا وَأَرْبَعُونَ في مِائَةِ صَاعٍ تَحِلُّ في شَهْرِ كَذَا جَازَ لِأَنَّ هذه وَإِنْ كانت صَفْقَةً فَإِنَّهَا وَقَعَتْ على بَيْعَتَيْنِ مَعْلُومَتَيْنِ بِثَمَنَيْنِ مَعْلُومَيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا مُخَالِفٌ لِبُيُوعِ الْأَعْيَانِ في هذا الْمَوْضِعِ وَلَوْ ابْتَاعَ رَجُلٌ من رَجُلٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ مِائَةَ صَاعٍ حِنْطَةً وَمِائَةَ صَاعٍ تَمْرًا وَمِائَةَ صَاعِ جُلْجُلَانَ وَمِائَةَ صَاعِ بُلْسُنٍ ( 1 ) جَازَ وَإِنْ لم يُسَمِّ لِكُلِّ صِنْفٍ منه ثَمَنَهُ وكان كُلُّ صِنْفٍ منه بِقِيمَتِهِ من الْمِائَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّفَ في كَيْلٍ فَيَأْخُذَ بِالْكَيْلِ وَزْنًا وَلَا في وَزْنٍ فَيَأْخُذَ بِالْوَزْنِ كَيْلًا لِأَنَّكَ تَأْخُذُ ما ليس بِحَقِّك إمَّا أَنْقَصُ منه وَإِمَّا أَزْيَدُ لإختلاف الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ عِنْدَمَا يَدْخُلُ في الْمِكْيَالِ وَثِقَلِهِ فَمَعْنَى الْكَيْلِ مُخَالِفٌ في هذا لمعنى ( ( ( المعنى ) ) ) الْوَزْنَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا إنْ أَسْلَمَ إلَيْهِ في ثَوْبَيْنِ أَحَدُهَا هَرَوِيٌّ وَالْآخَرُ مَرْوِيٌّ مَوْصُوفَيْنِ لم يَجُزْ السَّلَفُ في وَاحِدٍ مِنْهُمَا حتى يُسَمَّى رَأْسُ مَالِ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكَذَلِكَ ثَوْبَيْنِ مَرْوِيَّيْنِ لِأَنَّهُمَا لَا يَسْتَوِيَانِ ليس هذا كَالْحِنْطَةِ صِنْفًا وَلَا كَالتَّمْرِ صِنْفًا لِأَنَّ هذا لَا يَتَبَايَنُ وَأَنَّ بَعْضَهُ مِثْلُ بَعْضٍ وَلَكِنْ لو أَسْلَمَ في حِنْطَتَيْنِ سَمْرَاءَ ومحموله مَكِيلَتَيْنِ لم يَجُزْ حتى يسمى رَأْسَ مَالِ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّهُمَا يَتَبَايَنَانِ - * بَابُ جِمَاعِ ما يَجُوزُ فيه السَّلَفُ وما لَا يَجُوزُ وَالْكَيْلُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَصْلُ ما بَنَيْتُ عليه في السَّلَفِ وَفَرَّقْت بَيْنَهُ دَاخِلٌ في نَصِّ السُّنَّةِ وَدَلَالَتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا أَمَرَ بِالسَّلَفِ في كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ وَأَجَلٍ مَعْلُومٍ فَمَوْجُودٌ في أَمْرِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ ما أَذِنَ فيه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فِيمَا يَكُونُ عِلْمُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي في صِفَتِهِ سَوَاءً ( قال ) وإذا وَقَعَ السَّلَفُ على هذا جَازَ وإذا اخْتَلَفَ عِلْمُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فيه أو كان مِمَّا لَا يُحَاطُ بِصِفَتِهِ لم يَجُزْ لِأَنَّهُ خَارِجٌ من مَعْنَى ما أَذِنَ فيه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَإِنَّمَا تَبَايُعُ الناس بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ على مَعْنَى ما وَصَفْت بَيِّنٌ أَنَّهُ مَعْلُومٌ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْمِيزَانَ يُؤَدِّي ما أبتيع مَعْلُومًا وَالْمِكْيَالُ مَعْلُومٌ كَذَلِكَ أو قَرِيبٌ منه وَأَنَّ ما كِيلَ ثُمَّ مَلَأَ الْمِكْيَالَ كُلَّهُ ولم يَتَجَافَ فيه شَيْءٌ حتى يَكُونَ يَمْلَأُ الْمِكْيَالَ وَمِنْ الْمِكْيَالِ شَيْءٌ فَارِغٌ جَازَ وَلَوْ جَازَ أَنْ يُكَالَ ما يَتَجَافَى في الْمِكْيَالِ حتى يَكُونَ الْمِكْيَالُ يُرَى مُمْتَلِئًا وَبَطْنُهُ غَيْرُ مُمْتَلِئٍ لم يَكُنْ لِلْمِكْيَالِ مَعْنًى وَهَذَا مَجْهُولٌ لِأَنَّ التَّجَافِيَ يَخْتَلِفُ فيها يَقِلُّ وَيَكْثُرُ فَيَكُونُ مَجْهُولًا عِنْدَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَالْبَيْعُ في السُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَجْهُولًا عِنْدَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنْ لم يَجُزْ بِأَنْ يَجْهَلَهُ
____________________

(3/101)


أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ لم يَجُزْ بِأَنْ يَجْهَلَاهُ مَعًا ( قال ) وَمَوْجُودٌ في حديث رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذْ نَهَاهُمْ عن السَّلَفِ إلَّا بِكَيْلٍ وَوَزْنٍ وَأَجَلٍ مَعْلُومٍ كما وَصَفْت قبل هذا وَأَنَّهُمْ كَانُوا يُسَلِّفُونَ في التَّمْرِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ وَالتَّمْرُ يَكُونُ رُطَبًا وَالرُّطَبُ لَا يَكُونُ في السَّنَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا مَوْجُودًا وَإِنَّمَا يُوجَدُ في حِينٍ من السَّنَةِ دُونَ حِينٍ وَإِنَّمَا أَجَزْنَا السَّلَفَ في الرُّطَبِ في غَيْرِ حِينِهِ إذَا تَشَارَطَا أَخْذَهُ في حِينٍ يَكُونُ فيه مَوْجُودًا لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَجَازَ السَّلَفَ في السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ مَوْصُوفًا لِأَنَّهُ لم يَنْهَ أَنْ يَكُونَ إلَّا بِكَيْلٍ وَوَزْنٍ وَأَجَلٍ ولم يَنْهَ عنه في السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ في السَّنَةِ وَالسَّنَتَيْنِ غَيْرُ مَوْجُودٍ في أَكْثَرِ مُدَّتِهِمَا وَلَا يُسَلِّفُ في قَبْضَةٍ وَلَا مُدٍّ من رُطَبٍ من حَائِطٍ بِعَيْنِهِ إلَى يَوْمٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ قد تَأْتِي عليه الْآفَةُ وَلَا يُوجَدُ في يَوْمٍ وإذا لم يَجُزْ في أَكْثَرَ من يَوْمٍ وَإِنَّمَا السَّلَفُ فِيمَا كان مَأْمُونًا وَسَوَاءٌ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ وَلَوْ أَجَزْت هذا في مُدِّ رُطَبٍ بِمُدِّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من حَائِطٍ بِعَيْنِهِ أَجَزْته في أَلْفِ صَاعٍ إذَا كان يُحْمَلُ مِثْلُهَا وَلَا فَرْقَ بين الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ في هذا - * بَابُ السَّلَفِ في الْكَيْلِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رحمة اللَّهُ أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن إبن جريح ( ( ( جريج ) ) ) عن عَطَاءٍ أَنَّهُ قال لَا دَقَّ وَلَا رَذْمَ وَلَا زَلْزَلَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) من سَلَّفَ في كَيْلٍ فَلَيْسَ له أَنْ يَدُقَّ ما في الْمِكْيَالِ وَلَا يُزَلْزِلُهُ وَلَا يُكْنِفُ بِيَدَيْهِ على رَأْسِهِ فَلَهُ ما أَخَذَ الْمِكْيَالُ وَلَيْسَ له أَنْ يُسَلِّفَ في كَيْلِ شَيْءٍ يَخْتَلِفُ في الْمِكْيَالِ مِثْلُ ما تَخْتَلِفُ خِلْقَتُهُ وَيَعْظُمُ وَيَصْلُبُ لِأَنَّهُ قد يَبْقَى فِيمَا بُيِّنَ لَك خَوَاءً لَا شَيْءَ فيه فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَدْرِي كَمْ أعطى وَكَمْ أَخَذَ إنَّمَا الْمِكْيَالُ لَيُمْلَأُ وما كان هَكَذَا لم يُسَلِّفْ فيه إلَّا وَزْنًا وَلَا يُبَاعُ أَيْضًا إذَا كان هَكَذَا كَيْلًا بِحَالٍ لِأَنَّ هذا إذَا بِيعَ كَيْلًا لم يُسْتَوْفَ الْمِكْيَالُ وَلَا بَأْسَ ان يُسَلِّفَ في كَيْلٍ بِمِكْيَالٍ قد عُطِّلَ وَتُرِكَ إذَا كان مَعْرِفَتُهُ عَامَّةً عِنْدَ أَهْلِ الْعَدْلِ من أَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ فَإِنْ كان لَا يُوجَدُ عَدْلَانِ يَعْرِفَانِهِ أو أَرَاهُ مِكْيَالًا فقال تَكِيلُ لي بِهِ لم يَجُزْ السَّلَفُ فيه وَهَكَذَا الْقَوْلُ في الْمِيزَانِ لِأَنَّهُ قد يَهْلِكُ وَلَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ وَيَخْتَلِفَانِ فيه فَيَفْسُدُ السَّلَفُ فيه وَمِنْ الناس من أَفْسَدَ السَّلَمَ في هذا وَأَجَازَهُ في أَنْ يُسَلَّفَ الشَّيْءُ جُزَافًا وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ وَلَا خير ( ( ( خبر ) ) ) في السَّلَفِ في مَكِيلٍ إلَّا مَوْصُوفًا كما وَصَفْنَا في صِفَاتِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ - * بَابُ السَّلَفِ في الْحِنْطَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رحمة اللَّهُ تَعَالَى والسلف ( ( ( السلف ) ) ) في الْبُلْدَانِ كُلِّهَا سَوَاءٌ قَلَّ طَعَامُ الْبُلْدَانِ أو كَثُرَ فإذا كان الذي يُسَلِّفُ فيه في الْوَقْتِ الذي يَحِلُّ فيه لَا يَخْتَلِفُ وَوَصَفَ الْحِنْطَةَ فقال محموله أو مُوَلَّدَةٌ أو بُوزَنْجَانِيَّةٌ وجيده أو رديه ( ( ( رديئة ) ) ) من صِرَامِ عَامِهَا أو من صِرَامِ عَامٍ أَوَّلَ ويسمى سَنَتَهُ وَصِفَاتِهِ جَازَ السَّلَفُ وَإِنْ تَرَكَ من هذا شيئا لم يَجُزْ من قِبَلِ إختلافها وَقِدَمِهَا وَحَدَاثَتِهَا وَصَفَائِهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيَصِفُ الْمَوْضِعَ الذي يَقْبِضُهَا فيه وَالْأَجَلَ الذي يَقْبِضُهَا إلَيْهِ فَإِنْ تَرَكَ من هذا شيئا لم يَجُزْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقال غَيْرُنَا إنْ تَرَكَ صِفَةَ الْمَوْضِعِ الذي يَقْبِضُهَا فيه فَلَا بَأْسَ وَيَقْبِضُهَا حَيْثُ أَسْلَفَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد يُسَلِّفُهُ في سَفَرٍ في بَلْدَةٍ لَيْسَتْ بِدَارِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا قُرْبُهَا طَعَامٌ فَلَوْ يُكَلَّفُ الْحِمْلَ إلَيْهَا أَضَرَّ بِهِ وَبِاَلَّذِي سَلَّفَهُ وَيُسَلِّفُهُ في سَفَرٍ في بَحْرٍ ( قال ) وَكُلُّ ما كان لِحِمْلِهِ مؤنه من طَعَامٍ وَغَيْرِهِ لم يَجُزْ عِنْدِي أَنْ يَدَعَ شَرْطَ الْمَوْضِعِ الذي يُوَفِّيهِ إيَّاهُ فيه كما قُلْت في الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ لِمَا وَصَفْت وإذا سَلَّفَ في حِنْطَةٍ
____________________

(3/102)


بِكَيْلٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يُوَفِّيَهُ إيَّاهَا نقيه من التِّبْنِ وَالْقَصْلِ وَالْمَدَرِ وَالْحَصَى وَالزُّوَانِ وَالشَّعِيرِ وما خَالَطَهَا من غَيْرِهَا لِأَنَّا لو قَضَيْنَا عليه أَنْ يَأْخُذَهَا وَفِيهَا من هذا شَيْءٌ كنا لم نُوَفِّهِ مَكِيلَهُ قِسْطَهُ حين خَلَطَهَا بِشَيْءٍ من هذا لِأَنَّ له مَوْقِعًا من مِكْيَالٍ فَكَانَ لو أُجْبِرَ على أَخْذِ هذا أُجْبِرَ على أَخْذِ أَقَلَّ من طَعَامِهِ بِأَمْرٍ لَا يَعْرِفُهُ ومكيله لم يُسَلَّفْ فيها من هذا لَا يَعْرِفُهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَأْخُذُ شيئا مِمَّا أَسْلَفَ فيه مُتَعَيَّبًا بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ سوس ( ( ( كسوس ) ) ) وَلَا ما أَصَابَهُ وَلَا غَيَّرَهُ وَلَا مِمَّا إذَا رَآهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ قالوا هذا عَيْبٌ فيه - * بَابُ السَّلَفِ في الذُّرَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رحمة اللَّهُ والذره كَالْحِنْطَةِ تُوصَفُ بِجِنْسِهَا وَلَوْنِهَا وَجَوْدَتِهَا وَرَدَاءَتِهَا وَجِدَّتِهَا وَعِتْقِهَا وَصِرَامِ عَامِ كَذَا أو عَامِ كَذَا وَمَكِيلَتِهَا وَأَجَلِهَا فَإِنْ تَرَكَ من هذا شيئا لم يَجُزْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد تُدْفَنُ الذُّرَةُ وَبَعْضُ الدَّفْنِ عَيْبٌ لها فما كان منه لها عَيْبًا لم يَكُنْ لِلْبَائِعِ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى الْمُبْتَاعِ وَكَذَلِكَ كُلُّ عَيْبٍ لها وَعَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ ذُرَةً بريه ( ( ( بريئة ) ) ) نقيه من حَشَرِهَا إذَا كان الْحَشَرُ عليها كما كِمَامُ الْحِنْطَةِ عليها ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما كان منها إلَى الْحُمْرَةِ ما هو بِالْحُمْرَةِ لَوْنٌ لِأَعْلَاهُ كَلَوْنِ أَعْلَى التُّفَّاحِ وَالْأَرُزِّ وَلَيْسَ بِقِشْرَةٍ عليه تُطْرَحُ عنه لَا كما تُطْرَحُ نُخَالَةُ الْحِنْطَةِ بَعْدَ الطَّحْنِ فَأَمَّا قبل الطَّحْنِ وَالْهَرْسِ فَلَا يَقْدِرُ على طَرْحِهَا وَإِنَّمَا قُلْنَا لَا يَجُوزُ السَّلَفُ في الْحِنْطَةِ في أَكْمَامِهَا وما كان من الذُّرَةِ في حَشَرِهَا لِأَنَّ الْحَشَرَ وَالْأَكْمَامَ غِلَافَانِ فَوْقَ الْقِشْرَةِ التي هِيَ من نَفْسِ الْحَبَّةِ التي هِيَ إنَّمَا هِيَ لِلْحَبَّةِ كما هِيَ من خِلْقَتِهَا لَا تَتَمَيَّزُ ما كانت الْحَبَّةُ قَائِمَةً إلَّا بِطَحْنٍ أو هَرْسٍ فإذا طُرِحَتْ بِهَرْسٍ لم يَكُنْ لِلْحَبَّةِ بَقَاءٌ لِأَنَّهَا كَمَالُ خِلْقَتِهَا كَالْجِلْدِ تَكْمُلُ بِهِ الْخِلْقَةُ لَا يَتَمَيَّزُ منها وَالْأَكْمَامُ وَالْحَشَرُ يَتَمَيَّزُ وَيَبْقَى الْحَبُّ بِحَالِهِ لَا يَضُرُّ بِهِ طَرْحُ ذلك عنه ( قال ) فَإِنْ شُبِّهَ على أَحَدٍ بِأَنْ يَقُولَ في الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ يَكُونُ عليه الْقِشْرُ فَالْجَوْزُ وَاللَّوْزُ مِمَّا له قِشْرٌ لَا صَلَاحَ له إذَا رُفِعَ إلَّا بِقِشْرِهِ لِأَنَّهُ إذَا طُرِحَ عنه قِشْرُهُ ثُمَّ تُرِكَ عُجِّلَ فَسَادُهُ وَالْحَبُّ يُطْرَحُ قِشْرُهُ الذي هو غَيْرُ خِلْقَتِهِ فَيَبْقَى لَا يَفْسُدُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْقَوْلُ في الشَّعِيرِ كَهُوَ في الذُّرَةِ تُطْرَحُ عنه أكمامة وما بَقِيَ فَهُوَ كَقِشْرِ حَبَّةِ الْحِنْطَةِ الْمَطْرُوحِ عنها أَكْمَامُهَا فَيَجُوزُ أَنْ يُدْفَعَ بِقِشْرِهِ اللَّازِمِ لِخِلْقَتِهِ كما يَجُوزُ في الْحِنْطَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيُوصَفُ الشَّعِيرُ كما تُوصَفُ الذُّرَةُ وَالْحِنْطَةُ إذَا إختلف أَجْنَاسُهُ وَيُوصَفُ كُلُّ جِنْسٍ من الْحَبِّ بِبَلَدِهِ فَإِنْ كان حَبُّهُ مُخْتَلِفًا في جِنْسٍ وَاحِدٍ وُصِفَ بالدقه وَالْحَدَارَةِ لإختلاف الدقه وَالْحَدَارَةِ حتى يَكُونَ صِفَةً من صِفَاتِهِ إنْ تُرِكَتْ أَفْسَدَتْ السَّلَفَ وَذَلِكَ أَنَّ اسْمَ الْجَوْدَةِ يَقَعُ عليه وهو دَقِيقٌ وَيَقَعُ عليه وهو حَادِرٌ وَيَخْتَلِفُ في حَالَيْهِ فَيَكُونُ الدَّقِيقُ أَقَلَّ ثَمَنًا من الْحَادِرِ - * بَابُ الْعَلَسِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ الْعَلَسُ صِنْفٌ من الْحِنْطَةِ يَكُونُ فيه حَبَّتَانِ في كِمَامٍ فَيُتْرَكُ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَبْقَى له حتى يُرَادَ إستعماله لِيُؤْكَلَ فَيُلْقَى في رَحًى خفيفه فَيُلْقَى عنه كِمَامُهُ وَيَصِيرُ حَبًّا صَحِيحًا ثُمَّ يُسْتَعْمَلُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْقَوْلُ فيه كَالْقَوْلِ في الْحِنْطَةِ في أَكْمَامِهَا لَا يَجُوزُ السَّلَفُ فيه إلَّا مُلْقًى عنه كِمَامُهُ بِخَصْلَتَيْنِ إختلاف الْكِمَامِ وَتَغَيُّبِ الْحَبِّ فَلَا يُعْرَفُ بِصِفَةٍ وَالْقَوْلُ في صِفَاتِهِ وأجناسة إنْ كانت له وحدارته وَدِقَّتُهُ كَالْقَوْلِ في الْحِنْطَةِ وَالذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ يَجُوزُ فيه ما يَجُوزُ فيها وَيُرَدُّ منه ما يُرَدُّ منها
____________________

(3/103)


- * بَابُ الْقُطْنِيَّةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّفَ في شَيْءٍ من الْقُطْنِيَّةِ كَيْلٌ في أكمامة حتى تُطْرَحَ عنه فَيُرَى وَلَا يَجُوزُ حتى يُسَمَّى حِمَّصًا أو عَدَسًا أو جُلُبَّانًا أو مَاشًا وَكُلُّ صِنْفٍ منها على حِدَتِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَ ذلك وُصِفَ كُلُّ صِنْفٍ منه بِاسْمِهِ الذي يُعْرَفُ بِهِ جِنْسُهُ كما قُلْنَا في الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ وَيَجُوزُ فيه ما جَازَ فيها وَيُرَدُّ منه ما رُدَّ منها وَهَكَذَا كُلُّ صِنْفٍ من الْحُبُوبِ أَرُزٍّ أو دُخْنٍ أو سُلْتٍ أو غَيْرِهِ يُوصَفُ كما تُوصَفُ الْحِنْطَةُ وَيُطْرَحُ عنه كمامة وما جَازَ في الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ جَازَ فيها وما أنتقض فيها أنتقض فيه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكُلُّ الْحُبُوبِ صِنْفٌ بِمَا يَدْخُلُهَا مِمَّا يُفْسِدُهَا أو يَجْبُرُهَا وَقُشُورُهُ عليه كَقُشُورِ الْحِنْطَةِ عليها يُبَاعُ بها لِأَنَّ الْقُشُورَ لَيْسَتْ بِأَكْمَامٍ - * بَابُ السَّلَفِ في الرُّطَبِ وَالتَّمْرِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْقَوْلُ في التَّمْرِ كَالْقَوْلِ في الْحُبُوبِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّفَ في تَمْرٍ حتى يَصِفَهُ بَرْنِيًّا أو عَجْوَةً أو صَيْحَانِيًّا أو بُرْدِيًّا فإذا اخْتَلَفَتْ هذه الْأَجْنَاسُ في الْبُلْدَانِ فَتَبَايَنَتْ لم يَجُزْ أَنْ يُسَلِّفَ فيها حتى يَقُولَ من بردى بِلَادِ كَذَا أو من عَجْوَةِ بِلَادِ كَذَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يسمى بَلَدًا إلَّا بَلَدًا من الدُّنْيَا ضَخْمًا وَاسِعًا كَثِيرَ النَّبَاتِ الذي يَسْلَمُ فيه يُؤْمَنُ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ تأتى الآفه عليه كُلِّهِ فَتَنْقَطِعُ ثَمَرَتُهُ في الْجَدِيدِ إنْ اُشْتُرِطَ جَدِيدُهُ أو رُطَبُهُ إذَا سُلِّفَ في رُطَبِهِ ( قال ) وَيُوصَفُ فيه حَادِرًا أو عَبْلًا وَدَقِيقًا وَجَيِّدًا وَرَدِيئًا لِأَنَّهُ قد يَقَعُ إسم الْجَوْدَةِ على ما فيه الدِّقَّةُ وَعَلَى ما هو أَجْوَدُ منه وَيَقَعُ إسم الرَّدَاءَةِ على الْحَادِرِ فَمَعْنَى رَدَاءَتِهِ غَيْرُ الدِّقَّةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا سَلَّفَ في تَمْرٍ لم يَكُنْ عليه أَنْ يَأْخُذَهُ إلَّا جَافًّا لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ تَمْرًا حتى يَجِفَّ وَلَيْسَ له أَنْ يَأْخُذَ تَمْرًا مَعِيبًا وَعَلَامَةُ الْعَيْبِ أَنْ يَرَاهُ أَهْلُ الْبَصَرِ بِهِ فَيَقُولُونَ هذا عَيْبٌ فيه وَلَا عليه أَنْ يَأْخُذَ فيه حَشَفَةً واحده لِأَنَّهَا معيبه وَهِيَ نَقْصٌ من مَالِهِ وَلَا غير ذلك من مستحشفة وما عَطِشَ وَأَضَرَّ بِهِ الْعَطَشُ منه لِأَنَّ هذا كُلَّهُ عَيْبٌ فيه وَلَوْ سَلَّفَ فيه رُطَبًا لم يَكُنْ عليه أَنْ يَأْخُذَ في الرُّطَبِ بسرا ( ( ( يسرا ) ) ) وَلَا مُذَنِّبًا وَلَا يَأْخُذُ إلَّا ما ارطب كُلُّهُ وَلَا يَأْخُذُ مِمَّا أَرْطَبَ كُلُّهُ مُشَدَّخًا وَلَا قَدِيمًا قد قَارَبَ أَنْ يتمر ( ( ( يثمر ) ) ) أو يَتَغَيَّرَ لِأَنَّ هذا إمَّا غَيَّرَ الرُّطَبَ وَإِمَّا عَيَّبَ الرُّطَبَ وَهَكَذَا أَصْنَافُ الرُّطَبِ وَالتَّمْرِ كُلِّهِ وَأَصْنَافُ الْعِنَبِ وَكُلُّ ما أَسْلَمَ فيه رُطَبًا أو يَابِسًا من الْفَاكِهَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَصْلُحُ السَّلَفُ في الطَّعَامِ إلَّا في كَيْلٍ أو وَزْنٍ فَأَمَّا في عَدَدٍ فَلَا وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَلِّفَ في التِّينِ يَابِسًا وفي الْفِرْسِكِ يَابِسًا وفي جَمِيعِ ما يَيْبَسُ من الْفَاكِهَةِ يَابِسًا بِكَيْلٍ كما يُسَلِّفُ في التَّمْرِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَلِّفَ فِيمَا كِيلَ منه رُطَبًا كما يُسْلِمُ في الرُّطَبِ وَالْقَوْلُ في صِفَاتِهِ وَتَسْمِيَتِهِ وَأَجْنَاسِهِ كَالْقَوْلِ في الرُّطَبِ سَوَاءٌ لَا يَخْتَلِفُ فَإِنْ كان فيه شَيْءٌ بَعْضُ لَوْنِهِ خَيْرٌ من بَعْضٍ لم يَجُزْ حتى يُوصَفَ اللَّوْنُ كما لَا يَجُوزُ في الرَّقِيقِ إلَّا صِفَةُ الْأَلْوَانِ ( قال ) وَكُلُّ شَيْءٍ إختلف فيه جِنْسٌ من الْأَجْنَاسِ المأكوله فَتَفَاضَلَ بِالْأَلْوَانِ أو بِالْعِظَمِ لم يَجُزْ فيه إلَّا أَنْ يُوصَفَ بِلَوْنِهِ وَعِظَمِهِ فَإِنْ تُرِكَ شَيْءٌ من ذلك لم يَجُزْ وَذَلِكَ أَنَّ اسْمَ الْجَوْدَةِ يَقَعُ على ما يَدُقُّ وَيَعْظُمُ منه وَيَقَعُ على أَبْيَضِهِ وَأَسْوَدِهِ وَرُبَّمَا كان أَسْوَدُهُ خَيْرًا من أَبْيَضِهِ وَأَبْيَضُهُ خَيْرٌ من أَسْوَدِهِ وَكُلُّ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ يَجْتَمِعُ في أَكْثَرِ مَعَانِيهِ وَقَلِيلٌ ما يُبَايِنُ بِهِ جُمْلَتَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَسْلَمَ رَجُلٌ في جِنْسٍ من التَّمْرِ فأعطى أَجْوَدَ منه أو أَرْدَأَ بِطِيبِ نَفْسٍ من الْمُتَبَايِعَيْنِ لَا إبْطَالَ لِلشَّرْطِ بَيْنَهُمَا لم يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ وَذَلِكَ أَنَّ هذا قَضَاءٌ لَا بَيْعٌ وَلَكِنْ لو أعطى مَكَانَ التَّمْرِ حِنْطَةً أو غير التَّمْرِ لم يَجُزْ لِأَنَّهُ أَعْطَاهُ من غَيْرِ الصِّنْفِ الذي له فَهَذَا بَيْعُ ما لم يَقْبِضْ
____________________

(3/104)


بَيْعُ التَّمْرِ بِالْحِنْطَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا خَيْرَ في السَّلَفِ في شَيْءٍ من الْمَأْكُولِ عَدَدًا لِأَنَّهُ لَا يُحَاطُ فيه بصفه كما يُحَاطُ في الْحَيَوَانِ بِسِنٍّ وصفه وَكَمَا يُحَاطُ في الثِّيَابِ بِذَرْعٍ وَصِفَةٍ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسْلِمَ فيه كُلِّهِ بِصِفَةٍ وَوَزْنٍ فَيَكُونُ الْوَزْنُ فيه يَأْتِي على ما يَأْتِي عليه الذَّرْعُ في الثَّوْبِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَلِّفَ في صِنْفٍ من الْخِرْبِزِ بِعَيْنِهِ ويسمى منه عِظَامًا أو صِغَارًا أو خِرْبِزَ بَلَدٍ وَزْنَ كَذَا وَكَذَا فما دخل الْمِيزَانُ فيه من عَدَدِ ذلك لم يُنْظَرْ فيه إلَى الْعَدَدِ إذَا وَقَعَتْ على ما يَدْخُلُ الْمِيزَانَ أَقَلُّ الصِّفَةِ وَنُظِرَ إلَى الْوَزْنِ كما لَا يُنْظَرُ في مَوْزُونٍ من الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إلَى عَدَدٍ وإذا اخْتَلَفَا في عِظَامِهِ وَصِغَارِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُ أَقَلَّ ما يَقَعُ عليه اسْمُ الْعِظَمِ وَأَقَلَّ ما يَقَعُ اسْمُ صِفَتِهِ ثُمَّ يَسْتَوْفِيَهُ منه مَوْزُونًا وَهَكَذَا السَّفَرْجَلُ وَالْقِثَّاءُ وَالْفِرْسِكُ وَغَيْرُهُ مِمَّا يَبِيعُهُ الناس عَدَدًا وَجُزَافًا في اوعيته لَا يَصْلُحُ السَّلَفُ فيه إلَّا مَوْزُونًا لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ في الْمِكْيَالِ وما اخْتَلَفَ في الْمِكْيَالِ حتى يَبْقَى من الْمِكْيَالِ شَيْءٌ فَارِغٌ ليس فيه شَيْءٌ لم يُسَلِّفْ فيه كَيْلًا قال وَإِنْ اخْتَلَفَ فيه أَصْنَافُ ما سَلَّفَ من قِثَّاءٍ وَخِرْبِزٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَا يُكَالُ سمى كُلُّ صِنْفٍ منها على حِدَتِهِ وَبِصِفَتِهِ لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُ ذلك فَإِنْ تَرَكَ ذلك فَالسَّلَفُ فَاسِدٌ وَالْقَوْلُ في افساده وَإِجَازَتِهِ إذَا اخْتَلَفَتْ اجناسه كَالْقَوْلِ فِيمَا وَصَفْنَا قَبْلَهُ من الْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ وَغَيْرِهِمَا - * بَابُ جِمَاعِ السَّلَفِ في الْوَزْنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْمِيزَانُ مُخَالِفٌ لِلْمِكْيَالِ في بَعْضِ مَعَانِيهِ وَالْمِيزَانُ أَقْرَبُ من الْإِحَاطَةِ وَأَبْعَدُ من أَنْ يَخْتَلِفَ فيه أَهْلُ الْعِلْمِ من الْمِكْيَالِ لِأَنَّ ما يَتَجَافَى ولم يَتَجَافَ في الْمِيزَانِ سَوَاءٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُصَارُ فيه كُلِّهِ إلَى ان يُوجَدَ بِوَزْنِهِ والمتجافى في الْمِكْيَالِ يَتَبَايَنُ تَبَايُنًا بَيِّنًا فَلَيْسَ في شَيْءٍ مِمَّا وُزِنَ اخْتِلَافٌ في الْوَزْنِ يُرَدُّ بِهِ السَّلَفُ من قِبَلِ اخْتِلَافِهِ في الْوَزْنِ كما يَكُونُ فِيمَا وَصَفْنَا من الْكَيْلِ وَلَا يَفْسُدُ شَيْءٌ مِمَّا سَلَّفَ فيه وَزْنًا مَعْلُومًا إلَّا من قِبَلِ غَيْرِ الْوَزْنِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَلِّفَ في شَيْءٍ وَزْنًا وَإِنْ كان يُبَاعُ كَيْلًا وَلَا في شَيْءٍ كَيْلًا وَإِنْ كان يُبَاعُ وَزْنًا إذَا كان مِمَّا لَا يَتَجَافَى في الْمِكْيَالِ مِثْلُ الزَّيْتِ الذي هو ذَائِبٌ إنْ كان يُبَاعُ بالمدينه في عَهْدِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَمِنْ بَعْدِهِ وَزْنًا فَلَا بَأْسَ ان يُسَلَّفَ فيه كَيْلًا وَإِنْ كان يُبَاعُ كَيْلًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَلَّفَ فيه وَزْنًا وَمِثْلَ السَّمْنِ وَالْعَسَلِ وما أَشْبَهَهُ من الْإِدَامِ فَإِنْ قال قَائِلٌ كَيْفَ كان يُبَاعُ في عَهْدِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قُلْنَا اللَّهُ أَعْلَمُ أَمَّا الذي أَدْرَكْنَا الْمُتَبَايِعَيْنِ بِهِ عليه فَأَمَّا ما قَلَّ منه فَيُبَاعُ كَيْلًا وَالْجُمْلَةُ الْكَثِيرَةُ تُبَاعُ وَزْنًا وَدَلَالَةُ الْأَخْبَارِ على مِثْلِ ما أَدْرَكْنَا الناس عليه قال عُمَرُ رضي اللَّهُ عنه لَا آكُلُ سَمْنًا ما دَامَ السَّمْنُ يُبَاعُ بِالْأَوَاقِيِ وَتُشْبِهُ الْأَوَاقِي أَنْ تَكُونَ كَيْلًا وَلَا يَفْسُدُ السَّلَفُ الصَّحِيحُ الْعَقْدَ في الْوَزْنِ إلَّا من قِبَلِ الصِّفَةِ فَإِنْ كانت الصِّفَةُ لَا تَقَعُ عليه وكان إذَا اخْتَلَفَ صِفَاتُهُ تَبَايَنَتْ جَوْدَتُهُ وَاخْتَلَفَتْ أَثْمَانُهُ لم يَجُزْ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ وما كان مَجْهُولًا عِنْدَهُمْ لم يَجُزْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ سَلَّفَ في وَزْنٍ ثُمَّ أَرَادَ إعْطَاءَهُ كَيْلًا لم يَجُزْ من قِبَلِ أَنَّ الشَّيْءَ يَكُونُ خَفِيفًا وَيَكُونُ غَيْرُهُ من جِنْسِهِ أَثْقَلَ منه فإذا أَعْطَاهُ إيَّاهُ بِالْمِكْيَالِ أَقَلَّ أو اكثر مِمَّا سَلَّفَهُ فيه فَكَانَ أَعْطَاهُ الطَّعَامَ الْوَاجِبَ من الطَّعَامِ الْوَاجِبِ مُتَفَاضِلًا أو مَجْهُولًا وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ مَعْلُومًا فَإِنْ أَعْطَاهُ حَقَّهُ فَذَلِكَ الذي لَا يَلْزَمُهُ غَيْرُهُ وَإِنْ أَعْطَاهُ حَقَّهُ وَزَادَهُ تَطَوُّعًا منه على غَيْرِ شَيْءٍ كان في الْعَقْدِ فَهَذَا نَائِلٌ من قِبَلِهِ فَإِنْ أَعْطَاهُ أَقَلَّ من حَقِّهِ وَأَبْرَأَهُ الْمُشْتَرِي مِمَّا بَقِيَ عليه فَهَذَا شَيْءٌ تَطَوَّعَ بِهِ الْمُشْتَرِي فَلَا بَأْسَ بِهِ فَأَمَّا أَنْ لَا يَعْمِدَا تَفَضُّلًا وَيَتَجَازَفَا مَكَانَ الْكَيْلِ يَتَجَازَفَانِ وَزْنًا فإذا جَازَ هذا جَازَ أَنْ يُعْطِيَهُ أَيْضًا جُزَافًا وَفَاءً من كَيْلٍ لَا عن طِيبِ أَنْفُسٍ مِنْهُمَا عن فَضْلٍ عَرَفَهُ أَحَدُهُمَا قبل صَاحِبِهِ
____________________

(3/105)


- * تفريع الْوَزْنُ من الْعَسَلِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أَقَلُّ ما يَجُوزُ بِهِ السَّلَفُ في الْعَسَلِ أَنْ يُسَلِّفَ الْمُسَلِّفُ في كَيْلٍ أو وَزْنٍ مَعْلُومٍ وَأَجَلٍ مَعْلُومٍ وَصِفَةٍ معلومه جَدِيدًا وَيَقُولُ عَسَلُ وَقْتِ كَذَا لِلْوَقْتِ الذي يَكُونُ فيه فَيَكُونُ يَعْرِفُ يوم يَقْبِضُهُ جِدَّتَهُ من قِدَمِهِ وَجِنْسَ كَذَا وَكَذَا منه ( قال ) والصفه أَنْ يَقُولَ عَسَلٌ صَافٍ أَبْيَضُ من عَسَلِ بَلَدِ كَذَا جبدا أو رديئا ( ( ( رديء ) ) ) ( قال ) وَلَوْ تَرَكَ قَوْلَهُ في الْعَسَلِ صَافِيًا جَازَ عِنْدِي من قِبَلِ أَنَّهُ إذَا كان له عَسَلٌ لم يَكُنْ عليه أَنْ يَأْخُذَ شَمْعًا في الْعَسَلِ وكان له أَنْ يَأْخُذَ عَسَلًا وَالْعَسَلَ الصَّافِيَ وَالصَّافِي وَجْهَانِ صَافٍ من الشَّمْعِ وَصَافٍ في اللَّوْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ سَلَّفَ في عَسَلٍ صَافٍ فَأَتَى بِعَسَلٍ قد صُفِّيَ بِالنَّارِ لم يَلْزَمْهُ لِأَنَّ النَّارَ تُغَيِّرُ طَعْمَهُ فَيَنْقُصُ ثَمَنُهُ وَلَكِنْ يُصَفِّيهِ له بِغَيْرِ نَارٍ فَإِنْ جَاءَهُ بِعَسَلٍ غَيْرِ صَافِي اللَّوْنِ فَذَلِكَ عَيْبٌ فيه فَلَا يَلْزَمُهُ أَخْذُهُ إذَا كان عَيْبًا فيه ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ سَلَّفَ في عَسَلٍ فَجَاءَهُ بِعَسَلٍ رَقِيقٍ أُرِيَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْعَسَلِ فَإِنْ قالوا هذه الرقه في هذا الْجِنْسِ من هذا الْعَسَلِ عَيْبٌ يُنْقِصُ ثَمَنَهُ لم يَكُنْ عليه أَنْ يَأْخُذَهُ وَإِنْ قالوا هَكَذَا يَكُونُ هذا الْعَسَلُ وَقَالُوا رَقَّ لِحَرِّ الْبِلَادِ أو لعله غَيْرِ عَيْبٍ في نَفْسِ الْعَسَلِ لَزِمَهُ أَخْذُهُ ( قال ) وَلَوْ قال عَسَلُ بُرٍّ أو قال عَسَلُ صَعْتَرٍ أو عَسَلُ صَرْوٍ أو عَسَلُ عُشْرٍ وَوَصَفَ لَوْنَهُ وَبَلَدَهُ فَأَتَاهُ بِاللَّوْنِ وَالْبَلَدِ وَبِغَيْرِ الصِّنْفِ الذي شَرَطَ له أَدْنَى أو أَرْفَعَ لم يَكُنْ عليه أَخْذُهُ إنَّمَا يَرُدُّهُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا نُقْصَانٌ عَمَّا سَلَّفَ فيه وَالْآخَرُ أَنَّ كُلَّ جِنْسٍ من هذه قد يَصْلُحُ لِمَا لَا يَصْلُحُ له غَيْرُهُ أو يُجْزِئُ فِيمَا لَا يُجْزِئُ فيه غَيْرُهُ أو يَجْمَعُهُمَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ غير ما شَرَطَ إذَا اخْتَلَفَتْ مَنَافِعُهُمَا ( قال ) وما وَصَفْتُ من عَسَلِ بُرٍّ وَصَعْتَرٍ وَغَيْرِهِ من كل جِنْسٍ من الْعَسَلِ في الْعَسَلِ كَالْأَجْنَاسِ المختلفه في السَّمْنِ لَا تُجْزِئُ إلَّا صِفَتُهُ في السَّلَفِ وَإِلَّا فَسَدَ السَّلَفُ أَلَا تَرَى أَنِّي لو أَسْلَمْت في سَمْنٍ وَوَصَفْته ولم أَصِفْ جِنْسَهُ فَسَدَ من قِبَلِ أَنَّ سَمْنَ الْمِعْزَى مُخَالِفٌ سَمْنَ الضَّأْنِ وَأَنَّ سَمْنَ الْغَنَمِ كُلِّهَا مُخَالِفٌ الْبَقَرَ وَالْجَوَامِيسَ فإذا لم تَقَعْ الصفه على الْجِنْسِ مِمَّا يَخْتَلِفُ فَسَدَ السَّلَفُ كما يَفْسُدُ لو سَلَّفْته في حِنْطَةٍ ولم أُسَمِّ جِنْسَهَا فَأَقُولُ مصريه أو يمانيه أو شاميه وَهَكَذَا لو تَرَكَ أَنْ يصف ( ( ( يصفه ) ) ) الْعَسَلَ بِلَوْنِهِ فَسَدَ من قِبَلِ أَنَّ أَثْمَانَهَا تَتَفَاضَلُ على جَوْدَةِ الْأَلْوَانِ وَمَوْقِعِهَا من الْأَعْمَالِ يَتَبَايَنُ بها وَهَكَذَا لو تَرَكَ صِفَةَ بَلَدِهِ فَسَدَ لِاخْتِلَافِ أعسال ( ( ( أعمال ) ) ) الْبُلْدَانِ كَاخْتِلَافِ طَعَامِ الْبُلْدَانِ وَكَاخْتِلَافِ ثِيَابِ الْبُلْدَانِ من مروى وَهَرَوِيٍّ وَرَازِيٍّ وَبَغْدَادِيٍّ وَهَكَذَا لو تَرَكَ أَنْ يَقُولَ عَسَلٌ حَدِيثٌ من عَسَلِ وَقْتِ كَذَا من قِبَلِ اخْتِلَافِ ما قَدُمَ من الْعَسَلِ وَحَدُثَ وإذا قال عَسَلُ وَقْتِ كَذَا فَكَانَ ذلك الْعَسَلُ يَكُونُ في رَجَبٍ وَسُمِّيَ أَجَلُهُ رَمَضَانَ فَقَدْ عَرَفَ كَمْ مَرَّ عليه وَهَذَا هَكَذَا في كل ما يَخْتَلِفُ فيه قَدِيمُهُ وَجَدِيدُهُ من سَمْنٍ أو حِنْطَةٍ أو غَيْرِهِمَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكُلُّ ما كان عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ عَيْبٌ في جِنْسِ ما سُلِّفَ فيه لم يَلْزَمْهُ السَّلَفُ وَكَذَلِكَ كُلُّ ما خَالَفَ الصِّفَةَ الْمَشْرُوطَةَ منه فَلَوْ شَرَطَ عَسَلًا من عَسَلِ الصَّرْو وَعَسَلِ بَلَدِ كَذَا فَأَتَى بِالصِّفَةِ في اللَّوْنِ وَعَسَلِ الْبَلَدِ فَقِيلَ ليس هذا صَرْوًا خَالِصًا وَهَذَا صَرْوٌ وَغَيْرُهُ لم يَلْزَمْهُ كما يَكُونُ سَمْنُ بَقَرٍ لو خَلَطَهُ بِسَمْنِ الْغَنَمِ لم يَلْزَمْ من سَلَّفَ وَاحِدًا من السَّمْنَيْنِ وَلَوْ قال أَسْلَمْت إلَيْك في كَذَا وَكَذَا رَطْلًا من عَسَلٍ أو في مِكْيَالِ عَسَلٍ بِشَمْعِهِ كان فَاسِدًا لِكَثْرَةِ الشَّمْعِ وَقِلَّتِهِ وَثِقَلِهِ وَخِفَّتِهِ وَكَذَا لو قال أُسْلِمُ إليك بسمن الغنم لم يلزم من سلف واحدا من السمنين ولو قال أسلمت إلَيْك في شَهْدٍ بِوَزْنٍ أو عَدَدٍ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ ما فيه من الْعَسَلِ وَالشَّمْعِ
____________________

(3/106)


- * بَابُ السَّلَفِ في السَّمْنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَالسَّمْنُ كما وَصَفْت من الْعَسَلِ وَكُلُّ مَأْكُولٍ كان في مَعْنَاهُ كما وَصَفْت منه وَيَقُولُ في السَّمْنِ سَمْنُ مَاعِزٍ أو سَمْنُ ضَأْنٍ أو سَمْنُ بَقَرٍ وَإِنْ كان سَمْنُ الْجَوَامِيسِ يُخَالِفُهَا قال سَمْنُ جَوَامِيسَ لَا يُجْزِئُ غَيْرُ ذلك وَإِنْ كان بِبَلَدٍ يَخْتَلِفُ سَمْنُ الْجِنْسِ منه قال سَمْنُ غَنَمٍ كَذَا وَكَذَا كما يُقَالُ بِمَكَّةَ سَمْنُ ضَأْنٍ نَجْدِيَّةٍ وَسَمْنُ ضَأْنٍ تِهَامِيَّةٍ وَذَلِكَ أَنَّهُمَا يَتَبَايَنَانِ في اللَّوْنِ وَالصِّفَةِ وَالطَّعْمِ وَالثَّمَنِ ( قال ) وَالْقَوْلُ فيه كَالْقَوْلِ في الْعَسَلِ قَبْلَهُ فما كان عَيْبًا وَخَارِجًا من صِفَةِ السَّلَفِ لم يَلْزَمْ السَّلَفُ وَالْقَدِيمُ من السَّمْنِ يَتَبَيَّنُ من الْقَدِيمِ من الْعَسَلِ لِأَنَّهُ أَسْرَعُ تَغَيُّرًا منه وَالسَّمْنُ منه ما يُدَخِّنُ وَمِنْهُ ما لَا يُدَخِّنُ فَلَا يَلْزَمُ الْمُدَخِّنُ لِأَنَّهُ عَيْبٌ فيه - * السَّلَفُ في الزَّيْتِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَالزَّيْتُ إذَا اخْتَلَفَ لم يَجُزْ فيه إلَّا أَنْ يُوصَفَ بِصِفَتِهِ وَجِنْسِهِ وَإِنْ كان قِدَمُهُ يُغَيِّرُهُ وَصَفَهُ بالجده أو سُمِّيَ عَصِيرَ عَامِ كَذَا حتى يَكُونَ قد أتى عليه ما يَعْرِفُهُ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ وَالْقَوْلُ في عُيُوبِهِ وإختلافه كَالْقَوْلِ في عُيُوبِ السَّمْنِ وَالْعَسَلِ ( قال ) وَالْآدَامُ كُلُّهَا التي هِيَ أَوْدَاكُ السَّلِيطِ وَغَيْرِهِ إنْ اخْتَلَفَ نَسَبُ كل وَاحِدٍ منها إلَى جِنْسِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَ عَتِيقُهَا وَحَدِيثُهَا نُسِبَ إلَى الْحَدَاثَةِ وَالْعِتْقِ فأن بَايَنَتْ الْعَسَلَ وَالسَّمْنَ في هذا فَكَانَتْ لَا يُقَلِّبُهَا الزَّمَانُ وَلَا تُغَيَّرُ قُلْت عَصِيرُ سَنَةِ كَذَا وَكَذَا لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُ ذلك وَالْقَوْلُ في عُيُوبِهَا كَالْقَوْلِ في عُيُوبِ ما قَبْلَهَا كُلُّ ما نَسَبَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ إلَى الْعَيْبِ في جِنْسٍ منها لم يَلْزَمْ مُشْتَرِيَهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ هو مُتَطَوِّعًا ( قال ) وَلَا خَيْرَ في أَنْ يَقُولَ في شَيْءٍ من الْأَشْيَاءِ أُسْلِمُ إلَيْك في أَجْوَدِ ما يَكُونُ منه لِأَنَّهُ لَا يُوقَفُ على حَدِّ أَجْوَدِ ما يَكُونُ منه أَبَدًا فَأَمَّا أَرْدَأُ ما يَكُونُ منه فاكرهه وَلَا يَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ من قِبَلِ أَنَّهُ إنْ أَعْطَى خَيْرًا من أَرْدَأِ ما يَكُونُ منه كان مُتَطَوِّعًا بِالْفَضْلِ وَغَيْرُ خَارِجٍ من صِفَةِ الرَّدَاءَةِ كُلُّهُ ( قال ) وما اشترى من الْآدَامِ كَيْلًا اُكْتِيلَ وما اشترى وَزْنًا بِظُرُوفِهِ لم يَجُزْ شِرَاؤُهُ بِالْوَزْنِ في الظُّرُوفِ لإختلاف الظُّرُوفِ وَأَنَّهُ لَا يُوقَفُ على حَدِّ وَزْنِهَا فَلَوْ اشْتَرَى جُزَافًا وقد شَرَطَ وَزْنًا فلم يَأْخُذْ ما عَرَفَ من الْوَزْنِ الْمُشْتَرَى إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي بَعْدَ وَزْنِ الزَّيْتِ في الظُّرُوفِ بِأَنْ يَدَعَ ما يَبْقَى له من الزَّيْتِ وَإِنْ لم يَتَرَاضَيَا وَأَرَادَ اللَّازِمَ لَهُمَا وُزِنَتْ الظُّرُوفُ قبل أَنْ يُصَبَّ فيها الْإِدَامُ ثُمَّ وُزِنَتْ بِمَا يُصَبُّ فيها ثُمَّ يُطْرَحُ وَزْنُ الظُّرُوفِ وَإِنْ كان فيها زَيْتٌ وُزِنَ فُرِّغَتْ ثم وُزِنَتْ الظُّرُوفُ ثُمَّ أُلْقِيَ وزنها من الزَّيْتِ وما أُسْلِفَ فيه من الْإِدَامِ فَهُوَ له صَافٍ من الرُّبِّ وَالْعَكَرِ وَغَيْرِهِ مِمَّا خَالَفَ الصَّفَاءَ - * السَّلَفُ في الزُّبْدِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ السَّلَفُ في الزُّبْدِ كَهُوَ في السَّمْنِ يُسَمَّى زُبْدَ مَاعِزٍ أو زُبْدَ ضَأْنٍ أو زُبْدَ بَقَرٍ وَيَقُولُ نَجْدِيٌّ أو تِهَامِيٌّ لَا يُجْزِئُ غَيْرُهُ وَيَشْرِطُهُ مَكِيلًا أو مَوْزُونًا وَيَشْرِطُهُ زُبْدَ يَوْمِهِ لِأَنَّهُ يَتَغَيَّرُ في غَدِهِ بِتِهَامَةَ حتى يَحْمُضَ وَيَتَغَيَّرُ في الْحَرِّ وَيَتَغَيَّرُ في الْبَرْدِ تَغَيُّرًا دُونَ ذلك وَبِنَجْدٍ يُؤْكَلُ غير أَنَّهُ لَا يَكُونُ زُبْدَ يَوْمِهِ كَزُبْدِ غَدِهِ فَإِنْ تَرَكَ من هذا شيئا لم يَجُزْ السَّلَفُ فيه وَلَيْسَ لِلْمُسَلِّفِ أَنْ يُعْطِيَهُ زُبْدًا نَجِيخًا وَذَلِكَ أَنَّهُ حِينَئِذٍ ليس بِزُبْدِ يَوْمِهِ إنَّمَا هو زُبْدٌ تَغَيَّرَ فَأُعِيدَ في سِقَاءٍ فيه لَبَنٌ مُخِضَ لِيَذْهَبَ تَغَيُّرُهُ فَيَكُونُ عَيْبًا في الزُّبْدِ لِأَنَّهُ جَدَّدَهُ وهو غَيْرُ جَدِيدٍ وَمِنْ أَنَّ الزُّبْدَ يَرِقُّ عن أَصْلِ خِلْقَتِهِ وَيَتَغَيَّرُ طَعْمُهُ وَالْقَوْلُ فِيمَا عَرَفَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ عَيْبًا أَنَّهُ يُرَدُّ بِهِ كَالْقَوْلِ فِيمَا وَصَفْنَا قَبْلَهُ==

6.  مجلد6.الأم للشافعي
محمد بن إدريس الشافعي أبو عبد الله
سنة الولادة 150/ سنة الوفاة 204

- * السَّلَفُ في اللَّبَنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَيَجُوزُ السَّلَفُ في اللَّبَنِ كما يَجُوزُ في الزُّبْدِ وَيَفْسُدُ كما يَفْسُدُ في الزُّبْدِ بِتَرَكَ أَنْ يَقُولَ مَاعِزٌ أو ضَأْنٌ أو بَقَرٌ وَإِنْ كان إبِلًا أَنْ يَقُولَ لَبَنُ غَوَادٍ أو أَوْرَاكٍ أو خَمِيصَةٍ وَيَقُولَ في هذا كُلِّهِ لَبَنُ الرَّاعِيَةِ وَالْمُعْلَفَةِ لإختلاف البان الرَّوَاعِي وَالْمُعْلَفَةِ وَتَفَاضُلِهَا في الطَّعْمِ والصحه وَالثَّمَنِ فَأَيُّ هذا سَكَتَ عنه لم يَجُزْ معه السَّلَمُ ولم يَجُزْ إلَّا بِأَنْ يَقُولَ حَلِيبًا أو يَقُولَ لَبَنَ يَوْمِهِ لِأَنَّهُ يَتَغَيَّرُ في غَدِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْحَلِيبُ ما يُحْلَبُ من سَاعَتِهِ وكان مُنْتَهَى حَدِّ صِفَةِ الْحَلِيبِ أَنْ تَقِلَّ حَلَاوَتُهُ فَذَلِكَ حين يَنْتَقِلُ إلَى أَنْ يَخْرُجَ من اسْمِ الْحَلِيبِ ( قال ) وإذا اسلف فيه بِكَيْلٍ فَلَيْسَ له أَنْ يَكِيلَهُ بِرَغْوَتِهِ لِأَنَّهَا تَزِيدُ في كَيْلِهِ وَلَيْسَتْ بِلَبَنٍ تَبْقَى بَقَاءَ اللَّبَنِ وَلَكِنْ إذَا سَلَّفَ فيه وَزْنًا فَلَا بَأْسَ عِنْدِي أَنْ يَزِنَهُ بِرَغْوَتِهِ لِأَنَّهَا لَا تَزِيدُ في وَزْنِهِ فَإِنْ زَعَمَ أَهْلُ الْعِلْمِ أنها تَزِيدُ في وَزْنِهِ فَلَا يَزِنُهُ حتى تَسْكُنَ كما لَا يَكِيلُهُ حتى تَسْكُنَ ( قال ) وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُسَلِّفَ في لَبَنٍ مَخِيضٍ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مَخِيضًا إلَّا بِإِخْرَاجِ زُبْدِهِ وَزُبْدُهُ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِالْمَاءِ وَلَا يَعْرِفُ الْمُشْتَرِي كَمْ فيه من الْمَاءِ لِخَفَاءِ الْمَاءِ في اللَّبَنِ وقد يَجْهَلُ ذلك الْبَائِعُ لِأَنَّهُ يَصُبُّ فيه بِغَيْرِ كَيْلٍ وَيَزِيدُهُ مره بَعْدَ مره وَالْمَاءُ غَيْرُ اللَّبَنِ فَلَا يَكُونُ على احد أَنْ يُسَلِّفَ في مُدِّ لَبَنٍ فيعطى تِسْعَةَ أَعْشَارِ الْمُدِّ لَبَنًا وَعُشْرَهُ مَاءً لِأَنَّهُ لَا يُمَيِّزُ بين مَائِهِ حِينَئِذٍ وَلَبَنِهِ وإذا كان الْمَاءُ مَجْهُولًا كان افسد له لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي كَمْ أَعْطَى من لَبَنٍ وَمَاءٍ ( قال ) وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُسَلِّفَ في لَبَنٍ وَيَقُولَ حَامِضٌ لِأَنَّهُ قد يُسَمَّى حَامِضًا بَعْدَ يَوْمٍ وَيَوْمَيْنِ وَأَيَّامٍ وَزِيَادَةُ حُمُوضَتِهِ زِيَادَةُ نَقْصٍ فيه ليس كَالْحُلْوِ الذي يُقَالُ له حُلْوٌ فَيَأْخُذُ له أَقَلَّ ما يَقَعُ عليه اسْمُ الْحَلَاوَةِ مع صِفَةِ غَيْرِهَا وما زَادَ على أَقَلِّ ما يَقَعُ عليه اسْمُ الْحَلَاوَةِ زِيَادَةَ خَيْرٍ لِلْمُشْتَرِي وَتَطَوُّعٍ من الْبَائِعِ وَزِيَادَةُ حُمُوضَةِ اللَّبَنِ كما وَصَفْت نَقْصٌ على الْمُشْتَرِي وإذا شَرَطَ لَبَنَ يَوْمٍ أو لَبَنَ يَوْمَيْنِ فَإِنَّمَا يَعْنِي ما حُلِبَ من يَوْمِهِ وما حُلِبَ من يَوْمَيْنِ فَيَشْتَرِطُ غير حَامِضٍ وفي لَبَنِ الْإِبِلِ غَيْرُ قَارِصٍ فأن كان بِبَلَدٍ لَا يُمْكِنُ فيه إلَّا أَنْ يَحْمُضَ في تِلْكَ المده فَلَا خَيْرَ في السَّلَفِ فيه بِهَذِهِ الصِّفَةِ لِمَا وَصَفْت من أَنَّهُ لَا يُوقَفُ على حَدِّ الْحُمُوضَةِ وَلَا حَدِّ قَارِصٍ فَيُقَالُ هذا أَوَّلُ وَقْتٍ حَمُضَ فيه أو قَرَصَ فَيَلْزَمُهُ إيَّاهُ وَزِيَادَةُ الْحُمُوضَةِ فيه نَقْصٌ لِلْمُشْتَرِي كما وَصَفْنَا في المسأله قَبْلَهُ وَلَا خَيْرَ في بَيْعِ اللَّبَنِ في ضُرُوعِ الْغَنَمِ وَإِنْ اجْتَمَعَ فيها حَلْبَةً واحده لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى كَمْ هو وَلَا كَيْفَ هو وَلَا هو بَيْعُ عَيْنٍ تَرَى وَلَا شَيْءٌ مَضْمُونٌ على صَاحِبِهِ بِصِفَةٍ وَكَيْلٍ وَهَذَا خَارِجٌ مِمَّا يَجُوزُ في بُيُوعِ الْمُسْلِمِينَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن مُوسَى عن سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ كان يَكْرَهُ بَيْعَ الصُّوفِ على ظُهُورِ الْغَنَمِ وَاللَّبَنِ في ضُرُوعِ الْغَنَمِ إلَّا بِكَيْلٍ - * السَّلَفُ في الْجُبْنِ رَطْبًا وَيَابِسًا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَالسَّلَفُ في الْجُبْنِ رَطْبًا طَرِيًّا كَالسَّلَفِ في اللَّبَنِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِأَنْ يَشْرِطَ صِفَةَ جُبْنِ يَوْمِهِ أو يَقُولَ جُبْنًا رَطْبًا طَرِيًّا لِأَنَّ الطَّرَاءَ منه مَعْرُوفٌ وَالْغَابَّ منه مُفَارِقٌ للطرى فالطراءة ( ( ( فالطراء ) ) ) فيه صِفَةٌ يُحَاطُ بها وَلَا خَيْرَ في أَنْ يَقُولَ غَابٌّ لِأَنَّهُ إذَا زَايَلَ الطَّرَاءَ كان غَابًّا وإذا مَرَّتْ له أَيَّامٌ كان غَابًّا وَمُرُورُ الْأَيَّامِ نَقْصٌ له كما كَثْرَةُ الْحُمُوضَةِ نَقْصٌ في اللَّبَنِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ غَابٌّ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَصِلُ أَوَّلَ ما يَدْخُلُ في الْغُبُوبِ من المنزله التي بَعْدَهَا فَيَكُونُ مَضْبُوطًا بِصِفَةٍ وَالْجَوَابُ فيه كَالْجَوَابِ في حُمُوضَةِ اللَّبَنِ وَلَا خَيْرَ في السَّلَفِ فيه إلَّا بِوَزْنٍ فَأَمَّا بِعَدَدٍ فَلَا خَيْرَ فيه لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ فَلَا يَقِفُ الْبَائِعُ وَلَا الْمُشْتَرِي منه على حَدٍّ مَعْرُوفٍ وَيُشْتَرَطُ فيه جُبْنُ مَاعِزٍ أو جُبْنُ ضَائِنٍ أو جُبْنُ بَقَرٍ كما وَصَفْنَا في اللَّبَنِ وَهُمَا سَوَاءٌ في هذا الْمَعْنَى ( قال ) وَالْجُبْنُ الرَّطْبُ لَبَنٌ يُطْرَحُ فيه الْأَنَافِحُ فَيَتَمَيَّزُ مَاؤُهُ وَيُعْزَلُ خَاثِرُ لَبَنِهِ
____________________

(3/108)


فَيُعْصَرُ فإذا سَلَّفَ فيه رَطْبًا فَلَا أُبَالِي اسمي صِغَارًا ام كِبَارًا وَيَجُوزُ اذا وَقَعَ عليه اسْمُ الْجُبْنِ ( قال ) وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَفِ في الْجُبْنِ الْيَابِسِ وَزْنًا وَعَلَى ما وَصَفْت من جُبْنِ ضَائِنٍ او بَقَرٍ فَأَمَّا الْإِبِلُ فَلَا احسبها يَكُونُ لها جُبْنٌ وَيُسَمِّيهِ جُبْنَ بَلَدٍ من الْبُلْدَانِ لِأَنَّ جُبْنَ الْبُلْدَانِ يَخْتَلِفُ وهو أَحَبُّ إلى لو قال ما جَبُنَ مُنْذُ شَهْرٍ أو مُنْذُ كَذَا أو جَبُنَ عَامَهُ إذَا كان هذا يُعْرَفُ لِأَنَّهُ قد يَكُونُ إذَا دخل في حَدِّ الْيُبْسِ أَثْقَلَ منه إذَا تَطَاوَلَ جُفُوفُهُ ( قال ) وَلَوْ تَرَكَ هذا لم يُفْسِدْهُ لِأَنَّا نُجِيزُ مِثْلَ هذا في اللَّحْمِ وَاللَّحْمُ حين يُسْلَخُ أَثْقَلُ منه بَعْدَ سَاعَةٍ من جُفُوفِهِ وَالثَّمَرُ في أَوَّلِ ما يَيْبَسُ يَكَادُ يَكُونُ أَقَلَّ نُقْصَانًا منه بَعْدَ شَهْرٍ أو أَكْثَرَ وَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُقَالَ جُبْنٌ غَيْرُ قَدِيمٍ فَكُلُّ ما أَتَاهُ بِهِ فقال أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ ليس يَقَعُ على هذا اسْمُ قَدِيمٍ أَخَذَهُ وَإِنْ كان بَعْضُهُ أَطْرَى من بَعْضٍ لِأَنَّ السَّلَفَ أَقَلُّ ما يَقَعُ عليه اسْمُ الطَّرَاءَةِ وَالْمُسَلِّفُ مُتَطَوِّعٌ بِمَا هو أَكْثَرُ منه وَلَا خَيْرَ في أَنْ يَقُولَ جُبْنٌ عَتِيقٌ وَلَا قَدِيمٌ لِأَنَّ أَقَلَّ ما يَقَعُ عليه اسْمُ الْعَتِيقِ وَالْقَدِيمِ غَيْرُ مَحْدُودٍ وَكَذَلِكَ أخره غَيْرُ مَحْدُودٍ وَكُلُّ ما تَقَدَّمَ في اسْمِ الْعَتِيقِ فَازْدَادَتْ اللَّيَالِي مُرُورًا عليه كان نَقْصًا له كما وَصَفْنَا قَبْلَهُ في حُمُوضَةِ اللَّبَنِ وَكُلُّ ما كان عَيْبًا في الْجُبْنِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ من افراط مِلْحٍ أو حُمُوضَةِ طَعْمٍ أو غَيْرِهِ لم يَلْزَمْ الْمُشْتَرِي - * السَّلَفُ في اللبا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَفِ في اللبا بِوَزْنٍ مَعْلُومٍ وَلَا خَيْرَ فيه إلَّا مَوْزُونًا وَلَا يَجُوزُ مَكِيلًا من قَبْلِ تَكَبُّسِهِ وَتَجَافِيهِ في الْمِكْيَالِ وَالْقَوْلُ فيه كَالْقَوْلِ في اللَّبَنِ وَالْجُبْنِ يَصِفُ مَاعِزًا أو ضَائِنًا أو بَقَرًا أو طَرِيًّا فَيَكُونُ له أَقَلُّ ما يَقَعُ عليه اسْمُ الطَّرَاءَةِ وَيَكُونُ الْبَائِعُ مُتَطَوِّعًا بِمَا هو خَيْرٌ من ذلك وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَقُولَ غير الطَّرِيِّ لِأَنَّ ذلك كما وَصَفْت غَيْرُ مَحْدُودِ الْأَوَّلِ وَالْآخِرِ وَالتَّزَيُّدُ في الْبُعْدِ من الطَّرَاءَةِ نَقْصٌ على الْمُشْتَرِي - * الصُّوفُ وَالشَّعْرُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُسْلِمَ في صُوفِ غَنَمٍ بِأَعْيَانِهَا وَلَا شَعْرِهَا إذَا كان ذلك إلَى يَوْمٍ وَاحِدٍ فَأَكْثَرَ وَذَلِكَ أَنَّهُ قد تَأْتِي الْآفَةُ عليه فَتُذْهِبُهُ أو تُنْقِصُهُ قبل الْيَوْمِ وقد يَفْسُدُ من وَجْهٍ غَيْرِ هذا وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُسْلِمَ في أَلْبَانِ غَنَمٍ بِأَعْيَانِهَا وَلَا زُبْدِهَا وَلَا سَمْنِهَا وَلَا لِبَئِهَا وَلَا جُبْنِهَا وَإِنْ كان ذلك بِكَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ من قِبَلِ أَنَّ الآفه تَأْتِي عليها فَتُهْلِكُهَا فَيَنْقَطِعُ ما اسلف فيه منها وَتَأْتِي عليها بِغَيْرِ هَلَاكِهَا فَتَقْطَعُ ما يَكُونُ منه ما اسلم فيه منها أو تُنْقِصُهُ وَكَذَلِكَ لَا خَيْرَ فيه وَلَوْ حُلِبَتْ لَك حين تَشْتَرِيهَا لِأَنَّ الآفه تَأْتِي عليها قبل الِاسْتِيفَاءِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَذَلِكَ أَنَّا لو أَجَزْنَا هذا فَجَاءَتْ الآفه عليها بِأَمْرٍ يَقْطَعُ ما أَسْلَمَ فيه منها أو بَعْضَهُ فَرَدَدْنَاهُ على الْبَائِعِ بِمِثْلِ الصفه التي اسلفه فيها كنا ظَلَمْنَاهُ لِأَنَّهُ بَائِعُ صفه من غَنَمٍ بِعَيْنِهَا فَحَوَّلْنَاهَا إلَى غَنَمٍ غَيْرِهَا وهو لو بَاعَهُ عَيْنًا فَهَلَكَتْ لم نُحَوِّلْهُ إلَى غَيْرِهَا وَلَوْ لم نُحَوِّلْهُ إلَى غَيْرِهَا كنا اجزنا أَنْ يَشْتَرِيَ غير عَيْنٍ بِعَيْنِهَا وَغَيْرَ مَضْمُونٍ عليه بصفه يُكَلَّفُ الْإِتْيَانَ بِهِ مَتَى حَلَّ عليه فَأَجَزْنَا في بُيُوعِ الْمُسْلِمِينَ ما ليس منها إنَّمَا بُيُوعُ الْمُسْلِمِينَ بَيْعُ عَيْنٍ بِعَيْنِهَا يَمْلِكُهَا الْمُشْتَرِي على الْبَائِعِ أو صفه بِعَيْنِهَا يَمْلِكُهَا الْمُشْتَرِي على الْبَائِعِ وَيَضْمَنُهَا حتى يُؤَدِّيَهَا إلَى الْمُشْتَرِي ( قال ) وإذا لم يَجُزْ أَنْ يُسْلِمَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ في ثَمَرِ حَائِطٍ بِعَيْنِهِ وَلَا في حِنْطَةِ أَرْضٍ بِعَيْنِهَا لِمَا وَصَفْت من الْآفَاتِ التي تَقَعُ في الثَّمَرَةِ وَالزَّرْعِ كان لَبَنُ الْمَاشِيَةِ وَنَسْلُهَا كُلُّهُ في هذا الْمَعْنَى تُصِيبُهَا الْآفَاتُ كما تُصِيبُ الزَّرْعَ وَالثَّمَرَ وَكَانَتْ الْآفَاتُ إلَيْهِ في كَثِيرٍ من الْحَالَاتِ أَسْرَعَ
____________________

(3/109)


( قال ) وَهَكَذَا كُلُّ ما كان من سِلْكٍ في عَيْنٍ بِعَيْنِهَا تنقطع ( ( ( تقطع ) ) ) من ايدي الناس وَلَا خَيْرَ في السَّلَفِ حتى يَكُونَ في الْوَقْتِ الذي يُشْتَرَطُ فيه مَحَلُّهُ مَوْجُودًا في الْبَلَدِ الذي يُشْتَرَطُ فيه لَا يَخْتَلِفُ فيه بِحَالٍ فَإِنْ كان يَخْتَلِفُ فَلَا خَيْرَ فيه لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ غَيْرُ مَوْصُولٍ إلَى أَدَائِهِ فَعَلَى هذا كُلُّ ما سَلَّفَ وَقِيَاسُهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ تُسَلِّفَ في شَيْءٍ ليس في أَيْدِي الناس حين تُسَلِّفُ فيه إذَا شَرَطْت مَحِلَّهُ في وَقْتٍ يَكُونُ مَوْجُودًا فيه بِأَيْدِي الناس - * السَّلَفُ في اللَّحْمِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ كُلُّ لَحْمٍ مَوْجُودٍ بِبَلَدٍ من الْبُلْدَانِ لَا يَخْتَلِفُ في الْوَقْتِ الذي يَحِلُّ فيه فَالسَّلَفُ فيه جَائِزٌ وما كان في الْوَقْتِ الذي يَحِلُّ فيه يَخْتَلِفُ فَلَا خَيْرَ فيه وَإِنْ كان يَكُونُ لَا يَخْتَلِفُ في حِينِهِ الذي يَحِلُّ فيه في بَلَدٍ وَيَخْتَلِفُ في بَلَدٍ آخَرَ جَازَ السَّلَفُ فيه في الْبَلَدِ الذي لَا يَخْتَلِفُ وَفَسَدَ السَّلَفُ في الْبَلَدِ الذي يَخْتَلِفُ فيه إلَّا ان يَكُونَ مِمَّا لَا يَتَغَيَّرُ في الْحِمْلِ فَيُحْمَلُ من بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ مِثْلُ الثِّيَابِ وما أَشْبَهَهَا فَأَمَّا ما كان رَطْبًا من الْمَأْكُولِ وكان إذَا حُمِلَ من بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ تَغَيَّرَ لم يَجُزْ فيه السَّلَفُ في الْبَلَدِ الذي يَخْتَلِفُ فيه وَهَكَذَا كُلُّ سلعه من السِّلَعِ إذَا لم تَخْتَلِفْ في وَقْتِهَا في بَلَدٍ جَازَ فيه السَّلَفُ وإذا اخْتَلَفَتْ بِبَلَدٍ لم يَجُزْ السَّلَفُ فيه في الْحِينِ الذي تَخْتَلِفُ فيه إذَا كانت من الرَّطْبِ من الْمَأْكُولِ - * صِفَةُ اللَّحْمِ وما يَجُوزُ فيه وما لَا يَجُوزُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ من أَسْلَفَ في لَحْمٍ فَلَا يَجُوزُ فيه حتى يَصِفَهُ يقول لَحْمُ مَاعِزِ ذَكَرٍ خصى أو ذَكَرٍ ثنى فَصَاعِدًا أو جَدْيٍ رَضِيعٍ أو فَطِيمٍ وَسَمِينٍ أو مُنْقٍ وَمِنْ مَوْضِعِ كَذَا وَيَشْتَرِطُ الْوَزْنَ أو يقول لَحْمُ مَاعِزَةٍ ثَنِيَّةٍ فَصَاعِدًا أو صَغِيرَةٍ يَصِفُ لَحْمَهَا وَمَوْضِعَهَا وَيَقُولُ لَحْمُ ضَائِنٍ وَيَصِفُهُ هَكَذَا وَيَقُولُ في الْبَعِيرِ خَاصَّةً بَعِيرُ رَاعٍ من قِبَلِ اخْتِلَافِ الرَّاعِي وَالْمَعْلُوفِ وَذَلِكَ أَنَّ لُحْمَان ذُكُورِهَا وَإِنَاثِهَا وَصِغَارِهَا وَكِبَارِهَا وَخُصْيَانِهَا وَفُحُولِهَا تَخْتَلِفُ وَمَوَاضِعُ لَحْمِهَا تَخْتَلِفُ وَيَخْتَلِفُ لَحْمُهَا فإذا حَدَّ بِسَمَانَةٍ كان لِلْمُشْتَرِي أَدْنَى ما يَقَعُ عليه اسْمُ السَّمَانَةِ وكان الْبَائِعُ مُتَطَوِّعًا بِأَعْلَى منه إنْ أَعْطَاهُ إيَّاهُ وإذا حَدَّهُ مُنْقِيًا كان له أَدْنَى ما يَقَعُ عليه اسْمُ الْإِنْقَاءِ وَالْبَائِعُ مُتَطَوِّعٌ بِاَلَّذِي هو أَكْثَرُ منه وَأَكْرَهُ أَنْ يَشْتَرِطَهُ أَعْجَفَ بِحَالٍ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَعْجَفَ يَتَبَايَنُ وَالزِّيَادَةُ في الْعَجَفِ نَقْصٌ على الْمُشْتَرِي وَالْعَجَفُ في اللَّحْمِ كما وَصَفْت من الْحُمُوضَةِ في اللَّبَنِ لَيْسَتْ بِمَحْدُودَةِ الْأَعْلَى وَلَا الْأَدْنَى وإذا زَادَتْ كان نَقْصًا غير مَوْقُوفٍ عليه والزيادة ( ( ( الزيادة ) ) ) في السمانه شَيْءٌ يَتَطَوَّعُ بِهِ الْبَائِعُ على الْمُشْتَرِيَ ( قال ) فَإِنْ شَرَطَ مَوْضِعًا من اللَّحْمِ وَزَنَ ذلك الْمَوْضِعَ بِمَا فيه من عَظْمٍ لِأَنَّ الْعَظْمَ لَا يَتَمَيَّزُ من اللَّحْمِ كما يَتَمَيَّزُ التِّبْنُ وَالْمَدَرُ وَالْحِجَارَةُ من الْحِنْطَةِ وَلَوْ ذَهَبَ يميزه ( ( ( بميزه ) ) ) أَفْسَدَ اللَّحْمَ على آخِذِهِ وَبَقِيَ منه على الْعِظَامِ ما يَكُونُ فَسَادًا وَاللَّحْمُ أَوْلَى أَنْ لَا يُمَيَّزَ وَأَنْ يَجُوزَ بَيْعُ عِظَامِهِ معه لِاخْتِلَاطِ اللَّحْمِ بِالْعَظْمِ من النَّوَى في التَّمْرِ إذَا اشْتَرَى وَزْنًا لِأَنَّ النَّوَاةَ تُمَيَّزُ من التمره غير أَنَّ التَّمْرَةَ إذَا اخرجت نَوَاتُهَا لم تَبْقَ بَقَاءَهَا إذَا كانت نَوَاتُهَا فيها ( قال الشَّافِعِيُّ ) تَبَايَعَ الناس على عَهْدِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم التَّمْرَ كَيْلًا وَفِيهِ نَوَاهُ ولم نَعْلَمْهُمْ تَبَايَعُوا اللَّحْمَ قَطُّ إلَّا فيه عِظَامُهُ فَدَلَّتْ السُّنَّةُ إذَا جَازَ بَيْعُ التَّمْرِ بِالنَّوَى على أَنَّ بَيْعَ اللَّحْمِ بِالْعِظَامِ في مَعْنَاهَا أو أَجْوَزُ فَكَانَتْ قِيَاسًا وَخَبَرًا وَأَثَرًا لم اعلم الناس اخْتَلَفُوا فيه ( قال ) وإذا اسلف في شَحْمِ الْبَطْنِ أو الْكُلَى وَوَصَفَهُ وَزْنًا فَهُوَ جَائِزٌ وَإِنْ قال شَحْمٌ لم يَجُزْ لِاخْتِلَافِ شَحْمِ الْبَطْنِ وَغَيْرِهِ وَكَذَلِكَ إنْ سَلَّفَ في الْأَلْيَاتِ فَتُوزَنُ وإذا سَلَّفَ في شَحْمٍ سُمِّيَ شَحْمًا صَغِيرًا أو كَبِيرًا وَمَاعِزًا أو ضَائِنًا
____________________

(3/110)


- * لَحْمُ الْوَحْشِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَحْمُ الْوَحْشِ كُلُّهُ كما وَصَفْت من لَحْمِ الْأَنِيسِ إذَا كان بِبَلَدٍ يَكُونُ بها مَوْجُودًا لَا يَخْتَلِفُ في الْوَقْتِ الذي يَحِلُّ فيه بِحَالٍ جَازَ السَّلَفُ فيه وإذا كان يَخْتَلِفُ في حَالٍ وَيُوجَدُ في اخرى لم يَجُزْ السَّلَفُ فيه إلَّا في الْحَالِ التي لَا يَخْتَلِفُ فيها قال وَلَا أَحْسِبُهُ يَكُونُ مَوْجُودًا بِبَلَدٍ أَبَدًا إلَّا هَكَذَا وَذَلِكَ أَنَّ من الْبُلْدَانِ ما لَا وَحْشَ فيه وَإِنْ كان بِهِ منها وَحْشٌ فَقَدْ يُخْطِئُ صَائِدُهُ وَيُصِيبُهُ وَالْبُلْدَانُ وَإِنْ كان منها ما يُخْطِئُهُ لَحْمٌ يَجُوزُ فيه في كل يَوْمٍ أو بها بَعْضُ اللَّحْمِ دُونَ بَعْضٍ فإن الْغَنَمَ تَكَادُ أَنْ تَكُونَ مَوْجُودَةً وَالْإِبِلُ وَالْبَقَرُ فيؤخذ ( ( ( فيأخذ ) ) ) الْمُسَلَّفَ الْبَائِعُ بِأَنْ يَذْبَحَ فَيُوَفِّيَ صَاحِبَهُ حَقَّهُ لِأَنَّ الذَّبْحَ له مُمْكِنٌ بِالشِّرَاءِ وَلَا يَكُونُ الصَّيْدُ له مُمْكِنًا بِالشِّرَاءِ وَالْأَخْذِ كما يُمْكِنُهُ الْأَنِيسُ فَإِنْ كان بِبَلَدٍ يَتَعَذَّرُ بِهِ لَحْمُ الْأَنِيسِ أو شَيْءٌ منه في الْوَقْتِ الذي يُسَلِّفُ فيه لم يَجُزْ السَّلَفُ فيه في الْوَقْتِ الذي يَتَعَذَّرُ فيه وَلَا يَجُوزُ السَّلَفُ في لَحْمِ الْوَحْشِ إذَا كان مَوْجُودًا بِبَلَدٍ إلَّا على ما وَصَفْت من لَحْمِ الْأَنِيسِ أَنْ يَقُولَ لَحْمُ ظَبْيٍ أو أَرْنَبٍ أو تيتل ( ( ( ثيتل ) ) ) أو بَقَرِ وَحْشٍ أو حُمُرِ وَحْشٍ أو صِنْفٍ بِعَيْنِهِ وَيُسَمِّيهِ صَغِيرًا أو كَبِيرًا وَيُوصَفُ اللَّحْمُ كما وَصَفْت وَسَمِينًا أو مُنْقِيًا كما وَصَفْت في اللَّحْمِ لَا يُخَالِفُهُ في شَيْءٍ إلَّا أَنْ تَدْخُلَهُ خَصْلَةٌ لَا تَدْخُلُ لَحْمَ الْأَنِيسِ إنْ كان منه شَيْءٌ يُصَادُ بِشَيْءٍ يَكُونُ لَحْمُهُ معه طَيِّبًا وَآخَرُ يُصَادُ بِشَيْءٍ يَكُونُ لَحْمُهُ معه غير طَيِّبٍ شَرَطَ صَيْدَ كَذَا دُونَ صَيْدِ كَذَا فَإِنْ لم يَشْرِطْ سئل ( ( ( مثل ) ) ) أَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ فَإِنْ كَانُوا يُبَيِّنُونَ في بَعْضِ اللَّحْمِ الْفَسَادَ فَالْفَسَادُ عَيْبٌ وَلَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ فَإِنْ كَانُوا يَقُولُونَ ليس بِفَسَادٍ وَلَكِنْ صَيْدُ كَذَا أَطْيَبُ فَلَيْسَ هذا بِفَسَادٍ وَلَا يُرَدُّ على الْبَائِعِ وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ وَهَذَا يُدْخِلُ الْغَنَمَ فَيَكُونُ بَعْضُهَا أَطْيَبَ لَحْمًا من بَعْضٍ وَلَا يُرَدُّ من لَحْمِهِ شيء إلَّا من فَسَادٍ ( قال ) وَمَتَى أَمْكَنَ السَّلَفُ في الْوَحْشِ فَالْقَوْلُ فيه كَالْقَوْلِ في الْأَنِيسِ فَإِنَّمَا يَجُوزُ بِصِفَةٍ وَسِنٍّ وَجِنْسٍ وَيَجُوزُ السَّلَفُ في لَحْمِ الطَّيْرِ كُلِّهِ بِصِفَةٍ وَسَمَانَةٍ وَإِنْقَاءٍ وَوَزْنٍ غير أَنَّهُ لَا سِنَّ له وَإِنَّمَا يُبَاعُ بِصِفَةٍ مَكَانَ السِّنِّ بِكَبِيرٍ وَصَغِيرٍ وما احْتَمَلَ أَنْ يُبَاعَ مُبَعَّضًا بِصِفَةٍ مَوْصُوفَةٍ وما لم يَحْتَمِلْ أَنْ يُبَعَّضَ لِصِغَرِهِ وُصِفَ طَائِرُهُ وَسَمَانَتُهُ وَأَسْلَمَ فيه بِوَزْنٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْلَمَ فيه بِعَدَدٍ وهو لَحْمٌ إنَّمَا يَجُوزُ الْعَدَدُ في الْحَيِّ دُونَ الْمَذْبُوحِ وَالْمَذْبُوحُ طَعَامٌ لَا يَجُوزُ إلَّا مَوْزُونًا وإذا أَسْلَمَ في لَحْمِ طَيْرٍ وَزْنًا لم يَكُنْ عليه أَنْ يَأْخُذَ في الْوَزْنِ رَأْسَهُ وَلَا رِجْلَيْهِ من دُونِ الْفَخِذَيْنِ لِأَنَّ رِجْلَيْهِ لَا لَحْمَ فِيهِمَا وَأَنَّ رَأْسَهُ إذَا قَصَدَ اللَّحْمَ كان مَعْرُوفًا أَنَّهُ لَا يَقَعُ عليه اسْمُ اللَّحْمِ الْمَقْصُودِ قَصْدُهُ - * الْحِيتَانُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْحِيتَانُ إذَا كان السَّلَفُ يَحِلُّ فيها في وَقْتٍ لَا يَنْقَطِعُ ما أُسْلِفَ فيه من أَيْدِي الناس بِذَلِكَ الْبَلَدِ جَازَ السَّلَفُ فيها وإذا كان الْوَقْتُ الذي يَحِلُّ فيه في بَلَدٍ يَنْقَطِعُ وَلَا يُوجَدُ فيه فَلَا خَيْرَ في السَّلَفِ فيها كما قُلْنَا في لَحْمِ الْوَحْشِ وَالْأَنِيسِ ( قال ) وإذا اسلم فيها اسلم في مَلِيحٍ بِوَزْنٍ أو طرى بِوَزْنٍ مَعْلُومٍ وَلَا يَجُوزُ السَّلَفُ فيه حتى يُسَمَّى كُلُّ حُوتٍ منه بِجِنْسِهِ فأنه يَخْتَلِفُ إختلاف اللَّحْمِ وَغَيْرِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلَّفَ في شَيْءٍ من الْحِيتَانِ إلَّا بِوَزْنٍ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَقَدْ تُجِيزُ السَّلَفَ في الْحَيَوَانِ عَدَدًا مَوْصُوفًا فما فَرْقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحِيتَانِ قِيلَ الْحَيَوَانُ يُشْتَرَى بِمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا المنفعه بِهِ في الْحَيَاةِ وَهِيَ المنفعه الْعُظْمَى فيه الجامعه وَالثَّانِيَةُ لِيُذْبَحَ فَيُؤْكَلَ فَأَجَزْت شِرَاءَهُ حَيًّا للمنفعه الْعُظْمَى وَلَسْت أُجِيزُ شِرَاءَهُ مَذْبُوحًا بِعَدَدٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إنْ قال أَبِيعُك لَحْمَ شَاةٍ ثنيه ماعزه ولم يَشْتَرِطْ وَزْنًا لم أُجِزْهُ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ قَدْرَ اللَّحْمِ بالصفه وَإِنَّمَا يَعْرِفُ قَدْرَهُ بِالْوَزْنِ وَلِأَنَّ الناس إنَّمَا اشْتَرَوْا من كل ما يُؤْكَلُ وَيُشْرَبُ
____________________

(3/111)


الْجُزَافَ مِمَّا يُعَايِنُونَ فَأَمَّا ما يُضْمَنُ فَلَيْسَ يَشْتَرُونَهُ جُزَافًا ( قال ) وَالْقِيَاسُ في السَّلَفِ في لَحْمِ الْحِيتَانِ يُوزَنُ لَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ ان يُوزَنَ عليه الذَّنَبُ من حَيْثُ يَكُونُ لَا لَحْمَ فيه وَيَلْزَمُهُ ما يَقَعُ عليه اسْمُ ذَنَبٍ مِمَّا عليه لَحْمٌ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُوزَن عليه فيه الرَّأْسِ وَيَلْزَمُهُ ما بين ذلك إلَّا أَنْ يَكُونَ من حُوتٍ كَبِيرٍ فيسمى وَزْنًا من الْحُوتِ مِمَّا أَسْلَفَ فيه مَوْضِعًا منه لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّفَ فيه إلَّا في مَوْضِعٍ إذَا احْتَمَلَ ما تَحْتَمِلُ الْغَنَمُ من أَنْ يَكُونَ يُوجَدُ في مَوْضِعٍ منه ما سَلَّفَ فيه وَيَصِفُ لِمَوْضِعِ الذي سَلَّفَ فيه وإذا لم يَحْتَمِلْ كان كما وَصَفْت في الطَّيْرِ - * الرؤس ( ( ( الرءوس ) ) ) وَالْأَكَارِعُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يَجُوزُ عِنْدِي السَّلَفُ في شَيْءٍ من الرُّءُوسِ من صِغَارِهَا وَلَا كِبَارِهَا وَلَا الْأَكَارِعُ لِأَنَّا لَا نُجِيزُ السَّلَفَ في شَيْءٍ سِوَى الْحَيَوَانِ حتى نَجِدَهُ بِذَرْعٍ أو كَيْلٍ أو وَزْنٍ فَأَمَّا عَدَدٌ مُنْفَرِدٌ فَلَا وَذَلِكَ أَنَّهُ قد يَكُونُ يَشْتَبِهُ ما يَقَعُ عليه اسْمُ الصَّغِيرِ وهو مُتَبَايِنٌ وما يَقَعُ عليه اسْمُ الْكَبِيرِ وهو مُتَبَايِنٌ فإذا لم نَجِدْ فيه كما حَدَّدْنَا في مِثْلِهِ من الْوَزْنِ وَالذَّرْعِ وَالْكَيْلِ أَجَزْنَاهُ غير مَحْدُودٍ وَإِنَّمَا نَرَى الناس تَرَكُوا وَزْنَ الرُّءُوسِ لِمَا فيها من سَقَطِهَا الذي يُطْرَحُ وَلَا يُؤْكَلُ مِثْلُ الصُّوفِ وَالشَّعْرِ عليه وَمِثْلُ أَطْرَافِ مَشَافِرِهِ وَمَنَاخِرِهِ وَجُلُودِ خَدَّيْهِ وما أَشْبَهَ ذلك مِمَّا لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ منه غير أَنَّهُ فيه غَيْرُ قَلِيلٍ فَلَوْ وَزَنُوهُ وَزَنُوا معه غير ما يُؤْكَلُ من صُوفٍ وَشَعْرٍ وَغَيْرِهِ وَلَا يُشْبِهُ النَّوَى في التَّمْرِ لِأَنَّهُ قد يُنْتَفَعُ بِالنَّوَى وَلَا الْقِشْرَ في الْجَوْزِ لِأَنَّهُ قد يُنْتَفَعُ بِقِشْرِ الْجَوْزِ وَهَذَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ في شَيْءٍ ( قال ) وَلَوْ تَحَامَلَ رَجُلٌ فَأَجَازَهُ لم يَجُزْ عِنْدِي أَنْ يُؤْمَرَ أَحَدٌ بِأَنْ يُجِيزَهُ إلَّا مَوْزُونًا وَاَللَّهُ تَعَالَى اعلم وَلِإِجَازَتِهِ وَجْهٌ يَحْتَمِلُ بَعْضُ مَذَاهِبِ أَهْلِ الْفِقْهِ ما هو أَبْعَدُ منه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد وَصَفْت في غَيْرِ هذا الْمَوْضِعِ أَنَّ الْبُيُوعَ ضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا بَيْعُ عَيْنٍ قائمه فَلَا بَأْسَ أَنْ تُبَاعَ بِنَقْدٍ وَدَيْنٍ إذَا قُبِضَتْ الْعَيْنُ أو بَيْعُ شَيْءٍ مَوْصُوفٍ مَضْمُونٍ على بَائِعِهِ يَأْتِي بِهِ لَا بُدَّ عَاجِلًا أو إلَى أَجَلٍ وَهَذَا لَا يَجُوزُ حتى يَدْفَعَ الْمُشْتَرِي ثَمَنَهُ قبل أَنْ يَتَفَرَّقَ الْمُتَبَايِعَانِ وَهَذَانِ مُسْتَوِيَانِ إذَا شُرِطَ فيه أَجَلٌ أو ضَمَانٌ أو يَكُونُ أَحَدُ الْبَيْعَيْنِ نَقْدًا وَالْآخَرُ دَيْنًا أو مَضْمُونًا قال وَذَلِكَ أَنِّي إذَا بِعْتُك سلعه وَدَفَعْتهَا إلَيْك وكان ثَمَنُهَا إلَى أَجَلٍ فَالسِّلْعَةُ نَقْدٌ وَالثَّمَنُ إلَى أَجَلٍ مَعْرُوفٍ وإذا دَفَعْت إلَيْهِ مِائَةَ دِينَارٍ في طَعَامٍ مَوْصُوفٍ إلَى أَجَلٍ فَالْمِائَةُ نَقْدٌ وَالسِّلْعَةُ مَضْمُونَةٌ يَأْتِي بها صَاحِبُهَا لَا بُدَّ وَلَا خَيْرَ في دَيْنٍ بِدَيْنٍ وَلَوْ أشترى رَجُلٌ ثَلَاثِينَ رَطْلًا لَحْمًا بِدِينَارٍ وَدَفَعَهُ يَأْخُذُ كُلَّ يَوْمٍ رَطْلًا فَكَانَ أَوَّلُ مَحَلِّهَا حين دَفَعَ وَآخِرُهُ إلَى شَهْرٍ وَكَانَتْ صفقه واحده كانت فاسده وَرَدَّ مِثْلَ اللَّحْمِ الذي أَخَذَ أو قِيمَتَهُ إنْ لم يَكُنْ له مِثْلٌ وَذَلِكَ أَنَّ هذا دَيْنٌ بِدَيْنٍ وَلَوْ اشْتَرَى رِطْلًا مُنْفَرِدًا وَتِسْعَةً وَعِشْرِينَ بَعْدَهُ في صفقه غَيْرِ صَفْقَتِهِ كان الرِّطْلُ جَائِزًا وَالتِّسْعَةُ وَالْعِشْرُونَ منتقضه وَلَيْسَ أَخْذُهُ أَوَّلَهَا إذَا لم يَأْخُذْهَا في مَقَامٍ وَاحِدٍ بِاَلَّذِي يُخْرِجُهُ من أَنْ يَكُونَ دَيْنًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ ليس له أَنَّهُ أَنْ يَأْخُذَ رِطْلًا بَعْدَ الْأَوَّلِ إلَّا بمده تَأْتِي عليه وَلَا يُشْبِهُ هذا الرَّجُلَ يَشْتَرِي الطَّعَامَ بِدَيْنٍ وَيَأْخُذُ في إكتياله لِأَنَّ مَحِلَّهُ وَاحِدٌ وَلَهُ أَخْذُهُ كُلِّهِ في مَقَامِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ على أَخْذِهِ إلَّا هَكَذَا لَا أَجَلَ له وَلَوْ جَازَ هذا جَازَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِدِينَارٍ ثَلَاثِينَ صَاعًا حِنْطَةً يَأْخُذُ كُلَّ يَوْمٍ صَاعًا ( قال ) وَهَذَا هَكَذَا في الرُّطَبِ وَالْفَاكِهَةِ وَغَيْرِهَا كُلُّ شَيْءٍ لم يَكُنْ له قَبْضُهُ سَاعَةَ يَتَبَايَعَانِهِ مَعًا ولم يَكُنْ لِبَائِعِهِ دَفْعُهُ عن شَيْءٍ منه حين يَشْرَعُ في قَبْضِهِ كُلِّهِ لم يَجُزْ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا ( قال ) وَلَوْ جَازَ هذا في اللَّحْمِ جَازَ في كل شَيْءٍ من ثِيَابٍ وَطَعَامٍ وَغَيْرِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ قال قَائِلٌ هذا في اللَّحْمِ جَائِزٌ وقال هذا مِثْلُ الدَّارِ يَتَكَارَاهَا الرَّجُلُ إلَى أَجَلٍ فَيَجِبُ عليه من كِرَائِهَا بِقَدْرِ ما سَكَنَ ( قال ) وَهَذَا في الدَّارِ وَلَيْسَ كما قال وَلَوْ كان
____________________

(3/112)


كما قال كان أَنْ يَقِيسَ اللَّحْمَ بِالطَّعَامِ اولى بِهِ من أَنْ يَقِيسَهُ بِالسَّكَنِ لِبُعْدِ السَّكَنِ من الطَّعَامِ في الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فَإِنْ قال فما فَرْقُ بَيْنِهِمَا في الْفَرْعِ قِيلَ أَرَأَيْتُك إذَا أَكْرَيْتُك دَارًا شَهْرًا وَدَفَعْتهَا إلَيْك فلم تَسْكُنْهَا أَيَجِبُ عَلَيْك الْكِرَاءُ قال نعم قُلْت وَدَفَعْتهَا إلَيْك طَرْفَةَ عَيْنٍ إذَا مَرَّتْ المده التي اكْتَرَيْتهَا إلَيْهَا أَيَجِبُ عَلَيْك كِرَاؤُهَا قال نعم قُلْت أَفَرَأَيْت إذَا بِعْتُك ثَلَاثِينَ رِطْلًا لَحْمًا إلَى أَجَلٍ وَدَفَعْت إلَيْك رِطْلًا ثُمَّ مَرَّتْ ثَلَاثُونَ يَوْمًا ولم تَقْبِضْ غير الرِّطْلِ الْأَوَّلِ أَبْرَأُ من ثَلَاثِينَ رِطْلًا كما بَرِئْت من سَكَنِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فأن قال لَا قِيلَ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ في كل يَوْمٍ إلَى أَنْ يَبْرَأَ من رِطْلِ لَحْمٍ يَدْفَعُهُ إلَيْك لَا يُبْرِئُهُ ما قَبْلَهُ وَلَا الْمُدَّةُ منه إلَّا بِدَفْعِهِ قال نعم وَيُقَالُ له ليس هَكَذَا الدَّارُ فإذا قال لَا قِيلَ أَفَمَا تَرَاهُمَا مُفْتَرِقَيْنِ في الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَالِاسْمِ فَكَيْفَ تَرَكْت أَنْ تَقِيسَ اللَّحْمَ بِالْمَأْكُولِ الذي هو في مِثْلِ مَعْنَاهُ من الرِّبَا وَالْوَزْنِ وَالْكَيْلِ وَقِسْته بِمَا لَا يُشْبِهُهُ أو رَأَيْت إذَا أَكْرَيْتُك تِلْكَ الدَّارَ بِعَيْنِهَا فَانْهَدَمَتْ أَيَلْزَمُنِي أَنْ أُعْطِيَك دَارًا بِصِفَتِهَا فَإِنْ قال لَا قِيلَ فإذا بَاعَك لَحْمًا بِصِفَةٍ وَلَهُ ماشيه فَمَاتَتْ مَاشِيَتُهُ أَيَلْزَمُهُ أَنْ يُعْطِيَك لَحْمًا بِالصِّفَةِ فإذا قال نعم قِيلَ أَفْتَرَاهُمَا مُفْتَرِقَيْنِ في كل أَمْرِهِمَا فَكَيْفَ تَقِيسُ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ وإذا اسلف من مَوْضِعٍ في اللَّحْمِ الْمَاعِزَ بِعَيْنِهِ بِوَزْنٍ أعطى من ذلك الْمَوْضِعِ من شَاةٍ واحده فَإِنْ عَجَزَ ذلك الْمَوْضِعُ عن مَبْلَغِ صِفَةِ السَّلَمِ أَعْطَاهُ من شَاةٍ غَيْرِهَا مِثْلِ صِفَتِهَا وَلَوْ أَسْلَفَهُ في طَعَامِ غَيْرِهِ فَأَعْطَاهُ بَعْضَ طَعَامِهِ أَجْوَدَ من شَرْطِهِ لم يَكُنْ له عليه أَنْ يُعْطِيَهُ ما بَقِيَ منه أَجْوَدَ من شَرْطِهِ إذَا أَوْفَاهُ شَرْطَهُ وَلَيْسَ عليه أَكْثَرُ منه - * بَابُ السَّلَفِ في الْعِطْرِ وَزْنًا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَكُلُّ ما لَا يَنْقَطِعُ من أَيْدِي الناس من الْعِطْرِ وَكَانَتْ له صِفَةٌ يُعْرَفُ بها وَوَزْنٌ جَازَ السَّلَفُ فيه فإذا كان الِاسْمُ منه يَجْمَعُ أَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةَ الجوده لم يَجُزْ حتى يُسَمِّيَ ما أَسْلَفَ فيه منها كما يَجْمَعُ التَّمْرَ اسْمُ التَّمْرِ وَيُفَرَّقُ بها اسماء تَتَبَايَنُ فَلَا يَجُوزُ السَّلَفُ فيها إلَّا بِأَنْ يسمى الصِّنْفَ الذي أَسْلَمَ فيه ويسمى جَيِّدًا منه وَرَدِيئًا فَعَلَى هذا أَصْلُ السَّلَفِ في الْعِطْرِ وَقِيَاسُهُ فَالْعَنْبَرُ منه الْأَشْهَبُ وَالْأَخْضَرُ وَالْأَبْيَضُ وَغَيْرُهُ وَلَا يَجُوزُ السَّلَفُ فيه حتى يُسَمَّى أَشْهَبَ أو أَخْضَرَ جَيِّدًا وَرَدِيئًا وَقِطَعًا صِحَاحًا وَزْنَ كَذَا وَإِنْ كُنْت تُرِيدُهُ أَبْيَضَ سَمَّيْت أَبْيَضَ وَإِنْ كُنْت تُرِيدُهُ قِطْعَةً واحده سَمَّيْته قِطْعَةً وَاحِدَةً وَإِنْ لم تُسَمِّ هَكَذَا أو سَمَّيْت قِطَعًا صِحَاحًا لم يَكُنْ لَك ذلك مُفَتَّتًا وَذَلِكَ أَنَّهُ مُتَبَايِنٌ في الثَّمَنِ وَيَخْرُجُ من أَنْ يَكُونَ بِالصِّفَةِ التي سُلِّفَ وَإِنْ سَمَّيْت عَنْبَرًا وَوَصَفْت لَوْنَهُ وَجَوْدَتَهُ كان لَك عَنْبَرٌ في ذلك اللَّوْنِ والجوده صِغَارًا أَعْطَاهُ أو كِبَارًا وَإِنْ كان في الْعَنْبَرِ شَيْءٌ مُخْتَلِفٌ بِالْبُلْدَانِ وَيُعْرَفُ بِبُلْدَانِهِ أَنَّهُ لم يَجُزْ حتى يُسَمَّى عَنْبَرَ بَلَدِ كَذَا كما لَا يَجُوزُ في الثِّيَابِ حتى يَقُولَ مَرْوِيًّا أو هَرَوِيًّا ( قال ) وقد زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمِسْكِ أَنَّهُ سُرَّةُ دَابَّةٍ كَالظَّبْيِ تُلْقِيهِ في وَقْتٍ من الْأَوْقَاتِ وَكَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ دَمٌ يُجْمَعُ فَكَأَنَّهُ يَذْهَبُ إلَى أَنْ لَا يَحِلَّ التَّطَيُّبُ بِهِ لِمَا وَصَفْت قال كَيْفَ جَازَ لَك أَنْ تُجِيزَ التَّطَيُّبَ بِشَيْءٍ وقد أَخْبَرَك أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّهُ أُلْقِيَ من حَيٍّ وما ألقى من حَيٍّ كان عِنْدَك في مَعْنَى الْمَيْتَةِ فَلِمَ تَأْكُلُهُ ( قال ) فَقُلْت له قُلْت بِهِ خَبَرًا وَإِجْمَاعًا وَقِيَاسًا قال فَاذْكُرْ فيه الْقِيَاسَ قُلْت الْخَبَرُ أَوْلَى بِك قال سَأَسْأَلُك عنه فأذكر فيه الْقِيَاسَ قُلْت قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَإِنَّ لَكُمْ في الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا في بُطُونِهِ من بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ } فَأَحَلَّ شيئا يَخْرُجُ من حَيٍّ إذَا كان من حَيٍّ يَجْمَعُ معنيين ( ( ( معنيي ) ) ) الطِّيبِ وَأَنْ ليس بِعُضْوٍ منه يَنْقُصُهُ خُرُوجُهُ منه حتى لَا يَعُودَ مَكَانَهُ مِثْلُهُ وَحُرِّمَ الدَّمُ من مَذْبُوحٍ وَحَيٍّ فلم يَحِلَّ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْكُلَ دَمًا مَسْفُوحًا من ذَبْحٍ أو غَيْرِهِ فَلَوْ كنا حَرَّمْنَا الدَّمَ لِأَنَّهُ
____________________

(3/113)


يَخْرُجُ من حَيٍّ أَحْلَلْنَاهُ من الْمَذْبُوحِ وَلَكِنَّا حَرَّمْنَاهُ لِنَجَاسَتِهِ وَنَصِّ الْكِتَابِ بِهِ مِثْلُ الْبَوْلِ وَالرَّجِيعِ من قِبَلِ أَنَّهُ ليس من الطَّيِّبَاتِ قِيَاسًا على ما وَجَبَ غَسْلُهُ مِمَّا يَخْرُجُ من الْحَيِّ من الدَّمِ وكان في الْبَوْلِ وَالرَّجِيعِ يَدْخُلُ بِهِ طَيِّبًا وَيَخْرُجُ خَبِيثًا وَوَجَدْت الْوَلَدَ يَخْرُجُ من حَيٍّ حَلَالًا وَوَجَدْت البيضه تَخْرُجُ من بَائِضَتِهَا حيه فَتَكُونُ حَلَالًا بِأَنَّ هذا من الطَّيِّبَاتِ فَكَيْفَ أَنْكَرْت في الْمِسْكِ الذي هو غَايَةٌ من الطَّيِّبَاتِ إذَا خَرَجَ من حَيٍّ أَنْ يَكُونَ حَلَالًا وَذَهَبْت إلَى أَنْ تُشَبِّهَهُ بِعُضْوٍ قُطِعَ من حَيٍّ وَالْعُضْوُ الذي قُطِعَ من حَيٍّ لَا يَعُودُ فيه أَبَدًا وَيُبَيِّنُ فيه نَقْصًا وَهَذَا يَعُودُ زَعَمْت بِحَالِهِ قبل أَنْ يَسْقُطَ منه أَفَهُوَ بِاللَّبَنِ وَالْبَيْضَةِ وَالْوَلَدِ أَشْبَهُ أَمْ هو بِالدَّمِ وَالْبَوْلِ وَالرَّجِيعِ أَشْبَهُ فقال بَلْ بِاللَّبَنِ وَالْبَيْضَةِ وَالْوَلَدِ أَشْبَهُ إذَا كانت تَعُودُ بِحَالِهَا أَشْبَهَ منه بِالْعُضْوِ يُقْطَعُ منها وَإِنْ كان أَطْيَبَ من اللَّبَنِ وَالْبَيْضَةِ وَالْوَلَدِ يَحِلُّ وما دُونَهُ في الطَّيِّبِ من اللَّبَنِ وَالْبَيْضِ يَحِلُّ لِأَنَّهُ طَيِّبٌ كان هو أَحَلُّ لِأَنَّهُ أَعْلَى في الطَّيِّبِ وَلَا يُشْبِهُ الرَّجِيعُ الْخَبِيثَ ( قال ) فما الْخَبَرُ قُلْت ( أخبرنا ) الزَّنْجِيُّ عن مُوسَى بن عقبه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَهْدَى لِلنَّجَاشِيِّ أَوَاقِيَ مِسْكٍ فقال لِأُمِّ سلمه إنِّي قد أَهْدَيْت لِلنَّجَاشِيِّ أَوَاقِيَ مِسْكٍ وَلَا أَرَاهُ إلَّا قد مَاتَ قبل أَنْ يَصِلَ إلَيْهِ فأن جَاءَتْنَا وَهَبْت لَك كَذَا فَجَاءَتْهُ فَوَهَبَ لها وَلِغَيْرِهَا منه ( قال ) وَسُئِلَ بن عُمَرَ عن الْمِسْكِ أَحَنُوطٌ هو فقال أو ليس من أَطْيَبِ طِيبِكُمْ وَتَطَيَّبَ سَعْدٌ بِالْمِسْكِ وَالذَّرِيرَةِ وَفِيهِ الْمِسْكُ وبن عَبَّاسٍ بِالْغَالِيَةِ قبل يُحْرِمَ وَفِيهَا الْمِسْكُ ولم أَرَ الناس عِنْدَنَا أختلفوا في إبَاحَتِهِ ( قال ) فقال لي قَائِلٌ خُبِّرْت أَنَّ الْعَنْبَرَ شَيْءٌ يَنْبِذُهُ حُوتٌ من جَوْفِهِ فَكَيْفَ أَحْلَلْت ثَمَنَهُ قُلْت أخبرني عَدَدٌ مِمَّنْ أَثِقُ بِهِ أَنَّ الْعَنْبَرَ نَبَاتٌ يَخْلُقُهُ اللَّهُ تَعَالَى في حِشَافٍ في الْبَحْرِ فقال لي منهم نَفَرٌ حَجَبَتْنَا الرِّيحُ إلَى جزيره فَأَقَمْنَا بها وَنَحْنُ نَنْظُرُ من فَوْقِهَا إلَى حَشَفَةٍ خَارِجَةٍ من الْمَاءِ منها عليها عنبره أَصْلُهَا مُسْتَطِيلٌ كَعُنُقِ الشَّاةِ وَالْعَنْبَرَةُ مَمْدُودَةٌ في فَرْعِهَا ثُمَّ كنا نَتَعَاهَدُهَا فَنَرَاهَا تَعْظُمُ فَأَخَّرْنَا أَخْذَهَا رَجَاءَ أَنْ تَزِيدَ عِظَمًا فَهَبَّتْ رِيحٌ فَحَرَّكَتْ الْبَحْرَ فَقَطَعَتْهَا فَخَرَجَتْ مع الْمَوْجِ ولم يَخْتَلِفْ على أَهْلِ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ كما وَصَفُوا وَإِنَّمَا غَلِطَ من قال إنَّهُ يَجِدُهُ حُوتٌ أو طَيْرٌ فَيَأْكُلُهُ لِلِينِهِ وَطِيبِ رِيحِهِ وقد زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَا تَأْكُلُهُ دابه إلَّا قَتَلَهَا فَيَمُوتُ الْحُوتُ الذي يَأْكُلُهُ فَيَنْبِذُهُ الْبَحْرُ فَيُؤْخَذُ فَيُشَقُّ بَطْنُهُ فَيُسْتَخْرَجُ منه قال فما تَقُولُ فِيمَا أستخرج من بَطْنِهِ قُلْت يُغْسَلُ عنه شَيْءٌ أَصَابَهُ من أَذَاهُ وَيَكُونُ حَلَالًا أَنْ يُبَاعَ وَيُتَطَيَّبَ بِهِ من قِبَلِ أَنَّهُ مُسْتَجْسَدٌ غَلِيظٌ غَيْرُ مُنَفِّرٍ لَا يُخَالِطُهُ شَيْءٌ أَصَابَهُ فَيَذْهَبُ فيه كُلِّهِ إنَّمَا يُصِيبُ ما ظَهَرَ منه كما يُصِيبُ ما ظَهَرَ من الْجِلْدِ فَيُغْسَلُ فَيَطْهُرُ وَيُصِيبُ الشَّيْءَ من الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ وَالْحَدِيدِ فَيُغْسَلُ فَيَطْهُرُ وَالْأَدِيمُ ( قال ) فَهَلْ في الْعَنْبَرِ خَبَرٌ قُلْت لَا أَعْلَمُ أَحَدًا من أَهْلِ الْعِلْمِ خَالَفَ في أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْعَنْبَرِ وَلَا أَحَدَ من أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْعَنْبَرِ قال في الْعَنْبَرِ إلَّا ما قُلْت لَك من أَنَّهُ نَبَاتٌ وَالنَّبَاتُ لَا يَحْرُمُ منه شَيْءٌ ( قال ) فَهَلْ فيه أَثَرٌ قُلْت نعم ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن بن طَاوُسٍ عن أبيه عن بن عَبَّاسٍ سُئِلَ عن الْعَنْبَرِ فقال إنْ كان فيه شَيْءٌ فَفِيهِ الْخُمُسُ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن عيينه عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن أذينه أَنَّ بن عَبَّاسٍ قال ليس في الْعَنْبَرِ زَكَاةٌ إنَّمَا هو شَيْءٌ دَسَرَهُ الْبَحْرُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمِسْكِ وَزْنًا في فَارَةٍ لِأَنَّ الْمِسْكَ مَغِيبٌ وَلَا يُدْرَى كَمْ وَزْنُهُ من وَزْنِ جُلُودِهِ
____________________

(3/114)


وَالْعُودُ يَتَفَاضَلُ تَفَاضُلًا كَثِيرًا فَلَا يَجُوزُ حتى يُوصَفَ كُلُّ صِنْفٍ منه وَبَلَدُهُ وَسَمْتُهُ الذي يُمَيِّزُهُ بِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ كما لَا يَجُوزُ في الثِّيَابِ إلَّا ما وَصَفْت من تَسْمِيَةِ أَجْنَاسِهِ وهو أَشَدُّ تَبَايُنًا من التَّمْرِ وَرُبَّمَا رَأَيْت المنامنة بِمِائَتَيْ دِينَارٍ والمنامن صِنْفٍ غَيْرِهِ بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ وَكِلَاهُمَا يُنْسَبُ إلَى الجوده من صِنْفِهِ وَهَكَذَا الْقَوْلُ في كل مَتَاعِ الْعَطَّارِينَ مِمَّا يَتَبَايَنُ منه بِبَلَدٍ أو لَوْنٍ أو عِظَمٍ لم يَجُزْ السَّلَفُ فيه حتى يسمي ذلك وما لَا يَتَبَايَنُ بِشَيْءٍ من هذا وُصِفَ بِالْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ وَجِمَاعِ الِاسْمِ وَالْوَزْنِ وَلَا يَجُوزُ السَّلَفُ في شَيْءٍ منه يَخْلِطُهُ عَنْبَرًا لَا خَلِيًّا من الْعَنْبَرِ أو الْغِشِّ الشَّكُّ من الرَّبِيعِ فَإِنْ شَرَطَ شيئا بِتُرَابِهِ أو شيئا بِقُشُورِهِ وَزْنًا إنْ كانت قُشُورُهُ لَيْسَتْ مِمَّا تَنْفَعُهُ أو شيئا يَخْتَلِطُ بِهِ غَيْرُهُ منه لَا يُعْرَفُ قَدْرُ هذا من قَدْرِ هذا لم يَجُزْ السَّلَفُ فيه ( قال ) وفي الْفَأْرِ إنْ كان من صَيْدِ الْبَحْرِ مِمَّا يَعِيشُ في الْبَحْرِ فَلَا بَأْسَ بها وَإِنْ كانت تَعِيشُ في الْبَرِّ وَكَانَتْ فَأْرًا لم يَجُزْ بَيْعُهَا وَشِرَاؤُهَا إذَا لم تُدْبَغْ وَإِنْ دُبِغَتْ فَالدِّبَاغُ لها طَهُورٌ فَلَا بَأْسَ بِبَيْعِهَا وَشِرَائِهَا وقال في كل جِلْدٍ على عِطْرٍ وَكُلِّ ما خَفِيَ عليه من عِطْرِ وَدَوَاءِ الصَّيَادِلَةِ وَغَيْرِهِ مِثْلُ هذا الْقَوْلِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ بَيْعُ جِلْدٍ من كَلْبٍ وَلَا خِنْزِيرٍ وَإِنْ دُبِغَ وَلَا غير مَدْبُوغٍ وَلَا شَيْءَ مِنْهُمَا وَلَا من وَاحِدٍ مِنْهُمَا - * بَابُ مَتَاعِ الصَّيَادِلَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَتَاعُ الصَّيَادِلَةِ كُلُّهُ من الْأَدْوِيَةِ كَمَتَاعِ الْعَطَّارِينَ لَا يَخْتَلِفُ فما يَتَبَايَنُ بِجِنْسٍ أو لَوْنٍ أو غَيْرِ ذلك يُسَمَّى ذلك الْجِنْسُ وما تباين ( ( ( يتباين ) ) ) وَيُسَمَّى وَزْنًا وَجَدِيدًا وَعَتِيقًا فإنه إذَا تَغَيَّرَ لم يَعْمَلْ عَمَلَهُ جَدِيدًا وما اخْتَلَطَ منه بِغَيْرِهِ لم يَجُزْ كما قُلْت في مَتَاعِ الْعَطَّارِينَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلَّفَ في شَيْءٍ منه إلَّا وَحْدَهُ أو معه غَيْرُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعْرُوفُ الْوَزْنِ وَيَأْخُذُهُمَا مُتَمَيِّزَيْنِ فَأَمَّا أَنْ يُسَلَّفَ منه في صِنْفَيْنِ مَخْلُوطَيْنِ أو أَصْنَافٍ مِثْلُ الأدويه الْمُحَبَّبَةِ أو الْمَجْمُوعَةِ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ بِغَيْرِ عَجْنٍ وَلَا تَحْبِيبٍ فَلَا يَجُوزُ ذلك لِأَنَّهُ لَا يُوقَفُ على حَدِّهِ وَلَا يُعْرَفُ وَزْنُ كل وَاحِدٍ منه وَلَا جَوْدَتُهُ وَلَا رَدَاءَتُهُ إذَا اخْتَلَطَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما يُوزَنُ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ إذَا كان هَكَذَا قِيَاسًا على ما وَصَفْت لَا يَخْتَلِفُ وإذا اخْتَلَفَ سُمِّيَ أَجْنَاسُهُ وإذا اخْتَلَفَ في الوانه سُمِّيَ الوانه وإذا تَقَارَبَ سُمِّيَ وَزْنُهُ فَعَلَى هذا هذا الْبَابُ وقياسة ( قال ) وما خَفِيَتْ مَعْرِفَتُهُ من مَتَاعِ الصَّيَادِلَةِ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَا يَخْلُصُ من الْجِنْسِ الذي يُخَالِفُهُ وما لم يَكُنْ منها إذَا رىء عَمَّتْ مَعْرِفَتُهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ الْعُدُولِ من الْمُسْلِمِينَ لم يَجُزْ السَّلَفُ فيه وَلَوْ كانت مَعْرِفَتُهُ عامه عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ وَالصَّيَادِلَةِ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ أو عَبِيدِ الْمُسْلِمِينَ أو غَيْرِ عُدُولٍ لم أُجِزْ السَّلَفَ فيه وَإِنَّمَا أُجِيزُهُ فِيمَا أَجِدُ مَعْرِفَتَهُ عَامَّةً عِنْدَ عُدُولٍ من الْمُسْلِمِينَ من أَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ وَأَقَلُّ ذلك أَنْ أَجِدَ عليه عَدْلَيْنِ يَشْهَدَانِ على تَمْيِيزِهِ وما كان من مَتَاعِ الصَّيَادِلَةِ من شَيْءٍ مُحَرَّمٍ لم يَحِلَّ بَيْعُهُ وَلَا شِرَاؤُهُ وما لم يَحِلَّ شِرَاؤُهُ لم يَجُزْ السَّلَفُ فيه لِأَنَّ السَّلَفَ بَيْعٌ من الْبُيُوعِ وَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَلَا شُرْبُهُ وما كان منها مِثْلُ الشَّجَرِ الذي ليس فيه تَحْرِيمٌ إلَّا من جِهَةِ أَنْ يَكُونَ مُضِرًّا فَكَانَ سُمًّا لم يَحِلَّ شِرَاءُ السُّمِّ لِيُؤْكَلَ وَلَا يُشْرَبْ فَإِنْ كان يُعَالَجُ بِهِ من ظَاهِرِ شَيْءٍ لَا يَصِلُ إلَى جَوْفٍ وَيَكُونُ إذَا كان طَاهِرًا مَأْمُونًا لَا ضَرَرَ فيه على أَحَدٍ مَوْجُودِ المنفعه في دَاءٍ فَلَا بَأْسَ بِشِرَائِهِ وَلَا خَيْرَ في شِرَاءِ شَيْءٍ يُخَالِطُهُ لُحُومُ الْحَيَّاتِ التِّرْيَاقُ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ الْحَيَّاتِ مُحَرَّمَاتٌ لِأَنَّهُنَّ من غَيْرِ الطَّيِّبَاتِ وَلِأَنَّهُ مُخَالِطُهُ مَيْتَةٌ وَلَا لَبَنُ ما لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ من غَيْرِ الْآدَمِيِّينَ وَلَا بَوْلُ ما لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَلَا غَيْرُهُ وَالْأَبْوَالُ كُلُّهَا نجسه لَا تَحِلُّ إلَّا في ضروره فَعَلَى ما وَصَفْت هذا الْبَابُ كُلُّهُ وقياسة ( قال ) وَجِمَاعُ ما يُحَرَّمُ أَكْلُهُ في ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ خَاصَّةً إلَّا ما حُرِّمَ من الْمُسْكِرِ وَلَا في شَيْءٍ من الْأَرْضِ وَالنَّبَاتِ حَرَامٌ إلَّا من جِهَةِ
____________________

(3/115)


أَنْ يَضُرَّ كَالسُّمِّ وما أَشْبَهَهُ فما دخل في الدَّوَاءِ من ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ فَكَانَ مُحَرَّمَ الْمَأْكُولِ فَلَا يَحِلُّ وما لم يَكُنْ مُحَرَّمَ الْمَأْكُولِ فَلَا بَأْسَ - * بَابُ السَّلَفِ في اللُّؤْلُؤِ وَغَيْرِهِ من مَتَاعِ أَصْحَابِ الْجَوْهَرِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يَجُوزُ عِنْدِي السَّلَفُ في اللُّؤْلُؤِ وَلَا في الزَّبَرْجَدِ وَلَا في الْيَاقُوتِ وَلَا في شَيْءٍ من الحجاره التي تَكُونُ حُلِيًّا من قِبَلِ أَنِّي لو قُلْت سَلَّفْت في لُؤْلُؤَةٍ مدحرجه صافيه وَزْنُهَا كَذَا وَكَذَا وَصِفَتُهَا مُسْتَطِيلَةٌ وَوَزْنُهَا كَذَا كان الْوَزْنُ في اللُّؤْلُؤَةِ مع هذه الصِّفَةِ تَسْتَوِي صِفَاتُهُ وَتَتَبَايَنُ لِأَنَّ منه ما يَكُونُ أَثْقَلَ من غَيْرِهِ فَيَتَفَاضَلُ بِالثِّقَلِ وَالْجَوْدَةِ وَكَذَلِكَ الْيَاقُوتُ وَغَيْرُهُ فإذا كان هَكَذَا فِيمَا يُوزَنُ كان اخْتِلَافُهُ لو لم يُوزَنْ في اسْمِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ أَشَدَّ اخْتِلَافًا وَلَوْ لم افسده من قَبْلُ الصفاء ( ( ( للصفاء ) ) ) وَإِنْ تَبَايَنَ وَأَعْطَيْته أَقَلَّ ما يَقَعُ عليه اسْمُ الصَّفَاءِ أُفْسِدَ من حَيْثُ وَصَفْت لِأَنَّ بَعْضَهُ أَثْقَلُ من بَعْضٍ فَتَكُونُ الثَّقِيلَةُ الْوَزْنِ بَيِّنًا وَهِيَ صغيره وَأُخْرَى أَخَفُّ منها وَزْنًا بِمِثْلِ وَزْنِهَا وَهِيَ كَبِيرَةٌ فَيَتَبَايَنَانِ في الثَّمَنِ تَبَايُنًا مُتَفَاوِتًا وَلَا أَضْبِطُ أَنْ أَصِفَهَا بِالْعِظَمِ أَبَدًا إذَا لم تُوزَنْ لِأَنَّ اسْمَ الْعِظَمِ لَا يَضْبِطُ إذَا لم يَكُنْ معه وَزْنٌ فلما تَبَايَنَ اخْتِلَافُهُمَا بِالْوَزْنِ كان اخْتِلَافُهُمَا غَيْرُ مَوْزُونَيْنِ أَشَدَّ تَبَايُنًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - * بَابُ السَّلَفِ في التِّبْرِ غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَلِّفَ ذَهَبًا أو فِضَّةً أو عَرَضًا من الْعُرُوضِ ما كان في تِبْرِ نُحَاسٍ أو حَدِيدٍ أو آنُكَ بِوَزْنٍ مَعْلُومٍ وَصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ وَالْقَوْلُ فيه كُلِّهِ كَالْقَوْلِ فِيمَا وَصَفْت من الْإِسْلَافِ فيه إنْ كان في الْجِنْسِ منه شَيْءٌ يَتَبَايَنُ في أَلْوَانِهِ فَيَكُونُ صِنْفٌ أَبْيَضُ وَآخَرُ أَحْمَرُ وَصَفَ اللَّوْنَ الذي سَلَّفَ فيه وَكَذَلِكَ إنْ كان يَتَبَايَنُ في اللَّوْنِ في أَجْنَاسِهِ وَكَذَلِكَ إنْ كان يَتَبَايَنُ في لِينِهِ وَقَسْوَتِهِ وَكَذَلِكَ إنْ كان يَتَبَايَنُ في خَلَاصِهِ وَغَيْرِ خَلَاصِهِ لم يَجُزْ أَنْ يَتْرُكَ من هذه الصِّفَةِ شيئا إلَّا وَصَفَهُ فَإِنْ تَرَكَ منه شيئا وَاحِدًا فَسَدَ السَّلَفُ وَكَذَلِكَ إنْ تَرَكَ أَنْ يَقُولَ جَيِّدًا أو رَدِيئًا فَسَدَ السَّلَفُ وَهَكَذَا هذا في الْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ وَالْآنُكِ وَالزَّاوُوقِ فإن الزَّاوُوقَ يَخْتَلِفُ مع هذا في رِقَّتِهِ وَثَخَانَتِهِ يُوصَفُ ذلك وَكُلُّ صِنْفٍ منه اخْتَلَفَ في شَيْءٍ في غَيْرِهِ وُصِفَ حَيْثُ يَخْتَلِفُ كما قُلْنَا في الْأَمْرِ الْأَوَّلِ وَهَكَذَا هذا في الزِّرْنِيخِ وَغَيْرِهِ وَجَمِيعِ ما يُوزَنُ مِمَّا يَقَعُ عليه اسْمُ الصِّنْفِ من الشَّبِّ وَالْكِبْرِيتِ وَحِجَارَةِ الْأَكْحَالِ وَغَيْرِهَا الْقَوْلُ فيها قَوْلٌ وَاحِدٌ كَالْقَوْلِ في السَّلَفِ فِيمَا قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا - * بَابُ السَّلَفِ في صَمْغِ الشَّجَرِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَكَذَا السَّلَفُ في اللُّبَانِ وَالْمُصْطَكَى وَالْغِرَاءِ وَصَمْغِ الشَّجَرِ كُلِّهِ ما كان منه من شجره واحده كَاللُّبَانِ وُصِفَ بِالْبَيَاضِ وَأَنَّهُ غَيْرُ ذَكَرٍ فَإِنْ كان منه شَيْءٌ يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ يَقُولُونَ له ذَكَرٌ إذَا مُضِغَ فَسَدَ وما كان منه من شَجَرٍ شَتَّى مِثْلُ الْغِرَاءِ وُصِفَ شَجَرُهُ وما تَبَايَنَ منه وَإِنْ كان من شجره واحده وُصِفَ كما وَصَفْت في اللُّبَانِ وَلَيْسَ في صَغِيرِ هذا وَكَبِيرِهِ تَبَايُنٌ يُوصَفُ بِالْوَزْنِ وَلَيْسَ على صَاحِبِهِ أَنْ يُوزَنَ له فيه قرفه أو في شَجَرَةٍ مَقْلُوعَةٍ مع الصمغه لَا تُوزَنُ له الصمغه إلَّا مَحْضَةً
____________________

(3/116)


