دعائي

قلت المدون تم بحمد الله وفضله ثم قلت: اللهم فكما ألهمت بإنشائه وأعنت على إنهائه فاجعله نافعاً في الدنيا وذخيرة صالحة في الأخرى واختم بالسعادة آجالنا وحقق بالزيادة آمالنا واقرن بالعافية غدونا وآصالنا واجعل إلى حصنك مصيرنا ومآلنا وتقبل بفضلك أعمالنا إنك مجيب الدعوات ومفيض الخيرات والحمد الله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم إلى يوم الدين اللهم لنا جميعا يا رب العالمين .وسبحان الله وبحمده  عدد خلقه وزنة عرشه  ورضا نفسه ومداد كلماته  } أقولها ما حييت وبعد موتي  والي يوم الحساب وارحم  واغفر اللهم لوالديَّ ومن مات من اخوتي واهلي والمؤمنين منذ خَلَقْتَ الخلق الي يوم الحساب آمين وفرِّجِ كربي وردَّ اليَّ عافيتي وارضي عني في الدارين  واعِنِّي علي أن اُنْفِقها في سبيلك يا ربي اللهم فرِّج كربي واكفني همي واكشف البأساء والضراء عني وعنا.. وردَّ إليَّ عافيتي وثبتني علي دينك الحق ولا تُزِغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب اللهم وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وتوفنا مع الأبرار وألِّفْ بين قلوبنا اجمعين.يا عزيز يا غفار ... اللهم واشفني شفاءاً لا يُغَادر سقما واعفو عني وعافني وارحمني وفرج كربي واكفني همي واعتقني مما أصابني من مكروه أنت تعلمه واعتقني من النار وقني عذاب القبر وعذاب جهنم وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال ومن المأثم والمغرم ومن غلبة الدين وقهر الرجال اللهم آمين /اللهم ربي اشرح لي صدري ويسر لي أمري وأحلل عُقَد لساني واغنني بك عمن سواك يارب . والحمد الله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم إلى يوم الدين آمين.

الجمعة، 19 أغسطس 2022

مجلد15.و16. الأم للشافعي

 مجلد15.و16. الأم للشافعي

  مجلد15. الأم للشافعي
محمد بن إدريس الشافعي أبو عبد الله
سنة الولادة
150/ سنة الوفاة 204.

= أَيْمَانٍ وَخَامِسَةً وهو قَاذِفٌ لِامْرَأَتِهِ وَأَحْلَفْت الْقَاذِفَ لِغَيْرِ امْرَأَتِهِ يَمِينًا وَاحِدَةً وَكَيْفَ أَحَلَفْت في الدَّمِ خَمْسِينَ وَأَحْلَفْت في الْحُقُوقِ غَيْرِهِ وَغَيْرِ اللِّعَانِ يَمِينًا وَاحِدَةً وَكَيْفَ أَحَلَفْت الرَّجُلَ على فِعْلِهِ ولم تُحَلِّفْهُ على غَيْرِ فِعْلِهِ ثُمَّ أَحَلَفْتَهُ في الْقَسَامَةِ على فِعْلِهِ وما عَلِمَ فِعْلَ غَيْرِهِ قال اتَّبَعْنَا في بَعْضِ هذا كِتَابًا وفي بَعْضِهِ أَثَرًا وفي بَعْضِهِ قَوْلَ الْفُقَهَاءِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقُلْت له وَنَحْنُ اتَّبَعْنَا الْكِتَابَ وَسُنَّةَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْآثَارَ عن أَصْحَابِهِ وَاجْتِمَاعَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا فَكَيْفَ عِبْت عَلَيْنَا اتِّبَاعَ ما هو أَلْزَمُ من إحْلَافِك في الْقَسَامَةِ ما قَتَلْت وَلَا عَلِمْت قال فإن صَاحِبَنَا قال إنَّمَا أَخَذَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ الْيَمِينَ على الْمِنْبَرِ عن مَرْوَانَ وَخَالَفُوا زَيْدًا فَذَكَرْت له ما كَتَبْت في كِتَابِي من قَوْلِ اللَّهِ عز وجل وَسُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وما روى عن أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فقال لم يذكر صَاحِبُنَا هذا وقال إنَّ زَيْدًا أَنْكَرَ الْيَمِينَ على الْمِنْبَرِ فَقُلْت له فَصَاحِبُك إنْ كان عَلِمَ سُنَّةً فَسَكَتَ عنها فلم يُنْصِفْ وَإِنْ كان لم يَعْلَمْهَا فَقَدْ عَجَّلَ قبل أَنْ يَعْلَمَ فَقُلْت له زَيْدٌ من أَكْرَمِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ على مَرْوَانَ وَأَحْرَاهُمْ أَنْ يَقُولَ له ما أَرَادَ وَيَرْجِعُ مَرْوَانُ إلَى قَوْلِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ أَنَّ زَيْدًا دخل على مَرْوَانَ فقال أَيَحِلُّ بَيْعُ الرِّبَا فقال مَرْوَانُ أَعُوذُ بِاَللَّهِ قال فَالنَّاسُ يَتَبَايَعُونَ الصُّكُوكَ قبل أَنْ يَقْبِضُونَهَا فَبَعَثَ مَرْوَانُ حَرَسًا يَرُدُّونَهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَلَوْ لم يَعْرِفْ زَيْدٌ أَنَّ الْيَمِينَ عليه لَقَالَ لِمَرْوَانَ ما هذا على وَكَيْفَ تُشْهِرُ يَمِينِي على الْمِنْبَرِ وَلَكَانَ عِنْدَ مَرْوَانَ لِزَيْدٍ أَنْ لَا يمضى عليه ما ليس عليه لو عَزَمَ على أَنْ يُمْضِيه لَقَالَ زَيْدٌ ليس هذا على قال فَلِمَ حَلَفَ زَيْدٌ أَنَّ حَقَّهُ لَحَقٌّ قُلْنَا أو ما يَحْلِفُ الرَّجُلُ من غَيْرِ أَنْ يُسْتَحْلَفَ فإذا شَهَرْت يَمِينَهُ كَرِهَ أَنْ تَصْبِرَ يَمِينُهُ وَتُشْهَرَ قال بَلَى قُلْنَا وَلَوْ لم يَكُنْ على صَاحِبِك حُجَّةٌ إلَّا ما احْتَجَّ بِهِ من حديث زَيْدٍ كانت عليه حُجَّةٌ فَكَيْفَ وَهِيَ بِالسُّنَّةِ وَالْخَبَرِ عن أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَثْبَتُ قال فَكَيْفَ يَحْلِفُ من بِالْأَمْصَارِ على الْعَظِيمِ من الْأَمْرِ قُلْنَا بَعْدَ الْعَصْرِ كما قال اللَّهُ عز وجل { تَحْبِسُونَهُمَا من بَعْدِ الصَّلَاةِ } وَكَمَا أَمَرَ بن عَبَّاسٍ بن أبي مُلَيْكَةَ بِالطَّائِفِ أَنْ يَحْبِسَ الْجَارِيَةَ بَعْدَ الْعَصْرِ ثُمَّ يَقْرَأَ عليها { إنْ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا } فَفَعَلَ فَاعْتَرَفَتْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا بِذَلِكَ بن مُؤَمَّلٍ عن بن أبي مُلَيْكَةَ عن بن عَبَّاسٍ - * بَابُ رَدِّ الْيَمِينِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن بن أبي لَيْلَى بن عبد اللَّهِ بن عبد الرحمن بن سَهْلٍ عن سَهْلِ بن أبي حَثْمَةَ أَنَّهُ أخبره رِجَالٌ من كُبَرَاءِ قَوْمِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لِحُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ وَعَبْدِ الرحمن تَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ قالوا لَا قال فَتَحْلِفُ يَهُودُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَخْبَرَنَا عبد الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ وبن عُيَيْنَةَ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن بُشَيْرِ بن يَسَارٍ عن سَهْلِ بن أبي حَثْمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَدَأَ الْأَنْصَارِيِّينَ فلما لم يَحْلِفُوا رَدَّ الْأَيْمَانَ على يَهُودَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن بُشَيْرِ بن يَسَارٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مثله ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ أَنَّ رَجُلًا من بَنِي لَيْثِ بن سَعْدٍ أَجْرَى فَرَسًا فَوَطِئَ أُصْبُعَ رَجُلٍ من جُهَيْنَةَ فَنَزَى فيها فَمَاتَ فقال عُمَرُ لِلَّذِينَ ادَّعَى عليهم تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا ما مَاتَ منها فَأَبَوْا وَتَحَرَّجُوا من الْأَيْمَانِ فقال للاخرين احْلِفُوا أَنْتُمْ فَأَبَوْا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَدْ رأي رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْيَمِينَ على الْأَنْصَارِيِّينَ يَسْتَحِقُّونَ بها فلما لم يَحْلِفُوا حَوَّلَهَا على الْيَهُودِ يَبْرَءُونَ بها وَرَأَى عُمَرُ على اللَّيْثِيِّينَ يَبْرَءُونَ بها فلما أَبَوْا حَوَّلَهَا على الْجُهَنِيِّينَ يَسْتَحِقُّونَ بها فَكُلُّ هذا تَحْوِيلُ يَمِينٍ من مَوْضِعٍ قد رُئِيَتْ فيه إلَى الْمَوْضِعِ الذي يُخَالِفُهُ فَبِهَذَا وما أَدْرَكْنَا عليه أَهْلَ الْعِلْمِ قَبْلَنَا قُلْنَا في رَدِّ الْيَمِينِ وقد قال اللَّهُ عز وجل { تَحْبِسُونَهُمَا من بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ } وقال اللَّهُ
____________________

(7/37)


