مجلد5.و6.الأم للشافعي
5. الأم
محمد بن إدريس الشافعي أبو عبد الله
سنة الولادة 150/ سنة الوفاة 204
- * ذَكَاةُ الْجَرَادِ
وَالْحِيتَانِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا عَرَفْت في
الشَّاةِ الْحَيَاةَ تَتَحَرَّكُ بَعْدَ الذَّكَاةِ أو قَبْلَهَا أُكِلَتْ
وَلَيْسَ يَتَحَرَّكُ بَعْدَ الذَّكَاةِ ما مَاتَ قَبْلَهَا إنَّمَا يَتَحَرَّكُ
بَعْدَهَا ما كان فيه الرُّوحُ قَبْلَهَا ( قال ) وَكُلُّ ما عُرِفَتْ فيه
الْحَيَاةُ ثُمَّ ذُبِحَتْ بَعْدَهُ أُكِلَتْ - * ذكاة ( ( ( زكاة ) ) ) ما في
بَطْنِ الذَّبِيحَةِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) في ذَبْحِ الْجَنِينِ إنَّمَا
ذَبِيحَتُهُ تَنْظِيفٌ وَإِنْ لم يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ عليه وقد نهى رسول اللَّهِ
صلى اللَّهُ عليه وسلم عن الْمَصْبُورَةِ الشَّاةُ تُرْبَطُ ثُمَّ تُرْمَى
بِالنَّبْلِ - * ذَبَائِحُ من اشْتَرَكَ في نَسَبِهِ من أَهْلِ الْمِلَلِ
وَغَيْرِهِمْ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) في الْغُلَامِ أَحَدُ أَبَوَيْهِ
نَصْرَانِيٌّ وَالْآخَرُ مَجُوسِيٌّ يَذْبَحُ أو يَصِيدُ لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ
وَلَا صَيْدُهُ لِأَنَّهُ من أَبَوَيْهِ وَلَيْسَ هذا كَالْمُسْلِمِ يَكُونُ
ابْنُهُ الصَّغِيرُ على دِينِهِ وَلَا كَالْمُسْلِمَةِ يَكُونُ ابْنُهَا على
دِينِهَا من قِبَلِ أَنَّ حَظَّ الْإِسْلَامِ إذَا شَرِكَ حَظَّ الْكُفْرِ فِيمَنْ
لم يَدْنُ كان حَظُّ الْإِسْلَامِ أَوْلَى بِهِ وَلَيْسَ حَظُّ النَّصْرَانِيَّةِ
بِأَوْلَى من حَظِّ الْمَجُوسِيَّةِ وَلَا حَظُّ الْمَجُوسِيَّةِ بِأَوْلَى من
حَظِّ النَّصْرَانِيَّةِ كِلَاهُمَا كُفْرٌ بِاَللَّهِ وَلَوْ ارْتَدَّ نَصْرَانِيٌّ
إلَى مَجُوسِيَّةٍ أو مَجُوسِيٌّ إلَى نَصْرَانِيَّةٍ لم نَسْتَتِبْهُ ولم
نَقْتُلْهُ لِأَنَّهُ خَرَجَ من كُفْرٍ إلَى كُفْرٍ وَمَنْ خَرَجَ من دِينِ
الْإِسْلَامِ إلَى غَيْرِهِ قَتَلْنَاهُ إنْ لم يَتُبْ فإذا بَلَغَ هذا
الْمَوْلُودُ فَدَانَ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ فَهُوَ منهم أُكِلَتْ ذَبِيحَتُهُ
فَإِنْ ذَهَبَ رَجُلٌ يَقِيسُ الْإِسْلَامَ بِالْكُفْرِ أُلْحِقَ الْوَلَدُ
بِالنَّصْرَانِيَّةِ فَزَعَمَ أَنَّ النَّصْرَانِيَّةَ تَعْمَلُ ما يَعْمَلُ
الْإِسْلَامُ دخل عليه أَنْ يُفَرَّقَ بين من يَرْتَدُّ من نَصْرَانِيَّةٍ إلَى
مَجُوسِيَّةٍ وَدَخَلَ لِغَيْرِهِ عليه أَنْ يَقُولَ وَلَدُ الْأَمَةِ من الْحُرِّ
عَبْدٌ حُكْمُهُ حُكْمُ أُمِّهِ وَوَلَدُ الْحُرَّةِ من الْعَبْدِ حُرٌّ حُكْمُهُ
حُكْمُ أُمِّهِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) إن ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ التي يَحِلُّ أَكْلُهَا
صِنْفَانِ صِنْفٌ لَا يَحِلُّ إلَّا بِأَنْ يُذَكِّيَهُ من تَحِلُّ ذَكَاتُهُ
وَالصَّيْدُ وَالرَّمْيُ ذَكَاةٌ ما لَا يَقْدِرُ عليه وَصِنْفٌ يَحِلُّ بِلَا
ذَكَاةٍ مَيِّتُهُ وَمَقْتُولُهُ إنْ شَاءَ وَبِغَيْرِ الذَّكَاةِ وهو الْحُوتُ
وَالْجَرَادُ وإذا كان كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَحِلُّ بِلَا ذَكَاةٍ حَلَّ
مَيِّتًا فَأَيُّ حَالٍ وَجَدْتُهُمَا مَيِّتًا أُكِلَ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا
فَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَالْحُوتُ كان أَوْلَى أَنْ لَا يَحِلَّ مَيِّتًا
لِأَنَّ ذَكَاتَهُ أَمْكَنُ من ذَكَاةِ الْجَرَادِ فَهُوَ يَحِلُّ مَيِّتًا
وَالْجَرَادَةُ تَحِلُّ مَيِّتَةً وَلَا يَجُوزُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ
فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَارِقٌ فَلْيُدَلِّلْ من سَنَّ له ذَكَاةَ الْجَرَادِ أو
أَحَلَّ له بَعْضَهُ مَيِّتًا وَحَرَّمَ عليه بَعْضَهُ مَيِّتًا ما رَأَيْت
الْمَيِّتَ يَحِلُّ من شَيْءٍ إلَّا الْجَرَادُ وَالْحُوتُ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا عبد الرحمن بن زَيْدِ بن أَسْلَمَ عن أبيه عن بن
عُمَرَ قال قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أُحِلَّتْ لنا مَيْتَتَانِ
وَدَمَانِ أَمَّا الْمَيْتَتَانِ الْحُوتُ وَالْجَرَادُ وَالدَّمَانِ أَحْسِبُهُ
قال الْكَبِدُ وَالطِّحَالُ
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا حَاتِمُ بن إسْمَاعِيلَ
والدراوردي أو أَحَدُهُمَا عن جَعْفَرٍ عن أبيه رضي اللَّهُ عنهما قال النُّونُ
وَالْجَرَادُ ذَكِيٌّ - * ما يُكْرَهُ من الذَّبِيحَةِ - *
(2/233)
فَجُعِلَ حُكْمُ الْوَلَدِ
الْمُسْلِمِ حُكْمَ الْأُمِّ دُونَ الْأَبِ فَإِنْ قال قَائِلٌ الْمُرْتَدُّ عن
الْإِسْلَامِ يُقْتَلُ وَالْإِسْلَامُ غَيْرُ الشِّرْكِ وَلَا يُؤْكَلُ صَيْدٌ لم
يَصِدْهُ مُسْلِمٌ وَلَا كِتَابِيٌّ يُقَرُّ على دِينِهِ وَلَا أَعْلَمُ من الناس
أَحَدًا مَجُوسِيًّا وَلَا وَثَنِيًّا أَشَرَّ ذَبِيحَةٍ منه من قِبَلِ أَنَّهُ
يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَأْخُذَ الْجِزْيَةَ من الْمَجُوسِيِّ وَيُقِرَّهُ على
دِينِهِ وَيَجُوزَ له بَعْدَ الْقُدْرَةِ على الْحَرْبِيِّ أَنْ يَدَعَهُ بِلَا
قَتْلٍ وَلَا يَجُوزُ له هذا في الْمُرْتَدِّ فَيَحِلَّ دَمُهُ بِمَا يَحِلُّ بِهِ
دَمُ الْمُحَارِبِ وَلَا يَحِلُّ فيه تَرْكُهُ كما يَحِلُّ في الْمُحَارِبِ
لِعِظَمِ ذَنْبِهِ بِخُرُوجِهِ من دِينِ اللَّهِ الذي ارْتَضَى - * الذَّكَاةُ وما
أُبِيحَ أَكْلُهُ وما لم يُبَحْ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا وُجِدَ
الْحُوتُ في بَطْنِ حُوتٍ أو طَائِرٍ أو سَبُعٍ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْحُوتِ
وَلَوْ وُجِدَ في مَيِّتٍ لم يَحْرُمْ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ مَيِّتًا وَلَوْ كُنْت
أُحَرِّمُهُ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ ما في بَطْنِهَا لم يَحِلَّ ما كان منه في
بَطْنِ سَبُعٍ لِأَنَّ السَّبُعَ لَا يُؤْكَلُ وَلَا في بَطْنِ طَائِرٍ إلَّا إنْ
أَدْرَكَ ذَكَاتَهُ ثُمَّ ما كان لي أَنْ أَجْعَلَ ذَكَاتَهُ بِذَكَاةِ الطَّائِرِ
لِأَنَّهُ ليس بِمَخْلُوقٍ من الطَّائِرِ إنَّمَا تَكُونُ ذَكَاةُ الْجَنِينِ في
الْبَطْنِ ذَكَاةَ أُمِّهِ لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ منها وَحُكْمُهُ حُكْمُهَا ما لم
يُزَايِلْهَا في الْآدَمِيِّينَ وَالدَّوَابِّ فَأَمَّا ما ازْدَرَدَهُ طَائِرٌ
فَلَوْ ازْدَرَدَ عُصْفُورًا ما كان حَلَالًا بِأَنْ يذكى الْمُزْدَرَدَ وكان على
من وَجَدَهُ أَنْ يَطْرَحَهُ فَكَذَلِكَ ما أَصَبْنَا في بَطْنِ طَائِرٍ سِوَى
الْجَرَادِ وَالْحُوتِ فَلَا يُؤْكَلُ لَحْمًا كان أو طَائِرًا لِأَنَّهُ شَيْءٌ
من غَيْرِهِ فَإِنَّمَا تَقَعُ ذَكَاتُهُ على ما هو منه لَا على ما هو من غَيْرِهِ
فَكَذَلِكَ الْحُوتُ لو ازْدَرَدَ شَاةً أَكَلْنَا الْحُوتَ وَأَلْقَيْنَا
الشَّاةَ لِأَنَّ الشَّاةَ غَيْرُ الْحُوتِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) الذَّكَاةُ وَجْهَانِ وَجْهٌ فِيمَا قُدِرَ عليه
الذَّبْحُ وَالنَّحْرُ وَفِيمَا لم يُقْدَرْ عليه ما نَالَهُ الْإِنْسَانُ بِسِلَاحٍ
بيده أو رَمْيِهِ بيده فَهِيَ عَمَلُ يَدِهِ أو ما أَحَلَّ اللَّهُ عز وجل من
الْجَوَارِحِ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ الْمُعَلَّمَاتِ التي تَأْخُذُ بِفِعْلِ
الْإِنْسَانِ كما يُصِيبُ السَّهْمُ بِفِعْلِهِ فَأَمَّا الْمُحْفِرَةُ فَإِنَّهَا
لَيْسَتْ وَاحِدًا من ذَا كان فيها سِلَاحٌ يَقْتُلُ أو لم يَكُنْ وَلَوْ أَنَّ
رَجُلًا نَصَبَ سَيْفًا أو رُمْحًا ثُمَّ اضْطَرَّ صَيْدًا إلَيْهِ فَأَصَابَهُ
فَذَكَّاهُ لم يَحِلَّ أَكْلُهُ لِأَنَّهَا ذَكَاةٌ بِغَيْرِ قَتْلِ أَحَدٍ
وَكَذَلِكَ لو مَرَّتْ شَاةٌ أو صَيْدٌ فَاحْتَكَّتْ بِسَيْفٍ فَأَتَى على
مَذْبَحِهَا لم يَحِلَّ أَكْلُهَا لِأَنَّهَا قَاتِلَةٌ نَفْسَهَا لَا قَاتِلُهَا
غَيْرُهَا مِمَّنْ له الذَّبْحُ وَالصَّيْدُ وإذا صَادَ رَجُلٌ حِيتَانًا
وَجَرَادًا فَأَحَبُّ إلى لو سَمَّى اللَّهَ تَعَالَى وَلَوْ تَرَكَ ذلك لم
نُحَرِّمْهُ إذَا أَحْلَلْته مَيِّتًا فَالتَّسْمِيَةُ إنَّمَا هِيَ من سُنَّةِ
الذَّكَاةِ فإذا سَقَطَتْ الذَّكَاةُ حَلَّتْ بِتَرْكِ التَّسْمِيَةِ وَالذَّكَاةُ
ذَكَاتَانِ فَأَمَّا ما قُدِرَ على قَتْلِهِ من أنسى أو وَحْشِيٍّ فَلَا ذَكَاةَ
إلَّا في اللَّبَّةِ وَالْحَلْقِ وَأَمَّا ما هَرَبَ منه من أنسى أو وَحْشِيٍّ فما
نَالَهُ بِهِ من السِّلَاحِ فَهُوَ ذَكَاتُهُ إذَا قَتَلَهُ وَمِثْلُهُ الْبَعِيرُ
وَغَيْرُهُ يَتَرَدَّى في الْبِئْرِ فَلَا يُقْدَرُ على مَذْبَحِهِ وَلَا
مَنْحَرِهِ فَيُضْرَبُ بِالسِّكِّينِ على أَيِّ آرَابِهِ قُدِرَ عليه ويسمى
وَتَكُونُ تِلْكَ ذَكَاةً له ( قال ) وَلَوْ حَدَّدَ الْمِعْرَاضَ حتى يَمُورَ
مَوَرَانَ السِّلَاحِ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ - * الصَّيْدُ في الصَّيْدِ - *
(2/234)
- * إرْسَالُ الرَّجُلِ
الْجَارِحَ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا رَمَى الصَّيْدَ فَأَثْبَتَهُ
إثْبَاتًا لَا يَقْدِرُ معه على أَنْ يَمْتَنِعَ من أَنْ يُؤْخَذَ أو كان مَرِيضًا
أو مَكْسُورًا أو صَغِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ الِامْتِنَاعَ من أَنْ يُؤْخَذَ
فَرَمَى فَقَتَلَ لم يَحِلَّ أَكْلُهُ وَلَا يَحِلُّ هذا إلَّا بِالذَّكَاةِ
وَالذَّكَاةُ وَجْهَانِ ما كان من وحشى أو أنسى فما قُدِرَ عليه بِغَيْرِ
الرَّمْيِ وَالسِّلَاحِ لم يَحِلَّ إلَّا بِذَكَاةٍ وما لم يُقْدَرْ عليه إلَّا
بِرَمْيٍ أو بِسِلَاحٍ فَهُوَ ذَكَاةٌ له - * بَابٌ في الذَّكَاةِ وَالرَّمْيِ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عُمَرَ
بن سَعِيدِ بن مَسْرُوقٍ عن أبيه عن عَبَايَةَ بن رِفَاعَةَ عن جَدِّهِ رَافِعِ بن
خَدِيجٍ قال قُلْنَا يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا لَاقُو الْعَدُوِّ غَدًا وَلَيْسَ
مَعَنَا مُدًى أَنُذَكِّي بِاللِّيطِ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ما
أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ عليه اسْمُ اللَّهِ فَكُلُوهُ إلَّا ما كان من سِنٍّ أو
ظُفُرٍ فإن السِّنَّ عَظْمٌ من الْإِنْسَانِ وَالظُّفُرَ مُدَى الْحَبَشِ + ( قال
الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ كان رَجُلٌ رَمَى صَيْدًا فَكَسَرَهُ أو قَطَعَ جَنَاحَهُ
أو بَلَغَ بِهِ الْحَالُ التي لَا يَقْدِرُ الصَّيْدُ أَنْ يَمْتَنِعَ فيها من
أَنْ يَكُونَ مَأْخُوذًا فَرَمَاهُ أَحَدٌ فَقَتَلَهُ كان حَرَامًا وكان على
الرَّامِي قِيمَتُهُ بِالْحَالِ التي رَمَاهُ بها مَكْسُورًا أو مَقْطُوعًا
لِأَنَّهُ مُسْتَهْلِكٌ لِصَيْدٍ قد صَارَ لِغَيْرِهِ وَلَوْ رَمَاهُ فَأَصَابَهُ
ثُمَّ أَدْرَكَ ذَكَاتَهُ فَذَكَّى كان لِلرَّامِي الْأَوَّلِ وكان على الرَّامِي
الثَّانِي ما نَقَصَتْهُ الرَّمْيَةُ في الْحَالِ التي أَصَابَهُ فيها وَلَوْ
رَمَاهُ الْأَوَّلُ فَأَصَابَهُ وكان مُمْتَنِعًا بِطَيَرَانٍ إنْ كان طَائِرًا أو
بُعْدٍ وَإِنْ كان دَابَّةً ثُمَّ رَمَاهُ الثَّانِي فَأَثْبَتَهُ حتى لَا
يَسْتَطِيعَ أَنْ يَمْتَنِعَ كان لِلثَّانِي وَلَوْ رَمَاهُ الْأَوَّلُ في هذه
الْحَالِ فَقَتَلَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِلثَّانِي لِأَنَّهُ قد صَارَ له دُونَهُ
وَلَوْ رَمَيَاهُ مَعًا فَمَضَى مُمْتَنِعًا ثُمَّ رَمَاهُ ثَالِثٌ فَصَيَّرَهُ
غير مُمْتَنِعٍ كان لِلثَّالِثِ دُونَ الْأَوَّلَيْنِ وَلَوْ رَمَاهُ
الْأَوَّلَانِ بَعْدَ رَمْيَةِ الثَّالِثِ فَقَتَلَاهُ ضَمِنَاهُ وَلَوْ رَمَيَاهُ
مَعًا أو أَحَدُهُمَا قبل الْآخَرِ فَأَخْطَأَتْهُ إحْدَى الرَّمْيَتَيْنِ
وَأَصَابَتْهُ الْأُخْرَى كان الذي أَصَابَتْهُ رَمْيَتُهُ ضَامِنًا وَلَوْ
أَصَابَتَاهُ مَعًا أو إحْدَاهُمَا قبل الْأُخْرَى كانت الرَّمْيَتَانِ
مُسْتَوِيَتَيْنِ أو مُخْتَلِفَتَيْنِ إلَّا أَنَّهُمَا قد جَرَحَتَاهُ فَأَنْفَذَتْ
إحْدَاهُمَا مَقَاتِلَهُ ولم تُنْفِذْهُ الْأُخْرَى كَانَا جميعا قَاتِلَيْنِ له
وكان الصَّيْدُ بَيْنَهُمَا كما يَجْرَحُ الرَّجُلَانِ الرَّجُلَ أَحَدُهُمَا
الْجُرْحَ الْخَفِيفَ وَالْآخَرُ الْجُرْحَ الثَّقِيلَ أو عَدَدَ الْجِرَاحِ
الْكَثِيرَةِ فَيَكُونَانِ جميعا قَاتِلَيْنِ فَإِنْ كانت إحْدَى الرَّمْيَتَيْنِ
أَتَتْ منه على ما لَا يَعِيشُ منه طَرْفَةَ عَيْنٍ مِثْلَ أَنْ تَقْطَعَ
حُلْقُومَهُ أو مَرِيئَهُ أو رَأْسَهُ أو تَقْطَعَهُ بِاثْنَيْنِ فَإِنْ كانت هِيَ
التي وَقَعَتْ أَوَّلًا ثُمَّ وَقَعَتْ الرَّمْيَةُ الآخرى آخِرًا فَإِنَّمَا
رَمَى الْآخَرُ مَيِّتًا فَلَا ضَمَانَ عليه إلَّا أَنْ يَكُونَ أَفْسَدَ
بِالرَّمْيَةِ جِلْدًا أو لَحْمًا فَيَضْمَنُ قَدْرَ ما أَفْسَدَ من الْجِلْدِ أو
اللَّحْمِ وَيَكُونُ الصَّيْدُ لِلرَّامِي الذي ذَكَّاهُ وَلَوْ كانت الرَّمْيَةُ
التي لم تَبْلُغْ ذَكَاتَهُ أَوَّلًا وَالرَّمْيَةُ التي بَلَغَتْ ذَكَاتَهُ
آخِرًا كان لِلرَّامِي الْآخَرِ لِأَنَّهُ الذي ذَكَّاهُ ولم يَكُنْ على الرَّامِي
الْأَوَّلِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لم يَجْنِ عليه بعد ما صَارَ له وَلَا على الذي
ذَكَّاهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَمَى صَيْدًا مُمْتَنِعًا له رَمْيُهُ وَلَوْ
كان رَمَاهُ فَبَلَغَ أَنْ لَا يَمْتَنِعَ مِثْلُهُ وَتَحَامَلَ فَدَخَلَ دَارَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا أَرْسَلَ الرَّجُلُ الْجَارِحَ
طَائِرًا كان أو دَابَّةً على الصَّيْدِ فَمَضَى ثُمَّ صَرَعَهُ فَرَأَى الصَّيْدَ
أو لم يَرَهُ فَإِنْ كان إنَّمَا رَجَعَ عن سُنَنِهِ وَأَخَذَ طَرِيقًا إلَى
غَيْرِهَا فَهَذَا طَالِبٌ غَيْرُ رَاجِعٍ فَإِنْ قَتَلَ الصَّيْدَ أَكَلَ وإذا
رَجَعَ إلَى صَاحِبِهِ رَأَى الصَّيْدَ أو لم يَرَهُ ثُمَّ عَادَ بَعْدَ رُجُوعِهِ
فَقَتَلَهُ لم يُؤْكَلْ من قِبَلِ أَنَّ الْإِرْسَالَ الْأَوَّلَ قد انْقَضَى
وَهَذَا إحْدَاثُ طَلَبٍ بَعْدَ إرْسَالٍ فَإِنْ زَجَرَهُ صَاحِبُهُ بِرُجُوعِهِ
فَانْزَجَرَ أو في وَقْفَةٍ وَقَفَهَا فَاسْتَقْبَلَ أو في طَرِيقٍ غَيْرِ طَرِيقِ
الصَّيْدِ فَعَادَ في جَرْيِهِ فَقَتَلَهُ أكل ( ( ( وأكل ) ) ) وكان ذلك
كَإِرْسَالِهِ إيَّاهُ من يَدِهِ
(2/235)
رَجُلٍ فَأَخَذَهُ الرَّجُلُ
فَذَكَّاهُ كان لِلْأَوَّلِ لِأَنَّهُ الذي بَلَغَ بِهِ أَنْ يَكُونَ غير
مُمْتَنِعٍ وكان على صَاحِبِ الدَّارِ ما نَقَصَتْهُ الذَّكَاةُ إنْ كانت
نَقَصَتْهُ شيئا وَلَوْ أَخَذَهُ صَاحِبُ الدَّارِ ولم يُذَكِّهِ كان عليه رَدُّهُ
إلَى صَاحِبِهِ وَلَوْ مَاتَ في يَدِهِ قبل أَنْ يَرُدَّهُ كان ضَامِنًا له من
قِبَلِ أَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِأَخْذِهِ وَمَنَعَ من صَاحِبِهِ ذَكَاتَهُ وَلَوْ كانت
الرَّمْيَةُ لم تَبْلُغْ بِهِ أَنْ يَكُونَ غير مُمْتَنِعٍ وكان فيه ما
يَتَحَامَلُ طَائِرًا أو عَادِيًا فَدَخَلَ دَارَ رَجُلٍ فَأَخَذَهُ كان لِصَاحِبِ
الدَّارِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أُحِبُّ الذَّكَاةَ
بِالْحَدِيدِ وَأَنْ يَكُونَ ما ذُكِّيَ بِهِ من الْحَدِيدِ مُوحِيًا أَخَفَّ على
المذكي وَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ الْمُذَكِّي بَالِغًا مُسْلِمًا فَقِيهًا وَمَنْ
ذَكَّى من امْرَأَةٍ أو صَبِيٍّ من الْمُسْلِمِينَ جَازَتْ ذَكَاتُهُ وَكَذَلِكَ
من ذَكَّى من صِبْيَانِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَنِسَائِهِمْ وَكَذَلِكَ كُلُّ ما
ذَكَّى بِهِ من شَيْءٍ أَنْهَرَ الدَّمَ وَفَرَى الْأَوْدَاجَ وَالْمَذْبَحَ ولم
يُثَرِّدْ جَازَتْ بِهِ الذَّكَاةُ إلَّا الظُّفْرُ وَالسِّنُّ فإن النهى جاء
فِيهِمَا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَمَنْ ذَكَّى بِظُفْرِهِ أو سِنِّهِ
وَهُمَا ثَابِتَانِ فيه أو زَائِلَانِ عنه أو بِظُفْرِ سَبُعٍ أو سِنِّهِ أو ما
وَقَعَ عليه اسْمُ الظُّفْرِ من أَظْفَارِ الطَّيْرِ أو غَيْرِهِ لم يَجُزْ
الْأَكْلُ بِهِ لِنَصِّ السُّنَّةِ فيه عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن عُمَرَ بن سَعِيدِ بن مَسْرُوقٍ +
( قال الشَّافِعِيُّ ) كَمَالُ الذَّكَاةِ بِأَرْبَعٍ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ
وَالْوَدَجَيْنِ وَأَقَلُّ ما يكفى من الذَّكَاةِ اثْنَانِ الْحُلْقُومُ
وَالْمَرِيءُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ رَمَاهُ الْأَوَّلُ وَرَمَاهُ الثَّانِي فلم
يُدْرَ أَبَلَغَ بِهِ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ مُمْتَنِعًا أو غير مُمْتَنِعٍ
جَعَلْنَاهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ كما نَجْعَلُ الْقَاتِلَيْنِ مَعًا وهو على
الذَّكَاةِ حتى يُعْلَمَ أَنَّهُ قد صَارَ إلَى حَالٍ لَا يُقْدَرُ فيها على
الِامْتِنَاعِ وَيَكُونُ مَقْدُورًا على ذَكَاتِهِ ( قال ) وإذا رَمَى الرَّجُلُ
طَائِرًا يَطِيرُ فَأَصَابَهُ أَيَّ إصَابَةٍ ما كانت أو في أَيِّ مَوْضِعٍ ما كان
إذَا جَرَحَتْهُ فَأَدْمَتْهُ أو بَلَغَتْ أَكْثَرَ من ذلك فَسَقَطَ إلَى
الْأَرْضِ وَوَجَدْنَاهُ مَيِّتًا لم نَدْرِ أَمَاتَ في الْهَوَاءِ أو بعد ما
صَارَ إلَى الْأَرْضِ أُكِلَ من قِبَلِ أَنَّهُ مِمَّا أُحِلَّ من الصَّيْدِ
وَأَنَّهُ لَا يُوصَلُ إلَى أَنْ يَكُونَ مَأْخُوذًا إلَّا بِالْوُقُوعِ وَلَوْ
حَرَّمْنَا هذا خَوْفًا أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ قَتَلَتْهُ حَرَّمْنَا صَيْدَ
الطَّيْرِ كُلَّهُ إلَّا ما أُخِذَ منه فَذُكِّيَ وَكَذَلِكَ لو وَقَعَ على جَبَلٍ
أو غَيْرِهِ فلم يَتَحَرَّكْ عنه حتى أُخِذَ وَلَكِنَّهُ لو وَقَعَ على جَبَلٍ
فَتَرَدَّى عن مَوْضِعِهِ الذي وَقَعَ عليه قَلِيلًا أو كَثِيرًا كان مُتَرَدِّيًا
لَا يُؤْكَلُ إلَّا أَنْ يُذَكَّى حتى يُحِيطَ الْعِلْمُ أَنَّهُ مَاتَ قبل أَنْ
يَتَرَدَّى أو تَجِدَ الرَّمْيَةَ قد قَطَعَتْ رَأْسَهُ أو ذَبَحَتْهُ أو
قَطَعَتْهُ بِاثْنَيْنِ فَيُعْلَمُ حِينَئِذٍ أَنَّهُ لم يَقَعْ إلَّا ذَكِيًّا
فَإِنْ وَقَعَ على مَوْضِعٍ فَتَرَدَّى فَمَرَّ بِحِجَارَةِ حَدَّادٍ أو شَوْكٍ أو
شَيْءٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَطَعَ رَأْسَهُ أو نِصْفَهُ أو أتى على ذلك لم
يُؤْكَلْ حتى يُحِيطَ الْعِلْمُ أَنَّهُ لم يَتَرَدَّ إلَّا بَعْدَ ما مَاتَ وإذا
رَمَى الرَّجُلُ بِسَهْمِهِ صَيْدًا فَأَصَابَ غَيْرَهُ أو أَصَابَهُ فَأَنْفَذَهُ
وَقَتَلَ غَيْرَهُ فَسَوَاءٌ وَيَأْكُلُ كُلَّ ما أَصَابَ إذَا قَصَدَ
بِالرَّمْيَةِ قَصْدَ صَيْدٍ يَرَاهُ فَقَدْ جَمَعَ الرَّمْيَةَ التي تَكُونُ بها
الذَّكَاةُ وَإِنْ نَوَى صَيْدًا وإذا رَمَى الرَّجُلُ الصَّيْدَ بِحَجَرٍ أو بُنْدُقَةٍ
فَخَرَقَتْ أو لم تَخْرِقْ فَلَا يَأْكُلُهُ إلَّا أَنْ يُدْرِكَ ذَكَاتَهُ
لِأَنَّ الْغَالِبَ منها أنها غَيْرُ ذَكَاةٍ وَوَاقِذَةٍ وَأَنَّهَا إنَّمَا
قَتَلَتْ بِالثِّقَلِ دُونَ الْخَرْقِ وَأَنَّهَا لَيْسَتْ من مَعَانِي السِّلَاحِ
الذي يَكُونُ ذَكَاةً وَلَوْ رَمَى بِمِعْرَاضٍ فَأَصَابَ بِصَفْحِهِ فَقَتَلَ كان
مَوْقُوذًا لَا يُؤْكَلُ وَلَوْ أَصَابَ بِنَصْلِهِ وَحَدِّهِ ونصله ( ( ( نصله )
) ) مُحَدَّدٌ فَخَرَقَ أُكِلَ من قِبَلِ أَنَّهُ سَهْمٌ إنَّمَا يُقْتَلُ
بِالْخَرْقِ لَا بِالثِّقَلِ وَلَوْ رَمَى بِعَصًا أو عُودٍ كان مَوْقُوذًا لَا
يُؤْكَلُ وَلَوْ خَسَقَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنْ كان الْخَاسِقُ مِنْهُمَا
مُحَدَّدًا يَمُورُ مَوْرَ السِّلَاحِ بِعَجَلَةِ السِّلَاحِ أُكِلَ وَإِنْ كان
لَا يَمُورُ إلَّا مُسْتَكْرَهًا نَظَرْت فَإِنْ كان الْعُودُ أو الْعَصَا
خَفِيفَيْنِ كَخِفَّةِ السَّهْمِ أُكِلَتْ لِأَنَّهُمَا إذَا خَفَّا قَتَلَا
بِالْمَوْرِ وان أبطئا وإن كان ( ( ( أبطآ ) ) ) أَثْقَلَ من ذلك بِشَيْءٍ
مُتَبَايِنٍ لم يُؤْكَلْ من قِبَلِ أَنَّ الْأَغْلَبَ على أَنَّ الْقَتْلَ
بِالثِّقَلِ فَيَكُونُ مَوْقُوذًا - * الذَّكَاةُ - *
(2/236)
وَإِنَّمَا أَحْبَبْنَا أَنْ
يُؤْتَى بِالذَّكَاةِ على الْوَدَجَيْنِ من قِبَلِ أَنَّهُ إذَا أتى على
الْوَدَجَيْنِ فَقَدْ اسْتَوْظَفَ قَطْعَ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ حتى
أَبَانَهُمَا وَفِيهِمَا مَوْضِعُ الذَّكَاةِ لَا في الْوَدَجَيْنِ لِأَنَّ
الْوَدَجَيْنِ عِرْقَانِ قد يَسِيلَانِ من الْإِنْسَانِ ثُمَّ يَحْيَا
وَالْمَرِيءُ هو الْمَوْضِعُ الذي يَدْخُلُ فيه طَعَامُ كل خَلْقٍ يَأْكُلُ من
بَشَرٍ أو بَهِيمَةٍ وَالْحُلْقُومُ مَوْضِعُ النَّفَسِ وإذا بَانَا فَلَا حَيَاةَ
تُجَاوِزُ طُرْفَةَ عَيْنٍ فَلَوْ قَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْوَدَجَيْنِ دُونَ
الْمَرِيءِ لم تَكُنْ ذَكَاةً لِأَنَّ الْحَيَاةَ قد تَكُونُ بَعْدَ هذا مُدَّةً
وَإِنْ قَصُرَتْ وَكَذَلِكَ لو قَطَعَ الْمَرِيءَ وَالْوَدَجَيْنِ دُونَ
الْحُلْقُومِ لم تَكُنْ ذَكَاةً من قِبَلِ أَنَّ الْحَيَاةَ قد تَكُونُ بَعْدَ هذا
مُدَّةً وَإِنْ قَصُرَتْ فَلَا تَكُونُ الذَّكَاةُ إلَّا ما يَكُونُ بَعْدَهُ
حَيَاةٌ طَرْفَةَ عَيْنٍ وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا في اجْتِمَاعِ قَطْعِ
الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ دُونَ غَيْرِهِمَا - * بَابُ مَوْضِعِ الذَّكَاةِ في الْمَقْدُورِ
على ذَكَاتِهِ وَحُكْمُ غَيْرِ الْمَقْدُورِ عليه - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) الذَّكَاةُ ذَكَاتَانِ فَذَكَاةُ ما قُدِرَ عليه من وحشى
أو أنسي الذَّبْحُ أو النَّحْرُ وَمَوْضِعُهُمَا اللَّبَّةُ وَالْمَنْحَرُ
وَالْحَلْقُ لَا مَوْضِعَ غَيْرُهُ لِأَنَّ هذا مَوْضِعُ الْحُلْقُومِ
وَالْمَرِيءِ وَالْوَدَجَيْنِ فَذَلِكَ الذَّكَاةُ فيه بِمَا جَاءَتْ السُّنَّةُ
وَالْآثَارُ وما لم يُقْدَرْ عليه فَذَكَاتُهُ ذَكَاةُ الصَّيْدِ أنسيا كان أو
وَحْشِيًّا فَإِنْ قال قَائِلٌ بِأَيِّ شَيْءٍ قِسْت هذا قِيلَ قِسْته
بِالسُّنَّةِ وَالْآثَارِ وقد كَتَبْت ذلك في غَيْرِ هذا الْمَوْضِعِ لِأَنَّ
السُّنَّةَ أَنَّهُ أَمَرَ في الأنسى بِالذَّبْحِ وَالنَّحْرِ إذَا قُدِرَ على ذلك
منه وفي الْوَحْشِيِّ بِالرَّمْيِ وَالصَّيْدِ بِالْجَوَارِحِ فلما قُدِرَ على
الْوَحْشِيِّ فلم يَحِلَّ إلَّا بِمَا يَحِلُّ بِهِ الأنسي كان مَعْقُولًا عن
اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ الصَّيْدَ في الْحَالِ التي لَا
يُقْدَرُ عليها على أَنْ يَكُونَ فيها مذكي بِالذَّبْحِ وَالنَّحْرِ وَكَذَلِكَ
لَمَّا أَمَرَ بِالذَّبْحِ وَالنَّحْرِ في الأنسي فَامْتَنَعَ امْتِنَاعَ
الْوَحْشِيِّ كان مَعْقُولًا أَنَّهُ يذكي بِمَا يذكي بِهِ الْوَحْشِيُّ
الْمُمْتَنِعُ فَإِنْ قال قَائِلٌ لَا أَجِدُ هذا في الأنسي قِيلَ وَلَا تجد ( ( (
يجد ) ) ) في الْوَحْشِيِّ الذَّبْحَ فإذا أَحَلْته إلَى الذَّبْحِ وَالْأَصْلُ
الذي في الصَّيْدِ غَيْرُ الذَّبْحِ حين صَارَ مَقْدُورًا عليه فَكَذَلِكَ
فَأَحَلَّ الأنسي حين صَارَ إلَى الِامْتِنَاعِ إلَى ذَكَاةِ الْوَحْشِيِّ فَإِنْ
قُلْت لَا أُحِيلُ الأنسي وَإِنْ امْتَنَعَ إلَى ذَكَاةِ الْوَحْشِيِّ جَازَ
عَلَيْك لِغَيْرِك أَنْ يَقُولَ لَا أُحِيلُ الْوَحْشِيَّ إذَا قُدِرَ عليه إلَى
ذَكَاةِ الأنسي وَأُثْبِتُ على كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذَكَاتَهُ في أَيِّ حَالٍ ما
كان وَلَا أُحِيلُهُمَا عن حَالِهِمَا بَلْ هذا لِصَاحِبِ الصَّيْدِ أَوْلَى
لِأَنِّي لَا أَعْلَمُ في الصَّيْدِ خَبَرًا يَثْبُتُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه
وسلم في هذا وَأَعْلَمُ في الأنسي يَمْتَنِعُ خَبَرًا عن النبي صلى اللَّهُ عليه
وسلم يَثْبُتُ بِأَنَّهُ رأي ذَكَاتَهُ كَذَكَاةِ الْوَحْشِيِّ كَيْفَ يَجُوزُ
لِأَحَدٍ أَنْ يُفَرِّقَ بين الْمُجْتَمِعِ ثُمَّ إذَا فَرَّقَ أَبْطَلَ الثَّابِتَ
من جِهَةِ الْخَبَرِ وَيُثْبِتُ غَيْرَهُ من غَيْرِ جِهَةِ الْخَبَرِ ( قال ) وإذا
رَمَى الرَّجُلُ بِسَيْفٍ أو سِكِّينٍ صَيْدًا فَأَصَابَهُ بِحَدِّ السَّيْفِ أو
حَدِّ السِّكِّينِ فَمَارَ فيه فَهُوَ كَالسَّهْمِ يُصِيبُهُ بِنَصْلِهِ وَإِنْ
أَصَابَهُ بِصَفْحِ السَّيْفِ أو بِمِقْبَضِهِ أو قَفَاهُ إنْ كان ذَا قَفًا أو
بِنِصَابِ السِّكِّينِ أو قَفَاهُ أو صَفْحِهِ فَانْحَرَفَ الْحَدُّ عليه حتى
يَمُورَ فَلَا يَأْكُلُهُ إلَّا أَنْ يُدْرِكَ ذَكَاتَهُ وَهَذَا كَالسَّهْمِ يرمى
بِهِ وَالْخَشَبَةِ وَالْخَنْجَرِ فَلَا يُؤْكَلُ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَّهمْ
قَتَلَهُ ( قال ) وَإِنْ رَمَى صَيْدًا بِعَيْنِهِ بِسَيْفٍ أو سَهْمٍ وَلَا
يَنْوِي أَنْ يَأْكُلَهُ فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَهُ كما يَذْبَحُ الشَّاةَ لَا
يَنْوِي أَنْ يَأْكُلَهَا فَيَجُوزَ له أَكْلُهَا وَلَوْ رَمَى رَجُلٌ شَخْصًا
يَرَاهُ يَحْسِبُهُ خَشَبَةً أو حَجَرًا أو شَجَرًا أو شيئا فَأَصَابَ صَيْدًا
فَقَتَلَهُ كان أَحَبُّ إلى أَنْ يَتَنَزَّهَ عن أَكْلِهِ وَلَوْ أَكَلَهُ ما
رَأَيْته مُحَرَّمًا عليه وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا لو أَخْطَأَ بِشَاةٍ له
فَذَبَحَهَا لَا يُرِيدُ ذَكَاتَهَا أو أَخَذَهَا بِاللَّيْلِ فَحَزَّ حَلْقَهَا
حتى أتى على ذَكَاتِهَا وهو يَرَاهَا خَشَبَةً لَيِّنَةً أو غَيْرَهَا ما بَلَغَ
عِلْمِي أَنْ يَكُونَ ذَا مُحَرَّمًا عليه وَلَوْ دخل عَلَيْنَا بِالتَّحْرِيمِ
عليه إذَا أتى على ما يَكُونُ ذَكَاةً إذَا لم يَنْوِ الذَّكَاةَ دخل عَلَيْنَا
أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ رَجُلًا لو أَخَذَ شَاةً لِيَقْتُلَهَا لَا لِيُذَكِّيَهَا
فَذَبَحَهَا وَسَمَّى لم يَكُنْ له أَكْلُهَا وَدَخَلَ عَلَيْنَا أَنْ لو رَمَى ما
لَا يُؤْكَلُ من الطَّائِرِ وَالدَّوَابِّ فَأَصَابَ صَيْدًا يُؤْكَلُ لم
يَأْكُلْهُ من قِبَلِ أَنَّهُ قَصَدَ بِالرَّمْيَةِ قَصْدَ غَيْرِ الذَّكَاةِ
وَلَا نِيَّةَ الْمَأْكُولِ وَدَخَلَ عَلَيْنَا أَنْ لو أَرَادَ ذَبْحَ شَاةٍ
فَأَخْطَأ
(2/237)
بِغَيْرِهَا فَذَبَحَهُ لم
يَكُنْ له أَكْلُهُ وَلَوْ أَضْجَعَ شَاتَيْنِ لِيَذْبَحَ إحْدَاهُمَا وَلَا
يَذْبَحُ الْأُخْرَى فَسَمَّى وَأَمَرَ السكين ( ( ( بالسكين ) ) ) فَذَبَحَهُمَا
حَلَّ له أَكْلُ التي نَوَى ذَبْحَهَا ولم يَحِلَّ له أَكْلُ التي لم يَنْوِ
ذَبْحَهَا وَدَخَلَ عَلَيْنَا أَكْثَرُ من هذا وأولي أَنْ يَدْخُلَ مِمَّا
أَدْخَلَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْكَلَامِ وَذَلِكَ أَنْ يَذْبَحَ الرَّجُلُ شَاةَ
غَيْرِهِ فَيُدْرِكَهَا الرَّجُلُ الْمَالِكُ لها فَزَعَمَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ
أَكْلُهَا لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا من قِبَلِ أَنَّ ذَابِحَهَا عَاصٍ لَا يَحِلُّ له
أَكْلُهَا وَمَالِكُهَا غَيْرُ ذَابِحٍ لها وَلَا آمِرٌ بِذَبْحِهَا وَهَذَا
قَوْلٌ لَا يَسْتَقِيمُ يُخَالِفُ الْآثَارَ وَلَا أَعْلَمُ في الْأَمْرِ
بِالذَّبْحِ وَلَا في النِّيَّةِ عمل ( ( ( عملا ) ) ) غير الذَّكَاةِ وَلَقَدْ
دخل على قَائِلِ هذا الْقَوْلِ منه ما تَفَاحَشَ حتى زَعَمَ أَنَّ رَجُلًا لو
غَصَبَ سَوْطًا من رَجُلٍ فَضَرَبَ بِهِ أَمَتَهُ حَدَّ الزنى وَلَوْ كان
الْغَاصِبُ السُّلْطَانُ فَضَرَبَ بِهِ الْحَدَّ لم يَكُنْ وَاحِدٌ من هَذَيْنِ
مَحْدُودًا وكان عَلَيْهِمَا أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِمَا الْحَدُّ بِسَوْطٍ غَيْرِ
مَغْصُوبٍ فإذا كان هذا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ على غَيْرِ ما قال فَالنِّيَّةُ
أَوْلَى أَنْ لَا تَكُونَ في الذَّبَائِحِ وَالصَّيْدِ تَعْمَلُ شيئا وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا ضَرَبَ الرَّجُلُ الصَّيْدَ أو رَمَاهُ
فَأَبَانَ يَدَهُ أو رِجْلَهُ فَمَاتَ من تِلْكَ الضَّرْبَةِ فَسَوَاءٌ ذلك وَلَوْ
أَبَانَ نِصْفَهُ فَيَأْكُلُ النِّصْفَيْنِ وَالْيَدَ وَالرِّجْلَ وَجَمِيعَ
الْبَدَنِ لِأَنَّ تِلْكَ الضَّرْبَةَ إذَا وَقَعَتْ مَوْقِعَ الذَّكَاةِ كانت
ذَكَاةً على ما بَانَ وبقى كما لو ضَرَبَهُ أو ذَبَحَهُ فَأَبَانَ رَأْسَهُ كانت
الذَّكَاةُ على الرَّأْسِ وَجَمِيعِ الْبَدَنِ وَلَا تَعْدُو الضَّرْبَةُ أو
الرَّمْيَةُ أَنْ تَكُونَ ذَكَاةً وَالذَّكَاةُ لَا تَكُونُ على بَعْضِ الْبَدَنِ
دُونَ بَعْضٍ أو لَا تَكُونُ ذَكَاةً فَلَا يُؤْكَلُ منه شَيْءٌ وَلَكِنَّهُ لو
أَبَانَ منه عُضْوًا ثُمَّ أَدْرَكَ ذَكَاتَهُ فَذَكَّاهُ لم يَأْكُلْ الْعُضْوَ
الذي أَبَانَ لِأَنَّ الضَّرْبَةَ الْأُولَى صَارَتْ غير ذَكَاةٍ وَكَانَتْ
الذَّكَاةُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما طَلَبَتْهُ الْكِلَابُ أو الْبُزَاةُ فَأَتْعَبَتْهُ
فَمَاتَ ولم تَنَلْهُ فَلَا يُؤْكَلُ لِأَنَّهُ مَيْتَةٌ وَإِنَّمَا تَكُونُ
الذَّكَاةُ فِيمَا نَالَتْ لِأَنَّهَا بِمَا نَالَتْ تَقُومُ مَقَامَ الذَّكَاةِ
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا طَلَبَ شَاةً لِيَذْبَحَهَا فَأَتْعَبَهَا حتى مَاتَتْ لم
يَأْكُلْهَا وما أُصِيبَ من الصَّيْدِ بِأَيِّ سِلَاحٍ ما كان ولم يَمُرَّ فيه
فَلَا يُؤْكَلُ حتى يَبْلُغَ أَنْ يَمُرَّ فيدمى أو يُجَاوِزَ الْإِدْمَاءَ
فَيَخْرِقَ أو يَهْتِكَ وما نَالَتْهُ الْكِلَابُ وَالصُّقُورُ وَالْجَوَارِحُ
كُلُّهَا فَقَتَلَتْهُ ولم تُدْمِهِ احْتَمَلَ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ لَا
يُؤْكَلَ حتى يَخْرِقَ شيئا لِأَنَّ الْجَارِحَ ما خَرَقَ وقد قال اللَّهُ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى { الْجَوَارِحِ } وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنَّ فِعْلَهَا
كُلَّهُ ذَكَاةٌ فَبِأَيِّ فِعْلِهَا قَتَلَتْ حَلَّ وقد يَكُونُ هذا جَائِزًا
فَيَكُونُ فِعْلُهَا غير فِعْلِ السِّلَاحِ لِأَنَّ فِعْلَ السِّلَاحِ فِعْلُ
الْآدَمِيِّ وَأَدْنَى ذَكَاةِ الْآدَمِيِّ ما خَرَقَ حتى يدمى وَفِعْلُهَا عَمْدُ
الْقَتْلِ لَا على أَنَّ في الْقَتْلِ فِعْلَيْنِ أَحَدُهُمَا ذَكَاةٌ وَالْآخَرُ
غَيْرُ ذَكَاةٍ وقد تُسَمَّى جَوَارِحَ لِأَنَّهَا تَجْرَحُ فَيَكُونُ اسْمًا
لَازِمًا وَأُكِلَ ما أَمْسَكْنَ مُطْلَقًا فَيَكُونُ ما أَمْسَكْنَ حَلَالًا
بِالْإِطْلَاقِ وَيَكُونُ الْجُرْحُ إنْ جَرَحَهَا هو اسْمٌ مَوْضُوعٌ عليها لَا
أنها إنْ لم تَجْرَحْ لم يُؤْكَلْ ما قَتَلَتْ وإذا أَحْرَزَ الرَّجُلُ الصَّيْدَ
فَرَبَطَهُ وَأَقَامَ عِنْدَهُ أو لم يُقِمْ فَانْفَلَتَ منه فَصَادَهُ غَيْرُهُ
من سَاعَتِهِ أو بَعْدَ دَهْرٍ طَوِيلٍ فَسَوَاءٌ ذلك كُلُّهُ وهو لِصَاحِبِهِ
الذي أَحْرَزَهُ لِأَنَّهُ قد مَلَكَهُ مِلْكًا صَحِيحًا كما يَمْلِكُ شَاتَه
أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لو قَتَلَهُ في يَدَيْهِ ضمن ( ( ( يضمن ) ) ) له
قِيمَتَهُ كما يَضْمَنُ له قِيمَةَ شَاتِهِ فإذا كان هذا هَكَذَا فَقَدْ مَلَكَهُ
مِلْكَ الشَّاةِ أَلَا تَرَى أَنَّ حِمَارَ الأنسي لو اسْتَوْحَشَ فَأَخَذَهُ
رَجُلٌ كان لِلْمَالِكِ الْأَوَّلِ وَسُنَّةُ الْإِسْلَامِ أَنَّ من مَلَكَ من
الْآدَمِيِّينَ شيئا لم يَخْرُجْ من مِلْكِهِ إلَّا بِأَنْ يُخْرِجَهُ هو وَلَوْ
كان هَرَبَ الْوَحْشِيُّ من يَدَيْهِ يُخْرِجُهُ من مِلْكِهِ كان هَرَبُ الأنسي
يُخْرِجُهُ من مِلْكِهِ وَيُسْأَلُ من خَالَفَ هذا الْقَوْلَ إذَا هَرَبَ خَرَجَ من
مِلْكِهِ بِهَرَبِ نَفْسِهِ يَمْلِكُ نَفْسَهُ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ غَيْرِهِ
أَنْ يَمْلِكَهُ فَإِنْ قال لَا وَكَيْفَ تَمْلِكُ الْبَهَائِمُ أَنْفُسَهَا قِيلَ
وَهَكَذَا لَا يَمْلِكُهَا غَيْرُ من مَلَكَهَا على من مَلَكَهَا إلَّا
بِإِخْرَاجِهِ إيَّاهَا من يَدِهِ وَيُسْأَلُ ما فَرْقُ بين أَنْ يَخْرُجَ من
يَدِهِ فَيَصِيرَ مُمْتَنِعًا فَإِنْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ كان لِلْأَوَّلِ إذَا
تَقَارَبَ ذلك وَإِنْ تَبَاعَدَ كان لِلْآخَرِ أَفَرَأَيْت إنْ قال قَائِلٌ إذَا
تَبَاعَدَ كان لِلْأَوَّلِ وإذا تَقَارَبَ كان لِلْآخَرِ ما الْحُجَّةُ عليه هل
هِيَ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْأَوَّلِ بِكُلِّ
حَالٍ وإذا انْفَلَتَ كان لِمَنْ أَخَذَهُ من سَاعَتِهِ وَهَكَذَا كُلُّ وحشى في
الْأَرْضِ من طَائِرٍ أو غَيْرِهِ وَالْحُوتُ وَكُلُّ مُمْتَنِعٍ من الصَّيْدِ
(2/238)
في الذَّبْحِ وَلَا يَقَعُ
إلَّا على الْبَدَنِ وما ثَبَتَ فيه منه ولم يُزَايِلْهُ وما زايله كان
بِمَنْزِلَةِ الْمَيْتَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو ضَرَبَ منه عُضْوًا ثُمَّ
أَدْرَكَ ذَكَاتَهُ فَتَرَكَهَا لم يَأْكُلْ منه شيئا لِأَنَّ الذَّكَاةَ قد
أَمْكَنَتْهُ فَصَارَتْ الضَّرْبَةُ الْأُولَى غير الذَّكَاةِ - * بَابٌ فيه
مَسَائِلُ مِمَّا سَبَقَ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالذَّكَاةُ ذَكَاتَانِ
فما قُدِرَ على ذَكَاتِهِ مِمَّا يَحِلُّ أَكْلُهُ فَذَكَاتُهُ في اللَّبَّةِ
وَالْحَلْقِ لَا يَحِلُّ بِغَيْرِهِمَا أنسيا كان أو وَحْشِيًّا وما لم يُقْدَرْ
عليه فَذَكَاتُهُ أَنْ يُنَالَ بِالسِّلَاحِ حَيْثُ قُدِرَ عليه أنسيا كان أو
وَحْشِيًّا فَإِنْ تَرَدَّى بَعِيرٌ في نَهْرٍ أو بِئْرٍ فلم يُقْدَرْ على
مَنْحَرِهِ وَلَا مَذْبَحِهِ حَيْثُ يُذَكَّى فَطُعِنَ فيه بِسِكِّينٍ أو شَيْءٍ
تَجُوزُ الذَّكَاةُ بِهِ فَأَنْهَرَ الدَّمَ منه ثُمَّ مَاتَ أُكِلَ وَهَكَذَا
ذَكَاةُ ما لَا يُقْدَرُ عليه قد تَرَدَّى بَعِيرٌ في بِئْرٍ فَطُعِنَ في
شَاكِلَتِهِ فَسُئِلَ عنه بن عُمَرَ فَأَمَرَ بِأَكْلِهِ وَأَخَذَ منه عَشِيرًا
بِدِرْهَمَيْنِ وَسُئِلَ بن الْمُسَيِّبِ عن الْمُتَرَدِّي يُنَالُ بِشَيْءٍ من
السِّلَاحِ فَلَا يُقْدَرُ على مَذْبَحِهِ فقال حَيْثُمَا نِلْت منه بِالسِّلَاحِ
فَكُلْهُ وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفْتِينَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأُحِبُّ
في الذَّبِيحَةِ أَنْ تُوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ إذَا أَمْكَنَ ذلك وَإِنْ لم
يَفْعَلْ الذَّابِحُ فَقَدْ تَرَكَ ما أَسْتَحِبُّهُ له وَلَا يُحَرِّمُهَا ذلك +
( قال الشَّافِعِيُّ ) نهى عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رضى اللَّهُ عنه عن النَّخْعِ
وَأَنْ تُعَجَّلَ الْأَنْفُسُ أَنْ تُزْهَقَ وَالنَّخْعُ أَنْ يَذْبَحَ الشَّاةَ
ثُمَّ يَكْسِرَ قَفَاهَا من مَوْضِعِ الذَّبْحِ لِنَخْعِهِ وَلِمَكَانِ الْكَسْرِ
فيه أو تُضْرَبَ لِيُعَجِّلَ قَطْعَ حَرَكَتِهَا فَأَكْرَهُ هذا وَأَنْ
يَسْلُخَهَا أو يَقْطَعَ شيئا منها وَنَفْسُهَا تَضْطَرِبُ أو يَمَسُّهَا بِضَرْبٍ
أو غَيْرِهِ حتى تَبْرُدَ وَلَا يَبْقَى فيها حَرَكَةٌ فَإِنْ فَعَلَ شيئا مِمَّا
كَرِهْت له بَعْدَ الْإِتْيَانِ على الذَّكَاةِ كان مُسِيئًا ولم يُحَرِّمْهَا ذلك
لِأَنَّهَا ذَكِيَّةٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ ذَبَحَ رَجُلٌ ذَبِيحَةً
فَسَبَقَتْهُ يَدُهُ فَأَبَانَ رَأْسَهَا أَكَلَهَا وَذَلِكَ أَنَّهُ أتى
بِالذَّكَاةِ قبل قَطْعِ الرَّأْسِ وَلَوْ ذَبَحَهَا من قَفَاهَا أو أَحَدِ
صَفْحَتَيْ عُنُقِهَا ثُمَّ لم يَعْلَمْ مَتَى مَاتَتْ لم يَأْكُلْهَا حتى
يَعْلَمَ فَإِنْ عَلِمَ أنها حَيِيَتْ بَعْدَ قَطْعِ الْقَفَا أو أَحَدِ صَفْحَتَيْ
الْعُنُقِ حتى وَصَلَ بِالْمُدْيَةِ إلَى الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ فَقَطَعَهُمَا
وَهِيَ حَيَّةٌ أَكَلَ وكان مُسِيئًا بِالْجُرْحِ الْأَوَّلِ كما لو جَرَحَهَا
ثُمَّ ذَكَّاهَا كان مُسِيئًا وَكَانَتْ حَلَالًا وَلَا يَضُرُّهُ بَعْدَ قَطْعِ
الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ مَعًا أَقَطَعَ ما بقى من رَأْسِهَا أو لم يَقْطَعْهُ
إنَّمَا أَنْظُرُ إلَى الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ فإذا وَصَلَ إلَى قَطْعِهِمَا
وَفِيهَا الْحَيَاةُ كانت ذَكِيَّةً وإذا لم يَصِلْ إلَى ذلك وَفِيهَا الْحَيَاةُ
كانت مَيْتَةً وإذا غَابَ ذلك عَنِّي وقد ابْتَدَأَ من غَيْرِ جِهَتِهَا جَعَلْت
الْحُكْمَ على الذي ابْتَدَأَ منه إذَا لم أَسْتَيْقِنْ بِحَيَاةٍ بَعْدُ + ( قال
الشَّافِعِيُّ ) وَالتَّسْمِيَةُ على الذَّبِيحَةِ بِاسْمِ اللَّهِ فإذا زَادَ على
ذلك شيئا من ذِكْرِ اللَّهِ عز وجل فَالزِّيَادَةُ خَيْرٌ وَلَا أَكْرَهُ مع
تَسْمِيَتِهِ على الذَّبِيحَةِ أَنْ يَقُولَ صلى اللَّهُ على رسول اللَّهِ بَلْ
أُحِبُّهُ له وَأُحِبُّ له أَنْ يُكْثِرَ الصَّلَاةَ عليه فَصَلَّى اللَّهُ عليه
في كل الْحَالَاتِ لِأَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ عز وجل وَالصَّلَاةَ عليه إيمَانٌ
بِاَللَّهِ تَعَالَى وَعِبَادَةٌ له يُؤْجَرُ عليها إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى من
قَالَهَا وقد ذَكَرَ عبد الرحمن بن عَوْفٍ أَنَّهُ كان مع النبي صلى اللَّهُ عليه
وسلم
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَكُلُّ ما كان مَأْكُولًا من
طَائِرٍ أو دَابَّةٍ فَأَنْ يُذْبَحَ أَحَبُّ إلى وَذَلِكَ سُنَّتُهُ وَدَلَالَةُ
الْكِتَابِ فيه وَالْبَقَرُ دَاخِلَةٌ في ذلك لِقَوْلِهِ عز وجل { إنَّ اللَّهَ
يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً } وَحِكَايَتُهُ فقال { فَذَبَحُوهَا وما
كَادُوا يَفْعَلُونَ } إلَّا الْإِبِلَ فَقَطْ فَإِنَّهَا تُنْحَرُ لِأَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نَحَرَ بُدْنَهُ فَمَوْضِعُ النَّحْرِ في
الِاخْتِيَارِ في السُّنَّةِ في اللَّبَّةِ وَمَوْضِعُ الذَّبْحِ في الِاخْتِيَارِ
في السُّنَّةِ أَسْفَلُ من اللَّحْيَيْنِ وَالذَّكَاةُ في جَمِيعِ ما يُنْحَرُ
وَيُذْبَحُ ما بين اللَّبَّةِ وَالْحَلْقِ فَأَيْنَ ذَبَحَ من ذلك أَجْزَأَهُ فيه
ما يُجْزِيهِ إذَا وَضَعَ الذَّبْحَ في مَوْضِعِهِ وَإِنْ نَحَرَ ما يُذْبَحُ أو
ذَبَحَ ما يُنْحَرُ كَرِهْته له ولم أُحَرِّمْهُ عليه وَذَلِكَ أَنَّ النَّحْرَ
وَالذَّبْحَ ذَكَاةٌ كُلُّهُ غير أَنِّي أُحِبُّ أَنْ يَضَعَ كُلَّ شَيْءٍ من ذلك
مَوْضِعَهُ لَا يَعْدُوهُ إلَى غَيْرِهِ قال بن عَبَّاسٍ الذَّكَاةُ في اللَّبَّةِ
وَالْحَلْقِ لِمَنْ قَدَرَ وروى مِثْلُ ذلك عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ وزاد عُمَرُ
وَلَا تُعَجِّلُوا الْأَنْفُسَ أَنْ تُزْهَقَ
(2/239)
فَتَقَدَّمَهُ النبي صلى
اللَّهُ عليه وسلم قال فَاتَّبَعَهُ فَوَجَدَهُ عبد الرحمن سَاجِدًا فَوَقَفَ
يَنْتَظِرُهُ فَأَطَالَ ثُمَّ رَفَعَ فقال عبد الرحمن لقد خَشِيت أَنْ يَكُونَ
اللَّهُ عز ذِكْرُهُ قد قَبَضَ رُوحَك في سُجُودِك فقال يا عَبْدَ الرحمن إنِّي
لَمَّا كُنْت حَيْثُ رَأَيْت لَقِيَنِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي عن اللَّهِ عز وجل
أَنَّهُ قال من صلى عَلَيْك صَلَّيْت عليه فَسَجَدْت لِلَّهِ شُكْرًا فقال رسول
اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من نسى الصَّلَاةَ عَلَيَّ خطيء ( ( ( خطئ ) ) )
بِهِ طَرِيقُ الْجَنَّةِ ( قال الرَّبِيعُ ) قال مَالِكٌ لَا يصلى على النبي صلى
اللَّهُ عليه وسلم مع التَّسْمِيَةِ على الذَّبِيحَةِ وَإِنْ ذَا لَعَجَبٌ
وَالشَّافِعِيُّ يقول يُصَلَّى على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مع التَّسْمِيَةِ
على الذَّبِيحَةِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَذَبْحُ كل من
أَطَاقَ الذَّبْحَ من امْرَأَةٍ حَائِضٍ وَصَبِيٍّ من الْمُسْلِمِينَ أَحَبُّ إلى
من ذَبْحِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَكُلِّ حَلَالِ الذَّبِيحَةِ غير
أَنِّي أُحِبُّ لِلْمَرْءِ أَنْ يَتَوَلَّى ذَبْحَ نُسُكِهِ فإنه يُرْوَى أَنَّ
النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لِامْرَأَةٍ من أَهْلِهِ فَاطِمَةَ أو غَيْرِهَا
احضري ذَبْحَ نَسِيكَتِك فإنه يُغْفَرُ لَك عِنْدَ أَوَّلِ قَطْرَةٍ منها + ( قال
الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ ذَبَحَ النَّسِيكَةَ غَيْرُ مَالِكِهَا أَجْزَأَتْ لِأَنَّ
النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نَحَرَ بَعْضَ هَدْيِهِ وَنَحَرَ بَعْضَهُ غَيْرُهُ
وَأَهْدَى هَدْيًا فَإِنَّمَا نَحَرَهُ من أَهْدَاهُ معه غير أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ
يَذْبَحَ شيئا من النَّسَائِكِ مُشْرِكٌ لَأَنْ يَكُونَ ما تُقُرِّبَ بِهِ إلَى اللَّهِ
على أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ ذَبَحَهَا مُشْرِكٌ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ
أَجْزَأَتْ مع كَرَاهَتِي لِمَا وَصَفْت وَنِسَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ إذَا
أَطَقْنَ الذَّبْحَ كَرِجَالِهِمْ وما ذَبَحَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى
لِأَنْفُسِهِمْ مِمَّا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ أَكْلُهُ من الصَّيْدِ أو
بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ وَكَانُوا يُحَرِّمُونَ منه شَحْمًا أو حَوَايَا أو ما
اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ أو غَيْرِهِ إنْ كَانُوا يُحَرِّمُونَهُ فَلَا بَأْسَ على
الْمُسْلِمِينَ في أَكْلِهِ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل إذَا أَحَلَّ طَعَامَهُمْ
فَكَانَ ذلك عِنْدَ أَهْلِ التَّفْسِيرِ ذَبَائِحَهُمْ فَكُلُّ ما ذَبَحُوا لنا
فَفِيهِ شَيْءٌ مِمَّا يُحَرِّمُونَ فَلَوْ كان يَحْرُمُ عَلَيْنَا إذَا ذَبَحُوهُ
لِأَنْفُسِهِمْ من أَصْلِ دِينِهِمْ بِتَحْرِيمِهِمْ لَحَرُمَ عَلَيْنَا إذَا
ذَبَحُوهُ لنا وَلَوْ كان يَحْرُمُ عَلَيْنَا بِأَنَّهُ ليس من طَعَامِهِمْ
وَإِنَّمَا أُحِلَّ لنا طَعَامُهُمْ وكان ذلك على ما يَسْتَحِلُّونَ كَانُوا قد
يَسْتَحِلُّونَ مُحَرَّمًا عَلَيْنَا يَعُدُّونَهُ لهم طَعَامًا فَكَانَ
يَلْزَمُنَا لو ذَهَبْنَا هذا الْمَذْهَبَ أَنْ نَأْكُلَهُ لِأَنَّهُ من
طَعَامِهِمْ الْحَلَالِ لهم عِنْدَهُمْ وَلَكِنْ ليس هذا مَعْنَى الْآيَةِ
مَعْنَاهَا ما وَصَفْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد
أَنْزَلَ اللَّهُ عز ذِكْرُهُ على نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فما أَحَلَّ