- * بَابُ الطِّينِ الْأَرْمَنِيِّ وَطِينِ الْبُحَيْرَةِ وَالْمَخْتُومِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وقد رَأَيْت طِينًا يَزْعُمُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ أَنَّهُ طِينٌ أَرْمَنِيٌّ وَمِنْ مَوْضِعٍ منها مَعْرُوفٍ وَطِينٌ يُقَالُ له طِينُ الْبُحَيْرَةِ وَالْمَخْتُومِ وَيَدْخُلَانِ مَعًا في الْأَدْوِيَةِ وَسَمِعْت من يَدَّعِي الْعِلْمَ بِهِمَا يَزْعُمُ أَنَّهُمَا يُغَشَّانِ بِطِينِ غَيْرِهِمَا لَا يَنْفَعُ مَنْفَعَتَهُمَا وَلَا يَقَعُ مَوْقِعَهُمَا وَلَا يسوى مِائَةُ رِطْلٍ منه رِطْلًا من وَاحِدٍ مِنْهُمَا ورأيت طِينًا عِنْدَنَا بِالْحِجَازِ من طِينِ الْحِجَازِ يُشْبِهُ الطِّينَ الذي رَأَيْتهمْ يَقُولُونَ إنَّهُ إرمني ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ كان مِمَّا رَأَيْت ما يَخْتَلِطُ على الْمُخَلِّصِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ما سَمِعْت مِمَّنْ يَدَّعِي من أَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ فَلَا يَخْلُصُ فَلَا يَجُوزُ السَّلَفُ فيه بِحَالٍ وَإِنْ كان يُوجَدُ عَدْلَانِ من الْمُسْلِمِينَ يَخْلُصَانِ مَعْرِفَتَهُ بِشَيْءٍ يُبَيِّنُ لَهُمَا جَازَ السَّلَفُ فيه وكان كما وَصَفْنَا قبله مِمَّا يُسَلَّفُ فيه من الأدويه وَالْقَوْلُ فيه كَالْقَوْلِ في غَيْرِهِ إنْ تَبَايَنَ بِلَوْنٍ أو جِنْسٍ أو بَلَدٍ لم يَجُزْ السَّلَفُ فيه حتى يُوصَفَ لَوْنُهُ وَجِنْسُهُ وَيُوصَفَ بِوَزْنٍ مَعْلُومٍ - * بَابُ بَيْعِ الْحَيَوَانِ وَالسَّلَفِ فيه - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا مَالِكٌ عن زَيْدِ بن أَسْلَمَ عن عَطَاءِ بن يَسَارٍ عن ابي رَافِعٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم اسْتَسْلَفَ بِكْرًا فَجَاءَتْهُ ابل من الصَّدَقَةِ فقال ابو رَافِعٍ فَأَمَرَنِي رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ أَقْضِيَ الرَّجُلَ بِكْرَهُ فَقُلْت يا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي لم أَجِدْ في الْإِبِلِ إلَّا جَمَلًا خِيَارًا رُبَاعِيًّا فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إعطه إيَّاهُ فإن خِيَارَ الناس أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا الثِّقَةُ عن سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عن سلمه بن كَهْلٍ عن أبي سلمه عن أبي هريره عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مِثْلَ مَعْنَاهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَهَذَا الْحَدِيثُ الثَّابِتُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَبِهِ آخُذُ وَفِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ضَمِنَ بَعِيرًا بِصِفَةٍ وفي هذا ما دَلَّ على أَنَّهُ يَجُوزُ أن ( ( ( أنه ) ) ) يَضْمَنُ الْحَيَوَانَ كُلَّهُ بِصِفَةٍ في السَّلَفِ وفي بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَكُلُّ أَمْرٍ لَزِمَ فيه الْحَيَوَانُ بصفه وَجِنْسٍ وَسِنٍّ فَكَالدَّنَانِيرِ بصفه وَضَرْبٍ وَوَزْنٍ وَكَالطَّعَامِ بِصِفَةٍ وَكَيْلٍ وَفِيهِ دَلِيلٌ على أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَقْضِيَ أَفْضَلَ مِمَّا عليه مُتَطَوِّعًا من غَيْرِ شَرْطٍ وَفِيهِ أَحَادِيثُ سِوَى هذا ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا الثقه يحيى بن حَسَّانَ عن اللَّيْثِ بن سَعْدٍ عن أبي الزُّبَيْرِ عن جَابِرٍ قال جاء عَبْدٌ فَبَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على الْهِجْرَةِ ولم يَسْمَعْ أَنَّهُ عَبْدٌ فَجَاءَ سَيِّدُهُ يُرِيدُهُ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِعْهُ فَاشْتَرَاهُ بِعَبْدَيْنِ أَسْوَدَيْنِ ثُمَّ لم يُبَايِعْ أَحَدًا بَعْدَهُ حتى يَسْأَلَهُ أَعَبْدٌ هو أَمْ حُرٌّ ( قال ) وَبِهَذَا نَأْخُذُ وهو إجَازَةُ عَبْدٍ بِعَبْدَيْنِ وَإِجَازَةُ أَنْ يَدْفَعَ ثَمَنَ شَيْءٍ في يَدِهِ فَيَكُونُ كَقَبْضِهِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّ عَبْدَ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيَّ أخبره أَنَّ زِيَادَ بن أبي مَرْيَمَ مولى عُثْمَانَ بن عَفَّانَ أخبره أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بَعَثَ مُصَدِّقًا له فَجَاءَهُ بِظَهْرٍ مَسَانَّ فلما رَآهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال هَلَكْت وَأَهْلَكْت فقال يا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي كُنْت أَبِيعُ الْبِكْرَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ بِالْبَعِيرِ الْمُسِنِّ يَدًا بِيَدٍ وَعَلِمْت من حَاجَةِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَى الظَّهْرِ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَذَاكَ إذَنْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا مُنْقَطِعٌ لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ وَإِنَّمَا كَتَبْنَاهُ أَنَّ الثقه أخبرنا عن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ بن حَفْصٍ أو أَخْبَرَنِيهِ عبد اللَّهِ بن عُمَرَ بن حَفْصٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) قَوْلُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إنْ كان قال هَلَكْت وَأَهْلَكْت أَثِمْت وَأَهْلَكْت أَمْوَالَ الناس يَعْنِي أَخَذْت منهم ما ليس عليهم وَقَوْلُهُ عَرَفْت حَاجَةَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَى الظَّهْرِ يَعْنِي ما يُعْطِيهِ أَهْلُ
____________________

(3/117)


الصدقه في سَبِيلِ اللَّهِ ويعطي بن السَّبِيلِ منهم وَغَيْرُهُمْ من أَهْلِ السُّهْمَانِ عِنْدَ نُزُولِ الْحَاجَةِ بِهِمْ إلَيْهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن بن طَاوُسٍ عن أبيه عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عن بَعِيرٍ بِبَعِيرَيْنِ فقال قد يَكُونُ بَعِيرٌ خَيْرًا من بَعِيرَيْنِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن صَالِحِ بن كَيْسَانَ عن الْحَسَنِ بن مُحَمَّدِ بن عَلِيٍّ أَنَّ عَلِيَّ بن أبي طَالِبٍ بَاعَ جَمَلًا له يُدْعَى عُصَيْفِير بِعِشْرِينَ بَعِيرًا إلَى أَجَلٍ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ انه اشْتَرَى رَاحِلَةً بِأَرْبَعَةِ أَبْعِرَةٍ مَضْمُونَةٍ عليه يُوَفِّيهَا صَاحِبَهَا بِالرَّبَذَةِ أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ بن شِهَابٍ عن بَيْعِ الْحَيَوَانِ اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ إلَى أَجَلٍ فقال لَا بَأْسَ بِهِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قال لَا رِبَا في الْحَيَوَانِ وَإِنَّمَا نهى من الْحَيَوَانِ عن ثَلَاثٍ عن الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ وَالْمَضَامِينُ ما في ظُهُورِ الْجِمَالِ وَالْمَلَاقِيحُ ما في بُطُونِ الْإِنَاثِ وَحَبَلُ الْحَبَلَةِ بَيْعٌ كان أَهْلُ الجاهليه يَتَبَايَعُونَهُ كان الرَّجُلُ يَبْتَاعُ الْجَزُورَ إلَى أَنْ تُنْتَجَ الناقه ثُمَّ يُنْتَجُ ما في بَطْنِهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما نهى عنه من هذا كما نهى عنه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَهَذَا لَا بَيْعُ عَيْنٍ وَلَا صِفَةٍ وَمِنْ بُيُوعِ الْغَرَرِ وَلَا يَحِلُّ وقد روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ نهى عن بَيْعِ حَبَلِ الحبله وهو مَوْضُوعٌ في غَيْرِ هذا الْمَوْضِعِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ قال وَلْيَبْتَعْ الْبَعِيرَ بِالْبَعِيرَيْنِ يَدًا بِيَدٍ وَعَلَى أَحَدِهِمَا زِيَادَةُ وَرِقٍ وَالْوَرِقُ نسيئه قال وَبِهَذَا كُلِّهِ أَقُولُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَلِّفَ الرَّجُلُ في الْإِبِلِ وَجَمِيعُ الْحَيَوَانِ بِسِنٍّ وَصِفَةٍ وَأَجَلٍ كما يُسَلِّفُ في الطَّعَامِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ الْبَعِيرَ بِالْبَعِيرَيْنِ مثله أو أَكْثَرَ يَدًا بِيَدٍ وَإِلَى أَجَلٍ وَبَعِيرًا بِبَعِيرَيْنِ وَزِيَادَةُ دَرَاهِمَ يَدًا بِيَدٍ ونسيئه إذَا كانت إحْدَى الْبَيْعَتَيْنِ كُلُّهَا نَقْدًا أو كُلُّهَا نسيئه وَلَا يَكُونُ في الصفقه نَقْدٌ وَنَسِيئَةٌ لَا أُبَالِي أَيَّ ذلك كان نَقْدًا وَلَا أَنَّهُ كان نَسِيئَةً وَلَا يُقَارِبُ الْبَعِيرَ وَلَا يُبَاعِدُهُ لِأَنَّهُ لاربا ( ( ( ربا ) ) ) في حَيَوَانٍ بِحَيَوَانٍ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّهُ مِمَّا أُبِيحَ من الْبُيُوعِ ولم يُحَرِّمْهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَنَّهُ خَارِجٌ من مَعْنَى ما حُرِّمَ مَخْصُوصٌ فيه بِالتَّحْلِيلِ وَمَنْ بَعْدَهُ مِمَّنْ ذَكَرْنَا وَسَكَتْنَا عن ذِكْرِهِ ( قال ) وَإِنَّمَا كَرِهْت في التَّسْلِيمِ أَنْ تَكُونَ إحْدَى الْبَيْعَتَيْنِ مُبَعَّضَةً بَعْضُهَا نَقْدٌ وَبَعْضُهَا نَسِيئَةٌ لِأَنِّي لو أَسْلَفْت بَعِيرَيْنِ أَحَدًا لِلَّذِينَ أَسْلَفْت نَقْدًا وَالْآخَرُ نَسِيئَةً في بَعِيرَيْنِ نَسِيئَةً كان في الْبَيْعَةِ دَيْنٌ بِدَيْنٍ وَلَوْ أَسْلَفْت بَعِيرَيْنِ نَقْدًا في بَعِيرَيْنِ نَسِيئَةً إلَى أَجَلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كانت قِيمَةُ الْبَعِيرَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ إلَى الْأَجَلِ مَجْهُولَةً من قِيمَةِ الْبَعِيرَيْنِ النَّقْدِ لِأَنَّهُمَا لو كَانَا على صِفَةٍ وَاحِدَةٍ كان الْمُسْتَأْخَرُ مِنْهُمَا أَقَلَّ قِيمَةً من الْمُتَقَدِّمِ قَبْلَهُ فَوَقَعَتْ الْبَيْعَةُ الْمُؤَخَّرَةُ لَا تُعْرَفُ حِصَّةُ ما لِكُلِّ وَاحِدٍ من الْبَعِيرَيْنِ مِنْهُمَا وَهَكَذَا لَا يُسْلَمُ دَنَانِيرُ في شَيْءٍ إلَى أَجَلَيْنِ في صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَكَذَلِكَ بَعِيرٌ بِعِشْرِينَ بَعِيرًا يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً لَا رِبَا في الْحَيَوَانِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَدِّقَ الْحَيَوَانَ وَيُصَالِحَ عليه وَيُكَاتِبَ عليه وَالْحَيَوَانُ بِصِفَةٍ وَسِنٍّ كَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَالطَّعَامِ لَا يُخَالِفُهُ كُلُّ ما جَازَ ثَمَنًا من هذا بِصِفَةٍ أو كَيْلٍ أو وَزْنٍ جَازَ الْحَيَوَانُ فيه بِصِفَةٍ وَسِنٍّ وَيُسَلَّفُ الْحَيَوَانُ في الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَالْعُرُوضُ كُلُّهَا من الْحَيَوَانِ من صِنْفِهِ وَغَيْرِ صِنْفِهِ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَيُبَاعُ بها يَدًا بِيَدٍ لَا رِبَا فيها كُلِّهَا وَلَا يَنْهَى من بَيْعِهِ عن شَيْءٍ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ إلَّا بَيْعَ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ اتِّبَاعًا دُونَ ما سِوَاهُ ( قال ) وَكُلُّ ما لم يَكُنْ في التَّبَايُعِ بِهِ رِبَا في زِيَادَتِهِ في عَاجِلٍ أو آجِلٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَلَّفَ بَعْضُهُ في بَعْضٍ من جِنْسٍ وَأَجْنَاسٍ وفي غَيْرِهِ مِمَّا تَحِلُّ فيه الزياده وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
____________________

(3/118)


- * بَابُ صِفَاتِ الْحَيَوَانِ إذَا كانت دَيْنًا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا سَلَّفَ رَجُلٌ في بَعِيرٍ لم يَجُزْ السَّلَفُ فيه إلَّا بِأَنْ يَقُولَ من نَعَمِ بَنِي فُلَانٍ كما يقول ثَوْبٌ مروى وَتَمْرٌ بردى وَحِنْطَةٌ مِصْرِيَّةٌ لإختلاف أَجْنَاسِ الْبِلَادِ وَاخْتِلَافِ الثِّيَابِ وَالتَّمْرِ وَالْحِنْطَةِ وَيَقُولُ رُبَاعِيٌّ أو سُدَاسِيٌّ أو بَازِلٌ أو أَيُّ سِنٍّ أَسْلَفَ فيها فَيَكُونُ السِّنُّ إذَا كان من حَيَوَانٍ مَعْرُوفًا فِيمَا يُسَمَّى من الْحَيَوَانِ كَالذَّرْعِ فِيمَا يُذْرَعُ من الثِّيَابِ وَالْكَيْلُ فِيمَا يُكَالُ من الطَّعَامِ لِأَنَّ هذا أَقْرَبُ الْأَشْيَاءِ من أَنْ يُحَاطَ بِهِ فيه كما الْكَيْلُ وَالذَّرْعُ أَقْرَبُ الْأَشْيَاءِ في الطَّعَامِ وَالثَّوْبِ من أَنْ يُحَاطَ بِهِ فيه وَيَقُولُ لَوْنُهُ كَذَا لِأَنَّهَا تَتَفَاضَلُ في الْأَلْوَانِ وَصِفَةُ الْأَلْوَانِ في الْحَيَوَانِ كَصِفَةِ وَشْيِ الثَّوْبِ وَلَوْنِ الْخَزِّ وَالْقَزِّ وَالْحَرِيرِ وَكُلٌّ يُوصَفُ بِمَا أَمْكَنَ فيه من أَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ بِالْإِحَاطَةِ بِهِ فيه وَيَقُولُ ذَكَرٌ أو أُنْثَى لأختلاف الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فَإِنْ تَرَكَ وَاحِدًا من هذا فَسَدَ السَّلَفُ في الْحَيَوَانِ ( قال ) وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقُولَ نَقِيٌّ من الْعُيُوبِ وَإِنْ لم يَقُلْهُ لم يَكُنْ له عَيْبٌ وَأَنْ يَقُولَ جَسِيمًا فَيَكُونُ له أَقَلُّ ما يَقَعُ عليه اسْمُ صِفَةِ الْجَسِيمِ وَإِنْ لم يَقُلْهُ لم يَكُنْ له مُوَدَّنٌ لِأَنَّ الْإِيدَانَ عَيْبٌ وَلَيْسَ له مَرَضٌ وَلَا عَيْبٌ وَإِنْ لم يَشْتَرِطْهُ ( قال ) وَإِنْ اخْتَلَفَ نَعَمُ بَنِي فُلَانٍ كان له أَقَلُّ ما يَقَعُ عليه صِفَةً من أَيِّ نَعَمِهِمْ شَاءَ فَإِنْ زَادُوهُ فَهُمْ مُتَطَوِّعُونَ بِالْفَضْلِ وقد قِيلَ إذَا تَبَايَنَ نَعَمُهُمْ فَسَدَ السَّلَفُ إلَّا بِأَنْ يُوصَفَ جِنْسٌ من نَعَمِهِمْ ( قال ) وَالْحَيَوَانُ كُلُّهُ مِثْلُ الْإِبِلِ لَا يُجْزِئُ في شَيْءٍ منه إلَّا ما أَجْزَأَ في الْإِبِلِ ( قال ) وان كان السَّلَفُ في خَيْلٍ أَجْزَأَ فيها ما أَجْزَأَ في الْإِبِلِ واحب ان كان السَّلَفُ في الْفَرَسِ ان يَصِفَ شِيَتَهُ مع لَوْنِهِ فَإِنْ لم يَفْعَلْ فَلَهُ اللَّوْنُ بَهِيمًا وان كان له شِيَةٌ فَهُوَ بِالْخِيَارِ في اخذها وَتَرْكِهَا وَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ في تَسْلِيمِهَا واعطائه اللَّوْنَ بَهِيمًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَكَذَا هذا في أَلْوَانِ الْغَنَمِ ان وَصَفَ لَوْنَهَا وَصِفَتَهَا غُرًّا او كَدْرًا وَبِمَا يُعْرَفُ بِهِ اللَّوْنُ الذي يُرِيدُ من الْغَنَمِ وان تَرَكَهُ فَلَهُ اللَّوْنُ الذي يَصِفُ جُمْلَتَهُ بَهِيمًا وَهَكَذَا جَمِيعُ الْمَاشِيَةِ حُمُرِهَا وَبِغَالِهَا وَبَرَاذِينِهَا وَغَيْرِهَا مِمَّا يُبَاعُ فَعَلَى هذا هذا الْبَابُ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ وَهَكَذَا هذا في الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ يَصِفُ أَسْنَانَهُنَّ بِالسِّنِينَ وَأَلْوَانَهُنَّ واجناسهن وَتَحْلِيَتَهُنَّ بالجعوده والسبوطه ( قال ) وَإِنْ اتى على السِّنِّ وَاللَّوْنِ وَالْجِنْسِ اجزأه وَإِنْ تَرَكَ وَاحِدًا من هذا فَسَدَ السَّلَفُ وَالْقَوْلُ في هذا وفي الْجَوَارِي وَالْعَبِيدِ كَالْقَوْلِ فِيمَا قَبْلَهُ وَالتَّحْلِيَةُ احب الي وَإِنْ لم يَفْعَلْ فَلَيْسَ له عَيْبٌ كما لَا يَكُونُ له في الْبَيْعِ عَيْبٌ الا أَنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ في خَصْلَةٍ إنْ جُعِّدَتْ له وقد اشْتَرَاهَا نَقْدًا بِغَيْرِ صِفَةٍ كان بِالْخِيَارِ في رَدِّهَا اذا عَلِمَ انها سَبْطَةٌ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهَا على انه يَرَى أنها جَعْدَةٌ والجعده اكثر ثَمَنًا من السَّبْطَةِ وَلَوْ اشْتَرَاهَا سَبْطَةً ثُمَّ جَعُدَتْ ثُمَّ دُفِعَتْ إلَى الْمُسَلِّفِ لم يَكُنْ له رَدُّهَا لِأَنَّهَا تَلْزَمُهُ سَبْطَةً لإن السُّبُوطَةَ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ تُرَدُّ منه انما هي تَقْصِيرٍ عن حُسْنٍ اقل من تَقْصِيرِهَا بِخِلَافِ الْحُسْنِ عن الْحُسْنِ وَالْحَلَاوَةِ عن الْحَلَاوَةِ ( قال ) وَلَا خَيْرَ في ان يُسْلِمَ في جَارِيَةٍ بِصِفَةٍ على ان يُوَفَّاهَا وَهِيَ حُبْلَى وَلَا في ذَاتِ رَحِمٍ من الْحَيَوَانِ على ذلك من قِبَلِ ان الْحَمْلَ ما لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّهُ شَرْطٌ فيها ليس فيها وهو شِرَاءُ ما لَا يُعْرَفُ وَشِرَاؤُهُ في بَطْنِ أُمِّهِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ وَلَا يدرى أَيَكُونُ أَمْ لَا وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُسَلِّفَ في نَاقَةٍ بِصِفَةٍ وَمَعَهَا وَلَدُهَا مَوْصُوفًا وَلَا في وَلِيدَةٍ وَلَا في ذَاتِ رَحِمٍ من حَيَوَانٍ كَذَلِكَ ( قال ) وَلَكِنْ إنْ اسلف في وَلِيدَةٍ أو نَاقَةٍ
____________________

(3/119)


أو ذَاتِ رَحِمٍ من الْحَيَوَانِ بِصِفَةٍ وَوَصَفَ بِصِفَةٍ ولم يَقُلْ ابْنُهَا أو وَلَدُ نَاقَةٍ أو شَاةٍ ولم يَقُلْ وَلَدُ الشَّاةِ التي أَعْطَاهَا جَازَ وَسَوَاءٌ أَسْلَفْت في صَغِيرٍ أو كَبِيرٍ مَوْصُوفَيْنِ بِصِفَةٍ وَسِنٍّ تَجْمَعُهُمَا أو كَبِيرَيْنِ كَذَلِكَ ( قال ) وَإِنَّمَا أَجَزْته في أَمَةٍ وَوَصِيفٍ يصفة لِمَا وَصَفْت من أَنَّهُ يُسْلِمُ في إثنين وَكَرِهْت أَنْ يُقَالَ إبنها وَإِنْ كان مَوْصُوفًا لِأَنَّهَا قد تَلِدُ وَلَا تَلِدُ وَتَأْتِي على تِلْكَ الصِّفَةِ وَلَا تَأْتِي وَكَرِهْته لو قال مَعَهَا إبنها وَإِنْ لم يُوصَفْ لِأَنَّهُ شِرَاءُ عَيْنٍ بِغَيْرِ صِفَةٍ وَشَيْءٌ غَيْرُ مَضْمُونٍ على صَاحِبِهِ أَلَا تَرَى أَنِّي لَا أُجِيزُ أَنْ أُسَلِّفَ في أَوْلَادِهَا سَنَةً لِأَنَّهَا قد تَلِدُ وَلَا تَلِدُ وَيَقِلُّ وَلَدُهَا وَيَكْثُرُ وَالسَّلَفُ في هذا الْمَوْضِعِ يُخَالِفُ بَيْعَ الْأَعْيَانِ ( قال ) وَلَوْ سَلَّفَ في نَاقَةٍ مَوْصُوفَةٍ أو مَاشِيَةٍ او عَبْدٍ مَوْصُوفٍ على أَنَّهُ خَبَّازٌ أو جَارِيَةٍ مَوْصُوفَةٍ على أنها ماشطه كان السَّلَفُ صَحِيحًا وكان له أَدْنَى ما يَقَعُ عليه اسْمُ الْمَشْطِ وَأَدْنَى ما يَقَعُ عليه اسْمُ الْخَبْزِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ما وصف ( ( ( وصفت ) ) ) غَيْرُ مَوْجُودٍ بِالْبَلَدِ الذي يُسَلِّفُ فيه بِحَالٍ فَلَا يَجُوزُ ( قال ) وَلَوْ سَلَّفَ في ذَاتِ دَرٍّ على أنها لَبُونٍ كان فيها قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ جَائِزٌ وإذا وَقَعَ عليها انها لَبُونٌ كانت له كما قُلْنَا في الْمَسَائِلِ قَبْلَهَا وَإِنْ تَفَاضَلَ اللَّبَنُ كما يَتَفَاضَلُ الْمَشْيُ وَالْعَمَلُ وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ من قِبَلِ أنها شَاةٌ بِلَبَنٍ لِأَنَّ شَرْطَهُ ابْتِيَاعٌ له وَاللَّبَنُ يَتَمَيَّزُ منها وَلَا يَكُونُ بِتَصَرُّفِهَا إنَّمَا هو شَيْءٌ يَخْلُقُهُ اللَّهُ عز وجل فيها كما يَحْدُثُ فيها الْبَعْرُ وَغَيْرُهُ فإذا وَقَعَتْ على هذا صِفَةُ الْمُسَلِّفِ كان فَاسِدًا كما يَفْسُدُ أَنْ يَقُولَ أُسَلِّفُك في نَاقَةٍ يَصِفُهَا وَلَبَنٍ مَعَهَا غَيْرِ مَكِيلٍ وَلَا مَوْصُوفٍ وَكَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ أُسَلِّفَك في وَلِيدَةٍ حُبْلَى وَهَذَا أَشْبَهُ الْقَوْلَيْنِ بِالْقِيَاسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( قال ) وَالسَّلَفُ في الْحَيَوَانِ كُلِّهِ وَبَيْعُهُ بِغَيْرِهِ وَبَعْضُهُ بِبَعْضٍ هَكَذَا لَا يَخْتَلِفُ مُرْتَفِعُهُمْ وَغَيْرُ مُرْتَفِعِهِمْ وَالْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ وَالْخَيْلُ وَالدَّوَابُّ كُلُّهَا وما كان مَوْجُودًا من الْوَحْشِ منها في أَيْدِي الناس مِمَّا يَحِلُّ بَيْعُهُ سَوَاءٌ كُلُّهُ وَيُسَلَّفُ كُلُّهُ بِصِفَةٍ إلَّا الْإِنَاثَ من النِّسَاءِ فَإِنَّا نَكْرَهُ سَلَفَهُنَّ دُونَ ما سِوَاهُنَّ من الْحَيَوَانِ وَلَا نَكْرَهُ أَنْ يُسَلَّفَ فِيهِنَّ إنَّمَا نَكْرَهُ أَنْ يُسَلَّفْنَ وَإِلَّا الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ فأنهما لَا يُبَاعَانِ بِدَيْنٍ وَلَا عَيْنٍ ( قال ) وما لم يَنْفَعْ من السِّبَاعِ فَهُوَ مَكْتُوبٌ في غَيْرِ هذا الْمَوْضِعِ وَكُلُّ ما لم يَحِلَّ بَيْعُهُ لَا يَحِلُّ السَّلَفُ فيه وَالسَّلَفُ بَيْعٌ ( قال ) وَكُلُّ ما أَسْلَفْت من حَيَوَانٍ وَغَيْرِهِ وَشَرَطْت معه غَيْرَهُ فَإِنْ كان الْمَشْرُوطُ معه مَوْصُوفًا يَحِلُّ فيه السَّلَفُ على الإنفراد جَازَ فَكُنْت إنَّمَا اسلفت فيه وفي الْمَوْصُوفِ معه وَإِنْ لم يَكُنْ يَجُوزُ السَّلَفُ فيه على الإنفراد فَسَدَ السَّلَفُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّفَ في حَيَوَانٍ مَوْصُوفٍ من حَيَوَانِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ أو بَلَدٍ بِعَيْنِهِ ولا نتاج مَاشِيَةِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّفَ فيه إلَّا فِيمَا لَا يَنْقَطِعُ من ايدي الناس كما قُلْنَا في الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ ( قال الرَّبِيعُ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَجُوزُ أَنْ أُقْرِضَك جاريه وَيَجُوزُ أَنْ أُقْرِضَك كُلَّ شَيْءٍ سِوَاهَا من دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ لِأَنَّ الْفُرُوجَ تُحَاطُ بِأَكْثَرَ مِمَّا يُحَاطُ بِهِ غَيْرُهَا فلما كُنْت إذَا أَسْلَفْتُك جَارِيَةً كان لي نَزْعُهَا مِنْك لِأَنِّي لم آخُذْ مِنْك فيها عِوَضًا لم يَكُنْ لَك أَنْ تَطَأَ جَارِيَةً لي نَزْعُهَا مِنْك وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * بَابُ الإختلاف في أَنْ يَكُونَ الْحَيَوَانُ نَسِيئَةً أو يَصْلُحَ منه إثنان بِوَاحِدٍ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس في الْحَيَوَانِ فقال لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحَيَوَانُ نَسِيئَةً أَبَدًا قال وَكَيْفَ أَجَزْتُمْ أَنْ جَعَلْتُمْ الْحَيَوَانَ دَيْنًا وهو غَيْرُ مَكِيلٍ وَلَا مَوْزُونٍ وَالصِّفَةُ تَقَعُ على الْعَبْدَيْنِ وَبَيْنَهُمَا دَنَانِيرُ وَعَلَى الْبَعِيرَيْنِ وَبَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ في الثَّمَنِ قال نَقَلْنَاهُ قُلْنَا بِأَوْلَى الْأُمُورِ بِنَا أَنْ نَقُولَ بِهِ بِسُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في إستسلافه بَعِيرًا وَقَضَائِهِ إيَّاهُ وَالْقِيَاسُ على ما سِوَاهَا من سُنَّتِهِ ولم يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْعِلْمِ فيه ( قال ) فَاذْكُرْ ذلك قُلْت أَمَّا السُّنَّةُ النَّصُّ فإنه اسْتَسْلَفَ بَعِيرًا وَأَمَّا السنه التي اسْتَدْلَلْنَا بها فإنه قَضَى بِالدِّيَةِ مِائَةً من الْإِبِلِ ولم أَعْلَمْ الْمُسْلِمِينَ اخْتَلَفُوا أنها بِأَسْنَانٍ مَعْرُوفَةٍ وفي مُضِيِّ ثَلَاثِ سِنِينَ وَأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم افْتَدَى كُلَّ من لم يَطِبْ عنه نَفْسًا من قَسَمَ له من سَبْيِ هَوَازِنَ بِإِبِلٍ سَمَّاهَا سِتٌّ أو خَمْسٌ إلَى أَجَلٍ ( قال ) أَمَّا هذا فَلَا أعرفة قُلْنَا فما أَكْثَرَ ما لَا تَعْرِفُهُ من الْعِلْمِ قال
____________________

(3/120)


أَفَثَابِتٌ قُلْت نعم ولم يَحْضُرْنِي إسْنَادُهُ قال ولم أَعْرِفْ الدِّيَةَ من السُّنَّةِ قُلْت وَتَعْرِفُ مِمَّا لَا تُخَالِفُنَا فيه أَنْ يُكَاتِبَ الرَّجُلُ على الْوُصَفَاءِ بِصِفَةٍ وَأَنْ يُصْدِقَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ الْعَبِيدَ وَالْإِبِلَ بِصِفَةٍ قال نعم وقال وَلَكِنَّ الدِّيَةَ تَلْزَمُ بِغَيْرِ أَعْيَانِهَا قُلْت وَكَذَلِكَ الدِّيَةُ من الذَّهَبِ تَلْزَمُ بِغَيْرِ أَعْيَانِهَا وَلَكِنْ نَقْدُ الْبِلَادِ وَوَزْنٌ مَعْلُومٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ فَكَذَلِكَ تَلْزَمُ الْإِبِلُ إبِلُ الْعَاقِلَةِ وَسِنٌّ مَعْلُومَةٌ وَغَيْرُ معيبه وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَنْقُصَ من أَسْنَانِهَا سِنًّا لم تَجُزْ فَلَا أَرَاك إلَّا حَكَمْت بها مُؤَقَّتَةً وَأَجَزْت فيها أَنْ تَكُونَ دَيْنًا وَكَذَلِكَ أَجَزْت في صَدَاقِ النِّسَاءِ لِوَقْتٍ وَصِفَةٍ وفي الْكِتَابَةِ لِوَقْتٍ وَصِفَةٍ وَلَوْ لم يَكُنْ رَوَيْنَا فيه شيئا إلَّا ما جَامَعْتنَا عليه من أَنَّ الْحَيَوَانَ يَكُونُ دَيْنًا في هذه الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثِ أَمَا كُنْت مَحْجُوجًا بِقَوْلِك لَا يَكُونُ الْحَيَوَانُ دَيْنًا وَكَانَتْ عِلَّتُك فيه زائله ( قال ) وَإِنَّ النِّكَاحَ يَكُونُ بِغَيْرِ مَهْرٍ قُلْت له فلم تَجْعَلْ فيه مَهْرَ مِثْلِ الْمَرْأَةِ إذَا أُصِيبَتْ وَتَجْعَلُ الْإِصَابَةَ كالإستهلاك في السِّلْعَةِ في الْبَيْعِ الْفَاسِدِ تَجْعَلُ فيه قِيمَتَهُ قال فَإِنَّمَا كَرِهْنَا السَّلَمَ في الْحَيَوَانِ لِأَنَّ بن مَسْعُودٍ كَرِهَهُ قُلْنَا فيخالف ( ( ( يخالف ) ) ) السَّلَمُ سَلَفَهُ أو الْبَيْعَ بِهِ أَمْ هُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ قال بَلْ كُلُّ ذلك وَاحِدٌ إذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا في حَالٍ جَازَ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا في كل حَالٍ قُلْت قد جَعَلَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم دَيْنًا في السَّلَفِ وَالدِّيَةِ ولم تُخَالِفْنَا في أَنَّهُ يَكُونُ في مَوْضِعَيْنِ آخَرَيْنِ دَيْنًا في الصَّدَاقِ وَالْكِتَابَةِ فَإِنْ قُلْت ليس بين الْعَبْدِ وَسَيِّدِهِ رِبًا قُلْت أَيَجُوزُ أَنْ يُكَاتِبَهُ على حُكْمِ السَّيِّدِ وَعَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ ثَمَرَةً لم يَبْدُ صَلَاحُهَا وَعَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ ابْنَهُ الْمَوْلُودَ معه في كِتَابَتِهِ كما يَجُوزُ لو كان عَبْدًا له وَيَكُونُ لِلسَّيِّدِ يَأْخُذُ مَالَهُ قال ما حُكْمُهُ حُكْمَ الْعَبِيدِ قُلْنَا فَقَلَّمَا نَرَاك تَحْتَجُّ بِشَيْءٍ إلَّا تَرَكْته وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وما نَرَاك أَجَزْت في الكتابه إلَّا ما أَجَزْت في الْبُيُوعِ فَكَيْفَ أَجَزْت في الْكِتَابَةِ أَنْ يَكُونَ الْحَيَوَانُ نَسِيئَةً ولم تُجِزْهُ في السَّلَفِ فيه أَرَأَيْت لو كان ثَابِتًا عن بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَرِهَ السَّلَمَ في الْحَيَوَانِ غير مُخْتَلِفٍ عنه فيه وَالسَّلَمُ عِنْدَك إذَا كان دَيْنًا كما وَصَفْنَا من أسلافه وَغَيْرِ ذلك أَكَانَ يَكُونُ في أَحَدٍ مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَإِجْمَاعِ الناس حُجَّةٌ قال لَا قُلْت فَقَدْ جَعَلْته حُجَّةً على ذلك مُتَظَاهِرًا مُتَأَكِّدًا في غَيْرِ مَوْضِعٍ وَأَنْتَ تَزْعُمُ في أَصْلِ قَوْلِك أَنَّهُ ليس بِثَابِتٍ عنه قال وَمِنْ أَيْنَ قُلْت وهو مُنْقَطِعٌ عنه وَيَزْعُمُ الشعبى الذي هو أَكْبَرُ من الذي روى عنه كَرَاهَتَهُ أَنَّهُ أنما اسلف له في لِقَاحِ فَحْلِ إبِلٍ بِعَيْنِهِ وَهَذَا مَكْرُوهٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ كل أَحَدٍ هذا بَيْعُ الْمَلَاقِيحِ وَالْمَضَامِينِ أو هُمَا وَقُلْت لِمُحَمَّدِ بن الْحَسَنِ أنت أَخْبَرْتنِي عن ابي يُوسُفَ عن عَطَاءِ بن السَّائِبِ عن أبي الْبُحْتُرِيِّ أَنَّ بَنِي عَمٍّ لِعُثْمَانَ أَتَوْا وَادِيًا فَصَنَعُوا شيئا في إبِلِ رَجُلٍ قَطَعُوا بِهِ لَبَنَ إبِلِهِ وَقَتَلُوا فِصَالَهَا فَأَتَى عُثْمَانَ وَعِنْدَهُ بن مَسْعُودٍ فَرَضِيَ بِحُكْمِ بن مَسْعُودٍ فَحَكَمَ أَنْ يُعْطِيَ بِوَادِيهِ إبِلًا مِثْلَ إبِلِهِ وَفِصَالًا مِثْلَ فِصَالِهِ فَأَنْفَذَ ذلك عُثْمَانُ فيروي عن بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ يَقْضِي في حَيَوَانٍ بِحَيَوَانٍ مِثْلِهِ دَيْنًا لِأَنَّهُ إذَا قضى بِهِ بِالْمَدِينَةِ وَأُعْطِيَهُ بِوَادِيهِ كان دَيْنًا وَيَزِيدُ أَنْ يروى عن عُثْمَانَ أَنَّهُ يقول بِقَوْلِهِ وَأَنْتُمْ تَرْوُونَ عن الْمَسْعُودِيِّ عن الْقَاسِمِ بن عبد الرحمن قال أَسْلَمَ لِعَبْدِ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ في وُصَفَاءَ أَحَدُهُمْ أبو زَائِدَةَ مَوْلَانَا فَلَوْ اخْتَلَفَ قَوْلُ بن مَسْعُودٍ فيه عِنْدَك فَأَخَذَ رَجُلٌ بِبَعْضِهِ دُونَ بَعْضٍ أَلَمْ يَكُنْ له قال بَلَى قُلْت وَلَوْ لم يَكُنْ فيه غَيْرُ اخْتِلَافِ قَوْلِ بن مَسْعُودٍ قال نعم قُلْت فَلِمَ خَالَفْت بن مَسْعُودٍ وَمَعَهُ عُثْمَانُ وَمَعْنَى السُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ قال فقال منهم قَائِلٌ فَلَوْ زَعَمْت أَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فيه وَيَجُوزُ إسْلَامُهُ وَأَنْ يَكُونَ دِيَةً وَكِتَابَةً وَمَهْرًا وَبَعِيرًا بِبَعِيرَيْنِ نَسِيئَةً قُلْت فَقُلْهُ إنْ شِئْت قال فَإِنْ قُلْته قُلْت يَكُونُ أَصْلُ قَوْلِك لَا يَكُونُ الْحَيَوَانُ دَيْنًا خَطَأً بِحَالِهِ قال فَإِنْ انْتَقَلْت عنه قُلْت فَأَنْتُمْ تَرْوُونَ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَجَازَ السَّلَمَ في الْحَيَوَانِ وَعَنْ رَجُلٍ آخَرَ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إنَّا لَنَرْوِيهِ قُلْت فَإِنْ ذَهَبَ رَجُلٌ إلَى قَوْلِهِمَا أو قَوْلِ أَحَدِهِمَا دُونَ قَوْلِ بن مَسْعُودٍ أَيَجُوزُ له قال نعم قُلْت فَإِنْ كان مع قَوْلِهِمَا أو قَوْلِ أَحَدِهِمَا الْقِيَاسُ على السُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ قال فَذَلِكَ أَوْلَى أَنْ يُقَالَ بِهِ قُلْت أَفَتَجِدُ مع من أَجَازَ السَّلَمَ في الْحَيَوَانِ الْقِيَاسَ فِيمَا وَصَفْت قال نعم وما رديت ( ( ( دريت ) ) ) لِأَيِّ مَعْنًى تَرَكَهُ
____________________

(3/121)


أَصْحَابُنَا قُلْت أَفَتَرْجِعُ إلَى إجَازَتِهِ قال أَقِفُ فيه قُلْت فَيُعْذَرُ غَيْرُك في الْوَقْفِ عَمَّا بَانَ له ( قال ) وَرَجَعَ بَعْضُهُمْ مِمَّنْ كان يقول قَوْلَهُمْ من أَهْلِ الْآثَارِ إلَى إجَازَتِهِ وقد كان يُبْطِلُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال محمد بن الْحَسَنِ فإن صَاحِبَنَا قال إنَّهُ يُدْخِلُ عَلَيْكُمْ خصله تَتْرُكُونَ فيها أَصْلَ قَوْلِكُمْ إنَّكُمْ لم تُجِيزُوا إستسلاف الْوَلَائِدِ خَاصَّةً وَأَجَزْتُمْ بَيْعَهُنَّ بِدَيْنٍ وَالسَّلَفَ فِيهِنَّ قال قُلْت أَرَأَيْت لو تَرَكْنَا قَوْلَنَا في خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَزِمْنَاهُ في كل شَيْءٍ أَكُنَّا مَعْذُورِينَ قال لَا قُلْت لِأَنَّ ذلك خَطَأٌ قال نعم قُلْت فَمَنْ أَخْطَأَ قَلِيلًا أَمْثَلُ حَالًا أَمْ من أَخْطَأَ كَثِيرًا قال بَلْ من أَخْطَأَ قَلِيلًا وَلَا عُذْرَ له قُلْت فَأَنْتَ تُقِرُّ بِخَطَأٍ كَثِيرٍ وَتَأْبَى أَنْ تَنْتَقِلَ عنه وَنَحْنُ لم نخطىء ( ( ( نخطئ ) ) ) أَصْلَ قَوْلِنَا إنَّمَا فَرَّقْنَا بَيْنَهُ بِمَا تَتَفَرَّقُ الْأَحْكَامُ عِنْدَنَا وَعِنْدَك بِأَقَلَّ منه قال فَاذْكُرْهُ قُلْت أَرَأَيْت إذَا اشْتَرَيْت مِنْك جَارِيَةً مَوْصُوفَةً بِدَيْنٍ أَمَلَكْت عَلَيْك إلَّا الصِّفَةَ وَلَوْ كانت عِنْدَك مِائَةٌ من تِلْكَ الصِّفَةِ لم تَكُنْ في وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِعَيْنِهَا وكان لَك أَنْ تُعْطِيَ أَيَّتَهنَّ شِئْت فإذا فَعَلْت فَقَدْ مَلَكْتهَا حِينَئِذٍ قال نعم قُلْت وَلَا يَكُونُ لَك أَخْذُهَا مِنِّي كما لَا يَكُونُ لَك أَخْذُهَا لو بِعْتهَا مَكَانَك وَانْتَقَدْت ثَمَنَهَا قال نعم قلت وَكُلُّ بَيْعٍ بِيعَ بِثَمَنٍ مِلْكٌ هَكَذَا قال نعم قُلْت أَفَرَأَيْت إذَا اسلفتك جَارِيَةً إلَى أَخْذِهَا مِنْك بعد ما قَبَضْتهَا من سَاعَتِي وفي كل سَاعَةٍ قال نعم قُلْت فَلَكَ أَنْ تَطَأَ جَارِيَةً مَتَى شِئْت أَخَذْتهَا أو اسْتَبْرَأْتهَا وَوَطِئْتهَا قال فما فَرْقٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا قُلْت الْوَطْءُ قال فإن فيها لَمَعْنًى في الْوَطْءِ ما هو في رَجُلٍ وَلَا في شَيْءٍ من الْبَهَائِمِ قُلْت فَبِذَلِكَ الْمَعْنَى فَرَّقْت بَيْنَهُمَا قال فَلِمَ لم يَجُزْ له أَنْ يُسَلِّفَهَا فَإِنْ وَطِئَهَا لم يَرُدَّهَا وَرَدَّ مِثْلَهَا قُلْت أَيَجُوزُ أَنْ أُسَلِّفَك شيئا ثُمَّ يَكُونُ لَك أَنْ تَمْنَعَنِي منه ولم يَفُتْ قال لَا قُلْت فَكَيْفَ تُجِيزُ إنْ وَطِئَهَا أَنْ لَا يَكُونَ لي عليها سَبِيلٌ وَهِيَ غَيْرُ فَائِتَةٍ وَلَوْ جَازَ لم يَصِحَّ فيه قَوْلٌ قال وَكَيْفَ إنْ أَجَزْته لَا يَصِحُّ فيه قَوْلٌ قُلْت لِأَنِّي إذَا سَلَّطْته على إسْلَافِهَا فَقَدْ أَبَحْت فَرْجَهَا لِلَّذِي سُلِّفَهَا فَإِنْ لم يَطَأْهَا حتى يَأْخُذَهَا السَّيِّدُ أَبَحْته لِلسَّيِّدِ فَكَانَ الْفَرْجُ حَلَالًا لِرَجُلٍ ثُمَّ حُرِّمَ عليه بِلَا إخْرَاجٍ له من مِلْكِهِ وَلَا تَمْلِيكِهِ رَقَبَةَ الْجَارِيَةِ غَيْرَهُ وَلَا طَلَاقَ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكُلُّ فَرْجٍ حَلَّ فَإِنَّمَا يَحْرُمُ بِطَلَاقٍ أو إخْرَاجِ ما ملكه من مَلَكَهُ إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ أو أُمُورٍ ليس الْمُسْتَسْلِفُ في وَاحِدٍ منها قال أَفَتُوَضِّحُهُ بِغَيْرِ هذا مِمَّا نَعْرِفُهُ قُلْت نعم قِيَاسًا على أَنَّ السُّنَّةَ فَرَّقَتْ بَيْنَهُ قال فَاذْكُرْهُ قُلْت أَرَأَيْت الْمَرْأَةَ نُهِيَتْ أَنْ تُسَافِرَ إلَّا مع ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ وَنُهِيَتْ أَنْ يَخْلُوَ بها رَجُلٌ وَلَيْسَ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ وَنُهِيَتْ عن الْحَلَالِ لها من التَّزْوِيجِ إلَّا بِوَلِيٍّ قال نعم قُلْت أَفَتَعْرِفُ في هذا مَعْنَى نُهِيَتْ له إلَّا ما خُلِقَ في الْآدَمِيِّينَ من الشَّهْوَةِ لِلنِّسَاءِ وفي الْآدَمِيَّاتِ من الشَّهْوَةِ لِلرِّجَالِ فَحِيطَ في ذلك لِئَلَّا يُنْسَبَ إلَى الْمُحَرَّمِ منه ثُمَّ حِيطَ في الْحَلَالِ منه لِئَلَّا يُنْسَبَ إلَى تَرْكِ الْحَظِّ فيه أو الدُّلْسَةِ قال ما فيه مَعْنَى إلَّا هذا أو في مَعْنَاهُ قُلْت أَفَتَجِدُ إنَاثَ الْبَهَائِمِ في شَيْءٍ من هذه الْمَعَانِي أو ذُكُورَ الرِّجَالِ أو الْبَهَائِمِ من الْحَيَوَانِ قال لَا قُلْت فَبَانَ لَك فَرْقُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بَيْنَهُنَّ وَأَنَّهُ إنَّمَا نُهِيَ عنه لِلْحِيَاطَةِ لِمَا خُلِقَ فِيهِنَّ من الشَّهْوَةِ لَهُنَّ قال نعم قُلْت فَبِهَذَا فَرَّقْنَا وَغَيْرِهِ مِمَّا في هذا كفايه منه إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قال أَفَتَقُولُ بِالذَّرِيعَةِ قُلْت لَا وَلَا مَعْنَى في الذريعه إنَّمَا الْمَعْنَى في الإستدلال بِالْخَبَرِ اللَّازِمِ أو الْقِيَاسِ عليه أو الْمَعْقُولِ - * بَابُ السَّلَفِ في الثِّيَابِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ سُئِلَ بن شِهَابٍ عن ثَوْبٍ بِثَوْبَيْنِ نَسِيئَةً فقال لَا بَأْسَ بِهِ ولم أَعْلَمْ أَحَدًا يُكَرِّهُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما حَكَيْت من أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم جَعَلَ على أَهْلِ نَجْرَانَ ثِيَابًا مَعْرُوفَةً عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِمَكَّةَ وَنَجْرَانَ وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا في أَنَّهُ يَحِلُّ أَنْ يُسْلِمَ في الثِّيَابِ بِصِفَةٍ قال وَالصِّفَاتُ في الثِّيَابِ التي لَا يُسْتَغْنَى عنها وَلَا يَجُوزُ السَّلَفُ حتى تُجْمَعَ أَنْ يَقُولَ لَك الرَّجُلُ أُسْلِمُ إلَيْك في ثَوْبٍ مَرْوِيٍّ أو هَرَوِيٍّ أو رَازِيٍّ أو بَلْخِيٍّ أو بَغْدَادِيٍّ طُولُهُ كَذَا وَعَرْضُهُ كَذَا صَفِيقًا دَقِيقًا أو رَقِيقًا فإذا جاء بِهِ على
____________________

(3/122)


أَدْنَى ما تَلْزَمُهُ هذه الصِّفَةُ لَزِمَهُ وهو مُتَطَوِّعٌ بِالْفَضْلِ في الْجَوْدَةِ إذَا لَزِمَتْهَا الصِّفَةُ وَإِنَّمَا قُلْت دَقِيقًا لِأَنَّ أَقَلَّ ما يَقَعُ عليه اسْمُ الدِّقَّةِ غَيْرُ مُتَبَايِنِ الْخِلَافِ في أَدَقَّ منه وَأَدَقُّ منه زِيَادَةٌ في فَضْلِ الثَّوْبِ ولم أَقُلْ صَفِيقًا مُرْسَلَةً لِأَنَّ اسْمَ الصَّفَاقَةِ قد يَقَعُ على الثَّوْبِ الدَّقِيقِ وَالْغَلِيظِ فَيَكُونُ إنْ أَعْطَاهُ غَلِيظًا أَعْطَاهُ شَرًّا من دَقِيقٍ وَإِنْ أَعْطَاهُ دَقِيقًا أَعْطَاهُ شَرًّا من غَلِيظٍ وَكِلَاهُمَا يَلْزَمُهُ اسْمُ الصَّفَاقَةِ قال وهو كما وَصَفْت في الْأَبْوَابِ قَبْلَهُ إذَا أُلْزِمَ أَدْنَى ما يَقَعُ عليه الإسم من الشَّرْطِ شيئا وكان يَقَعُ الإسم على شَيْءٍ مُخَالِفٍ له هو خَيْرٌ منه لَزِمَ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْخَيْرَ زِيَادَةٌ يَتَطَوَّعُ بها الْبَائِعُ وإذا كان يَقَعُ على ما هو شَرٌّ منه لم يَلْزَمْهُ لِأَنَّ الشَّرَّ نَقْصٌ لَا يَرْضَى بِهِ الْمُشْتَرِي ( قال ) فَإِنْ شَرَطَهُ صَفِيقًا ثَخِينًا لم يَكُنْ له أَنْ يُعْطِيَهُ دَقِيقًا وَإِنْ كان خَيْرًا منه لإن في الثِّيَابِ عله أَنَّ الصَّفِيقَ الثَّخِينَ يَكُونُ أَدْفَأَ في الْبَرْدِ وَأَكَنَّ في الْحَرِّ وَرُبَّمَا كان أَبْقَى فَهَذِهِ عِلَّةٌ تَنْقُصُهُ وَإِنْ كان ثَمَنُ الْأَدَقِّ أَكْثَرَ فَهُوَ غَيْرُ الذي اسلف فيه وَشَرَطَ لِحَاجَتِهِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ أَسْلَمَ في ثِيَابِ بَلَدٍ بها ثِيَابٌ مُخْتَلِفَةُ الْغَزْلِ وَالْعَمَلِ يُعْرَفُ كُلُّهَا بِاسْمٍ سِوَى اسْمِ صَاحِبِهِ لم يَجُزْ السَّلَفُ حتى يَصِفَ فيه ما وَصَفْت قَبْلُ وَيَقُولَ ثَوْبٌ كَذَا وَكَذَا من ثِيَابِ بَلَدِ كَذَا وَمَتَى تَرَكَ من هذا شيئا لم يَجُزْ السَّلَفُ لِأَنَّهُ بَيْعُ مُغِيبٍ غَيْرُ مَوْصُوفٍ كما لَا يَجُوزُ في التَّمْرِ حتى يُسَمَّى جنسة ( قال ) وَكُلُّ ما أَسْلَمَ فيه من أَجْنَاسِ الثِّيَابِ هَكَذَا كُلُّهُ إنْ كان وَشْيًا نَسَبَهُ يُوسُفِيًّا أو نَجْرَانِيًّا أو فَارِعًا أو بِاسْمِهِ الذي يُعْرَفُ بِهِ وَإِنْ كان غير وَشْيٍ من الْعَصْبِ وَالْحَبَرَاتِ وما أَشْبَهُهُ وَصْفُهُ ثَوْبٌ حَبَرَةٌ من عَمَلِ بَلَدِ كَذَا دَقِيقُ الْبُيُوتِ أو مُتَرَّكًا مُسَلْسَلًا أو صِفَتُهُ أو جِنْسُهُ الذي هو جِنْسُهُ وَبَلَدُهُ فَإِنْ اخْتَلَفَ عَمَلُ ذلك الْبَلَدِ قال من عَمَلِ كَذَا لِلْعَمَلِ الذي يُعْرَفُ بِهِ لَا يُجْزِئُ في السَّلَمِ دُونَهُ وَكَذَلِكَ في ثِيَابِ الْقُطْنِ كما وَصَفْت في الْعَصْبِ قَبْلَهَا وَكَذَلِكَ الْبَيَاضُ وَالْحَرِيرُ وَالطَّيَالِسَةُ وَالصُّوفُ كُلُّهُ وَالْإِبْرَيْسَمُ وإذا عُمِلَ الثَّوْبُ من قَزٍّ أو من كَتَّانٍ أو من قُطْنٍ وَصَفَهُ وَإِنْ لم يَصِفْ غَزْلَهُ إذَا عُمِلَ من غُزُولٍ مختلفه أو من كُرْسُفٍ مَرْوِيٍّ أو من كُرْسُفٍ خَشِنٍ لم يَصِحَّ وَإِنْ كان إنَّمَا يُعْمَلُ من صِنْفٍ وَاحِدٍ بِبَلَدِهِ الذي سَلَّفَ فيه لم يَضُرَّهُ أَنْ لَا يَصِفَ غَزْلَهُ إذَا وَصَفَ الدِّقَّةَ وَالْعَمَلَ وَالذَّرْعَ وقال في كل ما يُسْلِمُ فيه جَيِّدٌ أو رَدِيءٌ وَلَزِمَهُ كُلُّ ما يَقَعُ عليه اسْمُ الْجَوْدَةِ أو الرَّدَاءَةِ أو الصِّفَةِ التي يَشْتَرِطُ قال وَإِنْ سَلَّفَ في وَشْيٍ لم يَجُزْ حتى يَكُونَ لِلْوَشْيِ صِفَةٌ يَعْرِفُهَا أَهْلُ الْعَدْلِ من أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُرِيَهُ خِرْقَةً وَيَتَوَاضَعَانِهَا على يَدِ عَدْلٍ يُوَفِّيهِ الْوَشْيَ عليها إذَا لم يَكُنْ الْوَشْيُ مَعْرُوفًا كما وَصَفْت لِأَنَّ الْخِرْقَةَ قد تَهْلِكُ فَلَا يُعْرَفُ الْوَشْيُ - * بَابُ السَّلَفِ في الْأُهُبِ وَالْجُلُودِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يَجُوزُ السَّلَفُ في جُلُودِ الْإِبِلِ وَلَا الْبَقَرِ وَلَا أُهُبِ الْغَنَمِ وَلَا جِلْدٍ وَلَا إهَابٍ من رَقٍّ وَلَا غَيْرِهِ وَلَا يُبَاعُ إلَّا مَنْظُورًا إلَيْهِ قال وَذَلِكَ أَنَّهُ لم يَجُزْ لنا أَنْ نَقِيسَهُ على الثِّيَابِ لِأَنَّا لو قِسْنَاهُ عليها لم يَحِلَّ إلَّا مَذْرُوعًا مع صِفَتِهِ وَلَيْسَ يُمْكِنُ فيه الذَّرْعُ لِاخْتِلَافِ خِلْقَتِهِ عن أَنْ يُضْبَطَ بِذَرْعٍ بِحَالٍ وَلَوْ ذَهَبْنَا نَقِيسُهُ على ما أَجَزْنَا من الْحَيَوَانِ بِصِفَةٍ لم يَصِحَّ لنا وَذَلِكَ أَنَّا إنَّمَا نُجِيزُ السَّلَفَ في بَعِيرٍ من نَعَمِ بَنِي فُلَانٍ ثَنِيٍّ أو جَذَعٍ مَوْصُوفٍ فَيَكُونُ هذا فيه كَالذَّرْعِ في الثَّوْبِ وَيَقُولُ رِبَاعٌ وَبَازِلٌ وهو في كل سِنٍّ من هذه الْأَسْنَانِ أَعْظَمُ منه في السِّنِّ قَبْلَهُ حتى يَتَنَاهَى عِظَمُهُ وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ مَضْبُوطٌ كما يَضْبِطُ الذَّرْعُ وَهَذَا لَا يُمْكِنُ في الْجُلُودِ لَا يَقْدِرُ على أَنْ يُقَالَ جِلْدُ بَقَرَةٍ ثَنِيَّةٍ أو رِبَاعٍ وَلَا شَاةٍ كَذَلِكَ وَلَا يَتَمَيَّزُ فَيُقَالُ بَقَرَةٌ من نِتَاجِ بَلَدِ كَذَا لِأَنَّ النِّتَاجَ يَخْتَلِفُ في الْعِظَمِ فلما لم يَكُنْ الْجِلْدُ يُوقِعُ على مَعْرِفَتِهِ كما يُوقِعُ على مَعْرِفَةِ ما كان قَائِمًا من الْحَيَوَانِ فَيُعْرَفُ بِصِفَةِ نِتَاجِ بَلَدِهِ عِظَمُهُ من صِغَرِهِ خَالَفَتْ الْجُلُودُ الْحَيَوَانَ في هذا وفي أَنَّ من الْحَيَوَانِ ما يَكُونُ السِّنُّ منه أَصْغَرَ من السِّنِّ مِثْلِهِ وَالْأَصْغَرُ خَيْرٌ عِنْدَ التُّجَّارِ فَيَكُونُ امشى وَأَحْمَلَ ما كانت فيه الْحَيَاةُ فيشترى
____________________

(3/123)


الْبَعِيرَ بِعِشْرِينَ بَعِيرًا أو أَكْثَرَ كُلُّهَا أَعْظَمُ منه لِفَضْلِ التُّجَّارِ للمشى وَيُدْرِكُ بِذَلِكَ صِفَتَهُ وَجِنْسَهُ وَلَيْسَ هذا في الْجُلُودِ هَكَذَا الْجُلُودُ لَا حَيَاةَ فيها وَإِنَّمَا تَفَاضُلُهَا في ثَخَانَتِهَا وَسَعَتِهَا وَصَلَابَتِهَا وَمَوَاضِعَ منها فلما لم نَجِدْ خَبَرًا نَتَّبِعُهُ وَلَا قِيَاسًا على شَيْءٍ مِمَّا أَجَزْنَا السَّلَفَ فيه لم يَجُزْ أَنْ نُجِيزَ السَّلَفَ فيه وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَرَأَيْنَاهُ لَمَّا لم يُوقَفْ على حَدِّهِ فيها رَدَدْنَا السَّلَمَ فيه ولم نُجِزْهُ نَسِيئَةً وَذَلِكَ أَنَّ ما بِيعَ نَسِيئَةً لم يَجُزْ إلَّا مَعْلُومًا وَهَذَا لَا يَكُونُ مَعْلُومًا بِصِفَةٍ بِحَالٍ - * بَابُ السَّلَفِ في الْقَرَاطِيسِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ كانت الْقَرَاطِيسُ تُعْرَفُ بِصِفَةٍ كما تُعْرَفُ الثِّيَابُ بِصِفَةٍ وَذَرْعٍ وَطُولٍ وَعَرْضٍ وَجَوْدَةٍ وَرِقَّةٍ وَغِلَظٍ وَاسْتِوَاءِ صَنْعَةٍ أَسْلَفَ فيها على هذه الصفه وَلَا يَجُوزُ حتى تُسْتَجْمَعَ هذه الصِّفَاتُ كُلُّهَا وَإِنْ كانت تَخْتَلِفُ في قُرًى أو رَسَاتِيقَ لم يَجُزْ حتى يُقَالَ صَنْعَةُ قَرْيَةِ كَذَا أو كُورَةِ كَذَا أو رُسْتَاقِ كَذَا فَإِنْ تَرَكَ من هذا شيئا لم يَجُزْ السَّلَفُ فيه وَالْقَوْلُ فيها كَالْقَوْلِ فِيمَا أَجَزْنَا فيه السَّلَفَ غَيْرُهَا وَإِنْ كانت لَا تُضْبَطُ بهذا فَلَا خَيْرَ في السَّلَفِ فيها وَلَا أَحْسِبُهَا بهذا إلَّا مَضْبُوطَةً أو ضَبْطُهَا أَصَحُّ من ضَبْطِ الثِّيَابِ أو مِثْلُهُ - * بَابُ السَّلَفِ في الْخَشَبِ ذَرْعًا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ من سَلَّفَ في خَشَبِ السَّاجِ فقال سَاجٌ سَمْحٌ طُولُ الْخَشَبَةِ منه كَذَا وَغِلَظُهَا كَذَا وَكَذَا وَلَوْنُهَا كَذَا فَهَذَا جَائِزٌ وَإِنْ تَرَكَ من هذا شيئا لم يَجُزْ وَإِنَّمَا أَجَزْنَا هذا لإستواء نَبْتَتِهِ وَأَنَّ طَرَفَيْهِ لَا يَقْرَبَانِ وَسَطَهُ وَلَا جَمِيعَ ما بين طَرَفَيْهِ من نَبْتَتِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَ طَرَفَاهُ تَقَارُبًا وإذا شَرَطَ له غِلَظًا فَجَاءَهُ بِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ على الْغِلَظِ وَالْآخَرُ أَكْثَرُ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ بِالْفَضْلِ وَلَزِمَ الْمُشْتَرِي أَخْذُهُ فَإِنْ جاء بِهِ نَاقِصًا من طُولٍ أو نَاقِصَ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ من غِلَظٍ لم يَلْزَمْهُ لِأَنَّ هذا نَقْصٌ من حَقِّهِ ( قال ) وَكُلُّ ما اسْتَوَتْ نَبْتَتُهُ حتى يَكُونَ ما بين طَرَفَيْهِ منه ليس بِأَدَقَّ من طَرَفَيْهِ وَأَحَدُهُمَا من السَّمْحِ أو تَرَبَّعَ رَأْسُهُ فَأَمْكَنَ الذَّرْعُ فيه أو تَدَوَّرَ تَدَوُّرًا مُسْتَوِيًا فَأَمْكَنَ الذَّرْعُ فيه وَشَرَطَ فيه ما وَصَفْت في السَّاجِ جَازَ السَّلَفُ فيه وَسَمَّى جِنْسَهُ فَإِنْ كان منه جِنْسٌ يَخْتَلِفُ فَيَكُونُ بَعْضُهُ خَيْرًا من بَعْضٍ مِثْلُ الدَّوْمِ فإن الْخَشَبَةَ منه تَكُونُ خَيْرًا من الْخَشَبِ مِثْلِهَا لِلْحُسْنِ لم يُسْتَغْنَ عن أَنْ يُسَمَّى جِنْسُهُ كما لَا يُسْتَغْنَى أَنْ يُسَمَّى جِنْسُ الثِّيَابِ فَإِنْ تَرَكَ تَسْمِيَةَ جنسة فَسَدَ السَّلَفُ فيه وما لم يَخْتَلِفْ أَجَزْنَا السَّلَفَ فيه بِالصِّفَةِ وَالذَّرْعِ على نَحْوِ ما وَصَفْت قال وما كان منه طَرَفَاهُ أو أَحَدُهُمَا أَجَلَّ من الْآخَرِ وَنَقَصَ ما بين طَرَفَيْهِ أو مِمَّا بَيْنَهُمَا لم يَجُزْ السَّلَفُ فيه لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ غَيْرُ مَوْصُوفِ الْعَرْضِ كما لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّفَ في ثَوْبٍ مَوْصُوفِ الطُّولِ غَيْرِ مَوْصُوفِ الْعَرْضِ قال فَعَلَى هذا السَّلَفُ في الْخَشَبِ الذي يُبَاعُ ذَرْعًا كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ لَا يَجُوزُ حتى تَكُونَ كُلُّ خَشَبَةٍ منه مَوْصُوفَةً محدوده كما وَصَفْت وَهَكَذَا خَشَبُ الْمَوَائِدِ يُوصَفُ طُولُهَا وَعَرْضُهَا وَجِنْسُهَا وَلَوْنُهَا ( قال ) وَلَا بَأْسَ بِإِسْلَامِ الْخَشَبِ في الْخَشَبِ وَلَا رِبَا فِيمَا عَدَا الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ من الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ كُلِّهِ وَالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وما عَدَا هذا فَلَا بَأْسَ بِالْفَضْلِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً سَلَمًا وَغَيْرَ سَلَمٍ كَيْفَ كان إذَا كان مَعْلُومًا - * بَابُ السَّلَمِ في الْخَشَبِ وَزْنًا - * ( قال الرَّبِيعُ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما صَغُرَ من الْخَشَبِ لم يَجُزْ السَّلَفُ فيه عَدَدًا وَلَا حُزَمًا وَلَا يَجُوزُ حتى يُسَمَّى الْجِنْسُ منه فيقول سَاسِمًا أَسْوَدَ أو أبنوس ( ( ( آبنوسا ) ) ) يَصِفُ لَوْنَهُ بِنِسْبَتِهِ إلَى الْغِلَظِ من ذلك الصِّنْفِ أو إلَى أَنْ يَكُونَ منه دَقِيقًا أَمَّا إذَا اشْتَرَيْت جُمْلَةً قُلْت دِقَاقًا أو أَوْسَاطًا أو غِلَاظًا وَزْنَ كَذَا وَكَذَا وَأَمَّا إذَا اشْتَرَيْته مُخْتَلِفًا قُلْت كَذَا وَكَذَا رِطْلًا غَلِيظًا وَكَذَا وَكَذَا وَسَطًا وَكَذَا وَكَذَا رَقِيقًا لَا يَجُوزُ فيه غَيْرُ هذا فَإِنْ تَرَكْت من هذا شيئا فَسَدَ السَّلَفُ وَأُحِبُّ لو قُلْت سَمْحًا فَإِنْ لم تَقُلْهُ فَلَيْسَ لَك فيه عَقْدٌ لِأَنَّ الْعَقْدَ تَمْنَعُهُ السَّمَاحُ وَهِيَ عَيْبٌ فيه تَنْقُصُهُ وَكُلُّ ما كان فيه عَيْبٌ يَنْقُصُهُ لِمَا يُرَادُ له لم يَلْزَمْ الْمُشْتَرِي وَهَكَذَا
____________________

(3/124)


كُلُّ ما اشترى لِلتِّجَارَةِ على ما وَصَفْت لَك لَا يَجُوزُ إلَّا مَذْرُوعًا مَعْلُومًا أو مَوْزُونًا مَعْلُومًا بِمَا وَصَفْت ( قال ) وما اشترى منه حَطَبًا يُوقَدُ بِهِ وُصِفَ حَطَبٌ سُمْرٌ أو سَلَمٌ أو حَمْضٌ أو أَرَاكٌ أو قَرَظٌ أو عَرْعَرٌ وَوُصِفَ بِالْغِلَظِ وَالْوَسَطِ وَالدِّقَّةِ وَمَوْزُونًا فَإِنْ تَرَكَ من هذا شيئا لم يَجُزْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّفَ عَدَدًا وَلَا حُزَمًا وَلَا غير مَوْصُوفٍ مَوْزُونٍ بِحَالٍ وَلَا مَوْزُونٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ بِغِلَظِهِ وَدِقَّتِهِ وَجِنْسِهِ فَإِنْ تَرَكَ من هذا شيئا فَسَدَ السَّلَفُ ( قال ) فَأَمَّا عِيدَانُ الْقِسِيِّ فَلَا يَجُوزُ السَّلَفُ فيها إلَّا بِأَمْرٍ قَلَّمَا يَكُونُ فيها مَوْجُودًا فإذا كان فيها مَوْجُودًا جَازَ وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ عُودُ شَوْحَطَةٍ جِذْلٌ من نَبَاتِ أَرْضِ كَذَا السَّهْلِ منها أو الْجَبَلِ أو دَقِيقٌ أو وَسَطٌ طُولُهُ كَذَا وَعَرْضُهُ كَذَا وَعَرْضُ رَأْسِهِ كَذَا وَيَكُونُ مُسْتَوَى النبته وما بين الطَّرَفَيْنِ من الْغِلَظِ فَكُلُّ ما أَمْكَنَتْ فيه هذه الصِّفَةُ منه جَازَ وما لم يُمْكِنْ لم يَجُزْ وَذَلِكَ أَنَّ عِيدَانَ الْأَرْضِ تَخْتَلِفُ فَتَبَايَنَ وَالسَّهْلُ وَالْجَبَلُ منها يَتَبَايَنُ وَالْوَسَطُ وَالدَّقِيقُ يَتَبَايَنُ وَكُلُّ ما فيه هذه الصِّفَةُ من شِرْيَانٍ أو نَبْعٍ أو غَيْرِهِ من أَصْنَافِ عِيدَانِ القسى جَازَ وقال فيه خُوطًا أو فلقه والفلقه أَقْدَمُ نَبَاتًا من الْخُوطِ وَالْخُوطُ الشَّابُّ وَلَا خَيْرَ في السُّلْفَةِ في قِدَاحِ النَّبْلِ شَوْحَطًا كانت أو قَنَا أو غير ذلك لِأَنَّ الصِّفَةَ لَا تَقَعُ عليها وَإِنَّمَا تَفَاضُلٌ في الثَّخَانَةِ وَتَبَايُنٌ فيها فَلَا يَقْدِرُ على ذَرْعِ ثَخَانَتِهَا وَلَا يَتَقَارَبُ فَنُجِيزُ أَقَلَّ ما تَقَعُ عليه الثَّخَانَةُ كما نُجِيزُهُ في الثِّيَابِ - * بَابُ السَّلَفِ في الصُّوفِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَفُ في الصُّوفِ حتى يُسَمَّى صُوفُ ضَأْنِ بَلَدِ كَذَا لإختلاف أَصْوَافِ الضَّأْنِ بِالْبُلْدَانِ وَيُسَمَّى لَوْنُ الصُّوفِ لإختلاف أَلْوَانِ الْأَصْوَافِ وَيُسَمَّى جَيِّدًا وَنَقِيًّا وَمَغْسُولًا لِمَا يَعْلَقُ بِهِ مِمَّا يُثْقِلُ وَزْنَهُ وَيُسَمَّى طِوَالًا أو قِصَارًا من الصُّوفِ لإختلاف قِصَارِهِ وَطِوَالِهِ وَيَكُونُ بِوَزْنٍ مَعْلُومٍ فَإِنْ تَرَكَ من هذا شيئا وَاحِدًا فَسَدَ السَّلَفُ فيه وإذا جاء بِأَقَلَّ مِمَّا يَقَعُ عليه اسْمُ الطُّولِ من الصُّوفِ وَأَقَلَّ ما يَقَعُ عليه اسْمُ الْجَوْدَةِ وَأَقَلَّ ما يَقَعُ عليه اسْمُ الْبَيَاضِ وَأَقَلَّ ما يَقَعُ عليه اسْمُ النَّقَاءِ وَجَاءَ بِهِ من صُوفِ ضَأْنِ الْبَلَدِ الذي سمي لَزِمَ الْمُشْتَرِي قال وَلَوْ اخْتَلَفَ صُوفُ الْإِنَاثِ وَالْكِبَاشِ ثُمَّ كان يُعْرَفُ بَعْدَ الْجِزَازِ لم يَجُزْ حتى يُسَمَّى صُوفَ فُحُولٍ أو إنَاثٍ وَإِنْ لم يَتَبَايَنْ ولم يَكُنْ يَتَمَيَّزُ فَيُعْرَفُ بَعْدَ الْجِزَازِ فَوَصَفَهُ بِالطُّولِ وما وَصَفْت جَازَ السَّلَفُ فيه وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّفَ في صُوفِ غَنَمِ رَجُلٍ بِعَيْنِهَا لِأَنَّهَا قد تَتْلَفُ وَتَأْتِي الْآفَةُ على صُوفِهَا وَلَا يُسَلِّفُ إلَّا في شَيْءٍ مَوْصُوفٍ مَضْمُونٍ مَوْجُودٍ في وَقْتِهِ لَا يُخْطِئُ وَلَا يَجُوزُ في صُوفِ غَنَمِ رَجُلٍ بِعَيْنِهَا لِأَنَّهُ يُخْطِئُ وَيَأْتِي على غَيْرِ الصِّفَةِ وَلَوْ كان الْأَجَلُ فيها سَاعَةً من النَّهَارِ لِأَنَّ الْآفَةَ قد تَأْتِي عليها أو على بَعْضِهَا في تِلْكَ السَّاعَةِ وَكَذَلِكَ كُلُّ سَلَفٍ مَضْمُونٍ لَا خَيْرَ في أَنْ يَكُونَ في شَيْءٍ بِعَيْنِهِ لِأَنَّهُ يُخْطِئُ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُسَلِّفَهُ في صُوفٍ بِلَا صِفَةٍ وَيُرِيهِ صُوفًا فيقول أَسْتَوْفِيهِ مِنْك على بَيَاضِ هذا وَنَقَائِهِ وَطُولِهِ لِأَنَّ هذا قد يَهْلِكُ فَلَا يدرى كَيْفَ صِفَتُهُ فَيَصِيرُ السَّلَفُ في شَيْءٍ مَجْهُولٍ قال وَإِنْ أَسْلَمَ في وَبَرِ الْإِبِلِ أو شَعْرِ الْمِعْزَى لم يَجُزْ إلَّا كما وَصَفْت في الصُّوفِ وَيَبْطُلُ منه ما يَبْطُلُ منه في الصُّوفِ لَا يَخْتَلِفُ - * بَابُ السَّلَفِ في الْكُرْسُفِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ لَا خَيْرَ في السَّلَفِ في كُرْسُفٍ بِجَوْزِهِ لِأَنَّهُ ليس مِمَّا صَلَاحُهُ في أَنْ يَكُونَ مع جَوْزِهِ إنَّمَا جَوْزُهُ قِشْرَةٌ تُطْرَحُ عنه سَاعَةَ يَصْلُحُ وَلَا خَيْرَ فيه حتى يُسَمَّى كُرْسُفَ بَلَدِ كَذَا وَكَذَا وَيُسَمَّى جَيِّدًا أو رَدِيئًا وَيُسَمَّى أَبْيَضَ نَقِيًّا أو أَسْمَرَ وَبِوَزْنٍ مَعْلُومٍ وَأَجَلٍ مَعْلُومٍ فَإِنْ تَرَكَ من هذا شيئا وَاحِدًا لم يَجُزْ السَّلَفُ فيه وَذَلِكَ أَنَّ كُرْسُفَ الْبُلْدَانِ يَخْتَلِفُ فَيَلِينَ وَيَخْشُنُ وَيَطُولُ شَعْرُهُ وَيَقْصُرُ ويسمي أَلْوَانُهَا وَلَا خَيْرَ في السَّلَمِ في كُرْسُفِ أَرْضِ رَجُلٍ
____________________

(3/125)


بِعَيْنِهَا كما وَصَفْنَا قَبْلَهُ وَلَكِنْ يُسْلِمُ في صِفَةٍ مَأْمُونَةٍ في أَيْدِي الناس وَإِنْ اخْتَلَفَ قَدِيمُ الْكُرْسُفِ وَجَدِيدُهُ سَمَّاهُ قَدِيمًا أو جَدِيدًا من كُرْسُفِ سَنَةٍ أو سَنَتَيْنِ وَإِنْ كان يَكُونُ نَدِيًّا سَمَّاهُ جَافًّا لَا يُجْزِئُ فيه غَيْرُ ذلك وَلَوْ أَسْلَمَ فيه مُنَقًّى من حَبِّهِ كان أَحَبَّ إلَيَّ وَلَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يُسْلِمَ فيه بِحَبِّهِ وهو كَالنَّوَى في التَّمْرِ - * بَابُ السَّلَفِ في الْقَزِّ وَالْكَتَّانِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا ضَبَطَ الْقَزَّ بِأَنْ يُقَالَ قَزُّ بَلَدِ كَذَا وَيُوصَفَ لَوْنُهُ وَصَفَاؤُهُ وَنَقَاؤُهُ وَسَلَامَتُهُ من الْعَيْبِ وَوَزْنُهُ فَلَا بَأْسَ بِالسَّلَفِ فيه وَلَا خَيْرَ في أَنْ يَتْرُكَ من هذا شيئا وَاحِدًا فَإِنْ ترك لم يَجُزْ فيه السَّلَفُ وَإِنْ كان لَا يُضْبَطُ هذا فيه لم يَجُزْ فيه السَّلَفُ وَهَكَذَا الْكَتَّانُ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُسَلِّفَ منه في شَيْءٍ على عَيْنٍ يَأْخُذُهَا عِنْدَهُ لِأَنَّ الْعَيْنَ تَهْلِكُ وَتَتَغَيَّرُ وَلَا يَجُوزُ السَّلَفُ في هذا وما كان في مَعْنَاهُ إلَّا بِصِفَةٍ تُضْبَطُ وَإِنْ اخْتَلَفَ طُولُ الْقَزِّ وَالْكَتَّانِ فَتَبَايَنَ طُولُهُ سُمِّيَ طُولُهُ وَإِنْ لم يَخْتَلِفْ جاء الْوَزْنُ عليه وَأَجْزَأَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وما سَلَّفَ فيه كَيْلًا لم يَسْتَوْفِ وَزْنًا لإختلاف الْوَزْنِ وَالْكَيْلِ وَكَذَلِكَ ما سَلَّفَ فيه وَزْنًا لم يَسْتَوْفِ كَيْلًا - * بَابُ السَّلَفِ في الْحِجَارَةِ وَالْأَرْحِيَةِ وَغَيْرِهَا من الْحِجَارَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَفِ في حِجَارَةِ الْبُنْيَانِ وَالْحِجَارَةُ تُفَاضَلُ بِالْأَلْوَانِ وَالْأَجْنَاسِ وَالْعِظَمِ فَلَا يَجُوزُ السَّلَفُ فيها حتى يُسَمَّى منها أَخْضَرَ أو أَبْيَضَ أو زَنْبَرِيًّا أو سَبَلَانِيًّا بِاسْمِهِ الذي يُعْرَفُ بِهِ وَيَنْسُبُهُ إلَى الصَّلَابَةِ وَأَنْ لَا يَكُونَ فيه عِرْقٌ وَلَا كَلَا وَالْكَلَا حِجَارَةٌ مَحْلُوقَةٌ مُدَوَّرَةٌ صِلَابٌ لَا تُجِيبُ الْحَدِيدَ إذَا ضُرِبَتْ تَكَسَّرَتْ من حَيْثُ لَا يُرِيدُ الضَّارِبُ وَلَا تَكُونُ في الْبُنْيَانِ إلَّا غِشًّا ( قال ) وَيَصِفُ كِبَرَهَا بِأَنْ يَقُولَ ما يَحْمِلُ الْبَعِيرُ منها حَجَرَيْنِ أو ثَلَاثَةً أو أَرْبَعَةً أو سِتَّةً بِوَزْنٍ مَعْلُومٍ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَحْمَالَ تَخْتَلِفُ وَأَنَّ الْحَجَرَيْنِ يَكُونَانِ على بَعِيرٍ فَلَا يَعْتَدِلَانِ حتى يُجْعَلَ مع أَحَدِهِمَا حَجَرٌ صَغِيرٌ وَكَذَلِكَ ما هو أَكْثَرُ من حَجَرَيْنِ فَلَا يَجُوزُ السَّلَفُ في هذا إلَّا بِوَزْنٍ أو أَنْ يَشْتَرِيَ وهو يَرَى فَيَكُونُ من بُيُوعِ الْجُزَافِ التي تُرَى قال وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ السَّلَفُ في النَّقَلِ وَالنَّقَلُ حِجَارَةٌ صِغَارٌ إلَّا بِأَنْ يَصِفَ صِغَارًا من النَّقْل أو حَشْوًا أو دَوَاخِلَ فَيُعْرَفُ هذا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ وَلَا يَجُوزُ إلَّا مَوْزُونًا لِأَنَّهُ لَا يُكَالُ لِتَجَافِيهِ وَلَا تُحِيطُ بِهِ صِفَةٌ كما تُحِيطُ بِالثَّوْبِ وَالْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُبَاعُ عَدَدًا وَلَا يَجُوزُ حتى يُقَالَ صِلَابٌ وإذا قال صِلَابٌ فَلَيْسَ له رَخْوٌ وَلَا كَذَّانٌ وَلَا مُتَفَتِّتٌ قال وَلَا بَأْسَ بِشِرَاءِ الرُّخَامِ وَيَصِفُ كُلَّ رخامه منه بِطُولٍ وَعَرْضٍ وَثَخَانَةٍ وَصَفَاءٍ وَجَوْدَةٍ وَإِنْ كانت تَكُونُ لها تَسَارِيعُ مُخْتَلِفَةٌ يَتَبَايَنُ فَضْلُهَا منها وَصَفَ تَسَارِيعَ وَإِنْ لم يَكُنْ اكْتَفَى بِمَا وَصَفْت فَإِنْ جَاءَهُ بها فَاخْتَلَفَ فيها أُرِيَهَا اهل الْبَصَرِ فَإِنْ قالوا يَقَعُ عليها اسْمُ الْجَوْدَةِ وَالصَّفَاءِ وَكَانَتْ بِالطُّولِ وَالْعَرْضِ وَالثَّخَانَةِ التي شَرَطَ لَزِمَتْهُ وَإِنْ نَقَصَ وَاحِدٌ من هذه لم تَلْزَمْهُ قال وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَفِ في حِجَارَةِ الْمَرْمَرِ بِعِظَمٍ وَوَزْنٍ كما وَصَفْت في الْحِجَارَةِ قَبْلَهُ وَبِصَفَاءٍ فَإِنْ كانت له أَجْنَاسٌ تَخْتَلِفُ وَأَلْوَانٌ وَصَفَهُ بِأَجْنَاسِهِ وَأَلْوَانِهِ قال وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ آنِيَةً من مَرْمَرٍ بِصِفَةِ طُولٍ وَعَرْضٍ وَعُمْقٍ وَثَخَانَةٍ وَصَنْعَةٍ إنْ كانت تَخْتَلِفُ فيه الصَّنْعَةُ وَصَفَ صَنْعَتَهَا وَلَوْ وَزَنَ
____________________

(3/126)


مع هذا كان أَحَبَّ إلَيَّ وَإِنْ تَرَكَ وَزْنَهُ لم يُفْسِدْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ كان من الْأَرْحَاءِ شَيْءٌ يَخْتَلِفُ بَلَدُهُ فَتَكُونُ حِجَارَةُ بَلَدٍ خَيْرًا من حِجَارَةِ بَلَدٍ لم يَجُزْ حتى يسمى حِجَارَةَ بَلَدٍ وَيَصِفَهَا وَكَذَلِكَ إنْ اخْتَلَفَتْ حِجَارَةُ بَلَدٍ وَصَفَ جِنْسَ الْحِجَارَةِ - * بَابُ السَّلَفِ في الْقَصَّةِ وَالنُّورَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَفِ في الْقَصَّةِ وَالنُّورَةِ وَمَتَاعِ الْبُنْيَانِ فَإِنْ كانت تَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا شَدِيدًا فَلَا يَجُوزُ السَّلَفُ فيها حتى يُسَمَّى نُورَةَ أَرْضِ كَذَا أو قَصَّةَ أَرْضِ كَذَا وَيَشْتَرِطُ جَوْدَةً أو رَدَاءَةً أو يَشْتَرِطُ بَيَاضًا أو سُمْرَةً أو أَيَّ لَوْنٍ كان إذَا تَفَاضَلَتْ في أَلْوَانٍ وَيَشْتَرِطُهَا بِكَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ وَأَجَلٍ مَعْلُومٍ وَلَا خَيْرَ في السَّلَفِ فيها أَحْمَالًا وَلَا مَكَايِل لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا أَحْمَالًا وَمَكَايِل وَجُزَافًا في غَيْرِ أَحْمَالٍ وَلَا مَكَايِل إذَا كان الْمُبْتَاعُ حَاضِرًا وَالْمُتَبَايِعَانِ حَاضِرَيْنِ قال وَهَكَذَا الْمَدَرُ لَا بَأْسَ بِالسَّلَفِ فيه كَيْلًا مَعْلُومًا وَلَا خَيْرَ فيه أَحْمَالًا وَلَا مُكَايِلَ وَلَا جُزَافًا وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِكَيْلٍ وَصِفَةٍ جَيِّدٍ أو رَدِيءٍ وَمَدَرِ مَوْضِعِ كَذَا فَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُ الْمَدَرِ في ذلك الْمَوْضِعِ وكان لِبَعْضِهَا على بَعْضٍ فَضْلٌ وَصَفَ الْمَدَرَ أَخْضَرَ أو أَشْهَبَ أو أَسْوَدَ قال وإذا وَصَفَهُ جَيِّدًا أَتَتْ الْجَوْدَةُ على الْبَرَاءَةِ من كل ما خَالَفَهَا فَإِنْ كان فيه سَبَخٌ أو كذان أو حِجَارَةٌ أو بَطْحَاءُ لم يَكُنْ له لِأَنَّ هذا مُخَالِفٌ لِلْجَوْدَةِ وَكَذَلِكَ إنْ كانت النُّورَةُ أو الْقَصَّةُ هِيَ الْمُسَلَّفُ فيها لم يَصْلُحْ إلَّا كما وُصِفَتْ بِصِفَةٍ قال وَإِنْ كانت الْقَصَّةُ وَالنُّورَةُ مُطَيَّرَتَيْنِ لم يَلْزَمْ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْمُطَيَّرَ عَيْبٌ فِيهِمَا وَكَذَلِكَ إنْ قَدِمَتَا قِدَمًا يَضُرُّ بِهِمَا لم يَلْزَمْ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ هذا عَيْبٌ وَالْمَطَرُ لَا يَكُونُ فَسَادًا لِلْمَدَرِ إذَا عَادَ جَافًّا بِحَالِهِ - * بَابُ السَّلَفِ في الْعَدَدِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَفُ في شَيْءٍ عَدَدًا إلَّا ما وَصَفْت من الْحَيَوَانِ الذي يُضْبَطُ سِنُّهُ وَصِفَتُهُ وَجِنْسُهُ وَالثِّيَابِ التي تُضْبَطُ بِجِنْسِهَا وَحِلْيَتِهَا وَذَرْعِهَا وَالْخَشَبِ الذي يُضْبَطُ بِجِنْسِهِ وَصِفَتِهِ وَذَرْعِهِ وما كان في مَعْنَاهُ لَا يَجُوزُ السَّلَفُ في الْبِطِّيخِ وَلَا الْقِثَّاءِ وَلَا الْخِيَارِ وَلَا الرُّمَّانِ وَلَا السَّفَرْجَلِ وَلَا الْفِرْسِكِ وَلَا الْمَوْزِ وَلَا الْجَوْزِ وَلَا الْبَيْضِ أَيِّ بَيْضٍ كان دَجَاجٍ أو حَمَامٍ أو غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ ما سِوَاهُ مِمَّا يَتَبَايَعُهُ الناس عَدَدًا غير ما اسْتَثْنَيْت وما كان في مَعْنَاهُ لِاخْتِلَافِ الْعَدَدِ وَلَا شَيْءَ يُضْبَطُ من صِفَةٍ أو بَيْعِ عَدَدٍ فَيَكُونُ مَجْهُولًا إلَّا أَنْ يُقَدَّرَ على أَنْ يُكَالَ أو يُوزَنَ فَيُضْبَطُ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ - * بَابُ السَّلَمِ في الْمَأْكُولِ كَيْلًا أو وَزْنًا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أَصْلُ السَّلَفِ فِيمَا يَتَبَايَعُهُ الناس أَصْلَانِ فما كان منه يَصْغُرُ وتستوى خِلْقَتُهُ فَيَحْتَمِلُهُ الْمِكْيَالُ وَلَا يَكُونُ إذَا كِيلَ تَجَافَى في الْمِكْيَالِ فَتَكُونُ الواحده منه بَائِنَةً في الْمِكْيَالِ عَرِيضَةَ الْأَسْفَلِ دَقِيقَةَ الرَّأْسِ أو عَرِيضَةَ الْأَسْفَلِ وَالرَّأْسِ دَقِيقَةَ الْوَسَطِ فإذا وَقَعَ شَيْءٌ إلَى جَنْبِهَا مَنَعَهُ عَرْضُ أَسْفَلِهَا من أَنْ يُلْصَقَ بها وَوَقَعَ في الْمِكْيَالِ وما بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ مُتَجَافٍ ثُمَّ كانت الطَّبَقَةُ التي فَوْقَهُ منه هَكَذَا لم يَجُزْ أَنْ يُكَالَ
____________________

(3/127)


وَاسْتَدْلَلْنَا على أَنَّ الناس إنَّمَا تَرَكُوا كَيْلَهُ لِهَذَا الْمَعْنَى وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّفَ فيه كَيْلًا وفي نِسْبَتِهِ بهذا الْمَعْنَى ما عَظُمَ وَاشْتَدَّ فَصَارَ يَقَعُ في الْمِكْيَالِ منه الشَّيْءُ ثُمَّ يَقَعُ فَوْقَهُ منه شَيْءٌ مُعْتَرِضًا وما بين الْقَائِمِ تَحْتَهُ مُتَجَافٍ فَيَسُدُّ الْمُعْتَرِضُ الذي فوقة الفرجه التي تَحْتَهُ وَيَقَعُ عليه فَوْقَهُ غَيْرُهُ فَيَكُونُ من الْمِكْيَالِ شَيْءٌ فَارِغٌ بَيِّنُ الْفَرَاغِ وَذَلِكَ مِثْلُ الرُّمَّانِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالْخِيَارِ وَالْبَاذِنْجَانِ وما أَشْبَهَهُ مِمَّا كان في الْمَعْنَى الذي وَصَفْت وَلَا يَجُوزُ السَّلَفُ في هذا كَيْلًا وَلَوْ تَرَاضَى عليه الْمُتَبَايِعَانِ سَلَفًا وما صَغُرَ وكان يَكُونُ في الْمِكْيَالِ فيمتلىء ( ( ( فيمتلئ ) ) ) بِهِ الْمِكْيَالُ وَلَا يَتَجَافَى التَّجَافِي الْبَيِّنَ مِثْلُ التَّمْرِ وَأَصْغَرُ منه مِمَّا لَا تَخْتَلِفُ خِلْقَتُهُ اخْتِلَافًا مُتَبَايِنًا مِثْلُ السِّمْسِمِ وما أَشْبَهَهُ أَسْلَمَ فيه كَيْلًا ( قال ) وَكُلُّ ما وَصَفْت لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فيه كَيْلًا فَلَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ فيه وَزْنًا وَأَنْ يُسَمَّى كُلُّ صِنْفٍ منه اخْتَلَفَ بِاسْمِهِ الذي يُعْرَفُ بِهِ وَإِنْ شَرَطَ فيه عَظِيمًا أو صَغِيرًا فإذا أتى بِهِ أَقَلَّ ما يَقَعُ عليه اسْمُ الْعِظَمِ وَوَزْنُهُ جَازَ على الْمُشْتَرِي فَأَمَّا الصَّغِيرُ فَأَصْغَرُهُ يَقَعُ عليه اسْمُ الصِّغَرِ وَلَا أَحْتَاجُ إلَى الْمَسْأَلَةِ عنه ( قال ) وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أُسْلِمُ إلَيْك في خِرْبِزٍ خُرَاسَانِيٍّ أو بِطِّيخٍ شَامِيٍّ أو رُمَّانٍ أمليسي أو رُمَّانٍ حَرَّانِي وَلَا يُسْتَغْنَى في الرُّمَّانِ عن أَنْ يَصِفَ طَعْمَهُ حُلْوًا أو مُرًّا أو حَامِضًا فَأَمَّا الْبِطِّيخُ فَلَيْسَ في طَعْمِهِ أَلْوَانٌ وَيَقُولُ عِظَامٌ أو صِغَارٌ وَيَقُولُ في الْقِثَّاءِ هَكَذَا فيقول قِثَّاءٌ طِوَالٌ وَقِثَّاءٌ مُدَحْرَجٌ وَخِيَارٌ يصفة بِالْعِظَمِ وَالصِّغَرِ وَالْوَزْنِ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يَقُولَ قِثَّاءٌ عِظَامٌ أو صِغَارٌ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي كَمْ الْعِظَامُ وَالصِّغَارُ منه إلَّا أَنْ يَقُولَ كَذَا وَكَذَا رِطْلًا منه صِغَارًا وَكَذَا وَكَذَا رِطْلًا منه كِبَارًا وَهَكَذَا الدُّبَّاءُ وما أَشْبَهَهُ فَعَلَى هذا هذا الْبَابُ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَفِ في الْبُقُولِ كُلِّهَا إذَا سمى كُلُّ جِنْسٍ منها وقال هِنْدِبًا أو جِرْجِيرًا أو كُرَّاثًا أو خَسًّا وَأَيَّ صِنْفٍ ما اسلف فيه منها وَزْنًا مَعْلُومًا لَا يَجُوزُ إلَّا مَوْزُونًا فَإِنْ تَرَكَ تَسْمِيَةَ الصِّنْفِ منه أو الْوَزْنِ لم يَجُزْ السَّلَفُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كان منه شَيْءٌ يَخْتَلِفُ صِغَارُهُ وَكِبَارُهُ لم يَجُزْ إلَّا أَنْ يُسَمَّى صَغِيرًا أو كَبِيرًا كَالْقُنَّبِيطِ تَخْتَلِفُ صِغَارُهُ وَكِبَارُهُ وَكَالْفُجْلِ وَكَالْجَزَرِ وما اخْتَلَفَ صِغَارُهُ وَكِبَارُهُ في الطَّعْمِ وَالثَّمَنِ ( قال ) وَيُسَلِّفُ في الْجَوْزِ وَزْنًا وَإِنْ كان لَا يَتَجَافَى في الْمِكْيَالِ كما وَصَفْت اسلم فيه كَيْلًا وَالْوَزْنُ أَحَبُّ إلَيَّ وَأَصَحُّ فيه قال وَقَصَبُ السُّكَّرِ إذَا شَرَطَ مَحِلَّهُ في وَقْتٍ لَا يَنْقَطِعُ من أَيْدِي الناس في ذلك الْبَلَدِ فَلَا بَأْسَ بِالسَّلَفِ فيه وَزْنًا وَلَا يَجُوزُ السَّلَفُ فيه وَزْنًا حتى يَشْتَرِطَ صِفَةَ الْقَصَبِ إنْ كان يَتَبَايَنُ وَإِنْ كان أَعْلَاهُ مِمَّا لَا حَلَاوَةَ فيه وَلَا مَنْفَعَةَ فَلَا يُتَبَايَعُ إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ أَنْ يُقْطَعَ أَعْلَاهُ الذي هو بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ وَإِنْ كان يُتَبَايَعُ وَيُطْرَحُ ما عليه من الْقِشْرِ وَيُقْطَعُ مَجَامِعُ عُرُوقِهِ من أَسْفَلِهِ قال وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّفَ فيه حُزَمًا وَلَا عَدَدًا لِأَنَّهُ لَا يُوقَفُ على حَدِّهِ بِذَلِكَ وقد رَآهُ وَنَظَرَ إلَيْهِ قال وَلَا خَيْرَ في أَنْ يَشْتَرِيَ قَصَبًا وَلَا بَقْلًا وَلَا غَيْرَهُ مِمَّا يُشْبِهُهُ بِأَنْ يَقُولَ أَشَتَرِي مِنْك زَرْعَ كَذَا وَكَذَا فَدَّانًا وَلَا كَذَا وَكَذَا حُزَمًا من بَقْلٍ إلَى وَقْتِ كَذَا وَكَذَا لِأَنَّ زَرْعَ ذلك يَخْتَلِفُ فَيَقِلُّ وَيَكْثُرُ وَيَحْسُنُ وَيَقْبُحُ وَأَفْسَدْنَاهُ لإختلافه في الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ لِمَا وَصَفْت من أَنَّهُ غَيْرُ مَكِيلٍ وَلَا مَوْزُونٍ وَلَا مَعْرُوفِ الْقِلَّةِ والكثره وَلَا يَجُوزُ أَنْ يشترى هذا إلَّا مَنْظُورًا إلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْقَصَبُ وَالْقِرْطُ وَكُلُّ ما أَنْبَتَتْ الْأَرْضُ لَا يَجُوزُ السَّلَفُ فيه إلَّا وَزْنًا أو كَيْلًا بِصِفَةٍ مضمونه لَا من أَرْضٍ بِعَيْنِهَا فَإِنْ اسلف فيه من أَرْضٍ بِعَيْنِهَا فَالسَّلَفُ فيه مُنْتَقَضٌ ( قال ) وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ في قَصَبٍ وَلَا قُرْطٍ وَلَا قَصِيلٍ وَلَا غَيْرِهِ بِحُزَمٍ وَلَا أَحْمَالٍ وَلَا يَجُوزُ فيه إلَّا مَوْزُونًا مَوْصُوفًا وَكَذَلِكَ التِّينُ وَغَيْرُهُ لَا يَجُوزُ إلَّا مَكِيلًا أو مَوْزُونًا وَمِنْ جِنْسٍ مَعْرُوفٍ إذَا اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهُ فَإِنْ تَرَكَ من هذا شيئا لم يَجُزْ السَّلَفُ فيه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
____________________

(3/128)


- * بَابُ بَيْعِ الْقَصَبِ وَالْقِرْطِ - * أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ قال في الْقَصَبِ لَا يُبَاعُ إلَّا جِزَّةً أو قال صِرْمَةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا نَقُولُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ الْقُرْطُ إلَّا جِزَّةً وَاحِدَةً عِنْدَ بُلُوغِ الْجِزَازِ وَيَأْخُذَ صَاحِبُهُ في جِزَازِهِ عِنْدَ ابْتِيَاعِهِ فَلَا يُؤَخِّرُهُ مُدَّةً أَكْثَرَ من قَدْرِ ما يُمْكِنُهُ جِزَازُهُ فيه من يَوْمِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ اشْتَرَاهُ ثَابِتًا على أَنْ يَدَعَهُ أَيَّامًا لِيَطُولَ أو يَغْلُظَ أو غَيْرِ ذلك فَكَانَ يَزِيدُ في تِلْكَ الْأَيَّامِ فَلَا خَيْرَ في الشِّرَاءِ وَالشِّرَاءُ مَفْسُوخٌ لِأَنَّ أَصْلَهُ لِلْبَائِعِ وَفَرْعَهُ الظَّاهِرُ لِلْمُشْتَرِي فإذا كان يَطُولُ فَيَخْرُجُ من مَالِ الْبَائِعِ إلَى مَالِ الْمُشْتَرِي منه شَيْءٌ لم تَقَعْ عليه صَفْقَةُ الْبَيْعِ فَيَمْلِكُهُ كُنْت قد أَعْطَيْت الْمُشْتَرِي ما لم يَشْتَرِ وَأَخَذْت من الْبَائِعِ ما لم يَبِعْ ثُمَّ أَعْطَيْته منه شيئا مَجْهُولًا لَا يُرَى بِعَيْنٍ وَلَا يُضْبَطُ بِصِفَةٍ وَلَا يَتَمَيَّزُ فَيُعْرَفُ ما لِلْبَائِعِ فيه مِمَّا لِلْمُشْتَرِي فَيَفْسُدُ من وُجُوهٍ ( قال ) وَلَوْ أشتراه لِيَقْطَعَهُ فَتَرَكَهُ وَقَطْعُهُ مُمْكِنٌ له مُدَّةً يَطُولُ في مِثْلِهَا كان الْبَيْعُ فيه مَفْسُوخًا إذَا كان على ما شَرَطَ في أَصْلِ الْبَيْعِ أَنْ يَدَعَهُ لِمَا وَصَفْت مِمَّا اخْتَلَطَ بِهِ من مَالِ الْبَائِعِ مِمَّا لَا يَتَمَيَّزُ كما لو اشْتَرَى حِنْطَةً جُزَافًا وَشَرَطَ له أنها إنْ انْهَالَتْ عليها حِنْطَةٌ له فَهِيَ دَاخِلَةٌ في الْبَيْعِ فَانْهَالَتْ عليها حِنْطَةٌ لِلْبَائِعِ لم يَبْتَعْهَا انْفَسَخَ الْبَيْعُ فيها لِأَنَّ ما اشْتَرَى لَا يَتَمَيَّزُ وَلَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ مِمَّا لم يَشْتَرِ فَيُعْطَى ما أشترى وَيُمْنَعُ ما لم يَشْتَرِ وهو في هذا كُلِّهِ بَائِعُ شَيْءٍ قد كان وَشَيْءٍ لم يَكُنْ غير مَضْمُونٍ على أَنَّهُ إنْ كان دخل في الْبَيْعِ وَإِنْ لم يَكُنْ لم يَدْخُلْ معه وَهَذَا الْبَيْعُ مِمَّا لَا يَخْتَلِفُ الْمُسْلِمُونَ في فَسَادِهِ لِأَنَّ رَجُلًا لو قال أَبِيعُك شيئا إنْ نَبَتَ في أَرْضِي بِكَذَا فَإِنْ لم يَنْبُتْ أو نَبَتَ قَلِيلًا لَزِمَك الثَّمَنُ كان مَفْسُوخًا وَكَذَلِكَ لو قال أَبِيعُك شيئا إنْ جَاءَنِي من تِجَارَتِي بِكَذَا وَإِنْ لم يَأْتِ لَزِمَك الثَّمَنُ قال وَلَكِنَّهُ لو أشتراه كما وَصَفْت وَتَرَكَهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ أَيَّامًا وَقَطْعُهُ يُمْكِنُهُ في أَقَلَّ منها كان المشترى منه بِالْخِيَارِ في أَنْ يَدَعَ له الْفَضْلَ الذي له بِلَا ثَمَنٍ أو يَنْقُضَ الْبَيْعَ قال كما يَكُونُ إذَا بَاعَهُ حِنْطَةً جُزَافًا فَانْهَالَتْ عليها حِنْطَةٌ له فَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ في أَنْ يُسْلِمَ ما بَاعَهُ وما زَادَ في حِنْطَتِهِ أو يَرُدَّ الْبَيْعَ لِاخْتِلَاطِ ما بَاعَ بِمَا لم يَبِعْ قال وما أَفْسَدْت فيه الْبَيْعَ فَأَصَابَ الْقَصَبَ فيه آفَةٌ تُتْلِفُهُ في يَدَيْ الْمُشْتَرِي فَعَلَى الْمُشْتَرِي ضَمَانُهُ بِقِيمَتِهِ وما أَصَابَتْهُ آفَةٌ تَنْقُصُهُ فَعَلَى الْمُشْتَرِي ضَمَانُ ما نقصة وَالزَّرْعُ لبائعة وَعَلَى كل مُشْتَرٍ شِرَاءً فَاسِدًا أَنْ يَرُدَّهُ كما أَخَذَهُ أو خَيْرًا مِمَّا أَخَذَهُ وَضَمَانُهُ إنْ تَلِفَ وَضَمَانُ نَقْصِهِ إنْ نَقَصَ في كل شَيْءٍ - * بَابُ السَّلَفِ في الشَّيْءِ الْمُصْلِحِ لِغَيْرِهِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى كُلُّ صِنْفٍ حَلَّ السَّلَفُ فيه وَحْدَهُ فَخُلِطَ منه شَيْءٌ بِشَيْءٍ غَيْرِ جِنْسِهِ مِمَّا يَبْقَى فيه فَلَا يُزَايِلُهُ بِحَالٍ سِوَى الْمَاءِ وكان الذي يَخْتَلِطُ بِهِ قَائِمًا فيه وكان مِمَّا يَصْلُحُ فيه السَّلَفُ وَكَانَا مُخْتَلِطَيْنِ لَا يَتَمَيَّزَانِ فَلَا خَيْرَ في السَّلَفِ فِيهِمَا من قِبَلِ أَنَّهُمَا إذَا اخْتَلَطَا فلم يَتَمَيَّزْ أَحَدُهُمَا من الْآخَرِ لم أَدْرِ كَمْ قَبَضْت من هذا وَهَذَا فَكُنْت قد أَسْلَفْت في شَيْءٍ مَجْهُولٍ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ أُسْلِمَ في عَشْرَةِ ارطال سَوِيقِ لَوْزٍ فَلَيْسَ يَتَمَيَّزُ السُّكَّرُ من دُهْنِ اللَّوْزِ وَلَا اللَّوْزُ إذَا خُلِطَ بِهِ أَحَدُهُمَا فَيَعْرِفُ الْقَابِضُ الْمُبْتَاعَ كَمْ قَبَضَ من السُّكَّرِ وَدُهْنِ اللَّوْزِ وَاللَّوْزِ فلما كان هَكَذَا كان بَيْعًا مَجْهُولًا وَهَكَذَا إنْ أَسْلَمَ إلَيْهِ في سَوِيقٍ مَلْتُوتٍ مَكِيلٍ لِأَنِّي لَا أَعْرِفُ قَدْرَ السَّوِيقِ من الزَّيْتِ وَالسَّوِيقُ يَزِيدُ
____________________

(3/129)


كَيْلُهُ بِاللُّتَاتِ وَلَوْ كان لَا يَزِيدُ كان فَاسِدًا من قِبَلِ أَنِّي ابْتَعْت سَوِيقًا وَزَيْتًا وَالزَّيْتُ مَجْهُولٌ وَإِنْ كان السَّوِيقُ مَعْرُوفًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) في أَكْثَرَ من هذا الْمَعْنَى الأولي أَنْ لَا يَجُوزَ أن أَسْلَمَ إلَيْك في فَالُوذَجَ وَلَوْ قُلْت ظَاهِرُ الْحَلَاوَةِ أو ظَاهِرُ الدَّسَمِ لم يَجُزْ لِأَنِّي لَا أَعْرِفُ قَدْرَ النشاسنق ( ( ( النشاستج ) ) ) من الْعَسَلِ وَالسُّكَّرِ وَالدُّهْنِ الذي فيه سَمْنٌ او غَيْرُهُ وَلَا أَعْرِفُ حَلَاوَتَهُ أَمِنْ عَسَلِ نَحْلٍ كان أو غَيْرِهِ وَلَا من أَيِّ عَسَلٍ وَكَذَلِكَ دَسَمُهُ فَهُوَ لو كان يَعْرِفُ وَيَعْرِفُ السَّوِيقَ الْكَثِيرَ اللُّتَاتِ كان كما يُخَالِطُ صَاحِبَهُ فَلَا يَتَمَيَّزُ غير مَعْرُوفٍ وفي هذا الْمَعْنَى لو أَسْلَمَ إلَيْهِ في أَرْطَالِ حَيْسٍ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ قَدْرَ التَّمْرِ من الْأَقِطِ وَالسَّمْنِ ( قال ) وفي مِثْلِ هذا الْمَعْنَى اللَّحْمُ الْمَطْبُوخُ بِالْأَبْزَارِ وَالْمِلْحِ وَالْخَلِّ وفي مِثْلِهِ الدَّجَاجُ الْمَحْشُوُّ بِالدَّقِيقِ وَالْأَبْزَارِ أو الدَّقِيقِ وَحْدِهِ أو غَيْرِهِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَعْرِفُ قَدْرَ ما يَدْخُلُ من الْأَبْزَارِ وَلَا الدَّجَاجِ من الْحَشْوِ لِاخْتِلَافِ أَجْوَافِهَا وَالْحَشْوِ فيها وَلَوْ كان يَضْبِطُ ذلك بِوَزْنٍ لم يَجُزْ لِأَنَّهُ إنْ ضَبَطَ وَزْنَ الْجُمْلَةِ لم يَضْبِطْ وَزْنَ ما يَدْخُلُهُ وَلَا كَيْلَهُ ( قال ) وَفِيهِ مَعْنًى يُفْسِدُهُ سِوَى هذا وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَطَ نشاستقا ( ( ( نشاستجا ) ) ) جَيِّدًا أو عَسَلًا جَيِّدًا لم يَعْرِفْ جَوْدَةَ النشاستق ( ( ( النشاستج ) ) ) مَعْمُولًا وَلَا الْعَسَلِ مَعْمُولًا لِقَلْبِ النَّارِ له وَاخْتِلَاطِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ فَلَا يُوقَفُ على حَدِّهِ أَنَّهُ من شَرْطِهِ هو أَمْ لَا ( قال ) وَلَوْ سَلَّفَ في لَحْمٍ مَشْوِيٍّ بِوَزْنٍ أو مَطْبُوخٍ لم يَجُزْ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّفَ في اللَّحْمِ إلَّا مَوْصُوفًا بسمانه وقد تَخْفَى مَشْوِيًّا إذَا لم تَكُنْ سَمَانَةً فَاخِرَةً وقد يَكُونُ أَعْجَفَ فَلَا يَخْلُصُ أَعْجَفُهُ من سَمِينِهِ وَلَا مُنْقِيهِ من سَمِينِهِ إذَا تَقَارَبَ وإذا كان مَطْبُوخًا فَهُوَ أَبْعَدُ أَنْ يَعْرِفَ أَبَدًا سَمِينَهُ لِأَنَّهُ قد يَطْرَحُ أَعْجَفَهُ مع سَمِينِهِ وَيَكُونُ مَوَاضِعُ من سَمِينِهِ لَا يَكُونُ فيها شَحْمٌ وإذا كان مَوْضِعٌ مَقْطُوعٌ من اللَّحْمِ كانت في بَعْضِهِ دلاله على سَمِينِهِ وَمُنْقِيهِ وَأَعْجَفِهِ فَكُلُّ ما أتصل بِهِ منه مِثْلُهُ ( قال ) وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُسْلِمَ في عَيْنٍ على أنها تُدْفَعُ إلَيْهِ مُغَيِّرَةً بِحَالٍ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَدِلُّ على أنها تِلْكَ الْعَيْنُ اخْتَلَفَ كَيْلُهَا أو لم يَخْتَلِفْ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يُسَلِّفَهُ في صَاعِ حِنْطَةٍ على أَنْ يُوَفِّيَهُ إيَّاهَا دَقِيقًا اشْتَرَطَ كَيْلَ الدَّقِيقِ أو لم يَشْتَرِطْهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا وَصَفَ جِنْسًا من حِنْطَةٍ وَجَوْدَةٍ فَصَارَتْ دَقِيقًا أَشْكَلَ الدَّقِيقُ من مَعْنَيَيْنِ احدهما أَنْ تَكُونَ الْحِنْطَةُ المشروطه مائيه فَتُطْحَنُ حِنْطَةٌ تُقَارِبُهَا من حِنْطَةِ الشَّامِ وهو غَيْرُ الْمَائِيِّ وَلَا يُخَلِّصُ هذا وَالْآخَرُ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ مَكِيلَةَ الدَّقِيقِ لِأَنَّهُ قد يَكْثُرُ إذَا طُحِنَ وَيَقِلُّ وَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لم يَسْتَوْفِ كَيْلَ الْحِنْطَةِ وَإِنَّمَا يُقْبَلُ فيه قَوْلُ الْبَائِعِ ( قال ) وقد يفسدة غَيْرُنَا من وَجْهٍ آخَرَ من أَنْ يَقُولَ لِطَحْنِهِ إجَارَةٌ لها قِيمَةٌ لم تُسَمَّ في أَصْلِ السَّلَفِ فإذا كانت له إجارة ( ( ( إجازة ) ) ) فَلَيْسَ يَعْرِفُ ثَمَنَ الْحِنْطَةِ من قِيمَةِ الْإِجَارَةِ فَيَكُونُ سَلَفًا مَجْهُولًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا وَجْهٌ آخَرُ يَجِدُهُ من أَفْسَدَهُ فيه مَذْهَبًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ( قال ) وَلَيْسَ هذا كما يُسَلِّفُهُ في دَقِيقٍ مَوْصُوفٍ لِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ له حِنْطَةً مَوْصُوفَةً وَشَرَطَ عليه فيها عَمَلًا بِحَالٍ إنَّمَا ضَمِنَ له دَقِيقًا مَوْصُوفًا وَكَذَلِكَ لو أَسْلَفَهُ في ثَوْبٍ مَوْصُوفٍ بِذَرْعٍ يُوصَفْ بِهِ الثِّيَابُ جَازَ وَإِنْ اسلفه في غَزْلٍ مَوْصُوفٍ على أَنْ يَعْمَلَهُ له ثَوْبًا لم يَجُزْ من قِبَلِ أَنَّ صِفَةَ الْغَزْلِ لَا تُعْرَفُ في الثَّوْبِ وَلَا تُعْرَفُ حِصَّةُ الْغَزْلِ من حِصَّةِ الْعَمَلِ وإذا كان الثَّوْبُ مَوْصُوفًا عُرِفَتْ صِفَتُهُ ( قال ) وَكُلُّ ما أَسْلَمَ فيه وكان يَصْلُحُ بِشَيْءٍ منه لَا بِغَيْرِهِ فَشَرَطَهُ مُصْلِحًا فَلَا بَأْسَ بِهِ كما يُسْلِمُ إلَيْهِ في ثَوْبٍ وُشِيَ أو مُسَيَّرٍ أو غَيْرِهِمَا من صِبْغِ الْغَزْلِ وَذَلِكَ أَنَّ الصِّبْغَ فيه كَأَصْلِ لَوْنِ الثَّوْبِ في السُّمْرَةِ وَالْبَيَاضِ وَأَنَّ الصِّبْغَ لَا يُغَيِّرُ صِفَةَ الثَّوْبِ في دِقَّةٍ وَلَا صَفَاقَةٍ وَلَا غَيْرِهِمَا كما يَتَغَيَّرُ السَّوِيقُ وَالدَّقِيقُ بِاللُّتَاتِ وَلَا يُعْرَفُ لَوْنُهُمَا وقد يُشْتَرَيَانِ عليه وَلَا طَعْمُهُمَا وَأَكْثَرُ ما يُشْتَرَيَانِ عليه وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُسْلِمَ إلَيْهِ في ثَوْبٍ مَوْصُوفٍ على أَنْ يَصْبُغَهُ مُضَرَّجًا من قِبَلِ أَنَّهُ لَا يُوقَفُ على حَدِّ التَّضْرِيجِ وَأَنَّ
____________________

(3/130)


من الثِّيَابِ ما يَأْخُذُ من التَّضْرِيجِ أَكْثَرَ مِمَّا يَأْخُذُ مِثْلُهُ في الذَّرْعِ وَأَنَّ الصَّفْقَةَ وَقَعَتْ على شَيْئَيْنِ مُتَفَرِّقَيْنِ أَحَدُهُمَا ثَوْبٌ وَالْآخَرُ صِبْغٌ فَكَانَ الثَّوْبُ وَإِنْ عُرِفَ مَصْبُوغًا بِجِنْسِهِ قد عَرَفَهُ فَالصِّبْغُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ قَدْرُهُ وهو مُشْتَرًى وَلَا خَيْرَ في مُشْتَرًى إلَى أَجَلٍ غَيْرِ مَعْرُوفٍ وَلَيْسَ هذا كما يُسْلِمُ في ثَوْبِ عَصْبٍ لِأَنَّ الصِّبْغَ زِينَةٌ له وَأَنَّهُ لم يَشْتَرِ الثَّوْبَ إلَّا وَهَذَا الصِّبْغُ قَائِمٌ فيه قِيَامَ الْعَمَلِ من النَّسْجِ وَلَوْنُ الْغَزْلِ فيه قَائِمٌ لَا يُغَيِّرُهُ عن صِفَتِهِ فإذا كان هَكَذَا جَازَ وإذا كان الثَّوْبُ مُشْتَرًى بِلَا صِبْغٍ ثُمَّ أُدْخِلَ الصِّبْغُ قبل أَنْ يَسْتَوْفِيَ الثَّوْبَ وَيَعْرِفَ الصِّبْغَ لم يَجُزْ لِمَا وَصَفْت من أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ غَزْلَ الثَّوْبِ وَلَا قَدْرَ الصِّبْغِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَلِّفَهُ في ثَوْبٍ مَوْصُوفٍ يُوَفِّيهِ إيَّاهُ مَقْصُورًا قِصَارَةً مَعْرُوفَةً أو مَغْسُولًا غَسْلًا نَقِيًّا من دَقِيقِهِ الذي يُنْسَجُ بِهِ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُسْلِمَ إلَيْهِ في ثَوْبٍ قد لُبِسَ أو غُسِلَ غَسْلَةً من قِبَلِ أَنَّهُ يَغْسِلُهُ غَسْلَةً بعد ما يُنْهِكُهُ وَقَبْلُ فَلَا يُوقَفُ على حَدِّ هذا وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُسْلِمَ في حِنْطَةٍ مَبْلُولَةٍ لِأَنَّ الإبتلال لَا يُوقَفُ على حَدِّ ما يُرِيدُ في الْحِنْطَةِ وقد تُغَيَّرُ الْحِنْطَةُ حتى لَا يُوقَفُ على حَدِّ صِفَتِهَا كما يُوقَفُ عليها يَابِسَةً وَلَا خَيْرَ في السَّلَفِ في مُجَمَّرٍ مُطَرًّى وَلَوْ وُصِفَ وَزْنٌ التطرية ( ( ( للتطرية ) ) ) لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ على أَنْ يَزِنَ التَّطْرِيَةَ فَيَخْلُصُ وَزْنُهَا من وَزْنِ الْعُودِ وَلَا يُضْبَطُ لِأَنَّهُ قد يَدْخُلُهُ الْغَيْرُ بِمَا يَمْنَعُ له الدَّلَالَةَ بالتطرية ( ( ( التطرية ) ) ) له على جَوْدَةِ الْعُودِ وَكَذَلِكَ لَا خَيْرَ في السَّلَفِ في الْغَالِيَةِ وَلَا شَيْءٍ من الْأَدْهَانِ التي فيها الْأَثْقَالُ لِأَنَّهُ لَا يُوقَفُ على صِفَتِهِ وَلَا قَدْرِ ما يَدْخُلُ فيه وَلَا يَتَمَيَّزُ ما يَدْخُلُ فيه ( قال ) وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَفِ في دُهْنِ حَبِّ الْبَانِ قبل أَنْ يَنُشَّ بِشَيْءٍ وَزْنًا وَأَكْرَهُهُ مَنْشُوشًا لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ قَدْرَ النَّشِّ منه وَلَوْ وَصَفَهُ بِرِيحٍ كَرِهْته من قِبَلِ أَنَّهُ لَا يُوقَفُ على حَدِّ الرِّيحِ قال وَأَكْرَهُهُ في كل دُهْنٍ طَيِّبٍ قبل أَنْ يُسْتَوْفَى وَكَذَلِكَ لو سَلَّفَهُ في دُهْنٍ مُطَيِّبٍ أو ثَوْبٍ مُطَيَّبٍ لِأَنَّهُ لَا يُوقَفُ على حَدِّ الطِّيبِ كما لَا يُوقَفُ على الْأَلْوَانِ وَغَيْرِهَا مِمَّا ذَكَرْت فيه أَنَّ أَدْهَانَ الْبُلْدَانِ تَتَفَاضَلُ في بَقَاءِ طَيْفِ الرِّيحِ على الْمَاءِ وَالْعَرَقِ وَالْقَدَمِ في الْحُنُوِّ وَغَيْرِهِ وَلَوْ شَرَطَ دُهْنَ بَلَدٍ كان قد نَسَبَهُ فَلَا يَخْلُصُ كما تَخْلُصُ الثِّيَابُ فَتُعْرَفُ بِبُلْدَانِهَا المجسية وَاللَّوْنُ وَغَيْرُ ذلك قال وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَلِّفَهُ في طَسْتٍ أو تَوْرٍ من نُحَاسٍ أَحْمَرَ أو أَبْيَضَ أو شَبَهٍ أو رَصَاصٍ أو حَدِيدٍ وَيَشْتَرِطُهُ بِسَعَةٍ مَعْرُوفَةٍ وَمَضْرُوبًا أو مُفَرَّغًا وَبِصَنْعَةٍ مَعْرُوفَةٍ وَيَصِفُهُ بِالثَّخَانَةِ أو الرِّقَّةِ وَيَضْرِبُ له أَجَلًا كَهُوَ في الثِّيَابِ وإذا جاء بِهِ على ما يَقَعُ عليه اسْمُ الصِّفَةِ وَالشَّرْطِ لَزِمَهُ ولم يَكُنْ له رَدُّهُ ( قال ) وَكَذَلِكَ كُلُّ إنَاءٍ من جِنْسٍ وَاحِدٍ ضُبِطَتْ صِفَتُهُ فَهُوَ كَالطَّسْتِ وَالْقُمْقُمِ قال وَلَوْ كان يَضْبِطُ أَنْ يَكُونَ مع شَرْطِ السَّعَةِ وَزْنٌ كان أَصَحَّ وَإِنْ لم يَشْتَرِطْ وَزْنًا صَحَّ إذَا اشْتَرَطَ سَعَةً كما يَصِحُّ أَنْ يَبْتَاعَ ثَوْبًا بِصَنْعَةٍ وَشَيْءٍ وَغَيْرِهِ بِصِفَةٍ وَسَعَةٍ وَلَا يَجُوزُ فيه إلَّا أَنْ يَدْفَعَ ثَمَنَهُ وَهَذَا شِرَاءُ صِفَةٍ مَضْمُونَةٍ فَلَا يَجُوزُ فيها إلَّا أَنْ يَدْفَعَ ثَمَنَهَا وَتَكُونَ على ما وَصَفْت ( قال ) وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يَعْمَلَ له طَسْتًا من نُحَاسٍ وَحَدِيدٍ أو نُحَاسٍ وَرَصَاصٍ لم يَجُزْ لِأَنَّهُمَا لَا يَخْلُصَانِ فَيَعْرِفُ قَدْرَ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَيْسَ هذا كَالصِّبْغِ في الثَّوْبِ لِأَنَّ الصِّبْغَ في ثَوْبِهِ زِينَةٌ لَا يُغَيِّرُهُ أَنْ تُضْبَطَ صِفَتُهُ وَهَذَا زِيَادَةٌ في نَفْسِ الشَّيْءِ الْمَصْنُوعِ قال وَهَكَذَا كُلُّ ما اُسْتُصْنِعَ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُسَلِّفَ في قَلَنْسُوَةٍ مَحْشُوَّةٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَضْبِطُ وَزْنَ حَشْوِهَا وَلَا صِفَتَهُ وَلَا يُوقَفُ على حَدِّ بِطَانَتِهَا وَلَا تُشْتَرَى هذه إلَّا يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُسَلِّفَهُ في خُفَّيْنِ وَلَا نَعْلَيْنِ مَخْرُوزَيْنِ وَذَلِكَ أَنَّهُمَا لَا يُوصَفَانِ بِطُولٍ وَلَا عَرْضٍ وَلَا تُضْبَطُ جُلُودُهُمَا وَلَا ما يَدْخُلُ فِيهِمَا وَإِنَّمَا يَجُوزُ في هذا أَنْ يَبْتَاعَ النَّعْلَيْنِ وَالشِّرَاكَيْنِ وَيَسْتَأْجِرَ على الْحَذْوِ وَعَلَى خَرَّازِ الْخُفَّيْنِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبْتَاعَ منه صِحَافًا أو قِدَاحًا من نَحْوٍ مَعْرُوفٍ وَبِصِفَةٍ مَعْرُوفَةٍ وَقَدْرٍ مَعْرُوفٍ من الْكِبَرِ وَالصِّغَرِ وَالْعُمْقِ وَالضِّيقِ وَيَشْتَرِطَ أَيَّ عَمَلٍ وَلَا بَأْسَ إنْ كانت من قَوَارِيرَ وَيَشْتَرِطَ جِنْسَ قَوَارِيرِهَا وَرِقَّتَهُ وَثَخَانَتَهُ وَلَوْ كانت الْقَوَارِيرُ بِوَزْنٍ مع الصِّفَةِ كان أَحَبَّ
____________________

(3/131)


إلى وَأَصَحَّ لِلسَّلَفِ وَكَذَلِكَ كُلُّ ما عَمِلَ فلم يُخْلَطْ بِغَيْرِهِ وَاَلَّذِي يُخْلَطُ بِغَيْرِهِ النَّبْلُ فيها رِيشٌ وَنِصَالٌ وَعَقْبٌ وَرُومَةٌ وَالنِّصَالُ لَا يُوقَفُ على حَدِّهِ فَأَكْرَهُ السَّلَفَ فيه وَلَا أُجِيزُهُ قال وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبْتَاعَ آجُرًّا بِطُولٍ وَعَرْضٍ وَثَخَانَةٍ وَيَشْتَرِطُ من طِينٍ مَعْرُوفٍ وَثَخَانَةٍ مَعْرُوفَةٍ وَلَوْ شَرَطَ مَوْزُونًا كان أَحَبَّ إلَيَّ وَإِنْ تَرَكَهُ فَلَا بَأْسَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا هو بَيْعُ صِفَةٍ وَلَيْسَ يُخْلَطُ بِالطِّينِ غَيْرُهُ مِمَّا يَكُونُ الطِّينُ غير مَعْرُوفِ الْقَدْرَ منه إنَّمَا هو يَخْلِطُهُ الْمَاءَ وَالْمَاءُ مُسْتَهْلَكٌ فيه وَالنَّارُ شَيْءٌ ليس منه وَلَا قَائِمٌ فيه إنَّمَا لها فيه أَثَرُ صَلَاحٍ وَإِنَّمَا بَاعَهُ بِصِفَةٍ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يَبْتَاعَ منه لَبِنًا على أَنْ يَطْبُخَهُ فَيُوَفِّيهِ إيَّاهُ آجُرًّا وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ قَدْرَ ما يَذْهَبُ في طَبْخِهِ من الْحَطَبِ وَأَنَّهُ قد يَتَلَهْوَجُ وَيَفْسُدُ فَإِنْ أَبْطَلْنَاهُ على الْمُشْتَرِي كنا قد أَبْطَلْنَا شيئا أستوجبه وَإِنْ أَلْزَمْنَاهُ إيَّاهُ أَلْزَمْنَاهُ بِغَيْرِ ما شَرَطَ لِنَفْسِهِ - * بَابُ السَّلَفِ يَحِلُّ فَيَأْخُذُ الْمُسَلِّفُ بَعْضَ رَأْسِ مَالِهِ وَبَعْضَ سَلَفِهِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ من سَلَّفَ ذَهَبًا في طَعَامٍ مَوْصُوفٍ فَحَلَّ السَّلَفُ فإنما ( ( ( قائما ) ) ) له طَعَامٌ في ذِمَّةِ بَائِعِهِ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِهِ كُلِّهِ حتى يُوَفِّيَهُ إيَّاهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ كما يَتْرُكُ سَائِرَ حُقُوقِهِ إذَا شَاءَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ بَعْضَهُ وَأَنْظَرَهُ بِبَعْضٍ وَإِنْ شَاءَ أَقَالَهُ منه كُلِّهِ وإذا كان له أَنْ يُقِيلَهُ من كُلِّهِ إذَا اجْتَمَعَا على الإقاله كان له إذَا اجْتَمَعَا أَنْ يُقِيلَهُ من بَعْضِهِ فَيَكُونُ ما أَقَالَهُ منه كما لم يَتَبَايَعَا فيه وما لم يُقِلْهُ منه كما كان لَازِمًا له بِصِفَتِهِ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَلَا فَرْقَ بين السَّلَفِ في هذا وَبَيْنَ طَعَامٍ له عليه من وَجْهٍ غَيْرِ السَّلَفِ وقال وَلَكِنْ إنْ حَلَّ له طَعَامٌ فقال أُعْطِيك مَكَانَ مالك من الطَّعَامِ على طَعَامًا غَيْرَهُ أو عَرَضًا من الْعُرُوضِ لم يَجُزْ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِيعُهُ حتى يَسْتَوْفِيَهُ وَإِنَّمَا لِهَذَا الْمُسَلِّفِ طَعَامٌ فإذا أَخَذَ غَيْرَهُ بِهِ فَقَدْ بَاعَهُ قبل أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ وإذا أَقَالَهُ منه أو من بَعْضِهِ فالإقاله لَيْسَتْ بِبَيْعٍ إنَّمَا هِيَ نَقْضُ بَيْعٍ تَرَاضَيَا بِنَقْضِ الْعُقْدَةِ الْأُولَى التي وَجَبَتْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على صَاحِبِهِ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما الْحُجَّةُ في هذا فَالْقِيَاسُ والمعقول ( ( ( لمعقول ) ) ) مكتفي بِهِ فيه فَإِنْ قال فَهَلْ فيه أَثَرٌ عن أَحَدٍ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قِيلَ رُوِيَ عن بن عَبَّاسٍ وَعَنْ عَطَاءٍ وَعَمْرِو بن دِينَارٍ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّ عَطَاءً كان لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يَقْبَلَ رَأْسَ مَالِهِ منه أو يُنْظِرَهُ أو يَأْخُذَ بَعْضَ السِّلْعَةِ وَيُنْظِرَهُ بِمَا بَقِيَ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ الْقَدَّاحُ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ أَسْلَفْت دِينَارًا في عَشْرَةِ أَفْرَاقٍ فَحَلَّتْ أَفَأَقْبِضُ منه إنْ شِئْت خَمْسَةَ أَفْرَاقٍ وَأَكْتُبُ نِصْفَ الدِّينَارِ عليه دَيْنًا فقال نعم ( قال الشَّافِعِيُّ ) لِأَنَّهُ إذَا أَقَالَهُ منه فَلَهُ عليه رَأْسُ مَالِ ما أَقَالَهُ منه وَسَوَاءٌ أنتقده أو تَرَكَهُ لِأَنَّهُ لو كان عليه مَالٌ حَالٌّ جَازَ أَنْ يَأْخُذَهُ وَأَنْ يُنْظِرَهُ بِهِ مَتَى شَاءَ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ أَنَّهُ كان لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَ رَأْسِ مَالِهِ وَبَعْضًا طَعَامًا أو يَأْخُذَ بَعْضًا طَعَامًا وَيَكْتُبَ ما بَقِيَ من رَأْسِ الْمَالِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن سَلَمَةَ بن مُوسَى عن سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ عن بن عَبَّاسٍ قال ذلك الْمَعْرُوفُ أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَهُ طَعَامًا وَبَعْضَهُ دَنَانِيرَ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ رَجُلٌ أَسْلَفَ بَزًّا في طَعَامٍ فَدَعَا إلَى ثَمَنِ الْبَزِّ يَوْمَئِذٍ فقال لَا إلَّا رَأْسَ مَالِهِ أو بَزَّهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) قَوْلُ عَطَاءٍ في الْبَزِّ أَنْ لَا يُبَاعَ الْبَزُّ أَيْضًا حتى يُسْتَوْفَى فَكَأَنَّهُ يَذْهَبُ مَذْهَبَ الطَّعَامِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ طَعَامٌ أَسْلَفْت فيه فَحَلَّ فَدَعَانِي إلَى طَعَامٍ غَيْرِهِ فَرَّقَ بِفَرْقٍ ليس لِلَّذِي يُعْطِينِي على الذي كان لي عليه فَضْلٌ قال
____________________

(3/132)