عز وجل { فَإِنْ عُثِرَ على أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا من الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عليهم الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ } فبهذا ( ( ( فهذا ) ) ) وما أَدْرَكْنَا عليه أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا يحكمونه ( ( ( يحكونه ) ) ) عن مُفْتِيهمْ وَحُكَّامِهِمْ قَدِيمًا وَحَدِيثًا قُلْنَا بِرَدِّ الْيَمِينِ فإذا كانت الدَّعْوَى دَمًا فَالسُّنَّةُ فيها أَنْ يَبْدَأَ الْمُدَّعُونَ إذَا كان ما تَجِبُ بِهِ الْقَسَامَةُ وَهَذَا مَكْتُوبٌ في كِتَابِ الْعُقُولِ فَإِنْ حَلَفُوا اسْتَحَقُّوا وَإِنْ أَبَوْا الْأَيْمَانَ قِيلَ يَحْلِفُ لَكُمْ الْمُدَّعَى عليهم فَإِنْ حَلَفُوا بَرِئُوا وَلَا يَحْلِفُونَ وَيَغْرَمُونَ وَالْقَسَامَةُ في الْعَمْدِ والخطأ سَوَاءٌ يَبْدَأُ فيها الْمُدَّعُونَ وَإِنْ كانت الدَّعْوَى غير دَمٍ وَكَانَتْ الدَّعْوَى ما لا أُحْلِفَ الْمُدَّعَى عليه فَإِنْ حَلَفَ بريء وَإِنْ نَكَلَ عن الْيَمِينِ قِيلَ للمدعى ليس النُّكُولُ بِإِقْرَارٍ فَتَأْخُذُ منه حَقَّك كما تَأْخُذُهُ بِالْإِقْرَارِ وَلَا بَيِّنَةَ فَتَأْخُذُ بها حَقَّك بِغَيْرِ يَمِينٍ فَاحْلِفْ وَخُذْ حَقَّك فَإِنْ أَبَيْت أَنْ تَحْلِفَ سَأَلْنَاك عن إبَائِك فَإِنْ ذَكَرْت أَنَّك تأتى بِبَيِّنَةٍ أو تَذْكُرُ مُعَامَلَةً بَيْنَك وَبَيْنَهُ تَرَكْنَاك فَمَتَى جِئْت بِشَيْءٍ تَسْتَحِقُّ بِهِ أَعْطَيْنَاك وَإِنْ لم تَأْتِ بِهِ حَلَفْت فَإِنْ قُلْت لَا أُؤَخِّرُ ذلك لِشَيْءٍ غير أَنِّي لَا أَحْلِفُ أَبْطَلْت يَمِينَك فَإِنْ طَلَبْتهَا بَعْدُ لم نُعْطِك بها شيئا وَإِنْ حَلَفَ الْمُدَّعَى عليه فَبَرِئَ أو لم يَحْلِفْ فَنَكَلَ المدعى فَأَبْطَلْنَا يَمِينَهُ ثُمَّ جاء بِشَاهِدَيْنِ أَخَذْنَا له بِحَقِّهِ وَالْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ أَحَقُّ من الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ وقد قِيلَ إنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا لَا يَأْخُذُ له بِالشُّهُودِ إذَا حَلَفَ المدعي عليه وَيَقُولُ قد مَضَى الْحُكْمُ بِإِبْطَالِ الْحَقِّ عنه فَلَا آخُذُهُ بَعْدَ أَنْ بَطَلَ وَلَوْ أَبَى المدعى الْيَمِينَ فَأَبْطَلْت أَنْ أُعْطِيه بِيَمِينِهِ ثُمَّ جاء بِشَاهِدٍ فقال أَحْلِفُ معه لم أَرَ أَنْ يَحْلِفَ لِأَنِّي قد حَكَمْت أَنْ لَا يَحْلِفَ في هذا الْحَقِّ وَلَوْ ادَّعَى عليه حَقًّا فَقُلْت لِلْمُدَّعَى عليه احْلِفْ فأبي وَرَدَّ الْيَمِينَ على المدعى فَقُلْت للمدعى احْلِفْ فقال الْمُدَّعَى عليه بَلْ أنا أَحْلِفُ لم أَجْعَلْ ذلك له لِأَنِّي قد أَبْطَلْت أَنْ يَحْلِفَ وَحَوَّلْت الْيَمِينَ على المدعى فَإِنْ حَلَفَ اسْتَحَقَّ وَإِنْ لم يَحْلِفْ أَبْطَلْت حَقَّهُ بِلَا يَمِينٍ من الْمُدَّعَى عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ تَدَاعَى رَجُلَانِ شيئا في أَيْدِيهِمَا وكان كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يدعى كُلَّهُ أَحَلَفْت كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ فَإِنْ حَلَفَا مَعًا فَالشَّيْءُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ كما كان في أَيْدِيهِمَا فَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا وأبي الْآخَرُ أَنْ يَحْلِفَ قِيلَ لِلْحَالِفِ إنَّمَا أَحَلَفْنَاك على النِّصْفِ الذي في يَدِك فلما حَلَفْت جَعَلْنَاهُ لَك وَقَطَعْنَا دَعْوَى المدعى عَلَيْك وَأَنْتَ تدعى نِصْفًا في يَدِهِ فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ فَاحْلِفْ أَنَّهُ لَك كما ادَّعَيْت فَإِنْ حَلَفَ فَهُوَ له وَإِنْ أبي فَهُوَ لِلَّذِي في يَدَيْهِ وَلَوْ كانت دَارٌ في يَدَيْ رَجُلٍ فَادَّعَى آخَرُ أنها دَارُهُ يَمْلِكُهَا بِوَجْهٍ من وُجُوهِ الْمِلْكِ وَسَأَلَ يَمِينَ الذي الدَّارُ في يَدَيْهِ أو سَأَلَ أَنْ تَكُونَ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ ما اشْتَرَيْتهَا وما وَهَبْت لي فَإِنْ أَبَى ذلك الذي الدَّارُ في يَدَيْهِ أَحَلَفْنَاهُ بِاَللَّهِ كما يَحْلِفُ ما لِهَذَا المدعى يُسَمِّيه بِاسْمِهِ في هذه الدَّارِ حَقٌّ بِمِلْكٍ وَلَا غَيْرِهِ بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ من قِبَلِ أَنَّهُ قد يَشْتَرِيهَا ثُمَّ تَخْرُجُ من يَدَيْهِ وَيَتَصَدَّقُ بها عليه فَتَخْرُجُ أَيْضًا من يَدَيْهِ وَتُوهَبُ له وَلَا يَقْبِضُهَا فإذا أَحَلَفْنَاهُ كما وَصَفْت فَقَدْ احْتَطْنَا له وَعَلَيْهِ في الْيَمِينِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَخَالَفَنَا في رَدِّ الْيَمِينِ بَعْضُ الناس وقال من أَيْنَ أَخَذْتُمُوهَا فَحَكَيْت له ما كَتَبْت من السُّنَّةِ وَالْأَثَرِ عن عُمَرَ وَغَيْرِهِ مِمَّا كَتَبْت وَقُلْت له كَيْفَ لم تَصِرْ إلَى الْقَوْلِ بها مع ثُبُوتِ الْحُجَجِ عَلَيْك فيها قال فَإِنِّي إنَّمَا رَدَدْتهَا لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال الْبَيِّنَةُ على من ادَّعَى وَالْيَمِينُ على من أَنْكَرَ وَقَالَهُ عُمَرُ فَقُلْت له وَهَذَا على ما قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وروى عن عُمَرَ وهو على خَاصٍّ فِيمَا بَيَّنَّاهُ في كِتَابِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ فَإِنْ كانت بَيِّنَةٌ أُعْطَى بها المدعى وإذا لم تَكُنْ أَحْلَفَ الْمُدَّعَى عليه وَلَيْسَ فِيمَا قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْيَمِينِ على الْمُدَّعَى عليه أَنَّهُ إنْ لم يَحْلِفْ أُخِذَ منه الْحَقَّ قال فَإِنِّي أَقُولُ هذا عَامٌّ وَلَا أُعْطِي مُدَّعِيًا إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَلَا أُبَرِّئُ مُدَّعًى عليه ( 1 ) من يَمِينٍ فإذا لم يَحْلِفْ لَزِمَهُ ما ادعى عليه وإذا حَلَفَ بريء فَقُلْت له أَرَأَيْت مَوْلًى لي وَجَدْته قَتِيلًا في مَحَلَّةٍ فَحَضَرْتُك أنا وَأَهْلُ الْمَحَلَّةِ فَقَالُوا لَك أيدعى هذا بِبَيِّنَةٍ فَقُلْت لَا بَيِّنَةَ لي فَقُلْت فَاحْلِفُوا وَاغْرَمُوا فَقَالُوا لَك قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
____________________

(7/38)