فيه فَهُوَ حَلَالٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كان ذلك مُحَرَّمًا قَبْلَهُ أو لم
يَكُنْ مُحَرَّمًا وما حَرَّمَ فيه فَهُوَ حَرَامٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كان
ذلك حَرَامًا قَبْلَهُ أو لم يَكُنْ وَنُسِخَ بِهِ ما خَالَفَهُ من كل دِينٍ
أَدْرَكَهُ أو كان قَبْلَهُ وَافْتَرَضَ على الْخَلْقِ اتِّبَاعَهُ غير أَنَّهُ
أَذِنَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِأَنْ تُؤْخَذَ الْجِزْيَةُ من أَهْلِ الْكِتَابِ وَهُمْ
صَاغِرُونَ غير عَاذِرٍ لهم بِتَرْكِهِمْ الْإِيمَانَ وَلَا مُحَرِّمٍ عليهم شيئا
أَحَلَّهُ في كِتَابِهِ وَلَا مُحِلٍّ لهم شيئا حَرَّمَهُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَسْنَا نَعْلَمُ مُسْلِمًا وَلَا نَخَافُ عليه أَنْ
تَكُونَ صَلَاتُهُ عليه صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ
وَلَقَدْ خَشِيت أَنْ يَكُونَ الشَّيْطَانُ أَدْخَلَ على بَعْضِ أَهْلِ
الْجَهَالَةِ النَّهْيَ عن ذِكْرِ اسْمِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
عِنْدَ الذَّبِيحَةِ لِيَمْنَعَهُمْ الصَّلَاةَ عليه في حَالٍ لِمَعْنًى يَعْرِضُ
في قُلُوبِ أَهْلِ الْغَفْلَةِ وما يُصَلِّي عليه أَحَدٌ إلَّا إيمَانًا
بِاَللَّهِ تَعَالَى وَإِعْظَامًا له وَتَقَرُّبًا إلَيْهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
وَقَرَّبَنَا بِالصَّلَاةِ عليه منه زُلْفَى وَالذِّكْرُ على الذَّبَائِحِ
كُلِّهَا سَوَاءٌ وما كان منها نُسُكًا فَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ
يَقُولَ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي قَالَهُ وَإِنْ قال اللَّهُمَّ مِنْك
وَإِلَيْك فَتَقَبَّلْ مِنِّي وَإِنْ ضَحَّى بها عن أَحَدٍ فقال تَقَبَّلْ من
فُلَانٍ فَلَا بَأْسَ هذا دُعَاءٌ له لَا يُكْرَهُ في حَالٍ وقد روى عن النبي صلى
اللَّهُ عليه وسلم من وَجْهٍ لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ أَنَّهُ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ
فقال في أَحَدِهِمَا بَعْدَ ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ عز وجل اللَّهُمَّ عن مُحَمَّدٍ
وَعَنْ آلِ مُحَمَّدٍ وفي الْآخَرِ اللَّهُمَّ عن مُحَمَّدٍ وَعَنْ أُمَّةِ
مُحَمَّدٍ ( قال الرَّبِيعُ ) رَأَيْت الشَّافِعِيَّ إذَا حَضَرَ الْجَزَّارُ
لِيَذْبَحَ الضَّحِيَّةَ حَضَرَهُ حتى يَذْبَحَ - * بَابُ الذَّبِيحَةِ وَفِيهِ من
يَجُوزُ ذَبْحُهُ - *
(2/240)
في كِتَابِهِ وَسَوَاءٌ
ذَبَائِحُ أَهْلِ الْكِتَابِ حَرْبِيِّينَ كَانُوا أو مُسْتَأْمَنِينَ أو ذِمَّةً
(1) * كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ وَلَيْسَ في التَّرَاجِمِ وَتَرْجَمَ فيه ما يَحِلُّ
وَيَحْرُمُ + * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَصْلُ ما
يَحِلُّ أَكْلُهُ من الْبَهَائِمِ وَالدَّوَابِّ وَالطَّيْرِ شَيْئَانِ ثُمَّ
يَتَفَرَّقَانِ فَيَكُونُ منها شَيْءٌ مُحَرَّمٌ نَصًّا في سُنَّةِ رسول اللَّهِ
صلى اللَّهُ عليه وسلم وَشَيْءٌ مُحَرَّمٌ في جُمْلَةِ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل
خَارِجٌ من الطَّيِّبَاتِ وَمِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فإن اللَّهَ عز وجل يقول
{ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ } وَيَقُولُ { أُحِلَّ لَكُمْ
الطَّيِّبَاتُ } فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنَّ اللَّهَ عز وجل يقول { قُلْ لَا
أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا على طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ } فَأَهْلُ
التَّفْسِيرِ أو من سَمِعْت منه منهم يقول في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { قُلْ لَا
أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا } يعنى مِمَّا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ فإن
الْعَرَبَ كانت تُحَرِّمُ أَشْيَاءَ على أنها من الْخَبَائِثِ وَتُحِلُّ أَشْيَاءَ
على أنها من الطَّيِّبَاتِ فَأُحِلَّتْ لهم الطَّيِّبَاتُ عِنْدَهُمْ إلَّا ما
اسْتَثْنَى منها وَحُرِّمَتْ عليهم الْخَبَائِثُ عِنْدَهُمْ قال اللَّهُ عز وجل {
وَيُحَرِّمُ عليهم الْخَبَائِثَ } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ ما
دَلَّ على ما وَصَفْت قِيلَ لَا يَجُوزُ في تَفْسِيرِ الآي ( ( ( الآية ) ) )
إلَّا ما وَصَفْت من أَنْ تَكُونَ الْخَبَائِثُ مَعْرُوفَةً عِنْدَ من خُوطِبَ بها
وَالطَّيِّبَاتُ كَذَلِكَ إمَّا في لِسَانِهَا وَإِمَّا في خَبَرٍ يَلْزَمُهَا وَلَوْ
ذَهَبَ ذاهب إلي أَنْ يَقُولَ كُلُّ ما حَرُمَ حَرَامٌ بِعَيْنِهِ وما لم يَنُصَّ
بِتَحْرِيمٍ فَهُوَ حَلَالٌ أَحَلَّ أَكْلَ الْعَذِرَةِ وَالدُّودِ وَشُرْبِ
الْبَوْلِ لِأَنَّ هذا لم يُنَصَّ فَيَكُونُ مُحَرَّمًا وَلَكِنَّهُ دَاخِلٌ في
مَعْنَى الْخَبَائِثِ التي حَرَّمُوا فَحُرِّمَتْ عليهم بِتَحْرِيمِهِمْ وكان هذا
في شَرٍّ من حَالِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ الْمُحَرَّمَيْنِ لِأَنَّهُمَا نَجِسَانِ
يُنَجِّسَانِ ما مَاسَّا وقد كانت الْمَيْتَةُ قبل الْمَوْتِ غير نَجِسَةٍ
فَالْبَوْلُ وَالْعَذِرَةُ اللَّذَانِ لم يَكُونَا قَطُّ إلَّا نَجِسَيْنِ أَوْلَى
أَنْ يَحْرُمَا أَنْ يُؤْكَلَا أو يُشْرَبَا وإذا كان هذا هَكَذَا فَفِيهِ
كِفَايَةٌ مع أَنَّ ثَمَّ دَلَالَةٌ بِسُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
فلما أَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِقَتْلِ الْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ
وَالْعَقْرَبِ وَالْفَأْرَةِ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ دَلَّ هذا على تَحْرِيمِ
أَكْلِ ما أَمَرَ بِقَتْلِهِ في الْإِحْرَامِ وَلَمَّا كان هذا من الطَّائِرِ
وَالدَّوَابِّ كما وَصَفْت دَلَّ هذا على أَنْ أَنْظُرَ إلَى كل ما كانت الْعَرَبُ
تَأْكُلُهُ فَيَكُونُ حَلَالًا وَإِلَى ما لم تَكُنْ الْعَرَبُ تَأْكُلُهُ
فَيَكُونُ حَرَامًا فلم تَكُنْ الْعَرَبُ تَأْكُلُ كَلْبًا وَلَا ذِئْبًا وَلَا
أَسَدًا وَلَا نَمِرًا وَتَأْكُلُ الضَّبُعَ فَالضَّبُعُ حَلَالٌ وَيُجْزِيهَا
الْمُحَرَّمُ بِخَبَرٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أنها صَيْدٌ وَتُؤْكَلُ ولم
تكن تَأْكُلْ الْفَأْرَ وَلَا الْعَقَارِبَ وَلَا الْحَيَّاتِ وَلَا الْحِدَأَ
وَلَا الْغِرْبَانَ فَجَاءَتْ السُّنَّةُ مُوَافِقَةً لِلْقُرْآنِ بِتَحْرِيمِ ما
حَرَّمُوا وَإِحْلَالِ ما أَحَلُّوا وَإِبَاحَةِ أَنْ يُقْتَلَ في الْإِحْرَامِ ما
كان غير حَلَالٍ أَنْ يُؤْكَلَ ثُمَّ هذا أَصْلُهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْكَلَ
الرَّخَمُ وَلَا الْبُغَاثُ وَلَا الصُّقُورُ وَلَا الصَّوَائِدُ من الطَّائِرِ
كُلِّهِ مِثْلُ الشَّوَاهِينِ وَالْبُزَاةِ وَالْبَوَاشِقِ وَلَا تُؤْكَلُ
الْخَنَافِسُ وَلَا الْجُعْلَان وَلَا الْعَظَاءُ وَلَا اللُّحَكَاءُ وَلَا
الْعَنْكَبُوتُ وَلَا الزَّنَابِيرُ وَلَا كُلُّ ما كانت الْعَرَبُ لَا تَأْكُلُهُ
وَيُؤْكَلُ الضَّبُّ وَالْأَرْنَبُ وَالْوَبْرُ وَحِمَارُ الْوَحْشِ وَكُلُّ ما
أَكَلَتْهُ الْعَرَبُ أو فذاه ( ( ( فداه ) ) )
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا أَكْرَهُ ذَبِيحَةَ الْأَخْرَسِ الْمُسْلِمِ وَلَا
الْمَجْنُونِ في حَالِ إفَاقَتِهِ وَأَكْرَهُ ذَبِيحَةَ السَّكْرَانِ
وَالْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ في حَالِ جُنُونِهِ وَلَا أَقُولُ إنَّهَا حَرَامٌ
فَإِنْ قال قَائِلٌ فَلِمَ زَعَمْتَ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُجْزِي عن هَذَيْنِ لو
صَلَّيَا وَأَنَّ ذَكَاتَهُمَا تُجْزِي قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ لِاخْتِلَافِ
الصَّلَاةِ وَالذَّكَاةِ الصَّلَاةُ أَعْمَالٌ لَا تُجْزِي إلَّا من عَقَلَهَا
وَلَا تُجْزِي إلَّا بِطَهَارَةٍ وفي وَقْتٍ وَأَوَّلٍ وَآخِرٍ وَهُمَا مِمَّا لَا
يَعْقِلُ ذلك وَالذَّكَاةُ إنَّمَا أُرِيدُ أَنْ يُؤْتَى عليها فإذا أَتَيَا عليها
لم أَسْتَطِعْ أَنْ أَجْعَلَهُمَا فيها أَسْوَأَ حَالًا من مُشْرِكٍ وَمُشْرِكَةٍ
حَائِضٍ أو صَغِيرَةٍ لَا تَعْقِلُ أو من لَا تَجِبُ عليه الْحُدُودُ وَكُلُّ
هَؤُلَاءِ تُجْزِي ذَكَاتُهُ فَقُلْت بهذا الْمَعْنَى إنَّهُ إنَّمَا أُرِيدَ
الْإِتْيَانُ على الذَّكَاةِ
(2/241)
الْمُحْرِمُ في سُنَّةٍ أو
أَثَرٍ وَتُؤْكَلُ الضَّبُعُ وَالثَّعْلَبُ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مُسْلِمٌ وَعَبْدُ الْمَجِيدِ وَعَبْدُ اللَّهِ بن
الحرث عن بن جُرَيْجٍ عن عبد اللَّهِ بن عُبَيْدِ بن عُمَيْرٍ عن بن أبي عَمَّارٍ
قال سَأَلْت جَابِرَ بن عبد اللَّهِ عن الضَّبُعِ أَصَيْدٌ هِيَ فقال نعم قُلْت
أَتُؤْكَلُ قال نعم قُلْت أَسَمِعْتَهُ من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال
نعم (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالدَّوَابُّ وَالطَّيْرُ على أُصُولِهَا فما كان
منها أَصْلُهُ وَحْشِيًّا واستأنس ( ( ( واستؤنس ) ) ) فَهُوَ فِيمَا يَحِلُّ منه
وَيَحْرُمُ كَالْوَحْشِ وَذَلِكَ مِثْلُ حِمَارِ الْوَحْشِ وَالظَّبْيِ
يُسْتَأْنَسَانِ وَالْحِمَارُ يُسْتَأْنَسُ فَلَا يَكُونُ لِلْمُحْرِمِ قَتْلُهُ
فَإِنْ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ وَيَحِلُّ أَنْ يَذْبَحَ حِمَارَ الْوَحْشِ
الْمُسْتَأْنَسِ فَيُؤْكَلُ وما كان لَا أَصْلَ له في الْوَحْشِ مِثْلُ الدَّجَاجِ
وَالْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَالْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَالْبَقَرِ فَتَوَحَّشَتْ
فَقَتَلَهَا الْمُحْرِمُ لم يُجِزْهَا وَيَغْرَمُ قِيمَتَهَا لِلْمَالِكِ إنْ كان
لها لِأَنَّا صَيَّرْنَا هذه الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا على أُصُولِهَا فَإِنْ قال
قَائِلٌ في الْوَحْشِ بَقَرٌ وَظِبَاءٌ مِثْلُ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ قِيلَ نعم
تُخْلَقُ غير خَلْقِ الْأَهْلِيَّةِ شَبَهًا لها مَعْرُوفَةً منها وَلَوْ أَنَّا
زَعَمْنَا أَنَّ حِمَارَ الْوَحْشِ إذَا تَأَهَّلَ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ دخل
عَلَيْنَا أَنْ لو قَتَلَهُ مُحْرِمٌ لم يُجِزْهُ كما لو قَتَلَ حِمَارًا
أَهْلِيًّا لم يُجِزْهُ وَدَخَلَ عَلَيْنَا في الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ أَنْ لو
تَوَحَّشَ كان حَلَالًا وَكُلُّ ما تَوَحَّشَ من الْأَهْلِيِّ في حُكْمِ
الْوَحْشِيِّ وما استأنس ( ( ( استؤنس ) ) ) من الْوَحْشِيِّ في حُكْمِ
الْإِنْسِيِّ فَأَمَّا الْإِبِلُ التي أَكْثَرُ عَلَفِهَا الْعَذِرَةُ
الْيَابِسَةُ فَكُلُّ ما صَنَعَ هذا من الدَّوَابِّ التي تُؤْكَلُ فَهِيَ
جَلَّالَةٌ وَأَرْوَاحُ الْعَذِرَةِ تُوجَدُ في عِرْقِهَا وجررها ( ( ( وجرارها )
) ) لِأَنَّ لُحُومَهَا تغتذى بها فَتَقْلِبُهَا وما كان من الْإِبِلِ وَغَيْرِهَا
أَكْثَرُ عَلَفِهِ من غَيْرِ هذا وكان يَنَالُ هذا قَلِيلًا فَلَا يَبِينُ في
عِرْقِهِ وَلَا جُرُرِهِ لِأَنَّ اغْتِذَاءَهُ من غَيْرِهِ فَلَيْسَ بِجَلَّالٍ
مَنْهِيٍّ عنه وَالْجَلَّالَةُ مَنْهِيٌّ عن لُحُومِهَا حتى تُعْلَفَ عَلَفًا
غَيْرَهُ ما تَصِيرُ بِهِ إلَى أَنْ يُوجَدَ عِرْقُهَا وَجُرُرُهَا مُنْقَلِبًا
عَمَّا كانت تَكُونُ عليه فَيُعْلَمُ أَنَّ اغْتِذَاءَهَا قد انْقَلَبَ
فَانْقَلَبَ عِرْقُهَا وَجُرُرُهَا فَتُؤْكَلُ إذَا كانت هَكَذَا وَلَا نجد ( ( (
تجد ) ) ) شيئا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَجِدَهُ فيها كُلِّهَا أَبْيَنَ من هذا وقد جاء
في بَعْضِ الْآثَارِ أَنَّ الْبَعِيرَ يُعْلَفُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَالشَّاةُ
عَدَدًا أَقَلَّ من هذا وَالدَّجَاجَةُ سَبْعًا وَكُلُّهُمْ فِيمَا يُرَى إنَّمَا
أَرَادَ الْمَعْنَى الذي وَصَفْت من تَغَيُّرِهَا من الطِّبَاعِ الْمَكْرُوهَةِ
إلَى الطِّبَاعِ غَيْرِ الْمَكْرُوهَةِ التي هِيَ في فِطْرَةِ الدَّوَابِّ - *
بَابُ ذَبَائِحِ بَنِي إسْرَائِيلَ - * أخبرنا الرَّبِيعُ قال + ( قال
الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { كُلُّ الطَّعَامِ كان حِلًّا
لِبَنِي إسْرَائِيلَ إلَّا ما حَرَّمَ إسْرَائِيلُ على نَفْسِهِ } الْآيَةَ وقال
عز ذِكْرُهُ { فَبِظُلْمٍ من الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عليهم طَيِّبَاتٍ
أُحِلَّتْ لهم } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) يَعْنِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
طَيِّبَاتٍ كانت أُحِلَّتْ لهم وقال عز وجل { وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا
كُلَّ ذِي ظُفُرٍ } إلَى قَوْلِهِ { لَصَادِقُونَ } + ( قال الشَّافِعِيُّ )
الْحَوَايَا ما حَوَى الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ في الْبَطْنِ فلم يَزَلْ ما حَرَّمَ
اللَّهُ تَعَالَى على بَنِي إسْرَائِيلَ الْيَهُودِ خَاصَّةً وَغَيْرِهِمْ
عَامَّةً مُحَرَّمًا من حِينِ حَرَّمَهُ حتى بَعَثَ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ
مُحَمَّدًا صلى اللَّهُ عليه وسلم فَفَرَضَ الْإِيمَانَ بِهِ وَأَمَرَ بِاتِّبَاعِ
رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَطَاعَةِ أَمْرِهِ وَأَعْلَمَ خَلْقَهُ أَنَّ
طَاعَتَهُ طَاعَتُهُ وَأَنَّ دِينَهُ الْإِسْلَامُ الذي نَسَخَ بِهِ كُلَّ دِينٍ
كان قَبْلَهُ وَجَعَلَ من أَدْرَكَهُ وَعَلِمَ دِينَهُ فلم يَتَّبِعْهُ كَافِرًا
بِهِ فقال { إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ } فَكَانَ هذا في
الْقُرْآنِ وَأَنْزَلَ عز وجل في أَهْلِ الْكِتَابِ من الْمُشْرِكِينَ { قُلْ يا
أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ }
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما يُبَاعُ لَحْمُ الضِّبَاعِ بِمَكَّةَ إلَّا بين
الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَكُلُّ ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ لَا يَكُونُ إلَّا ما
عَدَا على الناس وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا في ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ من السِّبَاعِ
الْأَسَدُ وَالذِّئَابُ وَالنُّمُورُ فَأَمَّا الضَّبُعُ فَلَا يَعْدُو على الناس
وَكَذَلِكَ الثَّعْلَبُ وَيُؤْكَلُ الْيَرْبُوعُ وَالْقُنْفُذُ
(2/242)
إلَى قَوْلِهِ { مُسْلِمُونَ }
وَأُمِرْنَا بِقِتَالِهِمْ حتى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ
إنْ لم يُسْلِمُوا وَأَنْزَلَ فِيهِمْ { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النبي
الْأُمِّيَّ الذي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ في التَّوْرَاةِ
وَالْإِنْجِيلِ } إلَى قَوْلِهِ { وَالْأَغْلَالَ التي كانت عليهم } فَقِيلَ
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَوْزَارَهُمْ وما مَنَعُوا بِمَا أَحْدَثُوا قبل ما شُرِعَ
من دِينِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّهُ عليه وسلم فلم يَبْقَ خَلْقٌ يَعْقِلُ مُنْذُ
بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى مُحَمَّدًا صلى اللَّهُ عليه وسلم كِتَابِيٌّ وَلَا
وَثَنِيٌّ وَلَا حَيٌّ ذُو رُوحٍ من جِنٍّ وَلَا إنْسٍ بَلَغَتْهُ دَعْوَةُ
مُحَمَّدٍ صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا قَامَتْ عليه حُجَّةُ اللَّهِ عز وجل
بِاتِّبَاعِ دِينِهِ وكان مُؤْمِنًا بِاتِّبَاعِهِ وَكَافِرًا بِتَرْكِ
اتِّبَاعِهِ وَلَزِمَ كُلَّ امريء ( ( ( امرئ ) ) ) منهم آمَنَ بِهِ أو كَفَرَ
تَحْرِيمُ ما حَرَّمَ اللَّهُ عز وجل على لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
كان مُبَاحًا قَبْلَهُ في شَيْءٍ من الْمِلَلِ وَأَحَلَّ اللَّهُ عز وجل طَعَامَ
أَهْلِ الْكِتَابِ وقد وَصَفَ ذَبَائِحَهُمْ ولم يَسْتَثْنِ منها شيئا فَلَا
يَجُوزُ أَنْ تَحْرُمَ منها ذَبِيحَةُ كِتَابِيٍّ وفي الذَّبِيحَةِ حَرَامٌ على كل
مُسْلِمٍ مِمَّا كان حَرُمَ على أَهْلِ الْكِتَابِ قبل مُحَمَّدٍ صلى اللَّهُ عليه
وسلم وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبْقَى من شَحْمِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَكَذَلِكَ لو ذَبَحَهَا
كتابى لِنَفْسِهِ وَأَبَاحَهَا لِمُسْلِمٍ لم يَحْرُمْ على مُسْلِمٍ من شَحْمِ
بَقَرٍ وَلَا غَنَمٍ منها شَيْءٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ حَلَالًا من
جِهَةِ الذَّكَاةِ لِأَحَدٍ حَرَامًا على غَيْرِهِ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل أَبَاحَ
ما ذَكَرَ عَامًّا لَا خَاصًّا فَإِنْ قال قَائِلٌ هل يَحْرُمُ على أَهْلِ
الْكِتَابِ ما حَرُمَ عليهم قبل مُحَمَّدٍ صلى اللَّهُ عليه وسلم من هذه
الشُّحُومِ وَغَيْرِهَا إذَا لم يَتَّبِعُوا مُحَمَّدًا صلى اللَّهُ عليه وسلم
فَقَدْ قِيلَ ذلك كُلُّهُ مُحَرَّمٌ عليهم حتى يُؤْمِنُوا وَلَا يَنْبَغِي أَنْ
يَكُونَ مُحَرَّمًا عليهم وقد نُسِخَ ما خَالَفَ دِينَ مُحَمَّدٍ صلى اللَّهُ عليه
وسلم بِدِينِهِ كما لَا يَجُوزُ إنْ كانت الْخَمْرُ حَلَالًا لهم إلَّا أَنْ
تَكُونَ مُحَرَّمَةً عليهم إذْ حُرِّمَتْ على لِسَانِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّهُ عليه
وسلم وَإِنْ لم يَدْخُلُوا في دِينِهِ - * ما حَرَّمَ الْمُشْرِكُونَ على
أَنْفُسِهِمْ - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَرَّمَ الْمُشْرِكُونَ على
أَنْفُسِهِمْ من أَمْوَالِهِمْ أَشْيَاءَ أَبَانَ اللَّهُ عز وجل أنها لَيْسَتْ
حَرَامًا بِتَحْرِيمِهِمْ وقد ذَكَرْت بَعْضَ ما ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى منها
وَذَلِكَ مِثْلُ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ كَانُوا
يَتْرُكُونَهَا في الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ كَالْعِتْقِ فَيُحَرِّمُونَ أَلْبَانَهَا
وَلُحُومَهَا وَمِلْكَهَا وقد فَسَّرْته في غَيْرِ هذا الْمَوْضِعِ فقال تَبَارَكَ
وَتَعَالَى { ما جَعَلَ اللَّهُ من بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ
وَلَا حَامٍ } وقال { قد خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا
بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمْ اللَّهُ افْتِرَاءً على اللَّهِ قد
ضَلُّوا وما كَانُوا مُهْتَدِينَ } وقال اللَّهُ عز وجل وهو يَذْكُرُ ما حَرَّمُوا
{ وَقَالُوا هذه أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إلَّا من نَشَاءُ
بِزَعْمِهِمْ } إلَى قَوْلِهِ { حَكِيمٌ عَلِيمٌ } وَقَالُوا { ما في بُطُونِ هذه
الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ على أَزْوَاجِنَا } الْآيَةَ
وقال { ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ من الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنْ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ
} الْآيَةَ وَالْآيَتَيْنِ بَعْدَهَا فَأَعْلَمَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ لَا
يُحَرِّمُ عليهم ما حَرَّمُوا وَيُقَالُ نَزَلَتْ فِيهِمْ { قُلْ هَلُمَّ
شُهَدَاءَكُمْ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هذا فَإِنْ شَهِدُوا
فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ } فَرَدَّ إلَيْهِمْ ما أَخْرَجُوا من الْبَحِيرَةِ
وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ لم يُحَرِّمْ
عليهم ما حَرَّمُوا بِتَحْرِيمِهِمْ وقال { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ
الْأَنْعَامِ إلَّا ما يُتْلَى عَلَيْكُمْ } يعنى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ من
الْمَيْتَةِ وَيُقَالُ أُنْزِلَ في ذلك { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ
مُحَرَّمًا على طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ } إلَى قَوْلِهِ { فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ
اللَّهِ بِهِ } وَهَذَا يُشْبِهُ ما قِيلَ يَعْنِي { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا
أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا } أَيْ من بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ إلَّا مَيْتَةً أو
دَمًا مَسْفُوحًا منها وَهِيَ حَيَّةٌ أو ذَبِيحَةُ كَافِرٍ وَذَكَرَ تَحْرِيمَ
الْخِنْزِيرِ مَعَهَا وقد قِيلَ ما كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ إلَّا كَذَا وقال {
فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا } إلَى قَوْلِهِ { وما
أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ } وَهَذِهِ الْآيَةُ في مِثْلِ مَعْنَى الْآيَةِ
قَبْلَهَ
(2/243)
- * ما حَرُمَ بِدَلَالَةِ
النَّصِّ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ قال اللَّهُ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ
بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عن تَرَاضٍ مِنْكُمْ } وقال
{ إنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إنَّمَا يَأْكُلُونَ
في بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا }
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى { وَيُحِلُّ لهم الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عليهم الْخَبَائِثَ }
فَيُقَالُ يُحِلُّ لهم الطَّيِّبَاتِ عِنْدَهُمْ وَيُحَرِّمُ عليهم الْخَبَائِثَ
عِنْدَهُمْ قال اللَّهُ عز وجل { لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ
وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ من النَّعَمِ }
وكان الصَّيْدُ ما امْتَنَعَ بِالتَّوَحُّشِ كُلُّهُ وَكَانَتْ الْآيَةُ
مُحْتَمِلَةً أَنْ يَحْرُمَ على الْمُحْرِمِ ما وَقَعَ عليه اسْمُ صَيْدٍ وهو يجزئ
بَعْضَ الصَّيْدِ دُونَ بَعْضٍ فَدَلَّتْ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه
وسلم على أَنَّ من الصَّيْدِ شيئا ليس على الْمُحْرِمِ جَزَاؤُهُ كُلُّ ما يُبَاحُ
لِلْمُحْرِمِ قَتْلُهُ ولم يَكُنْ في الصَّيْدِ شَيْءٌ يَتَفَرَّقُ إلَّا بِأَحَدِ
مَعْنَيَيْنِ إمَّا بِأَنْ يَكُونَ اللَّهُ عز وجل أَرَادَ أَنْ يفدى الصَّيْدَ
الْمُبَاحَ أَكْلُهُ وَلَا يفدى ما لَا يُبَاحُ أَكْلُهُ وَهَذَا أَوْلَى
مَعْنَيَيْهِ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَصِيدُونَ
لِيَأْكُلُوا لَا لِيَقْتُلُوا وهو يُشْبِهُ دَلَالَةَ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل قال
اللَّهُ تَعَالَى { لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّهُ بِشَيْءٍ من الصَّيْدِ تَنَالُهُ
أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ } وقال عز وجل { لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ
حُرُمٌ } وقال { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ
وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُمًا }
فذكر جَلَّ ثَنَاؤُهُ إبَاحَةَ صَيْدِ الْبَحْرِ لِلْمُحْرِمِ وَمَتَاعًا له
يَعْنِي طَعَامًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ حَرَّمَ صَيْدَ الْبَرِّ فَأَشْبَهَ
أَنْ يَكُونَ إنَّمَا حَرَّمَ عليه بِالْإِحْرَامِ ما كان أَكْلُهُ مُبَاحًا له قبل
الْإِحْرَامِ ثُمَّ أَبَاحَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِلْمُحْرِمِ أَنْ
يَقْتُلَ الْغُرَابَ وَالْحِدَأَةَ وَالْفَأْرَةَ وَالْكَلْبَ الْعَقُورَ
وَالْأَسَدَ وَالنَّمِرَ وَالذِّئْبَ الذي يَعْدُو على الناس فَكَانَتْ
مُحَرَّمَةَ الْأَكْلِ على لِسَانِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذْ نهى عن
أَكْلِ كل ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ فَكَانَ ما أُبِيحَ قَتْلُهُ مَعَهَا يُشْبِهُ
أَنْ يَكُونَ مُحَرَّمَ الْأَكْلِ لِإِبَاحَتِهِ مَعَهَا وَأَنَّهُ لَا يَضُرُّ
ضَرَرُهَا وَأَبَاحَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَكْلَ الضَّبُعِ وهو
أَعْظَمُ ضَرَرًا من الْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ وَالْفَأْرَةِ أَضْعَافًا
وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَقْتُلَ الْمُحْرِمُ ما ضَرَّ وَلَا يَقْتُلَ ما لَا
يَضُرُّ وَيَفْدِيهِ إنْ قَتَلَهُ وَلَيْسَ هذا مَعْنَاهُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صلى اللَّهُ عليه وسلم أَحَلَّ أَكْلَ لَحْمِ الضَّبُعِ وَأَنَّ السَّلَفَ
وَالْعَامَّةَ عِنْدَهُمْ فَدَوْهَا وَهِيَ أَعْظَمُ ضَرَرًا من الْغُرَابِ
وَالْحِدَأَةِ والفأرة ( ( ( والفأر ) ) ) وَكُلُّ ما لم تَكُنْ الْعَرَبُ
تَأْكُلُهُ من غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَكَانَتْ تَدَعُهُ على التَّقَذُّرِ بِهِ
مُحَرَّمٌ وَذَلِكَ مِثْلُ الْحِدَأِ وَالْبُغَاثِ وَالْعُقْبَانِ وَالْبُزَاةِ
وَالرَّخَمِ وَالْفَأْرَةِ وَاللُّحَكَاءِ وَالْخَنَافِسِ وَالْجِعْلَانِ
وَالْعَظَاءِ وَالْعَقَارِبِ وَالْحَيَّاتِ وَالذَّرِّ وَالذِّبَّانِ وما أَشْبَهَ
هذا وَكُلُّ ما كانت تَأْكُلُهُ لم يَنْزِلْ تَحْرِيمُهُ ولم يَكُنْ في مَعْنَى ما
نَصَّ تَحْرِيمَهُ أو يَكُونُ على تَحْرِيمِهِ دَلَالَةٌ فَهُوَ حَلَالٌ
كَالْيَرْبُوعِ وَالضَّبُعِ وَالثَّعْلَبِ وَالضَّبِّ وما كانت لَا تَأْكُلُهُ ولم
يَنْزِلْ تَحْرِيمُهُ مِثْلُ الْبَوْلِ والخرء ( ( ( والخمر ) ) ) وَالدُّودِ وما
في هذا الْمَعْنَى وَعِلْمُ هذا مَوْجُودٌ عِنْدَهَا إلَى الْيَوْمِ وَكُلُّ ما
قُلْت حَلَالٌ حَلَّ ثَمَنُهُ وَيَحِلُّ بِالذَّكَاةِ وَكُلُّ ما قُلْت حَرَامٌ
حَرُمَ ثَمَنُهُ ولم يَحِلَّ بِالذَّكَاةِ وَلَا يَجُوزُ أَكْلُ التِّرْيَاقِ
الْمَعْمُولِ بِلُحُومِ الْحَيَّاتِ إلَّا أَنْ يَجُوزَ في حَالِ ضَرُورَةٍ
وَحَيْثُ تَجُوزُ الْمَيْتَةُ وَلَا تَجُوزُ مَيْتَةٌ بِحَالٍ - * الطَّعَامُ
وَالشَّرَابُ - * أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال
(2/244)
وقال عز وجل { وَآتُوا
النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } فَبَيَّنَ اللَّهُ عز وجل في كِتَابِهِ
أَنَّ مَالَ الْمَرْأَةِ مَمْنُوعٌ من زَوْجِهَا الْوَاجِبُ الْحَقُّ عليها إلَّا
بِطِيبِ نَفْسِهَا وَأَبَاحَهُ بِطِيبِ نَفْسِهَا لِأَنَّهَا مَالِكَةٌ لِمَالِهَا
مَمْنُوعٌ بِمِلْكِهَا مُبَاحٌ بِطِيبِ نَفْسِهَا كما قضي اللَّهُ عز وجل في
كِتَابِهِ وَهَذَا بَيَّنَ أَنَّ كُلَّ من كان مَالِكًا فَمَالُهُ مَمْنُوعٌ بِهِ
مُحَرَّمٌ إلَّا بِطِيبِ نَفْسِهِ بِإِبَاحَتِهِ فَيَكُونُ مُبَاحًا بِإِبَاحَةِ
مَالِكِهِ له لَا فَرْقَ بين الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ وَبَيَّنَ أَنَّ سُلْطَانَ
الْمَرْأَةِ على مَالِهَا كَسُلْطَانِ الرَّجُلِ على مَالِهِ إذَا بَلَغَتْ
الْمَحِيضَ وَجَمَعَتْ الرُّشْدَ وَقَوْلُ اللَّهِ عز وجل { إنَّ الَّذِينَ
يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا } يَدُلُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا لم
يَسْتَثْنِ فيه إلَّا بِطِيبِ أَنْفُسِ الْيَتَامَى على أَنَّ طِيبَ نَفْسِ
الْيَتِيمِ لَا يُحِلُّ أَكْلَ مَالِهِ وَالْيَتِيمُ وَالْيَتِيمَةُ في ذلك
وَاحِدٌ وَالْمَحْجُورُ عليه عِنْدَنَا كَذَلِكَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسَلَّطٍ على
مَالِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّ الناس في أَمْوَالِهِمْ وَاحِدٌ من اثْنَيْنِ
مُخَلًّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ فما حَلَّ له فَأُحِلُّهُ لِغَيْرِهِ حِلٌّ أو
مَمْنُوعٌ من مَالِهِ فما أَبَاحَ منه لم يَجُزْ لِمَنْ أَبَاحَهُ له لِأَنَّهُ
غَيْرُ مُسَلَّطٍ على إبَاحَتِهِ له فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ لِلْحَجْرِ في
الْقُرْآنِ أَصْلٌ يَدُلُّ عليه قِيلَ نعم إنْ شَاءَ اللَّهُ قال اللَّهُ عز وجل {
فَإِنْ كان الذي عليه الْحَقُّ سَفِيهًا أو ضَعِيفًا أو لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ
يُمِلَّ هو فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ } الْآيَةَ ( أخبرنا الرَّبِيعُ )
قال
أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا يَحْلُبَن أحدكم مَاشِيَةَ أَخِيهِ
بِغَيْرِ إذْنِهِ أَيُحِبُّ أحدكم أَنْ تُؤْتَى مَشْرَبَتُهُ فَتُكْسَرَ
فَيُنْتَقَلَ مَتَاعُهُ وقد روى حَدِيثٌ لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ إذَا دخل أحدكم
الْحَائِطَ فَلْيَأْكُلْ وَلَا يَتَّخِذْ خُبْنَةً وما لَا يَثْبُتُ لَا حُجَّةَ
فيه وَلَبَنُ الْمَاشِيَةِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا فَإِنْ لم يَثْبُتْ
هَكَذَا من ثَمَرِ الْحَائِطِ لِأَنَّ ذلك اللَّبَنَ يُسْتَخْلَفُ في كل يَوْمٍ
وَاَلَّذِي يَعْرِفُ الناس أَنَّهُمْ يَبْذُلُونَ منه وَيُوجِبُونَ من بَذْلِهِ ما
لَا يَبْذُلُونَ من الثَّمَرِ وَلَوْ ثَبَتَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
قُلْنَا بِهِ ولم نُخَالِفْهُ - * جِمَاعُ ما يَحِلُّ من الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ
وَيَحْرُمُ - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أَصْلُ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ
إذَا لم يَكُنْ لِمَالِكٍ من الْآدَمِيِّينَ أو أَحَلَّهُ مَالِكُهُ من
الْآدَمِيِّينَ حَلَالٌ إلَّا ما حَرَّمَ اللَّهُ عز وجل في كِتَابِهِ أو على
لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فإن ما حَرَّمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ
عليه وسلم لَزِمَ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل أَنْ يُحَرَّمَ وَيُحَرَّمَ ما لم
يَخْتَلِفْ الْمُسْلِمُونَ في تَحْرِيمِهِ وكان في مَعْنَى كِتَابٍ أو سُنَّةٍ أو
إجْمَاعٍ فَإِنْ قال قَائِلٌ فما الْحُجَّةُ في أَنَّ كُلَّ ما كان مُبَاحَ
الْأَصْلِ يَحْرُمُ بِمَالِكِهِ حتى يَأْذَنَ فيه مَالِكُهُ فَالْحُجَّةُ فيه
أَنَّ اللَّهَ عز وجل قال { لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ
إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عن تَرَاضٍ مِنْكُمْ } وقال تَبَارَكَ وَتَعَالَى {
وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ } الْآيَةَ وقال { وَآتُوا النِّسَاءَ
صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } إلَى قَوْلِهِ { هَنِيئًا مَرِيئًا } مع آيٍ كَثِيرَةٍ
في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل حَظَرَ فيها أَمْوَالَ الناس إلَّا بِطِيبِ
أَنْفُسِهِمْ إلَّا بِمَا فُرِضَ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل ثُمَّ سُنَّةِ
نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَجَاءَتْ بِهِ حُجَّةٌ ( قال )
أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ
قال لَا يَحْلُبَن أحدكم مَاشِيَةَ أَخِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَيُحِبُّ أحدكم أَنْ
تُؤْتَى مَشْرَبَتُهُ فَتُكْسَرَ فَأَبَانَ اللَّهُ في كِتَابِهِ أَنَّ ما كان
مِلْكًا لآدمى لم يَحِلَّ بِحَالٍ إلَّا بِإِذْنِهِ وَأَبَانَه
(2/245)
رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه
وسلم فَجَعَلَ الْحَلَالَ حَلَالًا بِوَجْهٍ حَرَامًا بِوَجْهٍ آخَرَ
وَأَبَانَتْهُ السُّنَّةُ فإذا مَنَعَ اللَّهُ عز وجل مَالَ الْمَرْأَةِ إلَّا
بِطِيبِ نَفْسِهَا وَاسْمُ الْمَالِ يَقَعُ على الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَفِي ذلك
مَعْنَى سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في اللَّبَنِ الذي تَخِفُّ
مُؤْنَتُهُ على مَالِكِهِ وَيُسْتَخْلَفُ في الْيَوْمِ مَرَّةً أو مَرَّتَيْنِ
فَحَرُمَ الْأَقَلُّ إلَّا بِإِذْنِ مَالِكِهِ كان الْأَكْثَرُ مِثْلَ الْأَقَلِّ
أو أَعْظَمَ تَحْرِيمًا بِقَدْرِ عِظَمِهِ على ما هو أَصْغَرُ منه من مَالِ
الْمُسْلِمِ وَمِثْلُ هذا ما فَرَضَ اللَّهُ عز وجل من الْمَوَارِيثِ بَعْدَ
مَوْتِ مَالِكِ الْمَالِ فلما لم يَكُنْ لِقَرِيبٍ أَنْ يَرِثَ الْمَالَ الذي قد
صَارَ مَالِكُهُ غير مَالِكٍ إلَّا بِمَا مَلَكَ كان لَأَنْ يَأْخُذَ مَالَ حَيٍّ
بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسِهِ أو مَيِّتٍ بِغَيْرِ ما جَعَلَ اللَّهُ له أَبْعَدَ (1) (
قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أَصْلُ ما يَمْلِكُ الناس مِمَّا يَكُونُ
مَأْكُولًا وَمَشْرُوبًا شيآن ( ( ( شيئان ) ) ) أَحَدُهُمَا ما فيه رُوحٌ
وَذَلِكَ الذي فيه مُحَرَّمٌ وَحَلَالٌ وَمِنْهُ ما لَا رُوحَ فيه وَذَلِكَ كُلُّهُ
حَلَالٌ إذَا كان بِحَالِهِ التي خَلَقَهُ اللَّهُ بها وكان الْآدَمِيُّونَ لم
يُحْدِثُوا فيه صَنْعَةً خَلَطُوهُ بِمُحَرَّمٍ أو اتَّخَذُوهُ مُسْكِرًا فإن هذا
مُحَرَّمٌ وما كان منه سُمًّا يَقْتُلُ رَأَيْته مُحَرَّمًا لِأَنَّ اللَّهَ عز
وجل حَرَّمَ قَتْلَ النَّفْسِ على الْآدَمِيِّينَ ثُمَّ قَتْلَهُمْ أَنْفُسَهُمْ
خَاصَّةً وما كان منه خَبِيثًا قَذِرًا فَقَدْ تَرَكَتْهُ الْعَرَبُ تَحْرِيمًا له
بِقَذَرِهِ وَيَدْخُلُ في ذلك ما كان نَجِسًا وما عَرَفَهُ الناس سُمًّا يَقْتُلُ
خِفْت أَنْ لَا يَكُونَ لِأَحَدٍ رُخْصَةٌ في شُرْبِهِ لِدَوَاءٍ وَلَا غَيْرِهِ
وَأَكْرَهُ قَلِيلَهُ وَكَثِيرَهُ خَلَطَهُ غَيْرُهُ أو لم يَخْلِطْهُ وَأَخَافُ
منه على شَارِبِهِ وَسَاقِيهِ أَنْ يَكُونَ قَاتِلًا نَفْسَهُ وَمَنْ سَقَاهُ وقد
قِيلَ يَحْرُمُ الْكَثِيرُ الْبَحْتُ منه وَيَحِلُّ الْقَلِيلُ الذي الْأَغْلَبُ
منه أنه يَنْفَعَ وَلَا يَبْلُغَ أَنْ يَكُونَ قَاتِلًا وقد سَمِعْت بِمَنْ مَاتَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَالْأَمْوَالُ مُحَرَّمَةٌ بِمَالِكِهَا مَمْنُوعَةٌ
إلَّا بِمَا فَرَضَ اللَّهُ عز وجل في كِتَابِهِ وَبَيَّنَهُ على لِسَانِ
نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَبِسُنَّةِ رَسُولِهِ فَلَزِمَ خَلْقَهُ
بِفَرْضِهِ طَاعَةُ رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فإنه يَجْمَعُ مَعْنَيَيْنِ
مِمَّا لِلَّهِ عز وجل طَاعَةٌ بِمَا أَوْجَبَ في أَمْوَالِ الْأَحْرَارِ
الْمُسْلِمِينَ طَابَتْ أَنْفُسُهُمْ بِذَلِكَ أو لم تَطِبْ من الزَّكَاةِ وما
لَزِمَهُمْ بِإِحْدَاثِهِمْ وَإِحْدَاثِ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ سَنَّ رسول اللَّهِ
صلى اللَّهُ عليه وسلم على من سَنَّ منهم أَخْذَهُ من أَمْوَالِهِمْ وَالْمَعْنَى
الثَّانِي يُبَيِّنُ أَنَّ ما أَمَرَ بِهِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
فَلَازِمٌ بِفَرْضِ اللَّهِ عز وجل فَذَلِكَ مِثْلُ الدِّيَةِ على قَاتِلِ
الْخَطَأِ فَيَكُونُ على عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ وَإِنْ لم تَطِبْ بها أَنْفُسُهُمْ
وَغَيْرُ ذلك مِمَّا هو مَوْضُوعٌ في مَوَاضِعِهِ من الزَّكَاةِ وَالدِّيَاتِ وَلَوْلَا
الِاسْتِغْنَاءُ بِعِلْمِ الْعَامَّةِ بِمَا وَصَفْنَا في هذا لَأَوْضَحْنَا من
تَفْسِيرِهِ أَكْثَرَ مِمَّا كَتَبْنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَمَنْ مر ( (
( أمر ) ) ) لِرَجُلٍ بِزَرْعٍ أو تَمْرٍ أو مَاشِيَةٍ أو غَيْرِ ذلك من مَالِهِ
لم يَكُنْ له أَخْذُ شَيْءٍ منه إلَّا بِإِذْنِهِ لِأَنَّ هذا مِمَّا لم يَأْتِ
فيه كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ بِإِبَاحَتِهِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ بِمَالِكِهِ
إلَّا بِإِذْنِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وقد قِيلَ من مَرَّ بِحَائِطٍ فَلَهُ أَنْ
يَأْكُلَ وَلَا يَتَّخِذَ خُبْنَةً وروى فيه حَدِيثٌ لو كان يَثْبُتُ مِثْلُهُ
عِنْدَنَا لم نُخَالِفْهُ وَالْكِتَابُ وَالْحَدِيثُ الثَّابِتُ أَنَّهُ لَا
يَجُوزُ أَكْلُ مَالِ أَحَدٍ إلَّا بِإِذْنِهِ وَلَوْ اُضْطُرَّ رَجُلٌ فَخَافَ
الْمَوْتَ ثُمَّ مَرَّ بِطَعَامٍ لِرَجُلٍ لم أَرَ بَأْسًا أَنْ يَأْكُلَ منه ما
يَرُدُّ من جُوعِهِ وَيَغْرَمُ له ثَمَنَهُ ولم أَرَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَمْنَعَهُ
في تِلْكَ الْحَالِ فَضْلًا من طَعَامٍ عِنْدَهُ وَخِفْت أَنْ يَضِيقَ ذلك عليه
وَيَكُونَ أَعَانَ على قَتْلِهِ إذَا خَافَ عليه بِالْمَنْعِ الْقَتْلَ - *
جِمَاعُ ما يَحِلُّ وَيَحْرُمُ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ مِمَّا يَمْلِكُ الناس - *
(2/246)
من قَلِيلٍ قد بَرَأَ منه
غَيْرُهُ فَلَا أُحِبُّهُ وَلَا أُرَخِّصُ فيه بِحَالٍ وقد يُقَاسُ بِكَثِيرِ
السُّمِّ وَلَا يَمْنَعُ هذا أَنْ يَكُونَ يَحْرُمُ شُرْبُهُ - * تَفْرِيعُ ما
يَحِلُّ وَيَحْرُمُ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أَصْلُ
التَّحْرِيمِ نَصُّ كِتَابٍ أو سُنَّةٍ أو جُمْلَةُ كِتَابٍ أو سُنَّةٍ أو
إجْمَاعٍ قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ
النبي الْأُمِّيَّ الذي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ في التَّوْرَاةِ
وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عن الْمُنْكَرِ
وَيُحِلُّ لهم الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عليهم الْخَبَائِثَ } وقال عز وجل {
يَسْأَلُونَك مَاذَا أُحِلَّ لهم } الْآيَةَ وَإِنَّمَا تَكُونُ الطَّيِّبَاتُ وَالْخَبَائِثُ
عِنْدَ الْآكِلِينَ كَانُوا لها وَهُمْ الْعَرَبُ الَّذِينَ سَأَلُوا عن هذا
وَنَزَلَتْ فِيهِمْ الْأَحْكَامُ وَكَانُوا يَكْرَهُونَ من خَبِيثِ الْمَآكِلِ
مالا يَكْرَهُهَا غَيْرُهُمْ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَسَمِعْت بَعْضَ أَهْلِ
الْعِلْمِ يَقُولُونَ في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ
إلَيَّ مُحَرَّمًا على طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ } الْآيَةَ يَعْنِي مِمَّا كُنْتُمْ
تَأْكُلُونَ في الْآيِ التي ذُكِرَتْ في هذا الْكِتَابِ وما في مَعْنَاهُ ما
يَدُلُّ على ما وَصَفْت فَإِنْ قال قَائِلٌ ما يَدُلُّ على ما وَصَفْت قِيلَ
أَرَأَيْت لو زَعَمْنَا أَنَّ الْأَشْيَاءَ مُبَاحَةٌ إلَّا ما جاء فيه نَصُّ
خَبَرٍ في كِتَابٍ أو سُنَّةٍ أَمَّا زَعْمُنَا أَنَّ أَكْلَ الدُّودِ
وَالذِّبَّانِ وَالْمُخَاطِ وَالنُّخَامَةِ وَالْخَنَافِسِ وَاللُّحَكَاءِ وَالْعَظَاءِ
وَالْجِعْلَانِ وَخُشَاشِ الْأَرْضِ وَالرَّخَمِ وَالْعُقْبَانِ وَالْبُغَاثِ
وَالْغِرْبَانِ وَالْحِدَأِ وَالْفَأْرِ وما في مِثْلِ حَالِهَا حَلَالٌ فَإِنْ
قال قَائِلٌ فما دَلَّ على تَحْرِيمِهَا قِيلَ قال اللَّهُ عز وجل { أُحِلَّ
لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ
عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُمًا } فَكَانَ شيئآن حَلَالَيْنِ
فَأَثْبَتَ تَحْلِيلَ أَحَدِهِمَا وهو صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ وَطَعَامُهُ
مَالِحُهُ وَكُلُّ ما فيه مَتَاعٌ لهم يَسْتَمْتِعُونَ بِأَكْلِهِ وَحُرِّمَ عليهم
صَيْدُ الْبَرِّ أَنْ يَسْتَمْتِعُوا بِأَكْلِهِ في
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ قال اللَّهُ تَعَالَى { أُحِلَّتْ
لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إلَّا ما يُتْلَى عَلَيْكُمْ غير مُحِلِّي
الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } فَاحْتَمَلَ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {
أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ } إحْلَالَهَا دُونَ ما سِوَاهَا
وَاحْتَمَلَ إحْلَالَهَا بِغَيْرِ حَظْرِ ما سِوَاهَا وَاحْتَمَلَ قَوْلُ اللَّهِ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وقد فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إلَّا ما
اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ } وَقَوْلُهُ عز وجل { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ
إلَيَّ مُحَرَّمًا على طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أو دَمًا
مَسْفُوحًا أو لَحْمَ خِنْزِيرٍ فإنه رِجْسٌ أو فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ
بِهِ } وَقَوْلُهُ { فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عليه } وما أَشْبَهَ
هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ أَنْ يَكُونَ أَبَاحَ كُلَّ مَأْكُولٍ لم يَنْزِلْ
تَحْرِيمُهُ في كِتَابِهِ نَصًّا وَاحْتَمَلَ كُلَّ مَأْكُولٍ من ذَوَاتِ
الْأَرْوَاحِ لم يَنْزِلْ تَحْرِيمُهُ بِعَيْنِهِ نَصًّا أو تَحْرِيمُهُ على
لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَيَحْرُمُ بِنَصِّ الْكِتَابِ
وَتَحْلِيلُ الْكِتَابِ بِأَمْرِ اللَّهِ عز وجل بِالِانْتِهَاءِ إلَى أَمْرِ
نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَيَكُونُ إنَّمَا حَرُمَ بِالْكِتَابِ في
الْوَجْهَيْنِ فلما احْتَمَلَ أَمْرَ هذه الْمَعَانِي كان أَوْلَاهَا بِنَا
الِاسْتِدْلَالَ على ما يَحِلُّ وَيَحْرُمُ بِكِتَابِ اللَّهِ ثُمَّ سُنَّةٍ
تُعْرِبُ عن كِتَابِ اللَّهِ أو أَمْرٍ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عليه فإنه لَا
يُمْكِنُ في اجْتِمَاعِهِمْ أَنْ يَجْهَلُوا لِلَّهِ حَرَامًا وَلَا حَلَالًا
إنَّمَا يُمْكِنُ في بَعْضِهِمْ وَأَمَّا في عَامَّتِهِمْ فَلَا وقد وَضَعْنَا هذا
مَوَاضِعَهُ على التَّصْنِيفِ - * ما يَحْرُمُ من جِهَةِ ما لَا تَأْكُلُ
الْعَرَبُ - *
(2/247)
كِتَابِهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ
صلى اللَّهُ عليه وسلم وَاَللَّهُ عز وجل لَا يُحَرِّمُ عليهم من صَيْدِ الْبَرِّ
في الْإِحْرَامِ إلَّا ما كان حَلَالًا لهم قبل الْإِحْرَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
فلما أَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمُحْرِمَ بِقَتْلِ الْغُرَابِ
وَالْحِدَأَةِ وَالْعَقْرَبِ وَالْفَأْرَةِ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ وَقَتْلِ
الْحَيَّاتِ دَلَّ ذلك على أَنَّ لُحُومَ هذه مُحَرَّمَةٌ لِأَنَّهُ لو كان
دَاخِلًا في جُمْلَةِ ما حَرَّمَ اللَّهُ قَتَلَهُ من الصَّيْدِ في الْإِحْرَامِ
لم يُحِلَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَتْلَهُ وَدَلَّ على مَعْنًى
آخَرَ أَنَّ الْعَرَبَ كانت لَا تَأْكُلُ مِمَّا أَبَاحَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ
عليه وسلم قَتْلَهُ في الْإِحْرَامِ شيئا ( قال ) فَكُلُّ ما سُئِلْتَ عنه مِمَّا
ليس فيه نَصُّ تَحْرِيمٍ وَلَا تَحْلِيلٍ من ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ فَانْظُرْ هل
كانت الْعَرَبُ تَأْكُلُهُ فَإِنْ كانت تَأْكُلُهُ ولم يَكُنْ فيه نَصُّ تَحْرِيمٍ
فَأَحِلَّهُ فإنه دَاخِلٌ في جُمْلَةِ الْحَلَالِ وَالطَّيِّبَاتِ عِنْدَهُمْ
لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُحِلُّونَ ما يَسْتَطِيبُونَ وما لم تَكُنْ تَأْكُلُهُ
تَحْرِيمًا له بِاسْتِقْذَارِهِ فَحَرِّمْهُ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ في مَعْنَى
الْخَبَائِثِ خَارِجٌ من مَعْنَى ما أُحِلَّ لهم مِمَّا كَانُوا يَأْكُلُونَ
وَدَاخِلٌ في مَعْنَى الْخَبَائِثِ التي حَرَّمُوا على أَنْفُسِهِمْ فَأَثْبَتَ
عليهم تَحْرِيمَهَا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا نَقُولُ ( قال الرَّبِيعُ
) + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّمَا يَحْرُمُ كُلُّ ذِي نَابٍ
يَعْدُو بِنَابِهِ - * الْخِلَافُ وَالْمُوَافَقَةُ في أَكْلِ كل ذِي نَابٍ من
السِّبَاعِ وَتَفْسِيرُهُ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ قال لي
بَعْضُ من يُوَافِقُنَا في تَحْرِيمِ كل ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ ما لِكُلِّ ذِي
نَابٍ من السِّبَاعِ لَا تُحَرِّمُهُ دُونَ ما خَرَجَ من هذه الصِّفَةِ قُلْت له
الْعِلْمُ يُحِيطُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ
عليه وسلم إذَا قَصَدَ قَصَدَ أَنْ يُحَرِّمَ من السِّبَاعِ مَوْصُوفًا فَإِنَّمَا
قَصَدَ قَصْدَ تَحْرِيمِ بَعْضِ السِّبَاعِ دُونَ بَعْضِ السِّبَاعِ كما لو قُلْت
قد أَوْصَيْت لِكُلِّ شَابٍّ بِمَكَّةَ أو لِكُلِّ شَيْخٍ بِمَكَّةَ أو لِكُلِّ
حَسَنِ الْوَجْهِ بِمَكَّةَ كُنْت قد قَصَدْت بِالْوَصِيَّةِ قَصْدَ صِفَةٍ دُونَ
صِفَةٍ وَأَخْرَجْت من الْوَصِيَّةِ من لم تَصِفْ أَنَّ له وَصِيَّتَك قال أَجَلْ
وَلَوْلَا أَنَّهُ خَصَّ تَحْرِيمَ السِّبَاعِ لَكَانَ أَجْمَعَ وَأَقْرَبَ
وَلَكِنَّهُ خَصَّ بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ بِالتَّحْرِيمِ + ( قال الشَّافِعِيُّ )
فَقُلْت له هذه الْمَنْزِلَةُ الْأُولَى من عِلْمِ تَحْرِيمِ كل ذِي نَابٍ فَسَلْ
عن الثَّانِيَةِ قال هل منها شَيْءٌ مَخْلُوقٌ له نَابٌ وَشَيْءٌ مَخْلُوقٌ لَا
نَابَ له قُلْت ما عَلِمْته قال فَإِنْ لم تَكُنْ تَخْتَلِفُ فَتَكُونُ
الْأَنْيَابُ لِبَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ فَكَيْفَ الْقَوْلُ فيها قُلْت لَا مَعْنَى
في خَلْقِ الْأَنْيَابِ في تَحْلِيلٍ وَلَا تَحْرِيمٍ لِأَنِّي لَا أَجِدُ إذَا
كانت في خَلْقِ الْأَنْيَابِ سَوَاءً شيئا أَنْفِيه خَارِجًا من التَّحْرِيمِ
وَلَا بُدَّ من إخْرَاجِ بَعْضِهَا من التَّحْرِيمِ إذَا كان في سُنَّةِ رسول
اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إخْرَاجُهُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَسْت أَحْفَظُ عن أَحَدٍ سَأَلْته من أَهْلِ
الْعِلْمِ عَمَّنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ الْمَكِّيِّينَ خِلَافًا وَجُمْلَةُ هذا
لِأَنَّ التَّحْرِيمَ قد يَكُونُ مِمَّا حَرَّمَتْ الْعَرَبُ على أَنْفُسِهَا
مِمَّا ليس دَاخِلًا في مَعْنَى الطَّيِّبَاتِ وَإِنْ كُنْت لَا أَحْفَظُ هذا
التَّفْسِيرَ وَلَكِنَّ هذه الْجُمْلَةَ وفي تَتَابُعِ من حَفِظْت عنه من أَهْلِ
الْعِلْمِ حُجَّةٌ وَلَوْلَا الِاخْتِصَارُ لَأَوْضَحْته بِأَكْثَرَ من هذا
وَسَيَمُرُّ في تَفَارِيقِ الْأَبْوَابِ إيضَاحٌ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -
* تَحْرِيمُ أَكْلِ كل ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ - * قال الرَّبِيعُ
أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن الزُّهْرِيِّ
وَمَالِكٍ عن بن شِهَابٍ عن أبي إدْرِيسَ عن أبي ثَعْلَبَةَ أَنَّ النبي صلى
اللَّهُ عليه وسلم نهى عن أَكْلِ كل ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ
أخبرنا مَالِكٌ عن إسْمَاعِيلَ بن أبي حَكِيمٍ عن عُبَيْدَةَ بن سُفْيَانَ
الْحَضْرَمِيِّ عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
قال أَكْلُ كل ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ حَرَامٌ
(2/248)
قال أَجَلْ هذا كما وَصَفْت
وَلَكِنْ ما أَرَدْت بهذا قُلْت أَرَدْت أَنْ يَذْهَبَ غَلَطُك إلَى أَنَّ
التَّحْرِيمَ وَالتَّحْلِيلَ في خَلْقِ الْأَنْيَابِ قال فَفِيمَ قُلْت في
مَعْنَاهُ دُونَ خَلْقِهِ فَسَلْ عن النَّابِ الذي هو غَايَةُ عِلْمِ كل ذِي نَابٍ
قال فَاذْكُرْهُ أنت قُلْت كُلُّ ما كان يَعْدُو منها على الناس بِقُوَّةٍ
وَمُكَابَرَةٍ في نَفْسِهِ بِنَابِهِ دُونَ مالا يَعْدُو قال وَمِنْهَا ما لَا
يَعْدُو على الناس بِمُكَابَرَةٍ دُونَ غَيْرِهِ منها قُلْت نعم قال فَاذْكُرْ ما
يَعْدُو قُلْت يَعْدُو الْأَسَدُ وَالنَّمِرُ وَالذِّئْبُ قال فَاذْكُرْ ما لَا
يَعْدُو مُكَابَرَةً على الناس قُلْت الضَّبُعُ وَالثَّعْلَبُ وما أَشْبَهَهُ قال
فَلَا مَعْنَى له غَيْرُ ما وَصَفْت قُلْت وَهَذَا الْمَعْنَى الثَّانِي وَإِنْ
كانت كُلُّهَا مَخْلُوقٌ له نَابٌ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلُحُومُ الضِّبَاعِ
تُبَاعُ عِنْدَنَا بِمَكَّةَ بين الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لَا أَحْفَظُ عن أَحَدٍ
من أَصْحَابِنَا خِلَافًا في إحْلَالِهَا وفي مَسْأَلَةِ بن أبي عَمَّارٍ جَابِرًا
أَصَيْدٌ هِيَ قال نعم وَسَأَلْته أَتُؤْكَلُ قال نعم وَسَأَلْته أَسَمِعْته من
النبى صلى اللَّهُ عليه وسلم قال نعم فَهَذَا دَلِيلٌ على أَنَّ الصَّيْدَ الذي
نهى اللَّهُ تَعَالَى الْمُحْرِمَ عن قَتْلِهِ ما كان يَحِلُّ أَكْلُهُ من
الصَّيْدِ وَأَنَّهُمْ إنَّمَا يَقْتُلُونَ الصَّيْدَ لِيَأْكُلُوهُ لَا عَبَثًا
بِقَتْلِهِ وَمِثْلُ ذلك الدَّلِيلِ في حديث عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه وَلِذَلِكَ
أَشْبَاهٌ في الْقُرْآنِ منها قَوْلُ اللَّهِ عز وجل { فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ
اسْمُ اللَّهِ عليه إنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ } أَنَّهُ إنَّمَا
يَعْنِي مِمَّا أَحَلَّ اللَّهُ أَكْلَهُ لِأَنَّهُ لو ذَبَحَ ما حَرَّمَ اللَّهُ
عليه وَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ عليه لم يَحِلَّ الذَّبِيحَةُ ذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ
عليه وفي حديث جَابِرٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في الضَّبُعِ دَلِيلٌ على ما
قُلْنَا من أَنْ كل ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ ما عَدَا على الناس مُكَابَرَةً وإذا
حَلَّ أَكْلُ الضَّبُعِ وَهِيَ سَبُعٌ لَكِنَّهَا لَا تَعْدُو مُكَابَرَةً على
الناس وَهِيَ أَضَرُّ على مَوَاشِيهِمْ من جَمِيعِ السِّبَاعِ فَأُحِلَّتْ أنها
لَا تَعْدُو على الناس خَاصَّةً مُكَابَرَةً وَفِيهِ دَلَالَةٌ على إحْلَالِ ما
كانت الْعَرَبُ تَأْكُلُ مِمَّا لم يُنَصُّ فيه خَبَرٌ وَتَحْرِيمُ ما كانت
تُحَرِّمُهُ مِمَّا يَعْدُو من قِبَلِ أنها لم تَزَلْ إلَى الْيَوْمِ تَأْكُلُ
الضَّبُعَ ولم تَزَلْ تَدَعْ أَكْلَ الْأَسَدِ وَالنَّمِرِ وَالذِّئْبِ تَحْرِيمًا
بِالتَّقَذُّرِ فَوَافَقَتْ السُّنَّةُ فِيمَا أَحَلُّوا وَحَرَّمُوا مع
الْكِتَابِ ما وَصَفْت وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَفِيهِ دَلَالَةٌ على أَنَّ
الْمُحْرِمَ إنَّمَا يجزئ ما أُحِلَّ أَكْلُهُ من الصَّيْدِ دُونَ ما لم يَحِلَّ
أَكْلُهُ وَذَلِكَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ بِقَتْلِ الْكَلْبِ
الْعَقُورِ في الْإِحْرَامِ وهو ما عَدَا على الناس وهو لَا يَأْمُرُ بِقَتْلِ ما
لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ وَيَضْمَنُ صَاحِبُهُ بِقَتْلِهِ شيئا فَدَلَّ ذلك على أَنَّ
الصَّيْدَ الذي حَرَّمَ اللَّهُ قَتْلَهُ في الْإِحْرَامِ ما يُؤْكَلُ لَحْمُهُ
وَدَلَّ على ذلك حَدِيثُ جَابِرِ بن عبد اللَّهِ وَعَلَى ما وَصَفْت وَلَا بَأْسَ
بِأَكْلِ كل سَبُعٍ لَا يَعْدُو على الناس من دَوَابِّ الْأَرْضِ مِثْلُ
الثَّعْلَبِ وَغَيْرِهِ قِيَاسًا على الضَّبُعِ وما سِوَى السَّبُعِ من دَوَابِّ
الْأَرْضِ كُلِّهَا تُؤْكَلُ من مَعْنَيَيْنِ ما كان سَبُعًا لَا يَعْدُو
فَحَلَالٌ أَنْ يُؤْكَلَ وما كان غير سَبُعٍ فما كانت الْعَرَبُ تَأْكُلُهُ
لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ في مَعْنَى
الْآيَةِ خَارِجٌ من
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقُلْت له سَأَزِيدُك في تَبْيِينِهِ قال ما أَحْتَاجُ
بعد ما وَصَفْت إلَى زِيَادَةٍ وَلَقَلَّمَا يُمْكِنُ إيضَاحُ شَيْءٍ إمْكَانَ هذا
قُلْت أُوَضِّحُهُ لَك وَلِغَيْرِك مِمَّنْ لم يَفْهَمْ منه ما فَهِمْت أو أُفْهِمُهُ
فَذَهَبَ إلَى غَيْرِهِ قال فَاذْكُرْهُ - * أَكْلُ الضَّبُع - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا سُفْيَانُ وَمُسْلِمٌ عن بن
جُرَيْجٍ عن عبد اللَّهِ بن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عُمَيْرٍ
(2/249)
الْخَبَائِثِ عِنْدَ الْعَرَبِ
وما كانت تَدَعُهُ على معني تَحْرِيمِهِ فإنه خَبِيثُ اللَّحْمِ فَلَا يُؤْكَلُ
بِحَالٍ وَكُلُّ ما أُمِرَ بِأَكْلِهِ فَدَاهُ الْمُحْرِمُ إذَا قَتَلَهُ وَمِثْلُ
الضَّبُعِ ما خَلَا كُلَّ ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ من دَوَابِّ الْأَرْضِ
وَغَيْرِهَا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤْكَلَ منه ما كانت الْعَرَبُ تَأْكُلُهُ وقد
فَسَّرْته قبل هذا - * ما يَحِلُّ من الطَّائِرِ وَيَحْرُمُ - * (1) ( قال
الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ الضَّبِّ صَغِيرًا أو
كَبِيرًا فَإِنْ قال قَائِلٌ قد رَوَيْتُمْ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ
سُئِلَ عن الضَّبِّ فقال لَسْت آكُلُهُ وَلَا مُحَرِّمُهُ قِيلَ له إنْ شَاءَ
اللَّهُ فَهُوَ لم يَرْوِ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الضَّبِّ شيئا
غير هذا وَتَحْلِيلُهُ أَكْلَهُ بين يَدَيْهِ ثَابِتٌ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَأَيْنَ
ذلك قِيلَ لَمَّا قال لَسْت آكُلُهُ وَلَا مُحَرِّمُهُ دَلَّ على أَنَّ تَرْكَهُ
أَكْلَهُ لَا من جِهَةِ تَحْرِيمِهِ وإذا لم يَكُنْ من جِهَةِ تَحْرِيمِهِ
فَإِنَّمَا تَرَكَ مُبَاحًا عَافَهُ ولم يَشْتَهِهِ وَلَوْ عَافَ خُبْزًا أو
لَحْمًا أو تَمْرًا أو غير ذلك كان ذلك شيئا من الطِّبَاعِ لَا مُحَرِّمًا لِمَا
عَافَ فقال لي بَعْضُ الناس أَرَأَيْت إنْ قال هذا الْقَوْلَ غَيْرُ رسول اللَّهِ
صلى اللَّهُ عليه وسلم أَيَحْتَمِلُ مَعْنًى غير الْمَعْنَى الذي
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَصْلُ فِيمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ
من الطَّائِرِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ ما أَذِنَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ
عليه وسلم لِلْمُحْرِمِ بِقَتْلِهِ منه ما لَا يُؤْكَلُ لِأَنَّهُ خَارِجٌ من
مَعْنَى الصَّيْدِ الذي يَحْرُمُ على الْمُحْرِمِ قَتْلُهُ لِيَأْكُلَهُ
وَالْعِلْمُ يَكَادُ يُحِيطُ أَنَّهُ إنَّمَا حَرُمَ على الْمُحْرِمِ الصَّيْدُ
الذي كان حَلَالًا له قبل الْإِحْرَامِ فإذا أَحَلَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ
عليه وسلم قَتْلَ بَعْضِ الصَّيْدِ دَلَّ على أَنَّهُ مُحَرَّمٌ أَنْ يَأْكُلَهُ
لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا يَحِلُّ قَتْلُ ما أَحَلَّ
اللَّهُ عز وجل فَالْحِدَأَةُ وَالْغُرَابُ مِمَّا أَحَلَّ رسول اللَّهِ صلى
اللَّهُ عليه وسلم قَتْلَهُ لِلْمُحْرِمِ فما كان في مِثْلِ مَعْنَاهُمَا من
الطَّائِرِ فَهُوَ دَاخِلٌ في أَنْ لَا يَجُوزَ أَكْلُ لَحْمِهِ كما لَا يَجُوزُ
أَكْلُ لَحْمِهِمَا لِأَنَّهُ في مَعْنَاهُمَا وَلِأَنَّهُمَا أَيْضًا مِمَّا لم
تَكُنْ تَأْكُلُ الْعَرَبُ وَذَلِكَ مِثْلُ ما ضَرَّ من ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ من
سَبُعٍ وَطَائِرٍ وَذَلِكَ مِثْلُ الْعُقَابِ وَالنَّسْرِ وَالْبَازِي وَالصَّقْرِ
وَالشَّاهِينِ وَالْبَوَاشِقِ وما أَشْبَهَهَا مما يَأْخُذُ حَمَامَ الناس
وَغَيْرَهُ من طَائِرِهِمْ فَكُلُّ ما كان في هذا الْمَعْنَى من الطَّائِرِ فَلَا
يَجُوزُ أَكْلُهُ لِلْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفْت من أَنَّهُ في مَعْنَى
الْحِدَأَةِ وَالْغُرَابِ وَدَاخِلٌ في مَعْنَى ما لَا تَأْكُلُ الْعَرَبُ وَكُلُّ
ما كان لَا يَبْلُغُ أَنْ يَتَنَاوَلَ لِلنَّاسِ شيئا من أَمْوَالِهِمْ من
الطَّائِرِ فلم تَكُنْ الْعَرَبُ تُحَرِّمُهُ إقْذَارًا له فَكُلُّهُ مُبَاحٌ أَنْ
يُؤْكَلَ فَعَلَى هذا هذا الْبَابُ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ نَرَاك
فَرَّقْت بين ما خَرَجَ من أَنْ يَكُونَ ذَا نَابٍ من السباع ( ( ( السبع ) ) )
مِثْلُ الضَّبُعِ وَالثَّعْلَبِ فَأَحْلَلْت أَكْلَهَا وَهِيَ تَضُرُّ بِأَمْوَالِ
الناس أَكْثَرَ من ضَرَرِ ما حَرَّمْت من الطَّائِرِ قُلْت إنِّي وَإِنْ حَرَّمْته
فَلَيْسَ لِلضَّرَرِ فَقَطْ حَرَّمْته وَلَا لِخُرُوجِ الثَّعْلَبِ وَالضَّبُعِ من
الضَّرَرِ أَبَحْتهَا إنَّمَا أَبَحْتهَا بِالسُّنَّةِ وَهِيَ أَنَّ النبي صلى
اللَّهُ عليه وسلم إذْ نهى عن كل ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ فَفِيهِ دَلَالَةٌ على
أَنَّهُ أَبَاحَ ما كان غير ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ وَأَنَّهُ أَحَلَّ الضَّبُعَ
نَصًّا وَأَنَّ الْعَرَبَ لم تَزَلْ تَأْكُلُهَا وَالثَّعْلَبَ وَتَتْرُكُ
الذِّئْبَ وَالنَّمِرَ وَالْأَسَدَ فَلَا تَأْكُلُهُ وَأَنَّ الْعَرَبَ لم تَزَلْ
تَتْرُكُ أَكْلَ النَّسْرِ وَالْبَازِي وَالصَّقْرِ وَالشَّاهِينِ وَالْغُرَابِ
وَالْحِدَأَةِ وَهِيَ ضِرَارٌ وَتَتْرُكُ ما لَا يَضُرُّ من الطَّائِرِ فلم أُجِزْ
أَكْلَهُ وَذَلِكَ مِثْلُ الرَّخَمَةِ وَالنَّعَامَةِ وَهُمَا لَا يَضُرَّانِ
وَأَكْلُهُمَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُمَا من الْخَبَائِثِ وَخَارِجَانِ من الطَّيِّبَاتِ
وقد قُلْت مِثْلَ هذا في الدُّودِ فلم أُجِزْ أَكْلَ اللُّحَكَاءِ وَلَا
الْعَظَاءِ وَلَا الْخَنَافِسِ وَلَيْسَتْ بِضَارَّةٍ وَلَكِنَّ الْعَرَبَ كانت
تَدَعُ أَكْلَهَا فَكَانَ خَارِجًا من مَعْنَى الطَّيِّبَاتِ دَاخِلًا في مَعْنَى
الْخَبَائِثِ عِنْدَهَا - * أَكْلُ الضَّبّ - *
(2/250)
زَعَمْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صلى اللَّهُ عليه وسلم قاله ( ( ( قال ) ) ) فَزَعَمْت أَنَّهُ بَيِّنٌ لَا
يَحْتَمِلُ مَعْنًى غَيْرَهُ قُلْت نعم قال وإذا قُلْت من دُونَ رسول اللَّهِ صلى
اللَّهُ عليه وسلم ليس مَعْصُومًا قُلْت له رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم
يُخْرِجْهُ من التَّحْلِيلِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْأَلَ عن تَحْلِيلٍ وَلَا
تَحْرِيمٍ فَيُجِيبَ فيه إلَّا أَحَلَّهُ أو حَرَّمَهُ وَلَيْسَ هَكَذَا أَحَدٌ
بَعْدَهُ مِمَّنْ يَعْلَمُ وَيَجْهَلُ وَيَقِفُ وَيُجِيبُ ثُمَّ لَا يَقُومُ
جَوَابُهُ مَقَامَ جَوَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال فما الْمَعْنَى
الذي قُلْت قد بَيَّنَ هذا الحديث من غَيْرِهِ قُلْت قُرِّبَ إلَى رسول اللَّهِ
صلى اللَّهُ عليه وسلم ضَبٌّ فَامْتَنَعَ من أَكْلِهَا فقال خَالِدُ بن الْوَلِيدِ
أَحَرَامٌ هِيَ يا رَسُولَ اللَّهِ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا
وَلَكِنْ أَعَافُهَا لم تَكُنْ بِبَلَدِ قَوْمِي فَاجْتَرَّهَا خَالِدُ بن
الْوَلِيدِ فَأَكَلَهَا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَنْظُرُ وإذا
قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَيْسَتْ حَرَامًا فَهِيَ حَلَالٌ وإذا
أَقَرَّ خَالِدًا بِأَكْلِهَا فَلَا يَدَعُهُ يَأْكُلُ حَرَامًا وقد بَيَّنَ أَنَّ
تَرْكَهُ إيَّاهَا أَنَّهُ عَافَهَا لَا حَرَّمَهَا - * أَكْلُ لُحُومِ الْخَيْلِ
- *
أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن جَابِرٍ قال
أَطْعَمَنَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لُحُومَ الْخَيْلِ وَنَهَانَا عن
لُحُومِ الْحُمُرِ
أخبرنا سُفْيَانُ بن عيينه عن هِشَامٍ عن فَاطِمَةَ عن أَسْمَاءَ قالت نَحَرْنَا
فَرَسًا على عَهْدِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَكَلْنَاهُ
أخبرنا سُفْيَانُ عن عبدالكريم بن أبي أُمَيَّةَ قال أَكَلْت فَرَسًا على عَهْدِ
بن الزُّبَيْرِ فَوَجَدْته حُلْوًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) كُلُّ ما لَزِمَهُ اسْمُ
الْخَيْلِ من الْعِرَابِ وَالْمَقَارِيفِ وَالْبَرَاذِينِ فَأَكْلُهَا حَلَالٌ - *
أَكْلُ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ - *
أخبرنا مَالِكٌ عن شِهَابٍ عن عبد اللَّهِ وَالْحَسَنِ ابنى مُحَمَّدِ بن عَلِيٍّ
عن أَبِيهِمَا عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ النبي صلى
اللَّهُ عليه وسلم نهى عَامَ خَيْبَرَ عن نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَعَنْ لُحُومِ
الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) سَمِعْت سُفْيَانَ يحدث عن الزُّهْرِيِّ أخبرنا عبد اللَّهِ
وَالْحَسَنُ ابْنَا مُحَمَّدِ بن عَلِيٍّ وكان الْحَسَنُ أَرْضَاهُمَا عن عَلِيٍّ
رضي اللَّهُ عنه (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَخَلْقُ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ
يُبَايِنُ خَلْقَ الْحُمُرِ الْوَحْشِيَّةِ مُبَايَنَةً يَعْرِفُهَا أَهْلُ
الْخِبْرَةِ بها فَلَوْ تَوَحَّشَ أَهْلِيٌّ لم يَحِلَّ أَكْلُهُ وكان على
الْأَصْلِ في التَّحْرِيمِ وَلَوْ اسْتَأْهَلَ وَحْشِيٌّ لم يَحْرُمْ أَكْلُهُ
وكان على الْأَصْلِ في التَّحْلِيلِ وَلَا يَذْبَحُهُ الْمُحْرِمُ وَإِنْ
اسْتَأْهَلَ وَلَوْ نَزَا حِمَارٌ أَهْلِيٌّ على فَرَسٍ أو فَرَسٌ على أَتَانٍ
أَهْلِيَّةٍ لم يَحِلَّ أَكْلُ ما نَتَجَ بَيْنَهُمَا لَسْت أَنْظُرُ في ذلك إلَى
أَيِّهِمَا النَّازِي لِأَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُمَا فَلَا يَحِلُّ حتى يَكُونَ
لَحْمُهُمَا مَعًا حَلَالًا وَكُلُّ ما عُرِفَ فيه حِمَارٌ أَهْلِيٌّ من قِبَلِ
أَبٍ أو أُمٍّ لم يَحِلَّ أَكْلُهُ بِحَالٍ أَبَدًا وَلَا أَكْلُ نَسْلِهِ وَلَوْ
نَزَا حِمَارٌ وَحْشِيٌّ على فَرَسٍ أو فَرَسٌ على أَتَانٍ وَحْشِيٍّ حَلَّ أَكْلُ
ما وُلِدَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُمَا مُبَاحَانِ مَعًا وَهَكَذَا لو أَنَّ غُرَابًا
أو ذَكَرَ حدإ أو بُغَاثًا تَجَثَّمَ حُبَارَى أو ذَكَرُ حُبَارَى أو طَائِرٌ
يَحِلُّ لَحْمُهُ تَجَثَّمَ
____________________
1- ( قال ) الشَّافِعِيُّ ) في هذا الحديث دَلَالَتَانِ إحْدَاهُمَا تَحْرِيمُ
أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَالْأُخْرَى إبَاحَةُ لُحُومِ حُمُرِ
الْوَحْشِ لِأَنَّهُ لَا صِنْفَ من الْحُمُرِ إلَّا الْأَهْلِيُّ وَالْوَحْشِيُّ
فإذا قَصَدَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالتَّحْرِيمِ قَصَدَ الْأَهْلِيَّ
ثُمَّ وَصْفُهُ دَلَّ على أَنَّهُ أَخْرَجَ الْوَحْشِيَّ من التَّحْرِيمِ وَهَذَا
مِثْلُ نَهْيِهِ عن كل ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ فَقَصَدَ بِالنَّهْيِ قَصْدَ
عَيْنٍ دُونَ عَيْنٍ فَحَرَّمَ ما نهى عنه وَحَلَّ ما خَرَجَ من تِلْكَ الصِّفَةِ
سِوَاهُ مع أَنَّهُ قد جاء عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إبَاحَةُ أَكْلِ
حُمُرِ الْوَحْشِ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ رضي اللَّهُ عنه أَنْ يَقْسِمَ حِمَارًا
وَحْشِيًّا قَتَلَهُ أبو قَتَادَةَ بين الرُّفْقَةِ وَحَدِيثُ طَلْحَةَ أَنَّهُمْ
أَكَلُوا معه لَحْمَ حِمَارٍ وَحْشِيٍّ
(2/251)
غُرَابًا أو حِدَأً أو صَقْرًا
أو ثِيرَان فَبَاضَتْ وَأَفْرَخَتْ لم يَحِلَّ أَكْلُ فِرَاخِهَا من ذلك
التَّجَثُّمِ لِاخْتِلَاطِ الْمُحَرَّمِ وَالْحَلَالِ فيه أَلَا تَرَى أَنَّ
خَمْرًا لو اخْتَلَطَتْ بِلَبَنٍ أو وَدَكَ خِنْزِيرٍ بِسَمْنٍ أو مُحَرَّمًا
بِحَلَالٍ فَصَارَا لَا يُزِيلُ أَحَدُهُمَا من الْآخَرِ حَرُمَ أَنْ يَكُونَ
مَأْكُولًا وَلَوْ أَنَّ صَيْدًا أُصِيبَ أو بَيْضَ صَيْدٍ فَأُشْكِلَتْ
خِلْقَتُهُ فلم يُدْرَ لَعَلَّ أَحَدَ أَبَوَيْهِ مِمَّا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ
وَالْآخَرُ يَحِلُّ أَكْلُهُ كان الِاحْتِيَاطُ الْكَفَّ عن أَكْلِهِ وَالْقِيَاسُ
أَنْ يُنْظَرَ إلَى خِلْقَتِهِ فَأَيُّهُمَا كان أَوْلَى بِخِلْقَتِهِ جُعِلَ
حُكْمُهُ حُكْمَهُ إنْ كان الذي يَحِلُّ أَكْلُهُ أَوْلَى بِخِلْقَتِهِ أَكَلَهُ
وَإِنْ كان الذي يَحْرُمْ أَكْلُهُ أَوْلَى بِخِلْقَتِهِ لم يَأْكُلْهُ وَذَلِكَ
مِثْلُ أَنْ يَنْزُوَ حِمَارٌ أنسي أَتَانًا وَحْشِيَّةً أو أَتَانًا أنسية وَلَوْ
نَزَا حِمَارٌ وَحْشِيٌّ فَرَسًا أو فَرَسٌ أَتَانًا وَحْشِيًّا لم يَكُنْ
بِأَكْلِهِ بَأْسٌ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا مِمَّا يَحِلُّ أَكْلُهُ وإذا تَوَحَّشَ
وَاصْطِيدَ أُكِلَ بِمَا يُؤْكَلُ بِهِ الصَّيْدُ وَهَكَذَا الْقَوْلُ في صِغَارِ
أَوْلَادِهِ وَفِرَاخِهِ وَبَيْضِهِ لَا يَخْتَلِفُ وما قَتَلَ الْمُحْرِمُ من
صَيْدٍ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَدَاهُ وَكَذَلِكَ يفدى ما أَصَابَ من بَيْضِهِ وما
قَتَلَ من صَيْدٍ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أو أَصَابَ من بَيْضِهِ لم يَفْدِهِ
وَلَوْ أَنَّ ذِئْبًا نَزَا على ضَبُعٍ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَإِنَّهَا تأتى
بِوَلَدٍ لَا يُشْبِهُهَا مَحْضًا وَلَا الذِّئْبَ مَحْضًا يُقَالُ له السَّبُعُ
فلا يَحِلُّ أَكْلُهُ لِمَا وَصَفْت من اخْتِلَاطِ الْمُحَرَّمِ وَالْحَلَالِ
وَأَنَّهُمَا لَا يَتَمَيَّزَانِ فيه - * ما يَحِلُّ بِالضَّرُورَةِ - * (1) ( قال
الشَّافِعِيُّ ) فَيَحِلُّ ما حَرُمَ من مَيْتَةٍ وَدَمٍ وَلَحْمِ خِنْزِيرٍ
وَكُلِّ ما حَرُمَ مِمَّا لَا يُغَيِّرُ الْعَقْلَ من الْخَمْرِ لِلْمُضْطَرِّ
وَالْمُضْطَرُّ الرَّجُلُ يَكُونُ بِالْمَوْضِعِ لَا طَعَامَ فيه معه وَلَا شَيْءَ
يَسُدُّ فَوْرَةَ جُوعِهِ من لَبَنٍ وما أَشْبَهَهُ وَيُبْلِغُهُ الْجُوعُ ما
يَخَافُ منه الْمَوْتَ أو الْمَرَضَ وَإِنْ لم يَخَفْ الْمَوْتَ أو يُضْعِفُهُ
وَيَضُرُّهُ أو يَعْتَلُّ أو يَكُونُ مَاشِيًا فَيَضْعُفُ عن بُلُوغِ حَيْثُ
يُرِيدُ أو رَاكِبًا فَيَضْعُفُ عن رُكُوبِ دَابَّتِهِ أو ما في هذا الْمَعْنَى من
الضَّرَرِ الْبَيِّنِ فَأَيُّ هذا نَالَهُ فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ من الْمُحَرَّمِ
وَكَذَلِكَ يَشْرَبُ من الْمُحَرَّمِ غير الْمُسْكِرِ مِثْلَ الْمَاءِ تَقَعُ فيه
الْمَيْتَةُ وما أَشْبَهَهُ وَأَحَبُّ إلى أَنْ يَكُونَ آكِلُهُ إنْ أُكِلَ
وَشَارِبُهُ إنْ شُرِبَ أو جَمْعُهُمَا فَعَلَى ما يَقْطَعُ عنه الْخَوْفَ
وَيَبْلُغُ بِهِ بَعْضَ الْقُوَّةِ وَلَا يُبَيِّنُ أَنْ يَحْرُمَ عليه أَنْ
يَشْبَعَ وَيُرْوَى وَإِنْ أَجْزَأَهُ دُونَهُ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ قد زَالَ عنه
بِالضَّرُورَةِ وإذا بَلَغَ الشِّبَعَ وَالرِّيَّ فَلَيْسَ له مُجَاوَزَتُهُ
لِأَنَّ مُجَاوَزَتَهُ حِينَئِذٍ إلَى الضَّرَرِ أَقْرَبُ منها إلي النَّفْعِ
وَمَنْ بَلَغَ إلَى الشِّبَعِ فَقَدْ خَرَجَ في بُلُوغِهِ من حَدِّ الضَّرُورَةِ
وَكَذَلِكَ الرِّيُّ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّدَ معه من الْمَيْتَةِ ما
اُضْطُرَّ إلَيْهِ فإذا وَجَدَ الغني عنه طَرَحَهُ وَلَوْ تَزَوَّدَ معه مَيْتَةً
فلقى مُضْطَرًّا أَرَادَ شِرَاءَهَا منه لم يَحِلَّ له ثَمَنُهَا إنَّمَا حَلَّ له
منها مَنْعُ الضَّرَرِ الْبَيِّنِ على بَدَنِهِ لَا ثَمَنُهَا وَلَوْ اُضْطُرَّ
وَوَجَدَ طَعَامًا لم يُؤْذَنْ له بِهِ لم يَكُنْ له أَكْلُ الطَّعَامِ وكان له
أَكْلُ الْمَيْتَةِ وَلَوْ اُضْطُرَّ وَمَعَهُ ما يشترى بِهِ ما يَحِلُّ فَإِنْ
بَاعَهُ بِثَمَنِهِ في مَوْضِعِهِ أو بِثَمَنِ ما يَتَغَابَنُ الناس بمثله لم
يَكُنْ له أَكْلُ الْمَيْتَةِ وَإِنْ لم يَبِعْهُ إلَّا بِمَا لَا يَتَغَابَنُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ عز وجل فِيمَا حَرُمَ ولم يَحِلَّ
بِالذَّكَاةِ { وما لَكُمْ ألا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عليه وقد
فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إلَّا ما اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ } وقال {
إنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ } إلَى
قَوْلِهِ { غَفُورٌ رَحِيمٌ } وقال في ذِكْرِ ما حَرَّمَ { فَمَنْ اُضْطُرَّ في
مَخْمَصَةٍ غير مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فإن اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }
(2/252)
الناس بمثله كان له أَكْلُ
الْمَيْتَةِ وَالِاخْتِيَارُ أَنْ يغالى بِهِ وَيَدَعَ أَكْلَ الْمَيْتَةِ
وَلَيْسَ له بِحَالٍ أَنْ يُكَابِرَ رَجُلًا على طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وهو يَجِدُ
ما يُغْنِيهِ عنه من شَرَابٍ فيه مَيْتَةٌ أو مَيْتَةٌ وَإِنْ اُضْطُرَّ فلم
يَجِدْ مَيْتَةً وَلَا شَرَابًا فيه مَيْتَةٌ وَمَعَ رَجُلٍ شَيْءٌ كان له أَنْ
يُكَابِرَهُ وَعَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُعْطِيَهُ وإذا كَابَرَهُ أَعْطَاهُ ثَمَنَهُ
وَافِيًا فَإِنْ كان إذَا أَخَذَ شيئا خَافَ مَالِكُ الْمَالِ على نَفْسِهِ لم
يَكُنْ له مُكَابَرَتُهُ وَإِنْ اُضْطُرَّ وهو مُحْرِمٌ إلَى صَيْدٍ أو مَيْتَةٍ
أَكَلَ الْمَيْتَةَ وَتَرَكَ الصَّيْدَ فَإِنْ أَكَلَ الصَّيْدَ فَدَاهُ إنْ كان
هو الذي قَتَلَهُ وَإِنْ اُضْطُرَّ فَوَجَدَ من يُطْعِمُهُ أو يُسْقِيهِ فَلَيْسَ
له أَنْ يَمْتَنِعَ من أَنْ يَأْكُلَ أو يَشْرَبَ وإذا وَجَدَ فَقَدْ ذَهَبَتْ عنه
الضَّرُورَةُ إلَّا في حَالٍ وَاحِدَةٍ أَنْ يَخَافَ إنْ أَطْعَمَهُ أو سَقَاهُ
أَنْ يَسُمَّهُ فيه فَيَقْتُلَهُ فَلَهُ تَرْكُ طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ بِهَذِهِ
الْحَالِ وَإِنْ كان مَرِيضًا فَوَجَدَ مع رَجُلٍ طَعَامًا أو شَرَابًا يَعْلَمُهُ
يَضُرُّهُ وَيَزِيدُ في مَرَضِهِ كان له تَرْكُهُ وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ وَشُرْبُ
الْمَاءِ الذي فيه الْمَيْتَةُ وقد قِيلَ إنَّ من الضَّرُورَةِ وَجْهًا ثَانِيًا
أَنْ يَمْرَضَ الرَّجُلُ الْمَرَضَ يقول له أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ أو يَكُونُ هو
من أَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ قَلَّمَا يَبْرَأُ من كان بِهِ مِثْلُ هذا إلَّا أَنْ
يَأْكُلَ كَذَا أو يَشْرَبَ كَذَا أو يُقَالُ له إنَّ أَعْجَلَ ما يُبْرِئُك
أَكْلُ كَذَا أو شُرْبُ كَذَا فَيَكُونُ له أَكْلُ ذلك وَشُرْبُهُ ما لم يَكُنْ
خَمْرًا إذَا بَلَغَ ذلك منها أَسْكَرَتْهُ أو شيئا يُذْهِبُ الْعَقْلَ من
الْمُحَرَّمَاتِ أو غَيْرِهَا فإن إذْهَابَ الْعَقْلِ مُحَرَّمٌ وَمَنْ قال هذا
قال أَمَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْأَعْرَابَ أَنْ يَشْرَبُوا أَلْبَانَ
الْإِبِلِ وَأَبْوَالَهَا وقد يَذْهَبُ الْوَبَاءُ بِغَيْرِ أَلْبَانِهَا
وَأَبْوَالِهَا إلَّا أَنَّهُ أَقْرَبُ ما هُنَالِكَ أَنْ يُذْهِبَهُ عن
الْأَعْرَابِ لِإِصْلَاحِهِ لِأَبْدَانِهِمْ وَالْأَبْوَالُ كُلُّهَا مُحَرَّمَةٌ
لِأَنَّهَا نَجِسَةٌ وَلَيْسَ له أَنْ يَشْرَبَ خَمْرًا لِأَنَّهَا تُعْطِشُ
وَتُجِيعُ وَلَا لِدَوَاءٍ لِأَنَّهَا تُذْهِبُ بِالْعَقْلِ وَذَهَابُ الْعَقْلِ
مَنْعُ الْفَرَائِضِ وَتُؤَدِّي إلَى إتْيَانِ الْمَحَارِمِ وَكَذَلِكَ ما
أَذْهَبَ الْعَقْلَ غَيْرُهَا وَمَنْ خَرَجَ مُسَافِرًا فَأَصَابَتْهُ ضَرُورَةٌ
بِجُوعٍ أو عَطَشٍ ولم يَكُنْ سَفَرُهُ في مَعْصِيَةِ اللَّهِ عز وجل حَلَّ له ما
حَرُمَ عليه مِمَّا نَصِفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ خَرَجَ عَاصِيًا لم
يَحِلَّ له شَيْءٌ مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عز وجل عليه بِحَالٍ لِأَنَّ اللَّهَ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى إنَّمَا أَحَلَّ ما حَرَّمَ بِالضَّرُورَةِ على شَرْطِ أَنْ
يَكُونَ الْمُضْطَرُّ غير بَاغٍ وَلَا عَادٍ وَلَا مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ وَلَوْ
خَرَجَ عَاصِيًا ثُمَّ تَابَ فَأَصَابَتْهُ الضَّرُورَةُ بَعْدَ التَّوْبَةِ
رَجَوْت أَنْ يَسَعَهُ أَكْلُ الْمُحَرَّمِ وَشُرْبُهُ وَلَوْ خَرَجَ غير عَاصٍ
ثُمَّ نَوَى الْمَعْصِيَةَ ثُمَّ أَصَابَتْهُ الضَّرُورَةُ وَنِيَّتُهُ
الْمَعْصِيَةُ خَشِيت أَنْ لَا يَسَعَهُ الْمُحَرَّمُ لِأَنِّي أَنْظُرُ إلَى
نِيَّتِهِ في حَالِ الضَّرُورَةِ لَا في حَالِ تَقَدُّمَتِهَا وَلَا تَأَخَّرَتْ
عنها
____________________
(2/253)
(1) * - * بَابُ النُّذُورِ
التي كَفَّارَتُهَا كَفَّارَةُ أَيْمَانٍ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ
اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ قال عَلَيَّ نَذْرٌ ولم يُسَمِّ شيئا فَلَا نَذْرَ وَلَا
كَفَّارَةَ لِأَنَّ النَّذْرَ مَعْنَاهُ مَعْنَى على أَنْ أَبَرَّ وَلَيْسَ
مَعْنَاهُ مَعْنَى أَنِّي أَثِمْت وَلَا حَلَفْت فلم أَفْعَلْ وإذا نَوَى
بِالنَّذْرِ شيئا من طَاعَةِ اللَّهِ فَهُوَ ما نَوَى + ( قال الشَّافِعِيُّ )
فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ قال عَلَيَّ نَذْرٌ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا أو عَلَيَّ
نَذْرٌ أَنْ أُكَلِّمَ فُلَانًا يُرِيدُ هِجْرَتَهُ أَنَّ عليه كَفَّارَةَ يَمِينٍ
وَأَنَّهُ إنْ قال عَلَيَّ نذره ( ( ( نذر ) ) ) أَنْ أَهْجُرَهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ
نَذْرَ هِجْرَتِهِ نَفْسِهَا لَا يَعْنِي قَوْلَهُ إن أَهْجُرَهُ أو لم أَهْجُرْهُ
فإنه لَا كَفَّارَةَ عليه وَلِيُكَلِّمَهُ لِأَنَّهُ نَذْرٌ في مَعْصِيَةٍ + ( قال
الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ فُلَانًا أو لَا يَصِلَ
فُلَانًا فَهَذَا الذي يُقَالُ له الْحِنْثُ في الْيَمِينِ خَيْرٌ لَك من الْبِرِّ
فَكَفِّرْ وَاحْنَثْ لِأَنَّك تَعْصِي اللَّهَ عز وجل في هِجْرَتِهِ وَتَتْرُكُ
الْفَضْلَ في مَوْضِعِ صِلَتِهِ وَهَذَا في مَعْنَى الذي قال النبي صلى اللَّهُ
عليه وسلم فَلْيَأْتِ الذي هو خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عن يَمِينِهِ وَهَكَذَا كُلُّ
مَعْصِيَةٍ حَلَفَ عليها أَمَرْنَاهُ أَنْ يَتْرُكَ الْمَعْصِيَةَ وَيَحْنَثَ
وَيَأْتِيَ الطَّاعَةَ وإذا حَلَفَ على بِرٍّ أَمَرْنَاهُ أَنْ يَأْتِيَ الْبِرَّ
وَلَا يَحْنَثُ مِثْلُ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَأَصُومَن الْيَوْمَ وَاَللَّهِ
لِأُصَلِّيَن كَذَا وَكَذَا رَكْعَةً نَافِلَةً فَنَقُولُ له بِرَّ يَمِينَك
وَأَطِعْ رَبَّك فَإِنْ لم يَفْعَلْ حَنِثَ وَكَفَّرَ وَأَصْلُ ما نَذْهَبُ
إلَيْهِ أَنَّ النَّذْرَ ليس بِيَمِينٍ وَأَنَّ من نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ عز
وجل أَطَاعَهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ لم يَعْصِهِ ولم يُكَفِّرْ - *
من جَعَلَ شيئا من مَالِهِ صَدَقَةً أو في سَبِيلِ اللَّهِ - * + ( قال
الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ في كل شَيْءٍ سِوَى
الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ من قَوْلِهِ مَالِي هذا في سَبِيلِ اللَّهِ أو دَارِي هذه
في سَبِيلِ اللَّهِ أو غَيْرُ ذلك مِمَّا يَمْلِكُ صَدَقَةً أو في سَبِيلِ اللَّهِ
إذَا كان علي مَعَانِي الْأَيْمَانِ فَاَلَّذِي يَذْهَبُ إلَيْهِ عَطَاءٌ أَنَّهُ
يُجْزِيهِ من ذلك كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَمَنْ قال هذا الْقَوْلَ قَالَهُ في كل ما
حَنِثَ فيه سِوَى عِتْقٍ أو طَلَاقٍ وهو مَذْهَبُ عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها
وَالْقِيَاسُ وَمَذْهَبُ عِدَّةٍ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وقال غَيْرُهُ يَتَصَدَّقُ بِجَمِيعِ ما يَمْلِكُ إلَّا
أَنَّهُ قال وَيَحْبِسُ قَدْرَ ما يَقُوتُهُ فإذا أَيْسَرَ تَصَدَّقَ بِاَلَّذِي
حَبَسَ وَذَهَبَ غَيْرُهُ إلَى أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِثُلُثِ مَالِهِ وَذَهَبَ
غَيْرُهُ إلَى أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِزَكَاةِ مَالِهِ وَسَوَاءٌ قال صَدَقَةٌ أو
قال في سَبِيلِ اللَّهِ إذَا كانت على مَعَانِي الْأَيْمَانِ + ( قال
الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ حَلَفَ بِصَدَقَةِ مَالِهِ فَحَنِثَ فَإِنْ كان أَرَادَ
يَمِينًا فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ تَبَرُّرًا مِثْلُ أَنْ
يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمَالِي كُلِّهِ تَصَدَّقَ بِهِ
كُلِّهِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ
اللَّهَ عز وجل فَلْيُطِعْهُ
____________________
1- * كِتَابُ النُّذُورِ
(2/254)
- * بَابُ نَذْرِ التَّبَرُّرِ
وَلَيْسَ في التَّرَاجِمِ وَفِيهَا من نَذَرَ أَنْ يمشى إلَى بَيْتِ اللَّهِ عز
وجل - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَمْشِي أَحَدٌ إلَى بَيْتِ اللَّهِ
إلَّا حَاجًّا أو مُعْتَمِرًا إلَّا بِذِلَّةٍ منه ( قال الرَّبِيعُ )
وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ
اللَّهِ الْحَرَامِ فَحَنِثَ فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ تُجْزِئُهُ من ذلك إنْ أَرَادَ
بِذَلِكَ الْيَمِينَ ( قال الرَّبِيعُ ) وَسَمِعْت الشَّافِعِيَّ أَفْتَى بِذَلِكَ
رَجُلًا فقال هذا قَوْلُك أَبَا عبد اللَّهِ فقال هذا قَوْلُ من هو خَيْرٌ مِنِّي
قال من هو قال عَطَاءُ بن أبي رَبَاحٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ حَلَفَ
بِالْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا مَعْقُولُ
مَعْنَى قَوْلِ عَطَاءٍ أَنَّ كُلَّ من حَلَفَ بِشَيْءٍ من النُّسُكِ صَوْمٍ أو
حَجٍّ أو عُمْرَةٍ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ إذَا حَنِثَ وَلَا يَكُونُ
عليه حَجٌّ وَلَا عُمْرَةٌ وَلَا صَوْمٌ وَمَذْهَبُهُ أَنَّ أَعْمَالَ الْبِرِّ
لِلَّهِ لَا تَكُونُ إلَّا بِفَرْضٍ يُؤَدِّيهِ من فُرُوضِ اللَّهِ عز وجل عليه أو
تَبَرُّرًا يُرِيدُ اللَّهَ بِهِ فَأَمَّا ما عَلَا عُلُوَّ الأيمان فَلَا يَكُونُ
تَبَرُّرًا وَإِنَّمَا يَعْمَلُ التَّبَرُّرَ لِغَيْرِ الْعُلُوِّ وقد قال غَيْرُ
عَطَاءٍ عليه الْمَشْيُ كما يَكُونُ عليه إذَا نَذَرَهُ مُتَبَرِّرًا + ( قال
الشَّافِعِيُّ ) وَالتَّبَرُّرُ أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ على أن شَفَى اللَّهُ
فُلَانًا أو قَدِمَ فُلَانٌ من سَفَرِهِ أو قَضَى عَنِّي دَيْنًا أو كان كَذَا
أَنْ أَحُجَّ له نَذْرًا فَهُوَ التَّبَرُّرُ فَأَمَّا إذَا قال إنْ لم أَقْضِك
حَقَّك فعلى الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ فَهَذَا من مَعَانِي الْأَيْمَانِ لَا
مَعَانِي النُّذُورِ وَأَصْلُ مَعْقُولِ قَوْلِ عَطَاءٍ في مَعَانِي النُّذُورِ من
هذا أَنَّهُ يَذْهَبُ إلَى أَنَّ من نَذَرَ نَذْرًا في مَعْصِيَةِ اللَّهِ لم
يَكُنْ عليه قَضَاؤُهُ وَلَا كَفَّارَةٌ فَهَذَا يُوَافِقُ السُّنَّةَ وَذَلِكَ
أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ على إنْ شَفَانِي أو شَفَى فُلَانًا أَنْ أَنْحَرَ ابْنِي أو
أَنْ أَفْعَلَ كَذَا من الْأَمْرِ الذي لَا يَحِلُّ له أَنْ يَفْعَلَهُ فَمَنْ قال
هذا فَلَا شَيْءَ عليه فيه وفي السَّائِبَةِ وَإِنَّمَا أَبْطَلَ اللَّهُ عز وجل
النَّذْرَ في الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ لِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ ولم يذكر في ذلك
كَفَّارَةً وكان فيه دَلَالَةٌ على أَنَّ من نَذَرَ مَعْصِيَةَ اللَّهِ عز وجل
أَنْ لَا يَفِيَ وَلَا كَفَّارَةَ عليه وَبِذَلِكَ جَاءَتْ السُّنَّةُ
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن طَلْحَةَ بن
عبد الْمَلِكِ الْأَيْلِيِّ عن الْقَاسِمِ بن مُحَمَّدٍ عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ
عنها أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ
فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِيهِ
( أخبرنا ) سُفْيَانُ عن أَيُّوبَ عن أبي قِلَابَةَ عن أبي الْمُهَلَّبِ عن
عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ قال كانت بَنُو عَقِيلٍ حُلَفَاءَ لِثَقِيفٍ في
الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَتْ ثَقِيفٌ قد أَسَرَتْ رَجُلَيْنِ من الْمُسْلِمِينَ
ثُمَّ إنَّ الْمُسْلِمِينَ أَسَرُوا رَجُلًا من بَنِي عَقِيلٍ وَمَعَهُ نَاقَةٌ له
وَكَانَتْ نَاقَتُهُ قد سَبَقَتْ الْحَاجَّ في الْجَاهِلِيَّةِ كَذَا وَكَذَا
مَرَّةً وَكَانَتْ النَّاقَةُ إذَا سَبَقَتْ الْحَاجَّ في الْجَاهِلِيَّةِ لم
تُمْنَعْ من كلأ تَرْتَعُ فيه ولم تُمْنَعْ من حَوْضٍ تشرع ( ( ( تشرب ) ) ) منه +
( قال الشَّافِعِيُّ ) فأتى بِهِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال يا محمد فِيمَ
أَخَذْتنِي وَأَخَذْت سَابِقَةَ الْحَاجِّ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِجَرِيرَةِ
حُلَفَائِك ثَقِيفٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَحُبِسَ حَيْثُ يَمُرُّ بِهِ النبي
صلى اللَّهُ عليه وسلم فَمَرَّ بِهِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَعْدَ
ذلك فقال له يا محمد إنِّي مُسْلِمٌ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لو
قُلْتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَك كُنْت قد أَفْلَحْت كُلَّ الْفَلَاحِ قال
ثُمَّ مَرَّ بِهِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مَرَّةً أُخْرَى فقال يا محمد إنِّي
جَائِعٌ فَأَطْعِمْنِي وَظَمْآنُ فَاسْقِنِي فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
تِلْكَ حَاجَتُك ثُمَّ إنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بَدَا له فَفَادَى بِهِ
الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ أَسَرَتْ ثَقِيفٌ وَأَمْسَكَ النَّاقَةَ ثُمَّ إنَّهُ
أَغَارَ على الْمَدِينَةِ عَدُوٌّ فَأَخَذُوا سَرْحَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
فَوَجَدُوا النَّاقَةَ فيها قال وقد كانت عِنْدَهُمْ امْرَأَةٌ من الْمُسْلِمِينَ
قد أَسَرُوهَا وَكَانُوا يُرِيحُونَ النَّعَمَ عِشَاءً فَجَاءَتْ الْمَرْأَةُ
ذَاتَ لَيْلَةٍ إلَى النَّعَمِ فَجَعَلَتْ لَا تَجِيءُ إلَى بَعِيرٍ إلارغا حتى
انْتَهَتْ إلَيْهَا فلم تَرْغُ فَاسْتَوَتْ عليها فَنَجَتْ فلما قَدِمَتْ
الْمَدِينَةَ قال الناس الْعَضْبَاءُ الْعَضْبَاءُ فقالت الْمَرْأَةُ إنِّي
نَذَرْت إنْ اللَّهُ أَنْجَانِي عليها أَنْ أَنْحَرَهَا فقال رسول اللَّهِ صلى
اللَّهُ عليه وسلم بِئْسَمَا جَزَيْتهَا لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ في مَعْصِيَةِ
اللَّهِ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ بن آدَمَ
أخبرنا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَنْ نَذَرَ تَبَرُّرًا أَنْ يمشى
إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ لَزِمَهُ أَنْ يَمْشِيَ إنْ قَدَرَ على الْمَشْيِ
وَإِنْ لم يَقْدِرْ رَكِبَ وَأَهْرَاقَ دَمًا احْتِيَاطًا لِأَنَّهُ لم يَأْتِ
بِمَا نَذَرَ كما نَذَرَ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ عليه دَمٌ من قِبَلِ
أَنَّهُ إذَا لم يُطِقْ شيئا سَقَطَ عنه كما لَا يُطِيقُ الْقِيَامَ في الصَّلَاةِ
فَيَسْقُطُ عنه ويصلى قَاعِدًا وَلَا يُطِيقُ الْقُعُودَ فيصلى مُضْطَجِعًا
وَإِنَّمَا فَرَّقْنَا بين الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالصَّلَاةِ أَنَّ الناس
أَصْلَحُوا أَمْرَ الْحَجِّ بِالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ وَالنُّسُكِ ولم
يُصْلِحُوا أَمْرَ الصَّلَاةِ إلَّا بِالصَّلَاةِ
(2/255)
عبد الْوَهَّابِ عن أَيُّوبَ
عن أبي قِلَابَةَ عن أبي الْمُهَلَّبِ عن عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ (1) ( قال
الشَّافِعِيُّ ) وإذا نَذَرَ الرَّجُلُ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا مَشَى حتى يَحِلَّ
له النِّسَاءُ ثُمَّ يَرْكَبَ بَعْدُ وَذَلِكَ كَمَالُ حَجِّ هذا وإذا نَذَرَ أَنْ
يَعْتَمِرَ مَاشِيًا مَشَى حتى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَيَسْعَى بين الصَّفَا
وَالْمَرْوَةِ وَيَحْلِقَ أو يُقَصِّرَ وَذَلِكَ كَمَالُ عُمْرَةِ هذا + ( قال
الشَّافِعِيُّ ) وإذا نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَمَشَى فَفَاتَهُ الْحَجُّ
فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بين الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مَاشِيًا حَلَّ
وَعَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ مَاشِيًا كما يَكُونُ عليه حَجٌّ قَابِلٌ إذَا فَاتَهُ
هذا الْحَجُّ أَلَا تَرَى أَنَّ حُكْمَهُ لو كان مُتَطَوِّعًا بِالْحَجِّ أو
نَاذِرًا له أو كان عليه حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتُهُ أَلَّا يجزئ هذا
الْحَجُّ من حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ فإذا كان حُكْمُهُ أَنْ يَسْقُطَ وَلَا يجزئ من
حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ فَكَيْفَ لَا يَسْقُطُ الْمَشْيُ الذي إنَّمَا هو هَيْئَةٌ
في الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا نَذَرَ الرَّجُلُ أَنْ
يَحُجَّ أو نَذَرَ أَنْ يَعْتَمِرَ ولم يَحُجَّ ولم يَعْتَمِرْ فَإِنْ كان نَذَرَ
ذلك مَاشِيًا فَلَا يمشى لِأَنَّهُمَا جميعا حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتُهُ
فَإِنْ مَشَى فَإِنَّمَا مَشَى حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتَهُ وَعَلَيْهِ أَنْ