لَا بَأْسَ بِذَلِكَ ليس ذلك بِبَيْعٍ إنَّمَا ذلك قَضَاءٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) هذا كما قال عَطَاءٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَذَلِكَ أَنَّهُ سَلَّفَهُ في صِفَةٍ لَيْسَتْ بِعَيْنٍ فإذا جَاءَهُ بِصِفَتِهِ فَإِنَّمَا قَضَاهُ حَقَّهُ قال سَعِيدُ بن سَالِمٍ وَلَوْ أَسْلَفَهُ في بُرِّ الشَّامِ فَأَخَذَ منه بُرًّا غَيْرَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَهَذَا كَتَجَاوُزِهِ في ذَهَبِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ كما قال سَعِيدٌ قال وَلَكِنْ لو حَلَّتْ له مِائَةٌ فَرْقٍ اشْتَرَاهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ فَأَعْطَاهُ بها أَلْفَ دِرْهَمٍ لم يَجُزْ ولم يَجُزْ فيه إلَّا إقَالَتُهُ فإذا أَقَالَهُ صَارَ له عليه رَأْسُ مَالِهِ فإذا بريء من الطَّعَامِ وَصَارَتْ له عليه ذَهَبٌ تَبَايَعَا بَعْدُ بِالذَّهَبِ ماشاءا وتقابضا ( ( ( شاء ) ) ) قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا من غرض ( ( ( عرض ) ) ) أو غَيْرِهِ - * بَابُ صَرْفِ السَّلَفِ إلَى غَيْرِهِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال رُوِيَ عن بن عُمَرَ وَأَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُمَا قَالَا من سَلَّفَ في بَيْعٍ فَلَا يَصْرِفُهُ إلَى غَيْرِهِ وَلَا يَبِيعُهُ حتى يَقْبِضَهُ قال وَهَذَا كما رُوِيَ عنهما إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِيهِ دَلَالَةٌ على أَنْ لَا يُبَاعَ شَيْءٌ اُبْتِيعَ حتى يُقْبَضَ وهو مُوَافِقٌ قَوْلَنَا في كل بَيْعٍ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ حتى يُسْتَوْفَى ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ سُئِلَ عن رَجُلٍ ابْتَاعَ سِلْعَةً غَائِبَةً وَنَقَدَ ثَمَنَهَا فلما رَآهَا لم يَرْضَهَا فَأَرَادَا أَنْ يُحَوِّلَا بَيْعَهُمَا في سِلْعَةٍ غَيْرِهَا قبل أَنْ يَقْبِضَ منه الثَّمَنَ قال لَا يَصْلُحُ قال كَأَنَّهُ جَاءَهُ بها على غَيْرِ الصِّفَةِ وَتَحْوِيلُهُمَا بَيْعَهُمَا في سِلْعَةٍ غَيْرِهَا بَيْعٌ لِلسِّلْعَةِ قبل أَنْ تُقْبَضَ قال وَلَوْ سَلَّفَ رَجُلٌ رَجُلًا دَرَاهِمَ في مِائَةِ صَاعِ حِنْطَةٍ وَأَسْلَفَهُ صَاحِبُهُ دَرَاهِمَ في مِائَةِ صَاعِ حِنْطَةٍ وَصِفَةُ الْحِنْطَتَيْنِ وَاحِدَةٌ وَمَحِلُّهُمَا وَاحِدٌ أو مُخْتَلِفٌ لم يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ وكان لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على صَاحِبِهِ مِائَةُ صَاعٍ بِتِلْكَ الصِّفَةِ وَإِلَى ذلك الْأَجَلِ وَلَا يَكُونُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا قِصَاصًا من الْآخَرِ من قِبَلِ أَنِّي لو جَعَلْت الْحِنْطَةَ بِالْحِنْطَةِ قِصَاصًا كان بَيْعُ الطَّعَامِ قبل أَنْ يُقْبَضَ وَبَيْعُ الدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ لِأَنَّ دَفْعَهُمَا في يَوْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ نَسِيئَةٌ وَمَنْ أَسْلَفَ في طَعَامٍ بِكَيْلٍ أو وَزْنٍ فَحَلَّ السَّلَفُ فقال الذي له السَّلَفُ كُلُّ طَعَامِي أوزنه ( ( ( زنه ) ) ) وأعزله عِنْدَك حتى آتِيَك فَأَنْقُلُهُ فَفَعَلَ فَسُرِقَ الطَّعَامُ فَهُوَ من ضَمَانِ الْبَائِعِ وَلَا يَكُونُ هذا قَبْضًا من رَبِّ الطَّعَامِ وَلَوْ كَالَهُ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي بِأَمْرِهِ حتى يَقْبِضَ أو يَقْبِضَهُ وَكِيلٌ له فَيَبْرَأُ الْبَائِعُ من ضَمَانِهِ حِينَئِذٍ - * بَابُ الْخِيَارِ في السَّلَفِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يَجُوزُ الْخِيَارُ في السَّلَفِ لو قال رَجُلٌ لِرَجُلٍ أَبْتَاعُ مِنْك بِمِائَةِ دِينَارٍ أَنْقُدُكَهَا مِائَةَ صَاعٍ تَمْرًا إلَى شَهْرٍ على أَنِّي بِالْخِيَارِ بَعْدَ تَفَرُّقِنَا من مَقَامِنَا الذي تَبَايَعْنَا فيه أو أنت بِالْخِيَارِ أو كِلَانَا بِالْخِيَارِ لم يَجُزْ فيه الْبَيْعُ كما يَجُوزُ أَنْ يَتَشَارَطَا الْخِيَارَ ثَلَاثًا في بُيُوعِ الْأَعْيَانِ وَكَذَلِكَ لو قال ابتاع مِنْك مِائَةَ صَاعٍ تَمْرًا بِمِائَةِ دِينَارٍ على أَنِّي بِالْخِيَارِ يَوْمًا إنْ رَضِيتَ أَعْطَيْتُك الدَّنَانِيرَ وَإِنْ لم أَرْضَ فَالْبَيْعُ بَيْنِي وَبَيْنَك مَفْسُوخٌ لم يَجُزْ لِأَنَّ هذا بَيْعٌ مَوْصُوفٌ وَالْبَيْعُ الْمَوْصُوفُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِأَنْ يَقْبِضَ صَاحِبُهُ ثَمَنَهُ قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا لِأَنَّ قَبْضَهُ ما سَلَّفَ فيه قَبْضُ مِلْكٍ وهو لو قَبَضَ مَالَ الرَّجُلِ على أَنَّهُ بِالْخِيَارِ لم يَكُنْ قَبْضُهُ قَبْضَ مِلْكٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ إنْ كان لِلْمُشْتَرِي فلم يَمْلِكْ الْبَائِعُ ما دَفَعَ إلَيْهِ وَإِنْ كان لِلْبَائِعِ فلم يُمَلِّكْهُ الْبَائِعُ ما بَاعَهُ لِأَنَّهُ عَسَى أَنْ يَنْتَفِعَ بِمَالِهِ ثُمَّ يَرُدَّهُ إلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ فيه إلَّا مَقْطُوعًا بِلَا خِيَارٍ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّفَ رَجُلٌ رَجُلًا مِائَةَ دِينَارٍ على أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مِائَةَ صَاعٍ مَوْصُوفٍ إلَى أَجَلِ كَذَا فإذا حَلَّ الْأَجَلُ فَاَلَّذِي عليه الطَّعَامُ بِالْخِيَارِ في أَنْ يعطيه ( ( ( يعطه ) ) ) ما أَسْلَفَهُ أو يَرُدَّ إلَيْهِ رَأْسَ مَالِهِ حتى يَكُونَ الْبَيْعُ مَقْطُوعًا بَيْنَهُمَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ فَإِنْ حَبَسْتَنِي عن رَأْسِ مَالِي فَلِي زِيَادَةُ كَذَا فَلَا يَجُوزُ شَرْطَانِ حتى يَكُونَ الشَّرْطُ فِيهِمَا وَاحِدًا مَعْرُوفًا
____________________

(3/133)


- * بَابُ ما يَجِبُ لِلْمُسَلِّفِ على الْمُسَلَّفِ من شَرْطِهِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا أَحْضَرَ الْمُسَلِّفُ السِّلْعَةَ التي أَسْلَفَ فَكَانَتْ طَعَامًا فَاخْتَلَفَا فيه دعى ( ( ( دعا ) ) ) له أَهْلَ الْعِلْمِ بِهِ فَإِنْ كان شَرَطَ الْمُشْتَرِي طَعَامًا جَيِّدًا جَدِيدًا قِيلَ هذا جَيِّدٌ جَدِيدٌ فَإِنْ قالوا نعم قِيلَ وَيَقَعُ عليه اسْمُ الجوده فَإِنْ قالوا نعم لَزِمَ الْمُسَلَّفَ أَخْذُ أَقَلِّ ما يَقَعُ عليه اسْمُ الصِّفَةِ من الجوده وَغَيْرِهَا وَيَبْرَأُ الْمُسَلِّفُ وَيَلْزَمُ الْمُسَلَّفَ أَخْذُهُ وَهَكَذَا هذا في الثِّيَابِ يُقَالُ هذا ثَوْبٌ من وَشْيِ صَنْعَاءَ وَالْوَشْيُ الذي يُقَالُ له يُوسُفِيٌّ وَبِطُولِ كَذَا وَبِعَرْضِ كَذَا وَدَقِيقٌ أو صَفِيقٌ أو جَيِّدٌ أو هُمَا وَيَقَعُ عليه اسْمُ الْجَوْدَةِ فإذا قالوا نعم فَأَقَلُّ ما يَقَعُ عليه اسْمُ الْجَوْدَةِ يَبْرَأُ منه الذي سَلَّفَ فيه وَيَلْزَمُ الْمُسَلَّفَ وَيُقَالُ في الدَّقِيقِ من الثِّيَابِ وَكُلُّ شَيْءٍ هَكَذَا إذَا أَلْزَمَهُ في كل صِنْفٍ منه صِفَةً وَجَوْدَةً فَأَدْنَى ما يَقَعُ عليه اسْمُ الصِّفَةِ من دِقَّةٍ وَغَيْرِهَا وَاسْمُ الْجَوْدَةِ يُبْرِئُهُ منه وَكَذَلِكَ إنْ شَرَطَهُ رَدِيئًا فَالرَّدِيءُ يَلْزَمُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ الْقَدَّاحُ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ قال إذَا أَسْلَفْت فَإِيَّاكَ إذَا حَلَّ حَقُّك بِاَلَّذِي سَلَّفْت فيه كما اشْتَرَطْت وَنَقَدْت فَلَيْسَ لَك خِيَارٌ إذَا أَوْفَيْت شَرْطَك وَبَيْعَك ( قال الشَّافِعِيُّ ) وأن جاء بِهِ على غَايَةٍ من الْجَوْدَةِ أَكْثَرَ من أَقَلِّ ما يَقَعُ عليه اسْمُ الْجَوْدَةِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ بِالْفَضْلِ وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِيمَا يَقَعُ عليه اسْمُ الْجَوْدَةِ خَيْرٌ له إلَّا في مَوْضِعٍ سَأَصِفُ لَك منه إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - * بَابُ إختلاف الْمُتَبَايِعَيْنِ بِالسَّلَفِ إذَا رَآهُ الْمُسَلَّفُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ لو أَنَّ رَجُلًا سَلَّفَ رَجُلًا ذَهَبًا في طَعَامٍ مَوْصُوفٍ حِنْطَةٍ أو زَبِيبٍ أو تَمْرٍ أو شَعِيرٍ أو غَيْرِهِ فَكَانَ أَسْلَفَهُ في صِنْفٍ من التَّمْرِ رَدِيءٍ فَأَتَاهُ بِخَيْرٍ من الرَّدِيءِ أو جَيِّدٍ فَأَتَاهُ بِخَيْرٍ مِمَّا يَلْزَمُهُ اسْمُ الْجَيِّدِ بَعْدَ أَنْ لَا يَخْرُجَ من جِنْسِ ما سَلَّفَهُ فيه إنْ كان عَجْوَةً أو صَيْحَانِيًّا أو غَيْرَهُ لَزِمَ الْمُسَلَّفَ أَنْ يَأْخُذَهُ لِأَنَّ الرَّدِيءَ لَا يُغْنِي غَنَاءً إلَّا أَغْنَاهُ الْجَيِّدُ وكان فيه فَضْلٌ عنه وَكَذَلِكَ إذَا أَلْزَمْنَاهُ أَدْنَى ما يَقَعُ عليه اسْمُ الجوده فَأَعْطَاهُ أَعْلَى منها فَالْأَعْلَى يُغْنِي أَكْثَرَ من غَنَاءِ الْأَسْفَلِ فَقَدْ أعطى خَيْرًا مِمَّا لَزِمَهُ ولم يَخْرُجْ له مِمَّا يَلْزَمُهُ اسْمُ الْجَيِّدِ فَيَكُونُ أَخْرَجَهُ من شَرْطِهِ إلَى غَيْرِ شَرْطِهِ فإذا فَارَقَ الِاسْمَ أو الْجِنْسَ لم يُجْبَرْ عليه وكان مُخَيَّرًا في تَرْكِهِ وَقَبْضِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا الْقَوْلُ في كل صِنْفٍ من الزَّبِيبِ وَالطَّعَامِ الْمَعْرُوفِ كَيْلُهُ قال وَبَيَانُ هذا الْقَوْلِ أَنَّهُ لو أَسْلَفَهُ في عَجْوَةٍ فأعطاة بَرْدِيًّا وهو خَيْرٌ منها أَضْعَافًا لم أُجْبِرْهُ على أَخْذِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْجِنْسِ الذي اسلفه فيه قد يُرِيدُ الْعَجْوَةَ لِأَمْرٍ لَا يَصْلُحُ له الْبَرْدِيُّ وَهَكَذَا الطَّعَامُ كُلُّهُ إذَا اخْتَلَفَتْ أجناسة لِأَنَّ هذا أَعْطَاهُ غير شَرْطِهِ وَلَوْ كان خَيْرًا منه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا الْعَسَلُ وَلَا يُسْتَغْنَى في الْعَسَلِ عن أَنْ يَصِفَهُ بِبَيَاضٍ أو صُفْرَةٍ أو خُضْرَةٍ لِأَنَّهُ يَتَبَايَنُ في أَلْوَانِهِ في الْقِيمَةِ وَهَكَذَا كُلُّ ما له لَوْنٌ يَتَبَايَنُ بِهِ ما خَالَفَ لَوْنَهُ من حَيَوَانٍ وَغَيْرِهِ قال وَلَوْ سَلَّفَ رَجُلٌ رَجُلًا عَرَضًا في فِضَّةٍ بَيْضَاءَ جَيِّدَةٍ فَجَاءَ بِفِضَّةٍ بَيْضَاءَ أَكْثَرَ مِمَّا يَقَعُ عليه أَدْنَى اسْمِ الْجَوْدَةِ أو سَلَّفَهُ عَرَضًا في ذَهَبٍ أَحْمَرَ جَيِّدٍ فَجَاءَ بِذَهَبٍ أَحْمَرَ أَكْثَرَ من أَدْنَى ما يَقَعُ عليه أَدْنَى اسْمِ الْجَوْدَةِ لَزِمَهُ وَكَذَا لو سَلَّفَهُ في صُفْرٍ أَحْمَرَ جَيِّدٍ فَجَاءَهُ بِأَحْمَرَ بِأَكْثَرَ مِمَّا يَقَعُ عليه أَقَلُّ اسْمِ الْجَوْدَةِ لَزِمَهُ وَلَكِنْ لو سَلَّفَهُ في صُفْرٍ أَحْمَرَ فَأَعْطَاهُ أَبْيَضَ وَالْأَبْيَضُ يَصْلُحُ لِمَا لَا يَصْلُحُ له الْأَحْمَرُ لم يَلْزَمْهُ إذَا اخْتَلَفَ اللَّوْنَانِ فِيمَا يَصْلُحُ له أَحَدُ اللَّوْنَيْنِ وَلَا يَصْلُحُ له الْآخَرُ لم يَلْزَمْهُ المشتري إلَّا ما يَلْزَمُهُ اسْمُ الصِّفَةِ وَكَذَلِكَ إذَا اخْتَلَفَا فِيمَا تَتَبَايَنُ فيه الْأَثْمَانُ بِالْأَلْوَانِ لم يَلْزَمْ الْمُشْتَرِيَ إلَّا ما يَلْزَمُهُ بِصِفَةِ
____________________

(3/134)


ما سَلَّفَ فيه فَأَمَّا ما لَا تَتَبَايَنُ فيه بِالْأَلْوَانِ مِمَّا لَا يَصْلُحُ له المشتري فَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَغْنَى فيه من الْآخَرِ وَلَا أَكْثَرَ ثَمَنًا وَإِنَّمَا يَفْتَرِقَانِ لِاسْمِهِ فَلَا أَنْظُرُ فيه إلَى الْأَلْوَانِ - * بَابُ ما يَلْزَمُ في السَّلَفِ مِمَّا يُخَالِفُ الصِّفَةَ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ سَلَّفَهُ في ثَوْبٍ مروى ثَخِينٍ فَجَاءَ بِرَقِيقٍ أَكْثَرَ ثَمَنًا من ثَخِينٍ لم أُلْزِمْهُ إيَّاهُ لِأَنَّ الثَّخِينَ يُدَفِّئُ أَكْثَرَ مِمَّا يُدَفِّئُ الرَّقِيقُ وَرُبَّمَا كان أَكْثَرَ بَقَاءً من الرَّقِيقِ وَلِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِصِفَتِهِ خَارِجٌ منها قال وَكَذَلِكَ لو سَلَّفَهُ في عَبْدٍ بِصِفَةٍ وقال وَضِيءٌ فَجَاءَهُ بِأَكْثَرَ من صِفَتِهِ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ وَضِيءٍ لم أُلْزِمْهُ إيَّاهُ لِمُبَايَنَتِهِ من أَنَّهُ ليس بِوَضِيءٍ وَخُرُوجُهُ من الصِّفَةِ وَكَذَلِكَ لو سَلَّفَهُ في عَبْدٍ بِصِفَةٍ فقال غَلِيظٌ شَدِيدُ الْخَلْقِ فَجَاءَ بِوَضِيءٍ ليس بِشَدِيدِ الْخَلْقِ أَكْثَرَ منه ثَمَنًا لم يَلْزَمْهُ لِأَنَّ الشَّدِيدَ يُغْنِي غير غَنَاءِ الْوَضِيءِ وَلِلْوَضِيءِ ثَمَنٌ أَكْثَرُ منه وَلَا أُلْزِمُهُ أَبَدًا خَيْرًا من شَرْطِهِ حتى يَكُونَ مُنْتَظِمًا لِصِفَتِهِ زَائِدًا عليها فَأَمَّا إذَا زَادَ عليها في الْقِيمَةِ وَقَصُرَ عنها في بَعْضِ الْمَنْفَعَةِ أو كان هذا خَارِجًا منها بِالصِّفَةِ فَلَا أُلْزِمُهُ إلَّا ما شَرَطَ فَعَلَى هذا هذا الْبَابُ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ - * بَابُ ما يَجُوزُ فيه السَّلَفُ وما لَا يَجُوزُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يَجُوزُ السَّلَفُ في حِنْطَةِ أَرْضِ رَجُلٍ بِعَيْنِهَا بِصِفَةٍ لِأَنَّ الْآفَةَ قد تُصِيبُهَا في الْوَقْتِ الذي يَحِلُّ فيه السَّلَفُ فَلَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ أَنْ يُعْطِيَهُ صِفَتَهُ من غَيْرِهَا لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ عليها وَيَكُونُ قد انْتَفَعَ بِمَالِهِ في أَمْرٍ لَا يَلْزَمُهُ وَالْبَيْعُ ضَرْبَانِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا بَيْعُ عَيْنٍ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ وَبَيْعُ صِفَةٍ إلَى أَجَلٍ أو غَيْرِ أَجَلٍ فَتَكُونُ مَضْمُونَةً على الْبَائِعِ فإذا بَاعَهُ صِفَةً من عَرَضٍ بِحَالٍّ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ منها من حَيْثُ شَاءَ قال وإذا كان خَارِجًا من الْبُيُوعِ التي أَجَزْت كان بَيْعُ ما لَا يَعْرِفُ أَوْلَى أَنْ يَبْطُلَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا ثَمَرُ حَائِطِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَنِتَاجُ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَقَرْيَةٌ بِعَيْنِهَا غَيْرِ مَأْمُونَةٍ وَنَسْلُ مَاشِيَةٍ بِعَيْنِهَا فإذا شَرَطَ الْمُسَلِّفُ من ذلك ما يَكُونُ مَأْمُونًا أَنْ يَنْقَطِعَ أَصْلُهُ لَا يَخْتَلِفُ في الْوَقْتِ الذي يَحِلُّ فيه جَازَ وإذا شَرَطَ الشَّيْءَ الذي الْأَغْلَبُ منه أَنْ لَا يُؤْمَنَ إنقطاع أَصْلِهِ لم يَجُزْ قال وَهَكَذَا لو أَسْلَفَهُ في لَبَنِ مَاشِيَةِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَبِكَيْلٍ مَعْلُومٍ وَصِفَةٍ لم يَجُزْ وَإِنْ أَخَذَ في كَيْلِهِ وَحَلْبِهِ من سَاعَتِهِ لِأَنَّ الْآفَةَ قد تَأْتِي عليه قبل أَنْ يَفْرُغَ من جَمِيعِ ما أَسْلَفَ فيه وَلَا نُجِيزُ في شَيْءٍ من هذا إلَّا كما وَصَفْت لَك في أَنْ يَكُونَ بَيْعَ عَيْنٍ لَا يَضْمَنُ صَاحِبُهَا شيئا غَيْرَهَا إنْ هَلَكَتْ انْتَقَضَ الْبَيْعُ أو بَيْعُ صِفَةٍ مَأْمُونَةٍ أَنْ تَنْقَطِعَ من أَيْدِي الناس في حِينِ مَحِلِّهِ فَأَمَّا ما كان قد يَنْقَطِعُ من أَيْدِي الناس فَالسَّلَفُ فيه فَاسِدٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ أَسْلَفَ سَلَفًا فَاسِدًا وَقَبَضَهُ رَدَّهُ وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ رَدَّ مثله إنْ كان له مِثْلٌ أو قِيمَتَهُ إنْ لم يَكُنْ له مِثْلٌ وَرَجَعَ بِرَأْسِ مَالِهِ فَعَلَى هذا هذا الْبَابُ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ - * بَابُ إختلاف الْمُسَلِّفِ وَالْمُسَلَّفِ في السَّلَمِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمُسَلِّفُ وَالْمُسَلَّفُ في السَّلَمِ فقال الْمُشْتَرِي أَسْلَفْتُك مِائَةَ دِينَارٍ في مِائَتَيْ صَاعِ حِنْطَةٍ وقال الْبَائِعُ أَسْلَفْتَنِي مِائَةَ دِينَارٍ في مِائَةِ صَاعِ حِنْطَةٍ أُحْلِفَ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ ما بَاعَهُ بِالْمِائَةِ التي قَبَضَ منه إلَّا مِائَةَ صَاعٍ فإذا حَلَفَ قِيلَ لِلْمُشْتَرِي إنْ شِئْت فَلَكَ عليه المئة ( ( ( المائة ) ) ) الصَّاعِ التي أَقَرَّ بها وَإِنْ شِئْت فَاحْلِفْ
____________________

(3/135)


ما ابْتَعْت منه مِائَةَ صَاعٍ وقد كان بَيْعُك مِائَتَيْ صَاعٍ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ عَلَيْك أَنَّهُ مَلَكَ عَلَيْك الْمِائَةَ الدِّينَارِ بِالْمِائَةِ الصَّاعِ وَأَنْتَ مُنْكِرٌ فَإِنْ حَلَفَ تَفَاسَخَا الْبَيْعَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَذَلِكَ لو اخْتَلَفَا فِيمَا اشْتَرَى منه فقال اسلفتك مِائَتَيْ دِينَارٍ في مِائَةِ صَاعٍ تَمْرًا وقال بَلْ اسلفتني في مِائَةِ صَاعٍ ذُرَةً أو قال اسلفتك في مِائَةِ صَاعٍ بردى ( ( ( برديا ) ) ) وقال بَلْ اسلفتني في مِائَةِ صَاعٍ عَجْوَةً أو قال اسلفتك في سِلْعَةٍ مَوْصُوفَةٍ وقال الْآخَرُ بَلْ اسلفتني في سِلْعَةٍ غَيْرِ مَوْصُوفَةٍ كان الْقَوْلُ فيه كما وَصَفْت لَك يَحْلِفُ الْبَائِعُ ثُمَّ يُخَيَّرُ الْمُبْتَاعُ بين أَنْ يَأْخُذَ بِمَا أَقَرَّ له الْبَائِعُ بِلَا يَمِينٍ أو يَحْلِفَ فَيَبْرَأُ من دَعْوَى الْبَائِعِ وَيَتَفَاسَخَانِ ( قال الرَّبِيعُ ) إنْ أَخَذَهُ الْمُبْتَاعُ وقد نَاكَرَهُ الْبَائِعُ فَإِنْ أَقَرَّ الْمُبْتَاعُ ثُمَّ قال الْبَائِعُ حَلَّ له أَنْ يَأْخُذَهَا وَإِلَّا فَلَا يَحِلُّ له إذَا أَنْكَرَهُ وَالسَّلَفُ يَنْفَسِخُ بَعْدَ أَنْ يَتَصَالَحَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَذَلِكَ لو تَصَادَقَا في السِّلْعَةِ وَاخْتَلَفَا في الْأَجَلِ فقال الْمُسَلَّفُ هو إلَى سَنَةٍ وقال الْبَائِعُ هو إلَى سَنَتَيْنِ حَلَفَ الْبَائِعُ وَخُيِّرَ الْمُشْتَرِي فَإِنْ رضي وَإِلَّا حَلَفَ وَتَفَاسَخَا فَإِنْ كان الثَّمَنُ في هذا كُلِّهِ دَنَانِيرَ أو دَرَاهِمَ رَدَّ مِثْلَهَا أو طَعَامًا رَدَّ مثله فَإِنْ لم يُوجَدْ رَدَّ قِيمَتَهُ وَكَذَلِكَ لو كان سَلَّفَهُ سِلْعَةً غير مَكِيلَةٍ وَلَا مَوْزُونَةٍ فَفَاتَتْ رَدَّ قِيمَتَهَا قال وَهَكَذَا الْقَوْلُ في بُيُوعِ الْأَعْيَانِ إذَا اخْتَلَفَا في الثَّمَنِ أو في الْأَجَلِ أو اخْتَلَفَا في السِّلْعَةِ الْمَبِيعَةِ فقال الْبَائِعُ بِعْتُك عَبْدًا بِأَلْفٍ وَاسْتَهْلَكْت الْعَبْدَ وقال الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْته مِنْك بِخَمْسِمِائَةٍ وقد هَلَكَ الْعَبْدُ تَحَالَفَا وَرَدَّ قِيمَةَ الْعَبْدِ وَإِنْ كانت أَقَلَّ من الْخَمْسِمِائَةِ أو أَكْثَرَ من أَلْفٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا كُلُّ ما اخْتَلَفَا فيه من كَيْلٍ وَجَوْدَةٍ وَأَجَلٍ قال وَلَوْ تَصَادَقَا على الْبَيْعِ وَالْأَجَلِ فقال الْبَائِعُ لم يَمْضِ من الْأَجَلِ شَيْءٌ أو قال مَضَى منه شَيْءٌ يَسِيرٌ وقال الْمُشْتَرِي بَلْ قد مَضَى كُلُّهُ أو لم يَبْقَ منه إلَّا شَيْءٌ يَسِيرٌ كان الْقَوْلُ قَوْلَ الْبَائِعِ مع يَمِينِهِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يَنْفَسِخُ بَيْعُهُمَا في هذا من قِبَلِ تَصَادُقِهِمَا على الثَّمَنِ وَالْمُشْتَرَى وَالْأَجَلِ فَأَمَّا ما يَخْتَلِفَانِ فيه في أَصْلِ الْعَقْدِ فيقول الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت إلَى شَهْرٍ وَيَقُولُ الْبَائِعُ بِعْتُك إلَى شَهْرَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَرَادَّانِ من قِبَلِ اخْتِلَافِهِمَا فِيمَا يَفْسَخُ الْعُقْدَةَ وَالْأَوَّلَانِ لم يَخْتَلِفَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَرَجُلٍ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا سَنَةً بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فقال الْأَجِيرُ قد مَضَتْ وقال الْمُسْتَأْجِرُ لم تَمْضِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ وَعَلَى الْأَجِيرِ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِشَيْءٍ يدعى الْمَخْرَجَ منه - * بَابُ السَّلَفِ في السِّلْعَةِ بِعَيْنِهَا حَاضِرَةً أو غَائِبَةً - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ سَلَّفَ رَجُلٌ رَجُلًا مِائَةَ دِينَارٍ في سِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا على أَنْ يَقْبِضَ السِّلْعَةَ بَعْدَ يَوْمٍ أو أَكْثَرَ كان السَّلَفُ فَاسِدًا وَلَا تَجُوزُ بُيُوعُ الْأَعْيَانِ على أنها مضمونه على بَائِعِهَا بِكُلِّ حَالٍّ لِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ من فَوْتِهَا وَلَا بِأَنْ لَا يَكُونَ لِصَاحِبِهَا السَّبِيلُ على أَخْذِهَا مَتَى شَاءَ هو لَا يَحُولُ بَائِعُهَا دُونَهَا إذَا دَفَعَ إلَيْهِ ثَمَنَهَا وكان إلَى أَجَلٍ لِأَنَّهَا قد تَتْلَفُ في ذلك الْوَقْتِ وَإِنْ قَلَّ فَيَكُونُ الْمُشْتَرِي قد اشْتَرَى غير مَضْمُونٍ على الْبَائِعِ بِصِفَةٍ مَوْجُودَةٍ بِكُلِّ حَالٍ يُكَلِّفُهَا بَائِعُهَا وَلَا مَلَّكَهُ الْبَائِعُ شيئا بِعَيْنِهِ يَتَسَلَّطُ على قَبْضِهِ حين وَجَبَ له وَقَدَرَ على قَبْضِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَذَلِكَ لَا يَتَكَارَى منه رَاحِلَةً بِعَيْنِهَا مُعَجَّلَةَ الْكِرَاءِ على أَنْ يَرْكَبَهَا بَعْدَ يَوْمٍ أو أَكْثَرَ لِأَنَّهَا قد تَتْلَفُ وَيُصِيبُهَا ما لَا يَكُونُ فيها رُكُوبٌ معه وَلَكِنْ يُسَلِّفُهُ على أَنْ يَضْمَنَ له حُمُولَةً مَعْرُوفَةً وَبُيُوعُ الْأَعْيَانِ لَا تَصْلُحُ إلَى أَجَلٍ إنَّمَا الْمُؤَجَّلُ ما ضَمِنَ من الْبُيُوعِ بِصِفَةٍ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ أَبِيعُك جَارِيَتِي هذه بِعَبْدِك هذا على أَنْ تَدْفَعَ إلَيَّ عَبْدَك بَعْدَ شَهْرٍ لِأَنَّهُ قد يَهْرُبُ وَيَتْلَفُ وَيَنْقُصُ إلَى شَهْرٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَفَسَادُ هذا خُرُوجُهُ من بَيْعِ الْمُسْلِمِينَ وما وَصَفْت وَأَنَّ الثَّمَنَ فيه غَيْرُ مَعْلُومٍ لِأَنَّ
____________________

(3/136)


الْمَعْلُومَ ما قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي أو تَرَكَ قَبْضَهُ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَحُولَ دُونَهُ قال وَلَا بَأْسَ أَنْ أَبِيعَك عَبْدِي هذا أو أَدْفَعَهُ إلَيْك بِعَبْدٍ مَوْصُوفٍ أو عَبْدَيْنِ أو بَعِيرٍ أو بَعِيرَيْنِ أو خَشَبَةٍ أو خَشَبَتَيْنِ إذَا كان ذلك مَوْصُوفًا مَضْمُونًا لِأَنَّ حَقِّي في صِفَةٍ مَضْمُونَةٍ على الْمُشْتَرِي لَا في عَيْنٍ تَتْلَفُ أو تَنْقُصُ أو تَفُوتُ فَلَا تَكُونُ مضمونه عليه - * بَابُ إمتناع ذِي الْحَقِّ من أَخْذِ حَقِّهِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَّ حَقُّ الْمُسَلِّمِ وَحَقُّهُ حَالٌّ بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ فَدَعَا الذي عليه الْحَقُّ الذي له الْحَقُّ إلَى أَخْذِ حَقِّهِ فَامْتَنَعَ الذي له الْحَقُّ فَعَلَى الْوَالِي جَبْرُهُ على أَخْذِ حَقِّهِ لِيَبْرَأَ ذُو الدَّيْنِ من دَيْنِهِ وَيُؤَدِّيَ إلَيْهِ ما له عليه غير مُنْتَقَصٍ له بِالْأَدَاءِ شيئا وَلَا مُدْخِلَ عليه ضَرَرًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّ الْحَقِّ أَنْ يُبْرِئَهُ من حَقِّهِ بِغَيْرِ شَيْءٍ يَأْخُذُهُ منه فَيَبْرَأُ بِإِبْرَائِهِ إيَّاهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ دَعَاهُ إلَى أَخْذِهِ قبل مَحِلِّهِ وكان حَقُّهُ ذَهَبًا أو فِضَّةً أو نُحَاسًا أو تِبْرًا أو عَرَضًا غير مَأْكُولٍ وَلَا مَشْرُوبٍ وَلَا ذِي رُوحٍ يَحْتَاجُ إلَى الْعَلَفِ أو النَّفَقَةِ جَبَرْتُهُ على أَخْذِ حَقِّهِ منه إلَّا أَنْ يُبْرِئَهُ لِأَنَّهُ قد جَاءَهُ بِحَقِّهِ وَزِيَادَةِ تَعْجِيلِهِ قبل مَحِلِّهِ وَلَسْتُ أَنْظُرُ في هذا إلَى تَغَيُّرِ قِيمَتِهِ فَإِنْ كان يَكُونُ في وَقْتِهِ أَكْثَرَ قِيمَةً أو أَقَلَّ قُلْت لِلَّذِي له الْحَقُّ إنْ شِئْت حَبَسْته وقد يَكُونُ في وَقْتِ أَجَلِهِ أَكْثَرَ قيمة منه حين يَدْفَعُهُ وَأَقَلَّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على ما وَصَفْت قُلْت أُخْبِرْنَا أَنَّ أَنَسَ بن مَالِكٍ كَاتَبَ غُلَامًا له على نُجُومٍ إلَى أَجَلٍ فَأَرَادَ الْمُكَاتَبُ تَعْجِيلَهَا لِيُعْتَقَ فَامْتَنَعَ أَنَسٌ من قَبُولِهَا وقال لَا آخُذُهَا إلَّا عِنْدَ مَحِلِّهَا فَأَتَى الْمُكَاتَبُ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه فذكر ذلك له فقال عُمَرُ إنَّ أَنَسًا يُرِيدُ الْمِيرَاثَ فَكَانَ في الحديث فَأَمَرَهُ عُمَرُ بِأَخْذِهَا منه وَأَعْتَقَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وهو يُشْبِهُ الْقِيَاسَ ( قال ) وَإِنْ كان ما سَلَّفَ فيه مَأْكُولًا أو مَشْرُوبًا لَا يُجْبَرُ على أَخْذِهِ لِأَنَّهُ قد يُرِيدُ أَكْلَهُ وَشُرْبَهُ جَدِيدًا في وَقْتِهِ الذي سَلَّفَ إلَيْهِ فَإِنْ عَجَّلَهُ تَرَكَ أَكْلَهُ وَشُرْبَهُ وَأَكْلُهُ وَشُرْبُهُ متغيرا ( ( ( متغير ) ) ) بِالْقِدَمِ في غَيْرِ الْوَقْتِ الذي أَرَادَ أَكْلَهُ او شُرْبَهُ فيه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كان حَيَوَانًا لَا غَنَاءَ بِهِ عن الْعَلَفِ أو الرَّعْيِ لم يُجْبَرْ على أَخْذِهِ قبل مَحِلِّهِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ فيه مُؤْنَةُ الْعَلَفِ أو الرَّعْيِ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى وَقْتِهِ فَدَخَلَ عليه بَعْضُ مُؤْنَةٍ وَأَمَّا ما سِوَى هذا من الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالتِّبْرِ كُلِّهِ وَالثِّيَابِ وَالْخَشَبِ وَالْحِجَارَةِ وَغَيْرِ ذلك فإذا دَفَعَهُ بريء منه وَجُبِرَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ على أَخْذِهِ من الذي هو له عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَعَلَى هذا هذا الْبَابُ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ لَا أَعْلَمُهُ يَجُوزُ فيه غَيْرُ ما وَصَفْت أو أَنْ يُقَالَ لَا يُجْبَرُ أَحَدٌ على أَخْذِ شَيْءٍ هو له حتى يَحِلَّ له فَلَا يُجْبَرُ على دِينَارٍ وَلَا دِرْهَمٍ حتى يَحِلَّ له وَذَلِكَ أَنَّهُ قد يَكُونُ لَا حِرْزَ له وَيَكُونُ مُتْلِفًا لِمَا صَارَ في يَدَيْهِ فَيَخْتَارُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا على مَلِيءٍ من أَنْ يَصِيرَ إلَيْهِ فَيَتْلَفُ من يَدَيْهِ بِوُجُوهٍ منها ما ذَكَرْتُ وَمِنْهَا أَنْ يَتَقَاضَاهُ ذُو دَيْنٍ أو يَسْأَلَهُ ذُو رَحِمٍ لو لم يَعْلَمْ ما صَارَ إلَيْهِ لم يَتَقَاضَاهُ ولم يَسْأَلْهُ فَإِنَّمَا مَنَعَنَا من هذا أَنَّا لم نَرَ أَحَدًا خَالَفَ في أَنَّ الرَّجُلَ يَكُونُ له الدَّيْنُ على الرَّجُلِ فَيَمُوتُ الذي عليه الدَّيْنُ فَيَدْفَعُونَ مَالَهُ إلَى غُرَمَائِهِ وَإِنْ لم يُرِيدُوهُ لِئَلَّا يَحْبِسُوا مِيرَاثَ الْوَرَثَةِ وَوَصِيَّةَ الْمُوصِي لهم وَيَجْبُرُونَهُمْ على أَخْذِهِ لِأَنَّهُ خَيْرٌ لهم وَالسَّلَفُ يُخَالِفُ دَيْنَ الْمَيِّتِ في بَعْضِ هذا - * بَابُ السَّلَفِ في الرُّطَبِ فَيَنْفَدُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا سَلَّفَ رَجُلٌ رَجُلًا في رُطَبٍ أو عِنَبٍ إلَى أَجَلٍ يَطِيبَانِ له فَهُوَ جَائِزٌ فأن نَفِدَ الرُّطَبُ أو الْعِنَبُ حتى لَا يَبْقَى منه شَيْءٌ بِالْبَلَدِ الذي سَلَّفَهُ فيه فَقَدْ قِيلَ الْمُسَلِّفُ بِالْخِيَارِ فَإِنْ شَاءَ رَجَعَ بِمَا بَقِيَ من سَلَفِهِ
____________________

(3/137)


كَأَنْ سَلَّفَ مِائَةَ دِرْهَمٍ في مِائَةِ مُدٍّ فَأَخَذَ خَمْسِينَ فَيَرْجِعُ بِخَمْسِينَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ ذلك إلَى رُطَبٍ قَابِلٍ ثُمَّ أَخَذَ بَيْعَهُ بِمِثْلِ صِفَةِ رُطَبِهِ وَكَيْلِهِ وَكَذَلِكَ الْعِنَبُ وَكُلُّ فَاكِهَةٍ رَطْبَةٍ تَنْفَدُ في وَقْتٍ من الْأَوْقَاتِ وَهَذَا وَجْهٌ قال وقد قِيلَ إنْ سَلَّفَهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ في عَشْرَةِ آصُعَ من رُطَبٍ فَأَخَذَ خَمْسَةَ آصُعَ ثُمَّ نَفَذَ الرُّطَبُ كانت له الْخَمْسَةُ آصُعَ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا لِأَنَّهَا حِصَّتُهَا من الثَّمَنِ فَانْفَسَخَ الْبَيْعُ فِيمَا بَقِيَ من الرُّطَبِ فَرَدَّ إلَيْهِ خَمْسِينَ دِرْهَمًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا مَذْهَبٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَلَوْ سَلَّفَهُ في رُطَبٍ لم يَكُنْ عليه أَنْ يَأْخُذَ فيه بُسْرًا وَلَا مُخْتَلِفًا وكان له أَنْ يَأْخُذَ رُطَبًا كُلَّهُ ولم يَكُنْ عليه أَنْ يَأْخُذَهُ إلَّا صِحَاحًا غير مُنْشَدِخٍ وَلَا مَعِيبٍ بِعَفَنٍ وَلَا عَطَشٍ وَلَا غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ الْعِنَبُ لَا يَأْخُذُهُ إلَّا نَضِيجًا غير مَعِيبٍ وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ من الفاكهه الرَّطْبَةِ يُسَلِّفُ فيها فَلَا يَأْخُذُ إلَّا صِفَتَهُ غير مَعِيبَةٍ قال وَهَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ أَسْلَفَهُ فيه لم يَأْخُذْهُ مَعِيبًا إنْ أَسْلَفَ في لَبَنٍ مَخِيضٍ لم يَأْخُذْهُ رَائِبًا وَلَا مَخِيضًا وفي الْمَخِيضِ مَاءٌ لَا يَعْرِفُ قَدْرَهُ وَالْمَاءُ غَيْرُ اللَّبَنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَسْلَفَهُ في شَيْءٍ فَأَعْطَاهُ إيَّاهُ مَعِيبًا وَالْعَيْبُ مِمَّا قد يَخْفَى فَأَكَلَ نِصْفَهُ أو أَتْلَفَهُ وَبَقِيَ نِصْفُهُ كَأَنْ كان رُطَبًا فَأَكَلَ نِصْفَهُ أو أَتْلَفَهُ وَبَقِيَ نِصْفُهُ يَأْخُذُ النِّصْفَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَيَرْجِعُ عليه بِنُقْصَانِ ما بين الرُّطَبِ مَعِيبًا وَغَيْرَ مَعِيبٍ وَإِنْ اخْتَلَفَا في الْعَيْبِ وَالْمُشْتَرَى قَائِمٌ في يَدِ الْمُشْتَرِي ولم يَسْتَهْلِكْهُ فقال دَفَعْته إلَيْك بَرِيئًا من الْعَيْبِ وقال الْمُشْتَرِي بَلْ دَفَعْته مَعِيبًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ما قال عَيْبٌ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ وَإِنْ كان أَتْلَفَهُ فقال الْبَائِعُ ما أَتْلَفْت منه غير مَعِيبٍ وما بَقِيَ مَعِيبٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ شيئا وَاحِدًا لَا يَفْسُدُ منه شَيْءٌ إلَّا بِفَسَادِهِ كُلِّهِ كَبِطِّيخَةٍ وَاحِدَةٍ أو دُبَّاءَةٍ وَاحِدَةٍ وَكُلُّ ما قُلْت الْقَوْلُ فيه قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ فيه الْيَمِينُ (1) * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ } وقال عز وجل { وَإِنْ كُنْتُمْ على سَفَرٍ ولم تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ } قال الشَّافِعِيُّ فَكَانَ بَيِّنًا في الْآيَةِ الْأَمْرُ بِالْكِتَابِ في الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ وَذَكَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ اسْمَهُ الرَّهْنَ إذَا كَانُوا مُسَافِرِينَ ولم يَجِدُوا كَاتِبًا فَكَانَ مَعْقُولًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فيها أَنَّهُمْ أُمِرُوا بِالْكِتَابِ وَالرَّهْنِ احْتِيَاطًا لِمَالِكِ الْحَقِّ بِالْوَثِيقَةِ وَالْمَمْلُوكُ عليه بِأَنْ لَا يَنْسَى وَيَذْكُرَ لَا أَنَّهُ فَرْضٌ عليهم أَنْ يَكْتُبُوا وَلَا أَنْ يَأْخُذُوا رَهْنًا لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الذي اُؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ } فَكَانَ مَعْقُولًا أَنَّ الْوَثِيقَةَ في الْحَقِّ في السَّفَرِ وَالْإِعْوَازِ غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ في
____________________
1- * كِتَابُ الرَّهْنِ الْكَبِيرِ إبَاحَةُ الرَّهْنِ

(3/138)


الْحَضَرِ وَغَيْرِ الْإِعْوَازِ وَلَا بَأْسَ بِالرَّهْنِ في الْحَقِّ الْحَالِّ وَالدَّيْنِ في الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ وما قُلْت من هذا مِمَّا لَا أَعْلَمُ فيه خِلَافًا وقد رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَهَنَ دِرْعَهُ في الْحَضَرِ عِنْدَ أبي الشَّحْمِ الْيَهُودِيِّ وَقِيلَ في سَلَفٍ وَالسَّلَفُ حَالٌّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا الدَّرَاوَرْدِيُّ عن جَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ عن أبيه عَلَيْهِمَا السَّلَامُ قال رَهَنَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم دِرْعَهُ عِنْدَ أبي الشَّحْمِ الْيَهُودِيِّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَرَوَى الْأَعْمَشُ عن إبْرَاهِيمَ عن الْأَسْوَدِ عن عَائِشَةَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مَاتَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَذِنَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالرَّهْنِ في الدَّيْنِ وَالدَّيْنُ حَقٌّ لَازِمٌ فَكُلُّ حَقٍّ مِمَّا يَمْلِكُ أو لَزِمَ بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ جَازَ الرَّهْنُ فيه وَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ فِيمَا لَا يَلْزَمُ فَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ على رَجُلٍ حَقًّا فَأَنْكَرَهُ وَصَالَحَهُ وَرَهَنَهُ بِهِ رَهْنًا كان الرَّهْنُ مَفْسُوخًا لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الصُّلْحُ على الْإِنْكَارِ وَلَوْ قال أَرْهَنُك دَارِي على شَيْءٍ إذَا دَايَنْتَنِي بِهِ أو بَايَعْتَنِي ثُمَّ دَايَنَهُ أو بَايَعَهُ لم يَكُنْ رَهْنًا لِأَنَّ الرَّهْنَ كان ولم يَكُنْ لِلْمُرْتَهِنِ حَقٌّ وَإِذْنُ اللَّهِ عز وجل بِهِ فِيمَا كان لِلْمُرْتَهِنِ من الْحَقِّ دلاله على أَنْ لَا يَجُوزَ إلَّا بَعْدَ لُزُومِ الْحَقِّ أو معه فَأَمَّا قَبْلَهُ فإذا لم يَكُنْ حَقٌّ فَلَا رَهْنَ - * بَابُ ما يَتِمُّ بِهِ الرَّهْنُ من الْقَبْضِ - * قال اللَّهُ عز وجل { فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ } قال الشَّافِعِيُّ فلما كان مَعْقُولًا أَنَّ الرَّهْنَ غَيْرُ مَمْلُوكِ الرَّقَبَةِ لِلْمُرْتَهِنِ مِلْكَ الْبَيْعِ وَلَا مَمْلُوكِ الْمَنْفَعَةِ له مِلْكَ الْإِجَارَةِ لم يَجُزْ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا إلَّا بِمَا أَجَازَهُ اللَّهُ عز وجل بِهِ من أَنْ يَكُونَ مَقْبُوضًا وإذا لم يَجُزْ فَلِلرَّاهِنِ ما لم يَقْبِضْهُ الْمُرْتَهِنُ منه مَنْعُهُ منه وَكَذَلِكَ لو أَذِنَ له في قَبْضِهِ فلم يَقْبِضْهُ الْمُرْتَهِنُ حتى رَجَعَ الرَّاهِنُ في الرَّهْنِ كان ذلك له لِمَا وَصَفْت من أَنَّهُ لَا يَكُونُ رَهْنًا إلَّا بِأَنْ يَكُونَ مَقْبُوضًا وَكَذَلِكَ كُلُّ ما لم يَتِمَّ إلَّا بِأَمْرَيْنِ فَلَيْسَ يَتِمُّ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ مِثْلَ الْهِبَاتِ التي لَا تَجُوزُ إلَّا مَقْبُوضَةً وما في مَعْنَاهَا وَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ قبل أَنْ يَقْبِضَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ لم يَكُنْ لِلْمُرْتَهِنِ قَبْضُ الرَّهْنِ وكان هو وَالْغُرَمَاءُ فيه أُسْوَةً سَوَاءً وَلَوْ لم يَمُتْ الرَّاهِنُ وَلَكِنَّهُ أَفْلَسَ قبل أَنْ يَقْبِضَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ كأن الْمُرْتَهِنُ وَالْغُرَمَاءُ فيه أُسْوَةً لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ له وَلَوْ خَرِسَ الرَّاهِنُ أو ذَهَبَ عَقْلُهُ قبل أَنْ يَقْبِضَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ وَلَا سَلَّطَهُ على قَبْضِهِ لم يَكُنْ لِلْمُرْتَهِنِ قَبْضُ الرَّهْنِ وَلَوْ أَقْبَضَهُ الرَّاهِنُ إيَّاهُ في حَالِ ذَهَابِ عَقْلِهِ لم يَكُنْ له قَبْضُهُ وَلَا يَكُونُ له قَبْضٌ حتى يَكُونَ جَائِزَ الْأَمْرِ في مَالِهِ يوم رَهَنَهُ وَيَوْمَ يُقَبِّضُهُ الرَّاهِنُ إيَّاهُ وَلَوْ رَهَنَهُ إيَّاهُ وهو مَحْجُورٌ ثُمَّ أَقْبَضَهُ إيَّاهُ وقد فُكَّ الْحَجْرُ عنه فَالرَّهْنُ الْأَوَّلُ لم يَكُنْ رَهْنًا إلَّا بِأَنْ يُجَدِّدَ له رَهْنًا وَيُقَبِّضَهُ إيَّاهُ بَعْدَ أَنْ يُفَكَّ الْحَجْرُ عنه وَكَذَلِكَ لو رَهَنَهُ إياه وهو غَيْرُ مَحْجُورٍ فلم يَقْبِضْهُ حتى حُجِرَ عليه لم يَكُنْ له قَبْضُهُ منه وَلَوْ رَهَنَهُ عَبْدًا فلم يَقْبِضْهُ حتى هَرَبَ الْعَبْدُ وَسَلَّطَهُ على قَبْضِهِ فَإِنْ لم يَقْدِرْ عليه حتى يَمُوتَ الرَّاهِنُ أو يُفْلِسَ فَلَيْسَ بِرَهْنٍ وَإِنْ لم يَقْدِرْ على قَبْضِهِ حتى رَجَعَ الرَّاهِنُ في الرَّهْنِ لم يَكُنْ لِلْمُرْتَهِنِ له قَبْضُهُ وَلَوْ رَهَنَهُ عَبْدًا فَارْتَدَّ الْعَبْدُ عن الْإِسْلَامِ فَأَقْبَضَهُ إيَّاهُ مُرْتَدًّا أو أَقْبَضَهُ إيَّاهُ غير مُرْتَدٍّ فَارْتَدَّ فَالْعَبْدُ رَهْنٌ بِحَالِهِ إنْ تَابَ فَهُوَ رَهْنٌ وَإِنْ قُتِلَ على الرِّدَّةِ قُتِلَ بِحَقٍّ لَزِمَهُ وَخَرَجَ من مِلْكِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ وَلَوْ رَهَنَهُ عَبْدًا ولم يَقْبِضْهُ حتى رَهَنَهُ من غَيْرِهِ وإقبضه إيَّاهُ كان الرَّهْنُ لِلثَّانِي الذي أَقْبَضَهُ صَحِيحًا وَالرَّهْنُ الذي لم يُقْبَضْ كما لم يَكُنْ وَكَذَلِكَ لو رَهَنَهُ إيَّاهُ فلم يَقْبِضْهُ حتى أَعْتَقَهُ كان حُرًّا خَارِجًا من الرَّهْنِ وَكَذَلِكَ لو رَهَنَهُ إيَّاهُ فلم يَقْبِضْهُ حتى كَاتَبَهُ كان خَارِجًا من الرَّهْنِ وَكَذَلِكَ لو وَهَبَهُ أو أَصْدَقَهُ امْرَأَةً أو أَقَرَّ بِهِ لِرَجُلٍ أو دَبَّرَهُ كان خَارِجًا من الرَّهْنِ في هذا كُلِّهِ ( قال الرَّبِيعُ ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ لو رَهَنَهُ فلم يَقْبِضْهُ الْمُرْتَهِنُ حتى دَبَّرَهُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ خَارِجًا من الرَّهْنِ بِالتَّدْبِيرِ لِأَنَّهُ لو رَهَنَهُ بعد ما دَبَّرَهُ كان الرَّهْنُ جَائِزًا لِأَنَّ له أَنْ يَبِيعَهُ بعد ما دَبَّرَهُ فلما كان له بَيْعُهُ كان له أَنْ يَرْهَنَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا عَبْدًا وَمَاتَ الْمُرْتَهِنُ قبل أَنْ
____________________

(3/139)


يَقْبِضَهُ كان لِرَبِّ الرَّهْنِ مَنْعُهُ من وَرَثَتِهِ فَإِنْ شَاءَ سَلَّمَهُ لهم رَهْنًا وَلَوْ لم يَمُتْ الْمُرْتَهِنُ وَلَكِنَّهُ غُلِبَ على عَقْلِهِ فَوَلَّى الْحَاكِمُ مَالَهُ رَجُلًا فَإِنْ شَاءَ الرَّاهِنُ مَنَعَهُ الرَّجُلَ الْمُوَلَّى لِأَنَّهُ كان له مَنْعُهُ الْمُرْتَهِنَ وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَهُ له بِالرَّهْنِ الْأَوَّلِ كما كان له أَنْ يُسَلِّمَهُ لِلْمُرْتَهِنِ وَيَمْنَعَهُ إيَّاهُ وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا جاريه فلم يُقْبِضْهُ إيَّاهَا حتى وَطِئَهَا ثُمَّ أَقْبَضَهُ إيَّاهَا بَعْدَ الْوَطْءِ فَظَهَرَ بها حَمْلٌ أَقَرَّ بِهِ الرَّاهِنُ كانت خَارِجَةً من الرَّهْنِ لِأَنَّهَا لم تُقْبَضْ حتى حَبِلَتْ فلم يَكُنْ له أَنْ يَرْهَنَهَا حُبْلَى منه وَهَكَذَا لو وَطِئَهَا قبل الرَّهْنِ ثُمَّ ظَهَرَ بها حَمْلٌ فَأَقَرَّ بِهِ خَرَجَتْ من الرَّهْنِ وَإِنْ كانت قُبِضَتْ لِأَنَّهُ رَهَنَهَا حَامِلًا وَلَوْ رَهَنَهُ إيَّاهَا غير ذَاتِ زَوْجٍ فلم يَقْبِضْهَا حتى زَوَّجَهَا السَّيِّدُ ثُمَّ أَقْبَضَهُ إيَّاهَا فَالتَّزْوِيجُ جَائِزٌ وَهِيَ رَهْنٌ بِحَالِهَا وَلَا يُمْنَعُ زَوْجُهَا من وَطْئِهَا بِحَالٍ وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْجَارِيَةَ فَلَيْسَ له أَنْ يُزَوِّجَهَا دُونَ الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّ ذلك يُنْقِصُ ثَمَنَهَا وَيَمْنَعُ إذَا كانت حَامِلًا وَحَلَّ الْحَقُّ بَيْعَهَا وَكَذَلِكَ الْمُرْتَهِنُ فَأَيُّهُمَا زُوِّجَ فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ حتى يَجْتَمِعَا عليه وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا عَبْدًا وَسَلَّطَهُ على قَبْضِهِ فَآجَرَهُ الْمُرْتَهِنُ قبل أَنْ يَقْبِضَهُ من الرَّاهِنِ أو غَيْرِهِ لم يَكُنْ مَقْبُوضًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ ارْتَهَنْت عَبْدًا فَآجَرْته قبل أَنْ أَقْبِضَهُ قال ليس بِمَقْبُوضٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) ليس الْإِجَارَةُ بِقَبْضٍ وَلَيْسَ بِرَهْنٍ حتى يُقْبَضَ وإذا قَبَضَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ لِنَفْسِهِ أو قَبَضَهُ له أَحَدٌ بِأَمْرِهِ فَهُوَ قَبْضٌ كَقَبْضِ وَكِيلِهِ له ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ أَنَّهُ قال إذَا ارْتَهَنْت عَبْدًا فَوَضَعْته على يَدِ غَيْرِك فَهُوَ قَبْضٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا ارْتَهَنَ وَلِيُّ الْمَحْجُورِ له أو الْحَاكِمُ لِلْمَحْجُورِ فَقَبْضُ الْحَاكِمِ وَقَبْضُ وَلِيِّ الْمَحْجُورِ لِلْمَحْجُورِ كَقَبْضِ غَيْرِ الْمَحْجُورِ لِنَفْسِهِ وَكَذَلِكَ قَبْضُ الْحَاكِمِ له وَكَذَلِكَ إنْ وَكَّلَ الْحَاكِمُ من يقبض ( ( ( قبض ) ) ) لِلْمَحْجُورِ أو وَكَّلَ وَلِيُّ الْمَحْجُورِ من يَقْبِضُ له فَقَبْضُهُ له كَقَبْضِ الرَّجُلِ غَيْرِ الْمَحْجُورِ لِنَفْسِهِ وَلِلرَّاهِنِ مَنْعُ الْحَاكِمِ وَوَلِيِّ الْمَحْجُورِ من الرَّهْنِ ما لم يَقْبِضَاهُ وَيَجُوزُ ارْتِهَانُ وَلِيِّ الْمَحْجُورِ عليه له وَرَهْنُهُمَا عليه في النَّظَرِ له وَذَلِكَ أَنْ يَبِيعَ لَهُمَا فَيَفْضُلُ وَيَرْتَهِنَ فَأَمَّا أَنْ يُسَلِّفَ مَالَهُمَا وَيَرْتَهِنَ فَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِمَا وهو ضَامِنٌ لِأَنَّهُ لَا فَضْلَ لَهُمَا في السَّلَفِ وَلَا يَجُوزُ رَهْنُ الْمَحْجُورِ لِنَفْسِهِ وَإِنْ كان نَظَرًا له كما لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا شِرَاؤُهُ لِنَفْسِهِ وَإِنْ كان نَظَرًا له - * قَبْضُ الرَّهْنِ وما يَكُونُ بَعْدَ قَبْضِهِ مِمَّا يُخْرِجُهُ من الرَّهْنِ وما لَا يُخْرِجُهُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ قال اللَّهُ تَعَالَى فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) إذَا قَبَضَ الرَّهْنَ مَرَّةً وَاحِدَةً فَقَدْ تَمَّ وَصَارَ الْمُرْتَهِنُ أَوْلَى بِهِ من غُرَمَاءِ الرَّاهِنِ ولم يَكُنْ لِلرَّاهِنِ إخْرَاجُهُ من الرَّهْنِ حتى يَبْرَأَ مِمَّا في الرَّهْنِ من الْحَقِّ كما يَكُونُ الْمَبِيعُ مَضْمُونًا من الْبَائِعِ فإذا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي مَرَّةً صَارَ في ضَمَانِهِ فَإِنْ رَدَّهُ إلَى الْبَائِعِ بِإِجَارَةٍ أو وَدِيعَةٍ فَهُوَ من مَالِ الْمُبْتَاعِ وَلَا يَنْفَسِخُ ضَمَانُهُ بِالْبَيْعِ وَكَمَا تَكُونُ الْهِبَاتُ وما في مَعْنَاهَا غير تَامَّةٍ فإذا قَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ له مَرَّةً ثُمَّ أَعَارَهَا إلَى الْوَاهِبِ أو أَكْرَاهَا منه أو من غَيْرِهِ لم يُخْرِجْهَا من الْهِبَةِ وَسَوَاءٌ إذًا قَبْضُ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ مَرَّةً وَرَدُّهُ على الرَّاهِنِ بإجاره أو عَارِيَّةٍ أو غَيْرِ ذلك ما لم يَفْسَخْ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ أو كان في يَدِهِ لِمَا وَصَفْتُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ ارْتَهَنْت رَهْنًا فَقَبَضْته ثُمَّ آجَرْته منه قال نعم هو عِنْدَك إلَّا أَنَّك آجَرْتَهُ منه قال بن جُرَيْجٍ فَقُلْت لِعَطَاءٍ فَأَفْلَسَ فَوَجَدْته عِنْدَهُ قال أنت أَحَقُّ بِهِ من غُرَمَائِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) يَعْنِي لِمَا وَصَفْت من أَنَّك إذَا قَبَضْته مَرَّةً ثُمَّ آجَرْته من رَاهِنِهِ فَهُوَ كَعَبْدٍ لَك آجَرْته منه لِأَنَّ رَدَّهُ إلَيْهِ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يُخْرِجُهُ من الرَّهْنِ قال وَلَا يَكُونُ الرَّهْنُ مَقْبُوضًا إلَّا أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُرْتَهِنُ أو أَحَدٌ غَيْرُ الرَّاهِنِ بِأَمْرِ الْمُرْتَهِنِ فَيَكُونُ وَكِيلُهُ في قَبْضِهِ فَإِنْ أرتهن رَجُلٌ من رَجُلٍ رَهْنًا وَوَكَّلَ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ أَنْ يَقْبِضَهُ له من نَفْسِهِ فَقَبَضَهُ
____________________

(3/140)


له من نَفْسِهِ لم يَكُنْ قَبْضًا وَلَا يَكُونُ وَكِيلًا على نَفْسِهِ لِغَيْرِهِ في قَبْضٍ كما لو كان له عليه حَقٌّ فَوَكَّلَهُ بِأَنْ يَقْبِضَهُ له من نَفْسِهِ فَفَعَلَ فَهَلَكَ لم يَكُنْ بَرِيئًا من الْحَقِّ كما يَبْرَأُ منه لو قَبَضَهُ وَكِيلٌ غَيْرُهُ وَلَا يَكُونُ وَكِيلًا على نَفْسِهِ في حَالٍ إلَّا الْحَالَ التي يَكُونُ فيها وَلِيًّا لِمَنْ قَبَضَ له وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ له بن صَغِيرٌ فيشترى له من نَفْسِهِ وَيَقْبِضُ له أو يَهَبُ له شيئا وَيَقْبِضُهُ فَيَكُونُ قَبْضُهُ من نَفْسِهِ قَبْضًا لإبنه لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ ابْنِهِ وَكَذَلِكَ إذَا رَهَنَ ابْنَهُ رَهْنًا فَقَبَضَهُ له من نَفْسِهِ فَإِنْ كان ابْنُهُ بَالِغًا غير مَحْجُورٍ لم يَجُزْ من هذا شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَقْبِضَهُ ابْنُهُ لِنَفْسِهِ أو وَكِيلٍ لإبنه غَيْرِ أبيه وإذا كان لِلرَّجُلِ عَبْدٌ في يَدِ رَجُلٍ وَدِيعَةً أو دَارٌ أو مَتَاعٌ فَرَهَنَهُ إيَّاهُ وَأَذِنَ له بِقَبْضِهِ فَجَاءَتْ عليه مُدَّةٌ يُمْكِنُهُ فيها أَنْ يَقْبِضَهُ وهو في يَدِهِ فَهُوَ قَبْضٌ فإذا أَقَرَّ الرَّاهِنُ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ قد قَبَضَ الرَّهْنَ فَصَدَّقَهُ الْمُرْتَهِنُ أو أدعى قَبْضَهُ فَالرَّهْنُ مَقْبُوضٌ وَإِنْ لم يَرَهُ الشُّهُودُ وَسَوَاءٌ كان الرَّهْنُ غَائِبًا أو حَاضِرًا وَذَلِكَ أَنَّ الرَّهْنَ قد يَقْبِضُهُ الْمُرْتَهِنُ بِالْبَلَدِ الذي هو بِهِ فَيَكُونُ ذلك قَبْضًا إلَّا في خَصْلَةِ أَنْ يَتَصَادَقَا على أَمْرٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ مَقْبُوضًا في ذلك الْوَقْتِ وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ اشْهَدُوا أَنِّي قد رَهَنْتُهُ الْيَوْمَ دَارِي التي بِمِصْرَ وَهُمَا بِمَكَّةَ وَقَبَضَهَا فَيَعْلَمُ أَنَّ الرَّهْنَ إنْ كان الْيَوْمَ لم يُمْكِنْ أَنْ يُقْبَضَ له بِمَكَّةَ من يَوْمِهِ هذا وما في هذا الْمَعْنَى وَلَوْ كانت الدَّارُ في يَدِهِ بِكِرَاءٍ أو وَدِيعَةٍ كانت كهى لو لم تَكُنْ في يَدِهِ لَا يَكُونُ قَبْضًا حتى تأتى عليها مُدَّةٌ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ في يَدِهِ بِالرَّهْنِ دُونَ الْكِرَاءِ أو الْوَدِيعَةِ أو الرَّهْنِ مَعَهُمَا أو مع أَحَدِهِمَا وَكَيْنُونَتُهَا في يَدِهِ بِغَيْرِ الرَّهْنِ غَيْرُ كَيْنُونَتِهَا في يَدِهِ بِالرَّهْنِ فَأَمَّا إذَا لم يُؤَقِّتْ وَقْتًا وَأَقَرَّ بِأَنَّهُ رَهَنَهُ دَارِهِ بِمَكَّةَ وَقَبَضَهَا ثُمَّ قال الرَّاهِنُ إنَّمَا رَهَنْتُهُ الْيَوْمَ وقال الْمُرْتَهِنُ بَلْ رهنتنيها في وَقْتٍ يُمْكِنُ في مِثْلِهِ أَنْ يَكُونَ قَبَضَهَا قَابِضٌ بِأَمْرِهِ وَعَلِمَ الْقَبْضَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ أَبَدًا حتى يُصَدِّقَ الرَّاهِنُ بِمَا وَصَفْتُ من أَنَّهُ لم يَكُنْ مَقْبُوضًا وَلَوْ أَرَادَ الرَّاهِنُ أَنْ أُحَلِّفَ له الْمُرْتَهِنَ على دَعْوَاهُ بِأَنَّهُ أَقَرَّ له بِالْقَبْضِ ولم يَقْبِضْ منه فَعَلْتُ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ رَهْنًا حتى يَقْبِضَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ - * ما يَكُونُ قَبْضًا في الرَّهْنِ وَلَا يَكُونُ وما يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ كُلُّ ما كان قَبْضًا في الْبُيُوعِ كان قَبْضًا في الرَّهْنِ وَالْهِبَاتِ وَالصَّدَقَاتِ لَا يَخْتَلِفُ ذلك فَيَجُوزُ رَهْنُ الدَّابَّةِ وَالْعَبْدِ وَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَالْأَرْضِينَ وَغَيْرِ ذلك وَيَجُوزُ رَهْنُ الشِّقْصِ من الدَّارِ وَالشِّقْصِ من الْعَبْدِ وَمِنْ السَّيْفِ وَمِنْ اللُّؤْلُؤَةِ وَمِنْ الثَّوْبِ كما يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ هذا كُلُّهُ وَالْقَبْضُ فيه أَنْ يُسَلَّمَ إلَى مُرْتَهِنِهِ لَا حَائِلَ دُونَهُ كما يَكُونُ الْقَبْضُ في الْبَيْعِ وقبض ( ( ( قبض ) ) ) الْعَبْدِ وَالثَّوْبِ وما يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَهُ مُرْتَهِنُهُ من يَدِ رَاهِنِهِ وَقَبْضُ ما لَا يَحُولُ من أَرْضٍ وَدَارٍ وَغِرَاسٍ أَنْ يُسَلَّمَ لَا حَائِلَ دُونَهُ وَقَبْضُ الشِّقْصِ مِمَّا لَا يَحُولُ كَقَبْضِ الْكُلِّ أَنْ يُسَلَّمَ لَا حَائِلَ دُونَهُ وَقَبْضُ الشِّقْصِ مِمَّا يَحُولُ مِثْلُ السَّيْفِ وَاللُّؤْلُؤَةِ وما أَشْبَهُهُمَا أَنْ يُسَلَّمَ لِلْمُرْتَهِنِ فيها حَقُّهُ حتى يَضَعَهَا الْمُرْتَهِنُ وَالرَّاهِنُ على يَدِ عَدْلٍ أو في يَدِ الشَّرِيكِ فيها الذي ليس بِرَاهِنٍ أو يَدِ الْمُرْتَهِنِ فإذا كان بَعْضُ هذا فَهُوَ قَبْضٌ وَإِنْ صَيَّرَهَا الْمُرْتَهِنُ إلَى الرَّاهِنِ أو إلَى غَيْرِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَيْسَ بِإِخْرَاجٍ لها من الرَّهْنِ كما وَصَفْت لَا يُخْرِجُهَا إلَّا فَسْخُ الرَّهْنِ أو الْبَرَاءَةُ من الْحَقِّ الذي بِهِ الرَّهْنُ وإذا أَقَرَّ الرَّاهِنُ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ قد قَبَضَ الرَّهْنَ وَادَّعَى ذلك الْمُرْتَهِنُ حُكِمَ له بِأَنَّ الرَّهْنَ تَامٌّ بِإِقْرَارِ الرَّاهِنِ وَدَعْوَى الْمُرْتَهِنِ وَلَوْ كان الرَّهْنُ في الشِّقْصِ غَائِبًا فَأَقَرَّ الرَّاهِنُ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ قد قَبَضَ الرَّهْنَ وَادَّعَى ذلك الْمُرْتَهِنُ أَجَزْتُ الْإِقْرَارَ لِأَنَّهُ قد يُقَبِّضُ له وهو غَائِبٌ عنه فَيَكُونُ قد قَبَضَهُ بِقَبْضِ من أَمَرَهُ بِقَبْضِهِ له وَلَوْ كان لِرَجُلٍ عَبْدٌ في يَدَيْ رَجُلٍ بِإِجَارَةٍ أو وَدِيعَةٍ
____________________

(3/141)


فَرَهَنَهُ إيَّاهُ وَأَمَرَهُ بِقَبْضِهِ كان هذا رَهْنًا إذَا جَاءَتْ عليه سَاعَةٌ بَعْدَ ارْتِهَانِهِ إيَّاهُ وهو في يَدِهِ لِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ في يَدِهِ بَعْدَ الرَّهْنِ وَلَوْ كان الْعَبْدُ الرَّهْنُ غَائِبًا عن الْمُرْتَهِنِ لم يَكُنْ قَبْضًا حتى يُحْضِرَهُ فإذا أَحْضَرَهُ بعد ما أُذِنَ له بِقَبْضِهِ فَهُوَ مَقْبُوضٌ كما يَبِيعُهُ إيَّاهُ وهو في يَدَيْهِ وَيَأْمُرُهُ بِقَبْضِهِ فَيَقْبِضُهُ بِأَنَّهُ في يَدَيْهِ فَيَكُونُ الْبَيْعُ تَامًّا وَلَوْ مَاتَ مَاتَ من مَالِ الْمُشْتَرِي وَلَوْ كان غَائِبًا لم يَكُنْ مَقْبُوضًا حتى يَحْضُرَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبَيْعِ فَيَكُونُ مَقْبُوضًا بَعْدَ حُضُورِهِ وهو في يَدَيْهِ وَلَوْ كانت له عِنْدَهُ ثِيَابٌ أو شَيْءٌ مِمَّا لَا يَزُولُ بِنَفْسِهِ وديعه أو عَارِيَّةٌ أو بِإِجَارَةٍ فَرَهَنَهُ إيَّاهَا وَأَذِنَ له في قَبْضِهَا قبل الْقَبْضِ وَهِيَ غَيْرُ غَائِبَةٍ عن مَنْزِلِهِ كان هذا قَبْضًا وَإِنْ كانت غَائِبَةً عن مَنْزِلِهِ لم يَكُنْ قَبْضًا حتى يَحْدُثَ لها قَبْضًا وَإِنْ كان رَهَنَهُ إيَّاهَا في سُوقٍ أو مَسْجِدٍ وَهِيَ في مَنْزِلِهِ وَأَذِنَ له في قَبْضِهَا لم يَكُنْ قَبْضًا حتى يَصِيرَ إلَى مَنْزِلِهِ وَهِيَ فيه فَيَكُونُ لها حِينَئِذٍ قَابِضًا لِأَنَّهَا قد تَخْرُجُ من مَنْزِلِهِ بِخِلَافِهِ إلَى سَيِّدِهَا وَغَيْرِهِ وَلَا يَكُونُ الْقَبْضُ إلَّا ما حَضَرَهُ الْمُرْتَهِنُ لَا حَائِلَ دُونَهُ أو حَضَرَهُ وَكِيلُهُ كَذَلِكَ وَلَوْ كان الرَّهْنُ أَرْضًا أو دَارًا غَائِبَةً عن الْمُرْتَهِنِ وَهِيَ وَدِيعَةٌ في يَدَيْهِ وقد وُكِّلَ بها فَأَذِنَ له في قَبْضِهَا لم يَكُنْ مَقْبُوضًا حتى يُحْضِرَهَا الْمُرْتَهِنُ أو وَكِيلُهُ بَعْدَ الرَّهْنِ مُسَلَّمَةً لَا حَائِلَ دُونَهَا لِأَنَّهَا إذَا كانت غَائِبَةً عنه فَقَدْ يَحْدُثُ لها مَانِعٌ منه فَلَا تَكُونُ مَقْبُوضَةً أَبَدًا إلَّا بِأَنْ يُحْضِرَهَا الْمُرْتَهِنُ أو وَكِيلُهُ لَا حَائِلَ دُونَهَا وَلَوْ جَاءَتْ عليه في هذه الْمَسَائِلِ مُدَّةٌ يُمْكِنُهُ أَنْ يَبْعَثَ رَسُولًا إلَى الرَّهْنِ حَيْثُ كان يَقْبِضُهُ فَادَّعَى الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ قَبَضَهُ كان مَقْبُوضًا لِأَنَّهُ يَقْبِضُ له وهو غَائِبٌ عنه وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ رَهْنًا وَتَرَاضَى الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ بِعَدْلٍ يَضَعَانِهِ على يَدَيْهِ فقال الْعَدْلُ قد قَبَضْته لَك ثُمَّ اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فقال الرَّاهِنُ لم يُقْبِضْهُ لَك الْعَدْلُ وقال الْمُرْتَهِنُ قد قَبَضَهُ لي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ وَعَلَى الْمُرْتَهِنِ الْبَيِّنَةُ أَنَّ الْعَدْلَ قد قَبَضَهُ له لِأَنَّهُ وَكِيلٌ له فيه وَلَا أَقْبَلُ فيه شَهَادَتَهُ لِأَنَّهُ يَشْهَدُ على فِعْلِ نَفْسِهِ وَلَا يَضْمَنُ الْمَأْمُورُ بِقَبْضِ الرَّهْنِ بِغَرُورِهِ الْمُرْتَهِنِ شيئا من حَقِّهِ وَكَذَا لو أَفْلَسَ غَرِيمُهُ أو هَلَكَ الرَّهْنُ الذي ارْتَهَنَهُ فقال قَبَضْته ولم يَقْبِضْهُ لِأَنَّهُ لم يَضْمَنْ له شيئا وقد أَسَاءَ في كَذِبِهِ وَلَوْ كان كُلُّ ما ذَكَرْت من الرَّهْنِ في يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ بِغَصْبِ الرَّاهِنِ فَرَهَنَهُ إيَّاهُ قبل أَنْ يَقْبِضُهُ منه وَأَذِنَ له في قَبْضِهِ فَقَبَضَهُ كان رَهْنًا وكان مَضْمُونًا على الْغَاصِبِ بِالْغَصْبِ حتى يَدْفَعَهُ إلَى الْمَغْصُوبِ فَيَبْرَأُ أو يُبْرِئُهُ الْمَغْصُوبُ من ضَمَانِ الْغَصْبِ وَلَا يَكُونُ أَمْرُهُ له بِالْقَبْضِ لِنَفْسِهِ بَرَاءَةً من ضَمَانِ الْغَصْبِ وَكَذَلِكَ لو كان في يَدَيْهِ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ وَكِيلًا لِرَبِّ الْمَالِ في شَيْءٍ على نَفْسِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو أَمَرَهُ أَنْ يَقْبِضَ لِنَفْسِهِ من نَفْسِهِ حَقًّا فَقَبَضَهُ وَهَلَكَ لم يَبْرَأْ منه وَلَكِنَّهُ لو رَهَنَهُ إيَّاهُ وَتَوَاضَعَاهُ على يَدَيْ عَدْلٍ كان الْغَاصِبُ والمشترى شِرَاءً فَاسِدًا بَرِيئَيْنِ من الضَّمَانِ بِإِقْرَارِ وَكِيلِ رَبِّ الْعَبْدِ أَنَّهُ قد قَبَضَهُ بِأَمْرِ رَبِّ الْعَبْدِ وكان كَإِقْرَارِ رَبِّ الْعَبْدِ أَنَّهُ قد قَبَضَهُ وكان رَهْنًا مَقْبُوضًا وَلَوْ قال الْمَوْضُوعُ على يَدَيْهِ الرَّهْنُ بَعْدَ قَوْلِهِ قد قَبَضْته لم أَقْبِضْهُ لم يُصَدَّقْ على الْغَاصِبِ وَلَا المشترى شِرَاءً فَاسِدًا وكان بَرِيئًا من الضَّمَانِ كما يَبْرَأُ لو قال رَبُّ الْعَبْدِ قد قَبَضْته منه وكان مَقْبُوضًا بِإِقْرَارِ الْمَوْضُوعِ على يَدَيْهِ الرَّهْنُ أَنَّهُ قَبَضَهُ وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا عَبْدَيْنِ أو عَبْدًا وَطَعَامًا أو عَبْدًا وَدَارًا أو دَارَيْنِ فَقَبَضَ أَحَدُهُمَا ولم يَقْبِضْ الْآخَرُ كان الذي قَبَضَ رَهْنًا بِجَمِيعِ الْحَقِّ وكان الذي لم يُقْبَضْ خَارِجًا من الرَّهْنِ حتى يُقَبِّضَهُ إيَّاهُ الرَّاهِنُ وَلَا يَفْسُدُ الذي قَبَضَ بِأَنْ لم يَقْبِضْ الذي معه في عُقْدَةِ الرَّهْنِ وَلَيْسَ كَالْبُيُوعِ في هذا وَكَذَلِكَ لو قَبَضَ أَحَدُهُمَا وَمَاتَ الْآخَرُ أو قَبَضَ أَحَدُهُمَا
____________________

(3/142)


وَمَنَعَهُ الْآخَرُ كان الذي قَبَضَ رَهْنًا وَاَلَّذِي لم يَقْبِضْ خَارِجًا من الرَّهْنِ وَكَذَلِكَ لو وَهَبَ له دَارَيْنِ أو عَبْدَيْنِ أو دَارًا وَعَبْدًا فَأَقْبَضَهُ أَحَدَهُمَا وَمَنَعَهُ الْآخَرَ كان له الذي قَبَضَ ولم يَكُنْ له الذي مَنَعَهُ وَكَذَلِكَ لو لم يَمْنَعْهُ وَلَكِنَّهُ غَابَ عنه أَحَدُهُمَا لم تَكُنْ الْهِبَةُ في الْغَائِبِ تَامَّةً حتى يُسَلِّطَهُ على قَبْضِهِ فَيَقْبِضُهُ بِأَمْرِهِ وإذا رَهَنَهُ رَهْنًا فَأَصَابَ الرَّهْنَ عَيْبٌ إمَّا كان عَبْدًا فَاعْوَرَّ أو قُطِعَ أو أَيُّ عَيْبٍ أَصَابَهُ فَأَقْبَضَهُ إيَّاهُ فَهُوَ رَهْنٌ بِحَالِهِ فَإِنْ قَبَضَهُ ثُمَّ أَصَابَهُ ذلك الْعَيْبُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ فَهُوَ رَهْنٌ بِحَالِهِ وَهَكَذَا لو كانت دَارًا فَانْهَدَمَتْ أو حَائِطًا فَتَقَعَّرَ نَخْلُهُ وَشَجَرُهُ وَانْهَدَمَتْ عَيْنُهُ كان رَهْنًا بِحَالِهِ وكان لِلْمُرْتَهِنِ مَنْعُ الرَّاهِنِ من بَيْعِ خَشَبِ نَخْلِهِ وَبَيْعِ بِنَاءِ الدَّارِ لِأَنَّ ذلك كُلَّهُ دَاخِلٌ في الرَّهْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ارْتَهَنَ الْأَرْضَ دُونَ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ فَلَا يَكُونُ له مَنْعُ ما لم يَدْخُلْ في رَهْنِهِ وَلَوْ رَهَنَهُ أَرْضَ الدَّارِ ولم يُسَمِّ له الْبِنَاءَ في الرَّهْنِ أو حَائِطًا ولم يُسَمِّ له الْغِرَاسَ في الرَّهْنِ كانت الْأَرْضُ له رَهْنًا دُونَ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ وَلَا يَدْخُلُ في الرَّهْنِ إلَّا ما سُمِّيَ دَاخِلًا فيه وَلَوْ قال رَهَنْتُك بِنَاءَ الدَّارِ كانت الدَّارُ له رَهْنًا دُونَ أَرْضِهَا وَلَا يَكُونُ له الْأَرْضُ وَالْبِنَاءُ حتى يَقُولَ رَهَنْتُك أَرْضَ الدَّارِ وَبِنَاءَهَا وَجَمِيعَ عِمَارَتِهَا وَلَوْ قال رَهَنْتُك نَخْلِي كانت النَّخْلُ رَهْنًا ولم يَكُنْ ما سِوَاهَا من الْأَرْضِ وَلَا الْبِنَاءِ عليها رَهْنًا حتى يَكْتُبَ رَهَنْتُك حَائِطِي بِحُدُودِهِ أَرْضِهِ وَغِرَاسِهِ وبناءه ( ( ( وبنائه ) ) ) وَكُلِّ حَقٍّ له فَيَكُونُ جَمِيعُ ذلك رَهْنًا وَلَوْ قال رَهَنْتُك بَعْضَ دَارِي أو رَهَنْتُك شِقْصًا أو جُزْءًا من دَارِي لم يَكُنْ هذا رَهْنًا وَلَوْ أَقْبَضَهُ جَمِيعَ الدَّارِ حتى يسمى كَمْ ذلك الْبَعْضُ أو الشِّقْصُ أو الْجُزْءُ رُبْعًا أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ منه كما لَا يَكُونُ بَيْعًا وَكَذَلِكَ لو أَقْبَضَهُ الدَّارَ وَلَوْ قال رَهَنْتُكَهَا إلَّا ما شِئْت أنا وَأَنْتَ منها أو إلَّا جُزْءًا منها لم يَكُنْ رَهْنًا - * ما يَكُونُ إخْرَاجًا لِلرَّهْنِ من يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ وما لَا يَكُونُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَجِمَاعُ ما يُخْرِجُ الرَّهْنَ من يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ أَنْ يَبْرَأَ الرَّاهِنُ من الْحَقِّ الذي عليه الرَّهْنُ بِدَفْعٍ أو إبْرَاءٍ من الْمُرْتَهِنِ له أو يَسْقُطُ الْحَقُّ الذي بِهِ الرَّهْنُ بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ فَيَكُونُ الرَّهْنُ خَارِجًا من يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ عَائِدًا إلَى مِلْكِ رَاهِنِهِ كما كان قبل أَنْ يُرْهَنَ أو بِقَوْلِ الْمُرْتَهِنِ قد فَسَخْت الرَّهْنَ أو أَبْطَلْته أو أَبْطَلْت حَقِّي فيه وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا أَشْيَاءَ مِثْلَ دَقِيقٍ وَإِبِلٍ وَغَنَمٍ وَعُرُوضٍ وَدَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أو أَلْفِ دِرْهَمٍ وَمِائَةِ دِينَارٍ أو أَلْفِ دِرْهَمٍ وَمِائَتَيْ دِينَارٍ أو بَعِيرًا وَطَعَامًا فَدَفَعَ الرَّاهِنُ إلَى الْمُرْتَهِنِ جَمِيعَ مَالِهِ في الرُّهُونِ كُلِّهَا إلَّا دِرْهَمًا وَاحِدًا أو أَقَلَّ منه أو وَيْبَةَ حِنْطَةً أو أَقَلَّ منها كانت الرُّهُونُ كُلُّهَا بِالْبَاقِي وَإِنْ قَلَّ لَا سَبِيلَ لِلرَّاهِنِ على شَيْءٍ منها وَلَا لِغُرَمَائِهِ وَلَا لِوَرَثَتِهِ لو مَاتَ حتى يَسْتَوْفِيَ الْمُرْتَهِنُ كُلَّ مَالِهِ فيها لِأَنَّ الرُّهُونَ صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ لَا يُفَكُّ بَعْضُهَا قبل بَعْضٍ وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا جَارِيَةً فَقَبَضَهَا الْمُرْتَهِنُ ثُمَّ أَذِنَ لِلرَّاهِنِ في عِتْقِهَا فلم يُعْتِقْهَا أو أَذِنَ له في وَطْئِهَا فلم يَطَأْهَا أو وَطِئَهَا فلم تَحْمَلْ فَهِيَ رَهْنٌ بِحَالِهَا لَا يُخْرِجُهَا من الرَّهْنِ إلَّا بِأَنْ يَأْذَنَ له فِيمَا وَصَفْت كما لو أَمَرَهُ أَنْ يُعْتِقَ عَبْدًا لِنَفْسِهِ فَأَعْتَقَهُ عَتَقَ وَإِنْ لم يُعْتِقْهُ فَهُوَ على مِلْكِهِ بِحَالِهِ وَكَذَلِكَ لو رَدَّهَا الْمُرْتَهِنُ إلَى الرَّاهِنِ بَعْدَ قَبْضِهِ إيَّاهَا بِالرَّهْنِ مَرَّةً وَاحِدَةً فقال اسْتَمْتِعْ من وَطْئِهَا وَخِدْمَتِهَا كانت مَرْهُونَةً بِحَالِهَا لَا تَخْرُجُ من الرَّهْنِ فَإِنْ حَمَلَتْ الْجَارِيَةُ من الْوَطْءِ فَوَلَدَتْ أو أَسْقَطَتْ سِقْطًا قد بَانَ من خَلْقِهِ شَيْءٌ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لِسَيِّدِهَا الرَّاهِنِ وخارجه من الرَّهْنِ وَلَيْسَ على الرَّاهِنِ أَنْ يَأْتِيَهُ بِرَهْنٍ غَيْرِهَا لِأَنَّهُ لم يَتَعَدَّ في الْوَطْءِ وَهَكَذَا لو أَذِنَ له في
____________________

(3/143)


أَنْ يَضْرِبَهَا فَضَرَبَهَا فَمَاتَتْ لم يَكُنْ له عليه أَنْ يَأْتِيَهُ بِبَدَلٍ منها يَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهَا لِأَنَّهُ لم يَتَعَدَّ عليه في الضَّرْبِ وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ أَمَةً فَآجَرَهُ إيَّاهَا فَوَطِئَهَا الرَّاهِنُ أو اغْتَصَبَهَا الرَّاهِنُ نَفْسَهَا فَوَطِئَهَا فَإِنْ لم تَلِدْ فَهِيَ رَهْنٌ بِحَالِهَا وَلَا عُقْرَ لِلْمُرْتَهِنِ على الرَّاهِنِ لِأَنَّهَا أَمَةُ الرَّاهِنِ وَلَوْ كانت بِكْرًا فَنَقَصَهَا الْوَطْءُ كان لِلْمُرْتَهِنِ أَخْذُ الرَّاهِنِ بِمَا نَقَصَهَا يَكُونُ رَهْنًا مَعَهَا أو قِصَاصًا من الْحَقِّ إنْ شَاءَ الرَّاهِنُ كما تَكُونُ جِنَايَتُهُ عليها وَهَكَذَا لو كانت ثَيِّبًا فَأَفْضَاهَا أو نَقَصَهَا نَقْصًا له قِيمَةٌ وَإِنْ لم يَنْقُصْهَا الْوَطْءُ فَلَا شَيْءَ لِلْمُرْتَهِنِ على الرَّاهِنِ في الْوَطْءِ وَهِيَ رَهْنٌ كما هِيَ وَإِنْ حَبِلَتْ وَوَلَدَتْ ولم يَأْذَنْ له في الْوَطْءِ وَلَا مَالَ له غَيْرُهَا فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أنها لَا تُبَاعُ ما كانت حُبْلَى فإذا وَلَدَتْ بِيعَتْ ولم يَبِعْ وَلَدَهَا وَإِنْ نَقَصَتْهَا الْوِلَادَةُ شيء ( ( ( شيئا ) ) ) فَعَلَى الرَّاهِنِ ما نَقَصَتْهَا الْوِلَادَةُ وَإِنْ مَاتَتْ من الْوِلَادَةِ فَعَلَى الرَّاهِنِ أَنْ يَأْتِيَ بِقِيمَتِهَا صَحِيحَةً تَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهَا أو قِصَاصًا مَتَى قَدَرَ عليها وَلَا يَكُونُ إحْبَالُهُ إيَّاهَا أَكْبَرَ من أَنْ يَكُونَ رَهَنَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَلَا مَالَ له غَيْرُهَا فَأُبْطِلَ الْعِتْقُ وَتُبَاعُ بِالْحَقِّ وَإِنْ كانت تَسْوَى أَلْفًا وَإِنَّمَا هِيَ مرهونه بِمِائَةٍ بِيعَ منها بِقَدْرِ الْمِائَةِ وَبَقِيَ ما بَقِيَ رَقِيقًا لِسَيِّدِهَا ليس له أَنْ يَطَأَهَا وَتُعْتَقُ بِمَوْتِهِ في قَوْلِ من اعتق أُمَّ الْوَلَدِ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا وَلَا تُعْتَقُ قبل مَوْتِهِ وَلَوْ كان رَهَنَهُ إيَّاهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا ولم تَلِدْ وَلَا مَالَ له بِيعَ منها بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَعَتَقَ ما بَقِيَ مَكَانَهُ وَإِنْ كانت عليه دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَا له عَتَقَ ما بَقِيَ ولم يَبِعْ لِأَهْلِ الدَّيْنِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ إذَا اعتقها فَهِيَ حره أو أَوْلَدَهَا فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ له لَا تُبَاعُ في وَاحِدَةٍ من الْحَالَيْنِ لِأَنَّهُ مَالِكٌ وقد ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا يَسْعَى في شَيْءٍ من قِيمَتِهَا وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِيمَا رَهَنَ من الرَّقِيقِ كُلِّهِمْ ذُكُورِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ وإذا بِيعَتْ أُمُّ الْوَلَدِ في الرَّهْنِ بِمَا وَصَفْت فَمَلَكَهَا السَّيِّدُ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ له بِذَلِكَ الْوَلَدِ وَوَطْؤُهُ إيَّاهَا وَعِتْقُهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ مُخَالِفٌ له بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ وَلَوْ اخْتَلَفَا في الْوَطْءِ وَالْعِتْقِ فقال الرَّاهِنُ وَطِئْتُهَا أو اعتقتها بِإِذْنِكَ وقال الْمُرْتَهِنُ ما أَذِنْتُ لك فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ مع يَمِينِهِ فَإِنْ نَكَلَ الْمُرْتَهِنُ حَلَفَ الرَّاهِنُ لقد أَذِنَ له ثُمَّ كانت خَارِجَةً من الرَّهْنِ وَإِنْ لم يَحْلِفْ الرَّاهِنُ أُحْلِفَتْ الْجَارِيَةُ فَقَدْ أَذِنَ له بِعِتْقِهَا أو وَطْئِهَا وَكَانَتْ حره أو أُمَّ وَلَدٍ وَإِنْ لم تَحْلِفْ هِيَ وَلَا السَّيِّدُ كانت رَهْنًا بِحَالِهَا وَلَوْ مَاتَ الْمُرْتَهِنُ فَادَّعَى الرَّاهِنُ عليه أَنَّهُ أَذِنَ له في عِتْقِهَا أو وَطْئِهَا وقد وَلَدَتْ منه أو أَعْتَقَهَا كانت عليه الْبَيِّنَةُ فَإِنْ لم يُقِمْ بينه فَهِيَ رَهْنٌ بِحَالِهَا وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ له وَرَثَةُ الْمَيِّتِ أُحْلِفُوا ما عَلِمُوا أَبَاهُمْ أَذِنَ له لم يُزَادُوا على ذلك في الْيَمِينِ وَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ فَادَّعَى وَرَثَةُ هذا احلف لهم الْمُرْتَهِنُ ما أَذِنَ لِلرَّاهِنِ في الْوَطْءِ وَالْعِتْقِ كما وَصَفْتُ أَوَّلًا وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كان مُفْلِسًا فَأَمَّا إذَا كان الرَّاهِنُ مُوسِرًا فَتُؤْخَذُ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ منه في الْعِتْقِ وَالْإِيلَادِ ثُمَّ يُخَيَّرُ بين أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهَا رَهْنًا مَكَانَهَا وَإِنْ كان أَكْثَرَ من الْحَقِّ أو قِصَاصًا من الْحَقِّ فَإِنْ اخْتَارَ أَنْ يَكُونَ قِصَاصًا من الْحَقِّ وكان فيه فَضْلٌ عن الْحَقِّ رُدَّ ما فَضَلَ عن الْحَقِّ عليه وإذا أَقَرَّ الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ أَذِنَ لِلرَّاهِنِ في وَطْءِ أَمَتِهِ ثُمَّ قال هذا الْحَبَلُ ليس مِنْك هو من زَوْجٍ زَوَّجْتُهَا إيَّاهُ أو من عَبْدٍ فَادَّعَاهُ الرَّاهِنُ فَهُوَ ابْنُهُ وَلَا يَمِينَ عليه لِأَنَّ النَّسَبَ لَاحِقٌ بِهِ وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ له بِإِقْرَارِهِ وَلَا يُصَدَّقُ الْمُرْتَهِنُ على نَفْيِ الْوَلَدِ عنه وَإِنَّمَا مَنَعَنِي من احلافة أَنَّهُ لو أَقَرَّ بَعْدَ دَعْوَتِهِ الْوَلَدَ أَنَّهُ ليس منه أَلْحَقْتُ الْوَلَدَ بِهِ وَجَعَلْتُ الْجَارِيَةَ أُمَّ وَلَدٍ فَلَا مَعْنَى لِيَمِينِهِ إذَا حَكَمْتُ بِإِخْرَاجِ ام الْوَلَدِ من الرَّهْنِ وَلَوْ اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فقال الرَّاهِنُ أَذِنْتَ لي في وَطْئِهَا فَوَلَدَتْ لي وقال الْمُرْتَهِنُ ما أَذِنْتُ لك كان الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُرْتَهِنِ فَإِنْ كان الرَّاهِنُ مُعْسِرًا وَالْجَارِيَةُ حُبْلَى لم تُبَعْ حتى تَلِدَ ثُمَّ تُبَاعُ وَلَا يُبَاعُ وَلَدُهَا وَلَوْ قَامَتْ بينه أَنَّ الْمُرْتَهِنَ أَذِنَ لِلرَّاهِنِ مُنْذُ مُدَّةٍ ذَكَرُوهَا في وَطْءِ أَمَتِهِ وَجَاءَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ من السَّيِّدِ في مِثْلِ تِلْكَ الْمُدَّةِ فَادَّعَاهُ فَهُوَ وَلَدُهُ وَإِنْ لم يُمْكِنْ أَنْ يَكُونَ من السَّيِّدِ بِحَالٍ وقال الْمُرْتَهِنُ هو من غَيْرِهِ بِيعَتْ الْأَمَةُ وَلَا يُبَاعُ الْوَلَدُ بِحَالٍ وَلَا يَكُونُ الْوَلَدُ رَهْنًا مع الْأَمَةِ وإذا رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا أَمَةً ذَاتَ زَوْجٍ أو زَوَّجَهَا
____________________

(3/144)


بَعْدَ الرَّهْنِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ لم يُمْنَعْ زَوْجُهَا من وَطْئِهَا وَالْبِنَاءِ بها فَإِنْ وَلَدَتْ فَالْوَلَدُ خَارِجٌ من الرَّهْنِ وَإِنْ حَبِلَتْ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا لَا تُبَاعُ حتى تَضَعَ حَمْلَهَا ثُمَّ تَكُونَ الْجَارِيَةُ رَهْنًا وَالْوَلَدُ خَارِجًا من الرَّهْنِ وَمَنْ قال هذا قال إنَّمَا يَمْنَعُنِي من بَيْعِهَا حُبْلَى وَوَلَدُهَا مَمْلُوكٌ أَنَّ الْوَلَدَ لَا يُمْلَكُ بِمَا تُمْلَكُ بِهِ الْأُمُّ إذَا بِيعَتْ في الرَّهْنِ فَإِنْ سَأَلَ الرَّاهِنُ أَنْ تُبَاعَ وَيُسَلَّمَ الثَّمَنُ كُلُّهُ لِلْمُرْتَهِنِ فَذَلِكَ له وَالْقَوْلُ الثَّانِي أنها تُبَاعُ حُبْلَى وَحُكْمُ الْوَلَدِ حُكْمُ الْأُمِّ حتى يُفَارِقَهَا فإذا فَارَقَهَا فَهُوَ خَارِجٌ من الرَّهْنِ وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ جَارِيَةً فَلَيْسَ له أَنْ يُزَوِّجَهَا دُونَ الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّ ذلك يُنْقِصُ ثَمَنَهَا وَيَمْنَعُ إذَا كانت حَامِلًا وَحَلَّ الْحَقُّ من بَيْعِهَا وَكَذَلِكَ ليس لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُزَوِّجَهَا لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ الرَّهْنُ وَأَيُّهُمَا زُوِّجَ الْعَبْدُ أو الْأَمَةُ فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ حتى يَجْتَمِعَا على التَّزْوِيجِ قبل عُقْدَةِ النِّكَاحِ وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ رَهْنًا إلَى أَجَلٍ فَاسْتَأْذَنَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ في بَيْعِ الرَّهْنِ فَأَذِنَ له فيه فَبَاعَهُ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَأْخُذَ من ثَمَنِهِ شيئا وَلَا أَنْ يَأْخُذَ الرَّاهِنَ بِرَهْنٍ مَكَانَهُ وَلَهُ ما لم يَبِعْهُ أَنْ يَرْجِعَ في إذْنِهِ له بِالْبَيْعِ فَإِنْ رَجَعَ فَبَاعَهُ بَعْدَ رُجُوعِهِ في الْإِذْنِ له فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ وَإِنْ لم يَرْجِعْ وقال إنَّمَا أَذِنْتُ له في أَنْ يَبِيعَهُ على أَنْ يُعْطِيَنِي ثَمَنَهُ وَإِنْ كنت لم أَقُلْ له أَنَفَذْت الْبَيْعَ ولم يَكُنْ له أَنْ يُعْطِيَهُ من ثَمَنِهِ شيئا وَلَا أَنْ يَجْعَلَ له رَهْنًا مَكَانَهُ وَلَوْ أختلفا فقال أَذِنْتُ له وَشَرَطْتُ أَنْ يُعْطِيَنِي ثَمَنَهُ وقال الرَّاهِنُ أَذِنَ لي ولم يَشْتَرِطْ على أن أعطيه ثمنه كان القول قول المرتهن مع يمينه والبيع مفسوخ فإن مات العبد أخذ الراهن المشترى بقيمته حتى يَجْعَلَهَا رَهْنًا مَكَانَهُ وَلَوْ تَصَادَقَا على أَنَّهُ أَذِنَ له بِبَيْعِهِ على أَنْ يُعْطِيَهُ ثَمَنَهُ لم يَكُنْ له أَنْ يَبِيعَهُ لِأَنَّهُ لم يَأْذَنْ له في بَيْعِهِ إلَّا على أَنْ يُعَجِّلَ له حَقَّهُ قبل مَحِلِّهِ وَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ على أَنَّهُ أَذِنَ له أَنْ يَبِيعَهُ وَيُعْطِيَهُ ثَمَنَهُ فَبَاعَهُ على ذلك فَسَخْتُ الْبَيْعَ من قِبَلِ فَسَادِ الشَّرْطِ في دَفْعِهِ حَقَّهُ قبل مَحِلِّهِ بِأَخْذِ الرَّهْنِ فَإِنْ مات ( ( ( فات ) ) ) الْعَبْدُ في يَدَيْ الْمُشْتَرِي بِمَوْتٍ فَعَلَى الْمُشْتَرِي قِيمَتُهُ لِأَنَّ الْبَيْعَ فيه كان مَرْدُودًا وَتُوضَعُ قِيمَتُهُ رَهْنًا إلَى الْأَجَلِ الذي إلَيْهِ الْحَقُّ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ الذي عليه الْحَقُّ بِتَعْجِيلِهِ قبل مَحِلِّهِ تَطَوُّعًا مُسْتَأْنَفًا لَا على الشَّرْطِ الْأَوَّلِ وَلَوْ أَذِنَ له أَنْ يَبِيعَهُ على أَنْ يَكُونَ الْمَالُ رَهْنًا لم يَجُزْ الْبَيْعُ وكان كالمسأله قَبْلَهَا التي أَذِنَ له فيها أَنْ يَبِيعَهُ على أَنْ يُقْبِضَهُ ثَمَنَهُ في رَدِّ الْبَيْعِ فَكَانَ فيه غَيْرُ ما في المسأله الْأُولَى أَنَّهُ أَذِنَ له أَنْ يَبِيعَهُ على أَنْ يَرْهَنَهُ ثَمَنَهُ وَثَمَنُهُ شَيْءٌ غَيْرُهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَلَوْ كان الرَّهْنُ بِحَقٍّ حَالٍّ فَأَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ على أَنْ يُعْطِيَهُ حَقَّهُ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَعَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ ثَمَنَ الرَّهْنِ وَلَا يَحْبِسَ عنه منه شيئا فَإِنْ هَلَكَ في يَدِهِ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الْحَقِّ في مَالِهِ كان أَقَلَّ أو أَكْثَرَ من ثَمَنِ الرَّهْنِ وَإِنَّمَا أَجَزْنَاهُ هَا هُنَا لِأَنَّهُ كان عليه ما شَرَطَ عليه من بَيْعِهِ وَإِيفَائِهِ حَقَّهُ قبل شَرْطِ ذلك عليه وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَأَذِنَ له في بَيْعِ الرَّهْنِ ولم يَشْتَرِطْ عليه أَنْ يُعْطِيَهُ ثَمَنَهُ كان عليه أَنْ يُعْطِيَهُ ثَمَنَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ أَقَلَّ من ثَمَنِهِ فَيُعْطِيهِ الْحَقَّ وَلَوْ أَذِنَ الْمُرْتَهِنُ لِلرَّاهِنِ في بَيْعِ الرَّهْنِ ولم يَحِلَّ كان له الرُّجُوعُ في إذْنِهِ له ما لم يَبِعْهُ فإذا بَاعَهُ وَتَمَّ الْبَيْعُ ولم يَقْبِضْ ثَمَنَهُ أو قَبَضَهُ فَأَرَادَ الْمُرْتَهِنُ أَخْذَ ثَمَنِهِ منه على أَصْلِ الرَّهْنِ لم يَكُنْ ذلك له لِأَنَّهُ أَذِنَ له في الْبَيْعِ وَلَيْسَ له الْبَيْعُ وَقَبَضَ الثَّمَنَ لِنَفْسِهِ فَبَاعَ فَكَانَ كَمَنْ أعطى عَطَاءً وَقَبَضَهُ أو كَمَنْ أَذِنَ له في فَسْخِ الرَّهْنِ فَفَسَخَهُ وكان ثَمَنُ الْعَبْدِ مَالًا من مَالِ الرَّاهِنِ يَكُونُ الْمُرْتَهِنُ فيه وَغَيْرُهُ من غُرَمَائِهِ أُسْوَةً وَلَوْ أَذِنَ له في بَيْعِهِ فلم يبعه فَهُوَ على الرَّاهِنِ وَلَهُ الرُّجُوعُ في الْإِذْنِ له إلَّا أَنْ يَكُونَ قال قد فَسَخْت فيه الرَّهْنَ أو أَبْطَلْته فإذا قَالَهُ لم يَكُنْ له الرُّجُوعُ في الرَّهْنِ وكان في الرَّهْنِ كَغَرِيمٍ غَيْرِهِ وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْجَارِيَةَ ثُمَّ وَطِئَهَا الْمُرْتَهِنُ أُقِيمَ عليه الْحَدُّ فَإِنْ وَلَدَتْ فَوَلَدُهُ رَقِيقٌ وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُمْ وَإِنْ كان أَكْرَهَهَا فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ وَإِنْ لم يكرهها ( ( ( يكرها ) ) ) فَلَا مَهْرَ عليه وَإِنْ ادَّعَى جَهَالَةً لم يُعْذَرْ بها إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ أَسْلَمَ حَدِيثًا أو كان بِبَادِيَةٍ نَائِيَةٍ أو ما أَشْبَهَهُ وَلَوْ كان رَبُّ الْجَارِيَةِ أَذِنَ له وكان يَجْهَلُ دُرِئَ عنه الْحَدُّ وَلَحِقَ الْوَلَدُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُمْ يوم سَقَطُوا وَهُمْ أَحْرَارٌ وفي الْمَهْرِ
____________________

(3/145)


قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ عليه مَهْرَ مِثْلِهَا وَالْآخَرُ لَا مَهْرَ عليه لِأَنَّهُ أَبَاحَهَا وَمَتَى مَلَكَهَا لم تَكُنْ له أُمَّ وَلَدٍ وَتُبَاعُ الْجَارِيَةُ وَيُؤَدَّبُ هو وَالسَّيِّدُ لِلْإِذْنِ ( قال الرَّبِيعُ ) إنْ مَلَكَهَا يَوْمًا ما كانت أُمَّ وَلَدٍ له بِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ أَوْلَدَهَا وهو يَمْلِكُهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ ادَّعَى أَنَّ الرَّاهِنَ الْمَالِكَ وَهَبَهَا له قبل الْوَطْءِ أو بَاعَهُ إيَّاهَا أو أَعْمَرَهُ إيَّاهَا أو تَصَدَّقَ بها عليه أو اقْتَصَّهُ كانت أُمَّ وَلَدٍ له وخارجه من الرَّهْنِ إذَا صَدَّقَهُ الرَّاهِنُ أو قَامَتْ عليه بينه بِذَلِكَ كان الرَّاهِنُ حَيًّا أو مَيِّتًا وَإِنْ لم تَقُمْ له بَيِّنَةٌ بِدَعْوَاهُ فَالْجَارِيَةُ وَوَلَدُهَا رَقِيقٌ إذَا عُرِفَ مِلْكُهَا لِلرَّاهِنِ لم تَخْرُجْ من مِلْكِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عليه وإذا أَرَادَ الْمُرْتَهِنُ أُحْلِفَ له وَرَثَةُ الرَّاهِنِ على عِلْمِهِمْ فِيمَا ادَّعَى من خُرُوجِهَا من مِلْكِ الرَّاهِنِ إلَيْهِ ( قال الرَّبِيعُ ) وَلَهُ في وَلَدِهِ قَوْلٌ آخَرُ أنه حُرٌّ بِالْقِيمَةِ وَيُدْرَأُ عنه الْحَدُّ وَيَغْرَمُ صَدَاقَ مِثْلِهَا - * جَوَازُ شَرْطِ الرَّهْنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أَذِنَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى في الرَّهْنِ مع الدَّيْنِ وكان الدَّيْنُ يَكُونُ من بَيْعٍ وَسَلَفٍ وَغَيْرِهِ من وُجُوهِ الْحُقُوقِ وكان الرَّهْنُ جَائِزًا مع كل الْحُقُوقِ شُرِطَ في عُقْدَةِ الْحُقُوقِ أو اُرْتُهِنَ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحُقُوقِ وكان مَعْقُولًا أَنَّ الرَّهْنَ زِيَادَةُ وَثِيقَةٍ من الْحَقِّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مع الْحَقِّ مَأْذُونٌ فيها حَلَالٌ وَأَنَّهُ ليس بِالْحَقِّ نَفْسِهِ وَلَا جُزْءٍ من عَدَدِهِ فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا بَاعَ رَجُلًا شيئا بِأَلْفٍ على أَنْ يَرْهَنَهُ شيئا من مَالِهِ يَعْرِفُهُ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ كان الْبَيْعُ جَائِزًا ولم يَكُنْ الرَّهْنُ تَامًّا حتى يُقْبِضَهُ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ أو من يَتَرَاضَيَانِ بِهِ مَعًا وَمَتَى ما اقبضاه إيَّاهُ قبل أَنْ يَرْفَعَا إلَى الْحَاكِمِ فَالْبَيْعُ لَازِمٌ له وَكَذَلِكَ إنْ سَلَّمَهُ لِيَقْبِضَهُ فَتَرَكَهُ الْبَائِعُ كان الْبَيْعُ تَامًّا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ ارْتَفَعَا إلَى الْحَاكِمِ وَامْتَنَعَ الرَّاهِنُ من أَنْ يُقْبِضَهُ الْمُرْتَهِنَ لم يُجْبِرْهُ الْحَاكِمُ على أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ رَهْنًا إلَّا بِأَنْ يُقْبِضَهُ إيَّاهُ وَكَذَلِكَ لو وَهَبَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ هِبَةً فلم يَدْفَعْهَا إلَيْهِ لم يُجْبِرْهُ الْحَاكِمُ على دَفْعِهَا إلَيْهِ لِأَنَّهَا لَا تَتِمُّ له إلَّا بِالْقَبْضِ وإذا بَاعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ على أَنْ يَرْهَنَهُ رَهْنًا فلم يَدْفَعْ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ إلَى الْبَائِعِ الْمُشْتَرِطِ له فَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ في إتْمَامِ الْبَيْعِ بِلَا رَهْنٍ أو رَدِّ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ لم يَرْضَ بِذِمَّةِ الْمُشْتَرِي دُونَ الرَّهْنِ وَكَذَلِكَ لو رَهَنَهُ رُهُونًا فَأَقْبَضَهُ بَعْضَهَا وَمَنَعَهُ بَعْضَهَا وَهَكَذَا لو بَاعَهُ على أَنْ يُعْطِيَهُ حَمِيلًا بِعَيْنِهِ فلم يَحْمِلْ له بها الرَّجُلُ الذي اشْتَرَطَ حِمَالَتَهُ حتى مَاتَ كان له الْخِيَارُ في إتْمَامِ الْبَيْعِ بِلَا حَمِيلٍ أو فَسْخِهِ لِأَنَّهُ لم يَرْضَ بِذِمَّتِهِ دُونَ الْحَمِيلِ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَأَرَادَ الْمُشْتَرِي فَسْخَ الْبَيْعِ فَمَنَعَهُ الرَّهْنُ أو الْحَمِيلُ لم يَكُنْ ذلك له لِأَنَّهُ لم يَدْخُلْ عليه هو نَقْصٌ يَكُونُ له بِهِ الْخِيَارُ لِأَنَّ الْبَيْعَ كان في ذِمَّتِهِ وَزِيَادَةَ رَهْنِ أو ذِمَّةِ غَيْرِهِ فسقط ( ( ( فيسقط ) ) ) ذلك عنه فلم يَزِدْ عليه في ذِمَّتِهِ شَيْءٌ لم يَكُنْ عليه ولم يَكُنْ في هذا فَسَادٌ لِلْبَيْعِ لِأَنَّهُ لم يُنْتَقَصْ من الثَّمَنِ شَيْءٌ يَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ إنَّمَا انْتَقَصَ شَيْءٌ غَيْرُ الثَّمَنِ وثيقه لِلْمُرْتَهِنِ لَا مِلْكٌ ولم يَشْتَرِطْ شيئا فَاسِدًا فَيَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ وَهَكَذَا هذا في كل حَقٍّ كان لِرَجُلٍ على رَجُلٍ فَشَرَطَ له فيه رَهْنًا أو حَمِيلًا فَإِنْ كان الْحَقُّ بِعِوَضٍ أَعْطَاهُ إيَّاهُ فَهُوَ كَالْبَيْعِ وَلَهُ الْخِيَارُ في أَخْذِ الْعِوَضِ كما كان له في الْبَيْعِ وَإِنْ كان الرَّهْنُ في أَنْ أَسْلَفَهُ سَلَفًا بِلَا بَيْعٍ أو كان له عليه حَقٌّ قبل أَنْ يَرْهَنَهُ بِلَا رَهْنٍ ثُمَّ رَهَنَهُ شيئا فلم يُقَبِّضْهُ إيَّاهُ فَالْحَقُّ بِحَالِهِ وَلَهُ في السَّلَفِ أَخْذُهُ مَتَى شَاءَ بِهِ وفي حَقِّهِ غَيْرُ السَّلَفِ أَخْذُهُ مَتَى شَاءَ به وإن كان حَالًّا وَلَوْ بَاعَهُ شيئا بِأَلْفٍ على أَنْ يَرْهَنَهُ رَهْنًا يُرْضِيهِ أو يعطيه حَمِيلًا ثِقَةً أو يُعْطِيهِ رِضَاهُ من رَهْنٍ وَحَمِيلٍ أو ما شَاءَ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ أو ما شَاءَ أَحَدُهُمَا من رَهْنٍ وَحَمِيلٍ بِغَيْرِ تَسْمِيَةِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ كان الْبَيْعُ فَاسِدًا لِجَهَالَةِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي أو أَحَدِهِمَا بِمَا تَشَارَطَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو جَاءَهُ بِحَمِيلٍ أو رَهْنٍ فقال لَا أَرْضَاهُ لم يَكُنْ عليه حُجَّةٌ بِأَنَّهُ رضى رَهْنًا بِعَيْنِهِ أو حَمِيلًا بِعَيْنِهِ فأعطيه ( ( ( فأعطاه ) ) ) وَلَوْ كان بَاعَهُ بَيْعًا بِأَلْفٍ على أَنْ يُعْطِيَهُ عَبْدًا له يَعْرِفَانِهِ رَهْنًا له فَأَعْطَاهُ
____________________

(3/146)


إيَّاهُ رَهْنًا فلم يَقْبَلْهُ لم يَكُنْ له نَقْضُ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ لم يَنْقُصْهُ شيئا من شَرْطِهِ الذي عَرَفَا مَعًا وَهَكَذَا لو بَاعَهُ بَيْعًا بِأَلْفٍ على أَنْ يَرْهَنَهُ ما أَفَادَ في يَوْمِهِ أو من قَدِمَ عليه من غَيْبَتِهِ من رَقِيقِهِ أو ما أَشْبَهَ هذا كان الْبَيْعُ مَفْسُوخًا بِمِثْلِ مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا أو اكثر وإذا اشْتَرَى منه شيئا على أَنْ يَرْهَنَهُ شيئا بِعَيْنِهِ ثُمَّ مَاتَ الْمُشْتَرِي قبل أَنْ يَدْفَعَ الرَّهْنَ إلَى الْمُرْتَهِنِ لم يَكُنْ الرَّهْنُ رَهْنًا ولم يَكُنْ على وَرَثَتِهِ دَفْعُهُ إلَيْهِ وَإِنْ تَطَوَّعُوا وَلَا وَارِثَ مَعَهُمْ وَلَا صَاحِبَ وَصِيَّةٍ فَدَفَعُوهُ إلَيْهِ فَهُوَ رَهْنٌ وَلَهُ بَيْعُهُ مَكَانَهُ لِأَنَّ دَيْنَهُ قد حَلَّ وَإِنْ لم يَفْعَلُوا فَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ في نَقْضِ الْبَيْعِ أو إتْمَامِهِ وَلَوْ كان الْبَائِعُ الْمُشْتَرِطُ الرَّهْنَ هو الْمَيِّتَ كان دَيْنُهُ إلَى أَجَلِهِ إنْ كان مُؤَجَّلًا أو حَالًّا إنْ كان حَالًّا وَقَامَ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ فَإِنْ دَفَعَ الْمُشْتَرِي إلَيْهِمْ الرَّهْنَ فَالْبَيْعُ تَامٌّ وَإِنْ لم يَدْفَعْهُ إلَيْهِمْ فَلَهُمْ الْخِيَارُ في نَقْضِ الْبَيْعِ كما كان لِأَبِيهِمْ فيه أو إتْمَامُهُ إذَا كان الرَّهْنُ فَائِتًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) إذَا كان الرَّهْنُ فَائِتًا أو السِّلْعَةُ المشتراه فائته جَعَلْتُ له الْخِيَارَ بين أَنْ يُتِمَّهُ فَيَأْخُذُ ثَمَنَهُ أو يَنْقُضَهُ فَيَأْخُذُ قِيمَتَهُ كما أَجْعَلُهُ له لو بَاعَهُ عَبْدًا فَمَاتَ فقال الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْته بِخَمْسِمِائَةٍ وقال الْبَائِعُ بِعْته بِأَلْفٍ وَجَعَلْتُ له إنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ ما أَقَرَّ له بِهِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ قِيمَتَهُ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ على ما ادَّعَى الْمُشْتَرِي وَلَا أُحَلِّفُهُ هَا هُنَا لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي عليه الْمُشْتَرِي بَرَاءَةً من شَيْءٍ كما ادَّعَى هُنَاكَ الْمُشْتَرِي بَرَاءَةً مِمَّا زَادَ على خَمْسِمِائَةٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ بَاعَ رَجُلٌ رَجُلًا بَيْعًا بِثَمَنٍ حَالٍّ أو إلَى أَجَلٍ أو كان له عليه حَقٌّ فلم يَكُنْ له رَهْنٌ في وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا شَرَطَ الرَّهْنَ عِنْدَ عَقْدِهِ وَاحِدًا مِنْهُمَا ثُمَّ تَطَوَّعَ له الْمُشْتَرِي بِأَنْ يَرْهَنَهُ شيئا بِعَيْنِهِ فَرَهَنَهُ إيَّاهُ فَقَبَضَهُ ثُمَّ أَرَادَ الرَّاهِنُ إخْرَاجَ الرَّهْنِ من الرَّهْنِ لِأَنَّهُ كان مُتَطَوِّعًا بِهِ لم يَكُنْ له ذلك إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُرْتَهِنُ كما لَا يَكُونُ له لو كان الرَّهْنُ بِشَرْطٍ وَكَذَا لو كان رَهَنَهُ رهنا بِشَرْطٍ فَأَقْبَضَهُ إيَّاهُ ثُمَّ زَادَهُ رَهْنًا آخَرَ معه أو رُهُونًا فاقبضه إيَّاهَا ثُمَّ أَرَادَ إخْرَاجَهَا أو اخراج بَعْضِهَا لم يَكُنْ ذلك له وَلَوْ كانت الرُّهُونُ تَسْوَى أَضْعَافَ ما هِيَ مَرْهُونَةٌ بِهِ وَلَوْ زَادَهُ رُهُونًا أو رَهَنَهُ رُهُونًا مَرَّةً وَاحِدَةً فَأَقْبَضَهُ بَعْضَهَا ولم يُقْبِضْهُ بَعْضَهَا كان ما أَقْبَضَهُ رَهْنًا وما لم يُقْبِضْهُ غَيْرُ رَهْنٍ ولم يُنْتَقَضْ ما أَقْبَضَهُ بِمَا لم يُقْبِضْهُ وإذا بَاعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْبَيْعَ على أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ نَفْسُهُ رَهْنًا لِلْبَائِعِ فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ من قِبَلِ أَنَّهُ لم يُمَلِّكْهُ السِّلْعَةَ إلَّا بِأَنْ تَكُونَ مُحْتَبَسَةً عن الْمُشْتَرِي وَلَيْسَ هذا كَالسِّلْعَةِ لِنَفْسِهِ يرهنه ( ( ( برهنه ) ) ) إيَّاهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو وَهَبَ له سِلْعَةً لِنَفْسِهِ جَازَ وهو لو اشْتَرَى منه شيئا على أَنْ يَهَبَهُ له لم يَجُزْ وَسَوَاءٌ تَشَارَطَا وَضْعَ الرَّهْنِ على يَدَيْ الْبَائِعِ أو عَدْلٍ غَيْرِهِ وإذا مَاتَ الْمُرْتَهِنُ فَالرَّهْنُ بِحَالِهِ فَلِوَرَثَتِهِ فيه ما كان له وإذا مَاتَ الرَّاهِنُ فَالرَّهْنُ بِحَالِهِ لَا يُنْتَقَضُ بِمَوْتِهِ وَلَا مَوْتِهِمَا وَلَا بِمَوْتِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قال وَلِوَرَثَةِ الرَّاهِنِ إذَا مَاتَ فيه ما لِلرَّاهِنِ من أَنْ يُؤَدُّوا ما فيه وَيَخْرُجُ من الرَّهْنِ أو يُبَاعُ عليهم بِأَنَّ دَيْنَ أَبِيهِمْ قد حَلَّ وَلَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا الْمُرْتَهِنَ بِبَيْعِهِ وَيَمْنَعُوهُ من حَبْسِهِ عن الْبَيْعِ لِأَنَّهُ قد يَتَغَيَّرُ في حَبْسِهِ وَيَتْلَفُ فَلَا تَبْرَأُ ذِمَّةُ أَبِيهِمْ وقد يَكُونُ فيه الْفَضْلُ عَمَّا رَهَنَ بِهِ فَيَكُونُ ذلك لهم وَلَوْ كان الْمُرْتَهِنُ غَائِبًا أَقَامَ الْحَاكِمُ من يَبِيعُ الرَّهْنَ وَيَجْعَلُ حَقَّهُ على يَدَيْ عَدْلٍ إنْ لم يَكُنْ له وَكِيلٌ يَقُومُ بِذَلِكَ وإذا كان لِلرَّجُلِ على الرَّجُلِ الْحَقُّ بِلَا رَهْنٍ ثُمَّ رَهَنَهُ رَهْنًا فَالرَّهْنُ جَائِزٌ كان الْحَقُّ حَالًّا أو إلَى أَجَلٍ فَإِنْ كان الْحَقُّ حَالًّا أو إلَى أَجَلٍ فقال الرَّاهِنُ ارهنك على أَنْ تَزِيدَنِي في الْأَجَلِ فَفَعَلَ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ وَالْحَقُّ الْحَالُّ حال كما كان وَالْمُؤَجَّلُ إلَى أَجَلِهِ الْأَوَّلِ بِحَالِهِ وَالْأَجَلُ الْآخَرُ بَاطِلٌ وَغُرَمَاءُ الرَّاهِنِ في الرَّهْنِ الْفَاسِدِ أُسْوَةُ الْمُرْتَهِنِ وَكَذَلِكَ لو لم يَشْتَرِطْ عليه تَأْخِيرَ الْأَجَلِ وَشَرَطَ عليه أَنْ يَبِيعَهُ شيئا أو يُسَلِّفَهُ إيَّاهُ أو يَعْمَلَهُ له بِثَمَنٍ على أَنْ يَرْهَنَهُ ولم يَرْهَنْهُ لم يَجُزْ الرَّهْنُ وَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ في حَقٍّ وَاجِبٍ قِبَلَهُ حتى يَتَطَوَّعَ بِهِ الرَّاهِنُ بِلَا زِيَادَةِ شَيْءٍ على الْمُرْتَهِنِ وَلَوْ قال له بِعْنِي عَبْدَك بِمِائَةٍ على أَنْ
____________________

(3/147)


أَرْهَنَك بِالْمِائَةِ وَحَقِّك الذي قِبَلَهَا رَهْنًا كان الرَّهْنُ وَالْبَيْعُ مَفْسُوخًا كُلُّهُ وَلَوْ هَلَكَ الْعَبْدُ في يَدَيْ الْمُشْتَرِي كان ضَامِنًا لِقِيمَتِهِ وَلَوْ أَقَرَّ الْمُرْتَهِنُ أَنَّ الْمَوْضُوعَ على يَدَيْهِ الرَّهْنُ قَبَضَهُ جَعَلْته رَهْنًا ولم أَقْبَلْ قَوْلَ الْعَدْلِ لم اقبضه إذَا قال الْمُرْتَهِنُ قد قَبَضَهُ الْعَدْلُ - * إختلاف الْمَرْهُونِ وَالْحَقِّ الذي يَكُونُ بِهِ الرَّهْنُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا كانت الدَّارُ أو الْعَبْدُ أو الْعَرَضُ في يَدَيْ رَجُلٍ فقال رَهَنِّيهِ فُلَانٌ على كَذَا وقال فُلَانٌ ما رَهَنْتُكَهُ وَلَكِنِّي أَوْدَعْتُك إيَّاهُ أو وَكَّلْتُك بِهِ أو غَصَبْتَنِيهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الدَّارِ وَالْعَرَضِ وَالْعَبْدِ لِأَنَّ الذي في يَدِهِ يُقِرُّ له بِمِلْكِهِ وَيَدَّعِي عليه فيه حَقًّا فَلَا يَكُونُ فيه بِدَعْوَاهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَكَذَلِكَ لو قال الذي هو في يَدَيْهِ رَهَنْتَنِيهِ بِأَلْفٍ وقال الْمُدَّعَى عليه لَك عَلَيَّ أَلْفٌ ولم أَرْهَنْك بِهِ ما زَعَمْت كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَعَلَيْهِ أَلْفٌ بِلَا رَهْنٍ كما أَقَرَّ وَلَوْ كانت في يَدَيْ رَجُلٍ دَارَانِ فقال رَهَنَنِيهِمَا فُلَانٌ بِأَلْفٍ وقال فُلَانٌ رَهَنْتُك إحْدَاهُمَا وَسَمَّاهَا بِعَيْنِهَا بالف كان الْقَوْلُ قَوْلَ رَبِّ الدَّارِ الذي زَعَمَ أنها لَيْسَتْ بِرَهْنٍ غَيْرِ رَهْنٍ وَكَذَلِكَ لو قال له رَهَنْتُك إحْدَاهُمَا بِمِائَةٍ لم يَكُنْ رَهْنًا إلَّا بِمِائَةٍ وَلَوْ قال الذي هُمَا في يَدَيْهِ رَهَنْتَنِيهِمَا بِأَلْفٍ وقال رَبُّ الدَّارَيْنِ بَلْ رَهَنْتُك إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا بِأَلْفٍ لم تَكُنْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا رَهْنًا وَكَانَتْ عليه أَلْفٌ بِإِقْرَارِهِ بِلَا رَهْنٍ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ في الْأَصْلِ أَنْ يَقُولَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ أَرْهَنُك إحْدَى دَارَيَّ هَاتَيْنِ وَلَا يُسَمِّيهَا وَلَا أَحَدَ عَبْدَيَّ هَذَيْنِ وَلَا أَحَدَ ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ وَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ حتى يَكُونَ مُسَمًّى بِعَيْنِهِ وَلَوْ كانت دَارٌ في يَدَيْ رَجُلٍ فقال رهننيها ( ( ( رهنيها ) ) ) فُلَانٌ بِأَلْفٍ وَدَفَعَهَا إلَيَّ وقال فُلَانٌ رَهَنْتُهُ إيَّاهَا بِأَلْفٍ ولم أَدْفَعْهَا إلَيْهِ فَعَدَا عليها فَغَصَبَهَا أو تَكَارَاهَا مِنِّي رَجُلٌ فَأَنْزَلَهُ فيها أو تَكَارَاهَا مِنِّي هو فَنَزَلَهَا ولم أَدْفَعْهَا إلَيْهِ قَبْضًا بِالرَّهْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الدَّارِ وَلَا تَكُونُ رَهْنًا إذَا كان يقول لَيْسَتْ بِرَهْنٍ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وهو إذَا أَقَرَّ بِالرَّهْنِ ولم يَقْبِضْهُ الْمُرْتَهِنُ فَلَيْسَ بِرَهْنٍ وَلَوْ كانت الدَّارُ في يَدَيْ رَجُلٍ فقال رهننيها ( ( ( رهنيها ) ) ) فُلَانٌ بِأَلْفِ دِينَارٍ وَأَقْبَضَنِيهَا وقال فُلَانٌ رَهَنْتُهُ إيَّاهَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أو أَلْفِ فَلْسٍ وَأَقْبَضْته إيَّاهَا كان الْقَوْلُ قَوْلَ رَبِّ الدَّارِ وَلَوْ كان في يَدَيْ رَجُلٍ عَبْدٌ فقال رهننيه ( ( ( رهنيه ) ) ) فُلَانٌ بِمِائَةٍ وَصَدَّقَهُ الْعَبْدُ وقال رَبُّ الْعَبْدِ ما رَهَنْتُهُ إيَّاهُ بِشَيْءٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْعَبْدِ وَلَا قَوْلَ لِلْعَبْدِ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فقال ما رَهَنْتُكَهُ بِمِائَةٍ وَلَكِنِّي بِعْتُكَهُ بِمِائَةٍ لم يَكُنْ الْعَبْدُ رَهْنًا وَلَا بَيْعًا إذَا اخْتَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على دَعْوَى صَاحِبِهِ وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا بين رَجُلَيْنِ فقال رَجُلٌ رَهَنْتُمَانِيهِ بِمِائَةٍ وَقَبَضْتُهُ فَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا وقال الْآخَرُ ما رَهَنْتُكَهُ بِشَيْءٍ كان نِصْفُهُ رَهْنًا بِخَمْسِينَ وَنِصْفُهُ خَارِجًا من الرَّهْنِ فَإِنْ شَهِدَ شَرِيكُ صَاحِبِ الْعَبْدِ عليه بِدَعْوَى الْمُرْتَهِنِ وكان عَدْلًا عليه أُحْلِفَ الْمُرْتَهِنُ معه وكان نَصِيبُهُ منه رَهْنًا بِخَمْسِينَ وَلَا شَيْءَ في شَهَادَةِ صَاحِبِ الرَّهْنِ يَجُرُّ بها إلَى نَفْسِهِ وَلَا يَدْفَعُ بها عنه فَأَرُدُّ بها شَهَادَتَهُ وَلَا أَرُدُّ شَهَادَتَهُ لِرَجُلٍ له عليه شَيْءٌ لو شَهِدَ له على غَيْرِهِ وَلَوْ كان الْعَبْدُ بين اثْنَيْنِ وكان في يَدَيْ اثْنَيْنِ وَادَّعَيَا أَنَّهُمَا ارْتَهَنَاهُ مَعًا بِمِائَةٍ فَأَقَرَّ الرَّجُلَانِ لِأَحَدِهِمَا أَنَّهُ رُهِنَ له وَحْدَهُ بِخَمْسِينَ وَأَنْكَرَا دَعْوَى الْآخَرِ لَزِمَهُمَا ما أَقَرَّا بِهِ ولم يَلْزَمْهُمَا ما أَنْكَرَا من دَعْوَى الْآخَرِ وَلَوْ أَقَرَّا لَهُمَا مَعًا بِأَنَّهُ لَهُمَا رُهِنَ وَقَالَا هو رَهْنٌ بِخَمْسِينَ وَادَّعَيَا مِائَةً لم يَلْزَمْهُمَا إلَّا ما أَقَرَّا بِهِ وَلَوْ قال أَحَدُ الرَّاهِنَيْنِ لِأَحَدِ الْمُرْتَهِنَيْنِ رَهَنَّاكَهُ أنت بِخَمْسِينَ وقال الْآخَرُ لِلْآخَرِ الْمُرْتَهِنِ رَهَنَّاكَهُ أنت بِخَمْسِينَ كان نِصْفُ حَقِّ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا من الْعَبْدِ وهو رُبُعُ الْعَبْدِ رَهْنًا لِلَّذِي أَقَرَّ له بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ نجيز ( ( ( تجيز ) ) ) إقْرَارَهُ على نَفْسِهِ وَلَا نجيز ( ( ( تجيز ) ) ) إقْرَارَهُ على غَيْرِهِ وَلَوْ كَانَا مِمَّنْ
____________________