الْيَمِينُ على الْمُدَّعَى عليه وَهَذَا لَا يدعى عَلَيْنَا قال كَأَنَّكُمْ مُدَّعًى عَلَيْكُمْ قُلْنَا وَقَالُوا فإذا حَكَمْت بِكَأَنَّ وَكَأَنَّ مِمَّا لَا يَجُوزُ عِنْدَك هِيَ فِيمَا كَأَنَّ فيه ليس كان أَفَعَلَيْنَا كُلُّنَا أو على بَعْضِنَا قال بَلْ على كُلِّكُمْ قُلْت فَقَالُوا فَأَحْلِفْ كُلَّنَا وَإِلَّا فَأَنْتَ تَظْلِمُهُ إذَا اقْتَصَرْت بِالْأَيْمَانِ على الْخَمْسِينَ وهو يَدَّعِي على مِائَةٍ وَأَكْثَرَ وهو عِنْدَك لو ادَّعَى دِرْهَمًا على مِائَةٍ أَحَلَفْتهمْ كُلَّهُمْ وَظَلَمْتنَا إذْ أَحَلَفْتنَا فلم تُبَرِّئْنَا وَالْيَمِينُ عِنْدَك مَوْضِعُ بَرَاءَةٍ وإذا أَعْطَيْته بِلَا بَيِّنَةٍ فَخَرَجْت من جَمِيعِ ما احْتَجَجْت بِهِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَعَنْ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه قال هذا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَعَنْ عُمَرَ خَاصَّةً قُلْت فَإِنْ كان عن عُمَرَ خَاصًّا فَلَا نُبْطِلُهُ بِالْخَبَرِ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَعَنْ عُمَرَ ونمضى الْخَبَرَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَعَنْ عُمَرَ في غَيْرِ ما جاء فيه نَصُّ خَبَرٍ عن عُمَرَ قال نعم قُلْنَا وَلَا يَخْتَلِفَانِ عِنْدَك قال لَا قُلْنَا وَيَدُلُّك خُصُوصُهُ حُكْمًا يَخْرُجُ من جُمْلَةِ قَوْلِهِ أَنَّ جُمْلَةَ قَوْلِهِ لَيْسَتْ على كل شَيْءٍ قال نعم وَقُلْت له فَاَلَّذِي احْتَجَجْت بِهِ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَعَنْ عُمَرَ في نَقْلِ الْأَيْمَانِ عن مَوَاضِعِهَا التي اُبْتُدِئَتْ فيها أَثْبَتُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من قَوْلِهِ الْبَيِّنَةُ على المدعى وَالْيَمِينُ على الْمُدَّعَى عليه وَاَلَّذِي احْتَجَجْت بِهِ عن عُمَرَ أَثْبَتُ عنه من قَوْلِك في الْقَسَامَةِ عنه فَكَيْفَ جَعَلْت الرِّوَايَةَ الضَّعِيفَةَ عن عُمَرَ حُجَّةً على ما زَعَمْت من عُمُومِ السُّنَّةِ التي تُخَالِفُهُ وَمِنْ عُمُومِ قَوْلِهِ الذي يُخَالِفُهُ وَعِبْت على أَنْ قلت بِسُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في رَدِّ الْيَمِينِ وَاسْتَدْلَلْت بها على أَنَّ قَوْلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْبَيِّنَةُ على المدعى وَالْيَمِينُ على الْمُدَّعَى عليه خَاصٌّ فَأَمْضَيْت سُنَّتَهُ بِرَدِّ الْيَمِينِ على ما جَاءَتْ فيه وَسُنَّتُهُ في الْبَيِّنَةِ على المدعى وَالْيَمِينُ على الْمُدَّعَى عليه ولم يَكُنْ في قَوْلِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْيَمِينُ على الْمُدَّعَى عليه بَيَانٌ أَنَّ النُّكُولَ كَالْإِقْرَارِ إذَا لم يَكُنْ مع النُّكُولِ شَيْءٌ يُصَدِّقُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وهو يُخَالِفُ الْبَيِّنَةُ على المدعى وَالْيَمِينُ على الْمُدَّعَى عليه بِكَثِيرٍ قد كَتَبْنَا ذلك في الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ وَكِتَابِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ وَاكْتَفَيْنَا بِاَلَّذِي حَكَيْنَا في هذا الْكِتَابِ وَقُلْت له فَكَيْفَ تَزْعُمُ أَنَّ النُّكُولَ يَقُومُ مَقَامَ الْإِقْرَارِ فَإِنْ ادَّعَيْت حَقًّا على رَجُلٍ كَثِيرًا وَقُلْت فَقَأَ عَيْنَ غُلَامِي أو قَطَعَ يَدَهُ أو رِجْلَهُ فلم يَحْلِفْ قَضَيْت عليه بِالْحَقِّ وَالْجِرَاحِ كُلِّهَا فَإِنْ ادَّعَيْت أَنَّهُ قَتَلَهُ قُلْت الْقِيَاسُ إذَا لم يَحْلِفْ أَنْ يَقْتُلَ وَلَكِنْ أَسْتَحْسِنُ فَأَحْبِسُهُ حتى يُقِرَّ فَيُقْتَلَ أو يَحْلِفَ فَيَبْرَأَ وقال صَاحِبُك بَلْ أَجْعَلُ عليه الدِّيَةَ وَلَا أَحْبِسُهُ وَأَحَلْتُمَا جميعا في الْعَمْدِ وهو عِنْدَكُمَا لَا دِيَةَ فيه فقال أَحَدُكُمَا هو حُكْمُ الخطأ وقال الْآخَرُ أَحْبِسُهُ وَخَالَفْتُمَا أَصْلَ قَوْلِكُمَا إن النُّكُولَ يَقُومُ مَقَامَ الْإِقْرَارِ فَكَيْفَ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ إنْ لَاعَنْتُمْ بين زَوْجَيْنِ فَالْتَعَنَ الزَّوْجُ وَأَبَتْ الْمَرْأَةُ تَلْتَعِنَ حَبَسْتُمُوهَا ولم تَحُدُّوهَا وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ على إيجَابِ الْحَدِّ عليها لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل يقول { وَيَدْرَأُ عنها الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ } فَبَيَّنَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّ الْعَذَابَ لَازِمٌ لها إذَا الْتَعَنَ الزَّوْجُ إلَّا أَنْ تَشْهَدَ وَنَحْنُ نَقُولُ تُحَدُّ إنْ لم تَلْتَعِنْ وَخَالَفْتُمْ أَصْلَ مَذْهَبِكُمْ فيه فقال فَكَيْفَ لم تَجْعَلُوا النُّكُولَ يُحِقُّ الْحَقَّ للمدعى على الْمُدَّعَى عليه وَجَعَلْتُمْ يَمِينَ المدعى يَحِقُّهُ عليه فَقُلْت له حَكَمَ اللَّهُ فِيمَنْ رَمَى امْرَأَةً بِزِنَا أَنْ يأتى بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ أو يُحَدَّ فَجَعَلَ شُهُودَ الزنى أَرْبَعَةً وَحَكَمَ بين الزَّوْجَيْنِ أَنْ يَلْتَعِنَ الزَّوْجُ ثُمَّ يَبْرَأُ من الْحَدِّ وَيَلْزَمُ الْمَرْأَةَ الْحَدُّ إلَّا بِأَنْ تَحْلِفَ فَإِنْ حَلَفَتْ بَرِئَتْ وَإِنْ نَكَلَتْ لَزِمَهَا ما نَكَلَتْ عنه وَلَيْسَ بِنُكُولِهَا فَقَطْ لَزِمَهَا وَلَكِنْ بِنُكُولِهَا مع يَمِينِهِ فلما اجْتَمَعَ النُّكُولُ وَيَمِينُ الزَّوْجِ لَزِمَهَا الْحَدُّ وَوَجَدْنَا السُّنَّةَ وَالْخَبَرَ بِرَدِّ الْيَمِينَ فَقُلْنَا إذَا لم يَحْلِفْ من عليه مُبْتَدَأُ الْيَمِينِ رَدَدْنَاهَا على الذي يُخَالِفُهُ فَإِنْ حَلَفَ فَاجْتَمَعَ أَنْ نَكَلَ من ادَّعَى عليه وَحَلَفَ هو أَخَذَ حَقَّهُ وَإِنْ لم يَحْلِفْ لم يَأْخُذْ حَقَّهُ لِأَنَّ النُّكُولَ ليس بِإِقْرَارٍ ولم نَجِدْ السُّنَّةَ وَلَا الْأَثَرَ بِالنُّكُولِ فَقَطْ إقْرَارًا وَوَجَدْنَا حُكْمَ الْقُرْآنِ كما وَصَفْت من أَنْ يُقَامَ الْحَدُّ على الْمَرْأَةِ إذَا نَكَلَتْ وَحَلَفَ الزَّوْجُ لَا إذَا نَكَلَتْ فَقَطْ اتِّبَاعًا وَقِيَاسًا بَلْ وَجَدْتهَا لَا يَخْتَلِفُ الناس في أَنْ لَا حَدَّ عليها إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ أو اعْتِرَافٍ وَأَنْ لو عُرِضَتْ عليها الْيَمِينُ فلم تَلْتَعِنْ لم تُحَدَّ بِتَرْكِ
____________________

(7/39)