يَحُجَّ وَيَعْتَمِرَ مَاشِيًا من قِبَلِ أَنَّ أَوَّلَ ما يَعْمَلُ الرَّجُلُ من
حَجٍّ وَعُمْرَةٍ إذَا لم يَعْتَمِرْ وَيَحُجَّ فَإِنَّمَا هو حَجَّةُ
الْإِسْلَامِ وَإِنْ لم يَنْوِ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَنَوَى بِهِ نَذْرًا أو
حَجًّا عن غَيْرِهِ أو تَطَوُّعًا فَهُوَ كُلُّهُ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ
وَعُمْرَتُهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ لِنَذْرِهِ فَيُوفِيَهُ كما نَذَرَ مَاشِيًا
أو غير مَاشٍ ( قال الرَّبِيعُ ) هذا إذَا كان الْمَشْيُ لَا يَضُرُّ بِمَنْ
يَمْشِي فإذا كان مُضِرًّا بِهِ فَيَرْكَبُ وَلَا شَيْءَ عليه على مِثْلِ ما
أَمَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَبَا إسْرَائِيلَ أَنْ يُتِمَّ صَوْمَهُ
وَيَتَنَحَّى عن الشَّمْسِ فَأَمَرَهُ بِاَلَّذِي فيه الْبِرُّ وَلَا يَضُرُّ بِهِ
وَنَهَاهُ عن تَعْذِيبِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِلَّهِ في تَعْذِيبِهِ
وَكَذَلِكَ الذي يمشى إذَا كان الْمَشْيُ تَعْذِيبًا له يَضُرُّ بِهِ تَرَكَهُ
وَلَا شَيْءَ عليه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قال إنْ شَفَى
اللَّهُ فُلَانًا فَلِلَّهِ على أَنْ أَمْشِيَ لم يَكُنْ عليه مَشْيٌ حتى يَكُونَ
نَوَى شيئا يَكُونُ مِثْلُهُ بِرًّا فَإِنْ لم يَنْوِ شيئا فَلَا شَيْءَ عليه
لِأَنَّهُ ليس في الْمَشْيِ إلَى غَيْرِ مَوَاضِعِ الْبِرِّ بِرٌّ + ( قال
الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ نَذَرَ فقال عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى إفْرِيقِيَّةَ أو
الْعِرَاقِ أو غَيْرِهِمَا من الْبُلْدَانِ لم يَكُنْ عليه شَيْءٌ لِأَنَّهُ ليس
لِلَّهِ طَاعَةٌ في الْمَشْيِ إلَى شَيْءٍ من الْبُلْدَانِ وَإِنَّمَا يَكُونُ
الْمَشْيُ إلَى الْمَوَاضِعِ التي يرتجي فيها الْبِرُّ وَذَلِكَ الْمَسْجِدُ
الْحَرَامُ وَأَحَبُّ إلَيَّ لو نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ
أَنْ يَمْشِيَ وَإِلَى مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَنْ يَمْشِيَ لِأَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ
مَسَاجِدَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ وَمَسْجِدِي هذا وَمَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ
وَلَا يُبَيِّنُ لي أَنْ أُوجِبَ الْمَشْيَ إلَى مَسْجِدِ النبي صلى اللَّهُ عليه
وسلم وَمَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ كما يُبَيِّنُ لي أَنْ أُوجِبَ الْمَشْيَ إلَى
بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ وَذَلِكَ أَنَّ الْبِرَّ بِإِتْيَانِ بَيْتِ اللَّهِ
فَرْضٌ وَالْبِرُّ بِإِتْيَانِ هَذَيْنِ نَافِلَتَيْنِ وإذا نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ
إلَى بَيْتِ اللَّهِ وَلَا نِيَّةَ له فَالِاخْتِيَارُ أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ
اللَّهِ الْحَرَامِ وَلَا يَجِبُ ذلك عليه إلَّا بِأَنْ يَنْوِيَهُ لِأَنَّ
الْمَسَاجِدَ بُيُوتُ اللَّهِ وهو إذَا نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى مَسْجِدِ مِصْرَ
لم يَكُنْ عليه أَنْ يَمْشِيَ إلَيْهِ وَلَوْ نَذَرَ بِرًّا أَمَرْنَاهُ
بِالْوَفَاءِ بِهِ ولم يُجْبَرْ عليه وَلَيْسَ هذا كما يُؤْخَذُ لِلْآدَمِيِّينَ
من الْآدَمِيِّينَ هذا عَمَلٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عز وجل لَا
يَلْزَمُهُ إلَّا بِإِيجَابِهِ على نَفْسِهِ بِعَيْنِهِ وإذا نَذَرَ الرَّجُلُ
أَنْ يَنْحَرَ بِمَكَّةَ لم يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يَنْحَرَ بِمَكَّةَ وَذَلِكَ
أَنَّ النَّحْرَ بِمَكَّةَ بِرٌّ وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَنْحَرَ بِغَيْرِهَا
لِيَتَصَدَّقَ لم يُجْزِهِ أَنْ يَنْحَرَ إلَّا حَيْثُ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ
وَإِنَّمَا أَوْجَبْته وَلَيْسَ في النَّحْرِ في غَيْرِهَا بِرٌّ لِأَنَّهُ نَذَرَ
أَنْ يَتَصَدَّقَ على مَسَاكِينِ ذلك الْبَلَدِ فإذا نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ على
مَسَاكِينِ بَلَدٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ عليهم
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَخَذَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نَاقَتَهُ ولم
يَأْمُرْهَا أَنْ تَنْحَرَ مِثْلَهَا أو تَنْحَرَهَا وَلَا تُكَفِّرَ ( قال )
وَكَذَلِكَ نَقُولُ إنَّ من نَذَرَ تَبَرُّرًا أَنْ يَنْحَرَ مَالَ غَيْرِهِ
فَهَذَا نَذْرٌ فِيمَا لَا يَمْلِكُ فَالنَّذْرُ سَاقِطٌ عنه وَبِذَلِكَ نَقُولُ
قِيَاسًا على من نَذَرَ ما لَا يُطِيقُ أَنْ يَعْمَلَهُ بِحَالٍ سَقَطَ النَّذْرُ
عنه لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَعْمَلَهُ فَهُوَ كما لَا يَمْلِكُ مِمَّا
سِوَاهُ
أخبرنا سُفْيَانُ عن أَيُّوبَ عن أبي قِلَابَةَ عن أبي الْمُهَلَّبِ عن عِمْرَانَ
بن حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا نَذْرَ في
مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ بن آدَمَ وكان في حديث عبد
الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ بهذا الْإِسْنَادِ أَنَّ امْرَأَةً من الْأَنْصَارِ
نَذَرَتْ وَهَرَبَتْ على نَاقَةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنْ
نَجَّاهَا اللَّهُ لَتَنْحَرَنهَا فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم هذا الْقَوْلَ
وَأَخَذَ نَاقَتَهُ ولم يَأْمُرْهَا بِأَنْ تَنْحَرَ مِثْلَهَا وَلَا تُكَفِّرَ
فَكَذَلِكَ نَقُولُ إنَّ من نَذَرَ تَبَرُّرًا أَنْ يَنْحَرَ مَالَ غَيْرِهِ
فَهَذَا نَذْرٌ فِيمَا لَا يَمْلِكُ وَالنَّذْرُ سَاقِطٌ عنه وَكَذَلِكَ نَقُولُ
قِيَاسًا على من نَذَرَ مالا يُطِيقُ أَنْ يَعْمَلَهُ بِحَالٍ سَقَطَ النَّذْرُ
عنه لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَعْمَلَهُ فَهُوَ كما لَا يَمْلِكُ مِمَّا
سِوَاهُ
(2/256)
- * وفي تَرْجَمَةِ الهدى
الْمَذْكُورَةِ في تَرَاجُمِ مُخْتَصَرِ الْحَجِّ الْمُتَوَسِّطِ نُصُوصٌ
تَتَعَلَّقُ بالهدى الْمَنْذُورِ - * فَمِنْهَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ
اللَّهُ الهدى من الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَسَوَاءٌ الْبُخْتُ
وَالْعِرَابُ من الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْجَوَامِيسِ وَالضَّأْنِ وَالْمَعْزِ
وَمَنْ نَذَرَ هَدْيًا فَسَمَّى شيئا لَزِمَهُ الشَّيْءُ الذي سَمَّى صَغِيرًا كان
أو كَبِيرًا وَمَنْ لم يُسَمِّ شيئا لَزِمَهُ هدى ليس بِجَزَاءٍ من صَيْدٍ
فَيَكُونُ عَدْلَهُ فَلَا يُجْزِيهِ من الْإِبِلِ وَلَا الْبَقَرِ وَلَا الْمَعْزِ
إلَّا ثنى فَصَاعِدًا وَيُجْزِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَيُجْزِي من الضَّأْنِ
وَحْدَهُ الْجَذَعُ وَالْمَوْضِعُ الذي يَجِبُ عليه فيه الْحَرَمُ لَا مَحِلَّ
للهدى دُونَهُ إلَّا أَنْ يسمى الرَّجُلُ مَوْضِعًا من الْأَرْضِ فَيَنْحَرَ فيه
هَدْيًا أو يُحْصَرَ رَجُلٌ بِعَدُوٍّ فَيَنْحَرَ حَيْثُ أُحْصِرَ وَلَا هدى إلَّا
في الْحَرَمِ لَا في غَيْرِ ذلك وَذُكِرَ هُنَا التَّقْلِيدُ وَالْإِشْعَارُ وقد
سَبَقَ في بَابِ الهدى آخِرَ الْحَجِّ وهو يَتَعَلَّقُ بِالْمَنْذُورِ
وَالتَّطَوُّعِ ( قال ) وإذا سَاقَ الهدى فَلَيْسَ له أَنْ يَرْكَبَهُ إلَّا من
ضَرُورَةٍ وإذا اُضْطُرَّ إلَيْهِ رَكِبَهُ رُكُوبًا غير فَادِحٍ له وَلَهُ أَنْ
يَحْمِلَ الرَّجُلَ المعي ( ( ( المعيا ) ) ) وَالْمُضْطَرَّ على هَدْيِهِ وإذا
كان الهدى أُنْثَى فَنَتَجَتْ فَإِنْ تَبِعَهَا فَصِيلُهَا سَاقَهُ وَإِنْ لم
يتبعه ( ( ( يتبعها ) ) ) حَمَلَهُ عليها وَلَيْسَ له أَنْ يَشْرَبَ من لَبَنِهَا
إلَّا بَعْدَ رِيِّ فَصِيلِهَا وَكَذَلِكَ ليس له أَنْ يسقى أَحَدًا وَلَهُ أَنْ
يَحْمِلَ فَصِيلَهَا وَإِنْ حَمَلَ عليها من غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَأَعْجَفَهَا
غَرِمَ قِيمَةَ ما نَقَصَهَا وَكَذَلِكَ إنْ شَرِبَ من لَبَنِهَا ما يُنْهِكُ
فَصِيلَهَا غَرِمَ قِيمَةَ اللَّبَنِ الذي شَرِبَ وَإِنْ قَلَّدَهَا وَأَشْعَرَهَا
وَوَجَّهَهَا إلَى الْبَيْتِ أو وَجَّهَهَا بِكَلَامٍ فقال ( ( ( فقيل ) ) ) هذه
هَدْيِي فَلَيْسَ له أَنْ يَرْجِعَ فيها وَلَا يُبَدِّلُهَا بِخَيْرٍ وَلَا
بِشَرٍّ منها كانت زَاكِيَةً أو غير زَاكِيَةٍ وَكَذَلِكَ لو مَاتَ لم يَكُنْ
لِوَرَثَتِهِ أَنْ يَرِثُوهَا وَإِنَّمَا أَنْظُرُ في الهدى إلَى يَوْمِ يُوجِبُ
فَإِنْ كان وَافِيًا ثُمَّ أَصَابَهُ بَعْدَ ذلك عَوَرٌ أو عَرَجٌ أو ما لَا
يَكُونُ بِهِ وَافِيًا على الِابْتِدَاءِ لم يَضُرَّهُ إذَا بَلَغَ الْمَنْسَكَ
وَإِنْ كان يوم وَجَبَ ليس بِوَافٍ ثُمَّ صَحَّ حتى يَصِيرَ وَافِيًا قبل يَنْحَرَ
لم يَجُزْ عنه ولم يَكُنْ له أَنْ يَحْبِسَهُ وَلَا عليه أَنْ يُبَدِّلَهُ إلَّا
أَنْ يَتَطَوَّعَ بِإِبْدَالِهِ مع نَحْرِهِ أو يَكُونَ أَصْلُهُ وَاجِبًا فَلَا
يجزئ عنه فيه إلَّا وَافٍ ( قال ) والهدى هَدْيَانِ هدى أَصْلُهُ تَطَوُّعٌ فذكر
في عَطَبِهِ وَإِطْعَامِهِ ما سَبَقَ في بَابِ الهدى ( قال ) وهدى وَاجِبٌ
فَذَلِكَ إذَا عَطِبَ دُونَ الْحَرَمِ صَنَعَ بِهِ صَاحِبُهُ ما شَاءَ من بَيْعٍ
وَهِبَةٍ وَإِمْسَاكٍ وَعَلَيْهِ بَدَلُهُ بِكُلِّ حَالٍ وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهِ في
مَوْضِعِهِ على مَسَاكِينَ كان عليه بَدَلُهُ لِأَنَّهُ قد خَرَجَ من أَنْ يَكُونَ
هَدْيًا حين عَطِبَ قبل أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَذَكَرَ هُنَا دَمَ التَّمَتُّعِ
وَالْقِرَانِ وَغَيْرِ ذلك مِمَّا ذَكَرْنَاهُ في بَابِ الهدى ( قال ) وَلَوْ
أَنَّ رَجُلَيْنِ كان عَلَيْهِمَا هَدْيَانِ وَاجِبَانِ فَأَخْطَأَ كُلُّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا بِهَدْيِ صَاحِبِهِ فَذَبَحَهُ ثُمَّ أَدْرَكَهُ قبل أَنْ يَتَصَدَّقَ
بِهِ أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هدى نَفْسِهِ وَرَجَعَ كُلُّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا على صَاحِبِهِ بِقِيمَةِ ما بين الْهَدْيَيْنِ حَيَّيْنِ
وَمَنْحُورَيْنِ وَأَجْزَأَ عنهما وَتَصَدَّقَا بِكُلِّ ما ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ وَلَوْ لم يُدْرِكَاهُ حتى فَاتَ بِصَدَقَةٍ ضَمِنَ كُلُّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ قِيمَةَ الهدى حَيًّا وكان على كل وَاحِدٍ
مِنْهُمَا الْبَدَلُ وَلَا أُحِبُّ أَنْ يُبَدِّلَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَّا
بِجَمِيعِ ثَمَنِ هَدْيِهِ وَإِنْ لم يَجِدْ بِثَمَنِ هَدْيِهِ هَدْيًا زَادَ حتى
يُبَدِّلَهُ هَدْيًا وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا نَحَرَ هَدْيًا فَمَنَعَ الْمَسَاكِينَ
دَفَعَهُ إلَيْهِمْ أو نَحَرَهُ بِنَاحِيَةٍ ولم يخل ( ( ( يحل ) ) ) بين
الْمَسَاكِينِ وَبَيْنَهُ حتى يُنْتِنَ كان عليه أَنْ يُبَدِّلَهُ وَالنَّحْرُ
يَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ مِنًى كُلُّهَا حتى تَغِيبَ الشَّمْسُ من آخِرِ
أَيَّامِهَا فإذا غَابَتْ الشَّمْسُ فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنَّ من كان عليه هدى
وَاجِبٌ نَحَرَهُ وَأَعْطَاهُ مَسَاكِينَ الْحَرَمِ قَضَاءً وَيَذْبَحُ في
اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَإِنَّمَا أَكْرَهُ ذَبْحَ اللَّيْلِ لِئَلَّا يُخْطِئَ
رَجُلٌ في الذَّبْحِ أو لَا يُوجَدُ مَسَاكِينُ حَاضِرُونَ فَأَمَّا إذَا أَصَابَ
الذَّبْحَ فَوَجَدَ مَسَاكِينَ حَاضِرِينَ فَسَوَاءٌ وفي أَيِّ الْحَرَمِ ذَبَحَهُ
ثُمَّ أَبْلَغَهُ مَسَاكِينَ الْحَرَمِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ كان ذَبْحُهُ إيَّاهُ في
غَيْرِ مَوْضِعِ نَاسٍ وَيَنْحَرُ الْإِبِلَ قِيَامًا غير مَعْقُولَةٍ وَإِنْ
أَحَبَّ عَقْلَ إحْدَى قَوَائِمِهَا وَإِنْ نَحَرَهَا بَارِكَةً أو مُطْلَقَةً
أَجْزَأَتْ عنه وَيَنْحَرُ الْإِبِلَ وَيَذْبَحُ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَإِنْ
نَحَرَ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ أو ذَبَحَ
____________________
(2/257)
الْإِبِلَ كَرِهْت له ذلك
وَأَجْزَأَتْ عنه وَمَنْ أَطَاقَ الذَّبْحَ من امْرَأَةٍ أو رَجُلٍ أَجْزَأَ أَنْ
يَذْبَحَ النَّسِيكَةَ وَهَكَذَا من حَلَّتْ ذَكَاتُهُ إلَّا أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ
يَذْبَحَ النَّسِيكَةَ يهودى أو نَصْرَانِيٌّ فَإِنْ فَعَلَ فَلَا إعَادَةَ على
صَاحِبِهِ وَأَحَبُّ إلى أَنْ يَذْبَحَ النَّسِيكَةَ صَاحِبُهَا أو يَحْضُرَ
الذَّبْحَ فإنه يُرْجَى عِنْدَ سُفُوحِ الدَّمِ الْمَغْفِرَةُ (1) ( قال
الشَّافِعِيُّ ) وإذا قال الرَّجُلُ غُلَامِي حُرٌّ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لي في
سَاعَتِي هذه أو في يَوْمِي هذا أو أشاء ( ( ( شاء ) ) ) أو يَشَاءُ فُلَانٌ أَنْ
لَا يَكُونَ حُرًّا أو امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إلَّا أَنْ أَشَاءَ أَنْ لَا تَكُونَ
طَالِقًا في يومى هذا أو يَشَاءُ فُلَانٌ فَشَاءَ أو شَاءَ الذي اسْتَثْنَى
مَشِيئَتَهُ لم يَكُنْ الْعَبْدُ حُرًّا وَلَا الْمَرْأَةُ طَالِقًا ( قال ) وإذا
قال الرَّجُلُ أنا أهدى هذه الشَّاةَ نَذْرًا أو أَمْشِي نَذْرًا فَعَلَيْهِ أَنْ
يُهْدِيَهَا وَعَلَيْهِ أَنْ يَمْشِيَ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أني سَأُحْدِثُ
نَذْرًا أو إنِّي سَأُهْدِيهَا فَلَا يَلْزَمُهُ ذلك وهو كما قَالَهُ لِغَيْرِ
إيجَابٍ فإذا نَذَرَ الرَّجُلُ أَنْ يَأْتِيَ مَوْضِعًا من الْحَرَمِ مَاشِيًا أو
رَاكِبًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ الْحَرَمَ حَاجًّا أو مُعْتَمِرًا وَلَوْ
نَذَرَ أَنْ يأتى عَرَفَةَ أو مَرًّا أو مَوْضِعًا قَرِيبًا من الْحَرَمِ ليس
بِحَرَمٍ لم يَكُنْ عليه شَيْءٌ لِأَنَّ هذا نَذْرٌ في غَيْرِ طَاعَةٍ وإذا نَذَرَ
الرَّجُلُ حَجًّا ولم يُسَمِّ وَقْتًا فَعَلَيْهِ حَجٌّ يُحْرِمُ بِهِ في أَشْهُرِ
الْحَجِّ مَتَى شَاءَ وإذا قال على نَذْرُ حَجٍّ إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَلَيْسَ عليه
شَيْءٌ وَلَوْ شَاءَ فُلَانٌ إنَّمَا النَّذْرُ ما أُرِيدَ اللَّهُ عز وجل بِهِ
ليس على مَعَانِي الْعُلُوِّ وَلَا مَشِيئَةِ غَيْرِ النَّاذِرِ وإذا نَذَرَ
الرَّجُلُ أَنْ يهدى شيئا من النَّعَمِ لم يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يُهْدِيَهُ وإذا
نَذَرَ أَنْ يهدى مَتَاعًا لم يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يُهْدِيَهُ أو يَتَصَدَّقَ بِهِ
على مَسَاكِينِ الْحَرَمِ فَإِنْ كانت نِيَّتُهُ في هذه أَنْ يَعْقِلَهُ على
الْبَيْتِ أو يَجْعَلَ في طِيبٍ لِلْبَيْتِ جَعَلَهُ حَيْثُ نَوَى وَلَوْ نَذَرَ
أَنْ يهدى مالا يُحْمَلُ مِثْلَ الْأَرَضِينَ وَالدُّورِ بَاعَ ذلك فَأَهْدَى
ثَمَنَهُ ويلى الذي نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِذَلِكَ وَتَعْلِيقُهُ على الْبَيْتِ
وَتَطْيِيبُهُ بِهِ أو يُوَكِّلُ بِهِ ثِقَةً يَلِي ذلك بِهِ وإذا نَذَرَ أَنْ
يهدى بَدَنَةً لم يُجْزِهِ منها إلَّا ثنى من الْإِبِلِ أو ثَنِيَّةٌ وَسَوَاءٌ في
ذلك الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى والخصى وَأَكْثَرُهَا ثَمَنًا أَحَبُّهَا إلى وإذا لم
يجد بدنة لم يجزه منها إلا ثنى من الإبل أو ثنية وسواء في ذلك الذكر والأنثى
والخصى وأكثرها ثمنا أحبها إلى وإذا لم يَجِدْ بَدَنَةً أَهْدَى بَقَرَةً
ثَنِيَّةً فَصَاعِدًا وإذا لم يَجِدْ بَقَرَةً أَهْدَى سَبْعًا من الْغَنَمِ
ثَنِيًّا فَصَاعِدًا إنْ كُنَّ مِعْزَى أو جَذَعًا فَصَاعِدًا إنْ كُنَّ ضَأْنًا
وَإِنْ كانت نِيَّتُهُ على بَدَنَةٍ من الْإِبِلِ دُونَ الْبَقَرِ فَلَا يُجْزِيهِ
أَنْ يُهْدِيَ مَكَانَهَا إلَّا بِقِيمَتِهَا وإذا نَذَرَ الرَّجُلُ هَدْيًا ولم (
( ( لم ) ) ) يُسَمِّ الهدى ولم يَنْوِ شيئا فَأَحَبُّ إلى أَنْ يهدى شَاةً وما
أَهْدَى من مُدِّ حِنْطَةٍ أو ما قُوتُهُ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ كُلَّ هذا هدى وَلَوْ
أَهْدَى ما ( ( ( إنما ) ) ) كان أَحَبَّ إلى لِأَنَّ كُلَّ هذا هدى أَلَا تَرَى
إلَى قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ
مِثْلُ ما قَتَلَ من النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا }
فَقَدْ يَقْتُلُ الصَّيْدَ وهو صَغِيرٌ أَعْرَجُ وَأَعْمَى وَإِنَّمَا يُجْزِيهِ
بمثله أو لا تَرَى أَنَّهُ يَقْتُلُ الْجَرَادَةَ وَالْعُصْفُورَ وَهُمَا من
الصَّيْدِ فَيُجْزِي الْجَرَادَةَ بِتَمْرَةٍ وَالْعُصْفُورَ بِقِيمَتِهِ
وَلَعَلَّهُ قَبْضَةٌ وقد سَمَّى اللَّهُ عز وجل هذا كُلَّهُ هَدْيًا وإذا قال
الرَّجُلُ شَاتِي هذه هدى إلَى الْحَرَمِ أو بُقْعَةٌ من الْحَرَمِ أَهْدَى وإذا
نَذَرَ الرَّجُلُ بَدَنَةً لم تُجْزِئْهُ إلَّا بِمَكَّةَ فَإِنْ سَمَّى مَوْضِعًا
من الْأَرْضِ يَنْحَرُهَا فيه أَجْزَأَتْهُ وإذا نَذَرَ الرَّجُلُ عَدَدَ صَوْمٍ
صَامَهُ إنْ شَاءَ مُتَفَرِّقًا وَإِنْ شَاءَ مُتَتَابِعًا ( قال ) وإذا نَذَرَ
صِيَامَ أَشْهُرٍ فما صَامَ منها بِالْأَهِلَّةِ صَامَهُ عَدَدًا ما بين
الْهِلَالَيْنِ إنْ كان تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَثَلَاثِينَ فَإِنْ صَامَهُ
بِالْعَدَدِ صَامَ عن كل شَهْرٍ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وإذا نَذَرَ صِيَامَ سَنَةٍ
بِعَيْنِهَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا سَمَّى اللَّهَ عز وجل على النَّسِيكَةِ أَجْزَأَ
عنه وَإِنْ قال اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ عنى أو تَقَبَّلْ عن فُلَانٍ الذي أَمَرَهُ
بِذَبْحِهِ فَلَا بَأْسَ ثُمَّ ذَكَرَ الْأَكْلَ من هدى التَّطَوُّعِ وقد
ذَكَرْنَاهُ في بَابِ الهدى ( قال ) والهدى هَدْيَانِ وَاجِبٌ وَتَطَوُّعٌ فَكُلُّ
ما كان أَصْلُهُ وَاجِبًا على الْإِنْسَانِ ليس له حَبْسُهُ فَلَا يَأْكُلُ منه
شيئا وَذَلِكَ مِثْلُ هدى الْفَسَادِ وَالطِّيبِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَالنُّذُورِ
وَالْمُتْعَةِ فان أَكَلَ من الهدى الْوَاجِبِ تَصَدَّقَ بِقِيمَةِ ما أَكَلَ منه
ثُمَّ ذَكَرَ ما يَتَعَلَّقُ بِالتَّطَوُّعِ وقد تَقَدَّمَ ( قال ) وَإِنْ لم
يُقَلِّدْ هَدْيَهُ ولم يُشْعِرْهُ قَارِنًا كان أو غَيْرَهُ أَجْزَأَهُ أَنْ
يَشْتَرِيَ هَدْيًا من مني أو من مَكَّةَ ثُمَّ يَذْبَحُهُ مَكَانَهُ لِأَنَّهُ
ليس على الهدى عَمَلٌ إنَّمَا الْعَمَلُ على الْآدَمِيِّينَ وَالنُّسُكُ لهم
وَإِنَّمَا هذا من أَمْوَالِهِمْ يَتَقَرَّبُونَ بِهِ إلَى اللَّهِ عز وجل
(2/258)
صَامَهَا كُلَّهَا إلَّا
رَمَضَانَ فإنه يَصُومُ لِرَمَضَانَ وَيَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ النَّحْرِ
وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَلَا قَضَاءَ عليه كما لو قَصَدَ بِنَذْرٍ أَنْ يَصُومَ
هذه الْأَيَّامَ لم يَكُنْ عليه نَذْرٌ وَلَا قَضَاءٌ فَإِنْ نَذَرَ سَنَةً
بِغَيْرِ عَيْنِهَا قَضَى هذه الْأَيَّامَ كُلَّهَا حتى يوفى صَوْمَ سَنَةٍ
كَامِلَةٍ وَإِنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَرَضٌ أو خَطَأُ عَدَدٍ أو نِسْيَانٌ
أو تَوَانٍ قَضَاهُ إذَا زَعَمْت أَنَّهُ يُهِلُّ بِالْحَجِّ فَيُحْصَرُ بِعَدُوٍّ
فَلَا يَكُونُ عليه قَضَاءٌ كان من نَذَرَ حَجًّا بِعَيْنِهِ مثله وما زَعَمْت
أَنَّهُ إذَا أُحْصِرَ فإن عليه الْقَضَاءَ أَمَرْته أَنْ يَقْضِيَهُ إنْ نَذَرَهُ
فَأُحْصِرَ وَهَكَذَا إنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ سَنَةً بِعَيْنِهَا فَمَرِضَ
قَضَاهَا إلَّا الْأَيَّامَ التي ليس له أَنْ يَصُومَهَا فَإِنْ قال قَائِلٌ
فَلِمَ تَأْمُرُ الْمُحْصَرَ إذَا أُحْصِرَ بالهدى وَلَا تَأْمُرُ بِهِ هذا قُلْت
آمُرُهُ بِهِ لِلْخُرُوجِ من الْإِحْرَامِ وَهَذَا لم يُحْرِمْ فَآمُرُهُ بالهدى (
قال ) وإذا أَكَلَ الصَّائِمُ أو شَرِبَ في رَمَضَانَ أو نَذْرٍ أو صَوْمِ
كَفَّارَةٍ أو وَاجِبٍ بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ أو تَطَوُّعٍ نَاسِيًا فَصَوْمُهُ
تَامٌّ وَلَا قَضَاءَ عليه وإذا تَسَحَّرَ بَعْدَ الْفَجْرِ وهو لَا يَعْلَمُ أو
أَفْطَرَ قبل اللَّيْلِ وهو لَا يَعْلَمُ فَلَيْسَ بِصَائِمٍ في ذلك الْيَوْمِ
وَعَلَيْهِ بَدَلُهُ فَإِنْ كان صَوْمُهُ مُتَتَابِعًا فَعَلَيْهِ أَنْ
يَسْتَأْنِفَهُ وإذا قال لِلَّهِ على أَنْ أَصُومَ الْيَوْمَ الذي يَقْدُمُ فيه
فُلَانٌ فَقَدِمَ لَيْلًا فَلَيْسَ عليه صَوْمٌ صَبِيحَةَ ذلك الْيَوْمِ لِأَنَّهُ
قَدِمَ في اللَّيْلِ ولم يَقْدُمْ في النَّهَارِ وَأَحَبُّ إلى لو صَامَهُ وَلَوْ
قَدِمَ الرَّجُلُ نَهَارًا وقد أَفْطَرَ الذي نَذَرَ الصَّوْمَ فَعَلَيْهِ أَنْ
يَقْضِيَهُ لِأَنَّهُ نَذْرٌ وَالنَّذْرُ لَا يُجْزِيهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ
صِيَامَهُ قبل الْفَجْرِ وَهَذَا احْتِيَاطٌ وقد يَحْتَمِلُ الْقِيَاسَ أَنْ لَا
يَكُونَ عليه قَضَاؤُهُ من قِبَلِ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ له أَنْ يَكُونَ فيه
صَائِمًا عن نَذْرِهِ وَإِنَّمَا قُلْنَا بِالِاحْتِيَاطِ أَنَّ جَائِزًا أَنْ
يَصُومَ وَلَيْسَ هو كَيَوْمِ الْفِطْرِ وَإِنَّمَا كان عليه صَوْمُهُ بَعْدَ
مَقْدِمِ فُلَانٍ فَقُلْنَا عليه قَضَاؤُهُ وَهَذَا أَصَحُّ في الْقِيَاسِ من
الْأَوَّلِ وَلَوْ أَصْبَحَ فيه صَائِمًا من نَذْرٍ غَيْرِ هذا أو قَضَاءِ
رَمَضَانَ أَحْبَبْت أَنْ يَعُودَ لِصَوْمِ نَذْرِهِ وَقَضَائِهِ وَيَعُودُ
لِصَوْمِهِ لِمَقْدِمِ فُلَانٍ وَلَوْ أَنَّ فُلَانًا قَدِمَ يوم الْفِطْرِ أو يوم
النَّحْرِ أو التَّشْرِيقِ لم يَكُنْ عليه صَوْمُ ذلك الْيَوْمِ وَلَا عليه
قَضَاؤُهُ لِأَنَّهُ ليس في صَوْمِ ذلك الْيَوْمِ طَاعَةٌ فَلَا يقضى ما لَا
طَاعَةَ فيه وَلَوْ قال لِلَّهِ على أَنْ أَصُومَ الْيَوْم الذي يَقْدَمُ فيه
فُلَانٌ أَبَدًا فَقَدِمَ فُلَانٌ يوم الِاثْنَيْنِ فإن عليه قَضَاءَ الْيَوْمِ
الذي قَدِمَ فيه وَصَوْمَ الِاثْنَيْنِ كُلَّمَا اسْتَقْبَلَهُ فَإِنْ تَرَكَهُ
فِيمَا يَسْتَقْبِلُ قَضَاهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ يوم فِطْرٍ
أو أَضْحَى أو أَيَّامَ التَّشْرِيقِ فَلَا يَصُومُ وَلَا يَقْضِيهِ وَكَذَلِكَ
إنْ كان في رَمَضَانَ لم يَقْضِهِ وَصَامَهُ في رَمَضَانَ كما لو أَنَّ رَجُلًا
نَذَرَ أَنْ يَصُومَ رَمَضَانَ صَامَ رَمَضَانَ بِالْفَرِيضَةِ ولم يَصُمْهُ
بِالنَّذْرِ ولم يَقْضِهِ وَكَذَلِكَ لو نَذَرَ أَنْ يَصُومَ يوم الْفِطْرِ أو
الْأَضْحَى أو أَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا
وَقَدِمَ فُلَانٌ يوم الِاثْنَيْنِ وقد وَجَبَ عليه صَوْمُ شَهْرَيْنِ
مُتَتَابِعَيْنِ صَامَهُمَا وَقَضَى كُلَّ اثْنَيْنِ مِنْهُمَا وَلَا يُشْبِهُ هذا
شَهْرَ رَمَضَانَ لِأَنَّ هذا شَيْءٌ أَدْخَلَهُ على نَفْسِهِ بعد ما أُوجِبَ عليه
صَوْمُ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَصَوْمُ رَمَضَانَ شَيْءٌ أَوْجَبَهُ اللَّهُ لَا
شَيْءَ أَدْخَلَهُ على نَفْسِهِ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وكان النَّاذِرُ
امْرَأَةً فَكَالرَّجُلِ وتقضى كُلَّ ما مَرَّ عليها من حَيْضِهَا وإذا قالت
الْمَرْأَةُ لِلَّهِ على أَنْ أَصُومَ كُلَّمَا حِضْت أؤ أَيَّامَ حَيْضِي
فَلَيْسَ عليها صَوْمٌ وَلَا قَضَاءٌ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ صَائِمَةً وَهِيَ
حَائِضٌ وإذا نَذَرَ الرَّجُلُ صَلَاةً أو صَوْمًا ولم يَنْوِ عَدَدًا فَأَقَلُّ
ما يَلْزَمُهُ من الصَّلَاةِ رَكْعَتَانِ وَمِنْ الصَّوْمِ يَوْمٌ لِأَنَّ هذا
أَقَلُّ ما يَكُونُ من الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لَا الْوِتْرُ ( قال الرَّبِيعُ )
وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ يُجْزِيهِ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ مَرْوِيٌّ عن
عُمَرَ أَنَّهُ تَنَفَّلَ بِرَكْعَةٍ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه
وسلم أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ بَعْدَ عَشْرِ رَكَعَاتٍ وَأَنَّ عُثْمَانَ أَوْتَرَ
بِرَكْعَةٍ ( قال الرَّبِيعُ ) فلما كانت رَكْعَةٌ صَلَاةً وَنَذَرَ أَنْ يصلى
صَلَاةً ولم يَنْوِ عَدَدًا فَصَلَّى رَكْعَةً كانت رَكْعَةٌ صَلَاةً بِمَا
ذَكَرْنَا (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا قال لِلَّهِ على عِتْقُ رَقَبَةٍ فَأَيُّ رَقَبَةٍ
أَعْتَقَ أجزأه ( ( ( أجزأ ) )
(2/259)
3 (1) * أخبرنا الرَّبِيعُ قال
أخبرنا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قال قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {
لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلَّا أَنْ تَكُونَ
تِجَارَةً عن تَرَاضٍ مِنْكُمْ } وقال اللَّهُ تَعَالَى { وَأَحَلَّ اللَّهُ
الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } قال الشَّافِعِيُّ وَذَكَرَ اللَّهُ الْبَيْعَ في
غَيْرِ مَوْضِعٍ من كِتَابِهِ بِمَا يَدُلُّ على إبَاحَتِهِ فَاحْتَمَلَ إحْلَالُ
اللَّهِ عز وجل الْبَيْعَ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ أَحَلَّ كُلَّ
بَيْعِ تَبَايَعَهُ الْمُتَبَايِعَانِ جَائِزِي الْأَمْرِ فِيمَا تَبَايَعَاهُ عن
تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَهَذَا أَظْهَرُ مَعَانِيهِ ( قال ) وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ
اللَّهُ عز وجل أَحَلَّ الْبَيْعَ إذَا كان مِمَّا لم يَنْهَ عنه رسول اللَّهِ صلى
اللَّهُ عليه وسلم الْمُبَيِّنُ عن اللَّهِ عز وجل مَعْنَى ما أَرَادَ فَيَكُونُ
هذا من الْجُمَلِ التي أَحْكَمَ اللَّهُ فَرْضَهَا بِكِتَابِهِ وَبَيَّنَ كَيْفَ
هِيَ على لِسَانِ نَبِيِّهِ أو من الْعَامِّ الذي أَرَادَ بِهِ الْخَاصَّ
فَبَيَّنَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ما أُرِيدَ بِإِحْلَالِهِ منه وما
حُرِّمَ أو يَكُونُ دَاخِلًا فِيهِمَا أو من الْعَامِّ الذي أَبَاحَهُ إلَّا ما
حُرِّمَ على لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم منه وما في مَعْنَاهُ كما
كان الْوُضُوءُ فَرْضًا على كل مُتَوَضِّئٍ لَا خَفِيَ عليه لَبْسُهُمَا على
كَمَالِ الطَّهَارَةِ وَأَيُّ هذه الْمَعَانِي كان فَقَدْ أَلْزَمَهُ اللَّهُ
تَعَالَى خَلْقَهُ بِمَا فَرَضَ من طَاعَةِ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأن
ما قبل عنه فعن الله عز وجل قبل لأنه بكتاب الله تعالى قبل ( قال ) فلما نهى رسول
الله صلى اللَّهُ عليه وسلم عن بُيُوعٍ تَرَاضَى بها الْمُتَبَايِعَانِ اسْتَدْلَلْنَا
على أَنَّ اللَّهَ عز وجل أَرَادَ بِمَا أَحَلَّ من الْبُيُوعِ ما لم يَدُلَّ على
تَحْرِيمِهِ على لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم دُونَ ما حَرَّمَ على
لِسَانِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَصْلُ الْبُيُوعِ كُلِّهَا مُبَاحٌ إذَا كانت
بِرِضَا الْمُتَبَايِعَيْنِ الْجَائِزَيْ الْأَمْرِ فِيمَا تَبَايَعَا إلَّا ما
نهى عنه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم منها وما كان في مَعْنَى ما نهى عنه
رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مُحَرَّمٌ بِإِذْنِهِ دَاخِلٌ في الْمَعْنَى
الْمَنْهِيِّ عنه وما فَارَقَ ذلك أَبَحْنَاهُ بِمَا وَصَفْنَا من إبَاحَةِ
الْبَيْعِ في كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَجِمَاعُ ما
يَجُوزُ من كل بَيْعٍ آجِلٍ وَعَاجِلٍ وما لَزِمَهُ اسْمُ بَيْعٍ بِوَجْهٍ أَنَّهُ
لَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ حتى يُجْمِعَا أَنْ يَتَبَايَعَاهُ
بِرِضًا مِنْهُمَا بِالتَّبَايُعِ بِهِ وَلَا يَعْقِدَاهُ بِأَمْرٍ مَنْهِيٍّ عنه
وَلَا على أَمْرٍ مَنْهِيٍّ عنه وَأَنْ يَتَفَرَّقَا بَعْدَ تَبَايُعِهِمَا عن
مَقَامِهِمَا الذي تَبَايَعَا فيه على التَّرَاضِي بِالْبَيْعِ فإذا اجْتَمَعَ هذا
لَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيْعُ ولم يَكُنْ له رَدُّهُ إلَّا بِخِيَارٍ
أو عَيْبٍ يَجِدُهُ أو شَرْطٍ يَشْرِطُهُ أو خِيَارِ رُؤْيَةٍ إن جاز خيار الرؤية
ومتى لم يكن هذا لم يقع البيع بين المتابيعين ( قال الربيع ) قد رجع الشافعي عن
خيار الرؤية وقال لَا يَجُوزُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أَصْلُ
الْبَيْعِ بَيْعَانِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا بَيْعُ صِفَةٍ مَضْمُونَةٍ على
بَائِعِهَا فإذا جاء بها فلا خِيَارٌ لِلْمُشْتَرِي فِيمَا إذَا كانت على صِفَتِهِ
وَبَيْعُ عَيْنٍ مَضْمُونَةٍ على بَائِعِهَا بِعَيْنِهَا يُسَلِّمُهَا الْبَائِعُ
لِلْمُشْتَرِي فإذا تَلِفَتْ لم يَضْمَنْ سِوَى الْعَيْنِ التي بَاعَ وَلَا
يَجُوزُ بَيْعُ غَيْرِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ وَهَذَانِ مُفْتَرَقَانِ في كِتَابِ
الْبُيُوعِ
____________________
1- * كِتَابُ الْبُيُوعِ
(3/3)
- * بَابٌ بَيْعُ الْخِيَارِ -
* ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا مَالِكُ بن أَنَسٍ عن نَافِعٍ عن
عبد اللَّهِ بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال
الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على صَاحِبِهِ بِالْخِيَارِ ما لم
يَتَفَرَّقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ أخبرنا بن جُرَيْجٍ قال أملي على نَافِعٌ
مولى بن عُمَرَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بن عُمَرَ أخبره أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى
اللَّهُ عليه وسلم قال إذَا تَبَايَعَ الْمُتَبَايِعَانِ الْبَيْعَ فَكُلُّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ من بَيْعِهِ ما لم يَتَفَرَّقَا أو يَكُونُ
بَيْعُهُمَا عن خِيَارٍ قال نَافِعٌ وكان عبد اللَّهِ إذَا ابْتَاعَ الْبَيْعَ
فَأَرَادَ أَنْ يُوجِبَ الْبَيْعَ مَشَى قَلِيلًا ثُمَّ رَجَعَ ( قال
الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عبد اللَّهِ بن دِينَارٍ عن بن
عُمَرَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا الثِّقَةُ عن حَمَّادِ بن سَلَمَةَ عن
قَتَادَةَ عن أبي الْخَلِيلِ عن عبد اللَّهِ بن الحرث عن حَكِيمِ بن حِزَامٍ قال
قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ ما لم
يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَّا وَجَبَتْ الْبَرَكَةُ في بَيْعِهِمَا
وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ الْبَرَكَةُ من بَيْعِهِمَا أخبرنا الثِّقَةُ
يحيى بن حَسَّانَ عن حَمَّادِ بن زَيْدٍ عن جَمِيلِ بن مُرَّةَ عن أبى الْوَضِيءِ
قال كنا في غَزَاةٍ فَبَاعَ صَاحِبٌ لنا فَرَسًا من رَجُلٍ فلما أَرَدْنَا
الرَّحِيلَ خَاصَمَهُ فيه إلَى أبي بَرْزَةَ فقال له أبو بَرْزَةَ سَمِعْت رَسُولَ
اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول الْبَيْعَانِ بِالْخِيَارِ ما لم يَتَفَرَّقَا
( قال الشَّافِعِيُّ ) وفي الحديث ما يُبَيِّنُ هذا أَيْضًا لم يَحْضُرْ الذي
حدثني حِفْظَهُ وقد سَمِعْتُهُ من غَيْرِهِ أَنَّهُمَا بَاتَا لَيْلَةً ثُمَّ
غَدَوْا عليه فقال لَا أَرَاكُمَا تَفَرَّقْتُمَا وَجَعَلَ له الْخِيَارَ إذَا
بَاتَا مَكَانًا وَاحِدًا بَعْدَ الْبَيْعِ ( قال ) أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن
بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ قال إذَا وَجَبَ الْبَيْعُ خَيَّرَهُ بَعْدَ
وُجُوبِهِ قال يقول اخْتَرْ إنْ شِئْت فَخُذْ وَإِنْ شِئْت فَدَعْ قال فَقُلْت له
فَخَيَّرَهُ بَعْدَ وُجُوبِ الْبَيْعِ فَأَخَذَ ثُمَّ نَدِمَ قبل أَنْ
يَتَفَرَّقَا من مَجْلِسِهِمَا ذلك أنفيلة ( ( ( أتقبله ) ) ) منه لَا بُدَّ قال
لَا أَحْسَبُهُ إذَا خَيَّرَهُ بَعْدَ وُجُوبِ الْبَيْعِ أخبرنا عبد الْوَهَّابِ
بن عبدالمجيد الثَّقَفِيُّ عن أَيُّوبَ بن أبي تَمِيمَةَ عن مُحَمَّدِ بن سِيرِينَ
عن شُرَيْحٍ أَنَّهُ قال شَاهِدَانِ ذَوَا عَدْلٍ أنكما افْتَرَقْتُمَا بَعْدَ
رِضًا بِبَيْعٍ أو خَيَّرَ أَحَدُكُمَا صَاحِبَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ ( قال
الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا نَأْخُذُ وهو قَوْلُ الْأَكْثَرِ من أَهْلِ الْحِجَازِ
وَالْأَكْثَرِ من أَهْلِ الْآثَارِ بِالْبُلْدَانِ ( قال ) وَكُلُّ
مُتَبَايِعَيْنِ في سَلَفٍ إلَى أَجَلٍ أو دَيْنٍ أو عَيْنٍ أو صَرْفٍ أو غَيْرِهِ
تَبَايَعَا وَتَرَاضَيَا ولم يَتَفَرَّقَا عن مَقَامِهِمَا أو مَجْلِسِهِمَا الذي
تَبَايَعَا فيه فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُ الْبَيْعِ وَإِنَّمَا يَجِبُ
على كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيْعُ حتى لَا يَكُونَ له رَدُّهُ إلَّا بِخِيَارٍ
أو شَرْطِ خِيَارٍ أو ما وَصَفْت إذَا تَبَايَعَا فيه وَتَرَاضَيَا وَتَفَرَّقَا
بَعْدَ الْبَيْعِ عن مَقَامِهِمَا الذي تَبَايَعَا فيه أو كان بَيْعُهُمَا عن
خِيَارٍ فإن الْبَيْعَ يَجِبُ بِالتَّفَرُّقِ وَالْخِيَارِ ( قال ) وَاحْتَمَلَ
قَوْلُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ مَعْنَيَيْنِ
أَظْهَرُهُمَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِاللِّسَانِ وَأَوْلَاهُمَا بِمَعْنَى
السُّنَّةِ وَالِاسْتِدْلَالِ بها وَالْقِيَاسُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ
عليه وسلم إذْ جَعَلَ الْخِيَارَ لِلْمُتَبَايِعَيْنِ فَالْمُتَبَايِعَانِ
اللَّذَانِ عَقَدَا الْبَيْعَ حتى يَتَفَرَّقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ فإن
الْخِيَارَ إذَا كان لَا يَنْقَطِعُ بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ في السُّنَّةِ حتى
يَتَفَرَّقَا وَتَفَرُّقُهُمَا هو أَنْ يَتَفَرَّقَا عن مَقَامِهِمَا الذي تَبَايَعَا
فيه كان بِالتَّفَرُّقِ أو بِالتَّخْيِيرِ وكان مَوْجُودًا في اللِّسَانِ
وَالْقِيَاسِ إذَا كان الْبَيْعُ يَجِبُ بِشَيْءٍ بَعْدَ الْبَيْعِ وهو الْفِرَاقُ
أَنْ يَجِبَ بِالثَّانِي بَعْدَ الْبَيْعِ فَيَكُونُ إذَا خَيَّرَ أَحَدُهُمَا
صَاحِبَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ كان الْخِيَارُ تَجْدِيدَ شَيْءٍ يُوجِبُهُ كما كان
التَّفَرُّقُ تَجْدِيدَ شَيْءٍ يُوجِبُهُ وَلَوْ لم يَكُنْ فيه سُنَّةٌ بَيِّنَةٌ
بِمِثْلِ ما ذَهَبَ إلَيْهِ كان ما وَصَفْنَا أَوْلَى الْمَعْنَيَيْنِ أَنْ
يُؤْخَذَ بِهِ لِمَا وَصَفْت من الْقِيَاسِ مع أَنَّ سُفْيَانَ بن عُيَيْنَةَ
أخبرنا عن عبد اللَّهِ بن طَاوُسٍ عن أبيه قال خَيَّرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ
عليه وسلم رَجُلًا بَعْدَ الْبَيْعِ فقال الرَّجُلُ عَمْرَك اللَّهُ مِمَّنْ أنت
فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم امْرُؤٌ من قُرَيْشٍ قال وكان أبي يَحْلِفُ
ما الْخِيَارُ إلَّا بَعْدَ الْبَيْعِ ( قال ) وَبِهَذَا نَقُولُ وقد قال بَعْضُ
أَصْحَابِنَا يَجِبُ الْبَيْعُ بِالتَّفَرُّقِ بَعْدَ الصَّفْقَةِ وَيَجِبُ بِأَنْ
يَعْقِدَ الصَّفْقَةَ على خِيَارٍ وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لَك
بِسِلْعَتِك كَذَا بَيْعًا خِيَارًا فيقول قد اخْتَرْت الْبَيْعَ ( قال
الشَّافِعِيُّ ) وَلَيْسَ نَأْخُذُ بهذا وَقَوْلُنَا الْأَوَّلُ لَا يَجِبُ
الْبَيْعُ
____________________
(3/4)
إلَّا بِتَفَرُّقِهِمَا أو
تَخْيِيرِ أَحَدِهِمَا صَاحِبَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ فَيَخْتَارُهُ ( قال ) وإذا
تَبَايَعَ الْمُتَبَايِعَانِ السِّلْعَةَ وَتَقَابَضَا أو لم يَتَقَابَضَا فَكُلُّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ ما لم يَتَفَرَّقَا أو يُخَيِّرْ أَحَدُهُمَا
صَاحِبَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ فإذا خَيَّرَهُ وَجَبَ الْبَيْعُ بِمَا يَجِبُ بِهِ
إذَا تَفَرَّقَا وَإِنْ تَقَابَضَا وَهَلَكَتْ السِّلْعَةُ في يَدِ الْمُشْتَرِي
قبل التَّفَرُّقِ أو الْخِيَارِ فَهُوَ ضَامِنٌ لَقِيمَتِهَا بَالِغًا ما بَلَغَ
كان أَقَلَّ أو أَكْثَرَ من ثَمَنِهَا لِأَنَّ الْبَيْعَ لم يَتِمَّ فيها ( قال
الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ هَلَكَتْ في يَدِ الْبَائِعِ قبل قَبْضِ الْمُشْتَرِي لها
وَقَبْلَ التَّفَرُّقِ أو بَعْدَهُ انْفَسَخَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا وَلَا تَكُونُ
من ضَمَانِ الْمُشْتَرِي حتى يَقْبِضَهَا فَإِنْ قَبَضَهَا ثُمَّ رَدَّهَا على
الْبَائِعِ وَدِيعَةً فَهُوَ كَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَوْدَعَهُ إيَّاهَا وَإِنْ
تَفَرَّقَا فَمَاتَتْ فَهِيَ من ضَمَانِ الْمُشْتَرِي وَعَلَيْهِ ثَمَنُهَا وإن
قبضها وردها عل البائع وديعة فماتت قبل التفرق أو الخيار فهي مضمونه على بالقيمة
وَإِنْ كان المشتري أَمَةً فَأَعْتَقَهَا الْمُشْتَرِي قبل التَّفَرُّقِ أو
الْخِيَارِ فَاخْتَارَ الْبَائِعُ نَقْضَ الْبَيْعِ كان له ذلك وكان عِتْقُ
الْمُشْتَرِي بَاطِلًا لِأَنَّهُ أَعْتَقَ ما لم يَتِمَّ له مِلْكُهُ وإذا
أَعْتَقَهَا الْبَائِعُ كان عِتْقُهُ جَائِزًا لِأَنَّهَا لم تُمْلَكْ عليه
مِلْكًا يَقْطَعُ الْمِلْكَ الْأَوَّلَ عنها إلَّا بِتَفَرُّقٍ بَعْدَ الْبَيْعِ
أو خِيَارٍ وَأَنَّ كُلَّ ما لم يَتِمَّ فيه مِلْكُ الْمُشْتَرِي فَالْبَائِعُ
أَحَقُّ بِهِ إذَا شَاءَ لِأَنَّ أَصْلَ الْمِلْكِ كان له ( قال الشَّافِعِيُّ )
رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَلِكَ لو عَجَّلَ الْمُشْتَرِي فَوَطِئَهَا قبل التَّفَرُّقِ
في غَفْلَةٍ من الْبَائِعِ عنه فَاخْتَارَ الْبَائِعُ فَسْخَ الْبَيْعِ كان له
فَسْخُهُ وكان على الْمُشْتَرِي مَهْرُ مِثْلِهَا لِلْبَائِعِ وَإِنْ أَحَبْلهَا
فَاخْتَارَ الْبَائِعُ رَدَّ الْبَيْعِ كان له رَدُّهُ وَكَانَتْ الْأَمَةُ له
وَلَهُ مَهْرُ مِثْلِهَا فَأَعْتَقْنَا وَلَدَهَا بِالشُّبْهَةِ وَجَعَلْنَا على
الْمُشْتَرِي قِيمَةَ وَلَدِهِ يوم وُلِدَ وَإِنْ وَطِئَهَا الْبَائِعُ فَهِيَ
أَمَتُهُ وَالْوَطْءُ كَالِاخْتِيَارِ منه لِفَسْخِ الْبَيْعِ ( قال الشَّافِعِيُّ
) وَإِنْ مَاتَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا قام وَرَثَتُهُ
مَقَامَهُ وكان لهم الْخِيَارُ في الْبَيْعِ ما كان له وَإِنْ خَرِسَ قبل أَنْ
يَتَفَرَّقَا أو غُلِبَ على عَقْلِهِ أَقَامَ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ من يَنْظُرُ له
وَجَعَلَ له الْخِيَارَ في رَدِّ الْبَيْعِ أو أَخْذِهِ فَأَيُّهُمَا فَعَلَ ثُمَّ
أَفَاقَ الْآخَرُ فَأَرَادَ نَقْضَ ما فَعَلَهُ لم يَكُنْ له أَنْ يُمْضِيَ
الْحُكْمَ عليه بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كان المشتري أَمَةً فَوَلَدَتْ
أو بَهِيمَةً فَنَتَجَتْ قبل التَّفَرُّقِ فَهُمَا على الْخِيَارِ فَإِنْ اخْتَارَا
إنْفَاذَ الْبَيْعِ أو تَفَرَّقَا فولد ( ( ( فالولد ) ) ) المشتري لِلْمُشْتَرِي
لِأَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ وَقَعَ وهو حَمْلٌ وَكَذَلِكَ كُلُّ خِيَارٍ بِشَرْطٍ
جَائِزٍ في أَصْلِ الْعَقْدِ
____________________
(3/5)
- * بَابٌ الْخِلَافُ فِيمَا
يَجِبُ بِهِ الْبَيْعُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَخَالَفَنَا
بَعْضُ الناس فِيمَا يَجِبُ بِهِ الْبَيْعُ فقال إذَا عُقِدَ الْبَيْعُ وَجَبَ
وَلَا أُبَالِي أَنْ لَا يُخَيِّرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ قبل بَيْعٍ وَلَا
بَعْدَهُ وَلَا يَتَفَرَّقَانِ بَعْدَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقِيلَ لِبَعْضِ
من قال هذا الْقَوْلَ إلَى أَيِّ شَيْءٍ ذَهَبْت في هذا الْقَوْلِ قال أَحَلَّ
اللَّهُ الْبَيْعَ وَهَذَا بَيْعٌ وَإِنَّمَا أَحَلَّ اللَّهُ عز وجل منه
لِلْمُشْتَرِي ما لم يَكُنْ يَمْلِكُ وَلَا أَعْرِفُ الْبَيْعَ إلَّا بِالْكَلَامِ
لَا بِتَفَرُّقِ الْأَبَدَانِ فَقُلْت له أَرَأَيْت لو عَارَضَك مُعَارِضٌ جَاهِلٌ
بِمِثْلِ حُجَّتِك فقال مِثْلَ ما قُلْت أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَلَا أَعْرِفُ
بَيْعًا حَلَالًا وَآخَرَ حَرَامًا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَلْزَمُهُ اسْمُ
الْبَيْعِ ما الْحُجَّةُ عليه قال إذْ نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن
بُيُوعٍ فَرَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمُبَيِّنُ عن اللَّهِ عز وجل
مَعْنَى ما أَرَادَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) قُلْت له وَلَك بهذا حُجَّةٌ في
النَّهْيِ فما عَلِمْنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم سَنَّ
سُنَّةً في الْبُيُوعِ أَثْبَتَ من قَوْلِهِ الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ ما لم
يَتَفَرَّقَا فإن بن عُمَرَ وَأَبَا بَرْزَةَ وَحَكِيمَ بن حِزَامٍ وَعَبْدَ
اللَّهِ بن عَمْرِو بن الْعَاصِ يَرْوُونَهُ ولم يُعَارِضْهُمْ أَحَدٌ بِحَرْفٍ
يُخَالِفُهُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وقد نهى عن الدِّينَارِ
بِالدِّينَارَيْنِ فَعَارَضَ ذلك أُسَامَةُ بن زَيْدٍ بِخَبَرٍ عن النبي صلى
اللَّهُ عليه وسلم خِلَافِهِ فَنَهَيْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ عن الدِّينَارِ
بِالدِّينَارَيْنِ وَقُلْنَا هذا أَقْوَى في الحديث وَمَعَ من خَالَفْنَا مِثْلُ
ما احْتَجَجْت بِهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَلَّ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا
وَأَنَّ نَهْيَهُ عن الرِّبَا خِلَافُ ما رَوَيْته وَرَوَوْهُ أَيْضًا عن سَعْدِ
بن أبي وَقَّاصٍ وبن عَبَّاسٍ وَعُرْوَةَ وَعَامَّةُ فُقَهَاءِ الْمَكِّيِّينَ
فإذا كنا نُمَيِّزُ بين الْأَحَادِيثِ فَنَذْهَبُ إلَى الْأَكْثَرِ وَالْأَرْجَحِ
وَإِنْ اُخْتُلِفَ فيه عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَنَرَى لنا حُجَّةً على من
خَالَفَنَا أَفَمَا نَرَى أَنَّ ما رُوِيَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مِمَّا
لم يُخَالِفْهُ أَحَدٌ بِرِوَايَةٍ عنه أَوْلَى أَنْ يَثْبُتَ قال بَلَى إنْ كان
كما تَقُولُ قُلْت فَهُوَ كما أَقُولُ فَهَلْ تَعْلَمُ مُعَارِضًا له عن رسول
اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يُخَالِفُهُ قال لَا وَلَكِنِّي أَقُولُ إنَّهُ
ثَابِتٌ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كما قُلْت وَبِهِ أَقُولُ
وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ على غَيْرِ ما قُلْت قُلْت فَاذْكُرْ لي الْمَعْنَى الذي
ذَهَبْت إلَيْهِ فيه قال الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ ما لم يَتَفَرَّقَا في
الْكَلَامِ قال فَقُلْت له الذي ذَهَبْت إلَيْهِ مُحَالٌ لَا يَجُوزُ في
اللِّسَانِ قال وما إحَالَتُهُ وَكَيْفَ لَا يَحْتَمِلُهُ اللِّسَانُ قُلْت
إنَّمَا يَكُونَانِ قبل التَّسَاوُمِ غير مُتَسَاوِمَيْنِ ثُمَّ يَكُونَانِ
مُتَسَاوِمَيْنِ قبل التَّبَايُعِ ثُمَّ يَكُونَانِ بَعْدَ التَّسَاوُمِ
مُتَبَايِعَيْنِ وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِمَا اسْمُ مُتَبَايِعَيْنِ حتى يَتَبَايَعَا
وَيَفْتَرِقَا في الْكَلَامِ على التَّبَايُعِ ( قال ) فقال فَادْلُلْنِي على ما
وَصَفْت بِشَيْءٍ أَعْرِفُهُ غير ما قُلْت الْآنَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقُلْت
____________________
(3/6)
له أَرَأَيْت لو تَسَاوَمْت
أنا وَأَنْتَ بِسِلْعَةِ فقال رَجُلٍ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ كُنْتُمَا
تَبَايَعْتُمَا فيها قال فَلَا تَطْلُقُ من قِبَلِ أَنَّكُمَا غَيْرُ
مُتَبَايِعَيْنِ إلَّا بِعَقْدِ الْبَيْعِ قُلْت وَعَقْدُ الْبَيْعِ التَّفَرُّقُ
عِنْدَك في الْكَلَامِ عن الْبَيْعِ قال نعم قُلْت أَرَأَيْت لو تَقَاضَيْتُك
حَقًّا عَلَيْك فَقُلْت وَاَللَّهِ لَا أُفَارِقُك حتى تُعْطِيَنِي حَقِّي مَتَى
أَحْنَثُ قال إنْ فَارَقْتَهُ بِبَدَنِك قبل أَنْ يُعْطِيَك حَقَّك قُلْت فَلَوْ
لم تَعْرِفْ من لِسَانِ الْعَرَبِ شيئا إلَّا هذا أَمَا دَلَّك على أَنَّ قَوْلَك
مُحَالٌ وإن اللِّسَانَ لَا يَحْتَمِلُهُ بهذا الْمَعْنَى وَلَا غَيْرِهِ قال
فَاذْكُرْ غَيْرَهُ فَقُلْت له أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن مَالِكِ بن أَوْسِ
بن الْحَدَثَانِ أَنَّهُ الْتَمَسَ صَرْفًا بِمِائَةِ دِينَارٍ قال فَدَعَانِي
طَلْحَةُ بن عُبَيْدِ اللَّهِ فَتَرَاوَضْنَا حتى اصْطَرَفَ مِنِّي وَأَخَذَ
الذَّهَبَ يُقَلِّبُهَا في يَدِهِ ثُمَّ قال حتى يَأْتِيَ خَازِنِي أو حتى
تَأْتِيَ خَازِنَتِي من الْغَابَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أنا شَكَكْت وَعُمَرُ
يَسْمَعُ فقال عُمَرُ وَاَللَّهِ لَا تُفَارِقُهُ حتى تَأْخُذَ منه ثُمَّ قال قال
رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ
وَهَاءَ قُلْت له أَفَبِهَذَا نَقُولُ نَحْنُ وَأَنْتَ إذَا تَفَرَّقَ
الْمُصْطَرِفَانِ عن مَقَامِهِمَا الذي تَصَارَفَا فيه انْتَقَضَ الصَّرْفُ وما لم
يَتَفَرَّقَا لم يُنْتَقَضْ فقال نعم قُلْت له فما بَانَ لَك وَعَرَفْت من هذا
الحديث أَنَّ التَّفَرُّقَ هو تَفَرُّقُ الْأَبَدَانِ بَعْدَ التَّبَايُعِ لَا
التَّفَرُّقُ عن الْبَيْعِ لِأَنَّك لو قُلْت تَفَرَّقَ الْمُتَصَارِفَانِ عن
الْبَيْعِ قبل التَّقَابُضِ لِبَعْضِ الصَّرْفِ دخل عَلَيْك أَنْ تَقُولَ لَا
يَحِلُّ الصَّرْفُ حتى يَتَرَاضَيَا وَيَتَوَازَنَا وَيَعْرِفَ كُلُّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا ما يَأْخُذُ وَيُعْطِي ثُمَّ يُوجِبَا الْبَيْعَ في الصَّرْفِ بَعْدَ
التَّقَابُضِ أو معه قال لَا أَقُولُ هذا قُلْت وَلَا أَرَى قَوْلَك التَّفَرُّقَ
تَفَرُّقُ الْكَلَامِ إلَّا جَهَالَةً أو تَجَاهُلًا بِاللِّسَانِ ( قال
الشَّافِعِيُّ ) قُلْت له أَرَأَيْت رَجُلًا قال لَك أُقَلِّدُك فَأَسْمَعُك
تَقُولُ الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ ما لم يَتَفَرَّقَا وَالتَّفَرُّقُ عِنْدَك
التَّفَرُّقُ بِالْكَلَامِ وَأَنْتَ تَقُولُ إذَا تَفَرَّقَ الْمُتَصَارِفَانِ قبل
التَّقَابُضِ كان الصَّرْفُ رِبًا وَهُمَا في مَعْنَى الْمُتَبَايِعَيْنِ
غَيْرَهُمَا لِأَنَّ الْمُتَصَارِفَيْنِ مُتَبَايِعَانِ وإذا تَفَرَّقَا عن
الْكَلَامِ قبل التَّقَابُضِ فَسَدَ الصَّرْفُ قال ليس هذا له قُلْت فيقول لَك
كَيْفَ صِرْت إلَى نَقْضِ قَوْلِك قال إنَّ عُمَرَ سمع طَلْحَةَ وَمَالِكًا قد
تَصَارَفَا فلم يَنْقُضْ الصَّرْفَ وَرَأَى أَنَّ قَوْلَ النبي صلى اللَّهُ عليه
وسلم هَاءَ وَهَاءَ إنَّمَا هو لَا يَتَفَرَّقَا حتى تَقَاضَا قُلْت تَفَرَّقَا عن
الْكَلَامِ قال نعم قُلْت فقال لَك أَفَرَأَيْت لو احْتَمَلَ اللِّسَانُ ما قُلْت
وما قال من خَالَفَك اما يَكُونُ من قال بِقَوْلِ الرَّجُلِ الذي سمع الحديث
أَوْلَى أَنْ يُصَارَ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ الذي سمع الحديث فَلَهُ فَضْلُ السَّمَاعِ
وَالْعِلْمِ بِمَا سمع وَبِاللِّسَانِ قال بَلَى قُلْت فلم لم تُعْطِ هذا بن
عُمَرَ وهو سمع الحديث من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْبَيِّعَانِ
بِالْخِيَارِ ما لم يَتَفَرَّقَا فَكَانَ إذَا اشْتَرَى شيئا يُعْجِبُهُ أَنْ
يَجِبَ له فَارَقَ صَاحِبَهُ فَمَشَى قَلِيلًا ثُمَّ رَجَعَ وَلِمَ لم تُعْطِ هذا
أَبَا بَرْزَةَ وهو سمع من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْبَيِّعَانِ
بِالْخِيَارِ وَقَضَى بِهِ وقد تَصَادَقَا بِأَنَّهُمَا تَبَايَعَا ثُمَّ كان
مَعًا لم يَتَفَرَّقَا في لَيْلَتِهِمَا ثُمَّ غَدَوَا إلَيْهِ فَقَضَى أَنَّ
لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارَ في رَدِّ بَيْعِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ )
فَإِنْ قال قَائِلٌ تَقُولُ إنَّ قَوْلِي مُحَالٌ قُلْت نعم قال فلست أراه كما قلت
وأنت وإن كانت لك بما قلت حجة نذهب اليها فاللسان يحتمل ما قلت فقلت لا قال فبينه
قلت فما أَحْسَبُنِي إلَّا قد اكْتَفَيْت بِأَقَلَّ مِمَّا ذَكَرْت وَأَسْأَلُكَ
قال فَسَلْ قُلْت أَفَرَأَيْت إذْ قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْبَيِّعَانِ
بِالْخِيَارِ ما لم يَتَفَرَّقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ أَلَيْسَ قد جَعَلَ
إلَيْهِمَا الْخِيَارَ إلَى وَقْتَيْنِ يَنْقَطِعُ الْخِيَارُ إلَى أَيِّهِمَا كان
قال بلى ( ( ( لي ) ) ) قُلْت فما الْوَقْتَانِ قال أَنْ يَتَفَرَّقَا
بِالْكَلَامِ قُلْت فما الْوَجْهُ الثَّانِي قال لَا أَعْرِفُ له وَجْهًا فَدَعْهُ
قُلْت أَفَرَأَيْت إنْ بِعْتُك بَيْعًا وَدَفَعْتُهُ إلَيْك فَقُلْت أنت فيه
بِالْخِيَارِ إلَى اللَّيْلِ من يَوْمِك هذا وَأَنْ تَخْتَارَ إجَازَةَ الْبَيْعِ
قبل اللَّيْلِ أَجَائِزٌ هذا الْبَيْعُ قال نعم قُلْت فَمَتَى يَنْقَطِعُ خِيَارُك
وَيَلْزَمُك الْبَيْعُ فَلَا يَكُونُ لَك رَدُّهُ قال إنْ انْقَضَى الْيَوْمُ ولم
اختر رَدَّ الْبَيْعِ انْقَطَعَ الْخِيَارُ في الْبَيْعِ أو اخْتَرْت قبل
اللَّيْلِ إجَازَةَ الْبَيْعِ انْقَطَعَ الْخِيَارُ في الرَّدِّ قُلْت فَكَيْفَ
لَا تَعْرِفُ أَنَّ هذا قَطَعَ الْخِيَارَ في الْمُتَبَايِعَيْنِ أَنْ
يَتَفَرَّقَا بَعْدَ الْبَيْعِ أو يُخَيِّرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ ( قال
الشَّافِعِيُّ ) فقال دَعْهُ قُلْت نعم
____________________
(3/7)
بَعْدَ الْعِلْمِ مِنِّي
بِأَنَّك إنَّمَا عَمَدْت تَرْكَ الحديث وَأَنَّهُ لَا يَخْفَى عليك أَنَّ قَطْعَ
الْخِيَارِ في الْبَيْعَ التَّفَرُّقُ أو التَّخْيِيرُ كما عَرَفْتُهُ في جَوَابِك
قَبْلَهُ فَقُلْت له أَرَأَيْت إنْ زَعَمْتَ أَنَّ الْخِيَارَ إلَى مُدَّةٍ
وَزَعَمْتَ أنها أَنْ يَتَفَرَّقَا في الْكَلَامِ أَيُقَالُ لِلْمُتَسَاوِمَيْنِ
أَنْتُمَا بِالْخِيَارِ قال نعم السَّائِمُ في أَنْ يَرُدَّ أو يَدَعَ وَالْبَائِعُ
في أَنْ يُوجِبَ أو يَدَعَ قُلْت أَلَمْ يَكُونَا قبل التَّسَاوُمِ هَكَذَا قال
بَلَى قُلْت فَهَلْ أَحْدَثَ لَهُمَا التَّسَاوُمُ حُكْمًا غير حُكْمِهِمَا
قَبْلَهُ أو يَخْفَى على أَحَدٍ أَنَّهُ مَالِكٌ لِمَالِهِ إنْ شَاءَ أَعْطَاهُ
وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُ قال لَا قُلْت فَيُقَالُ لِإِنْسَانٍ أنت بِالْخِيَارِ في
مَالِك الذي لم تُوجِبْ فيه شيئا لِغَيْرِك فَالسَّائِمُ عِنْدَك لم يُوجِبْ في
مَالِهِ شيئا لِغَيْرِهِ إنَّك لِتُحِيلَ فِيمَا تُجِيبُ فيه من الْكَلَامِ قال
فَلِمَ لَا أَقُولُ لَك أنت بِالْخِيَارِ في مَالِك قُلْت لِمَا وَصَفْت لَك
وَإِنْ قُلْت ذلك إلَى مُدَّةٍ تَرَكْت قَوْلَك قال وَأَيْنَ قُلْت وَأَنْتَ
تَزْعُمُ أَنَّ من كان له الْخِيَارُ إلَى مُدَّةٍ فإذا اخْتَارَ انْقَطَعَ
خِيَارُهُ كما قُلْت إذَا جَعَلْتَهُ بِالْخِيَارِ يَوْمًا فَمَضَى الْيَوْمُ انْقَطَعَ
الْخِيَارُ قال أَجَلْ وَكَذَلِكَ إذَا أَوْجَبَ الْبَيْعَ فَهُوَ إلَى مُدَّةٍ
قُلْت لم أُلْزِمْهُ قبل إيجَابِ الْبَيْعِ شيئا فَيَكُونُ فيه يَخْتَارُ وَلَوْ
جَازَ أَنْ يُقَالَ أنت بِالْخِيَارِ في مَالِك ما جَازَ أَنْ يُقَالَ أنت
بِالْخِيَارِ إلَى مُدَّةٍ إنَّمَا يُقَالُ أنت بِالْخِيَارِ أَبَدًا قال فَإِنْ
قُلْت الْمُدَّةُ أَنْ يُخْرِجَهُ من مِلْكِهِ قُلْت وإذا أَخْرَجَهُ من مِلْكِهِ
فَهُوَ لِغَيْرِهِ أَفَيُقَالُ لِأَحَدٍ أنت بِالْخِيَارِ في مَالِ غَيْرِك ( قال
الشَّافِعِيُّ ) فَقُلْت أَرَأَيْت لو أَنَّ رَجُلًا جَاهِلًا عَارَضَك بِمِثْلِ
حُجَّتِك فقال قد قُلْت الْمُتَسَاوِمَانِ يَقَعُ عَلَيْهِمَا اسْمُ
مُتَبَايِعَيْنِ وقد قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم هُمَا بِالْخِيَارِ
ما لم يَتَفَرَّقَا وَالتَّفَرُّقُ عِنْدَك يَحْتَمِلُ تَفَرُّقَ الْأَبَدَانِ
وَالتَّفَرُّقَ بِالْكَلَامِ فَإِنْ تَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا فَلَا خِيَارَ
لَهُمَا وَعَلَى صَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يُعْطِيَ بَيِّعَهُ ما بَذَلَ له منه
وَعَلَى صَاحِبِ السِّلْعَةِ أَنْ يُسَلِّمَ سِلْعَتَهُ له بِمَا اسْتَامَ عليه
وَلَا يَكُونُ له الرُّجُوعُ عَمَّا بَذَلَهَا بِهِ إذَا تَفَرَّقَا قال ليس ذلك
له قُلْت وَلَا لَك ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال أَفَلَيْسَ يَقْبُحُ أَنْ أَمْلِكَ
سِلْعَتَك وَتَمْلِكَ مَالِي ثُمَّ يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا الرَّدُّ
بِغَيْرِ عَيْبٍ أو ليس يَقْبُحُ أَنْ أَبْتَاعَ مِنْك عَبْدًا ثُمَّ أُعْتِقُهُ
قبل أَنْ نَتَفَرَّقَ وَلَا يَجُوزُ عِتْقِي وأنا مَالِكٌ ( قال الشَّافِعِيُّ )
قُلْت ليس يَقْبُحُ في هذا شَيْءٌ إلَّا دخل عَلَيْك أَعْظَمُ منه قال وما ذلك
قُلْت أَرَأَيْت إنْ بِعْتُك عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَتَقَابَضْنَا وَتَشَارَطْنَا
أَنَّا جمعيا ( ( ( جميعا ) ) ) أو أَحَدَنَا بِالْخِيَارِ إلَى ثَلَاثِينَ سَنَةٍ
قال فَجَائِزٌ قُلْت وَمَتَى شَاءَ وَاحِدٌ مِنَّا نَقْضَ الْبَيْعِ نَقَضَهُ
وَرُبَّمَا مَرِضَ الْعَبْدُ ولم يَنْتَفِعْ بِهِ سَيِّدُهُ وَانْتَفَعَ
الْبَائِعُ بِالْمَالِ وَرُبَّمَا انتفع الْمُبْتَاعُ بِالْعَبْدِ حتى يَسْتَغِلَّ
منه أَكْثَرَ من ثَمَنِهِ ثُمَّ يَرُدَّهُ وَإِنْ كان أَخَذَهُ بِدَيْنٍ ولم
يَنْتَفِعْ الْبَائِعُ بِشَيْءٍ من مَالِ الْمُبْتَاعِ وقد عَظُمَتْ مَنْفَعَةُ
الْمُبْتَاعِ بِمَالِ الْبَائِعِ قال نعم هو رضى بهذا قُلْت وَإِنْ أَعْتَقَهُ
الْمُشْتَرِي في الثَّلَاثِينَ سَنَةٍ لم يَجُزْ وَإِنْ أَعْتَقَهُ الْبَائِعُ
جَازَ قال نعم قُلْت فَإِنَّمَا جَعَلْتُ له الْخِيَارَ بِسُنَّةِ رسول اللَّهِ
صلى اللَّهُ عليه وسلم ما لم يَتَفَرَّقَا وَلَعَلَّ ذلك يَكُونُ في طَرْفَةِ عَيْنٍ
أو لَا يَبْلُغُ يَوْمًا كَامِلًا لِحَاجَةِ الناس إلَى الْوُضُوءِ أو
تَفَرُّقِهِمْ لِلصَّلَاةِ وَغَيْرِ ذلك فَقَبَّحْتَهُ وَجَعَلَتْ له الْخِيَارَ
ثَلَاثِينَ سَنَةٍ بِرَأْيِ نَفْسِك فَلِمَ تُقَبِّحُهُ قال ذلك بِشَرْطِهِمَا قلت
فَمَنْ شَرَطَ له رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَوْلَى أَنْ يَثْبُتَ له
شَرْطُهُ مِمَّنْ شَرَطَ له بَائِعٌ وَمُشْتَرٍ وَقُلْتُ له أَرَأَيْتَ لو
اشْتَرَيْتُ مِنْك كَيْلًا من طَعَامٍ مَوْصُوفٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ قال فَجَائِزٌ
قلت وَلَيْسَ لي وَلَا لَك نَقْضُ الْبَيْعِ قبل تَفَرُّقٍ قال لَا قلت وَإِنْ
تَفَرَّقْنَا قبل التَّقَابُضِ انْتَقَضَ الْبَيْعُ قال نعم قلت أَفَلَيْسَ قد
وَجَبَ لي عَلَيْك شَيْءٌ لم يَكُنْ لي وَلَا لَك نَقْضُهُ ثُمَّ انْتَقَضَ
بِغَيْرِ رِضَا وَاحِدٍ مِنَّا بِنَقْضِهِ قال نعم إنَّمَا نَقَضْنَاهُ اسْتِدْلَالًا
بِالسُّنَّةِ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ قلت
فَإِنْ قال لَك قَائِلٌ أَهْلُ الحديث يُوَهِّنُونَ هذا الحديث وَلَوْ كان
ثَابِتًا لم يَكُنْ هذا دَيْنًا لِأَنِّي مَتَى شِئْتُ أَخَذْتَ مِنْكَ دَرَاهِمِي
التي بِعْتُك بها إذَا لم أُسَمِّ لَك أَجَلًا وَالطَّعَامُ إلَى مُدَّتِهِ قال
لَا يَجُوزُ ذلك قلت وَلِمَ وَعَلَيْكَ فيه لِمَنْ طَالَبَكَ أَمْرَانِ
أَحَدُهُمَا أَنَّك تُجِيزُ تَبَايُعَ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْعَرَضَ بِالنَّقْدِ
وَلَا يُسَمِّيَانِ
____________________
(3/8)
أَجَلًا وَيَفْتَرِقَانِ قبل
التَّقَابُضِ وَلَا تَرَى به بَأْسًا وَلَا تَرَى هذا دَيْنًا بِدَيْنٍ فإذا كان
هذا هَكَذَا عِنْدَك احْتَمَلَ اللَّفْظُ أَنْ يُسَلِّفَ في كَيْلٍ مَعْلُومٍ
بِشَرْطِ سِلْعَةٍ وَإِنْ لم يَدْفَعْهَا فَيَكُونُ حَالًّا غير دَيْنٍ بِدَيْنٍ وَلَكِنَّهُ
عَيْنٌ بِدَيْنٍ قال بَلْ هو دَيْنٌ بِدَيْنٍ قلت فَإِنْ قال لَك قَائِلٌ فَلَوْ
كان كما وَصَفْتَ أَنَّهُمَا إذَا تَبَايَعَا في السَّلَفِ فَتَفَرَّقَا قبل
التَّقَابُضِ انْتَقَضَ الْبَيْعُ بِالتَّفَرُّقِ وَلَزِمَك أَنَّك قد فَسَخْت
الْعُقْدَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ الصَّحِيحَةَ بِتَفَرُّقِهِمَا بِأَبْدَانِهِمَا
وَالتَّفَرُّقُ عِنْدَك في الْبُيُوعِ ليس له مَعْنَى إنَّمَا الْمَعْنَى في
الْكَلَامِ أو لَزِمَك أَنْ تَقُولَ في الْبَيِّعَيْنِ بِالْخِيَارِ ما لم
يَتَفَرَّقَا إنَّ لِتُفَرِّقْهُمَا بابدانهما مَعْنًى يُوجِبُهُ كما كان
لِتَفَرُّقِ هَذَيْنِ بِأَبْدَانِهِمَا مَعْنًى يَنْقُضُهُ وَلَا تَقُولُ هذا (
قال الشَّافِعِيُّ ) فقال فَإِنَّا رَوَيْنَا عن عُمَرَ أَنَّهُ قال الْبَيْعُ عن
صَفْقَةٍ أو خِيَارٍ قلت أَرَأَيْتَ إذَا جاء عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه
وسلم ما وَصَفْتَ لو كان قال رَجُلٌ من أَصْحَابِهِ قَوْلًا يُخَالِفُهُ أَلَا
يَكُونُ الذي تَذْهَبُ إلَيْهِ فيه أَنَّهُ لو سمع عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ
عليه وسلم شيئا لم يُخَالِفْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَتَقُولُ قد يَعْزُبُ
عن بَعْضِهِمْ بَعْضُ السُّنَنِ قال بَلَى قلت أَفَتَرَى في أَحَدٍ مع النبي صلى
اللَّهُ عليه وسلم حُجَّةً فقال عَامَّةُ من حَضَرَهُ لَا قلت وَلَوْ أَجَزْتَ هذا
خَرَجَتْ من عَامَّةِ سُنَنِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَدَخَلَ عَلَيْكَ ما
لَا تُعْذَرُ منه قال فَدَعْهُ قلت فَلَيْسَ بِثَابِتٍ عن عُمَرَ وقد رَوَيْتُمْ
عن عُمَرَ مِثْلَ قَوْلِنَا زَعَمَ أبو يُوسُفَ عن مُطَرِّفٍ عن الشَّعْبِيِّ
أَنَّ عُمَرَ قال الْبَيْعُ عن صَفْقَةٍ أو خِيَارٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا
مِثْلُ ما رَوَيْنَا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال فَهَذَا مُنْقَطِعٌ قلت
وَحَدِيثُك الذي رَوَيْت عن عُمَرَ غَلَطٌ وَمَجْهُولٌ أو مُنْقَطِعٌ فَهُوَ
جَامِعٌ لِجَمِيعِ ما تُرَدُّ بِهِ الْأَحَادِيثُ قال لَئِنْ أَنْصَفْنَاك ما
يَثْبُتُ مِثْلُهُ فقلت احْتِجَاجُك بِهِ مع مَعْرِفَتِكَ بِمَنْ حدثه وَعَمَّنْ
حدثه تَرْكُ النَّصَفَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقُلْتُ له لو كان كما رَوَيْتَ
كان بِمَعْنَى قَوْلِنَا أَشْبَهَ وكان خِلَافَ قَوْلِكَ كُلِّهِ قال وَمَنْ
أَيْنَ قلت أَرَأَيْت إذْ زَعَمْتَ أَنَّ عُمَرَ قال الْبَيْعُ عن صَفْقَةٍ أو
خِيَارٍ أَلَيْسَ تَزْعُمُ أَنَّ الْبَيْعَ يَجِبُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا
بِصَفْقَةٍ وَإِمَّا بِخِيَارٍ قال بَلَى قلت أَفَيَجِبُ الْبَيْعُ بِالْخِيَارِ
وَالْبَيْعُ بِغَيْرِ خِيَارٍ قال نعم قلت وَيَجِبُ بِالْخِيَارِ قال تُرِيدُ
مَاذَا قلت ما يَلْزَمُك قال وما يَلْزَمُنِي قلت تَزْعُمُ أَنَّهُ يَجِبُ الْخِيَارُ
بِلَا صَفْقَةٍ لِأَنَّهُ إذَا زَعَمَ أَنَّهُ يَجِبُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ
عَلِمْنَا أَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ كما تَقُولُ في الْمَوْلَى يَفِيءُ أو
يُطَلِّقُ وفي الْعَبْدِ يَجْنِي يُسَلَّمُ أو يُفْدَى وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
غَيْرُ الْآخَرِ قال ما يَصْنَعُ الْخِيَارُ شيئا إلَّا بِصَفْقَةٍ تَقْدُمُهُ أو
تَكُونُ معه وَالصَّفْقَةُ مُسْتَغْنِيَةٌ عن الْخِيَارِ فَهِيَ إنْ وَقَعَتْ
مَعَهَا خِيَارٌ أو بَعْدَهَا أو ليس مَعَهَا وَلَا بَعْدَهَا وَجَبَتْ قال نعم
قلت وقد زَعَمْتُ أَنَّ قَوْلَهُ أو خِيَارٌ لَا مَعْنَى له قال فَدَعْ هذا قلت
نعم بَعْدَ الْعِلْمِ بِعِلْمِك إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّك زَعَمْتُ
أَنَّ ما ذَهَبْتُ إلَيْهِ مُحَالٌ قال فما مَعْنَاهُ عِنْدَك قلت لو كان قَوْلُهُ
هذا موافقا ( ( ( موفقا ) ) ) لَمَا رَوَى أبو يُوسُفَ عن مُطَرِّفٍ عن الشَّعْبِيِّ
عنه وكان مِثْلَ مَعْنَى قَوْلِهِ فَكَانَ مِثْلَ الْبَيْعِ في مَعْنَى قَوْلِهِ
فَكَانَ الْبَيْعُ عن صفقه بَعْدَهَا تَفَرُّقٌ أو خِيَارٌ قال بَعْضُ من حَضَرَ
ماله مَعْنَى يَصِحُّ غَيْرُهَا قال أَمَّا إنَّهُ لَا يَصِحُّ حَدِيثُهُ قلت
أَجَلْ فَلِمَ اسْتَعَنْتَ بِهِ قال فَعَارَضَنَا غَيْرُ هذا بِأَنْ قال فَأَقُولُ
إنَّ بن مَسْعُودٍ رَوَى أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إذَا اخْتَلَفَ
الْمُتَبَايِعَانِ فَالْقَوْلُ ما قال الْبَائِعُ وَالْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ (
قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا الْحَدِيثُ مُنْقَطِعٌ عن بن مَسْعُودٍ
وَالْأَحَادِيثُ التي ذَكَرْنَاهَا ثَابِتَةٌ مُتَّصِلَةٌ فَلَوْ كان هذا
يُخَالِفُهَا لم يَجُزْ لِلْعَالِمِ بِالْحَدِيثِ أَنْ يَحْتَجَّ بِهِ على وَاحِدٍ
منها لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ هو بِنَفْسِهِ
____________________
(3/9)
فَكَيْفَ يُزَالُ بِهِ ما
يَثْبُتُ بِنَفْسِهِ وَيَشُدُّهُ أَحَادِيثُ معه كُلُّهَا ثَابِتَةٌ ( قال
الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ كان هذا الْحَدِيثُ ثَابِتًا لم
يَكُنْ يُخَالِفُ منها شيئا من قِبَلِ أَنَّ هَذَيْنِ مُتَبَايِعَانِ إنْ
تَصَادَقَا على التَّبَايُعِ وَاخْتَلَفَا في الثَّمَنِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
يَخْتَارُ أَنْ يُنْفِذَ الْبَيْعَ إلَّا أَنْ تَكُونَ دَعْوَاهُمَا مِمَّا
يُعْقَدُ بِهِ الْبَيْعُ مُخْتَلِفَةً تَنْقُضُ أَصْلَهُ ولم يَجْعَلْ الْخِيَارَ
إلَّا لِلْمُبْتَاعِ في أَنْ يَأْخُذَ أو يَدَعَ وَحَدِيثُ الْبَيْعِ بِالْخِيَارِ
جَعَلَ الْخِيَارَ لَهُمَا مَعًا من غَيْرِ اخْتِلَافٍ في ثَمَنٍ وَلَا ادِّعَاءٍ
من وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشَيْءٍ يُفْسِدُ أَصْلَ الْبَيْعِ وَلَا يَنْقُضُهُ
إنَّمَا أَرَادَ تَحْدِيدَ نَقْضِ الْبَيْعِ بِشَيْءٍ جُعِلَ لَهُمَا مَعًا
وَإِلَيْهِمَا إنْ شَاءَا فَعَلَاهُ وَإِنْ شَاءَا تَرَكَاهُ ( قال الشَّافِعِيُّ
) وَلَوْ غَلِطَ رَجُلٌ إلَى أَنَّ الحديث على الْمُتَبَايِعَيْنِ اللَّذَيْنِ لم
يَتَفَرَّقَا من مَقَامِهِمَا لم يُجِزْ له الْخِيَارُ لَهُمَا بَعْدَ
تَفَرُّقِهِمَا من مَقَامِهِمَا فَإِنْ قال فما يُغْنِي في الْبَيْعِ اللَّازِمِ
بِالصَّفْقَةِ أو التَّفَرُّقِ بَعْدَ الصَّفْقَةِ قِيلَ لو وَجَبَ بِالصَّفْقَةِ
استغنى عن التَّفَرُّقِ وَلَكِنَّهُ لَا يَلْزَمُ إلَّا بَهُمَا وَمَعْنَى
خِيَارِهِ بَعْدَ الصَّفْقَةِ كَمَعْنَى الصَّفْقَةِ وَالتَّفَرُّقِ وَبَعْدَ
التَّفَرُّقِ فَيَخْتَلِفَانِ في الثَّمَنِ فَيَكُونُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ
كما يَكُونُ له الْخِيَارُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَقَبْلَ التَّفَرُّقِ وَبَعْدَ
زَمَانٍ إذَا ظَهَرَ على عَيْبٍ وَلَوْ جَازَ أَنْ نَقُولَ إنَّمَا يَكُونُ له الْخِيَارُ
إذَا اخْتَلَفَا في الثَّمَنِ لم يَجُزْ أَنْ يَكُونَ له الْخِيَارُ إذَا ظَهَرَ
على عَيْبٍ وَجَازَ أَنْ يُطْرَحَ كُلُّ حَدِيثٍ اشبه حَدِيثًا في حَرْفٍ وَاحِدٍ
لِحُرُوفٍ أُخُرَ مِثْلِهِ وَإِنْ وُجِدَ لَهُمَا مَحْمَلٌ يُخَرَّجَانِ فيه
فَجَازَ عليه لِبَعْضِ الْمَشْرِقِيِّينَ ما هو أَوْلَى أَنْ يجوز ( ( ( يحوز ) )
) من هذا فَإِنَّهُمْ قالوا نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن التَّمْرِ
بِالتَّمْرِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَعَنْ الْمُزَابَنَةِ وَهِيَ الْجُزَافُ
بِالْكَيْلِ من جِنْسِهَا وَعَنْ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فَحَرَّمْنَا الْعَرَايَا
بِخَرْصِهَا من التَّمْرِ لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ في هذا الْمَعْنَى وَزَعَمْنَا
نَحْنُ وَمَنْ قال هذا الْقَوْلَ من أَصْحَابِنَا أَنَّ الْعَرَايَا حَلَالٌ
بِإِحْلَالِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَوَجَدْنَا لِلْحَدِيثَيْنِ مَعْنًى
يُخَرَّجَانِ عليه وَلَجَازَ هذا عَلَيْنَا في أَكْثَرِ ما يُقْدَرُ عليه من
الْأَحَادِيثِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَخَالَفَنَا بَعْضُ من وَافَقَنَا في
الْأَصْلِ أَنَّ الْبَيْعَ يَجِبُ بِالتَّفَرُّقِ وَالْخِيَارِ فقال الْخِيَارُ
إذَا وَقَعَ مع الْبَيْعِ جَازَ فَلَيْسَ عليه أَنْ يُخَيَّرَ بَعْدَ الْبَيْعِ
وَالْحُجَّةُ عليه ما وَصَفْتُ من أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم خَيَّرَ
بَعْدَ الْبَيْعِ وَمِنْ الْقِيَاسِ إذَا كانت بَيْعًا فَلَا يَتِمُّ الْبَيْعُ
إلَّا بِتَفَرُّقِ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَتَفَرُّقُهُمَا شَيْءٌ غَيْرُ عَقْدِ
الْبَيْعِ يُشْبِهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ لَا يَكُونَ يَجِبُ بِالْخِيَارِ
إلَّا بَعْدَ الْبَيْعِ كما كان التَّفَرُّقُ بَعْدَ الْبَيْعِ وَكَذَلِكَ
الْخِيَارُ بَعْدَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَحَدِيثُ مَالِكِ بن أَوْسِ بن
الْحَدَثَانِ النصرى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يَدُلُّ على أَنَّ
التَّفَرُّقَ بين الْمُتَبَايِعَيْنِ تَفَرُّقُ الْأَبَدَانِ وَيَدُلُّ على
غَيْرِهِ وهو مَوْضُوعٌ في مَوْضِعِهِ قال وَحَدِيثُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
لَا يَبِعْ أحدكم على بَيْعِ أَخِيهِ يَدُلُّ على أَنَّهُ في مَعْنَى حديث أَنَّ
النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ لِأَنِّي لو كنت
إذَا بِعْتُ رَجُلًا سِلْعَةً تَسْوَى مِائَةَ أَلْفٍ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ
الْبَيْعُ حتى لَا يَسْتَطِيعَ أَنْ يَنْقُضَهُ ما ضَرَّنِي أَنْ يَبِيعَهُ رَجُلٌ
سِلْعَةً خَيْرًا منها بِعَشْرَةٍ وَلَكِنْ في نَهْيِهِ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ
على بَيْعِ أَخِيهِ دَلَالَةٌ على أَنْ يَبِيعَ على بَيْعِ أَخِيهِ قبل أَنْ
يَتَفَرَّقَا لِأَنَّهُمَا لَا يَكُونَانِ مُتَبَايِعَيْنِ إلَّا بَعْدَ الْبَيْعِ
وَلَا يَضُرُّ بَيْعُ الرَّجُلِ على بَيْعِ أَخِيهِ إلَّا قبل التَّفَرُّقِ حتى
يَكُونَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ في رَدِّ الْبَيْعِ وَأَخْذِهِ فيها لِئَلَّا
يُفْسِدَ على الْبَائِعِ وَلَعَلَّهُ يُفْسِدُ على الْبَائِعِ ثُمَّ يَخْتَارُ
أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ عَلَيْهِمَا مَعًا وَلَوْ لم يَكُنْ هذا لم يَكُنْ
لِلْحَدِيثِ مَعْنًى أَبَدًا لِأَنَّ الْبَيْعَ إذَا وَجَبَ على الْمُشْتَرِي قبل
التَّفَرُّقِ أو بَعْدَهُ فَلَا يَضُرُّ الْبَائِعَ من بَاعَ على بَيْعِهِ وَلَوْ
جَازَ أَنْ يُجْعَلَ هذا الْحَدِيثُ على غَيْرِ هذا جَازَ أَنْ لَا يَصِيرَ الناس
إلَى حَدِيثٍ إلَّا أَحَالَهُمْ غَيْرُهُمْ إلَى حَدِيثٍ غَيْرِهِ
____________________
(3/10)
- * بَابُ بَيْعِ الْكِلَابِ
وَغَيْرِهَا من الْحَيَوَانِ غَيْرِ الْمَأْكُولِ - * أخبرنا الرَّبِيعُ قال ( قال
الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكُ بن أَنَسٍ عن بن شِهَابٍ عن أبي بَكْرِ بن عَبْدَ
الرحمن بن الحرث بن هِشَامٍ عن أبي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ
وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ ( قال ) قال مَالِكٌ فَلِذَلِكَ أَكْرَهُ بَيْعَ الْكِلَابِ
الضَّوَارِي وَغَيْرِ الضَّوَارِي أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال
أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه
وسلم قال من اقْتَنَى كَلْبًا إلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أو ضَارِيًا نَقَصَ من
عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ
قال أخبرنا مَالِكٌ عن يَزِيدَ بن خُصَيْفَةَ أَنَّ السَّائِبَ بن يَزِيدَ أخبره
أَنَّهُ سمع سُفْيَانَ بن أبي زُهَيْرٍ وهو رَجُلٌ من شَنُوءَةَ من أَصْحَابِ
النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
يقول من اقْتَنَى كَلْبًا نَقَصَ من عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قيراط ( ( ( قيراطا ) )
) قالوا أنت سَمِعْت هذا من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إي وَرَبِّ
هذا الْمَسْجِدِ أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ
عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ
بِقَتْلِ الْكِلَابِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا نَقُولُ لَا يَحِلُّ
لِلْكَلْبِ ثَمَنٌ بِحَالٍ وإذا لم يَحِلَّ ثَمَنُهُ لم يَحِلَّ أَنْ يَتَّخِذَهُ
إلَّا صَاحِبُ صَيْدٍ أو حَرْثٍ أو مَاشِيَةٍ وَإِلَّا لم يَحِلَّ له أَنْ
يَتَّخِذَهُ ولم يَكُنْ له إنْ قَتَلَهُ أَخْذُ ثَمَنٍ إنَّمَا يَكُونُ الثَّمَنُ
فِيمَا قُتِلَ مِمَّا يُمْلَكُ إذَا كان يَحِلُّ أَنْ يَكُونَ له في الْحَيَاةِ
ثَمَنٌ يُشْتَرَى بِهِ وَيُبَاعُ ( قال ) وَلَا يَحِلُّ اقْتِنَاؤُهُ إلَّا
لِصَاحِبِ صَيْدٍ أو زَرْعٍ أو مَاشِيَةٍ أو ما كان في مَعْنَاهُ لِمَا جاء فيه عن
رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَمْرُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
بِقَتْلِ الْكِلَابِ يَدُلُّ على أنها لو صَلُحَتْ أَنْ يَكُونَ لها أَثْمَانٌ
بِحَالٍ لَمَا جَازَ قَتْلُهَا وَلَكَانَ لِمَالِكِهَا بَيْعُهَا فَيَأْخُذُ
أَثْمَانَهَا لِتَصِيرَ إلَى من يَحِلُّ له قنيتها ( ( ( قنيتهما ) ) ) ( قال )
وَلَا يَحِلُّ السَّلَمُ فيها لِأَنَّهُ بَيْعٌ وما أُخِذَ في شَيْءٍ يُمْلَكُ فيه
بِحَالٍ مُعَجَّلًا أو مُؤَخَّرًا أو بِقِيمَتِهِ في حَيَاةٍ أو مَوْتٍ فَهُوَ
ثَمَنٌ من الْأَثْمَانِ وَلَا يَحِلُّ لِلْكَلْبِ ثَمَنٌ لِمَا وَصَفْنَا من نهى
النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عن ثَمَنِهِ وَلَوْ حَلَّ ثَمَنُهُ حَلَّ حُلْوَانُ
الْكَاهِنِ وَمَهْرُ الْبَغِيِّ ( قال ) وقد قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من
اقْتَنَى كَلْبًا إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أو زَرْعٍ أو مَاشِيَةٍ نَقَصَ كُلَّ يَوْمٍ
من عَمَلِهِ قِيرَاطَانِ وقال لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فيه كَلْبٌ
وَلَا صُورَةٌ ( قال ) وقد نَصَبَ اللَّهُ عز وجل الْخِنْزِيرَ فَسَمَّاهُ رِجْسًا
وَحَرَّمَهُ فَلَا يَحِلُّ أَنْ يَخْرُجَ له ثَمَنٌ مُعَجَّلٌ وَلَا مُؤَخَّرٌ
وَلَا قِيمَةٌ بِحَالٍ وَلَوْ قَتَلَهُ إنْسَانٌ لم يَكُنْ فيه قِيمَةٌ وما لَا
يَحِلُّ ثَمَنُهُ مِمَّا يُمْلَكُ لَا تَحِلُّ قِيمَتُهُ لِأَنَّ الْقِيمَةَ
ثَمَنٌ من الْأَثْمَانِ ( قال ) وما كان فيه مَنْفَعَةٌ في حَيَاتِهِ بِيعَ من
الناس غير الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَإِنْ لم يَحِلَّ أَكْلُهُ فَلَا بَأْسَ
بِابْتِيَاعِهِ وما كان لَا بَأْسَ بِابْتِيَاعِهِ لم يَكُنْ بِالسَّلَفِ فيه
بَأْسٌ إذَا كان لَا يَنْقَطِعُ من
____________________
(3/11)
أَيْدِي الناس وَمَنْ مَلَكَهُ
فَقَتَلَهُ غَيْرُهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ في الْوَقْتِ الذي قَتَلَهُ فيه وما كان
منه مُعَلَّمًا فَقَتَلَهُ مُعَلَّمًا فَقِيمَتُهُ مُعَلَّمًا كما تَكُونُ قِيمَةُ
الْعَبْدِ مُعَلَّمًا وَذَلِكَ مِثْلُ الْفَهْدِ يُعَلَّمُ الصَّيْدَ وَالْبَازِي
وَالشَّاهَيْنِ وَالصَّقْرِ وَغَيْرِهَا من الْجَوَارِحِ الْمُعَلَّمَةِ وَمِثْلُ
الْهِرِّ وَالْحِمَارِ الأنسي وَالْبَغْلِ وَغَيْرِهَا مِمَّا فيه مَنْفَعَةٌ
حَيًّا وَإِنْ لم يُؤْكَلْ لَحْمُهُ ( قال ) فَأَمَّا الضَّبُعُ وَالثَّعْلَبُ
فَيُؤْكَلَانِ وَيُبَاعَانِ وَهُمَا مُخَالِفَانِ لِمَا وَصَفْتُ يَجُوزُ فِيهِمَا
السَّلَفُ إنْ كان انْقِطَاعُهُمَا في الْحِينِ الذي يُسْلَفُ فِيهِمَا مَأْمُونًا
الْأَمَانَ الظَّاهِرَ عِنْدَ الناس وَمَنْ قَتَلَهُمَا وَهُمَا لِأَحَدٍ غَرِمَ
ثَمَنَهُمَا كما يَغْرَمُ ثَمَنَ الظَّبْيِ وَغَيْرِهِ من الْوَحْشِ الْمَمْلُوكِ
غَيْرُهُمَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكُلُّ ما لَا مَنْفَعَةَ فيه من وَحْشٍ
مِثْلُ الْحِدَأَةِ وَالرَّخَمَةِ وَالْبُغَاثَةِ وما لَا يَصِيدُ من الطَّيْرِ
الذي لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَمِثْلُ اللحكاء ( ( ( اللحكة ) ) ) وَالْقَطَا
وَالْخَنَافِسِ وما أَشْبَهَ هذا فَأَرَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ لَا
يَجُوزَ شِرَاؤُهُ وَلَا بَيْعُهُ بِدَيْنٍ وَلَا غَيْرِهِ وَلَا يَكُونُ على
أَحَدٍ لو حَبَسَهُ رَجُلٌ عِنْدَهُ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ له قِيمَةٌ وَكَذَلِكَ
الْفَأْرُ وَالْجِرْذَانُ وَالْوِزْغَانُ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلْمَنْفَعَةِ
فيه حَيًّا وَلَا مَذْبُوحًا وَلَا مَيِّتًا فإذا اشْتَرَى هذا أَشْبَهَ أَنْ
يَكُونَ أَكْلَ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ وقد نهى اللَّهُ عز وجل عن أَكْلِ الْمَالِ
بِالْبَاطِلِ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُجِيزَ لِلْمُسْلِمِينَ بَيْعُ ما انْتَفَعُوا
بِهِ مَأْكُولًا أو مُسْتَمْتَعًا بِهِ في حَيَاتِهِ لِمَنْفَعَةٍ تَقَعُ
مَوْقِعًا وَلَا مَنْفَعَةَ في هذا تَقَعُ مَوْقِعًا وإذا نهى عن بَيْعِ ضِرَابِ
الْفَحْلِ وهو مَنْفَعَةٌ إذَا تَمَّ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِعَيْنٍ تُمْلَكُ
لِمَنْفَعَةٍ كان مالا مَنْفَعَةَ فيه بِحَالٍ أَوْلَى أَنْ يُنْهَى عن ثَمَنِهِ
عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - * بَابُ الْخِلَافِ في ثَمَنِ الْكَلْبِ -
* ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس فَأَجَازَ ثَمَنَ الْكَلْبِ
وَشِرَاءَهُ وَجَعَلَ على من قَتَلَهُ ثَمَنَهُ قلت له أَفَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ
رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يُحَرِّمُ ثَمَنَ الْكَلْبِ وَتَجْعَلُ له
ثَمَنًا حَيًّا أو مَيِّتًا أو يَجُوزُ أَنْ يَأْمُرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ
عليه وسلم بِقَتْلِ الْكِلَابِ وَلَهَا أَثْمَانٌ يَغْرَمُهَا قَاتِلُهَا
أَيَأْمُرُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِقَتْلِ ما يَغْرَمُهُ قَاتِلُهُ
وَكُلُّ ما غَرِمَهُ قَاتِلُهُ أَثِمَ من قَتْلِهِ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكُ ما
يَكُونُ مَالًا لِمُسْلِمٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يَأْمُرُ
بِمَأْثَمٍ ( وقال قَائِلٌ ) فَإِنَّا إنَّمَا أَخَذْنَا أَنَّ الْكَلْبَ يَجُوزُ
ثَمَنُهُ خَبَرًا وَقِيَاسًا قُلْت له فَاذْكُرْ الْخَبَرَ قال أخبرني بَعْضُ
أَصْحَابِنَا عن مُحَمَّدِ بن إِسْحَاقَ عن عِمْرَانَ بن أبي أَنَسٍ أَنَّ
عُثْمَانَ أَغْرَمَ رَجُلًا ثَمَنَ كَلْبٍ قَتَلَهُ عِشْرِينَ بَعِيرًا قال وإذا
جُعِلَ فيه مَقْتُولًا قِيمَةً كان حِيَالَهُ ثَمَنٌ لَا يَخْتَلِفُ ذلك ( قال )
فقلت له أَرَأَيْتَ لو ثَبَتَ هذا عن عُثْمَانَ كُنْتَ لم تَصْنَعْ شيئا في
احْتِجَاجِكَ على شَيْءٍ ثَبَتَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
وَالثَّابِتُ عن عُثْمَانَ خِلَافُهُ قال فَاذْكُرْهُ قُلْت أخبرنا الثِّقَةُ عن
يُونُسَ عن الْحَسَنِ قال سَمِعْت عُثْمَانَ بن عَفَّانَ يَخْطُبُ وهو يَأْمُرُ
بِقَتْلِ الْكِلَابِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَكَيْفَ يَأْمُرُ بِقَتْلِ ما
يَغْرَمُ من قَتَلَهُ قِيمَتَهُ قال فَأَخَذْنَاهُ قِيَاسًا على أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَنْهَ صَاحِبَ الزَّرْعِ وَلَا الْمَاشِيَةِ عن
اتِّخَاذِهِ وَذَكَرَ له صَيْدَ الْكِلَابِ فقال فيه ولم يَنْهَ عنه فلما رَخَّصَ
في أَنْ يَكُونَ الْكَلْبُ مَمْلُوكًا كَالْحِمَارِ حَلَّ ثَمَنُهُ وَلَمَّا حَلَّ
ثَمَنُهُ كانت قِيمَتُهُ على من قَتَلَهُ ( قال ) فقلت له فإذا أَبَاحَ رسول
اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم اتِّخَاذَهُ لِصَاحِبِ الزَّرْعِ وَالْمَاشِيَةِ
ولم يَنْهَ عنه صَاحِبِ الصَّيْدِ وَحَرَّمَ ثَمَنَهُ فَأَيُّهُمَا أَوْلَى بِنَا
وَبِك وَبِكُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَتَّبِعَهُ في الْقَوْلَيْنِ فَتُحَرِّمُ ما
حَرُمَ ثَمَنُهُ وَتَقْتُلُ الْكِلَابَ على من لم يُبَحْ له اتِّخَاذُهَا كما
أَمَرَ بِقَتْلِهَا وَتُبِيحُ اتِّخَاذَهَا لِمَنْ أَبَاحَهُ له ولم يَنْهَهُ عنه
أو تَزْعُمُ أَنَّ الْأَحَادِيثَ فيها تَضَادٌّ قال فما تَقُولُ أنت قُلْت أَقُولُ
الْحَقَّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إثْبَاتُ الْأَحَادِيثِ على ما جَاءَتْ كما
جَاءَتْ إذَا احتملت ( ( ( احتلمت ) ) ) أَنْ تَثْبُتَ كُلُّهَا وَلَوْ جَازَ ما
قُلْت من طَرْحِ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ جَازَ عَلَيْك ما أَجَزْت لِنَفْسِك قال فيقول
قَائِلٌ لَا نَعْرِفُ الْأَحَادِيثَ قُلْت إذَا كان يَأْثَمُ بها من اتخاذها ( ( (
اتخذها ) ) ) لَا أُحِلُّ لِأَحَدٍ اتِّخَاذَهَا وَأَقْتُلُهَا حَيْثُ وَجَدْتُهَا
ثُمَّ لَا يَكُونُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ منه قال أَفَيَجُوزُ عِنْدَك أَنْ
يَتَّخِذَهَا مُتَّخِذٌ وَلَا ثَمَنَ لها قلت بَلْ لَا يَجُوزُ فيها غَيْرُهُ
____________________
(3/12)
لو كان أَصْلُ اتِّخَاذِهَا
حَلَالًا حَلَّتْ لِكُلِّ أَحَدٍ كما يَحِلُّ لِكُلِّ أَحَدٍ اتِّخَاذُ الْحُمُرِ
وَالْبِغَالِ وَلَكِنَّ أَصْلَ اتِّخَاذِهَا مُحَرَّمٌ إلَّا بِمَوْضِعٍ
كَالضَّرُورَةِ لِإِصْلَاحِ الْمَعَاشِ لِأَنِّي لم أَجِدْ الْحَلَالَ يُحْظَرُ
على أَحَدٍ وَأَجِدُ من الْمُحَرَّمِ ما يُبَاحُ لِبَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ ( قال )
وَمِثْلُ مَاذَا قُلْت الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ مُبَاحَانِ لِذِي الضَّرُورَةِ فإذا
فَارَقَ الضَّرُورَةَ عَادَ أَنْ يَكُونَا مُحَرَّمَيْنِ عليه بِأَصْلِ
تَحْرِيمِهِمَا وَالطَّهَارَةُ بِالتُّرَابِ مُبَاحَةٌ في السَّفَرِ لِمَنْ لم
يَجِدْ مَاءً فإذا وَجَدَهُ حُرِّمَ عليه الطَّهَارَةُ بِالتُّرَابِ لِأَنَّ
أَصْلَ الطَّهَارَةِ إنَّمَا هِيَ بِالْمَاءِ وَمُحَرَّمَةٌ بِمَا خَالَفَهُ إلَّا
في الضَّرُورَةِ بِالْإِعْوَازِ وَالسَّفَرِ أو الْمَرَضِ وَلِذَلِكَ إذَا فَارَقَ
رَجُلٌ اقْتِنَاءَ الْكَلْبِ لِلصَّيْدِ أو الزَّرْعِ أو الْمَاشِيَةِ حَرُمَ عليه
اتِّخَاذُهَا قال فَلِمَ لَا يَحِلُّ ثَمَنُهَا في الْحِينِ الذي يَحِلُّ
اتِّخَاذُهَا قلت لِمَا وَصَفْتُ لَك من أنها مَرْجُوعَةٌ على الْأَصْلِ فَلَا
ثَمَنَ لِمُحَرَّمٍ في الْأَصْلِ وَإِنْ تَنْقَلِبْ حَالَاتُهُ بِضَرُورَةٍ أو
مَنْفَعَةٍ فإن إحْلَالَهُ خَاصٌّ لِمَنْ أُبِيحَ له قال فَأَوْجِدْنِي مِثْلَ ما
وَصَفْتُ قلت أَرَأَيْتَ دَابَّةَ الرَّجُلِ مَاتَتْ فَاضْطُرَّ إلَيْهَا بَشَرٌ
أَيَحِلُّ لهم أَكْلُهَا قال نعم قلت أَفَيَحِلُّ له بَيْعُهَا منهم أو
لِبَعْضِهِمْ إنْ سَبَقَ بَعْضُهُمْ إلَيْهَا قال إنْ قلت ليس ذلك له قلت فَقَدْ
حَرَّمْتَ على مَالِكِ الدَّابَّةِ بَيْعَهَا وَإِنْ قُلْتَ نعم قلت فَقَدْ
أَحْلَلْتَ بَيْعَ الْمُحَرَّمِ قلت نعم قال فَأَقُولُ لَا يَحِلُّ بَيْعُهَا قلت
وَلَوْ أَحْرَقَهَا رَجُلٌ في الْحِينِ الذي أُبِيحَ لِهَؤُلَاءِ أَكْلُهَا فيه لم
يَغْرَمْ ثَمَنَهَا قال لَا قلت فَلَوْ لم يَدُلَّك على النَّهْيِ عن ثَمَنِ
الْكَلْبِ إلَّا ما وَصَفْتُ لَك انْبَغَى أَنْ يَدُلَّك قال أَفَتُوجِدَنِّي غير
هذا أَقُولُهُ قلت نعم زَعَمْتُ أَنَّهُ لو كان لَك خَمْرٌ حُرِّمَ عَلَيْك
اتِّخَاذُهَا وَحَلَّ لَك أَنْ تُفْسِدَهَا بِمِلْحٍ وَمَاءٍ وَغَيْرِ ذلك مِمَّا
يُصَيِّرُهَا خَلًّا وَزَعَمْتَ أَنَّ رَجُلًا لو أَهْرَاقَهَا وقد أَفْسَدَهَا
قبل أَنْ تَصِيرَ خَلًّا لم يَكُنْ عليه في ثَمَنِهَا شَيْءٌ لِأَنَّهَا لم
تَحِلَّ بَعْدُ عن الْمَحْرَمِ فَتَصِيرُ عَيْنًا غَيْرَهُ وَزَعَمْتَ أَنَّ
مَاشِيَتَك لو مُوِّتَتْ حَلَّ لَك سَلْخُهَا وَحَبْسُ جِلْدِهَا وإذا دَبَغْتهَا
حَلَّ ثَمَنُهَا وَلَوْ حَرَقَهَا رَجُلٌ قبل أَنْ تَدْبُغَهَا لم يَكُنْ عليه
فيها قِيمَةٌ قال إنِّي لَا أَقُولُ هذا وَلَكِنِّي أَقُولُ إذَا صَارَتْ خَلًّا
وَصَارَتْ مَدْبُوغَةً كان لها ثَمَنٌ وَعَلَى من حَرَقَهَا قِيمَتُهُ قلت
لِأَنَّهَا تَصِيرُ عِنْدَك عَيْنًا حَلَالًا لِكُلِّ أَحَدٍ قال نعم قلت
أَفَتَصِيرُ الْكِلَابُ حَلَالًا لِكُلِّ أَحَدٍ قال لَا إلَّا بِالضَّرُورَةِ أو
طَلَبِ الْمَنْفَعَةِ وَالْكِلَابُ بِالْمَيْتَةِ أَشْبَهُ وَالْمَيْتَةُ لنا فيها
أَلْزَمُ قلت وَهَذَا يَلْزَمُك في الْحِينِ الذي يَحِلُّ لَك فيه حَبْسُ
الْخَمْرِ وَالْجُلُودِ فَأَنْتَ لَا تَجْعَلُ في ذلك الْحِينِ لها ثَمَنًا قال
أَجَلْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) ثُمَّ حَكَى أَنَّ قَائِلًا قال لَا ثَمَنَ لِكَلْبِ
الصَّيْدِ وَلَا الزَّرْعِ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن ثَمَنِ
الْكَلْبِ جُمْلَةً ثُمَّ قال وَإِنْ قَتَلَ إنْسَانٌ لِآخَرَ كَلْبًا غَرِمَ
ثَمَنَهُ لِأَنَّهُ أَفْسَدَ عليه مَالَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما لم يَكُنْ له
ثَمَنٌ حَيًّا بِأَنَّ أَصْلَ ثَمَنِهِ مُحَرَّمٌ كان ثَمَنُهُ إذَا قُتِلَ
أَوْلَى أَنْ يَبْطُلَ أو مِثْلُ ثَمَنِهِ حَيًّا وَكُلُّ ما وَصَفْتُ حُجَّةً على
من حَكَيْتُ قَوْلَهُ وَحُجَّةً على من قال هذا الْقَوْلَ وَعَلَيْهِ زِيَادَةُ
حُجَّةٍ من قَوْلِهِ من أَنَّهُ إذَا لم يَحِلَّ ثَمَنُهَا في الْحَالِ التي
أَبَاحَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم اتِّخَاذَهَا كان إذَا قُتِلَتْ أَحْرَى أَنْ
لَا يَكُونَ بها حَلَالًا قال فقال لي قَائِلٌ فإذا أَخْصَى رَجُلٌ كَلْبَ رَجُلٍ
أو جَدَعَهُ قُلْت إذَا لم يَكُنْ له ثَمَنٌ ولم يَكُنْ على من قَتَلَهُ قِيمَةٌ
كان فِيمَا أُصِيبَ مِمَّا دُونَ الْقَتْلِ أَوْلَى ولم يَكُنْ عليه فيه غُرْمٌ
وَيُنْهَى عنه وَيُؤَدَّبُ إذَا عَادَ
____________________
(3/13)
- * بَابُ الرِّبَا بَابُ
الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ - * أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال
أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن مَالِكِ بن أَوْسِ بن الْحَدَثَانِ النَّصْرِيِّ
أَنَّهُ الْتَمَسَ صَرْفًا بِمِائَةِ دِينَارٍ قال فَدَعَانِي طَلْحَةُ بن
عُبَيْدِ اللَّهِ فَتَرَاوَضْنَا حتى اصْطَرَفَ مِنِّي وَأَخَذَ الذَّهَبَ
يُقَلِّبُهَا في يَدِهِ ثُمَّ قال حتى تَأْتِيَ خَازِنَتِي أو خَازِنِي ( قال
الشَّافِعِيُّ ) أنا شَكَكْت بعد ما قَرَأْتُهُ عليه وَعُمَرُ بن الْخَطَّابِ رضي
اللَّهُ عنه يَسْمَعُ فقال عُمَرُ لَا وَاَللَّهِ لَا تُفَارِقُهُ حتى تَأْخُذَ
منه ثُمَّ قال قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ
رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ
وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ
رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ بن
عُيَيْنَةَ عن الزُّهْرِيِّ عن مَالِكِ بن أَوْسِ بن الْحَدَثَانِ عن عُمَرَ بن
الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال
الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا
إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ
وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ أخبرنا الرَّبِيعُ قال
أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا عبد الْوَهَّابِ
____________________
(3/14)
عن أَيُّوبَ عن مُسْلِمِ بن
يَسَارٍ وَرَجُلٍ آخَرَ عن عُبَادَةَ بن الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى
اللَّهُ عليه وسلم قال لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَلَا الْوَرِقَ
بِالْوَرِقِ وَلَا الْبُرَّ بِالْبُرِّ وَلَا الشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ وَلَا
الْمِلْحَ بِالْمِلْحِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ عَيْنًا بِعَيْنٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَكِنْ
بِيعُوا الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ وَالْوَرِقَ بِالذَّهَبِ وَالْبُرَّ بِالشَّعِيرِ
وَالشَّعِيرَ بِالْبُرِّ وَالتَّمْرَ بِالْمِلْحِ وَالْمِلْحَ بِالتَّمْرِ يَدًا
بِيَدٍ كَيْفَ شِئْتُمْ قال وَنَقَصَ أَحَدُهُمَا التَّمْرَ أو الْمِلْحَ ( قال
الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَبِهَذَا نَأْخُذُ وهو مُوَافِقٌ
لِلْأَحَادِيثِ في الصَّرْفِ وَبِهَذَا تَرَكْنَا قَوْلَ من رَوَى أَنْ لَا رِبَا