(3/148)


تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فَشَهِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على صَاحِبِهِ وَنَفْسِهِ أَجَزْتُ شَهَادَتَهُمَا وَجَعَلْتُ على كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ دِينَارًا بِإِقْرَارِهِ وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ أُخْرَى بِشَهَادَةِ صَاحِبِهِ إذَا حَلَفَ الْمُدَّعِي مع شَاهِدِهِ وإذا كانت في يَدَيْ رَجُلٍ أَلْفُ دِينَارٍ فقال رهننيهما ( ( ( رهنيها ) ) ) فلان بِمِائَةِ دِينَارٍ أو بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وقال الرَّاهِنُ رَهَنْتُكَهَا بِدِينَارٍ وَاحِدٍ أو بِعَشْرَةِ دَرَاهِمَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ مُقِرٌّ له بِمِلْكِ الْأَلْفِ دِينَارٍ وَمُدَّعٍ عليه حَقًّا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيمَا ادَّعَى عليه من الدَّنَانِيرِ إذَا كان الْقَوْلُ قَوْلَ رَبِّ الرَّهْنِ الْمُدَّعَى عليه الْحَقُّ في أَنَّهُ ليس بِرَهْنٍ بِشَيْءٍ كان إقْرَارُهُ بِأَنَّهُ رَهَنَ بِشَيْءٍ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فيه وإذا اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فقال الْمُرْتَهِنُ رَهَنْتَنِي عَبْدَك سَالِمًا بِمِائَةٍ وقال الرَّاهِنُ بَلْ رَهَنْتُك عَبْدِي مُوَفَّقًا بِعَشَرَةٍ حَلَفَ الرَّاهِنُ ولم يَكُنْ سَالِمٌ رَهْنًا بِشَيْءٍ وكان لِصَاحِبِ الْحَقِّ عليه عَشَرَةُ دَنَانِيرَ إنْ صَدَّقَهُ بِأَنَّ مُوَفَّقًا رُهِنَ بها فَهُوَ رَهْنٌ وَإِنْ كَذَّبَهُ وقال بَلْ سَالِمٌ رُهِنَ بها لم يَكُنْ مُوَفَّقٌ وَلَا سَالِمٌ رَهْنًا لِأَنَّهُ يُبْرِئُهُ من أَنْ يَكُونَ مُوَفَّقٌ رَهْنًا وَلَوْ قال رَهَنْتُك دَارِي بِأَلْفٍ وقال الذي يُخَالِفُهُ بَلْ اشْتَرَيْتهَا مِنْك بِأَلْفٍ وَتَصَادَقَا على قَبْضِ الْأَلْفِ تَحَالُفًا وَكَانَتْ الْأَلْفُ على الذي أَخَذَهَا بِلَا رَهْنٍ وَلَا بَيْعٍ وَهَكَذَا لو قال لو رَهَنْتُك دَارِي بِأَلْفٍ أَخَذْتهَا مِنْك وقال الْمُقَرُّ له بِالرَّهْنِ بَلْ اشْتَرَيْت مِنْك عَبْدَك بِهَذِهِ الْأَلْفِ تَحَالَفَا ولم تَكُنْ الدَّارُ رَهْنًا وَلَا الْعَبْدُ بَيْعًا وَكَانَتْ له عليه أَلْفٌ بِلَا رَهْنٍ وَلَا بَيْعٍ وَلَوْ قال رَهَنْتُك دَارِي بِأَلْفٍ وَقَبَضْت الدَّارَ ولم أَقْبِضْ الْأَلْفَ مِنْك وقال الْمُقَرُّ له بِالرَّهْنِ وهو الْمُرْتَهِنُ بَلْ قَبَضْت الْأَلْفَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ بِأَنَّهُ لم يُقِرَّ بِأَنَّ عليه أَلْفًا فَتَلْزَمُهُ وَيَحْلِفُ ما أَخَذَ الْأَلْفَ ثُمَّ تَكُونُ الدَّارُ خارجه من الرَّهْنِ لِأَنَّهُ لم يَأْخُذْ ما يَكُونُ بِهِ رَهْنًا وَلَوْ كانت لِرَجُلٍ على رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَرَهَنَهُ بها دَارًا فقال الرَّاهِنُ رَهَنْتُك هذه الدَّارَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إلَى سَنَةٍ وقال الْمُرْتَهِنُ بَلْ بألف ( ( ( ألف ) ) ) دِرْهَمٍ حَالَّةً كان الْقَوْلُ قَوْلَ الرَّاهِنِ وَعَلَى الْمُرْتَهِنِ البينه وَكَذَلِكَ لو قال رَهَنْتُكَهَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وقال الْمُرْتَهِنُ بَلْ بِأَلْفِ دِينَارٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ وَكُلُّ ما لم أَثْبَتَهُ عليه إلَّا بِقَوْلِهِ جَعَلْتُ الْقَوْلَ فيه قَوْلَهُ لِأَنَّهُ لو قال لم أَرْهَنْكَهَا كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ وإذا كان لِرَجُلٍ على رَجُلٍ أَلْفَانِ أَحَدُهُمَا بِرَهْنٍ وَالْآخَرُ بِغَيْرِ رَهْنٍ فَقَضَاهُ أَلْفًا ثُمَّ اخْتَلَفَا فقال الْقَاضِي قبضتك ( ( ( قضيتك ) ) ) الْأَلْفَ التي بِالرَّهْنِ وقال الْمُقْتَضِي بَلْ الْأَلْفُ التي بِلَا رَهْنٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ الْقَاضِي أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو جَاءَهُ بِأَلْفٍ فقال هذه الْأَلْفُ التي رَهَنْتُك بها فَقَبَضَهَا كان عليه اسْتِلَامُ رَهْنِهِ ولم يَكُنْ له حَبْسُهُ عنه بِأَنْ يَقُولَ لي عَلَيْك أَلْفٌ أُخْرَى وَلَوْ حَبَسَهُ عنه بَعْدَ قَبْضِهِ كان مُتَعَدِّيًا بِالْحَبْسِ وَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ في يَدَيْهِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ فإذا كان هذا هَكَذَا لم يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ إلَّا قَوْلَ دَافِعِ الْمَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * جِمَاعُ ما يَجُوزُ رَهْنُهُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ كُلُّ من جَازَ بَيْعُهُ من بَالِغٍ حُرٍّ غَيْرِ مَحْجُورٍ عليه جَازَ رَهْنُهُ وَمَنْ جَازَ له أَنْ يَرْهَنَ أو يَرْتَهِنَ من الْأَحْرَارِ الْبَالِغِينَ غَيْرِ الْمَحْجُورِ عليهم جَازَ له أَنْ يَرْتَهِنَ على النَّظَرِ وَغَيْرِ النَّظَرِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ له بَيْعُ مَالِهِ وَهِبَتُهُ بِكُلِّ حَالٍّ فإذا جَازَتْ هِبَتُهُ في مَالِهِ كان له رَهْنُهُ بِلَا نَظَرٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْتَهِنَ الْأَبُ لِابْنِهِ وَلَا وَلِيُّ الْيَتِيمِ له إلَّا بِمَا فيه فَضْلٌ لَهُمَا فَأَمَّا أَنْ يُسَلِّفَ مَالَهُمَا بِرَهْنٍ فَلَا يَجُوزُ له وَأَيُّهُمَا فَعَلَ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَسْلَفَ من مَالِهِ وَيَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ له في التِّجَارَةِ أَنْ يَرْتَهِنَا إذَا كان ذلك صَلَاحًا لِمَالِهِمَا وَازْدِيَادًا فيه فَأَمَّا أَنْ يُسَلِّفَا وَيَرْتَهِنَا فَلَا يَجُوزُ ذلك لَهُمَا وَلَكِنْ يَبِيعَانِ فَيَفْضُلَانِ وَيَرْتَهِنَانِ وَمَنْ قلت لَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ إلَّا فِيمَا يَفْضُلُ لِنَفْسِهِ أو يَتِيمِهِ أو ابْنِهِ من أبي ( ( ( أب ) ) ) وَلَدٍ وَوَلِيِّ يَتِيمٍ وَمُكَاتَبٍ وَعَبْدٍ مَأْذُونٍ له فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْهَنَ شيئا لِأَنَّ الرَّهْنَ أَمَانَةٌ وَالدَّيْنَ لَازِمٌ
____________________

(3/149)


فَالرَّهْنُ بِكُلِّ حَالٍ نَقْصٌ عليهم وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْهَنُوا إلَّا حَيْثُ يَجُوزُ أَنْ يُودِعُوا أَمْوَالَهُمْ من الضروره بِالْخَوْفِ إلَى تَحْوِيلِ أَمْوَالِهِمْ وما أَشْبَهَ ذلك وَلَا نُجِيزُ رَهْنَ من سَمَّيْتُ لَا يَجُوزُ رَهْنُهُ إلَّا في قَوْلِ من زَعَمَ أَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ كُلُّهُ فَأَمَّا ما لَا يَضْمَنُ منه فَرَهْنُهُ غَيْرُ نَظَرٍ لِأَنَّهُ قد يَتْلَفُ وَلَا يَبْرَأُ الرَّاهِنُ من الْحَقِّ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ من جَمِيعِ ما وَصَفْنَا يَجُوزُ رَهْنُهُ وَلَا يَجُوزُ سَوَاءٌ وَيَجُوزُ أَنْ يَرْهَنَ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَالْكَافِرُ الْمُسْلِمَ وَلَا أَكْرَهُ من ذلك شيئا إلَّا أَنْ يَرْهَنَ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ مُصْحَفًا فَإِنْ فَعَلَ لم أَفْسَخْهُ وَوَضَعْنَاهُ له على يَدَيْ عَدْلٍ مُسْلِمٍ وَجَبَرْتُ على ذلك الْكَافِرَ إنْ امْتَنَعَ وَأَكْرَهُ أَنْ يَرْهَنَ من الْكَافِرِ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ صَغِيرًا أو كَبِيرًا لِئَلَّا يُذَلَّ الْمُسْلِمُ بِكَيْنُونَتِهِ عِنْدَهُ بِسَبَبٍ يَتَسَلَّطُ عليه الْكَافِرُ وَلِئَلَّا يُطْعِمَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ خِنْزِيرًا أو يَسْقِيَهُ خَمْرًا فَإِنْ فَعَلَ فَرَهَنَهُ منه لم أَفْسَخْ الرَّهْنَ قال وَأَكْرَهُ رَهْنَ الْأَمَةِ الْبَالِغَةِ أو الْمُقَارِبَةِ الْبُلُوغَ التي يُشْتَهَى مِثْلُهَا من مُسْلِمٍ إلَّا على أَنْ يَقْبِضَهَا الْمُرْتَهِنُ وَيُقِرَّهَا في يَدَيْ مَالِكِهَا أو يَضَعَهَا على يَدَيْ امْرَأَةٍ أو مَحْرَمٍ لِلْجَارِيَةِ فَإِنْ رَهَنَهَا مَالِكُهَا من رَجُلٍ وَأَقْبَضَهَا إيَّاهُ لم أَفْسَخْ الرَّهْنَ وَهَكَذَا لو رَهَنَهَا من كَافِرٍ غير أَنِّي أُجْبِرُ الْكَافِرَ على أَنْ يَضَعَهَا على يَدَيْ عَدْلٍ مُسْلِمٍ وَتَكُونُ امْرَأَةً أَحَبُّ إلَيَّ وَلَوْ لم تَكُنْ امْرَأَةً وُضِعَتْ على يَدَيْ رَجُلٍ عَدْلٍ معه امْرَأَةُ عَدْلٍ وَإِنْ رضي الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ على أَنْ يَضَعَا الْجَارِيَةَ على يَدَيْ رَجُلٍ غَيْرِ مَأْمُونٍ عليها جَبَرْتُهُمَا أَنْ يَرْضَيَا بِعَدْلٍ تُوضَعُ على يَدَيْهِ فَإِنْ لم يَفْعَلَا اخْتَرْتُ لَهُمَا عَدْلًا إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا أَنْ تَكُونَ على يَدَيْ مَالِكِهَا أو الْمُرْتَهِنِ فَأَمَّا ما سِوَى بَنِي آدَمَ فَلَا أَكْرَهُ رَهْنَهُ من مُسْلِمٍ وَلَا كَافِرٍ حَيَوَانٍ وَلَا غَيْرِهِ وقد رَهَنَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم دِرْعَهُ عِنْدَ أبي الشَّحْمِ الْيَهُودِيِّ وَإِنْ كانت الْمَرْأَةُ بَالِغَةً رَشِيدَةً بِكْرًا أو ثَيِّبًا جَازَ بَيْعُهَا وَرَهْنُهَا وَإِنْ كانت ذَاتَ زَوْجٍ جَازَ رَهْنُهَا وَبَيْعُهَا بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا وَهِبَتُهَا له وَلَهَا من مَالِهَا إذَا كانت رَشِيدَةً ما لِزَوْجِهَا من مَالِهِ وَإِنْ كانت الْمَرْأَةُ أو رَجُلٌ مُسْلِمٌ أو كَافِرٌ حُرٌّ أو عَبْدٌ مَحْجُورَيْنِ لم يَجُزْ رَهْنُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كما لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وإذا رُهِنَ من لَا يَجُوزُ رَهْنُهُ فَرَهْنُهُ مَفْسُوخٌ وما عليه وما رُهِنَ كما لم يُرْهَنْ من مَالُهُ لَا سَبِيلَ لِلْمُرْتَهِنِ عليه وإذا رَهَنَ الْمَحْجُورُ عليه رَهْنًا فلم يَقْبِضْهُ هو وَلَا وَلِيُّهُ من الْمُرْتَهِنِ ولم يَرْفَعْ إلَى الْحَاكِمِ فَيَفْسَخُهُ حتى يَفُكَّ عنه الْحَجْرَ فَرَضِيَ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا بِالرَّهْنِ الْأَوَّلِ لم يَكُنْ رَهْنًا حتى يَبْتَدِئَ رَهْنًا بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ وَيَقْبِضَهُ الْمُرْتَهِنُ فإذا فَعَلَ فَالرَّهْنُ جَائِزٌ وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّهْنَ وَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ وهو غَيْرُ مَحْجُورٍ ثُمَّ حُجِرَ عليه فَالرَّهْنُ بِحَالِهِ وَصَاحِبُ الرَّهْنِ أَحَقُّ بِهِ حتى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ وَيَجُوزُ رَهْنُ الرَّجُلِ الْكَثِيرِ الدَّيْنَ حتى يَقِفَ السُّلْطَانُ مَالَهُ كما يَجُوزُ بَيْعُهُ حتى يَقِفَ السُّلْطَانُ مَالَهُ وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ غَيْرُ الْمَحْجُورِ عليه الرَّجُلَ الْمَحْجُورَ عليه الرَّهْنَ فَإِنْ كان من بَيْعٍ فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ وَعَلَى الرَّاهِنِ رَدُّهُ بِعَيْنِهِ إنْ وُجِدَ أو قِيمَتُهُ إنْ لم يُوجَدْ وَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ إذَا انْفَسَخَ الْحَقُّ الذي بِهِ الرَّهْنُ كان الرَّهْنُ مَفْسُوخًا بِكُلِّ حَالٍ وَهَكَذَا إنْ أَكْرَاهُ دَارًا أو أَرْضًا أو دَابَّةً وَرَهَنَ المكترى الْمُكْرَى الْمَحْجُورَ عليه بِذَلِكَ رَهْنًا فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ وَالْكِرَاءُ مَفْسُوخٌ وَإِنْ سَكَنَ أو رَكِبَ أو عَمِلَ له فَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِهِ وَكِرَاءُ مِثْلِ الدَّابَّةِ وَالدَّارِ بَالِغًا ما بَلَغَ وَهَكَذَا لو أَسْلَفَهُ الْمَحْجُورُ مَالًا وَرَهَنَهُ غَيْرُ الْمَحْجُورِ رَهْنًا كان الرَّهْنُ مَفْسُوخًا لِأَنَّ السَّلَفَ بَاطِلٌ وَعَلَيْهِ رَدُّ السَّلَفِ بِعَيْنِهِ وَلَيْسَ له إنْفَاقُ شَيْءٍ منه فَإِنْ أَنْفَقَهُ فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ إنْ كان له مِثْلٌ أو قِيمَتُهُ إنْ لم يَكُنْ له مِثْلٌ وَأَيُّ رَهْنٍ فَسَخْته من جِهَةِ الشَّرْطِ في الرَّهْنِ أو فَسَادِ الرَّهْنِ أو فَسَادِ الْبَيْعِ الذي وَقَعَ بِهِ الرَّهْنُ لم أُكَلِّفْ الرَّاهِنَ أَنْ يَأْتِيَ بِرَهْنٍ غَيْرِهِ بِحَالٍ وَكَذَلِكَ إنْ كان الشَّرْطُ في الرَّهْنِ وَالْبَيْعِ صَحِيحًا وَاسْتَحَقَّ الرَّهْنُ لم أُكَلِّفْ الرَّاهِنَ أَنْ يَأْتِيَ بِرَهْنٍ غَيْرِهِ قال وإذا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ غَيْرُ الْمَحْجُورَيْنِ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ وَرَهَنَ أَحَدُهُمَا بِهِ صَاحِبَهُ رَهْنًا فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ وَالرَّهْنُ
____________________

(3/150)


مَفْسُوخٌ وَجِمَاعُ عِلْمِ هذا أَنْ يَنْظُرَ كُلَّ حَقٍّ كان صَحِيحَ الْأَصْلِ فَيَجُوزُ بِهِ الرَّهْنُ وَكُلَّ بَيْعٍ كان غير ثَابِتٍ فَيَفْسُدُ فيه الرَّهْنُ إذَا لم يَمْلِكْ المشترى وَلَا الْمُكْتَرِي ما بِيعَ أو أَكْرَى لم يَمْلِكْ الْمُرْتَهِنُ الْحَقَّ في الرَّهْنِ إنَّمَا يَثْبُتُ الرَّهْنُ لِلرَّاهِنِ بِمَا يَثْبُتُ بِهِ عليه ما أَعْطَاهُ بِهِ فإذا بَطَلَ ما أَعْطَاهُ بِهِ بَطَلَ الرَّهْنُ وإذا بَادَلَ رَجُلٌ رَجُلًا عَبْدًا بِعَبْدٍ أو دَارًا بِدَارٍ أو عَرَضًا ما كان بِعَرَضٍ ما كان وزاد أَحَدُهُمَا الْآخَرَ دَنَانِيرَ آجِلَةً على أَنْ يَرْهَنَهُ الزَّائِدُ بِالدَّنَانِيرِ رَهْنًا مَعْلُومًا فَالْبَيْعُ وَالرَّهْنُ جَائِزٌ إذَا قُبِضَ وإذا ارْتَهَنَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الرَّهْنَ وَقَبَضَهُ لِنَفْسِهِ أو قَبَضَهُ له غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ وَأَمْرِ صَاحِبِ الرَّهْنِ فَالرَّهْنُ جَائِزٌ وَإِنْ كان الْقَابِضُ بن الرَّاهِنِ أو امْرَأَتَهُ أو أَبَاهُ أو من كان من قَرَابَتِهِ وَكَذَلِكَ لو كان بن الْمُرْتَهِنِ أو وَاحِدًا مِمَّنْ سَمَّيْتُ أو عَبْدَ الْمُرْتَهِنِ فَالرَّهْنُ جَائِزٌ فَأَمَّا عبد الرَّاهِنِ فَلَا يَجُوزُ قَبْضُهُ لِلْمُرْتَهِنِ لِأَنَّ قَبْضَ عَبْدِهِ عنه كَقَبْضِهِ عن نَفْسِهِ وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَبْدًا فَأَنْفَقَ عليه الْمُرْتَهِنُ بِغَيْرِ أَمْرِ الرَّاهِنِ كان مُتَطَوِّعًا وَإِنْ رَهَنَهُ أَرْضًا من أَرْضِ الْخَرَاجِ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ فَإِنْ كان فيها غِرَاسٌ أو بِنَاءٌ لِلرَّاهِنِ فَالْغِرَاسُ وَالْبِنَاءُ رَهْنٌ وَإِنْ أَدَّى عنها الْخَرَاجَ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ بِأَدَاءِ الْخَرَاجِ عنها لَا يَرْجِعُ بِهِ على الرَّاهِنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ دَفَعَهُ بِأَمْرِهِ فَيَرْجِعُ بِهِ عليه وَمِثْلُ هذا الرَّجُلِ يَتَكَارَى الْأَرْضَ من الرَّجُلِ قد تَكَارَاهَا فَيَدْفَعُ الْمُكْتَرِي الْأَرْضَ كِرَاءَهَا عن الْمُكْتَرِي الْأَوَّلِ فَإِنْ دَفَعَهُ بِإِذْنِهِ رَجَعَ بِهِ عليه وَإِنْ دَفَعَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ بِهِ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عليه وَيَجُوزُ الرَّهْنُ بِكُلِّ حَقٍّ لَزِمَ صَدَاقٌ أو غَيْرُهُ وَبَيْنَ الذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ وَالْمُسْتَأْمَنِ وَالْمُسْلِمِ كما يَجُوزُ بين الْمُسْلِمِينَ لَا يَخْتَلِفُ وإذا كان الرَّهْنُ بِصَدَاقٍ فَطَلَّقَ قبل الدُّخُولِ بَطَلَ نِصْفُ الْحَقِّ وَالرَّهْنِ بِحَالِهِ كما يَبْطُلُ الْحَقُّ الذي في الرَّهْنِ إلَّا قَلِيلًا وَالرَّهْنُ بِحَالِهِ وإذا ارْتَهَنَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ رَهْنًا بِتَمْرٍ أو حِنْطَةٍ فَحَلَّ الْحَقُّ فَبَاعَ الْمَوْضُوعُ على يَدَيْهِ الرَّهْنَ بِتَمْرٍ أو حِنْطَةٍ فَالْبَيْعُ مَرْدُودٌ ولايجوز ( ( ( فلا ) ) ) بَيْعُهُ إلَّا بِالدَّنَانِيرِ أو الدَّرَاهِمِ ثُمَّ يُشْتَرَى بها قَمْحٌ أو تَمْرٌ فيقضاه صَاحِبُ الْحَقِّ وَلَا يَجُوزُ رَهْنُ الْمُقَارِضِ لِأَنَّ الرَّهْنَ غَيْرُ مَضْمُونٍ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ رَبُّ الْمَالِ لِلْمُقَارِضِ يَرْهَنَ بِدَيْنٍ له مَعْرُوفٍ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ له رَبُّ الْمَالِ أَنْ يَبِيعَ بِالدَّيْنِ فإذا بَاعَ بِالدَّيْنِ فَالرَّهْنُ ازْدِيَادٌ له وَلَا يَجُوزُ إرتهانه إلَّا في مَالِ صَاحِبِ الْمَالِ فَإِنْ رَهَنَ عن غَيْرِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ وَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ - * الْعَيْبُ في الرَّهْنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الرَّهْنُ رَهْنَانِ فَرَهْنٌ في أَصْلِ الْحَقِّ لَا يَجِبُ الْحَقُّ إلَّا بِشَرْطِهِ وَذَلِكَ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْبَيْعَ على أَنْ يَرْهَنَهُ الرَّهْنَ يُسَمِّيَانِهِ فإذا كان هَكَذَا فَكَانَ بِالرَّهْنِ عَيْبٌ في بَدَنِهِ أو عَيْبٌ في فِعْلِهِ يُنْقِصُ ثَمَنَهُ وَعَلِمَ الْمُرْتَهِنُ الْعَيْبَ قبل الِارْتِهَانِ فَلَا خِيَارَ له وَالرَّهْنُ وَالْبَيْعُ ثَابِتَانِ وَإِنْ لم يَعْلَمْهُ الْمُرْتَهِنُ فَعَلِمَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ فَالْمُرْتَهِنُ بِالْخِيَارِ بين فَسْخِ الْبَيْعِ وَإِثْبَاتِهِ وَإِثْبَاتِ الرَّهْنِ لِلنَّقْصِ عليه في الرَّهْنِ كما يَكُونُ هذا في الْبُيُوعِ وَالْعَيْبُ الذي يَكُونُ له بِهِ الْخِيَارُ كُلُّ ما نَقَصَ ثَمَنُهُ من شَيْءٍ قَلَّ أو كَثُرَ حتى الْأَثَرِ الذي لَا يَضُرُّ بِعَمَلِهِ وَالْفِعْلِ فإذا كان قد عَلِمَهُ فَلَا خِيَارَ له وَلَوْ كان قَتَلَ أو ارْتَدَّ وَعَلِمَ ذلك الْمُرْتَهِنُ ثُمَّ ارْتَهَنَهُ كان الرَّهْنُ ثَابِتًا فَإِنْ قُتِلَ في يَدَيْهِ فَالْبَيْعُ ثَابِتٌ وقد خَرَجَ الرَّهْنُ من يَدَيْهِ وَإِنْ لم يُقْتَلُ فَهُوَ رَهْنٌ بِحَالِهِ وَكَذَلِكَ لو سَرَقَ فَقُطِعَ في يَدَيْهِ كان رَهْنًا بِحَالِهِ وَلَوْ كان الْمُرْتَهِنُ لم يَعْلَمْ بِارْتِدَادِهِ وَلَا قَتْلِهِ وَلَا سَرِقَتِهِ فَارْتَهَنَهُ ثُمَّ قُتِلَ في يَدِهِ أو قُطِعَ كان له فَسْخُ الْبَيْعِ وَلَوْ لم يَكُنْ الرَّاهِنُ دَلَّسَ لِلْمُرْتَهِنِ فيه بِعَيْبٍ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ سَالِمًا فَجَنَى في يَدَيْهِ جِنَايَةً أو أَصَابَهُ عَيْبٌ في يَدَيْهِ كان على الرَّهْنِ بِحَالِهِ وَلَوْ أَنَّهُ دَلَّسَ له فيه بِعَيْبٍ وَقَبَضَهُ فَمَاتَ في يَدَيْهِ مَوْتًا قبل أَنْ يَخْتَارَ فَسْخَ الْبَيْعِ لم يَكُنْ له أَنْ يَخْتَارَ فَسْخَهُ
____________________

(3/151)


لِمَا فَاتَ من الرَّهْنِ وَلَيْسَ هذا كما يُقْتَلُ بِحَقٍّ في يَدَيْهِ أو يُقْطَعُ في يَدَيْهِ وَهَكَذَا كُلُّ عَيْبٍ في رَهْنٍ ما كان حَيَوَانٍ أو غَيْرِهِ وَلَوْ اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ في الْعَيْبِ فقال الرَّاهِنُ رَهَنْتُك الرَّهْنَ وهو بَرِيءٌ من الْعَيْبِ وقال الْمُرْتَهِنُ ما رَهَنْتَنِيهِ إلَّا مَعِيبًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ مع يَمِينِهِ إذَا كان الْعَيْبُ مِمَّا يَحْدُثُ مِثْلُهُ وَعَلَى الْمُرْتَهِنِ البينه فَإِنْ أَقَامَهَا فَلِلْمُرْتَهِنِ الْخِيَارُ كما وَصَفْتُ وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْعَبْدَ أو غَيْرَهُ على أَنْ يُسَلِّفَهُ سَلَفًا فَوَجَدَ بِالرَّهْنِ عَيْبًا أو لم يَجِدْهُ فَسَوَاءٌ وَلَهُ الْخِيَارُ في أَخْذِ سَلَفِهِ حَالًّا وَإِنْ كان سَمَّاهُ مُؤَجَّلًا وَلَيْسَ السَّلَفُ كَالْبَيْعِ وَرَهْنٍ يَتَطَوَّعُ بِهِ الرَّاهِنُ وَذَلِكَ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْبَيْعَ إلَى أَجَلٍ بِغَيْرِ شَرْطِ رَهْنٍ فإذا وَجَبَ بَيْنَهُمَا الْبَيْعُ وَتَفَرَّقَا ثُمَّ رَهَنَهُ الرَّجُلُ فَالرَّجُلُ مُتَطَوِّعٌ بِالرَّهْنِ فَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ إنْ كان بِالرَّهْنِ عَيْبٌ ما كان أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ لِأَنَّ الْبَيْعَ كان تَامًّا بِلَا رَهْنٍ وَلَهُ إنْ شَاءَ أَنْ يَفْسَخَ الرَّهْنَ وَكَذَلِكَ له إنْ شَاءَ لو كان في أَصْلِ الْبَيْعِ أَنْ يَفْسَخَهُ لِأَنَّهُ كان حَقًّا له فَتَرَكَهُ وَيَجُوزُ رَهْنُ الْعَبْدِ الْمُرْتَدِّ وَالْقَاتِلِ وَالْمُصِيبِ لِلْحَدِّ لِأَنَّ ذلك لَا يُزِيلُ عنه الرِّقَّ فإذا قُتِلَ فَقَدْ خَرَجَ من الرَّهْنِ فإذا ارْتَدَّ الرَّجُلُ عن الْإِسْلَامِ ثُمَّ رَهَنَ عَبْدًا له فَمَنْ أَجَازَ بَيْعَ الْمُرْتَدِّ أَجَازَ رَهْنَهُ وَمَنْ رَدَّ بَيْعَهُ رَدَّ رَهْنَهُ ( قال الرَّبِيعُ ) كان الشَّافِعِيُّ يُجِيزُ رَهْنَ الْمُرْتَدِّ كما يُجَوِّزُ بَيْعَهُ - * الرَّهْنُ يَجْمَعُ الشَّيْئَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ من ثِيَابٍ وَأَرْضٍ وَبِنَاءٍ وَغَيْرِهِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ أَرْضَهُ ولم يَقُلْ بِبِنَائِهَا فَالْأَرْضُ رَهْنٌ دُونَ الْبِنَاءِ وَكَذَلِكَ إنْ رَهَنَهُ أَرْضَهُ ولم يَقُلْ بِشَجَرِهَا فَكَانَ فيها شَجَرٌ مُبَدَّدٌ أو غَيْرُ مُبَدَّدٍ فَالْأَرْضُ رَهْنٌ دُونَ الشَّجَرِ وَكَذَلِكَ لو رَهَنَهُ شَجَرًا وَبَيْنَ الشَّجَرِ بَيَاضٌ فَالشَّجَرُ رَهْنٌ دُونَ الْبَيَاضِ وَلَا يَدْخُلُ في الرَّهْنِ إلَّا ما سُمِّيَ وإذا رَهَنَهُ ثَمَرًا قد خَرَجَ من نخله قبل يَحِلَّ بَيْعُهُ وَنَخْلُهُ معه فَقَدْ رَهَنَهُ نَخْلًا وَثَمَرًا مَعَهَا فَهُمَا رَهْنٌ جَائِزٌ من قِبَلِ أَنَّهُ يَجُوزُ له لو مَاتَ الرَّاهِنُ أو كان الْحَقُّ حَالًّا أَنْ يَبِيعَهُمَا من سَاعَتِهِ وَكَذَلِكَ لو كان إلَى أَجَلٍ لِأَنَّ الرَّاهِنَ يَتَطَوَّعُ بِبَيْعِهِ قبل يَحِلَّ أو يَمُوتَ فَيَحِلُّ الْحَقُّ وإذا كان الْحَقُّ في هذا الرَّهْنِ جَائِزًا إلَى أَجَلٍ فَبَلَغَتْ الثَّمَرَةُ وَبِيعَتْ خُيِّرَ الرَّاهِنُ بين أَنْ يَكُونَ ثَمَنُهَا قِصَاصًا من الْحَقِّ أو مَرْهُونًا مع النَّخْلِ حتى يَحِلَّ الْحَقُّ وَلَوْ حَلَّ الْحَقُّ فَأَرَادَ بَيْعَ الثَّمَرَةِ قبل أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا دُونَ النَّخْلِ لم يَكُنْ له وَكَذَلِكَ لو أَرَادَ قَطْعَهَا وَبَيْعَهَا لم يَكُنْ له إذَا لم يَأْذَنْ له الرَّاهِنُ في ذلك وَلَوْ رَهَنَهُ الثَّمَرَةَ دُونَ النَّخْلِ طَلْعًا أو مُؤَبَّرَةً أو في أَيِّ حَالٍ قبل أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا لم يَجُزْ الرَّهْنُ كان الدَّيْنُ حَالًّا أو مُؤَجَّلًا إلَّا أَنْ يَتَشَارَطَا أَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ إذَا حَلَّ حَقُّهُ قَطْعَهَا أو بَيْعَهَا فَيَجُوزُ الرَّهْنُ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَعْرُوفَ من الثَّمَرَةِ أنها تُتْرَكُ إلَى أَنْ تَصْلُحَ أَلَا تَرَى أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن بَيْعِ الثَّمَرِ حتى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ لِمَعْرِفَةِ الناس أَنَّهُ يُتْرَكُ حتى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ وَأَنَّ حَلَالًا أَنْ تُبَاعَ الثَّمَرَةُ على أَنْ تُقْطَعَ قبل أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا لِأَنَّهُ ليس الْمَعْنَى الذي نهى عنه النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَهَكَذَا كُلُّ ثَمَرَةٍ وَزَرْعٍ رُهِنَ قبل أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ ما لم يَجُزْ بَيْعُهُ فَلَا يَجُوزُ رَهْنُهُ إلَّا على أَنْ يُقْطَعَ إذَا حَلَّ الْحَقُّ فَيُبَاعُ مَقْطُوعًا بِحَالِهِ وإذا حَلَّ بَيْعُ الثَّمَرِ حَلَّ رَهْنُهُ إلَى أَجَلٍ كان الْحَقُّ أو حَالًّا وإذا بَلَغَ ولم يَحِلَّ الْحَقُّ لم يَكُنْ لِلرَّاهِنِ بَيْعُهُ إذَا كان يَبِسَ إلَّا بِرِضَا الْمُرْتَهِنِ فإذا رضي قِيمَتَهُ رُهِنَ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ الرَّاهِنُ فَيَجْعَلَهُ قِصَاصًا وَلَا أَجْعَلُ دَيْنًا إلَى أَجَلٍ حَالًّا أَبَدًا إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بِهِ صَاحِبُ الدَّيْنِ وإذا رَهَنَهُ ثَمَرَةً فَزِيَادَتُهَا في عِظَمِهَا وَطِيبِهَا رَهْنٌ له كما أَنَّ زِيَادَةَ الرَّهْنِ في يَدَيْهِ رَهْنٌ له فَإِنْ كان من الثَّمَنِ شَيْءٌ يَخْرُجُ فَرَهَنَهُ إيَّاهُ وكان يَخْرُجُ بَعْدَهُ غَيْرُهُ منه فَلَا يَتَمَيَّزُ الْخَارِجُ عن الْأَوَّلِ الْمَرْهُونِ لم يَجُزْ الرَّهْنُ في الْأَوَّلِ وَلَا في الْخَارِجِ لِأَنَّ الرَّهْنَ حِينَئِذٍ ليس بِمَعْرُوفٍ وَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ فيه حتى يَقْطَعَ مَكَانَهُ أو يَشْتَرِطَ أَنَّهُ يُقْطَعُ في مُدَّةٍ قبل أَنْ تَخْرُجَ الثَّمَرَةُ
____________________

(3/152)


التي تَخْرُجُ بَعْدَهُ أو بعد ما تَخْرُجُ قبل أَنْ يُشْكِلَ أَهِيَ من الرَّهْنِ الْأَوَّلِ أَمْ لَا فإذا كان هذا جَازَ وَإِنْ تَرَكَ حتى تَخْرُجَ بَعْدَهُ ثَمَرَةٌ لَا يَتَمَيَّزُ حتى تُعْرَفَ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَفْسُدُ الرَّهْنُ كما يَفْسُدُ الْبَيْعُ لِأَنِّي لَا أَعْرِفُ الرَّهْنَ من غَيْرِ الرَّهْنِ وَالثَّانِي أَنَّ الرَّهْنَ لَا يَفْسُدُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ في قَدْرِ الثَّمَرَةِ المرهونه من الْمُخْتَلِطَةِ بها كما لو رَهَنَهُ حِنْطَةً أو تَمْرًا فَاخْتَلَطَتْ بِحِنْطَةٍ لِلرَّاهِنِ أو تَمْرٍ كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ في قَدْرِ الْحِنْطَةِ التي رَهَنَ مع يَمِينِهِ ( قال الرَّبِيعُ ) وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ في الْبَيْعِ أنه إذَا بَاعَهُ ثَمَرًا فلم يَقْبِضْهُ حتى حَدَثَتْ ثَمَرَةٌ أُخْرَى في شَجَرِهَا لَا تَتَمَيَّزُ الْحَادِثَةُ من الْمَبِيعِ قَبْلَهَا كان الْبَائِعُ بِالْخِيَارِ بين أَنْ يُسَلِّمَ له الثَّمَرَةَ الْحَادِثَةَ مع الْمَبِيعِ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ قد زَادَهُ خَيْرًا أو يَنْقُضَ الْبَيْعَ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي كَمْ بَاعَ مِمَّا حَدَثَ من الثَّمَرَةِ وَالرَّهْنُ عِنْدِي مِثْلُهُ فَإِنْ رضي أَنْ يُسَلِّمَ ما زَادَ مع الرَّهْنِ الْأَوَّلِ لم يُفْسَخْ الرَّهْنُ وإذا رَهَنَهُ زَرْعًا على أَنْ يَحْصُدَهُ إذَا حَلَّ الْحَقُّ بِأَيِّ حَالٍ ما كان فَيَبِيعُهُ فَإِنْ كان الزَّرْعُ يَزِيدُ بِأَنْ يَنْبُتَ منه ما لم يَكُنْ نَابِتًا في يَدِهِ إذَا تَرَكَهُ لم يَجُزْ الرَّهْنُ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الرَّهْنَ منه الْخَارِجَ دُونَ ما يَخْرُجُ بَعْدَهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما الْفَرْقُ بين الثَّمَرَةِ تَكُونُ طَلْعًا وَبَلَحًا صِغَارًا ثُمَّ تَصِيرُ رُطَبًا عِظَامًا وَبَيْنَ الزَّرْعِ قِيلَ الثَّمَرَةُ وَاحِدَةٌ إلَّا أنها تَعْظُمُ كما يَكْبُرُ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ بَعْدَ الصِّغَرِ وَيَسْمَنُ بَعْدَ الْهُزَالِ وإذا قُطِعَتْ لم يَبْقَ منها شَيْءٌ يُسْتَخْلَفُ وَالزَّرْعُ يُقْطَعُ أَعْلَاهُ وَيُسْتَخْلَفُ أَسْفَلُهُ وَيُبَاعُ منه شَيْءٌ قَصْلَةً بَعْدَ قَصْلَةٍ فَالْخَارِجُ منه غَيْرُ الرَّهْنِ وَالزَّائِدُ في الثَّمَرَةِ من الثَّمَرَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ منه ما يُقْصَلُ إلَّا أَنْ يُقْصَلَ مَكَانَهُ قَصْلَةً ثُمَّ تُبَاعُ الْقَصْلَةُ الْأُخْرَى بَيْعَةً أُخْرَى وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ رَهْنُهُ إلَّا كما يَجُوزُ بَيْعُهُ وإذا رَهَنَهُ ثَمَرَةً فَعَلَى الرَّاهِنِ سَقْيُهَا وَصَلَاحُهَا وَجِدَادُهَا وَتَشْمِيسُهَا كما يَكُونُ عليه نَفَقَةُ الْعَبْدِ وإذا أَرَادَ الرَّاهِنُ أَنْ يَقْطَعَهَا قبل أَوَانِ قَطْعِهَا أو أَرَادَ الْمُرْتَهِنُ ذلك مُنِعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذلك حتى يَجْتَمِعَا عليه وإذا بَلَغَتْ إبَّانَهَا جُبِرَ الرَّاهِنُ على قَطْعِهَا لِأَنَّ ذلك من صَلَاحِهَا وَكَذَلِكَ لو أبي الْمُرْتَهِنُ جُبِرَ فإذا صَارَتْ تَمْرًا وُضِعَتْ على يَدَيْ الْمَوْضُوعِ على يَدَيْهِ الرَّهْنُ أو غَيْرِهِ فَإِنْ أَبَى الْعَدْلُ الْمَوْضُوعُ على يَدَيْهِ بِأَنْ يَتَطَوَّعَ أَنْ يَضَعَهَا في مَنْزِلِهِ إلَّا بِكِرَاءٍ قِيلَ لِلرَّاهِنِ عَلَيْك لها مَنْزِلٌ تُحْرَزُ فيه لِأَنَّ ذلك من صَلَاحِهَا فَإِنْ جِئْت بِهِ وَإِلَّا يكترى عَلَيْك منها وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْتَهِنَ الرَّجُلُ شيئا لَا يَحِلُّ بَيْعُهُ حين يَرْهَنُهُ إيَّاهُ وَإِنْ كان يَأْتِي عليه مُدَّةٌ يَحِلُّ بَعْدَهَا وهو مِثْلَ أَنْ يَرْهَنَهُ جَنِينَ الْأَمَةِ قبل أَنْ يُولَدَ على أنها إذَا وَلَدَتْهُ كان رَهْنًا وَمِثْلَ أَنْ يَرْهَنَهُ ما وَلَدَتْ أَمَتُهُ أو مَاشِيَتُهُ أو ما أَخْرَجَتْ نَخْلُهُ على أَنْ يَقْطَعَهُ مَكَانَهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْهَنَهُ ما ليس مِلْكُهُ له بِتَامٍّ وَذَلِكَ مِثْلَ أَنْ يَرْهَنَهُ ثَمَرَةً قد بَدَا صَلَاحُهَا لَا يَمْلِكُهَا بِشِرَاءٍ وَلَا أُصُولِ نَخْلِهَا وَذَلِكَ مِثْلَ أَنْ يَتَصَدَّقَ عليه وَعَلَى قَوْمٍ بِصِفَاتِهِمْ بِثَمَرَةِ نَخْلٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ قد يَحْدُثُ في الصَّدَقَةِ معه من يُنْقِصُ حَقَّهُ وَلَا يَدْرِي كَمْ رَهَنَهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ جُلُودَ ميته لم تُدْبَغْ لِأَنَّ ثَمَنَهَا لَا يَحِلُّ ما لم تُدْبَغْ وَيَجُوزُ أَنْ يَرْهَنَهُ إيَّاهَا إذَا دُبِغَتْ لِأَنَّ ثَمَنَهَا بَعْدَ دِبَاغِهَا يَحِلُّ وَلَا يَرْهَنُهُ إيَّاهَا قبل الدِّبَاغِ وَلَوْ رَهَنَهُ إيَّاهَا قبل الدِّبَاغِ ثُمَّ دَبَغَهَا الرَّاهِنُ كانت خَارِجَةً من الرَّهْنِ لِأَنَّ عُقْدَةَ رَهْنِهَا كان وَبَيْعُهَا لَا يَحِلُّ وإذا وَهَبَ لِلرَّجُلِ هِبَةً أو تَصَدَّقَ عليه بِصَدَقَةٍ غَيْرِ مُحَرَّمَةٍ فَرَهَنَهَا قبل أَنْ يَقْبِضَهَا ثُمَّ قَبَضَهَا فَهِيَ خَارِجَةٌ من الرَّهْنِ لِأَنَّهُ رَهَنَهَا قبل يَتِمَّ له مِلْكُهَا فإذا أَحْدَثَ فيها رَهْنًا بَعْدَ الْقَبْضِ جَازَتْ قال وإذا أوصي له بِعَبْدٍ بِعَيْنِهِ فَمَاتَ الموصى فَرَهَنَهُ قبل أَنْ تَدْفَعَهُ إلَيْهِ الْوَرَثَةُ فَإِنْ كان يَخْرُجُ من الثُّلُثِ فَالرَّهْنُ جَائِزٌ لِأَنَّهُ ليس لِلْوَرَثَةِ مَنْعُهُ إيَّاهُ إذَا خَرَجَ من الثُّلُثِ وَالْقَبْضُ وَغَيْرُ الْقَبْضِ فيه سَوَاءٌ وَلِلْوَاهِبِ وَالْمُتَصَدِّقِ مَنْعُهُ من الصَّدَقَةِ ما لم يَقْبِضْ وإذا وَرِثَ من رَجُلٍ عَبْدًا وَلَا وَارِثَ له غَيْرُهُ فَرَهَنَهُ فَالرَّهْنُ جَائِزٌ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِلْعَبْدِ بِالْمِيرَاثِ وَكَذَلِكَ لو أشتراه فَنَقَدَ ثَمَنَهُ ثُمَّ رَهَنَهُ قبل أَنْ يَقْبِضَهُ وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ مُكَاتَبًا له فَعَجَزَ الْمُكَاتَبُ قبل الْحُكْمِ بِفَسْخِ الرَّهْنِ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ لِأَنِّي إنَّمَا انظر إلَى عَقْدِ الرَّهْنِ لَا إلَى الْحُكْمِ وَإِنْ اشْتَرَى الرَّجُلُ عَبْدًا على أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا فَرَهَنَهُ فَالرَّهْنُ جَائِزٌ وهو قَطْعٌ لِخِيَارِهِ
____________________

(3/153)


وَإِيجَابٌ لِلْبَيْعِ في الْعَبْدِ وإذا كان الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أو لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فَرَهَنَهُ قبل مُضِيِّ الثَّلَاثِ وَقَبْلَ اخْتِيَارِ الْبَائِعِ إنفاد ( ( ( إنفاذ ) ) ) الْبَيْعِ ثُمَّ مَضَتْ الثَّلَاثُ أو اخْتَارَ الْمُشْتَرِي انفاذ الْبَيْعِ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ وَمِلْكُهُ على الْعَبْدِ غَيْرُ تَامٍّ وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ وَرِثَا رَجُلًا ثَلَاثَةَ أَعْبُدٍ فلم يَقْتَسِمَاهُمْ حتى رَهَنَ أَحَدُهُمَا عَبْدًا من الْعَبِيدِ الثَّلَاثَةِ أو عَبْدَيْنِ ثُمَّ قَاسَمَ شَرِيكَهُ وَاسْتَخْلَصَ منه الْعَبْدَ الذي رَهَنَ أو الْعَبْدَيْنِ كانت أَنْصَافُهُمَا مرهونه له لِأَنَّ ذلك الذي كان يَمْلِكُ مِنْهُمَا وَأَنْصَافُهُمَا التي مَلَكَ بَعْدَ الرَّهْنِ خَارِجَةٌ من الرَّهْنِ إلَّا أَنْ يُجَدِّدَ فِيهِمَا رَهْنًا وَلَوْ أستحق صَاحِبُ وَصِيَّةٍ مِنْهُمَا شيئا خَرَجَ ما اسْتَحَقَّ مِنْهُمَا من الرَّهْنِ وَبَقِيَ ما لم يَسْتَحِقَّ من أَنْصَافِهِمَا مَرْهُونًا ( قال الرَّبِيعُ ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أنه إذَا رَهَنَ شيئا له بَعْضُهُ وَلِغَيْرِهِ بَعْضُهُ فَالرَّهْنُ كُلُّهُ مَفْسُوخٌ لِأَنَّ صَفْقَةَ الرَّهْنِ جَمَعَتْ شَيْئَيْنِ ما يَمْلِكُ وما لَا يَمْلِكُ فلما جَمَعَتْهُمَا الصَّفْقَةُ بَطَلَتْ كُلُّهَا وَكَذَلِكَ في الْبَيْعِ ( قال ) وَهَذَا أَشْبَهُ بِجُمْلَةِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا له أَخٌ هو وَارِثُهُ فَمَاتَ أَخُوهُ فَرَهَنَ دَارِهِ وهو لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مَاتَ ثُمَّ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّهُ كان مَيِّتًا قبل رَهْنِ الدَّارِ كان الرَّهْنُ بَاطِلًا وَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ حتى يَرْهَنَهُ وهو مَالِكٌ له وَيَعْلَمَ الرَّاهِنُ أَنَّهُ مَالِكٌ وَكَذَلِكَ لو قال قد وُكِّلْتُ بِشِرَاءِ هذا الْعَبْدِ فَقَدْ رَهَنْتُكَهُ إنْ كان اشترى لي فَوَجَدَ قد اشترى له لم يَكُنْ رَهْنًا قال فَإِنْ قال ( ( ( ارتهن ) ) ) المرتهن قد عَلِمَ أَنَّهُ قد صَارَ له بِمِيرَاثٍ أو شِرَاءٍ قبل أَنْ يَرْهَنَهُ احلف الرَّاهِنُ فَإِنْ حَلَفَ فُسِخَ الرَّهْنُ وَإِنْ نَكَلَ فَحَلَفَ الْمُرْتَهِنُ على ما ادَّعَى ثَبَتَ الرَّهْنُ وَكَذَلِكَ لو رَأَى شَخْصًا لَا يَثْبُتُهُ فقال إنْ كان هذا فُلَانًا فَقَدْ رَهَنْتُكَهُ لم يَكُنْ رَهْنًا وَإِنْ قَبَضَهُ حتى يُجَدِّدَ له مع الْقَبْضِ أو قَبْلَهُ أو بَعْدَهُ رَهْنًا وَهَكَذَا إنْ رَأَى صُنْدُوقًا فقال قد كانت فيه ثِيَابُ كَذَا الثِّيَابُ يَعْرِفُهَا الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فَإِنْ كانت فيه فَهِيَ لَك رَهْنٌ فَلَا تَكُونُ رَهْنًا وَإِنْ كانت فيه وَكَذَلِكَ لو كان الصُّنْدُوقُ في يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ وَدِيعَةً وَفِيهِ ثِيَابٌ فقال قد كُنْت جَعَلْتُ ثِيَابِي التي كَذَا في هذا الصُّنْدُوقِ فَهِيَ رَهْنٌ وَإِنْ كانت فيه ثِيَابٌ غَيْرُهَا أو ثِيَابٌ مَعَهَا فَلَيْسَ بِرَهْنٍ فَكَانَتْ فيه الثِّيَابُ التي قال إنَّهَا رَهْنٌ لَا غَيْرَهَا فَلَيْسَتْ بِرَهْنٍ وَهَكَذَا لو قال قد رَهَنْتُك ما في جِرَابِي وَأَقْبَضَهُ إيَّاهُ وَالرَّاهِنُ لَا يَعْرِفُهُ لم يَكُنْ رَهْنًا وَهَكَذَا إنْ كان الرَّاهِنُ يَعْرِفُهُ وَالْمُرْتَهِنُ لَا يَعْرِفُهُ وَلَا يَكُونُ الرَّهْنُ أَبَدًا إلَّا ما عَرَفَهُ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ وَعَلِمَ الرَّاهِنُ أَنَّهُ مِلْكٌ له يَحِلُّ بَيْعُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْهَنَهُ ذِكْرَ حَقٍّ له على رَجُلٍ لِأَنَّ ذِكْرَ الْحَقِّ ليس بِشَيْءٍ يُمْلَكُ إنَّمَا هو شَهَادَةٌ على رَجُلٍ بِشَيْءٍ في ذِمَّتِهِ وَالشَّيْءُ الذي في ذِمَّتِهِ ليس بِعَيْنٍ قَائِمَةٍ يَجُوزُ رَهْنُهَا إنَّمَا تُرْهَنُ الْأَعْيَانُ الْقَائِمَةُ ثُمَّ لَا يَجُوزُ حتى تَكُونَ مَعْلُومَةً عِنْدَ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ مَقْبُوضَةً وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا جَاءَتْهُ بِضَاعَةٌ أو مِيرَاثٌ كان غَائِبًا عنه لَا يَعْرِفُ قَدْرَهُ فَقَبَضَهُ له رَجُلٌ بِأَمْرِهِ أو بِغَيْرِ أَمْرِهِ ثُمَّ رَهَنَهُ الْمَالِكُ الْقَابِضَ وَالْمَالِكُ لَا يَعْرِفُ قدرة لم يَجُزْ الرَّهْنُ وَإِنْ قَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ حتى يَكُونَ عَالِمًا بِمَا رَهَنَهُ عِلْمَ الْمُرْتَهِنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * الزِّيَادَةُ في الرَّهْنِ وَالشَّرْطُ فيه - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا رَهْنًا وَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَرْهَنَ ذلك الرَّهْنَ من غَيْرِ الْمُرْتَهِنِ أو فَضْلَ ذلك الرَّهْنِ لم يَكُنْ ذلك له وَإِنْ فَعَلَ لم يَجُزْ الرَّهْنُ الْآخَرُ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ الْأَوَّلَ صَارَ يَمْلِكُ أَنْ يَمْنَعَ رَقَبَتَهُ حتى تُبَاعَ فيستوفى حَقَّهُ وَلَوْ رَهَنَهُ إيَّاهُ بِأَلْفٍ ثُمَّ سَأَلَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ أَنْ يَزِيدَهُ أَلْفًا وَيَجْعَلَ الرَّهْنَ الْأَوَّلَ رَهْنًا بها مع الْأَلْفِ الْأُولَى فَفَعَلَ لم يَجُزْ الرَّهْنُ الْآخَرُ وكان مَرْهُونًا بِالْأَلْفِ الْأُولَى وَغَيْرَ مَرْهُونٍ بِالْأَلْفِ الآخره لِأَنَّهُ كان رَهْنًا بِكَمَالِهِ بِالْأَلْفِ الْأُولَى فلم يَسْتَحِقَّ بِالْأَلْفِ الْآخِرَةِ من مَنْعِ رَقَبَتِهِ على سَيِّدِهِ وَلَا غُرَمَائِهِ إلَّا ما اسْتَحَقَّ أَوَّلًا وَلَا يُشْبِهُ هذا الرَّجُلَ يَتَكَارَى الْمَنْزِلَ سَنَةً بِعَشَرَةٍ ثُمَّ يَتَكَارَاهُ السَّنَةَ التي تَلِيهَا بِعِشْرِينَ لِأَنَّ السَّنَةَ الْأُولَى
____________________

(3/154)


غَيْرُ السَّنَةِ الْآخِرَةِ وَلَوْ أنهدم بَعْدَ السَّنَةِ الْأُولَى رَجَعَ بِالْعِشْرِينِ التي هِيَ حَظُّ السَّنَةِ الْآخِرَةِ وَهَذَا رَهْنٌ وَاحِدٌ لَا يَجُوزُ الرَّهْنَانِ فيه إلَّا مَعًا لَا مُفْتَرِقَيْنِ وَلَا أَنْ يَرْهَنَ مَرَّتَيْنِ بِشَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ قبل أَنْ يُفْسَخَ كما لَا يَجُوزُ مَرَّتَيْنِ أَنْ يَتَكَارَى الرَّجُلُ دَارًا سَنَةً بِعَشَرَةٍ ثُمَّ يَتَكَارَاهَا تِلْكَ السَّنَةَ بِعَيْنِهَا بِعِشْرِينَ إلَّا أَنْ يَفْسَخَ الْكِرَاءَ الْأَوَّلَ وَلَا يَبْتَاعَهَا بِمِائَةٍ ثُمَّ يَبْتَاعُهَا بِمِائَتَيْنِ إلَّا أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ وَيُجَدِّدَ بَيْعًا فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَصِحَّ له الرَّهْنُ الْآخَرُ مع الْأَوَّلِ فَسَخَ الرَّهْنَ الْأَوَّلَ وَجَعَلَ الرَّهْنَ بِأَلْفَيْنِ وَلَوْ لم يَفْسَخْ الرَّهْنَ وَأَشْهَدَ الْمُرْتَهِنَ أَنَّ هذا الرَّهْنَ بيده بِأَلْفَيْنِ جَازَتْ الشَّهَادَةُ وكان الرَّهْنُ بِأَلْفَيْنِ إذَا لم يَعْرِفْ كَيْفَ كان ذلك فإذا تَصَادَقَا بِأَنَّ هذا رَهْنٌ ثَانٍ بَعْدَ الرَّهْنِ الْأَوَّلِ لم يُفْسَخْ لِمَا وَصَفْتُ وكان رَهْنًا بِالْأَلْفِ وَكَانَتْ الْأَلْفُ الْأُخْرَى بِغَيْرِ رَهْنٍ وَلَوْ كانت لِرَجُلٍ على رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَرَهَنَهُ بها بَعْدُ شيئا جَازَ الرَّهْنُ لِأَنَّهَا كانت غير واجبه عليه وَكَذَلِكَ لو زَادَهُ أَلْفًا أُخْرَى وَرَهَنَهُ بِهِمَا رَهْنًا كان الرَّهْنُ جَائِزًا وَلَوْ أَعْطَاهُ أَلْفًا وَرَهَنَهُ بها ثُمَّ قال له بَعْدَ الرَّهْنِ اجْعَلْ لي الْأَلْفَ التي قبل هذا رَهْنًا مَعَهَا فَفَعَلَ لم يَجُزْ إلَّا بِمَا وَصَفْتُ من فَسْخِ الرَّهْنِ وَتَجْدِيدِ رَهْنٍ بِهِمَا مَعًا وَلَوْ كانت لِرَجُلٍ على رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ بِلَا رَهْنٍ ثُمَّ قال له زِدْنِي أَلْفًا على أَنْ ارهنك بِهِمَا مَعًا رَهْنًا يَعْرِفَانِهِ فَفَعَلَ كان الرَّهْنُ مَفْسُوخًا لِأَنَّهُ أَسْلَفَهُ الأخرة على زِيَادَةِ رَهْنٍ في الْأُولَى وَلَوْ كان قال بِعْنِي عَبْدًا بِأَلْفٍ على أَنْ أُعْطِيَك بها وَبِالْأَلْفِ التي لَك عَلَيَّ بِلَا رَهْنٍ دَارِي رَهْنًا فَفَعَلَ كان الْبَيْعُ مَفْسُوخًا وإذا شَرَطَ في الرَّهْنِ هذا الشَّرْطَ لم يَجُزْ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ في سَلَفٍ أو حِصَّةٌ من بَيْعٍ مَجْهُولَةٌ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا ارْتَهَنَ من رَجُلٍ رَهْنًا بِأَلْفٍ وَقَبَضَهُ ثُمَّ زَادَهُ رَهْنًا آخَرَ مع رَهْنِهِ بِتِلْكَ الْأَلْفِ كان الرَّهْنُ الْأَوَّلُ وَالْآخَرُ جَائِزًا لِأَنَّ الرَّهْنَ الْأَوَّلَ بِكَمَالِهِ بِالْأَلْفِ وَالرَّهْنَ الْآخَرَ زِيَادَةٌ معه لم تَكُنْ لِلْمُرْتَهِنِ حتى جَعَلَهَا له الرَّاهِنُ فَكَانَ جَائِزًا كما جَازَ أَنْ يَكُونَ له حَقٌّ بِلَا رَهْنٍ ثُمَّ يرهنه ( ( ( برهنه ) ) ) بِهِ شيئا فَيَجُوزُ - * بَابُ ما يُفْسِدُ الرَّهْنَ من الشَّرْطِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُرْوَى عن أبي هريره رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ وَمَحْلُوبٌ وَهَذَا لَا يَجُوزُ فيه إلَّا أَنْ يَكُونَ الرُّكُوبُ وَالْحَلْبُ لِمَالِكِهِ الرَّاهِنِ لَا لِلْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ الرُّكُوبَ وَالْحَلْبَ من مَلَكَ الرَّقَبَةَ وَالرَّقَبَةُ غَيْرُ الْمَنْفَعَةِ التي هِيَ الرُّكُوبُ وَالْحَلْبُ وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَبْدًا أو دَارًا أو غير ذلك فَسُكْنَى الدَّارِ وَإِجَارَةُ الْعَبْدِ وَخِدْمَتُهُ لِلرَّاهِنِ وَكَذَلِكَ مَنَافِعُ الرَّهْنِ لِلرَّاهِنِ ليس لِلْمُرْتَهِنِ منها شَيْءٌ فَإِنْ شَرَطَ الْمُرْتَهِنُ على الرَّاهِنِ أَنَّ له سُكْنَى الدَّارِ أو خِدْمَةَ الْعَبْدِ أو مَنْفَعَةَ الرَّهْنِ أو شيئا من مَنْفَعَةِ الرَّهْنِ ما كانت أو من أَيِّ الرَّهْنِ كانت دَارًا أو حَيَوَانًا أو غَيْرِهِ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَإِنْ كان أسلفة أَلْفًا على أَنْ يَرْهَنَهُ بها رَهْنًا وَشَرَطَ الْمُرْتَهِنُ لِنَفْسِهِ مَنْفَعَةَ الرَّهْنِ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ لِأَنَّ ذلك زِيَادَةٌ في السَّلَفِ وَإِنْ كان بَاعَهُ بَيْعًا بِأَلْفٍ وَشَرَطَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْهَنَهُ بِأَلْفِهِ رَهْنًا وَأَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ مَنْفَعَةَ الرَّهْنِ فَالشَّرْطُ فَاسِدٌ وَالْبَيْعُ فَاسِدٌ لِأَنَّ لِزِيَادَةِ مَنْفَعَةِ الرَّهْنِ حِصَّةً من الثَّمَنِ غير مَعْرُوفَةٍ وَالْبَيْعُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِمَا يُعْرَفُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو رَهَنَهُ دَارًا على أَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ سُكْنَاهَا حتى يَقْضِيَهُ حَقَّهُ كان له أَنْ يَقْضِيَهُ حَقَّهُ من الْغَدِ وَبَعْدَ سِنِينَ وَلَا يَعْرِفُ كَمْ ثَمَنُ السَّكَنِ وَحِصَّتُهُ من الْبَيْعِ وَحِصَّةُ الْبَيْعِ لَا تَجُوزُ إلَّا مَعْرُوفَةً مع فَسَادِهِ من أَنَّهُ بَيْعٌ وَإِجَارَةٌ وَلَوْ جَعَلَ ذلك مَعْرُوفًا فقال ارهنك دَارِي سَنَةً على أَنَّ لَك سُكْنَاهَا في تِلْكَ السَّنَةِ كان الْبَيْعُ وَالرَّهْنُ فَاسِدًا من قِبَلِ أَنَّ هذا بَيْعٌ وَإِجَارَةٌ لَا أَعْرِفُ حِصَّةَ الآجارة أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِجَارَةَ لو انْتَقَضَتْ بِأَنْ يَسْتَحِقَّ الْمَسْكَنَ أو يَنْهَدِمَ فَلَوْ قُلْت تَقُومُ السُّكْنَى وَتَقُومُ السِّلْعَةُ الْمَبِيعَةُ بِالْأَلْفِ فَتُطْرَحُ عنه حِصَّةُ السُّكْنَى من الْأَلْفِ وَأَجْعَلُ الْأَلْفَ بَيْعًا بِهِمَا وَلَا أَجْعَلُ لِلْمُشْتَرِي خِيَارًا دخل عَلَيْك أَنَّ شَيْئَيْنِ مُلِكَا بِأَلْفٍ فَاسْتُحِقَّ أَحَدُهُمَا فلم تَجْعَلْ لِلْمُشْتَرِي
____________________

(3/155)


خِيَارًا في هذا الْبَاقِي وهو لم يَشْتَرِهِ إلَّا مع غَيْرِهِ أَوَلَا تَرَى أَنَّك لو قُلْت بَلْ أَجْعَلُ له الْخِيَارَ دخل عَلَيْك أَنْ يَنْقُصَ بَيْعُ الرَّقَبَةِ بِأَنْ يَسْتَحِقَّ مَعَهَا كِرَاءٌ ليس هو مِلْكُ رَقَبَةٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَسْكَنَ إذَا انْهَدَمَ في أَوَّلِ السَّنَةِ فَإِنْ قَوَّمْت كِرَاءَ السَّنَةِ في أَوَّلِهَا لم يُعْرَفْ قِيمَةُ كِرَاءِ آخِرِهَا لِأَنَّهُ قد يَغْلُو وَيَرْخُصُ وَإِنَّمَا يُقَوَّمُ كُلُّ شَيْءٍ بِسُوقِ يَوْمِهِ وَلَا يُقَوَّمُ ما لم يَكُنْ له سُوقٌ مَعْلُومٌ فَإِنْ قُلْت بَلْ أُقَوِّمُ كُلَّ وَقْتٍ مَضَى وَأَتْرُكُ ما بَقِيَ حتى يَحْضُرَ فَأُقَوِّمُهُ قِيلَ لَك أَفَتَجْعَلُ مَالَ هذا مُحْتَبَسًا في يَدِ هذا إلَى أَجَلٍ وهو لم يُؤَجِّلْهُ قال فَإِنْ شُبِّهَ على أَحَدٍ بِأَنْ يَقُولَ قد تُجِيزُ هذا في الْكِرَاءِ إذَا كان مُنْفَرِدًا فيكترى منه الْمَنْزِلَ سَنَةً ثُمَّ يَنْهَدِمُ الْمَنْزِلُ بَعْدَ شَهْرٍ فَيَرُدُّهُ عليه بِمَا بَقِيَ قِيلَ نعم وَلَكِنَّ حِصَّةَ الشَّهْرِ الذي أَخَذَهُ مَعْرُوفَةٌ لِأَنَّا لَا نُقَوِّمُهُ إلَّا بَعْدَ ما يُعْرَفُ بِأَنْ يمضى وَلَيْسَ مَعَهَا بَيْعٌ وَهِيَ إجَارَةٌ كُلُّهَا وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا رَهْنًا على أَنَّهُ ليس لِلْمُرْتَهِنِ بَيْعُهُ عِنْدَ مَحِلِّ الْحَقِّ إلَّا بِكَذَا أو ليس له بَيْعُهُ إلَّا بَعْدَ ان يَبْلُغَ كَذَا أو يَزِيدَ عليه أو ليس له بَيْعُهُ إنْ كان رَبُّ الرَّهْنِ غَائِبًا أو ليس له بَيْعُهُ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ له فُلَانٌ أو يَقْدُمَ فُلَانٌ أو ليس له بَيْعُهُ إلَّا بِمَا رضي الرَّاهِنُ أو ليس له بَيْعُهُ إنْ هَلَكَ الرَّاهِنُ قبل الْأَجَلِ أو ليس له بَيْعُهُ بَعْدَ ما يَحِلُّ الْحَقُّ إلَّا بِشَهْرٍ كان هذا الرَّهْنُ في هذا كُلِّهِ فَاسِدًا لَا يَجُوزُ حتى لَا يَكُونَ دُونَ بَيْعِهِ حَائِلٌ عِنْدَ مَحِلِّ الْحَقِّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ رَهَنَهُ عَبْدًا على أَنَّ الْحَقَّ إنْ حَلَّ وَالرَّهْنُ مَرِيضٌ لم يَبِعْهُ حتى يَصِحَّ أو أَعْجَفُ لم يَبِعْهُ حتى يَسْمَنَ أو ما أَشْبَهَ هذا كان الرَّهْنُ في هذا كُلِّهِ مَفْسُوخًا وَلَوْ رَهَنَهُ حَائِطًا على أَنَّ ما أَثْمَرَ الْحَائِطُ فَهُوَ دَاخِلٌ في الرَّهْنِ أو أَرْضًا على أَنَّ ما زُرِعَ في الْأَرْضِ فَهُوَ دَاخِلٌ في الرَّهْنِ أو مَاشِيَةً على أَنَّ ما نَتَجَتْ فَهُوَ دَاخِلٌ في الرَّهْنِ كان الرَّهْنُ الْمَعْرُوفُ بِعَيْنِهِ من الْحَائِطِ وَالْأَرْضِ وَالْمَاشِيَةِ رَهْنًا ولم يَدْخُلْ معه ثَمَرُ الْحَائِطِ وَلَا زَرْعُ الْأَرْضِ وَلَا نِتَاجُ الْمَاشِيَةِ إذَا كان الرَّهْنُ بِحَقٍّ وَاجِبٍ قبل الرَّهْنِ ( قال الرَّبِيعُ ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ إذَا رَهَنَهُ حَائِطًا على أَنَّ ما أَثْمَرَ الْحَائِطُ فَهُوَ دَاخِلٌ في الرَّهْنِ أو أَرْضًا على أَنَّ ما زُرِعَ في الْأَرْضِ فَهُوَ دَاخِلٌ في الرَّهْنِ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ كُلُّهُ من قِبَلِ أَنَّهُ رَهَنَهُ ما يَعْرِفُ وما لَا يَعْرِفُ وما يَكُونُ وما لَا يَكُونُ وَلَا إذَا كان يَعْرِفُ قَدْرَ ما يَكُونُ فلما كان هَكَذَا كان الرَّهْنُ مَفْسُوخًا ( قال الرَّبِيعُ ) الْفَسْخُ أَوْلَى بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا كَرَجُلٍ رَهَنَ دَارًا على أَنْ يَزِيدَهُ مَعَهَا دَارًا مِثْلَهَا أو عَبْدًا قِيمَتُهُ كَذَا غير أَنَّ الْبَيْعَ إنْ وَقَعَ على شَرْطِ هذا الرَّهْنِ فُسِخَ الرَّهْنُ وكان لِلْبَائِعِ الْخِيَارُ لِأَنَّهُ لم يَتِمَّ له ما أشترط وَلَوْ رَهَنَهُ مَاشِيَةً على أَنَّ لِرَبِّهَا لَبَنَهَا وَنِتَاجَهَا أو حَائِطًا على أَنَّ لِرَبِّهِ ثَمَرَهُ أو عَبْدًا على أَنَّ لِسَيِّدِهِ خَرَاجَهُ أو دَارًا على أَنَّ لِمَالِكِهَا كِرَاءَهَا كان الرَّهْنُ جَائِزًا لِأَنَّ هذا لِسَيِّدِهِ وَإِنْ لم يَشْتَرِطْهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) كُلُّ شَرْطٍ اشْتَرَطَهُ الْمُشْتَرِي على الْبَائِعِ هو لِلْمُشْتَرِي لو لم يَشْتَرِطْهُ كان الشَّرْطُ جَائِزًا كَهَذَا الشَّرْطِ وَذَلِكَ أَنَّهُ له لو لم يَشْتَرِطْهُ - * جِمَاعُ ما يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَرْهُونًا وما لَا يَجُوزُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ الرَّهْنُ الْمَقْبُوضُ مِمَّنْ يَجُوزُ رَهْنُهُ وَمَنْ يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ ثَلَاثُ أَصْنَافٍ صَحِيحٌ وَآخَرُ مَعْلُولٌ وَآخَرُ فَاسِدٌ فَأَمَّا الصَّحِيحُ منه فَكُلُّ ما كان مِلْكُهُ تَامًّا لِرَاهِنِهِ ولم يَكُنْ الرَّهْنُ جَنَى في عُنُقِ نَفْسِهِ جِنَايَةً وَيَكُونُ الْمَجْنِيُّ عليه أَحَقَّ بِرَقَبَتِهِ من مَالِكِهِ حتى يستوفى ولم يَكُنْ الْمِلْكُ أَوْجَبَ فيه حَقًّا لِغَيْرِ مَالِكِهِ من رَهْنٍ وَلَا إجَارَةٍ وَلَا بَيْعٍ وَلَا كِتَابَةٍ وَلَا جَارِيَةٍ أَوْلَدَهَا أو دَبَّرَهَا وَلَا حَقًّا لِغَيْرِهِ يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ من سَيِّدِهِ حتى تَنْقَضِيَ تِلْكَ الْمُدَّةُ فإذا رَهَنَ الْمَالِكُ هذا رَجُلًا وَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ فَهَذَا الرَّهْنُ الصَّحِيحُ الذي لَا عِلَّةَ فيه وَأَمَّا الْمَعْلُولُ فَالرَّجُلُ يَمْلِكُ الْعَبْدَ أو الْأَمَةَ أو الدَّارَ فَيَجْنِي الْعَبْدُ أو الْأَمَةُ على آدَمِيٍّ جِنَايَةً عَمْدًا أو خَطَأً أو يَجْنِيَانِ على مَالِ آدَمِيٍّ فَلَا يَقُومُ الْمَجْنِيُّ عليه وَلَا وَلِيُّ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِمَا حتى يَرْهَنَهُمَا مَالِكَيْهِمَا وَيَقْبِضَهَا الْمُرْتَهِنُ فإذا ثَبَتَتْ الْبَيِّنَةُ على الْجِنَايَةِ
____________________

(3/156)


قبل الرَّهْنِ أو أَقَرَّ بها الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ مَفْسُوخٌ وَكَذَلِكَ لو أَبْطَلَ رَبُّ الْجِنَايَةِ الْجِنَايَةَ عن الْعَبْدِ أو الْأَمَةِ أو صَالَحَهُ سَيِّدُهُمَا مِنْهُمَا على شَيْءٍ كان الرَّهْنُ مَفْسُوخًا لِأَنَّ وَلِيَّ الْجِنَايَةِ كان أَوْلَى بِحَقٍّ في رِقَابِهِمَا من مَالِكِهِمَا حتى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ في رِقَابِهِمَا أَرْشُ جِنَايَتِهِ أو قِيمَةُ مَالِهِ فإذا كان أَوْلَى بِثَمَنِ رِقَابِهِمَا من مَالِكِهِمَا حتى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ في رِقَابِهِمَا لم يَجُزْ لِمَالِكِهِمَا رَهْنُهُمَا وَلَوْ كانت الْجِنَايَةُ تَسْوَى دِينَارًا وَهُمَا يَسْوَيَانِ أُلُوفًا لم يَكُنْ ما فَضَلَ مِنْهُمَا رَهْنًا وَهَذَا أَكْثَرُ من أَنْ يَكُونَ مَالِكُهُمَا رَهَنَهُمَا بِشَيْءٍ ثُمَّ رَهَنَهُمَا بَعْدَ الرَّهْنِ بِغَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ الثَّانِي لِأَنَّهُ يَحُولُ دُونَ بَيْعِهِمَا وَإِدْخَالُ حَقٍّ على حَقِّ صَاحِبِهِمَا الْمُرْتَهِنِ الْأَوَّلِ الذي هو أَحَقُّ بِهِ من مَالِكِهِمَا وَسَوَاءٌ ارْتَهَنَهُمَا الْمُرْتَهِنُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْجِنَايَةِ أو قبل عِلْمِهِ بها أو قال ارتهن مِنْك ما يَفْضُلُ عن الْجِنَايَةِ أو لم يَقُلْهُ فَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ وفي رِقَابِهِمَا جِنَايَةٌ بِحَالٍ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهُمَا وفي رِقَابِهِمَا رَهْنٌ بِحَالٍ وَلَا فَضْلٌ من رَهْنٍ بِحَالٍ وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا عَبْدًا أو دَارًا بِمِائَةٍ فَقَضَاهُ إيَّاهَا إلَّا دِرْهَمًا ثُمَّ رَهَنَهَا غَيْرَهُ لم تَكُنْ رَهْنًا لِلْآخَرِ لِأَنَّ الدَّارَ وَالْعَبْدَ قد يَنْقُصُ وَلَا يدرى كَمْ انْتِقَاصُهُ يَقِلُّ أو يَكْثُرُ وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا عَبْدًا أو أَمَةً فَقَبَضَهُمَا الْمُرْتَهِنُ ثُمَّ أَقَرَّ الرَّاهِنُ أَنَّهُمَا جَنَيَا قبل الرَّهْنِ جِنَايَةً وَادَّعَى ذلك وَلِيُّ الْجِنَايَةِ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْقَوْلَ لِلرَّاهِنِ لِأَنَّهُ يُقِرُّ بِحَقٍّ في عُنُقِ عَبْدِهِ وَلَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ من دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ وَقِيلَ يَحْلِفُ الْمُرْتَهِنُ ما عَلِمَ الْجِنَايَةَ قبل رَهْنِهِ فإذا حَلَفَ وَأَنْكَرَ الْمُرْتَهِنُ أو لم يُقِرَّ بِالْجِنَايَةِ قبل رَهْنِهِ كان الْقَوْلُ في إقْرَارِ الرَّاهِنِ بِأَنَّ عَبْدَهُ جَنَى قبل أَنْ يَرْهَنَهُ وَاحِدًا من قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْعَبْدَ رَهْنٌ وَلَا يُؤْخَذُ من مَالِهِ شَيْءٌ وَإِنْ كان مُوسِرًا لِأَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ في شَيْءٍ وَاحِدٍ بِحَقَّيْنِ لِرَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا من قِبَلِ الْجِنَايَةِ وَالْآخَرُ من قِبَلِ الرَّهْنِ وإذا فُكَّ من الرَّهْنِ وهو له فَالْجِنَايَةُ في رَقَبَتِهِ بِإِقْرَارِ سَيِّدِهِ إنْ كانت خَطَأً أو عَمْدًا لَا قِصَاصَ فيها وَإِنْ كانت عَمْدًا فيها قِصَاصٌ لم يُقْبَلْ قَوْلُهُ على الْعَبْدِ إذَا لم يُقِرَّ بها وَالْقَوْلُ الثَّانِي أنه إنْ كان مُوسِرًا أَخَذَ من السَّيِّدِ الْأَقَلَّ من قِيمَةِ الْعَبْدِ أو الْجِنَايَةِ فَدَفَعَ إلَى الْمَجْنِيِّ عليه لِأَنَّهُ يُقِرُّ بِأَنَّ في عُنُقِ عَبْدِهِ حَقًّا أَتْلَفَهُ على الْمَجْنِيِّ عليه بِرَهْنِهِ إيَّاهُ وكان كَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ وقد جَنَى وهو مُوسِرٌ وَقِيلَ يَضْمَنُ الْأَقَلَّ من قِيمَتِهِ أو الْجِنَايَةِ وهو رَهْنٌ بِحَالِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ من الرَّهْنِ وهو غَيْرُ مُصَدَّقٍ على الْمُرْتَهِنِ وَإِنَّمَا أَتْلَفَ على الْمَجْنِيِّ عليه لَا على الْمُرْتَهِنِ وَإِنْ كان مُعْسِرًا فَهُوَ رَهْنٌ بِحَالِهِ وَمَتَى خَرَجَ من الرَّهْنِ وهو في مِلْكِهِ فَالْجِنَايَةُ في عُنُقِهِ وَإِنْ خَرَجَ من الرَّهْنِ بِبَيْعٍ فَفِي ذِمَّةِ سَيِّدِهِ الْأَقَلُّ من قِيمَتِهِ أو الْجِنَايَةِ وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ على جِنَايَتِهِمَا قبل الرَّهْنِ وَالرَّهْنُ عَبْدَانِ حَلَفَ وَلِيُّ الْمَجْنِيِّ عليه مع شَاهِدِهِ وَكَانَتْ الْجِنَايَةُ أَوْلَى بِهِمَا من الرَّهْنِ حتى يستوفى الْمَجْنِيُّ عليه جِنَايَتَهُ ثُمَّ يَكُونُ ما فَضَلَ من ثَمَنِهِمَا رَهْنًا مَكَانَهُمَا وَلَوْ أَرَادَ الرَّاهِنُ أَنْ يَحْلِفَ لقد جَنَيَا لم يَكُنْ ذلك له لِأَنَّ الْحَقَّ بِالْجِنَايَةِ في رِقَابِهِمَا لِغَيْرِهِ وَلَا يَحْلِفُ على حَقِّ غَيْرِهِ وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا عَبْدًا فلم يَقْبِضْهُ حتى أَقَرَّ بِعِتْقِهِ أو بِجِنَايَةٍ لِرَجُلٍ أو بِرَهْنٍ فيه قبل الرَّهْنِ فَإِقْرَارُهُ جَائِزٌ لِأَنَّ الْعَبْدَ لم يَكُنْ مَرْهُونًا تَامَّ الرَّهْنِ إنَّمَا يَتِمُّ الرَّهْنُ فيه إذَا قَبَضَ وَلَوْ رَهَنَهُ العبد وَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ ثُمَّ أَقَرَّ الرَّاهِنُ بِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ كان أَكْثَرَ من إقْرَارِهِ بِأَنَّهُ جَنَى جِنَايَةً فَإِنْ كان مُوسِرًا أُخِذَتْ منه قِيمَتُهُ فَجُعِلَتْ رَهْنًا وَإِنْ كان مُعْسِرًا وَأَنْكَرَ الْمُرْتَهِنُ بِيعَ له منه بِقَدْرِ حَقِّهِ فَإِنْ فَضَلَ فَضْلٌ عَتَقَ الْفَضْلُ منه وَإِنْ بريء الْعَبْدُ من الرَّهْنِ في مِلْكِ الْمُقِرِّ بِالْعِتْقِ عَتَقَ وَإِنْ بِيعَ فَمَلَكَهُ سَيِّدُهُ بِأَيِّ وَجْهٍ مَلَكَهُ عَتَقَ عليه لِأَنَّهُ مُقِرٌّ أَنَّهُ حُرٌّ وَلَوْ رَهَنَهُ جَارِيَةً وَقَبَضَهَا ثُمَّ أَقَرَّ بِوَطْئِهَا قبل الرَّهْنِ فَإِنْ لم تَأْتِ بِوَلَدٍ فَهِيَ رَهْنٌ بِحَالِهَا وَكَذَلِكَ لو قَامَتْ بَيِّنَةٌ على وَطْئِهِ إيَّاهَا قبل الرَّهْنِ لم تَخْرُجْ من الرَّهْنِ حتى تَأْتِيَ بِوَلَدٍ فإذا جَاءَتْ بِوَلَدٍ وقد قَامَتْ بَيِّنَةٌ على إقْرَارِهِ بِوَطْئِهِ إيَّاهَا قبل الرَّهْنِ خَرَجَتْ من الرَّهْنِ وَإِنْ أَقَرَّ بِوَطْئِهَا قبل الرَّهْنِ وَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ من يَوْمِ كان الرَّهْنُ فَهُوَ إبنه وَهِيَ خَارِجَةٌ من الرَّهْنِ
____________________

(3/157)


( قال الرَّبِيعُ ) قال أبو يَعْقُوبَ الْبُوَيْطِيُّ وَكَذَلِكَ عِنْدِي إنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ ما تَلِدُ له النِّسَاءُ وَذَلِكَ لِأَرْبَعِ سِنِينَ أُلْحِقَ بِهِ الْوَلَدُ وَإِنْ كان إقْرَارُهُ بِالْوَطْءِ قبل الرَّهْنِ قال الرَّبِيعُ وهو قَوْلِي أَيْضًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ من يَوْمِ كان الرَّهْنُ أو أَكْثَرَ فَأَقَرَّ الرَّاهِنُ بِالْوَطْءِ كان كَإِقْرَارِ سَيِّدِهَا بِعِتْقِهَا أو أَضْعَفَ وَهِيَ رَهْنٌ بِحَالِهَا وَلَا تُبَاعُ حتى تَلِدَ وَوَلَدُهَا وَلَدُ حُرٍّ بِإِقْرَارِهِ وَمَتَى مَلَكَهَا فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ له وَلَوْ لم يُقِرَّ الْمُرْتَهِنُ في جَمِيعِ الْمَسَائِلِ ولم يُنْكِرْ قِيلَ أن أَنْكَرْت وَحَلَفْت جَعَلْنَا الرَّهْنَ رَهْنَك وَإِنْ لم تَحْلِفْ أَحَلَفْنَا الرَّاهِنَ لَكَانَ ما قال قِبَلَ رَهْنِك وَأَخْرَجْنَا الرَّهْنَ من الرَّهْنِ بِالْعِتْقِ وَالْجَارِيَةِ بِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ له وَكَذَلِكَ إنْ أَقَرَّ فيها بِجِنَايَةٍ فلم يَحْلِفْ الْمُرْتَهِنُ على عِلْمِهِ كان الْمَجْنِيُّ عليه أَوْلَى بها منه إذَا حَلَفَ الْمَجْنِيُّ عليه أو وَلِيُّهُ وَلَوْ اشْتَرَى أَمَةً فَرَهَنَهَا وَقُبِضَتْ ثُمَّ قال هو أو الْبَائِعُ إنَّك اشْتَرَيْتهَا مِنِّي على شَرْطٍ فذكر أَنَّهُ كان الشِّرَاءُ على ذلك الشَّرْطِ فَاسِدًا كان فيها قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الرَّهْنَ مَفْسُوخٌ لِأَنَّهُ لَا يَرْهَنُ إلَّا ما يَمْلِكُ وهو لم يَمْلِكْ ما رَهَنَ وَهَكَذَا لو رَهَنَهَا ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهَا من رَجُلٍ أو بَاعَهُ إيَّاهَا قبل الرَّهْنِ وَعَلَى الرَّاهِنِ الْيَمِينُ بِمَا ذَكَرَ لِلْمُرْتَهِنِ وَلَيْسَ على الْمُقَرِّ له يَمِينٌ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الرَّهْنَ جَائِزٌ بِحَالِهِ وَلَا يُصَدَّقُ على إفْسَادِ الرَّهْنِ وَفِيمَا أَقَرَّ بِهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَغْرَمَ لِلَّذِي أَقَرَّ له بِأَنَّهُ غَصَبَهَا منه قِيمَتَهَا فَإِنْ رَجَعَتْ إلَيْهِ دُفِعَتْ إلَى الذي أَقَرَّ له بها إنْ شَاءَ وَيَرُدُّ الْقِيمَةَ وَكَانَتْ إذَا رَجَعَتْ إلَيْهِ بَيْعًا لِلَّذِي أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَهَا إيَّاهُ وَمَرْدُودَةٌ على الذي أَقَرَّ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا منه شِرَاءً فَاسِدًا قال الرَّبِيعُ وَهَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا عَبْدًا أو أَمَةً قد ارْتَدَّا عن الْإِسْلَامِ وَأَقْبَضَهُمَا الْمُرْتَهِنَ كان الرَّهْنُ فِيهِمَا صَحِيحًا وَيُسْتَتَابَانِ فَإِنْ تَابَا وَإِلَّا قُتِلَا على الرِّدَّةِ وَهَكَذَا لو كَانَا قَطَعَا الطَّرِيقَ قُتِلَا إنْ قَتَلَا وَهَكَذَا لو كَانَا سَرَقَا قُطِعَا وَهَكَذَا لو كان عَلَيْهِمَا حَدٌّ أُقِيمَ وَهُمَا على الرَّهْنِ في هذا كُلِّهِ لَا يَخْتَلِفَانِ سَقَطَ عنهما الْحَدُّ أو عُطِّلَ بِحَالٍ لِأَنَّ هذا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمَا ليس بِحَقٍّ لِآدَمِيٍّ في رِقَابِهِمْ وَهَكَذَا لو أَتَيَا شيئا مِمَّا ذَكَرْت بَعْدَ الرَّهْنِ لم يَخْرُجَا من الرَّهْنِ بِحَالٍ وَلَوْ رَهَنَهُمَا وقد جَنَيَا جِنَايَةً كان صَاحِبُ الْجِنَايَةِ أَوْلَى بِهِمَا من السَّيِّدِ الرَّاهِنِ فَإِنْ أَعْفَاهُمَا أو فَدَاهُمَا سَيِّدُهُمَا أو كانت الْجِنَايَةُ قَلِيلَةً فَبِيعَ فيها أَحَدُهُمَا فليسا ( ( ( فليس ) ) ) بِرَهْنٍ من قِبَلِ أَنَّ صَاحِبَ الْجِنَايَةِ كان أَحَقَّ بِهِمَا من الْمُرْتَهِنِ حين كان الرَّهْنُ وَلَوْ كَانَا رَهَنَا وَقَبَضَا ثُمَّ جَنَيَا بَعْدَ الرَّهْنِ ثُمَّ بَرِئَا من الْجِنَايَةِ بِعَفْوٍ من الْمَجْنِيِّ عليه أو وَلِيِّهِ أو صُلْحٍ أو أَيِّ وَجْهٍ بَرِئَا من الْبَيْعِ فِيهِمَا كَانَا على الرَّهْنِ بِحَالِهِمَا لِأَنَّ أَصْلَ الرَّهْنِ كان صَحِيحًا وَأَنَّ الْحَقَّ في رِقَابِهِمَا قد سَقَطَ عنهما وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا دَبَّرَ عَبْدَهُ ثُمَّ رَهَنَهُ كان الرَّهْنُ مَفْسُوخًا لِأَنَّهُ قد أَثْبَتَ لِلْعَبْدِ عِتْقًا قد يَقَعُ بِحَالٍ قبل حُلُولِ الرَّهْنِ فَلَا يَسْقُطُ الْعِتْقُ وَالرَّهْنُ غَيْرُ جَائِزٍ فَإِنْ قال قد رَجَعْت في التَّدْبِيرِ أو أَبْطَلْت التَّدْبِيرَ ثُمَّ رَهَنَهُ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ جَائِزًا وَكَذَلِكَ لو قال بَعْدَ الرَّهْنِ قد رَجَعْت في التَّدْبِيرِ قبل أَنْ أَرْهَنَهُ كان الرَّهْنُ جَائِزًا وَلَوْ قال بَعْدَ الرَّهْنِ قد رَجَعْت في التَّدْبِيرِ وَأَثْبَتَ الرَّهْنَ لم يَثْبُتْ إلَّا بِأَنْ يُجَدِّدَ رَهْنًا بَعْدَ الرُّجُوعِ في التَّدْبِيرِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الرَّهْنَ غَيْرُ جَائِزٍ وَلَيْسَ له أَنْ يَرْجِعَ في التَّدْبِيرِ إلَّا بِأَنْ يُخْرِجَ الْعَبْدَ من مِلْكِهِ بِبَيْعٍ أو غَيْرِهِ فَيَبْطُلُ التَّدْبِيرُ وَإِنْ مَلَكَهُ ثَانِيَةً فَرَهَنَهُ جَازَ رَهْنُهُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِغَيْرِ الْمِلْكِ الْأَوَّلِ وَيَكُونُ هذا كَعِتْقٍ إلَى غَايَةٍ لَا يَبْطُلُ إلَّا بِأَنْ يَخْرُجَ الْعَبْدُ من مِلْكِهِ قبل أَنْ يَقَعَ وَهَكَذَا الْمُعْتَقُ إلَى وَقْتٍ من الْأَوْقَاتِ وَلَوْ قال إنْ دَخَلْتَ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ رَهَنَهُ كان هَكَذَا وَلَوْ كان رَهْنُهُ عَبْدًا ثُمَّ دَبَّرَهُ بَعْدَ الرَّهْنِ كان التَّدْبِيرُ مَوْقُوفًا حتى يَحِلَّ الْحَقُّ ثُمَّ يُقَالُ إنْ أَرَدْت إثْبَاتَ التَّدْبِيرِ فَاقْضِ الرَّجُلَ حَقَّهُ أو أَعْطِهِ قِيمَةَ الْعَبْدِ الْمُدَبَّرِ قَضَاءً من حَقِّهِ وَإِنْ لم تُرِدْهُ فَارْجِعْ في التَّدْبِيرِ بِأَنْ تَبِيعَهُ فَإِنْ أَثْبَتَ الرُّجُوعَ في التَّدْبِيرِ بَعْدَ مَحِلِّ الْحَقِّ أَخَذْنَا مِنْك قِيمَتَهُ فَدَفَعْنَاهَا إلَيْهِ فَإِنْ لم نَجِدْهَا بِيعَ الْعَبْدُ الْمُدَبَّرُ حتى يَقْضِيَ الرَّجُلُ حَقَّهُ وَإِنَّمَا يَمْنَعُنِي أَنْ آخُذَ الْقِيمَةَ منه
____________________

(3/158)


قبل مَحِلِّ الْحَقِّ أَنَّ الْحَقَّ كان إلَى اجل لو كان الْعَبْدُ سَالِمًا من التَّدْبِيرِ لم يَكُنْ لِلْمُرْتَهِنِ بَيْعُهُ ولم يَكُنْ التَّدْبِيرُ عِتْقًا وَاقِعًا سَاعَتَهُ تِلْكَ وكان يُمْكِنُ أَنْ يَبْطُلَ فَتَرَكْت أَخْذَ الْقِيمَةِ منه حتى يَحِلَّ الْحَقُّ فَيَكُونُ الْحُكْمُ حِينَئِذٍ وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ عَبْدَهُ ثُمَّ دَبَّرَهُ ثُمَّ مَاتَ الرَّاهِنُ الْمُدَبَّرُ فَإِنْ كان له وَفَاءٌ يَقْضِي صَاحِبَ الْحَقِّ حَقَّهُ منه عَتَقَ الْمُدَبَّرُ من الثُّلُثِ وَإِنْ لم يَكُنْ له ما يقضى حَقَّهُ منه ولم يَدَعْ مَالًا إلَّا الْمُدَبَّرَ بِيعَ من الْمُدَبَّرِ بِقَدْرِ الْحَقِّ فَإِنْ فَضَلَ منه فَضْلٌ عَتَقَ ثُلُثُ ما بَقِيَ من الْمُدَبَّرِ بَعْدَ قَضَاءِ صَاحِبِ الْحَقِّ حَقَّهُ وَإِنْ كان له ما يَقْضِي صَاحِبَ الْحَقِّ بَعْضَ حَقِّهِ قَضَيْته وَبِيعَ له من الْعَبْدِ الرَّهْنِ الْمُدَبَّرِ بِقَدْرِ ما يَبْقَى من دَيْنِهِ وَعَتَقَ ما يَبْقَى منه في الثُّلُثِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا عَبْدًا له قد أَعْتَقَهُ إلَى سَنَةٍ أو أَكْثَرَ من سَنَةٍ كان الرَّهْنُ مَفْسُوخًا لِلْعِتْقِ الذي فيه وَهَذَا في حَالِ الْمُدَبَّرِ أو أَكْثَرَ حَالًا منه لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ فيه بِحَالٍ وَلَوْ رَهَنَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ إلَى سَنَةٍ أو أَكْثَرَ من سَنَةٍ كان الْقَوْلُ فيه كَالْقَوْلِ في الْعَبْدِ يَرْهَنُهُ ثُمَّ يُدَبِّرُهُ وإذا رَهَنَهُ عَبْدًا اشْتَرَاهُ شِرَاءً فَاسِدًا فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لم يَمْلِكْ ما رَهَنَهُ وَلَوْ لم يَرْفَعْ الرَّاهِنُ الْحُكْمَ إلَى الْحَاكِمِ حتى يَمْلِكَ الْعَبْدَ بَعْدُ فَأَرَادَ إقْرَارَهُ على الرَّهْنِ الْأَوَّلِ لم يَكُنْ ذلك لَهُمَا حتى يُجَدِّدَا فيه رَهْنًا مُسْتَقْبَلًا بَعْدَ الْمِلْكِ الصَّحِيحِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا رَهَنَ رَجُلًا عَبْدًا لِرَجُلٍ غَائِبٍ حَيٍّ أو لِرَجُلٍ مَيِّتٍ وَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ ذلك أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى بِهِ لِلرَّاهِنِ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ لِأَنَّهُ رَهَنَهُ وَلَا يَمْلِكُهُ وَلَوْ قَبِلَهُ الرَّاهِنُ كان الرَّهْنُ مَفْسُوخًا لَا يَجُوزُ حتى يَرْهَنَهُ وهو يَمْلِكُهُ وَلَوْ لم تَقُمْ بَيِّنَةٌ وَادَّعَى الْمُرْتَهِنُ أَنَّ الرَّاهِنَ رَهَنَهُ إيَّاهُ وهو يَمْلِكُهُ كان رَهْنًا وَعَلَى الْمُرْتَهِنِ الْيَمِينُ ما رَهَنَهُ منه إلَّا وهو يَمْلِكُهُ فَإِنْ نَكَلَ عن الْيَمِينِ حَلَفَ الرَّاهِنُ ما رَهَنَهُ وهو يَمْلِكُهُ ثُمَّ كان الرَّهْنُ مَفْسُوخًا وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا عَصِيرًا حُلْوًا كان الرَّهْنُ جَائِزًا ما بَقِيَ عَصِيرًا بِحَالِهِ فَإِنْ حَالَ إلَى أَنْ يَكُونَ خَلًّا أو مُزًّا أو شيئا لَا يُسْكِرُ كَثِيرُهُ فَالرَّهْنُ بِحَالِهِ وَهَذَا كَعَبْدٍ رَهَنَهُ ثُمَّ دَخَلَهُ عَيْبٌ أو رَهَنَهُ مَعِيبًا فَذَهَبَ عنه الْعَيْبُ أو مَرِيضًا فَصَحَّ فَالرَّهْنُ بِحَالِهِ لَا يَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ حَالِهِ لِأَنَّ بَدَنَ الرَّهْنِ بِعَيْنِهِ وَإِنْ حَالَ إلَى أَنْ يَصِيرَ مُسْكِرًا لَا يَحِلُّ بَيْعُهُ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ لِأَنَّهُ حَالٌ إلَى أَنْ يَصِيرَ حَرَامًا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ كَهُوَ لو رَهَنَهُ عَبْدًا فَمَاتَ الْعَبْدُ وَلَوْ رَهَنَهُ عَصِيرًا فَصَبَّ فيه الرَّاهِنُ خَلًّا أو مِلْحًا أو مَاءً فَصَارَ خَلًّا كان رَهْنًا بِحَالِهِ وَلَوْ صَارَ خَمْرًا ثُمَّ صَبَّ فيه الرَّاهِنُ خَلًّا أو مِلْحًا أو مَاءً فَصَارَ خَلًّا خَرَجَ من الرَّهْنِ حين صَارَ خَمْرًا ولم يَحِلَّ لِمَالِكِهِ تملكه وَلَا تَحِلُّ الْخَمْرُ عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَبَدًا إذَا فَسَدَتْ بِعَمَلِ آدَمِيٍّ فَإِنْ صَارَ الْعَصِيرُ خَمْرًا ثُمَّ صَارَ خَلًّا من غَيْرِ صَنْعَةِ آدَمِيٍّ فَهُوَ رَهْنٌ بِحَالِهِ وَلَا أَحْسَبُهُ يَعُودُ خَمْرًا ثُمَّ يَعُودُ خَلًّا بِغَيْرِ صَنْعَةِ آدَمِيٍّ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ في الْأَصْلِ خَلًّا فَلَا يُنْظَرُ إلَى تَصَرُّفِهِ فِيمَا بين أَنْ كان عَصِيرًا إلَى أَنْ كان خَلًّا وَيَكُونُ إنقلابه عن الْحَلَاوَةِ وَالْحُمُوضَةِ مَنْزِلَةً انْقَلَبَ عنها كما انْقَلَبَ عن الْحَلَاوَةِ الْأُولَى إلَى غَيْرِهَا ثُمَّ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ مَصِيرِهِ إذَا كان بِغَيْرِ صَنْعَةِ آدَمِيٍّ وَلَوْ تَبَايَعَا الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ على أَنْ يَرْهَنَهُ عَصِيرًا بِعَيْنِهِ فَرَهَنَهُ إيَّاهُ وَقَبَضَهُ ثُمَّ صَارَ في يَدَيْهِ خَمْرًا خَرَجَ من أَنْ يَكُونَ رَهْنًا ولم يَكُنْ لِلْبَائِعِ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ لِفَسَادِ الرَّهْنِ كما لو رَهَنَهُ عَبْدًا فَمَاتَ لم يَكُنْ له أَنْ يَفْسَخَهُ بِمَوْتِ الْعَبْدِ وَلَوْ تَبَايَعَا على أَنْ يَرْهَنَهُ هذا الْعَصِيرَ فَرَهَنَهُ إيَّاهُ فإذا هو من سَاعَتِهِ خَمْرٌ كان له الْخِيَارُ لِأَنَّهُ لم يَتِمَّ له الرَّهْنُ وَلَوْ اخْتَلَفَا في الْعَصِيرِ فقال الرَّاهِنُ رَهَنْتُكَهُ عَصِيرًا ثُمَّ عَادَ في يَدَيْك خَمْرًا وقال الْمُرْتَهِنُ بَلْ رَهَنْتَنِيهِ خَمْرًا فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الرَّاهِنِ لِأَنَّ هذا يَحْدُثُ كما لو بَاعَهُ عَبْدًا فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فقال الْمُشْتَرِي بِعْتَنِيهِ وَبِهِ الْعَيْبُ وقال الْبَائِعُ حَدَثَ عِنْدَك كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ مع يَمِينِهِ وَمَنْ قال هذا الْقَوْلَ قال يُهْرَاقُ الْخَمْرُ وَلَا رَهْنَ له وَالْبَيْعُ لَازِمٌ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهُ لم يُقِرَّ له أَنَّهُ قَبَضَ منه شيئا يَحِلُّ إرتهانه بِحَالٍ لِأَنَّ الْخَمْرَ مُحَرَّمٌ بِكُلِّ حَالٍ وَلَيْسَ هذا كَالْعَيْبِ الذي يَحِلُّ مِلْكُ الْعَبْدِ وهو بِهِ وَالْمُرْتَهِنُ بِالْخِيَارِ في أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ ثَابِتًا بِلَا رَهْنٍ
____________________

(3/159)


أو يَفْسَخَ الْبَيْعَ وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الرَّهْنَ على أَنْ يَنْتَفِعَ الْمُرْتَهِنُ بِالرَّهْنِ إنْ كانت دَارًا سَكَنَهَا أو دَابَّةً رَكِبَهَا فَالشَّرْطُ في الرَّهْنِ بَاطِلٌ وَلَوْ كان اشْتَرَى منه على هذا فَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ في فَسْخِ الْبَيْعِ أو إقْرَارِهِ بِالرَّهْنِ وَلَا شَرْطَ له فيه وَلَا يَفْسُدُ هذا الرَّهْنُ إنْ شَاءَ الْمُرْتَهِنُ لِأَنَّهُ شَرَطَ زِيَادَةً مع الرَّهْنِ بَطَلَتْ لَا الرَّهْنُ ( قال الرَّبِيعُ ) وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ ان الْبَيْعَ إذَا كان على هذا الشَّرْطِ فَالْبَيْعُ مُنْتَقَضٌ بِكُلِّ حَالٍ وهو أَصَحُّهُمَا قال الشَّافِعِيُّ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَرْهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْأَمَةَ وَلَهَا وَلَدٌ صَغِيرٌ لِأَنَّ هذا ليس بِتَفْرِقَةٍ منه - * الرَّهْنُ الْفَاسِدُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَالرَّهْنُ الْفَاسِدُ أَنْ يَرْتَهِنَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ مُكَاتَبَهُ قبل أَنْ يَعْجِزَ وَلَوْ عَجَزَ لم يَكُنْ على الرَّهْنِ حتى يُجَدِّدَ له رَهْنًا يَقْبِضُهُ بَعْدَ عَجْزِهِ وَلَوْ ارْتَهَنَ منه أُمَّ وَلَدِهِ كان الرَّهْنُ فَاسِدًا في قَوْلِ من لَا يَبِيعُ أُمَّ الْوَلَدِ أو يَرْتَهِنُ من الرَّجُلِ ما لَا يَحِلُّ له بَيْعُهُ مِثْلَ الْخَمْرِ والميته وَالْخِنْزِيرِ أو يَرْتَهِنُ منه ما لَا يَمْلِكُ فيقول أَرْهَنُك هذه الدَّارَ التي أنا فيها سَاكِنٌ وَيُقْبِضُهُ إيَّاهَا أو هذا الْعَبْدَ الذي هو في يَدَيَّ عَارِيَّةً أو بِإِجَارَةٍ وَيُقْبِضُهُ إيَّاهُ على أَنِّي اشْتَرَيْته ثُمَّ يَشْتَرِيهِ فَلَا يَكُونُ رَهْنًا وَلَا يَكُونُ شَيْءٌ رَهْنًا حتى يَنْعَقِدَ الرَّهْنُ وَالْقَبْضُ فيه معا وَالرَّاهِنُ مَالِكٌ له يَجُوزُ بَيْعُهُ قبل الرَّهْنِ ومعه ( ( ( وبيعه ) ) ) وَلَوْ عَقَدَ الرَّهْنَ وهو لَا يَجُوزُ له رَهْنُهُ ثُمَّ أَقْبَضَهُ إيَّاهُ وهو يَجُوزُ رَهْنُهُ لم يَكُنْ رَهْنًا حتى يَجْتَمِعَ الْأَمْرَانِ مَعًا وَذَلِكَ مِثْلَ أَنْ يَرْهَنَهُ الدَّارَ وَهِيَ رَهْنٌ ثُمَّ يَنْفَسِخُ الرَّهْنُ فيها فَيُقْبِضُهُ إيَّاهَا وَهِيَ خَارِجَةٌ من الرَّهْنِ الْأَوَّلِ فَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ فيها حتى يَحْدُثَ له رَهْنًا يَقْبِضُهَا بِهِ وَهِيَ خَارِجَةٌ من أَنْ تَكُونَ رَهْنًا لِرَجُلٍ أو مِلْكًا لِغَيْرِ الرَّاهِنِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا ذِكْرَ حَقٍّ له على رَجُلٍ قبل ذلك الذي عليه ذِكْرُ الْحَقِّ أو لم يَقْبَلْهُ لِأَنَّ إذْكَارَ الْحُقُوقِ لَيْسَتْ بِعَيْنٍ قَائِمَةٍ لِلرَّاهِنِ فَيَرْهَنُهَا الْمُرْتَهِنُ وَإِنَّمَا هِيَ شَهَادَةٌ بِحَقٍّ في ذِمَّةِ الذي عليه الْحَقُّ فَالشَّهَادَةُ لَيْسَتْ مِلْكًا وَالذِّمَّةُ بِعَيْنِهَا لَيْسَتْ مِلْكًا فَلَا يَجُوزُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَجُوزَ الرَّهْنُ فيها في قَوْلِ من اجاز بَيْعَ الدَّيْنِ وَمَنْ لم يُجِزْهُ أَرَأَيْت إنْ قَضَى الذي عليه ذِكْرُ الْحَقِّ الْمَرْهُونَ صَاحِبَ الْحَقِّ حَقَّهُ أَمَا يَبْرَأُ من الدَّيْنِ فإذا بريء منه انْفَسَخَ رهن الْمُرْتَهِنُ لِلدَّيْنِ بِغَيْرِ فَسْخِهِ له وَلَا اقْتِضَائِهِ لِحَقِّهِ وَلَا إبْرَائِهِ منه وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَهْنٌ إلَى الرَّاهِنِ فَسْخُهُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمُرْتَهِنِ فَإِنْ قِيلَ فَيَتَحَوَّلُ رَهْنُهُ فِيمَا اقْتَضَى منه قِيلَ فَهُوَ إذَا رَهَنَهُ مَرَّةً كِتَابًا ومرة ( ( ( ومالا ) ) ) مالا وَالرَّهْنُ لَا يَجُوزُ إلَّا مَعْلُومًا وهو إذَا كان له مَالٌ غَائِبٌ فقال أَرْهَنُك مَالِي الْغَائِبَ لم يَجُزْ حتى يُقْبَضَ وَالْمَالُ كان غير مَقْبُوضٍ حين رَهَنَهُ إيَّاهُ وهو فَاسِدٌ من جَمِيعِ جِهَاتِهِ وَلَوْ أرتهن رَجُلٌ من رَجُلٍ عَبْدًا وَقَبَضَهُ ثُمَّ إنَّ الْمُرْتَهِنَ رَهَنَ رَجُلًا أَجْنَبِيًّا الْعَبْدَ الذي ارْتَهَنَ أو قال حَقِّي في الْعَبْدِ الذي ارْتَهَنْت لَك رَهْنٌ وَأَقْبَضَهُ إيَّاهُ لم يَجُزْ الرَّهْنُ فيه لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْعَبْدَ الذي ارْتَهَنَ وَإِنَّمَا له شَيْءٌ في ذِمَّةِ مَالِكِهِ جَعَلَ هذا الرَّهْنَ وَثِيقَةً منه إذَا أَدَّاهُ الْمَالِكُ انْفَسَخَ من عُنُقِ هذا أو رَأَيْت إنْ أَدَّى الرَّاهِنُ الْأَوَّلُ الْحَقَّ أو أَبْرَأَهُ منه الْمُرْتَهِنُ أَمَا يَنْفَسِخُ الرَّهْنُ ( قال ) فَإِنْ قال قَائِلٌ فَيَكُونُ الْحَقُّ الذي كان فيه رَهْنًا إذَا قَبَضَهُ مَكَانَهُ قِيلَ فَهَذَا إذًا مع أَنَّهُ رَهَنَ عَبْدًا لَا يَمْلِكُهُ رَهَنَ مَرَّةً في عَبْدٍ وَأُخْرَى في دَنَانِيرَ بِلَا رِضَا الْمُرْتَهِنِ الْآخَرِ أَرَأَيْت لو رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا عَبْدًا لِنَفْسِهِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَ الْمُرْتَهِنَ مَكَانَ الْعَبْدِ خَيْرًا منه وَأَكْثَرَ ثَمَنًا أَكَانَ ذلك له فَإِنْ قال ليس هذا له فإذا كان هذا هَكَذَا لم يَجُزْ أَنْ يَرْهَنَ عَبْدًا لِغَيْرِهِ وَإِنْ كان رَهْنًا له لِأَنَّهُ إذَا اقْتَضَاهُ ما فيه خَرَجَ من الرَّهْنِ وَإِنْ لم يُقْبِضْ مرتهنه ( ( ( ارتهنه ) ) ) ماله فيه وَإِنْ قال رَجُلٌ لِرَجُلٍ قد رَهَنْتُك أَوَّلَ عَبْدٍ لي يَطْلُعُ عَلَيَّ أو أي عَبْدٍ وَجَدْته في دَارِي فَطَلَعَ عليه عَبْدٌ له أو وَجَدَ عَبْدًا في داره ( ( ( دار ) ) ) فَأَقْبَضَهُ إيَّاهُ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ حتى يَنْعَقِدَ على شَيْءٍ بِعَيْنِهِ وَكَذَلِكَ ما خَرَجَ من صَدَفِي من اللُّؤْلُؤِ وَكَذَلِكَ ما خَرَجَ من حَائِطِي من الثَّمَرِ وهو لَا ثَمَرَ فيه فَالرَّهْنُ في هذا كُلِّهِ مَفْسُوخٌ حتى يُجَدِّدَ له رَهْنًا بعد ما يَكُونُ
____________________

(3/160)


عَيْنًا تُقْبَضُ وَلَوْ قال رَهَنْتُك أَيَّ دُورِي شِئْت أو أَيَّ عَبِيدِي شِئْت فَشَاءَ بَعْضَهُمْ وَأَقْبَضَهُ إياه ( ( ( إياها ) ) ) لم يَكُنْ رَهْنًا بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ حتى يُجَدِّدَ فيه رَهْنًا وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا سُكْنَى دَارٍ له مَعْرُوفَةٍ وَأَقْبَضَهُ إيَّاهَا لم يَكُنْ رَهْنًا لِأَنَّ السُّكْنَى لَيْسَتْ بِعَيْنٍ قَائِمَةٍ مُحْتَبَسَةٍ وَأَنَّهُ لو حَبَسَ الْمَسْكَنَ لم يَكُنْ فيه مَنْفَعَةٌ لِلْحَابِسِ وكان فيه ضَرَرٌ على الرَّهْنِ وَلَوْ قال رَهَنْتُك سُكْنَى مَنْزِلِي يَعْنِي يُكْرِيهِ وَيَأْخُذُ كِرَاءَهُ كان إنَّمَا رَهَنَهُ شيئا لَا يَعْرِفُهُ يَقِلُّ وَيَكْثُرُ وَيَكُونُ وَلَا يَكُونُ وَلَوْ قال أَرْهَنُك سُكْنَى مَنْزِلِي يَعْنِي يَسْكُنُهُ لم يَكُنْ هذا كِرَاءً جَائِزًا وَلَا رَهْنًا لِأَنَّ الرَّهْنَ ما لم يَنْتَفِعْ الْمُرْتَهِنُ منه إلَّا بِثَمَنِهِ فَإِنْ سَكَنَ على هذا الشَّرْطِ فَعَلَيْهِ كِرَاءُ مِثْلِ السُّكْنَى الذي سَكَنَ وَلَوْ كان لِرَجُلٍ عَبْدٌ فَرَهَنَهُ من رَجُلٍ ثُمَّ قال لِرَجُلٍ آخَرَ قد رَهَنْتُك من عَبْدِي الذي رَهَنْت فُلَانًا ما فَضَلَ عن حَقِّهِ وَرَضِيَ بِذَلِكَ الْمُرْتَهِنُ الْأَوَّلُ وسلم الْعَبْدُ فَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ الْآخَرُ أو لم يَرْضَ وقد قَبَضَ الْمُرْتَهِنُ الْآخَرُ الرَّهْنَ أو لم يَقْبِضْهُ فَالرَّهْنُ مُنْتَقَضٌ لِأَنَّهُ لم يَرْهَنْهُ ثُلُثًا وَلَا رُبُعًا وَلَا جُزْءًا مَعْلُومًا من عَبْدٍ وَإِنَّمَا رَهَنَهُ ما لَا يَدْرِي كَمْ هو من الْعَبْدِ وَلَا كَمْ هو من الثَّمَنِ وَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ على هذا وهو رَهْنٌ لِلْمُرْتَهِنِ الْأَوَّلِ وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا عَبْدًا بِمِائَةٍ ثُمَّ زَادَهُ مِائَةً وقال إجعل لي الْفَضْلَ عن الْمِائَةِ الْأُولَى رَهْنًا بِالْمِائَةِ الْآخِرَةِ فَفَعَلَ كان الْعَبْدُ مَرْهُونًا بِالْمِائَةِ الْأُولَى وَلَا يَكُونُ مَرْهُونًا بِالْمِائَةِ الْأُخْرَى وَهِيَ كَالْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا وَلَوْ أَقَرَّ الرَّاهِنُ أَنَّ الْعَبْدَ اُرْتُهِنَ بِالْمِائَتَيْنِ مَعًا في صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَادَّعَى ذلك الْمُرْتَهِنُ أو أَنَّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ ارْتَهَنَا الْعَبْدَ مَعًا بِحَقَّيْهِمَا وَسَمَّيَاهُ وَادَّعَيَا ذلك مَعًا أَجَزْت ذلك فإذا أَقَرَّ بِأَنَّهُ رَهَنَهُ رَهْنًا بَعْدَ رَهْنٍ لم يُقْبَلْ ولم يَجُزْ الرَّهْنُ قال وَلَوْ كانت لِرَجُلٍ على رَجُلٍ مِائَةٌ فَرَهَنَهُ بها دَارًا ثُمَّ سألة أَنْ يزيدة رَهْنًا فَزَادَهُ رَهْنًا غير الدَّارِ وَأَقْبَضَهُ إيَّاهُ فَالرَّهْنُ جَائِزٌ وَهَذَا كَرَجُلٍ كان له على رَجُلٍ حق ( ( ( حتى ) ) ) بِلَا رَهْنٍ ثُمَّ رَهَنَهُ بِهِ رَهْنًا وَأَقْبَضَهُ إيَّاهُ فَالرَّهْنُ جَائِزٌ وهو خِلَافُ الْمَسْأَلَتَيْنِ قَبْلَهَا وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا رَهَنَ رَجُلًا دَارًا بِأَلْفٍ فَأَقَرَّ الْمُرْتَهِنُ لِرَجُلٍ غَيْرِهِ أَنَّ هذا الدَّارَ رَهْنٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ بِأَلْفَيْنِ هذه الْأَلْفُ وَأَلْفٌ سِوَاهَا فَأَقَرَّ الرَّاهِنُ بِأَلْفٍ لِهَذَا الْمُدَّعِي الرَّهْنَ الْمُقَرَّ له الْمُرْتَهِنُ بِلَا رَهْنٍ وَأَنْكَرَ الرَّاهِنُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الرَّهْنِ وَالْأَلْفُ التي لم يُقِرَّ فيها بِالرَّهْنِ عليه بِلَا رَهْنٍ في هذا الرَّهْنِ وَالْأُولَى بِالرَّهْنِ الذي أَقَرَّ بِهِ وَلَوْ كان الْمُرْتَهِنُ أَقَرَّ أَنَّ هذه الدَّارَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ وَنَسَبَ ذلك إلَى أَنَّ الْأَلْفَ التي بإسمه بَيْنَهُ وَبَيْنَ الذي أَقَرَّ له لَزِمَهُ إقْرَارُهُ وَكَانَتْ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وهو كَرَجُلٍ له على رَجُلٍ حَقٌّ فَأَقَرَّ أَنَّ ذلك الْحَقَّ لِرَجُلٍ غَيْرِهِ فَذَلِكَ الْحَقُّ لِرَجُلٍ غَيْرِهِ على ما أَقَرَّ بِهِ وَلَوْ دَفَعَ رَجُلٌ إلَى رَجُلٍ حَقًّا فقال قد رَهَنْتُكَهُ بِمَا فيه وَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ وَرَضِيَ كان الرَّهْنُ بِمَا فيه إنْ كان فيه شَيْءٌ مُنْفَسِخًا من قِبَلِ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا يَدْرِي ما فيه أَرَأَيْت لو لم يَكُنْ فيه شَيْءٌ أو كان فيه شَيْءٌ لَا قِيمَةَ له فقال الْمُرْتَهِنُ قَبِلْته وأنا أَرَى أَنَّ فيه شيئا ذَا ثَمَنٍ أَلَمْ يَكُنْ ارْتَهَنَ ما لم يَعْلَمْ وَالرَّهْنُ لَا يَجُوزُ إلَّا مَعْلُومًا وَكَذَلِكَ جِرَابٌ بِمَا فيه وَخَرِيطَةٌ بِمَا فيها وَبَيْتٌ بِمَا فيه من الْمَتَاعِ وَلَوْ رَهَنَهُ في هذا كُلِّهِ الْحَقَّ دُونَ ما فيه أو قال الْحَقُّ ولم يُسَمِّ شيئا كان الْحَقُّ رَهْنًا وَكَذَلِكَ الْبَيْتُ دُونَ ما فيه وَكَذَلِكَ كُلُّ ما سُمِّيَ دُونَ ما فيه وكان الْمُرْتَهِنُ بِالْخِيَارِ في فَسْخِ الرَّهْنِ وَالْبَيْعِ إنْ كان عليه أو إرتهان الْحَقِّ دُونَ ما فيه وَهَذَا في أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْبَيْعَ إنْ كان عليه مَفْسُوخٌ بِكُلِّ حَالٍ فَأَمَّا الْخَرِيطَةُ فَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ فيها إلَّا بِأَنْ يَقُولَ دُونَ ما فيها لِأَنَّ الظَّاهِرَ من الْحَقِّ وَالْبَيْتِ أَنَّ لَهُمَا قِيمَةً وَالظَّاهِرُ من الْخَرِيطَةِ أَنْ لَا قِيمَةَ لها وَإِنَّمَا يُرَادُ بِالرَّهْنِ ما فيها قال وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ من رَجُلٍ نَخْلًا مُثْمِرًا ولم يُسَمِّ الثَّمَرَ فَالثَّمَرُ خَارِجٌ من الرَّهْنِ كان طَلْعًا أو بُسْرًا أو كَيْفَ كان فَإِنْ كان قد خَرَجَ طَلْعًا كان أو غَيْرَهُ فَاشْتَرَطَهُ الْمُرْتَهِنُ مع النَّخْلِ فَهُوَ جَائِزٌ وهو رَهْنٌ مع النَّخْلِ لِأَنَّهُ عَيْنٌ تُرَى وَكَذَلِكَ لو ارْتَهَنَ الثَّمَرَ بعد ما خَرَجَ ورؤى ( ( ( ورئي ) ) ) جَازَ الرَّهْنُ وَلَهُ تَرْكُهُ في نَخْلِهِ حتى يَبْلُغَ وَعَلَى الرَّاهِنِ سَقْيُهُ وَالْقِيَامُ بِمَا لَا بُدَّ له منه مِمَّا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِهِ وَيَصْلُحُ في شَجَرِهِ إلَّا بِهِ كما يَكُونُ عليه نَفَقَةُ عَبْدِهِ إذَا رَهَنَهُ وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا نَخْلًا لَا ثَمَرَةَ
____________________

(3/161)


فيها على ان ما خَرَجَ من ثَمَرِهَا رَهْنٌ أو مَاشِيَةٌ لَا نِتَاجَ مَعَهَا على أَنَّ ما نَتَجَتْ رَهْنٌ كان الرَّهْنُ في الثَّمَرَةِ وَالنِّتَاجِ فَاسِدًا لِأَنَّهُ ارْتَهَنَ شيئا مَعْلُومًا وَشَيْئًا مَجْهُولًا وَمَنْ أَجَازَ هذا في الثَّمَرَةِ لَزِمَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يُجِيزَ أَنْ يَرْهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ ما أَخْرَجَتْ نَخْلُهُ الْعَامَ وما نَتَجَتْ مَاشِيَتُهُ الْعَامَ وَلَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ أَرْهَنُك ما حَدَثَ لي من نَخْلٍ أو مَاشِيَةٍ أو ثَمَرَةِ نَخْلٍ أو أَوْلَادِ مَاشِيَةٍ وَكُلُّ هذا لَا يَجُوزُ فَإِنْ ارْتَهَنَهُ على هذا فَالرَّهْنُ فَاسِدٌ وَإِنْ اخذ من الثَّمَرَةِ شيئا فَهُوَ مَضْمُونٌ عليه حتى يَرُدَّ مثله وَكَذَلِكَ وَلَدُ الْمَاشِيَةِ أو قِيمَتُهُ إنْ لم يَكُنْ له مِثْلٌ وَلَا يَفْسُدُ الرَّهْنُ في النَّخْلِ وَالْمَاشِيَةِ التي هِيَ بِأَعْيَانِهَا بِفَسَادِ ما شُرِطَ مَعَهَا في قَوْلِ من أَجَازَ أَنْ يَرْهَنَهُ عَبْدَيْنِ فَيَجِدُ أَحَدَهُمَا حُرًّا أو عَبْدًا أو زِقَّ خَمْرٍ فَيُجِيزُ الْجَائِزَ وَيَرُدُّ الْمَرْدُودَ معه وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ أن الرَّهْنَ كُلَّهُ يَفْسُدُ في هذا كما يَفْسُدُ في الْبُيُوعِ لَا يَخْتَلِفُ فإذا جَمَعَتْ صَفْقَةُ الرَّهْنِ شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا جَائِزٌ وَالْآخَرُ غَيْرُ جَائِزٍ فَسَدَا مَعًا وَبِهِ أَخَذَ الرَّبِيعُ وقال هو أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ رَجُلًا كَلْبًا لم يَجُزْ لِأَنَّهُ لَا ثَمَنَ له وَكَذَلِكَ كُلُّ ما لَا يَحِلُّ بَيْعُهُ لَا يَجُوزُ رَهْنُهُ وَلَوْ رَهَنَهُ جُلُودَ ميته لم تُدْبَغْ لم يَجُزْ الرَّهْنُ وَلَوْ دُبِغَتْ بَعْدُ لم يَجُزْ فَإِنْ رَهَنَهُ إيَّاهَا بعد ما دُبِغَتْ جَازَ الرَّهْنُ لِأَنَّ بَيْعَهَا في تِلْكَ الْحَالِ يَحِلُّ وَلَوْ وَرِثَ رَجُلٌ مع وَرَثَةِ غَيْبٍ دَارًا فَرَهَنَ حَقَّهُ فيها لم يَجُزْ حتى يُسَمِّيَهُ نِصْفًا أو ثُلُثًا أو سَهْمًا من أَسْهُمٍ فإذا سَمَّى ذلك وَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنَ جَازَ وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ شيئا على أَنَّهُ إنْ لم يَأْتِ بِالْحَقِّ عِنْدَ مَحِلِّهِ فَالرَّهْنُ بَيْعٌ لِلْمُرْتَهِنِ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ وَالْمُرْتَهِنُ فيه اسوة الْغُرَمَاءِ وَلَا يَكُونُ بَيْعًا له بِمَا قال لِأَنَّ هذا لَا رَهْنٌ وَلَا بَيْعٌ كما يَجُوزُ الرَّهْنُ أو الْبَيْعُ وَلَوْ هَلَكَ في يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ قبل مَحِلِّ الْأَجَلِ لم يَضْمَنْهُ الْمُرْتَهِنُ وكان حَقُّهُ بِحَالِهِ كما لَا يَضْمَنُ الرَّهْنَ الصَّحِيحَ وَلَا الْفَاسِدَ وَإِنْ هَلَكَ بَعْدَ مَحِلِّ الْأَجَلِ في يَدَيْهِ ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ وَكَانَتْ قِيمَتُهُ حِصَصًا بين أَهْلِ الْحَقِّ لِأَنَّهُ في يَدَيْهِ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ وَلَوْ كان هذا الرَّهْنُ الذي فيه هذا الشَّرْطُ أَرْضًا فبني فيها قبل مَحِلِّ الْحَقِّ قَلَعَ بِنَاءَهُ منها لِأَنَّهُ بَنَى قبل أَنْ يَجْعَلَهُ بَيْعًا فَكَانَ بَانِيًا قبل أَنْ يُؤْذَنَ له بِالْبِنَاءِ فَلِذَلِكَ قَلَعَهُ وَلَوْ بَنَاهَا بَعْدَ مَحِلِّ الْحَقِّ فَالْبُقْعَةُ لِرَاهِنِهَا وَالْعِمَارَةُ لِلَّذِي عَمَّرَ مَتَى أَعْطَى صَاحِبُ الْبُقْعَةِ قِيمَةَ الْعِمَارَةِ قَائِمَةً أَخْرَجَهُ منها وَلَيْسَ له أَنْ يُخْرِجَهُ بِغَيْرِ قِيمَةِ الْعِمَارَةِ لِأَنَّ بِنَاءَهُ كان بِإِذْنِهِ على الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَلَا يَخْرُجُ من بِنَائِهِ بِإِذْنِ رَبِّ الْبُقْعَةِ إلَّا بِقِيمَتِهِ قَائِمًا وإذا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ الْمَتَاعَ ثُمَّ قال كُلُّ ما اشْتَرَيْت مِنْك أو اشْتَرَى مِنْك فُلَانٌ في يَوْمَيْنِ أو سَنَتَيْنِ أو أَكْثَرَ أو على الْأَبَدِ فَهَذَا الْمَتَاعُ مَرْهُونٌ بِهِ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ وَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ حتى يَكُونَ مَعْلُومًا بِحَقٍّ مَعْلُومٍ وَكَذَلِكَ لو دَفَعَهُ إلَيْهِ رَهْنًا بِعَشَرَةٍ عن نَفْسِهِ أو غَيْرِهِ ثُمَّ قال كُلُّ ما كان لَك عَلَيَّ من حَقٍّ فَهَذَا الْمَتَاعُ مَرْهُونٌ بِهِ مع الْعَشَرَةِ أو كُلُّ ما صَارَ لَك عَلَيَّ من حَقٍّ فَهَذَا مَرْهُونٌ لَك بِهِ كان رَهْنًا بِالْعَشَرَةِ الْمَعْلُومَةِ التي قَبَضَ عليها ولم يَكُنْ مَرْهُونًا بِمَا صَارَ له عليه وَعَلَى فُلَانٍ لِأَنَّهُ كان غير مَعْلُومٍ حين دَفَعَ الرَّهْنَ بِهِ فَإِنْ هَلَكَ الْمَتَاعُ في يَدَيْ الْمَدْفُوعِ في يَدَيْهِ قبل أَنْ يشترى منه شيئا أو يَكُونَ له على فُلَانٍ شَيْءٌ أو بَعْدُ فَهُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ عليه كما لَا يَضْمَنُ الرَّهْنَ الصَّحِيحَ وَلَا الْفَاسِدَ إذَا هَلَكَ وَلَوْ أَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ دَارًا رَهَنَهَا بِأَلْفٍ ثُمَّ ازْدَادَ منه أَلْفًا فَجَعَلَ الدَّارَ رَهْنًا بِأَلْفَيْنِ كانت الدَّارُ رَهْنًا بِالْأَلْفِ الْأُولَى ولم تَكُنْ رَهْنًا بِالْأَلْفِ الْآخِرَةِ وَإِنْ كان عليه دَيْنٌ بِيعَتْ الدَّارُ فبدى الْمُرْتَهِنُ بِالْأَلْفِ الْأُولَى من ثَمَنِ الدَّارِ وَحَاصَّ الْغُرَمَاءَ بِالْأَلْفِ الْآخِرَةِ في ثَمَنِ الدَّارِ وفي مَالٍ إنْ كان لِلْغَرِيمِ سِوَاهَا فإذا أَرَادَ أَنْ يَصِحَّ له أَنْ تَكُونَ الدَّارُ رَهْنًا بِأَلْفَيْنِ فَسَخَ الرَّهْنَ الْأَوَّلَ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ أَنْ تَكُونَ مَرْهُونَةً بِأَلْفَيْنِ وَلَوْ رَهَنَهُ إيَّاهَا بالف ثُمَّ تَقَارَّا على أنها رَهْنٌ بِأَلْفَيْنِ أَلْزَمَتْهُمَا إقْرَارَهُمَا لِأَنَّ الرَّهْنَ الْأَوَّلَ مَفْسُوخٌ وَتَجَدَّدَ فيها رَهْنٌ صَحِيحٌ بِأَلْفَيْنِ وإذا
____________________