الْيَمِينِ وإذا حَلَفَ الزَّوْجُ قَبْلَهَا ثُمَّ لم تَحْلِفْ فَاجْتَمَعَتْ يَمِينُ الزَّوْجِ الْمُدَافِعِ عن نَفْسِهِ الْحَدَّ وَالْوَلَدُ الذي هو خَصْمٌ يَلْزَمُهُ دُونَ الْأَجْنَبِيِّ وَنُكُولُهَا عَمَّا أَلْزَمَهَا الْتِعَانُهُ وهو يَمِينُهُ حُدَّتْ بِالدَّلَالَةِ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَيَدْرَأُ عنها الْعَذَابَ } - * في حُكْمِ الْحَاكِمِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه عن زَيْنَبَ بِنْتِ أبي سَلَمَةَ عن أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إنَّمَا أنا بَشَرٌ وأنكم تَخْتَصِمُونَ إلى وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ من بَعْضٍ فَأَقْضِي له على نَحْوِ ما أَسْمَعُ منه فَمَنْ قَضَيْت له بِشَيْءٍ من حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذَنَّهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ له قِطْعَةً من النَّارِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَبِهَذَا نَقُولُ وفي هذا الْبَيَانِ الذي لَا إشْكَالَ معه بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَنِعْمَتِهِ على عَالِمٍ فَنَقُولُ وَلِيُّ السَّرَائِرِ اللَّهُ عز وجل فَالْحَلَالُ وَالْحَرَامُ على ما يَعْلَمُهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَالْحُكْمُ على ظَاهِرِ الْأَمْرِ وَافَقَ ذلك السَّرَائِرَ أو خَالَفَهَا فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا زَوَّرَ بَيِّنَةً على آخَرَ فَشَهِدُوا أَنَّ له عليه مِائَةَ دِينَارٍ فَقَضَى بها الْقَاضِي لم يَحِلَّ للمقضى له أَنْ يَأْخُذَهَا إذَا عَلِمَهَا بَاطِلًا وَلَا يُحِيلُ حُكْمُ الْقَاضِي عِلْمَ الْمَقْضِيِّ له والمقضى عليه وَلَا يَجْعَلُ الْحَلَالَ على وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَرَامًا وَلَا الْحَرَامَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا حَلَالًا فَلَوْ كان حُكْمٌ أَبَدًا يُزِيلُ عِلْمَ الْمَقْضِيِّ له وَعَلَيْهِ حتى يَكُونَ ما عَلِمَهُ أَحَدُهُمَا مُحَرَّمًا عليه فَأَبَاحَهُ له الْقَاضِي أو عَلِمَهُ حَلَالًا فَحَرَّمَهُ عليه الْقَاضِي بِالظَّاهِرِ عِنْدَهُ حَائِلًا بِحُكْمِ الْقَاضِي عن عِلْمِ الْخَصْمَيْنِ كان حُكْمُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَوْلَى الْأَحْكَامِ أَنْ يَكُونَ هَكَذَا فَقَدْ أَعْلَمَهُمْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ بِالظَّاهِرِ وَأَنَّ حُكْمَهُ لَا يُحِلُّ لهم ما حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عليهم فَأَصْلُ هذا ما وَصَفْت لَك من أَنْ تَنْظُرَ ما حَلَّ لَك فَإِنْ حُكِمَ لَك بِهِ أَخَذْته وما حُرِّمَ عَلَيْك فَحُكِمَ لَك بِهِ لم تَأْخُذْهُ وَلَوْ طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ جَحَدَ فَأَحْلَفَهُ الْحَاكِمُ ثُمَّ قَضَى له بِحَبْسِهَا لم يَحِلَّ له إصَابَتُهَا وَلَا لها أَنْ تَدَعَهُ يُصِيبُهَا وَعَلَيْهَا أَنْ تَمْتَنِعَ منه بِأَكْثَرَ ما تَقْدِرُ عليه وَيَسَعُهَا إذَا أَرَادَهَا ضَرَبَهُ وَإِنْ أتى الضَّرْبُ على نَفْسِهِ وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَا زُورٍ على رَجُلٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا لم يَحِلَّ لها أَنْ تَنْكِحَ أَبَدًا إذَا عَلِمَتْ أَنَّ ما شَهِدَا بِهِ بَاطِلٌ ولم يَحِلَّ له أَنْ يَنْكِحَ أُخْتَهَا وَلَا أَرْبَعًا سِوَاهَا وكان له أَنْ يُصِيبَهَا حَيْثُ قَدَرَ عليها إلَّا أَنَّا نَكْرَهُ له أَنْ يَفْعَلَ خَوْفًا أَنْ يُعَدَّ زَانِيًا فَيُحَدَّ ولم يَكُنْ لها أَنْ تَمْتَنِعَ منه وكان لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنْ مَاتَ صَاحِبُهُ قَبْلَهُ أَنْ يَرِثَهُ ولم يَكُنْ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يَدْفَعُوهُ عن حَقِّهِ في مِيرَاثِهِ إذَا عَلِمُوا أَنَّ الشُّهُودَ كَاذِبُونَ وَإِنْ كان الزَّوْجُ الْمَيِّتَ فَعَلَى الْمَرْأَةِ الْعِدَّةُ منه وَالْبُيُوعُ مُجَامِعَةٌ ما وَصَفْنَا من الطَّلَاقِ في الْأَصْلِ وقد تَخْتَلِفُ هِيَ وَهِيَ في التَّصْرِيفِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُمَا لَا يَفْتَرِقَانِ لِلِاجْتِمَاعِ في الْأَصْلِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا حَيْثُ يَفْتَرِقَانِ وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى التَّوْفِيقَ بِقُدْرَتِهِ وَلَوْ بَاعَ رَجُلٌ من رَجُلٍ جَارِيَةً فَجَحَدَهُ الْبَيْعَ فَحَلَفَ كان يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ الْيَمِينِ إنْ كُنْت اشْتَرَيْتَ منه فَأَشْهِدْ أَنَّك قد فَسَخْت الْبَيْعَ وَيَقُولُ لِلْبَائِعِ أَشْهِدْ أَنَّك قد قَبِلْت الْفَسْخَ لِيَحِلَّ لِلْبَائِعِ فَرْجُهَا بِانْفِسَاخِ الْبَيْعِ فَإِنْ لم يَفْعَلْ فَفِيهَا أَقَاوِيلُ أَحَدُهَا لَا يَحِلُّ فَرْجُهَا لِلْبَائِعِ لِأَنَّهَا في مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَهَذَا قِيَاسُ الطَّلَاقِ وَلَوْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنَّ جَحْدَهُ الْبَيْعَ وَحَلِفَهُ يُحِلُّهَا لِلْبَائِعِ وَيَقْطَعُ عنها مِلْكَ الْمُشْتَرِي وَأَنْ يَقُولَ هذا رَدُّ بَيْعٍ إنْ شَاءَ الْبَائِعُ حَلَّتْ له بِأَنْ يَقْبَلَ الرَّدَّ كان مَذْهَبًا وَلَوْ ذَهَبَ مَذْهَبًا آخَرَ ثَالِثًا وقال وَجَدْت السُّنَّةَ إذَا أَفْلَسَ بِثَمَنِهَا كان الْبَائِعُ أَحَقَّ بها من الْغُرَمَاءِ فلما كانت الْبُيُوعُ تُمْلَكُ بِأَخْذِ الْعِوَضِ فَبَطَلَ الْعِوَضُ عن صَاحِبِ الْجَارِيَةِ رَجَعَتْ إلَيْهِ بِالْمِلْكِ الْأَوَّلِ كان مَذْهَبًا أَيْضًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَهَكَذَا الْقَوْلُ في الْبُيُوعِ كُلِّهَا يَنْبَغِي بِالِاحْتِيَاطِ لِلْقَاضِي أن أَحْلَفَ الْمُدَّعَى عليه الشِّرَاءَ أَنْ يَقُولَ له أَشْهِدْ أَنَّهُ إنْ كان بَيْنَك وَبَيْنَهُ بَيْعٌ فَقَدْ فَسَخْته وَيَقُولُ لِلْبَائِعِ أقبل الْفَسْخَ حتى يَعُودَ مِلْكُهُ إلَيْهِ بِحَالِهِ الْأُولَى وَإِنْ لم يَفْعَلْ الْحَاكِمُ فَيَنْبَغِي
____________________

(7/40)