إلَّا في نَسِيئَةٍ وَقُلْنَا الرِّبَا من وَجْهَيْنِ في النَّسِيئَةِ وَالنَّقْدِ
وَذَلِكَ أَنَّ الرِّبَا منه يَكُونُ في النَّقْدِ بِالزِّيَادَةِ في الْكَيْلِ
وَالْوَزْنِ وَيَكُونُ في الدَّيْنِ بِزِيَادَةِ الْأَجَلِ وقد يَكُونُ مع
الْأَجَلِ زِيَادَةً في النَّقْدِ ( قال ) وَبِهَذَا نَأْخُذُ وَاَلَّذِي حَرَّمَ
رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْفَضْلَ في بَعْضِهِ على بعض ( ( ( بعضه ) )
) يَدًا بِيَدٍ الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ وَالْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ وَالتَّمْرُ
وَالْمِلْحُ ( قال ) وَالذَّهَبُ وَالْوَرِقُ مُبَايِنَانِ لِكُلِّ شَيْءٍ
لِأَنَّهُمَا أَثْمَانُ كل شَيْءٍ وَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِمَا شَيْءٌ من الطَّعَامِ
وَلَا من غَيْرِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَالتَّحْرِيمُ
مَعَهُمَا من الطَّعَامِ من مَكِيلٍ كُلِّهِ مَأْكُولٍ ( قال ) فَوَجَدْنَا
الْمَأْكُولَ إذَا كان مَكِيلًا فَالْمَأْكُولُ إذَا كان مَوْزُونًا في مَعْنَاهُ
لِأَنَّهُمَا مَأْكُولَانِ مَعًا وَكَذَلِكَ إذَا كان مَشْرُوبًا
____________________
(3/15)
مَكِيلًا أو مَوْزُونًا
لِأَنَّ الْوَزْنَ أَنْ يُبَاعَ مَعْلُومًا عِنْدَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي كما
كان الْكَيْلُ مَعْلُومًا عِنْدَهُمَا بَلْ الْوَزْنُ أَقْرَبُ من الْإِحَاطَةِ
لِبُعْدِ تَفَاوُتِهِ من الْكَيْلِ فلما اجْتَمَعَا في أَنْ يَكُونَا
مَأْكُولَيْنِ وَمَشْرُوبَيْنِ وَبَيْعًا مَعْلُومًا بِمِكْيَالٍ أو مِيزَانٍ كان
مَعْنَاهُمَا مَعْنًى وَاحِدًا فَحَكَمْنَا لَهُمَا حُكْمًا وَاحِدًا وَذَلِكَ
مِثْلُ حُكْمِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِأَنَّ مَخْرَجَ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ
في الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالنَّوَى فيه
لِأَنَّهُ لَا صلاح ( ( ( إصلاح ) ) ) له إلَّا بِهِ وَالْمِلْحُ وَاحِدٌ لَا
يَخْتَلِفُ وَلَا نُخَالِفُ في شَيْءٍ من أَحْكَامِ ما نَصَّتْ السُّنَّةُ من
الْمَأْكُولِ غَيْرَهُ وَكُلُّ ما كان قِيَاسًا عليها مِمَّا هو في مَعْنَاهَا
وَحُكْمُهُ حُكْمُهَا لم نُخَالِفْ بين أَحْكَامِهَا وَكُلُّ ما كان قِيَاسًا
عليها مِمَّا هو في مَعْنَاهَا حَكَمْنَا له حُكْمَهَا من الْمَأْكُولِ
وَالْمَشْرُوبِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَكَذَلِكَ في مَعْنَاهَا عِنْدَنَا
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كُلُّ مَكِيلٍ وَمَشْرُوبٍ بِيعَ عَدَدًا لِأَنَّا وَجَدْنَا
كَثِيرًا منها يُوزَنُ بِبَلْدَةٍ وَلَا يُوزَنُ بِأُخْرَى وَوَجَدْنَا عَامَّةَ
الرُّطَبِ بِمَكَّةَ إنَّمَا يُبَاعُ في سِلَالٍ جُزَافًا وَوَجَدْنَا عَامَّةَ اللَّحْمِ
إنَّمَا يُبَاعُ جُزَافًا وَوَجَدْنَا أَهْلَ الْبَدْوِ إذَا تَبَايَعُوا لَحْمًا
أو لَبَنًا لم يَتَبَايَعُوهُ إلَّا جُزَافًا وَكَذَلِكَ يَتَبَايَعُونَ السَّمْنَ
وَالْعَسَلَ وَالزُّبْدَ وَغَيْرَهُ وقد يُوزَنُ عِنْدَ غَيْرِهِمْ وَلَا
يَمْتَنِعُ من الْوَزْنِ وَالْكَيْلِ في بَيْعِ من بَاعَهُ جُزَافًا وما بِيعَ
جُزَافًا أو عَدَدًا فَهُوَ في مَعْنَى الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ من
____________________
(3/16)
الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ
عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَكُلُّ ما يَبْقَى منه وَيُدَّخَرُ وما لَا يَبْقَى
وَلَا يُدَّخَرُ سَوَاءٌ لَا يَخْتَلِفُ فَلَوْ نَظَرْنَا في الذي يَبْقَى منه
وَيُدَّخَرُ فَفَرَّقْنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ما لَا يَبْقَى وَلَا يُدَّخَرُ
وَجَدْنَا التَّمْرَ كُلَّهُ يَابِسًا يَبْقَى غَايَةً وَوَجَدْنَا الطَّعَامَ
كُلَّهُ لَا يَبْقَى ذلك الْبَقَاءَ وَوَجَدْنَا اللَّحْمَ لَا يَبْقَى ذلك
الْبَقَاءَ وَوَجَدْنَا اللَّبَنَ لَا يَبْقَى وَلَا يُدَّخَرُ فَإِنْ قال قد
يُوقَطُ قِيلَ وَكَذَلِكَ عَامَّةُ الْفَاكِهَةِ الْمَوْزُونَةِ قد تَيْبَسُ
وَقِشْرُ الْأُتْرُجِّ بِمَا لَصِقَ فيه يَيْبَسُ وَلَيْسَ فِيمَا يَبْقَى وَلَا
يَبْقَى مَعْنًى يُفَرِّقُ بَيْنَهُ إذَا كان مَأْكُولًا وَمَشْرُوبًا فَكُلُّهُ
صِنْفٌ وَاحِدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وما كان غير مَأْكُولٍ وَلَا مَشْرُوبٍ
لِتَفَكُّهٍ وَلَا تَلَذُّذٍ مِثْلَ الْأَسْبِيُوشِ وَالثُّفَّاءِ وَالْبُزُورِ
كُلِّهَا فَهِيَ وَإِنْ أُكِلَتْ غَيْرُ مَعْنَى الْقُوتِ فَقَدْ تُعَدُّ
مَأْكُولَةً وَمَشْرُوبَةً وَقِيَاسُهَا على الْمَأْكُولِ الْقُوتَ أَوْلَى من
قِيَاسِهَا على ما فَارَقَهُ مِمَّا يُسْتَمْتَعُ بِهِ لِغَيْرِ الْأَكْلِ ثُمَّ
الْأَدْوِيَةُ كُلُّهَا أهليلجها وايليلجها وسَقَمُونْيِهَا وَغَارِيقُونَهَا
يَدْخُلُ في هذا الْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( قال ) وَوَجَدْنَا كُلَّ ما
يُسْتَمْتَعُ بِهِ لِيَكُونَ مَأْكُولًا أو مَشْرُوبًا يَجْمَعُهُ أَنَّ
الْمَتَاعَ بِهِ لِيُؤْكَلَ أو يُشْرَبَ وَوَجَدْنَا يَجْمَعُهُ أَنَّ الْأَكْلَ
وَالشُّرْبَ لِلْمَنْفَعَةِ وَوَجَدْنَا الْأَدْوِيَةَ تُؤْكَلُ وَتُشْرَبُ
لِلْمَنْفَعَةِ بَلْ مَنَافِعُهَا كَثِيرَةٌ أَكْثَرُ من مَنَافِعِ الطَّعَامِ
فَكَانَتْ
____________________
(3/17)
أَنْ تُقَاسَ بِالْمَأْكُولِ
وَالْمَشْرُوبِ أَوْلَى من أَنْ يُقَاسَ بها الْمَتَاعُ لِغَيْرِ الْأَكْلِ من
الْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ وَالْخَشَبِ وَغَيْرِ ذلك فَجَعَلْنَا لِلْأَشْيَاءِ
أَصْلَيْنِ أَصْلٌ مَأْكُولٌ فيه الرِّبَا وَأَصْلٌ مَتَاعٌ لِغَيْرِ الْمَأْكُولِ
لَا رِبَا في الزِّيَادَةِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ فَالْأَصْلُ في الْمَأْكُولِ
وَالْمَشْرُوبِ إذَا كان بَعْضُهُ بِبَعْضٍ كَالْأَصْلِ في الدَّنَانِيرِ
بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ وإذا كان منه صِنْفٌ بِصِنْفٍ
غَيْرِهِ فَهُوَ كَالدَّنَانِيرِ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّرَاهِمُ بِالدَّنَانِيرِ
لَا يَخْتَلِفُ إلَّا بِعِلَّةٍ وَتِلْكَ الْعِلَّةُ لَا تَكُونُ في الدَّنَانِيرِ
وَالدَّرَاهِمِ بِحَالٍ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ منه رَطْبٌ بِيَابِسٍ منه
وَهَذَا لَا يَدْخُلُ الذَّهَبُ وَلَا الْوَرِقُ أَبَدًا ( قال ) فَإِنْ قال
قَائِلٌ كَيْفَ فَرَّقْتُمْ بين الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَبَيْنَ الْمَأْكُولِ في
هذه الْحَالِ قُلْت الْحُجَّةُ فيه ما لَا حُجَّةَ معه من سُنَّةِ رسول اللَّهِ
صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَقِيسَ شيئا بِشَيْءٍ
مُخَالِفٍ له فإذا كانت الرُّطُوبَةُ مَوْجُودَةً في غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ
فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَاسَ شَيْءٌ بِشَيْءٍ في الْمَوْضِعِ الذي يُخَالِفُهُ
فَإِنْ قال قَائِلٌ فَأَوْجِدْنَا السُّنَّةَ فيه قِيلَ إنْ شَاءَ اللَّهُ أخبرنا
الرَّبِيعُ
____________________
(3/18)
قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال
أخبرنا مَالِكٌ عن عبد اللَّهِ بن يَزِيدَ مولى الْأَسْوَدِ بن سُفْيَانَ أَنَّ
زَيْدًا أَبَا عَيَّاشٍ أخبره أَنَّهُ سَأَلَ سَعْدَ بن أبي وَقَّاصٍ عن
الْبَيْضَاءِ بِالسَّلْتِ فقال له سَعْدٌ أَيَّتُهُمَا أَفْضَلُ فقال الْبَيْضَاءُ
فَنَهَى عن ذلك وقال سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يُسْأَلُ عن
شِرَاءِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ فَقَالُوا نعم فَنَهَى عن ذلك ( قال ) فَفِي هذا
الحديث رَأْيُ سَعْدٍ نَفْسِهِ أَنَّهُ كَرِهَ الْبَيْضَاءَ بِالسَّلْتِ فَإِنْ
كان كَرِهَهَا بِسُنَّةٍ فَذَلِكَ مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ
عليه وسلم وَبِهِ نَأْخُذُ وَلَعَلَّهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ كَرِهَهَا لِذَلِكَ
فَإِنْ كان كَرِهَهَا مُتَفَاضِلَةً فإن رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قد
أَجَازَ الْبُرَّ بِالشَّعِيرِ مُتَفَاضِلًا وَلَيْسَ في قَوْلِ أَحَدٍ حُجَّةٌ مع
النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وهو الْقِيَاسُ على سُنَّةِ النبي صلى اللَّهُ عليه
وسلم أَيْضًا ( قال ) وَهَكَذَا كُلُّ ما اخْتَلَفَتْ أَسْمَاؤُهُ وَأَصْنَافُهُ
من الطَّعَامِ فَلَا بَأْسَ بِالْفَضْلِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ
وَلَا خَيْرَ فيه نَسِيئَةً كَالدَّنَانِيرِ بِالدَّرَاهِمِ لَا يَخْتَلِفُ هو
وَهِيَ وَكَذَلِكَ زَبِيبٌ بِتَمْرٍ وَحِنْطَةٌ بِشَعِيرٍ وَشَعِيرٌ بِسَلْتٍ
وَذُرَةٌ بِأُرْزٍ وما اخْتَلَفَ أَصْنَافُهُ من الْمَأْكُولِ أو الْمَشْرُوبِ
هَكَذَا كُلُّهُ وفي حَدِيثِهِ عن
____________________
(3/19)
رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه
وسلم دَلَائِلُ منها أَنَّهُ سَأَلَ أَهْلَ الْعِلْمِ بِالرُّطَبِ عن نُقْصَانِهِ
فَيَنْبَغِي للامام إذَا حَضَرَهُ اهل الْعِلْمِ بِمَا يَرِدُ عليه أَنْ
يَسْأَلَهُمْ عنه وَبِهَذَا صِرْنَا إلَى قِيَمِ الْأَمْوَالِ بِقَوْلِ أَهْلِ
الْعِلْمِ وَالْقَبُولِ من أَهْلِهَا وَمِنْهَا أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم
نَظَرَ في مُعْتَقَبِ الرُّطَبِ فلما كان يَنْقُصُ لم يُجِزْ بَيْعَهُ بِالتَّمْرِ
لِأَنَّ التَّمْرَ من الرُّطَبِ إذَا كان نُقْصَانُهُ غير مَحْدُودٍ وقد حَرُمَ
أَنْ يَكُونَ التَّمْرُ بِالتَّمْرِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَكَانَتْ فيها
زِيَادَةُ بَيَانِ النَّظَرِ في الْمُعْتَقَبِ من الرُّطَبِ فَدَلَّتْ على أَنَّهُ
لَا يَجُوزُ رُطَبٌ بِيَابِسٍ من جِنْسِهِ لِاخْتِلَافِ الْكَيْلَيْنِ وَكَذَلِكَ
دَلَّتْ على أَنَّهُ لَا يَجُوزُ رُطَبٌ بِرُطَبٍ لِأَنَّهُ نَظَرَ في الْبُيُوعِ
في الْمُعْتَقَبِ خَوْفًا من أَنْ يَزِيدَ بَعْضُهَا على بَعْضٍ فَهُمَا رُطَبَانِ
مَعْنَاهُمَا مَعْنًى وَاحِدٌ فإذا نَظَرَ في الْمُعْتَقَبِ فلم يَجُزْ رُطَبٌ بِرُطَبٍ
لِأَنَّ الصَّفْقَةَ وَقَعَتْ وَلَا يُعْرَف كَيْفَ يَكُونَانِ في الْمُعْتَقَبِ
وكان بَيْعًا مَجْهُولًا الْكَيْلُ بِالْكَيْلِ وَلَا يَجُوزُ الْكَيْلُ وَلَا
الْوَزْنُ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنُ من جِنْسِهِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ
____________________
(3/20)
- * بَابُ جِمَاعِ تَفْرِيعِ
الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) مَعْرِفَةُ
الْأَعْيَانِ أَنْ يُنْظَرَ إلَى الِاسْمِ الْأَعَمِّ الْجَامِعِ الذي يَنْفَرِدُ
بِهِ من جُمْلَةِ ما مَخْرَجُهُ مَخْرَجُهَا فَذَلِكَ جِنْسٌ فَأَصْلُ كل ما
أَنْبَتَتْ الْأَرْضُ أَنَّهُ نَبَاتٌ ثُمَّ يُفَرَّقُ بِهِ أَسْمَاءُ فَيُقَالُ
هذا حَبٌّ ثُمَّ يُفَرَّقُ بِالْحَبِّ اسماء وَالْأَسْمَاءُ التي تُفَرَّقُ
بِالْحَبِّ من جِمَاعِ التَّمْيِيزِ فَيُقَالُ تَمْرٌ وَزَبِيبٌ وَيُقَالُ
حِنْطَةٌ وَذُرَةٌ وَشَعِيرٌ وَسَلْتٌ فَهَذَا الْجِمَاعُ الذي هو جِمَاعُ
التَّمْيِيزِ وهو من الْجِنْسِ الذي تَحْرُمُ الزِّيَادَةُ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ
إذَا كان من صِنْفٍ وَاحِدٍ وهو في الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ هَكَذَا وَهُمَا
مَخْلُوقَانِ من الْأَرْضِ أو فيها ثُمَّ هُمَا تِبْرٌ ثُمَّ يُفَرَّقُ بِهِمَا
أَسْمَاءُ ذَهَبٌ وَوَرِقٌ وَالتِّبْرُ سواهما ( ( ( وسواهما ) ) ) من النُّحَاسِ
وَالْحَدِيدِ وَغَيْرِهِمَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْحُكْمُ
فِيمَا كان يَابِسًا من صِنْفٍ وَاحِدٍ من أَصْنَافِ الطَّعَامِ حُكْمٌ وَاحِدٌ لَا
اخْتِلَافَ فيه كَحُكْمِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ بِالْوَرِقِ لِأَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ذَكَرَ تَحْرِيمَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ
وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالْمِلْحِ ذِكْرًا وَاحِدًا وَحَكَمَ
فيها حُكْمًا وَاحِدًا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بين أَحْكَامِهَا بِحَالٍ وقد
جَمَعَهَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم - * بَابُ تَفْرِيعِ الصِّنْفِ من
الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ بمثله - * قال الرَّبِيعُ ( قال الشَّافِعِيُّ )
الْحِنْطَةُ جِنْسٌ وَإِنْ تَفَاضَلَتْ وَتَبَايَنَتْ في الْأَسْمَاءِ كما
يَتَبَايَنُ الذَّهَبُ وَيَتَفَاضَلُ في الْأَسْمَاءِ فَلَا يَجُوزُ ذَهَبٌ
بِذَهَبٍ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ يَدًا بِيَدٍ قال وَأَصْلُ
الْحِنْطَةِ الْكَيْلُ وَكُلُّ ما كان أَصْلُهُ كَيْلًا لم يَجُزْ أَنْ يُبَاعَ
بمثله وَزْنًا بِوَزْنٍ وَلَا وَزْنًا بِكَيْلٍ قال وَلَا بَأْسَ بِالْحِنْطَةِ
مِثْلًا بِمِثْلٍ وَيَدًا بِيَدٍ وَلَا يَفْتَرِقَانِ حتى يَتَقَابَضَا وَإِنْ
تَفَرَّقَا قبل أَنْ يَتَقَابَضَا فَسَدَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا كما يَكُونُ ذلك
في الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ لَا يَخْتَلِفُ قال وَلَا بَأْسَ بِحِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ
يَسْوَى مُدُّهَا دِينَارًا بِحِنْطَةٍ رَدِيئَةٍ لَا يُسَوَّى مُدُّهَا سُدُسَ
دِينَارٍ وَلَا حِنْطَةٍ حَدِيثَةٍ بِحِنْطَةٍ قَدِيمَةٍ وَلَا حِنْطَةٍ بَيْضَاءَ
صَافِيَةٍ بِحِنْطَةٍ سَوْدَاءَ قَبِيحَةٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ كَيْلًا بِكَيْلٍ
يَدًا بِيَدٍ وَلَا يَتَفَرَّقَانِ حتى يَتَقَابَضَا إذَا كانت حِنْطَةُ
أَحَدِهِمَا صِنْفًا وَاحِدًا وَحِنْطَةُ بَائِعِهِ صِنْفًا وَاحِدًا وَكُلُّ ما
لم يَجُزْ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ فَلَا خَيْرَ في أَنْ يُبَاعَ منه
شَيْءٌ وَمَعَهُ شَيْءٌ غَيْرُهُ بِشَيْءٍ آخَرَ لَا خَيْرَ في مُدِّ تَمْرٍ
عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ بمدى تَمْرٍ عَجْوَةٍ وَلَا مُدِّ حِنْطَةٍ سَوْدَاءَ
وَدِرْهَمٍ بمدى حِنْطَةٍ مَحْمُولَةٍ حتى يَكُونَ الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ لَا
شَيْءَ مع وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُهُمَا أو يَشْتَرِي شيئا من غَيْرِ صِنْفِهِ
ليس معه من صِنْفِهِ شَيْءٌ - * بَابٌ في التَّمْرِ بِالتَّمْرِ - * ( قال
الشَّافِعِيُّ ) وَالتَّمْرُ صِنْفٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبْتَاعَ صَاعَ تَمْرٍ
بِصَاعِ تَمْرٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا يَتَفَرَّقَانِ حتى يَتَقَابَضَا وَلَا بَأْسَ
إذَا كان صَاعُ أَحَدِهِمَا صِنْفًا وَاحِدًا وَصَاعُ الْآخَرِ صِنْفًا وَاحِدًا
أَنْ يَأْخُذَهُ وَإِنْ كان بردى ( ( ( برديء ) ) ) وَعَجْوَةٌ بِعَجْوَةٍ أو بردى
( ( ( برديء ) ) ) وَصَيْحَانِيٌّ بِصَيْحَانِيٍّ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يَكُونَ
صَاعُ أَحَدِهِمَا من تَمْرَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَصَاعُ الْآخَرِ من تَمْرٍ
وَاحِدٍ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يَتَبَايَعَا التَّمْرَ بِالتَّمْرِ مَوْزُونًا في
جِلَالٍ كان أو قِرَبٍ أو غَيْرِ ذلك وَلَوْ طُرِحَتْ عنه الْجِلَالُ وَالْقِرَبُ
لم يَجُزْ أَنْ يُبَاعَ وَزْنًا وَذَلِكَ أَنَّ وَزْنَ التَّمْرِ يَتَبَايَنُ
فَيَكُونُ صَاعٌ وَزْنُهُ أَرْطَالٌ وَصَاعٌ آخَرُ وَزْنُهُ أَكْثَرُ منها فَلَوْ
كَيْلًا كان صَاعٌ بِأَكْثَرَ من صَاعٍ كَيْلًا وَهَكَذَا كُلُّ كَيْلٍ لَا
يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ بمثله وَزْنًا
____________________
(3/21)
وَكُلُّ وَزْنٍ فَلَا يَجُوزُ
أَنْ يُبَاعَ بمثله كَيْلًا وإذا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ فَلَا بَأْسَ أَنْ
يَبْتَاعَ كَيْلًا وَإِنْ كان أَصْلُهُ الْوَزْنَ وَجُزَافًا لِأَنَّا إنَّمَا
نَأْمُرُ بِبَيْعِهِ على الْأَصْلِ كَرَاهِيَةَ التَّفَاضُلِ فإذا كان ما يَجُوزُ فيه
التَّفَاضُلُ فَلَا نُبَالِي كَيْفَ تَبَايَعَاهُ إنْ تَقَابُضَاه قبل أَنْ
يَتَفَرَّقَا - * بَابٌ ما في مَعْنَى التَّمْرِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ )
وَهَكَذَا كُلُّ صِنْفٍ يَابِسٍ من الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ فَالْقَوْلُ فيه
كما وَصَفْت في الْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ لَا يَخْتَلِفُ في حَرْفٍ منه وَذَلِكَ
يُخَالِفُ الشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ وَالذُّرَةَ بِالذُّرَةِ وَالسَّلْتَ
بِالسَّلْتِ وَالدَّخَنَ بِالدَّخَنِ وَالْأُرْزَ بِالْأُرْزِ وَكُلَّ ما أَكَلَ
الناس مِمَّا يُنْبِتُونَ أو لم يُنْبِتُوا مِثْلَ الْفَثِّ وَغَيْرِهِ من حَبِّ
الْحَنْظَلِ وَسُكَّرِ الْعُشْرِ وَغَيْرِهِ مِمَّا أَكَلَ الناس ولم يُنْبِتُوا
وَهَكَذَا كُلُّ مَأْكُولٍ يَبِسَ من أَسْبِيُوشٍ بِأَسْبِيُوشٍ وَثُفَّاءٍ
بِثُفَّاءٍ وَصَعْتَرٍ بِصَعْتَرٍ فما بِيعَ منه وَزْنًا بِشَيْءٍ من صِنْفِهِ لم
يُصْرَفْ إلَى كَيْلٍ وما بِيعَ منه كَيْلًا لم يُصْرَفْ إلَى وَزْنٍ لِمَا
وَصَفْتُ من اخْتِلَافِهِ في يُبْسِهِ وَخِفَّتِهِ وَجَفَائِهِ قال وَهَكَذَا
وَكُلُّ مَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ أَخْرَجَهُ اللَّهُ من شَجَرٍ أو أَرْضٍ فَكَانَ
بِحَالِهِ التي أخرجه الله تعالى بها لم يحدث فيه الآدميون شيئا فينقلونه عن حاله
التي أَخْرَجَهُ اللَّهُ تَعَالَى بها إلَى غَيْرِهَا فَأَمَّا ما لو تَرَكُوهُ لم
يَزَلْ رَطْبًا بِحَالِهِ أَبَدًا فَفِي هذا الصِّنْفِ منه عِلَّةٌ سَأَذْكُرُهَا
إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَّا ما أَحْدَثَ فيه الْآدَمِيُّونَ تَجْفِيفًا
من الثَّمَرِ فَهُوَ شَيْءٌ اسْتَعْجَلُوا بِهِ صَلَاحَهُ وَإِنْ لم يَنْقُلُوهُ
وَتَرَكُوهُ جَفَّ وما أَشْبَهَ هذا - * بَابٌ ما يُجَامِعُ التَّمْرَ وما
يُخَالِفُهُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَالزَّيْتُونُ مَخْلُوقٌ
ثَمَرَةٌ لو تَرَكَهَا الْآدَمِيُّونَ صَحِيحَةً لم يَخْرُجْ منها زَيْتٌ وَلَمَّا
عَصَرُوهَا خَرَجَتْ زَيْتًا فَإِنَّمَا اُشْتُقَّ لها اسْمُ الزَّيْتِ بِأَنَّ
شَجَرَتَهَا زَيْتُونٌ فَاسْمُ ثَمَرَةِ شَجَرَتِهَا التي منها الزَّيْتُ
زَيْتُونٌ فَكُلُّ ما خَرَجَ من زَيْتِ الزَّيْتُونِ فَهُوَ صِنْفٌ وَاحِدٌ
يَجُوزُ فيه ما يَجُوزُ في الْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ
وَيُرَدُّ منه ما يُرَدُّ من الْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ لَا يَخْتَلِفُ وقد يُعْصَرُ
من الْفُجْلِ دُهْنٌ يُسَمَّى زَيْتُ الْفُجْلِ قال وَلَيْسَ مِمَّا يَكُونُ
بِبِلَادِنَا فَيُعْرَفُ له اسْمٌ بِأُمِّهِ وَلَسْت أَعْرِفُهُ يُسَمَّى زَيْتًا
إلَّا على مَعْنَى أَنَّهُ دُهْنٌ لَا اسْمَ له مُسْتَعْمَلٌ في بَعْضِ ما
يُسْتَعْمَلُ فيه الزَّيْتُ وهو مُبَايِنٌ لِلزَّيْتِ في طَعْمِهِ وَرِيحِهِ
وَشَجَرَتِهِ وهو زَرْعٌ وَالزَّيْتُونُ أَصْلٌ قال وَيَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ
فَاَلَّذِي هو أَلْيَقُ بِهِ عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ لَا
يُحْكَمَ بِأَنْ يَكُونَ زَيْتًا وَلَكِنْ يُحْكَمُ بِأَنْ يَكُونَ دُهْنًا من
الْأَدْهَانِ فَيَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ الْوَاحِدُ منه بِالِاثْنَيْنِ من زَيْتِ
الزَّيْتُونِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قال رَجُلٌ أَكَلْت زَيْتًا أو اشْتَرَيْت
زَيْتًا عُرِفَ أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ زَيْتُ الزَّيْتُونِ لِأَنَّ الِاسْمَ له
دُونَ زَيْتِ الْفُجْلِ وقد يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ هو صِنْفٌ من الزَّيْتِ فَلَا
يُبَاعُ بِالزَّيْتِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالسَّلِيطُ دُهْنُ الْجُلْجُلَانِ
وهو صِنْفٌ غَيْرُ زَيْتِ الْفُجْلِ وَغَيْرِ زَيْتِ الزَّيْتُونِ فَلَا بَأْسَ
بِالْوَاحِدِ منه بِالِاثْنَيْنِ من كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكَذَلِكَ دُهْنُ
الْبِزْرِ وَالْحُبُوبِ كُلِّهَا كُلُّ دُهْنٍ منه مُخَالِفٌ دُهْنَ غَيْرِهِ
دُهْنُ الصَّنَوْبَرِ وَدُهْنُ الْحَبِّ الْأَخْضَرِ وَدُهْنُ الْخَرْدَلِ
وَدُهْنُ
____________________
(3/22)
السِّمْسِمِ وَدُهْنُ نَوَى
الْمِشْمِشِ وَدُهْنُ اللَّوْزِ وَدُهْنُ الْجَوْزِ فَكُلّ دُهْنٍ من هذه
الْأَدْهَانِ خَرَجَ من حَبَّةٍ أو ثَمَرَةٍ فَاخْتَلَفَ ما يَخْرُجُ من تِلْكَ
الثَّمَرَةِ أو تِلْكَ الْحَبَّةِ أو تِلْكَ الْعُجْمَةِ فَهُوَ صِنْفٌ وَاحِدٌ
فَلَا يَجُوزُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَكُلُّ صِنْفٍ منه خَرَجَ من
حَبَّةٍ أو ثَمَرَةٍ أو عُجْمَةٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ في غَيْرِ صِنْفِهِ الْوَاحِدُ
منه بِالِاثْنَيْنِ ما لم يَكُنْ نَسِيئَةً لَا بَأْسَ بِدُهْنِ خَرْدَلٍ بِدُهْنِ
فُجْلٍ وَدُهْنِ خَرْدَلٍ بِدُهْنِ لَوْزٍ وَدُهْنِ لَوْزٍ بِدُهْنِ جَوْزٍ
اُرْدُدْ أُصُولَهُ كُلَّهُ إلَى ما خَرَجَ منه فإذا كان ما خَرَجَ منه وَاحِدًا
فَهُوَ صِنْفٌ كَالْحِنْطَةِ صِنْفٌ وإذا خَرَجَ من أَصْلَيْنِ مُفْتَرَقَيْنِ
فَهُمَا صِنْفَانِ مُفْتَرَقَانِ كَالْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ فَعَلَى هذا جَمِيعُ
الْأَدْهَانِ الْمَأْكُولَةِ وَالْمَشْرُوبَةِ لِلْغِذَاءِ وَالتَّلَذُّذِ لَا
يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فيها كَهُوَ في التَّمْرِ وَالْحِنْطَةِ سَوَاءٌ فَإِنْ كان
من هذه الْأَدْهَانِ شَيْءٌ لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ بِحَالٍ أَبَدًا
لِدَوَاءٍ وَلَا لِغَيْرِهِ فَهُوَ خَارِجٌ من الرِّبَا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُبَاعَ
وَاحِدٌ منه بِعَشْرَةٍ منه يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً وَوَاحِدٌ منه بِوَاحِدٍ من
غَيْرِهِ وَبِاثْنَيْنِ يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً إنَّمَا الرِّبَا فِيمَا أُكِلَ
أو شُرِبَ بِحَالٍ وفي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَإِنْ قال قَائِلٌ قد يجمعهما ( ( (
يجمعها ) ) ) اسْمُ الدُّهْنِ قِيلَ وَكَذَلِكَ يَجْمَعُ الْحِنْطَةَ وَالذُّرَةَ
وَالْأُرْزَ اسْمُ الْحَبِّ فلما تَبَايَنَ حِلُّ الْفَضْلِ في بَعْضِهِ على
بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَيْسَ لِلْأَدْهَانِ أَصْلُ اسْمٍ مَوْضُوعٍ عِنْدَ
الْعَرَبِ إنَّمَا سُمِّيَتْ بِمَعَانِي أنها تُنْسَبُ إلَى ما تَكُونُ منه
فَأَمَّا أُصُولُهَا من السِّمْسِمِ وَالْحَبِّ الْأَخْضَرِ وَغَيْرِهِ
فَمَوْضُوعٌ له أَسْمَاءُ كَأَسْمَاءِ الْحِنْطَةِ لَا بِمَعَانٍ فَإِنْ قِيلَ
فَالْحَبُّ الْأَخْضَرُ بِمَعْنًى فَاسْمُهُ عِنْدَ من يَعْرِفُهُ الْبُطْمُ
وَالْعَسَلُ الذي لَا يُعْرَفُ بِالِاسْمِ الْمَوْضُوعِ وَاَلَّذِي إذَا لَقِيت
رَجُلًا فَقُلْت له عَسَلٌ عَلِمَ أنه عَسَلَ النَّحْلِ صِنْفٌ وقد سُمِّيَتْ
أَشْيَاءُ من الْحَلَاوَةِ تُسَمَّى بها عَسَلًا وَقَالَتْ الْعَرَبُ لِلْحَدِيثِ
الْحُلْوِ حَدِيثٌ مَعْسُولٌ وَقَالَتْ لِلْمَرْأَةِ الْحُلْوَةِ الْوَجْهِ
مَعْسُولَةُ الْوَجْهِ وَقَالَتْ فِيمَا الْتَذَّتْ هذا عَسَلٌ وَهَذَا مَعْسُولٌ
وقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يَحِلُّ لَكِ حتى تَذُوقِي
عُسَيْلَتَهُ يَعْنِي يُجَامِعُهَا لِأَنَّ الْجِمَاعَ هو الْمُسْتَحْلَى من
الْمَرْأَةِ فَقَالُوا لِكُلِّ ما اسْتَحْلَوْهُ عَسَلٌ وَمَعْسُولٌ على مَعْنَى
أَنَّهُ يُسْتَحْلَى اسْتِحْلَاءَ الْعَسَلِ قال فَعَسَلُ النَّحْلِ الْمُنْفَرِدِ
بِالِاسْمِ دُونَ ما سِوَاهُ من الْحُلْوِ فَإِنَّمَا سُمِّيَتْ على ما وُصِفَتْ
من الشَّبَهِ وَالْعَسَلُ فِطْرَةُ الْخَالِقِ لَا صَنْعَةَ للادميين فيه وما
سِوَاهُ من الْحُلْوِ فَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ من قَصَبٍ أو ثَمَرَةٍ أو حَبَّةٍ
كما تُسْتَخْرَجُ الْأَدْهَانُ فَلَا بَأْسَ بِالْعَسَلِ بِعَصِيرِ قَصَبِ
السُّكْرِ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى عَسَلًا إلَّا على ما وَصَفْت فَإِنَّمَا
يُقَالُ عَصِيرُ قَصَبٍ وَلَا بَأْسَ بالعسل ( ( ( العسل ) ) ) بِعَصِيرِ
الْعِنَبِ وَلَا بِرُبِّ الْعِنَبِ وَلَا بَأْسَ بِعَصِيرِ الْعِنَبِ بِعَصِيرِ
قَصَبِ السُّكَّرِ لِأَنَّهُمَا مُحْدَثَانِ وَمِنْ شَجَرَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ
وَكَذَلِكَ رُبِّ التَّمْرِ بِرُبِّ الْعِنَبِ مُتَفَاضِلًا وَهَكَذَا كُلُّ ما
اُسْتُخْرِجَ من شَيْءٍ فَكَانَ حُلْوًا فَأَصْلُهُ على ما وَصَفْت عليه أُصُولَ
الْأَدْهَانِ مِثْلُ عَصِيرِ الرُّمَّانِ بِعَصِيرِ السَّفَرْجَلِ وَعَصِيرِ
التُّفَّاحِ بِعَصِيرِ اللَّوْزِ وما أَشْبَهَ هذا فَعَلَى هذا الْبَابِ كُلِّهِ
وَقِيَاسِهِ وَلَا يَجُوزُ منه صِنْفٌ بمثله إلَّا يَدًا بِيَدٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ
إنْ كان يُوزَنُ وَكِيلًا إنْ كان أَصْلُهُ الْكَيْلَ بِكَيْلٍ وَلَا يَجُوزُ منه
مَطْبُوخٌ بِنَيْءٍ بِحَالٍ لِأَنَّهُ إذَا كان إنَّمَا يُدَّخَرُ مَطْبُوخًا
فَأَعْطَيْت منه نَيْئًا بِمَطْبُوخٍ فَالنَّيْءُ إذَا طُبِخَ يَنْقُصُ فَيَدْخُلُ
فيه النُّقْصَانُ في النَّيْءِ فَلَا يَحِلُّ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا
يُبَاعُ منه وَاحِدٌ بِآخَرَ مَطْبُوخَيْنِ مَعًا لِأَنَّ النَّارَ تَبْلُغُ من
بَعْضِهِ أَكْثَرَ مِمَّا تَبْلُغُ من بَعْضٍ وَلَيْسَ لِلْمَطْبُوخِ غَايَةٌ
يَنْتَهِي إلَيْهَا كما يَكُونُ لِلتَّمْرِ في الْيُبْسِ غَايَةٌ يَنْتَهِي
إلَيْهَا وقد يُطْبَخُ فَيَذْهَبُ منه جُزْءٌ من مِائَةِ جُزْءٍ وَيُطْبَخُ
فَيَذْهَبُ منه عَشْرَةُ أَجْزَاءٍ من أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا فَلَا يَجُوزُ أَنْ
يُبَاعَ منه مَطْبُوخٌ بِمَطْبُوخٍ لِمَا وَصَفْت وَلَا مَطْبُوخٌ بِنَيْءٍ وَلَا
يَجُوزُ إلَّا نَيْءٌ بِنَيْءٍ فَإِنْ كان منه شَيْءٌ لَا يُعْصَرُ إلَّا مَشُوبًا
بِغَيْرِهِ لم يَجُزْ أَنْ يُبَاعَ بِصِنْفِهِ مِثْلًا بِمِثْلٍ لِأَنَّهُ لَا
يدري ما حِصَّةُ الْمَشُوبِ من حِصَّةِ الشَّيْءِ الْمَبِيعِ بِعَيْنِهِ الذي لَا
يَحِلُّ الْفَضْلُ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ - * بَابُ الْمَأْكُولِ من صِنْفَيْنِ
شِيبَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال قال الشَّافِعِيُّ
وفي السُّنَّةِ خَبَرٌ نَصًّا وَدَلَالَةً بِالْقِيَاسِ عليها أَنَّهُ إذَا
اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ فَلَا بَأْسَ بِالْفَضْلِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا
بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فيه نَسِيئَةً وَذَلِكَ في حديث عُبَادَةَ بن الصَّامِتِ
بَيِّنٌ وما سِوَاهُ قِيَاسٌ عليه
____________________
(3/23)
في مِثْلِ مَعْنَاهُ وَلَا
بَأْسَ بِمُدِّ حِنْطَةٍ بمدى شَعِيرٍ وَمُدِّ حِنْطَةٍ بمدى أُرْزٍ وَمُدِّ
حِنْطَةٍ بمدى ذُرَةٍ وَمُدِّ حِنْطَةٍ بمدى تَمْرٍ وَمُدِّ تَمْرٍ بمدى زَبِيبٍ
وَمُدِّ زَبِيبٍ بمدى مِلْحٍ وَمُدِّ مِلْحٍ بمدى حِنْطَةٍ وَالْمِلْحُ كُلُّهُ
صِنْفُ مِلْحُ جَبَلٍ وَبَحْرٍ وما وَقَعَ عليه اسْمُ مِلْحٍ وَهَكَذَا الْقَوْلُ
فِيمَا اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهُ فَلَا بَأْسَ بِالْفَضْلِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ
يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فيه نَسِيئَةً مِثْلُ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ سَوَاءً لَا
يَخْتَلِفَانِ فَعَلَى هذا هذا الْبَابُ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ وَكُلُّ ما سَكَتَ
عنه مِمَّا يُؤْكَلُ أو يُشْرَبُ بِحَالٍ أَبَدًا يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ
صِنْفٌ منه بِصِنْفٍ فَهُوَ كَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ أو صِنْفٌ بِصِنْفٍ
يُخَالِفُهُ فَهُوَ كَالذَّهَبِ بِالْوَرِقِ لَا يَخْتَلِفَانِ في حَرْفٍ وَلَا
يَكُونُ الرَّجُلُ لَازِمًا لِلْحَدِيثِ حتى يَقُولَ هذا لِأَنَّ مَخْرَجَ
الْكَلَامِ فِيمَا حَلَّ بَيْعُهُ وَحُرِّمَ من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه
وسلم وَاحِدٌ وإذا تَفَرَّقَ الْمُتَبَايِعَانِ الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ قبل أَنْ
يَتَقَابَضَا انْتَقَضَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا قال وَالْعَسَلُ كُلُّهُ صِنْفٌ
وَاحِدٌ فَلَا بَأْسَ بِوَاحِدٍ منه بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فيه
مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ وَلَا مُسْتَوِيًا وَلَا مُتَفَاضِلًا نَسِيئَةً وَلَا
يُبَاعُ عَسَلٌ بِعَسَلٍ إلَّا مُصَفَّيَيْنِ من الشَّمْعِ وَذَلِكَ أَنَّ
الشَّمْعَ غَيْرُ الْعَسَلِ فَلَوْ بِيعَا وَزْنًا وفي أَحَدِهِمَا الشَّمْعُ كان
الْعَسَلُ بِأَقَلَّ منه وَكَذَلِكَ لو بَاعَهُ وَزْنًا وفي كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا
شَمْعٌ لم يَخْرُجَا من أَنْ يَكُونَ ما فِيهِمَا من الْعَسَلِ من وَزْنِ
الشَّمْعِ مَجْهُولًا فَلَا يَجُوزُ مَجْهُولٌ بِمَجْهُولٍ وقد يَدْخُلُهُمَا
أَنَّهُمَا عَسَلٌ بِعَسَلٍ مُتَفَاضِلًا وَكَذَلِكَ لو بِيعَا كَيْلًا بِكَيْلٍ
وَلَا خَيْرَ في مُدِّ حِنْطَةٍ فيها قَصْلٌ أو فيها حِجَارَةٌ أو فيها زُوَانٌ
بِمُدِّ حِنْطَةٍ لَا شَيْءَ فيها من ذلك أو فيها تِبْنٌ لِأَنَّهَا الْحِنْطَةُ
بِالْحِنْطَةِ مُتَفَاضِلَةً وَمَجْهُولَةً كما وَصَفْتُ في الْعَسَلِ بِالْعَسَلِ
وَهَكَذَا كُلُّ صِنْفٍ من هذه خَلَطَهُ غَيْرُهُ مِمَّا يَقْدِرُ على تَمْيِيزِهِ
منه لم يَجُزْ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ إلَّا خَالِصًا مِمَّا يَخْلِطُهُ إلَّا أَنْ
يَكُونَ ما يُخْلَطُ الْمَكِيلُ لَا يَزِيدُ في كَيْلِهِ مِثْلُ قَلِيلِ
التُّرَابِ وما دُقَّ من تِبْنِهِ فَكَانَ مِثْلَ التُّرَابِ فَذَلِكَ لَا يَزِيدُ
في كَيْلِهِ فَأَمَّا الْوَزْنُ فَلَا خَيْرَ في شَيْءٍ من هذا فيه لِأَنَّ كُلَّ
هذا يَزِيدُ في الْوَزْنِ وَهَكَذَا كُلُّ ما شَابَهَ غَيْرُهُ فَبِيعَ وَاحِدٌ
منه بِوَاحِدٍ من جِنْسِهِ وَزْنًا بِوَزْنٍ فَلَا خَيْرَ فيه وَإِنْ بِيعَ
كَيْلًا بِكَيْلٍ فَكَانَ ما شَابَهَ يَنْقُصُ من كَيْلِ الْجِنْسِ فَلَا خَيْرَ
فيه مِثْلُ ما وَصَفْت من الْحِنْطَةِ مَعَهَا شَيْءٌ بِحِنْطَةٍ وَهِيَ مِثْلُ
لَبَنٍ خَلَطَهُ مَاءٌ بِلَبَنٍ خَلَطَهُ مَاءٌ أو لم يَخْلِطْهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ
لَا يُعْرَفُ قَدْرُ ما دَخَلَهُ أو دخلهما ( ( ( دخلها ) ) ) مَعًا من الْمَاءِ
فَيَكُونُ اللَّبَنُ بِاللَّبَنِ مُتَفَاضِلًا - * بَابُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ -
* ( قال الشَّافِعِيُّ ) الرُّطَبُ يَعُودُ تَمْرًا وَلَا أَصْلَ لِلتَّمْرِ إلَّا
الرُّطَبَ فلما نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ
وكان في الْخَبَرِ عنه أَنَّ نَهْيَهُ عنه أَنَّهُ نَظَرَ في الْمُعْتَقَبِ وكان
مَوْجُودًا في سُنَّتِهِ تَحْرِيمُ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَغَيْرِهِ من
الْمَأْكُولِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ قُلْنَا بِهِ على ما قَالَهُ وَفَسَّرَ لنا
مَعْنَاهُ فَقُلْنَا لَا يَجُوزُ رُطَبٌ بِرُطَبٍ لِأَنَّهُ إذَا نَظَرَ فيه في
الْمُعْتَقَبِ فَلَا يَخْرُجُ من الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ أَبَدًا من أَنْ يُبَاعَ
مَجْهُولَ الْكَيْلِ إذَا عَادَ تَمْرًا وَلَا خَيْرَ في تَمْرٍ بِتَمْرٍ
مَجْهُولِي الْكَيْلِ مَعًا وَلَا أَحَدَهُمَا مَجْهُولٌ لِأَنَّ نُقْصَانَهُمَا
أَبَدًا يَخْتَلِفُ فَيَكُونُ أَحَدُ التَّمْرِينِ بِالْآخَرِ وَأَحَدُهُمَا
أَكْثَرُ كَيْلًا من الاخر وقد نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن هذا (
قال ) فإذا كان هذا هَكَذَا لم يَجُزْ أَنْ يُبَاعَ رُطَبٌ منه كَيْلًا بِرُطَبٍ
لِمَا وَصَفْت قِيَاسًا على الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ
وَاللَّحْمُ كُلُّهُ صِنْفٌ وَاحِدٌ وَحْشِيُّهُ وَطَائِرُهُ وأنسيه لَا يَحِلُّ
الْفَضْلُ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ وَلَا يَحِلُّ حتى يَكُونَ مِثْلًا بِمِثْلٍ
وَزْنًا بِوَزْنٍ وَيَكُونَ يَابِسًا وَيَخْتَلِفُ فَيَكُونُ لَحْمُ الْوَحْشِ
بِلَحْمِ الطَّيْرِ وَاحِدٌ بِاثْنَيْنِ وَأَكْثَرَ وَلَا خَيْرَ في تَمْرِ
نَخْلَةٍ بِرُطَبِ نَخْلَةٍ بِخَرْصٍ وَلَا بتحر ( ( ( بتجر ) ) ) وَلَا غَيْرِهِ
فَالْقَسْمُ وَالْمُبَادَلَةُ وَكُلُّ ما أُخِذَ له عِوَضٌ مِثْلُ
____________________
(3/24)
الْبَيْعِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ
يُقَاسِمَ رَجُلٌ رَجُلًا رُطَبًا في نَخْلِهِ وَلَا في الْأَرْضِ وَلَا
يُبَادِلُهُ بِهِ لِأَنَّ كلاهما ( ( ( كلهما ) ) ) في مَعْنَى الْبَيْعِ ها هنا
إلَّا الْعَرَايَا الْمَخْصُوصَةَ وَهَكَذَا كُلُّ صِنْفٍ من الطَّعَامِ الذي يَكُونُ
رَطْبًا ثُمَّ يَيْبَسُ فَلَا يَجُوزُ فيه إلَّا ما جَازَ في الرُّطَبِ
بِالتَّمْرِ وَالرُّطَبِ نَفْسِهِ بِبَعْضٍ لَا يَخْتَلِفُ ذلك وَهَكَذَا ما كان
رَطْبًا فِرْسِكٍ وَتُفَّاحٌ وَتِينٌ وَعِنَبٌ وَإِجَّاصٌ وَكُمَّثْرَى
وَفَاكِهَةٌ لَا يُبَاعُ شَيْءٌ منها بِشَيْءٍ رَطْبًا وَلَا رَطْبٌ منها
بِيَابِسٍ وَلَا جُزَافٌ منها بِمَكِيلٍ وَلَا يُقَسَّمُ رَطْبٌ منها على
الْأَرْضِ بِكَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ وَلَا في شَجَرِهَا لِأَنَّ حُكْمَهَا كما
وَصَفْت في الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَالرُّطَبِ بِالرُّطَبِ وَهَكَذَا كُلُّ مَأْكُولٍ
لو تُرِكَ رَطْبًا يَيْبَسُ فَيَنْقُصُ وَهَكَذَا كُلُّ رُطَبٍ لَا يَعُودُ
تَمْرًا بِحَالٍ وَكُلُّ رَطْبٍ من الْمَأْكُولِ لَا يَنْفَعُ يَابِسًا بِحَالٍ
مِثْلُ الْخِرْبِزِ وَالْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ وَالْفَقُّوسِ وَالْجَزَرِ
وَالْأُتْرُجِّ لَا يُبَاعُ منه شَيْءٌ بِشَيْءٍ من صِنْفِهِ وَزْنًا بِوَزْنٍ
وَلَا كَيْلًا بِكَيْلٍ لِمَعْنًى ما في الرُّطُوبَةِ من تَغَيُّرِهِ عند اليبس
وكثره ما يحمل بعضها من الماء فيثقل به ويعظم وقلة ما يحمل غيرها فيضمر به ويجف
وإذا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ منه فَلَا بَأْسَ بِبِطِّيخٍ بِقِثَّاءَ مُتَفَاضِلًا
جُزَافًا وَوَزْنًا وَكَيْفَمَا شَاءَ إذَا أَجَزْت التَّفَاضُلَ في الْوَزْنِ
أَجَزْت أَنْ يُبَاعَ جُزَافًا لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى في الْجُزَافِ يُحَرِّمُهُ
إلَّا التَّفَاضُلُ وَالتَّفَاضُلُ فِيهِمَا مُبَاحٌ وَهَكَذَا جَزَرٌ بِأُتْرُجٍّ
وَرُطَبٌ بِعِنَبٍ في شَجَرِهِ وَمَوْضُوعًا جُزَافًا وَمَكِيلًا كما قُلْنَا
فِيمَا اخْتَلَفَ أَصْنَافُهُ من الْحِنْطَةِ وَالذُّرَةِ وَالزَّبِيبِ
وَالتَّمْرِ سَوَاءٌ في ذلك الْمَعْنَى لَا يُخَالِفُهُ وفي كل ما خَرَجَ من
الْأَرْضِ من مَأْكُولٍ وَمِنْ مَشْرُوبٍ وَالرَّطْبُ من الْمَأْكُولِ
وَالْمَشْرُوبِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَكُونُ رَطْبًا ثُمَّ يُتْرَكُ بِلَا
عَمَلٍ من عَمَلِ الْآدَمِيِّينَ يُغَيِّرُهُ عن بِنْيَةِ خِلْقَتِهِ مِثْلُ ما
يُطْبَخُ فَتَنْقُصُهُ النَّارُ وَيُحْمَلُ عليه غَيْرُهُ فَيَذْهَبُ رُطُوبَتُهُ
وَيُغَيِّرُهُ مِثْلُ الرُّطَبِ يَعُود تَمْرًا وَاللَّحْمِ يُقَدَّدُ بِلَا
طَبْخٍ يُغَيِّرُهُ وَلَا عَمَلِ شَيْءٍ حُمِلَ عليه غَيْرُهُ فَكُلُّ ما كان من
الرَّطْبِ في هذا الْمَعْنَى لم يَجُزْ أَنْ يُبَاعَ منه رَطْبٌ بِيَابِسٍ من
صِنْفِهِ وَزْنًا بِوَزْنٍ وَلَا كَيْلًا بِكَيْلٍ وَلَا رَطْبٌ بِرَطْبٍ وَزْنًا
بِوَزْنٍ وَلَا كَيْلًا بِكَيْلٍ كما وَصَفْت في الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَمِثْلُهُ
كُلُّ فَاكِهَةٍ يَأْكُلُهَا الْآدَمِيُّونَ فَلَا يَجُوزُ رَطْبٌ بِيَابِسٍ من
صِنْفِهَا وَلَا رَطْبٌ بِرَطْبٍ من صِنْفِهَا لِمَا وَصَفْته من الِاسْتِدْلَالِ
بِالسُّنَّةِ - * بَابُ ما جاء في بَيْعِ اللَّحْمِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ )
رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَكَذَا اللَّحْمُ لَا يَجُوزُ منه بَيْعُ لَحْمٍ ضَائِنٍ
بِلَحْمٍ ضَائِنٍ رَطْلًا بِرَطْلٍ أَحَدُهُمَا يَابِسٌ وَالْآخَرُ رَطْبٌ وَلَا
كِلَاهُمَا رَطْبٌ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ اللَّحْمُ يَنْقُصُ نُقْصَانًا وَاحِدًا
لِاخْتِلَافِ خِلْقَتِهِ وَمَرَاعِيهِ التي يَغْتَذِي منها لحمة فَيَكُونُ منها
الرَّخْصُ الذي يَنْقُصُ إذَا يَبِسَ نُقْصَانًا كَثِيرًا وَالْغَلِيظُ الذي
يَقِلُّ نَقْصُهُ ثُمَّ يَخْتَلِفُ غِلَظُهُمَا بِاخْتِلَافِ خِلْقَتِهِ
وَرُخْصُهُمَا بِاخْتِلَافِ خِلْقَتِهِ فَلَا يَجُوزُ لَحْمٌ أَبَدًا إلَّا
يَابِسًا قد بَلَغَ إنَاهُ بِيُبْسِهِ وَزْنًا بِوَزْنٍ من صِنْفٍ وَاحِدٍ
كَالتَّمْرِ كَيْلًا بِكَيْلٍ من صِنْفٍ وَاحِدٍ وَيَدًا بِيَدٍ وَلَا
يَفْتَرِقَانِ حتى يَتَقَابَضَا فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ يَخْتَلِفُ الْوَزْنُ
وَالْكَيْلُ فِيمَا بِيعَ يَابِسًا قِيلَ يَجْتَمِعَانِ وَيَخْتَلِفَانِ فَإِنْ
قِيلَ قد عَرَفْنَا حَيْثُ يَجْتَمِعَانِ فَأَيْنَ يَخْتَلِفَانِ قِيلَ التَّمْرُ
إذَا وَقَعَ عليه اسْمُ الْيُبْسِ ولم يَبْلُغْ إنَاهُ بِيُبْسِهِ فَبِيعَ كَيْلًا
بِكَيْلٍ لم يَنْقُصْ في الْكَيْلِ شيئا وإذا تُرِكَ زَمَانًا نَقَصَ في الْوَزْنِ
لِأَنَّ الْجُفُوفَ كُلَّمَا زَادَ فيه كان أَنْقَصَ لِوَزْنِهِ حتى يَتَنَاهَى
قال وما بِيعَ وَزْنًا فَإِنَّمَا قُلْت في اللَّحْمِ لَا يُبَاعُ حتى يَتَنَاهَى
جُفُوفُهُ لِأَنَّهُ قد يَدْخُلُهُ اللَّحْمُ بِاللَّحْمِ مُتَفَاضِلَ الْوَزْنِ
أو مَجْهُولًا وَإِنْ كان بِبِلَادٍ
____________________
(3/25)
نَدِيَّةٍ فَكَانَ إذَا يَبِسَ
ثُمَّ أَصَابَهُ النَّدَى رَطِبَ حتى يَثْقُلَ لم يُبَعْ وَزْنًا بِوَزْنٍ رَطْبًا
من نَدًى حتى يَعُودَ إلَى الْجُفُوفِ وَحَالُهُ إذَا حَدَثَ النَّدَى فَزَادَ في
وَزْنِهِ كَحَالِهِ الْأُولَى وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ حتى يَتَنَاهَى
جُفُوفُهُ كما لم يَجُزْ في الِابْتِدَاءِ وَالْقَوْلُ في اللَّحْمَانِ
الْمُخْتَلِفَةِ وَاحِدٌ من قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ لَحْمَ الْغَنَمِ صِنْفٌ
وَلَحْمَ الابل صِنْفٌ وَلَحْمَ الْبَقَرِ صِنْفٌ وَلَحْمَ الظِّبَاءِ صِنْفٌ
وَلَحْمَ كل ما تَفَرَّقَتْ بِهِ أَسْمَاءُ دُونَ الْأَسْمَاءِ الْجَامِعَةِ
صِنْفٌ فَيُقَالُ كُلُّهُ حَيَوَانٌ وَكُلُّهُ دَوَابُّ وَكُلُّهُ من بَهِيمَةِ
الْأَنْعَامِ فَهَذَا جِمَاعُ أَسْمَائِهِ كُلِّهِ ثُمَّ تَفَرَّقَ اسماؤه
فَيُقَالُ لَحْمُ غَنَمٍ وَلَحْمُ إبِلٍ وَلَحْمُ بَقَرٍ وَيُقَالُ لَحْمُ ظِبَاءَ
وَلَحْمُ أَرَانِبَ وَلَحْمُ يَرَابِيعَ وَلَحْمُ ضِبَاعٍ وَلَحْمُ ثَعَالِبَ
ثُمَّ يُقَالُ في الطَّيْرِ هَكَذَا لَحْمُ كَرَاكِي وَلَحْمُ حُبَارَيَاتٍ
وَلَحْمُ حَجْلٍ وَلَحْمُ يعاقيب وَكَمَا يُقَالُ طَعَامٌ ثُمَّ يُقَالُ حِنْطَةٌ
وَذُرَةٌ وَشَعِيرٌ وَأُرْزٌ وَهَذَا قَوْلٌ يَصِحُّ وَيَنْقَاسُ فَمَنْ قال هذا
قال الْغَنَمُ صِنْفٌ ضانها وَمَعْزَاهَا وَصِغَارُ ذلك وَكِبَارُهُ وَإِنَاثُهُ
وَفُحُولُهُ وَحُكْمُهَا أنها تَكُونُ مِثْلَ الْبُرِّ الْمُتَفَاضِلِ صِنْفًا
وَالتَّمْرِ الْمُتَبَايِنِ الْمُتَفَاضِلِ صِنْفًا فَلَا يُبَاعُ منه يَابِسٌ
مُنْتَهَى الْيُبْسِ بِيَابِسٍ مِثْلِهِ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ يَدًا بِيَدٍ وإذا
اختلف بيع لحم الغنم بلحم البقر يابس برطب ورطب برطب وزنا بوزن ووزنا منه بثلاثة
أمثاله يدا بيد ولا خير فيه نسيئة وذلك أنه لا ربا في الفضل في بعضه على بعض يدا
بيد وإنما الربا فيه بنسيئة وإذا جَازَ الْفَضْلُ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا
بِيَدٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ لم يَكُنْ لِلْوَزْنِ مَعْنًى إلَّا أَنْ يَعْرِفَ
الْمُتَبَايِعَانِ ما اشْتَرَيَا وَبَاعَا وَلَا بَأْسَ بِهِ جُزَافًا وَكَيْفَ
شَاءَ ما لم يَدْخُلْهُ نَسِيئَةٌ كما قُلْنَا في التَّمْرِ بِالزَّبِيبِ
وَالْحِنْطَةِ بِالذُّرَةِ وَلَا يَخْتَلِفُ ذلك ثُمَّ هَكَذَا الْقَوْلُ في
لَحْمِ الْأَنِيسِ وَالْوَحْشِ كُلِّهِ فَلَا خَيْرَ في لَحْمِ طَيْرٍ بِلَحْمِ
طَيْرٍ إلَّا أَنْ يَيْبَسَ مُنْتَهَى الْيُبْسِ وَزْنًا بِوَزْنٍ يَدًا بِيَدٍ
كما قُلْنَا في لَحْمِ الْغَنَمِ وَلَا باس بِلَحْمِ ظَبْيٍ بِلَحْمِ أَرْنَبٍ
رَطْبًا بِرَطْبٍ وَيَابِسًا بِيَابِسٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَبِأَكْثَرَ وَزْنًا
بِجُزَافٍ وَجُزَافًا بِجُزَافٍ لِاخْتِلَافِ الصِّنْفَيْنِ وَهَكَذَا الْحِيتَانِ
كُلُّهُ لَا يَجُوزُ فيه أَنْ أَقُولَ هو صِنْفٌ لِأَنَّهُ سَاكِنُ الْمَاءِ
وَلَوْ زَعَمْته زَعَمْت أَنَّ سَاكِنَ الْأَرْضِ كُلَّهُ صِنْفٌ وَحْشِيُّهُ
وأنسيه أو كان أَقَلَّ ما يَلْزَمُنِي أَنْ أَقُولَ ذلك في وَحْشِيِّهِ لِأَنَّهُ
يَلْزَمُهُ اسْمُ الصَّيْدِ فإذا اخْتَلَفَ الْحَيَوَانُ فَكُلُّ ما تَمْلِكُهُ وَيَصِيرُ
لَك فَلَا بَأْسَ بِرَطْلٍ من أَحَدِهِمَا بِأَرْطَالٍ من الْآخَرِ يَدًا بِيَدٍ
وَلَا خَيْرَ فيه نَسِيئَةً وَلَا بَأْسَ فيه يَدًا بِيَدٍ وَجُزَافًا بِجُزَافٍ
وَجُزَافًا بِوَزْنٍ وَلَا خَيْرَ في رَطْلِ لَحْمِ حُوتٍ تَمْلِكُهُ رطب ( ( (
رطبا ) ) ) بِرَطْلِ لَحْمٍ تَمْلِكُهُ رطب ( ( ( رطبا ) ) ) وَلَا أَحَدُهُمَا