(3/162)


كان الْإِقْرَارُ أَلْزَمْته صَاحِبَهُ قال وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ ما يَفْسُدُ من يَوْمِهِ أو غَدِهِ أو بَعْدَ يَوْمَيْنِ أو ثَلَاثَةٍ أو مُدَّةٍ قَصِيرَةٍ وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ يَابِسًا مِثْلَ الْبَقْلِ وَالْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ وَالْمَوْزِ وما أَشْبَهَهُ فَإِنْ كان الْحَقُّ حَالًّا فَلَا بَأْسَ بِارْتِهَانِهِ وَيُبَاعُ على الرَّاهِنِ وَإِنْ كان الرَّهْنُ إلَى أَجَلٍ يتباقى إلَيْهِ فَلَا يَفْسُدُ فَلَا بَأْسَ وَإِنْ كان إلَى أَجَلٍ يَفْسُدُ إلَيْهِ الرَّهْنُ كَرِهْتُهُ ولم أَفْسَخْهُ وَإِنَّمَا مَنَعَنِي من فَسْخِهِ أَنَّ لِلرَّاهِنِ بَيْعَهُ قبل مَحِلِّ الْحَقِّ على أَنْ يعطى صَاحِبَ الْحَقِّ حَقَّهُ بِلَا شَرْطٍ وَإِنَّ الرَّاهِنَ قد يَمُوتُ من سَاعَتِهِ فَيُبَاعُ فَإِنْ تَشَارَطَا في الرَّهْنِ أَنْ لَا يَبِيعَهُ إلَى أَنْ يَحِلَّ الْحَقُّ أو أَنَّ الرَّاهِنَ إنْ مَاتَ لم يَبِعْهُ إلَى يَوْمِ كَذَا وهو يَفْسُدُ إلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ وَلَوْ رَهَنَهُ ما يَصْلُحُ بَعْدَ مُدَّةٍ مِثْلَ اللَّحْمِ الرَّطْبِ يَيْبَسُ وَالرُّطَبُ يَيْبَسُ وما أَشْبَهَهُ كان الرَّهْنُ جَائِزًا لَا أَكْرَهُهُ بِحَالٍ ولم يَكُنْ لِلْمُرْتَهِنِ تَيْبِيسُهُ حتى يَأْذَنَ بِذَلِكَ الرَّاهِنُ فَإِنْ سَأَلَ الْمُرْتَهِنُ في الْمَسَائِلِ كُلِّهَا بَيْعَ الرَّهْنِ خَوْفَ فَسَادِهِ إذَا لم يَأْذَنْ لِلْمُرْتَهِنِ بِتَيْبِيسِ ما يَصْلُحُ لِلتَّيْبِيسِ منه لم يَكُنْ ذلك له إلَّا أَنْ يَأْذَنَ الرَّاهِنُ وَكَذَلِكَ كَرِهْت رَهْنَهُ وَإِنْ لم أَفْسَخْهُ - * زِيَادَةُ الرَّهْنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْجَارِيَةَ حُبْلَى فَوَلَدَتْ أو غير حُبْلَى فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتْ فَالْوَلَدُ خَارِجٌ من الرَّهْنِ لِأَنَّ الرَّهْنَ في رَقَبَةِ الْجَارِيَةِ دُونَ ما يَحْدُثُ منها وَهَكَذَا إذَا رَهَنَهُ الْمَاشِيَةَ مَخَاضًا فَنَتَجَتْ أو غير مَخَاضٍ فَمَخَضَتْ وَنَتَجَتْ فَالنِّتَاجُ خَارِجٌ من الرَّهْنِ وَكَذَلِكَ لو رَهَنَهُ شَاةً فيها لَبَنٌ فَاللَّبَنُ خَارِجٌ من الرَّهْنِ لِأَنَّ اللَّبَنَ غَيْرُ الشَّاةِ ( قال الرَّبِيعُ ) وقد قِيلَ اللَّبَنُ إذَا كان فيها حين رَهَنَهَا فَهُوَ رَهْنٌ مَعَهَا كما يَكُونُ إذَا بَاعَهَا كان اللَّبَنُ لِمُشْتَرِيهَا وَكَذَلِكَ نِتَاجُ الْمَاشِيَةِ إذَا كانت مَخَاضًا وَوَلَدُ الْجَارِيَةِ إذَا كانت حُبْلَى يوم يَرْهَنُهَا فما حَدَثَ بَعْدَ ذلك من اللَّبَنِ فَلَيْسَ بِرَهْنٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ رَهَنَهُ جَارِيَةً عليها حُلِيٌّ كان الْحُلِيُّ خَارِجًا من الرَّهْنِ وَهَكَذَا لو رَهَنَهُ نَخْلًا أو شَجَرًا فَأَثْمَرَتْ كانت الثَّمَرَةُ خَارِجَةً من الرَّهْنِ لِأَنَّهَا غَيْرُ الشَّجَرَةِ قال وَأَصْلُ مَعْرِفَةِ هذا أَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ حَقًّا في رَقَبَةِ الرَّهْنِ دُونَ غَيْرِهِ وما يَحْدُثُ منه مِمَّا قد يَتَمَيَّزُ منه غَيْرُهُ وَهَكَذَا لو رَهَنَهُ عَبْدًا فَاكْتَسَبَ الْعَبْدُ كان الْكَسْبُ خَارِجًا من الرَّهْنِ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْعَبْدِ وَالْوِلَادُ وَالنِّتَاجُ وَاللَّبَنُ وَكَسْبُ الرَّهْنِ كُلُّهُ لِلرَّاهِنِ ليس لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْبِسَ شيئا عنه وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَبْدًا فَدَفَعَهُ إلَيْهِ فَهُوَ على يَدَيْهِ رَهْنٌ وَلَا يُمْنَعُ سَيِّدُهُ من أَنْ يُؤَجِّرَهُ مِمَّنْ شَاءَ فَإِنْ شَاءَ الْمُرْتَهِنُ أَنْ يَحْضُرَ إجَارَتَهُ حَضَرَهَا وَإِنْ أَرَادَ سَيِّدُهُ أَنْ يَخْدُمَهُ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فإذا كان اللَّيْلُ أَوَى إلَى الذي هو على يَدَيْهِ وَإِنْ أَرَادَ سَيِّدُهُ إخْرَاجَهُ من الْبَلَدِ لم يَكُنْ له إخْرَاجُهُ إلَّا بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ وَهَكَذَا إنْ أَرَادَ الْمُرْتَهِنُ إخْرَاجَهُ من الْبَلَدِ لم يَكُنْ له إخْرَاجُهُ منه وإذا مَرِضَ الْعَبْدُ أُخِذَ الرَّاهِنُ بِنَفَقَتِهِ وإذا مَاتَ أُخِذَ بِكَفَنِهِ لِأَنَّهُ مَالِكُهُ دُونَ الْمُرْتَهِنِ وَأَكْرَهُ رَهْنَ الْأَمَةِ إلَّا أَنْ تُوضَعَ على يَدَيْ إمرأة ثِقَةٍ لِئَلَّا يُغِبَّ عليها رَجُلٌ غَيْرُ مَالِكِهَا وَلَا أَفْسَخُ رَهْنَهَا إنْ رَهَنَهَا فَإِنْ كان لِلرَّجُلِ الموضوعه على يَدَيْهِ أَهْلٌ أَقْرَرْتهَا عِنْدَهُمْ وَإِنْ لم يَكُنْ عِنْدَهُ نِسَاءٌ وَسَأَلَ الرَّاهِنُ أَنْ لَا يَخْلُوَ الذي هِيَ على يَدَيْهِ بها أَقْرَرْتهَا رَهْنًا وَمَنَعْت الرَّجُلَ غير سَيِّدِهَا الْمُغِبِّ عليها لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى أَنْ يَخْلُوَ الرَّجُلُ بإمرأة وَقُلْتُ تَرَاضَيَا بِامْرَأَةٍ تُغُيِّبَ عليها وَإِنْ أَرَادَ
____________________

(3/163)


سَيِّدُهَا أَخْذَهَا لِتَخْدُمَهُ لم يَكُنْ له ذلك لِئَلَّا يَخْلُوَ بها خَوْفَ أَنْ يُحْبِلَهَا فَإِنْ لم يُرِدْ ذلك الرَّاهِنُ فَيَتَوَاضَعَانِهَا على يَدَيْ إمرأة بِحَالٍ وَإِنْ لم يَفْعَلَا جُبِرَا على ذلك وَلَوْ شَرَطَ السَّيِّدُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ تَكُونَ على يَدَيْهِ أو يَدِ رَجُلٍ غَيْرِهِ وَلَا أَهْلَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُمَّ سَأَلَ إخْرَاجَهَا أَخْرَجْتهَا إلَى إمرأة ثِقَةٍ ولم أُجِزْ أَبَدًا أَنْ يَخْلُوَ بها رَجُلٌ غَيْرُ مَالِكِهَا وَعَلَى سَيِّدِ الْأَمَةِ نَفَقَتُهَا حَيَّةً وَكَفَنُهَا ميته وَهَكَذَا إنْ رَهَنَهُ دَابَّةً تُعْلَفُ فَعَلَيْهِ عَلَفُهَا وَتَأْوِي إلَى الْمُرْتَهِنِ أو إلَى الذي وُضِعَتْ على يَدَيْهِ وَلَا يُمْنَعُ مَالِكُ الدَّابَّةِ من كِرَائِهَا وَرُكُوبِهَا وإذا كان في الرَّهْنِ دَرٌّ وَمَرْكَبٌ فَلِلرَّاهِنِ حَلْبُ الرَّهْنِ وَرُكُوبِهِ ( أخبرنا ) سُفْيَانُ عن الْأَعْمَشِ عن أبي صَالِحٍ عن أبي هريره قال الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ وَمَحْلُوبٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) يُشْبِهُ قَوْلَ أبي هُرَيْرَةَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّ من رَهَنَ ذَاتَ دَرٍّ وَظَهْرٍ لم يُمْنَعْ الرَّاهِنُ دَرَّهَا وَظَهْرَهَا لِأَنَّ له رَقَبَتَهَا وَهِيَ محلوبه وَمَرْكُوبَةٌ كما كانت قبل الرَّهْنِ وَلَا يُمْنَعُ الرَّاهِنُ بِرَهْنِهِ إيَّاهَا من الدَّرِّ وَالظَّهْرِ الذي ليس هو الرَّهْنُ بِالرَّهْنِ الذي هو غَيْرُ الدَّرِّ وَالظَّهْرِ وَهَكَذَا إذَا رَهَنَهُ مَاشِيَةً رَاعِيَةً فَعَلَى رَبِّهَا رَعْيُهَا وَلَهُ حَلْبُهَا وَنِتَاجُهَا وَتَأْوِي إلَى الْمُرْتَهِنِ أو الْمَوْضُوعَةِ على يَدَيْهِ وإذا رَهَنَهُ مَاشِيَةً وهو في بَادِيَةٍ فَأَجْدَبَ مَوْضِعُهَا وَأَرَادَ الْمُرْتَهِنُ حَبْسَهَا فَلَيْسَ ذلك له وَيُقَالُ له إنْ رَضِيت أَنْ يَنْتَجِعَ بها رَبُّهَا وَإِلَّا جُبِرْت أَنْ تَضَعَهَا على يَدَيْ عَدْلٍ يَنْتَجِعُ بها إذَا طَلَبَ ذلك رَبُّهَا وإذا أَرَادَ رَبُّ الْمَاشِيَةِ النُّجْعَةَ من غَيْرِ جَدْبٍ وَالْمُرْتَهِنِ الْمُقَامَ قِيلَ لِرَبِّ الْمَاشِيَةِ ليس لَك إخْرَاجُهَا من الْبَلَدِ الذي رَهَنْتهَا بِهِ إلَّا من ضَرَرٍ عليها وَلَا ضَرَرَ عليها فَوَكِّلْ بِرِسْلِهَا من شِئْت وَإِنْ أَرَادَ الْمُرْتَهِنُ النُّجْعَةَ من غَيْرِ جَدْبٍ قِيلَ له ليس لَك تَحْوِيلُهَا من الْبَلَدِ الذي ارْتَهَنْتهَا بِهِ وَبِحَضْرَةِ مَالِكِهَا إلَّا من ضَرُورَةٍ فَتَرَاضَيَا من شِئْتُمَا مِمَّنْ يُقِيمُ في الدَّارِ ما كانت غير مُجْدِبَةٍ فَإِنْ لم يَفْعَلَا جُبِرَا على رَجُلٍ تَأْوِي إلَيْهِ وَإِنْ كانت الْأَرْضُ التي رَهَنَهَا بها غير مُجْدِبَةٍ وَغَيْرُهَا أَخْصَبُ منها لم يُجْبَرْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا على نَقْلِهَا منها فَإِنْ أَجْدَبَتْ فَاخْتَلَفَتْ نُجْعَتُهُمَا إلَى بَلَدَيْنِ مُشْتَبِهَيْنِ في الْخِصْبِ فَسَأَلَ رَبُّ الْمَاشِيَةِ أَنْ تَكُونَ معه وَسَأَلَ الْمُرْتَهِنُ أَنْ تَكُونَ معه قِيلَ إنْ اجْتَمَعْتُمَا مَعًا بِبَلَدٍ فَهِيَ مع الْمُرْتَهِنِ أو الْمَوْضُوعَةِ على يَدَيْهِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ دَارُكُمَا فَاخْتَلَفْتُمَا جُبِرْتُمَا على عَدْلٍ تَكُونُ على يَدَيْهِ في الْبَلَدِ الذي يَنْتَجِعُ إلَيْهِ رَبُّ الْمَاشِيَةِ لِيَنْتَفِعَ بِرِسْلِهَا وَأَيُّهُمَا دَعَا إلَى بَلَدٍ فيه عليها ضَرَرٌ لم يَجِبْ عليه الْحَقُّ الرَّاهِنُ في رِقَابِهَا وَرِسْلِهَا وَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ في رِقَابِهَا وإذا رَهَنَهُ مَاشِيَةً عليها صُوفٌ أو شَعْرٌ أو وَبَرٌ فَإِنْ أَرَادَ الرَّاهِنُ أَنْ يَجُزَّهُ فَذَلِكَ له لِأَنَّ صُوفَهَا وَشَعْرَهَا وَوَبَرَهَا غَيْرُهَا كَاللَّبَنِ وَالنِّتَاجِ وَسَوَاءٌ كان الدَّيْنُ حَالًّا أو لم يَكُنْ أو قام الْمُرْتَهِنُ بِبَيْعِهِ أو لم يَقُمْ كما يَكُونُ ذلك سَوَاءً في اللَّبَنِ ( قال الرَّبِيعُ ) وقد قِيلَ إنَّ صُوفَهَا إذَا كان عليها يوم رَهَنَهَا فَهُوَ رَهْنٌ مَعَهَا وَيُجَزُّ وَيَكُونُ مَعَهَا مَرْهُونًا لِئَلَّا يَخْتَلِطَ بِهِ ما يَحْدُثُ من الصُّوفِ لِأَنَّ ما يَحْدُثُ لِلرَّاهِنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا رَهَنَهُ دَابَّةً أو مَاشِيَةً فَأَرَادَ أَنْ ينزى عليها وَأَبَى ذلك الْمُرْتَهِنُ فَلَيْسَ ذلك لِلْمُرْتَهِنِ فَإِنْ كان رَهَنَهُ منها ذُكْرَانًا فَأَرَادَ أَنْ يُنْزِيَهَا فَلَهُ أَنْ يُنْزِيَهَا لِأَنَّ إنْزَاءَهَا من مَنْفَعَتِهَا وَلَا نَقَصَ فيه عليها وهو يَمْلِكُ مَنَافِعَهَا وإذا كان فيها ما يُرْكَبُ وَيُكْرَى لم يُمْنَعْ أَنْ يُكْرِيَهُ وَيَعْلِفَهُ وإذا رَهَنَهُ عَبْدًا فَأَرَادَ الرَّاهِنُ أَنْ يُزَوِّجَهُ أو أَمَةً فَأَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَهَا فَلَيْسَ ذلك له لِأَنَّ ثَمَنَ الْعَبْدِ أو الْأَمَةِ يَنْتَقِصُ بِالتَّزْوِيجِ وَيَكُونُ مَفْسَدَةً لها بَيِّنَةٌ وَعُهْدَةٌ فيها وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ وَلَوْ رَهَنَهُ عَبْدًا أو أَمَةً صَغِيرَيْنِ لم يُمْنَعْ أَنْ يُعَذِّرَهُمَا لِأَنَّ ذلك سُنَّةٌ فِيهِمَا وهو صَلَاحُهُمَا وَزِيَادَةٌ في أَثْمَانِهِمَا وَكَذَلِكَ لو عَرَضَ لَهُمَا ما يَحْتَاجَانِ فيه إلَى فَتْحِ الْعُرُوقِ وَشُرْبِ الدَّوَاءِ أو عَرَضَ لِلدَّوَابِّ ما تَحْتَاجُ بِهِ إلَى عِلَاجِ الْبَيَاطِرَةِ من تَوْدِيجٍ وَتَبْزِيغٍ وَتَعْرِيبٍ وما أَشْبَهَهُ لم يَمْنَعْهُ وَإِنْ امْتَنَعَ الرَّاهِنُ أَنْ يُعَالِجَهَا بِدَوَاءٍ أو غَيْرِهِ لم يُجْبَرْ عليه فَإِنْ قال الْمُرْتَهِنُ أنا أُعَالِجُهَا وَأَحْسِبُهُ على الرَّاهِنِ فَلَيْسَ ذلك له وَهَكَذَا إنْ كانت مَاشِيَةً فَجَرِبَتْ لم يَكُنْ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَمْنَعَ الرَّاهِنَ من عِلَاجِهَا ولم يُجْبَرْ الرَّاهِنُ على عِلَاجِهَا وما كان من عِلَاجِهَا يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ مِثْلَ أَنْ يُمَلِّحَهَا أو يَدْهُنَهَا في غَيْرِ الْحَرِّ بِالزَّيْتِ أو يَمْسَحَهَا بِالْقَطْرَانِ مَسْحًا خَفِيفًا أو يَسْعَطَ الْجَارِيَةَ
____________________

(3/164)


أو الْغُلَامَ أو يَمْرَخَ قَدَمَيْهِ أو يُطْعِمَهُ سَوِيقًا قِفَارًا أو ما أَشْبَهَ هذا فَتَطَوَّعَ الْمُرْتَهِنُ بِعِلَاجِهَا بِهِ لم يُمْنَعْ منه ولم يَرْجِعْ على الرَّاهِنِ بِهِ وما كان من عِلَاجِهَا يَنْفَعُ أو يَضُرُّ مِثْلَ فَتْحِ الْعُرُوقِ وَشُرْبِ الْأَدْوِيَةِ الْكِبَارِ التي قد تَقْتُلُ فَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ عِلَاجُ الْعَبْدِ وَلَا الدَّابَّةِ وَإِنْ فَعَلَ وَعَطِبَتْ ضَمِنَ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ السَّيِّدُ له بِهِ وإذا كان الرَّهْنُ أَرْضًا لم يُمْنَعْ الرَّاهِنُ من أَنْ يَزْرَعَهَا الزَّرْعَ الذي يُقْلَعُ قبل مَحِلِّ الْحَقِّ أو معه وَفِيمَا لَا يَنْبُتُ من الزَّرْعِ قبل مَحِلِّ الْحَقِّ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُمْنَعَ الرَّاهِنُ في قَوْلِ من لَا يُجِيزُ بَيْعَ الْأَرْضِ منزرعه ( ( ( منزوعة ) ) ) دُونَ الزَّرْعِ من زَرْعِهَا ما يَنْبُتُ فيها بَعْدَ مَحِلِّ الْحَقِّ وإذا تَعَدَّى فَزَرَعَهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ ما يَنْبُتُ فيها بَعْدَ مَحِلِّ الْحَقِّ لم يُقْلَعْ زَرْعُهُ حتى يَأْتِيَ مَحِلُّ الْحَقِّ فَإِنْ قَضَاهُ تَرَكَ زَرْعَهُ وَإِنْ بِيعَتْ الْأَرْضُ مزروعه فَبَلَغَتْ وَفَاءَ حَقِّهِ لم يَكُنْ له قَلْعُ زَرْعِهِ وَإِنْ لم تَبْلُغْ وَفَاءَ حَقِّهِ إلَّا بِأَنْ يُقْلَعَ الزَّرْعُ أَمَرَ بِقَلْعِهِ إلَّا أَنْ يَجِدَ من يَشْتَرِيهَا منه بِحَقِّهِ على أَنْ يَقْلَعَ الزَّرْعَ ثُمَّ يَدَعَهُ إنْ شَاءَ مُتَطَوِّعًا وَهَذَا في قَوْلِ من أَجَازَ بَيْعَ الْأَرْضِ مزروعه وَالْقَوْلُ الثَّانِي لَا يُمْنَعُ من زَرْعِهَا بِحَالٍ وَيُمْنَعُ من غِرَاسِهَا وَبِنَائِهَا إلَّا أَنْ يَقُولَ أنا أَقْلَعُ ما أَحْدَثْت إذَا جاء الْأَجَلُ فَلَا يَمْنَعُهُ وإذا رَهَنَهُ الْأَرْضَ فَأَرَادَ أَنْ يُحْدِثَ فيها عَيْنًا أو بِئْرًا فَإِنْ كانت الْعَيْنُ أو الْبِئْرُ تَزِيدُ فيها أو لَا تَنْقُصُ ثَمَنَهَا لم يَمْنَعْ ذلك وَإِنْ كانت تَنْقُصُ ثَمَنَهَا وَلَا يَكُونُ فِيمَا يَبْقَى منها عِوَضٌ من نَقْصِ مَوْضِعِ الْبِئْرِ أو الْعَيْنِ بِأَنْ يَصِيرَ إذَا كَانَا فيه أَقَلَّ ثَمَنًا منه قبل يَكُونَانِ فيه مَنَعَهُ وَإِنْ تَعَدَّى بِعَمَلِهِ فَهُوَ كما قُلْت في الزَّرْعِ لَا يَدْفِنُ عليه حتى يَحِلَّ الْحَقُّ ثُمَّ يَكُونُ الْقَوْلُ فيه الْقَوْلَ في الزَّرْعِ وَالْغِرَاسِ وَهَكَذَا كُلَّمَا أَرَادَ أَنْ يُحْدِثَ في الْأَرْضِ الْمَرْهُونَةِ إنْ كان لَا يَنْقُصُهَا لم يَمْنَعْهُ وَإِنْ كان يَنْقُصُهَا مَنَعَهُ ما يَبْقَى وَلَا يَكُونُ ما أَحْدَثَ فيها دَاخِلًا في الرَّهْنِ إلَّا أَنْ يُدْخِلَهُ الرَّاهِنُ فَكَانَ إذَا أَدْخَلَهُ لم يَنْقُصْ الرَّهْنُ لم يَمْنَعْهُ وَإِنْ كان يَنْقُصُهُ مَنَعَهُ وإذا رَهَنَهُ نَخْلًا لم يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْبُرَهَا وَيَصْرِمَهَا يَعْنِي يَقْطَعُ جَرِيدَهَا وَكَرَانِيفَهَا وَكُلَّ شَيْءٍ أنتفع بِهِ منها لَا يَقْتُلُ النَّخْلَ وَلَا يُنْقِصُ ثَمَنَهُ نَقْصًا بَيِّنًا وَيَمْنَعُ ما قَتَلَ النَّخْلَ وَأَضَرَّ بِهِ من ذلك وَإِنْ رَهَنَهُ نَخْلًا في الشِّرْبَةِ منه نَخَلَاتٌ فَأَرَادَ تَحْوِيلَهُنَّ إلَى مَوْضِعٍ غَيْرِهِ وَامْتَنَعَ الْمُرْتَهِنُ سُئِلَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالنَّخْلِ فَإِنْ زَعَمُوا أَنَّ الْأَكْثَرَ لِثَمَنِ الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ أَنْ يُتْرَكْنَ لم يَكُنْ له تَحْوِيلُهُنَّ وَإِنْ زَعَمُوا أَنَّ الْأَكْثَرَ لثمن ( ( ( بثمن ) ) ) الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ أَنْ يُحَوَّلَ بَعْضُهُنَّ وَلَوْ تُرِكَ مَاتَ لِأَنَّهُنَّ إذَا كان بَعْضُهُنَّ مع بَعْضٍ قَتْلَهُ أو مَنْعَ مَنْفَعَتِهِ حَوَّلَ من الشِّرْبَةِ حتى يَبْقَى فيها ما لَا يَضُرُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَإِنْ زَعَمُوا أَنْ لو حُوِّلَ كُلُّهُ كان خَيْرًا لِلْأَرْضِ في الْعَاقِبَةِ وَأَنَّهُ قد لَا يَثْبُتُ لم يَكُنْ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يُحَوِّلَهُ كُلَّهُ لِأَنَّهُ قد لَا يَثْبُتُ وَإِنَّمَا له أَنْ يُحَوِّلَ منه ما لَا نَقْصَ في تَحْوِيلِهِ على الْأَرْضِ لو هَلَكَ كُلُّهُ وَهَكَذَا لو أَرَادَ أَنْ يُحَوِّلَ مَسَاقِيَهُ فَإِنْ لم يَكُنْ في ذلك نَقْصُ النَّخْلِ أو الْأَرْضِ تُرِكَ وَإِنْ كان فيه نَقْصُ الْأَرْضِ أو النَّخْلِ أو هُمَا لم يُتْرَكْ فَإِنْ كانت في الشِّرْبَةِ نَخَلَاتٌ فَقِيلَ الْأَكْثَرُ لِثَمَنِ الْأَرْضِ أَنْ يُقْطَعَ بَعْضُهُنَّ تُرِكَ الرَّاهِنُ وَقَطْعُهُ وكان جَمِيعُ النَّخْلَةِ الْمَقْطُوعَةِ جِذْعُهَا وَجِمَارُهَا رَهْنًا بِحَالِهِ وَكَذَلِكَ قُلُوبُهَا وما كان من جَرِيدِهَا لو كانت قَائِمَةً لم يَكُنْ لِرَبِّ النَّخْلَةِ قَطْعُهَا وكان ما سِوَى ذلك من ثَمَرِهَا وَجَرِيدِهَا الذي لو كانت قَائِمَةً كان لِرَبِّ النَّخْلَةِ نَزْعُهُ من كَرَانِيفَ وَلِيفٍ لِرَبِّ النَّخْلَةِ خَارِجًا من الرَّهْنِ وإذا قَلَعَ منها شيئا فَثَبَّتَهُ في الْأَرْضِ التي هِيَ رَهْنٌ فَهُوَ رَهْنٌ فيها لِأَنَّ الرَّهْنَ وَقَعَ عليه وإذا أَخْرَجَهُ إلَى أَرْضٍ غَيْرِهَا لم يَكُنْ ذلك له إنْ كان له ثَمَنٌ وكان عليه أَنْ يَبِيعَهُ فَيَجْعَلُ ثَمَنَهُ رَهْنًا أو يَدَعَهُ بِحَالِهِ وَلَوْ قال الْمُرْتَهِنُ في هذا كُلِّهِ لِلرَّاهِنِ اقلع الضَّرَرَ من نَخْلِك لم يَكُنْ ذلك عليه لِأَنَّ حَقَّ الرَّاهِنِ بِالْمِلْكِ أَكْثَرُ من حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِالرَّهْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا رَهَنَهُ أَرْضًا لَا نَخْلَ فيها فَأَخْرَجَتْ نَخْلًا فَالنَّخْلُ خَارِجٌ من الرَّهْنِ وَكَذَلِكَ ما نَبَتَ فيها وَلَوْ قال الْمُرْتَهِنُ له اقْلَعْ النَّخْلَ وما خَرَجَ قِيلَ إنْ أَدْخَلَهُ في الرَّهْنِ مُتَطَوِّعًا لم يَكُنْ عليه قَلْعُهَا بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّهَا تَزِيدُ الْأَرْضَ خَيْرًا فَإِنْ قال لَا أُدْخِلُهَا في الرَّهْنِ لم يَكُنْ عليه قَلْعُهَا حتى يَحِلَّ الْحَقُّ فَإِنْ بَلَغَتْ الْأَرْضُ دُونَ النَّخْلِ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ لم يَقْلَعْ النَّخْلَ وَإِنْ لم
____________________

(3/165)


تَبْلُغْهُ قِيلَ لِرَبِّ النَّخْلِ إمَّا أَنْ تُوَفِّيَهُ حَقَّهُ بِمَا شِئْت من أَنْ تُدْخِلَ مَعِي الْأَرْضَ النَّخْلَ أو بَعْضَهُ وَإِمَّا أن تَقْلَعَ عنه النَّخْلَ وَإِنْ فَلَّسَ بِدُيُونِ الناس وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا بِيعَتْ الْأَرْضُ بِالنَّخْلِ ثُمَّ قَسَمَ الثَّمَنَ على أَرْضٍ بَيْضَاءَ بِلَا نَخْلٍ وَعَلَى ما بَلَغَتْ قِيمَةُ الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ فَأَعْطَى مُرْتَهِنَ الْأَرْضِ ما أَصَابَ الْأَرْضَ وَلِلْغُرَمَاءِ ما أَصَابَ النَّخْلَ وَهَكَذَا لو كان هو غَرَسَ النَّخْلَ أو أَحْدَثَ بِنَاءً في الْأَرْضِ وَهَكَذَا جَمِيعُ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ وَالزَّرْعِ وَلَوْ رَهَنَهُ أَرْضًا وَنَخْلًا ثُمَّ اخْتَلَفَا فقال الرَّاهِنُ قد نَبَتَ في هذه الْأَرْضِ نَخْلٌ لم أَكُنْ رَهَنْتُكَهُ وقال الْمُرْتَهِنُ ما نَبَتَ فيه إلَّا ما كان في الرَّهْنِ أُرِيهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِهِ فَإِنْ قالوا قد يَنْبُتُ مِثْلُ هذا النَّخْلِ بَعْدَ الرَّهْنِ كان الْقَوْلُ قَوْلَ الرَّاهِنِ مع يَمِينِهِ وما نَبَتَ خَارِجٌ من الرَّهْنِ وَلَا يُنْزَعُ حتى يَحِلَّ الْحَقُّ ثُمَّ يَكُونُ الْقَوْلُ فيه كما وَصَفْت فَإِنْ قالوا لَا يَنْبُتُ مِثْلُ هذا في هذا الْوَقْتِ لم يُصَدَّقْ وكان دَاخِلًا في الرَّهْنِ لَا يُصَدَّقُ إلَّا على ما يَكُونُ مِثْلُهُ وإذا ادَّعَى أَنَّهُ غِرَاسٌ لَا بِوَاسِطَةِ مَنْبَتٍ سُئِلُوا أَيْضًا فَإِنْ كان يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ من الْغِرَاسِ ما قال فَهُوَ خَارِجٌ من الرَّهْنِ وَإِنْ لم يَكُنْ يُمْكِنُ فَهُوَ دَاخِلٌ في الرَّهْنِ وَلَوْ كان ما اخْتَلَفَا فيه بُنْيَانًا فَإِنْ كانت جَاءَتْ عليه مُدَّةٌ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ يُبْنَى في مِثْلِهَا بِحَالٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ وَإِنْ كانت لم تَأْتِ عليه مُدَّةٌ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ يبنى في مِثْلِهَا بِحَالٍ فَالْبِنَاءُ دَاخِلٌ في الرَّهْنِ وَإِنْ كانت جَاءَتْ عليه مُدَّةٌ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْبِنَاءِ فيها وَبَعْضٌ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فيها كان الْبِنَاءُ الذي لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فيها دَاخِلًا في الرَّهْنِ وَالْبِنَاءُ الذي يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فيها خَارِجًا من الرَّهْنِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ جِدَارٌ طُولُهُ عَشْرَةُ أَذْرُعٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَسَاسَهُ وَقَدْرُ ذِرَاعٍ منه كان قبل الرَّهْنِ وما فَوْقَ ذلك يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الرَّهْنِ وإذا رَهَنَهُ شَجَرًا صِغَارًا فَكَبِرَ فَهُوَ رَهْنٌ بِحَالِهِ لِأَنَّهُ رَهَنَهُ بِعَيْنِهِ وَكَذَلِكَ لو رَهَنَهُ ثَمَرًا صِغَارًا فَبَلَغَ كان رَهْنًا بِحَالِهِ وإذا رَهَنَهُ أَرْضًا وَنَخْلًا فَانْقَطَعَتْ عَيْنُهَا أو انْهَدَمَتْ وَدُثِّرَ مَشْرَبُهَا لم يُجْبَرْ الرَّاهِنُ أَنْ يُصْلِحَ من ذلك شيئا ولم يَكُنْ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُصْلِحَهُ على أَنْ يَرْجِعَ بِهِ على الرَّاهِنِ كان الرَّاهِنُ غَائِبًا أو حَاضِرًا وَإِنْ أَصْلَحَهُ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ بِإِصْلَاحِهِ وَإِنْ أَرَادَ إصْلَاحَهُ بِشَيْءٍ يَكُونُ صَلَاحًا مَرَّةً وَفَسَادًا أُخْرَى فَلَيْسَ له أَنْ يُصْلِحَ بِهِ وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ إنْ فَسَدَ بِهِ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِمَا صَنَعَ منه وإذا رَهَنَهُ عَبْدًا أو أَمَةً فَغَابَ الرَّاهِنُ أو مَرِضَ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِمَا فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ وَلَا تَكُونُ له النَّفَقَةُ حتى يَقْضِيَ بها الْحَاكِمُ على الْغَائِبِ وَيَجْعَلَهَا دَيْنًا عليه لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ تُمَاتَ ذَوَاتُ الْأَرْوَاحِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا حَرَجَ في إمَاتَةِ ما لَا رُوحَ فيه من أَرْضٍ وَنَبَاتٍ وَالدَّوَابُّ ذَوَاتُ الْأَرْوَاحِ كُلُّهَا كَالْعَبِيدِ إذَا كانت مِمَّا تُعْلَفُ فَإِنْ كانت سَوَائِمَ رُعِيَتْ ولم يُؤْمَرْ بِعَلْفِهَا لِأَنَّ السَّوَائِمَ هَكَذَا تُتَّخَذُ وَلَوْ تَسَاوَكَتْ هَزْلًا وكان الْحَقُّ حَالًّا فَلِلْمُرْتَهِنِ أَخْذُ الرَّاهِنِ بِبَيْعِهَا وَإِنْ كان الْحَقُّ إلَى أَجَلٍ فقال الْمُرْتَهِنُ مُرُوا الرَّاهِنَ بِذَبْحِهَا فَيَبِيعُ لُحُومَهَا وَجُلُودَهَا لم يَكُنْ ذلك على الرَّاهِنِ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل قد يُحْدِثُ لها الْغَيْثَ فَيَحْسُنُ حَالُهَا بِهِ وَلَوْ أَصَابَهَا مَرَضٌ جَرَبٌ أو غَيْرُهُ لم يُكَلَّفْ عِلَاجَهَا لِأَنَّ ذلك قد يَذْهَبُ بِغَيْرِ الْعِلَاجِ وَلَوْ أَجْدَبَ مَكَانُهَا حتى تَبَيَّنَ ضررة عليها كُلِّفَ رَبُّهَا النُّجْعَةَ بها إذَا كانت النُّجْعَةُ مَوْجُودَةً لِأَنَّهَا إنَّمَا تُتَّخَذُ على النُّجْعَةِ وَلَوْ كان بِمَكَانِهَا عُصُمٌ من عِضَاهِ تَمَاسَكَ بها وَإِنْ كانت النُّجْعَةُ خَيْرًا لها لم يُكَلَّفْ صَاحِبُهَا النُّجْعَةَ بها لِأَنَّهَا لَا تَهْلِكُ على الْعُصُمِ وَلَوْ كانت الْمَاشِيَةُ أَوَارِكَ أو خَمِيصَةً أو غَوَادِيَ فَاسْتُؤْنِيَتْ مَكَانَهَا فَسَأَلَ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ أَنْ يَنْتَجِعَ بها إلَى مَوْضِعٍ غَيْرِهِ لم يَكُنْ ذلك له على الرَّاهِنِ لِأَنَّ الْمَرَضَ قد يَكُونُ من غَيْرِ الْمَرْعَى فإذا كان الرَّعْيُ مَوْجُودًا لم يَكُنْ عليه إبْدَالُهَا غَيْرَهُ وَكَذَلِكَ الْمَاءُ وَإِنْ كان غير مَوْجُودٍ كُلِّفَ النُّجْعَةَ إذَا قَدَرَ عليها إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بِأَنْ يَعْلِفَهَا فإذا ارْتَهَنَ الرَّجُلُ الْعَبْدَ وَشَرَطَ مَالَهُ رَهْنًا كان الْعَبْدُ رَهْنًا وما قَبَضَ من مَالِهِ رَهْنٌ وما لم يَقْبِضْ خَارِجٌ من الرَّهْنِ
____________________

(3/166)


- * ضَمَانُ الرَّهْنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا بن أبي فُدَيْكٍ عن بن أبي ذِئْبٍ عن بن شِهَابٍ عن بن الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا يَغْلُقُ الرَّهْنُ الرَّهْنَ من صَاحِبِهِ الذي رَهَنَهُ له غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا الثِّقَةُ عن يحيى بن أبي أُنَيْسَةَ عن بن شِهَابٍ عن بن الْمُسَيِّبِ عن أبي هُرَيْرَةَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مثله أو مِثْلَ مَعْنَاهُ لَا يُخَالِفُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا نَأْخُذُ وَفِيهِ دَلِيلٌ على أَنَّ جَمِيعَ ما كان رَهْنًا غَيْرُ مَضْمُونٍ على الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذْ قال الرَّهْنُ من صَاحِبِهِ الذي رَهَنَهُ فَمَنْ كان منه شَيْءٌ فَضَمَانُهُ منه لَا من غَيْرِهِ ثُمَّ زَادَ فَأَكَّدَ له فقال له غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ وَغُنْمُهُ سَلَامَتُهُ وَزِيَادَتُهُ وَغُرْمُهُ عَطَبُهُ وَنَقْصُهُ فَلَا يَجُوزُ فيه إلَّا أَنْ يَكُونَ ضمانه من مَالِكِهِ لَا من مُرْتَهِنِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لو ارْتَهَنَ من رَجُلٍ خَاتَمًا بِدِرْهَمٍ يَسْوَى دِرْهَمًا فَهَلَكَ الْخَاتَمُ فَمَنْ قال يَذْهَبُ دِرْهَمُ الْمُرْتَهِنِ بِالْخَاتَمِ كان قد زَعَمَ أَنَّ غُرْمَهُ على الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّ دِرْهَمَهُ ذَهَبَ بِهِ وكان الرَّاهِنُ بَرِيئًا من غُرْمِهِ لِأَنَّهُ قد أَخَذَ ثَمَنَهُ من الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ لم يَغْرَمْ له شيئا وَأَحَالَ ما جاء عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَقَوْلُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ لَا يَغْلُقُ الرَّهْنُ لَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُرْتَهِنُ بِأَنْ يَدَعَ الرَّاهِنُ قَضَاءَ حَقِّهِ عِنْدَ مَحِلِّهِ وَلَا يَسْتَحِقُّ مُرْتَهِنُهُ خِدْمَتَهُ وَلَا مَنْفَعَةً فيه بإرتهانه إيَّاهُ وَمَنْفَعَتُهُ لِرَاهِنِهِ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال هو من صَاحِبِهِ الذي رَهَنَهُ وَمَنَافِعُهُ من غُنْمِهِ وإذا لم يَخُصَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال هو من صَاحِبِهِ الذي رَهَنَهُ وَمَنَافِعُهُ من غُنْمِهِ وإذا لم يَخُصَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَهْنًا دُونَ رَهْنٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ من الرَّهْنِ مَضْمُونٌ وَمِنْهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ لَا تَعْدُو أَنْ تَكُونَ أَمَانَةً أو في حُكْمِهَا فما ظَهَرَ هَلَاكُهُ وَخَفِيَ من الآمانة سَوَاءٌ أو مضمونه فما ظَهَرَ هَلَاكُهُ وَخَفِيَ من الْمَضْمُونِ سَوَاءٌ وَلَوْ لم يَكُنْ في الرَّهْنِ خَبَرٌ يُتْبَعُ ما جَازَ في الْقِيَاسِ إلَّا أَنْ يَكُونَ غير مَضْمُونٍ لِأَنَّ صَاحِبَهُ دَفَعَهُ غير مَغْلُوبٍ عليه وَسَلَّطَ الْمُرْتَهِنَ على حَبْسِهِ ولم يَكُنْ له إخْرَاجُهُ من يَدَيْهِ حتى يُوَفِّيَهُ حَقَّهُ فيه فَلَا وَجْهَ لَأَنْ يَضْمَنَ من قِبَلِ أَنَّهُ إنَّمَا يَضْمَنُ ما تَعَدَّى الْحَابِسُ بِحَبْسِهِ من غَصْبٍ أو بَيْعٍ عليه تَسْلِيمُهُ فَلَا يُسَلِّمُهُ أو عَارِيَّةٍ مَلَكَ الإنتفاع بها دُونَ مَالِكِهَا فَيَضْمَنُهَا كما يَضْمَنُ السَّلَفَ وَالرَّهْنَ ليس في شَيْءٍ من هذه الْمَعَانِي فإذا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ شيئا فَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ فَهَلَكَ الرَّهْنُ في يَدَيْ الْقَابِضِ فَلَا ضَمَانَ عليه وَالْحَقُّ ثَابِتٌ كما كان قبل الرَّهْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) لَا يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ وَلَا الْمَوْضُوعُ على يَدَيْهِ الرَّهْنُ من الرَّهْنِ شيئا إلَّا فِيمَا يَضْمَنَانِ فيه الْوَدِيعَةَ وَالْأَمَانَاتِ من التعدى فَإِنْ تَعَدَّيَا فيه فَهُمَا ضَامِنَانِ وما لم يَتَعَدَّيَا فَالرَّهْنُ بِمَنْزِلَةِ الْأَمَانَةِ فإذا دَفَعَ الرَّاهِنُ إلَى الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ ثُمَّ سَأَلَهُ الرَّاهِنُ أَنْ يَرُدَّهُ إلَيْهِ فَامْتَنَعَ الْمُرْتَهِنُ فَهَلَكَ الرَّهْنُ في يَدَيْهِ لم يَضْمَنْ شيئا لِأَنَّ ذلك كان له وإذا قَضَى الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ الْحَقَّ أو أَحَالَهُ بِهِ على غَيْرِهِ وَرَضِيَ الْمُرْتَهِنُ بِالْحَوَالَةِ أو أَبْرَأَهُ الْمُرْتَهِنُ منه بِأَيِّ وَجْهٍ كان من البراءه ثُمَّ سَأَلَهُ الرَّهْنَ فَحَبَسَهُ عنه وهو يُمْكِنُهُ أَنْ يُؤَدِّيَهُ إلَيْهِ فَهَلَكَ الرَّهْنُ في يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ فَالْمُرْتَهِنُ ضَامِنٌ لِقِيمَةِ الرَّهْنِ بَالِغَةً ما بَلَغَتْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ كَيْلًا أو وَزْنًا يُوجَدُ مِثْلُهُ فَيَضْمَنُ مِثْلَ ما هَلَكَ في يَدَيْهِ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْحَبْسِ وَإِنْ كان رَبُّ الرَّهْنِ آجَرَهُ فَسَأَلَ الْمُرْتَهِنَ أَخْذَهُ من عِنْدِ من آجَرَهُ وَرَدَّهُ إلَيْهِ فلم يُمْكِنْهُ ذلك أو كان الرَّهْنُ غَائِبًا عنه بِعِلْمِ الرَّاهِنِ فَهَلَكَ في الْغَيْبَةِ بَعْدَ بَرَاءَةِ الرَّاهِنِ من الْحَقِّ وَقَبْلَ تَمَكُّنِ الْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرُدَّهُ لم يَضْمَنْ وَكَذَلِكَ لو كان عَبْدًا فَأَبَقَ أو جَمَلًا فَشَرَدَ ثُمَّ بريء الرَّاهِنُ من الْحَقِّ لم يَضْمَنْ الْمُرْتَهِنُ لِأَنَّهُ لم يَحْبِسْهُ وَرَدُّهُ يُمْكِنُهُ وَالصَّحِيحُ
____________________

(3/167)


من الرَّهْنِ وَالْفَاسِدُ في أَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ سَوَاءٌ كما تَكُونُ الْمُضَارَبَةُ الصَّحِيحَةُ وَالْفَاسِدَةُ في أنها غَيْرُ مضمونه سَوَاءٌ وَلَوْ شَرَطَ الرَّاهِنُ على الْمُرْتَهِنِ أَنَّهُ ضَامِنٌ لِلرَّهْنِ إنْ هَلَكَ كان الشَّرْطُ بَاطِلًا كما لو قَارَضَهُ أو أَوْدَعَهُ فَشَرَطَ أَنَّهُ ضَامِنٌ كان الشَّرْطُ بَاطِلًا وإذا دَفَعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ على أَنَّ الْمُرْتَهِنَ ضَامِنٌ فَالرَّهْنُ فَاسِدٌ وهو غَيْرُ مَضْمُونٍ إنْ هَلَكَ وَكَذَلِكَ إذَا ضَارَبَهُ على أَنَّ الْمُضَارِبَ ضَامِنٌ فالمضاربه فَاسِدَةٌ غَيْرُ مضمونه وَكَذَلِكَ لو رَهَنَهُ وَشَرَطَ له إنْ لم يَأْتِهِ بِالْحَقِّ إلَى كَذَا فَالرَّهْنُ له بَيْعٌ فَالرَّهْنُ فَاسِدٌ وَالرَّهْنُ لِصَاحِبِهِ الذي رَهَنَهُ وَكَذَلِكَ إنْ رَهَنَهُ دَارًا بِأَلْفٍ على أَنْ يَرْهَنَهُ أَجْنَبِيٌّ دَارِهِ إنْ عَجَزَتْ دَارُ فُلَانٍ عن حَقِّهِ أو حَدَثَ فيها حَدَثٌ يُنْقِصُ حَقَّهُ لِأَنَّ الدَّارَ الآخره مَرَّةً رَهْنٌ وَمَرَّةً غَيْرُ رَهْنٍ ومرهونه بِمَا لَا يُعْرَفُ وَيَفْسُدُ الرَّهْنُ لِأَنَّهُ إنَّمَا زِيدَ معه شَيْءٌ فَاسِدٌ وَلَوْ كان رَهَنَهُ دَارِهِ بِأَلْفٍ على أَنْ يَضْمَنَ له الْمُرْتَهِنُ دَارِهِ إنْ حَدَثَ فيها حَدَثٌ فَالرَّهْنُ فَاسِدٌ لِأَنَّ الرَّاهِنَ لم يَرْضَ بِالرَّهْنِ إلَّا على أَنْ يَكُونَ له مَضْمُونًا وَإِنْ هَلَكَتْ الدَّارُ لم يَضْمَنْ الْمُرْتَهِنُ شيئا - * التَّعَدِّي في الرَّهْنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ مَتَاعًا له رَهْنًا فَلَيْسَ له أَنْ يُخْرِجَهُ من الْبَلَدِ الذي ارْتَهَنَهُ بِهِ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَإِنْ أَخْرَجَهُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِ الْمَتَاعِ فَهَلَكَ فَهُوَ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ يوم أَخْرَجَهُ لِأَنَّهُ يَوْمَئِذٍ تَعَدَّى فيه فإذا أُخِذَتْ قِيمَتُهُ منه خُيِّرَ صَاحِبُ الْمَتَاعِ أَنْ تَكُونَ قِصَاصًا من حَقِّهِ عليه أو تَكُونَ مَرْهُونَةً حتى يَحِلَّ حَقُّ صَاحِبِ الْحَقِّ وَلَوْ أَخْرَجَهُ من الْبَلَدِ ثُمَّ رَدَّهُ إلَى صَاحِبِهِ ولم يُفْسَخْ الرَّهْنُ فيه بريء من الضَّمَانِ وكان له قَبْضُهُ بِالرَّهْنِ فَإِنْ قال صَاحِبُ الْمَتَاعِ دَفَعْته إلَيْك وَأَنْتَ عِنْدِي أَمِينٌ فَتَغَيَّرَتْ أَمَانَتُك بِتَعَدِّيك بِإِخْرَاجِك إيَّاهُ فَأَنَا مُخْرِجُهُ من الرَّهْنِ لم يَكُنْ له إخْرَاجُهُ من الرَّهْنِ وَقِيلَ إنْ شِئْت أَنْ تُخْرِجَهُ إلَى عَدْلٍ تَجْتَمِعُ أنت وهو على الرِّضَا بِهِ أَخْرَجْنَاهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يُقِرَّهُ في يَدَيْهِ وَهَكَذَا لو لم يَتَعَدَّ بِإِخْرَاجِهِ فَتَغَيَّرَتْ حَالُهُ عَمَّا كان عليه إذْ دَفَعَ الرَّهْنَ إلَيْهِ إمَّا بِسُوءِ حَالٍ في دِينِهِ أو إفْلَاسٍ ظَهَرَ منه وَلَوْ امْتَنَعَ الْمُرْتَهِنُ في هذه الْحَالَاتِ من أَنْ يَرْضَى بِعَدْلٍ يَقُومُ على يَدَيْهِ جُبِرَ على ذلك لِتَغَيُّرِهِ عن حَالِهِ حين دُفِعَ إلَيْهِ إذَا أَبَى الرَّاهِنُ أَنْ يُقِرَّهُ في يَدَيْهِ وَلَوْ لم يَتَغَيَّرْ الْمُرْتَهِنُ عن حَالِهِ بِالتَّعَدِّي وَلَا غَيْرِهِ مِمَّا يُغَيِّرُ الأمانه وَسَأَلَ الرَّاهِنَ أَنْ يُخْرِجَ من يَدَيْهِ الرَّهْنَ لم يَكُنْ ذلك له وَهَكَذَا الرَّجُلُ يُوضَعُ على يَدَيْهِ الرَّهْنُ فَيَتَغَيَّرُ حَالُهُ عن الْأَمَانَةِ فَأَيُّهُمَا دَعَا إلَى إخْرَاجِ الرَّهْنِ من يَدَيْهِ كان له الرَّاهِنُ لِأَنَّهُ مَالُهُ أو الْمُرْتَهِنُ لِأَنَّهُ مَرْهُونٌ بِمَالِهِ وَلَوْ لم يَتَغَيَّرْ حَالُهُ فَدَعَا أَحَدُهُمَا إلَى إخْرَاجِهِ من يَدَيْهِ لم يَكُنْ له ذلك إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمَا عليه وَلَوْ اجْتَمَعَا على اخراجه من يَدَيْهِ فَأَخْرَجَاهُ ثُمَّ أَرَادَ رَبُّ الرَّهْنِ فَسْخَ الرَّهْنِ لم يَكُنْ له فَسْخُهُ أو أَرَادَ الْمُرْتَهِنُ قَبْضَهُ لم يَكُنْ له وَإِنْ كان أَمِينًا لِأَنَّ الرَّاهِنَ لم يَرْضَ أَمَانَتَهُ وإذا دَعَوْا إلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَتَرَاضَيَا بِهِ أو اثْنَيْنِ او أمرأة فَلَهُمَا وَضْعُهُ على يَدَيْ من تَرَاضَيَا بِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيمَنْ يَدْعُوَانِ إلَيْهِ قِيلَ لَهُمَا اجْتَمِعَا فَإِنْ لم يَفْعَلَا اخْتَارَ الْحَاكِمُ الْأَفْضَلَ من كل من دَعَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَيْهِ إنْ كان ثِقَةً فَدَفَعَهُ إلَيْهِ وَإِنْ لم يَكُنْ وَاحِدٌ مِمَّنْ دَعَوْا إلَيْهِ ثِقَةً قِيلَ اُدْعُوَا إلَى غَيْرِهِ فَإِنْ لم يَفْعَلَا اخْتَارَ الْحَاكِمُ له ثِقَةً فَدَفَعَهُ إلَيْهِ وإذا أَرَادَ الْعَدْلُ الذي على يَدَيْهِ الرَّهْنُ الذي هو غَيْرُ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ رَدَّهُ بِلَا عله أو لِعِلَّةٍ وَالْمُرْتَهِنُ وَالرَّاهِنُ حَاضِرَانِ فَلَهُ ذلك وَلَا يُجْبَرُ على حَبْسِهِ وَإِنْ كَانَا غَائِبَيْنِ أو أَحَدُهُمَا لم يَكُنْ له إخْرَاجُهُ من يَدَيْ نَفْسِهِ فَإِنْ فَعَلَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْحَاكِمِ فَهَلَكَ ضَمِنَ وَإِنْ جاء الْحَاكِمُ فَإِنْ كان له عُذْرٌ أَخْرَجَهُ من يَدَيْهِ وَذَلِكَ أَنْ يَبْدُوَ له سَفَرٌ أو يَحْدُثَ له وَإِنْ كان مُقِيمًا شُغْلٌ أو عِلَّةٌ وَإِنْ لم يَكُنْ له عُذْرٌ أَمَرَهُ بِحَبْسِهِ إنْ كَانَا قَرِيبًا حتى يَقْدُمَا أو يُوَكِّلَا فَإِنْ كَانَا بَعِيدًا لم أَرَ عليه أَنْ يَضْطَرَّهُ إلَى حَبْسِهِ وَإِنَّمَا هِيَ وكاله وُكِّلَ بها بِلَا مَنْفَعَةٍ له فيها وَيَسْأَلُهُ ذلك فَإِنْ طَابَتْ نَفْسُهُ بِحَبْسِهِ
____________________

(3/168)


وَإِلَّا أَخْرَجَهُ إلَى عَدْلٍ وَغَيْرِهِ وتعدى الْعَدْلِ الْمَوْضُوعِ على يَدَيْهِ الرَّهْنُ في الرَّهْنِ وتعدى الْمُرْتَهِنِ سَوَاءٌ يَضْمَنُ مِمَّا يَضْمَنُ منه الْمُرْتَهِنُ إذَا تَعَدَّى فإذا تَعَدَّى فَأَخْرَجَ الرَّهْنَ فَتَلِفَ ضَمِنَ وَإِنْ تَعَدَّى الْمُرْتَهِنُ وَالرَّهْنُ مَوْضُوعٌ على يَدَيْ الْعَدْلِ فَأَخْرَجَ الرَّهْنَ ضَمِنَ حتى يَرُدَّهُ على يَدَيْ الْعَدْلِ فإذا رَدَّهُ على يَدَيْ الْعَدْلِ بريء من الضَّمَانِ كما يَبْرَأُ منه لو رَدَّهُ إلَى الرَّاهِنِ لِأَنَّ الْعَدْلَ وَكِيلُ الرَّاهِنِ وإذا أَعَارَ الْمَوْضُوعُ على يَدَيْهِ الرَّهْنُ فَهَلَكَ فَهُوَ ضَامِنٌ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ وَالْقَوْلُ في قِيمَتِهِ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ فَإِنْ قال كان الرَّهْنُ لُؤْلُؤَةً صَافِيَةً وَزْنُهَا كَذَا قِيمَتُهَا كَذَا قُوِّمَتْ بِأَقَلِّ ما تَقَعُ عليه تِلْكَ الصِّفَةُ ثَمَنًا وَأَرْدَئِهِ فَإِنْ كان ما ادَّعَى مثله أو أَكْثَرَ قُبِلَ قَوْلُهُ وَإِنْ ادَّعَى ما لَا يَكُونُ مِثْلُهُ لم يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَقُوِّمَتْ تِلْكَ الصِّفَةُ على أَقَلِّ ما تَقَعُ عليه ثَمَنًا وَأَرْدَئِهِ يَغْرَمُهُ مع يَمِينِهِ وَهَكَذَا إنْ مَاتَ فَأَوْصَى بِالرَّهْنِ إلَى غَيْرِهِ كان لِأَيِّهِمَا شَاءَ إخْرَاجُهُ لِأَنَّهُمَا رَضِيَا أَمَانَتَهُ ولم يَجْتَمِعَا على الرِّضَا بِأَمَانَةِ غَيْرِهِ وَإِنْ كان من أَسْنَدَ ذلك إلَيْهِ إذَا غَابَ أو عِنْدَ مَوْتِهِ ثِقَةً وَيَجْتَمِعَانِ على من تَرَاضَيَا أو يَنْصِبَ لَهُمَا الْحَاكِمُ ثِقَةً كما وَصَفْت وإذا مَاتَ الْمُرْتَهِنُ فَإِنْ كان وَرَثَتُهُ بَالِغِينَ قَامُوا مَقَامَهُ وَإِنْ كان فِيهِمْ صَغِيرٌ قام الْوَصِيُّ مَقَامَهُ وَإِنْ لم يَكُنْ وَصِيٌّ ثِقَةٌ قام الْحَاكِمُ مَقَامَهُ في أَنْ يَصِيرَ الرَّهْنُ على يَدَيْ ثِقَةٍ - * بَيْعُ الرَّهْنِ وَمَنْ يَكُونُ الرَّهْنُ على يَدَيْهِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا ارْتَهَنَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الْعَبْدَ وَشَرَطَ عليه أَنَّ له إذَا حَلَّ حَقُّهُ أَنْ يَبِيعَهُ لم يَجُزْ له بَيْعُهُ إلَّا بِأَنْ يَحْضُرَ رَبُّ الْعَبْدِ أو يُوَكَّلَ معه وَلَا يَكُونُ وَكِيلًا بِالْبَيْعِ لِنَفْسِهِ فَإِنْ بَاعَ لِنَفْسِهِ فَالْبَيْعُ مَرْدُودٌ بِكُلِّ حَالٍ وَيَأْتِي الْحَاكِمُ حتى يَأْمُرَ من يَبِيعُ وَيُحْضِرُهُ وَعَلَى الْحَاكِمِ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ بِبَيِّنَةٍ أَنْ يَأْمُرَ رَبَّ الْعَبْدِ أَنْ يَبِيعَ فَإِنْ إمتنع أَمَرَ من يَبِيعُ عليه وإذا كان الْحَقُّ إلَى أَجَلٍ فَتَعَدَّى الْمَوْضُوعُ على يَدَيْهِ الرَّهْنَ فَبَاعَهُ قبل مَحِلِّ الْحَقِّ فَالْبَيْعُ مَرْدُودٌ وهو ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ إنْ فَاتَ وَلَا يَكُونُ الدَّيْنُ حَالًّا كان الْبَائِعُ الْمُرْتَهِنَ أو عدل ( ( ( عدلا ) ) ) الرَّهْنُ على يَدَيْهِ وَلَا يَحِلُّ الْحَقُّ الْمُؤَجَّلُ بِتَعَدِّي بَائِعٍ له وَكَذَلِكَ لو تَعَدَّى بِأَمْرِ الرَّاهِنِ وَلَوْ كان الرَّهْنُ على يَدَيْ عَدْلٍ لَا حَقَّ له في الْمَالِ وَوَكَّلَهُ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ بِبَيْعِهِ كان له أَنْ يَبِيعَهُ ما لم يَفْسَخَا وَكَالَتَهُ وَأَيُّهُمَا فَسَخَ وَكَالَتَهُ لم يَكُنْ له الْبَيْعُ بَعْدَ فَسْخِ الْوَكَالَةِ وَبِبَيْعِ الْحَاكِمِ على الرَّاهِنِ إذَا سَأَلَ ذلك الْمُرْتَهِنَ وإذا بَاعَ الْمَوْضُوعُ على يَدَيْهِ الرَّهْنَ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ وَالْحَاكِمِ بِالْبَيْعِ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ أَهْلُ الْبَصَرِ بِهِ فَالْبَيْعُ مَرْدُودٌ وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَ الْحَاكِمُ بِذَلِكَ فَبَيْعُهُ مَرْدُودٌ وإذا بَاعَ بِمَا يَتَغَابَنُ الناس بمثله بِإِذْنِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ بِالْبَيْعِ فَالْبَيْعُ لَازِمٌ وَإِنْ وَجَدَ أَكْثَرَ مِمَّا بَاعَ بِهِ وَلَوْ بَاعَ بِشَيْءٍ يَجُوزُ فلم يُفَارِقْ بَيْعَهُ حتى يَأْتِيَهُ من يَزِيدُهُ قبل الزِّيَادَةِ وَرَدِّ الْبَيْعِ فَإِنْ لم يَفْعَلْ فَبَيْعُهُ مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ قد بَاعَ له بِشَيْءٍ قد وَجَدَ أَكْثَرَ منه وَلَهُ الرَّدُّ وإذا حَلَّ الْحَقُّ وَسَأَلَ الرَّاهِنُ بَيْعَ الرَّهْنِ وَأَبَى ذلك الْمُرْتَهِنُ أو الْمُرْتَهِنُ وَأَبَى الرَّاهِنُ أَمَرَهُمَا الْحَاكِمُ بِالْبَيْعِ فَإِنْ امْتَنَعَا أَمَرَ عَدْلًا فَبَاعَ وإذا أَمَرَ الْقَاضِي عَدْلًا فَبَاعَ أو كان الرَّهْنُ على يَدَيْ غَيْرِ الْمُرْتَهِنِ فَبَاعَ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ فَهَلَكَ الثَّمَنُ لم يَضْمَنْ الْبَائِعُ شيئا من الثَّمَنِ الذي هَلَكَ في يَدَيْهِ وَإِنْ سَأَلَ الْمَوْضُوعُ على يَدَيْهِ الرَّهْنُ الْبَائِعَ أَجْرَ مِثْلِهِ لم يَكُنْ له لِأَنَّهُ كان مُتَطَوِّعًا بِذَلِكَ كان مِمَّنْ يَتَطَوَّعُ مِثْلُهُ أو لَا يَتَطَوَّعُ وَلَا يَكُونُ له أَجْرٌ إلَّا بِشَرْطٍ وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ إنْ كان يَجِدُ عَدْلًا يَبِيعُ إذَا أَمَرَهُ مُتَطَوِّعًا أَنْ يَجْعَلَ لِغَيْرِهِ أَجْرًا وَإِنْ كان عَدْلًا في بَيْعِهِ وَيَدْعُو الرَّاهِنَ وَالْمُرْتَهِنَ بِعَدْلٍ وَأَيُّهُمَا جَاءَهُ بِعَدْلٍ يَتَطَوَّعُ بِبَيْعِ الرَّهْنِ أَمَرَهُ بِبَيْعِهِ وَطَرَحَ المؤنه وَإِنْ لم يَجِدْهُ اسْتَأْجَرَ على الرَّهْنِ من يَبِيعُهُ وَجَعَلَ أَجْرَهُ في ثَمَنِ الرَّهْنِ لِأَنَّهُ من صَلَاحِ الرَّهْنِ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بِهِ الرَّاهِنُ أو الْمُرْتَهِنُ وإذا تَعَدَّى الْبَائِعُ بِحَبْسِ الثَّمَنِ بَعْدَ قَبْضِهِ إيَّاهُ أو بَاعَهُ بِدَيْنٍ فَهَرَبَ الْمُشْتَرِي أو ما أَشْبَهَ هذا ضَمِنَ قِيمَةَ الرَّهْنِ قال
____________________

(3/169)


أبو يَعْقُوبَ وأبو مُحَمَّدٍ عليه في حَبْسِ الثَّمَنِ مِثْلُهُ وفي بَيْعِهِ بِالدَّيْنِ قِيمَتُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا بِيعَ الرَّهْنُ فَالْمُرْتَهِنُ أَوْلَى بِثَمَنِهِ حتى يستوفى حَقَّهُ فَإِنْ لم يَكُنْ فيه وَفَاءُ حَقِّهِ حَاصَّ غُرَمَاءَ الرَّاهِنِ بِمَا بَقِيَ من مَالِهِ غير مَرْهُونٍ وإذا أَرَادَ أَنْ يُحَاصُّهُمْ قبل أَنْ يُبَاعَ رَهْنُهُ لم يَكُنْ له ذلك وَوَقَفَ مَالُ غَرِيمِهِ حتى يُبَاعَ رَهْنُهُ ثُمَّ يُحَاصُّهُمْ بِمَا فَضَلَ عن رَهْنِهِ وَإِنْ هَلَكَ رَهْنُهُ قبل أَنْ يُبَاعَ أو ثَمَنُهُ قبل أَنْ يَقْبِضَهُ حَاصَّهُمْ بِجَمِيعِ رَهْنِهِ وإذا بِيعَ الرَّهْنُ لِرَجُلٍ فَهَلَكَ ثَمَنُهُ فَثَمَنُهُ من الرَّاهِنِ حتى يَقْبِضَهُ الْمُرْتَهِنُ وَهَكَذَا لو بِيعَ ما لِغُرَمَائِهِ بِطَلَبِهِمْ بَيْعَهُ فَوَقَفَ لِيَحْسِبَ بَيْنَهُمْ فَهَلَكَ هَلَكَ من مَالِ الْمَبِيعِ عليه دُونَ غُرَمَائِهِ وهو من مَالِ الْمَبِيعِ عليه حتى يستوفى غُرَمَاؤُهُ وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ دَارًا بِأَلْفٍ فَمَاتَ الرَّاهِنُ فَطَلَبَ الْمُرْتَهِنُ بَيْعَهَا فَأَمَرَ الْحَاكِمُ بِبَيْعِهَا فَبِيعَتْ من رَجُلٍ بِأَلْفٍ فَهَلَكَتْ الْأَلْفُ في يَدَيْ الْعَدْلِ الذي أَمَرَهُ الْحَاكِمُ بِالْبَيْعِ وَجَاءَ رَجُلٌ فَاسْتَحَقَّ الدَّارَ على الْمَيِّتِ لَا يَضْمَنُ الْحَاكِمُ وَلَا الْعَدْلُ من الْأَلْفِ التي قَبَضَ الْعَدْلُ شيئا بِهَلَاكِهَا في يَدِهِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَأَخَذَ الْمُسْتَحِقُّ الدَّارَ وَكَانَتْ أَلْفُ الْمُرْتَهِنِ في ذِمَّةِ الرَّاهِنِ مَتَى وَجَدَ مَالًا أَخَذَهَا وَكَذَلِكَ أَلْفُ الْمُشْتَرِي في ذِمَّةِ الرَّاهِنِ لِأَنَّهَا أُخِذَتْ بِثَمَنِ مَالٍ له فلم يَسْلَمْ له الْمَالَ فَمَتَى وَجَدَ له مَالًا أَخَذَهَا وَعُهْدَتُهُ على الْمَيِّتِ الذي بِيعَتْ عليه الدَّارُ وَسَوَاءٌ كان الْمَبِيعَةُ عليه الدَّارُ لَا يَجِدُ شيئا غير الدَّارِ أو مُوسِرًا في أَنَّ الْعُهْدَةَ عليه كَهِيَ عليه لو بَاعَ على نَفْسِهِ وَلَيْسَ الذي بِيعَ له الرَّهْنُ بِأَمْرِهِ من الْعُهْدَةِ بِسَبِيلٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبَيْعُ الرِّبَاعِ وَالْأَرْضِينَ وَالْحَيَوَانِ وَغَيْرِهَا من الرُّهُونِ سَوَاءٌ إذَا سَلَّطَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ الْعَدْلَ الذي لَا حَقَّ له في الرَّهْنِ على بَيْعِهَا بَاعَ بِغَيْرِ أَمْرِ السُّلْطَانِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيَتَأَنَّى بِالرِّبَاعِ وَالْأَرْضِينَ لِلزِّيَادَةِ أَكْثَرَ من تَأَنِّيهِ بِغَيْرِهَا فَإِنْ لم يَتَأَنَّ وَبَاعَ بِمَا يَتَغَابَنُ الناس بمثله جَازَ بَيْعُهُ وَإِنْ بَاعَ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ الناس بمثله لم يَجُزْ وَكَذَلِكَ لو تَأَنَّى فَبَاعَ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ الناس بمثله لم يَجُزْ وَإِنْ بَاعَ بِمَا يَتَغَابَنُ الناس بمثله جَازَ لِأَنَّهُ قد تُمْكِنُهُ الْفُرْصَةُ في عَجَلَتِهِ الْبَيْعَ وقد يَتَأَنَّى فيحابى في الْبَيْعِ وَالتَّأَنِّي بِكُلِّ حَالٍ أَحَبُّ إلَيَّ في كل شَيْءٍ بِيعَ غَيْرِ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِ ما يَفْسُدُ فَأَمَّا الْحَيَوَانُ وَرُطَبُ الطَّعَامِ فَلَا يَتَأَنَّى بِهِ وإذا بَاعَ الْعَدْلُ الْمَوْضُوعُ على يَدَيْهِ الرَّهْنُ الرَّهْنَ وقال قد دَفَعْت ثَمَنَهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَأَنْكَرَ ذلك الْمُرْتَهِنُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ وَعَلَى الْبَائِعِ البينه بِالدَّفْعِ وَلَوْ بَاعَهُ ثُمَّ قال هَلَكَ الثَّمَنُ من يَدَيْ كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيمَا لَا يُدَّعَى فيه الدَّفْعُ وَلَوْ قِيلَ له بِعْ ولم يَقُلْ له بِعْ بِدَيْنٍ فَبَاعَ بِدَيْنٍ فَهَلَكَ الدَّيْنُ كان ضَامِنًا لِأَنَّهُ تَعَدَّى في الْبَيْعِ وَكَذَلِكَ لو قال له بِعْ بِدَرَاهِمَ وَالْحَقُّ دَرَاهِمُ فَبَاعَ بِدَنَانِيرَ أو كان الْحَقُّ دَنَانِيرَ فَقِيلَ له بِعْ بِدَنَانِيرَ فَبَاعَ بِدَرَاهِمَ فَهَلَكَ الثَّمَنُ كان له ضَامِنًا وَإِنْ لم يَهْلِكْ فَالْبَيْعُ في هذا كُلِّهِ مَفْسُوخٌ لِأَنَّهُ بَيْعُ تَعَدٍّ وَلَا يُمْلَكُ مَالُ رَجُلٍ بِخِلَافِهِ وَلَوْ اخْتَلَفَ عليه الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فقال الرَّاهِنُ بِعْ بِدَنَانِيرَ وقال الْمُرْتَهِنُ بِعْ بِدَرَاهِمَ لم يَكُنْ له أَنْ يَبِيعَ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ في ثَمَنِ الرَّهْنِ وَحَقِّ الرَّاهِنِ في رَقَبَتِهِ وَثَمَنِهِ وَجَاءَ الْحَاكِمُ حتى يَأْمُرَهُ أَنْ يَبِيعَ بِنَقْدِ الْبَلَدِ ثُمَّ يَصْرِفَهُ فِيمَا الرَّهْنُ فيه إنْ كان دَنَانِيرَ أو دَرَاهِمَ وَلَوْ بَاعَ بَعْدَ اخْتِلَافِهِمَا بِمَا الرَّهْنُ بِهِ كان ضَامِنًا وكان الْبَيْعُ مَرْدُودًا لِأَنَّ لِكِلَيْهِمَا حَقًّا في الرَّهْنِ وَلَوْ بَاعَ على الْأَمْرِ الْأَوَّلِ ولم يَخْتَلِفَا بَعْدُ عليه بِمَا الْحَقُّ بِهِ كان الْبَيْعُ جَائِزًا وَلَوْ بَعَثَ بِالرَّهْنِ إلَى بَلَدٍ فَبِيعَ فيه وَاسْتَوْفَى الثَّمَنَ كان الْبَيْعُ جَائِزًا وكان ضَامِنًا إنْ هَلَكَ ثَمَنُهُ وَإِنَّمَا أَجَزْت الْبَيْعَ لِأَنَّهُ لم يَتَعَدَّ في الْبَيْعِ إنَّمَا تَعَدَّى في اخراج الْمَبِيعِ فَكَانَ كَمَنْ بَاعَ عَبْدًا فَأَخْرَجَ ثَمَنَهُ فَيَجُوزُ الْبَيْعُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَيَضْمَنُ ثَمَنَهُ بِإِخْرَاجِهِ بِلَا أَمْرِ سَيِّدِهِ
____________________

(3/170)


- * رَهْنُ الرَّجُلَيْنِ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا رَهَنَ الرَّجُلَانِ الْعَبْدَ رَجُلًا وَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْهُمَا فَالرَّهْنُ جَائِزٌ فَإِنْ رَهَنَاهُ مَعًا ثُمَّ أَقْبَضَهُ أَحَدُهُمَا الْعَبْدَ ولم يُقْبِضْهُ الْآخَرُ فَالنِّصْفُ الْمَقْبُوضُ مَرْهُونٌ وَالنِّصْفُ غَيْرُ الْمَقْبُوضِ غَيْرُ مَرْهُونٍ حتى يُقْبَضَ فإذا قُبِضَ كان مَرْهُونًا وإذا أَبْرَأَ الْمُرْتَهِنُ أحد ( ( ( أخذ ) ) ) الرَّاهِنَيْنِ من حَقِّهِ أو أقتضاه منه فَالنِّصْفُ الذي يَمْلِكُهُ الْبَرِيءُ من الْحَقِّ خَارِجٌ من الرَّهْنِ وَالنِّصْفُ الْبَاقِي مَرْهُونٌ حتى يَبْرَأَ رَاهِنُهُ من الْحَقِّ الذي فيه وَهَكَذَا كُلُّ ما رَهَنَاهُ مَعًا عَبْدًا كان أو عَبِيدًا أو مَتَاعًا أو غَيْرَهُ وإذا رَهَنَاهُ عَبْدَيْنِ رَهْنًا وَاحِدًا فَهُوَ كَالْعَبْدِ الْوَاحِدِ فَإِنْ تَرَاضَى الرَّاهِنَانِ بِأَنْ يَصِيرَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ رَهْنًا لِأَحَدِهِمَا وَالْآخَرُ لِلْآخَرِ فَقَضَاهُ أَحَدُهُمَا وَسَأَلَ أَنْ يَفُكَّ له الْعَبْدَ الذي صَارَ إلَيْهِ لم يَكُنْ ذلك له وَنِصْفُ كل وَاحِدٍ من الْعَبْدَيْنِ خَارِجٌ من الرَّهْنِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ في الرَّهْنِ لِأَنَّهُمَا دَفَعَا الرَّهْنَ صَفْقَةً فَكُلُّ وَاحِدٍ من الرَّهْنَيْنِ مَرْهُونُ النِّصْفِ عن كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَقْتَسِمَاهُ عليه وَلَا يُخْرِجَانِ حَقَّهُ من نِصْفِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى غَيْرِهِ وَحَظُّ الْقَاضِي مِنْهُمَا الرَّهْنَ خَارِجٌ من الرَّهْنِ فَلَوْ كان كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَهَنَهُ أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ على الِانْفِرَادِ ثُمَّ تَقَارَّا في الْعَبْدَيْنِ فَصَارَ الذي رَهَنَهُ عبد اللَّهِ مِلْكًا لِزَيْدٍ وَاَلَّذِي رَهَنَهُ زَيْدٌ مِلْكًا لِعَبْدِ اللَّهِ فَقَضَاهُ عبد اللَّهِ وَسَأَلَهُ فَكَّ عَبْدِهِ الذي رَهَنَهُ زَيْدٌ لِأَنَّهُ صَارَ له لم يَكُنْ ذلك له وَعَبْدُ عبد اللَّهِ الذي رَهَنَهُ فَصَارَ لِزَيْدٍ خَارِجٌ من الرَّهْنِ وَعَبْدُ زَيْدٍ الذي صَارَ له مَرْهُونٌ بِحَالِهِ حتى يَفْتَكَّهُ زَيْدٌ لِأَنَّ زَيْدًا رَهَنَهُ وهو يَمْلِكُهُ فَلَا يَخْرُجُ من رَهْنِ زَيْدٍ حتى يَفْتَكَّهُ زَيْدٌ أو يَبْرَأَ زَيْدٌ من الْحَقِّ الذي فيه وَلَوْ كان عَبْدَانِ بين رَجُلَيْنِ فَرَهَنَاهُمَا رَجُلًا فَقَالَا مُبَارَكٌ رَهْنٌ عن مُحَمَّدٍ وَمَيْمُونٌ رَهْنٌ عن عبد اللَّهِ كَانَا كما قالا ( ( ( قال ) ) ) وَأَيُّهُمَا أَدَّى فُكَّ له الْعَبْدُ الذي رَهَنَ بِعَيْنِهِ ولم يُفَكَّ له شَيْءٌ من غَيْرِهِ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وزادا ( ( ( وزاد ) ) ) فيها شَرْطًا أَنَّ أَيَّنَا أَدَّى إلَيْك قبل صَاحِبِهِ فَلَهُ أَنْ يَفُكَّ نِصْفَ الْعَبْدَيْنِ أو له أَنْ يَفُكَّ أَيَّ الْعَبْدَيْنِ شَاءَ كان الرَّهْنُ مَفْسُوخًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لم يَجْعَلْ الْحَقَّ مَحْضًا في رَهْنِهِ دُونَ رَهْنِ صَاحِبِهِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا في شَرْطِ صَاحِبِهِ مَرْهُونٌ مَرَّةً على الْكَمَالِ وَخَارِجٌ من الرَّهْنِ بِغَيْرِ بَرَاءَةٍ من رَاهِنِهِ من جَمِيعِ الْحَقِّ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَشَرَطَ له الرَّاهِنَانِ أَنَّهُ إذَا قَضَى أَحَدُهُمَا ما عليه فَلَا يُفَكُّ له رَهْنُهُ حتى يَقْضِيَ الْآخَرُ ما عليه كان الشَّرْطُ فيه بَاطِلًا لِأَنَّ الْحَقَّ أَنْ يَكُونَ خَارِجًا من الرَّهْنِ إذَا لم يَكُنْ فيه رَهْنٌ غَيْرُهُ وَأَنْ لَا يَكُونَ رَهْنًا إلَّا بِأَمْرٍ مَعْلُومٍ لَا أَنْ يَكُونَ مَرْهُونًا بِأَمْرٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ وَشَرَطَ فيه مَرَّةً أَنَّهُ رَهْنٌ بِشَيْءٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ على الْمُخَاطَرَةِ فَيَكُونُ مَرَّةً خَارِجًا من الرَّهْنِ إذَا قَضَيَا مَعًا وَغَيْرَ خَارِجٍ من الرَّهْنِ إذَا لم يَقْضِ أَحَدُهُمَا وَلَا يدرى ما يَبْقَى على الْآخَرِ وقد كَانَا رَهْنَيْنِ مُتَفَرِّقَيْنِ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَتَشَارَطُوا أَنَّ أَحَدَهُمَا إذَا أَدَّى ما عليه دُونَ ما على صَاحِبِهِ خَرَجَ الرَّهْنَانِ مَعًا وكان ما يَبْقَى من الْمَالِ بِغَيْرِ رَهْنٍ كان الرَّهْنُ فَاسِدًا لِأَنَّهُمَا في هذا الشَّرْطِ رَهْنٌ مَرَّةً واحدهما خَارِجٌ من الرَّهْنِ أُخْرَى بِغَيْرِ عَيْنِهِ لِأَنِّي لَا أَدْرِي أَيُّهُمَا يُؤَدِّي وَعَلَى أَيِّهِمَا يَبْقَى الدَّيْنُ وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا عَبْدًا إلَى سَنَةٍ على أَنَّهُ إنْ جَاءَهُ بِالْحَقِّ إلَى سَنَةٍ وَإِلَّا فَالْعَبْدُ خَارِجٌ من الرَّهْنِ كان الرَّهْنُ فَاسِدًا وَكَذَلِكَ لو رَهَنَهُ عَبْدًا على أَنَّهُ إنْ جَاءَهُ بِحَقِّهِ عِنْدَ مَحِلِّهِ وَإِلَّا خَرَجَ الْعَبْدُ من الرَّهْنِ وَصَارَتْ دَارُهُ رَهْنًا لم تَكُنْ الدَّارُ رَهْنًا وكان الرَّهْنُ في الْعَبْدِ مَفْسُوخًا لِأَنَّهُ دَاخِلٌ في الرَّهْنِ مَرَّةً وَخَارِجٌ منه أُخْرَى بِغَيْرِ براءه من الْحَقِّ الذي فيه وَلَوْ رَهَنَهُ رَهْنًا على أَنَّهُ إنْ جَاءَهُ بِالْحَقِّ وَإِلَّا فَالرَّهْنُ له بَيْعٌ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ لِأَنَّهُ شَرَطَ أَنَّهُ رَهْنٌ في حَالٍ وَبَيْعٌ في أُخْرَى
____________________

(3/171)


- * رَهْنُ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ من رَجُلَيْنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ الْعَبْدَ من رَجُلَيْنِ بماءة ( ( ( بمائة ) ) ) فَنِصْفُهُ مَرْهُونٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخَمْسِينَ فإذا دَفَعَ إلَى أَحَدِهِمَا خَمْسِينَ فَهِيَ له دُونَ الْمُرْتَهِنِ معه وَنِصْفُ الْعَبْدِ الذي كان مَرْهُونًا عن الْقَاضِي مِنْهُمَا خَارِجٌ من الرَّهْنِ وَكَذَلِكَ لو أَبْرَأَ الرَّاهِنُ من حَقِّهِ كانت الْبَرَاءَةُ له تَامَّةً دُونَ صَاحِبِهِ وكان نِصْفُ الْعَبْدِ خَارِجًا من الرَّهْنِ وَنِصْفُهُ مَرْهُونًا وإذا دَفَعَ إلَيْهِمَا مَعًا خَمْسِينَ أو تِسْعِينَ فَالْعَبْدُ كُلُّهُ مَرْهُونٌ بِمَا بَقِيَ لَهُمَا لَا يَخْرُجُ منه شَيْءٌ من الرَّهْنِ حتى يَسْتَوْفِيَ أَحَدُهُمَا جَمِيعَ حَقِّهِ فيه فَيَخْرُجُ حَقُّهُ من الرَّهْنِ أو يَسْتَوْفِيَا مَعًا فَتَخْرُجُ حُقُوقُهُمَا مَعًا والأثنان الرَّاهِنَانِ وَالْمُرْتَهِنَانِ يُخَالِفَانِ الْوَاحِدَ كما يَكُونُ الرَّجُلَانِ يَشْتَرِيَانِ الْعَبْدَ فَيَجِدَانِ بِهِ عَيْبًا فَيُرِيدُ أَحَدُهُمَا الرَّدَّ بِالْعَيْبِ وَالْآخَرُ التَّمَسُّكَ بِالشِّرَاءِ فَيَكُونُ ذلك لَهُمَا وَلَوْ كان الْمُشْتَرِي وَاحِدًا فَأَرَادَ رَدَّ نِصْفَ الْعَبْدِ وَإِمْسَاكَ نِصْفِهِ لم يَكُنْ له ذلك - * رَهْنُ الْعَبْدِ بين الرَّجُلَيْنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا كان الْعَبْدُ بين الرَّجُلَيْنِ فَأَذِنَا لِرَجُلٍ أَنْ يَرْهَنَهُ رَجُلَيْنِ بِمِائَةٍ فَرَهَنَهُ بها وَوَكَّلَ الْمُرْتَهِنَانِ رَجُلًا يَقْبِضُ حَقَّهُمَا فَأَعْطَاهُ الرَّاهِنُ خَمْسِينَ على أنها حَقُّ فُلَانٍ عليه فَهِيَ من حَقِّ فُلَانٍ وَنِصْفُ الْعَبْدِ خَارِجٌ من الرَّهْنِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُرْتَهِنٌ نِصْفُهُ فَسَوَاءٌ ارْتَهَنَا الْعَبْدَ مَعًا أو احدهما نِصْفَهُ ثُمَّ الْآخَرُ نِصْفَهُ بَعْدَهُ وَهَكَذَا لو دَفَعَهَا إلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَلَوْ دَفَعَهَا إلَى وَكِيلِهِمَا ولم يُسَمِّ لِمَنْ هِيَ ثُمَّ قال هِيَ لِفُلَانٍ فَهِيَ لِفُلَانٍ فَإِنْ قال هذه قَضَاءٌ مِمَّا عَلَيَّ ولم يَدْفَعْهَا الْوَكِيلُ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُمَّ قال ادْفَعْهَا إلَى أَحَدِهِمَا كانت لِلَّذِي أَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ وَإِنْ دَفَعَهَا الْوَكِيلُ إلَيْهِمَا مَعًا فَأَخَذَاهَا ثُمَّ قال هِيَ لِفُلَانٍ لم يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَأْخُذَ من الْآخَرِ ما قَبَضَ من مَالِ غَرِيمِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو وَجَدَ لِغَرِيمِهِ مَالًا فَأَخَذَهُ لم يَكُنْ لِغَرِيمِهِ إخْرَاجُهُ من يَدَيْهِ وإذا كان الْمُرْتَهِنُ عَالِمًا بِأَنَّ الْعَبْدَ لِرَجُلَيْنِ وكان الرَّهْنُ على بَيْعٍ لم يَكُنْ له خِيَارٌ في نَقْضِ الْبَيْعِ وَإِنْ افْتَكَّ الْمُرْتَهِنُ حَقَّ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ كما لو رَهَنَهُ رَجُلَانِ عَبْدًا كان لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَفْتَكَّ دُونَ الْآخَرِ وَلَا خِيَارَ لِلْمُرْتَهِنِ وَإِنْ كان الْمُرْتَهِنُ جَاهِلًا أَنَّ الْعَبْدَ لإثنين فَقَضَاهُ الْغَرِيمُ ما قَضَاهُ مُجْتَمِعًا فَلَا خِيَارَ له وَإِنْ قَضَاهُ عن أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ له الْخِيَارَ في نَقْضِ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْعَبْدَ إذَا لم يُفَكَّ إلَّا مَعًا كان خَيْرًا لِلْمُرْتَهِنِ وَالْآخَرُ لَا خِيَارَ له لِأَنَّ الْعَبْدَ مَرْهُونٌ كُلُّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * رَهْنُ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ الشَّيْئَيْنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَبْدَيْنِ أو عَبْدًا وَدَارًا أو عَبْدًا وَمَتَاعًا بِمِائَةٍ فَقَضَاهُ خَمْسِينَ فَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ من الرَّهْنِ شيئا قِيمَتُهُ من الرَّهْنِ أَقَلُّ من نِصْفِ الرَّهْنِ أو نِصْفُهُ لم يَكُنْ ذلك له وَلَا يُخْرِجُ منه شيئا حتى يُوَفِّيَهُ آخِرَ حَقِّهِ وَهَكَذَا لو رَهَنَهُ دَنَانِيرَ أو دَرَاهِمَ أو طَعَامًا وَاحِدًا فَقَضَاهُ نِصْفَ حَقِّهِ فَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ نِصْفَ الطَّعَامِ أو الدَّنَانِيرِ أو الدَّرَاهِمِ أو أَقَلَّ من الدَّرَاهِمِ لم يَكُنْ ذلك له وَلَا يَفُكُّ من الرَّهْنِ شيئا إلَّا مَعًا لِأَنَّهُ قد يُعَجِّلُ بِالْقَضَاءِ الْتِمَاسَ فَكِّ جَمِيعِ الرَّهْنِ أو مَوْضِعِ حَاجَتِهِ منه وَلَوْ كان رَجُلَانِ رَهَنَا مَعًا شيئا من الْعُرُوضِ كُلِّهَا الْعَبِيدِ أو الدُّورِ أو الْأَرْضِينَ أو الْمَتَاعِ بِمِائَةٍ فَقَضَاهُ أَحَدُهُمَا ما عليه فَأَرَادَ الْقَاضِي وَالرَّاهِنُ
____________________

(3/172)


معه الذي لم يَقْضِ أَنْ يُخْرِجَ عَبْدًا من أُولَئِكَ الْعَبِيدِ قِيمَتُهُ أَقَلُّ من نِصْفِ الرَّهْنِ لم يَكُنْ له ذلك وكان عليه أَنْ يَكُونَ نَصِيبُهُ رَهْنًا حتى يَسْتَوْفِيَ الْمُرْتَهِنُ آخِرَ حَقِّهِ وَنَصِيبُ كل وَاحِدٍ مِمَّا رَهَنَا خَارِجٌ من الرَّهْنِ وَذَلِكَ نَصِيبُ الذي قَضَى حَقَّهُ وَلَوْ كان ما رَهَنَا دَنَانِيرَ أو دَرَاهِمَ أو طَعَامًا سَوَاءً فَقَضَاهُ أَحَدُهُمَا ما عليه فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ الرَّهْنِ وقال الذي أَدَعُ في يَدَيْك مِثْلُ ما آخُذُ مِنْك بِلَا قِيمَةٍ فَذَلِكَ له وَلَا يُشْبِهُ الإثنان في الرَّهْنِ في هذا الْمَعْنَى الْوَاحِدَ فإذا رَهَنَا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَالطَّعَامَ الْوَاحِدَ فَأَدَّى أَحَدُهُمَا وَرَضِيَ شَرِيكُهُ مُقَاسَمَتَهُ كان على الْمُرْتَهِنِ دَفْعُ ذلك إلَيْهِ لِأَنَّهُ قد بَرِئَتْ حِصَّتُهُ كُلُّهَا من الرَّهْنِ وَأَنْ ليس في حِصَّتِهِ إشْكَالٌ إذْ ما أَخَذَ منها كما بَقِيَ وَأَنَّهَا لَا تَحْتَاجُ إلَى أَنْ تَقُومَ بِغَيْرِهَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْبَسَ رَهْنُ أَحَدِهِمَا وقد قضى ما فيه بِرَهْنِ آخَرَ لم يَقْضِ ما فيه - * إذْنُ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ في أَنْ يَرْهَنَ عنه ما لِلْآذِنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَذِنَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَرْهَنَ عنه عَبْدًا للإذن فَإِنْ لم يُسَمِّ بِكَمْ يَرْهَنُهُ أو سَمَّى شيئا يَرْهَنُهُ فَرَهَنَهُ بِغَيْرِهِ وَإِنْ كان أَقَلَّ قِيمَةً منه لم يَجُزْ الرَّهْنُ وَلَا يَجُوزُ حتى يُسَمِّيَ مَالِكُ الْعَبْدِ ما يَرْهَنُهُ بِهِ وَيَرْهَنُهُ الرَّاهِنُ بِمَا سَمَّى أو بِأَقَلَّ منه مِمَّا أَذِنَ له بِهِ كان أَذِنَ له أَنْ يَرْهَنَهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَرَهَنَهُ بِخَمْسِينَ لِأَنَّهُ قد أَذِنَ له بِالْخَمْسِينَ وَأَكْثَرَ وَلَوْ رَهَنَهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَدِينَارٍ لم يَجُزْ من الرَّهْنِ شَيْءٌ وَكَذَلِكَ لو أَبْطَلَ الْمُرْتَهِنُ حَقَّهُ من الرَّهْنِ فِيمَا زَادَ على الْمِائَةِ لم يَجُزْ وَكَذَلِكَ لو أَذِنَ له أَنْ يَرْهَنَهُ بمائه دِينَارٍ فَرَهَنَهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ لم يَجُزْ الرَّهْنُ كما لو أَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَبَاعَهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ أو بِمِائَةِ شَاةٍ لم يَجُزْ الْبَيْعُ لِلْخِلَافِ وَلَوْ قال الْمُرْتَهِنُ قد أَذِنْت له أَنْ يَرْهَنَهُ فَرَهَنَهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ وقال مَالِكُ الْعَبْدِ ما أَذِنْت له أَنْ يَرْهَنَهُ إلَّا بِخَمْسِينَ دِينَارًا أو مِائَةِ دِرْهَمٍ كان الْقَوْلُ قَوْلَ رَبِّ الْعَبْدِ مع يَمِينِهِ وَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ وَلَوْ أَذِنَ له أَنْ يَرْهَنَهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَرَهَنَهُ بها إلَى أَجَلٍ وقال مَالِكُ الْعَبْدِ لم آذَنْ له إلَّا على أَنْ يَرْهَنَهُ بها نَقْدًا كان الْقَوْلُ قَوْلَ مَالِكِ الْعَبْدِ مع يَمِينِهِ وَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ وَكَذَلِكَ لو قال أَذِنْت له أَنْ يَرْهَنَهُ إلَى شَهْرٍ فَرَهَنَهُ إلَى شَهْرٍ وَيَوْمٍ كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ مع يَمِينِهِ وَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ وَلَوْ قال أرهنه بِمَا شِئْت فَرَهَنَهُ بِقِيمَتِهِ أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ كان الرَّهْنُ مَفْسُوخًا لِأَنَّ الرَّهْنَ بِالضَّمَانِ أَشْبَهُ منه بِالْبُيُوعِ لِأَنَّهُ أَذِنَ له أَنْ يَجْعَلَهُ مَضْمُونًا في عُنُقِ عَبْدِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَضْمَنَ عن غَيْرِهِ إلَّا ما عَلِمَ قبل ضَمَانِهِ وَلَوْ قال أرهنه بِمِائَةِ دِينَارٍ فَرَهَنَهُ بها إلَى سَنَةٍ فقال أَرَدْت أَنْ يَرْهَنَهُ نَقْدًا كان الرَّهْنُ مَفْسُوخًا لِأَنَّ له أَنْ يَأْخُذَهُ إذَا كان الْحَقُّ في الرَّهْنِ نَقْدًا بِافْتِدَاءِ الرَّهْنِ مَكَانَهُ وَكَذَلِكَ لو رَهَنَهُ بِالْمِائَةِ نَقْدًا فقال أَذِنْت له أَنْ يَرْهَنَهُ بِالْمِائَةِ إلَى وَقْتٍ يُسَمِّيهِ كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ لِأَنَّهُ قد يُؤَدِّي الْمِائَةَ على الرَّهْنِ بَعْدَ سَنَةٍ فَيَكُونُ أَيْسَرَ عليه من أَنْ تَكُونَ حَالَّةً وَلَا يَجُوزُ إذْنُ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ بِأَنْ يَرْهَنَ عَبْدَهُ حتى يُسَمِّيَ ما يَرْهَنُهُ بِهِ وَالْأَجَلُ فِيمَا يَرْهَنُهُ بِهِ وَهَكَذَا لو قال رَجُلٌ لِرَجُلٍ ما كان لَك على فُلَانٍ من حَقٍّ فَقَدْ رَهَنْتُك بِهِ عَبْدِي هذا أو دَارِي فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ حتى يَكُونَ عَلِمَ ما كان له على فُلَانٍ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ أَبَدًا وَكُلُّ ما جَعَلْت الْقَوْلَ فيه قَوْلَهُ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ فيه وَلَوْ عَلِمَ مَالَهُ على فُلَانٍ فقال لَك أَيُّ مَالِي شِئْت رَهْنٌ وَسَلَّطَهُ على قَبْضِ ما شَاءَ منه فَقَبَضَهُ كان الرَّهْنُ مَفْسُوخًا حتى يَكُونَ مَعْلُومًا وَمَقْبُوضًا بَعْدَ الْعِلْمِ لَا أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَكَذَلِكَ لو قال الرَّاهِنُ قد رَهَنْتُك أَيَّ مَالِي شِئْت فَقَبَضَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّاهِنَ لو قال أَرَدْت أَنْ أَرْهَنَك دَارِي وقال الْمُرْتَهِنُ أَرَدْت أَنْ أَرْتَهِنَ عَبْدَك أو قال الرَّاهِنُ إخترت أَنْ أَرْهَنَك عَبْدِي وقال الْمُرْتَهِنُ اخْتَرْت أَنْ تَرْهَنَنِي دَارَك لم يَكُنْ الرَّهْنُ وَقَعَ على شَيْءٍ يَعْرِفَانِهِ مَعًا وَلَوْ قال أَرَدْت أَنْ أَرْهَنَك دَارِي فقال الْمُرْتَهِنُ فَأَنَا أَقْبَلُ ما أَرَدْت لم تَكُنْ الدَّارُ رَهْنًا حتى يُجَدِّدَ له بَعْدَ
____________________

(3/173)


ما يَعْلَمَانِهَا مَعًا فيها رَهْنًا وَيُقْبِضَهُ إيَّاهُ وإذا أَذِنَ له أَنْ يَرْهَنَ عَبْدَهُ بِشَيْءٍ مُسَمًّى فلم يَقْبِضْهُ الْمُرْتَهِنُ حتى رَجَعَ الرَّاهِنُ في الرَّهْنِ لم يكن ( ( ( يجز ) ) ) له أَنْ يُقْبِضَهُ إيَّاهُ وَإِنْ فَعَلَ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَذِنَ له فَأَقْبَضَهُ إيَّاهُ ثُمَّ أَرَادَ فَسْخَ الرَّهْنِ لم يَكُنْ ذلك له وَإِنْ أَرَادَ الْآذِنُ أَخْذَ الرَّاهِنِ بِافْتِكَاكِهِ فَإِنْ كان الْحَقُّ حَالًّا كان له أَنْ يَقُومَ بِذَلِكَ عليه وَيَبِيعَ في مَالِهِ حتى يُوَفِّيَ الْغَرِيمَ حَقَّهُ وَإِنْ لم يُرِدْ ذلك الْغَرِيمُ أَنْ يُسْلِمَ ما عِنْدَهُ من الرَّهْنِ وَإِنْ كان أَذِنَ له أَنْ يَرْهَنَهُ إلَى أَجَلٍ لم يَكُنْ له أَنْ يَقُومَ عليه إلَى مَحِلِّ الْأَجَلِ فإذا حَلَّ الْأَجَلُ فَذَلِكَ له كما كان في الْحَالِ الْأَوَّلِ - * الْإِذْنُ بِالْأَدَاءِ عن الرَّاهِنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَدَّى الدَّيْنَ الْحَالَّ أو الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ بِإِذْنِهِ رَجَعَ بِهِ الْآذِنُ في الرَّهْنِ على الرَّاهِنِ حَالًّا وَلَوْ أَدَّاهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ حَالًّا كان الدَّيْنُ أو مُؤَجَّلًا كان مُتَطَوِّعًا بِالْأَدَاءِ ولم يَكُنْ له الرُّجُوعُ بِهِ على الرَّاهِنِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فقال الرَّاهِنُ الذي عليه الْحَقُّ أَدَّيْت عَنِّي بِغَيْرِ أَمْرِي وقال الْآذِنُ له في الرَّهْنِ قد أَدَّيْت عَنْك بِأَمْرِك كان الْقَوْلُ قَوْلَ الرَّاهِنِ المؤدي عنه لِأَنَّهُ الذي عليه الْحَقُّ وَلِأَنَّ الْمُؤَدَّى عنه يُرِيدُ أَنْ يُلْزِمَهُ ما لَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِإِقْرَارِهِ أو بِبَيِّنَةٍ تَثْبُتُ عليه وَلَوْ شَهِدَ الْمُرْتَهِنُ الذي أَدَّى إلَيْهِ الْحَقَّ على الرَّاهِنِ الذي عليه الْحَقُّ أَنَّ مَالِكَ الْعَبْدِ الْآذِنَ له في الرَّهْنِ أَدَّى عنه بِأَمْرِهِ كانت شَهَادَتُهُ جائزه وَيَحْلِفُ مع شَهَادَتِهِ إذَا لم يَبْقَ من الْحَقِّ شَيْءٌ وَلَيْسَ هَا هُنَا شَيْءٌ يَجُرُّهُ صَاحِبُ الْحَقِّ إلَى نَفْسِهِ وَلَا يَدْفَعُ عنها فَأَرُدُّ شَهَادَتَهُ له وَكَذَلِكَ لو كان بَقِيَ من الْحَقِّ شَيْءٌ فَشَهِدَ صَاحِبُ الْحَقِّ الْمُرْتَهِنِ لِلْمُؤَدَّى إلَيْهِ أَنَّهُ أَدَّى بِإِذْنِ الرَّاهِنِ الذي عليه الْحَقُّ جَازَتْ شَهَادَتُهُ له وكان في الْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَلَوْ أَذِنَ الرَّجُلُ أَنْ يَرْهَنَ عَبْدًا له بِعَيْنِهِ فَرَهَنَ عَبْدًا له آخَرَ ثُمَّ اخْتَلَفَا فقال مَالِكُ الْعَبْدِ أَذِنْت لَك أَنْ تَرْهَنَ سَالِمًا فَرَهَنْت مُبَارَكًا وقال الرَّاهِنُ ما رَهَنْت إلَّا مُبَارَكًا وهو الذي أَذِنْت لي بِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَالِكِ الْعَبْدِ وَمُبَارَكٌ خَارِجٌ من الرَّهْنِ وَلَوْ اجْتَمَعَا على أَنَّهُ أَذِنَ له أَنْ يَرْهَنَ سَالِمًا بِمِائَةٍ حَالَّةٍ فَرَهَنَهُ بها وقال مَالِكُ الْعَبْدِ أَمَرْتُك أَنْ تَرْهَنَهُ من فُلَانٍ فَرَهَنْته من غَيْرِهِ كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ لِأَنَّهُ قد يَأْذَنُ في الرَّجُلِ الثِّقَةِ بِحُسْنِ مُطَالَبَتِهِ وَلَا يَأْذَنُ في غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ لو قال له بِعْهُ من فُلَانٍ بِمِائَةٍ فَبَاعَهُ من غَيْرِهِ بِمِائَةٍ أو أَكْثَرَ لم يَجُزْ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ أَذِنَ له في بَيْعِ فُلَانٍ ولم يَأْذَنْ له في بَيْعِ غَيْرِهِ وإذا أَذِنَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَرْهَنَ عَبْدَهُ فُلَانًا وَأَذِنَ لِآخَرَ أَنْ يَرْهَنَ ذلك الْعَبْدَ بِعَيْنِهِ فَرَهَنَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على الِانْفِرَادِ وَعَلِمَ أَيَّهُمَا رَهَنَهُ أَوَّلًا فَالرَّهْنُ الْأَوَّلُ جَائِزٌ وَالْآخَرُ مَفْسُوخٌ وَإِنْ تَدَاعَيَا الْمُرْتَهِنَانِ في الرَّهْنِ فقال أَحَدُهُمَا رَهْنِي أَوَّلٌ وقال الْآخَرُ رَهْنِي أَوَّلٌ وَصَدَّقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الذي رَهَنَهُ أو كَذَّبَهُ أو صَدَّقَ الرَّاهِنَانِ الْمَأْذُونِ لَهُمَا بِالرَّهْنِ أَحَدَهُمَا وَكَذَّبَا الْآخَرَ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الرَّاهِنَيْنِ وَلَا شَهَادَتُهُمَا بِحَالٍ لِأَنَّهُمَا يَجُرَّانِ إلَى أَنْفُسِهِمَا وَيَدْفَعَانِ عنها أَمَّا ما يَجُرَّانِ إلَيْهَا فَاَلَّذِي يَدَّعِي أَنَّ رَهْنَهُ صَحِيحٌ يَجُرُّ إلَى نَفْسِهِ جَوَازَ الْبَيْعِ على الرَّاهِنِ وَأَنْ يَكُونَ ثَمَنُ الْبَيْعِ في الرَّهْنِ ما كان الرَّهْنُ قَائِمًا دُونَ مَالِهِ سِوَاهُ وَأَمَّا الذي يَدْفَعُ أَنَّ رَهْنَهُ صَحِيحٌ فَأَنْ يَقُولَ رَهْنِي آخِرٌ فَيَدْفَعُ أَنْ يَكُونَ لِمَالِكِ الرَّهْنِ الْآذِنِ له في الرَّهْنِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِافْتِكَاكِ الرَّهْنِ وَإِنْ تَرَكَهُ الْغَرِيمُ وَإِنْ صَدَّقَ مَالِكُ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ أَحَدَ الْغَرِيمَيْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ الرَّهْنَ مَالُهُ وفي ارْتِهَانِهِ نَقْصٌ عليه لَا مَنْفَعَةَ له وَإِنْ لم يَعْلَمْ ذلك مَالِكُ الْعَبْدِ ولم يَدْرِ أَيَّ الرَّهْنَيْنِ أَوَّلًا فَلَا رَهْنَ في الْعَبْدِ وَلَوْ كان الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ حين تَنَازَعَا في أَيْدِيهِمَا مَعًا أو أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهُ كان في يَدِهِ ولم تُوَقِّتْ الْبَيِّنَتَانِ وَقْتًا يَدُلُّ على أَنَّهُ كان رَهْنًا في يَدِ أَحَدِهِمَا قبل الْآخَرِ فَلَا رَهْنَ وَإِنْ وَقَّتَتْ وَقْتًا يَدُلُّ على أَنَّهُ
____________________

(3/174)


كان رَهْنًا لِأَحَدِهِمَا قبل الْآخَرِ كان رَهْنًا لِلَّذِي كان في يَدَيْهِ أَوَّلًا وَأَيُّ الْمُرْتَهِنَيْنِ أَرَادَ أَنْ احلف له الْآخَرَ على دَعْوَاهُ احلفته له وَإِنْ اراد أَنْ احلف لَهُمَا الْمَالِكَ أَحَلَفْته على عِلْمِهِ وَإِنْ أراد ( ( ( أرادا ) ) ) أو احدهما أَنْ احلف له رَاهِنَهُ لم احلفه لِأَنَّهُ لو أَقَرَّ بِشَيْءٍ أو ادَّعَاهُ لم أُلْزِمْهُ إقْرَارَهُ ولم آخُذْ له بِدَعْوَاهُ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا رَهَنَ عَبْدَهُ رَجُلَيْنِ وَأَقَرَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَبْضِهِ كُلِّهِ بِالرَّهْنِ فَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ رَهْنَهُ وَقَبْضَهُ كان قبل رَهْنِ صَاحِبِهِ وَقَبْضِهِ ولم يَقُمْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ على دَعْوَاهُ وَلَيْسَ الرَّهْنُ في يَدَيْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَصَدَّقَ الرَّاهِنُ أَحَدَهُمَا بِدَعْوَاهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ وَلَا يَمِينَ عليه لِلَّذِي زَعَمَ أَنَّ رَهْنَهُ كان آخِرًا وَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ لِلَّذِي زَعَمَ الرَّاهِنُ أَنَّ رَهْنَهُ كان آخِرًا بِأَنَّ رَهْنَهُ كان أَوَّلًا كانت الْبَيِّنَةُ أَوْلَى من قَوْلِ الرَّاهِنِ ولم يَكُنْ على الرَّاهِنِ أَنْ يُعْطِيَهُ رَهْنًا غَيْرَهُ وَلَا قِيمَةَ رَهْنٍ وَلَوْ أَنَّ الرَّاهِنَ أَنْكَرَ مَعْرِفَةَ أَيِّهِمَا كان أَوَّلًا وَسَأَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمِينَهُ وَادَّعَى عِلْمَهُ أَنَّهُ كان أَوَّلًا أُحْلِفَ بِاَللَّهِ ما يَعْلَمُ أَيَّهُمَا كان أَوَّلًا وكان الرَّهْنُ مَفْسُوخًا وَكَذَلِكَ لو كان في أَيْدِيهِمَا مَعًا وَلَوْ كان في يَدِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَصَدَّقَ الرَّاهِنُ الذي ليس الرَّهْنُ في يَدَيْهِ كان فيها قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الرَّاهِنِ كان الْحَقُّ الذي أَقَرَّ له الرَّاهِنُ في الْعَبْدِ أَقَلَّ من حَقِّ الذي زَعَمَ أَنَّ رَهْنَهُ كان آخِرًا أو أَكْثَرَ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ لَا تَبْرَأُ من حَقِّ الذي أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ رَهْنُهُ آخِرًا وَلَا تَصْنَعُ كَيْنُونَةُ الرَّهْنِ هَا هُنَا في يَدِهِ شيئا لِأَنَّ الرَّهْنَ ليس يُمْلَكُ بِكَيْنُونَتِهِ في يَدِهِ وَالْآخَرُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الذي في يَدَيْهِ الرَّهْنُ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ بِالرَّهْنِ مِثْلَ ما يَمْلِكُ الْمُرْتَهِنُ غَيْرَهُ - * الرِّسَالَةُ في الرَّهْنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ مَتَاعًا فقال له ارْهَنْهُ عِنْدَ فُلَانٍ فَرَهَنَهُ عِنْدَهُ فقال الدَّافِعُ إنَّمَا أَمَرْته أَنْ يَرْهَنَهُ عِنْدَك بِعَشَرَةٍ وقال الْمُرْتَهِنُ جَاءَنِي بِرِسَالَتِك في أَنْ أُسَلِّفَك عِشْرِينَ فَأَعْطَيْته إيَّاهَا فَكَذَّبَهُ الرَّسُولُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّسُولِ وَالْمُرْسِلِ وَلَا أَنْظُرُ إلَى قِيمَةِ الرَّهْنِ وَلَوْ صَدَّقَهُ الرَّسُولُ فقال قد قَبَضْت مِنْك عِشْرِينَ وَدَفَعْتهَا إلَى الْمُرْسِلِ وَكَذَّبَهُ الْمُرْسِلُ كان الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُرْسِلِ مع يَمِينِهِ ما أَمَرَهُ إلَّا بعشره وَلَا دَفَعَ إلَيْهِ إلَّا هِيَ وكان الرَّهْنُ بِعَشَرَةٍ وكان الرَّسُولُ ضَامِنًا لِلْعَشَرَةِ التي أَقَرَّ بِقَبْضِهَا مع الْعَشَرَةِ التي أَقَرَّ الْمُرْسِلُ بِقَبْضِهَا وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ ثَوْبًا فَرَهَنَهُ عِنْدَ رَجُلٍ وقال الرَّسُولُ أَمَرْتنِي بِرَهْنِ الثَّوْبِ عِنْدَ فُلَانٍ بِعَشَرَةٍ فَرَهَنْته وقال الْمُرْسِلُ أَمَرْتُك أَنْ تَسْتَسْلِفَ من فُلَانٍ عَشَرَةً بِغَيْرِ رَهْنٍ ولم آذَنْ لَك في رَهْنِ الثَّوْبِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الثَّوْبِ وَالْعَشَرَةُ حَالَّةٌ عليه وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فقال أَمَرْتُك بِأَخْذِ عَشَرَةٍ سَلَفًا في عَبْدِي فُلَانٍ وقال الرَّسُولُ بَلْ في ثَوْبِك هذا أو عَبْدِك هذا الْعَبْدُ غَيْرُ الذي أَقَرَّ بِهِ الْآمِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ وَالْعَشَرَةُ حَالَّةٌ عليه وَلَا رَهْنَ فِيمَا رَهَنَ بِهِ الرَّسُولُ وَلَا فِيمَا أَقَرَّ بِهِ الْآمِرُ لِأَنَّهُ لم يَرْهَنْ إلَّا أَنْ يُجَدِّدَا فيه رَهْنًا وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَدَفَعَ الْمَأْمُورُ الثَّوْبَ أو الْعَبْدَ الذي أَقَرَّ الْآمِرُ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِرَهْنِهِ كان الْعَبْدُ مَرْهُونًا وَالثَّوْبُ الذي أَنْكَرَ الْآمِرُ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِرَهْنِهِ خَارِجًا من الرَّهْنِ وَلَوْ أَقَامَ الْمُرْتَهِنُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الأمر أَمَرَ بِرَهْنِ الثَّوْبِ وَأَقَامَ الْآمِرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَمَرَ بِرَهْنِ الْعَبْدِ دُونَ الثَّوْبِ ولم يَرْهَنْ الْمَأْمُورُ الْعَبْدَ أو أَنَّهُ نهى عن رَهْنِ الثَّوْبِ كانت الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةَ الْمُرْتَهِنِ وَأَجَزْتُ له ما أَقَامَ عليه الْبَيِّنَةَ رَهْنًا لِأَنِّي إذَا جَعَلْتُ بينتهما ( ( ( بينهما ) ) ) صَادِقَةً مَعًا لم تُكَذِّبْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْمُرْتَهِنِ بِأَنَّ رَبَّ الثَّوْبِ أمره ( ( ( أكره ) ) ) بِرَهْنِهِ قد تَكُونُ صَادِقَةً بِلَا تَكْذِيبٍ لِبَيِّنَةِ الرَّاهِنِ أَنَّهُ نهى عن رَهْنِهِ وَلَا أَنَّهُ أَمَرَ بِرَهْنِ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ قد يُنْهَى عن رَهْنِهِ بَعْدَ ما يَأْذَنُ فيه وَيَرْهَنُ فَلَا يَنْفَسِخُ ذلك الرَّهْنُ وَيُنْهَى عن رَهْنِهِ قبل يَرْهَنَ ثُمَّ
____________________

(3/175)


يَأْذَنُ فيه فإذا رَهَنَهُ فَلَا يُفْسَخُ ذلك الرَّهْنُ فإذا كَانَتَا صَادِقَتَيْنِ بِحَالٍ لم يُحْكَمْ لَهُمَا حُكْمُ الْمُتَضَادَّتَيْنِ اللَّتَيْنِ لَا تَكُونَانِ أَبَدًا إلَّا وَإِحْدَاهُمَا كَاذِبَةٌ - * شَرْطُ ضَمَانِ الرَّهْنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَبْدًا بِمِائَةٍ وَوَضَعَ الرَّهْنَ على يَدَيْ عَدْلٍ على أَنَّهُ إنْ حَدَثَ في الرَّهْنِ حَدَثٌ يُنْقِصُ ثَمَنَهُ من الْمِائَةِ أو فَاتَ الرَّهْنُ أو تَلِفَ فَالْمِائَةُ مَضْمُونَةٌ على أَجْنَبِيٍّ أو ما نَقَصَ الرَّهْنُ مَضْمُونٌ على أَجْنَبِيٍّ أو على الذي على يَدَيْهِ الرَّهْنُ حتى يَسْتَوْفِيَ صَاحِبُ الْحَقِّ رَهْنَهُ أو يَضْمَنَ الْمَوْضُوعُ على يَدَيْهِ الرَّهْنُ أو أَجْنَبِيٌّ ما نَقَصَ الرَّهْنُ كان الضَّمَانُ في ذلك كُلِّهِ سَاقِطًا لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الضَّمَانُ إلَّا بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّهْنَ إنْ وَفَّى لم يَكُنْ ضَامِنًا لِشَيْءٍ وَإِنْ نَقَصَ ضَمِنَ في شَرْطِهِ فَيَضْمَنُ مَرَّةً دِينَارًا وَمَرَّةً مِائَتَيْ دِينَارٍ وَمَرَّةً مِائَةً وَهَذَا ضَمَانٌ مَرَّةً وَلَا ضَمَانُ أُخْرَى وَضَمَانٌ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَلَا يَجُوزُ الضَّمَانُ حتى يَكُونَ بِأَمْرٍ مَعْلُومٍ وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا رَهْنًا بِمِائَةٍ وَضَمِنَ له رَجُلٌ الْمِائَةَ عن الرَّاهِنِ كان الضَّمَانُ له لَازِمًا وكان لِلْمَضْمُونِ له أَنْ يَأْخُذَهُ بِضَمَانِهِ دُونَ الذي عليه الْحَقُّ وَقِيلَ يُبَاعُ الرَّهْنُ وإذا كان لِرَجُلٍ على رَجُلٍ حَقٌّ إلَى أَجَلٍ فَزَادَهُ في الْأَجَلِ على أَنْ يَرْهَنَهُ رَهْنًا فَرَهَنَهُ إيَّاهُ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ وَالدَّيْنُ إلَى أَجَلِهِ الْأَوَّلِ - * تَدَاعِي الرَّاهِنِ وَوَرَثَةُ الْمُرْتَهِنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا مَاتَ الْمُرْتَهِنُ وَادَّعَى وَرَثَتُهُ في الرَّهْنِ شيئا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ لو كان الْمُرْتَهِنُ حَيًّا فَاخْتَلَفَا وَكَذَلِكَ قَوْلُ وَرَثَةِ الرَّاهِنِ وإذا مَاتَ الْمُرْتَهِنُ فَادَّعَى الرَّاهِنُ أو وَرَثَتُهُ أَنَّ الْمَيِّتَ أقتضى حَقَّهُ أو أبرأه ( ( ( برأه ) ) ) منه فَعَلَيْهِمْ الْبَيِّنَةُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ وَرَثَةِ الذي له الْحَقُّ إذَا عَرَفَ لِرَجُلٍ حَقًّا أَبَدًا فَهُوَ لَازِمٌ لِمَنْ كان عليه لَا يَبْرَأُ منه إلَّا بِإِبْرَاءِ صَاحِبِ الْحَقِّ له أو بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عليه بِشَيْءٍ يُثْبِتُونَهُ بِعَيْنِهِ فَيَلْزَمُهُ وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا رَهْنًا بِمِائَةِ دِينَارٍ ثُمَّ مَاتَ الْمُرْتَهِنُ أو غُلِبَ على عَقْلِهِ فَأَقَامَ الرَّاهِنُ الْبَيِّنَةَ على أَنَّهُ قَضَاهُ من حَقِّهِ الذي بِهِ الرَّهْنُ عَشَرَةٌ وَبَقِيَتْ عليه تِسْعُونَ فإذا أَدَّاهَا فُكَّ له الرَّهْنُ وَإِلَّا بِيعَ الرَّهْنُ عِنْدَ مَحِلِّهِ وَاقْتُضِيَتْ منه التِّسْعُونَ وَلَوْ قالت الْبَيِّنَةُ قَضَاهُ شيئا ما نُثْبِتُهُ أو قالت الْبَيِّنَةُ أَقَرَّ عِنْدَنَا الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ أقتضى منه شيئا ما نُثْبِتُهُ كان الْقَوْلُ قَوْلَ وَرَثَتِهِ إنْ كان مَيِّتًا قبل ( ( ( قيل ) ) ) أَقَرُّوا فيها بِشَيْءٍ ما كان وَاحْلِفُوا ما تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَكْثَرُ منه وَخُذُوا ما بَقِيَ من حَقِّكُمْ وَلَوْ كان الرَّاهِنُ الْمَيِّتَ وَالْمُرْتَهِنُ الْحَيَّ كان الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُرْتَهِنِ فَإِنْ قال الْمُرْتَهِنُ قد قَضَانِي شيئا من الْحَقِّ ما أَعْرِفُهُ قِيلَ لِلرَّاهِنِ إنْ كان حَيًّا وَوَرَثَتُهُ إنْ كان مَيِّتًا إن ادَّعَيْتُمْ شيئا تُسَمُّونَهُ أَحَلَفْنَاهُ لَكُمْ فَإِنْ حَلَفَ بريء منه وَقُلْنَا أَقَرَّ بِشَيْءٍ ما كان فما أَقَرَّ بِهِ وَحَلَفَ ما هو أَكْثَرُ منه قَبِلْنَا قَوْلَهُ فيه - * جِنَايَةُ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ على سَيِّدِهِ وَمِلْكِ سَيِّدِهِ عَمْدًا أو خَطَأً - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ فَجَنَى الْعَبْدُ على سَيِّدِهِ جِنَايَةً تَأْتِي على نَفْسِهِ فولى سَيِّدِهِ بِالْخِيَارِ بين الْقِصَاصِ منه وَبَيْنَ الْعَفْوِ بِلَا شَيْءٍ في رَقَبَتِهِ فَإِنْ اقْتَصَّ منه فَقَدْ بَطَلَ الرَّهْنُ فيه وَإِنْ عَفَا عنه بِلَا شَيْءٍ يَأْخُذُهُ منه فَالْعَبْدُ مَرْهُونٌ بِحَالِهِ وَإِنْ عَفَا عنه بِأَخْذِ دِيَتِهِ من رَقَبَتِهِ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ جِنَايَتَهُ على سَيِّدِهِ إذَا أَتَتْ على نَفْسِ سَيِّدِهِ كَجِنَايَتِهِ على الْأَجْنَبِيِّ لَا تَخْتَلِفُ في شَيْءٍ وَمَنْ قال هذا قال إنَّمَا مَنَعَنِي إذَا تَرَكَ الْوَلِيُّ الْقَوَدَ على أَخْذِ
____________________

(3/176)


الْمَالِ أَنْ أُبْطِلَ الْجِنَايَةَ أَنَّ الْجِنَايَةَ التي لَزِمَتْ الْعَبْدَ مَالٌ لِلْوَارِثِ وَالْوَارِثُ ليس بِمَالِكٍ لِلْعَبْدِ يوم جَنَى فَيَبْطُلُ حَقُّهُ في رَقَبَتِهِ بِأَنَّهُ مِلْكٌ له وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْجِنَايَةَ هَدَرٌ من قِبَلِ أَنَّ الْوَارِثَ إنَّمَا يَمْلِكُهَا بعد ما يَمْلِكُهَا الْمَجْنِيُّ عليه وَمَنْ قال هذا قال لَوْلَا أَنَّ الْمَيِّتَ مَالِكٌ ما قَضَى بها دَيْنَهُ وَلَوْ كان لِلسَّيِّدِ وَارِثَانِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا عن الْجِنَايَةِ بِلَا مَالٍ كان الْعَفْوُ في الْقَوْلِ الْأَوَّلِ جَائِزًا وكان الْعَبْدُ مَرْهُونًا بِحَالِهِ وَإِنْ عَفَا الْآخَرُ بِمَالٍ يَأْخُذُهُ بِيعَ نِصْفُهُ في الْجِنَايَةِ وكان لِلَّذِي لم يَعْفُ ثَمَنُ نِصْفِهِ إنْ كان مِثْلَ الْجِنَايَةِ أو أَقَلَّ وكان نِصْفُهُ مَرْهُونًا وَسَوَاءٌ الذي عَفَا عن الْمَالِ وَاَلَّذِي عَفَا عن غَيْرِ شَيْءٍ فِيمَا وَصَفْت وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَلِلسَّيِّدِ الْمَقْتُولِ وَرَثَةٌ صِغَارٌ وَبَالِغُونَ وَأَرَادَ الْبَالِغُونَ قَتْلَهُ لم يَكُنْ لهم قَتْلُهُ حتى يَبْلُغَ الصِّغَارُ وَلَوْ أَرَادَ الْمُرْتَهِنُ بَيْعَهُ عِنْدَ مَحِلِّ الْحَقِّ قبل أَنْ يَعْفُوَ أَحَدٌ من الْوَرَثَةِ لم يَكُنْ ذلك له وكان له أَنْ يَقُومَ في مَالِ الْمَيِّتِ بِمَالِهِ قِيَامَ من لَا رَهْنَ له فَإِنْ حَاصَّ الْغُرَمَاءَ فَبَقِيَ من حَقِّهِ شَيْءٌ ثُمَّ عَفَا بَعْضُ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ الْبَالِغِينَ بِلَا مَالٍ يَأْخُذُهُ كان حَقُّ الْعَافِينَ من الْعَبْدِ رَهْنًا له يُبَاعُ له دُونَ الْغُرَمَاءِ حتى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ وإذا عَفَا أَحَدُ الْوَرَثَةِ الْبَالِغِينَ عن الْقَوَدِ فَلَا سَبِيلَ إلَى الْقَوَدِ وَيُبَاعُ نَصِيبُ من لم يَبْلُغْ من الْوَرَثَةِ ولم يَعْفُ إنْ كان الْبَيْعُ نَظَرًا له في قَوْلِ من قال إنَّ ثَمَنَ الْعَبْدِ يُمْلَكُ بِالْجِنَايَةِ على مَالِكِهِ حتى يَسْتَوْفُوا مَوَارِيثَهُمْ من الدِّيَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ في ثَمَنِهِ فَضْلٌ عنها فَيُرَدَّ رَهْنًا وَلَوْ كانت جِنَايَةُ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ على سَيِّدِهِ الرَّاهِنِ عَمْدًا فيها قِصَاصٌ لم يَأْتِ على النَّفْسِ كان لِلسَّيِّدِ الرَّاهِنِ الْخِيَارُ في الْقَوَدِ أو الْعَفْوِ فَإِنْ عَفَا على غَيْرِ شَيْءٍ فَالْعَبْدُ رَهْنٌ بِحَالِهِ وَإِنْ قال أعفو ( ( ( أعفوا ) ) ) على أَنْ آخُذَ أَرْشَ الْجِنَايَةِ من رَقَبَتِهِ فَلَيْسَ له ذلك وَالْعَبْدُ رَهْنٌ بِحَالِهِ وَلَا يَكُونُ له على عَبْدِهِ دَيْنٌ وَإِنْ كانت جِنَايَتُهُ على سَيِّدِهِ عَمْدًا لَا قَوَدَ فيها أو خَطَأً فَهِيَ هَدَرٌ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ بِجِنَايَتِهِ عليه من الْعَبْدِ إلَّا ما كان له قبل جِنَايَتِهِ وَلَا يَكُونُ له دَيْنٌ عليه لِأَنَّهُ مَالٌ له وَلَا يَكُونُ له على مَالِهِ دَيْنٌ وَإِنْ جَنَى الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ على عَبْدٍ لِلسَّيِّدِ جِنَايَةً في نَفْسٍ أو ما دُونَهَا فَالْخِيَارُ إلَى السَّيِّدِ الرَّاهِنِ فَإِنْ شَاءَ اقْتَصَّ منه في الْقَتْلِ وَغَيْرِهِ مِمَّا فيه الْقِصَاصُ وَإِنْ شَاءَ عَفَا وَبِأَيِّ الْوَجْهَيْنِ عَفَا فَالْعَبْدُ رَهْنٌ بِحَالِهِ إنْ عَفَا على غَيْرِ شَيْءٍ أو عَفَا على مَالٍ يَأْخُذُهُ فَالْعَبْدُ رَهْنٌ بِحَالِهِ وَلَا مَالَ له في رَقَبَةِ عَبْدِهِ وَلَوْ كانت جِنَايَةُ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ على عَبْدٍ لِلرَّاهِنِ مَرْهُونٌ عِنْدَ آخَرَ كان لِلسَّيِّدِ الْخِيَارُ في الْقَوَدِ أو في الْعَفْوِ بِلَا شَيْءٍ يَأْخُذُهُ فَأَيَّهُمَا اخْتَارَ فَذَلِكَ له ليس لِمُرْتَهِنِ الْعَبْدِ الْمَجْنِيِّ عليه أَنْ يَمْنَعَهُ من ذلك وَإِنْ اخْتَارَ الْعَفْوَ على مَالٍ يَأْخُذُهُ فَالْمَالُ مَرْهُونٌ في يَدَيْ مُرْتَهِنِ الْعَبْدِ الْمَجْنِيِّ عليه وَإِنْ اخْتَارَ سَيِّدُ الْعَبْدِ عَفْوَ الْمَالِ بَعْدَ اخْتِيَارِهِ إيَّاهُ لم يَكُنْ ذلك له لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ فيه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ أَجَزْت لِلسَّيِّدِ الرَّاهِنَ أَنْ يَأْخُذَ جِنَايَةَ الْمُرْتَهِنِ على عَبْدِهِ من عِتْقِ عَبْدِهِ الْجَانِي وَلَا يَمْنَعُ الْمُرْتَهِنُ السَّيِّدَ الْعَفْوَ على غَيْرِ مَالٍ لِأَنَّ الْمَالَ لَا يَكُونُ على الْجَانِي عَمْدًا حتى يَخْتَارَهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ وإذا جَنَى الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ على أُمِّ وَلَدٍ لِلرَّاهِنِ أو مُدَبَّرٍ أو مُعْتَقٍ إلَى أَجَلٍ فَهِيَ كَجِنَايَتِهِ على مَمْلُوكِهِ وَالْعَبْدُ مَرْهُونٌ بِحَالِهِ فَإِنْ جَنَى على مُكَاتَبِ السَّيِّدِ فَقَتَلَهُ عَمْدًا فَلِلسَّيِّدِ الْقَوَدُ أو الْعَفْوُ فَإِنْ تَرَكَ الْقَوَدَ فَالْعَبْدُ رَهْنٌ بِحَالِهِ وَإِنْ كانت الْجِنَايَةُ على الْمُكَاتَبِ جُرْحًا فَلِلْمَكَاتِبِ الْقَوَدُ أو الْعَفْوُ على مَالٍ يَأْخُذُهُ وإذا عَفَاهُ عنه على مَالٍ بِيعَ الْعَبْدُ الْجَانِي فَدُفِعَ إلَى الْمُكَاتَبِ أَرْشُ الْجِنَايَةِ عليه وإذا حُكِمَ لِلْمُكَاتِبِ بِأَنْ يُبَاعَ له الْعَبْدُ في الْجِنَايَةِ عليه ثُمَّ مَاتَ الْمُكَاتَبُ قبل بَيْعِهِ أو عَجَزَ فَلِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ بَيْعُهُ في الْجِنَايَةِ حتى يَسْتَوْفِيَهَا فَيَكُونَ ما فَضَلَ من ثَمَنِهِ أو رَقَبَتِهِ رَهْنًا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ عن مُكَاتَبِهِ بِمِلْكٍ غَيْرِ الْمِلْكِ الْأَوَّلِ وَلَوْ بِيعَ وَالْمُكَاتَبُ حَيٌّ ثُمَّ اشْتَرَاهُ السَّيِّدُ لم يَكُنْ عليه أَنْ يُعِيدَهُ رَهْنًا لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِغَيْرِ الْمِلْكِ الْأَوَّلِ وإذا جَنَى الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ على بن لِلرَّاهِنِ أو أَخٍ أو مَوْلًى جِنَايَةً تَأْتِي على نَفْسِهِ وَالرَّاهِنُ وَارِثُ الْمَجْنِيِّ عليه فَلِلرَّاهِنِ الْقَوَدُ أو الْعَفْوُ على الدِّيَةِ أو غَيْرِ الدِّيَةِ فإذا عَفَا على
____________________