لِلْبَائِعِ أَنْ يَقْبَلَ فَسْخَ الْبَيْعِ حتى يُفْسَخَ في قَوْلِ من رَأَى الْجُحُودَ لِلشِّرَاءِ فَسْخَ الْبَيْعِ وَقَوْلِ من لم يَرَهُ وَكَذَلِكَ لو ادَّعَتْ امْرَأَةٌ على رَجُلٍ أَنَّهُ نَكَحَهَا بِشُهُودٍ وَغَابُوا أو مَاتُوا فَجَحَدَ وَحَلَفَ كان يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُبْطِلَ دَعْوَاهَا وَيَقُولَ له أَشْهِدْ أَنَّك إنْ كُنْت نَكَحْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ إنْ كان لم يَدْخُلْ بها وَإِنْ كان دخل بها أَعْطَاهُ شيئا قَلِيلًا على أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً وَلَا يَمْلِكُ رَجَعْتهَا وَإِنْ تَرَكَ ذلك الْقَاضِي ولم يَقْبَلْ ذلك الْمُدَّعَى عليه النِّكَاحَ وَالْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ يَعْلَمَانِ أَنَّ دَعْوَاهَا حَقٌّ فَلَا تَحِلُّ لِغَيْرِهِ وَلَا يَحِلُّ له نِكَاحُ أُخْتِهَا حتى يُحْدِثَ لها طَلَاقًا قال وَهُمَا زَوْجَانِ غير أَنَّا نَكْرَهُ له إصَابَتَهَا خَوْفًا من أَنْ يُعَدَّ زَانِيًا يُقَامُ عليه الْحَدُّ وَلَهَا هِيَ مَنْعُهُ نَفْسَهَا لِتَرْكِهِ إعْطَاءَهَا الصَّدَاقَ وَالنَّفَقَةَ فَإِنْ سَلَّمَ ذلك إلَيْهَا وَمَنَعَتْهُ نَفْسَهَا حتى يُقِرَّ لها بِالنِّكَاحِ خَوْفَ الْحَبَلِ وَأَنْ تُعَدَّ زَانِيَةً كان لها إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ حَالَهَا في ذلك مُخَالِفَةٌ حاله هو إذَا سَتَرَ على أَنْ يُؤْخَذَ في الْحَالِ التي يُصِيبُهَا فيها لم يَخَفْ وَهِيَ تَخَافُ الْحَمْلَ أَنْ تُعَدَّ بِإِصَابَتِهِ أو بِإِصَابَةِ غَيْرِهِ زانيه تُحَدُّ وَحَالُهَا مُخَالِفَةٌ حَالَ الذي يقول لم أُطَلِّقْ وقد شُهِدَ عليه بِزُورٍ وَالْقَوْلُ في الْبَعِيرِ يُبَاعُ فَيَجْحَدُ الْبَيْعَ وَالدَّارِ فَيَجْحَدُ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ وَيَحْلِفُ كَالْقَوْلِ في الْجَارِيَةِ وَأُحِبُّ لِلْوَالِي أَنْ يَقُولَ له افْسَخْ الْبَيْعَ وَلِلْبَائِعِ اقْبَلْ الْفَسْخَ فَإِنْ لم يَفْعَلْ فَلِلْبَائِعِ في ذلك الْقَوْلِ يَقْبَلُ الْفَسْخَ فَإِنْ لم يَفْعَلْ ولم يَعْمَلْ بِالْوَجْهِ الْآخَرِ من أَنَّهُ كَالْمُفْلِسِ فَلَهُ إجَارَةُ الدَّارِ حتى يستوفى ثَمَنَهَا ثُمَّ عليه تَسْلِيمُهَا إلَيْهِ أو إلَى وَارِثِهِ وَكَذَلِكَ يَصْنَعُ بِالْبَعِيرِ وَإِنْ وَجَدَ ثَمَنَ الدَّارِ أو الْبَعِيرِ من مَالِ الْمُشْتَرِي كان له أَخْذُهُ وَعَلَيْهِ تَسْلِيمُ ما بَاعَهُ إلَيْهِ إذَا أَخَذَ ثَمَنَهُ فَعَلَى هذا هذا الْبَابِ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ في النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ وَغَيْرِ ذلك وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ على رَجُلٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا وكان الرَّجُلُ يَعْلَمُ أَنَّهُمَا كَاذِبَانِ وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا وَسِعَهُ أَنْ يُصِيبَهَا إذَا قَدَرَ وَإِنْ كانت تَعْلَمُ أَنَّهُمَا كَاذِبَانِ لم يَسَعْهَا الِامْتِنَاعُ منه وَتَسْتَتِرُ بِجَهْدِهَا لِئَلَّا تُعَدَّ زَانِيَةً وَإِنْ كانت تَشُكُّ وَلَا تَدْرِي أَصَدَقَا أَمْ كَذَبَا لم يَسَعْهَا تَرْكُ الزَّوْجِ الذي شَهِدَا عليه أَنْ يُصِيبَهَا وَأَحْبَبْتُ لها الْوُقُوفَ عن النِّكَاحِ وَإِنْ صَدَّقَتْهُمَا جَازَ لها أَنْ تَنْكِحَ وَاَللَّهُ وَلِيُّهُمَا الْعَالِمُ بِصِدْقِهِمَا وَكَذِبِهِمَا وَلَوْ اخْتَصَمَ رَجُلَانِ في شَيْءٍ فَحَكَمَ الْقَاضِي لِأَحَدِهِمَا فَكَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْقَاضِيَ أَخْطَأَ لم يَسَعْهُ أَخْذُ ما حَكَمَ بِهِ له بَعْدَ عِلْمِهِ بِخَطَئِهِ وَإِنْ كان مِمَّنْ يُشْكِلُ ذلك عليه أَحْبَبْتُ أَنْ يَقِفَ حتى يَسْأَلَ فَإِنْ رَآهُ أَصَابَ أَخَذَهُ وَإِنْ كان الْأَمْرُ مُشْكِلًا في قَضَائِهِ فَالْوَرَعُ أَنْ يَقِفَ لِأَنَّ تَرْكَهُ وهو له خَيْرٌ من أَخْذِهِ وَلَيْسَ له والمقضى عليه بِمَالٍ للمقضى له إنْ عَلِمَ أَنَّ الْقَاضِيَ أَخْطَأَ عليه وَسِعَهُ حَبْسُهُ وَإِنْ أَشْكَلَ عليه أَحْبَبْت له أَنْ لَا يَحْبِسَهُ وَلَا يَسَعَهُ حَبْسُهُ حتى يَعْلَمَ أَنَّ الْقَاضِيَ أَخْطَأَ عليه فَعَلَى هذا هذا الْبَابُ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ وَهَذَا مِثْلُ أَنْ يَشْهَدَ رَجُلَانِ أَنَّ فُلَانًا توفى وَأَوْصَى له بِأَلْفٍ وَيَجْحَدُ الْوَارِثُ فَإِنْ صَدَّقَهُمَا وَسِعَهُ أَخْذُهَا وَإِنْ كَذَّبَهُمَا لم يَسَعْهُ أَخْذُهَا وَإِنْ شَكَّ أَحْبَبْت له الْوُقُوفَ وفي مِثْلِ هذا أَنْ يَشْهَدَ له رَجُلَانِ أَنَّ فُلَانًا قَذَفَهُ فَإِنْ صَدَّقَهُمَا وَسِعَهُ أَنْ يَحُدَّهُ وَإِنْ كَذَّبَهُمَا لم يَسَعْهُ أَنْ يَحُدَّهُ وَإِنْ شَكَّ أَحْبَبْت له أَنْ يَقِفَ وَحَالُهُ فِيمَا غَابَ عنه من كل ما شَهِدَ له بِهِ هَكَذَا وَلَوْ أَقَرَّ له رَجُلٌ بِحَقٍّ لَا يَعْرِفُهُ ثُمَّ قال مَزَحْت فَإِنْ صَدَّقَهُ بِأَنَّهُ مِزَاحٌ لم يَحِلَّ له أَخْذُهُ وَإِنْ كَذَّبَهُ وكان صَادِقًا بِالْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ عِنْدَهُ وَسِعَهُ أخذ ( ( ( وأخذ ) ) ) ما أَقَرَّ له بِهِ وَإِنْ شَكَّ أَحْبَبْت له الْوُقُوفَ فيه - * الْخِلَافُ في قَضَاءِ الْقَاضِي - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس في قَضَاءِ الْقَاضِي فقال قَضَاؤُهُ يُحِيلُ الْأُمُورَ عَمَّا هِيَ عليه فَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ عَمَدَا أَنْ يَشْهَدَا على رَجُلٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهُمَا يَعْلَمَانِ أَنَّهُمَا شَهِدَا بِزُورٍ فَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا وَسَعَ أَحَدُهُمَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ أَنْ يَنْكِحَهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَدْخُلُ عليه أَنْ لو شَهِدَ له رَجُلَانِ بِزُورٍ أَنَّ فُلَانًا قَتَلَ ابْنَهُ وهو يَعْلَمُ أَنَّ ابْنَهُ لم يُقْتَلْ أو لم يَكُنْ له بن فَحَكَمَ له الْقَاضِي بِالْقَوَدِ أَنْ يَقْتُلَهُ وَلَوْ شَهِدَ له على امْرَأَةٍ أَنَّهُ
____________________

(7/41)


تَزَوَّجَهَا بِوَلِيٍّ وَدَفَعَ إلَيْهَا الْمَهْرَ وَأَشْهَدَ على النِّكَاحِ أَنْ يُصِيبَهَا وَلَوْ وَلَدَتْ له جَارِيَتُهُ جَارِيَةً فَجَحَدَهَا فَأَحْلَفَهُ الْقَاضِي وَقَضَى بِابْنَتِهِ جَارِيَةً له جَازَ له أَنْ يُصِيبَهَا وَلَوْ شَهِدَ له على مَالِ رَجُلٍ وَدَمِهِ بِبَاطِلٍ أَنْ يَأْخُذَ مَالَهُ وَيَقْتُلَهُ وقد بَلَغَنَا أَنَّهُ سُئِلَ عن أَشْنَعَ من هذا وَأَكْثَرَ فقال فيه بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ حَكَى لنا عنه أَنَّهُ يقول في مَوْضِعٍ آخَرَ خِلَافَ هذا الْقَوْلِ يقول لو عَلِمَتْ امْرَأَةٌ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا فَجَحَدَهَا وَحَلَفَ وقضي الْقَاضِي بِأَنْ تَقَرَّ عِنْدَهُ لم يَسَعْهَا أَنْ يُصِيبَهَا وكان لها إذَا أَرَادَ إصَابَتَهَا قَتْلُهُ وَهَذَا الْقَوْلُ بَعِيدٌ عن الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ خِلَافُ سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وما يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ من الْمُسْلِمِينَ ( قال ) فَخَالَفَهُ صَاحِبُهُ في الزَّوْجَةِ يَشْهَدُ الرَّجُلَانِ بِزُورٍ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا فَفَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا فقال لَا يَحِلُّ لِأَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ أَنْ يَنْكِحَهَا وَلَا يَحِلُّ الْقَضَاءُ ما حَرَّمَ اللَّهُ ( قال ) ثُمَّ عَادَ فقال وَلَا يَحِلُّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُصِيبَهَا فَقِيلَ أَتَكْرَهُ له ذلك لِئَلَّا يُقَامَ عليه الْحَدُّ فَنَحْنُ نَكْرَهُهُ أَمْ لِغَيْرِ ذلك قال لِذَلِكَ وَلِغَيْرِهِ قُلْنَا أَيُّ غَيْرٍ قال قد حَكَمَ الْقَاضِي فَهُوَ يُحِلُّ لِغَيْرِهِ تَزْوِيجَهَا وإذا حَلَّ لِغَيْرِهِ تَزْوِيجُهَا حَرُمَ عليه هو إصَابَتُهَا فَقِيلَ له أو لِبَعْضِ من يقول قَوْلَهُ أَرَأَيْت قَوْلَهُ يُحِلُّ لِغَيْرِهِ تَزْوِيجُهَا يَعْنِي من جَهِلَ أَنَّ حُكْمَ الْقَاضِي إنَّمَا كان بِشَهَادَةِ زُورٍ فَرَأَى أَنَّ حُكْمَهُ بِحَقٍّ يُحِلُّ له نِكَاحَهَا فَهُوَ لَا يَحْرُمُ هذا عليه على الظَّاهِرِ وَيَحْرُمُ عليه إنْ عَلِمَ بِمِثْلِ ما عَلِمَ الزَّوْجُ وَكَذَلِكَ لَا يَحْرُمُ عليه في الظَّاهِرِ لو نَكَحَ امْرَأَةً في عِدَّتِهَا وقد قالت له لَيْسَتْ على عِدَّةٌ أَمْ يعنى أَنَّهُ لو عَلِمَ ما عَلِمَ الزَّوْجُ وَالْمَرْأَةُ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ شَهِدَا بِبَاطِلٍ حَلَّ له أَنْ يَنْكِحَهَا فَهَذَا الذي عِبْت على صَاحِبِك خِلَافُ السُّنَّةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا أَحْفَظُ عنه في هذا جَوَابًا بِأَكْثَرَ مِمَّا وَصَفْت - * الْحُكْمُ بين أَهْلِ الْكِتَابِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الذي أَحْفَظُ من قَوْلِ أَصْحَابِنَا وَقِيَاسِهِ أَنَّهُمْ لَا يَنْظُرُونَ فِيمَا بين أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا يَكْشِفُونَهُمْ عن شَيْءٍ من أَحْكَامِهِمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَأَنَّهُمْ لَا يُلْزِمُونَ أَنْفُسَهُمْ الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ إلَّا أَنْ يَتَدَارَءُوا هُمْ وَالْمُسْلِمُونَ فَإِنْ فَعَلُوا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ لِمُسْلِمٍ وَلَا عليه إلَّا مُسْلِمٌ فَهَذَا الْمَوْضِعُ الذي يُلْزِمُونَ أَنْفُسَهُمْ النَّظَرَ بَيْنَهُمْ فيه فإذا نَظَرُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مُسْلِمٍ حَكَمُوا بِحُكْمِ الْمُسْلِمِينَ لَا خِلَافَ في شَيْءٍ منه بِحَالٍ وَكَذَلِكَ لو تَدَارَءُوا هُمْ وَمُسْتَأْمَنٌ لَا يَرْضَى حُكْمَهُمْ أو أَهْلُ مِلَّةٍ وَمِلَّةٌ أُخْرَى لَا تَرْضَى حُكْمَهُمْ وَإِنْ تَدَاعَوْا إلَى حُكَّامِنَا فَجَاءَ الْمُتَنَازِعُونَ مَعًا مُتَرَاضِينَ فَالْحَاكِمُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ حَكَمَ وَإِنْ شَاءَ لم يَحْكُمْ وَأَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ لَا يَحْكُمَ فَإِنْ أَرَادَ الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ قال لهم قبل أَنْ يَنْظُرَ فيه إنى إنَّمَا أَحْكُمُ بَيْنَكُمْ بحكمى بين الْمُسْلِمِينَ وَلَا أُجِيزَ بَيْنَكُمْ إلَّا شَهَادَةَ الْعُدُولِ الْمُسْلِمِينَ وَأُحَرِّمُ بَيْنَكُمْ ما يَحْرُمُ في الْإِسْلَامِ من الرِّبَا وَثَمَنِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وإذا حَكَمْت في الْجِنَايَاتِ حَكَمْت بها على عَوَاقِلِكُمْ وإذا كانت جِنَايَةٌ تَكُونُ على الْعَاقِلَةِ لم يَحْكُمْ بها إلَّا بِرِضَا الْعَاقِلَةِ فَإِنْ رَضُوا بهذا حَكَمَ بِهِ إنْ شَاءَ وَإِنْ لم يَرْضَوْا لم يَحْكُمْ فَإِنْ رضى بَعْضُهُمْ وَامْتَنَعَ بَعْضٌ من الرِّضَا لم يَحْكُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فقال لي قَائِلٌ ما الْحُجَّةُ في أَنْ لَا يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ الْحَاكِمُ حتى يَجْتَمِعُوا على الرِّضَا ثُمَّ يَكُونُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ حَكَمَ وَإِنْ شَاءَ لم يَحْكُمْ فَقُلْت له قَوْلَ اللَّهِ عز وجل لِنَبِيِّهِ { فَإِنْ جاؤوك ( ( ( جاءوك ) ) ) فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أو أَعْرِضْ عَنْهُمْ } الْآيَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ جَاءُوك وَجَاءُوك كَأَنَّهَا على الْمُتَنَازِعَيْنِ لَا على بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ وَجَعَلَ له الْخِيَارَ فقال { فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أو أَعْرِضْ عَنْهُمْ } قال فَإِنَّا نَزْعُمُ أَنَّ الْخِيَارَ مَنْسُوخٌ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ } قُلْت له فَاقْرَأْ الْآيَةَ { وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوك عن بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إلَيْك فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَسَمِعْت من أرضي عِلْمَهُ يقول وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ إنْ حَكَمْت على مَعْنَى قَوْلِهِ { فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أو أَعْرِضْ عَنْهُمْ } فَتِلْكَ مُفَسَّرَةٌ وَهَذِهِ جُمْلَةٌ وفي قَوْلِهِ { فَإِنْ تَوَلَّوْا } دَلَالَةٌ على
____________________