رَطْبٌ وَالْآخَرُ يَابِسٌ وَلَا خَيْرَ فيه حتى يُمَلَّحَ وَيُجَفَّفَ
وَيَنْتَهِي نُقْصَانُهُ وَجُفُوفُ ما كَثُرَ لَحْمُهُ منه أَنْ يُمَلَّحَ
وَيَسِيلَ مَاؤُهُ فَذَلِكَ انْتِهَاءُ جُفُوفِهِ فإذا انْتَهَى بِيعَ رَطْلًا
بِرَطْلٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ يَدًا بِيَدٍ من صِنْفٍ فإذا اخْتَلَفَ فَلَا بَأْسَ
بِالْفَضْلِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فيه نَسِيئَةً وما
رَقَّ لَحْمُهُ من الْحِيتَانِ إذَا وُضِعَ جَفَّ جُفُوفًا شَدِيدًا فَلَا خَيْرَ
في ذلك حتى يَبْلُغَ إبَّانَهُ من الْجُفُوفِ وَيُبَاعُ الصِّنْفُ منه بمثله
وَزْنًا بِوَزْنٍ يَدًا بِيَدٍ وإذا اخْتَلَفَ فَالْقَوْلُ فيه كما وَصَفْت
قَبْلَهُ يُبَاعُ رَطْبًا جُزَافًا بِرَطْبٍ جُزَافٍ وَيَابِسٍ جُزَافٍ
وَمُتَفَاضِلٍ في الْوَزْنِ فَعَلَى هذا هذا الْبَابُ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ لَا
يَخْتَلِفُ وَالْقَوْلُ الثَّانِي في هذا الْوَجْهِ أَنْ يُقَالَ اللَّحْمُ
كُلُّهُ صِنْفٌ كما أَنَّ التَّمْرَ كُلَّهُ صِنْفٌ وَمَنْ قال هذا لَزِمَهُ
عِنْدِي أَنْ يَقُولَ في الْحِيتَانِ لِأَنَّ اسْمَ اللَّحْمِ جَامِعٌ لِهَذَا
الْقَوْلِ وَمَنْ ذَهَبَ هذا الْمَذْهَبَ لَزِمَهُ إذَا أَخَذَهُ بِجِمَاعِ
اللَّحْمِ أَنْ يَقُولَ هذا كَجِمَاعِ الثَّمَرِ يَجْعَلُ الزَّبِيبَ وَالتَّمْرَ
وَغَيْرَهُ من الثِّمَارِ صِنْفًا وَهَذَا مِمَّا لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ
يَقُولَهُ عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فَإِنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ
حَالِفًا لو حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ لَحْمًا حَنِثَ بِلَحْمِ الْإِبِلِ حِنْثَهُ
بِلَحْمِ الْغَنَمِ فَكَذَلِكَ لو حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ ثَمَرًا حَنِثَ
بِالزَّبِيبِ حِنْثَهُ بِالتَّمْرِ وَحِنْثَهُ بِالْفِرْسِكِ وَلَيْسَ
الْأَيْمَانُ من هذا بِسَبِيلِ الْأَيْمَانِ على الْأَسْمَاءِ وَالْبُيُوعِ على
الْأَصْنَافِ وَالْأَسْمَاءُ الْخَاصَّةُ دُونَ الْأَسْمَاءِ الْجَامِعَةِ
وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
____________________
(3/26)
- * بَابُ ما يَكُونُ رَطْبًا
أَبَدًا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ الصِّنْفُ من الْمَأْكُولِ
وَالْمَشْرُوبِ الذي يَكُونُ رَطْبًا أَبَدًا إذَا تُرِكَ لم يَيْبَسْ مِثْلُ
الزَّيْتِ وَالسَّمْنِ وَالشَّيْرَجِ وَالْأَدْهَانِ وَاللَّبَنِ وَالْخَلِّ
وَغَيْرِهِ مِمَّا لَا يَنْتَهِي بِيُبْسٍ في مُدَّةٍ جَاءَتْ عليه أَبَدًا إلَّا
أَنْ يَبْرُدَ فَيَجْمُدَ بَعْضُهُ ثُمَّ يَعُودُ ذَائِبًا كما كان أو بِأَنْ
يَنْقَلِبَ بِأَنْ يُعْقَدَ على نَارٍ أو يُحْمَلَ عليه يَابِسٌ فَيَصِيرُ هذا
يَابِسًا بِغَيْرِهِ وَعَقْدِ نَارٍ فَهَذَا الصِّنْفُ خَارِجٌ من مَعْنَى ما
يَكُونُ رَطْبًا بِمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ رُطُوبَةَ ما يَبِسَ من
التَّمْرِ رُطُوبَةٌ في شَيْءٍ خُلِقَ مُسْتَجْسَدًا إنَّمَا هو رُطُوبَةٌ
طَرَاءَةً كَطَرَاءَةِ اغْتِذَائِهِ في شَجَرِهِ وَأَرْضِهِ فإذا زَايَلَ مَوْضِعَ
الِاغْتِذَاءِ من مَنْبَتِهِ عَادَ إلَى الْيُبْسِ وما وَصَفْت رُطُوبَةً
مُخْرَجَةً من إنَاثِ الْحَيَوَانِ أو ثَمَرِ شَجَرٍ أو زَرْعٍ قد زَايَلَ
الشَّجَرَ وَالزَّرْعَ الذي هو لَا يَنْقُصُ بِمُزَايَلَةِ الْأَصْلِ الذي هو فيه
نَفْسُهُ وَلَا يَجِفُّ بِهِ بَلْ يَكُونُ ما هو فيه رَطْبًا من طِبَاعِ
رُطُوبَتِهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَعُودُ يَابِسًا كما يَعُودُ غَيْرُهُ إذَا
تُرِكَ مُدَّةً إلَّا بِمَا وَصَفْت من أَنْ يُصْرَفَ بِإِدْخَالِ غَيْرِهِ عليه
بِخَلْطِهِ وَإِدْخَالِ عَقْدِ النَّارِ على ما يُعْقَدُ منه فلما خَالَفَهُ
بِأَنْ لم تَكُنْ فيه الرُّطُوبَةُ التي رُطُوبَتُهُ تُفْضِي إلَى جُفُوفِهِ إذَا
تُرِكَ بِلَا عَمَلِ الْآدَمِيِّينَ لم يَجُزْ أَنْ نَقِيسَهُ عليه وَجَعَلْنَا
حُكْمَ رُطُوبَتِهِ حُكْمَ جُفُوفِهِ لِأَنَّا كَذَلِكَ نَجِدُهُ في كل
أَحْوَالِهِ لَا مُنْتَقِلًا إلَّا بِنَقْلِ غَيْرِهِ فَقُلْنَا لَا بَأْسَ
بِلَبَنٍ حَلِيبٍ بِلَبَنٍ حَامِضٍ وَكَيْفَمَا كان بِلَبَنٍ كَيْفَمَا كان
حَلِيبًا أو رَائِبًا أو حَامِضًا وَلَا حَامِضَ بِحَلِيبٍ وَلَا حَلِيبَ
بِرَائِبٍ ما لم يَخْلِطْهُ مَاءٌ فإذا خَلَطَهُ مَاءٌ فَلَا خَيْرَ فيه إذَا خَلَطَ
الْمَاءُ أَحَدَ اللَّبَنَيْنِ أو كلاهما ( ( ( كليهما ) ) ) لِأَنَّ الْمَاءَ
غِشٌّ لَا يَتَمَيَّزُ فَلَوْ أَجَزْنَاهُ أَجَزْنَا الْغَرَرَ وَلَوْ تَرَاضَيَا
بِهِ لم يَجُزْ من قِبَلِ أَنَّهُ مَاءٌ وَلَبَنٌ مُخْتَلَطَانِ لَا تُعْرَفُ
حِصَّةُ الْمَاءِ من اللَّبَنِ فَنَكُونُ أَجَزْنَا اللَّبَنَ بِاللَّبَنِ
مَجْهُولًا أو مُتَفَاضِلًا أو جَامِعًا لَهُمَا وما كان يَحْرُمُ الْفَضْلُ في
بَعْضِهِ على بَعْضٍ لم يَجُزْ أَنْ يُبْتَاعَ إلَّا مَعْلُومًا كُلَّهُ كَيْلًا
بِكَيْلٍ أو وَزْنًا بِوَزْنٍ فَجِمَاعُ عِلْمِ بَيْعِ اللَّبَنِ بِاللَّبَنِ
أَنَّهُ يَجُوزُ كَيْفَمَا كان اللَّبَنُ بِاللَّبَنِ لم يَخْلِطْ وَاحِدًا
مِنْهُمَا مَاءٌ وَيُرَدَّانِ خَلَطَهُمَا مَاءٌ أو وَاحِدًا مِنْهُمَا وَلَا
يَجُوزُ إذَا كان اللَّبَنُ صِنْفًا وَاحِدًا إلَّا يَدًا بِيَدٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ
كَيْلًا بِكَيْلٍ وَالصِّنْفُ الْوَاحِدُ لَبَنُ الْغَنَمِ ما عزه وَضَائِنُهُ
وَالصِّنْفُ الذي يُخَالِفُهُ الْبَقَرُ دِرْبَانِيُّهُ وعربية وَجَوَامِيسُهُ
وَالصِّنْفُ الْوَاحِدُ الذي يُخَالِفُهُمَا مَعًا لَبَنُ الْإِبِلِ أَوَارِكُهَا
وَغَوَادِيهَا وَمُهْرِيُّهَا وَبُخْتُهَا وَعِرَابُهَا وَأَرَاهُ وَاَللَّهُ
تَعَالَى أَعْلَمُ جَائِزٌ أَنْ يُبَاعَ لَبَنُ الْغَنَمِ بِلَبَنِ الْبَقَرِ
وَلَبَنُ الْبَقَرِ بِلَبَنِ الْإِبِلِ لِأَنَّهَا مُخْتَلِفَةٌ مُتَفَاضِلًا
وَمُسْتَوِيًا وَجُزَافًا وَكَيْفَ ما شَاءَ الْمُتَبَايِعَانِ يَدًا بِيَدٍ لَا
خَيْرَ في وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ نَسِيئَةً وَلَا خَيْرَ في لَبَنٍ
مَغْلِيٍّ بِلَبَنٍ على وَجْهِهِ لِأَنَّ الْإِغْلَاءَ يَنْقُصُ اللَّبَنَ وَلَا
خَيْرَ في لَبَنِ غَنَمٍ بِأَقِطِ غَنَمٍ من قِبَلِ أَنَّ الْأَقِطَ لَبَنٌ
مَعْقُودٌ فإذا بِعْت اللَّبَنَ بِالْأَقِطِ أَجَزْت اللَّبَنَ بِاللَّبَنِ
مَجْهُولًا وَمُتَفَاضِلًا أو جَمَعْتهمَا مَعًا فإذا اخْتَلَفَ اللَّبَنُ
وَالْأَقِطُ فَلَا بَأْسَ بِلَبَنِ إبِلٍ بِأَقِطِ غَنَمٍ وَلَبَنِ بَقَرٍ
بِأَقِطِ غَنَمٍ لِمَا وَصَفْت من اخْتِلَافِ اللَّبَنَيْنِ يَدًا بِيَدٍ وَلَا
خَيْرَ فيه نَسِيئَةً قال وَلَا أُحِبُّ أَنْ يَشْتَرِيَ زُبْدًا من غَنَمٍ
بِلَبْنِ غَنَمٍ لِأَنَّ الزُّبْدَ شَيْءٌ من اللَّبَنِ وَهُمَا مَأْكُولَانِ في
حالهما ( ( ( حالها ) ) ) التي يَتَبَايَعَانِ فيها وَلَا خَيْرَ في سَمْنِ غَنَمٍ
بِزُبْدِ غَنَمٍ بِحَالٍ لِأَنَّ السَّمْنَ من الزُّبْدِ بِيعَ مُتَفَاضِلًا أو
مَجْهُولًا وَهُمَا مَكِيلَانِ أو مَوْزُونَانِ في الْحَالِ التي يَتَبَايَعَانِ
وَمِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ وإذا اخْتَلَفَ الزُّبْدُ وَالسَّمْنُ فَكَانَ زُبْدُ
غَنَمٍ بِزُبْدِ بَقَرٍ أو سَمْنُ غَنَمٍ بِزُبْدِ بَقَرٍ فَلَا باس
لِاخْتِلَافِهِمَا بِأَنْ يُبَاعَا كَيْفَ شَاءَ الْمُتَبَايِعَانِ إذَا
تَقَابَضَا قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا قال وَلَا بَأْسَ بِلَبَنٍ بِشَاةٍ يَدًا بِيَدٍ
وَنَسِيئَةً إذَا كان أَحَدُهُمَا نَقْدًا وَالدَّيْنُ مِنْهُمَا مَوْصُوفًا قال
وَإِنْ كانت الشَّاةُ لَبُونًا وكان اللَّبَنُ لَبَنَ غَنَمٍ وفي الشَّاةِ حين
تَبَايَعَا لَبَنٌ ظَاهِرٌ يَقْدِرُ على حَلْبِهِ في سَاعَتِهِ
____________________
(3/27)
تِلْكَ فَلَا خَيْرَ في
الشِّرَاءِ من قِبَلِ أَنَّ في الشَّاةِ لَبَنًا لَا أَدْرِي كَمْ حِصَّتُهُ من
اللَّبَنِ الذي اشْتَرَيْت بِهِ نَقْدًا وَإِنْ كان اللَّبَنُ نَسِيئَةً فَهُوَ
أَفْسَدُ لِلْبَيْعِ فَإِنْ قال قَائِلٌ وَكَيْفَ جَعَلْتَ لِلَّبَنِ وهو مَغِيبٌ
حِصَّةً من الثَّمَنِ قِيلَ فإن رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم جَعَلَ لِلَّبَنِ
الْمُصَرَّاةِ حِصَّةً من الثَّمَنِ وَإِنَّمَا اللَّبَنُ في الضُّرُوعِ
كَاللَّوْزِ وَالْجَوْزِ الرَّائِعِ في قِشْرِهِ فَيَسْتَخْرِجُهُ صَاحِبُهُ إذَا
شَاءَ وَلَيْسَ كَمَوْلُودٍ لَا يَقْدِرُ آدَمِيٌّ على إخْرَاجِهِ وَلَا ثَمَرَةٍ
لَا يَقْدِرُ آدَمِيٌّ على إخْرَاجِهَا فَإِنْ قال قَائِلٌ كَيْفَ أَجَزْت لَبَنَ
الشَّاةِ بِالشَّاةِ وقد يَكُونُ منها اللَّبَنُ قال فَيُقَالُ إنَّ الشَّاةَ
نَفْسَهَا لَا رِبَا فيها لِأَنَّهَا من الْحَيَوَانِ وَلَيْسَ بِمَأْكُولٍ في
حَالِهِ التي يُبَاعُ فيها إنَّمَا تُؤْكَلُ بَعْدَ الذَّبْحِ وَالسَّلْخِ
وَالطَّبْخِ وَالتَّجْفِيفِ فَلَا تُنْسَبُ الْغَنَمُ إلَى أَنْ تَكُونَ
مَأْكُولَةً إنَّمَا تُنْسَبُ إلَى أنها حَيَوَانٌ قال وَالْآدَامُ كُلُّهَا
سَوَاءٌ السَّمْنُ وَاللَّبَنُ وَالشَّيْرَجُ وَالزَّيْتُ وَغَيْرُهُ لَا يَحِلُّ
الْفَضْلُ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ إذَا كان من صِنْفٍ وَاحِدٍ
فَزَيْتُ الزَّيْتُونِ صِنْفٌ وَزَيْتُ الْفُجْلِ صِنْفٌ غَيْرُهُ وَدُهْنُ كل
شَجَرَةٍ تُؤْكَلُ أو تُشْرَبُ بَعْدَ الذي وَصَفْت وَاحِدٌ لَا يَحِلُّ في شَيْءٍ
منه الْفَضْلُ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وإذا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ
منه حَلَّ الْفَضْلُ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ ولم يَجُزْ نَسِيئَةً
وَلَا بَأْسَ بِدُهْنِ الْحَبِّ الْأَخْضَرِ بِدُهْنِ الشَّيْرَجِ مُتَفَاضِلًا
يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فيه نَسِيئَةً قال وَالْأَدْهَانُ التي تُشْرَبُ
لِلدَّوَاءِ عِنْدِي في هذه الصِّفَةِ دُهْنُ الْخِرْوَعِ وَدُهْنُ اللَّوْزِ
الْمُرِّ وَغَيْرِهِ من الْأَدْهَانِ وما كان من الْأَدْهَانِ لَا يُؤْكَلُ وَلَا
يُشْرَبُ بِحَالٍ فَهُوَ خَارِجٌ من حَدِّ الرِّبَا وهو في مَعْنَى غَيْرِ
الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ لَا رِبَا في بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ
وَنَسِيئَةً وَيَحِلُّ أَنْ يُبَاعَ إذَا كانت فيه مَنْفَعَةٌ ولم يَكُنْ
مُحَرَّمًا فَأَمَّا ما فيه سُمٌّ أو غَيْرُهُ فَلَا خَيْرَ في شِرَائِهِ وَلَا
بَيْعِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ يُوضَعُ من ظَاهِرٍ فَيَبْرَأُ فَلَا يُخَافُ منه
التَّلَفُ فَيُشْتَرَى لِلْمَنْفَعَةِ فيه قال وَكُلُّ ما لم يَجُزْ أَنْ
يُبْتَاعَ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَكِيلًا بِكَيْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَزْنًا
بِوَزْنٍ فَالْقَسْمُ فيه كَالْبَيْعِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَسَّمَ ثَمَرُ نَخْلٍ
في شَجَرِهِ رَطْبًا وَلَا يَابِسًا وَلَا عِنَبُ كَرْمٍ وَلَا حَبُّ حِنْطَةٍ في
سنبلة وَلَا غَيْرُهُ مِمَّا الْفَضْلُ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ الرِّبَا
وَكَذَلِكَ لَا يُشْتَرَى بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَلَا يُبَادَلُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ
لِأَنَّ هذا كُلَّهُ في مَعْنَى الشِّرَاءِ قال وَكَذَلِكَ لَا يَقْتَسِمَانِ
طَعَامًا مَوْضُوعًا بِالْأَرْضِ بِالْحَزْرِ حتى يَقْتَسِمَاهُ بِالْكَيْلِ
وَالْوَزْنِ لَا يَجُوزُ فيه غَيْرُ ذلك بِحَالٍ وَلَسْت أَنْظُرُ في ذلك إلَى
حَاجَةِ رَجُلٍ إلَى ثَمَرٍ رَطْبٍ لِأَنِّي لو أَجَزْته رَطْبًا لِلْحَاجَةِ
أَجَزْته يَابِسًا لِلْحَاجَةِ وَبِالْأَرْضِ لِلْحَاجَةِ وَمَنْ احْتَاجَ إلَى
قَسْمِ شَيْءٍ لم يَحْلُلْ له بِالْحَاجَةِ ما لَا يَحِلُّ له في أَصْلِهِ
وَلَيْسَ يَحِلُّ بِالْحَاجَةِ مُحَرَّمٌ إلَّا في الضَّرُورَاتِ من خَوْفِ تَلَفِ
النَّفْسِ فَأَمَّا غَيْرُ ذلك فَلَا أَعْلَمُهُ يَحِلُّ لِحَاجَةٍ وَالْحَاجَةُ
فيه وَغَيْرُ الْحَاجَةِ سَوَاءٌ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَكَيْفَ أَجَزْت الْخَرْصَ
في الْعِنَبِ وَالنَّخْلِ ثُمَّ تُؤْخَذُ صَدَقَتُهُ كَيْلًا وَلَا تُجِيزُ أَنْ
يُقَسَّمَ بِالْخَرْصِ قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِافْتِرَاقِ ما
تُؤْخَذُ بِهِ الصَّدَقَاتُ وَالْبُيُوعُ وَالْقَسْمُ فَإِنْ قال فَافْرُقْ بين
الصَّدَقَاتِ وَغَيْرِهَا قُلْت أَرَأَيْت رَجُلَيْنِ بَيْنَهُمَا ثَمَرُ حَائِطٍ
لِأَحَدِهِمَا عشرة وَالْآخَرُ تِسْعَةُ أَعْشَارِهِ فَأَرَادَ صَاحِبُ الْعُشْرِ
أَنْ يَأْخُذَ عُشْرَهُ من وَسَطِ الطَّعَامِ أو أَعْلَاهُ أو أَرْدَئِهِ
أَيَكُونُ له ذلك فَإِنْ قال لَا وَلَكِنَّهُ شَرِيكٌ في كل شَيْءٍ منه رَدِيءٌ أو
جَيِّدٌ بِالْقَسَمِ قُلْنَا فالجعرور وَمُصْرَانُ الْفَأْرَةِ فَإِنْ قال نعم
قِيلَ فَالْمُصَدِّقُ لَا يَأْخُذُ الجعرور وَلَا مُصْرَانَ الْفَأْرَةِ وَيَكُونُ
له أَنْ يَأْخُذَ وَسَطَ التَّمْرِ وَلَا يَكُونُ له أَنْ يَأْخُذَ الصَّدَقَةَ
خَرْصًا إنَّمَا يَأْخُذُهَا كَيْلًا وَالْمُقْتَسِمَانِ يَأْخُذَانِ كُلَّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَرْصًا فَيَأْخُذُ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِمَّا يَأْخُذُ
الْآخَرُ وَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَجْهُولَ الْكَيْلِ أو رَأَيْت لو
كان بين رَجُلَيْنِ غَنَمٌ لِأَحَدِهِمَا رُبْعُ عُشْرِهَا وَكَانَتْ منها تِسْعٌ
وَثَلَاثُونَ لَبُونًا وَشَاةٌ ثَنِيَّةٌ
____________________
(3/28)
أَكَانَ على صَاحِبِ رُبْعِ
الْعُشْرِ إنْ أَرَادَ الْقَسْمَ أَنْ يَأْخُذَ شَاةً ثَنِيَّةً قِيمَتُهَا
أَقَلُّ من قِيمَةِ نِصْفِ شَاةٍ من اللَّبَنِ فَإِنْ قال لَا قِيلَ فَهَذَا على
الْمُصَدِّقِ أو رَأَيْت لو كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَالْغَنَمُ كُلُّهَا أو
أَكْثَرُهَا دُونَ الثَّنِيَّةِ وَفِيهَا شَاةٌ ثَنِيَّةٌ أَيَأْخُذُهَا فَإِنْ
قال لَا يَأْخُذُ إلَّا شَاةً بِقِيمَةٍ وَيَكُونُ شَرِيكًا في مُنْخَفِضِ
الْغَنَمِ وَمُرْتَفِعِهِ قِيلَ فَالْمُصَدِّقُ يَأْخُذُهَا وَلَا يُقَاسَ
بِالصَّدَقَةِ شَيْءٌ من الْبُيُوعِ وَلَا الْقَسْمِ الْمُقَاسِمُ شَرِيكٌ في كل
شَيْءٍ مِمَّا يُقَاسَمُ أَبَدًا إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُكَالُ من صِنْفٍ
وَاحِدٍ أو بِقِيمَتِهِ إذَا اخْتَلَفَ الْأَصْنَافُ مِمَّا لَا يُكَالُ وَلَا
يُوزَنُ وَيَكُونُ شَرِيكًا فِيمَا يُكَالُ أو يُوزَنُ بِقَدْرِ حَقِّهِ مِمَّا
قَلَّ منه أو كَثُرَ وَلَا يُقَسِّمُ الرَّجُلَانِ الثَّمَرَةَ بَلَحًا وَلَا
طَلْعًا وَلَا بُسْرًا وَرُطَبًا وَلَا تَمْرًا بِحَالٍ فَإِنْ فَعَلَا فَفَاتَتْ
طَلْعًا أو بُسْرًا أو بَلَحًا فَعَلَى كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِيمَةُ ما
اسْتَهْلَكَ يَرُدُّهُ وَيَقْتَسِمَانِهِ قال وَهَكَذَا كُلُّ قَسْمٍ فَاسِدٍ
يَرْجِعُ على من اسْتَهْلَكَهُ بِمِثْلِ ما كان له مِثْلٌ وَقِيمَةٌ ما لم يَكُنْ
له مِثْلٌ قال وَلَوْ كانت بين رَجُلَيْنِ نَخْلٌ مُثْمِرَةٌ فَدَعَوَا إلَى
اقْتِسَامِهَا قِيلَ لَهُمَا إنْ شِئْتُمَا قَسَمْنَا بَيْنَكُمَا بِالْكَيْلِ قال
وَالْبَقْلُ الْمَأْكُولُ كُلُّهُ سَوَاءٌ لَا يَجُوزُ الْفَضْلُ في بَعْضِهِ على
بَعْضٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ رَجُلٌ رَجُلًا رَكِيبَ هِنْدِبًا بِرَكِيبِ
هِنْدِبًا وَلَا بِأَكْثَرَ وَلَا يَصْلُحُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَكِنْ
رَكِيبُ هِنْدِبًا بِرَكِيبِ جِرْجِيرٍ وَرَكِيبُ جِرْجِيرٍ بِرَكِيبِ سَلْقٍ
وَرَكِيبُ سَلْقٍ بِرَكِيبِ كُرَّاثٍ وَرَكِيبُ كُرَّاثٍ بِرَكِيبِ جِرْجِيرٍ إذَا
اخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ فَلَا بَأْسَ بِالْفَضْلِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا
بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فيه نَسِيئَةً وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ منه شَيْءٌ إلَّا
يجز ( ( ( بجز ) ) ) مَكَانِهِ فَأَمَّا أَنْ يُبَاعَ على أَنْ يُتْرَكَ مُدَّةً
يَطُولُ في مِثْلِهَا فَلَا خَيْرَ فيه من قِبَلِ أَنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ
الْمَبِيعُ منه من الْحَادِثِ الذي لم يُبَعْ وَلَا يُبَاعُ إلَّا جِزَّةً جِزَّةً
عِنْدَ جِزَازِهَا كما قُلْنَا في الْقَصَبِ - * بَابٌ الْآجَالُ في الصَّرْفِ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا مَالِكُ بن أَنَسٍ عن بن شِهَابٍ
عن مَالِكِ بن أَوْسِ بن الْحَدَثَانِ أَنَّهُ أخبره أَنَّهُ الْتَمَسَ صَرْفًا
بِمِائَةِ دِينَارٍ قال فَدَعَانِي طَلْحَةُ بن عُبَيْدِ اللَّهِ فَتَرَاوَضْنَا
حتى اصْطَرَفَ مِنِّي وَأَخَذَ الذَّهَبَ يُقَلِّبُهَا في يَدِهِ ثُمَّ قال حتى
يَأْتِيَ خَازِنِي من الْغَابَةِ أو حتى تَأْتِيَ خَازِنَتِي من الْغَابَةِ
وَعُمَرُ بن الْخَطَّابِ يَسْمَعُ فقال عُمَرُ لَا وَاَللَّهِ لَا تُفَارِقُهُ حتى
تَأْخُذَ منه ثُمَّ قال قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الذَّهَبُ
بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إلَّا هَاءَ
وَهَاءَ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالشَّعِيرُ
بِالشَّعِيرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) قَرَأْته على
مَالِكٍ صَحِيحًا لَا شَكَّ فيه ثُمَّ طَالَ على الزَّمَانُ ولم أَحْفَظْ حِفْظًا
فَشَكَكْت في خَازِنَتِي أو خَازِنِي وَغَيْرِي يقول عنه خَازِنِي ( أَخْبَرْنَا )
بن عُيَيْنَةَ عن بن شِهَابٍ عن مَالِكِ بن أَوْسِ بن الْحَدَثَانِ عن عُمَرَ بن
الْخَطَّابِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مِثْلُ مَعْنَى حديث مَالِكٍ وقال حتى
يَأْتِيَ خَازِنِي من الْغَابَةِ فَحَفِظْته لَا شَكَّ فيه ( قال الشَّافِعِيُّ )
أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى
اللَّهُ عليه وسلم قال لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا
بِمِثْلٍ وَلَا تَبِيعُوا بَعْضَهَا على بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ
بِالْوَرِقِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تَبِيعُوا بَعْضَهَا على بَعْضٍ وَلَا
تَبِيعُوا منها غَائِبًا بِنَاجِزٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَحَدِيثُ عُمَرَ بن
الْخَطَّابِ وابي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
يَدُلَّانِ على مَعَانٍ منها تَحْرِيمُ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا
بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا يُبَاعُ منها غَائِبٌ بِنَاجِزٍ وَحَدِيثُ عُمَرَ
يَزِيدُ على حديث أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ الذي حَرَّمَ رسول اللَّهِ صلى
اللَّهُ عليه وسلم فما سُمِّيَ من الْمَأْكُولِ الْمَكِيلِ كَاَلَّذِي حَرُمَ في
الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ سَوَاءٌ لَا يَخْتَلِفَانِ
____________________
(3/29)
وقد ذَكَرَ عُبَادَةُ عن النبي
صلى اللَّهُ عليه وسلم مِثْلَ مَعْنَاهُمَا وَأَكْثَرَ وَأَوْضَحَ ( قال
الشَّافِعِيُّ ) وَإِنَّمَا حَرَّمْنَا غير ما سَمَّى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ
عليه وسلم من الْمَأْكُولِ وَالْمَكِيلِ لِأَنَّهُ في مَعْنَى ما سَمَّى رسول
اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم منه وَكَذَلِكَ حَرَّمْنَا الْمَأْكُولَ
وَالْمَوْزُونَ لِأَنَّ الْكَيْلَ في مَعْنَى الْوَزْنِ لِأَنَّهُ بَيْعٌ
مَعْلُومٌ عِنْدَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي بِمِثْلِ ما عُلِمَ بِالْكَيْلِ أو
أَكْثَرَ لِأَنَّ الْوَزْنَ أَقْرَبُ من الْإِحَاطَةِ من الْكَيْلِ فَلَا يُوجَدُ
في الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ مَعْنًى أَقْرَبُ من الْإِحَاطَةِ مِنْهُمَا
فَاجْتَمَعَا على أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِمَا أَنْ يَكُونَا مَعْلُومَيْنِ
وَأَنَّهُمَا مَأْكُولَانِ فَكَانَ الْوَزْنُ قِيَاسًا على الْكَيْلِ في مَعْنَاهُ
وما أُكِلَ من الْكَيْلِ ولم يُسَمَّ قِيَاسًا على مَعْنَى ما سُمِّيَ من
الطَّعَامِ في مَعْنَاهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) ولم يَجُزْ أَنْ يُقَاسَ الْوَزْنُ
من الْمَأْكُولِ على الْوَزْنِ من الذَّهَبِ لِأَنَّ الذَّهَبَ غَيْرُ مَأْكُولٍ
وَكَذَلِكَ الْوَرِقُ لو قِسْنَاهُ عليه وَتَرَكْنَا الْمَكِيلَ الْمَأْكُولَ
قِسْنَا على أَبْعَدَ منه مِمَّا تَرَكْنَا أَنْ نَقِيسَهُ عليه وَلَا يَجُوزُ
عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُقَاسَ على الْأَبْعَدِ وَيُتْرَكَ الْأَقْرَبُ
وَلَزِمَنَا أَنْ لَا نُسَلِّمَ دِينَارًا في مَوْزُونٍ من طَعَامٍ أَبَدًا وَلَا
غَيْرِهِ كما لَا يَجُوزُ أَنْ نُسَلِّمَ دِينَارًا في مَوْزُونٍ من فِضَّةٍ وَلَا
أَعْلَمُ الْمُسْلِمِينَ اخْتَلَفُوا في أَنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ
يُسَلَّمَانِ في كل شَيْءٍ إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يُسَلَّمُ في الْآخَرِ لَا
ذَهَبَ في ذَهَبٍ وَلَا وَرِقَ في وَرِقٍ إلَّا في الْفُلُوسِ فإن منهم من
كَرِهَهُ - * بَابُ ما جاء في الصَّرْفِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ
اللَّهُ لَا يَجُوزُ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَلَا الْوَرِقُ بِالْوَرِقِ وَلَا
شَيْءٌ من الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ بِشَيْءٍ من صِنْفِهِ إلَّا سَوَاءً
بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ إنْ كان مِمَّا يُوزَنُ فَوَزْنٌ بِوَزْنٍ وَإِنْ كان
مِمَّا يُكَالُ فَكَيْلٌ بِكَيْلٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ شَيْءٌ وَأَصْلُهُ
الْوَزْنُ بِشَيْءٍ من صِنْفِهِ كَيْلًا وَلَا شَيْءٌ أَصْلُهُ الْكَيْلُ بِشَيْءٍ
من صِنْفِهِ
____________________
(3/30)
وَزْنًا لَا يُبَاعُ الذَّهَبُ
بِالذَّهَبِ كَيْلًا لِأَنَّهُمَا قد يَمْلَآنِ مِكْيَالًا وَيَخْتَلِفَانِ في
الْوَزْنِ أو يُجْهَلُ كَمْ وَزْنُ هذا من وَزْنِ هذا وَلَا التَّمْرُ بِالتَّمْرِ
وَزْنًا لِأَنَّهُمَا قد يَخْتَلِفَانِ إذَا كان وَزْنُهَا وَاحِدًا في الْكَيْلِ
وَيَكُونَانِ مَجْهُولًا من الْكَيْلِ بِمَجْهُولٍ وَلَا خَيْرَ في أَنْ
يَتَفَرَّقَ الْمُتَبَايِعَانِ بِشَيْءٍ من هذه الْأَصْنَافِ من مَقَامِهِمَا الذي
يَتَبَايَعَانِ فيه حتى يَتَقَابَضَا وَلَا يَبْقَى لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا قِبَلَ
صَاحِبِهِ من الْبَيْعِ شَيْءٌ فَإِنْ بَقِيَ منه شَيْءٌ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ
وَسَوَاءٌ كان الْمُشْتَرِي مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ أو كان وَكِيلًا لِغَيْرِهِ
وَسَوَاءٌ تَرَكَهُ نَاسِيًا أو عَامِدًا في فَسَادِ الْبَيْعِ فإذا اخْتَلَفَ
الصِّنْفَانِ من هذا وكان ذَهَبًا بِوَرِقٍ أو تَمْرًا بِزَبِيبٍ أو حِنْطَةً
بِشَعِيرٍ فَلَا بَأْسَ بِالْفَضْلِ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ لَا
يَفْتَرِقَانِ من مَقَامِهِمَا الذي تَبَايَعَا فيه حتى يَتَقَابَضَا فَإِنْ دخل
في شَيْءٍ من هذا تَفَرُّقٌ قبل أَنْ يَتَقَابَضَا جَمِيعَ الْمَبِيعِ فَسَدَ
الْبَيْعُ كُلُّهُ وَلَا بَأْسَ بِطُولِ مَقَامِهِمَا في مَجْلِسِهِمَا وَلَا
بَأْسَ أَنْ يَصْطَحِبَا من مَجْلِسِهِمَا إلَى غَيْرِهِ لِيُوَفِّيَهُ
لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ لم يَفْتَرِقَا وَحَدُّ الْفُرْقَةِ أَنْ يَتَفَرَّقَا
بِأَبْدَانِهِمَا وَحَدُّ فَسَادِ الْبَيْعِ أَنْ يَتَفَرَّقَا قبل أَنْ
يَتَقَابَضَا وَكُلُّ مَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ من هذا الصِّنْفِ قِيَاسًا عليه
وَكُلَّمَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُبَاعَ أَحَدُهُمَا
بِالْآخَرِ جُزَافًا لِأَنَّ أَصْلَ الْبَيْعِ إذَا كان حَلَالًا بِالْجُزَافِ
وَكَانَتْ الزِّيَادَةُ إذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ حلالا ( ( ( حلال ) ) )
فَلَيْسَ في الْجُزَافِ مَعْنًى أَكْثَرُ من أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ من
الْآخَرِ وَلَا يدري أَيُّهُمَا أَكْثَرُ فإذا عَمَدْت أَنْ لَا أُبَالِيَ
أَيُّهُمَا كان أَكْثَرَ فَلَا بَأْسَ بِالْجُزَافِ في أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ (
قال الشَّافِعِيُّ ) فَلَا يَجُوزُ أَنْ يشتري ذَهَبٌ فيه حَشْوٌ وَلَا معه شَيْءٌ
غَيْرُهُ بِالذَّهَبِ كان الذي معه قَلِيلًا أو كَثِيرًا لِأَنَّ أَصْلَ الذي
نَذْهَبُ إلَيْهِ أَنَّ الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ مَجْهُولٌ أو مُتَفَاضِلٌ وهو
حَرَامٌ من كل وَاحِدٍ من الْوَجْهَيْنِ وَهَكَذَا الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وإذا
اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يشتري أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ وَمَعَ
الْآخَرِ شَيْءٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يشتري بِالذَّهَبِ فِضَّةٌ مَنْظُومَةٌ
بِخَرَزٍ لِأَنَّ أَكْثَرَ ما في هذا أَنْ يَكُونَ التَّفَاضُلُ بِالذَّهَبِ
وَالْوَرِقِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالذَّهَبِ فِضَّةً مَنْظُومَةً بِحِرْزٍ
لِأَنَّ أَكْثَرَ ما في هذا أَنْ يَكُونَ التَّفَاضُلُ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ
وَلَا بَأْسَ بِالتَّفَاضُلِ فِيهِمَا وَكُلُّ وَاحِدٍ من الْمَبِيعَيْنِ
بِحِصَّتِهِ من الثَّمَنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا صَرَفَ الرَّجُلُ
الدِّينَارَ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا فَقَبَضَ تِسْعَةَ عَشَرَ ولم يَجِدْ دِرْهَمًا
فَلَا خَيْرَ في أَنْ يَتَفَرَّقَا قبل أَنْ يَقْبِضَ الدِّرْهَمَ وَلَا بَأْسَ
أَنْ يَأْخُذَ التِّسْعَةَ عَشَرَ بِحِصَّتِهَا من الدِّينَارِ وَيُنَاقِصَهُ
بِحِصَّةِ الدِّرْهَمِ من الدِّينَارِ ثُمَّ إنْ شَاءَ أَنْ يَشْتَرِيَ منه
بِفَضْلِ الدِّينَارِ مِمَّا شَاءَ وَيَتَقَابَضَا قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا وَلَا
بَأْسَ أَنْ يَتْرُكَ فَضْلَ الدِّينَارِ عِنْدَهُ يَأْخُذُهُ مَتَى شَاءَ ( قال
الرَّبِيعُ ) قال أبو يَعْقُوبَ الْبُوَيْطِيُّ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ
الدِّينَارَ حَاضِرًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا صَرَفَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ
دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ أو دَنَانِيرَ بِدَرَاهِمَ فَوَجَدَ فيها
دِرْهَمًا زَائِفًا فَإِنْ كان زَافَ من قِبَلِ السِّكَّةِ أو قُبْحِ الْفِضَّةِ
فَلَا بَأْسَ على الْمُشْتَرِي أَنْ يَقْبَلَهُ وَلَهُ رَدُّهُ فَإِنْ رَدَّهُ
رَدَّ الْبَيْعَ كُلَّهُ لِأَنَّهَا بَيْعَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ شَرَطَ عليه أَنَّ
له رَدَّهُ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَذَلِكَ له شَرَطَهُ أو لم يَشْرِطْهُ وَإِنْ
شَرَطَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ الصَّرْفَ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ إذَا عَقَدَ على هذا
عُقْدَةَ الْبَيْعِ ( قال ) وَإِنْ كان زَافَ من قِبَلِ أَنَّهُ نُحَاسٌ أو شَيْءٌ
غَيْرُ فِضَّةٍ فَلَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقْبَلَهُ من قِبَلِ أَنَّهُ
غَيْرُ ما اشْتَرَى وَالْبَيْعُ مُنْتَقَضٌ بَيْنَهُمَا وَلَا بَأْسَ أَنْ
يَصْرِفَ الرَّجُلُ من الصَّرَّافِ دَرَاهِمَ فإذا قَبَضَهَا وَتَفَرَّقَا
أَوْدَعَهُ إيَّاهَا وإذا صَرَفَ الرَّجُلُ شيئا لم يَكُنْ له أَنْ يُفَارِقَ من
صَرَفَ منه حتى يَقْبِضَ منه وَلَا يُوَكِّلَ بِهِ غَيْرَهُ إلَّا أَنْ يَفْسَخَ
الْبَيْعَ ثُمَّ يُوَكِّلُ هذا بِأَنْ يُصَارِفَهُ وَلَا بَأْسَ إذَا صَرَفَ منه
وَتَقَابَضَا أَنْ يَذْهَبَا فَيَزِنَا الدَّرَاهِمَ وَكَذَلِكَ لَا بَأْسَ أَنْ
يَذْهَبَ هو على الِانْفِرَادِ فَيَزِنُهَا وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ الدِّينَارَ
عِنْدَ رَجُلٍ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ بَاعَهُ الدِّينَارَ بِدَرَاهِمَ وَقَبَضَهَا
منه فَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْبِضَهُ منها بَعْدَ أَنْ يَقْبِضَهَا وإذا كان
لِلرَّجُلِ عِنْدَ الرَّجُلِ دَنَانِيرُ وَدِيعَةً فَصَارَفَهُ فيها ولم يُقِرَّ
الذي عِنْدَهُ الدَّنَانِيرُ أَنَّهُ اسْتَهْلَكَهَا حتى يَكُونَ ضَامِنًا وَلَا
أنها في يَدِهِ حين صَارَفَهُ فيها فَلَا خَيْرَ في الصَّرْفِ لِأَنَّهُ غَيْرُ
مَضْمُونٍ وَلَا حَاضِرٍ وقد
____________________
(3/31)
يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَلَكَ
في ذلك الْوَقْتِ فَيَبْطُلُ الصَّرْفُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا رَهَنَ
الرَّجُلُ عِنْدَ الرَّجُلِ رَهْنًا فَتَرَاضَيَا أَنْ يَفْسَخَ ذلك الرَّهْنَ
وَيُعْطِيَهُ مَكَانَهُ غَيْرَهُ فَلَا بَأْسَ إنْ كان الرَّهْنُ دَنَانِيرَ
فَأَعْطَاهُ مَكَانَهَا دَرَاهِمَ أو عَبْدًا فَأَعْطَاهُ مَكَانَهُ عَبْدًا آخَرَ
غَيْرَهُ وَلَيْسَ في شَيْءٍ من هذا بَيْعٌ فَيُكْرَهُ فيه ما يُكْرَهُ في
الْبُيُوعِ وَلَا نُحِبُّ مُبَايَعَةَ من أَكْثَرُ مَالِهِ الرِّبَا أو ثَمَنُ
الْمُحَرَّمِ ما كان أو اكْتِسَابُ الْمَالِ من الْغَصْبِ وَالْمُحَرَّمِ كُلِّهِ
وَإِنْ بَايَعَ رَجُلٌ رَجُلًا من هَؤُلَاءِ لم أَفْسَخْ الْبَيْعَ لِأَنَّ
هَؤُلَاءِ قد يَمْلِكُونَ حَلَالًا فَلَا يُفْسَخُ الْبَيْعُ وَلَا نُحَرِّمُ
حَرَامًا بَيِّنًا إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ حَرَامًا يَعْرِفُهُ أو
بِثَمَنٍ حَرَامٍ يَعْرِفُهُ وَسَوَاءٌ في هذا الْمُسْلِمُ والذمى والحربى
الْحَرَامُ كُلُّهُ حَرَامٌ ( وقال ) لَا يُبَاعُ ذَهَبٌ بِذَهَبٍ مع أَحَدِ
الذَّهَبَيْنِ شَيْءٌ غَيْرُ الذَّهَبِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُبَاعَ ذَهَبٌ وَثَوْبٌ
بِدَرَاهِمَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا تَوَاعَدَ الرَّجُلَانِ الصَّرْفَ فَلَا
بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلَانِ الْفِضَّةَ ثُمَّ يُقِرَّانِهَا عِنْدَ أَحَدِهِمَا
حتى يَتَبَايَعَاهَا وَيَصْنَعَا بها ما شَاءَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ
اشْتَرَى أَحَدُهُمَا الْفِضَّةَ ثُمَّ أَشْرَكَ فيها رَجُلًا آخَرَ وَقَبَضَهَا
الْمُشْتَرِكُ ثُمَّ أَوْدَعَهَا إيَّاهُ بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَا بَأْسَ وَإِنْ
قال أُشْرِكُك على أنها في يَدِي حتى نَبِيعَهَا لم يَجُزْ ( قال الشَّافِعِيُّ )
وَمَنْ بَاعَ رَجُلًا ثَوْبًا بِنِصْفِ دِينَارٍ ثُمَّ بَاعَهُ ثَوْبًا آخَرَ
بِنِصْفِ دِينَارٍ حَالَّيْنِ أو إلَى أَجَلٍ وَاحِدٍ فَلَهُ عليه دِينَارٌ فَإِنْ
شَرَطَ عليه عِنْدَ الْبَيْعَةِ الْآخِرَةِ أَنَّ له عليه دِينَارًا فَالشَّرْطُ
جَائِزٌ وَإِنْ قال دِينَارًا لَا يُعْطِيهِ نِصْفَيْنِ وَلَكِنْ يُعْطِيهِ
وَاحِدًا جَازَتْ الْبَيْعَةُ الْأُولَى ولم تَجُزْ الْبَيْعَةُ الثَّانِيَةُ
وَإِنْ لم يَشْتَرِطْ هذا الشَّرْطَ ثُمَّ أَعْطَاهُ دِينَارًا وَافِيًا
فَالْبَيْعُ جَائِزٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان بين الرَّجُلَيْنِ ذَهَبٌ
مَصْنُوعٌ فَتَرَاضَيَا أَنْ يَشْتَرِيَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَ الْآخَرِ بِوَزْنِهِ
أو مِثْلِ وَزْنِهِ ذَهَبًا يَتَقَابَضَانِهِ قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا فَلَا بَأْسَ
وَمَنْ صَرَفَ من رَجُلٍ صَرْفًا فَلَا باس أَنْ يَقْبِضَ منه بَعْضَهُ وَيَدْفَعَ
ما قَبَضَ منه إلَى غَيْرِهِ أو يَأْمُرَ الصَّرَّافَ أَنْ يَدْفَعَ بَاقِيَهُ
إلَى غَيْرِهِ إذَا لم يَتَفَرَّقَا من مَقَامِهِمَا حتى يَقْبِضَا جَمِيعَ ما
بَيْنَهُمَا أَرَأَيْت لو صَرَفَ منه دِينَارًا بِعِشْرِينَ وَقَبَضَ منه عَشْرَةً
ثُمَّ قَبَضَ منه بَعْدَهَا عَشْرَةً قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا فَلَا باس بهذا ( قال
الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ اشْتَرَى من رَجُلٍ فِضَّةً بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ
وَنِصْفٍ فَدَفَعَ إلَيْهِ سِتَّةً وقال خَمْسَةٌ وَنِصْفٌ بِاَلَّذِي عِنْدِي
وَنِصْفٌ وَدِيعَةً فَلَا بَأْسَ بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا وَكَّلَ
الرَّجُلُ الرَّجُلَ بِأَنْ يَصْرِفَ له شيئا أو يَبِيعَهُ فَبَاعَهُ من نَفْسِهِ
بِأَكْثَرَ مِمَّا وَجَدَ أو مِثْلِهِ أو أَقَلَّ منه فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ
مَعْقُولًا أَنَّ من وَكَّلَ رَجُلًا بِأَنْ يَبِيعَ له فلم يُوَكِّلْهُ بِأَنْ
يَبِيعَ له من نَفْسِهِ كما لو قال له بِعْ هذا من فُلَانٍ فَبَاعَهُ من غَيْرِهِ
لم يَجُزْ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ وَكَّلَهُ بِفُلَانٍ ولم يُوَكِّلْهُ بِغَيْرِهِ (
قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا صَرَفَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الدِّينَارَ بِعَشْرَةٍ
فَوَزَنَ له عَشْرَةً وَنِصْفًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَهُ مَكَانَ النِّصْفِ
نِصْفَ فِضَّةٍ إذَا كان في بَيْعِهِ غَيْرُ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ وَهَكَذَا لو
بَاعَهُ ثَوْبًا بِنِصْفِ دِينَارٍ فَأَعْطَاهُ دِينَارًا وَأَعْطَاهُ صَاحِبُ
الثَّوْبِ نِصْفَ دِينَارٍ ذَهَبًا لم يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ لِأَنَّ هذا بَيْعٌ
حَادِثٌ غَيْرُ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ وَلَوْ كان عَقَدَ عُقْدَةَ الْبَيْعِ على
ثَوْبٍ وَنِصْفِ دِينَارٍ بِدِينَارٍ كان فَاسِدًا لِأَنَّ الدِّينَارَ مَقْسُومٌ
على نِصْفِ الدِّينَارِ وَالثَّوْبِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ صَرَفَ من
رَجُلٍ دَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ فَعَجَزَتْ الدَّرَاهِمُ فَتَسَلَّفَ منه دَرَاهِمَ
فَأَتَمَّهُ جَمِيعَ صَرْفِهِ فَلَا باس ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا بَأْسَ أَنْ
يُبَاعَ الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ جُزَافًا مَضْرُوبًا أو غير مَضْرُوبٍ لِأَنَّ
أَكْثَرَ ما فيه أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ من الْآخَرِ وَهَذَا لَا
بَأْسَ بِهِ وَلَا باس أَنْ تَشْتَرِيَ الدَّرَاهِمَ من الصَّرَّافِ بِذَهَبٍ
وَازِنَةً ثُمَّ تَبِيعَ تِلْكَ الدَّرَاهِمَ منه أو من غَيْرِهِ بِذَهَبٍ وازنه
أو نَاقِصَةً لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ من الْبَيْعَتَيْنِ غَيْرُ الْأُخْرَى قال
الرَّبِيعُ لَا يُفَارِقُ صَاحِبَهُ في الْبَيْعَةِ الْأُولَى حتى يَتِمَّ
الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) حَرَّمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ
عليه وسلم الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وما حَرَّمَ معه إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَزْنًا
بِوَزْنٍ يَدًا بِيَدٍ وَالْمَكِيلُ من صِنْفٍ وَاحِدٍ مع الذَّهَبِ كَيْلًا
بِكَيْلٍ فَلَا خَيْرَ في أَنْ يَأْخُذَ منه شيئا بِأَقَلَّ منه وَزْنًا على
وَجْهِ الْبَيْعِ مَعْرُوفًا كان أو غير مَعْرُوفٍ وَالْمَعْرُوفُ ليس يُحِلُّ
بَيْعًا وَلَا يُحَرِّمُهُ فَإِنْ كان وَهَبَ له دِينَارًا وَأَثَابَهُ الْآخَرُ
دِينَارًا أَوْزَنَ منه أو أَنْقَصَ فَلَا بَأْسَ
____________________
(3/32)
( قال الشَّافِعِيُّ )
فَأَمَّا السَّلَفُ فَإِنْ أَسْلَفَهُ شيئا ثُمَّ اقْتَضَى منه أَقَلَّ فَلَا باس
لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ له بِهِبَةِ الْفَضْلِ وَكَذَلِكَ إنْ تَطَوَّعَ له
الْقَاضِي بِأَكْثَرَ من وَزْنِ ذَهَبِهِ فَلَا بَأْسَ لِأَنَّ هذا ليس من
مَعَانِي الْبُيُوعِ وَكَذَلِكَ لو كان عليه سَلَفٌ ذَهَبًا فَاشْتَرَى منه
وَرِقًا فَتَقَابَضَاهُ قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كان حَالًّا
فَأَمَّا إذَا كان له عليه ذَهَبٌ إلَى أَجَلٍ فقال له أقضيك قبل الأجل على أن
تأخذ مني أنقص فلا خير فيه ( قال الشافعي ) ومن تسلف من رجل دنانير أو دراهم
فَجَاءَهُ بها وَأَكْثَرَ منها فَلَا بَأْسَ بِهِ كان ذلك عَادَةً أو غير عَادَةٍ
وَمَنْ كانت عليه دَرَاهِمُ لِرَجُلٍ وَلِلرَّجُلِ عليه دَنَانِيرُ فَحَلَّتْ أو
لم تَحِلَّ فَتَطَارَحَاهَا صَرْفًا فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ ذلك دَيْنٌ بِدَيْنٍ
وقال مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا حَلَّ فَجَائِزٌ وإذا لم يَحِلَّ
فَلَا يَجُوزُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ كان له على رَجُلٍ ذَهَبٌ حَالًّا
فاعطاه دَرَاهِمَ على غَيْرِ بَيْعٍ مُسَمًّى من الذَّهَبِ فَلَيْسَ بِبَيْعٍ
وَالذَّهَبُ كما هو عليه وَعَلَى هذا دَرَاهِمُ مِثْلُ الدَّرَاهِمِ التي أَخَذَ
منه وَإِنْ أَعْطَاهُ دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ منها أو دِينَارَيْنِ فَتَقَابَضَاهُ
فَلَا بَأْسَ بِهِ وَمَنْ أَكْرَى من رَجُلٍ مَنْزِلًا إلَى أَجَلٍ فَتَطَوَّعَ له
المكترى بِأَنْ يُعْطِيَهُ بَعْضَ حَقِّهِ مِمَّا أَكْرَاهُ بِهِ وَذَلِكَ ذَهَبٌ
فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ تَطَوَّعَ له بِأَنْ يُعْطِيَهُ فِضَّةً من الذَّهَبِ
ولم يَحِلَّ الذَّهَبُ فَلَا خَيْرَ فيه وَمَنْ حَلَّ له على رَجُلٍ دَنَانِيرُ
فَأَخَّرَهَا عليه إلَى أَجَلٍ أو آجَالٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلَهُ مَتَى شَاءَ
أَنْ يَأْخُذَهَا منه لِأَنَّ ذلك مَوْعِدٌ وَسَوَاءٌ كانت من ثَمَنِ بَيْعٍ أو
سَلَفٍ وَمَنْ سَلَفَ فُلُوسًا أو دَرَاهِمَ أو بَاعَ بها ثُمَّ أَبْطَلَهَا
السُّلْطَانُ فَلَيْسَ له إلَّا مِثْلُ فُلُوسِهِ أو دَرَاهِمِهِ التي أَسَلَفَ أو
بَاعَ بها ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَفِ في الْفُلُوسِ إلَى أَجَلٍ
لِأَنَّ ذلك ليس مِمَّا فيه الرِّبَا وَمَنْ أَسَلَفَ رَجُلًا دَرَاهِمَ على أنها
بِدِينَارٍ أو بِنِصْفِ دِينَارٍ فَلَيْسَ عليه إلَّا مِثْلُ دَرَاهِمِهِ وَلَيْسَ
له عليه دِينَارٌ وَلَا نِصْفُ دِينَارٍ وَإِنْ اسْتَسْلَفَهُ نِصْفَ دِينَارٍ
فَأَعْطَاهُ دِينَارًا فقال خُذْ لِنَفْسِك نِصْفَهُ وَبِعْ لي نصفه بِدَرَاهِمَ
فَفَعَلَ ذلك كان له عليه نِصْفُ دِينَارِ ذَهَبٍ وَلَوْ كان قال له بِعْهُ
بِدَرَاهِمَ ثُمَّ خُذْ لِنَفْسِك نِصْفَهُ وَرُدَّ عَلَيَّ نِصْفَهُ كانت له عليه
دَرَاهِمُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ إنَّمَا أَسْلَفَهُ دَرَاهِمَ لَا نِصْفَ دِينَارٍ
( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ بَاعَ رَجُلًا ثَوْبًا فقال أَبِيعُكَهُ بِعِشْرِينَ
من صَرْفِ عِشْرِينَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ من قِبَلِ أَنَّ
صَرْفَ عِشْرِينَ ثَمَنٌ غَيْرُ مَعْلُومٍ بِصِفَةٍ وَلَا عَيْنٍ ( قال
الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ كانت عليه دَنَانِيرُ مُنَجَّمَةً أو دَرَاهِمُ فَأَرَادَ
أَنْ يَقْبِضَهَا جُمْلَةً فَذَلِكَ له وَمَنْ كان له على رَجُلٍ ذهب فَأَعْطَاهُ
شيئا يَبِيعُهُ له غير ذَهَبٍ وَيَقْبِضُ منه مِثْلَ ذَهَبِهِ فَلَيْسَ في هذا من
الْمَكْرُوهِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَقُولَ لَا أَقْضِيك إلَّا بِأَنْ تَبِيعَ لي وما
أُحِبُّ من الإحتياط لِلْقَاضِي وَمَنْ كان لِرَجُلٍ عليه دِينَارٌ فَكَانَ
يُعْطِيهِ الدَّرَاهِمَ تَتَهَيَّأُ عِنْدَهُ بِغَيْرِ مصارفه حتى إذَا صَارَ
عِنْدَهُ قَدْرُ صَرْفِ دِينَارٍ فَأَرَادَ أَنْ يُصَارِفَهُ فَلَا خَيْرَ فيه
لِأَنَّ هذا دَيْنٌ بِدَيْنٍ وَإِنْ أَحْضَرَهُ إيَّاهَا فَدَفَعَهَا إلَيْهِ
ثُمَّ بَاعَهُ إيَّاهَا فَلَا بَأْسَ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَنْتَفِعَ
بِالدَّرَاهِمِ إذَا لم يَكُنْ أَعْطَاهُ إيَّاهَا على أنها بَيْعٌ من الدِّينَارِ
وَإِنَّمَا هِيَ حِينَئِذٍ سَلَفٌ له إنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ بها دَرَاهِمَ وإذا
كانت الْفِضَّةُ مَقْرُونَةً بِغَيْرِهَا خَاتَمًا فيه فَصٌّ أو فِضَّةٌ أو
حِلْيَةٌ لِلسَّيْفِ أو مُصْحَفٌ أو سِكِّينٌ فَلَا يشتري بِشَيْءٍ من الْفِضَّةِ
قَلَّ أو كَثُرَ بِحَالٍ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ فِضَّةٌ بِفِضَّةٍ مَجْهُولَةِ
الْقِيمَةِ وَالْوَزْنِ وَهَكَذَا الذَّهَبُ وَلَكِنْ إذَا كانت الْفِضَّةُ مع
سَيْفٍ اشترى بِذَهَبٍ وَإِنْ كان فيه ذَهَبٌ اشترى بِفِضَّةٍ وَإِنْ كان فيه
ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ لم يُشْتَرَ بِذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ واشترى بِالْعَرَضِ ( قال
الرَّبِيعُ ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يشتري شَيْءٌ فيه
فِضَّةٌ مِثْلُ مُصْحَفٍ أو سَيْفٍ وما أَشْبَهَهُ بِذَهَبٍ وَلَا وَرِقٍ لِأَنَّ
في هذه الْبَيْعَةِ صَرْفًا وَبَيْعًا لَا يدري كَمْ حِصَّةُ الْبَيْعِ من حِصَّةِ
الصَّرْفِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا خَيْرَ في شِرَاءِ تُرَابِ الْمَعَادِنِ
بِحَالٍ لِأَنَّ فيه فِضَّةً لَا يدري كَمْ هِيَ لَا يَعْرِفُهَا الْبَائِعُ وَلَا
الْمُشْتَرِي وَتُرَابُ الْمَعْدِنِ وَالصَّاغَةِ سَوَاءٌ وَلَا يَجُوزُ شِرَاءُ
ما خَرَجَ منه يَوْمًا وَلَا يَوْمَيْنِ وَلَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ بِشَيْءٍ وَمَنْ
أَسَلَفَ رَجُلًا أَلْفَ دِرْهَمٍ على أَنْ يَصْرِفَهَا منه بِمِائَةِ دِينَارٍ
فَفَعَلَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ حين أَسَلَفَهُ على أَنْ يَبِيعَهُ منه
وَيَتَرَادَّانِ وَالْمِائَةُ الدِّينَارِ عليه
____________________
(3/33)
مَضْمُونَةٌ لِأَنَّهَا
بِسَبَبِ بَيْعٍ وَسَلَفٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ
يَقْضِيَ عنه دِينَارًا أو نِصْفَ دِينَارٍ فَرَضِيَ الذي له الدِّينَارُ بِثَوْبٍ
مَكَانَ الدِّينَارِ أو طَعَامٍ أو دَرَاهِمَ فَلِلْقَاضِي على المقضي عنه
الْأَقَلُّ من دِينَارٍ أو قِيمَةُ ما قَضَى عنه وَمَنْ اشْتَرَى حُلِيًّا من
أَهْلِ الْمِيرَاثِ على أَنْ يُقَاصُّوهُ من دَيْنٍ كان له على الْمَيِّتِ فَلَا
خَيْرَ في ذلك ( قال أبو يَعْقُوبَ ) مَعْنَاهَا عِنْدِي أَنْ يَبِيعَهُ أَهْلُ
الْمِيرَاثِ وَأَنْ لَا يُقَاصُّوهُ عِنْدَ الصَّفْقَةِ ثُمَّ يُقَاصُّوهُ بَعْدُ
فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ اشْتَرَى أَوَّلًا حُلِيًّا بِذَهَبٍ أو وَرِقٍ إلَى
أَجَلٍ وهو قَوْلُ أبي مُحَمَّدٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ سَأَلَ رَجُلًا
أَنْ يَشْتَرِيَ فِضَّةً لِيُشْرِكَهُ فيه وَيَنْقُدَ عنه فَلَا خَيْرَ في ذلك كان
ذلك منه على وَجْهِ الْمَعْرُوفِ أو غَيْرِ ذلك ( قال الشَّافِعِيُّ ) الشَّرِكَةُ
وَالتَّوْلِيَةُ بَيْعَانِ من الْبُيُوعِ يُحِلُّهُمَا ما يُحِلُّ الْبُيُوعَ
وَيُحَرِّمُهُمَا ما يُحَرِّمُ الْبُيُوعَ فَإِنْ وَلَّى رَجُلٌ رَجُلًا حُلِيًّا
مَصُوغًا أو أَشْرَكَهُ فيه بعد ما يَقْبِضُهُ الْمَوْلَى ويتوازناه ولم
يَتَفَرَّقَا قبل أَنْ يَتَقَابَضَا جَازَ كما يَجُوزُ في الْبُيُوعِ وَإِنْ
تَفَرَّقَا قبل أَنْ يَتَقَابَضَا فَسَدَ وإذا كانت لِلرَّجُلِ على الرَّجُلِ
الدَّنَانِيرُ فاعطاه أَكْثَرَ منها فَالْفَضْلُ لِلْمُعْطِي إلَّا أَنْ يَهَبَهُ
للمعطي وَلَا بَأْسَ أَنْ يَدَعَهُ على الْمُعْطِي مَضْمُونًا عليه حتى يَأْخُذَهُ
منه مَتَى شَاءَ أو يَأْخُذَ بِهِ منه ما يَجُوزُ له أَنْ يَأْخُذَهُ لو كان
دَيْنًا عليه من غَيْرِ ثَمَنٍ بِعَيْنِهِ وَلَا قَضَاءٍ وَإِنْ أَعْطَاهُ أَقَلَّ
مِمَّا له عليه فَالْبَاقِي عليه دَيْنٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤَخِّرَهُ أو
يُعْطِيَهُ بِهِ شيئا مِمَّا شَاءَ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ بِدَيْنِهِ
عليه وَإِنْ اشْتَرَى الرَّجُلُ من الرَّجُلِ السِّلْعَةَ من الطَّعَامِ أو
غَيْرِهِ بِدِينَارٍ فَوَجَدَ دِينَارَهُ نَاقِصًا فَلَيْسَ على الْبَائِعِ أَنْ
يَأْخُذَهُ إلَّا وَافِيًا وَإِنْ تَنَاقَضَا الْبَيْعَ وَبَاعَهُ بعد ما يَعْرِفُ
وَزْنَهُ فَلَا بَأْسَ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُلْزِمَهُ الْبَيْعَ على أَنْ
يُنْقِصَهُ بِقَدْرِهِ لم يَكُنْ ذلك على الْبَائِعِ وَلَا الْمُشْتَرِي ( قال
الشَّافِعِيُّ ) وَالْقَضَاءُ ليس بِبَيْعٍ فإذا كانت لِلرَّجُلِ على رَجُلٍ
ذَهَبٌ فَأَعْطَاهُ أو وَزَنَ منها مُتَطَوِّعًا فَلَا بَأْسَ وَكَذَلِكَ إنْ
تَطَوَّعَ الذي له الْحَقُّ فَقَبِلَ منه أَنْقَصَ منها وَهَذَا لَا يَحِلُّ في
الْبُيُوعِ وَمَنْ اشْتَرَى من رَجُلٍ ثَوْبًا بِنِصْفِ دِينَارٍ فَدَفَعَ إلَيْهِ
دِينَارًا فقال أقبض نِصْفًا لَك وَأَقِرَّ لي النِّصْفَ الْآخَرَ فَلَا بَأْسَ
بِهِ وَمَنْ كان له على رَجُلٍ نِصْفُ دِينَارٍ فَأَتَاهُ بِدِينَارٍ فَقَضَاهُ
نِصْفًا وَجَعَلَ النِّصْفَ الْآخَرَ في سِلْعَةٍ مُتَأَخِّرَةٍ مَوْصُوفَةٍ قبل
أَنْ يَتَفَرَّقَا فَلَا بَأْسَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) في الرَّجُلِ يَشْتَرِي
الثَّوْبَ بِدِينَارٍ إلَى شَهْرٍ على أَنَّهُ إذَا حَلَّ الدِّينَارُ أَخَذَ بِهِ
دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً إلَى شَهْرَيْنِ فَلَا خَيْرَ فيه وهو حَرَامٌ من ثَلَاثَةِ
وُجُوهٍ من قِبَلِ بَيْعَتَيْنِ في بَيْعَةٍ وَشَرْطَيْنِ في شَرْطٍ وَذَهَبٍ
بِدَرَاهِمَ إلَى أَجَلٍ وَمَنْ رَاطَلَ رَجُلًا ذَهَبًا فَزَادَ مِثْقَالًا فَلَا
بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ ذلك الْمِثْقَالَ منه بِمَا شَاءَ من الْعَرَضِ نَقْدًا أو
مُتَأَخِّرًا بَعْدَ أَنْ يَكُون يَصِفُهُ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَبْتَاعَهُ منه
بِدَرَاهِمَ نَقْدًا إذَا قَبَضَهَا منه قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا وَإِنْ رَجَحَتْ
إحْدَى الذَّهَبَيْنِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتْرُكَ صَاحِبُ الْفَضْلِ مِنْهُمَا
فَضْلَهُ لِصَاحِبِهِ لِأَنَّ هذا غَيْرُ الصَّفْقَةِ الْأُولَى فَإِنْ نَقَصَ
أَحَدُ الذَّهَبَيْنِ فَتَرَكَ صَاحِبُ الْفَضْلِ فَضْلَهُ فَلَا بَأْسَ وإذا
جَمَعَتْ صَفْقَةُ الْبَيْعِ شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْقِيمَةِ مِثْلُ تَمْرٍ
بردى وَتَمْرِ عَجْوَةٍ بَيْعًا مَعًا بِصَاعَيْ تَمْرٍ وَصَاعٍ من هذا
بِدِرْهَمَيْنِ وَصَاعٍ من هذا بِعَشْرَةِ دَرَاهِمَ فَقِيمَةُ البردى خَمْسَةُ
أَسْدَاسِ الاثنى عَشَرَ وَقِيمَةُ الْعَجْوَةِ سُدُسُ الإثنى عَشَرَ وَهَكَذَا لو
كان صَاعُ البردى ( ( ( البرني ) ) ) وَصَاعُ الْعَجْوَةِ بِصَاعَيْ لَوَّنَ كُلَّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحِصَّتِهِ من اللَّوْنِ فَكَانَ البردى ( ( ( البرني ) ) )
بِخَمْسَةِ أَسْدَاسِ صَاعَيْنِ وَالْعَجْوَةُ بِسُدُسِ صَاعَيْنِ فَلَا يَحِلُّ
من قِبَلِ أَنَّ البردى ( ( ( البرني ) ) ) بِأَكْثَرَ من كَيْلِهِ وَالْعَجْوَةَ
بِأَقَلَّ من كَيْلِهَا وَهَكَذَا ذَهَبٌ بِذَهَبٍ كان مِائَةَ دِينَارٍ
مَرْوَانِيَّةً وَعَشَرَةً ( محدية ( ( ( محمدية ) ) ) ) بِمِائَةِ دِينَارٍ
وَعَشْرَةٍ هَاشِمِيَّةً فَلَا خَيْرَ فيه من قِبَلِ أَنَّ قِيَمَ
الْمَرْوَانِيَّةِ أَكْثَرُ من قِيَمِ المحدية ( ( ( المحمدية ) ) ) وَهَذَا
الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مُتَفَاضِلًا لِأَنَّ الْمَعْنَى الذي في هذا في الذَّهَبِ
بِالذَّهَبِ مُتَفَاضِلًا وَلَا بَأْسَ أَنْ يُرَاطِلَ الدَّنَانِيرَ
الْهَاشِمِيَّةَ التَّامَّةَ بِالْعِتْقِ النَّاقِصَةَ مِثْلًا بِمِثْلٍ في
الْوَزْنِ وَإِنْ كان لِهَذِهِ فَضْلُ وَزْنِهَا وَهَذِهِ فَضْلُ عُيُونِهَا فَلَا
بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا كان وَزْنًا بِوَزْنٍ وَمَنْ كانت له على رَجُلٍ ذَهَبٌ
بِوَزْنٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ بِوَزْنِهَا أَكْثَرَ عَدَدًا منها
____________________
(3/34)
وَلَا يَجُوزُ الذَّهَبُ
بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَيَدًا بِيَدٍ وَأَقْصَى حَدٍّ يَدًا بِيَدٍ
قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ تَفَرَّقَا قبل أَنْ يَتَقَابَضَا فَسَدَ
بَيْعُهُمَا إنْ كَانَا تَبَايَعَا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالْمُوَازَنَةُ أَنْ يَضَعَ
هذا ذَهَبَهُ في كِفَّةٍ وَهَذَا ذَهَبَهُ في كفه فإذا اعْتَدَلَ الْمِيزَانُ
أَخَذَ وَأَعْطَى فَإِنْ وَزَنَ له بِحَدِيدَةٍ وَاتَّزَنَ بها منه كان ذلك لَا
يَخْتَلِفُ إلَّا كَاخْتِلَافِ ذَهَبٍ في كِفَّةٍ وَذَهَبٍ في كِفَّةٍ فَهُوَ
جَائِزٌ وَلَا أَحْسَبُهُ يَخْتَلِفُ وَإِنْ كان يَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا بَيِّنًا
لم يَجُزْ فَإِنْ قِيلَ لِمَ أَجَزْته قِيلَ كما أُجِيزَ مِكْيَالًا بمكيالا ( ( (
بمكيال ) ) ) وإذا كِيلَ له مِكْيَالٌ ثُمَّ أَخَذَ منه آخَرُ وإذا اشْتَرَى
رَجُلٌ من رَجُلٍ ذَهَبًا بِذَهَبٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ منه بِمَا أُخِذَ
منه كُلُّهُ أو بَعْضُهُ دَرَاهِمَ أو ما شَاءَ وإذا بَاعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ
السِّلْعَةَ بِمِائَةِ دِينَارٍ مَثَاقِيلَ فَلَهُ مِائَةُ دِينَارٍ مَثَاقِيلَ
أَفْرَادٍ ليس له أَكْثَرُ منها وَلَا أَقَلُّ إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَا على الرِّضَا
بِذَلِكَ وإذا كانت لِرَجُلٍ على رَجُلٍ مِائَةُ دِينَارٍ عِتْقٍ فَقَضَاهُ شَرًّا
منها أَكْثَرَ من عَدَدِهَا أو وَزْنِهَا فَلَا بَأْسَ إذَا كان هذا مُتَطَوِّعًا
له بِفَضْلِ عُيُونِ ذَهَبِهِ على ذَهَبِهِ وَهَذَا مُتَطَوِّعٌ له بِفَضْلِ
وَزْنِ ذَهَبِهِ على ذَهَبِهِ وَإِنْ كان هذا عن شَرْطٍ عِنْدَ الْبَيْعِ أو
عِنْدَ الْقَضَاءِ فَلَا خَيْرَ فيه لِأَنَّ هذا حِينَئِذٍ ذَهَبٌ بِذَهَبٍ
أَكْثَرَ منها وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الثَّوْبَ
بِدِينَارٍ إلَّا وَزْنًا من الذَّهَبِ مَعْلُومٌ رُبْعٌ أو ثُلُثٌ أو أَقَلُّ أو
أَكْثَرُ لِأَنَّهُ بَاعَهُ حِينَئِذٍ الثَّوْبَ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ دِينَارٍ
أو ثُلُثَيْ دِينَارٍ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يَبِيعَهُ الثَّوْبَ بِدِينَارٍ إلَّا
دِرْهَمٍ وَلَا دِينَارٍ إلَّا مُدَّ حِنْطَةٍ لِأَنَّ الثَّمَنَ حِينَئِذٍ مَجْهُولٌ
وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَهُ ثَوْبًا وَدِرْهَمًا يَرَاهُ وَثَوْبًا وَمُدَّ
تَمْرٍ يَرَاهُ بِدِينَارٍ ( قال الرَّبِيعُ ) فيه قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ إذَا
بَاعَهُ ثَوْبًا وَذَهَبًا يَرَاهُ فَلَا يَجُوزُ من قِبَلِ أَنَّ فيه صَرْفًا
وَبَيْعًا لَا يَدْرِي حِصَّةَ الْبَيْعِ من حِصَّةِ الصَّرْفِ فَأَمَّا إذَا
بَاعَهُ ثَوْبًا وَمُدَّ تَمْرٍ بِدِينَارٍ يَرَاهُ فَجَائِزٌ لِأَنَّ هذا بَيْعٌ
كُلُّهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُسَلِّمَ إلَيْهِ دِينَارًا
إلَّا درهم ( ( ( درهما ) ) ) وَلَكِنْ يُسَلِّمُ دِينَارًا يَنْقُصُ كَذَا
وَكَذَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) من ابْتَاعَ بِكَسْرِ دِرْهَمٍ شيئا فَأَخَذَ
بِكَسْرِ دِرْهَمِهِ مِثْلَ وَزْنِهِ فِضَّةً أو سِلْعَةً من السِّلَعِ فَلَا
بَأْسَ بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ من ابْتَاعَ بِنِصْفِ دِينَارٍ مَتَاعًا فَدَفَعَ دِينَارًا
وَأَخَذَ فَضْلَ دِينَارِهِ مِثْلَ وَزْنِهِ ذَهَبًا أو سِلْعَةً من السِّلَعِ
فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَهَذَا في جَمِيعِ الْبُلْدَانِ سَوَاءٌ وَلَا يَحِلُّ
شَيْءٌ من ذلك في بَلَدٍ يَحْرُمُ في بَلَدٍ آخَرَ وَسَوَاءٌ الذي ابْتَاعَ بِهِ
قَلِيلٌ من الدِّينَارِ أو كَثِيرٌ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُصَارِفَ الرَّجُلُ
الصَّائِغَ الْفِضَّةَ بِالْحُلِيِّ الْفِضَّةَ الْمَعْمُولَةَ وَيُعْطِيهِ
إجَارَتَهُ لِأَنَّ هذا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ مُتَفَاضِلًا وَلَا خَيْرَ في أَنْ
يَأْتِيَ الرَّجُلُ بِالْفَصِّ إلَى الصَّائِغِ فيقول له اعْمَلْهُ لي خَاتَمًا
حتى أُعْطِيَك أُجْرَتَك وَقَالَهُ مَالِكٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا خَيْرَ في
أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مِائَةَ دِينَارٍ بِالْمَدِينَةِ على أَنْ
يُعْطِيَهُ مِثْلَهَا بِمَكَّةَ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى أو غَيْرِ أَجَلٍ لِأَنَّ
هذا لَا سَلَفَ وَلَا بَيْعَ السَّلَفُ ما كان لَك أَخْذُهُ بِهِ وَعَلَيْك
قَبُولُهُ وَحَيْثُ أَعْطَاكَهُ وَالْبَيْعُ في الذَّهَبِ ما يَتَقَابَضَاهُ
مَكَانَهُمَا قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا فإذا أَرَادَ أَنْ يَصِحَّ هذا له
فَلْيُسَلِّفْهُ ذَهَبًا فَإِنْ كَتَبَ له بها إلَى مَوْضِعٍ فَقَبِلَ فَقَبَضَهَا
فَلَا بَأْسَ وَأَيُّهُمَا أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَهَا من الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ لم
يَكُنْ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ أَنْ يَمْتَنِعَ وَسَوَاءٌ في أَيِّهِمَا كان له فيه
الْمُرْفَقُ أو لم يَكُنْ وَمَنْ أَسَلَفَ سَلَفًا فَقَضَى أَفْضَلَ من ذلك في
الْعَدَدِ وَالْوَزْنِ مَعًا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا لم يَكُنْ ذلك شَرْطًا
بَيْنَهُمَا في عَقْدِ السَّلَفِ وَمَنْ ادَّعَى على رَجُلٍ مَالًا وَأَقَامَ بِهِ
شَاهِدًا ولم يَحْلِفْ وَالْغَرِيمُ يَجْحَدُ ثُمَّ سَأَلَهُ الْغَرِيمُ أَنْ يُقِرَّ
له بِالْمَالِ إلَى سَنَةٍ فَإِنْ قال لَا أُقِرُّ لَك بِهِ إلَّا على تَأْخِيرٍ
كَرِهْت ذلك له إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْمَالَ له عليه فَلَا أَكْرَهُ ذلك
لِصَاحِبِ الْمَالِ وَأَكْرَهُهُ لِلْغَرِيمِ
____________________
(3/35)
- * بَابٌ في بَيْعِ الْعُرُوضِ
- * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ قال بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى
عنهما أَمَّا الذي نهى عنه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ تَعَالَى عليه وسلم فَهُوَ
الطَّعَامُ أَنْ يُبَاعَ حتى يُقْبَضَ وقال بن عَبَّاسٍ بِرَأْيِهِ وَلَا أَحْسَبُ
كُلَّ شَيْءٍ إلَّا مثله وَهَذَا كما قال بن عَبَّاسٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى
أَعْلَمُ لِأَنَّهُ ليس في الطَّعَامِ مَعْنًى ليس في غَيْرِهِ من الْبُيُوعِ
وَلَا معني يُعْرَفُ إلَّا وَاحِدٌ وهو أَنِّي إذَا ابْتَعْت من الرَّجُلِ شيئا
فَإِنَّمَا أَبْتَاعُ منه عَيْنًا أو مَضْمُونًا وإذا ابْتَعْت منه مَضْمُونًا
فَلَيْسَتْ بِعَيْنٍ وقد يُفْلِسُ فَأَكُونُ قد بِعْت شيئا ضَمَانُهُ على من
اشْتَرَيْته منه وَإِنَّمَا بِعْته قبل أَنْ يَصِيرَ في تَصَرُّفِي وَمِلْكِي
تَامًّا وَلَا يَجُوزُ أَنْ أَبِيعَ ما لَا أَمْلِكُ تَامًّا وَإِنْ كان الذي
اشْتَرَيْته منه عَيْنًا فَلَوْ هَلَكَتْ تِلْكَ الْعَيْنُ انقض ( ( ( انتقض ) ) )
الْبَيْعُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فإذا بِعْتهَا ولم يَتِمَّ مِلْكُهَا إلَيَّ بِأَنْ
يَكُونَ ضَمَانُهَا مِنِّي بِعْته ما لم يَتِمَّ لي مِلْكُهُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ
ما لم يَتِمَّ لي مِلْكُهُ وَمَعَ هذا أَنَّهُ مَضْمُونٌ على من اشْتَرَيْته منه
فإذا بِعْتُ بِعْتُ شيئا مَضْمُونًا على غَيْرِي فَإِنْ زعمت أني لست بضامن فقد
زعمت أني أبيع ما لم أضمن ولا يجوز لأحد أن يبيع ما لا يضمن وإن زَعَمْت أَنِّي
ضَامِنٌ فعلى من الضَّمَانِ ما على دُونِ من اشْتَرَيْت منه أَرَأَيْت إنْ هَلَكَ
ذلك في يَدِي الذي اشْتَرَيْته منه أَيُؤْخَذُ مِنِّي شَيْءٌ فَإِنْ قال لَا قِيلَ
فَقَدْ بِعْت ما لَا تَضْمَنُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ ما لَا أَضْمَنُ وَإِنْ قِيلَ
بَلْ أنت ضَامِنٌ فَلَيْسَ هَكَذَا بَيْعُهُ كَيْفَ أَضْمَنُ شيئا قد ضَمِنْته له
على غَيْرِي وَلَوْ لم يَكُنْ في هذا شَيْءٌ مِمَّا وَصَفْت دَلَّتْ عليه
السُّنَّةُ وَأَنَّهُ في مَعْنَى الطَّعَامِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ
تَعَالَى { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } وقال { لَا
تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً
عن تَرَاضٍ مِنْكُمْ } فَكُلُّ بَيْعٍ كان عن تَرَاضٍ من الْمُتَبَايِعَيْنِ
جَائِزٌ من الزِّيَادَةِ في جَمِيعِ الْبُيُوعِ إلَّا بَيْعًا حَرَّمَهُ رسول
اللَّهِ صلى اللَّهُ تَعَالَى عليه وسلم إلَّا الذَّهَبَ وَالْوَرِقَ يَدًا بِيَدٍ
وَالْمَأْكُولُ وَالْمَشْرُوبُ في مَعْنَى الْمَأْكُولِ فَكُلُّ ما أَكَلَ
الْآدَمِيُّونَ وَشَرِبُوا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ شَيْءٌ منه بِشَيْءٍ من
صِنْفِهِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ إنْ كان وَزْنًا فَوَزْنٌ وَإِنْ كان كَيْلًا
فَكَيْلٌ يَدًا بِيَدٍ وَسَوَاءٌ في ذلك الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ وَجَمِيعُ
الْمَأْكُولِ فَإِنْ تَفَرَّقَا قبل أَنْ يَتَقَابَضَا فَسَدَ الْبَيْعُ
بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْعَرَايَا لِأَنَّهَا من الْمَأْكُولِ فَإِنْ
تَفَرَّقَا قبل أَنْ يَتَقَابَضَا فَسَدَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا وإذا اخْتَلَفَ
الصِّنْفَانِ مِمَّا ليس في بَعْضِهِ بِبَعْضِ الرِّبَا فَلَا بَأْسَ بِوَاحِدٍ
منه بِاثْنَيْنِ أو أَكْثَرَ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فيه نَسِيئَةً وإذا جَازَ
الْفَضْلُ في بَعْضِهِ على بَعْضٍ فَلَا بَأْسَ بِجُزَافٍ منه بِجُزَافٍ وَجُزَافٍ
بِمَعْلُومٍ وَكُلُّ ما أَكَلَهُ الْآدَمِيُّونَ دَوَاءٌ فَهُوَ في مَعْنَى
الْمَأْكُولِ مِثْلُ الأهليلج وَالثُّفَّاءِ وَجَمِيعِ الْأَدْوِيَةِ ( قال ) وما
عَدَا هذا مِمَّا أَكَلَتْهُ الْبَهَائِمُ ولم يَأْكُلْهُ الْآدَمِيُّونَ مِثْلُ
الْقَرَظِ وَالْقَضْبِ وَالنَّوَى وَالْحَشِيشِ وَمِثْلُ الْعُرُوضِ التي لَا
تُؤْكَلُ مِثْلُ الْقَرَاطِيسِ وَالثِّيَابِ وَغَيْرِهَا وَمِثْلُ الْحَيَوَانِ
فَلَا بَأْسَ بِفَضْلِ بَعْضِهِ على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً تَبَاعَدَتْ
أو تَقَارَبَتْ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ في مَعْنَى ما أَحَلَّ اللَّهُ من الْبُيُوعِ
وَخَارِجٌ من مَعْنَى ما حَرَّمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من الْفَضْلِ
في بَعْضِهِ على بَعْضٍ وَدَاخِلٌ في نَصِّ إحْلَالِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ
عليه وسلم ثُمَّ أَصْحَابِهِ من بَعْدِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا الثِّقَةُ
عن اللَّيْثِ عن أبي الزُّبَيْرِ عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ أَنَّ النبي صلى
اللَّهُ عليه وسلم اشْتَرَى عَبْدًا بِعَبْدَيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا
مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ بَاعَ بَعِيرًا له بِأَرْبَعَةِ أَبْعِرَةٍ
مَضْمُونَةٍ عليه بِالرَّبَذَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن صَالِحِ
بن كَيْسَانَ عن الْحَسَنِ بن مُحَمَّدِ بن عَلِيٍّ أَنَّ عَلِيَّ بن أبي طَالِبٍ
____________________
(3/36)
رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه
بَاعَ بَعِيرًا يُقَالُ له عُصَيْفِير بِعِشْرِينَ بَعِيرًا إلَى أَجَلٍ ( قال
الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن بن الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قال لَا
رِبَا في الْحَيَوَانِ وَإِنَّمَا نهى من الْحَيَوَانِ عن الْمَضَامِينِ
وَالْمَلَاقِيحِ وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن بن
شِهَابٍ أَنَّهُ سئل عن بَعِيرٍ بِبَعِيرَيْنِ إلَى أَجَلٍ فقال لَا بَأْسَ بِهِ (
قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بن عُلَيَّةَ إنْ شَاءَ اللَّهُ شَكَّ الرَّبِيعُ عن
سَلَمَةَ بن عَلْقَمَةَ شَكَكْت عن مُحَمَّدِ بن سِيرِينَ أَنَّهُ سئل عن بَيْعِ
الْحَدِيدِ بِالْحَدِيدِ فقال اللَّهُ أَعْلَمُ أَمَّا هُمْ فَكَانُوا
يَتَبَايَعُونَ الدِّرْعَ بِالْأَدْرَاعِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا بَأْسَ
بِالْبَعِيرِ بِالْبَعِيرَيْنِ مِثْلِهِ وَأَكْثَرَ يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً فإذا
تَنَحَّى عن أَنْ يَكُونَ في مَعْنَى ما لَا يَجُوزُ الْفَضْلُ في بَعْضِهِ على
بَعْضٍ فَالنَّقْدُ منه وَالدَّيْنُ سَوَاءٌ وَلَا بَأْسَ بِاسْتِسْلَافِ
الْحَيَوَانِ كُلِّهِ إلَّا الْوَلَائِدَ وَإِنَّمَا كَرِهْت اسْتِسْلَافَ
الْوَلَائِدِ لِأَنَّ من اسْتَسْلَفَ أَمَةً كان له أَنْ يَرُدَّهَا بِعَيْنِهَا فإذا
كان له أَنْ يَرُدَّهَا بِعَيْنِهَا وَجَعَلْته مَالِكًا لها بِالسَّلَفِ جَعَلْته
يَطَؤُهَا وَيَرُدُّهَا وقد حَاطَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ثُمَّ رَسُولُهُ صلى
اللَّهُ تَعَالَى عليه وسلم ثُمَّ الْمُسْلِمُونَ الْفُرُوجَ فَجَعَلَ الْمَرْأَةَ
لَا تُنْكَحُ وَالنِّكَاحُ حَلَالٌ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشُهُودٍ وَنَهَى رسول
اللَّهِ صلى اللَّهُ تَعَالَى عليه وسلم أَنْ يَخْلُوَ بها رَجُلٌ في حَضَرٍ أو
سَفَرٍ ولم يُحَرِّمْ ذلك في شَيْءٍ مِمَّا خَلَقَ اللَّهُ غَيْرَهَا جَعَلَ
الْأَمْوَالَ مَرْهُونَةً وَمَبِيعَةً بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ ولم يَجْعَلْ
الْمَرْأَةَ هَكَذَا حتى حَاطَهَا فِيمَا أَحَلَّ اللَّهُ لها بِالْوَلِيِّ
وَالشُّهُودِ فَفَرَّقْنَا بين حُكْمِ الْفُرُوجِ وَغَيْرِهَا بِمَا فَرَّقَ
اللَّهُ وَرَسُولُهُ ثُمَّ الْمُسْلِمُونَ بَيْنَهُمَا وإذا بَاعَ الرَّجُلُ
غَنَمًا بِدَنَانِيرَ إلَى أَجَلٍ فَحَلَّتْ الدَّنَانِيرُ فَأَعْطَاهُ بها
غَنَمًا من صِنْفِ غَنَمِهِ أو غَيْرِ صِنْفِهَا فَهُوَ سَوَاءٌ وَلَا يَجُوزُ
إلَّا أَنْ يَكُونَ حَاضِرًا وَلَا تَكُونُ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ في
مَعْنَى ما اُبْتِيعَ بِهِ من الْعُرُوضِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ حتى يَقْبِضَ
وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَفِ في الْحَيَوَانِ كُلِّهِ بِصِفَةٍ معلومة وَأَجَلٍ
مَعْلُومٍ وَالسَّلَفُ فيها اشْتِرَاءٌ لها وَشِرَاؤُهَا غَيْرُ اسْتِلَافِهَا
فَيَجُوزُ ذلك في الْوَلَائِدِ وَلَا خَيْرَ في السَّلَفِ إلَّا إن يَكُونَ مَضْمُونًا
على الْمُسَلِّفِ مَأْمُونًا في الظَّاهِرِ أَنْ يَعُودَ وَلَا خَيْرَ في أَنْ
يُسَلِّفَ في ثَمَرِ حَائِطٍ بِعَيْنِهِ وَلَا نِتَاجِ مَاشِيَةٍ بِعَيْنِهَا
لِأَنَّ هذا يَكُونُ وَلَا يَكُونُ وَمَنْ سَلَّفَ في عَرَضٍ من الْعُرُوضِ أو
شَيْءٍ من الْحَيَوَانِ فلما حَلَّ أَجَلُهُ سَأَلَهُ بَائِعُهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ
منه بِمِثْلِ ثَمَنِهِ أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ أو بِعَرَضٍ كان ذلك الْعَرَضُ
مُخَالِفًا له أو مثله فَلَا خَيْرَ في أَنْ يَبِيعَهُ بِحَالٍ لِأَنَّهُ بَيْعُ
ما لم يُقْبَضْ وإذا سَلَّفَ الرَّجُلُ في عَرَضٍ من الْعُرُوضِ إلَى أَجَلٍ
فَعَجَّلَ له الْمُسَلِّفُ قبل مَحِلِّ الْأَجَلِ فَلَا بَأْسَ وَلَا خَيْرَ في
أَنْ يُعَجِّلَهُ له على أَنْ يَضَعَ عنه وَلَا في أَنْ يُعَجِّلَهُ على أَنْ
يَزِيدَهُ الْمُسَلِّفُ لِأَنَّ هذا بَيْعٌ يُحْدِثَانِهِ غَيْرُ الْبِيَعِ الأول
( ( ( الأولى ) ) ) وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُعْطِيَهُ من غَيْرِ الصِّنْفِ الذي
سَلَّفَهُ عليه لِأَنَّ هذا بَيْعٌ يُحْدِثُهُ وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ
من ذلك الصِّنْفِ بِعَيْنِهِ مِثْلَ شَرْطِهِمَا أو أَكْثَرَ فَيَكُونُ
مُتَطَوِّعًا وَإِنْ أَعْطَاهُ من ذلك الصِّنْفِ أَقَلَّ من شَرْطِهِ على غَيْرِ
شَرْطٍ فَلَا بَأْسَ كما أَنَّهُ لو فَعَلَ بَعْدَ مَحِلِّهِ جَازَ وَإِنْ
أَعْطَاهُ على شَرْطٍ فَلَا خَيْرَ فيه لِأَنَّهُ يُنْقِصُهُ على أَنْ يُعَجِّلَهُ
وَكَذَلِكَ لَا يَأْخُذُ بَعْضَ ما سَلَّفَهُ فيه وَعَرَضًا غَيْرَهُ لِأَنَّ ذلك
بَيْعُ ما لم يُقْبَضْ بَعْضُهُ وَمَنْ سَلَّفَ في صِنْفٍ فَأَتَاهُ الْمُسَلِّفُ
من ذلك الصِّنْفِ بارفع من شَرْطِهِ فَلَهُ قَبْضُهُ منه وَإِنْ سأله ( ( ( لم ) )
) زيادة ( ( ( يفعل ) ) ) على جودته ( ( ( صاع ) ) ) فلا يجوز أن يزيده إلَّا أَنْ
يَتَفَاسَخَا الْبَيْعَ الْأَوَّلَ ويشترى هذا شِرَاءً جَدِيدًا لِأَنَّهُ إذَا لم
يَفْعَلْ فَهُوَ شِرَاءُ ما لم يُعْلَمْ كَأَنَّهُ سَلَّفَهُ على صَاعِ عَجْوَةٍ
جَيِّدَةٍ فَلَهُ أَدْنَى الْجَيِّدِ فَجَاءَهُ بِالْغَايَةِ من الْجَيِّدِ وقال
زِدْنِي شيئا فَاشْتَرَى منه الزِّيَادَةَ وَالزِّيَادَةُ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ لَا
هِيَ كَيْلٌ زَادَهُ فَيَزِيدُهُ وَلَا هِيَ مُنْفَصِلَةٌ من الْبَيْعِ الْأَوَّلِ
فَيَكُونُ إذَا زَادَهُ اشْتَرَى ما لَا يَعْلَمُ وَاسْتَوْفَى ما لَا يَعْلَمُ
وقد قِيلَ أنه لو اسلفه في عَجْوَةٍ فَأَرَادَ أَنْ يُعْطِيَهُ صَيْحَانِيًّا
مَكَانَ الْعَجْوَةِ لم يَجُزْ لِأَنَّ هذا بَيْعُ الْعَجْوَةِ بالصيحاني قبل أَنْ
تُقْبَضْ وقد نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن بَيْعِ الطَّعَامِ حتى
يُقْبَضَ وَهَكَذَا كُلُّ صِنْفٍ سَلَّفَ فيه من
____________________
(3/37)
طَعَامٍ أو عَرَضٍ أو غَيْرِهِ
له أَنْ يَقْبِضَهُ أَدْنَى من شَرْطِهِ وَأَعْلَى من شَرْطِهِ إذَا تَرَاضَيَا
لِأَنَّ ذلك جِنْسٌ واحد ( ( ( واحدة ) ) ) وَلَيْسَ له أَنْ يَقْبِضَ من غَيْرِ
جِنْسِ ما سَلَّفَ فيه لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ بَيْعُ ما اشْتَرَى قبل أَنْ
يَسْتَوْفِيَهُ ( قال ) وَلَا يَأْخُذُ إذَا سَلَّفَ في جَيِّدٍ رَدِيئًا على أَنْ
يَزْدَادَ شيئا وَالْعِلَّةُ فيه كَالْعِلَّةِ في أَنْ يَزِيدَهُ وَيَأْخُذَ
أَجْوَدَ وإذا أَسَلَفَ رَجُلٌ رَجُلًا في عَرَضٍ فَدَفَعَ الْمُسَلَّفُ إلَى الْمُسَلِّفِ
ثَمَنَ ذلك الْعَرَضِ على أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِنَفْسِهِ وَيَقْبِضَهُ كَرِهْت ذلك
فإذا اشْتَرَاهُ وَقَبَضَهُ بريء منه الْمُسَلِّفُ وَسَوَاءٌ كان ذلك بِبَيِّنَةٍ
أو بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ إذَا تَصَادَقَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ
تَعَالَى وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَفِ في كل ما أَسَلَفَ فيه حَالًّا أو إلَى أَجَلٍ
إذَا حَلَّ أَنْ يَشْتَرِيَ بِصِفَةٍ نَقْدًا وقد قال هذا بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ
ثُمَّ رَجَعَ عطاء عنه وإذا سَلَّفَ رَجُلٌ في صُوفٍ لم يَجُزْ أن أَنْ يُسَلِّفَ
فيه إلَّا بِوَزْنٍ مَعْلُومٍ وَصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يُسَلِّفَ
فيه عَدَدًا لِاخْتِلَافِهِ وَمَنْ اشْتَرَى من رَجُلٍ سِلْعَةً فَسَأَلَهُ أَنْ
يُقِيلَهُ فيها بِأَنْ يُعْطِيَهُ الْبَائِعُ شيئا أو يُعْطِيَهُ الْمُشْتَرِي
نَقْدًا أو إلَى أَجَلٍ فَلَا خَيْرَ في الْإِقَالَةِ على ازْدِيَادٍ وَلَا نَقْصٍ
بِحَالٍ لِأَنَّهَا إنَّمَا هِيَ فَسْخُ بَيْعٍ وَهَكَذَا لو بَاعَهُ إيَّاهَا
فَاسْتَقَالَهُ على أَنْ يُنْظِرَهُ بِالثَّمَنِ لم يَجُزْ لِأَنَّ النَّظِرَةَ
ازْدِيَادٌ وَلَا خَيْرَ في الْإِقَالَةِ على زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ وَلَا تَأْخِيرَ
في كِرَاءٍ وَلَا بَيْعٍ وَلَا غَيْرِهِ وَهَكَذَا إنْ بَاعَهُ سِلْعَةً إلَى
أَجَلٍ فَسَأَلَهُ أَنْ يُقِيلَهُ فلم يَقُلْهُ إلَّا على أَنْ يُشْرِكَهُ
الْبَائِعُ وَلَا خَيْرَ فيه لِأَنَّ الشَّرِكَةَ بَيْعٌ وَهَذَا بَيْعُ ما لم
يُقْبَضْ وَلَكِنَّهُ إنْ شَاءَ أَنْ يُقِيلَهُ في النِّصْفِ أَقَالَهُ وَلَا
يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَرِيكًا له وَالْمُتَبَايِعَانِ بِالسَّلَفِ وَغَيْرِهِ
بِالْخِيَارِ ما لم يَتَفَرَّقَا من مَقَامِهِمَا الذي تَبَايَعَا فيه فإذا
تَفَرَّقَا أو خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بَعْدَ الْبَيْعِ فَاخْتَارَ
الْبَيْعَ فَقَدْ انْقَطَعَ الْخِيَارُ وَمَنْ سَلَّفَ في طَعَامٍ أو غَيْرِهِ
إلَى أَجَلٍ فلما حَلَّ الْأَجَلُ أَخَذَ بَعْضَ ما سَلَّفَ فيه وَأَقَالَ
الْبَائِعَ من الْبَاقِي فَلَا بَأْسَ وَكَذَلِكَ لو بَاعَ حَيَوَانًا أو طَعَامًا
إلَى أَجَلٍ فَأَعْطَاهُ نِصْفَ رَأْسِ مَالِهِ وَأَقَالَهُ الْمُشْتَرِي من
النِّصْفِ وَقَبَضَهُ بِلَا زِيَادَةٍ ازْدَادَهَا وَلَا نُقْصَانٍ يَنْقُصُهُ
فَلَا بَأْسَ ( قال ) وَلَا يَجُوزُ من الْبُيُوعِ إلَّا ثَلَاثَةٌ بَيْعُ عَيْنٍ
بِعَيْنِهَا حَاضِرَةً وَبَيْعُ عَيْنٍ غَائِبَةٍ فإذا رَآهَا الْمُشْتَرِي فَهُوَ
بِالْخِيَارِ فيها وَلَا يَصْلُحُ أَنْ تُبَاعَ الْعَيْنُ الْغَائِبَةُ بِصِفَةٍ
وَلَا إلَى أَجَلٍ لِأَنَّهَا قد تُدْرَكُ قبل الْأَجَلِ فَيَبْتَاعُ الرَّجُلُ ما
يُمْنَعُ منه وهو يَقْدِرُ على قَبْضِهِ وَأَنَّهَا قد تَتْلَفُ قبل أَنْ تُدْرَكَ
فَلَا تَكُونُ قبل الْأَجَلِ فَيَبْتَاعُ الرَّجُلُ ما يُمْنَعُ منه وهو يَقْدِرُ
على قَبْضِهِ وَأَنَّهَا قد تَتْلَفُ قبل أَنْ تُدْرَكَ فَلَا تَكُونُ مَضْمُونَةً
وَالْبَيْعُ الثَّالِثُ صِفَةٌ مَضْمُونَةٌ إذَا جاء بها صَاحِبُهَا على الصِّفَةِ
لَزِمَتْ مُشْتَرِيَهَا وَيُكَلَّفُ أَنْ يَأْتِيَ بها من حَيْثُ شَاءَ ( قال أبو
يَعْقُوبَ ) الذي كان يَأْخُذُ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَيَعْمَلُ بِهِ أَنَّ
الْبَيْعَ بَيْعَانِ بَيْعُ عَيْنٍ حَاضِرَةٍ تُرَى أو بَيْعُ مَضْمُونٍ إلَى
أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَلَا ثَالِثَ لَهُمَا ( قال الرَّبِيعُ ) قد رَجَعَ
الشَّافِعِيُّ عن بَيْعِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ
اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً من السِّلَعِ إلَى أَجَلٍ من الْآجَالِ
وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَهَا الذي اشْتَرَاهَا بأقل من
الثمن أو أكثر ودين ونقد لأنها بيعة غير البيعة الأولى وقد قال بعض الناس لا
يشتريها البائع بِأَقَلَّ من الثَّمَنِ وَزَعَمَ أَنَّ الْقِيَاسَ في ذلك جَائِزٌ
وَلَكِنَّهُ زَعْمٌ تَبِعَ الْأَثَرَ وَمَحْمُودٌ منه أَنْ يَتْبَعَ الْأَثَرَ
الصَّحِيحَ فلما سئل عن الْأَثَرِ إذَا هو أبو إِسْحَاقَ عن امْرَأَتِهِ عَالِيَةَ
بِنْتِ أَنْفَعَ أنها دَخَلَتْ مع امْرَأَةِ أبي السَّفَرِ على عَائِشَةَ رضي
اللَّهُ عنها فَذَكَرَتْ لِعَائِشَةَ أَنَّ زَيْدَ بن أَرْقَمَ بَاعَ شيئا إلَى
الْعَطَاءِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهُ بِهِ فقالت عَائِشَةُ
أَخْبِرِي زَيْدَ بن أَرْقَمَ أَنَّ اللَّهَ قد أَبْطَلَ جِهَادَهُ مع رسول
اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا أَنْ يَتُوبَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقِيلَ
له ثَبَتَ هذا الْحَدِيثُ عن عَائِشَةَ فقال أبو إِسْحَاقَ رَوَاهُ عن امْرَأَتِهِ
فَقِيلَ فَتَعْرِفُ امْرَأَتَهُ بِشَيْءٍ يُثْبِتُ بِهِ حَدِيثَهَا فما عَلِمْته
قال شيئا فَقُلْت تَرُدُّ حَدِيثَ
____________________
(3/38)
بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ
مُهَاجِرَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِالْفَضْلِ بِأَنْ تَقُولَ حَدِيثُ امْرَأَةٍ وَتَحْتَجُّ
بِحَدِيثِ امْرَأَةٍ لَيْسَتْ عِنْدَك منها مَعْرِفَةٌ أَكْثَرُ من أَنَّ
زَوْجَهَا رَوَى عنها وَلَوْ كان هذا من حديث من يَثْبُتُ حَدِيثُهُ هل كان
أَكْثَرُ ما في هذا إلَّا أَنَّ زَيْدَ بن أَرْقَمَ وَعَائِشَةَ اخْتَلَفَا
لِأَنَّك تَعْلَمُ أَنَّ زَيْدًا لَا يَبِيعُ إلَّا ما يَرَاهُ حَلَالًا له
وَرَأَتْهُ عَائِشَةُ حَرَامًا وَزَعَمْت أَنَّ الْقِيَاسَ مع قَوْلِ زَيْدٍ
فَكَيْفَ لم تَذْهَبْ إلَى قَوْلِ زَيْدٍ وَمَعَهُ الْقِيَاسُ وَأَنْتَ تَذْهَبُ
إلَى الْقِيَاسِ في بَعْضِ الْحَالَاتِ فَتَتْرُكُ بِهِ السُّنَّةَ الثَّابِتَةَ
قال أَفَلَيْسَ قَوْلُ عَائِشَةَ مُخَالِفًا لِقَوْلِ زَيْدٍ قِيلَ ما تَدْرِي
لَعَلَّهَا إنَّمَا خَالَفَتْهُ في أَنَّهُ بَاعَ إلَى الْعَطَاءِ وَنَحْنُ
نُخَالِفُهُ في هذا الْمَوْضِعِ لِأَنَّهُ أَجَلٌ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَأَمَّا إنْ
اشْتَرَاهَا بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهُ بها فَلَعَلَّهَا لم تُخَالِفْهُ فيه قَطُّ
لَعَلَّهَا رَأَتْ الْبَيْعَ إلَى الْعَطَاءِ مَفْسُوخًا وَرَأَتْ بَيْعَهُ إلَى
الْعَطَاءِ لَا يَجُوزُ فَرَأَتْهُ لم يَمْلِكْ ما بَاعَ وَلَا بَأْسَ في أَنْ
يُسْلِفَ الرَّجُلُ فِيمَا ليس عِنْدَهُ أَصْلُهُ وإذا أَرَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ
السِّلْعَةَ فقال اشْتَرِ هذه وَأُرْبِحْك فيها كَذَا فَاشْتَرَاهَا الرَّجُلُ
فَالشِّرَاءُ جَائِزٌ وَاَلَّذِي قال أُرْبِحْك فيها بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ
أَحْدَثَ فيها بَيْعًا وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَهَكَذَا إنْ قال اشْتَرِ لي
مَتَاعًا وَوَصَفَهُ له أو مَتَاعًا أَيَّ مَتَاعٍ شِئْت وأنا أُرْبِحْك فيه
فَكُلُّ هذا سَوَاءٌ يَجُوزُ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ وَيَكُونُ هذا فِيمَا أَعْطَى
من نَفْسِهِ بِالْخِيَارِ وَسَوَاءٌ في هذا ما وَصَفْتُ إنْ كان قال أَبْتَاعُهُ
وَأَشْتَرِيهِ مِنْك بِنَقْدٍ أو دَيْنٍ يَجُوزُ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ
وَيَكُونَانِ بِالْخِيَارِ في الْبَيْعِ الْآخَرِ فَإِنْ جَدَّدَاهُ جَازَ وَإِنْ
تَبَايَعَا بِهِ على أَنْ أَلْزَمَا أَنْفُسَهُمَا الْأَمْرَ الْأَوَّلَ فَهُوَ
مَفْسُوخٌ من قِبَلِ شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ تَبَايَعَاهُ قبل أَنْ
يَمْلِكَهُ الْبَائِعُ وَالثَّانِي أَنَّهُ على مُخَاطَرَةِ أَنَّك إنْ
اشْتَرَيْتَهُ على كَذَا أُرْبِحْك فيه كَذَا وَإِنْ اشْتَرَى الرَّجُلُ طَعَامًا
إلَى أَجَلٍ فَقَبَضَهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَهُ مِمَّنْ اشْتَرَاهُ منه
وَمِنْ غَيْرِهِ بِنَقْدٍ وَإِلَى أَجَلٍ وَسَوَاءٌ في هذا الْمُعَيَّنَيْنِ
وَغَيْرِ الْمُعَيَّنَيْنِ وإذا بَاعَ الرَّجُلُ السِّلْعَةَ بِنَقْدٍ أو إلَى
أَجَلٍ فَتَسَوَّمَ بها الْمُبْتَاعُ فَبَارَتْ عليه أو بَاعَهَا بِوَضْعٍ أو
هَلَكَتْ من يَدِهِ فَسَأَلَ الْبَائِعَ أَنْ يَضَعَ عنه من ثَمَنِهَا شيئا أو
يَهَبَهَا كُلَّهَا فَذَلِكَ إلَى الْبَائِعِ إنْ شَاءَ فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ لم
يَفْعَلْ من قِبَلِ أَنَّ الثَّمَنَ له لَازِمٌ فَإِنْ شَاءَ تَرَكَ له من
الثَّمَنِ اللَّازِمِ وَإِنْ شَاءَ لم يَتْرُكْ وَسَوَاءٌ كان هذا عن عَادَةٍ
اعْتَادَهَا أو غَيْرِ عَادَةٍ وَسَوَاءٌ أَحْدَثَا هذا في أَوَّلِ بَيْعَةٍ
تَبَايَعَا بِهِ أو بَعْدَ مِائَةِ بَيْعَةٍ ليس لِلْعَادَةِ التي اعْتَادَهَا
مَعْنًى يُحِلُّ شيئا وَلَا يُحَرِّمُهُ وَكَذَلِكَ الْمَوْعِدُ إنْ كان قبل
الْعَقْدِ أو بَعْدَهُ فَإِنْ عَقَدَ الْبَيْعَ على مَوْعِدٍ أَنَّهُ إنْ وَضَعَ
في الْبَيْعِ وَضَعَ عنه فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ لِأَنَّ الثَّمَنَ غَيْرُ
مَعْلُومٍ وَلَيْسَ تَفْسُدُ الْبُيُوعُ أَبَدًا وَلَا النِّكَاحُ وَلَا شَيْءٌ
أَبَدًا إلَّا بِالْعَقْدِ فإذا عَقَدَ عَقْدًا صَحِيحًا لم يُفْسِدْهُ شَيْءٌ
تَقَدَّمَهُ وَلَا تَأَخَّرَ عنه كما إذَا عقد عَقَدَا فَاسِدًا لم يُصْلِحْهُ
شَيْءٌ تَقَدَّمَهُ وَلَا تَأَخَّرَ عنه إلَّا بِتَجْدِيدِ عَقْدٍ صَحِيحٍ وإذا
اشْتَرَى الرَّجُلُ من الرَّجُلِ طَعَامًا بِدِينَارٍ على أَنَّ الدِّينَارَ عليه
إلَى شَهْرٍ إلَّا أَنْ يَبِيعَ الطَّعَامَ قبل ذلك فَيُعْطِيَهُ ما بَاعَ من
الطَّعَامِ فَلَا خَيْرَ فيه لِأَنَّهُ إلَى أَجَلٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ وَلَوْ
بَاعَهُ إلَى شَهْرٍ ولم يَشْرِطْ في الْعَقْدِ شيئا أَكْثَرَ من ذلك ثُمَّ قال له
إنْ بِعْتَهُ أَعْطَيْتُك قبل الشَّهْرِ كان جَائِزًا وكان مَوْعِدًا إنْ شَاءَ
وَفَّى له وَإِنْ شَاءَ لم يَفِ له لِأَنَّهُ لَا يَفْسُدُ حتى يَكُونَ في
الْعَقْدِ وإذا ابْتَاعَ رَجُلٌ طَعَامًا سَمَّى الثَّمَنَ إلَى أَجَلٍ
وَالطَّعَامُ نَقْدٌ وَقَبَضَ الطَّعَامَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ الطَّعَامَ
بِحَدَاثَةِ الْقَبْضِ وَبَعْدَ زَمَانٍ إذَا صَارَ من ضَمَانِهِ من الذي اشْتَرَى
منه وَمِنْ غَيْرِهِ وَبِنَقْدٍ وَإِلَى أَجَلٍ لِأَنَّ الْبَيْعَةَ الْآخِرَةَ
غَيْرُ الْبَيْعَةِ الْأُولَى وإذا سَلَّفَ رَجُلٌ في الْعُرُوضِ وَالطَّعَامِ
الذي يَتَغَيَّرُ إلَى أَجَلٍ فَلَيْسَ عليه أَنْ يَقْبِضَهُ حتى يَحِلَّ أَجَلُهُ
فإذا حَلَّ أَجَلُهُ جُبِرَ على قَبَضَهُ وَسَوَاءٌ عَرَضَهُ عليه قبل أَنْ
يَحِلَّ الْأَجَلُ بِسَاعَةٍ أو بِسَنَةٍ وَإِنْ اجْتَمَعَا على الرِّضَا
بِقَبْضِهِ فَلَا بَأْسَ وَسَوَاءٌ كان ذلك قبل أَنْ يَحِلَّ الْأَجَلُ بِسَنَةٍ
أو بِسَاعَةٍ وإذا
____________________
(3/39)
ابْتَاعَ الرَّجُلُ شيئا من
الْحَيَوَانِ أو غَيْرِهِ غَائِبًا عنه وَالْمُشْتَرِي يَعْرِفُهُ بِعَيْنِهِ
فَالشِّرَاءُ جَائِزٌ وهو مَضْمُونٌ من مَالِ الْبَائِعِ حتى يَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي
فإذا كان الْمُشْتَرِي لم يَرَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ من عَيْبٍ وَمِنْ
غَيْرِ عَيْبٍ وَسَوَاءٌ وُصِفَ له أو لم يُوصَفْ إذَا اشْتَرَاهُ بِعَيْنِهِ غير
مَضْمُونٍ على صَاحِبِهِ فَهُوَ سَوَاءٌ وهو شِرَاءُ عَيْنٍ وَلَوْ جاء بِهِ على
الصِّفَةِ إذَا لم يَكُنْ رَآهُ لم يَلْزَمْهُ أَنْ يَأْخُذَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ
وَسَوَاءٌ أَدْرَكْتهَا بِالصِّفَةِ حَيَّةً أو مَيِّتَةً وَلَوْ أَنَّهُ
اشْتَرَاهُ على صِفَةٍ مَضْمُونَةٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ فَجَاءَهُ بِالصِّفَةِ
لَزِمَتْ الْمُشْتَرِيَ أَحَبَّ أو كَرِهَ وَذَلِكَ أَنَّ شِرَاءَهُ ليس بِعَيْنٍ
وَلَوْ وَجَدَ تِلْكَ الصِّفَةَ في يَدِ الْبَائِعِ فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَهَا
كان لِلْبَائِعِ أَنْ يَمْنَعَهُ إيَّاهَا إذَا أَعْطَاهُ صِفَةً غَيْرَهَا
وَهَذَا فَرْقٌ بين شِرَاءِ الْأَعْيَانِ وَالصِّفَاتِ الْأَعْيَانُ لَا يَجُوزُ
أَنْ يُحَوِّلَ الشِّرَاءَ منها في غَيْرِهَا إلَّا أَنْ يَرْضَى الْمُبْتَاعُ
وَالصِّفَاتُ يَجُوزُ أَنْ تُحَوَّلُ صِفَةٌ في غَيْرِهَا إذَا أَوْفَى أَدْنَى
صِفَةٍ وَيَجُوزُ النَّقْدُ في الشَّيْءِ الْغَائِبِ وفي الشَّيْءِ الْحَاضِرِ
بِالْخِيَارِ وَلَيْسَ هذا من بَيْعٍ وَسَلَفٍ بِسَبِيلٍ وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ
الشَّيْءَ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ تَطَوَّعَ بِالنَّقْدِ فَلَا بَأْسَ وإذا اشْتَرَى
ولم يُسَمِّ أَجَلًا فَهُوَ بِنَقْدٍ وَلَا أُلْزِمُهُ أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ
حتى يَدْفَعَ إلَيْهِ ما اشْتَرَى وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ أو
الْعَبْدَ وقد رَآهُ وهو غَائِبٌ عنه وَأَبْرَأ الْبَائِعَ من عَيْبٍ بِهِ ثُمَّ
أَتَاهُ بِهِ فقال قد زَادَ الْعَيْبُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مع
يَمِينِهِ وَلَا تُبَاعُ السِّلْعَةُ الْغَائِبَةُ على أنها إنْ تَلِفَتْ فَعَلَى
صَاحِبِهَا مِثْلُهَا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ الشَّيْءَ لِغَائِبٍ بِدَيْنٍ
إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَالْأَجَلُ من يَوْمِ تَقَعُ الصَّفْقَةُ فَإِنْ قال
اشتريها مِنْك إلَى شَهْرٍ من يَوْمِ أَقْبِضُ السِّلْعَةَ فَالشِّرَاءُ بَاطِلٌ
لِأَنَّهُ قد يَقْبِضُهَا في يَوْمِهِ وَيَقْبِضُهَا بَعْدَ شَهْرٍ وَأَكْثَرَ - *
بَابٌ في بَيْعِ الْغَائِبِ إلَى أَجَلٍ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ
اللَّهُ وإذا بَاعَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ عَبْدًا له غَائِبًا بِذَهَبٍ دَيْنًا
له على آخَرَ أو غَائِبَةً عنه بِبَلَدٍ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ ( قال ) وَكَذَلِكَ
لو بَاعَهُ عَبْدًا وَدَفَعَهُ إلَيْهِ إلَّا أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ ويرضى
الْآخَرَ بِحَوَالَةٍ على رَجُلٍ فإما أَنْ يَبِيعَهُ إيَّاهُ وَيَقُولُ خُذْ
ذَهَبِي الْغَائِبَةَ على أَنَّهُ إنْ لم يَجِدْهَا فَالْمُشْتَرِي ضَامِنٌ لها
فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ لِأَنَّ هذا أَجَلٌ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَبَيْعٌ بِغَيْرِ
مُدَّةٍ وَمُحَوَّلًا في ذِمَّةٍ أُخْرَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ أتى
حَائِكًا فَاشْتَرَى ثَوْبًا على مَنْسَجِهِ قد بَقِيَ منه بَعْضُهُ فَلَا خَيْرَ
فيه نَقَدَهُ أو لم يَنْقُدْهُ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي كَيْفَ يُخْرِجُ بَاقِيَ
الثَّوْبِ وَهَذَا لَا بَيْعُ عَيْنٍ يَرَاهَا وَلَا صِفَةٍ مَضْمُونَةٍ قال وَلَا
بَأْسَ بِشِرَاءِ الدَّارِ حَاضِرَةً وَغَائِبَةً وَنَقْدِ ثَمَنِهَا
وَمُذَارَعَةً وَغَيْرَ مُذَارَعَةٍ ( قال ) وَلَا بَأْسَ بِالنَّقْدِ في بَيْعِ
الْخِيَارِ ( قال ) وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ بِالْخِيَارِ وَقَبَضَ الْمُشْتَرِي
فَالْمُشْتَرِي ضَامِنٌ حتى يَرُدَّ السِّلْعَةَ كما أَخَذَهَا وَسَوَاءٌ كان
الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أو لِلْمُشْتَرِي أو لَهُمَا مَعًا وإذا بَاعَ الرَّجُلُ
السِّلْعَةَ وهو بِالْخِيَارِ فَلَيْسَ لِلَّذِي عليه الْخِيَارُ أَنْ يَرُدَّ
إنَّمَا يَرُدُّ الذي له الْخِيَارُ ( قال ) وَبَيْعُ الْخِيَارِ جَائِزٌ من بَاعَ
جَارِيَةً فَلِلْمُشْتَرِي قَبْضُهَا وَلَيْسَ عليه وَضْعُهَا لِلِاسْتِبْرَاءِ
وَيَسْتَبْرِئُهَا الْمُشْتَرِي عِنْدَهُ وإذا قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي فَهِيَ من
ضَمَانِهِ وفي مِلْكِهِ وإذا حَالَ الْبَائِعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَضَعَهَا على
يَدَيْ عَدْلٍ يَسْتَبْرِئُهَا فَهِيَ من ضَمَانِ الْبَائِعِ حتى يَقْبِضَهَا
الْمُشْتَرِي ثُمَّ يَكُونَ هو الذي يَضَعُهَا وَيَجُوزُ بَيْعُ الْمُشْتَرِي فيها
وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْبَائِعِ حتى يَرُدَّهَا الْمُشْتَرِي أو يَتَفَاسَخَا
الْبَيْعَ وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِالْخِيَارِ فَمَاتَ قبل أَنْ يَخْتَارَ
فَوَرَثَتُهُ يَقُومُونَ مَقَامَهُ وإذا بَاعَ الرَّجُلُ السِّلْعَةَ لِرَجُلٍ
وَاسْتَثْنَى رِضَا الْمَبِيعِ له ما بَيْنَهُ وَبَيْنَ ثَلَاثٍ فَإِنْ رضي
الْمَبِيعُ له فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَإِنْ أَرَادَ الرَّدَّ فَلَهُ الرَّدُّ
وَإِنْ جَعَلَ الرَّدَّ إلَى غَيْرِهِ فَلَيْسَ ذلك له إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ
وَكِيلًا بِرَدٍّ أو إجَازَةٍ فَتَجُوزُ الْوَكَالَةُ عن أَمْرِهِ ( قال
الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ بَاعَ
____________________
(3/40)