(3/177)


الدِّيَةِ بِيعَ الْعَبْدُ وَخَرَجَ من الرَّهْنِ فَإِنْ اشْتَرَاهُ الرَّاهِنُ فَهُوَ مَمْلُوكٌ له لَا يُجْبَرُ أَنْ يُعِيدَهُ إلَى الرَّهْنِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِغَيْرِ الْمِلْكِ الْأَوَّلِ وَإِنْ قال الْمُرْتَهِنُ أنا اسلم الْعَبْدَ وَأَفْسَخُ الرَّهْنَ فيه وَحَقِّي في ذِمَّةِ الرَّاهِنِ قِيلَ إنْ تَطَوَّعْت بِذَلِكَ وَإِلَّا لم ( ( ( لما ) ) ) تُكْرَهُ عليه وَبَلَغْنَا الْجَهْدُ في بَيْعِهِ فَإِنْ فَضَلَ من ثَمَنِهِ فَضْلٌ فَهُوَ رَهْنٌ لَك وَإِنْ لم يَفْضُلْ فَالْحَقُّ أتى على رَهْنِهِ وَإِنْ مَلَكَهُ الرَّاهِنُ بِشِرَاءٍ او تَرَكَ منه لِلرَّهْنِ لم يَكُنْ عليه أَنْ يُعِيدَهُ رَهْنًا لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِمِلْكٍ غَيْرِ الْأَوَّلِ وَبَطَلَ الْأَوَّلُ وَبَطَلَ الرَّهْنُ بِفَسْخِك الرَّهْنَ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لو رَهَنَ رَجُلًا عَبْدًا فَاسْتَحَقَّهُ عليه رَجُلٌ كان خَارِجًا من الرَّهْنِ وَإِنْ مَلَكَهُ الرَّاهِنُ لم يَكُنْ عليه أَنْ يُعِيدَهُ رَهْنًا لِمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ إذَا كان رَهَنَهُ وَلَيْسَ له فلم يَكُنْ رَهْنًا كما لو رَهَنَهُ رَهْنًا فَاسِدًا لم يَكُنْ رَهْنًا وَالْآخَرُ أَنَّ هذا الْمِلْكَ غَيْرُ الْمِلْكِ الْأَوَّلِ وَإِنَّمَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَبْطَلَ جِنَايَةَ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ إذَا جَنَى على بن سَيِّدِهِ أو على أَحَدٍ السَّيِّدُ وَارِثُهُ أَنَّ الْجِنَايَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ لِلْمَجْنِيِّ عليه وَالْمَجْنِيُّ عليه غَيْرُ سَيِّدِ الْجَانِي وَلَا رَاهِنِهِ وَإِنَّمَا مَلَكَهَا سَيِّدُهُ الرَّاهِنُ عن الْمَجْنِيِّ عليه بِمَوْتِ الْمَجْنِيِّ عليه وَهَذَا مِلْكٌ غَيْرُ مِلْكِ السَّيِّدِ الْأَوَّلِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا رَهَنَ عَبْدَهُ ثُمَّ عَدَا الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ على بن لِنَفْسِهِ مَمْلُوكُ الرَّاهِنِ فَقَتَلَهُ عَمْدًا أو خَطَأً أو جَرَحَهُ جُرْحًا عَمْدًا أو خَطَأً فَلَا قَوَدَ بين الرَّجُلِ وَبَيْنَ ابْنِهِ وَالْجِنَايَةُ مَالٌ في عُنُقِ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ فَلَا يَكُونُ لِلسَّيِّدِ بَيْعُهُ بها وَلَا إخْرَاجُهُ من الرَّهْنِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ له في عُنُقِ عَبْدِهِ دَيْنٌ وَهَكَذَا لو كانت أَمَةً فَقَتَلَتْ ابْنَهَا وَلَوْ كان الأبن الْمَقْتُولُ رَهْنًا لِرَجُلٍ غَيْرِ الْمُرْتَهِنِ لِلْأَبِ بِيعَ الْعَبْدُ الْأَبُ الْقَاتِلُ فَجُعِلَ ثَمَنُ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ الْمَقْتُولِ رَهْنًا في يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ مَكَانَهُ وَلَوْ كان الأبن مَرْهُونًا لِرَجُلٍ غَيْرِ مُرْتَهِنِ الْأَبِ بِيعَ الْأَبُ فَجُعِلَ ثَمَنُ الأبن رَهْنًا مَكَانَهُ ولم يَكُنْ لِلسَّيِّدِ عَفْوُهُ لِأَنَّ هذا لم يَجِبْ عليه قَوَدٌ قَطُّ إنَّمَا وَجَبَ في عِتْقِهِ مَالٌ فَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَعْفُوَهُ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ فيه وَلَوْ كان الْأَبُ والأبن مَمْلُوكَيْنِ لِرَجُلٍ وَرَهَنَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَجُلًا على حِدَةٍ فَقَتَلَ الأبن الْأَبَ كان لِسَيِّدِ الْأَبِ أَنْ يَقْتُلَ الأبن أو يَعْفُوَ عن الْقَتْلِ بِلَا مَالٍ وَكَذَلِكَ لو كان جَرَحَهُ جُرْحًا فيه قَوَدٌ كان له الْقَوَدُ أو الْعَفْوُ بِلَا مَالٍ فَإِنْ إختار الْعَفْوَ بِالْمَالِ بِيعَ الأبن وَجُعِلَ ثَمَنُهُ رَهْنًا مَكَانَ ما لَزِمَهُ من أَرْشِ الْجِنَايَةِ وإذا كان هذا الْقَتْلُ خَطَأً وَالْعَبْدَانِ مَرْهُونَانِ لِرَجُلَيْنِ مُفْتَرِقَيْنِ فَلَا شَيْءَ لِلسَّيِّدِ من الْعَفْوِ وَيُبَاعُ الْجَانِي فَيُجْعَلُ ثَمَنُهُ رَهْنًا لِمُرْتَهِنِ الْعَبْدِ الْمَجْنِيِّ عليه لِأَنَّهُ لم يَكُنْ في أَعْنَاقِهِمَا حُكْمٌ إلَّا الْمَالُ لَا خِيَارَ فيه لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ أَجْنَبِيًّا كان أو سَيِّدًا وَإِنْ جَنَى الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ على نَفْسِهِ جِنَايَةً عَمْدًا أو خَطَأً فَهِيَ هَدَرٌ وَإِنْ جَنَى الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ على أمرأته أو أُمِّ وَلَدِهِ جِنَايَةً فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَإِنْ كانت الْأَمَةُ لِرَجُلٍ فَنَكَحَهَا الْعَبْدُ فَالْجِنَايَةُ لِمَالِكِ الْجَارِيَةِ يُبَاعُ فيها الرَّهْنُ فَيُعْطَى قِيمَةَ الْجَنِينِ إلَّا أَنْ يَكُونَ في الْعَبْدِ الرَّهْنِ فَضْلٌ عن قِيمَةِ الْجَنِينِ فَيُبَاعُ منه بِقَدْرِ قيمة الْجَنِينِ وَجِنَايَتُهُ على الْجَنِينِ كَجِنَايَتِهِ على غَيْرِهِ خَطَأً ليس لِلسَّيِّدِ عَفْوُهَا لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ فيها وَيَكُونُ ما بَقِيَ منه رَهْنًا وإذا جَنَى الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ على حُرٍّ جِنَايَةً عَمْدًا فَاخْتَارَ الْمَجْنِيُّ عليه أو أَوْلِيَاؤُهُ الْعَقْلَ بيع ( ( ( ببيع ) ) ) الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ بِذَهَبٍ أو وَرِقٍ ثُمَّ اشْتَرَى بِثَمَنِهِ إبل ( ( ( إبلا ) ) ) فَدُفِعَتْ إلَى الْمَجْنِيِّ عليه إنْ كان حَيًّا أو أَوْلِيَائِهِ إنْ كان مَيِّتًا وَكَذَلِكَ إذَا جَنَاهَا خَطَأً وَإِنْ اخْتَارَ أَوْلِيَاؤُهُ الْعَفْوَ عن الْجِنَايَةِ على غَيْرِ شَيْءٍ يَأْخُذُونَهُ فَالْعَبْدُ مَرْهُونٌ بِحَالِهِ - * إقْرَارُ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ بِالْجِنَايَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَبْدًا وَأَقْبَضَهُ الْمُرْتَهِنَ فَادَّعَى عليه الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ جَنَى عليه أو على رَجُلٍ هو وَلِيُّهُ جِنَايَةً عَمْدًا في مِثْلِهَا قَوَدٌ فَأَقَرَّ بِذَلِكَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ وَأَنْكَرَ الرَّاهِنُ ذلك أو لم يُقِرَّ بِهِ ولم
____________________

(3/178)


يُنْكِرْهُ فَإِقْرَارُ الْعَبْدِ لَازِمٌ له وهو كَقِيَامِ الْبَيِّنَةِ عليه وَلَا يَكُونُ قَبُولُهُ أَنْ يَرْتَهِنَهُ وهو جَانٍ عليه إبْطَالًا لِدَعْوَاهُ لِجِنَايَةٍ كانت قبل الرَّهْنِ أو بَعْدَهُ أو معه وَلَهُ الْخِيَارُ في أَخْذِ الْقَوَدِ أو الْعَفْوِ بِلَا مَالٍ أو الْعَفْوُ بِمَالٍ فَإِنْ اخْتَارَ الْقَوَدَ فَذَلِكَ وَإِنْ اخْتَارَ الْعَفْوَ بِلَا مَالٍ فَالْعَبْدُ مَرْهُونٌ بِحَالِهِ وَإِنْ اخْتَارَ الْمَالَ بِيعَ الْعَبْدُ في الْجِنَايَةِ فما فَضَلَ من ثَمَنِهِ كان رَهْنًا وَإِنْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِجِنَايَةٍ خَطَأً أو عَمْدًا لَا قَوَدَ فيها بِحَالٍ أو كان الْعَبْدُ مُسْلِمًا وَالْمُرْتَهِنُ كَافِرًا فَأَقَرَّ عليه بِجِنَايَةٍ عَمْدًا أو أَقَرَّ بِجِنَايَةٍ على بن نَفْسِهِ وَكَّلَ من لَا يُقَادُ منه بِحَالٍ فَإِقْرَارُهُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ أَقَرَّ في عُبُودِيَّتِهِ بِمَالٍ في عُنُقِهِ وَإِقْرَارُهُ بِمَالٍ في عُنُقِهِ كَإِقْرَارِهِ بِمَالٍ على سَيِّدِهِ لِأَنَّ عنقه ( ( ( عتقه ) ) ) وما بِيعَتْ بِهِ عنقه ( ( ( عتقه ) ) ) مَالٌ لِسَيِّدِهِ ما كان مَمْلُوكًا لِسَيِّدِهِ وَسَوَاءٌ كان ما وَصَفْت من الْإِقْرَارِ على الْمُرْتَهِنِ أو أَجْنَبِيٍّ غَيْرِ الْمُرْتَهِنِ وَلَوْ كان مَكَانَ الْأَجْنَبِيِّ وَالْمُرْتَهِنِ سَيِّدُ الْعَبْدِ الرَّاهِنِ فَأَقَرَّ الْعَبْدُ بِجِنَايَةٍ على سَيِّدِهِ قبل الرَّهْنِ أو بَعْدَهُ وَكَذَّبَهُ الْمُرْتَهِنُ فَإِنْ كانت الْجِنَايَةُ مِمَّا فيه قِصَاصٌ جَازَتْ على الْعَبْدِ فَإِنْ اُقْتُصَّ فَذَلِكَ وَإِنْ لم يُقْتَصَّ فَالْعَبْدُ مَرْهُونٌ بِحَالِهِ فَإِنْ كانت الْجِنَايَةُ عَمْدًا على بن الرَّاهِنِ أو من الرَّاهِنِ وَلِيَّهُ فَأَتَتْ على نَفْسِهِ فَأَقَرَّ بها الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ فَإِقْرَارُهُ جَائِزٌ وَلِسَيِّدِهِ الرَّاهِنِ قَتْلُهُ أو الْعَفْوُ على مَالٍ يَأْخُذُهُ في عُنُقِهِ كما يَكُونُ ذلك له في الْأَجْنَبِيِّ وَالْعَفْوُ على غَيْرِ مَالٍ فَإِنْ عَفَا على غَيْرِ مَالٍ فَهُوَ رَهْنٌ بِحَالِهِ وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُ الْعَبْدِ الرَّهْنِ وَلَا غَيْرِ الرَّهْنِ على نَفْسِهِ حتى يَكُونَ مِمَّنْ تَقُومُ عليه الْحُدُودُ فإذا كان مِمَّنْ تَقُومُ عليه الْحُدُودُ فَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ على نَفْسِهِ إلَّا فِيمَا فيه الْقَوَدُ وإذا أَقَرَّ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ على نَفْسِهِ بِأَنَّهُ جَنَى جِنَايَةً خَطَأً على غَيْرِ سَيِّدِهِ وَصَدَّقَهُ الْمُرْتَهِنُ وَكَذَّبَهُ مَالِكُ الْعَبْدِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَالِكِ الْعَبْدِ مع يَمِينِهِ وَالْعَبْدُ مَرْهُونٌ بِحَالِهِ وإذا بِيعَ بِالرَّهْنِ لم يُحْكَمْ على الْمُرْتَهِنِ بِأَنْ يعطى ثَمَنَهُ وَلَا شيئا منه لِلْمَجْنِيِّ عليه وَإِنْ كان في إقْرَارِهِ أَنَّهُ أَحَقُّ بِثَمَنِ الْعَبْدِ منه لِأَنَّ إقْرَارَهُ يَجْمَعُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِهِ في مَالِ غَيْرِهِ وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ في مَالِ غَيْرِهِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ لِلْمَجْنِيِّ عليه بِشَيْءٍ إذَا ثَبَتَ له فَمَالُهُ ليس في ذِمَّةِ الرَّاهِنِ فلما سَقَطَ أَنْ يَكُونَ مَالُهُ في ذِمَّةِ الرَّاهِنِ دُونَ الْعَبْدِ سَقَطَ عنه الْحُكْمُ بِإِخْرَاجِ ثَمَنِ الْعَبْدِ من يَدَيْهِ وَالْوَرَعُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَدْفَعَ من ثَمَنِهِ إلَى الْمَجْنِيِّ عليه قَدْرَ أَرْشِ الْجِنَايَةِ وَإِنْ جَحَدَهُ حَلَّ له أَنْ يَأْخُذَ أَرْشَ ذلك من ثَمَنِ الْعَبْدِ وَلَا يَأْخُذُهُ إنْ قَدَرَ من مَالِ الرَّاهِنِ غير ثَمَنِ الْعَبْدِ وَهَكَذَا لو أَنْكَرَ الْعَبْدُ الْجِنَايَةَ وَسَيِّدُهُ وَأَقَرَّ بها الْمُرْتَهِنُ وَلَوْ ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ أَنَّ الْعَبْدَ الْمَرْهُونَ في يَدَيْهِ جَنَى عليه جِنَايَةً خَطَأً وَأَقَرَّ بِذَلِكَ الْعَبْدُ وَأَنْكَرَ الرَّاهِنُ كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ ولم يَخْرُجْ الْعَبْدُ من الرَّهْنِ وَحَلَّ لِلْمُرْتَهِنِ أَخْذُ حَقِّهِ في الرَّهْنِ من وَجْهَيْنِ من أَصْلِ الْحَقِّ وَالْجِنَايَةِ إنْ كان يَعْلَمُهُ صَادِقًا وَلَوْ ادَّعَى الْجِنَايَةَ على الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ خَطَأً لأبن له هو وَلِيُّهُ وَحْدَهُ أو معه فيه وَلِيُّ غَيْرِهِ وَالْجِنَايَةُ خَطَأٌ وَأَقَرَّ بِذَلِكَ الْعَبْدُ وَأَنْكَرَهُ السَّيِّدُ فَالْقَوْلُ فيه قَوْلُ السَّيِّدِ وَالْعَبْدُ مَرْهُونٌ بِحَالِهِ وَهِيَ كَالْمَسْأَلَةِ في دَعْوَى الْأَجْنَبِيِّ على الْعَبْدِ الْجِنَايَةَ خَطَأً وَإِقْرَارِ الْعَبْدِ وَالْمُرْتَهِنِ بها وَتَكْذِيبِ الْمَالِكِ له - * جِنَايَةُ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ على الْأَجْنَبِيَّيْنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا جَنَى الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ أو جُنِيَ عليه فَجِنَايَتُهُ وَالْجِنَايَةُ عليه كَجِنَايَةِ الْعَبْدِ غَيْرِ الْمَرْهُونِ وَالْجِنَايَةُ عليه وَمَالِكُهُ الرَّاهِنُ الْخَصْمُ فيه فَيُقَالُ له إنْ فَدَيْته بِجَمِيعِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ فَأَنْتَ مُتَطَوِّعٌ وَالْعَبْدُ مَرْهُونٌ بِحَالِهِ وَإِنْ لم تَفْعَلْ لم تُجْبَرْ على أَنْ تَفْدِيَهُ وَبِيعَ الْعَبْدُ في جِنَايَتِهِ وَكَانَتْ الْجِنَايَةُ أَوْلَى بِهِ من الرَّهْنِ كما تَكُونُ الْجِنَايَةُ أَوْلَى بِهِ من مِلْكِك فَالرَّهْنُ أَضْعَفُ من مِلْكِك لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ فيه شَيْءٌ بِالرَّهْنِ بِمِلْكِك فَإِنْ كانت الْجِنَايَةُ لَا تَبْلُغُ قِيمَةَ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ ولم يَتَطَوَّعْ مَالِكُهُ بِأَنْ يَفْدِيَهُ لم يُجْبَرْ سَيِّدُهُ وَلَا الْمُرْتَهِنُ على أَنْ يُبَاعَ
____________________

(3/179)


منه إلَّا بِقَدْرِ الْجِنَايَةِ وَيَكُونُ ما بَقِيَ منه مَرْهُونًا وَلَا يُبَاعُ كُلُّهُ إذَا لم تَكُنْ الْجِنَايَةُ تُحِيطُ بِقِيمَتِهِ إلَّا بإجتماع الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ على بَيْعِهِ فإذا اجْتَمَعَا على بَيْعِهِ بِيعَ فَأُدِّيَتْ الْجِنَايَةُ وَخُيِّرَ مَالِكُهُ بين أَنْ يَجْعَلَ ما بَقِيَ من ثَمَنِهِ قِصَاصًا من الْحَقِّ عليه أو يَدَعَهُ رَهْنًا مَكَانَ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ وَلَا يَكُونُ تَسْلِيمُ الْمُرْتَهِنِ بَيْعَ الْعَبْدِ الْجَانِي كُلِّهِ وَإِنْ كان فيه فَضْلٌ كَبِيرٌ عن الْجِنَايَةِ فَسْخًا منه لِرَهْنِهِ وَلَا يَنْفَسِخُ فيه الرَّهْنُ إلَّا بِأَنْ يَبْطُلَ حَقُّهُ فيه أو يَبْرَأَ الرَّاهِنُ من الْحَقِّ الذي بِهِ الرَّهْنُ وَلَا أَحْسَبُ أَحَدًا يَعْقِلُ يَخْتَارُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنُ عَبْدِهِ رَهْنًا غير مَضْمُونٍ على أَنْ يَكُونَ قِصَاصًا من دَيْنِهِ وَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ مِمَّا قَبَضَ منه وإذا اخْتَارَ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا لم يَكُنْ لِلْمُرْتَهِنِ الإنتفاع بِثَمَنِهِ وَإِنْ أَرَادَ الرَّاهِنُ قَبْضَهُ لِيَنْتَفِعَ بِهِ لم يَكُنْ ذلك له وَلَيْسَ المنفعه بِالثَّمَنِ الذي هو دَنَانِيرُ وَدَرَاهِمُ كالمنفعه بِالْعَبْدِ الذي هو عَيْنٌ لو بَاعَهُ لم يَجُزْ بَيْعُهُ وَرُدَّ بِحَالِهِ وإذا بِيعَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ في الْجِنَايَةِ أو بَعْضُهُ لم يُكَلَّفْ الرَّاهِنُ أَنْ يَجْعَلَ مَكَانَهُ رَهْنًا لِأَنَّهُ بِيعَ بِحَقٍّ لَزِمَهُ لَا إتْلَافٍ منه هو له وَإِنْ أَرَادَ الْمُرْتَهِنُ أَنْ يَفْدِيَهُ بِالْجِنَايَةِ قِيلَ له إنْ فَعَلْت فَأَنْتَ مُتَطَوِّعٌ وَلَيْسَ لَك الرُّجُوعُ بها على مَالِكِ الْعَبْدِ وَالْعَبْدُ رَهْنٌ بِحَالِهِ وَإِنْ فَدَاهُ بِأَمْرِ سَيِّدِهِ وَضَمِنَ له ما فَدَاهُ بِهِ رَجَعَ بِمَا فَدَاهُ بِهِ على سَيِّدِهِ ولم يَكُنْ رَهْنًا إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ له رَهْنًا بِهِ فَيَكُونُ رَهْنًا بِهِ مع الْحَقِّ الْأَوَّلِ ( قال الرَّبِيعُ ) مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَنْفَسِخَ الرَّهْنُ الْأَوَّلُ فَيَجْعَلَهُ رَهْنًا بِمَا كان مَرْهُونًا وَبِمَا فَدَاهُ بِهِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كانت جِنَايَةُ الْعَبْدِ الرَّهْنِ عَمْدًا فَأَرَادَ الْمَجْنِيُّ عليه أو وَلِيُّهُ أَنْ يَقْتَصَّ منه فَذَلِكَ له وَلَا يَمْنَعُ الرَّهْنُ حَقًّا عليه في عُنُقِهِ وَلَا في بَدَنِهِ وَلَوْ كان جَنَى قبل أَنْ يَرْهَنَ ثُمَّ قام عليه الْمَجْنِيُّ عليه كان ذلك له كما يَكُونُ له لو جَنَى بَعْدَ أَنْ كان رَهْنًا لَا يَخْتَلِفُ ذلك وَلَا يُخْرِجُهُ من الرَّهْنِ أَنْ يَجْنِيَ قبل أَنْ يَكُونَ رَهْنًا ثُمَّ يَرْهَنُ وَلَا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا إذَا لم يُبَعْ في الْجِنَايَةِ وإذا جَنَى الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ وَلَهُ مَالٌ أو اكْتَسَبَ بَعْدَ الجنايه مَالًا أو وُهِبَ له فَمَالُهُ لِسَيِّدِهِ الرَّاهِنِ دُونَ الْمُرْتَهِنِ وَجِنَايَتُهُ في عُنُقِهِ كَهِيَ في عُنُقِ الْعَبْدِ غَيْرِ الْمَرْهُونِ وَلَوْ بِيعَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ فلم يَتَفَرَّقْ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي حتى جَنَى كان لِلْمُشْتَرِي رَدُّهُ لِأَنَّ هذا عَيْبٌ حَدَثَ بِهِ وَلَهُ رَدُّهُ بِلَا عَيْبٍ وَلَوْ جَنَى ثُمَّ بِيعَ فَعَلِمَ الْمُشْتَرِي قبل التَّفَرُّقِ أو بَعْدَهُ بِجِنَايَتِهِ كان له رَدُّهُ لِأَنَّ هذا عَيْبٌ دُلِّسَ له وَلَوْ بِيعَ وَتَفَرَّقَ الْمُتَبَايِعَانِ أو خَيَّرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ فَاخْتَارَ إمْضَاءَ الْبَيْعِ ثُمَّ جَنَى كان من المشتري ولم يُرَدَّ الْبَيْعُ لِأَنَّ هذا حَادِثٌ في مِلْكِهِ بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ بِكُلِّ حَالٍ له وَلَوْ جَنَى الْعَبْدُ الرَّهْنُ جِنَايَةً عَمْدًا كان لِلْمَجْنِيِّ عليه أو وَلِيِّهِ الْخِيَارُ بين الْأَرْشِ وَالْقِصَاصِ فَإِنْ اخْتَارَ الْأَرْشَ كان في عُنُقِ الْعَبْدِ يُبَاعُ فيه كما يُبَاعُ في الْجِنَايَةِ خَطَأً وَإِنْ اخْتَارَ الْقِصَاصَ كان له وإذا جَنَى الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ فلم يفده ( ( ( يقده ) ) ) سَيِّدُهُ بِالْجِنَايَةِ فَبِيعَ فيها لم يُكَلَّفْ سَيِّدُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِرَهْنٍ سِوَاهُ لِأَنَّهُ بِيعَ عليه بِحَقٍّ لَا جِنَايَةٍ لِلسَّيِّدِ فَإِنْ كان السَّيِّدُ أَمَرَ الْعَبْدَ بِالْجِنَايَةِ وكان بَالِغًا يَعْقِلُ فَهُوَ آثِمٌ وَلَا يُكَلَّفُ السَّيِّدُ إذَا بِيعَ فيها أو قُتِلَ أَنْ يَأْتِيَ بِرَهْنِ غَيْرِهِ وَإِنْ كان الْعَبْدُ صَبِيًّا أو أَعْجَمِيًّا فَبِيعَ في الْجِنَايَةِ كُلِّفَ السَّيِّدُ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ ثَمَنًا وَيَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يَجْعَلَهَا قِصَاصًا من الْحَقِّ وإذا تَمَّ الرَّهْنُ بِالْقَبْضِ كان الْمُرْتَهِنُ أَوْلَى بِهِ من غُرَمَاءِ السَّيِّدِ وَوَرَثَتِهِ إنْ مَاتَ وَأَهْلِ وَصَايَاهُ حتى يَسْتَوْفِيَ حقه فيه ثُمَّ يَكُونَ لهم الْفَضْلُ عن حَقِّهِ وإذا اذن الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ ان يَرْهَنَ عَبْدًا لِلْإِذْنِ فَرَهَنَهُ فَجَنَى الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ جِنَايَةً فَجِنَايَتُهُ في عُنُقِهِ وَالْقَوْلُ في هل يَرْجِعُ سَيِّدُ الْعَبْدِ الْآذِنُ على الرَّاهِنِ الْمَأْذُونِ له بِمَا لَزِمَ عَبْدَهُ من جِنَايَتِهِ وَبِتَلَفٍ ان اصابه في يَدَيْهِ قبل ان يَفْدِيَهُ كما يَرْجِعُ عليه لو ان الْعَبْدَ الْمَرْهُونَ عَارِيَّةٌ في يَدَيْهِ لَا رَهْنٌ أو لَا يَرْجِعُ قَوْلَانِ احدهما انه عاريه فَهُوَ ضَامِنٌ له كما تُضْمَنُ العاريه وَالْآخَرُ انه لَا يَضْمَنُ شيئا مِمَّا اصابه وَمَنْ قال هذا قال فَلَيْسَ كالعاريه لِأَنَّ خِدْمَتَهُ
____________________

(3/180)


لِسَيِّدِهِ وَالرَّهْنَ في عُنُقِهِ كَضَمَانِ سَيِّدِهِ لو ضَمِنَ عن الرَّاهِنِ وَالْعَارِيَّةُ ما كانت مَنْفَعَتُهَا مَشْغُولَةً عن مُعِيرِهَا وَمَنْفَعَةُ هذا له قَائِمَةٌ وَمَنْ ضَمَّنَ الرَّاهِنَ ضَمَّنَ رَجُلًا لو رَهَنَ الرَّجُلُ عن الرَّجُلِ مَتَاعًا له بِأَمْرِ الْمَرْهُونِ وكان هذا عِنْدِي أَشْبَهَ الْقَوْلَيْنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - * الْجِنَايَةُ على الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ فِيمَا فيه قِصَاصٌ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَبْدَهُ وَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ فَجَنَى على الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ عَبْدٌ لِلرَّاهِنِ أو لِلْمُرْتَهِنِ أو لِغَيْرِهِمَا جِنَايَةً أَتَتْ على نَفْسِهِ فَالْخَصْمُ في الْجِنَايَةِ سَيِّدُ الْعَبْدِ الرَّاهِنِ وَلَا يَنْتَظِرُ الْحَاكِمُ الْمُرْتَهِنَ وَلَا وَكِيلَهُ لِيَحْضُرَ السَّيِّدُ لِأَنَّ الْقِصَاصَ إلَى السَّيِّدِ دُونَ الْمُرْتَهِنِ وَعَلَى الْحَاكِمِ إذَا ثَبَتَ ما فيه الْقِصَاصُ أَنْ يُخَيَّرَ سَيِّدُ الْعَبْدِ الرَّاهِنِ بين الْقِصَاصِ وَأَخْذِ قِيمَةِ عَبْدِهِ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ فَإِنْ اخْتَارَ الْقِصَاصَ دُفِعَ إلَيْهِ قَاتِلُ عَبْدِهِ فَإِنْ قَتَلَهُ قَتَلَهُ بِحَقِّهِ ولم يَكُنْ عليه أَنْ يُبْدِلَ الْمُرْتَهِنَ شيئا مَكَانَهُ كما لَا يَكُونُ عليه لو مَاتَ أَنْ يُبْدِلَهُ مَكَانَهُ وَلَوْ عَفَا عنه بِلَا مَالٍ يَأْخُذُهُ منه كان ذلك له لِأَنَّهُ دَمٌ مَلَكَهُ فَعَفَاهُ وَإِنْ اخْتَارَ أَخْذَ قِيمَةِ عَبْدِهِ أَخَذَهُ الْقَاضِي بِأَنْ يَدْفَعَهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ إنْ كان الرَّهْنُ على يَدَيْهِ أو من على يَدَيْهِ الرَّهْنُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يَجْعَلَهُ قِصَاصًا من حَقِّ الْمُرْتَهِنِ عليه وَإِنْ اخْتَارَ تَرْكَ الْقَوَدِ على أَخْذِ قِيمَةِ عَبْدِهِ ثُمَّ أَرَادَ عَفْوًا بِلَا أَخْذِ قِيمَةِ عَبْدِهِ لم يَكُنْ ذلك له وَأُخِذَتْ قِيمَةُ عَبْدِهِ فَجُعِلَتْ رَهْنًا وَكَذَلِكَ لو اخْتَارَ أَخْذَ الْمَالِ ثُمَّ قال أنا أَقْتُلُ قَاتِلَ عَبْدِي فَلَيْسَ ذلك له وَإِنْ اخْتَارَ أَخْذَ الْمَالِ بَطَلَ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ قد أَخَذَ أَحَدَ الْحُكْمَيْنِ وَتَرَكَ الْآخَرَ وَإِنْ عَفَا الْمَالَ الذي وَجَبَ له بَعْدَ اخْتِيَارِهِ أو أَخَذَهُ وهو أَكْثَرُ من قِيمَةِ عَبْدِهِ أو مِثْلُهُ أو أَقَلُّ لم يَجُزْ عَفْوُهُ لِأَنَّهُ وَهَبَ شيئا قد وَجَبَ رَهْنًا لِغَيْرِهِ وإذا بريء من الْمَالِ بِأَنْ يَدْفَعَ الْحَقَّ إلَى الْمُرْتَهِنِ من مَالٍ له غَيْرِ الْمَالِ الْمَرْهُونِ أو أَبْرَأَهُ منه الْمُرْتَهِنُ رَدَّ الْمَالَ الذي عَفَاهُ عن الْعَبْدِ الْجَانِي على سَيِّدِ الْجَانِي لِأَنَّ الْعَفْوَ بَرَاءَةٌ من شَيْءٍ بِيَدِ الْمَعْفُوِّ عنه فَهُوَ كَالْعَطِيَّةِ الْمَقْبُوضَةِ وَإِنَّمَا رَدَدْتهَا لِعِلَّةِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فيها فإذا ذَهَبَتْ تِلْكَ الْعِلَّةُ فَهِيَ تَامَّةٌ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ الْجَانِي بِالْعَفْوِ الْمُتَقَدِّمِ وإذا قَضَى الْمُرْتَهِنُ حَقَّهُ مِمَّا أَخَذَ من قِيمَةِ عَبْدِهِ لم يَغْرَمْ من الْمَالِ الذي قَضَاهُ شيئا لِلْمَعْفُوِّ عنه وَإِنْ فَضَلَ في يَدَيْهِ فَضْلٌ عن حَقِّهِ رَدَّهُ على سَيِّدِ الْعَبْدِ الْمَعْفُوِّ عنه الْجِنَايَةُ وَالْمَالُ وَإِنْ أَرَادَ مَالِكُ الْعَبْدِ الرَّاهِنِ أَنْ يَهَبَ لِلْمُرْتَهِنِ ما فَضَلَ عن حَقِّهِ لم يَكُنْ ذلك له وَإِنْ قضى بِقِيمَةِ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ الْمَرْهُونِ دَرَاهِمُ وَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ دَنَانِيرُ وَأَخَذَهَا الرَّاهِنُ فَدَفَعَهَا إلَى الْمُرْتَهِنِ فَأَرَادَ الرَّاهِنُ أَنْ يَدَعَهَا لِلْمُرْتَهِنِ بِحَقِّهِ ولم يُرِدْ ذلك الْمُرْتَهِنُ لم يَكُنْ ذلك له وَبِيعَتْ فأعطى صَاحِبُ الْحَقِّ وَسَيِّدُ الْعَبْدِ الْمَعْفُوِّ عنه ما فَضَلَ من أَثْمَانِهَا وَإِنَّمَا مَنَعَنِي لو كان الرَّاهِنُ مُوسِرًا أَنْ أُسَلِّمَ عَفْوَهُ عن الْمَالِ بَعْدَ أَنْ اخْتَارَهُ وَأَصْنَعُ فيه ما أَصْنَعُ في الْعَبْدِ لو أَعْتَقَهُ وهو مُوسِرٌ أَنَّ حُكْمَ الْعِتْقِ مُخَالِفٌ جَمِيعَ ما سِوَاهُ أنا إذَا وَجَدْت السَّبِيلَ إلَى الْعِتْقِ بِبَدَلٍ منه أَمْضَيْته وَعَفْوُ الْمَالِ مُخَالِفٌ له فإذا عَفَا ما غَيْرُهُ أَحَقُّ بِهِ حتى يستوفي حَقُّهُ كان عَفْوُهُ في حَقِّ غَيْرِهِ بَاطِلًا كما لو وَهَبَ عَبْدَهُ الْمَرْهُونَ لِرَجُلٍ وَأَقْبَضَهُ إيَّاهُ أو تَصَدَّقَ بِهِ عليه صَدَقَةً مُحَرَّمَةً وَأَقْبَضَهُ إيَّاهُ كان ما صَنَعَ من ذلك مَرْدُودًا حتى يَقْبِضَ الْمُرْتَهِنُ حَقَّهُ من ثَمَنِ رَهْنِهِ وَالْبَدَلُ من رَهْنِهِ يَقُومُ مَقَامَ رَهْنِهِ لَا يَخْتَلِفَانِ وَلَوْ جَنَى على الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ ثَلَاثَةُ أَعْبُدَ كان على الْحَاكِمِ أَنْ يُخَيِّرَ سَيِّدَ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ بين الْقِصَاصِ وَبَيْنَ أَخْذِ قِيمَةِ عَبْدِهِ أو الْعَفْوِ فَإِنْ اخْتَارَ الْقِصَاصَ فِيهِمْ فَذَلِكَ له في قَوْلِ من قَتَلَ أَكْثَرَ من وَاحِدٍ بِوَاحِدٍ وَإِنْ اخْتَارَ أَنْ يَقْتَصَّ من
____________________

(3/181)


أَحَدِهِمْ وَيَأْخُذَ ما لَزِمَ الأثنين من قِيمَةِ عَبْدِهِ كان له وَيُبَاعَانِ فيها كما وَصَفْت وَيَكُونُ ثَمَنُ عَبْدِهِ من ثَمَنِهِمَا رَهْنًا كما ذَكَرْت وَإِنْ اخْتَارَ أَنْ يَأْخُذَ ثَمَنَ عَبْدِهِ مِنْهُمَا ثُمَّ أَرَادَ عَفْوًا عنهما أو عن أَحَدِهِمَا كان الْجَوَابُ فيها كَالْجَوَابِ في الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا في الْعَبْدِ الْوَاحِدِ إذَا اخْتَارَ أَخْذَ قِيمَةِ عَبْدِهِ من رَقَبَتِهِ ثُمَّ عَفَاهَا وَأُحِبُّ أَنْ يُحْضِرَ الْحَاكِمُ الْمُرْتَهِنَ أو وَكِيلَهُ احْتِيَاطًا لِئَلَّا يَخْتَارَ الرَّاهِنُ أَخْذَ الْمَالِ ثُمَّ يَدَعُهُ أو يُفَرِّطُ فيه فَيَهْرُبُ الْعَبْدُ الْجَانِي وَإِنْ اخْتَارَ الرَّاهِنُ أَخْذَ الْمَالِ من الْجَانِي على عَبْدِهِ ثُمَّ فَرَّطَ فيه حتى يَهْرُبَ الْجَانِي لم يَغْرَمْ الرَّاهِنُ شيئا بِتَفْرِيطِهِ ولم يَكُنْ عليه أَنْ يَضَعَ رَهْنًا مَكَانَهُ وكان كَعَبْدِهِ لو رَهَنَهُ رَجُلًا فَهَرَبَ وَلَا أَجْعَلُ الْحَقَّ حَالًا بِحَالٍ وهو إلَى أَجَلٍ وَلَوْ تَعَدَّى فيه الرَّاهِنُ وَلَوْ جَنَى حُرٌّ وَعَبْدٌ على عَبْدٍ مَرْهُونٍ جِنَايَةً عَمْدًا كان نِصْفُ قِيمَةِ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ على الْحُرِّ في مَالِهِ حَالَّةً تُؤْخَذُ منه فَتَكُونُ رَهْنًا إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ الرَّاهِنُ بِأَنْ يَجْعَلَهَا قِصَاصًا إذَا كانت دَنَانِيرَ أو دَرَاهِمَ وَخُيِّرَ في الْعَبْدِ كما وَصَفْت بين قَتْلِهِ أو الْعَفْوِ عنه أو أَخْذِ قِيمَةِ عَبْدِهِ من عُنُقِهِ فَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ الْجَانِي فَقَدْ بَطَلَ ما عليه من الْجِنَايَةِ وَإِنْ مَاتَ الْحُرُّ فَنِصْفُ قِيمَتِهِ في مَالِهِ وَإِنْ أَفْلَسَ الْحُرُّ فَهُوَ غَرِيمٌ وَكُلُّ ما أُخِذَ منه كان مَرْهُونًا وَالْحَقُّ كُلُّهُ في ذِمَّةِ الرَّاهِنِ لَا يَبْرَأُ منه بِتَلَفِ الرَّهْنِ وَتَلَفِ الْعِوَضِ منه بِحَالٍ وَلَوْ كانت الْجِنَايَةُ على الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ جِنَايَةً دُونَ النَّفْسِ مِمَّا فيه الْقِصَاصِ كان الْقَوْلُ فيها كَالْقَوْلِ في الْجِنَايَةِ في النَّفْسِ لَا يَخْتَلِفُ بِتَخْيِيرِ السَّيِّدِ الرَّاهِنَ بين أَخْذِ الْقِصَاصِ لِعَبْدِهِ أو الْعَفْوِ عن الْقِصَاصِ بِلَا شَيْءٍ أو أَخْذِ الْعَقْلِ فَإِنْ اخْتَارَ أَخْذَ الْعَقْلِ كان كما وَصَفْت وَلَا خِيَارَ لِلْعَبْدِ المجنى عليه إنَّمَا الْخِيَارُ لِمَالِكِهِ لَا له لِأَنَّهُ يَمْلِكُ بِالْجِنَايَةِ مَالًا وَالْمِلْكُ لِسَيِّدِهِ دُونَهُ وَلَوْ كان الْجَانِي على الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ عَبْدًا لِلرَّاهِنِ أو عَبْدًا له وَعَبْدًا لِغَيْرِهِ بن أو غَيْرُهُ كان الْقَوْلُ في عبد غَيْرِهِ ابْنَهُ كان أو غَيْرَهُ كَالْقَوْلِ في الْمَسَائِلِ التي قَبْلَهُ وَخُيِّرَ في عَبْدِهِ الْجَانِي على عَبْدِهِ كما يُخَيَّرُ في عَبِيدِ غَيْرِهِ بين الْقَوَدِ أو الْعَفْوِ عن الْقَوَدِ بِلَا شَيْءٍ يَأْخُذُهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يدع ( ( ( يدعي ) ) ) قَوَدًا جُعِلَ إلَيْهِ تَرْكُهُ وَإِنْ لم يُعْفَ الْقَوَدُ إلَّا على اخْتِيَارِ الْعِوَضِ من الْمَالِ كان عليه أَنْ يَفْدِيَ عَبْدَهُ الْجَانِيَ إنْ كان مُنْفَرِدًا بِجَمِيعِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ فإذا فَعَلَ خُيِّرَ بين أَنْ يَجْعَلَهَا قِصَاصًا أو يُسَلِّمَهَا رَهْنًا فَإِنْ كان أَرْشُ الْجِنَايَةِ ذَهَبًا أو وَرِقًا كَالْحَقِّ عليه فَشَاءَ أَنْ يَجْعَلَهُ قِصَاصًا فَعَلَ وَإِنْ كانت إبِلًا أو شيئا غير الْحَقِّ فَشَاءَ أَنْ يَبِيعَهَا وَيَقْضِيَ الْمُرْتَهِنَ منها حتى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ أو لَا يُبْقِي من ثَمَنِهَا شيئا فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَبِيعَهَا وَيَجْعَلَ ثَمَنَهَا رَهْنًا لم يَكُنْ له ذلك لِأَنَّ الْبَدَلَ من الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ يَقُومُ مَقَامَهُ وَلَا يَكُونُ له أَنْ يَبِيعَ الْبَدَلَ منه كما لَا يَكُونُ له أَنْ يَبِيعَهُ وَيَجْعَلَ ثَمَنَهُ رَهْنًا وَلَا يُبَدِّلَهُ بِغَيْرِهِ فَإِنْ قَضَى بِجِنَايَةِ الْعَبْدِ دَنَانِيرَ وَالْحَقُّ دَرَاهِمُ كانت الدَّنَانِيرُ رَهْنًا وَلَا يَكُونُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَجْعَلَ ثَمَنَ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ في الْجِنَايَةِ دَرَاهِمَ كَالْحَقِّ ثُمَّ يَجْعَلُهَا رَهْنًا وَعَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَهَا رَهْنًا كما بِيعَ عَبْدُهُ بها ( ( ( بهما ) ) ) فإذا كانت جِنَايَةُ عبد الرَّاهِنِ غير الْمَرْهُونِ على عَبْدِهِ الْمَرْهُونِ في شَيْءٍ فيه قِصَاصٌ دُونَ النَّفْسِ فَهَكَذَا لَا يَخْتَلِفُ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا رَهَنَ رَجُلًا عَبْدًا وَرَهَنَ آخَرَ عَبْدًا فَعَدَا أَحَدُ عَبْدَيْهِ على الْآخَرِ فَقَتَلَهُ أو جَنَى عليه جِنَايَةً دُونَ النَّفْسِ فيها قَوَدٌ فَالْقَوْلُ فيها كَالْقَوْلِ في عَبْدٍ غَيْرِ مَرْهُونٍ وَعَبْدٍ أَجْنَبِيٍّ يَجْنِي على عَبْدِهِ يُخَيَّرُ بين قَتْلِهِ أو الْقِصَاصِ من جِرَاحِهِ أو الْعَفْوِ بِلَا أَخْذِ شَيْءٍ فَإِنْ عَفَا فَالْعَبْدُ مَرْهُونٌ بِحَالِهِ وَإِنْ اخْتَارَ أَخْذَ الْمَالِ بِيعَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ ثُمَّ جُعِلَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ الْمَقْتُولِ رَهْنًا مَكَانَهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الرَّاهِنُ أَنْ يَجْعَلَهَا قِصَاصًا وَإِنْ كانت جُرْحًا جَعَلَ أَرْشَ جُرْحِ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ رَهْنًا مع الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ كَشَيْءٍ من أَصْلِ الرَّهْنِ وَإِنْ كانت الْجِنَايَةُ جُرْحًا لَا يَبْلُغُ قِيمَةَ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ الْجَانِي جُبِرَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ على أَنْ يُبَاعَ منه بِقَدْرِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ ولم يُجْبَرَا على بَيْعِهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَا ذلك وكان ما يَبْقَى من الْعَبْدِ رَهْنًا بِحَالِهِ وَلَوْ رضي صَاحِبُ الْحَقِّ الْمَجْنِيِّ على رَهْنِهِ وَسَيِّدُ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ الْجَانِي وَمُرْتَهِنُهُ بِأَنْ يَكُونَ سَيِّدُ الْعَبْدِ الْمَجْنِيِّ عليه شَرِيكًا لِلْمُرْتَهِنِ في الْعَبْدِ الْجَانِي بِقَدْرِ قِيمَةِ الْجِنَايَةِ لم يَجُزْ ذلك لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمَجْنِيَّ عليه مُلِكَ لِلرَّاهِنِ لَا لِلْمُرْتَهِنِ وَجُبِرَ على بَيْعِ قَدْرِ
____________________

(3/182)


الرَّهْنِ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ الْمُرْتَهِنُ حَقَّهُ وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ عَبْدًا فَأَقَرَّ الْعَبْدُ بِجِنَايَةٍ عَمْدًا فيها الْقَوَدُ وَكَذَّبَهُ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَبْدِ وَالْمَجْنِيُّ عليه بِالْخِيَارِ في الْقِصَاصِ أو أَخْذِ الْمَالِ وَإِنْ كانت عَمْدًا لَا قِصَاصَ فيها أو خَطَأً فَإِقْرَارُ الْعَبْدِ سَاقِطٌ عنه في حَالِ الْعُبُودِيَّةِ وَلَوْ أَقَرَّ سَيِّدُ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ أو غَيْرِ الْمَرْهُونِ على عَبْدِهِ أَنَّهُ جَنَى جِنَايَةً فَإِنْ كانت مِمَّا فيه قِصَاصٌ فَإِقْرَارُهُ سَاقِطٌ عن عَبْدِهِ إذَا أَنْكَرَ الْعَبْدُ وَإِنْ كانت مِمَّا لَا قِصَاصَ فيه فَإِقْرَارُهُ لَازِمٌ لِعَبْدِهِ لِأَنَّهَا مَالٌ وَإِنَّمَا أَقَرَّ في مَالِهِ ( قال أبو مُحَمَّدٍ ) وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ الْعَبْدُ من يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ بِإِقْرَارِ السَّيِّدِ أَنَّ عَبْدَهُ قد لَزِمَهُ جِنَايَةٌ لَا قِصَاصَ فيها لِأَنَّهُ إنَّمَا يُقِرُّ في عبد الْمُرْتَهِنِ أَحَقُّ بِرَقَبَتِهِ حتى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ فإذا اسْتَوْفَى حَقَّهُ كان لِلَّذِي أَقَرَّ له السَّيِّدُ بِالْجِنَايَةِ أَنْ يَكُونَ أَحَقَّ بِالْعَبْدِ حتى يَسْتَوْفِيَ جِنَايَتَهُ - * الْجِنَايَةُ على الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ فِيمَا فيه الْعَقْلُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا جَنَى أَجْنَبِيٌّ على عَبْدٍ مَرْهُونٍ جِنَايَةً لَا قَوَدَ فيها على الْجَانِي بِحَالٍ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْجَانِي حُرًّا فَلَا يُقَادُ منه مملوك ( ( ( لمملوك ) ) ) أو يَكُونَ الْجَانِي أَبَ الْعَبْدِ الْمَجْنِيِّ عليه أو جَدَّهُ أو أُمَّهُ أو جَدَّتَهُ أو يَكُونَ الْجَانِي لم يَبْلُغْ أو مَعْتُوهًا أو تَكُونَ الْجِنَايَةُ مِمَّا لَا قَوَدَ فيه بِحَالٍ مِثْلُ الْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ أو تَكُونُ الْجِنَايَةُ خَطَأً فَمَالِكُ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ الْخَصْمُ في الْجِنَايَةِ وَإِنْ أَحَبَّ الْمُرْتَهِنُ حَضَرَ الْخُصُومَةَ وإذا قضى على الْجَانِي بِالْأَرْشِ في الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ لم يَكُنْ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ الرَّاهِنِ عَفْوُهَا وَلَا أَخْذُ أَرْشِ الْجِنَايَةِ دُونَ الْمُرْتَهِنِ وَخُيِّرَ الرَّاهِنُ بين أَنْ يَكُونَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ قِصَاصًا من الدَّيْنِ الذي في عُنُقِ الْعَبْدِ أو يَكُونُ مَوْضُوعًا لِلْمُرْتَهِنِ على يَدَيْ من كان الرَّهْنُ على يَدَيْهِ إلَى أَنْ يَحِلَّ الْحَقُّ وَلَا أَحْسَبُ أَحَدًا يَعْقِلُ يَخْتَارُ أَنْ يَكُونَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ مَوْضُوعًا غير مَضْمُونٍ على أَنْ يَكُونَ قِصَاصًا وَسَوَاءٌ أَتَتْ الْجِنَايَةُ على نَفْسِ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ أو لم تَأْتِ عليها إذَا كانت جِنَايَةً لها أَرْشٌ لَا قَوَدَ فيها وَإِنْ كان أَرْشُ الْجِنَايَةِ ذَهَبًا أو فِضَّةً فَسَأَلَ الرَّاهِنُ أَنْ يَتْرُكَهُ وَالِانْتِفَاعَ بها كما يَتْرُكُ خِدْمَةَ الْعَبْدِ وَرُكُوبَ الدَّابَّةِ المرهونه وَسُكْنَى الدَّارِ وَكِرَاءَهَا لم يَكُنْ ذلك له لِأَنَّ الْعَبْدَ وَالدَّابَّةَ وَالدَّارَ عَيْنٌ قَائِمَةٌ مَعْلُومَةٌ لَا تَتَغَيَّرُ وَالْعَبْدُ وَالدَّابَّةُ يَنْفَعَانِ بِلَا ضَرَرٍ عَلَيْهِمَا وَيُرَدَّانِ ألى مُرْتَهِنِهِمَا وَالدَّارُ لَا تَحَوُّلَ وَلَا ضَرَرَ في سَكْنِهَا على مُرْتَهِنِهَا وَالدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ لَا مُؤْنَةَ فيها على رَاهِنِهَا وَلَا مَنْفَعَةَ لها إلَّا بِأَنْ تُصْرَفَ في غَيْرِهَا وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ صَرْفُ الرَّهْنِ في غَيْرِهِ لِأَنَّ ذلك إبْدَالُهُ وَلَا سَبِيلَ له إلَى إبْدَالِهَا وَهِيَ تَخْتَلِطُ وَتُسْبَكُ وَلَا تُعْرَفُ عَيْنُهَا وَإِنْ كان صُلْحًا بِرِضَا الْمُرْتَهِنِ من ( ( ( كن ) ) ) أَرْشَ جِنَايَتِهِ على إبِلٍ وَهِيَ مَوْضُوعَةٌ على يَدَيْ من الرَّهْنُ على يَدَيْهِ وَعَلَى الرَّاهِنِ عَلْفُهَا وَصَلَاحُهَا وَلَهُ أَنْ يُكْرِيَهَا وَيَنْتَفِعَ بها كما يَكُونُ ذلك له في إبِلٍ له لو رَهَنَهَا وَإِنْ سَأَلَ الْمُرْتَهِنُ أَنْ تُبَاعَ الْإِبِلُ فَتُجْعَلَ ذَهَبًا أو وَرِقًا لم يَكُنْ ذلك له لِأَنَّ ذلك كَعَيْنِ رَهْنِهِ إذْ رضى بِهِ كما لو سَأَلَ الرَّاهِنُ إبْدَالَ الرَّهْنِ لم يَكُنْ ذلك له وَإِنْ أَرَادَ الرَّاهِنُ مُصَالَحَةَ الْجَانِي على عَبْدِهِ بِشَيْءٍ غَيْرِ ما وَجَبَ له لم يَكُنْ ذلك له لِأَنَّ ما وَجَبَ له يَقُومُ مَقَامَهُ وَمُصَالَحَتُهُ بِغَيْرِهِ إبْدَالٌ له كَأَنْ وَجَبَ له دَنَانِيرُ فَأَرَادَ مُصَالَحَتَهُ بِدَرَاهِمَ إلَّا أَنْ يَرْضَى بِذَلِكَ الْمُرْتَهِنُ فإذا رضي بِهِ فما أَخَذَ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ على رَهْنِهِ فَهُوَ رَهْنٌ له وَإِنْ أَرَادَ سَيِّدُ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ الْعَفْوَ عن أَرْشِ الْجِنَايَةِ على عَبْدِهِ لم يَكُنْ ذلك له إلَّا أَنْ يُبَرِّئَهُ الْمُرْتَهِنُ أو يُوَفِّيَهُ الرَّاهِنُ حَقَّهُ مُتَطَوِّعًا بِهِ وَلَوْ كانت الْجِنَايَةُ على الْعَبْدِ أَكْثَرَ من حَقِّ الْمُرْتَهِنِ مِرَارًا لم يَكُنْ ذلك له أَنْ يَضَعَ شيئا من الْجِنَايَةِ كما لو زَادَ الْعَبْدُ في يَدَيْهِ لم يَكُنْ له أَنْ يُخْرِجَ قِيمَةَ زِيَادَتِهِ من رَقَبَتِهِ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ مَالِكُ الْعَبْدِ الرَّاهِنِ بِأَنْ يَدْفَعَ إلَى الْمُرْتَهِنِ جَمِيعَ حَقِّهِ في الْعَبْدِ حَالًا فَإِنْ فَعَلَ فَذَلِكَ له فَإِنْ أَرَادَ الْمُرْتَهِنُ تَرْكَ الرَّهْنِ وَأَنْ لَا يَأْخُذَ حَقَّهُ حَالًّا لم يَكُنْ ذلك له وَجُبِرَ على أَخْذِهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ إبْطَالَ حَقِّهِ فَيَبْطُلَ إذَا أَبْطَلَهُ ( قال ) وَالْجِنَايَةُ على الْأَمَةِ الْمَرْهُونَةِ كَالْجِنَايَةِ على الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ لَا تَخْتَلِفُ في شَيْءٍ إلَّا في الْجِنَايَةِ عليها بِمَا يَقَعُ على غَيْرِهَا فإن ذلك في الْأَمَةِ وَلَيْسَ في الْعَبْدِ بِحَالٍ
____________________

(3/183)


وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَضْرِبَ بَطْنَهَا فَتُلْقِيَ جَنِينًا فَيُؤْخَذَ أَرْشُ الْجَنِينِ وَيَكُونَ لِمَالِكِهِ لَا يَكُونُ مَرْهُونًا مَعَهَا وَإِنْ نَقَصَهَا نَقْصًا له قِيمَةٌ بِلَا جُرْحٍ له أَرْشٌ يَبْقَى أَثَرُهُ لم يَكُنْ على الْجَانِي شَيْءٌ سِوَى أَرْشُ الْجَنِينِ لِأَنَّ الْجَنِينَ الْمَحْكُومَ فيه وَإِنْ جَنَى على الْأَمَةِ جِنَايَةً لها جُرْحٌ له عَقْلٌ مَعْلُومٌ أو فيه حُكُومَةٌ وَأَلْقَتْ جَنِينًا أُخِذَ من الْجَانِي أَرْشُ الْجُرْحِ أو حُكُومَتُهُ فَكَانَ رَهْنًا مع الْجَارِيَةِ لِأَنَّ حُكْمَهُ بها دُونَ الْجَنِينِ وكان عَقْلُ الْجَنِينِ لِمَالِكِهَا الرَّاهِنُ لِأَنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ في الرَّهْنِ وَالْجِنَايَةُ على كل رَهْنٍ من الدَّوَابِّ كَهِيَ على كل رَهْنٍ من الرَّقِيقِ لَا يَخْتَلِفُ في شَيْءٍ إلَّا أَنَّ في الدَّوَابِّ ما نَقَصَهَا وَجِرَاحُ الرَّقِيقِ في أَثْمَانِهِمْ كَجِرَاحِ الْأَحْرَارِ في دِيَاتِهِمْ وفي خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ أَنَّ من جَنَى على أُنْثَى من الْبَهَائِمِ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَإِنَّمَا يَضْمَنُ الْجَانِي عليها ما نَقَصَتْهَا الْجِنَايَةُ عن قِيمَتِهَا تُقَوَّمُ يوم جنى عليها وَحِينَ أَلْقَتْ الْجَنِينَ فَنَقَصَتْ ثُمَّ يَغْرَمُ الْجَانِي ما نَقَصَهَا فَيَكُونُ مَرْهُونًا مَعَهَا وَإِنْ جَنَى عليها فَأَلْقَتْ جَنِينًا حَيًّا ثُمَّ مَاتَ مَكَانَهُ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ عليه قِيمَةَ الْجَنِينِ حين سَقَطَ لِأَنَّهُ جَانٍ عليه وَلَا يَضْمَنُ إنْ كان إلْقَاؤُهُ نَقَصَ أُمَّهُ شيئا أَكْثَرَ من قِيمَةِ الْجَنِينِ إلَّا أَنْ يَكُونَ جُرْحًا يَلْزَمُ عَيْبُهُ فَيَضْمَنُهُ مع قِيمَةِ الْجَنِينِ كما قِيلَ في الْأَمَةِ لَا يَخْتَلِفَانِ وَالثَّانِي أَنَّ عليه الْأَكْثَرَ من قِيمَةِ الْجَنِينِ وما نَقَصَ أُمَّهُ وَيُخَالِفُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَمَةِ يَجْنِي عليها فَيَخْتَلِفَانِ في أَنَّهُ لَا قَوَدَ بين الْبَهَائِمِ بِحَالٍ على جَانٍ عليها وَلِلْآدَمِيِّينَ قَوَدٌ على بَعْضِ من يجني عليهم وَكُلُّ جِنَايَةٍ على رَهْنِ غَيْرِ آدَمِيٍّ وَلَا حَيَوَانٍ لَا تَخْتَلِفُ سَوَاءٌ فِيمَا جَنَى على الرَّهْنِ ما نَقَصَهُ لَا يَخْتَلِفُ وَيَكُونُ رَهْنًا مع ما بَقِيَ من الْمَجْنِيِّ عليه إلَّا أَنْ يَشَاءَ الرَّاهِنُ أَنْ يَجْعَلَهُ قِصَاصًا وَقِيمَةُ ما جَنَى على الرَّهْنِ غَيْرِ الْآدَمِيِّينَ ذَهَبٌ أو فِضَّةٌ إلَّا ان يَكُونَ كَيْلٌ أو وَزْنٌ يُوجَدُ مِثْلُهُ فَيَتْلَفُ منه شَيْءٌ فَيُؤْخَذُ بمثله وَذَلِكَ مِثْلُ حِنْطَةِ رَهْنٍ يَسْتَهْلِكُهَا رَجُلٌ فَيَضْمَنُ مِثْلَهَا وَمِثْلُ ما في مَعْنَاهَا وَإِنْ جَنَى على الْحِنْطَةِ الْمَرْهُونَةِ جِنَايَةً تَضُرُّ عَيْنَهَا بِأَنْ تَعَفْنَ أو تَحْمَرَّ أو تَسْوَدَّ ضَمِنَ ما نَقَصَ الْحِنْطَةَ تُقَوَّمُ صَحِيحَةً غير مَعِيبَةٍ كما كانت قبل الْجِنَايَةِ وَبِالْحَالِ التي صَارَتْ إلَيْهَا بَعْدَ الْجِنَايَةِ ثُمَّ يَغْرَمُ الْجَانِي ما نَقَصَهَا من الدَّنَانِيرِ أو الدَّرَاهِمِ وَأَيُّ نَقْدٍ كان الْأَغْلَبَ بِالْبَلَدِ الذي جَنَى بِهِ جُبِرَ عليه ولم يَكُنْ له الإمتناع منه إنْ كان الْأَغْلَبُ بِالْبَلَدِ الذي جَنَى بِهِ دَنَانِيرَ فدنانير ( ( ( بدنانير ) ) ) وَإِنْ كان الْأَغْلَبُ دَرَاهِمَ فَدَرَاهِمَ وَكُلُّ قِيمَةٍ فَإِنَّمَا هِيَ بِدَنَانِيرَ أو بِدَرَاهِمَ وَالْجِنَايَةُ على الْعَبِيدِ كُلِّهَا دَنَانِيرُ أو دَرَاهِمُ لَا إبِلَ وَلَا غير الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ ذلك الْجَانِي وَالرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ أَخْذَ إبِلٍ وَغَيْرِهَا بِمَا يَصِحُّ فَيَكُونُ ما أَخَذَ رَهْنًا مَكَانَ الْعَبْدِ الْمَجْنِيِّ عليه إنْ تَلِفَ أو معه إنْ نَقَصَ وَيَكُونُ ما غَرِمَ رَهْنًا مع أَصْلِ الرَّهْنِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الرَّاهِنُ أَنْ يَجْعَلَهُ قِصَاصًا كما وَصَفْت وإذا جَنَى الرَّاهِنُ على عَبْدِهِ الْمَرْهُونِ كانت جِنَايَتُهُ كَجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ لَا تَبْطُلُ عنه بِأَنَّهُ مَالِكٌ له لِأَنَّ فيه حَقًّا لِغَيْرِهِ وَلَا تُتْرَكُ بِنَقْصِ حَقِّ غَيْرِهِ وَيُؤْخَذُ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ على عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ كما يُؤْخَذُ بها الْأَجْنَبِيُّ فَإِنْ شَاءَ أَنْ يَجْعَلَهَا قِصَاصًا من الْحَقِّ بَطَلَ عن الْمُرْتَهِنِ بِقَدْرِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ وَهَكَذَا لو جَنَى بن الرَّاهِنِ أو أَبُوهُ أو امْرَأَتُهُ على عَبْدِهِ الْمَرْهُونِ وَلَوْ جَنَى عَبْدٌ لِلرَّاهِنِ غَيْرُ مَرْهُونٍ على عَبْدِهِ الْمَرْهُونِ خُيِّرَ الرَّاهِنُ بين أَنْ يَفْدِيَ عَبْدَهُ بِجَمِيعِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ على عَبْدِهِ الْمَرْهُونِ مُتَطَوِّعًا أو يَجْعَلَهَا قِصَاصًا من الْحَقِّ أو يُبَاعُ عَبْدُهُ فيؤدي أَرْشَ الجنايه على الْمَرْهُونِ فَيَكُونُ رَهْنًا معه وَلَا تَبْطُلُ الْجِنَايَةُ على عَبْدِهِ عن عَبْدِهِ لِأَنَّ في ذلك نَقْصًا لِلرَّهْنِ على الْمُرْتَهِنِ إلَّا في أَنْ يَرْهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْوَاحِدَ الْعَبْدَيْنِ فَيَجْنِيَ أَحَدُهُمَا على الْآخَرِ وَالْجِنَايَةُ خَطَأٌ أو عَمْدٌ لَا قَوَدَ فيه لِأَنَّ الرَّاهِنَ الْمَالِكَ لَا يَسْتَحِقُّ من مِلْكِ عَبْدِهِ الْمَرْهُونِ إلَّا ما كان له قبل الْجِنَايَةِ وَأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا يَسْتَحِقُّ من الْعَبْدِ الْجَانِي الْمَرْهُونِ بِالرَّهْنِ إلَّا ما كان له قبل الْجِنَايَةِ فَبِهَذَا صَارَتْ الْجِنَايَةُ هَدَرًا وَهَكَذَا لو أَنَّ رَجُلًا رَهَنَ عَبْدًا له بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَرَهَنَهُ أَيْضًا عَبْدًا له آخَرَ بِمِائَةِ دِينَارٍ أو بِحِنْطَةٍ مَكِيلَةٍ فَجَنَى أَحَدُهُمَا على الْآخَرِ كانت الْجِنَايَةُ هَدَرًا لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ مُسْتَحِقٌّ لَهُمَا
____________________

(3/184)


مَعًا بِالرَّهْنِ وَالرَّاهِنُ مَالِكٌ لَهُمَا مَعًا فَحَالُهُمَا قبل الْجِنَايَةِ وَبَعْدَهَا في الرَّهْنِ وَالْمِلْكِ سَوَاءٌ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا رَهَنَ عَبْدًا له رَجُلًا وَرَهَنَ عَبْدًا له آخَرَ رَجُلًا غَيْرَهُ فَجَنَى أَحَدُهُمَا على الْآخَرِ كانت جِنَايَتُهُ عليه كَجِنَايَةِ عَبْدٍ أَجْنَبِيٍّ مَرْهُونٍ وَيُخَيَّرُ السَّيِّدُ بين أَنْ يَفْدِيَ الْعَبْدَ الْجَانِيَ بِجَمِيعِ أرش ( ( ( رأس ) ) ) جِنَايَةِ الْمَجْنِيِّ عليه فَإِنْ فَعَلَ فَالْعَبْدُ الْجَانِي رَهْنٌ بِحَالِهِ وَإِنْ لم يَفْعَلْ بِيعَ الْعَبْدُ الْجَانِي فَأُدِّيَتْ الْجِنَايَةُ وَكَانَتْ رَهْنًا فَإِنْ فَضَلَ منها فَضْلٌ كان رَهْنًا لِمُرْتَهِنِ الْجَانِي وَإِنْ كان في الْجَانِي فَضْلٌ عن أَرْشِ الْجِنَايَةِ فَشَاءَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ الْعَبْدَ الْجَانِيَ بَيْعَهُ مَعًا بِيعَ وَرُدَّ فَضْلُهُ رَهْنًا إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ السَّيِّدُ أَنْ يَجْعَلَهُ قِصَاصًا وَإِنْ دَعَا أَحَدُهُمَا إلَى بَيْعِهِ كله وَامْتَنَعَ الْآخَرُ لم يُجْبَرْ على بَيْعِهِ كُلِّهِ إذَا كان في ثَمَنِ بَعْضِهِ ما يُؤَدِّي أَرْشَ الْجِنَايَةِ وَجِنَايَةُ الْمُرْتَهِنِ وَأَبِ الْمُرْتَهِنِ وَابْنِهِ من كان منه بِسَبِيلٍ وَعَبْدِهِ على الرَّهْنِ كَجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كان الْحَقُّ حَالًّا فَشَاءَ أَنْ تَكُونَ جِنَايَتُهُ قِصَاصًا كانت وَإِنْ كان إلَى أَجَلٍ فَشَاءَ الرَّاهِنُ أَنْ يَجْعَلَهُ قِصَاصًا فَعَلَ وَإِنْ لم يَشَأْ الرَّاهِنُ أَخْرَجَ الْمُرْتَهِنُ قِيمَةَ جِنَايَتِهِ فَكَانَتْ مَوْضُوعَةً على يَدَيْ الْعَدْلِ الْمَوْضُوعِ على يَدَيْهِ الرَّهْنُ وَإِنْ كان الرَّهْنُ على يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ فَشَاءَ الرَّاهِنُ أَنْ يُخْرِجَ الرَّهْنَ وَأَرْشَ الْجِنَايَةِ من يَدَيْهِ وَكَانَتْ الْجِنَايَةُ عَمْدًا فَذَلِكَ له لِأَنَّ الْجِنَايَةَ عَمْدًا تُغَيِّرُ من حَالِ الْمَوْضُوعِ على يَدَيْهِ الرَّهْنُ وَإِنْ كانت خَطَأً لم يَكُنْ له إخْرَاجُهَا من يَدَيْهِ إلَّا بأن يَتَغَيَّرَ حَالُهُ عن حَالَةِ الْأَمَانَةِ إلَى حَالٍ تُخَالِفُهَا وإذا كان الْعَبْدُ مَرْهُونًا فجنى عليه فَسَوَاءٌ بريء الرَّاهِنُ مِمَّا في الْعَبْدِ من الرَّهْنِ إلَّا دِرْهَمًا أو أَقَلَّ وكان في الْعَبْدِ فَضْلٌ أو لم يَبْرَأْ من شَيْءٍ منه ولم يَكُنْ في الْعَبْدِ فَضْلٌ لِأَنَّهُ إذَا كان مَرْهُونًا بِكُلِّهِ فَلَا يُخْرِجُهُ من الرَّهْنِ إلَّا أَنْ لَا يَبْقَى فيه شَيْءٌ من الرَّهْنِ وَكَذَلِكَ لَا يُخْرِجُ شيئا من أَرْشِ الْجِنَايَةِ عليه لِأَنَّهَا كَهُوَ وَكَذَلِكَ لو كَانُوا عَبِيدًا مَرْهُونِينَ مَعًا لَا يَخْرُجُ شَيْءٌ من الرَّهْنِ إلَّا بِالْبَرَاءَةِ من آخِرِ الْحَقِّ وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا نِصْفَ عَبْدِهِ ثُمَّ جَنَى عليه الرَّاهِنُ ضَمِنَ نِصْفَ أَرْشِ جِنَايَتِهِ لِلْمُرْتَهِنِ كما وَصَفْت وَبَطَلَ عنه نِصْفُ جِنَايَتِهِ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ على نِصْفَيْنِ نِصْفٌ له لَا حَقَّ لِأَحَدٍ فيه فَلَا يَلْزَمُهُ لِنَفْسِهِ غُرْمٌ وَنِصْفٌ لِلْمُرْتَهِنِ فيه حَقٌّ فَلَا يَبْطُلُ عنه وَإِنْ كان مَالِكُهُ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ فيه وَلَوْ جَنَى عليه أَجْنَبِيٌّ جِنَايَةً كان نِصْفُهَا رَهْنًا وَنِصْفُهَا مُسَلَّمًا لِمَالِكِ الْعَبْدِ وَلَوْ عَفَا مَالِكُ الْعَبْدِ الْجِنَايَةَ كُلَّهَا كان عَفْوُهُ في نِصْفِهَا جَائِزًا لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِنِصْفِهِ وَلَا حَقَّ لِأَحَدٍ معه فيه وَعَفْوُهُ في النِّصْفِ الذي للمرتهن ( ( ( المرتهن ) ) ) فيه حَقٌّ مَرْدُودٌ وَلَوْ عَفَا الْمُرْتَهِنُ الْجِنَايَةِ دُونَ الرَّاهِنِ كان عَفْوُهُ بَاطِلًا لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْجِنَايَةَ إنَّمَا مَلَكَهَا لِلرَّاهِنِ وَإِنَّمَا يملك ( ( ( ملك ) ) ) احْتِبَاسَهَا بِحَقِّهِ حتى يَسْتَوْفِيَهُ وَسَوَاءٌ كان حَقُّ الْمُرْتَهِنِ حَالًّا أو إلَى أَجَلٍ فَإِنْ كان إلَى أَجَلٍ فقال أنا أَجْعَلُ الْجِنَايَةَ قِصَاصًا من حَقِّي لم يَكُنْ ذلك له لِأَنَّ حَقَّهُ غَيْرُ حَالٍّ وَإِنْ كان حَالًّا كان ذلك له إنْ كان حَقُّهُ دَنَانِيرَ وقضى بِالْجِنَايَةِ دَنَانِيرَ أو دَرَاهِمَ فقضى بالجنايه دَرَاهِمَ لِأَنَّ ما وَجَبَ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ مِثْلُ ما لِلْمُرْتَهِنِ وَإِنْ قضى بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ دَرَاهِمُ وَالْحَقُّ على الْغَرِيمِ دَنَانِيرُ فقال أَجْعَلُ الْجِنَايَةَ قِصَاصًا من حَقِّي لم يَكُنْ ذلك له لِأَنَّ الْجِنَايَةَ غَيْرُ حَقِّهِ وَكَذَلِكَ لو قضى بِالْجِنَايَةِ دَرَاهِمُ وَحَقُّهُ دَنَانِيرُ أو دَنَانِيرُ وَلَهُ دَرَاهِمُ لم يَكُنْ له أَنْ يَجْعَلَ الْجِنَايَةَ قِصَاصًا من حَقِّهِ لِأَنَّ أَرْشَ الْجِنَايَةِ غَيْرُ حَقِّهِ وَإِنَّمَا يَكُونُ قِصَاصًا ما كان مِثْلًا فَأَمَّا ما لم يَكُنْ مِثْلًا فَلَا يَكُونُ قِصَاصًا وَلَوْ كان حَقُّهُ أَكْثَرَ من قِيمَةِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ إذَا لم أُكْرِهْ أَحَدًا على أَنْ يَبِيعَ مَالَهُ بِأَكْثَرَ من قِيمَتِهِ لم أُكْرِهْ رَبَّ الْعَبْدِ أَنْ يَأْخُذَ بِدَنَانِيرَ طَعَامًا وَلَا بِطَعَامٍ دَنَانِيرَ وإذا جَنَى عَبْدٌ على عَبْدٍ مَرْهُونٍ فَأَرَادَ سَيِّدُ الْعَبْدِ الْجَانِي أَنْ يُسَلِّمَهُ مُسْتَرِقًّا بِالْجِنَايَةِ لم يَكُنْ ذلك على الرَّاهِنِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ وَإِنْ شاء ( ( ( يشاء ) ) ) الرَّاهِنُ ذلك ولم يَشَأْهُ الْمُرْتَهِنُ لم يُجْبَرْ على ذلك الْمُرْتَهِنُ وَكَذَلِكَ لو شَاءَ ذلك الْمُرْتَهِنُ ولم يَشَأْهُ الرَّاهِنُ لم يُجْبَرْ عليه لِأَنَّ حَقَّهُمْ في رَقَبَتِهِ أَرْشٌ لَا رَقَبَةُ عَبْدٍ وَرَقَبَةُ الْعَبْدِ عَرْضٌ وَكَذَلِكَ لو شَاءَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ أَنْ يَأْخُذَ الْعَبْدَ الْجَانِيَ بِالْجِنَايَةِ وَالْجِنَايَةُ
____________________

(3/185)


مِثْلُ قِيمَةِ الْعَبْدِ أو أَكْثَرُ أَضْعَافًا وَأَبَى ذلك رَبُّ الْعَبْدِ الْجَانِي لم يَكُنْ ذلك لَهُمَا لِأَنَّ الْحَقَّ في الْجِنَايَةِ شَيْءٌ غَيْرُ رَقَبَتِهِ وَإِنَّمَا تُبَاعُ رَقَبَتُهُ فَيَصِيرُ الْحَقُّ فيها كما يُبَاعُ الرَّهْنُ فَيَصِيرُ ثَمَنًا يَقْضِي منه الْغَرِيمُ حَقَّهُ - * الرَّهْنُ الصَّغِيرُ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قال أَصْلُ إجَازَةِ الرَّهْنِ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل { وَإِنْ كُنْتُمْ على سَفَرٍ ولم تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ } قال الشَّافِعِيُّ فَالسُّنَّةُ تَدُلُّ على إجَازَةِ الرَّهْنِ وَلَا أَعْلَمُ مُخَالِفًا في إجَازَتِهِ أخبرنا محمد بن إسْمَاعِيلَ بن أبي فُدَيْكٍ عن بن أبي ذِئْبٍ عن بن شِهَابٍ عن سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ الرَّهْنَ من صَاحِبِهِ الذي رَهَنَهُ له غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَالْحَدِيثُ جُمْلَةٌ على الرَّهْنِ ولم يَخُصَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فِيمَا بَلَغْنَا رَهْنًا دُونَ رَهْنٍ وَاسْمُ الرَّهْنِ يَقَعُ على ما ظَهَرَ هَلَاكُهُ وَخَفِيَ وَمَعْنَى قَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ بِشَيْءٍ أَيْ إنْ ذَهَبَ لم يَذْهَبْ بِشَيْءٍ وَإِنْ أَرَادَ صَاحِبُهُ إفتكاكه وَلَا يَغْلَقُ في يَدَيْ الذي هو في يَدَيْهِ كَأَنْ يَقُولَ الْمُرْتَهِنُ قد أَوْصَلْته إلَيَّ فَهُوَ لي بِمَا أَعْطَيْتُك فيه وَلَا يُغَيِّرُ ذلك من شَرْطٍ تَشَارَطَا فيه وَلَا غَيْرِهِ وَالرَّهْنُ لِلرَّاهِنِ أَبَدًا حتى يُخْرِجَهُ من مِلْكِهِ بِوَجْهٍ يَصِحُّ إخْرَاجُهُ له وَالدَّلِيلُ على هذا قَوْلُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الرَّهْنُ من صَاحِبِهِ الذي رَهَنَهُ ثُمَّ بَيَّنَهُ وَأَكَّدَهُ فقال له غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَغُنْمُهُ سَلَامَتُهُ وَزِيَادَتُهُ وَغُرْمُهُ عَطَبُهُ وَنَقْصُهُ ( قال ) وَلَوْ كان إذَا رَهَنَ رَهْنًا بِدِرْهَمٍ وهو يَسْوَى دِرْهَمًا فَهَلَكَ ذَهَبُ الدِّرْهَمِ فلم يَلْزَمْ الرَّاهِنَ كان إنَّمَا هَلَكَ من مَالِ الْمُرْتَهِنِ لَا مَالِ الرَّاهِنِ لِأَنَّ الرَّاهِنَ قد أَخَذَ دِرْهَمًا وَذَلِكَ ثَمَنُ رَهْنِهِ فإذا هَلَكَ رَهْنُهُ فلم يَرْجِعْ الْمُرْتَهِنُ بِشَيْءٍ فلم يَغْرَمْ شيئا إنَّمَا ذَهَبَ له مِثْلُ الذي أَخَذَ من مَالِ غَيْرِهِ فَغُرْمُهُ حِينَئِذٍ على الْمُرْتَهِنِ لَا على الرَّاهِنِ قال وإذا كان غُرْمُهُ على الْمُرْتَهِنِ فَهُوَ من الْمُرْتَهِنِ لَا من الرَّاهِنِ وَهَذَا الْقَوْلُ خِلَافُ ما رُوِيَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَلَا أَعْلَمُ بين أَحَدٍ من أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا في أَنَّ الرَّهْنَ مِلْكٌ لِلرَّاهِنِ وَأَنَّهُ إنْ أَرَادَ إخْرَاجَهُ من يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ لم يَكُنْ ذلك له بِمَا شُرِطَ فيه وَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِنَفَقَتِهِ ما كان حَيًّا وهو مُقِرُّهُ في يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ وَمَأْخُوذٌ بِكَفَنِهِ إنْ مَاتَ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان الرَّهْنُ في السُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ مِلْكًا لِلرَّاهِنِ فَكَانَ الرَّاهِنُ دَفَعَهُ لَا مَغْصُوبًا عليه وَلَا بَائِعًا له وكان الرَّاهِنُ إنْ أَرَادَ أَخْذَهُ لم يَكُنْ له وَحُكِمَ عليه بِإِقْرَارِهِ في يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ بِالشَّرْطِ فَأَيُّ وَجْهٍ لِضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ وَالْحَاكِمُ يَحْكُمُ له بِحَبْسِهِ لِلْحَقِّ الذي شَرَطَ له مَالِكُهُ فيه وَعَلَى مَالِكِهِ نَفَقَتُهُ وَإِنَّمَا يَضْمَنُ من تَعَدَّى فَأَخَذَ ما ليس له أو مَنَعَ شيئا في يَدَيْهِ مَلَّكَهُ لِغَيْرِهِ مِمَّا مَلَّكَهُ الْمَالِكُ غَيْرَهُ مِمَّا عليه تَسْلِيمُهُ وَلَيْسَ له حَبْسُهُ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَبْتَاعَ الرَّجُلُ الْعَبْدَ من الرَّجُلِ فَيَدْفَعَ إلَيْهِ ثَمَنَهُ وَيَمْنَعَهُ الْبَائِعُ الْعَبْدَ فَهَذَا يُشْبِهُ الْغَصْبَ وَالْمُرْتَهِنُ ليس في شَيْءٍ من هذه الْمَعَانِي لَا هو مَالِكٌ لِلرَّهْنِ فَأَوْجَبَ عليه فيه بَيْعًا فَمَنَعَهُ من مِلْكِهِ إيَّاهُ وَعَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ إلَيْهِ وَإِنَّمَا مَلَكَ الرَّهْنَ لِلرَّاهِنِ فَلَا هو مُتَعَدٍّ بِأَخْذِ الرَّهْنِ من الرَّاهِنِ وَلَا بِمَنْعِهِ إيَّاهُ فَلَا مَوْضِعَ لِلضَّمَانِ عليه في شَيْءٍ من حَالَاتِهِ إنَّمَا هو رَجُلٌ اشْتَرَطَ لِنَفْسِهِ على مَالِكِ الرَّهْنِ في الرَّهْنِ شَرْطًا حَلَالًا لَازِمًا اسْتَوْثَقَ فيه من حَقِّهِ طَلَبُ المنفعه لِنَفْسِهِ وَالِاحْتِيَاطُ على غَرِيمِهِ لَا مُخَاطِرًا بِالِارْتِهَانِ لِأَنَّهُ لو كان الرَّهْنُ إذَا هَلَكَ هَلَكَ حَقُّهُ كان ارْتِهَانُهُ مُخَاطَرَةً إنْ سَلَّمَ الرَّهْنَ فَحَقُّهُ فيه وَإِنْ تَلِفَ تَلِفَ حَقُّهُ وَلَوْ كان هَكَذَا كان شَرًّا لِلْمُرْتَهِنِ في بَعْضِ حَالَاتِهِ لِأَنَّ حَقَّهُ إذَا كان في ذِمَّةِ الرَّاهِنِ وفي جَمِيعِ مَالِهِ لَازِمًا أَبَدًا كان خَيْرًا له من أَنْ يَكُونَ في شَيْءٍ من مَالِهِ بِقَدْرِ حَقِّهِ فَإِنْ هَلَكَ ذلك الشَّيْءُ بِعَيْنِهِ هَلَكَ من الْمُرْتَهِنِ وَبَرِئَتْ ذِمَّةُ الرَّاهِنِ قال ولم نَرَ ذِمَّةَ رَجُلٍ تَبْرَأُ إلَّا بِأَنْ يُؤَدِّيَ إلَى غَرِيمِهِ ماله عليه أو عِوَضًا منه يَتَرَاضَيَانِ عليه فَيَمْلِكُ الْغَرِيمُ الْعِوَضَ وَيَبْرَأُ بِهِ غَرِيمُهُ وَيَنْقَطِعُ مَالِكُهُ عنه أو يَتَطَوَّعُ صَاحِبُ الْحَقِّ بِأَنْ يُبْرِئَ منه صَاحِبَهُ وَالْمُرْتَهِنُ وَالرَّاهِنُ لَيْسَا
____________________

(3/186)


في وَاحِدٍ من مَعَانِي الْبَرَاءَةِ وَلَا الْبَوَاءِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ أَلَا تَرَى أَنَّ أَخْذَ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ كَالِاسْتِيفَاءِ لِحَقِّهِ قلت لو كان اسْتِيفَاءً لِحَقِّهِ وكان الرَّهْنُ جَارِيَةً كان قد مَلَكَهَا وَحَلَّ له وَطْؤُهَا ولم يَكُنْ له رَدُّهَا على الرَّاهِنِ وَلَا عليه وَلَوْ أَعْطَاهُ ما فيه إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا بِأَنْ يَتَبَايَعَا فيها بَيْعًا جَدِيدًا ولم يَكُنْ مع هذا لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ إلَى سَنَةٍ فَيَأْخُذُهُ الْيَوْمَ بِلَا رِضَا من الذي عليه الْحَقُّ قال ما هو بِاسْتِيفَاءٍ وَلَكِنْ كَيْفَ قُلْتَ إنَّهُ مُحْتَبَسٌ في يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ بِحَقٍّ له وَلَا ضَمَانَ عليه فيه فَقِيلَ له بِالْخَبَرِ وَكَمَا يَكُونُ الْمَنْزِلُ مُحْتَبَسًا بِإِجَارَةٍ فيه ثُمَّ يَتْلَفُ الْمَنْزِلُ بِهَدْمٍ أو غَيْرِهِ من وُجُوهِ التَّلَفِ فَلَا ضَمَانَ على المكترى فيه وَإِنْ كان المكترى سَلَّفَ الْكِرَاءَ رَجَعَ بِهِ على صَاحِبِ الْمَنْزِلِ وَكَمَا يَكُونُ الْعَبْدُ مُؤَجَّرًا أو الْبَعِيرُ مُكْرًى فَيَكُونُ مُحْتَبَسًا بِالشَّرْطِ وَلَا ضَمَانَ في وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا في حُرٍّ لو كان مُؤَجَّرًا فَهَلَكَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) إنَّمَا الرَّهْنُ وَثِيقَةٌ كَالْحَمَالَةِ فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا كانت له على رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَكَفَلَ له بها جَمَاعَةٌ عِنْدَ وُجُوبِهَا أو بَعْدَهُ كان الْحَقُّ على الذي عليه الْحَقُّ وكان الْحُمَلَاءُ ضَامِنِينَ له كلهم فَإِنْ لم يُؤَدِّ الذي عليه الْحَقُّ كان لِلَّذِي له الْحَقُّ أَنْ يَأْخُذَ الْحُمَلَاءَ كما شَرَطَ عليهم وَلَا يَبْرَأُ ذلك الذي عليه الْحَقُّ حتى يَسْتَوْفِيَ آخِرَ حَقِّهِ وَلَوْ هَلَكَ الْحُمَلَاءُ أو غَابُوا لم يُنْقِصْ ذلك حَقَّهُ وَرَجَعَ بِهِ على من عليه أَصْلُ الْحَقِّ وَكَذَلِكَ الرَّهْنُ لَا يُنْقِصُ هَلَاكُهُ وَلَا نُقْصَانُهُ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ وَأَنَّ السُّنَّةَ الْمُبَيِّنَةَ بِأَنْ لَا يُضْمَنَ الرَّهْنُ وَلَوْ لم يَكُنْ فيه سُنَّةٌ كان ( ( ( كأنا ) ) ) أنا لم نَعْلَمْ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِيمَا وَصَفْنَا من أَنَّهُ مِلْكٌ لِلرَّاهِنِ وَأَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْبِسَهُ بِحَقِّهِ لَا مُتَعَدِّيًا بِحَبْسِهِ دَلَالَةً بَيِّنَةً أَنَّ الرَّهْنَ ليس بِمَضْمُونٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَوْلُنَا في الرَّهْنِ إذَا كان مِمَّا يَظْهَرُ هَلَاكُهُ مِثْلُ الدَّارِ وَالنَّخْلِ وَالْعَبِيدِ وَخَالَفْنَا بَعْضَهُمْ فِيمَا يَخْفَى هَلَاكُهُ من الرَّهْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَاسْمُ الرَّهْنِ جَامِعٌ لِمَا يَظْهَرُ هَلَاكُهُ وَيَخْفَى وَإِنَّمَا جاء الْحَدِيثُ جُمْلَةً ظَاهِرًا وما كان جُمْلَةً ظَاهِرًا فَهُوَ على ظُهُورِهِ وَجُمْلَتِهِ إلَّا أَنْ تَأْتِيَ دَلَالَةٌ عَمَّنْ جاء عنه أو يَقُولَ الْعَامَّةُ على أَنَّهُ خَاصٌّ دُونَ عَامٍّ وَبَاطِنٌ دُونَ ظَاهِرٍ ولم نَعْلَمْ دَلَالَةً جَاءَتْ بهذا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَنَصِيرُ إلَيْهَا وَلَوْ جَازَ هذا بِغَيْرِ دَلَالَةٍ جَازَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الرَّهْنُ الذي يَذْهَبُ بِهِ إذَا هَلَكَ هَلَكَ حَقُّ صَاحِبِهِ الْمُرْتَهِنِ الظَّاهِرُ الْهَلَاكِ لِأَنَّ ما ظَهَرَ هَلَاكُهُ فَلَيْسَ في مَوْضِعِ أَمَانَةٍ فَهُوَ كَالرِّضَا مِنْهُمَا بِأَنَّهُ بِمَا فيه أو مَضْمُونٌ بِقِيمَتِهِ وَأَمَّا ما خَفِيَ هَلَاكُهُ فَرَضِيَ صَاحِبُهُ بِدَفْعِهِ إلَى الْمُرْتَهِنِ وقد يَعْلَمُ أَنَّ هَلَاكَهُ خَافٍ فَقَدْ رضي فيه أَمَانَتَهُ فَهُوَ أَمِينُهُ فَإِنْ هَلَكَ لم يَهْلَكْ من مَالِ الْمُرْتَهِنِ شَيْءٌ فَلَا يَصِحُّ في هذا قَوْلٌ أَبَدًا على هذا الْوَجْهِ إذَا جَازَ أَنْ يَصِيرَ خَاصًّا بِلَا دَلَالَةٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْقَوْلُ الصَّحِيحُ فيه عِنْدَنَا ما قُلْنَا من أَنَّهُ أَمَانَةٌ كُلُّهُ لِمَا وَصَفْنَا من دَفْعِ صَاحِبِهِ إيَّاهُ بِرِضَاهُ وَحَقٍّ أَوْجَبَهُ فيه كَالْكَفَالَةِ وَلَا يَعْدُو الرَّهْنُ أَنْ يَكُونَ أَمَانَةً فَلَا اخْتِلَافَ بين أَحَدٍ أَنَّ ما ظَهَرَ وَخَفِيَ هَلَاكَهُ من الْأَمَانَةِ سَوَاءٌ غَيْرُ مَضْمُونٍ أو أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا فَلَا اخْتِلَافَ بين أَحَدٍ أَنَّ ما كان مَضْمُونًا فما ظَهَرَ وَخَفِيَ هَلَاكُهُ من الْمَضْمُونِ سَوَاءٌ أو يُفَرِّقُ بين ذلك سُنَّةٌ أو أَثَرٌ لَازِمٌ لَا مُعَارِضَ له مِثْلُهُ وَلَيْسَ نَعْرِفُهُ مع من قال هذا الْقَوْلَ من أَصْحَابِنَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد قال هذا الْقَوْلَ مَعَهُمْ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَيْسَ في أَحَدٍ مع قَوْلِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حُجَّةٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَخَالَفْنَا بَعْضَ الناس في الرَّهْنِ فقال فيه إذَا رَهَنَ الرَّجُلُ رَهْنًا بِحَقٍّ له فَالرَّهْنُ مَضْمُونٌ فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ نَظَرْنَا فَإِنْ كانت قِيمَتُهُ أَقَلَّ من الدَّيْنِ رَجَعَ الْمُرْتَهِنُ على الرَّاهِنِ بِالْفَضْلِ وَإِنْ كانت قِيمَةُ الرَّهْنِ مِثْلَ الدَّيْنِ أو أَكْثَرَ لم يَرْجِعْ على الرَّاهِنِ بِشَيْءٍ ولم يَرْجِعْ الرَّاهِنُ عليه بِشَيْءٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) كَأَنَّهُ في قَوْلِهِمْ رَجُلٌ رَهَنَ رَجُلًا أَلْفَ دِرْهَمٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَإِنْ هَلَكَتْ الْأَلْفُ فَمِائَةٌ بِمِائَةٍ وهو في التِّسْعمِائَةِ أَمِينٌ أو رَجُلٌ رَهَنَ رَجُلًا مِائَةً بِمِائَةٍ فَإِنْ هَلَكَتْ الْمِائَةُ فَالرَّهْنُ بِمَا فيه لِأَنَّ مِائَةً ذَهَبَتْ بِمِائَةٍ أو رَجُلٌ رَهَنَ رَجُلًا خَمْسِينَ دِرْهَمًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَإِنْ هَلَكَتْ الْخَمْسُونَ ذَهَبَتْ بِخَمْسِينَ ثُمَّ رَجَعَ صَاحِبُ الْحَقِّ الْمُرْتَهِنِ على الرَّاهِنِ بِخَمْسِينَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَذَلِكَ في قَوْلِهِمْ عَرَضٌ
____________________

(3/187)


يسوي ما وَصَفْنَا بِمِثْلِ هذا ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقِيلَ لِبَعْضِ من قال هذا الْقَوْلَ هذا قَوْلٌ لَا يَسْتَقِيمُ بهذا الْمَوْضِعِ عِنْدَ أَحَدٍ من أَهْلِ الْعِلْمِ فقال من جِهَةِ الرَّأْيِ لِأَنَّكُمْ جَعَلْتُمْ رَهْنًا وَاحِدًا مَضْمُونًا مَرَّةً كُلَّهُ وَمَضْمُونًا مَرَّةً بَعْضَهُ وَمَرَّةً بَعْضَهُ بِمَا فيه وَمَرَّةً يَرْجِعُ بِالْفَضْلِ فيه فَهُوَ في قَوْلِكُمْ لَا مَضْمُونًا بِمَا يُضْمَنُ بِهِ ما ضُمِنَ لِأَنَّ ما ضُمِنَ إنَّمَا يُضْمَنُ بِعَيْنِهِ فَإِنْ فَاتَ فَقِيمَتُهُ وَلَا بِمَا فيه من الْحَقِّ فَمِنْ أَيْنَ قُلْتُمْ فَهَذَا لَا يُقْبَلُ إلَّا بِخَبَرٍ يَلْزَمُ الناس الْأَخْذُ بِهِ وَلَا يَكُونُ لهم إلَّا تَسْلِيمُهُ قالوا رَوَيْنَا عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ قال يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ قُلْنَا فَهُوَ إذًا قال يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ فَقَدْ خَالَفَ قَوْلَكُمْ وَزَعَمَ أَنَّهُ ليس منه شَيْءٌ بِأَمَانَةٍ وَقَوْلُ عَلِيٍّ أنه مَضْمُونٌ كُلُّهُ كان فيه فَضْلٌ أو لم يَكُنْ مِثْلُ جَمِيعِ ما يُضْمَنُ مِمَّا إذَا فَاتَ فَفِيهِ قِيمَتُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقُلْنَا قد رَوَيْتُمْ ذلك عن عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَهُ وهو ثَابِتٌ عِنْدَنَا بِرِوَايَةِ أَصْحَابِنَا فَقَدْ خَالَفْتُمُوهُ قال ( ( ( وقال ) ) ) فَأَيْنَ قُلْنَا زَعَمْتُمْ أَنَّهُ قال يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ وَأَنْتَ تَقُولُ إنْ رَهَنَهُ أَلْفًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَمِائَةٌ بِمِائَةٍ وهو في التِّسْعِمِائَةِ أَمِينٌ وَاَلَّذِي رَوَيْت عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه فيه أَنَّ الرَّاهِنَ يَرْجِعُ على الْمُرْتَهِنِ بِتِسْعِمِائَةٍ قال فَقَدْ رَوَيْنَا عن شُرَيْحٍ أَنَّهُ قال الرَّهْنُ بِمَا فيه وَإِنْ كان خَاتَمًا من حَدِيدٍ قُلْنَا فَأَنْتَ أَيْضًا تُخَالِفُهُ قال وَأَيْنَ قُلْنَا أنت تَقُولُ إنْ رَهَنَهُ مِائَةً بِأَلْفٍ أو خَاتَمًا يسوي دِرْهَمًا بِعَشَرَةٍ فَهَلَكَ الرَّهْنُ رَجَعَ صَاحِبُ الْحَقِّ الْمُرْتَهِنِ على الرَّاهِنِ بِتِسْعِمِائَةٍ من رَأْسِ مَالِهِ وَبِتِسْعَةٍ في الْخَاتَمِ من رَأْسِ مَالِهِ وَشُرَيْحٌ لَا يَرُدُّ وَاحِدًا مِنْهُمَا على صَاحِبِهِ بِحَالٍ فقال قد ( ( ( فقد ) ) ) رَوَى مُصْعَبُ بن ثَابِتٍ عن عَطَاءٍ أَنَّ رَجُلًا رَهَنَ رَجُلًا فَرَسًا فَهَلَكَ الْفَرَسُ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ذَهَبَ حَقُّك ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقِيلَ له أخبرنا إبْرَاهِيمُ عن مُصْعَبِ بن ثَابِتٍ عن عَطَاءٍ قال زَعَمَ الْحَسَنُ كَذَا ثُمَّ حَكَى هذا الْقَوْلَ قال إبْرَاهِيمُ كان عَطَاءٌ يَتَعَجَّبُ مِمَّا رَوَى الْحَسَنُ وَأَخْبَرَنِي بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ عن مُصْعَبٍ عن عَطَاءٍ عن الْحَسَنِ وَأَخْبَرَنِي بَعْضُ من أَثِقُ بِهِ أَنَّ رَجُلًا من أَهْلِ الْعِلْمِ رَوَاهُ عن مُصْعَبٍ عن عَطَاءٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَسَكَتَ عن الْحَسَنِ فَقِيلَ له أَصْحَابُ مُصْعَبٍ يَرْوُونَهُ عن عَطَاءٍ عن الْحَسَنِ فقال نعم وَكَذَلِكَ حدثنا وَلَكِنَّ عَطَاءً مُرْسَلٌ اتَّفَقَ من الْحَسَنِ مُرْسَلٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمِمَّا يَدُلُّ على وَهْنُ هذا عِنْدَ عَطَاءٍ إنْ كان رَوَاهُ أَنَّ عَطَاءً يُفْتِي بِخِلَافِهِ وَيَقُولُ فيه بِخِلَافِ هذا كُلِّهِ وَيَقُولُ فِيمَا ظَهَرَ هَلَاكُهُ أَمَانَةٌ وَفِيمَا خَفِيَ يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ وَهَذَا أَثْبَتَ الرِّوَايَةَ عنه وقد روى عنه يَتَرَادَّانِ مُطْلَقُهُ وما شَكَكْنَا فيه فَلَا نَشُكُّ أَنَّ عَطَاءً إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَرْوِي عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم شيئا مُثْبَتًا عِنْدَهُ وَيَقُولُ بِخِلَافِهِ مع أَنِّي لم أَعْلَمْ أَحَدًا رَوَى هذا عن عَطَاءٍ يَرْفَعُهُ إلَّا مُصْعَبٌ وَاَلَّذِي رَوَى هذا عن عَطَاءٍ يَرْفَعُهُ يُوَافِقُ قَوْلَ شُرَيْحٍ إنَّ الرَّهْنَ بِمَا فيه قال وَكَيْفَ يُوَافِقُهُ قُلْنَا قد يَكُونُ الْفَرَسُ أَكْثَرَ مِمَّا فيه من الْحَقِّ وَمِثْلَهُ وَأَقَلَّ ولم يُرْوَ أَنَّهُ سَأَلَ عن قِيمَةِ الْفَرَسِ وَهَذَا يَدُلُّ على أَنَّهُ إنْ كان قَالَهُ رَأَى أَنَّ الرَّهْنَ بِمَا فيه قال فَكَيْفَ لم تَأْخُذْ بِهِ قُلْنَا لو كان مُنْفَرِدًا لم يَكُنْ من الرِّوَايَةِ التي تَقُومُ بِمِثْلِهَا حُجَّةٌ فَكَيْفَ وقد رَوَيْنَا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قَوْلًا بَيِّنًا مُفَسَّرًا مع ما فيه من الْحُجَّةِ التي ذَكَرْنَا وَصَمَتْنَا عنها قال فَكَيْفَ قَبِلْتُمْ عن بن الْمُسَيِّبِ مُنْقَطِعًا ولم تَقْبَلُوهُ عن غَيْرِهِ قُلْنَا لَا نَحْفَظُ أَنَّ بن الْمُسَيِّبِ رَوَى مُنْقَطِعًا إلَّا وَجَدْنَا ما يَدُلُّ على تَسْدِيدِهِ وَلَا أَثَرُهُ عن أَحَدٍ فِيمَا عَرَفْنَاهُ عنه إلآ ثِقَةٌ مَعْرُوفٌ فَمَنْ كان بِمِثْلِ حَالِهِ قَبِلْنَا مُنْقَطِعَهُ وَرَأَيْنَا غَيْرَهُ يسمى الْمَجْهُولَ ويسمى من يُرْغَبُ عن الرِّوَايَةِ عنه وَيُرْسِلُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَعَنْ بَعْضِ من لم يَلْحَقْ من أَصْحَابِهِ الْمُسْتَنْكَرَ الذي لَا يُوجَدُ له شَيْءٌ يُسَدِّدُهُ فَفَرَّقْنَا بَيْنَهُمْ لِافْتِرَاقِ أَحَادِيثِهِمْ ولم نُحَابِ أَحَدًا وَلَكِنَّا قُلْنَا في ذلك بِالدَّلَالَةِ الْبَيِّنَةِ على ما وَصَفْنَاهُ من صِحَّةِ رِوَايَتِهِ وقد اخبرني غَيْرُ وَاحِدٍ من أَهْلِ الْعِلْمِ عن يحيى بن أبي أُنَيْسَةَ عن بن شِهَابٍ عن بن الْمُسَيِّبِ عن أبي هُرَيْرَةَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مِثْلَ حديث بن ابي ذِئْبٍ قال فَكَيْفَ لم تَأْخُذُوا بِقَوْلِ عَلِيٍّ فيه قُلْنَا إذَا
____________________

(3/188)


ثَبَتَ عِنْدَنَا عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه لم يَكُنْ عِنْدَنَا وَعِنْدَك وَعِنْدَ أَحَدٍ من أَهْلِ الْعِلْمِ لنا أَنْ نَتْرُكَ ما جاء عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَى ما جاء عن غَيْرِهِ قال فَقَدْ رَوَى عبد الْأَعْلَى التَّغْلِبِيُّ عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ شَبِيهًا بِقَوْلِنَا قُلْنَا الرِّوَايَةُ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه بِأَنْ يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ أَصَحُّ عنه من رِوَايَةِ عبد الْأَعْلَى وقد رَأَيْنَا أَصْحَابَكُمْ يُضَعِّفُونَ رِوَايَةَ عبد الْأَعْلَى التي لَا يُعَارِضُهَا مُعَارِضٌ تَضْعِيفًا شَدِيدًا فَكَيْفَ بِمَا عَارَضَهُ فيه من هو أَقْرَبُ من الصِّحَّةِ وَأَوْلَى بها ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقِيلَ لِقَائِلِ هذا الْقَوْلِ قد خَرَّجْت فيه مِمَّا رَوَيْت عن عَطَاءٍ يَرْفَعُهُ وَمِنْ أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه وَعَنْ شُرَيْحٍ وما رَوَيْنَا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَى قَوْلٍ رَوَيْته عن إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وقد روى عن إبْرَاهِيمَ خِلَافُهُ وَإِبْرَاهِيمُ لو لم تَخْتَلِفْ الرِّوَايَةُ عنه فيه ( ( ( فيما ) ) ) زَعَمْت لَا يَلْزَمُ قَوْلُهُ وَقُلْتَ قَوْلًا مُتَنَاقِضًا خَارِجًا عن أَقَاوِيلِ الناس وَلَيْسَ لِلنَّاسِ فيه قَوْلٌ إلَّا وَلَهُ وَجْهٌ وَإِنْ ضَعُفَ إلَّا قَوْلُكُمْ فإنه لَا وَجْهَ له يَقْوَى وَلَا يَضْعُفُ ثُمَّ لَا تَمْتَنِعُونَ من تَضْعِيفِ من خَالَفَ قَوْلَ من قال يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ أَنْ يَقُولَ لم يَدْفَعْهُ أَمَانَةً وَلَا بَيْعًا وَإِنَّمَا دَفَعَهُ مُحْتَبِسًا بِشَيْءٍ فَإِنْ هَلَكَ تَرَادَّا فَضْلَهُ وَهَكَذَا كُلُّ مَضْمُونٍ بِعَيْنِهِ إذَا هَلَكَ ضَمِنَ من ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا ضَعِيفٌ إذْ كَيْفَ يَتَرَادَّانِ فَضْلَهُ وهو إنْ كان كَالْبَيْعِ فَهُوَ بِمَا فيه وَإِنْ كان مُحْتَبَسًا بِحَقٍّ فما مَعْنَى أَنَّهُ مَضْمُونٌ وهو لَا غَصْبَ من الْمُرْتَهِنِ وَلَا عُدْوَانَ عليه في حَبْسِهِ وهو يُبِيحُ له حَبْسَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَوَجْهُ قَوْلِ من قال الرَّهْنُ بِمَا فيه أَنْ يَقُولَ قد رضي الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ في الرَّهْنِ فإذا هَلَكَ هَلَكَ بِمَا فيه لِأَنَّهُ كَالْبَدَلِ من الْحَقِّ وَهَذَا ضَعِيفٌ وما لم يَتَرَاضَيَا تَبَيَّنَ مِلْكُ الرَّاهِنِ على الرَّهْنِ إلَى أَنْ يَمْلِكَهُ الْمُرْتَهِنُ وَلَوْ مَلَكَهُ لم يَرْجِعْ إلَى الرَّاهِنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالسُّنَّةُ ثَابِتَةٌ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بها قُلْنَا وَلَيْسَ مع السُّنَّةِ حُجَّةٌ وَلَا فيها إلَّا إتباعها مع أنها أَصَحُّ الْأَقَاوِيلِ مُبْتَدَأً وَمَخْرَجًا ( قال ) وَقِيلَ لِبَعْضِ من قال هذا الْقَوْلَ الذي حَكَيْنَا أنت أَخْطَأَتْ بِخِلَافِ السُّنَّةِ وَأَخْطَأَتْ بِخِلَافِك ما قُلْت قال وَأَيْنَ خَالَفْتُ ما قلت قُلْت عِبْتَ عَلَيْنَا أَنْ زَعَمْنَا أَنَّهُ أَمَانَةٌ وَحُجَّتُنَا فيه ما ذَكَرْنَا وَغَيْرُهَا مِمَّا فِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ منه فَكَيْفَ عِبْتَ قَوْلًا قُلْتَ بِبَعْضِهِ قال لي وَأَيْنَ قلت زَعَمْتَ أَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ قال نعم قُلْنَا فَهَلْ رَأَيْت مَضْمُونًا قَطُّ بِعَيْنِهِ فَهَلَكَ إلَّا أَدَّى الذي ضَمَنَهُ قِيمَتَهُ بَالِغَةً ما بَلَغَتْ قال لَا غير الرَّهْنِ قُلْنَا فَالرَّهْنُ إذًا كان عِنْدَك مَضْمُونًا لم لم يَكُنْ هَكَذَا إذَا كان يسوي أَلْفًا وهو رَهْنٌ بِمِائَةٍ لِمَ لم يَضْمَنْ الْمُرْتَهِنُ تِسْعَمِائَةٍ لو كان مَضْمُونًا كما ذَكَرْتَ قال هو في الْفَضْلِ أَمِينٌ قُلْنَا وَمَعْنَى الْفَضْلِ غَيْرُ مَعْنَى غَيْرِهِ قال نعم قلنا لِأَنَّ الْفَضْلَ ليس بِرَهْنٍ قال إنْ قلت ليس بِرَهْنٍ قلت أَفَيَأْخُذُهُ مَالِكُهُ قال فَلَيْسَ لِمَالِكِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ حتى يؤدي ما فيه قُلْنَا لِمَ قال لِأَنَّهُ رَهْنٌ قُلْنَا فَهُوَ رَهْنٌ وَاحِدٌ مُحْتَبَسٌ بِحَقٍّ وَاحِدٍ بَعْضُهُ مَضْمُونٌ وَبَعْضُهُ أَمَانَةٌ قال نعم قُلْنَا أَفَتَقْبَلُ مِثْلَ هذا الْقَوْلِ مِمَّنْ يُخَالِفُك فَلَوْ قال هذا غَيْرُك ضَعَّفْته تَضْعِيفًا شَدِيدًا فِيمَا تَرَى وَقُلْت وَكَيْفَ يَكُونُ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ مَدْفُوعًا بِالْأَمْرِ الْوَاحِدِ بَعْضُهُ أَمَانَةٌ وَبَعْضُهُ مَضْمُونٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقُلْنَا أَرَأَيْت جَارِيَةً تسوي أَلْفًا رُهِنَتْ بِمِائَةٍ وَأَلْفِ دِرْهَمٍ رُهِنَتْ بِمِائَةٍ أَلَيْسَتْ الْجَارِيَةُ بِكَمَالِهَا رَهْنًا بِمِائَةٍ وَالْأَلْفُ الدِّرْهَمُ رَهْنٌ بِكَمَالِهَا بِمِائَةٍ قال بَلَى قُلْنَا الْكُلُّ مَرْهُونٌ مِنْهُمَا ليس له أَخْذُهُ وَلَا إدْخَالُ أَحَدٍ بِرَهْنٍ معه فيه من قِبَلِ أَنَّ الْكُلَّ مَرْهُونٌ بِالْمِائَةِ مَدْفُوعٌ دَفْعًا وَاحِدًا بِحَقٍّ وَاحِدٍ فَلَا يَخْلُصُ بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ قال نعم قُلْنَا وَعُشْرُ الْجَارِيَةِ مَضْمُونٌ وَتِسْعَةُ أَعْشَارِهَا أَمَانَةٌ وَمِائَةٌ مَضْمُونٌ وَتِسْعُمِائَةٍ أَمَانَةٌ قال نعم قُلْنَا فَأَيَّ شئت ( ( ( شيء ) ) ) عِبْتَ من قَوْلِنَا ليس بِمَضْمُونٍ وَهَذَا أنت تَقُولُ في أَكْثَرِهِ ليس بِمَضْمُونٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقِيلَ له إذَا كانت الْجَارِيَةُ دُفِعَتْ خَارِجًا تِسْعَةُ أَعْشَارِهَا من الضَّمَانِ وَالْأَلْفُ كَذَلِكَ فما
____________________

(3/189)


تَقُولُ إنْ نَقَصَتْ الْجَارِيَةُ في ثَمَنِهَا حتى تَصِيرَ تَسْوَى مِائَةً قال الْجَارِيَةُ كُلُّهَا مَضْمُونَةٌ قِيلَ فَإِنْ زَادَتْ بَعْدَ النُّقْصَانِ حتى صَارَتْ تَسْوَى أَلْفَيْنِ قال تُخْرَجُ الزِّيَادَةُ من الضَّمَانِ وَيَصِيرُ نِصْفُ عُشْرِهَا مَضْمُونًا وَتِسْعَةَ عَشَرَ جُزْءًا من عِشْرِينَ سَهْمًا غير مَضْمُونٍ قُلْنَا ثُمَّ هَكَذَا إنْ نَقَصَتْ أَيْضًا حتى صَارَتْ تَسْوَى مِائَةً قال نعم تَعُودُ كُلُّهَا مَضْمُونَةً قال وَهَكَذَا جَوَارٍ لو ( ( ( ولو ) ) ) رُهِنَّ يَسْوِينَ عَشَرَةَ آلَافٍ بِأَلْفٍ كانت تِسْعَةُ أَعْشَارِهِنَّ خَارِجَةً من الرَّهْنِ بِضَمَانٍ وَعُشْرٌ مَضْمُونٌ عِنْدَهُ فَقُلْت لِبَعْضِهِمْ لو قال هذا غَيْرُكُمْ كُنْتُمْ شَبِيهًا أَنْ تَقُولُوا ما يَحِلُّ لَك أَنْ تَتَكَلَّمَ في الْفُتْيَا وَأَنْتَ لَا تَدْرِي ما تَقُولُ كَيْفَ يَكُونُ رَهْنٌ وَاحِدٌ بِحَقٍّ وَاحِدٍ بَعْضُهُ أَمَانَةٌ وَبَعْضُهُ مَضْمُونٌ ثُمَّ يَزِيدُ فَيَخْرُجُ ما كان مَضْمُونًا منه من الضَّمَانِ لِأَنَّهُ إنْ دَفَعَ عِنْدَكُمْ بِمِائَةٍ وهو يَسْوَى مِائَةً كان مَضْمُونًا كُلَّهُ وَإِنْ زَادَ خَرَجَ بَعْضُهُ من الضَّمَانِ ثُمَّ إنْ نَقَصَ عَادَ إلَى الضَّمَانِ وَزَعَمْت أَنَّهُ إنْ دَفَعَ جَارِيَةً رَهْنًا بِأَلْفٍ وَهِيَ تَسْوَى أَلْفًا فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا يُسَاوُونَ آلَافًا فَالْجَارِيَةُ مضمونه كُلُّهَا وَالْأَوْلَادُ رَهْنٌ كلهم غَيْرُ مَضْمُونِينَ لَا يَقْدِرُ صَاحِبُهُمْ على أَخْذِهِمْ لِأَنَّهُمْ رَهْنٌ وَلَيْسُوا بِمَضْمُونِينَ ثُمَّ إنْ مَاتَتْ أُمُّهُمْ صَارُوا مَضْمُونِينَ بِحِسَابٍ فَهُمْ كلهم مَرَّةً رَهْنٌ خَارِجُونَ من الضَّمَانِ وَمَرَّةً دَاخِلٌ بَعْضُهُمْ في الضَّمَانِ خَارِجٌ بَعْضٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقِيلَ لِمَنْ قال هذا الْقَوْلَ ما يَدْخُلُ على أَحَدٍ أَقْبَحُ من قَوْلِكُمْ أَعْلَمُهُ وَأَشَدُّ تَنَاقُضًا أخبرني من أَثِقُ بِهِ عن بَعْضٍ من نُسِبَ إلَى الْعِلْمِ منهم أَنَّهُ يقول لو رَهَنَ الْجَارِيَةَ بِأَلْفٍ ثُمَّ أَدَّى الْأَلْفَ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَقَبَضَهَا منه ثُمَّ دَعَاهُ بِالْجَارِيَةِ فَهَلَكَتْ قبل أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ هَلَكَتْ من مَالِ الرَّاهِنِ وَكَانَتْ الْأَلْفُ مُسَلَّمَةً لِلْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهَا حَقُّهُ فَإِنْ كان هذا فَقَدْ صَارُوا فيه إلَى قَوْلِنَا وَتَرَكُوا جَمِيعَ قَوْلِهِمْ وَلَيْسَ هذا بِأَنْكَرَ مِمَّا وَصَفْنَا وما يُشْبِهُهُ مِمَّا سَكَتْنَا عنه ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقال لي قَائِلٌ من غَيْرِهِمْ نَقُولُ الرَّهْنُ بِمَا فيه أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا دَفَعَ الرَّهْنَ يَعْنِي بِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَفِي هذا دَلَالَةٌ على أَنَّهُ قد رضى الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ بِأَنْ يَكُونَ الْحَقُّ في الرَّهْنِ قُلْنَا ليس في ذلك دَلَالَةٌ على ما قُلْت قال وَكَيْفَ قُلْنَا إنَّمَا تَعَامَلَا على أَنَّ الْحَقَّ على مَالِكِ الرَّهْنِ وَالرَّهْنُ وَثِيقَةٌ مع الْحَقِّ كما تَكُونُ الْحَمَالَةُ قال كَأَنَّهُ بِأَنْ يَكُونَ رِضًا أَشْبَهُ قُلْنَا إنَّمَا الرِّضَا بِأَنْ يَتَبَايَعَانِهِ فَيَكُونَ مِلْكًا لِلْمُرْتَهِنِ فَيَكُونَ حِينَئِذٍ رِضًا مِنْهُمَا بِهِ وَلَا يَعُودُ إلَى مِلْكِ الرَّاهِنِ إلَّا بِتَجْدِيدِ بَيْعٍ منه وَهَذَا في قَوْلِنَا وَقَوْلِكُمْ مِلْكٌ لِلرَّاهِنِ فَأَيُّ رِضًا مِنْهُمَا وهو مِلْكٌ لِلرَّاهِنِ بِأَنْ يَخْرُجَ من مِلْكِ الرَّاهِنِ إلَى مِلْكِ الْمُرْتَهِنِ فَإِنْ قُلْت إنَّمَا يَكُونُ الرِّضَا إذَا هَلَكَ فَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الرِّضَا عِنْدَ الْعُقْدَةِ وَالدَّفْعِ فَالْعُقْدَةُ وَالدَّفْعُ كان وهو مِلْكٌ لِلرَّاهِنِ وَلَا يَتَحَوَّلُ حُكْمُهُ عَمَّا دَفَعَ بِهِ لِأَنَّ الْحُكْمَ عِنْدَنَا وَعِنْدَك في كل أَمْرٍ فيه عُقْدَةٌ إنَّمَا هو على الْعُقْدَةِ - * رَهْنُ الْمَشَاعِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَرْهَنَ الرَّجُلُ نِصْفَ أَرْضِهِ وَنِصْفَ دَارِهِ وَسَهْمًا من أَسْهُمٍ من ذلك مَشَاعًا غير مَقْسُومٍ إذَا كان الْكُلُّ مَعْلُومًا وكان ما رَهَنَ منه مَعْلُومًا وَلَا فَرْقَ بين ذلك وَبَيْنَ الْبُيُوعِ وقال بَعْضُ الناس لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ إلَّا مَقْبُوضًا مَقْسُومًا لَا يُخَالِطُهُ غَيْرُهُ واحتج بِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ } قال الشَّافِعِيُّ قُلْنَا فَلِمَ لم يَجُزْ الرَّهْنُ إلَّا مَقْبُوضًا مَقْسُومًا وقد يَكُونُ مَقْبُوضًا وهو مَشَاعٌ غَيْرُ مَقْسُومٍ قال قَائِلٌ فَكَيْفَ يَكُونُ مَقْبُوضًا وَأَنْتَ لَا تَدْرِي أَيُّ النَّاحِيَتَيْنِ هو وَكَيْفَ يَكُونُ مَقْبُوضًا في الْعَبْدِ وهو لَا يَتَبَعَّضُ فَقُلْت كان الْقَبْضُ إذَا كان اسْمًا وَاحِدًا لَا يَقَعُ عِنْدَك إلَّا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وقد يَقَعُ على مَعَانٍ مختلفه قال بَلْ هو بِمَعْنًى وَاحِدٍ قُلْت أو ما تُقْبَضُ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ وما صَغَرَ بِالْيَدِ وَتُقْبَضُ الدُّورُ بِدَفْعِ الْمَفَاتِيحِ وَالْأَرْضُ بِالتَّسْلِيمِ قال بَلَى فَقُلْت فَهَذَا مُخْتَلِفٌ قال
____________________

(3/190)


يَجْمَعُهُ كُلَّهُ أَنَّهُ مُنْفَصِلٌ لَا يُخَالِطُهُ شَيْءٌ قُلْت فَقَدْ تَرَكْت الْقَوْلَ الْأَوَّلَ وَقُلْت آخَرَ وَسَتَتْرُكُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقُلْت فَكَأَنَّ الْقَبْضَ عِنْدَك لَا يَقَعُ أَبَدًا إلَّا على مُنْفَصِلٍ لَا يُخَالِطُهُ شَيْءٌ قال نعم قُلْت فما تَقُولُ في نِصْفِ دَارٍ وَنِصْفِ أَرْضٍ وَنِصْفِ عَبْدٍ وَنِصْفِ سَيْفٍ اشْتَرَيْته مِنْك بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ قال جَائِزٌ قُلْت وَلَيْسَ عَلَيَّ دَفْعُ الثَّمَنِ حتى تَدْفَعَ إلي ما اشْتَرَيْت فَأَقْبِضُهُ قال نعم قُلْت فَإِنِّي لَمَّا اشْتَرَيْت أَرَدْت نَقْضَ الْبَيْعِ فَقُلْت بَاعَنِي نِصْفَ دَارٍ مَشَاعًا لَا أَدْرِي أَشَرْقِيَّ الدَّارِ يَقَعُ أَمْ غَرْبِيَّهَا وَنِصْفُ عَبْدٍ لَا يَنْفَصِلُ أَبَدًا وَلَا يَنْقَسِمُ وَأَنْتَ لَا تُجِيزُنِي على قَسْمِهِ لِأَنَّ فيه ضَرَرًا فَأَنَا أَفْسَخُ الْبَيْعَ بَيْنِي وَبَيْنَك قال ليس ذلك لَك وَقَبْضُ نِصْفِ الدَّارِ وَنِصْفِ الْأَرْضِ وَنِصْفِ الْعَبْدِ وَنِصْفِ السَّيْفِ أَنْ يُسَلِّمَهُ وَلَا يَكُونُ دُونَهُ حَائِلٌ قُلْت أنت لَا تُجِيزُ الْبَيْعَ إلَّا مَعْلُومًا وَهَذَا غَيْرُ مَعْلُومٍ قال هو وَإِنْ لم يَكُنْ مَعْلُومًا بِعَيْنِهِ مُنْفَصِلًا فَالْكُلُّ مَعْلُومٌ وَنَصِيبُك من الْكُلِّ مَحْسُوبٌ قُلْت وَإِنْ كان مَحْسُوبًا فَإِنِّي لَا أَدْرِي أَيْنَ يَقَعُ قال أنت شَرِيكٌ في الْكُلِّ قُلْت فَهُوَ غَيْرُ مَقْبُوضٍ لِأَنَّهُ ليس بِمُنْفَصِلٍ وَأَنْتَ تَقُولُ فِيمَا ليس بِمُنْفَصِلٍ لَا يَكُونُ مَقْبُوضًا فَيَبْطُلُ بِهِ الرَّهْنُ وَتَقُولُ الْقَبْضُ أَنْ يَكُونَ مُنْفَصِلًا قال قد يَكُونُ مُنْفَصِلًا وَغَيْرَ مُنْفَصِلٍ قُلْت وَكَيْفَ يَكُونُ مَقْبُوضًا وهو غَيْرُ مُنْفَصِلٍ قال لِأَنَّ الْكُلَّ مَعْلُومٌ وإذا كان الْكُلُّ مَعْلُومًا فَالْبَعْضُ بِالْحِسَابِ مَعْلُومٌ قُلْت فَقَدْ تَرَكْت قَوْلَك الْأَوَّلَ وَتَرَكْت قَوْلَك الثَّانِيَ فَلِمَ إذَا كان هذا كما وَصَفْت يَجُوزُ الْبَيْعُ فيه وَالْبَيْعُ لَا يَجُوزُ إلَّا مَعْلُومًا فَجَعَلْته مَعْلُومًا وَيَتِمُّ بِالْقَبْضِ لِأَنَّ الْبَيْعَ عِنْدَك لَا يَتِمُّ حتى يقضى على صَاحِبِهِ بِدَفْعِ الثَّمَنِ إلَّا مَقْبُوضًا فَكَانَ هذا عِنْدَك قَبْضًا زَعَمْت أَنَّهُ في الرَّهْنِ غَيْرُ قَبْضٍ فَلَا يَعْدُو أَنْ تَكُونَ أَخْطَأْت بِقَوْلِك لَا يَكُونُ في الرَّهْنِ قَبْضًا أو بِقَوْلِك يَكُونُ في الْبَيْعِ قَبْضًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَالْقَبْضُ اسْمٌ جَامِعٌ وهو يَقَعُ بِمَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ كَيْفَ ما كان الشَّيْءُ مَعْلُومًا أو كان الْكُلُّ مَعْلُومًا وَالشَّيْءُ من الْكُلِّ جُزْءٌ مَعْلُومٌ من أَجْزَاءٍ وَسُلِّمَ حتى لَا يَكُونَ دُونَهُ حَائِلٌ فَهُوَ قَبْضٌ فَقَبْضُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالثِّيَابِ في مَجْلِسِ الرَّجُلِ وَالْأَرْضِ أَنْ يُؤْتَى في مَكَانِهَا فَتُسَلَّمُ لَا تَحْوِيهَا يَدٌ وَلَا يُحِيطُ بها جِدَارٌ وَالْقَبْضُ في كَثِيرٍ من الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ إسْلَافُهَا بِأَعْلَافِهَا وَالْعَبِيدُ تَسْلِيمُهُمْ بِحَضْرَةِ الْقَابِضِ وَالْمَشَاعُ من كل أَرْضٍ وَغَيْرِهَا أَنْ لَا يَكُونَ دُونَهُ حَائِلٌ فَهَذَا كُلُّهُ قَبْضٌ مُخْتَلِفٌ يَجْمَعُهُ اسْمُ الْقَبْضِ وَإِنْ تَفَرَّقَ الْفِعْلُ فيه غير أَنَّهُ يَجْمَعُهُ أَنْ يَكُونَ مَجْمُوعَ الْعَيْنِ وَالْكُلُّ جُزْءٌ من الْكُلِّ مَعْرُوفٌ وَلَا حَائِلَ دُونَهُ فإذا كان هَكَذَا فَهُوَ مَقْبُوضٌ وَاَلَّذِي يَكُونُ في الْبَيْعِ قَبْضًا يَكُونُ في الرَّهْنِ قَبْضًا لَا يَخْتَلِفُ ذلك ( قال الشَّافِعِيُّ ) ولم أَسْمَعْ أَحَدًا عِنْدَنَا مُخَالِفًا فِيمَا قُلْت من أَنَّهُ يَجُوزُ فيه الرَّهْنُ وَاَلَّذِي يخالف ( ( ( يختلف ) ) ) لَا يَحْتَجُّ فيه بِمُتَقَدِّمٍ من أَثَرٍ فَيَلْزَمُ اتِّبَاعُهُ وَلَيْسَ بِقِيَاسٍ وَلَا مَعْقُولٍ فَيَغِيبُونَ في الِاتِّبَاعِ الذي يَلْزَمُهُمْ أَنْ يُفَرِّقُوا بين الشَّيْئَيْنِ إذَا فَرَّقَتْ بَيْنَهُمَا الْآثَارُ حتى يُفَارِقُوا الْآثَارَ في بَعْضِ ذلك لَأَنْ يُجَزِّئُوا الْأَشْيَاءَ زَعَمُوا على مِثَالٍ ثُمَّ تَأْتِي أَشْيَاءُ ليس فيها أَثَرٌ فَيُفَرِّقُونَ بَيْنَهَا وَهِيَ مُجْتَمِعَةٌ بِآرَائِهِمْ وَنَحْنُ وَهُمْ نَقُولُ في الْآثَارِ تُتَّبَعُ كما جَاءَتْ وَفِيمَا قُلْت وَقُلْنَا بِالرَّأْيِ لَا نَقْبَلُ إلَّا قِيَاسًا صَحِيحًا على أَثَرٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ تَبَايَعَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ على شَرْطِ الرَّهْنِ وهو أَنْ يُوضَعَ على يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ فَجَائِزٌ وَإِنْ وَضَعَاهُ على يَدَيْ عَدْلٍ فَجَائِزٌ وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا إخْرَاجُهُ من حَيْثُ يَضَعَانِهِ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمَا على الرِّضَا بِأَنْ يُخْرِجَاهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ خِيفَ الْمَوْضُوعُ على يَدَيْهِ فَدَعَا أَحَدُهُمَا إلَى إخْرَاجِهِ من يَدَيْهِ فَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ إنْ كانت تَغَيَّرَتْ حَالُهُ عَمَّا كان عليه من الْأَمَانَةِ حتى يَصِيرَ غير أَمِينٍ أَنْ يُخْرِجَهُ ثُمَّ يَأْمُرَهُمَا أَنْ يَتَرَاضَيَا فَإِنْ فَعَلَا وَإِلَّا رضي لَهُمَا كما يَحْكُمُ عَلَيْهِمَا فِيمَا لم يَتَرَاضَيَا فيه بِمَا لَزِمَهُمَا قال وَإِنْ مَاتَ الْمَوْضُوعُ على يَدَيْهِ الرَّهْنُ فَكَذَلِكَ يَتَرَاضَيَانِ أو يَرْضَى لَهُمَا الْقَاضِي إنْ أَبَيَا التَّرَاضِيَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ مَاتَ الْمُرْتَهِنُ وَالرَّهْنُ على يَدَيْهِ ولم يَرْضَ الرَّاهِنُ وَصِيَّةً وَلَا وارثة قِيلَ لِوَارِثِهِ إنْ كان بَالِغًا أو لِوَصِيِّهِ إنْ لم يَكُنْ بَالِغًا تَرَاضَ أنت وَصَاحِبَ الرَّهْنِ فَإِنْ فَعَلَا وَإِلَّا صَيَّرَهُ الْحَاكِمُ إلَى عَدْلٍ
____________________