(7/42)


أَنَّهُمْ إنْ تَوَلَّوْا لم يَكُنْ عليه الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ وَلَوْ كان قَوْلُهُ { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ } إلْزَامًا منه لِلْحُكْمِ بَيْنَهُمْ أَلْزَمَهُمْ الْحُكْمَ مُتَوَلِّينَ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا تَوَلَّوْا بَعْدَ الْإِتْيَانِ فَأَمَّا ما لم يَأْتُوا فَلَا يُقَالُ لهم تَوَلَّوْا وَهُمْ وَالْمُسْلِمُونَ إذَا لم يَأْتُوا يَتَحَاكَمُونَ لم يَحْكُمْ بَيْنَهُمْ إلَّا أَنَّهُ يَتَفَقَّدُ من الْمُسْلِمِينَ ما أَقَامُوا عليه مِمَّا يَحْرُمُ عليهم فَيُغَيِّرُ عليهم وَإِنْ كان أَهْلُ الذِّمَّةِ دَخَلُوا بِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ } في مَعْنَى الْمُسْلِمِينَ انْبَغَى لِلْوَالِي أَنْ يَتَفَقَّدَ منهم ما أَقَامُوا عليه مِمَّا يَحْرُمُ عليهم وَإِنْ تَوَلَّى عنه زَوْجَانِ على حَرَامٍ رَدَّهُمَا حتى يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا كما يَرُدُّ زَوْجَيْنِ من الْمُسْلِمِينَ لو تَوَلَّيَا عنه وَهُمَا على حَرَامٍ حتى يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي وَالدَّلَالَةُ على ما قال أَصْحَابُنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ وَبِهَا يَهُودُ وَبِخَيْبَرِ وَفَدَكَ وَوَادِي الْقُرَى وَبِالْيَمَنِ كَانُوا وَكَذَلِكَ في زَمَانِ أبي بَكْرٍ وَصَدْرًا من خلافه عُمَرَ حتى أَجْلَاهُمْ وَكَانُوا بِالشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَالْيَمَنِ وِلَايَة عُمَرَ بن الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ ولم يَسْمَعْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فِيهِمْ بِحُكْمٍ إلَّا رَجْمُهُ يَهُودِيَّيْنِ مُوَادِعَيْنِ تَرَاضَيَا بِحُكْمِهِ بَيْنَهُمْ وَلَا لِأَبِي بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ وَلَا عُثْمَانَ وَلَا عَلِيٍّ وَهُمْ بَشَرٌ يَتَظَالَمُونَ وَيَتَدَارَءُونَ وَيَخْتَلِفُونَ وَيُحْدِثُونَ فَلَوْ لَزِمَ الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ لُزُومَ الْحُكْمِ بين الْمُسْلِمِينَ تَفَقَّدَ منهم ما يَتَفَقَّدُ من الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ لَزِمَ الْحُكْمُ إذَا جاء الطَّالِبُ لَكَانَ الطَّالِبُ إذَا كان له في حُكْمِ الْمُسْلِمِينَ ما ليس له في حُكْمِ حُكَّامِهِ لَجَأَ وَلَجَأَ الْمَطْلُوبُ إذَا رَجَا الْفَرَجَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ ولجأوا ( ( ( ولجئوا ) ) ) في بَعْضِ الْحَالَاتِ مُجْتَمِعِينَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ حَكَمَ فِيهِمْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أو وَاحِدٌ من أَئِمَّةِ الْهُدَى بَعْدَهُ لَحُفِظَ بَعْضَ ذلك إنْ لم يُحْفَظْ كُلَّهُ فَالدَّلَالَةُ على أَنْ لم يَحْكُمُوا بِمَا وَصَفْت بَيِّنَةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقُلْت له لو كان الْأَمْرُ كما تَقُولُ فَكَانَتْ إحْدَى الْآيَتَيْنِ نَاسِخَةً لِلْأُخْرَى ولم تَكُنْ دَلَالَةً من خَبَرٍ وَلَا في الْآيَةِ جَازَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل { فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أو أَعْرِضْ عَنْهُمْ } نَاسِخًا لِقَوْلِهِ { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ } وَكَانَتْ عليها دَلَالَةٌ بِمَا وَصَفْنَا في التَّنْزِيلِ قال فما حُجَّتُك في أَنْ لَا تُجِيزَ بَيْنَهُمْ إلَّا شَهَادَةَ الْمُسْلِمِينَ قُلْت قَوْلُ اللَّهِ عز وجل { وَإِنْ حَكَمْت فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ } وَالْقِسْطُ حُكْمُ اللَّهِ الذي أَنْزَلَ على نَبِيِّهِ وَقَوْلُ اللَّهِ عز وجل { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ } وَاَلَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ حُكْمُ الْإِسْلَامِ فَحُكْمُ الْإِسْلَامِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِشَهَادَةِ الْعُدُولِ الْمُسْلِمِينَ وقد قال اللَّهُ { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } وقال تَعَالَى { حين الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ } فلم يَخْتَلِفْ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ شَرْطَ اللَّهِ في الشُّهُودِ الْمُسْلِمِينَ الْأَحْرَارِ الْعُدُولِ إذَا كانت الْمَعَانِي في الْخُصُومَاتِ التي يَتَنَازَعُ فيها الْآدَمِيُّونَ مُعَيَّنَةً وكان فِيمَا تَدَاعَوْا الدِّمَاءُ وَالْأَمْوَالُ وَغَيْرُ ذلك لم يَنْبَغِ أَنْ يُبَاحَ ذلك إلَّا بِمَنْ شَرَطَ اللَّهُ من الْبَيِّنَةِ وَشَرَطَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ ( 1 ) أو بِسُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أو إجْمَاعٍ من الْمُسْلِمِينَ ولم يَسْتَنَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَلِمْنَاهُ وَلَا أَحَدٌ من أَصْحَابِهِ ولم يُجْمِعْ الْمُسْلِمُونَ على إجَازَةِ شَهَادَتِهِمْ بَيْنَهُمْ وَقُلْت له أَرَأَيْت الْكَذَّابَ من الْمُسْلِمِينَ أَتُجِيزُ شَهَادَتَهُ عليهم قال لَا وَلَا أُجِيزُ عليهم من الْمُسْلِمِينَ إلَّا شَهَادَةَ الْعُدُولِ التي تَجُوزُ على الْمُسْلِمِينَ فَقُلْت له فَقَدْ أخبرنا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُمْ بَدَّلُوا كِتَابَ اللَّهِ وَكَتَبُوا الْكُتُبَ بِأَيْدِيهِمْ { يقولون ( ( ( وقالوا ) ) ) هذا من عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لهم مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهمْ وَوَيْلٌ لهم مِمَّا يَكْسِبُونَ } قال فَالْكَذَّابُ من الْمُسْلِمِينَ على الْآدَمِيِّينَ أَخَفُّ في الْكَذِبِ ذَنْبًا من الْعَاقِدِ الْكَذِبَ على اللَّهِ بِلَا شُبْهَةِ تَأْوِيلٍ وَأَدْنَى الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ من الْمُشْرِكِينَ فَكَيْفَ تَرُدُّ عَنْهُمْ شَهَادَةَ من هو خَيْرٌ منهم بِكَذِبٍ وَتَقْبَلُهُمْ وَهُمْ شَرٌّ بِكَذِبٍ أَعْظَمَ منه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
____________________

(7/43)


- * الشَّهَادَاتُ - * ( أَخْبَرَ الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ ) قال ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { لَوْلَا جاؤوا عليه بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لم يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّه هُمْ الْكَاذِبُونَ } وقال { وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ من نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ } وقال اللَّهُ عز وجل { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لم يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً } أخبرنا مَالِكٌ عن سُهَيْلٍ عن أبيه عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ سَعْدًا قال يا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت إنْ وَجَدْت مع امْرَأَتِي رَجُلًا أُمْهِلُهُ حتى آتى بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نعم ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ يَدُلَّانِ على أَنَّهُ لَا يَجُوزُ في الزنى أَقَلُّ من أَرْبَعَةٍ وَالْكِتَابُ يَدُلُّ على أَنَّهُ لَا يَجُوزُ شَهَادَةُ غَيْرِ عَدْلٍ ( قال ) وَالْإِجْمَاعُ يَدُلُّ على أَنَّهُ لَا تَجُوزُ إلَّا شَهَادَةُ عَدْلٍ حُرٍّ بَالِغٍ عَاقِلٍ لِمَا يَشْهَدُ عليه ( قال ) وَسَوَاءٌ أَيُّ زِنَا ما كان زِنَا حُرَّيْنِ أو عَبْدَيْنِ أو مُشْرِكَيْنِ لِأَنَّ كُلَّهُ زِنَا وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ على امْرَأَةٍ بالزنى أو على رَجُلٍ أو عَلَيْهِمَا مَعًا لم يَنْبَغِ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَقْبَلَ الشَّهَادَةَ لِأَنَّ اسْمَ الزنى قد يَقَعُ على ما دُونَ الْجِمَاعِ حتى يَصِفَ الشُّهُودُ الْأَرْبَعَةُ الزنى فإذا قالوا رَأَيْنَا ذلك منه يَدْخُلُ في ذلك منها دُخُولَ الْمِرْوَدِ في الْمُكْحُلَةِ فَأَثْبَتُوهُ حتى تَغِيبَ الْحَشَفَةُ فَقَدْ وَجَبَ الْحَدُّ ما كان الْحَدُّ رَجْمًا أو جَلْدًا وَإِنْ قالوا رَأَيْنَا فَرْجَهُ على فَرْجِهَا ولم يَثْبُتْ أَنَّهُ دخل فيه فَلَا حَدَّ وَيُعَزَّرُ فَإِنْ شَهِدُوا على أَنَّ ذلك دخل في دُبُرِهَا فَقَدْ وَجَبَ الْحَدُّ كَوُجُوبِهِ في الْقُبُلِ فَإِنْ شَهِدُوا على امْرَأَةٍ فَأَنْكَرَتْ وَقَالَتْ أنا عَذْرَاءُ أو رَتْقَاءُ أُرِيهَا النِّسَاءُ فَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ حَرَائِرُ عُدُولٌ على أنها عَذْرَاءُ أو رَتْقَاءُ فَلَا حَدَّ عليها لِأَنَّهَا لم يَزْنِ بها إذَا كانت هَكَذَا الزنى الذي يُوجِبُ الْحَدَّ وَلَا حَدَّ عليهم من قِبَلِ أَنَّا وَإِنْ قَبِلْنَا شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِيمَا يَرَيْنَ على ما يُجَزْنَ عليه فَإِنَّا لَا نَحُدُّهُمْ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ وقد يَكُونُ الزنى فِيمَا دُونَ هذا فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قال إذَا أُرْخِيَتْ السُّتُورُ فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ ( 1 ) فَقَدْ قال عُمَرُ ذلك فِيمَا بَلَغَنَا وقال ما ذَنْبُهُنَّ إنْ جاء الْعَجْزُ من قِبَلِكُمْ فَأَخْبَرَ أَنَّ الصَّدَاقَ يَجِبُ بِالْمَسِيسِ وَإِنْ لم يَكُنْ أَرْخَى سِتْرًا وَيَجِبُ بِإِرْخَاءِ السِّتْرِ وَإِنْ لم يَكُنْ مَسِيسٌ وَذَهَبَ إلَى أنها إذَا خَلَّتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهَا فَقَدْ وَجَبَ لها الصَّدَاقُ وَجَعَلَ ذلك كَالْقَبْضِ في الْبُيُوعِ الذي يَجِبُ بِهِ الثَّمَنُ وهو لو أَغْلَقَ عليها بَابًا وَأَرْخَى سِتْرًا وَأَقَامَ مَعَهَا حتى تَبْلَى ثِيَابُهَا وَتَلْبَثَ سَنَةً ولم يُقِرَّ بِالْإِصَابَةِ ولم يُشْهِدْ عليه بها لم يَكُنْ عليه حَدٌّ عِنْدَ أَحَدٍ وَالْحَدُّ ليس من الصَّدَاقِ بِسَبِيلِ الصَّدَاقُ يَجِبُ بِالْعُقْدَةِ فَلَوْ عَقَدَ رَجُلٌ على امْرَأَةٍ عُقْدَةَ نِكَاحٍ ثُمَّ مَاتَ أو مَاتَتْ كان لها الصَّدَاقُ كَامِلًا وَإِنْ لم يَرَهَا وَلَيْسَ مَعْنَى الصَّدَاقِ من مَعْنَى الْحُدُودِ بِسَبِيلٍ ( قال ) وإذا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ على مُحْصَنٍ أَنَّهُ زَنَى بِذِمِّيَّةٍ حُدَّ الْمُسْلِمُ وَدُفِعَتْ الذِّمِّيَّةُ إلَى أَهْلِ دِينِهَا في قَوْلِ من لَا يَحْكُمُ عليهم إلَّا أَنْ يَرْضَوْا فَأَمَّا من قال نَحْكُمُ عليهم رَضُوا أو لم يَرْضَوْا فَيَحُدُّهَا حَدَّهَا إنْ كانت بِكْرًا فَمِائَةٌ ونفى عَامٍ وَإِنْ كانت ثَيِّبًا فَالرَّجْمُ ( قال ) وإذا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ على رَجُلٍ أَنَّهُ وطىء هذه الْمَرْأَةَ فقال هِيَ امْرَأَتِي وَقَالَتْ ذلك أو قال هِيَ جَارِيَتِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمَا وَلَا يَكْشِفَانِ في ذلك وَلَا يَحْلِفَانِ فيه إلَّا أَنْ يَحْضُرَهُمَا من يَعْلَمُ غير ما قَالَا وَتَثْبُت عليه الشَّهَادَةُ أو يُقِرَّانِ بَعْدُ بِخِلَافِ ما ادَّعَيَا فَلَا يَجُوزُ إلَّا ما وَصَفْت من قِبَلِ أَنَّ الرَّجُلَ قد يَنْكِحُ الْمَرْأَةَ بِبِلَادِ غُرْبَةٍ وَيَنْتَقِلُ بها إلَى غَيْرِهَا وَيَنْكِحُهَا بِالشَّاهِدَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ فَيَغِيبُونَ وَيَمُوتُونَ ويشترى الْجَارِيَةَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَبِبَيِّنَةٍ فَيَغِيبُونَ فَتَكُونُ الناس أُمَنَاءَ على هذا لَا يَحُدُّونَ وَهُمْ يَزْعُمُونَ
____________________

(7/44)