(3/191)


وَذَلِكَ أَنَّ الرَّاهِنَ لم يَرْضَ بِأَمَانَةِ الْوَارِثِ وَلَا الْوَصِيُّ وَلَمَّا كان لِلْوَارِثِ حَقٌّ في احْتِبَاسِ الرَّهْنِ حتى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ كان له ما وَصَفْنَا من الرِّضَا فيه إذَا كان له أَمْرٌ في مَالِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ مَاتَ الرَّاهِنُ فَالدَّيْنُ حَالٌّ وَيُبَاعُ الرَّهْنُ فَإِنْ أَدَّى ما فيه فَذَلِكَ وَإِنْ كان في ثَمَنِهِ فَضْلٌ رُدَّ على وَرَثَةِ الْمَيِّتِ وَإِنْ نَقَصَ الرَّهْنُ من الدَّيْنِ رَجَعَ صَاحِبُ الْحَقِّ بِمَا بَقِيَ من حَقِّهِ في تَرِكَةِ الْمَيِّتِ وكان أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِيمَا يَبْقَى من دَيْنِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَيْسَ لِأَحَدٍ من الْغُرَمَاءِ أَنْ يَدْخُلَ معه في ثَمَنِ رَهْنِهِ حتى يَسْتَوْفِيَهُ وَلَهُ أَنْ يَدْخُلَ مع الْغُرَمَاءِ بِشَيْءٍ إنْ بَقِيَ له في مَالِ الْمَيِّتِ غَيْرُ الْمَرْهُونِ إذَا بَاعَ رَهْنَهُ فلم يَفِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان الرَّهْنُ على يَدَيْ عَدْلٍ فَإِنْ كَانَا وَضَعَاهُ على يَدَيْ الْعَدْلِ على أَنْ يَبِيعَهُ فَلَهُ بَيْعُهُ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ فَإِنْ بَاعَهُ قبل أَنْ يَحِلَّ الْأَجَلُ بِغَيْرِ أَمْرِهِمَا مَعًا فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ وَإِنْ فَاتَ ضَمِنَ الْقِيمَةَ إنْ شَاءَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ وَكَانَتْ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِمَّا بَاعَ بِهِ وَإِنْ شَاءَ فَلِلرَّاهِنِ ما بَاعَ بِهِ الرَّهْنَ قَلَّ أو كَثُرَ ثُمَّ إنْ تَرَاضَيَا أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ على يَدَيْهِ إلَى مَحِلِّ الْأَجَلِ وَإِلَّا تَرَاضَيَا أَنْ تَكُونَ على يَدَيْ غَيْرِهِ لِأَنَّ بَيْعَهُ لِلرَّهْنِ قبل مَحِلِّ الْحَقِّ خِلَافُ الْأَمَانَةِ وَإِنْ بَاعَهُ بَعْدَ مَحِلِّ الْحَقِّ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ الناس بمثله رَدَّ الْبَيْعَ إنْ شَاءَ فَإِنْ فَاتَ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا يَضْمَنُ قِيمَتَهُ ما بَلَغَتْ فيه فَيُؤَدِّي إلَى ذِي الْحَقِّ حَقَّهُ وَيَكُونُ لِمَالِكِ الرَّهْنِ فَضْلُهَا وَالْقَوْلُ الْآخَرُ يَضْمَنُ ما حَطَّ مِمَّا لَا يَتَغَابَنُ الناس بمثله لِأَنَّهُ لو بَاعَ بِمَا يَتَغَابَنُ الناس بمثله جَازَ الْبَيْعُ فَإِنَّمَا يَضْمَنُ ما كان لَا يَجُوزُ له بِحَالٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَحَدُّ ما يَتَغَابَنُ الناس بمثله يَتَفَاوَتُ تَفَاوُتًا شَدِيدًا فِيمَا يَرْتَفِعُ وَيَنْخَفِضُ وَيَخُصُّ وَيَعُمُّ فَيُدْعَى رَجُلَانِ عَدْلَانِ من أَهْلِ الْبَصَرِ بِتِلْكَ السِّلْعَةِ المبيعه فيقال ( ( ( فقال ) ) ) أَيَتَغَابَنُ أَهْلُ الْبَصَرِ بِالْبَيْعِ في الْبَيْعِ بِمِثْلِ هذا فَإِنْ قالوا نعم جَازَ وَإِنْ قالوا لَا رَدَّ إنْ قَدَرَ عليه وَإِنْ لم يَقْدِرْ عليه فَالْقَوْلُ فيه ما وَصَفْت ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى ما يَتَغَابَنُ بِهِ غَيْرُ أَهْلِ الْبَصَرِ وَإِلَى تَرْكِ التَّوْقِيتِ فِيمَا يَتَغَابَنُ الناس بمثله رَجَعَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ وَخَالَفَهُ صَاحِبُهُ وكان صَاحِبُهُ يقول حَدُّ ما يَتَغَابَنُ الناس بمثله الْعَشَرَةُ ثَلَاثَةٌ فَإِنْ جَاوَزَ ثَلَاثَةً لم يَتَغَابَنْ أَهْلُ الْبَصَرِ بِأَكْثَرَ من ثَلَاثَةٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَهْلُ الْبَصَرِ بِالْجَوْهَرِ وَالْوَشْيِ وَعَلَيْهِ الرَّقِيقُ يَتَغَابَنُونَ بِالدِّرْهَمِ ثَلَاثَةً وَأَكْثَرَ وَلَا يَتَغَابَنُ أَهْلُ الْبَصَرِ بِالْحِنْطَةِ وَالزَّيْتِ وَالسَّمْنِ وَالتَّمْرِ في كل خَمْسِينَ بِدِرْهَمٍ وَذَلِكَ لِظُهُورِهِ وَعُمُومِ الْبَصَرِ بِهِ مع اخْتِلَافِ ما يَدِقُّ وَظُهُورِ ما يَجِلُّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ بَاعَ الْمَوْضُوعُ على يَدَيْهِ الرَّهْنُ فَهَلَكَ الثَّمَنُ منه فَهُوَ أَمِينٌ وَالدَّيْنُ على الرَّاهِنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ اخْتَلَفَ مَالِكُ الرَّهْنِ وَالْمُرْتَهِنِ وَالْمُؤْتَمَنِ وَالْبَائِعُ فقال بِعْت بِمِائَةٍ وقال بِعْت بِخَمْسِينَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَمَنْ جَعَلْنَا الْقَوْلَ قَوْلَهُ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ إنْ أَرَادَ الذي يُحَالِفُهُ يَمِينَهُ قال وَإِنْ اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ في الرَّهْنِ فقال الرَّاهِنُ رَهَنْتُكَهُ بِمِائَةٍ وقال الْمُرْتَهِنُ رَهَنْتَنِيهِ بِمِئَتَيْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ اخْتَلَفَا في الرَّهْنِ فقال الرَّاهِنُ رَهَنْتُك عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا وقال الْمُرْتَهِنُ رَهَنْتَنِي عَبْدًا يُسَاوِي مِائَةً فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ قال مَالِكُ الْعَبْدِ رَهَنْتُك عَبْدِي بِمِائَةٍ أو هو في يَدَيْك وَدِيعَةً وقال الذي هو في يَدَيْهِ بَلْ رَهَنْتَنِيهِ بِأَلْفٍ في الْحَالَيْنِ كان الْقَوْلُ قَوْلَ مَالِكِ الْعَبْدِ في ذلك لِأَنَّهُمَا يَتَصَادَقَانِ على مِلْكِهِ ويدعى الذي هو في يَدَيْهِ فَضْلًا على ما كان يُقِرُّ بِهِ مَالِكُهُ فيه أو حَقًّا في الرَّهْنِ لَا يُقِرُّ بِهِ مَالِكُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَيْسَ في كَيْنُونَةِ الْعَبْدِ في يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ دَلَالَةٌ على ما يدعى من فَضْلِ الرَّهْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ قال رَهَنْتُكَهُ بِأَلْفٍ وَدَفَعْتهَا إلَيْك وقال الْمُرْتَهِنُ لم تَدْفَعْهَا إلي كان الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهُ يُقِرُّ بِأَلْفٍ يَدَّعِي منها الْبَرَاءَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ قال رَهَنْتُك عَبْدًا فَأَتْلَفْته وقال الْمُرْتَهِنُ مَاتَ كان الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُرْتَهِنِ وَلَا يُصَدَّقُ الرَّاهِنُ على تَضْمِينِهِ وَلَوْ قال رَهَنْتُك عَبْدًا بِأَلْفٍ وَأَتْلَفْته وَلَيْسَ بهذا وقال الْمُرْتَهِنُ هو هذا فَلَا يُصَدَّقُ الرَّاهِنُ على تَضْمِينِ الْمُرْتَهِنِ الْعَبْدَ الذي ادَّعَى وَلَا يَكُونُ الْعَبْدُ الذي ادَّعَى فيه الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ رَهْنًا لِأَنَّ مَالِكَ الْعَبْدِ
____________________

(3/192)


لم يُقِرَّ بِأَنَّهُ رَهَنَهُ إيَّاهُ بِعَيْنِهِ وَيَتَحَالَفَانِ مَعًا أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لو تَصَادَقَا على أَنَّ له عليه أَلْفَ دِرْهَمٍ وقال صَاحِبُ الْأَلْفِ رَهَنْتَنِي بها دَارَك وقال صَاحِبُ الدَّارِ لم أَرْهَنْك كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيَجُوزُ رَهْنُ الدَّنَانِيرِ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ كان الرَّهْنُ مِثْلًا أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ من الْحَقِّ وَلَيْسَ هذا بِبَيْعٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اسْتَعَارَ رَجُلٌ من رَجُلٍ عَبْدًا يَرْهَنُهُ فَرَهَنَهُ فَالرَّهْنُ جَائِزٌ إذَا تَصَادَقَا على ذلك أو قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ كما يَجُوزُ لو رَهَنَهُ مَالِكُ الْعَبْدِ فَإِنْ أَرَادَ مَالِكُ الْعَبْدِ أَنْ يُخْرِجَهُ من الرَّهْنِ فَلَيْسَ له ذلك إلَّا أَنْ يَدْفَعَ الرَّاهِنُ أو مَالِكُ الْعَبْدِ مُتَطَوِّعًا الْحَقَّ كُلَّهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلِمَالِكِ الرَّهْنِ أَنْ يَأْخُذَ الرَّاهِنَ بِافْتِكَاكِهِ له مَتَى شَاءَ لِأَنَّهُ أَعَارَهُ له بِلَا مُدَّةٍ كان ذلك مَحِلَّ الدَّيْنِ أو بَعْدَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ أَعَارَهُ إيَّاهُ فقال أرهنه إلَى سَنَةٍ فَفَعَلَ وقال أفتكه قبل السَّنَةِ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ له أَنْ يَأْخُذَهُ بِبَيْعِ ما له عليه في مَالِهِ حتى يُعِيدَهُ إلَيْهِ كما أَخَذَهُ منه وَمِنْ حُجَّةِ من قال هذا أَنْ يَقُولَ لو أَعَرْتُك عَبْدِي يَخْدُمُك سَنَةً كان لي أَخْذُهُ السَّاعَةَ وَلَوْ أَسْلَفْتُك أَلْفَ دِرْهَمٍ إلَى سَنَةٍ كان لي أَخْذُهَا مِنْك السَّاعَةَ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنَّهُ ليس له أَخْذُهُ إلَى السَّنَةِ لِأَنَّهُ قد أَذِنَ له أَنْ يُصَيِّرَ فيه حَقًّا لِغَيْرِهِمَا فَهُوَ كَالضَّامِنِ عنه مَالًا وَلَا يُشَبَّهُ إذْنُهُ بِرَهْنِهِ إلَى مُدَّةِ عَارِيَّتِهِ إيَّاهُ وَلَا سَلَفِهِ له ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ تَصَادَقَا على أَنَّهُ أَعَارَهُ إيَّاهُ يَرْهَنُهُ وقال أَذِنْت لَك في رَهْنِهِ بِأَلْفٍ وقال الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ أَذِنْت لي بِأَلْفَيْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَالِكِ الْعَبْدِ في أَنَّهُ بِأَلْفٍ وَالْأَلْفُ الثَّانِيَةُ على الرَّاهِنِ في مَالِهِ لِلْمُرْتَهِنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ استعاره ( ( ( استعار ) ) ) رَجُلَانِ عَبْدًا من رَجُلٍ فَرَهْنَاهُ من رَجُلٍ بِمِائَةٍ ثُمَّ أتى أَحَدُهُمَا بِخَمْسِينَ فقال هذا ما يَلْزَمُنِي من الْحَقِّ لم يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ضَامِنًا عن صَاحِبِهِ وَإِنْ اجْتَمَعَا في الرَّهْنِ فإن نِصْفَهُ مَفْكُوكٌ وَنِصْفَهُ مَرْهُونٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اسْتَعَارَ رَجُلٌ من رَجُلَيْنِ عَبْدًا فَرَهَنَهُ بِمِائَةٍ ثُمَّ جاء بِخَمْسِينَ فقال هذه فِكَاكُ حَقِّ فُلَانٍ من الْعَبْدِ وَحَقُّ فُلَانٍ مَرْهُونٌ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يُفَكُّ إلَّا مَعًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو رَهَنَ عَبْدًا لِنَفْسِهِ بِمِائَةٍ ثُمَّ جاء بِتِسْعِينَ فقال فُكَّ تِسْعَةَ أَعْشَارِهِ وَاتْرُكْ الْعُشْرَ مَرْهُونًا لم يَكُنْ منه شَيْءٌ مَفْكُوكًا وَذَلِكَ أَنَّهُ رَهْنٌ وَاحِدٌ بِحَقٍّ وَاحِدٍ فَلَا يُفَكُّ إلَّا مَعًا وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنَّ الْمِلْكَ لَمَّا كان لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على نِصْفِهِ جَازَ أَنْ يَفُكَّ نِصْفَ أَحَدِهِمَا دُونَ نِصْفِ الْآخَرِ كما لو اسْتَعَارَ من رَجُلٍ عَبْدًا وَمِنْ آخَرَ عَبْدًا فَرَهَنَهُمَا جَازَ أَنْ يَفُكَّ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ وَالرَّجُلَانِ وَإِنْ كان ملكها ( ( ( ملكهما ) ) ) في وَاحِدٍ لَا يَتَجَزَّأُ فَأَحْكَامُهُمَا في الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ حُكْمُ مَالِكَيْ الْعَبْدَيْنِ الْمُفْتَرِقَيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلِوَلِيِّ الْيَتِيمِ أو وَصِيِّهِ أَنْ يَرْهَنَا عنه كما يَبِيعَانِ عليه فِيمَا لَا بُدَّ له منه وَلِلْمَأْذُونِ له في التِّجَارَةِ وَلِلْمُكَاتَبِ وَالْمُشْتَرَكِ وَالْمُسْتَأْمَنِ أَنْ يَرْهَنَ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَرْهَنَ الْمُسْلِمُ عِنْدَ الْمُشْرِكِ وَالْمُشْرِكُ عِنْدَ الْمُسْلِمِ كُلَّ شَيْءٍ ما خَلَا الْمُصْحَفَ وَالرَّقِيقَ من الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّا نَكْرَهُ أَنْ يَصِيرَ الْمُسْلِمُ تَحْتَ يَدَيْ الْمُشْرِكِ بِسَبَبٍ يُشْبِهُ الرِّقَّ وَالرَّهْنُ وَإِنْ لم يَكُنْ رِقًّا فإن الرَّقِيقَ لَا يَمْتَنِعُ إلَّا قَلِيلًا من الذُّلِّ لِمَنْ صَارَ تَحْتَ يَدَيْهِ بِتَصْيِيرِ مَالِكِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ رَهَنَ الْعَبْدَ لم نَفْسَخْهُ وَلَكِنَّا نَكْرَهُهُ لِمَا وَصَفْنَا وَلَوْ قال قَائِلٌ آخُذُ الرَّاهِنَ بِافْتِكَاكِهِ حتى يوفي الْمُرْتَهِنُ الْمُشْرِكُ حَقَّهُ مُتَطَوِّعًا أو يَصِيرَ في يَدَيْهِ بِمَا يَجُوزُ له ارْتِهَانُهُ فَإِنْ لم يَتَرَاضَيَا فَسَخْت الْبَيْعَ كان مَذْهَبًا فَأَمَّا ما سِوَاهُمْ فَلَا بَأْسَ بِرَهْنِهِ من الْمُشْرِكِينَ فَإِنْ رَهَنَ الْمُصْحَفَ قُلْنَا إنْ رَضِيت أَنْ تَرُدَّ الْمُصْحَفَ وَيَكُونَ حَقُّك عليه فَذَلِكَ لَك أو تَتَرَاضَيَانِ على ما سِوَى الْمُصْحَفِ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ في يَدَيْك وَإِنْ لم تَتَرَاضَيَا فَسَخْنَا الْبَيْعَ بَيْنَكُمَا لِأَنَّ الْقُرْآنَ أَعْظَمُ من أَنْ يُتْرَكَ في يَدَيْ مُشْرِكٍ يَقْدِرُ على إخْرَاجِهِ من يَدَيْهِ وقد نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يَمَسَّهُ من الْمُسْلِمِينَ إلَّا طَاهِرٌ وَنَهَى أَنْ يُسَافِرَ بِهِ إلَى بِلَادِ الْعَدُوِّ ( أخبرنا ) إبْرَاهِيمُ وَغَيْرُهُ عن جَعْفَرٍ عن أبيه أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم رَهَنَ دِرْعَهُ عِنْدَ أبي الشَّحْمِ الْيَهُودِيِّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيُوقَفُ على الْمُرْتَدِّ مَالُهُ فَإِنْ رَهَنَ منه شيئا بَعْدَ الْوَقْفِ فَلَا يَجُوزُ
____________________

(3/193)


في قَوْلِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا على حَالٍ وفي قَوْلِ بَعْضِهِمْ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْإِسْلَامِ فَيَمْلِكَ مَالَهُ فَيَجُوزُ الرَّهْنُ وَإِنْ رَهَنَهُ قبل وَقْفِ مَالِهِ فَالرَّهْنُ جَائِزٌ كما يَجُوزُ لِلْمُشْرِكِ بِبِلَادِ الْحَرْبِ ما صَنَعَ في مَالِهِ قبل أَنْ يُؤْخَذَ عنه وَكَمَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ من أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَالذِّمَّةِ ما صَنَعَ في مَالِهِ قبل أَنْ يَقُومَ عليه غُرَمَاؤُهُ فإذا قَامُوا عليه لم يَجُزْ ما صَنَعَ في مَالِهِ حتى يَسْتَوْفُوا حُقُوقَهُمْ أو يُبْرِئُوهُ منها ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَيْسَ لِلْمُقَارَضِ أَنْ يَرْهَنَ لِأَنَّ الْمِلْكَ لِصَاحِبِ الْمَالِ كان في الْمُقَارَضَةِ فَضْلٌ عن رَأْسِ الْمَالِ أو لم يَكُنْ وَإِنَّمَا مِلْكُ الْمُقَارِضِ الرَّاهِنِ شيئا من الْفَضْلِ شَرْطُهُ له إنْ سَلِمَ حتى يَصِيرَ رَأْسُ مَالِ الْمُقَارَضِ إلَيْهِ أَخَذَ شَرْطَهُ وَإِنْ لم يَسْلَمْ لم يَكُنْ له شَيْءٌ قال وَإِنْ كان عَبْدٌ بين رَجُلَيْنِ فَأَذِنَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ أَنْ يَرْهَنَ الْعَبْدَ فَالرَّهْنُ جَائِزٌ وهو كُلُّهُ رَهْنٌ بِجَمِيعِ الْحَقِّ لَا يُفَكُّ بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ أَنَّ الرَّاهِنَ إنْ فَكَّ نَصِيبَهُ منه فَهُوَ مَفْكُوكٌ وَيُجْبَرُ على فَكِّ نَصِيبِ شَرِيكِهِ في الْعَبْدِ إنْ شَاءَ ذلك شَرِيكُهُ فيه وَإِنْ فَكَّ نَصِيبَ صَاحِبِهِ منه فَهُوَ مَفْكُوكُ وصاحب ( ( ( صاحب ) ) ) الْحَقِّ على حَقِّهِ في نِصْفِ الْعَبْدِ الْبَاقِي وَإِنْ لم يَأْذَنْ شَرِيكُ الْعَبْدِ لِشَرِيكِهِ في أَنْ يَرْهَنَ نَصِيبَهُ من الْعَبْدِ فَرَهَنَ الْعَبْدَ فَنِصْفُهُ مَرْهُونٌ وَنِصْفُ شَرِيكِهِ الذي لم يَأْذَنْ له في رَهْنِهِ من الْعَبْدِ غَيْرُ مَرْهُونٍ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لو تَعَدَّى فَرَهَنَ عَبْدَ رَجُلٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ لم يَكُنْ له رَهْنًا وَكَذَلِكَ يَبْطُلُ الرَّهْنُ في النِّصْفِ الذي لَا يَمْلِكُهُ الرَّاهِنُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيَجُوزُ رَهْنُ الِاثْنَيْنِ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا أَمَةً فَوَلَدَتْ أو حَائِطًا فَأَثْمَرَ أو مَاشِيَةً فَتَنَاتَجَتْ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا في هذا فقال بَعْضُهُمْ لَا يَكُونُ وَلَدُ الْجَارِيَةِ وَلَا نِتَاجُ الْمَاشِيَةِ وَلَا ثَمَرَةُ الْحَائِطِ رَهْنًا وَلَا يَدْخُلُ في الرَّهْنِ شَيْءٌ لم يَرْهَنْهُ مَالِكُهُ قَطُّ ولم يُوجِبْ فيه حَقًّا لِأَحَدٍ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْوَلَدُ تَبَعًا في الْبُيُوعِ إذَا كان الْوَلَدُ لم يَحْدُثْ قَطُّ إلَّا في مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ كان الْحَمْلُ كان في مِلْكِ الْبَائِعِ وَتَبَعًا في الْعِتْقِ لِأَنَّ الْعِتْقَ كان ولم يُولَدْ الْمَمْلُوكُ فلم يَصِرْ إلَى أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِأَنَّهُ لم يَصِرْ إلَى حُكْمِ الْحَيَاةِ الظَّاهِرِ إلَّا بَعْدَ الْعِتْقِ لِأُمِّهِ وهو تَبَعٌ لِأُمِّهِ وَثَمَرُ الْحَائِطِ إنَّمَا يَكُونُ تَبَعًا في الْبَيْعِ ما لم يُؤَبَّرْ وإذا أُبِّرَ فَهُوَ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْعِتْقُ وَالْبَيْعُ مُخَالِفٌ لِلرَّهْنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا بَاعَ فَقَدْ حَوَّلَ رَقَبَةَ الْأَمَةِ وَالْحَائِطَ وَالْمَاشِيَةَ من مِلْكِهِ وَحَوَّلَهُ إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ إنْ أَعْتَقَ الْأَمَةَ فَقَدْ أَخْرَجَهَا من مِلْكِهِ لِشَيْءٍ جَعَلَهُ اللَّهُ وَمَلَكَتْ نَفْسَهَا وَالرَّهْنُ لم يُخْرِجْهُ من مِلْكِهِ قَطُّ هو في مِلْكِهِ بِحَالِهِ إلَّا أَنَّهُ مُحَوَّلٌ دُونَهُ بِحَقٍّ حَبَسَهُ بِهِ لِغَيْرِهِ أَجَازَهُ الْمُسْلِمُونَ كما كان الْعَبْدُ له وقد أَجَّرَهُ من غَيْرِهِ وكان الْمُسْتَأْجِرُ أَحَقَّ بِمَنْفَعَتِهِ إلَى الْمُدَّةِ التي شُرِطَتْ له من مَالِكِ الْعَبْدِ وَالْمِلْكُ له وَكَمَا لو آجَرَ الْأَمَةَ فَتَكُونُ مُحْتَبَسَةً عنه بِحَقٍّ فيها وَإِنْ وَلَدَتْ أَوْلَادًا لم تَدْخُلْ الْأَوْلَادُ في الْإِجَارَةِ فَكَذَلِكَ لاتدخل ( ( ( لم ) ) ) الْأَوْلَادُ في الرَّهْنِ وَالرَّهْنُ بِمَنْزِلَةِ ضَمَانِ الرَّجُلِ عن الرَّجُلِ وَلَا يَدْخُلُ في الضَّمَانِ إلَّا من أَدْخَلَ نَفْسَهُ فيه وَوَلَدُ الأمه وَنِتَاجُ الْمَاشِيَةِ وَثَمَرُ الْحَائِطِ مِمَّا لم يَدْخُلُ في الرَّهْنِ قَطُّ وقد أخبرنا مُطَرِّفُ بن مَازِنٍ عن مَعْمَرٍ عن بن طَاوُسٍ عن ابيه أَنَّ مُعَاذَ بن جَبَلٍ قَضَى فِيمَنْ ارْتَهَنَ نَخْلًا مُثْمِرًا فَلْيَحْسِبْ الْمُرْتَهِنُ ثَمَرَهَا من رَأْسِ الْمَالِ وَذَكَرَ سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ شَبِيهًا بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَحْسَبُ مُطَرِّفًا قَالَهُ في الحديث من عَامِ حَجِّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا كَلَامٌ يَحْتَمِلُ مَعَانِيَ فَأَظْهَرُ مَعَانِيهِ أَنْ يَكُونَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ تَرَاضَيَا أَنْ تَكُونَ الثَّمَرَةُ رَهْنًا أو يَكُونَ الدَّيْنُ حَالًّا وَيَكُونَ الرَّاهِنُ سَلَّطَ الْمُرْتَهِنَ على بَيْعِ الثَّمَرَةِ وَاقْتِضَائِهَا من رَأْسِ مَالِهِ أو أَذِنَ له بِذَلِكَ وَإِنْ كان الدَّيْنُ إلَى أَجَلٍ وَيُحْتَمَلُ غَيْرُ هذا الْمَعْنَى فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَا تَرَاضَيَا أَنَّ الثَّمَرَةَ لِلْمُرْتَهِنِ فَتَأَدَّاهَا على ذلك فقال هِيَ من رَأْسِ الْمَالِ لَا لِلْمُرْتَهِنِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونُوا صَنَعُوا هذا مُتَقَدِّمًا فَأَعْلَمَهُمْ أنها لَا تَكُونُ لِلْمُرْتَهِنِ وَيُشْبِهُ هذا لِقَوْلِهِ من عَامِ حَجِّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كَأَنَّهُمْ كَانُوا يَقْضُونَ بِأَنَّ الثَّمَرَةَ لِلْمُرْتَهِنِ قبل حَجِّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَظُهُورِ حُكْمِهِ فَرَدَّهُمْ إلَى أَنْ لَا تَكُونَ لِلْمُرْتَهِنِ فلما لم يَكُنْ له ظَاهِرٌ مُقْتَصَرًا عليه وَصَارَ إلَى التَّأْوِيلِ لم يَجُزْ لِأَحَدٍ
____________________

(3/194)


فيه شَيْءٌ إلَّا جَازَ عليه وَكُلٌّ يَحْتَمِلُ مَعْنًى لَا يُخَالِفُ مَعْنَى قَوْلِ من قال لَا تَكُونُ الثَّمَرَةُ رَهْنًا مع الْحَائِطِ إذَا لم تشترط ( ( ( يشترط ) ) ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ وَكَيْفَ لَا يَكُونُ له ظَاهِرٌ مُخَالِفٌ يَحْكُمُ بِهِ قُلْت أَرَأَيْت رَجُلًا رَهَنَ رَجُلًا حَائِطًا فَأَثْمَرَ الْحَائِطُ لِلْمُرْتَهِنِ بَيْعُ الثَّمَرَةِ وَحِسَابُهَا من رَأْسِ الْمَالِ فَيَكُونُ بَائِعًا لِنَفْسِهِ بِلَا تَسْلِيطٍ من الرَّاهِنِ وَلَيْسَ في الحديث أَنَّ الرَّاهِنَ سَلَّطَ الْمُرْتَهِنَ على بَيْعِ الثَّمَرَةِ أو يَجُوزُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَقْبِضَهَا من رَأْسِ مَالِهِ إنْ كان الدَّيْنُ إلَى أَجَلٍ قبل مَحِلِّ الدَّيْنِ وَلَا يُجِيزُ هذا أَحَدٌ عَلِمْته فَلَيْسَ وَجْهُ الحديث في هذا إلَّا بِالتَّأْوِيلِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فلما كان هذا الْحَدِيثُ هَكَذَا كان أَنْ لَا تَكُونَ الثَّمَرَةُ رَهْنًا وَلَا الْوَلَدُ وَلَا النِّتَاجُ أَصَحُّ الْأَقَاوِيلِ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ قال قَائِلٌ إلَّا أَنْ يَتَشَارَطَا عِنْدَ الرَّهْنِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ وَالنِّتَاجُ وَالثَّمَرُ رَهْنًا فَيُشْبِهُ أَنْ يَجُوزَ عِنْدِي وَإِنَّمَا أَجْزَتْهُ على ما لم يَكُنْ أَنَّهُ ليس بِتَمْلِيكٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَ مالا يَكُونُ وَهَذَا يُشْبِهُ مَعْنَى حديث مُعَاذٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَإِنْ لم يَكُنْ بِالْبَيِّنِ جِدًّا كان مَذْهَبًا وَلَوْلَا حَدِيثُ مُعَاذٍ ما رَأَيْته يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ أَحَدٍ جَائِزًا ( قال الرَّبِيعُ ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ إذَا رَهَنَهُ مَاشِيَةً أو نَخْلًا على أَنَّ ما حَدَثَ من النِّتَاجِ أو الثَّمَرَةِ رَهْنٌ كان الرَّهْنُ بَاطِلًا لِأَنَّهُ رَهَنَهُ ما لَا يَعْرِفُ وَلَا يُضْبَطُ وَيَكُونُ وَلَا يَكُونُ وَلَا إذَا كان كَيْفَ يَكُونُ وَهَذَا أَصَحُّ الْأَقَاوِيلِ على مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقال بَعْضُ أَصْحَابِنَا الثَّمَرَةُ وَالنِّتَاجُ وَوَلَدُ الْجَارِيَةِ رَهْنٌ مع الْجَارِيَةِ وَالْمَاشِيَةِ وَالْحَائِطِ لِأَنَّهُ منه وما كَسَبَ الرَّهْنُ من كَسْبٍ أو وُهِبَ له من شَيْءٍ فَهُوَ لِمَالِكِهِ وَلَا يُشْبِهُ كَسْبُهُ الْجِنَايَةَ عليه لِأَنَّ الْجِنَايَةَ ثَمَنٌ له أو لِبَعْضِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا دَفَعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ إلَى الْمُرْتَهِنِ أو إلَى الْعَدْلِ فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَهُ من يَدَيْهِ لِخِدْمَةٍ أو غَيْرِهَا فَلَيْسَ له ذلك فَإِنْ أَعْتَقَهُ فإن مُسْلِمَ بن خَالِدٍ أخبرنا عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ في الْعَبْدِ يَكُونُ رَهْنًا فَيُعْتِقُهُ سَيِّدُهُ فإن الْعِتْقَ بَاطِلٌ أو مَرْدُودٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا له وَجْهٌ وَوَجْهُهُ أَنْ يَقُولَ قَائِلُهُ إذَا كان الْعَبْدُ بِالْحَقِّ الذي جَعَلَهُ فيه مَحُولًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَهُ سَاعَةً يَخْدُمُهُ فَهُوَ من أَنْ يُعْتِقَهُ أَبْعَدُ فإذا كان في حَالٍ لَا يَجُوزُ له فيها عِتْقُهُ وَأَبْطَلَ الْحَاكِمُ فيها عِتْقَهُ ثُمَّ فَكَّهُ بَعْدُ لم يُعْتَقْ بِعِتْقٍ قد أَبْطَلَهُ الْحَاكِمُ ( وقال ) بَعْضُ أَصْحَابِنَا إذَا أَعْتَقَهُ الرَّاهِنُ نَظَرْت فَإِنْ كان له مَالٌ يَفِي بِقِيمَةِ الْعَبْدِ أَخَذْت قِيمَتَهُ منه فَجَعَلْتهَا رَهْنًا وَأَنْفَذْت عِتْقَهُ لِأَنَّهُ مَالِكٌ قال وَكَذَلِكَ إنْ أَبْرَأَهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ أو قَضَاهُ فَرَجَعَ الْعَبْدُ إلَى مَالِكِهِ وَانْفَسَخَ الدَّيْنُ الذي في عنقه ( ( ( عتقه ) ) ) أنقذت ( ( ( أنفذت ) ) ) عليه الْعِتْقَ لِأَنَّهُ مَالِكٌ وَإِنَّمَا الْعِلَّةُ التي مَنَعْت بها عِتْقَهُ حَقُّ غَيْرِهِ في عنقه ( ( ( عتقه ) ) ) فلما انْفَسَخَ ذلك أَنْفَذْت فيه الْعِتْقَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد قال بَعْضُ الناس هو حُرٌّ وَيَسْعَى في قِيمَتِهِ وَاَلَّذِي يقول هو حُرٌّ يقول ليس لِسَيِّدِ الْعَبْدِ أَنْ يَبِيعَهُ وهو مَالِكٌ له وَلَا يَرْهَنُهُ وَلَا يَقْبِضُهُ ساعه وإذا قِيلَ له لِمَ وهو مَالِكٌ قد بَاعَ بَيْعًا صَحِيحًا قال فيه حَقٌّ لِغَيْرِهِ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يُخْرِجَهُ من الرَّهْنِ فَقِيلَ له فإذا مَنَعْته أَنْ يُخْرِجَهُ من الرَّهْنِ بِعِوَضٍ يَأْخُذُهُ لَعَلَّهُ أَنْ يُؤَدِّيَهُ إلَى صَاحِبِهِ أو يُعْطِيَهُ إيَّاهُ رَهْنًا مَكَانَهُ أو قال ابيعه لَا يَتْلَفُ ثُمَّ أَدْفَعُ الثَّمَنَ رَهْنًا فَقُلْت لَا إلَّا بِرِضَا الْمُرْتَهِنِ وَمَنَعْته وهو مَالِكٌ أَنْ يَرْهَنَهُ من غَيْرِهِ فَأَبْطَلْت الرَّهْنَ إنْ فَعَلَ وَمَنَعْته وهو مَالِكٌ أَنْ يَخْدُمَهُ سَاعَةً وَكَانَتْ حُجَّتُك فيه أَنَّهُ قد أَوْجَبَ فيه شيئا لِغَيْرِهِ فَكَيْفَ أَجَزْتَ له أَنْ يُعْتِقَهُ فَيُخْرِجَهُ من الرَّهْنِ الْإِخْرَاجَ الذي لَا يَعُودُ فيه أَبَدًا لقد مَنَعْته من الْأَقَلِّ وَأَعْطَيْته الْأَكْثَرَ فَإِنْ قال اسْتَسْعِيهِ فَالِاسْتِسْعَاءُ أَيْضًا ظُلْمٌ لِلْعَبْدِ وَلِلْمُرْتَهِنِ أَرَأَيْت إنْ كانت أَمَةً تُسَاوِي أُلُوفًا وَيَعْلَمُ أنها عَاجِزَةٌ عن اكْتِسَابِ نَفَقَتِهَا في أَيِّ شَيْءٍ تَسْعَى أو رَأَيْت إنْ كان الدَّيْنُ حَالًّا أو إلَى أَيِّ يَوْمٍ فَأَعْتَقَهُ وَلَعَلَّ الْعَبْدَ يَهْلَكُ وَلَا مَالَ له وَالْأَمَةَ فَيَبْطُلُ حَقُّ هذا أو يَسْعَى فيه مِائَةَ سَنَةٍ ثُمَّ لَعَلَّهُ لَا يُؤَدِّي منه كَبِيرَ شَيْءٍ وَلَعَلَّ الرَّاهِنَ مُفْلِسٌ لَا يَجِدُ دِرْهَمًا فَقَدْ
____________________

(3/195)


أَتْلَفْت حَقَّ صَاحِبِ الرَّهْنِ ولم يَنْتَفِعْ بِرَهْنِهِ فَمَرَّةً تَجْعَلُ الدَّيْنَ يَهْلَكُ إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ لِأَنَّهُ فيه زَعِيمٌ وَمَرَّةً تَنْظُرُ إلَى الذي فيه الدَّيْنُ فَتُجِيزُ فيه عِتْقَ صَاحِبِهِ وَتُتْلِفُ فيه حَقَّ الْغَرِيمِ وَهَذَا قَوْلٌ مُتَبَايِنٌ وَإِنَّمَا يَرْتَهِنُ الرَّجُلُ بِحَقِّهِ فَيَكُونُ أَحْسَنَ حَالًا مِمَّنْ لم يَرْتَهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ في أَكْثَرِ قَوْلِ من قال هذا أَسْوَأُ حَالًا من الذي لم يَرْتَهِنْ وما شَيْءٌ أَيْسَرُ على من يَسْتَخِفُّ بِذِمَّتِهِ من أَنْ يَسْأَلَ صَاحِبَ الرَّهْنِ أَنْ يُعِيرَهُ إيَّاهُ إمَّا يَخْدُمُهُ أو يَرْهَنُهُ فإذا أَبَى قال لَأُخْرِجَنَّهُ من يَدِك فَأُعْتِقَهُ فَتَلِفَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ ولم يَجِدْ عِنْدَ الرَّاهِنِ وَفَاءً ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا أَدْرِي أَيَرَاهُ يَرْجِعُ بِالدَّيْنِ على الْغَرِيمِ الْمُعْتَقِ أَمْ لَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ لِمَ أَجَزْت الْعِتْقَ فيه إذَا كان له مَالٌ ولم تَقُلْ ما قال فيه عَطَاءٌ قِيلَ له كُلُّ مَالِك يَجُوزُ عِتْقُهُ إلَّا لِعِلَّةِ حَقِّ غَيْرِهِ فإذا كان عِتْقُهُ إيَّاهُ يُتْلِفُ حَقَّ غَيْرِهِ لم أُجِزْهُ وإذا لم يَكُنْ يُتْلِفُ لِغَيْرِهِ حَقًّا وَكُنْت آخُذُ الْعِوَضَ منه وَأُصَيِّرُهُ رَهْنًا كَهُوَ فَقَدْ ذَهَبَتْ الْعِلَّةُ التي بها كُنْت مُبْطِلًا لِلْعِتْقِ وَكَذَلِكَ إذَا أَدَّى الْحَقَّ الذي فيه اسْتِيفَاءٌ من الْمُرْتَهِنِ أو إبْرَاءٌ وَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ إلَّا مَقْبُوضًا وَإِنْ رَهَنَهُ رَهْنًا فما قَبَضَهُ هو وَلَا عَدْلٌ يَضَعُهُ على يَدَيْهِ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ وَالْقَبْضُ ما وَصَفْت في صَدْرِ الْكِتَابِ مُخْتَلِفٌ قال وَإِنْ قَبَضَهُ ثُمَّ أَعَارَهُ إيَّاهُ أو آجَرَهُ إيَّاهُ هو أو الْعَدْلُ فقال بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَا يُخْرِجُهُ هذا من الرَّهْنِ لِأَنَّهُ إذَا أَعَارَهُ إيَّاهُ فَمَتَى شَاءَ أَخَذَهُ وإذا آجَرَهُ فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ يُؤَاجِرُ الرَّهْنَ إذَا أَذِنَ له سَيِّدُهُ وَالْإِجَارَةُ لِلْمَالِكِ فإذا كانت لِلْمَالِكِ فَلِصَاحِبِ الرَّهْنِ أَنْ يَأْخُذَ الرَّهْنَ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ مُنْفَسِخَةٌ وَهَكَذَا نقول ( ( ( تقول ) ) ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ تَبَايَعَا على أَنْ يَرْهَنَهُ فَرَهَنَهُ وَقَبَضَ أو رَهَنَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ فَكُلُّ ذلك جَائِزٌ وإذا رَهَنَهُ فَلَيْسَ له إخْرَاجُهُ من الرَّهْنِ فَهُوَ كَالضَّمَانِ يَجُوزُ بَعْدَ الْبَيْعِ وَعِنْدَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ تَبَايَعَا على أَنْ يَرْهَنَهُ عَبْدًا فإذا هو حُرٌّ فَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ في فَسْخِ الْبَيْعِ أو إنباته ( ( ( إثباته ) ) ) لِأَنَّهُ قد بَايَعَهُ على وَثِيقَةٍ فلم تَتِمَّ له وَإِنْ تَبَايَعَا على رَهْنِهِ فلم يَقْبِضْهُ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا مَقْبُوضًا - * جِنَايَةُ الرَّهْنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا جَنَى الْأَجْنَبِيُّ على الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ جِنَايَةً تُتْلِفُهُ أو تُتْلِفُ بَعْضَهُ أو تُنْقِصُهُ فَكَانَ لها أَرْشٌ فَمَالِكُ الْعَبْدِ الرَّاهِنِ الْخَصْمُ فيها وَإِنْ أَحَبَّ الْمُرْتَهِنُ حُضُورَهُ أَحْضَرَهُ فإذا قضى له بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ دَفَعَ الْأَرْشَ إلَى الْمُرْتَهِنِ إنْ كان الرَّهْنُ على يَدَيْهِ أو إلَى الْعَدْلِ الذي على يَدَيْهِ وَقِيلَ لِلرَّاهِنِ إنْ أَحْبَبْت فَسَلِّمْهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ قِصَاصًا من حَقِّهِ عَلَيْك وَإِنْ شِئْت فَهُوَ مَوْقُوفٌ في يَدَيْهِ رَهْنًا أو في يَدَيْ من على يَدَيْهِ الرَّهْنُ إلَى مَحِلِّ الْحَقِّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) لَا أَحْسَبُ أَحَدًا يَعْقِلُ يَخْتَارُ أَنْ يَكُونَ من مَالِهِ شَيْءٌ يَقِفُ لَا يَقْبِضُهُ فَيَنْتَفِعُ بِهِ إلَى مَحِلِّ الدَّيْنِ وَلَا شَيْءَ له بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ مَوْقُوفًا غير مَضْمُونٍ إنْ تَلِفَ بِلَا ضَمَانٍ على الذي هو في يَدَيْهِ وكان أَصْلُ الْحَقِّ ثَابِتًا كما كان عليه على أَنْ يَكُونَ قِصَاصًا من دَيْنِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال الرَّاهِنُ أنا آخُذُ الْأَرْشَ لِأَنَّ مِلْكَ الْعَبْدِ لي فَلَيْسَ ذلك له من قِبَلِ أَنَّ ما كان من أَرْشِ الْعَبْدِ فَهُوَ يُنْقِصُ من ثَمَنِهِ وما أَخَذَ من أَرْشِهِ فَهُوَ يَقُومُ مَقَامَ بَدَنِهِ لِأَنَّهُ عِوَضٌ من بَدَنِهِ وَالْعِوَضُ من الْبَدَنِ يَقُومُ مَقَامَ الْبَدَنِ إذَا لم يَكُنْ لِمَالِكِهِ أَخْذُ بَدَنِ الْعَبْدِ فَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ له أَخْذُ أَرْشِ بَدَنِهِ وَلَا أَرْشِ شَيْءٍ منه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ جَنَى عليه بن الْمُرْتَهِنِ فَجِنَايَتُهُ كَجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ وَإِنْ جَنَى عليه الْمُرْتَهِنُ فَجِنَايَتُهُ أَيْضًا كَجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ إلَّا أَنَّ مَالِكَ الْعَبْدِ يُخَيَّرُ بين أَنْ يَجْعَلَ ما يَلْزَمُهُ من ثَمَنِ عَقْلِ الْعَبْدِ قِصَاصًا من دَيْنِهِ أو يُقِرُّهُ رَهْنًا في يَدَيْهِ
____________________

(3/196)


إنْ كان الرَّهْنُ على يَدَيْهِ وَإِنْ كان مَوْضُوعًا على يَدَيْ عَدْلٍ أُخِذَ ما لَزِمَهُ من عَقْلِهِ فَدُفِعَ إلَى الْعَدْلِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ جَنَى عليه عبد للمرتهن ( ( ( المرتهن ) ) ) قِيلَ لِلْمُرْتَهِنِ افْدِ عَبْدَك بِجَمِيعِ الْجِنَايَةِ أو أَسْلِمْهُ يُبَاعُ فَإِنْ فَدَاهُ فَالرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ بين أَنْ يَكُونَ الْفِدَاءُ قِصَاصًا من الدَّيْنِ أو يَكُونَ رَهْنًا كما كان الْعَبْدُ وَإِنْ اسلم الْعَبْدَ بِيعَ الْعَبْدُ ثُمَّ كان ثَمَنُهُ رَهْنًا كما كان الْعَبْدُ الْمَجْنِيُّ عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ جَنَى عبد الْمُرْتَهِنِ على عبد الرَّاهِنِ الْمَرْهُونِ جِنَايَةً لَا تَبْلُغُ النَّفْسَ فَالْقَوْلُ فيها كَالْقَوْلِ في الْجِنَايَةِ في النَّفْسِ يُخَيَّرُ بين أَنْ يَفْدِيَهُ بِجَمِيعِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ أو يُسْلِمَهُ يُبَاعُ فَإِنْ اسلمه بِيعَ ثُمَّ كان ثَمَنُهُ كما وَصَفْت لَك ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كان في الرَّهْنِ عَبْدَانِ فَجَنَى أَحَدُهُمَا على الْآخَرِ فَالْجِنَايَةُ هَدَرٌ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ في عُنُقِ الْعَبْدِ لَا في مَالِ سَيِّدِهِ فإذا جَنَى أَحَدُهُمَا على الْآخَرِ فَكَأَنَّمَا جَنَى على نَفْسِهِ لِأَنَّ الْمَالِكَ الرَّاهِنَ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا ما هو له رَهْنٌ لِغَيْرِهِ فَالسَّيِّدُ لَا يَسْتَحِقُّ من الْعَبْدِ الْجَانِي إلَّا مَالَهُ وَالْمُرْتَهِنُ لَا يَسْتَحِقُّ من الْعَبْدِ الْجَانِي إلَّا ما هو مِلْكٌ لِمَنْ رَهَنَهُ وما هو رَهَنٌ له ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كان الرَّهْنُ أَمَةً فَوَلَدَتْ وَلَدًا فَجَنَى عليها وَلَدُهَا فولدها كَعَبْدٍ لِلسَّيِّدِ لو جَنَى عليها لِأَنَّهُ خَارِجٌ من الرَّهْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ جَنَى عَبْدٌ لِلرَّاهِنِ على عَبْدِهِ الْمَرْهُونِ قِيلَ له قد أَتْلَفَ عَبْدُك عَبْدَك وَعَبْدُك الْمُتْلِفُ كُلُّهُ أو بَعْضُهُ مَرْهُونٌ بِحَقٍّ لِغَيْرِك فيه فَأَنْتَ بِالْخِيَارِ في أَنْ تَفْدِيَ عَبْدَك بِجَمِيعِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ فَإِنْ فَعَلْت فَأَنْتَ بِالْخِيَارِ في أَنْ يَكُونَ قِصَاصًا من الدَّيْنِ أو رَهْنًا مَكَانَ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ لِأَنَّ الْبَدَلَ من الرَّهْنِ يَقُومُ مَقَامَهُ أو تُسَلِّمَ الْعَبْدَ الْجَانِيَ فَيُبَاعَ ثُمَّ يَكُونُ ثَمَنُهُ رَهْنًا مَكَانَ الْمَجْنِيِّ عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ جَنَى الرَّاهِنُ على عَبْدِهِ الْمَرْهُونِ فَقَدْ جَنَى على عَبْدٍ لِغَيْرِهِ فيه حَقٌّ بِرَهْنِهِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ منه سَيِّدَهُ وَيَبِيعُهُ فَيَكُونُ الْمُرْتَهِنُ أَحَقَّ بِثَمَنِهِ من سَيِّدِهِ وَمِنْ غُرَمَائِهِ فَيُقَالُ أنت وَإِنْ كُنْت جَنَيْت على عَبْدِك فَجِنَايَتُك عليه إخْرَاجٌ له من الرَّهْنِ أو نَقْصٌ له فَإِنْ شِئْت فَأَرْشُ جِنَايَتِك عليه ما بَلَغَتْ قِصَاصًا من دَيْنِك وَإِنْ شِئْت فَسَلِّمْهُ يَكُونُ رَهْنًا مَكَانَ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ قال وَذَلِكَ إذَا كان الدَّيْنُ حَالًّا فَأَمَّا إذَا كان إلَى أَجَلٍ فَيُؤْخَذُ الْأَرْشُ فَيَكُونُ رَهْنًا إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا الْجَانِي الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ بِأَنْ يَكُونَ قِصَاصًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كانت الْجِنَايَةُ من أَجْنَبِيٍّ عَمْدًا فَلِمَالِكِ الْعَبْدِ الرَّاهِنِ أَنْ يَقْتَصَّ له من الْجَانِي إنْ كان بَيْنَهُمَا قِصَاصٌ وَإِنْ عَرَضَ عليه الصُّلْحَ من الْجِنَايَةِ فَلَيْسَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُصَالِحَ وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْقَوَدَ وَلَا يُبَدِّلَ مَكَانَهُ غَيْرَهُ لِأَنَّهُ ثَبَتَ له الْقِصَاصُ وَلَيْسَ بِمُتَعَدٍّ في أَخْذِهِ الْقِصَاصَ وقال بَعْضُ الناس ليس له أَنْ يَقْتَصَّ وَعَلَى الْجَانِي أَرْشُ الْجِنَايَةِ أَحَبَّ أو كَرِهَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا الْقَوْلُ بَعِيدٌ من قِيَاسِ قَوْلِهِ هو يُجِيزُ عِتْقَ الرَّاهِنِ إذَا اعتق الْعَبْدَ وَيَسْعَى الْعَبْدُ وَاَلَّذِي يقول هذا الْقَوْلَ يَقْتَصُّ لِلْعَبْدِ من الْحُرِّ وَيَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ عز وجل حَكَمَ بِالْقِصَاصِ في الْقَتْلَى وَسَاوَى النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَيَزْعُمُ أَنَّ وَلِيَّ الْقَتِيلِ لو أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ في الْقَتْلِ الْعَمْدِ الدِّيَةَ لم يَكُنْ ذلك له من قِبَلِ أَنَّ اللَّهَ عز وجل أَوْجَبَ له الْقِصَاصَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ ذلك الْقَاتِلُ وَوَلِيُّ الْمَقْتُولِ فَيَصْطَلِحَا عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا زَعَمَ أَنَّ الْقَتْلَ يَجِبُ فيه بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى في الْقَتْلِ وكان وَلِيُّهُ يُرِيدُ القتل ( ( ( للقتل ) ) ) فَمَنَعَهُ إيَّاهُ فَقَدْ أَبْطَلَ ما زَعَمَ أَنَّ فيه حُكْمًا وَمَنَعَ السَّيِّدَ من حَقِّهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال فإن الْقَتْلَ يُبْطِلُ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ فَكَذَلِكَ قد أَبْطَلَ حَقَّ الرَّاهِنِ وَكَذَلِكَ لو قَتَلَ نَفْسَهُ أو مَاتَ بَطَلَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فيه وَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ في كل حَالٍ على مَالِكِ الْعَبْدِ فَإِنْ كان إنَّمَا ذَهَبَ إلَى أَنَّ هذا أَصْلَحُ لَهُمَا مَعًا فَقَدْ بَدَأَ بِظُلْمِ الْقَاتِلِ على نَفْسِهِ فَأَخَذَ منه مَالًا وَإِنَّمَا عليه عِنْدَهُ قِصَاصٌ وَمَنَعَ السَّيِّدَ مِمَّا زَعَمَ أنه أَوْجَبَ له وقد يَكُونُ الْعَبْدُ ثَمَنُهُ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ وَالْحَقُّ إلَى سَنَةٍ فَيُعْطِيهِ بِهِ رَجُلٌ لِرَغْبَتِهِ فيه أَلْفَ دِينَارٍ فَيُقَالُ لِمَالِكِ الْعَبْدِ هذا فَضْلٌ كَثِيرٌ تَأْخُذُهُ فَتَقْضِي دَيْنَك وَيَقُولُ ذلك له الْغَرِيمُ وَمَالِكُ الْعَبْدِ مُحْتَاجٌ فَيَزْعُمُ قَائِلُ هذا الْقَوْلِ الذي أَبْطَلَ الْقِصَاصَ لِلنَّظَرِ لِلْمَالِكِ وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنَّهُ لَا يُكْرِهُ مَالِكَ الْعَبْدِ على بَيْعِهِ وَإِنْ كان ذلك نَظَرًا لَهُمَا مَعًا وَلَا يُكْرِهُ الناس في أَمْوَالِهِمْ على إخْرَاجِهَا من أَيْدِيهِمْ بِمَا لَا يُرِيدُونَ إلَّا أَنْ يَلْزَمَهُمْ حُقُوقٌ لِلنَّاسِ وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ في بَيْعِهِ
____________________

(3/197)


حَقٌّ حتى يَحِلَّ الْأَجَلُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ جَنَى الْعَبْدُ الرَّهْنُ جِنَايَةً فَسَيِّدُهُ يُخَيَّرُ بين أَنْ يَفْدِيَهُ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ فَإِنْ فَعَلَ فَالْعَبْدُ رَهْنٌ بِحَالِهِ أو يُسَلِّمُهُ يُبَاعُ فَإِنْ اسلمه لم يُكَلَّفْ أَنْ يَجْعَلَ مَكَانَهُ غَيْرَهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَسْلَمَهُ بِحَقٍّ وَجَبَ فيه ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ كان أَرْشُ الْجِنَايَةِ أَقَلَّ من قِيمَةِ الْعَبْدِ الْمُسَلَّمِ فَأَسْلَمَهُ فَبِيعَ دَفَعَ إلَى الْمَجْنِيِّ عليه أَرْشَ جِنَايَتِهِ وَرَدَّ ما بَقِيَ من ثَمَنِ الْعَبْدِ رَهْنًا
____________________

(3/198)


- * التَّفْلِيسُ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن أبي بَكْرِ بن مُحَمَّدِ بن عَمْرِو بن حزم ( ( ( حزام ) ) ) عن عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ عن أبي بَكْرِ بن عبد الرحمن بن الْحَارِثِ بن هِشَامٍ عن أبي هريره أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال أَيُّمَا رَجُلٍ أَفْلَسَ فَأَدْرَكَ الرَّجُلُ مَالَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَخْبَرَنَا عبد الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ أَنَّهُ سمع يحيى بن سَعِيدٍ يقول أخبرني أبو بَكْرِ بن مُحَمَّدِ بن عَمْرِو بن حَزْمٍ أَنَّ عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ حدثه أَنَّ أَبَا بَكْرِ بن عبد الرحمن بن الحرث بن هِشَامٍ حدثه أَنَّهُ سمع أَبَا هريره رضي اللَّهُ عنه يقول قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من ادرك مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ قد أَفْلَسَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ ( أخبرنا ) محمد بن إسْمَاعِيلَ بن ابي فُدَيْكٍ عن بن ابي ذِئْبٍ قال حدثني أبو الْمُعْتَمِرِ بن عَمْرِو بن رَافِعٍ عن بن خَلْدَةَ الزُّرَقِيِّ وكان قَاضِيًا بِالْمَدِينَةِ أَنَّهُ قال جِئْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ رضي اللَّهُ عنه في صَاحِبٍ لنا قد أَفْلَسَ فقال هذا الذي قَضَى فيه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَيُّمَا رَجُلٍ مَاتَ أو أَفْلَسَ فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أَحَقُّ بِمَتَاعِهِ إذَا وَجَدَهُ بِعَيْنِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِحَدِيثِ مَالِكِ بن انس وَعَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ عن يحيى بن سَعِيدٍ وَحَدِيثِ بن ابي ذِئْبٍ عن ابي الْمُعْتَمِرِ في التَّفْلِيسِ نَأْخُذُ وفي حديث بن أبي ذِئْبٍ ما في حديث مَالِكٍ وَالثَّقَفِيِّ من جُمْلَةِ التَّفْلِيسِ وَيَتَبَيَّنُ أَنَّ ذلك في الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ سَوَاءٌ وَحَدِيثَاهُمَا ثَابِتَانِ مُتَّصِلَانِ وفي قَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ بَيَانٌ على أَنَّهُ جَعَلَ لِصَاحِبِ السِّلْعَةِ إذَا كانت سِلْعَتُهُ قَائِمَةً بِعَيْنِهَا نَقْضُ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ فيها إنْ شَاءَ كما جَعَلَ لِلْمُسْتَشْفِعِ الشُّفْعَةَ إنْ شَاءَ لِأَنَّ كُلَّ من جُعِلَ له شَيْءٌ فَهُوَ إلَيْهِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَإِنْ أَصَابَ السِّلْعَةَ نَقْصٌ في بَدَنِهَا عَوَارٌ أو قَطْعٌ أو غَيْرُهُ أو زَادَتْ فَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ يُقَالُ لِرَبِّ السِّلْعَةِ أنت أَحَقُّ بِسِلْعَتِك من الْغُرَمَاءِ إنْ شِئْت لِأَنَّا إنَّمَا نَجْعَلُ ذلك إنْ اخْتَارَهُ رَبُّ السِّلْعَةِ نَقْضًا لِلْعُقْدَةِ الْأُولَى بِحَالِ السِّلْعَةِ الْآنَ قال وإذا لم أَجْعَلْ لِوَرَثَةِ الْمُفْلِسِ وَلَا له في حَيَاتِهِ دَفْعَهُ عن سِلْعَتِهِ إذَا لم يَكُنْ هو بَرِيءُ الذِّمَّةِ بِأَدَائِهِ عن نَفْسِهِ لم أَجْعَلْ لِغُرَمَائِهِ أَنْ يَدْفَعُوا
____________________

(3/199)


عن السِّلْعَةِ إنْ شاؤوا وما لِغُرَمَائِهِ يَدْفَعُونَ عنه وما يَعْدُو غُرَمَاؤُهُ أَنْ يَكُونُوا مُتَطَوِّعِينَ لِلْغَرِيمِ بِمَا يَدْفَعُونَ عنه فَلَيْسَ على الْغَرِيمِ أَنْ يَأْخُذَ مَالَهُ من غَيْرِ صَاحِبِ دَيْنِهِ كما لو كان لِرَجُلٍ على رَجُلٍ دَيْنٌ فقال له رَجُلٌ أَقْضِيك عنه لم يَكُنْ عليه أَنْ يَقْتَضِيَ ذلك منه وَتَبْرَأُ ذِمَّةُ صَاحِبِهِ أو يَكُونُ هذا لهم لَازِمًا فَيَأْخُذُهُ منهم وَإِنْ لم يُرِيدُوهُ فَهَذَا ليس لهم بِلَازِمٍ وَمَنْ قَضَى عليه أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ منهم خَرَجَ من حديث رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَوَّلًا لِأَنَّهُ قد وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ عِنْدَ مُفْلِسٍ فإذا مَنَعَهُ إيَّاهُ فَقَدْ مَنَعَهُ ما جَعَلَ له رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ أَعْطَاهُ شيئا مُحَالًا ظَلَمَ فيه الْمُعْطَى والمعطى وَذَلِكَ أَنَّ الْمُعْطِيَ لو أَعْطَى ذلك الْغَرِيمَ حتى يَجْعَلَهُ مَالًا من مَالِهِ يَدْفَعُهُ إلَى صَاحِبِ السِّلْعَةِ فَيَكُونُ عِنْدَهُ غَيْرُ مُفْلِسٍ بحقه ( ( ( يحقه ) ) ) وَجَبَرَهُ على قَبْضِهِ فَجَاءَ غُرَمَاءُ آخَرُونَ رَجَعُوا بِهِ عليه فَكَانَ قد مَنَعَهُ سِلْعَتَهُ التي جَعَلَ له رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم دُونَ الْغُرَمَاءِ كُلِّهِمْ وَأَعْطَاهُ الْعِوَضَ منها وَالْعِوَضُ لَا يَكُونُ إلَّا لِمَا فَاتَ وَالسِّلْعَةُ لم تَفُتْ فَقَضَى هَا هُنَا قَضَاءً مُحَالًا إذْ جَعَلَ الْعِوَضَ من شَيْءٍ قَائِمٍ ثُمَّ زَادَ أَنْ قَضَى بِأَنْ أَعْطَاهُ ما لَا يُسَلَّمُ له لِأَنَّ الْغُرَمَاءَ إذَا جاؤوا وَدَخَلُوا معه فيه وَكَانُوا أُسْوَتَهُ وَسِلْعَتُهُ قد كانت له منفرده دُونَهُمْ عن المعطى فَجَعَلَهُ يُعْطِي على أَنْ يَأْخُذَ فَضْلَ السِّلْعَةِ ثُمَّ جاء غُرَمَاءُ آخَرُونَ فَدَخَلُوا عليه في تِلْكَ السِّلْعَةِ فَإِنْ قال قَائِلٌ لِمَ أَدْخَلَ ذلك عليه وهو تَطَوَّعَ بِهِ قِيلَ له فإذا كان تَطَوَّعَ بِهِ فَلِمَ جَعَلْت له فِيمَا تَطَوَّعَ به عِوَضَ السِّلْعَةِ وَالْمُتَطَوِّعُ من لَا يَأْخُذُ عِوَضًا ما زِدْت على أَنْ جَعَلْته له بَيْعًا لَا يَجُوزُ وَغَرَرًا لَا يُفْعَلُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا بَاعَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ نَخْلًا فيه ثَمَرٌ أو طَلْعٌ قد أُبِّرَ اسْتَثْنَاهُ الْمُشْتَرِي وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي وَأَكَلَ الثَّمَرَ ثُمَّ أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي كان لِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ حَائِطَهُ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ وَيَكُونُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ في حِصَّةِ الثَّمَرِ الذي وَقَعَ عليه الْبَيْعُ فَاسْتَهْلَكَهُ الْمُشْتَرِي من أَصْلِ الثَّمَنِ يَقْسِمُ الثَّمَنَ على الْحَائِطِ وَالثَّمَرِ فَيَنْظُرُ كَمْ قِيمَةُ الثَّمَرِ من أَصْلِ الْبَيْعِ فَإِنْ كان الرُّبُعَ أَخَذَ الْحَائِطَ بِحِصَّتِهِ وهو ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الثَّمَنِ وَرَجَعَ بِقِيمَةِ الثَّمَرِ وهو الرُّبُعُ وَإِنَّمَا قِيمَتُهُ يوم قَبْضِهِ لَا يوم أَكْلِهِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ كانت في مَالِهِ وَلَوْ قَبَضَهُ سَالِمًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا ثُمَّ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ رَجَعَ بِحِصَّتِهِ من الثَّمَنِ لِأَنَّهَا أَصَابَتْهُ في مِلْكِهِ بَعْدَ قَبْضِهِ وَلَوْ كان بَاعَهُ الْحَائِطَ وَالثَّمَرَ قد أَخْضَرَ ثُمَّ أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي وَالثَّمَرُ رُطَبٌ أو تمر ( ( ( ثمر ) ) ) قائم ( ( ( قاتم ) ) ) أو بُسْرٌ زَائِدٌ عن الْأَخْضَرِ كان له أَنْ يَأْخُذَهُ وَالنَّخْلَ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ وَإِنْ زَادَ كما يَبِيعُهُ الْجَارِيَةَ الصغيره فَيَأْخُذُهَا كَبِيرَةً زَائِدَةً وَلَوْ أَكَلَ بَعْضَهُ وَأَدْرَكَ بَعْضَهُ زَائِدًا بِعَيْنِهِ أَخَذَ الْمُدْرَكَ وَتَبِعَهُ بِحِصَّةِ ما بَاعَ من الثَّمَرِ يوم بَاعَهُ إيَّاهُ مع الْغُرَمَاءِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا لو بَاعَهُ وُدْيًا صِغَارًا أو نَوًى قد خَرَجَ أو زَرْعًا قد خَرَجَ أو لم يَخْرُجْ مع أَرْضٍ فَأَفْلَسَ وَذَلِكَ كُلُّهُ زَائِدٌ مُدْرَكٌ أَخَذَ الْأَرْضَ وَجَمِيعَ ما بَاعَهُ زَائِدًا مُدْرَكًا وإذا فَاتَ رَجَعَ بِحِصَّتِهِ من الثَّمَنِ يوم وَقَعَ الْبَيْعُ كما يَكُونُ لو اشْتَرَى منه جَارِيَةً أو عَبْدًا بِحَالِ صِغَرٍ أو مَرَضٍ فَمَاتَ في يَدَيْهِ أو أَعْتَقَهُ رَجَعَ بِثَمَنِهِ الذي اشْتَرَاهُ بِهِ منه وَلَوْ كَبُرَ الْعَبْدُ أو صَحَّ وقد اشْتَرَاهُ سَقِيمًا صَغِيرًا كان لِلْبَائِعِ أَخْذُهُ صَحِيحًا كَبِيرًا لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ وَالزِّيَادَةُ فيه منه لَا من صَنْعَةِ الْآدَمِيِّينَ وَكَذَلِكَ لو بَاعَهُ فَعَلَّمَهُ أَخَذَهُ مُعَلَّمًا وَلَوْ كسى ( ( ( كسا ) ) ) الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ أو وَهَبَ له مَالًا أَخَذَ الْبَائِعُ الْعَبْدَ وَأَخَذَ الْغُرَمَاءُ مَالَ الْعَبْدِ وَلَيْسَ بِالْعَبْدِ لِأَنَّهَا غَيْرُهُ وَمَالٌ من مَالِ الْمُشْتَرِي لَا يَمْلِكُهُ الْبَائِعُ وَلَوْ كان الْعَبْدُ الْمَبِيعُ بِيعَ وَلَهُ مَالٌ اسْتَثْنَاهُ الْمُشْتَرِي فَاسْتَهْلَكَ الْمُشْتَرِي مَالَهُ أو هَلَكَ في يَدِ الْعَبْدِ فَسَوَاءٌ وَيَرْجِعُ الْبَائِعُ بِالْعَبْدِ فَيَأْخُذُهُ دُونَ الْغُرَمَاءِ وَبِقِيمَةِ الْمَالِ من الْبَيْعِ يُحَاصُّ بِهِ الْغُرَمَاءَ وَلَوْ بَاعَهُ حَائِطًا لَا ثَمَرَ فيه فَأَثْمَرَ ثُمَّ فَلِسَ الْمُشْتَرِي فَإِنْ كان الثَّمَرُ يوم فَلِسَ الْمُشْتَرِي مَأْبُورًا أو غير مَأْبُورٍ فَسَوَاءٌ وَالثَّمَرُ لِلْمُشْتَرِي ثُمَّ يُقَالُ لِرَبِّ النَّخْلِ إنْ شِئْت فَالنَّخْلُ لَك على أَنْ تقر ( ( ( نقر ) ) ) الثَّمَرَ فيها إلَى الْجِدَادِ وَإِنْ شِئْت فَدَعْ النَّخْلَ وَكُنَّ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ
____________________

(3/200)


وَهَكَذَا لو بَاعَهُ أَمَةً فَوَلَدَتْ ثُمَّ فَلِسَ كانت له الْأَمَةُ ولم يَكُنْ له الْوَلَدُ وَلَوْ فَلِسَ وَالْأَمَةُ حَامِلٌ كانت له الْأَمَةُ وَالْحَمْلُ تَبَعٌ يَمْلِكُهَا كما يَمْلِكُ بِهِ الْأَمَةَ وَلَوْ كانت السِّلْعَةُ أَمَةً فَوَلَدَتْ له أَوْلَادًا قبل إفْلَاسِ الْغَرِيمِ ثُمَّ أَفْلَسَ الْغَرِيمُ رَجَعَ بِالْأُمِّ ولم يَرْجِعْ بِالْأَوْلَادِ لِأَنَّهُمْ وُلِدُوا في مِلْكِ الْغَرِيمِ وَإِنَّمَا نَقَضْت الْبَيْعَ الْأَوَّلَ بِالْإِفْلَاسِ الْحَادِثِ وَاخْتِيَارِ الْبَيْعِ نَقْضُهُ لَا بِأَنَّ أَصْلَ الْبَيْعِ كان مَفْسُوخًا من الْأَصْلِ وَلَوْ كانت السِّلْعَةُ دَارًا فَبُنِيَتْ أو بُقْعَةً فَغُرِسَتْ ثُمَّ أَفْلَسَ وَالْغَرِيمُ رَدَدْت الْبَائِعَ بِالدَّارِ كما كانت وَالْبُقْعَةُ كما كانت حين بَاعَهَا ولم أَجْعَلْ له الزِّيَادَةَ لِأَنَّهَا لم تَكُنْ في صَفْقَةِ الْبَيْعِ وَإِنَّمَا هِيَ شَيْءٌ مُتَمَيِّزٌ من الْأَرْضِ من مَالِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ خَيَّرْته بين أَنْ يُعْطَى قِيمَةَ الْعِمَارَةِ وَالْغِرَاسِ وَيَكُونُ ذلك له أو يَكُونُ له ما كان من الْأَرْضِ لَا عِمَارَةَ فيها وَتَكُونُ الْعِمَارَةُ الْحَادِثَةُ تُبَاعُ لِلْغُرَمَاءِ سَوَاءً بَيْنَهُمْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْغُرَمَاءُ وَالْغَرِيمُ أَنْ يَقْلَعُوا الْبِنَاءَ وَالْغِرَاسَ وَيَضْمَنُوا لِرَبِّ الْأَرْضِ ما نَقَصَ الْأَرْضَ الْقَلْعُ فَيَكُونُ ذلك لهم وَلَوْ كانت السِّلْعَةُ شيئا مُتَفَرِّقًا مِثْلَ عَبِيدٍ أو إبِلٍ أو غَنَمٍ أو ثِيَابٍ أو طَعَامٍ فَاسْتَهْلَكَ الْمُشْتَرِي بَعْضَهُ وَوَجَدَ الْبَائِعُ بَعْضَهُ كان له الْبَعْضُ الذي وَجَدَ بِحِصَّتِهِ من الثَّمَنِ إنْ كان نِصْفًا قَبَضَ النِّصْفَ وكان غَرِيمًا من الْغُرَمَاءِ في النِّصْفِ الْبَاقِي وَهَكَذَا إنْ كان أَكْثَرَ أو أَقَلَّ قال وإذا جَعَلَ له رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْكُلَّ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ فَالْبَعْضُ عَيْنُ مَالِهِ وهو أَقَلُّ من الْكُلِّ وَمَنْ مَلَكَ الْكُلَّ مَلَكَ الْبَعْضَ إلَّا أَنَّهُ إذَا مَلَكَ الْبَعْضَ نَقَصَ من مِلْكِهِ وَالنَّقْصُ لَا يَمْنَعُهُ الْمِلْكَ وَلَوْ بَاعَ رَجُلٌ من رَجُلٍ أَرْضًا فَغَرَسَهَا ثُمَّ فَلِسَ الْغَرِيمُ فَأَبَى رَبُّ الْأَرْضِ أَنْ يَأْخُذَ الْأَرْضَ بِقِيمَةِ الْغِرَاسِ وَأَبَى الْغَرِيمُ والغرماء أَنْ يَقْلَعُوا الْغِرَاسَ وَيُسَلِّمُوا الْأَرْضَ إلَى رَبِّهَا لم يَكُنْ لِرَبِّ الأرض إلا الثمن الذي باع به الأرض يحاص به الغرماء ولو باعه حائطا غير مثمر فأثمر ثم فلس كان رب الْأَرْضِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ أَرْضَهُ وَيُبْقِيَ الثَّمَرَ فيها إلَى الْجِدَادِ إنْ أَرَادَ الْغَرِيمُ وَالْغُرَمَاءُ أَنْ يُبْقُوهُ فيها إلَى الْجِدَادِ فَذَلِكَ له وَلَيْسَ لِلْغَرِيمِ مَنْعُهُ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَدَعَهَا وَيَضْرِبَ مع الْغُرَمَاءِ بِمَا كان له فَعَلَ وَكَذَلِكَ لو بَاعَهُ أَرْضًا بَيْضَاءَ فَزَرَعَهَا ثُمَّ فَلِسَ كان مِثْلَ الْحَائِطِ يَبِيعُهُ ثُمَّ يُثْمِرُ النَّخْلُ فَإِنْ أَرَادَ رَبُّ الْأَرْضِ أو رَبُّ النَّخْلِ أَنْ يَقْبَلَهَا وَيُبْقِيَ فيها الزَّرْعَ إلَى الْحَصَادِ وَالثِّمَارَ إلَى الْجِدَادِ ثُمَّ عَطِبَتْ النَّخْلُ قبل ذلك بِأَيِّ وَجْهٍ ما عَطِبَتْ بِفِعْلِ الْآدَمِيِّينَ أو بِأَمْرٍ من السَّمَاءِ أو جاء سَيْلٌ فَخَرَقَ الْأَرْضَ وَأَبْطَلَهَا فَضَمَانُ ذلك من رَبِّهَا الذي قَبِلَهَا لَا من الْمُفْلِسِ لِأَنَّهُ عِنْدَمَا قَبِلَهَا صَارَ مَالِكًا لها إنْ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ بَاعَ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَهَبَ وَهَبَ فَإِنْ قِيلَ وَمِنْ أَيْنَ يَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَ الْمَرْءُ شيئا لَا يَتِمُّ له جَمِيعُ مِلْكِهِ فيه لِأَنَّ هذا لم يَمْلِكْهُ الذي جَعَلْت له أَخَذَهُ مِلْكًا تَامًّا لِأَنَّهُ مَحُولٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جِمَارِ النَّخْلِ وَالْجَرِيدِ وَكُلِّ ما أَضَرَّ بِثَمَرِ الْمُفْلِسِ وَمَحُولٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يُحْدِثَ في الْأَرْضِ بِئْرًا أو شيئا مِمَّا يَضُرُّ ذلك بِزَرْعِ الْمُفْلِسِ قِيلَ له بِدَلَالَةِ قَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من بَاعَ نَخْلًا قد أُبِّرَتْ فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ فَأَجَازَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يَمْلِكَ الْمُبْتَاعُ النَّخْلَ وَيَمْلِكَ الْبَائِعُ الثَّمَرَ إلَى الْجِدَادِ قال وَلَوْ سَلَّمَ رَبُّ الْأَرْضِ الْأَرْضَ لِلْمُفْلِسِ فقال الْغُرَمَاءُ أحصد الزَّرْعَ وَبِعْهُ بَقْلًا وَأَعْطِنَا ثَمَنَهُ وقال الْمُفْلِسُ لَسْتُ أَفْعَلُ وانا أَدَعُهُ إلَى أَنْ يُحْصَدَ لِأَنَّ ذلك أَنْمَى لي وَالزَّرْعُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْمَاءِ وَلَا الْمُؤْنَةِ كان الْقَوْلُ قَوْلَ الْغُرَمَاءِ في أَنْ يُبَاعَ لهم وَلَوْ كان يَحْتَاجُ إلَى السَّقْيِ وَالْعِلَاجِ فَتَطَوَّعَ رَجُلٌ لِلْغَرِيمِ بِالْإِنْفَاقِ عليه فَأَخْرَجَ نَفَقَةَ ذلك وَأَسْلَمَهَا إلَى من يَلِي الْإِنْفَاقَ عليه وزاد حتى ظَنَّ أَنَّ ذلك إنْ سُلِّمَ سيكفي لم يَكُنْ لِلْغَرِيمِ إبْقَاءُ الزَّرْعِ إلَى الْحَصَادِ وكان لِلْغُرَمَاءِ بَيْعُهُ وإذا جَعَلَ له رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْكُلَّ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ فَالْبَعْضُ عَيْنُ مَالِهِ وهو أَقَلُّ من الْكُلِّ وَمَنْ مَلَك الْكُلَّ مَلَكَ الْبَعْضَ إلَّا أَنَّهُ إذَا مَلَكَ الْبَعْضَ نَقَصَ من مِلْكِهِ وَالنَّقْصُ لَا يَمْنَعُهُ الْمِلْكَ قال وَلَوْ كانت السِّلْعَةُ عَبْدًا فَأَخَذَ نِصْفَ
____________________

(3/201)


ثَمَنِهِ ثُمَّ أَفْلَسَ الْغَرِيمُ كان له نِصْفُ الْعَبْدِ شَرِيكًا بِهِ لِلْغَرِيمِ وَيُبَاعُ النِّصْفُ الذي كان لِلْغَرِيمِ لِغُرَمَائِهِ دُونَهُ على الْمِثَالِ الذي ذَكَرْت وَلَا يَرُدُّ مِمَّا أَخَذَ شيئا لِأَنَّهُ مُسْتَوْفٍ لِمَا أَخَذَهُ وَلَوْ زَعَمْت أَنَّهُ يَرُدُّ شيئا مِمَّا أَخَذَ جَعَلْت له لو أَخَذَ الثَّمَنَ كُلَّهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَيَأْخُذَ سِلْعَتَهُ وَمَنْ قال هذا فَهَذَا خِلَافُ السُّنَّةِ وَالْقِيَاسُ عليها وَلَوْ كَانَا عَبْدَيْنِ أو ثَوْبَيْنِ فَبَاعَهُمَا بِعِشْرِينَ فَقَبَضَ عَشَرَةً وَبَقِيَ من ثَمَنِهِمَا عَشَرَةٌ كان شَرِيكًا فِيهِمَا بِالنِّصْفِ يَكُونُ نِصْفُهُمَا له وَالنِّصْفُ لِلْغُرَمَاءِ يُبَاعُ في دَيْنِهِ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَاقْتَضَى نِصْفَ الثَّمَنِ وَهَلَكَ نِصْفُ الْمَبِيعِ وَبَقِيَ أَحَدُ الثَّوْبَيْنِ أو أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ وَقِيمَتَهُمَا سَوَاءٌ كان أَحَقَّ بِهِ من الْغُرَمَاءِ من قِبَلِ أَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ عِنْدَ مُعْدِمٍ وَاَلَّذِي قَبَضَ من الثَّمَنِ إنَّمَا هو بَدَلٌ فَكَمَا كان لو كَانَا قَائِمَيْنِ أَخَذَهُمَا ثُمَّ أَخَذَ بَعْضَ الْبَدَلِ وَبَقِيَ بَعْضُ السِّلْعَةِ كان ذلك كَقِيَامِهِمَا مَعًا فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنْ يَقُولَ الْبَدَلُ مِنْهُمَا مَعًا فَقَدْ أَخَذَ نِصْفَ ثَمَنِ ذَا وَنِصْفَ ثَمَنِ ذَا فَهَلْ من شَيْءٍ يُبَيِّنُ ما قُلْت غير ما ذَكَرْت قِيلَ نعم أَنْ يَكُونَا جميعا ثَمَنَ ذَا مِثْلَ ثَمَنِ ذَا مستويى الْقِيمَةِ فَيُبَاعَانِ صَفْقَةً واحده وَيُقْبَضَانِ وَيَقْبِضُ الْبَائِعُ من ثَمَنِهِمَا خَمْسِينَ وَيَهْلَكُ أَحَدُ الثَّوْبَيْنِ وَيَجِدُ بِالْآخَرِ عَيْبًا فَيَرُدُّهُ بِالنِّصْفِ الْبَاقِي وَلَا يَرُدُّ شيئا مِمَّا أَخَذَ وَيَكُونُ ما أَخَذَ ثَمَنَ الْهَالِكِ مِنْهُمَا وَلَوْ لم يَكُونَا بَيْعًا وَكَانَا رَهْنًا بِمِائَةٍ فَأَخَذَ تِسْعِينَ وَفَاتَ أَحَدُهُمَا كان الْآخَرُ رَهْنًا بِالْعَشَرَةِ الْبَاقِيَةِ وَكَذَلِكَ يَكُونُ لو كَانَا قَائِمَيْنِ وَلَا يُبَعَّضُ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا وَلَكِنَّهُ يُجْعَلُ الْكُلُّ في كِلَيْهِمَا وَالْبَاقِي في كِلَيْهِمَا وَكَمَا يَكُونُ ذلك في الرَّهْنِ لو كَانُوا عَبِيدًا رَهْنًا بِمِائَةٍ فَأَدَّى تِسْعِينَ كَانُوا مَعًا رَهْنًا بِعَشَرَةٍ لَا يَخْرُجُ منهم أَحَدٌ من الرَّهْنِ وَلَا شَيْءَ منه حتى يَسْتَوْفِيَ آخِرَ حَقِّهِ فلما كان الْبَيْعُ في دَلَالَةِ حُكْمِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مَوْقُوفًا فَإِنْ أَخَذَ ثَمَنَهُ وَإِلَّا رَجَعَ بَيْعُهُ فَأَخَذَهُ فَكَانَ كَالْمُرْتَهِنِ قِيمَتَهُ وفي أَكْثَرَ من حَالِ الْمُرْتَهِنِ في أَنَّهُ أَخَذَهُ كُلَّهُ لَا يُبَاعُ عليه كما يُبَاعُ الرَّهْنُ فيستوفى حَقَّهُ وَيَرُدُّ فَضْلَ الثَّمَنِ على مَالِكِهِ فَكَانَ في مَعْنَى السُّنَّةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) في الشَّرِيكَيْنِ يُفْلِسُ أَحَدُهُمَا لَا يَلْزَمُ الشَّرِيكَ الْآخَرَ من الدَّيْنِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يُقِرَّ أَنَّهُ أَدَانَهُ له بِإِذْنِهِ أو هُمَا مَعًا فَيَكُونُ كَدَيْنٍ أَدَانَهُ له بِإِذْنِهِ بِلَا شَرِكَةٍ كانت وَشَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ بَاطِلَةٌ لَا شَرِكَةَ إلَّا وَاحِدَةً قال اللَّهُ تَبَارَكَ وتعالي { وَإِنْ كان ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ } وقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مَطْلُ الغنى ظُلْمٌ فلم يَجْعَلْ على ذِي دَيْنٍ سَبِيلًا في الْعُسْرَةِ حتى تَكُونَ الْمَيْسَرَةُ ولم يَجْعَلْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مَطْلَهُ ظُلْمًا إلَّا بِالْغِنَى فإذا كان مُعْسِرًا فَهُوَ ليس مِمَّنْ عليه سَبِيلٌ إلَّا أَنْ يُوسِرَ وإذا لم يَكُنْ عليه سَبِيلٌ فَلَا سَبِيلَ على إجَارَتِهِ لِأَنَّ إجَارَتَهُ عَمَلُ بَدَنِهِ وإذا لم يَكُنْ على بَدَنِهِ سَبِيلٌ وَإِنَّمَا السَّبِيلُ على مَالِهِ لم يَكُنْ إلَى اسْتِعْمَالِهِ سَبِيلٌ وَكَذَلِكَ لَا يُحْبَسُ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ عليه في حَالِهِ هذه وإذا قام الْغُرَمَاءُ على رَجُلٍ فَأَرَادُوا أَخْذَ جَمِيعِ مَالِهِ تُرِكَ له من مَالِهِ قَدْرُ ما لَا غَنَاءَ بِهِ عنه وَأَقَلُّ ما يَكْفِيهِ وَأَهْلَهُ يَوْمَهُ من الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وقد قِيلَ إنْ كان لِقَسْمِهِ حَبْسٌ أُنْفِقَ عليه وَعَلَى أَهْلِهِ كُلَّ يَوْمٍ أَقَلُّ ما يَكْفِيهِمْ حتى يَفْرُغَ من قَسْمِ مَالِهِ وَيَتْرُكُ لهم نَفَقَتَهُمْ يوم يَقْسِمُ آخِرَ مَالِهِ وَأَقَلُّ ما يَكْفِيهِ من كِسْوَتِهِ في شِتَاءٍ كان ذلك أو صَيْفٍ فَإِنْ كان له من الْكِسْوَةِ ما يَبْلُغُ ثَمَنًا كَثِيرًا بِيعَ عليه وَتُرِكَ له ما وَصَفْتُ لَك من أَقَلِّ ما يَكْفِيهِ منها فَإِنْ كانت ثِيَابُهُ كُلُّهَا غَوَالِيَ مُجَاوِزَةَ الْقَدْرِ اشترى له من ثَمَنِهَا أَقَلَّ ما يَكْفِيهِ مِمَّا يَلْبَسُ أَقْصِدُ من هو في مِثْلِ حَالِهِ وَمَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ في وَقْتِهِ ذلك شِتَاءً كان أو صَيْفًا وَإِنْ مَاتَ كُفِّنَ من مَالِهِ قبل الْغُرَمَاءِ وَحُفِرَ قَبْرُهُ وقبر بِأَقَلَّ ما يَكْفِيهِ ثُمَّ اُقْتُسِمَ فَضْلُ مَالِهِ وَيُبَاعُ عليه مَسْكَنُهُ وَخَادِمُهُ لِأَنَّ له من الْخَادِمِ بُدًّا وقد يَجِدُ الْمَسْكَنَ قال وإذا جُنِيَتْ عليه جِنَايَةٌ قبل التَّفْلِيسِ فلم يَأْخُذْ أَرْشَهَا إلَّا بَعْدَ التَّفْلِيسِ فَالْغُرَمَاءُ أَحَقُّ بها منه إذَا قَبَضَهَا لِأَنَّهَا مَالٌ من مَالِهِ لَا ثَمَنَ لِبَعْضِهِ وَلَوْ وُهِبَ له بَعْدَ التَّفْلِيسِ هِبَةٌ لم يَكُنْ عليه أَنْ يَقْبَلَهَا فَلَوْ قَبِلَهَا كانت لِغُرَمَائِهِ دُونَهُ وَكَذَلِكَ كُلُّ ما أَعْطَاهُ أَحَدٌ من الْآدَمِيِّينَ مُتَطَوِّعًا بِهِ فَلَيْسَ عليه قَبُولُهُ وَلَا يَدْخُلُ مَالَهُ شَيْءٌ إلَّا بِقَبُولِهِ إلَّا الْمِيرَاثَ فإنه لو وَرِثَ كان مَالِكًا ولم يَكُنْ له دَفْعُ الْمِيرَاثِ وكان لِغُرَمَائِهِ أَخْذُهُ من يَدِهِ
____________________

(3/202)


وَلَوْ جُنِيَتْ عليه جِنَايَةٌ عَمْدًا فَكَانَ له الْخِيَارُ بين أَخْذِ الْأَرْشِ أو الْقِصَاصِ كان له أَنْ يَقْتَصَّ ولم يَكُنْ عليه أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مَالِكًا لِلْمَالِ إلَّا بِأَنْ يَشَاءَ وَكَذَلِكَ لو عَرَضَ عليه من جَنَى عليه الْمَالَ وَلَوْ اسْتَهْلَكَ له شيئا قبل التَّفْلِيسِ ثُمَّ صَالَحَ منه على شَيْءٍ بَعْدَ التَّفْلِيسِ فَإِنْ كان ما صَالَحَ قِيمَةَ ما اسْتَهْلَكَ له بِشَيْءٍ مَعْرُوفِ الْقِيمَةِ فَأَرَادَ مُسْتَهْلِكُهُ أَنْ يَزِيدَهُ على قِيمَتِهِ لم يَكُنْ عليه أَنْ يَقْبَلَ الزِّيَادَةَ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ في مَوْضِعِ الْهِبَةِ فَإِنْ فَلِسَ الْغَرِيمُ وقد شَهِدَ له شَاهِدٌ بِحَقٍّ على آخَرَ فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ مع شَاهِدِهِ أَبْطَلْنَا حَقَّهُ إذَا أَحَلَفْنَا الْمَشْهُودَ عليه ولم نَجْعَلْ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَحْلِفُوا لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إلَّا بَعْدَ الْيَمِينِ فلما لم يَكُنْ مَالِكًا لم يَكُنْ عليه أَنْ يَحْلِفَ وَكَذَلِكَ لو ادَّعَى عليه فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ وَرَدَّ الْيَمِينَ فَامْتَنَعَ الْمُفْلِسُ من الْيَمِينِ بَطَلَ حَقُّهُ وَلَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ في حَالٍ أَنْ يَحْلِفُوا لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مَالِكِينَ إلَّا ما مَلَكَ وَلَا يَمْلِكُ إلَّا بَعْدَ الْيَمِينِ وَلَوْ جَنَى هو بَعْدَ التَّفْلِيسِ جِنَايَةً عَمْدًا أو اسْتَهْلَكَ مَالًا كان الْمَجْنِيُّ عليه وَالْمُسْتَهْلِكُ له أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ في مَالِهِ الْمَوْقُوفِ لهم بِيعَ أو لم يُبَعْ ما لم يَقْتَسِمُوهُ فإذا اقْتَسَمُوهُ نَظَرْنَا فَإِنْ كانت الْجِنَايَةُ قبل الْقَسْمِ دخل مَعَهُمْ فِيمَا اقْتَسَمُوا لِأَنَّ حَقَّهُ لَزِمَهُ قبل أَنْ يَقْسِمَ مَالَهُ وَإِنْ كانت الْجِنَايَةُ بَعْدَ الْقَسْمِ لم يَدْخُلْ مَعَهُمْ لِأَنَّهُمْ قد مَلَكُوا ما قُسِمَ لهم وَخَرَجَ عن مِلْكِ الْمُفْلِسِ وَالْجِنَايَةُ وَالِاسْتِهْلَاكُ دَيْنٌ عليه سَوَاءٌ وَلَوْ أَنَّ الْقَاضِيَ حَجَرَ عليه وَأَمَرَ بِوَقْفِ مَالِهِ لِيُبَاعَ فَجَنَى عَبْدٌ له جِنَايَةً لم يَكُنْ له أَنْ يَفْدِيَهُ وَأَمَرَ الْقَاضِي بِبَيْعِ الْجَانِي في الْجِنَايَةِ حتى يُوَفِّيَ الْمَجْنِيَّ عليه أَرْشَهَا فَإِنْ فَضَلَ فَضْلٌ رَدَّهُ في مَالِهِ حتى يُعْطِيَهُ غُرَمَاءَهُ وَإِنْ لم يَفْضُلْ من ثَمَنِهِ شَيْءٌ ولم يَسْتَوْفِ صَاحِبُ الْجِنَايَةِ جِنَايَتَهُ بَطَلَتْ جِنَايَتُهُ لِأَنَّهَا كانت في رَقَبَةِ الْعَبْدِ دُونَ ذِمَّةِ سَيِّدِهِ وَلَوْ كان عبد الْمُفْلِسِ مَجْنِيًّا عليه كان سَيِّدُهُ الْخَصْمَ له فإذا ثَبَتَ الْحَقُّ عليه وكان الْجَانِي عليه عَبْدًا فَلَهُ أَنْ يَقْتَصَّ إنْ كانت الْجِنَايَةُ فيها قِصَاصٌ وَأَنْ يَأْخُذَ الْأَرْشَ من رَقَبَةِ الْعَبْدِ الْجَانِي فَإِنْ أَرَادَ الْغُرَمَاءُ تَرْكَ الْقِصَاصِ وَأَخْذَ الْمَالِ فَلَيْسَ ذلك لهم لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْمَالَ إلَّا بَعْدَ اخْتِيَارِهِ لهم وَإِنْ كانت الْجِنَايَةُ مِمَّا لَا قِصَاصَ فيه إنَّمَا فيه الْأَرْشُ لم يَكُنْ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ عَفْوُ الْأَرْشِ لِأَنَّهُ مَالٌ من مَالِهِ وَجَبَ له بِكُلِّ حَالٍ فَلَيْسَ له هِبَتُهُ وهو مَرْدُودٌ في مَالِهِ يَقْضِي بِهِ عن دَيْنِهِ وإذا بَاعَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الْحِنْطَةَ أو الزَّيْتَ أو السَّمْنَ أو شيئا مِمَّا يُكَالُ أو يُوزَنُ فَخَلَطَهُ بمثله أو خَلَطَهُ بِأَرْدَأَ منه من جِنْسِهِ ثُمَّ فَلِسَ غَرِيمُهُ كان له أَنْ يَأْخُذَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ لِأَنَّهُ قَائِمٌ كما كان وَيُقَاسِمُ الْغُرَمَاءَ بِكَيْلِ مَالِهِ أو وَزْنِهِ وَكَذَلِكَ إنْ كان خَلَطَهُ فِيمَا دُونَهُ إنْ شَاءَ لِأَنَّهُ لَا يَأْخُذُ فَضْلًا إنَّمَا يَأْخُذُ نَقْصًا فَإِنْ كان خَلَطَهُ بِمَا هو خَيْرٌ منه فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ لَا سَبِيلَ له لِأَنَّا لَا نَصِلُ إلَى دَفْعِ مَالِهِ إلَيْهِ إلَّا زَائِدًا بِمَالِ غَرِيمِهِ وَلَيْسَ لنا أَنْ نُعْطِيَهُ الزِّيَادَةَ وكان هذا أَصَحَّ الْقَوْلَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَبِهِ أَقُولُ قال وَلَا يُشْبِهُ هذا الثَّوْبَ يُصْبَغُ وَلَا السَّوِيقَ يُلَتُّ الثَّوْبُ يُصْبَغُ وَالسَّوِيقُ يُلَتُّ مَتَاعُهُ بِعَيْنِهِ فيه زِيَادَةٌ مُخْتَلِطَةٌ فيه وَهَذَا إذَا اخْتَلَطَ انْقَلَبَ حتى لَا تُوجَدَ عَيْنُ مَالِهِ إلَّا غير مَعْرُوفَةٍ من عَيْنِ مَالِ غَيْرِهِ وَهَكَذَا كُلُّ ذَائِبٍ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنْ يَنْظُرَ إلَى قِيمَةِ عَسَلِهِ وَقِيمَةِ الْعَسَلِ الْمَخْلُوطِ بِهِ مُتَمَيِّزَيْنِ ثُمَّ يُخَيَّرُ الْبَائِعُ بِأَنْ يَكُونَ شَرِيكًا بِقَدْرِ قِيمَةِ عَسَلِهِ من عَسَلِ الْبَائِعِ وَيَتْرُكَ فَضْلَ كَيْلِ عَسَلِهِ أو يَدَعَ وَيَكُونَ غَرِيمًا كَأَنَّ عَسَلَهُ كان صَاعًا يَسْوَى دِينَارَيْنِ وَعَسَلَ شَرِيكِهِ كان صَاعًا يَسْوَى أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ فَإِنْ اخْتَارَ أَنْ يَكُونَ شَرِيكًا بِثُلُثَيْ صَاعٍ من عَسَلِهِ وَعَسَلِ شَرِيكِهِ كان له وكان تَارِكًا لِفَضْلِ صَاعٍ وَمَنْ قال هذا قال ليس هذا بِبَيْعٍ إنَّمَا هذا وَضِيعَةٌ من مَكِيلَةٍ كانت له وَلَوْ بَاعَهُ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا كان فيها قَوْلَانِ هذا أَشْبَهُهُمَا عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَبِهِ اقول وهو أَنَّ له أَنْ يَأْخُذَ الدَّقِيقَ وَيُعْطِيَ الْغُرَمَاءَ قِيمَةَ الطَّحْنِ لِأَنَّهُ زَائِدٌ على مَالِهِ وَكَذَلِكَ لو بَاعَهُ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ كان له ثَوْبُهُ وَلِلْغُرَمَاءِ صَبْغُهُ يَكُونُونَ شُرَكَاءَ بِمَا زَادَ الصَّبْغُ في قِيمَةِ الثَّوْبِ وَهَكَذَا لو بَاعَهُ ثَوْبًا فَخَاطَهُ كان له أَنْ يَأْخُذَ ثَوْبَهُ وَلِلْغُرَمَاءِ ما زَادَتْ الْخِيَاطَةُ وَهَكَذَا لو بَاعَهُ إيَّاهُ فَقَصَّرَهُ كان له أَنْ يَأْخُذَ ثَوْبَهُ وَلِلْغُرَمَاءِ بعد ما زَادَتْ الْقِصَارَةُ فيه فَإِنْ قال قَائِلٌ فَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ الْغَاصِبَ لَا يَأْخُذُ في الْقِصَارَةِ شيئا لِأَنَّهَا أَثَرٌ قُلْنَا الْمُفْلِسُ مُخَالِفٌ لِلْغَاصِبِ من قِبَلِ أَنَّ الْمُفْلِسَ إنَّمَا
____________________

(3/203)


عَمِلَ فِيمَا يَمْلِكُ وَيَحِلُّ له الْعَمَلُ فيه وَالْغَاصِبَ عَمِلَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ وَلَا يَحِلُّ له الْعَمَلُ فيه أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُفْلِسَ يَشْتَرِي الْبُقْعَةَ فَيَبْنِيهَا وَلَا يُهْدَمُ بِنَاؤُهُ وَيُهْدَمُ بِنَاءُ الْغَاصِبِ وَيَشْتَرِي الشَّيْءَ فَيَبِيعُهُ فَلَا يُرَدُّ بَيْعُهُ وَيُرَدُّ بَيْعُ الْغَاصِبِ وَيَشْتَرِي الْعَبْدُ فَيُعْتِقُهُ فَنُجِيزُ عِتْقَهُ وَلَا نُجِيزُ عِتْقَ الْغَاصِبِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَأَفْلَسَ الرَّجُلُ وقد قَصَّرَ الثَّوْبَ قَصَّارٌ أو خَاطَهُ خَيَّاطٌ أو صَبَغَهُ صَبَّاغٌ بِأُجْرَةٍ فَاخْتَارَ صَاحِبُ الثَّوْبِ أَنْ يَأْخُذَ ثَوْبَهُ أَخَذَهُ فَإِنْ زَادَ عَمَلُ الْقَصَّارِ فيه خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَكَانَتْ إجَارَتُهُ فيه دِرْهَمًا أَخَذَ الدِّرْهَمَ وكان شَرِيكًا بِهِ في الثَّوْبِ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ وكان صَاحِبُ الثَّوْبِ أَحَقَّ بِهِ من الْغُرَمَاءِ وَكَانَتْ الْأَرْبَعَةُ الدَّرَاهِمُ لِلْغُرَمَاءِ شُرَكَاءَ بها لِلْقَصَّارِ وَصَاحِبِ الثَّوْبِ وَإِنْ كان عَمَلُهُ زَادَ في الثَّوْبِ دِرْهَمًا وَإِجَارَتُهُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ كان شَرِيكًا لِصَاحِبِ الثَّوْبِ بِالدِّرْهَمِ وَضَرَبَ مع الْغُرَمَاءِ في مَالِ الْمُفْلِسِ بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ وَلَوْ كانت تَزِيدُ في الثَّوْبِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَالْإِجَارَةُ دِرْهَمٌ أَعْطَيْنَا الْقَصَّارَ دِرْهَمًا يَكُونُ بِهِ شَرِيكًا في الثَّوْبِ وَلِلْغُرَمَاءِ أَرْبَعَةٌ يَكُونُونَ بها في الثَّوْبِ شُرَكَاءَ فَإِنْ قال قَائِلٌ كَيْفَ جَعَلْتَهُ أَحَقَّ بِإِجَارَتِهِ من الْغُرَمَاءِ في الثَّوْبِ فَإِنَّمَا جَعَلْتُهُ أَحَقَّ بها إذَا كانت زَائِدَةً في الثَّوْبِ فَمَنَعَهَا صَاحِبُ الثَّوْبِ لم يَكُنْ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَأْخُذُوا ما زَادَ عَمَلُ هذا في الثَّوْبِ دُونَهُ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ فَإِنْ قالوا فما بَالُهَا إذَا كانت أَزْيَدَ من إجَارَتِهِ لم تَدْفَعْهَا إلَيْهِ كُلَّهَا وإذا كانت أَنْقَصَ من إجَارَتِهِ لم تَقْتَصِرْ بِهِ عليها كما تَجْعَلُهَا في الْبُيُوعِ قُلْنَا إنَّهَا لَيْسَتْ بِعَيْنِ بَيْعٍ يَقَعُ فَاجْعَلْهَا هَكَذَا وَإِنَّمَا كانت إجَارَةً من الْإِجَارَاتِ لَزِمَتْ الْغَرِيمَ الْمُسْتَأْجِرَ فلما وَجَدْتُ تِلْكَ الْإِجَارَةَ قَائِمَةً جَعَلْتُهُ أَحَقَّ بها لِأَنَّهَا من إجَارَتِهِ كَالرَّهْنِ له أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو كان له رَهْنٌ يَسْوَى عَشَرَةً بِدِرْهَمٍ أَعْطَيْته منها دِرْهَمًا وَالْغُرَمَاءَ تِسْعَةً وَلَوْ كان رَهْنٌ يَسْوَى دِرْهَمًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَعْطَيْته منها دِرْهَمًا وَجَعَلْته يُحَاصُّ الْغُرَمَاءَ بِتِسْعَةٍ فَإِنْ قال فما بَالُهُ يَكُونُ في هذا الْمَوْضِعِ أَوْلَى بِالرَّهْنِ منه بِالْبَيْعِ قُلْت كَذَلِكَ تَزْعُمُ أنت في الثَّوْبِ يَخِيطُهُ الرَّجُلُ أو يَغْسِلُهُ له أَنْ يَحْبِسَهُ عن صَاحِبِهِ حتى يُعْطِيَهُ أَجْرَهُ كما يَكُونُ له أَنْ يَحْبِسَهُ في الرَّهْنِ حتى يُعْطِيَهُ ما فيه لِأَنَّ له فيه عَمَلًا قَائِمًا فَلَا يُسَلِّمُهُ إلَيْهِ حتى يُوَفِّيَهُ الْعَمَلَ فَإِنْ قال قَائِلٌ فما تَقُولُ أنت قلت لَا أَجْعَلُ له حَبْسَهُ وَلَا لِصَاحِبِ الثَّوْبِ أَخْذَهُ وَآمُرُ بِبَيْعِ الثَّوْبِ فأعطى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقَّهُ إذَا أَفْلَسَ فَإِنْ أَفْلَسَ صَاحِبُ الثَّوْبِ كان الْخَيَّاطُ أَحَقَّ بِمَا زَادَ عَمَلُهُ في الثَّوْبِ فَإِنْ كانت إجَارَتُهُ أَكْثَرَ مِمَّا زَادَ عَمَلُهُ في الثَّوْبِ أَخَذَ ما زَادَ عَمَلُهُ في الثَّوْبِ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ وَكَانَتْ بَقِيَّةُ الْإِجَارَةِ دَيْنًا على الْغَرِيمِ يُحَاصُّ بِهِ الْغُرَمَاءَ وَإِنْ لم يُفْلِسْ وقد عُمِلَ له ثَوْبٌ فلم يَرْضَ صَاحِبُ الثَّوْبِ بِكَيْنُونَةِ الثَّوْبِ في يَدِ الْخَيَّاطِ أَخَذَ مَكَانَهُ مِنْهُمَا حتى يَقْضِيَ بَيْنَهُمَا بِمَا وَصَفْتُ أو يُبَاعُ عليه الثَّوْبُ فيعطي الخياط إجَارَتُهُ من ثَمَنِهِ وَبِهِ أَقُولُ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أنه غَرِيمٌ في اجارته لِأَنَّ ما عُمِلَ في الثَّوْبِ ليس بِعَيْنٍ وَلَا شَيْءَ من مَالِهِ زَائِدٌ في الثَّوْبِ إنَّمَا هو أَثَرٌ في الثَّوْبِ وَهَذَا يَتَوَجَّهُ قال وإذا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ أَجِيرًا في حَانُوتٍ أو زَرْعٍ أو شَجَرٍ بِإِجَارَةٍ مَعْلُومَةٍ لَيْسَتْ مِمَّا اسْتَأْجَرَهُ عليه إمَّا بِمَكِيلَةِ طَعَامٍ مَضْمُونٍ وَإِمَّا بِذَهَبٍ أو وَرِقٍ أو اسْتَأْجَرَ حَانُوتًا يَبِيعُ فيه بَزًّا أو اسْتَأْجَرَ رَجُلًا يُعَلِّمُ له عَبْدًا أو يَرْعَى له غَنَمًا أو يُرَوِّضُ له بَعِيرًا ثُمَّ أَفْلَسَ فَالْأَجِيرُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ من قِبَلِ أَنَّهُ ليس لِوَاحِدٍ من هَؤُلَاءِ الْأُجَرَاءِ شَيْءٌ من مَالِهِ مُخْتَلِطٌ بهذا زَائِدٌ فيه كَزِيَادَةِ الصَّبْغِ وَالْقِصَارَةِ في الثَّوْبِ وهو من مَالِ الصَّبَّاغِ وَزِيَادَةُ الْخِيَاطَةِ في الثَّوْبِ من مَالِ الْخَيَّاطِ وَعَمَلِهِ وَكُلُّ شَيْءٍ من هذا غَيْرُ ما اُسْتُؤْجِرَ عليه وَغَيْرُ شَيْءٍ قَائِمٍ فِيمَا اُسْتُؤْجِرَ عليه أَلَا تَرَى أَنَّ قِيمَةَ الثَّوْبِ غير مَصْبُوغٍ وَقِيمَتَهُ مَصْبُوغًا وَقِيمَتَهُ غير مَخِيطٍ وَغَيْرَ مَقْصُورٍ وَقِيمَتَهُ مَخِيطًا وَمَقْصُورًا مَعْرُوفَةٌ حِصَّةُ زِيَادَةِ الْعَامِلِ فيه وَلَيْسَ في الثِّيَابِ التي في الْحَانُوتِ وَلَا في الْمَاشِيَةِ التي تُرْعَى وَلَا في الْعَبْدِ الذي يُعَلِّمُهُ شَيْءٌ قَائِمٌ من صَنْعَةِ غَيْرِهِ فيعطى ذلك صَنْعَتَهُ أو مَالَهُ وَإِنَّمَا هو غَرِيمٌ من الْغُرَمَاءِ أو لا تَرَى أَنَّهُ لو تَوَلَّى الزَّرْعَ كان الزَّرْعُ وَالْمَاءُ وَالْأَرْضُ من مَالِ الْمُسْتَأْجِرِ وَكَانَتْ صَنْعَتُهُ فيه إنَّمَا هِيَ إلْقَاءٌ في الْأَرْضِ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ زَائِدٍ فيه وَالزِّيَادَةُ فيه بَعْدَ شَيْءٍ من قَدَرِ اللَّهِ عز وجل وَمِنْ مَالِ
____________________

(3/204)


الْمُسْتَأْجِرِ لَا صَنْعَةَ فيها لِلْأَجِيرِ أو لا تَرَى أَنَّ الزَّرْعَ لو هَلَكَ كانت له إجَارَتُهُ وَالثَّوْبَ لو هَلَكَ في يَدَيْهِ لم يَكُنْ له إجَارَتُهُ لِأَنَّهُ لم يُسَلِّمْ عَمَلَهُ إلَى من اسْتَأْجَرَهُ وَلَوْ تَكَارَى رَجُلٌ من رَجُلٍ أَرْضًا وَاشْتَرَى من آخَرَ مَاءً ثُمَّ زَرَعَ الْأَرْضَ بِبَذْرِهِ ثُمَّ فَلِسَ الْغَرِيمُ بَعْدَ الْحَصَادِ كان رَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْمَاءِ شَرِيكَيْنِ لِلْغُرَمَاءِ وَلَيْسَا بِأَحَقَّ بِمَا يَخْرُجُ من الْأَرْضِ وَلَا بِالْمَاءِ وَذَلِكَ أَنَّهُ ليس لَهُمَا فيه عَيْنُ مَالِ الْحَبِّ الذي نَمَا من مَالِ الْغَرِيمِ لَا من مَالِهِمَا فَإِنْ قال قَائِلٌ فَقَدْ نَمَا بِمَاءِ هذا وفي أَرْضِ هذا قُلْنَا عَيْنُ الْمَالِ لِلْغَرِيمِ لَا لَهُمَا وَالْمَاءُ مُسْتَهْلَكٌ في الْأَرْضِ وَالزَّرْعُ عَيْنٌ مَوْجُودَةٌ وَالْأَرْضُ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ في الزَّرْعِ وَتَصَرُّفُهُ فيها ليس بِكَيْنُونَةٍ منها فيه فَنُعْطِيهِ عَيْنَ مَالِهِ وَلَوْ عَنَى رَجُلٌ فقال أَجْعَلُهُمَا أَحَقَّ بِالطَّعَامِ من الْغُرَمَاءِ دخل عليه أَنَّهُ أَعْطَاهُمَا غير عَيْنِ مَالِهِمَا ثُمَّ أَعْطَاهُمَا عَطَاءً مُحَالًا فَإِنْ قال قَائِلٌ فما الْمُحَالُ فيه قُلْنَا إنْ زَعَمَ أَنَّ صَاحِبَ الزَّرْعِ وَصَاحِبَ الْأَرْضِ وَصَاحِبَ الْمَاءِ شُرَكَاءُ فَكَمْ يُعْطَى صَاحِبُ الْأَرْضِ وَصَاحِبُ الْمَاءِ وَصَاحِبُ الطَّعَامِ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَهُمَا حتى يَسْتَوْفِيَا حَقَّهُمَا فَقَدْ أَبْطَلَ حِصَّةَ الْغُرَمَاءِ من مَالِ الزَّارِعِ وهو لَا يَكُونُ أَحَقَّ بِذَلِكَ من الْغُرَمَاءِ إلَّا بَعْدَ ما يُفْلِسُ الْغَرِيمُ فَالْغَرِيمُ فَلِسَ وَهَذِهِ حِنْطَتُهُ لَيْسَتْ فيها أَرْضٌ وَلَا مَاءٌ وَلَوْ أَفْلَسَ وَالزَّرْعُ بَقْلٌ في أَرْضِهِ كان لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يُحَاصَّ الْغُرَمَاءَ بِقَدْرِ ما أَقَامَتْ الْأَرْضُ في يَدَيْ الزَّارِعِ إلَى أَنْ أَفْلَسَ ثُمَّ يُقَالُ لِلْمُفْلِسِ وَغُرَمَائِهِ ليس لَك وَلَا لهم أَنْ تَسْتَمْتِعُوا بِأَرْضِهِ وَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ الْآنَ إلَّا أَنْ تَطَوَّعُوا فَتَدْفَعُوا إلَيْهِ إجَارَةَ مِثْلِ الْأَرْضِ إلَى أَنْ يَحْصُدَ الزَّرْعَ فَإِنْ لم تَفْعَلُوا فَاقْلَعُوا عنه الزَّرْعَ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بِتَرْكِهِ لَكُمْ وَذَلِكَ أَنَّا نَجْعَلُ التَّفْلِيسَ فَسْخًا لِلْبَيْعِ وَفَسْخًا لِلْإِجَارَةِ فَمَتَى فَسَخْنَا الْإِجَارَةَ كان صَاحِبُ الْأَرْضِ أَحَقَّ بها إلَّا أَنْ يعطى إجَارَةَ مِثْلِهَا لِأَنَّ الزَّارِعَ كان غير مُتَعَدٍّ قال وَلَوْ بَاعَ رَجُلٌ من رَجُلٍ عَبْدًا فَرَهَنَهُ ثُمَّ فَلِسَ كان الْمُرْتَهِنُ أَحَقَّ بِهِ من الْغُرَمَاءِ يُبَاعُ له منه بِقَدْرِ حَقِّهِ فَإِنْ بَقِيَ من الْعَبْدِ بَقِيَّةٌ كان الْبَائِعُ أَحَقَّ بها فَإِنْ قال قَائِلٌ فإذا جَعَلْتَ هذا في الرَّهْنِ فَكَيْفَ لم تَجْعَلْهُ في الْقِصَارَةِ وَالْغُسَالَةِ كَالرَّهْنِ فَتَجْعَلُهُ أَحَقَّ بِهِ من رَبِّ الثَّوْبِ قِيلَ له لِافْتِرَاقِهِمَا فَإِنْ قال قَائِلٌ وَأَيْنَ يَفْتَرِقَانِ قُلْنَا الْقِصَارَةُ وَالْغُسَالَةُ شَيْءُ يَزِيدُهُ الْقَصَّارُ وَالْغَسَّالُ في الثَّوْبِ فإذا أَعْطَيْنَاهُ إجَارَتَهُ وَالزِّيَادَةَ في الثَّوْبِ فَقَدْ أَوْفَيْنَاهُ مَالَهُ بِعَيْنِهِ فَلَا نُعْطِيهِ أَكْثَرَ منه في الثَّوْبِ وَنَجْعَلُ ما بَقِيَ من مَالِهِ في مَالِ غَرِيمِهِ قال وَلَوْ هَلَكَ الثَّوْبُ عِنْدَ الْقَصَّارِ أو الْخَيَّاطِ لم نَجْعَلْ له على الْمُسْتَأْجِرِ شيئا من قِبَلِ أَنَّهُ إنَّمَا هو زِيَادَةٌ يُحْدِثُهَا فَمَتَى لم يُوَفِّهَا رَبَّ الثَّوْبِ لم يَكُنْ له وَالرَّهْنُ مُخَالِفٌ لِهَذَا ليس بِزِيَادَةٍ في الْعَبْدِ وَلَكِنَّهُ إيجَابُ شَيْءٍ في رَقَبَتِهِ يُشْبِهُ الْبَيْعَ فَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ كان ذلك في ذِمَّةِ مَوْلَاهُ الرَّاهِنِ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْعَبْدِ كما تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ بِهَلَاكِ الثَّوْبِ فَإِنْ قال فَقَدْ يَجْتَمِعَانِ في مَوْضِعٍ وَيَفْتَرِقَانِ في آخَرَ قِيلَ نعم فَنَجْمَعُ بَيْنَهُمَا حَيْثُ اجْتَمَعَا وَنُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا حَيْثُ افْتَرَقَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا رَهَنَ الْعَبْدَ فَجَعَلْنَا الْمُرْتَهِنَ أَحَقَّ بِهِ حتى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ من الْبَائِعِ وَالْغُرَمَاءِ فَقَدْ حَكَمْنَا له فيه بِبَعْضِ حُكْمِ الْبَيْعِ وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ رَدَدْنَا الْمُرْتَهِنَ بِحَقِّهِ وَلَوْ كان هذا حُكْمَ الْبَيْعِ بِكَمَالِهِ لم يَرُدَّ الْمُرْتَهِنُ بِشَيْءٍ فَإِنَّمَا جَمَعْنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْعِ حَيْثُ اشْتَبَهَا وَفَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا حَيْثُ افْتَرَقَا وَلَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلٌ أَرْضًا فَقَبَضَ صَاحِبُ الْأَرْضِ إجَارَتَهَا كُلَّهَا وَبَقِيَ الزَّرْعُ فيها لَا يَسْتَغْنِي عن السَّقْيِ وَالْقِيَامِ عليه وَفَلِسَ الزَّارِعُ وهو الرَّجُلُ قِيلَ لِغُرَمَائِهِ إنْ تَطَوَّعْتُمْ بِأَنْ تُنْفِقُوا على الزَّرْعِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ ثُمَّ تَبِيعُوهُ وَتَأْخُذُوا نَفَقَتَكُمْ مع مَالِكُمْ فَذَلِكَ لَكُمْ وَلَا يَكُونُ ذلك لَكُمْ إلَّا بِأَنْ يَرْضَاهُ رَبُّ الزَّرْعِ الْمُفْلِسُ فَإِنْ لم يَرْضَهُ فَشِئْتُمْ أَنْ تَطَوَّعُوا بِالْقِيَامِ عليه وَالنَّفَقَةِ وَلَا تَرْجِعُوا بِشَيْءٍ فَعَلْتُمْ وَإِنْ لم تَشَاءُوا وَشِئْتُمْ فَبِيعُوهُ بِحَالِهِ تِلْكَ لَا تُجْبَرُونَ على أَنْ تُنْفِقُوا على ما لَا تُرِيدُونَ قال وَهَكَذَا لو كان عَبْدٌ فَمَرِضَ بِيعَ مَرِيضًا بِحَالِهِ وَإِنْ قَلَّ ثَمَنُهُ قال وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ من الرَّجُلِ عَبْدًا أو دَارًا أو مَتَاعًا أو شيئا ما كان بِعَيْنِهِ فلم يَقْبِضْهُ حتى فَلِسَ الْبَائِعُ فَالْمُشْتَرِي أَحَقُّ بِهِ بِمَا بَاعَهُ يَلْزَمُهُ ذلك وَيَلْزَمُ له كَرِهَ أو كَرِهَ الْغُرَمَاءُ وَلَوْ اشْتَرَى منه شيئا مَوْصُوفًا من ضَرْبِ السَّلَفِ من رَقِيقٍ
____________________

(3/205)


مَوْصُوفِينَ أو إبِلٍ مَوْصُوفَةٍ أو طَعَامٍ أو غَيْرِهِ من بُيُوعِ الصِّفَةِ وَدَفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ كان أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ فِيمَا له وَعَلَيْهِ وَلَوْ كان الثَّمَنُ لِبَعْضِ ما اشْتَرَى من هذا عَبْدًا بِعَيْنِهِ أو دَارًا بِعَيْنِهَا أو ثِيَابًا بِعَيْنِهَا بِطَعَامٍ مَوْصُوفٍ إلَى أَجَلٍ أو غَيْرِهِ كان الْبَائِعُ لِلدَّارِ الْمُشْتَرَى بها الطَّعَامُ أَحَقَّ بِدَارِهِ لِأَنَّهُ بَائِعٌ مُشْتَرٍ ليس بِخَارِجٍ من بَيْعِهِ وَكَذَلِكَ لو سَلَّفَ في الطَّعَامِ فِضَّةً مَصُوغَةً مَعْرُوفَةً أو ذَهَبًا أو دَنَانِيرَ بِأَعْيَانِهَا فَوَجَدَهَا قَائِمَةً يُقِرُّ بها الْغُرَمَاءُ أو الْبَائِعُ كان أَحَقَّ بها فَإِنْ كانت مِمَّا لَا يُعْرَفُ أو اُسْتُهْلِكَتْ فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ وإذا اكْتَرَى الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الدَّارَ ثُمَّ فَلِسَ المكرى فَالْكِرَاءُ ثَابِتٌ إلَى مُدَّتِهِ ثُبُوتَ الْبَيْعِ مَاتَ الْمُفْلِسُ أو عَاشَ وَهَكَذَا قال بَعْضُ أَهْلِ نَاحِيَتِنَا في الْكِرَاءِ وَزَعَمَ في الشِّرَاءِ أَنَّهُ إذَا مَاتَ فَإِنَّمَا هو أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ وقد خَالَفَنَا غَيْرُ وَاحِدٍ من الناس في الْكِرَاءِ فَفَسَخَهُ إذَا مَاتَ الْمُكْتَرِي أو الْمُكْرِي لِأَنَّ مِلْكَ الدَّارِ قد تَحَوَّلَ لِغَيْرِ الْمُكْرِي وَالْمَنْفَعَةَ قد تَحَوَّلَتْ لِغَيْرِ الْمُكْتَرِي وقال ليس الْكِرَاءُ كَالْبُيُوعِ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ يَكْتَرِي الدَّارَ فَتَنْهَدِمُ فَلَا يَلْزَمُ الْمُكْرِيَ أَنْ يَبْنِيَهَا وَيَرْجِعُ الْمُكْتَرِي بِمَا بَقِيَ من حِصَّةِ الْكِرَاءِ وَلَوْ كان هذا بَيْعًا لم يَرْجِعْ بِشَيْءٍ فَيُثْبِتُ صَاحِبُنَا وَاَللَّهُ يَرْحَمُنَا وَإِيَّاهُ الْكِرَاءَ الْأَضْعَفَ لِأَنَّا نَنْفَرِدُ بِهِ دُونَ غَيْرِنَا في مَالِ الْمُفْلِسِ وَإِنْ مَاتَ يَجْعَلُهُ لِلْمُكْتَرِي وَأَبْطَلَ الْبَيْعَ فلم يَجْعَلْهُ لِلْبَائِعِ وَلَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا لَكَانَ الْبَيْعُ أَوْلَى أَنْ يَثْبُتَ لِلْبَائِعِ من الْكِرَاءِ لِلْمُكْتَرِي لِأَنَّهُ ليس بِمِلْكٍ تَامٍّ وإذا جَمَعْنَا نَحْنُ بَيْنَهُمَا لم يَنْبَغِ له أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا قال وإذا تَكَارَى الرَّجُلُ من الرَّجُلِ حَمْلَ طَعَامٍ إلَى بَلَدٍ من الْبُلْدَانِ ثُمَّ أَفْلَسَ الْمُكْتَرِي أو مَاتَ فَكُلُّ ذلك سَوَاءٌ يَكُونُ الْمُكْرِي أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ لِأَنَّهُ ليس له في الطَّعَامِ صَنْعَةٌ وَلَوْ كان أَفْلَسَ قبل أَنْ يَحْمِلَ الطَّعَامَ كان له أَنْ يَفْسَخَ الْكِرَاءَ لِأَنَّهُ ليس لِلْمُكْتَرِي أَنْ يُعْطِيَهُ من مَالِهِ شيئا دُونَ غُرَمَائِهِ وَلَا أُجْبِرُ الْمُكْرِي أَنْ يَأْخُذَ شيئا من غَرِيمِ الْمُفْلِسِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ غُرَمَاؤُهُ وَلَوْ حَمَلَهُ بَعْضَ الطَّرِيقِ ثُمَّ أَفْلَسَ كان له بِقَدْرِ ما حَمَلَهُ من الْكِرَاءِ يُحَاصُّ بِهِ الْغُرَمَاءَ وكان له أَنْ يَفْسَخَ الْحُمُولَةَ في مَوْضِعِهِ ذلك إنْ شَاءَ إنْ كان مَوْضِعٌ لَا يَهْلِكُ فيه الطَّعَامُ مِثْلُ الصَّحْرَاءِ أو ما أَشْبَهَهَا وإذا تَكَارَى النَّفَرُ الْإِبِلَ بِأَعْيَانِهَا من الرَّجُلِ فَمَاتَ بَعْضُ إبِلِهِمْ لم يَكُنْ على الْمُكْرِي أَنْ يَأْتِيَهُ بِإِبِلٍ بَدَلَهَا فإذا كان هذا هَكَذَا فَلَوْ أَفْلَسَ الْمُكْرِي وَمَاتَ بَعْضُ إبِلِهِمْ لم يَرْجِعْ على أَصْحَابِهِ وَلَا في مَالِ الْمُكْرِي بِشَيْءٍ إلَّا بِمَا بَقِيَ مِمَّا دَفَعَ إلَيْهِ من كِرَائِهِ يَكُونُ فيه أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ وَتَكُونُ الْإِبِلُ التي اكتريت على الْكِرَاءِ فإذا انْقَضَى كانت مَالًا من مَالِ الْمُكْرِي الْمُفْلِسِ وَلَوْ كَانُوا تَكَارَوْا منه حُمُولَةً مَضْمُونَةً على غَيْرِ إبِلٍ بِأَعْيَانِهَا يَدْفَعُ إلَى كل رَجُلٍ منهم إبِلًا بِأَعْيَانِهَا كان له نَزْعُهَا من أَيْدِيهِمْ وَإِبْدَالُهُمْ غَيْرَهَا فإذا كان هذا هَكَذَا فَحَقُّهُمْ في ذِمَّتِهِ مَضْمُونٌ عليه فَلَوْ مَاتَتْ إبِلٌ كان يَحْمِلُ عليها وَاحِدٌ منهم فَأَفْلَسَ الْغَرِيمُ كَانُوا جميعا أُسْوَةً فِيمَا بَقِيَ من الْإِبِلِ بِقَدْرِ حُمُولَتِهِمْ لِأَنَّهَا مَضْمُونَةٌ في مَالِهِ لَا في إبِلٍ بِأَعْيَانِهَا فَيَكُونُ إذَا هَلَكَتْ لم يَرْجِعْ وَإِنْ كان مَعَهُمْ غُرَمَاءُ غَيْرُهُمْ من غُرَمَائِهِ بِأَيِّ وَجْهٍ كان لهم الدَّيْنُ عليه ضَرَبَ هَؤُلَاءِ بِالْحُمُولَةِ وَهَؤُلَاءِ بِدُيُونِهِمْ وَحَاصُّوهُمْ وإذا اكْتَرَى الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الْإِبِلَ ثُمَّ هَرَبَ منه فَأَتَى الْمُتَكَارِي السُّلْطَانَ فَأَقَامَ عِنْدَهُ الْبَيِّنَةَ على ذلك فَإِنْ كان السُّلْطَانُ مِمَّنْ يقضى على الْغَائِبِ أَحْلَفَ الْمُتَكَارِيَ أَنَّ حَقَّهُ عليه لَثَابِتٌ في الْكِرَاءِ ما يَبْرَأُ منه بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ وسمي الْكِرَاءَ وَالْحُمُولَةَ ثُمَّ تَكَارَى له على الرَّجُلِ كما يَبِيعُ له في مَالِ الرَّجُلِ إذَا كانت الْحُمُولَةُ مَضْمُونَةً عليه وَإِنْ كانت الْحُمُولَةُ إبِلًا بِأَعْيَانِهَا لم يَتَكَارَ له عليه وقال الْقَاضِي لِلْمُكْتَرِي أنت بِالْخِيَارِ بين أَنْ تَكْتَرِيَ من غَيْرِهِ وَأَرُدَّك بِالْكِرَاءِ عليه لِفِرَارِهِ مِنْك أو آمُرُ عَدْلًا فَيَعْلِفُ الْإِبِلَ أَقَلَّ ما يَكْفِيهَا وَيُخْرِجُ ذلك مُتَطَوِّعًا بِهِ غير مَجْبُورٍ عليه وَأَرُدُّك بِهِ على صَاحِبِ الْإِبِلِ دَيْنًا عليه وما أَعْلَفَ الْإِبِلَ قبل قَضَاءِ الْقَاضِي فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ بِهِ وَإِنْ كان لِلْجَمَّالِ فَضْلٌ من إبِلٍ بَاعَ عليه وَأَعْلَفَ إبِلَهُ إذَا كان مِمَّنْ يَقْضِي على
____________________

(3/206)


الْغَائِبِ ولم يَأْمُرْ أَحَدًا يُنْفِقُ عليها ولم يَفْسَخْ الْكِرَاءَ إنَّمَا يَفْعَلُ هذا إذَا لم يَكُنْ له فَضْلُ إبِلٍ قال وإذا بَاعَ عليه فَضْلًا من إبِلِهِ أو ( ( ( ومالا ) ) ) مالا له سِوَى الْإِبِلِ ثُمَّ جاء الْجَمَّالُ لم يَرُدَّ بَيْعَهُ وَدَفَعَ إلَيْهِ مَالَهُ وَأَمَرَهُ بِالنَّفَقَةِ على إبِلِهِ قال وَالِاحْتِيَاطُ لِمَنْ تَكَارَى من جَمَّالٍ أَنْ يَأْخُذَهُ بِأَنْ يُوَكِّلَ رَجُلًا ثِقَةً وَيُجِيزَ أَمْرَهُ في بَيْعِ ما رَأَى من إبِلِهِ وَمَتَاعِهِ فَيَعْلِفُ إبِلَهُ من مَالِهِ وَيَجْعَلُهُ مُصَدَّقًا فِيمَا أَدَانَ على إبِلِهِ وَعَلَفِهَا بِهِ لَازِمًا له ذلك وَيُحَلِّفُهُ لَا يَفْسَخُ وَكَالَتَهُ فَإِنْ غَابَ قام بِذَلِكَ الْوَكِيلُ قال وإذا تَكَارَى الْقَوْمُ من الْجَمَّالِ إبِلًا بِأَعْيَانِهَا ثُمَّ أَفْلَسَ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ منهم أَنْ يَرْكَبَ إبِلَهُ بِأَعْيَانِهَا وَلَا تُبَاعُ حتى يَسْتَوْفُوا الْحُمُولَةَ وَإِنْ كانت بِغَيْرِ أَعْيَانِهَا وَدَفَعَ إلَى كل إنْسَانٍ بَعِيرًا دخل بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ إذَا ضَاقَتْ الحموله كما يَدْخُلْ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ في سَائِرِ مَالِهِ حتى يَتَسَاوَوْا في الْحُمُولَةِ وَدَخَلَ عليهم غُرَمَاؤُهُ الَّذِينَ لَا حُمُولَةَ لهم حتى يَأْخُذُوا من إبِلِهِ بِقَدْرِ ما لهم وَأَهْلُ الْحُمُولَةِ بِقِيمَةِ حُمُولَتِهِمْ وَمَنْ أَصْدَقَ امْرَأَةً عَبْدًا بِعَيْنِهِ فَقَبَضَتْهُ أو لم تَقْبِضْهُ ثُمَّ أَفْلَسَ فَهُوَ لها وَكَذَلِكَ لو بَاعَهُ أو تَصَدَّقَ بِهِ صَدَقَةً مُحَرَّمَةً وَكَذَلِكَ لو أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهُ إيَّاهُ أو أَقَرَّ أَنَّهُ له فإن وَهْبَهُ لِرَجُلٍ أو نَحَلَهُ أو تَصَدَّقَ بِهِ صَدَقَةً غير مُحَرَّمَةٍ فلم يَقْبِضْهُ الْمَوْهُوبُ له حتى فَلِسَ فَلَيْسَ له دفعة إلَيْهِ وَلَا لِلْمَوْهُوبِ له قَبْضُهُ فَإِنْ قَبَضَهُ بَعْدَ وَقَفَ الْقَاضِي مَالَهُ كان مَرْدُودًا لِأَنَّ مِلْكَ هذا لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ من الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالنِّحَلِ وإذا أَفْلَسَ الْغَرِيمُ بِمَالٍ لِقَوْمٍ قد عَرَفَهُ الْغَرِيمُ كُلَّهُ وَعَرَفَ كُلُّ وَاحِدٍ من الْغُرَمَاءِ ما لِكُلِّ وَاحِدٍ منهم فَدَفَعَ إلَى غُرَمَائِهِ ما كان له قَلَّ أو كَثُرَ فَإِنْ كَانُوا ابْتَاعُوا ما دَفَعَ إلَيْهِمْ من مَالِهِ بِمَا لهم عليه أو أَبْرَءُوهُ مِمَّا لهم عليه حين قَبَضُوهُ منه فَهُوَ بريء بَلَغَ ذلك من حُقُوقِهِمْ ما بَلَغَ قَلِيلًا كان أو كَثِيرًا وَلِكُلِّ وَاحِدٍ منهم من ذلك الْمَالِ بِقَدْرِ ما له على الْغَرِيمِ فَلِصَاحِبِ الْمِائَتَيْنِ سَهْمَانِ وَلِصَاحِبِ الْمِائَةِ سَهْمٌ وَإِنْ كان دَفَعَهُ إلَيْهِمْ ولم يَتَبَايَعُوهُ ولم يُبْرِئُوهُ وَبَقِيَ عليه مَالًا يُبَلِّغُهُ ثَمَنَ مَالِهِ فَهَذَا لَا بَيْعَ لهم وَلَا رَهْنَ فَإِنْ لم يَكُنْ بِيعَ فَجَاءَ غُرَمَاءُ آخَرُونَ دَخَلُوا مَعَهُمْ فيه وَكَذَلِكَ لو كان إنَّمَا أَفْلَسَ بَعْدَ دَفْعِهِ إلَيْهِمْ وَالْمَالُ مَالُهُ بِحَالِهِ إلَّا أَنَّهُمْ ضَامِنُونَ له بِقَبُولِهِمْ إيَّاهُ على الِاسْتِيفَاءِ له فَإِنْ لم يَفُتْ اُسْتُؤْنِفَ فيه الْبَيْعُ وَدَخَلَ من حَدَثَ من غُرَمَائِهِ مَعَهُمْ فيه وَإِنْ كان بِيعَ فَالْمُفْلِسُ بِالْخِيَارِ بين أَنْ يَكُونَ له جَمِيعُ ما بِيعَ بِهِ يَقْبِضُونَهُ وَمَنْ حَدَثَ من غُرَمَائِهِ دَاخِلٌ عليهم فيه أو يُضَمِّنُهُمْ قِيمَةَ الْمَالِ إنْ كان فَاتَ يُقَاصُّهُمْ بِهِ من دَيْنِهِ وما كان قَائِمًا بِعَيْنِهِ فَالْبَيْعُ مَرْدُودٌ فيه إلَّا أَنْ يَكُونَ وَكَّلَهُمْ بِبَيْعِهِ فَيَجُوزُ عليه الْبَيْعُ كما يَجُوزُ على من وَكَّلَ بَيْعُ وَكِيلِهِ وإذا بِيعَ مَالُ الْمُفْلِسِ لِغُرَمَاءَ أَقَامُوا عليه بَيِّنَةً ثُمَّ أَفَادَ بَعْدُ مَالًا وَاسْتَحْدَثَ دَيْنًا فَقَامَ عليه أَهْلُ الدَّيْنِ الْآخَرِ واهل الدَّيْنِ الْأَوَّلِ بِبَقَايَا حُقُوقِهِمْ فَكُلُّهُمْ فِيمَا أَفَادَ من مَالٍ سَوَاءٌ قَدِيمُهُمْ وَحَدِيثُهُمْ وَكُلُّ دَيْنٍ ادانه قبل يَحْجُرُ عليه الْقَاضِي لَزِمَهُ يَضْرِبُ فيه كُلُّ وَاحِدٍ منهم بِقَدْرِ ما له عليه وَهَكَذَا لو حَجَرَ عليه الْقَاضِي ثُمَّ بَاعَ مَالَهُ وَقَضَى غُرَمَاءَهُ ثُمَّ أَفَادَ مَالًا وادان دَيْنًا كان الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ من غُرَمَائِهِ سَوَاءً في مَالِهِ وَلَيْسَ بِمَحْجُورٍ عليه بَعْدَ الْحَجْرِ الْأَوَّلِ وَبِيعَ الْمَالُ لِأَنَّهُ لم يَحْجُرْ عليه لِسَفَهٍ إنَّمَا حَجَرَ في وَقْتٍ لِبَيْعِ مَالِهِ فإذا مَضَى فَهُوَ على غَيْرِ الْحَجْرِ قال وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَحَضَرَ له غُرَمَاءُ كَانُوا غُيَّبًا دَايَنُوهُ قبل تَفْلِيسِهِ الْأَوَّلِ أَدْخَلْنَا الْغُرَمَاءَ الَّذِينَ دَايَنُوهُ قبل تَفْلِيسِهِ الْأَوَّلِ في مَالِهِ الْأَوَّلِ على الْغُرَمَاءِ الَّذِينَ اقْتَسَمُوا مَالَهُ بِقَدْرِ ما لِكُلِّ وَاحِدٍ عليه ثُمَّ أَدْخَلْنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَانُوا وَالْآخَرِينَ الْمُدْخَلَ هَؤُلَاءِ عليهم وَالْغُرَمَاءَ الْآخَرِينَ مَعًا في الْمَالِ الْمُسْتَحْدَثِ الذي فَلَّسْنَاهُ فيه الثَّانِيَةَ بِقَدْرِ ما بَقِيَ لِأُولَئِكَ وما لِهَؤُلَاءِ عليه سَوَاءٌ وإذا بَاعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ السِّلْعَةَ وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي على أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا فَفَلِسَ الْبَائِعُ أو الْمُشْتَرِي أو هُمَا قبل الثَّلَاثِ فَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ وَلَهُمَا إجَازَةُ الْبَيْعِ وَرَدُّهُ لِأَيِّهِمَا شَاءَ رَدَّهُ وَإِنَّمَا زَعَمْت أَنَّ لَهُمَا إجَازَةَ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ ليس بِبَيْعٍ حَادِثٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لو لم يَتَكَلَّمَا في الْبَيْعِ بِرَدٍّ وَلَا إجَازَةٍ حتى تَمْضِيَ الثَّلَاثُ جَازَ وَلَوْ لم يَخْتَارَا ولم يَرُدَّا وَلَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا حتى تَمْضِيَ الثَّلَاثُ كان الْبَيْعُ لَازِمًا كَالْبَيْعِ بِلَا خِيَارٍ قال وَمَنْ وَجَدَ عَيْنَ
____________________

(3/207)


مَالِهِ عِنْدَ مُفْلِسٍ كان أَحَقَّ بِهِ إنْ شَاءَ وَسَوَاءٌ كان مُفْلِسًا فَتَرَكَهُ أو أَرَادَ الْغُرَمَاءُ أَخْذَهُ أو غير مُفْلِسٍ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ فَلَا أُجْبِرُهُ على مِلْكِ ما لَا يَشَاءُ إلَّا الْمِيرَاثَ فإنه لو وَرِثَ شيئا فَرَدَّهُ لم يَكُنْ له وكان لِلْغُرَمَاءِ أَخْذُهُ كما يَأْخُذُونَ سَائِرَ مَالِهِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إجَازَةُ الْبَيْعِ وَرَدُّهُ في أَيَّامِ الْخِيَارِ أَحَبَّ ذلك الْغُرَمَاءُ أو كَرِهُوا لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ على عَيْنٍ فيها خِيَارٌ قال وَلَوْ أَسْلَفَ رَجُلٌ في طَعَامٍ أو غَيْرِهِ بِصِفَةٍ فَحَلَّتْ وَفَلِسَ فَأَرَادَ أَخْذَهُ دُونَ الصِّفَةِ لم يَكُنْ له إذَا لم يَرْضَ ذلك الْغُرَمَاءُ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ ما لم يَشْتَرِ قال وَلَوْ أَعْطَى خَيْرًا مِمَّا سَلَّفَ عليه فَإِنْ كان من غَيْرِ جِنْسِ ما سَلَّفَ عليه لم يَكُنْ عليه أَخْذُهُ وَإِنْ أَرَادَ ذلك الْغُرَمَاءُ لِأَنَّ الْفَضْلَ هِبَةٌ وَلَيْسَ عليه أَنْ يَتَّهِبَ وَلَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا من الْغَرِيمِ ما عليه بِعَيْنِهِ وَإِنْ كان من جِنْسِ ما سَلَّفَ عليه لَزِمَهُ أَخْذُهُ إذَا رضي ذلك الْغُرَمَاءُ وَإِنْ كَرِهَ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عليه في الزِّيَادَةِ وَذَلِكَ في الْعَبِيدِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّا لَا تَكُونُ الزِّيَادَةُ مُخَالِفَةً غير الزِّيَادَةِ خِلَافًا لَا تَصْلُحُ الزِّيَادَةُ لِمَا يَصْلُحُ له النَّقْصُ - * بَابٌ كَيْفَ ما يُبَاعُ من مَالِ الْمُفْلِسِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ إذَا أَمَرَ بِالْبَيْعِ على الْمُفْلِسِ أَنْ يَجْعَلَ أَمِينًا يَبِيعُ عليه وَيَأْمُرَ الْمُفْلِسَ بِحُضُورِ الْبَيْعِ أو التَّوْكِيلِ بِحُضُورِهِ إنْ شَاءَ وَيَأْمُرَ بِذَلِكَ من حَضَرَ من الْغُرَمَاءِ فَإِنْ تَرَكَ ذلك الْمَبِيعُ عليه وَالْمَبِيعُ له أو بَعْضُهُمْ بَاعَ الْأَمِينُ وما يُبَاعُ من مَالِ ذِي الدَّيْنِ ضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا مَرْهُونٌ قبل أَنْ يُقَامَ عليه وَالْآخَرُ غَيْرُ مَرْهُونٍ فإذا بَاعَ الْمَرْهُونَ من مَالِهِ دَفَعَ ثَمَنَهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ سَاعَةَ يَبِيعُهُ إذَا كان قد أَثْبَتَ رَهْنَهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَحَلَفَ على ثُبُوتِ حَقِّهِ فَإِنْ فَضَلَ عن رَهْنِهِ شَيْءٌ وَقَفَهُ وَجَمِيعُ ما بَاعَ مِمَّا ليس بِرَهْنٍ حتى يَجْتَمِعَ مَالُهُ وَغُرَمَاؤُهُ فَيُفَرَّقَ عليهم قال وإذا بَاعَ لرجل ( ( ( الرجل ) ) ) رَهْنَهُ فَعَجَزَ عن مَبْلَغِ حَقِّهِ دَفَعَ إلَيْهِ ما نَقَصَ من ثَمَنِ رَهْنِهِ وكان فِيمَا بَقِيَ من حَقِّهِ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ وَلَوْ كان ذُو الدَّيْنِ رَهَنَ غَرِيمَهُ رَهْنًا فلم يَقْبِضْهُ الْمُرْتَهِنُ حتى قام عليه الْغُرَمَاءُ كان الرَّهْنُ مَفْسُوخًا وكان الْغُرَمَاءُ فيه أُسْوَةً وَكَذَلِكَ لو رَهَنَهُ رَهْنًا وَقَبَضَهُ ثُمَّ فَسَخَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ أو رَهَنَهُ رَهْنًا فَاسِدًا بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ لم يَكُنْ رَهْنًا وكان فيه أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ وَلَوْ رَهَنَهُ رَجُلَيْنِ مَعًا كَانَا كَالرَّجُلِ الْوَاحِدِ وَلَوْ رَهَنَهُ رَجُلًا فَقَبَضَهُ ثُمَّ رَهَنَهُ آخَرَ بَعْدَهُ فَأَعْطَى الْأَوَّلَ جَمِيعَ حَقِّهِ وَبَقِيَتْ من ثَمَنِ الرَّهْنِ بَقِيَّةٌ لم يَكُنْ لِلْآخَرِ فيها إلَّا ما لِسَائِرِ الْغُرَمَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ له أَنْ يَرْهَنَ الْآخَرَ شيئا قد رَهَنَهُ فَصَارَ غير جَائِزٍ لِأَمْرٍ فيه قال وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَهْنًا فلم يَقْبِضْهُ الْمُرْتَهِنُ وَأَفْلَسَ الرَّجُلُ الرَّاهِنُ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ وَكُلُّ رَهْنٍ مَفْسُوخٍ بِوَجْهٍ فَهُوَ مَالٌ من مَالِ الْمُفْلِسِ ليس أَحَدٌ من غُرَمَائِهِ أَحَقَّ بِهِ من أَحَدِهِمْ فيه مَعًا أُسْوَةٌ قال وَلَا يَجُوزُ رَهْنُ الثَّمَرِ في رؤوس النَّخْلِ وَلَا الزَّرْعِ قَائِمًا لِأَنَّهُ لَا يُقْبَضُ وَلَا يُعْرَفُ وَيَجُوزُ بَعْدَ ما يُجَدُّ وَيُحْصَدُ فَيُقْبَضُ - * بَابُ ما جاء فِيمَا يُجْمَعُ مِمَّا يُبَاعُ من مَالِ صَاحِبِ الدَّيْنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَأْمُرَ من يَبِيعُ مَالَ الْغَرِيمِ حتى يُحْضِرَهُ وَيُحْضِرَ من حَضَرَ من غُرَمَائِهِ فَيَسْأَلُهُمْ فيقول ارْتَضُوا بِمَنْ أَضَعُ ثَمَنَ ما بِعْتُ على غَرِيمِكُمْ لَكُمْ حتى أُفَرِّقَهُ عَلَيْكُمْ وَعَلَى غَرِيمٍ إنْ كان له حَقٌّ مَعَكُمْ فَإِنْ اجْتَمَعُوا على ثِقَةٍ لم يَعْدُهُ وَإِنْ اجْتَمَعُوا على غَيْرِ ثِقَةٍ لم يَقْبَلْهُ لِأَنَّ عليه أَنْ لَا يُوَلِّيَ إلَّا ثِقَةً لِأَنَّ ذلك مَالُ الْغَرِيمِ حتى يَقْضِيَ عنه وَلَوْ فَضَلَ منه فَضْلٌ كان له وَلَوْ كان فيه نَقْصٌ كان عليه وَلَعَلَّهُ يَطْرَأُ عليه دَيْنٌ لِغَيْرِهِمْ كَبَعْضِ من لم يَرْضَ بهذا الْمَوْضُوعِ على يَدَيْهِ وَإِنْ تَفَرَّقُوا فَدَعَوْا إلَى ثِقَتَيْنِ ضَمَّهُمَا قال وَكَذَلِكَ أَكْثَرُ إذَا قَبِلُوا ولم يَكُنْ منهم أَحَدٌ
____________________

(3/208)


يَطْلُبُ على ذلك جُعْلًا وَإِنْ طَلَبُوا جُعْلًا جَعَلَهُ إلَى وَاحِدٍ لِيَكُونَ أَقَلَّ في الْجُعْلِ وكان عليه أَنْ يَخْتَارَ خَيْرَهُمْ لهم وَلِغَائِبٍ إنْ كان مَعَهُمْ وَيَقُولُ لِلْغُرَمَاءِ أَحْضِرُوهُ فَأَحْصُوا أو وَكِّلُوا من شِئْتُمْ وَيَقُولُ ذلك لِلَّذِي عليه الدَّيْنُ وَيَطْلُبُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْضُوعُ على يَدَيْهِ الْمَالُ ضَامِنًا بِأَنْ يُسَلِّفَهُ سَلَفًا حَالًّا فَإِنْ فَعَلَ لم يَجْعَلْهُ أَمَانَةً وهو يَجِدُ السَّبِيلَ إلَى أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا وَإِنْ وَجَدَ ثِقَةً مَلِيًّا يُضَمِّنُهُ وَوَجَدَ أَوْثَقَ منه لَا يُضَمِّنُهُ دَفَعَهُ إلَى الذي ضَمِنَهُ وَإِنْ لم يَدْعُوا إلَى أَحَدٍ أو دَعَوْا إلَى غَيْرِ ثِقَةٍ اخْتَارَ لهم قال وَأَحَبُّ إلَيَّ فِيمَنْ وَلِيَ هذا أَنْ يُرْزَقَ من بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ لم يَكُنْ لم يَجْعَلْ له شيئا حتى يُشَارِطُوهُ هُمْ فَإِنْ لم يَتَّفِقُوا اجْتَهَدَ لهم فلم يُعْطِهِ شيئا وهو يَجِدُ ثِقَةً يَقْبَلُ أَقَلَّ منه وَهَكَذَا يقول لهم فِيمَنْ يَصِيحُ على ما يُبَاعُ عليه بِمَنْ يَزِيدُ وفي أَحَدٍ إنْ كَالَ منه طَعَامًا أو نَقَلَهُ إلَى مَوْضِعٍ بِسُوقٍ وَكُلُّ ما فيه صَلَاحُ الْمَبِيعِ إنْ جاء رَبُّ الْمَالِ أو هُمْ بِمَنْ يَكْفِي ذلك لم يَدْخُلْ عليهم غَيْرُهُمْ وَإِنْ لم يَأْتُوا اسْتَأْجَرَ عليه من يَكْفِيهِ بِأَقَلَّ ما يَجِدُ وإذا بِيعَ مَالُ الْمُفْلِسِ لِغَرِيمٍ بِعَيْنِهِ أو غُرَمَاءَ بِأَعْيَانِهِمْ فَسَوَاءٌ هُمْ وَمَنْ ثَبَتَ مَعَهُمْ حَقًّا عليه قبل أَنْ يَقْسِمَ الْمَالَ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَدْفَعَ من مَالِهِ شيئا إلَى من اشْتَرَاهُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَقْبِضَ منه الثَّمَنَ وَإِنْ وَقَفَ على يَدَيْ عَدْلٍ أو يَدَيْ الْبَائِعِ حتى يَأْتِيَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ فَهَلَكَ فَمِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ لَا يَضْمَنُهُ الْمُشْتَرِي حتى يَقْبِضَهُ فَإِنْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي مَكَانَهُ ولم يَعْلَمْ الْبَائِعُ ثُمَّ هَرَبَ أو اسْتَهْلَكَهُ فَأَفْلَسَ فَذَلِكَ من مَالِ الْمُفْلِسِ لَا من مَالِ أَهْلِ الدَّيْنِ وَكَذَلِكَ إنْ قَبَضَ الْعَدْلُ ثَمَنَ ما اشْتَرَى أو بَعْضَهُ فلم يَدْفَعْهُ إلَى الْغُرَمَاءِ حتى هَلَكَ فَمِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ لَا يَكُونُ من مَالِ الْغُرَمَاءِ حتى يَقْبِضُوهُ وَالْعُهْدَةُ فِيمَا بَاعَ على الْمُفْلِسِ لِأَنَّهُ بِيعَ له مِلْكُهُ في حَقٍّ لَزِمَهُ فَهُوَ بَيْعٌ له وَعَلَيْهِ وَأَحَقُّ الناس بِأَنْ تَكُونَ الْعُهْدَةُ عليه مَالِكُ الْمَالِ الْمَبِيعِ وَلَا يَضْمَنُ الْقَاضِي وَلَا أَمِينُهُ شيئا وَلَا عُهْدَةَ عَلَيْهِمَا وَلَا على وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنْ بِيعَ لِلْغَرِيمِ من مَالِ الْمُفْلِسِ شَيْءٌ ثُمَّ اسْتَحَقَّ رَجَعَ بِهِ في مَالِ الْمُفْلِسِ - * بَابُ ما جاء في الْعُهْدَةِ في مَالِ الْمُفْلِسِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ من بِيعَ عليه مَالٌ من مَالِهِ في دَيْنٍ بَعْدَ مَوْتِهِ أو قَبْلَهُ أو في تَفْلِيسِهِ أو بَاعَهُ هو فَكُلُّهُ سَوَاءٌ لَا نَرَاهُ لِمَنْ بَاعَ لِلْمَيِّتِ إلا كهى لِمَنْ بَاعَ لِحَيٍّ وَالْعُهْدَةُ في مَالِ الْمَيِّتِ كهى في مَالِ الْحَيِّ لَا اخْتِلَافَ في ذلك عِنْدِي وَلَوْ مَاتَ رَجُلٌ أو أَفْلَسَ وَعَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَتَرَكَ دَارًا فَبِيعَتْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَبَضَ أَمِينُ الْقَاضِي الْأَلْفَ فَهَلَكَتْ من يَدِهِ وَاسْتُحِقَّتْ الدَّارُ فَلَا عُهْدَةَ على الْغَرِيمِ الذي بَاعَهَا له وَالْعُهْدَةُ على الْمَيِّتِ الْمَبِيعِ عليه أو الْمُفْلِسِ فَإِنْ وُجِدَ لِلْمَيِّتِ أو الْمُفْلِسِ مَالٌ بِيعَ ثُمَّ رُدَّ على الْمُشْتَرِي الْمُعْطِي الْأَلْفَ أَلْفُهُ لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ منه بِبَيْعٍ لم يُسَلَّمْ له وَأَعْطَى الْغُرَمَاءَ حُقُوقَهُمْ وَإِنْ لم يُوجَدْ له شَيْءٌ فَلَا ضَمَانَ على الْقَاضِي وَلَا أَمِينِهِ وَتَرْجِعُ الدَّارُ إلَى الذي اسْتَحَقَّهَا وَيُقَالُ لِلْمُشْتَرِي الدَّارَ قد هَلَكَتْ أَلْفُك فَأَنْتَ غَرِيمٌ لِلْمَيِّتِ وَالْمُفْلِسِ مَتَى ما وَجَدْتُ له مَالًا أَخَذْتهَا وَيُقَالُ لِلْغَرِيمِ لم تَسْتَوْفِ فَلَا عُهْدَةَ عَلَيْك فَمَتَى وَجَدْتُ لِلْمَيِّتِ مَالًا أَعْطَيْنَاك منه وإذا وَجَدْتُمَاهُ تَحَاصَصْتُمَا فيه لَا يُقَدَّمُ مِنْكُمَا وَاحِدٌ على صَاحِبِهِ - * بَابُ ما جاء في التَّأَنِّي بِمَالِ الْمُفْلِسِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ الْحَيَوَانُ أَوْلَى مَالِ الْمُفْلِسِ وَالْمَيِّتِ عليه الدَّيْنُ أَنْ يَبْدَأَ بِهِ وَيُعَجِّلَ بِبَيْعِهِ وَإِنْ كان بِبِلَادٍ جَامِعَةٍ لم يَتَأَنَّ بِهِ أَكْثَرَ من ثَلَاثٍ وَلَا يَبْلُغُ بِهِ أَنَاةَ ثَلَاثٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَهْلُ الْعِلْمِ قد يَرَوْنَ أَنَّهُ إنْ تُؤَنَّى بِهِ ثَلَاثٌ بَلَغَ أَكْثَرَ مِمَّا يَبْلُغُ في يَوْمٍ أو اثْنَيْنِ وَإِنْ كان ذلك في بَعْضِ الْحَيَوَانِ دُونَ بَعْضٍ تُؤَنَّى بِمَا كان ذلك فيه ثَلَاثٌ دُونَ
____________________

(3/209)


ما ليس ذلك فيه وَيُنْفِقُ عليه من مَالِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ صَلَاحٌ له كما يعطي في الْقِيَامِ عليه من مَالِ الْمَيِّتِ قال وَيَتَأَنَّى بِالْمَسَاكِنِ بِقَدْرِ ما يَرَى أَهْلُ الْبَصَرِ بها أَنْ قد بَلَغَتْ أَثْمَانَهَا أو قَارَبَتْهَا أو تَنَاهَتْ زِيَادَتُهَا على قَدْرِ مَوَاضِعِ الْمَسَاكِنِ وَارْتِفَاعِهَا وَيَتَأَنَّى بِالْأَرْضِينَ وَالْعُيُونِ وَغَيْرِهَا بِقَدْرِ ما وَصَفْتُ مِمَّا يَرَى أَهْلُ الرَّأْيِ أَنَّهُ قد اسْتَوْفَى بها أو قُورِبَ أو تَنَاهَتْ زِيَادَتُهَا وما ارْتَفَعَ منها تُؤَنَّى بِهِ أَكْثَرَ وَإِنْ كان أَهْلُ بَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِهِ إذَا عَلِمُوا زَادُوا فيه تُؤَنَّى بِهِ إلَى عِلْمِ أَهْلِ ذلك الْبَلَدِ وإذا بَاعَ الْقَاضِي على الْمَيِّتِ أو الْمُفْلِسِ وَفَارَقَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ من مَقَامِهِمَا الذي تَبَايَعَا فيه ثُمَّ زِيدَ لم يَكُنْ له رَدُّ ذلك الْبَيْعِ إلَّا بِطِيبِ نَفْسِ الْمُشْتَرِي وَأُحِبُّ لِلْمُشْتَرِي لو رَدَّهُ أو زَادَ وَلَيْسَ ذلك بِوَاجِبٍ عليه وَلِلْقَاضِي طَلَبُ ذلك إلَيْهِ فَإِنْ لم يَفْعَلْ لم يَظْلِمْهُ وَأَنْفَذَهُ له وَالْبَيْعُ على الْمَيِّتِ وَالْمُفْلِسِ في شَرْطِ الْخِيَارِ وَغَيْرِهِ وفى الْعُهْدَةِ كَبَيْعِ الرَّجُلِ مَالَ نَفْسِهِ لَا يَفْتَرِقُ - * بَابُ ما جاء في شِرَاءِ الرَّجُلِ وَبَيْعِهِ وَعِتْقِهِ وَإِقْرَارِهِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ شِرَاءُ الرَّجُلِ وَبَيْعُهُ وَعِتْقُهُ وَإِقْرَارُهُ وَقَضَاؤُهُ بَعْضَ غُرَمَائِهِ دُونَ بَعْضٍ جَائِزٌ كُلُّهُ عليه مُفْلِسًا كان أو غير مُفْلِسٍ وَذَا دَيْنٍ كان أو غير ذِي دَيْنٍ في إجَازَةِ عِتْقِهِ وَبَيْعِهِ لَا يُرَدُّ من ذلك شَيْءٌ وَلَا مِمَّا فَضَلَ منه وَلَا إذَا قام الْغُرَمَاءُ عليه حتى يُصَيِّرُوهُ إلَى الْقَاضِي وَيَنْبَغِي إذَا صَيَّرُوهُ إلَى الْقَاضِي أَنْ يَشْهَدَ على أَنَّهُ قد أَوْقَفَ مَالَهُ عنه فإذا فَعَلَ لم يَجُزْ له حِينَئِذٍ أَنْ يَبِيعَ من مَالِهِ وَلَا يَهَبَ وَلَا يُتْلِفَ وما فَعَلَ من هذا فَفِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَوْقُوفٌ فَإِنْ قَضَى دَيْنَهُ وَفَضَلَ له فَضْلٌ أَجَازَ ما صَنَعَ من ذلك الْفَضْلِ لِأَنَّ وَقْفَهُ ليس بِوَقْفِ حَجْرٍ إنَّمَا هو وَقْفٌ كَوَقْفِ مَالِ الْمَرِيضِ فإذا صَحَّ ذَهَبَ الْوَقْفُ عنه فَكَذَلِكَ هذا إذَا قَضَى دَيْنَهُ ذَهَبَ الْوَقْفُ عنه وَالثَّانِي أَنَّ ما صَنَعَ من هذا بَاطِلٌ لِأَنَّهُ قد مَنَعَ مَالَهُ وَالْحُكْمَ فيه قال وَلَا يَمْنَعُهُ حتى يَقْسِمَ مَالَهُ نَفَقَتَهُ وَنَفَقَةَ أَهْلِهِ وإذا بَاعَ تَرَكَ له وَلِأَهْلِهِ قُوتَ يَوْمِهِمْ وَيُكَفَّنُ هو وَمَنْ يَلْزَمُهُ أَنْ يُكَفِّنَهُ إنْ مَاتَ أو مَاتُوا من رَأْسِ مَالِهِ بِمَا يُكَفَّنُ بِهِ مِثْلُهُ قال وَيَجُوزُ له ما صَنَعَ في مَالِهِ بَعْدَ رَفْعِهِ إلَى الْقَاضِي حتى يَقِفَ الْقَاضِي مَالَهُ وإذا أَقَرَّ الرَّجُلُ بَعْدَ وَقْفِ الْقَاضِي مَالَهُ بِدَيْنٍ لِرَجُلٍ أو حَقٍّ من وَجْهٍ من الْوُجُوهِ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَزِمَهُ في مَرَضِهِ فَيَدْخُلُ الْمُقَرُّ له مع أَهْلِ الدَّيْنِ الَّذِينَ أَقَرَّ لهم في الصِّحَّةِ وَكَانَتْ لهم بَيِّنَةٌ فَهَذَا يَحْتَمِلُ الْقِيَاسَ وَيَدْخُلُهُ أَنَّهُ لو أَقَرَّ بِشَيْءٍ مِمَّا عَرَفَ له أَنَّهُ لِأَجْنَبِيٍّ غَصَبَهُ إيَّاهُ أو أَوْدَعَهُ أو كان له بِوَجْهٍ لَزِمَهُ الْإِقْرَارُ وَمَنْ قال هذا قَالَهُ في كل من وُقِفَ مَالُهُ وَأَجَازَ عليه ما أَقَرَّ بِهِ مِمَّا في يَدَيْهِ وَغَيْرِ ذلك في حَالِهِ تِلْكَ كما يُجِيزُهُ في الْحَالِ قَبْلَهَا وَبِهِ أَقُولُ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ إنْ أَقَرَّ بِحَقٍّ لَزِمَهُ بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ في شَيْءٍ في ذِمَّتِهِ أو في شَيْءٍ مِمَّا في يَدَيْهِ جَعَلَ إقْرَارَهُ لَازِمًا له في مَالٍ إنْ حَدَثَ له بَعْدَ هذا وَأَحْسَنُ ما يُحْتَجُّ بِهِ من قال هذا أَنْ يَقُولَ وَقْفِي ما له هذا في حَالِهِ هذه لِغُرَمَائِهِ كَرَهْنِهِ مَالَهُ لهم فَيَبْدَءُونَ فَيُعْطَوْنَ حُقُوقَهُمْ فَإِنْ فَضَلَ فَضْلٌ كان لِمَنْ أَقَرَّ له وَإِنْ لم يَفْضُلْ فَضْلٌ كان مَالُهُمْ في ذِمَّتِهِ وَيَدْخُلُ هذا الْقَوْلَ أَمْرٌ يَتَفَاحَشُ من أَنَّهُ ليس بِقِيَاسٍ على الْمَرِيضِ يُوقَفُ مَالُهُ وَلَا على الْمَحْجُورِ فَيَبْطُلُ إقْرَارُهُ بِكُلِّ حَالٍ وَيَدْخُلُهُ أَنَّ الرَّهْنَ لَا يَكُونُ إلَّا مَعْرُوفًا بِمَعْرُوفٍ وَيَدْخُلُ هذا أَنَّهُ مَجْهُولٌ لِأَنَّ من جَاءَهُ من غُرَمَائِهِ أَدْخَلَهُ في مَالِهِ وما وَجَدَ له من مَالٍ لَا يَعْرِفُهُ وَلَا غُرَمَاؤُهُ أَعْطَاهُ غُرَمَاءَهُ وَيَدْخُلُهُ أَنَّ رَجُلًا لو كان مَشْهُودًا عليه بِالْفَقْرِ وكان صَائِغًا أو غَسَّالًا مُفْلِسًا وفي يَدِهِ حُلِيٌّ ثَمَنُ مَالٍ وَثِيَابٌ ثَمَنُ مَالٍ جَعَلْتُ الثِّيَابَ وَالْحُلِيَّ له حتى يوفى غُرَمَاءَهُ حُقُوقَهُمْ وَيَدْخُلُ على من قال هذا أَنْ يَزْعُمَ هذا في دَلَّالَةٍ يُوضَعُ على يَدَيْهَا الْجَوَارِي ثَمَنُ أُلُوفٍ دَنَانِيرَ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ أنها لَا تَمْلِكُ كَبِيرَ شَيْءٍ فَتُفْلِسُ يَجْعَلُ لها الْجَوَارِيَ وَيَبِيعُهُنَّ عليها وَيَدْخُلُ عليه أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ الرَّجُلَ يَمْلِكُ ما في يَدَيْهِ وَإِنْ لم يَدَّعِهِ وَلَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ هذا أَحَدٌ
____________________

(3/210)


فَإِنْ ذَهَبَ رَجُلٌ إلَى أَنْ يَتْرُكَ بَعْضَ هذا تَرَكَ الْقِيَاسَ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ ثُمَّ لَعَلَّهُ يَلْزَمُهُ لو بِيعَ عليه عَبْدٌ فذكر أَنَّهُ أَبَقَ فقال الْغُرَمَاءُ أَرَادَ كَسْرَهُ لم يُقْبَلْ قَوْلُهُ فَيُبَاعُ مَالُهُ وَعَلَيْهِ عُهْدَتُهُ وَلَا يُصَدَّقُ في قَوْلِهِ وَهَذَا الْقَوْلُ مَدْخُولٌ كَثِيرُ الدَّخْلِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ قَوْلِي وَأَسْأَلُ اللَّهَ عز وجل التَّوْفِيقَ وَالْخِيَرَةَ بِرَحْمَتِهِ - * بَابُ ما جاء في هِبَةِ الْمُفْلِسِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا وَهَبَ الرَّجُلُ هِبَةً لِرَجُلٍ على أَنْ يُثِيبَهُ فَقَبِلَ الْمَوْهُوبُ له وَقَبَضَ ثُمَّ أَفْلَسَ بَعْدَ الْهِبَةِ قبل أَنْ يُثِيبَهُ فَمَنْ أَجَازَ الْهِبَةَ على الثَّوَابِ خَيَّرَ الْمَوْهُوبَ له بين أَنْ يُثِيبَهُ أو يَرُدَّ عليه هِبَتَهُ إنْ كانت قَائِمَةً بِعَيْنِهَا لم تُنْتَقَصْ ثُمَّ جَعَلَ لِلْوَاهِبِ الْخِيَارَ في الثَّوَابِ فَإِنْ أَثَابَهُ قِيمَتَهَا أو أَضْعَافَ قِيمَتِهَا فلم يَرْضَ جَعَلَ له أَنْ يَرْجِعَ في هِبَتِهِ وَتَكُونَ لِلْغُرَمَاءِ وَإِنْ أَثَابَهُ أَقَلَّ من قِيمَتِهَا فَرَضِيَ أَجَازَ رِضَاهُ وَإِنْ كَرِهَ ذلك الْغُرَمَاءُ ( قال الرَّبِيعُ ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ إذَا وَهَبَ فَالْهِبَةُ بَاطِلَةٌ من قِبَلِ أَنَّهُ لم يَرْضَ أَنْ يُعْطِيَهُ إلَّا بِالْعِوَضِ فلما كان الْعِوَضُ مَجْهُولًا كانت الْهِبَةُ بَاطِلَةً كما لو بَاعَهُ بِثَمَنٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ كان الْبَيْعُ بَاطِلًا فَهَذَا مَلَكَهُ بِعِوَضٍ وَالْعِوَضُ مَجْهُولٌ فَكَانَ بِالْبَيْعِ أَشْبَهَ من قِبَلِ أَنَّ الْبَيْعَ بِعِوَضٍ وَهَذَا بِعِوَضٍ فلما كان مَجْهُولًا بَطَلَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ فَاتَتْ الْهِبَةُ في يَدَيْ الْمَوْهُوبَةِ له فما أَثَابَهُ فَرَضِيَ بِهِ فَجَائِزٌ وَإِنْ لم يَرْضَ فَلَهُ قِيمَةُ هِبَتِهِ وَلَوْ وَهَبَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ هِبَةً لِيُثِيبَهُ الْمَوْهُوبَةَ له ثُمَّ أَفْلَسَ الْوَاهِبُ وَالْهِبَةُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا فَمَنْ جَعَلَهُ على هِبَتِهِ أو يُثَابُ منها كان الثَّوَابُ إلَى الْوَاهِبِ فَإِنْ رضي بِقَلِيلٍ وَكَرِهَ ذلك غُرَمَاؤُهُ جَازَ عليهم وَكَذَلِكَ لو رضي تَرْكَ الثَّوَابَ وقال لم أَهَبْهَا لِلثَّوَابِ وَإِنْ لم يَرْضَ بِقِيمَتِهَا كان على هِبَتِهِ سَوَاءٌ نَقَصَتْ الْهِبَةُ أو زَادَتْ وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ ليس له أَنْ يَرْجِعَ فيها وَإِنْ فَاتَتْ بِمَوْتٍ أو بَيْعٍ أو عِتْقٍ فَلَا شَيْءَ لِلْوَاهِبِ لِأَنَّهُ مَلَّكَهُ إيَّاهَا ولم يَشْتَرِطْ عليه شيئا وإذا كان على هِبَتِهِ فَفَاتَتْ فَلَا شَيْءَ له لِأَنَّ الذي قد كان له قد فَاتَ وَلَا يُضْمَنُ له شَيْءٌ بِعَيْنِهِ كما يَكُونُ على شُفْعَتِهِ فَتَتْلَفُ الشُّفْعَةُ فَلَا يَكُونُ له شَيْءٌ
____________________

(3/211)


- * بَابُ حُلُولِ دَيْنِ الْمَيِّتِ وَالدَّيْنِ عليه - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا مَاتَ الرَّجُلُ وَلَهُ على الناس دُيُونٌ إلَى أَجَلٍ فَهِيَ إلَى أَجَلِهَا لَا تَحِلُّ بِمَوْتِهِ وَلَوْ كانت الدُّيُونُ على الْمَيِّتِ إلَى أَجَلٍ فلم أَعْلَمْ مُخَالِفًا حفظت عنه مِمَّنْ لَقِيتُ بِأَنَّهَا حَالَّةٌ يَتَحَاصُّ فيها الْغُرَمَاءُ فَإِنْ فَضَلَ فَضْلٌ كان لِأَهْلِ الْمِيرَاثِ ووصايا ( ( ( ووصاياه ) ) ) إنْ كانت له قال وَيُشْبِهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ من حُجَّةِ من قال هذا الْقَوْلَ مع تَتَابُعِهِمْ عليه أَنْ يَقُولُوا لَمَّا كان غُرَمَاءُ الْمَيِّتِ أَحَقَّ بِمَالِهِ في حَيَاتِهِ منه كَانُوا أَحَقَّ بِمَالِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ من وَرَثَتِهِ فَلَوْ تَرَكْنَا دُيُونَهُمْ إلَى حُلُولِهَا كما يَدَعُهَا في الْحَيَاةِ كنا مَنَعْنَا الْمَيِّتَ أَنْ تَبْرَأَ ذِمَّتُهُ وَمَنَعْنَا الْوَارِثَ أَنْ يَأْخُذَ الْفَضْلَ عن دَيْنِ غَرِيمِ أبيه وَلَعَلَّ من حُجَّتِهِمْ أَنْ يَقُولُوا إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حتى يُقْضَى عنه دَيْنُهُ ( أخبرنا ) إبْرَاهِيمُ بن سَعْدٍ عن أبيه عن عُمَرَ بن أبي سَلَمَةَ عن أبيه عن أبي هُرَيْرَةَ قال قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حتى يُقْضَى عنه دَيْنُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فلما كان كَفَنُهُ من رَأْسِ مَالِهِ دُونَ غُرَمَائِهِ وَنَفْسُهُ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ وكان الْمَالُ مِلْكًا له أَشْبَهَ أَنْ يُجْعَلَ قَضَاءَ دَيْنِهِ لِأَنَّ نَفْسَهُ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ ولم يَجُزْ أَنْ يَكُونَ مَالُ الْمَيِّتِ زَائِلًا عنه فَلَا يَصِيرُ إلَى غُرَمَائِهِ وَلَا إلَى وَرَثَتِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَرَثَتُهُ دُونَ غُرَمَائِهِ وَلَوْ وَقَفَ إلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ عَلَّقَ رُوحَهُ بِدَيْنِهِ وكان مَالُهُ مُعَرَّضًا أَنْ يَهْلِكَ فَلَا يُؤَدِّي عن ذِمَّتِهِ وَلَا يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ فلم يَكُنْ فيه مَنْزِلَةٌ أَوْلَى من أَنْ يَحِلَّ دَيْنُهُ ثُمَّ يعطي ما بَقِيَ وَرَثَتُهُ - * بَابُ ما حَلَّ من دَيْنِ الْمُفْلِسِ وما لم يَحِلَّ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَفْلَسَ الرَّجُلُ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ إلَى أَجَلٍ فَقَدْ ذَهَبَ غَيْرُ وَاحِدٍ من الْمُفْتِينَ مِمَّنْ حَفِظْتُ عنه إلَى أَنَّ دُيُونَهُ التي إلَى أَجَلٍ حَالَّةً حُلُولَ دَيْنِ الْمَيِّتِ وَهَذَا قَوْلٌ يَتَوَجَّهُ من أَنَّ مَالَهُ وُقِفَ وَقْفَ مَالِ الْمَيِّتِ وَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَقْضِيَ من شَاءَ وَيَدْخُلُ في هذا أَنَّهُمْ إذَا حَكَمُوا له حُكْمَ الْمَيِّتِ انْبَغَى أَنْ يُدْخِلُوا من أَقَرَّ له بِشَيْءٍ مع غُرَمَائِهِ وَكَذَلِكَ يُخْرِجُونَ من يَدَيْهِ ما أَقَرَّ بِهِ لِرَجُلٍ كما يَصْنَعُونَ ذلك بِالْمَرِيضِ يُقِرُّ ثُمَّ يَمُوتُ وقد يَحْتَمِلُ أَنْ يُبَاعَ لِمَنْ حَلَّ دَيْنُهُ وَيُؤَخِّرَ الَّذِينَ دُيُونُهُمْ مُتَأَخِّرَةٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَيِّتٍ فإنه قد يَمْلِكُ وَالْمَيِّتُ لَا يَمْلِكُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قال وما كان لِلْمَيِّتِ من دَيْنٍ على الناس فَهُوَ إلَى أَجَلِهِ لَا يَحِلُّ مَالُهُ بِمَوْتِهِ وَلَا بِتَفْلِيسِهِ - * بَابُ ما جاء في حَبْسِ الْمُفْلِسِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان لِلرَّجُلِ مَالٌ يُرَى في يَدَيْهِ وَيَظْهَرُ منه شَيْءٌ ثُمَّ قام أَهْلُ الدَّيْنِ عليه فَأَثْبَتُوا حُقُوقَهُمْ فَإِنْ أَخْرَجَ مَالًا أو وُجِدَ له ظَاهِرٌ يَبْلُغُ حُقُوقَهُمْ أُعْطُوا حُقُوقَهُمْ ولم يُحْبَسْ وَإِنْ لم يَظْهَرْ له مَالٌ ولم يُوجَدْ له ما يَبْلُغُ حُقُوقَهُمْ حُبِسَ وَبِيعَ في مَالِهِ ما قُدِرَ عليه من شَيْءٍ فَإِنْ ذَكَرَ حَاجَةً دعى ( ( ( دعا ) ) ) بِالْبَيِّنَةِ عليها واقبل منه الْبَيِّنَةَ على الْحَاجَةِ وَأَنْ لَا شَيْءَ له إذَا كَانُوا عُدُولًا خَابِرِينَ بِهِ قبل الْحَبْسِ وَلَا أَحْبِسُهُ وَيَوْمَ أَحْبِسُهُ وَبَعْدَ مُدَّةٍ اقامها في الْحَبْسِ وَأُحَلِّفُهُ مع ذلك كُلِّهِ بِاَللَّهِ ما يَمْلِكُ وَلَا يَجِدُ لِغُرَمَائِهِ قَضَاءً في نَقْدٍ وَلَا عَرَضٍ وَلَا بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ ثُمَّ أُخَلِّيهِ وَأَمْنَعُ غُرَمَاءَهُ من لُزُومِهِ إذَا خَلَّيْتُهُ ثُمَّ لَا أُعِيدُهُ لهم إلَى حَبْسٍ حتى يَأْتُوا بِبَيِّنَةٍ أَنْ قد أَفَادَ مَالًا فَإِنْ جاؤوا بِبَيِّنَةٍ أَنْ قد ريء في يَدَيْهِ مَالٌ سَأَلْتُهُ فَإِنْ قال مَالُ مُضَارَبَةٍ لم أَعْمَلْ فيه أو عَمِلْتُ فيه فلم يَنِضَّ أو لم يَكُنْ لي فيه فَضْلٌ قَبِلْت ذلك منه وَأَحْلَفْتُهُ إنْ شاؤوا وَإِنْ جَحَدَ حَبَسْتُهُ أَيْضًا حتى يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ كما جاء بها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَأَحْلَفْتُهُ كما أَحَلَفْته فيها وَلَا أُحَلِّفُهُ في وَاحِدَةٍ من الْحَبْسَتَيْنِ حتى يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ وَأَسْأَلُ عنه أَهْلَ الْخِبْرَةِ بِهِ فَيُخْبِرُونِي بِحَاجَتِهِ وَلَا غَايَةَ لِحَبْسِهِ أَكْثَرَ من الْكَشْفِ عنه فَمَتَى
____________________

(3/212)


اسْتَقَرَّ عِنْدَ الْحَاكِمِ ما وَصَفْتُ لم يَكُنْ له حَبْسُهُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُغْفِلَ المسالة عنه قال وَجَمِيعُ ما لَزِمَهُ من وَجْهٍ من الْوُجُوهِ سَوَاءٌ من جِنَايَةٍ أو وَدِيعَةٍ أو تَعَدٍّ أو مُضَارَبَةٍ أو غَيْرِ ذلك يُحَاصُّونَ في مَالِهِ ما لم يَكُنْ لِرَجُلٍ منهم مَالٌ بِعَيْنِهِ فَيَأْخُذُهُ منه وَلَا يُشْرِكُهُ فيه غَيْرُهُ وَلَا يُؤْخَذُ الْحُرُّ في دَيْنٍ عليه إذَا لم يُوجَدْ له شَيْءٌ وَلَا يُحْبَسُ إذَا عُرِفَ أَنْ لَا شَيْءَ له لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل يقول { وَإِنْ كان ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ } وإذا حُبِسَ الْغَرِيمُ وَفَلِسَ وَأُحْلِفَ ثُمَّ حَضَرَ آخَرُ لم يَحْدُثْ له حَبْسٌ وَلَا يَمِينٌ إلَّا أَنْ يَحْدُثَ له يُسْرٌ بَعْدَ الْحَبْسِ فَيُحْبَسُ لِلثَّانِي وَالْأَوَّلِ وإذا حُبِسَ وَأُحْلِفَ وَفَلِسَ وخلى ثُمَّ أَفَادَ مَالًا جَازَ له فِيمَا أَفَادَ ما صَنَعَ من عِتْقٍ وَبَيْعٍ وَهِبَةٍ وَغَيْرِهِ حتى يُحْدِثَ له السُّلْطَانُ وَقْفًا آخَرَ لِأَنَّ الْوَقْفَ الْأَوَّلَ لم يَكُنْ وَقْفًا لِأَنَّهُ غَيْرُ رَشِيدٍ وَإِنَّمَا وَقَفَ لِيَمْنَعَهُ مَالَهُ وَيَقْسِمَهُ بين غُرَمَائِهِ فما أَفَادَ آخَرَ فَلَا وَقْفَ عليه وإذا فَلِسَ الرَّجُلُ وَعَلَيْهِ عُرُوضٌ مَوْصُوفَةٌ وَعَيْنٌ من بَيْعٍ وَسَلَفٍ وَجِنَايَةٍ وَمَهْرِ امْرَأَةٍ وَغَيْرِ ذلك مِمَّا لَزِمَهُ بِوَجْهٍ فَكُلُّهُ سَوَاءٌ يُحَاصُّ أَهْلَ الْعُرُوضِ بِقِيمَتِهَا يوم يُفْلِسُ فما أَصَابَهُمْ اشْتَرَى لهم بِهِ عرض ( ( ( عرضا ) ) ) من شَرْطِهِمْ فَإِنْ اسْتَوْفُوا حُقُوقَهُمْ فَذَاكَ وَإِنْ لم يَسْتَوْفُوا أو اسْتَوْفُوا أَنْصَافَهَا أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ ثُمَّ حَدَثَ له مَالٌ آخَرُ فَلِأَهْلِ الْعُرُوضِ أَنْ يُقَوَّمَ لهم ما بَقِيَ من عُرُوضِهِمْ عِنْدَ التَّفْلِيسَةِ الثَّانِيَةِ فَيَشْتَرِي لهم لِأَنَّ لهم أَنْ ياخذوا عُرُوضَهُمْ إذَا وَجَدُوا له مَالًا وَبَعْضَهَا إذَا لم يَجِدُوا كُلَّهَا إذَا وَجَدُوهُ - * بَابُ ما جاء في الْخِلَافِ في التَّفْلِيسِ - * قُلْت لِأَبِي عبد اللَّهِ هل خَالَفَك أَحَدٌ في التَّفْلِيسِ فقال نعم خَالَفَنَا بَعْضُ الناس في التَّفْلِيسِ فَزَعَمَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا بَاعَ السِّلْعَةَ من الرَّجُلِ بِنَقْدٍ أو إلَى أَجَلٍ وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ أَفْلَسَ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا فَهِيَ مَالٌ من مَالِ الْمُشْتَرِي يَكُونُ الْبَائِعُ فيها وَغَيْرُهُ من غُرَمَائِهِ سَوَاءً فقلت لِأَبِي عبد اللَّهِ وما احْتَجَّ بِهِ فقال قال لي قَائِلٌ منهم أرايت إذَا بَاعَ الرَّجُلُ أَمَةً وَدَفَعَهَا إلَى الْمُشْتَرِي أَمَا مَلَكَهَا الْمُشْتَرِي مِلْكًا صَحِيحًا يَحِلُّ له وَطْؤُهَا قلت بَلَى قال أَفَرَأَيْتَ لو وَطِئَهَا فَوَلَدَتْ له أو بَاعَهَا أو أَعْتَقَهَا أو تَصَدَّقَ بها ثُمَّ أَفْلَسَ أَتَرُدُّ من هذا شيئا وَتَجْعَلُهَا رَقِيقًا قلت لَا فقال لِأَنَّهُ مَلَكَهَا مِلْكًا صَحِيحًا قلت نعم قال فَكَيْفَ تَنْقُضُ الْمِلْكَ الصَّحِيحَ فَقُلْت نَقَضْته بِمَا لَا يَنْبَغِي لي وَلَا لَك وَلَا لِمُسْلِمٍ عَلِمَهُ إلَّا أَنْ يَنْقُضَهُ به قال وما هو قلت سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال أَفَرَأَيْتَ إنْ لم أُثْبِتْ لَك الْخَبَرَ قُلْت إذًا تَصِيرُ إلَى مَوْضِعِ الْجَهْلِ أو الْمُعَانَدَةِ قال إنَّمَا رَوَاهُ أبو هُرَيْرَةَ وَحْدَهُ فَقُلْت ما نَعْرِفُ فيه عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم رِوَايَةً إلَّا عن أبي هُرَيْرَةَ وَحْدَهُ وَإِنَّ في ذلك لَكِفَايَةً تَثْبُتُ بِمِثْلِهَا السُّنَّةُ قال أَفَتُوجِدُنَا أَنَّ الناس يُثْبِتُونَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ رِوَايَةً لم يَرْوِهَا غَيْرُهُ أو لِغَيْرِهِ قُلْت نعم قال واين هِيَ قُلْت قال أبو هُرَيْرَةَ قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ على عَمَّتِهَا وَلَا على خَالَتِهَا فَأَخَذْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ بِهِ ولم يَرْوِهِ أَحَدٌ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم تَثْبُتُ رِوَايَتُهُ غَيْرُهُ قال أَجَلْ وَلَكِنَّ الناس أَجْمَعُوا عليها فَقُلْت فَذَلِكَ أَوْجَبُ لِلْحُجَّةِ عَلَيْك أَنْ يَجْتَمِعَ الناس على حديث أبي هُرَيْرَةَ وَحْدَهُ وَلَا يَذْهَبُونَ فيه إلَى تَوْهِينِهِ بِأَنَّ اللَّهَ عز وجل يقول { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ } الْآيَةَ وقال { وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَرَاءَ ذَلِكُمْ } وَقُلْت له وَرَوَى أبو هُرَيْرَةَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ في إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا فَأَخَذْنَا بِحَدِيثِهِ كُلِّهِ وَأَخَذْت بِجُمْلَتِهِ فَقُلْت الْكَلْبُ يُنَجِّسُ الْمَاءَ الْقَلِيلَ إذَا وَلَغَ فيه ولم تُوهِنْهُ بِأَنَّ أَبَا قَتَادَةَ رَوَى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْهِرَّةِ أنها لَا تُنَجِّسُ الْمَاءَ وَنَحْنُ وَأَنْتَ نَقُولُ لَا تُؤْكَلُ الْهِرَّةُ فَتَجْعَلُ الْكَلْبَ قِيَاسًا عليها فَلَا تُنَجِّسُ الْمَاءَ بِوُلُوغِ الْكَلْبِ ولم يَرْوِهِ إلَّا أبو هُرَيْرَةَ فقال قَبِلْنَا هذا لِأَنَّ الناس قَبِلُوهُ قُلْت فإذا قَبِلُوهُ في مَوْضِعٍ وَمَوَاضِعَ وَجَبَ عَلَيْك وَعَلَيْهِمْ قَبُولُ خَبَرِهِ في مَوْضِعٍ غَيْرِهِ وَإِلَّا فَأَنْتَ تَحْكُمُ فَتَقْبَلُ ما شِئْت وَتَرُدُّ ما شِئْت قال فقال قد عَرَفْنَا أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَوَى اشياء لم يَرْوِهَا غَيْرُهُ مِمَّا ذَكَرْت وَحَدِيثُ الْمُصَرَّاةِ وَحَدِيثُ الْأَجِيرِ وَغَيْرِهِ أَفَتَعْلَمُ غَيْرَهُ انْفَرَدَ بِرِوَايَةٍ قُلْت نعم أبو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَوَى أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ليس فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ
____________________

(3/213)


صَدَقَةٌ فَصِرْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ وَأَكْثَرُ الْمُفْتِينَ إلَيْهِ وَتَرَكْتَ قَوْلَ صَاحِبِك وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ الصَّدَقَةُ في كل قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ أَنْبَتَتْهُ الْأَرْضُ وقد يَجِدَانِ تَأْوِيلًا من قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَآتُوا حَقَّهُ يوم حَصَادِهِ } ولم يذكر قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا وَمِنْ قَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فِيمَا سُقِيَ بِالسَّمَاءِ الْعُشْرُ وَفِيمَا سُقِيَ بِالدَّالِيَةِ نِصْفُ الْعُشْرِ قال أَجَلْ قُلْنَا وَحَدِيثُ أبي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن أَكْلِ كل ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ لَا يُرْوَى عن غَيْرِهِ عَلِمْته إلَّا من وَجْهٍ عن أبي هُرَيْرَةَ وَلَيْسَ بِالْمَشْهُورِ الْمَعْرُوفِ الرِّجَالِ فَقَبِلْنَاهُ نَحْنُ وَأَنْتَ وَخَالَفَنَا الْمَكِّيُّونَ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلي مُحَرَّمًا على طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ } الْآيَةَ وَقَوْلُهُ { وقد فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إلَّا ما اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ } وَبِقَوْلِ عَائِشَةَ وبن عَبَّاسٍ وَعُبَيْدِ بن عُمَيْرٍ فَزَعَمْنَا أَنَّ الرِّوَايَةَ الْوَاحِدَةَ تَثْبُتُ بها الْحُجَّةُ وَلَا حُجَّةَ في تَأْوِيلٍ وَلَا حَدِيثٍ عن غَيْرِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مع حديث النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال أَمَّا ما وَصَفْتَ فَكَمَا وَصَفْتُ قُلْت فإذا جاء مِثْلُ هذا فَلِمَ لم تَجْعَلْهُ حُجَّةً قال ما كانت حُجَّتُنَا في أَنْ لَا نَقُولَ قَوْلَكُمْ في التَّفْلِيسِ إلَّا هذا قُلْنَا وَلَا حُجَّةَ لَك فيه لِأَنِّي قد وَجَدْتُك تَقُولُ وَغَيْرُك وَتَأْخُذُ بمثله فيه قال آخَرُ إنَّا قد رَوَيْنَا عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه شَبِيهًا بِقَوْلِنَا قُلْنَا وَهَذَا مِمَّا لَا حُجَّةَ فيه عِنْدَنَا وَعِنْدَك لِأَنَّ مَذْهَبَنَا مَعًا إذَا ثَبَتَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم شَيْءٌ أَنْ لَا حُجَّةَ في أَحَدٍ معه قال فَإِنَّا قُلْنَا لم نَعْلَمْ أَبَا بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ وَلَا عُثْمَانَ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ قَضَوْا بِمَا رَوَيْتُمْ في التَّفْلِيسِ قُلْنَا وَلَا رَوَيْتُمْ أَنَّهُمْ وَلَا وَاحِدٌ منهم قال ليس فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ وَلَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ على عَمَّتِهَا وَلَا خَالَتِهَا وَلَا تَحْرِيمَ كل ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ قال فَاكْتَفَيْنَا بِالْخَبَرِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في هذا قُلْنَا فَفِيهِ الْكِفَايَةُ الْمُغْنِيَةُ عَمَّا سِوَاهَا وما سِوَاهَا تَبَعٌ لها لَا يَصْنَعُ مَعَهَا شيئا إنْ وَافَقَهَا تَبَعُهَا وَكَانَتْ بِهِ الْحَاجَةُ إلَيْهَا وَإِنْ خَالَفَهَا تُرِكَ وَأُخِذَتْ السُّنَّةُ قال وَهَكَذَا نَقُولُ قُلْنَا نعم في الْجُمْلَةِ وَلَا تَفِي بِذَلِكَ في التَّفْرِيعِ قال فَإِنِّي لم أَنْفَرِدْ بِمَا عِبْتَ على قد شَرِكَنِي فيه غَيْرُ وَاحِدٍ من أَهْلِ نَاحِيَتِك وَغَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بِأَحَادِيثَ وَرَدُّوا أُخْرَى قُلْت فَإِنْ كُنْتَ حَمِدْتَهُمْ على هذا فاشركهم فيه قال إذَا يَلْزَمُنِي أَنْ أَكُونَ بِالْخِيَارِ في الْعِلْمِ قُلْت فَقُلْ ما شِئْتَ فَإِنَّك ذَمَمْتَ ذلك مِمَّنْ فَعَلَهُ فَانْتَقِلْ عن مِثْلِ ما ذَمَمْتَ وَلَا تَجْعَلْ الْمَذْمُومَ حُجَّةً قال فَإِنِّي أَسْأَلُك عن شَيْءٍ قُلْت فَسَلْ قال كَيْفَ نَقَضْتَ الْمِلْكَ الصَّحِيحَ قُلْت أَوَتَرَى لِلْمَسْأَلَةِ مَوْضِعًا فِيمَا رُوِيَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ تُعَلِّمَنِي هل تَجِدُ مِثْلَ هذا غير هذا قُلْت نعم أَرَأَيْتَ دَارًا بِعْتهَا لَك فيها شُفْعَةٌ أَلَيْسَ الْمُشْتَرِي مَالِكًا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ وَصَدَاقُهُ وَصَدَقَتُهُ فِيمَا ابْتَاعَ وَيَجُوزُ له هَدْمُهُ وَبِنَاؤُهُ قال نعم قُلْت فإذا جاء الذي له الشُّفْعَةُ أَخَذَ ذلك مِمَّنْ هو في يَدَيْهِ قال نعم قُلْت أَفَتَرَاك نَقَضْتَ الْمِلْكَ الصَّحِيحَ قال نعم وَلَكِنِّي نَقَضْته بِالسُّنَّةِ وَقُلْت أَرَأَيْت الرَّجُلَ يُصْدِقُ الْمَرْأَةَ الْأَمَةَ فَيَدْفَعُهَا إلَيْهَا وَالْغَنَمَ فَتَلِدُ الْأَمَةُ وَالْغَنَمُ أَلَيْسَ إنْ مَاتَ الرَّجُلُ أو الْمَرْأَةُ قبل أَنْ يَدْخُلَ عليها كان ما أَصْدَقهَا لها قبل مَوْتِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَكُونُ لها عِتْقُ الْأَمَةِ وَبَيْعُهَا وَبَيْعُ الْمَاشِيَةِ وَهِيَ صَحِيحَةُ الْمِلْكِ في ذلك كُلِّهِ قال بَلَى قُلْت أَفَرَأَيْتَ إنْ طَلَّقَهَا قبل تَفُوتُ في الْجَارِيَةِ وَلَا الْغَنَمِ شيئا وهو في يَدَيْهَا بِحَالِهِ قال يُنْتَقَضُ الْمِلْكُ وَيَصِيرُ له نِصْفُ الْجَارِيَةِ وَالْغَنَمِ إنْ لم يَكُنْ أَوْلَادٌ أو نِصْفُ قِيمَتِهَا إنْ كان لها أَوْلَادٌ لِأَنَّهُمْ حَدَثُوا في مِلْكِهَا قُلْنَا فَكَيْفَ نَقَضْتَ الْمِلْكَ الصَّحِيحَ قال بِالْكِتَابِ قُلْنَا فما نَرَاك عِبْتَ في مَالِ الْمُفْلِسِ شيئا إلَّا دخل عَلَيْك في الشُّفْعَةِ وَالصَّدَاقِ مِثْلُهُ أو أَكْثَرُ قال حُجَّتِي فيه كِتَابٌ أو سُنَّةٌ قُلْنَا وَكَذَلِكَ حُجَّتُنَا في مَالِ الْمُفْلِسِ سُنَّةٌ فَكَيْفَ خَالَفْتهَا قُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نُوَافِقُك في مَالِ الْمُفْلِسِ إذَا كان حَيًّا وَنُخَالِفُك فيه إذَا مَاتَ وَحُجَّتُنَا فيه حَدِيثُ بن شِهَابٍ الذي قد سَمِعْتَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) قد كان فِيمَا قَرَأْنَا على مَالِكٍ أَنَّ بن شِهَابٍ أخبره عن أبي بَكْرِ بن عبد الرحمن بن الحرث أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال أَيُّمَا رَجُلٍ بَاعَ مَتَاعًا فَأَفْلَسَ الذي ابْتَاعَهُ ولم يَقْبِضْ الْبَائِعُ من ثَمَنِهِ شيئا فَوَجَدَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ فَإِنْ مَاتَ الْمُشْتَرِي فَصَاحِبُ السِّلْعَةِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فقال لي فَلِمَ لم
____________________

(3/214)


تَأْخُذْ بهذا قُلْت لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ وَمَنْ خَالَفَنَا مِمَّنْ حَكَيْت قَوْلَهُ وَإِنْ كان ذلك ليس عِنْدِي له بِهِ عُذْرٌ يُخَالِفُهُ لِأَنَّهُ رَدَّ الحديث وقال فيه قَوْلًا وَاحِدًا وَأَنْتُمْ أَثْبَتُّمْ الحديث فلما صِرْتُمْ إلَى تَفْرِيعِهِ فَارَقْتُمُوهُ في بَعْضٍ وَوَافَقْتُمُوهُ في بَعْضٍ فقال فَلِمَ لم تَأْخُذْ بِحَدِيثِ بن شِهَابٍ فَقُلْت الذي أَخَذْتُ بِهِ أَوْلَى بِي من قِبَلِ أَنَّ ما أَخَذْتُ بِهِ مَوْصُولٌ يَجْمَعُ فيه النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بين الْمَوْتِ والافلاس وَحَدِيثُ بن شِهَابٍ مُنْقَطِعٌ لو لم يُخَالِفْهُ غَيْرُهُ لم يَكُنْ مِمَّا يُثْبِتُهُ أَهْلُ الحديث فَلَوْ لم يَكُنْ في تَرْكِهِ حُجَّةٌ إلَّا هذا انْبَغَى لِمَنْ عَرَفَ الحديث تَرْكُهُ من الْوَجْهَيْنِ مع أَنَّ أَبَا بَكْرِ بن عبد الرحمن يَرْوِي عن أبي هُرَيْرَةَ حَدِيثًا ليس فيه ما رَوَى بن شِهَابٍ عنه مُرْسَلًا إنْ كان روي كُلَّهُ فَلَا أَدْرِي عَمَّنْ رَوَاهُ وَلَعَلَّهُ رَوَى أَوَّلَ الحديث وقال بِرَأْيِهِ آخِرَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَوْجُودٌ في حديث أبي بَكْرٍ عن أبي هُرَيْرَةَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ انْتَهَى بِالْقَوْلِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ أَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ ما زَادَ على هذا قَوْلًا من أبي بَكْرٍ لَا رِوَايَةً وَإِنْ كان مَوْجُودًا في سُنَّةِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ الرَّجُلَ يَبِيعُ السِّلْعَةَ من الرَّجُلِ فَيَكُونُ مَالِكًا لِلْمَبِيعِ يَجُوزُ له فيها ما يَجُوزُ لِذِي الْمَالِ في الْمَالِ من وَطْءِ أَمَةٍ وَبَيْعِهَا وَعِتْقِهَا وَإِنْ لم يَدْفَعْ ثَمَنَهَا فإذا أَفْلَسَ وَالسِّلْعَةُ بِعَيْنِهَا في يَدَيْ الْمُشْتَرِي كان لِلْبَائِعِ التَّسْلِيطُ على نَقْضِ عُقْدَةِ الْبَيْعِ كما يَكُونُ لِلْمُسْتَشْفِعِ أَخْذُ الشُّفْعَةِ وقد كان الشِّرَاءُ صَحِيحًا فَكَانَ الْمُشْتَرِي لِمَا فيه الشُّفْعَةُ لو مَاتَ كان لِلْمُسْتَشْفِعِ أَخْذُ الشُّفْعَةِ من وَرَثَتِهِ كما له أَخْذُهَا من يَدَيْهِ فَكَيْفَ لم يَكُنْ هذا في الذي يَجِدُ عَيْنَ مَالِهِ عِنْدَ مُعْدِمٍ وَإِنْ مَاتَ كما كان لِبَائِعِهِ ذلك في حَيَاةِ مَالِكِهِ وَكَمَا قُلْنَا في الشُّفْعَةِ وَكَيْفَ يَكُونُ الْوَرَثَةُ يَمْلِكُونَ عن الْمَيِّتِ مَنْعَ السِّلْعَةِ وَإِنَّمَا عنه وَرِثُوهَا ولم يَكُنْ لِلْمَيِّتِ مَنْعُهَا من أَنْ يَنْقُضَ بَائِعُهَا الْبَيْعَ إذَا لم يُعْطِ ثَمَنَهَا كَامِلًا فَلَا يَكُونُ لِلْوَرَثَةِ في حَالِ ما وَرِثُوا عن الْمَيِّتِ إلَّا ما كان لِلْمَيِّتِ أو أَقَلَّ منه وقد جَعَلْتُمْ لِلْوَرَثَةِ أَكْثَرَ مِمَّا لِلْمُورِثِ الذي عنه مَلَكُوهَا وَلَوْ جَازَ أَنْ يُفَرَّقَ بين الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ كان الْمَيِّتُ أَوْلَى أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ عَيْنَ مَالِهِ منه لِأَنَّهُ مَيِّتٌ لَا يُفِيدُ شيئا أَبَدًا وَالْحَيُّ يُفْلِسُ فَتُرْجَى إفَادَتُهُ وَأَنْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ فَضَعَّفْتُمْ الْأَقْوَى وَقَوَّيْتُمْ الْأَضْعَفَ وَتَرَكْتُمْ بَعْضَ حديث أبي هُرَيْرَةَ وَأَخَذْتُمْ بِبَعْضِهِ قال فَلَيْسَ هذا مِمَّا رَوَيْنَا قُلْنَا وَإِنْ لم تَرْوُوهُ فَقَدْ رَوَاهُ ثِقَةٌ عن ثِقَةٍ فَلَا يُوهِنُهُ أَنْ لَا تَرْوُوهُ وَكَثِيرٌ من الْأَحَادِيثِ لم تَرْوُوهُ فلم يُوهِنْهُ ذلك - * بُلُوغُ الرُّشْدِ وهو الْحَجْرُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ الْحَالُ التي يَبْلُغُ فيها الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ رُشْدَهُمَا حتى يَكُونَا يَلِيَانِ أَمْوَالَهُمَا قال اللَّهُ عز وجل { وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حتى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ منهم رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبُرُوا } قال الشَّافِعِيُّ فَدَلَّتْ هذه الْآيَةُ على أَنَّ الْحَجْرَ ثَابِتٌ على الْيَتَامَى حتى يَجْمَعُوا خَصْلَتَيْنِ الْبُلُوغَ وَالرُّشْدَ فَالْبُلُوغُ اسْتِكْمَالُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى في ذلك سَوَاءٌ إلَّا أَنْ يَحْتَلِمَ الرَّجُلُ أو تَحِيضَ الْمَرْأَةُ قبل خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَيَكُونَ ذلك الْبُلُوغَ وَدَلَّ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل { فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } على أَنَّهُمْ إذَا جَمَعُوا الْبُلُوغَ وَالرُّشْدَ لم يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَلِيَ عليهم أَمْوَالَهُمْ وَكَانُوا أَوْلَى بِوِلَايَةِ أَمْوَالِهِمْ من غَيْرِهِمْ وَجَازَ لهم في أَمْوَالِهِمْ ما يَجُوزُ لِمَنْ خَرَجَ من الْوِلَايَةِ مِمَّنْ وُلِّيَ فَخَرَجَ منها أو لم يُوَلَّ وَأَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى فِيهِمَا سَوَاءٌ وَالرُّشْدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الصَّلَاحُ في الدِّينِ حتى تَكُونَ الشَّهَادَةُ جَائِزَةً وَإِصْلَاحُ الْمَالِ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ إصْلَاحُ الْمَالِ بِأَنْ يُخْتَبَرَ الْيَتِيمُ وَالِاخْتِبَارُ يَخْتَلِفُ بِقَدْرِ حَالِ الْمُخْتَبَرِ فَإِنْ كان من الرِّجَالِ مِمَّنْ يَتَبَذَّلُ فيخالط ( ( ( فيختلط ) ) ) الناس اسْتَدَلَّ بِمُخَالَطَتِهِ الناس في الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ قبل الْبُلُوغِ وَبَعْدَهُ حتى يُعْرَفَ أَنَّهُ يُحِبُّ تَوْفِيرَ مَالِهِ وَالزِّيَادَةَ فيه وَأَنْ لَا يُتْلِفَهُ فِيمَا لَا يَعُودُ عليه نَفْعُهُ كان اخْتِبَارُ هذا قَرِيبًا وَإِنْ كان مِمَّنْ يُصَانُ
____________________

(3/215)


عن الْأَسْوَاقِ كان اخْتِبَارُهُ أَبْعَدَ قَلِيلًا من اخْتِبَارِ الذي قَبْلَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيَدْفَعُ إلَى الْمُوَلَّى عليه نَفَقَةَ شَهْرٍ فَإِنْ أَحْسَنَ إنْفَاقَهَا على نَفْسِهِ وَأَحْسَنَ شِرَاءَ ما يَحْتَاجُ إلَيْهِ منها مع النَّفَقَةِ اُخْتُبِرَ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ يُدْفَعُ إلَيْهِ فإذا أُونِسَ منه تَوْفِيرٌ له وَعَقْلٌ يَعْرِفُ بِهِ حُسْنَ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ في إبْقَاءِ مَالِهِ دُفِعَ إلَيْهِ مَالُهُ وَاخْتِبَارُ الْمَرْأَةِ مع عِلْمِ صَلَاحِهَا بِقِلَّةِ مُخَالَطَتِهَا في الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ ابعد من هذا قَلِيلًا فَيَخْتَبِرُهَا النِّسَاءُ وَذَوُو الْمَحَارِمِ بها بِمِثْلِ ما وَصَفْنَا من دَفْعِ النَّفَقَةِ وما يُشْتَرَى لها من الْأُدْمِ وَغَيْرِهِ فإذا آنَسُوا منها صَلَاحًا لِمَا تُعْطَى من نَفَقَتِهَا كما وَصَفْت في الْغُلَامِ الْبَالِغِ فإذا عُرِفَ منها صَلَاحٌ دُفِعَ إلَيْهَا الْيَسِيرُ منه فَإِنْ هِيَ أَصْلَحَتْهُ دُفِعَ إلَيْهَا مَالُهَا نُكِحَتْ أو لم تُنْكَحْ لَا يَزِيدُ في رُشْدِهَا وَلَا يَنْقُصُ منه النِّكَاحُ وَلَا تَرْكُهُ كما لَا يَزِيدُ في رُشْدِ الْغُلَامِ وَلَا يَنْقُصُ منه وَأَيُّهُمَا نَكَحَ وهو غَيْرُ رَشِيدٍ وَوُلِدَ له وُلِّيَ عليه مَالُهُ لِأَنَّ شَرْطَ اللَّهِ عز وجل أَنْ يُدْفَعَ إلَيْهِ إذَا جَمَعَ الرُّشْدَ مع الْبُلُوغِ وَلَيْسَ النِّكَاحُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَأَيُّهُمَا صَارَ إلَى وِلَايَةِ مَالِهِ فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ في مَالِهِ ما يَفْعَلُ غَيْرُهُ من أَهْلِ الْأَمْوَالِ وَسَوَاءٌ في ذلك الْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ وَذَاتُ زَوْجٍ كانت أو غَيْرُ ذَاتِ زَوْجٍ وَلَيْسَ الزَّوْجُ من وِلَايَةِ مَالِ الْمَرْأَةِ بِسَبِيلٍ وَلَا يَخْتَلِفُ أَحَدٌ من أَهْلِ الْعِلْمِ عَلِمْته أَنَّ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ إذَا صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى أَنْ يَجْمَعَ الْبُلُوغَ وَالرُّشْدَ سَوَاءٌ في دَفْعِ أَمْوَالِهِمَا إلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا من الْيَتَامَى فإذا صَارَا إلَى أَنْ يَخْرُجَا من الْوِلَايَةِ فَهُمَا كَغَيْرِهِمَا يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا في مَالِهِ ما يَجُوزُ لِكُلِّ من لَا يُوَلَّى عليه غَيْرُهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ الْمَرْأَةُ ذَاتُ الزَّوْجِ مُفَارِقَةٌ لِلرَّجُلِ لَا تعطى الْمَرْأَةُ من مَالِهَا بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا قِيلَ له كِتَابُ اللَّهِ عز وجل في أَمْرِهِ بِالدَّفْعِ إلَى الْيَتَامَى إذَا بَلَغُوا الرُّشْدَ يَدُلُّ على خِلَافِ ما قُلْت لِأَنَّ من أَخْرَجَ اللَّهُ عز وجل من الْوِلَايَةِ لم يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَلِيَ عليه إلَّا بِحَالٍ يَحْدُثُ له من سَفَهٍ وَفَسَادٍ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ أو حَقٌّ يَلْزَمُهُ لِمُسْلِمٍ في مَالِهِ فَأَمَّا ما لم يَكُنْ هَكَذَا فَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ سَوَاءٌ فَإِنْ فَرَّقْت بَيْنَهُمَا فَعَلَيْك أَنْ تَأْتِيَ بِبُرْهَانٍ على فَرْقِك بين الْمُجْتَمَعِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَقَدْ روى أَنْ ليس لِلْمَرْأَةِ أَنْ تعطى من مَالِهَا شيئا بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا قِيلَ قد سَمِعْنَاهُ وَلَيْسَ بِثَابِتٍ فَيَلْزَمُنَا أَنْ نَقُولَ بِهِ وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ على خِلَافِهِ ثُمَّ السُّنَّةُ ثُمَّ الْأَثَرُ ثُمَّ الْمَعْقُولُ فَإِنْ قال فَاذْكُرْ الْقُرْآنَ قُلْنَا الْآيَةَ التي أَمَرَ اللَّهُ عز وجل بِدَفْعِ أَمْوَالِهِمْ إلَيْهِمْ وَسَوَّى فيها بين الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ خَبَرٍ لَازِمٍ فَإِنْ قال أَفَتَجِدُ في الْقُرْآنِ دَلَالَةً على ما وَصَفْت سِوَى هذا قِيلَ نعم قال اللَّهُ عز وجل { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ من قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وقد فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إلَّا أَنْ يَعْفُونَ أو يَعْفُوَ الذي بيده عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } فَدَلَّتْ هذه الْآيَةُ على أَنَّ على الرَّجُلِ أَنْ يُسَلِّمَ إلَى الْمَرْأَةِ نِصْفَ مَهْرِهَا كما كان عليه أَنْ يُسَلِّمَ إلَى الْأَجْنَبِيَّيْنِ من الرِّجَالِ ما وَجَبَ لهم وَدَلَّتْ السُّنَّةُ على أَنَّ الْمَرْأَةَ مُسَلَّطَةٌ على أَنْ تَعْفُوَ من مَالِهَا وَنَدَبَ اللَّهُ عز وجل إلَى الْعَفْوِ وَذَكَرَ أَنَّهُ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَسَوَّى بين الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ فِيمَا يَجُوزُ من عَفْوِ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا ما وَجَبَ له يَجُوزُ عَفْوُهُ إذَا دَفَعَ الْمَهْرَ كُلَّهُ وكان له أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِهِ فَعَفَاهُ جَازَ وإذا لم يَدْفَعْهُ فَكَانَ لها أَنْ تَأْخُذَ نِصْفَهُ فَعَفَتْهُ جَازَ لم يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا في ذلك وقال عز وجل { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عن شَيْءٍ منه نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا } فَجَعَلَ في إيتَائِهِنَّ ما فَرَضَ لَهُنَّ من فَرِيضَةٍ على أَزْوَاجِهِنَّ يَدْفَعُونَهُ إلَيْهِنَّ دَفْعَهُمْ إلَى غَيْرِهِمْ من الرِّجَالِ مِمَّنْ وَجَبَ له عليهم حَقٌّ بِوَجْهٍ وَحَلَّ لِلرِّجَالِ أَكْلُ ما طَابَ نِسَاؤُهُمْ عنه نَفْسًا كما حَلَّ لهم ما طَابَ الْأَجْنَبِيُّونَ من أَمْوَالِهِمْ عنه نَفْسًا وما طَابُوا هُمْ لِأَزْوَاجِهِمْ عنه نَفْسًا لم يُفَرِّقْ بين حُكْمِهِمْ وَحُكْمِ أَزْوَاجِهِمْ وَالْأَجْنَبِيِّينَ غيرهم وَغَيْرِ أَزْوَاجِهِمْ فِيمَا أَوْجَبَهُ من دَفْعِ حُقُوقِهِنَّ وَأَحَلَّ ما طِبْنَ عنه نَفْسًا من أَمْوَالِهِنَّ وَحَرَّمَ
____________________

(3/216)


من أَمْوَالِهِنَّ ما حَرَّمَ من أَمْوَالِ الْأَجْنَبِيِّينَ فِيمَا ذَكَرْت وفي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا منه شيئا } الْآيَةَ وقال عز وجل { فَإِنْ خِفْتُمْ ألا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } فَأَحَلَّهُ إذَا كان من قِبَلِ الْمَرْأَةِ كما حَلَّ لِلرَّجُلِ من مَالِ الْأَجْنَبِيِّينَ بِغَيْرِ تَوْقِيتِ شَيْءٍ فيه ثُلُثٌ وَلَا أَقَلُّ وَلَا أَكْثَرُ وَحَرَّمَهُ إذَا كان من قِبَلِ الرَّجُلِ كما حَرَّمَ أَمْوَالَ الْأَجْنَبِيِّينَ أَنْ يَغْتَصِبُوهَا قال اللَّهُ عز وجل { وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إنْ لم يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ } الْآيَةَ فلم يُفَرِّقْ بين الزَّوْجِ وَالْمَرْأَةِ في أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يوصى في مَالِهِ وفي أَنَّ دَيْنَ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَازِمٌ له في مَالِهِ فإذا كان هذا هَكَذَا كان لها أَنْ تُعْطِيَ من مَالِهَا من شَاءَتْ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا وكان لها أَنْ تَحْبِسَ مَهْرَهَا وَتَهَبَهُ وَلَا تَضَعَ منه شيئا وكان لها إذَا طَلَّقَهَا أَخْذُ نِصْفِ ما أَعْطَاهَا لَا نِصْفِ ما اشْتَرَتْ لها دُونَهُ إذَا كان لها الْمَهْرُ كان لها حَبْسُهُ وما أَشْبَهَهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَأَيْنَ السُّنَّةُ في هذا قُلْت ( أخبرنا ) مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن عَمْرَةَ بِنْتِ عبد الرحمن أَخْبَرَتْهُ أَنَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيَّةَ كانت تَحْتَ ثَابِتِ بن قَيْسِ بن شِمَاسٍ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم خَرَجَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَوَجَدَ حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ عِنْدَ بَابِهِ في الْغَلَسِ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من هذه فقالت أنا حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ يا رَسُولَ اللَّهِ فقال ما شَأْنُك فقالت لَا أنا وَلَا ثَابِتُ بن قَيْسٍ لِزَوْجِهَا فلما جاء ثَابِتُ بن قَيْسٍ قال له رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم هذه حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ قد ذَكَرَتْ ما شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَذْكُرَ فقالت حَبِيبَةُ يا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّ ما أَعْطَانِي عِنْدِي فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم خُذْ منها فَأَخَذَ منها وَجَلَسَتْ في أَهْلِهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن مولاه لِصَفِيَّةَ بِنْتِ أبي عُبَيْدٍ أنها اخْتَلَعَتْ من زَوْجِهَا بِكُلِّ شَيْءٍ لها فلم يُنْكِرْ ذلك عبد اللَّهِ بن عُمَرَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَدَلَّتْ السُّنَّةُ على ما دَلَّ عليه الْقُرْآنُ من أنها إذَا اخْتَلَعَتْ من زَوْجِهَا حَلَّ لِزَوْجِهَا الْأَخْذُ منها وَلَوْ كانت لَا يَجُوزُ لها في مَالِهَا ما يَجُوزُ لِمَنْ لَا حَجْرَ عليه من الرِّجَالِ ما حَلَّ له خَلْعُهَا فَإِنْ قال قَائِلٌ وَأَيْنَ الْقِيَاسُ وَالْمَعْقُولُ قُلْت إذَا أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لِزَوْجِهَا ما أَعْطَتْهُ فَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا لِمَنْ يَجُوزُ له مَالُهُ وإذا كان مَالُهَا يُورَثُ عنها وَكَانَتْ تَمْنَعُهُ زَوْجَهَا فَيَكُونُ لها فَهِيَ كَغَيْرِهَا من ذَوِي الْأَمْوَالِ قال وَلَوْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى الحديث الذي لَا يَثْبُتُ أَنْ ليس لها أَنْ تُعْطِيَ من دُونِ زَوْجِهَا إلَّا ما أَذِنَ زَوْجُهَا لم يَكُنْ له وَجْهٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ زَوْجُهَا وَلِيًّا لها وَلَوْ كان رَجُلٌ وَلِيًّا لِرَجُلٍ أو امْرَأَةٍ فَوَهَبَتْ له شيئا لم يَحِلَّ له أَنْ يَأْخُذَهُ لِأَنَّ هِبَتَهَا له كَهِبَتِهَا لِغَيْرِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ لَا تُعْطِي من مَالِهَا دِرْهَمًا وَلَا يَجُوزُ لها أَنْ تَبِيعَ فيه وَلَا تَبْتَاعَ وَيُحْكَمُ لها وَعَلَيْهَا حُكْمُ الْمَحْجُورِ عليه وَلَوْ زَعَمَ أَنَّ زَوْجَهَا شَرِيكٌ لها في مَالِهَا سُئِلَ أبا لنصف فَإِنْ قال نعم قِيلَ فَتَصْنَعُ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ ما شَاءَتْ وَيَصْنَعُ بِالنِّصْفِ ما شَاءَ فَإِنْ قال ما قَلَّ أو كَثُرَ قُلْت فَاجْعَلْ لها من مَالِهَا شيئا فَإِنْ قال مَالُهَا مَرْهُونٌ له قِيلَ له فَبِكَمْ هو مَرْهُونٌ حتى تَفْتَدِيَهُ فَإِنْ قال ليس بِمَرْهُونٍ قِيلَ له فَقُلْ فيه ما أَحْبَبْت فَهُوَ لَا شَرِيكَ لها في مَالِهَا وَلَيْسَ له عِنْدَك وَعِنْدَنَا أَنْ يَأْخُذَ من مَالِهَا دِرْهَمًا وَلَيْسَ مَالُهَا مَرْهُونًا فَتَفْتَكُّهُ وَلَيْسَ زَوْجُهَا وَلِيًّا لها وَلَوْ كان زَوْجُهَا وَلِيًّا لها وكان سَفِيهًا أَخْرَجْنَا وِلَايَتَهَا من يَدَيْهِ وَوَلَّيْنَا غَيْرَهُ عليها وَمَنْ خَرَجَ من هذه الْأَقَاوِيلِ لم يَخْرُجْ إلَى أَثَرٍ يُتَّبَعُ وَلَا قِيَاسٍ وَلَا مَعْقُولٍ وإذا جَازَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُعْطِيَ من مَالِهَا الثُّلُثَ لَا تَزِيدُ عليه فَلِمَ يَجْعَلُهَا مُوَلًّى عليها ولم يَجْعَلْ زَوْجَهَا شَرِيكًا وَلَا مَالَهَا مَرْهُونًا في يَدَيْهِ وَلَا هِيَ مَمْنُوعَةٌ من مَالِهَا وَلَا مُخَلًّى بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ ثُمَّ يُجِيزُ لها بَعْدَ زَمَانٍ إخْرَاجَ الثُّلُثِ وَالثُّلُثِ بَعْدَ زَمَانٍ حتى يَنْفَدَ مَالُهَا فما مَنَعَهَا مَالَهَا وَلَا خَلَّاهَا وَإِيَّاهُ وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ فَإِنْ قال هو نَكَحَهَا على الْيُسْرِ قِيلَ أَفَرَأَيْت إنْ نُكِحَتْ مُفْلِسَةً ثُمَّ أَيْسَرَتْ بَعْدُ عِنْدَهُ أَيَدَعُهَا وَمَالَهَا فَإِنْ قال نعم فَقَدْ أَخْرَجَهَا من الْحَجْرِ وَإِنْ قال لَا فَقَدْ مَنَعَهَا ما لم تَغُرَّهُ بِهِ أَوَرَأَيْت إذَا قال غَرَّتْهُ فَلَا أَتْرُكُهَا تُخْرِجُ مَالَهَا ضِرَارًا قِيلَ أَفَرَأَيْت إنْ غُرَّ فَقِيلَ هِيَ جَمِيلَةٌ فَوَجَدَهَا غير جَمِيلَةٍ أو غُرَّ فَقِيلَ هِيَ مُوسِرَةٌ فَوَجَدَهَا مُفْلِسَةً أَيَنْقُصُ عنه
____________________

(3/217)


من صَدَاقِهَا أو يَرُدُّهُ عليها بِشَيْءٍ أو رَأَيْت إذَا قال هذا في الْمَرْأَةِ فإذا كان الرَّجُلُ دَيِّنًا مُوسِرًا فَنَكَحَ شَرِيفَةً وَأَعْلَمَتْنَا أنها لم تَنْكِحْهُ إلَّا بِيُسْرِهِ ثُمَّ خَدَعَهَا فَتَصَدَّقَ بِمَالِهِ كُلِّهِ فإذا جَازَ ذلك له فَقَدْ ظَلَمَهَا بِمَنْعِهَا من مَالِهَا ما أَبَاحَ له وَإِنْ قال أَجْبُرُهَا بِأَنْ تَبْتَاعَ له ما يَتَجَهَّزُ بِهِ مِثْلُهَا لِأَنَّ هذا مِمَّا يَتَعَامَلُ بِهِ الناس عِنْدَنَا وَذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُصْدَقُ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَتُجَهَّزُ بِأَكْثَرَ من عَشَرَةِ آلَافٍ وَتَكُونُ مُفْلِسَةً لَا تُجَهَّزُ إلَّا بِثِيَابِهَا وَبِسَاطِهَا وَمِمَّا يَتَعَامَلُ الناس بِهِ أَنَّ الرَّجُلَ الْمُفْلِسَ ذَا الْمُرُوءَةِ يَنْكِحُ الْمُوسِرَةَ فَتَقُولُ يَكُونُ قَيِّمًا على مَالِي على هذا تَنَاكَحَا وَيَسْتَنْفِقُ من مَالِهَا وما أَشْبَهَ هذا مِمَّا وَصَفْت وَيَحْسُنُ مِمَّا يَتَعَامَلُ الناس وَلِلْحَاكِمِ الْحُكْمُ على ما يَجِبُ ليس على ما يَجْمُلُ وَيَتَعَامَلُ الناس عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْحُجَّةُ تُمْكِنُ على من خَالَفَنَا بِأَكْثَرَ مِمَّا وَصَفْت وفي أَقَلَّ مِمَّا وَصَفْت حُجَّةٌ وَلَا يَسْتَقِيمُ فيها قَوْلٌ إلَّا مَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ عز وجل وَالسُّنَّةُ وَالْآثَارُ وَالْقِيَاسُ من أَنَّ صَدَاقَهَا مَالٌ من مَالِهَا وَأَنَّ لها إذَا بَلَغَتْ الرُّشْدَ أَنْ تَفْعَلَ في مَالِهَا ما يَفْعَلُ الرَّجُلُ لَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ - * بَابُ الْحَجْرِ على الْبَالِغِينَ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْحَجْرُ على الْبَالِغِينَ في آيَتَيْنِ من كِتَابِ اللَّهِ عز وجل وَهُمَا قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلْ الذي عليه الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ منه شيئا فَإِنْ كان الذي عليه الْحَقُّ سَفِيهًا أو ضَعِيفًا أو لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هو فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ } قال الشَّافِعِيُّ وَإِنَّمَا خَاطَبَ اللَّهُ عز وجل بِفَرَائِضِهِ الْبَالِغِينَ من الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَجَعَلَ الْإِقْرَارَ له فَكَانَ مَوْجُودًا في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل أَنَّ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى الذي عليه الْحَقُّ أَنْ يُمِلَّ هو وَأَنَّ إمْلَاءَهُ إقْرَارُهُ وَهَذَا يَدُلُّ على جَوَازِ الْإِقْرَارِ على من أَقَرَّ بِهِ وَلَا يَأْمُرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَحَدًا أَنْ يُمِلَّ لِيُقِرَّ إلَّا الْبَالِغُ وَذَلِكَ أَنَّ إقْرَارَ غَيْرِ الْبَالِغِ وَصَمْتَهُ وَإِنْكَارَهُ سَوَاءٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيمَا حَفِظْت عَنْهُمْ وَلَا أَعْلَمُهُمْ اخْتَلَفُوا فيه ثُمَّ قال في الْمَرْءِ الذي عليه الْحَقُّ أَنْ يُمِلَّ فَإِنْ كان الذي عليه الْحَقُّ سَفِيهًا أو ضَعِيفًا أو لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هو فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَأَثْبَتَ الْوِلَايَةَ على السَّفِيهِ وَالضَّعِيفِ وَاَلَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هو وَأَمَرَ وَلِيَّهُ بِالْإِمْلَاءِ عليه لِأَنَّهُ أَقَامَهُ فِيمَا لَا غَنَاءَ بِهِ عنه من مَالِهِ مَقَامَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) قد قِيلَ وَاَلَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَغْلُوبَ على عَقْلِهِ وهو أَشْبَهُ مَعَانِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالْآيَةُ الْأُخْرَى قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حتى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ منهم رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } فَأَمَرَ عز وجل أَنْ يُدْفَعَ إلَيْهِمْ أَمْوَالُهُمْ إذَا جَمَعُوا بُلُوغًا وَرُشْدًا قال وإذا أَمَرَ بِدَفْعِ أَمْوَالِهِمْ إلَيْهِمْ إذَا جَمَعُوا أَمْرَيْنِ كان في ذلك دَلَالَةٌ على أَنَّهُمْ إنْ كان فِيهِمْ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ دُونَ الْآخَرِ لم يُدْفَعْ إلَيْهِمْ أَمْوَالُهُمْ وإذا لم يُدْفَعْ إلَيْهِمْ فَذَلِكَ الْحَجْرُ عليهم كما كَانُوا لو أُونِسَ منهم رُشْدٌ قبل الْبُلُوغِ لم يُدْفَعْ إلَيْهِمْ أَمْوَالُهُمْ فَكَذَلِكَ لو بَلَغُوا ولم يُؤْنَسْ منهم رُشْدٌ لم تُدْفَعْ إلَيْهِمْ أَمْوَالُهُمْ وَيَثْبُتُ عليهم الْحَجْرُ كما كان قبل الْبُلُوغِ وَهَكَذَا قُلْنَا نَحْنُ وَهُمْ في كل أَمْرٍ يَكْمُلُ بِأَمْرَيْنِ أو أُمُورٍ فإذا نَقَصَ وَاحِدٌ لم يُقْبَلْ فَزَعَمْنَا أَنَّ شَرْطَ اللَّهِ تَعَالَى مِمَّنْ تَرْضَوْنَ من الشُّهَدَاءِ عَدْلَانِ حُرَّانِ مُسْلِمَانِ فَلَوْ كان الرَّجُلَانِ حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ غير عَدْلَيْنِ أو عَدْلَيْنِ غير حُرَّيْنِ أو عَدْلَيْنِ حُرَّيْنِ غير مُسْلِمَيْنِ لم تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا حتى يَسْتَكْمِلَانِ الثَّلَاثَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنَّ التَّنْزِيلَ في الْحَجْرِ بَيِّنٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مُكْتَفًى بِهِ عن تَفْسِيرِهِ وَإِنَّ الْقِيَاسَ لَيَدُلُّ على الْحَجْرِ أرايت إذَا كان مَعْقُولًا أَنَّ من لم يَبْلُغْ مِمَّنْ قَارَبَ الْبُلُوغَ وَعَقَلَ مَحْجُورًا عليه فَكَانَ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَشَدَّ تَقْصِيرًا في عَقْلِهِ وَأَكْثَرَ إفْسَادًا لِمَالِهِ أَلَا يُحْجَرُ عليه وَالْمَعْنَى الذي أَمَرَ بالحجر ( ( ( بالمحجور ) ) ) عليه له فيه وَلَوْ
____________________

(3/218)


أُونِسَ منه رُشْدٌ فَدُفِعَ إلَيْهِ مَالُهُ ثُمَّ عُلِمَ منه غَيْرُ الرُّشْدِ أُعِيدَ عليه الْحَجْرُ لِأَنَّ حاله انْتَقَلَتْ إلَى الْحَالِ التي يَنْبَغِي أَنْ يُحْجَرَ عليه فيها كما يُؤْنَسُ منه الْعَدْلُ فَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ ثُمَّ تَتَغَيَّرُ فَتُرَدُّ ثُمَّ إنْ تَغَيَّرَ فَأُونِسَ منه عَدْلٌ أُجِيزَتْ وَكَذَلِكَ إنْ أُونِسَ منه إصْلَاحٌ بَعْدَ إفْسَادٍ أعطى مَالُهُ وَالنِّسَاءُ وَالرِّجَالُ في هذا سَوَاءٌ لِأَنَّ اسْمَ الْيَتَامَى يَجْمَعُهُمْ وَاسْمَ الِابْتِلَاءِ يَجْمَعُهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لم يُفَرِّقْ بين النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ في أَمْوَالِهِمْ وَإِنْ خَرَجَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ من أَنْ يَكُونَا مَوْلَيَيْنِ جَازَ لِلْمَرْأَةِ في مَالِهَا ما جَازَ لِلرَّجُلِ في مَالِهِ ذَاتَ زَوْجٍ كانت أو غير ذَاتٍ زَوْجٍ سُلْطَانُهَا على مَالِهَا سُلْطَانُ الرَّجُلِ على مَالِهِ لَا يَفْتَرِقَانِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَابْتَلُوا الْيَتَامَى } إنَّمَا هو اخْتَبِرُوا الْيَتَامَى قال فَيَخْتَبِرُ الرِّجَالُ النِّسَاءَ بِقَدْرِ ما يُمْكِنُ فِيهِمْ وَالرَّجُلُ الْمُلَازِمُ لِلسُّوقِ وَالْمُخَالِطُ لِلنَّاسِ في الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ قبل الْبُلُوغِ وَمَعَهُ وَبَعْدَهُ لَا يَغِيبُ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَنْ يُعْرَفَ حَالُهُ بِمَا مَضَى قَبْلَهُ وَمَعَهُ وَبَعْدَهُ فَيُعْرَفُ كَيْفَ هو في عَقْلِهِ في الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ وَكَيْفَ هو في دَيْنِهِ وَالرَّجُلُ الْقَلِيلُ الْمُخَالَطَةِ لِلنَّاسِ يَكُونُ اخْتِبَارُهُ أَبْطَأَ من اخْتِبَارِ هذا الذي وَصَفْت فإذا عَرَفَهُ خَاصَّتُهُ في مُدَّةٍ وَإِنْ كانت أَطْوَلَ من هذه الْمُدَّةِ فَعَدَّلُوهُ وَحَمِدُوا نَظَرَهُ لِنَفْسِهِ في الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ وَشَهِدُوا له أَنَّهُ صَالِحٌ في دِينِهِ حَسَنُ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ في مَالِهِ فَقَدْ صَارَ هَذَانِ إلَى الرُّشْدِ في الدِّينِ وَالْمَعَاشِ وَيُؤْمَرُ وَلِيُّهُمَا بِدَفْعِ مَالِهِمَا إلَيْهِمَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اخْتَبَرَ النِّسَاءَ أَهْلُ الْعَدْلِ من أَهْلِهَا وَمِنْ يَعْرِفُ حَالَهَا بِالصَّلَاحِ في دِينِهَا وَحُسْنَ النَّظَرِ لِنَفْسِهَا في الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ صَارَتْ في حَالِ الرَّجُلَيْنِ وَإِنْ كان ذلك منها أَبْطَأَ منه من الرَّجُلَيْنِ لِقِلَّةِ خِلْطَتِهَا بِالْعَامَّةِ وهو من الْمُخَالَطَةِ من النِّسَاءِ الْخَارِجَةِ إلَى الْأَسْوَاقِ الْمُمْتَهِنَةِ لِنَفْسِهَا أَعْجَلُ منه من الصَّائِنَةِ لِنَفْسِهَا كما يَكُونُ من أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ أَبْعَدَ فإذا بَلَغَتْ الْمَرْأَةُ الرُّشْدَ وَالرُّشْدُ كما وَصَفْت في الرَّجُلِ أُمِرَ وَلِيُّهَا بِدَفْعِ مَالِهَا إلَيْهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد رَأَيْت من الْحُكَّامِ من أَمَرَ باختبار ( ( ( باختيار ) ) ) من لَا يُوثَقُ بِحَالِهِ تِلْكَ الثِّقَةُ بِأَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ الْقَلِيلَ من مَالِهِ فَإِنْ أَصْلَحَ فيه دَفَعَ إلَيْهِ ما بَقِيَ وَإِنْ أَفْسَدَ فيه كان الْفَسَادُ في الْقَلِيلِ أَيْسَرَ منه في الْكُلِّ وَرَأَيْنَا هذا وَجْهًا من الِاخْتِبَارِ حَسَنًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وإذا دَفَعَ إلَى الْمَرْأَةِ مَالَهَا وَالرَّجُلِ فَسَوَاءٌ كانت الْمَرْأَةُ بِكْرًا أو مُتَزَوِّجَةً عِنْدَ زَوْجٍ أو ثَيِّبًا كما يَكُونُ الرَّجُلُ سَوَاءٌ في حَالَاتِهِ وَهِيَ تَمْلِكُ من مَالِهَا ما يَمْلِكُ من مَالِهِ وَيَجُوزُ لها في مَالِهَا ما يَجُوزُ له في ذلك عِنْدَ زَوْجٍ كانت أو غير زَوْجٍ لَا فَرْقَ في ذلك بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ في شَيْءٍ مِمَّا يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا في مَالِهِ فَكَذَلِكَ حُكْمُ اللَّهِ عز وجل فيها وَفِيهِ وَدَلَالَةُ السُّنَّةِ وإذا نُكِحَتْ فَصَدَاقُهَا مَالٌ من مَالِهَا تَصْنَعُ بِهِ ما شَاءَتْ كما تَصْنَعُ بِمَا سِوَاهُ من مَالِهَا - * بَابُ الْخِلَافِ في الْحَجْرِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس في الْحَجْرِ فقال لَا يُحْجَرُ على حُرٍّ بَالِغٍ وَلَا على حُرَّةٍ بَالِغَةٍ وَإِنْ كَانَا سَفِيهَيْنِ وقال لي بَعْضُ من يَذُبُّ عن قَوْلِهِ من أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدَ أَصْحَابِهِ أَسْأَلُك من أَيْنَ أَخَذْت الْحَجْرَ على الْحُرَّيْنِ وَهُمَا مَالِكَانِ لِأَمْوَالِهِمَا فَذَكَرْتُ له ما ذَكَرْت في كِتَابِي أو مَعْنَاهُ أو بَعْضَهُ فقال فإنه يَدْخُلُ عَلَيْك فيه شَيْءٌ فَقُلْت وما هو قال أَرَأَيْت إذَا أَعْتَقَ الْمَحْجُورُ عليه عَبْدَهُ فَقُلْت لَا يَجُوزُ عِتْقُهُ قال وَلِمَ قُلْت كما يَجُوزُ لِلْمَمْلُوكِ وَلَا لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُعْتِقَا قال لِأَنَّهُ إتْلَافٌ لِمَالِهِ قُلْت نعم قال أَفَلَيْسَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ لَعِبُهُمَا وَجَدُّهُمَا وَاحِدٌ قُلْت مِمَّنْ ذلك له وَكَذَلِكَ لو بَاعَ رَجُلٌ فقالت لَعِبْت أو اقر لِرَجُلٍ بِحَقٍّ فقال لَعِبْت لَزِمَهُ الْبَيْعُ وَالْإِقْرَارُ وَقِيلَ له لَعِبُك لِنَفْسِك وَعَلَيْهَا قال أَفَيَفْتَرِقُ الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ قُلْت نعم عِنْدَنَا وَعِنْدَك قال وَكَيْفَ وَكِلَاهُمَا إتْلَافٌ لِلْمَالِ قُلْت له إنَّ الطَّلَاقَ وَإِنْ كان فيه إتْلَافُ الْمَالِ فإن الزَّوْجَ مُبَاحٌ له بِالنِّكَاحِ شَيْءٌ كان غير مُبَاحٍ له
____________________

(3/219)


قَبْلَهُ وَمَجْعُولٌ إلَيْهِ تَحْرِيمُ ذلك الْمُبَاحِ ليس تَحْرِيمُهُ لِمَالٍ يَلِيهِ عليه غَيْرُهُ إنَّمَا هو تَحْرِيمٌ بِقَوْلٍ من قَوْلِهِ أو فِعْلٍ من فِعْلِهِ وَكَمَا كان مُسَلَّطًا على الْفَرْجِ دُونَ غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ كان مُسَلَّطًا على تَحْرِيمِهِ دُونَ غَيْرِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَمُوتُ فَلَا تُوَرَّثُ عنه امْرَأَتُهُ وَيَهَبُهَا وَيَبِيعُهَا فَلَا تَحِلُّ لِغَيْرِهِ بِهِبَتِهِ وَلَا بَيْعِهِ وَيُوَرَّثُ عنه عَبْدُهُ وَيُبَاعُ عليه فَيَمْلِكُهُ غَيْرُهُ وَيَلِي نَفْسَهُ فَيَبِيعُهُ وَيَهَبُهُ فَيَمْلِكُهُ غَيْرُهُ فَالْعَبْدُ مَالٌ بِكُلِّ حَالٍ وَالْمَرْأَةُ غَيْرُ مَالٍ بِحَالٍ إنَّمَا هِيَ مُتْعَةٌ لَا مَالٌ مَمْلُوكٌ نُنْفِقُهُ عليه وَنَمْنَعُ إتْلَافَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ يُؤْذَنُ له في النِّكَاحِ وَالتِّجَارَةِ فَيَكُونُ له الطَّلَاقُ وَالْإِمْسَاكُ دُونَ سَيِّدِهِ وَيَكُونُ إلَى سَيِّدِهِ أَخْذُ مَالِهِ كُلِّهِ إذَا لم يَكُنْ عليه دَيْنٌ لِأَنَّ الْمَالَ مِلْكٌ وَالْفَرْجَ بِالنِّكَاحِ مُتْعَةٌ لَا مِلْكٌ كَالْمَالِ وَقُلْت له تَأَوَّلْت الْقُرْآنَ في الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ فلم تُصِبْ عِنْدَنَا تَأْوِيلَهُ فَأَبْطَلْت فيه سُنَّةَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ وَجَدْت الْقُرْآنَ يَدُلُّ على الْحَجْرِ على البالغين ( ( ( بالغين ) ) ) فَتَرَكْته وَقُلْت له أنت تَقُولُ في الْوَاحِدِ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا قال قَوْلًا وكان في الْقُرْآنِ تَنْزِيلٌ يَحْتَمِلُ خِلَافَ قَوْلِهِ في الظَّاهِرِ قُلْنَا بِقَوْلِهِ وَقُلْنَا هو أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ عز وجل ثُمَّ وَجَدْنَا صَاحِبَكُمْ يَرْوِي الْحَجْرَ عن ثَلَاثَةٍ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَخَالَفَهُمْ وَمَعَهُمْ الْقُرْآنُ قال وَأَيُّ صَاحِبٍ قُلْت أخبرنا محمد بن الْحَسَنِ أو غَيْرُهُ من أَهْلِ الصِّدْقِ في الحديث أو هُمَا عن يَعْقُوبَ بن إبْرَاهِيمَ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه قال ابْتَاعَ عبد اللَّهِ بن جَعْفَرٍ بَيْعًا فقال عَلِيٌّ رضي اللَّهُ عنه لَآتِيَنَّ عُثْمَانَ فَلَأَحْجُرَنَّ عَلَيْك فَأَعْلَمَ بِذَلِكَ بن جَعْفَرٍ الزُّبَيْرَ قال الزُّبَيْرُ أنا شَرِيكُك في بَيْعِك فَأَتَى عَلِيٌّ عُثْمَانَ فقال اُحْجُرْ على هذا فقال الزُّبَيْرُ أنا شَرِيكُهُ فقال عُثْمَانُ أَحْجُرُ على رَجُلٍ شَرِيكُهُ الزُّبَيْرِ فَعَلِيٌّ رضي اللَّهُ عنه لَا يَطْلُبُ الْحَجْرَ إلَّا وهو يَرَاهُ وَالزُّبَيْرُ لو كان الْحَجْرُ بَاطِلًا قال لَا يُحْجَرُ على حُرٍّ بَالِغٍ وَكَذَلِكَ عُثْمَانُ بَلْ كلهم يَعْرِفُ الْحَجْرَ في حديث صَاحِبِك قال فإن صَاحِبَنَا أَبَا يُوسُفَ رَجَعَ إلَى الْحَجْرِ قُلْت ما زَادَهُ رُجُوعُهُ إلَيْهِ قُوَّةً وَلَا وَهَنَهُ تَرْكُهُ إيَّاهُ إنْ تَرَكَهُ وقد رَجَعَ إلَيْهِ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَيْفَ كان مَذْهَبُهُ فيه فقال وما أَنْكَرْت قُلْت زَعَمْت أَنَّهُ رَجَعَ إلَى أَنَّ الْحُرَّ إذَا وَلِيَ مَالَهُ بِرُشْدٍ يُؤْنَسُ منه فَاشْتَرَى وَبَاعَ ثُمَّ تَغَيَّرَتْ حَالُهُ بَعْدَ رُشْدٍ أَحْدَثَ عليه الْحَجْرَ وَكَذَلِكَ قُلْنَا ثُمَّ زَعَمَ أَنَّهُ إذَا أَحْدَثَ عليه الْحَجْرَ أَبْطَلَ كُلَّ بَيْعٍ بَاعَهُ قَبْلَهُ وَشِرَاءٍ أَفَرَأَيْت الشَّاهِدَ يَعْدِلُ فَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ ثُمَّ تَغَيَّرَ حَالُهُ أَيَنْقُضُ الْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِ أو يَنْفُذُ وَيَكُونُ مُتَغَيِّرًا من يَوْمِ تَغَيَّرَ قال قد قال ذلك فَأَنْكَرْنَاهُ عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقال فَهَلْ خَالَفَ شيئا مِمَّا تَقُولُ في الْحَجْرِ وَالْيَتَامَى من الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ أَحَدٌ من أَصْحَابِك قُلْت أَمَّا أَحَدٌ من مُتَقَدِّمِي أَصْحَابِي فلم أَحْفَظْ عن وَاحِدٍ منهم خِلَافًا لِشَيْءٍ مِمَّا قُلْت وقد بَلَغَنِي عن بَعْضِهِمْ مِثْلُ ما قُلْت قال فَهَلْ ادركت أَحَدًا من أَهْلِ نَاحِيَتِك يقول بِخِلَافِ قَوْلِك هذا قُلْت قد روى لي عن بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ من نَاحِيَتِنَا أَنَّهُ خَالَفَ ما قُلْت وَقُلْت وقال غَيْرُنَا في مَالِ الْمَرْأَةِ إذَا تَزَوَّجَتْ رَجُلًا قال فقال فيه مَاذَا قُلْت ما لَا يَضُرُّك أَنْ لَا تَسْمَعَهُ ثُمَّ حَكَيْت له شيئا كُنْت أَحْفَظُهُ وكان يَحْفَظُهُ فقال ما يَشْكُلُ الْخَطَأُ في هذا على سَامِعٍ يَعْقِلُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَزَعَمَ لي زَاعِمٌ عن قَائِلِ هذا الْقَوْلِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا نَكَحَتْ رَجُلًا بِمِائَةِ دِينَارٍ جُبِرَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ بها ما يَتَجَهَّزُ بِهِ مِثْلُهَا وَكَذَلِكَ لو نُكِحَتْ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَإِنْ طَلَّقَهَا قبل أَنْ يَدْخُلَ بها رُجِعَ عليها بِنِصْفِ ما اشْتَرَتْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيَلْزَمُهُ أَنْ يُقَاسِمَهَا نَوْرَةً وَزَرْنِيخًا وَنُضُوحًا قال فَإِنْ قال قَائِلٌ فما يَدْخُلُ على من قال هذا الْقَوْلَ قِيلَ له يَدْخُلُ عليه أَكْثَرُ ما يَدْخُلُ على أَحَدٍ أو على غَيْرِهِ فَإِنْ قال ما هو قِيلَ له قال اللَّهُ عز وجل { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ من قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وقد فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ } وما فَرَضَ وَدَفَعَ مِائَةَ دِينَارٍ فَزَعَمَ قَائِلُ هذا الْقَوْلَ أَنَّهُ يَرُدُّهُ بِنِصْفِ مَتَاعٍ ليس فيه دَنَانِيرُ وَهَذَا
____________________

(3/220)


خِلَافُ ما جَعَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى له فَإِنْ قال قَائِلٌ إنَّمَا قُلْنَا هذا لِأَنَّا نَرَى أَنَّ وَاجِبًا عليها ( قال الرَّبِيعُ ) يَعْنِي أَنَّ وَاجِبًا عليها أَنْ تُجَهِّزَ بِمَا أَعْطَاهَا وكان عليه أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِ ما تَجَهَّزَتْ بِهِ في قَوْلِهِمْ وفي قَوْلِ الشَّافِعِيُّ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِنِصْفِ ما أَعْطَاهَا دَنَانِيرَ كانت أو غَيْرَهَا لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ عليها أَنْ تُجَهِّزَ إلَّا أَنْ تَشَاءَ وهو مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ } - * الصُّلْحُ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ ) قال أَمْلَى عَلَيْنَا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قال أَصْلُ الصُّلْحِ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ فما جَازَ في الْبَيْعِ جَازَ في الصُّلْحِ وما لم يَجُزْ في الْبَيْعِ لم يَجُزْ في الصُّلْحِ ثُمَّ يَتَشَعَّبُ وَيَقَعُ الصُّلْحُ على ما يَكُونُ له ثَمَنٌ من الْجِرَاحِ التي لها أَرْشٌ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا التي لها عليه صَدَاقٌ وَكُلُّ هذا يَقُومُ مَقَامَ الْأَثْمَانِ وَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عِنْدِي إلَّا على أَمْرٍ مَعْرُوفٍ كما لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَّا على أَمْرٍ مَعْرُوفٍ وقد روى عن عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه الصُّلْحُ جَائِزٌ بين الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أو حَرَّمَ حَلَالًا وَمِنْ الْحَرَامِ الذي يَقَعُ في الصُّلْحِ أَنْ يَقَعَ عِنْدِي على الْمَجْهُولِ الذي لو كان بَيْعًا كان حَرَامًا وإذا مَاتَ الرَّجُلُ وَوَرِثَتْهُ امْرَأَةٌ أو وَلَدٌ أو كَلَالَةٌ فَصَالَحَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ بَعْضًا فَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ على مَعْرِفَةٍ من الْمَصَالِحِ وَالْمُصَالَحِ بِحُقُوقِهِمْ أو إقْرَارٍ بِمَعْرِفَتِهِمْ بِحُقُوقِهِمْ وَتَقَابَضَ الْمُتَصَالِحَانِ قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا فَالصُّلْحُ جَائِزٌ وَإِنْ وَقَعَ على غَيْرِهِ مَعْرِفَةٌ مِنْهُمَا بِمَبْلَغِ حَقِّهِمَا أو حَقِّ الْمُصَالِحِ مِنْهُمَا لم يَجُزْ الصُّلْحُ كما لَا يَجُوزُ بَيْعُ مَالِ امْرِئٍ لَا يَعْرِفُهُ وإذا ادَّعَى الرَّجُلُ على الرَّجُلِ الدَّعْوَى في الْعَبْدِ أو غَيْرِهِ أو ادَّعَى عليه جِنَايَةً عَمْدًا أو خَطَأً فصالحه مما ادعى من هذا كله أو من بعضه على شيء قبضه منه فإن كان الصلح والمدعى عليه يقر فالصلح جائز بِمَا يَجُوزُ بِهِ الْبَيْعُ كان الصُّلْحُ نَقْدًا أو نَسِيئَةً وإذا كان الْمُدَّعَى عليه يُنْكِرُ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ وَهُمَا على أَصْلِ حَقِّهِمَا وَيَرْجِعُ الْمُدَّعِي على دَعْوَاهُ وَالْمُعْطِي بِمَا أَعْطَى وَسَوَاءٌ إذَا أَفْسَدْت الصُّلْحَ قال الْمُدَّعِي قد أَبْرَأْتُك مِمَّا ادَّعَيْتُ عَلَيْك أو لم يَقُلْهُ من قِبَلِ أَنَّهُ إنَّمَا أَبْرَأَهُ على أَنْ يُتِمَّ له ما أَخَذَ منه وَلَيْسَ هذا بِأَكْثَرَ من أَنْ يَبِيعَهُ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ فإذا لم يَتِمَّ له الْفَسَادَ رَجَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على أَصْلِ مِلْكِهِ كما كَانَا قبل أَنْ يَتَبَايَعَا فإذا اراد الرَّجُلَانِ الصُّلْحَ وَكَرِهَ الْمُدَّعَى عليه الْإِقْرَارَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُقِرَّ رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ على الْمُدَّعَى عليه بِمَا ادَّعَى عليه من جِنَايَةٍ أو مَالٍ ثُمَّ يُؤَدِّيَ ذلك عنه صُلْحًا فَيَكُونُ صَحِيحًا وَلَيْسَ لِلَّذِي أَعْطَى عن الرَّجُلِ أَنْ يَرْجِعَ على الْمُصَالِحِ الْمُدَّعَى عليه وَلَا لِلْمُصَالَحِ المدعى أَنْ يَرْجِعَ على الْمُدَّعَى عليه لِأَنَّهُ قد اخذ الْعِوَضَ من حَقِّهِ إلَّا أَنْ يَعْقِدَا صُلْحَهُمَا على فَسَادٍ فَيَكُونُونَ كما كَانُوا في أَوَّلِ ما تَدَاعَوْا قبل الصُّلْحِ قال وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ على رَجُلٍ حَقًّا في دَارٍ فَأَقَرَّ له بِدَعْوَاهُ وَصَالَحَهُ من ذلك على إبِلٍ أو بَقَرٍ أو غَنَمٍ أو رَقِيقٍ أو بَزٍّ مَوْصُوفٍ أو دَنَانِيرَ أو دَرَاهِمَ مَوْصُوفَةٍ أو طَعَامٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى كان الصُّلْحُ جَائِزًا كما يَجُوزُ لو بِيعَ ذلك إلَى ذلك الْأَجَلِ وَلَوْ ادَّعَى عليه شِقْصًا من دَارٍ فاقر له بِهِ ثُمَّ صَالَحَهُ على أَنْ أَعْطَاهُ بِذَلِكَ بَيْتًا مَعْرُوفًا من الدَّارِ مِلْكًا له أو سُكْنَى له عَدَدَ سِنِينَ فَذَلِكَ جَائِزٌ كما يَجُوزُ لو اقْتَسَمَاهُ أو تَكَارَى شِقْصًا له في دَارٍ وَلَكِنَّهُ لو قال أُصَالِحُك على سُكْنَى هذا الْمَسْكَنِ ولم يُسَمِّ وَقْتًا كان الصُّلْحُ فَاسِدًا من قِبَلِ أَنَّ هذا لَا يَجُوزُ كما لو ابْتَدَأَهُ حتى يَكُونَ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَهَكَذَا لو صَالَحَهُ على أَنْ يُكْرِيَهُ هذه الْأَرْضَ سِنِينَ يَزْرَعُهَا أو على شِقْصٍ من دَارٍ أُخْرَى سَمَّى ذلك وَعَرَفَ جَازَ كما يَجُوزُ في البيوع ( ( ( البيع ) ) ) وَالْكِرَاءِ وإذا لم يُسَمِّهِ لم يَجُزْ كما لَا يَجُوزُ في الْبُيُوعِ وَالْكِرَاءِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَشْرَعَ ظُلَّةً أو جَنَاحًا على طَرِيقٍ نَافِذَةٍ فَخَاصَمَهُ رَجُلٌ لِيَمْنَعَهُ منه فَصَالَحَهُ على شَيْءٍ على أَنْ يَدَعَهُ كان الصُّلْحُ بَاطِلًا لِأَنَّهُ أَخَذَ منه على ما لَا يَمْلِكُ وَنُظِرَ فَإِنْ كان إشْرَاعُهُ غير
____________________

(3/221)


مُضِرٍّ خلى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَإِنْ كان مُضِرًّا مَنَعَهُ وَكَذَلِكَ لو أَرَادَ إشْرَاعَهُ على طَرِيقٍ لِرَجُلٍ خَاصَّةً ليس بِنَافِذٍ أو لِقَوْمٍ فَصَالَحَهُ أو صَالَحُوهُ على شَيْءٍ أَخَذُوهُ منه على أَنْ يَدَعُوهُ يَشْرَعُهُ كان الصُّلْحُ في هذا بَاطِلًا من قِبَلِ أَنَّهُ إنَّمَا أَشْرَعَ في جِدَارِ نَفْسِهِ وَعَلَى هَوَاءٍ لَا يَمْلِكُ ما تَحْتَهُ وَلَا ما فَوْقَهُ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُثَبِّتَ خَشَبَةً وَيَصِحُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ الشَّرْطُ فَلْيَجْعَلْ ذلك في خَشَبٍ يَحْمِلُهُ على جُدْرَانِهِمْ وَجِدَارِهِ فَيَكُونُ ذلك شِرَاءَ مَحْمَلِ الْخَشَبِ وَيَكُونُ الْخَشَبُ بِأَعْيَانِهِ مَوْصُوفًا أو مَوْصُوفَ الْمَوْضِعِ أو يُعْطِيهِمْ شيئا على أَنْ يُقِرُّوا له بِخَشَبٍ يَشْرَعُهُ وَيُشْهِدُونَ على أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ أَقَرُّوا له بِمَحْمَلِ هذا الْخَشَبِ وَمَبْلَغِ شُرُوعِهِ بِحَقٍّ عَرَفُوهُ له فَلَا يَكُونُ لهم بَعْدَهُ أَنْ يَنْزِعُوهُ قال وَإِنْ ادَّعَى رَجُلٌ حَقًّا في دَارٍ أو أَرْضٍ فَأَقَرَّ له المدعي عليه وَصَالَحَهُ من دَعْوَاهُ على خِدْمَةِ عَبْدٍ أو رُكُوبِ دَابَّةٍ أو زِرَاعَةِ أَرْضٍ أو سُكْنَى دَارٍ أو شَيْءٍ مِمَّا يَكُونُ فيه الْإِجَارَاتُ ثُمَّ مَاتَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عليه أو أَحَدُهُمَا فَالصُّلْحُ جَائِزٌ وَلِوَرَثَةِ الْمُدَّعِي السُّكْنَى وَالرُّكُوبُ وَالزِّرَاعَةُ وَالْخِدْمَةُ وما صَالَحَهُمْ عليه الْمُصَالِحُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان الذي تَلِفَ الدَّابَّةَ التي صَالَحَ على رُكُوبِهَا أو الْمَسْكَنَ الذي صَالَحَ على سَكْنِهِ أو الْأَرْضَ التي صُولِحَ على زِرَاعَتِهَا فَإِنْ كان ذلك قبل أَنْ يَأْخُذَ منه الْمُصَالِحُ شيئا فَهُوَ على حَقِّهِ في الدَّارِ وقد انْتَقَضَتْ الْإِجَارَةُ وَإِنْ كان بعد ما أَخَذَ منه شيئا تَمَّ من الصُّلْحِ بِقَدْرِ ما أَخَذَ إنْ كان نِصْفًا أو ثُلُثًا أو رُبْعًا وَانْتَقَضَ من الصُّلْحِ بِقَدْرِ ما بَقِيَ يَرْجِعُ بِهِ في أَصْلِ السَّكَنِ الذي صُولِحَ عليه قال وَهَكَذَا لو صَالَحَهُ على عَبْدٍ بِعَيْنِهِ أو ثَوْبٍ بِعَيْنِهِ أو دَارٍ بِعَيْنِهَا فلم يَقْبِضْهُ حتى هَلَكَ انْتَقَضَ الصُّلْحُ وَرَجَعَ على أَصْلِ ما أَقَرَّ له بِهِ وَلَوْ كان صَالَحَهُ على عَبْدٍ بِصِفَةٍ أو غَيْرِ صِفَةٍ أو ثَوْبٍ بِصِفَةٍ أو دَنَانِيرَ أو دَرَاهِمَ أو كَيْلٍ أو وَزْنٍ بِصِفَةٍ تَمَّ الصُّلْحُ بَيْنَهُمَا وكان عليه مِثْلُ الصِّفَةِ التي صَالَحَهُ عليها وَلَوْ صَالَحَهُ على رُبُعِ أَرْضٍ مَشَاعٍ من دَارٍ مَعْلُومَةٍ جَازَ وَلَوْ صَالَحَهُ على أَذْرُعٍ من دَارٍ مُسَمَّاةٍ وهو يَعْرِفُ أَذْرُعَ الدَّارِ وَيَعْرِفُهُ الْمُصَالَحُ جَازَ وَهَذَا كَجُزْءٍ من أَجْزَاءٍ وَإِنْ كان صَالَحَهُ على أَذْرُعٍ وهو لَا يَعْرِفُ الذَّرْعَ كُلَّهُ لم يَجُزْ من قِبَلِ أَنَّهُ لَا يَدْرِي كَمْ قَدْرُ الذَّرْعِ فيها ثُلُثًا أو رُبُعًا أو أَكْثَرَ أو أَقَلَّ وَلَوْ صَالَحَهُ على طَعَامٍ جُزَافٍ أو دَرَاهِمَ جُزَافٍ أو عَبْدٍ فَجَائِزٌ فَإِنْ اسْتَحَقَّ ذلك قبل الْقَبْضِ أو بَعْدَهُ بَطَلَ الصُّلْحُ وَإِنْ هَلَكَ قبل الْقَبْضِ بَطَلَ الصُّلْحُ وَلَوْ كان صَالَحَهُ على عَبْدٍ بِعَيْنِهِ ولم يَرُدَّ الْعَبْدَ فَلَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فَإِنْ اخْتَارَ أَخْذَهُ جَازَ الصُّلْحُ وَإِنْ اخْتَارَ رَدَّهُ رَدَّ الصُّلْحَ ( قال الرَّبِيعُ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) بَعْدُ لَا يَجُوزُ شِرَاءُ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ وَلَا غَيْرِهِ إلَى أَجَلٍ وَيَكُونُ له خِيَارُ رُؤْيَتِهِ من قِبَلِ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَعْدُو بَيْعَ عَيْنٍ يَرَاهَا الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ عِنْدَ تَبَايُعِهِمَا وَبَيْعُ صِفَةٍ مَضْمُونٌ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ يَكُونُ على صَاحِبِهَا أَنْ يَأْتِيَ بها من جَمِيعِ الْأَرْضِ وَهَذَا الْعَبْدُ الذي بِعَيْنِهِ إلَى أَجَلٍ أن تَلِفَ بَطَلَ الْبَيْعُ فَهَذَا مَرَّةً يَتِمُّ فيه الْبَيْعُ وَمَرَّةً يَبْطُلُ فيه الْبَيْعُ وَالْبَيْعُ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَتِمَّ في كل حَالٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا كُلُّ ما صَالَحَهُ عليه بِعَيْنِهِ مِمَّا كان غَائِبًا عنه فَلَهُ فيه خِيَارُ الرُّؤْيَةِ ( قال الرَّبِيعُ ) رَجَعَ الشَّافِعِيُّ عن خِيَارِ رُؤْيَةِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ قَبَضَهُ فَهَلَكَ في يَدَيْهِ وَبِهِ عَيْبٌ رَجَعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ وَلَوْ لم يَجِدْ عَيْبًا وَلَكِنَّهُ اُسْتُحِقَّ نِصْفُهُ أو سَهْمٌ من أَلْفِ سَهْمٍ منه كان لِقَابِضِ الْعَبْدِ الْخِيَارُ في أَنْ يُجِيزَ من الصُّلْحِ بِقَدْرِ ما في يَدَيْهِ من الْعَبْدِ وَيَرْجِعَ بِقَدْرِ ما اسْتَحَقَّ منه أو يُنْقَضُ الصُّلْحُ كُلُّهُ ( قال الرَّبِيعُ ) الذي يَذْهَبُ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ إذَا بِيعَ الشَّيْءُ فَاسْتُحِقَّ بَعْضُهُ بَطَلَ الْبَيْعُ كُلُّهُ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ جَمَعَتْ شَيْئَيْنِ حَلَالًا وَحَرَامًا فَبَطَلَ كُلُّهُ وَالصُّلْحُ مِثْلُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ حَقًّا في دَارٍ فَأَقَرَّ له رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ على الْمُدَّعَى عليه وَصَالَحَهُ على عَبْدٍ بِعَيْنِهِ فَهُوَ جَائِزٌ وَإِنْ وَجَدَ بِالْعَبْدِ عَيْبًا فَرَدَّهُ أو اسْتَحَقَّ لم يَكُنْ له على الْأَجْنَبِيِّ شَيْءٌ وَرَجَعَ ==

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حدود المجاز في بلاغة العرب وانعكاس التمادي في تجاوزه علي اخطاء الفقهاء وسوء سلوكيات الناس

  ➎ ضحي الإيمان الجمعة، 4 يونيو 2021 قواعد مهمة في المجاز والحقيقة وبيان كيف زوروا معاني الحق الثابت حتي قي فاتل نفسه قلت المدون ...