أَنَّهُمْ أَتَوْا ما أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى لهم وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُهُمْ كَاذِبِينَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ نَقُولَ يُحَدُّ كُلُّ من وَجَدْنَاهُ يُجَامِعُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً على نِكَاحٍ أو شِرَاءِ وقد يَأْخُذُ الْفَاسِقُ الْفَاسِقَةَ فيقول هذه امْرَأَتِي وَهَذِهِ جَارِيَتِي فَإِنْ كنت أَدْرَأُ عن الْفَاسِقِ بِأَنْ يَقُولَ جِيرَانُهُ رَأَيْنَاهُ يدعى أنها زَوْجَتُهُ وَتُقِرُّ بِذَلِكَ وَلَا يَعْلَمُونَ أَصْلَ نِكَاحٍ دَرَأْت عن الصَّالِحِ الْفَاضِلِ يقول هذه جَارِيَتِي لِأَنَّهُ قد يَشْتَرِيهَا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَيَقُولُ هذه امْرَأَتِي على أَحَدِ هذه الْوُجُوهِ ثُمَّ كان أَوْلَى أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ من الْفَاسِقِ وَكُلٌّ لَا يُحَدُّ إذَا ادَّعَى ما وَصَفْت وَالنَّاسُ لَا يَحُدُّونَ إلَّا بِإِقْرَارِهِمْ أو بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ عليهم بِالْفِعْلِ وَأَنَّ الْفِعْلَ مُحَرَّمٌ فَأَمَّا بِغَيْرِ ذلك فَلَا نَحُدُّ ( قال ) وَهَكَذَا لو وَجَدْت حَامِلًا فَادَّعَتْ تَزْوِيجًا أو إكْرَاهًا لم تُحَدَّ فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ في الْحَامِلِ خَاصَّةً إلَى أَنْ يَقُولَ قال عُمَرُ بن الْخَطَّابِ الرَّجْمُ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل حَقٌّ على من زَنَا إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أو كان الْحَبَلُ أو الِاعْتِرَافُ فإن مَذْهَبَ عُمَرَ فيه بِالْبَيَانِ عنه بِالْخَبَرِ أَنَّهُ يُرْجَمُ بِالْحَبَلِ إذَا كان مع الْحَبَلِ إقْرَارٌ بالزنى أو غَيْرُ ادِّعَاءِ نِكَاحٍ أو شُبْهَةٌ يُدْرَأُ بها الْحَدُّ - * بَابُ إجَازَةِ شَهَادَةِ الْمَحْدُودِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَحْدُودِينَ في الْقَذْفِ وفي جَمِيعِ الْمَعَاصِي إذَا تَابُوا فَأَمَّا من أتى مُحَرَّمًا حُدَّ فيه فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إلَّا بِمُدَّةِ أَشْهُرٍ يُخْتَبَرُ فيها بِالِانْتِقَالِ من الْحَالِ السَّيِّئَةِ إلَى الْحَالِ الْحَسَنَةِ وَالْعَفَافِ عن الذَّنْبِ الذي أتى وَأَمَّا من قَذَفَ مُحْصَنَةً على مَوْضِعِ الشَّتْمِ وَغَيْرِهِ من غَيْرِ مَوَاضِعِ الشَّهَادَاتِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ حتى يُخْتَبَرَ هذه الْمُدَّةَ في الِانْتِقَالِ إلَى أَحْسَنِ الْحَالِ وَالْكَفِّ عن الْقَذْفِ وَأَمَّا من حُدَّ في أَنَّهُ شَهِدَ على رَجُلٍ بالزنى فلم تَتِمَّ الشَّهَادَةُ فَإِنْ كان عَدْلًا يوم شَهِدَ فَسَاعَةَ يقول قد تُبْت وَكَذَّبَ نَفْسَهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مَكَانَهُ لِأَنَّا وَإِنْ حَدَدْنَاهُ حَدَّ الْقَاذِفِ فلم يَكُنْ في مَعَانِي الْقَذْفَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا أَرْبَعَةً لم نَحُدَّهُمْ وَلَوْ كَانُوا أَرْبَعَةً شَاتِمِينَ حَدَدْنَاهُمْ وَالْحُجَّةُ في قَبُولِ شَهَادَةِ الْقَاذِفِ أَنَّ اللَّهَ عز وجل أَمَرَ بِضَرْبِهِ وَأَمَرَ أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ وَسَمَّاهُ فَاسِقًا ثُمَّ اسْتَثْنَى له إلَّا أَنْ يَتُوبَ وَالِاسْتِثْنَاءُ في سِيَاقِ الْكَلَامِ على أَوَّلِ الْكَلَامِ وَآخِرِهِ في جَمِيعِ ما يَذْهَبُ إلَيْهِ أَهْلُ الْفِقْهِ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بين ذلك خَبَرٌ وَلَيْسَ عِنْدَ من زَعَمَ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَأَنَّ الثُّنْيَا له إنَّمَا هِيَ على طَرْحِ اسْمِ الْفِسْقِ عنه خَبَرٌ إلَّا عن شُرَيْحٍ وَهُمْ يُخَالِفُونَ شُرَيْحًا لِرَأْيِ أَنْفُسِهِمْ وقد كَلَّمَنِي بَعْضُهُمْ فَكَانَ من حُجَّتِهِ أَنْ قال إنَّ أَبَا بَكْرَةَ قال لِرَجُلٍ أَرَادَ أَنْ يَسْتَشْهِدَهُ اسْتَشْهِدْ غَيْرِي فإن الْمُسْلِمِينَ فَسَّقُونِي فَقُلْت له لو لم تَكُنْ عَلَيْك حُجَّةٌ إلَّا هذه كُنْت قد أَحْسَنْت الِاحْتِجَاجَ على نَفْسِك قال وَكَيْفَ قُلْت أَرَأَيْت أَبَا بَكْرَةَ هل تَابَ من تِلْكَ الشَّهَادَةِ التي حُدَّ بها قال فَإِنْ قُلْت نعم قُلْت فلم يَطْرَحْ الْمُسْلِمُونَ عنه اسْمَ الْفِسْقِ فَأَيُّ شَيْءٍ اسْتَثْنَى له بِالتَّوْبَةِ قال فَإِنْ قُلْنَا لم يَتُبْ قُلْت فَنَحْنُ لَا نُخَالِفُك في أَنَّ من لم يَتُبْ لم تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ قال فما تَوْبَتُهُ إذَا كان حَسَنَ الْحَالِ قُلْت إكْذَابُهُ لِنَفْسِهِ كما قال صَاحِبُكُمْ الشَّعْبِيُّ قال فَهَلْ في هذا خَبْرٌ قُلْت ما نَحْتَاجُ مع الْقُرْآنِ إلَى خَبْرٍ وَلَا مع الْقِيَاسِ إذَا كُنْت تَقْبَلُ شَهَادَةَ الزَّانِي وَالْقَاتِلِ وَالْمَحْدُودِ في الْخَمْرِ إذَا تَابَ وَشَهَادَةَ الزِّنْدِيقِ إذَا تَابَ وَالْمُشْرِكِ إذَا أَسْلَمَ وَقَاطِعِ الطَّرِيقِ وَالْمَقْطُوعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ إذَا تَابَ لَا تَقْبَلُ شَهَادَةُ شَاهِدٍ بالزنى فلم تَتِمَّ بِهِ الشهاده فَجُعِلَ قَاذِفًا قال فَهَلْ عِنْدَك أَثَرٌ قُلْت نعم أخبرنا سُفْيَانُ أَنَّهُ سمع الزُّهْرِيَّ يقول زَعَمَ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَنَّ شَهَادَةَ الْقَاذِفِ لَا تَجُوزُ وَأَشْهَدُ لَأَخْبَرَنِي ثُمَّ سَمَّى الذي أخبره أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قال لِأَبِي بَكْرَةَ تُبْ تُقْبَلْ شَهَادَتُك أو إنْ تُبْت قُبِلَتْ شَهَادَتُك قال سُفْيَانُ فَذَهَبَ على حِفْظِي الذي سَمَّاهُ الزُّهْرِيُّ فَسَأَلْت من حَضَرَنِي فقال لي عُمَرُ بن قَيْسٍ هو سَعِيدُ بن الْمُسَيِّبِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقُلْت لِسُفْيَانَ فَهُوَ سَعِيدٌ قال نعم إلَّا أَنِّي شَكَكْت فيه فلما أخبرني لم أَشُكَّ ولم أُثْبِتْهُ عن الزُّهْرِيِّ حِفْظًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَبَلَغَنِي عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ كان يُجِيزُ شَهَادَةَ الْقَاذِفِ
____________________

(7/45)


إذَا تَابَ وَسُئِلَ الشَّعْبِيُّ عن الْقَاذِفِ فقال أَيَقْبَلُ اللَّهُ تَوْبَتَهُ وَلَا تَقْبَلُونَ شَهَادَتَهُ أخبرنا بن عُلَيَّةَ عن بن أبي نَجِيحٍ في الْقَاذِفِ إذَا تَابَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وقال كُلُّنَا يَقُولُهُ عَطَاءٌ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْقَاذِفُ قبل أَنْ يُحَدَّ مِثْلُهُ حين يُحَدُّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتِهِ حتى يَتُوبَ كما وَصَفْت بَلْ هو قَبْلُ أَنْ يُحَدَّ شَرُّ حَالًا منه حين يُحَدُّ لِأَنَّ الْحُدُودَ كَفَّارَاتٌ لِلذُّنُوبِ فَهُوَ بَعْدَ ما يُكَفَّرُ عنه الذَّنْبُ خَيْرٌ منه قبل أَنْ يُكَفَّرَ عنه فَلَا أَرُدُّ شَهَادَتَهُ في خَيْرِ حَالَيْهِ وَأُجِيزُهَا في شَرِّ حَالَيْهِ وَإِنَّمَا رَدَدْتهَا بِإِعْلَانِهِ ما لَا يَحِلُّ له فَلَا أَقْبَلُهَا حتى يَنْتَقِلَ عنها وَهَذَا الْقَاذِفُ فَأَمَّا الشَّاهِدُ بالزنى عِنْدَ الْحَاكِمِ فَلَا يَحُدُّهُ الْحَاكِمُ لِمُحَابَاةٍ أو شُبْهَةٍ فإذا كان عَدْلًا يوم شَهِدَ ثُمَّ أَكْذَبَ نَفْسَهُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ مَكَانَهُ لِأَنَّهُ ليس في مَعَانِي الْقَذْفَةِ - * بَابُ شَهَادَةِ الْأَعْمَى - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا رَأَى الرَّجُلُ فَأَثْبَتَ وهو بَصِيرٌ ثُمَّ شَهِدَ وهو أَعْمَى قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا وَقَعَتْ وهو بَصِيرٌ إلَّا أَنَّهُ بَيَّنَ وهو أَعْمَى عن شَيْءٍ وهو بَصِيرٌ وَلَا عِلَّةَ في رَدِّ شَهَادَتِهِ فإذا شَهِدَ وهو أَعْمَى على شَيْءٍ قال أُثْبِتُهُ كما أُثْبِتُ كُلَّ شَيْءٍ بِالصَّوْتِ أو الْحِسِّ فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لِأَنَّ الصَّوْتَ يُشْبِهُ الصَّوْتَ وَالْحِسَّ يُشْبِهُ الْحِسَّ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَالْأَعْمَى يُلَاعِنُ امْرَأَتَهُ فَأَجَلْ إنَّمَا حَدَّ اللَّهُ في الْقَذْفِ غير الْأَزْوَاجِ إذَا لم يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فإذا جاؤوا بِهِمْ خَرَجُوا من الْحَدِّ وَحَدَّ الْأَزْوَاجِ إلَّا بِأَنْ يَخْرُجُوا بِالِالْتِعَانِ فَفَرَّقَ بين الْأَزْوَاجِ وَالْأَجْنَبِيِّينَ في هذا الْمَعْنَى وَجَمَعَ بَيْنَهُمْ في أَنْ يُحَدُّوا مَعًا إذَا لم يَأْتِ هَؤُلَاءِ بِبَيِّنَةٍ وَهَؤُلَاءِ بالإلتعان أو بَيِّنَةٍ وَسَوَاءٌ قال الزَّوْجُ رَأَيْت امْرَأَتِي تَزْنِي أو لم يَقُلْهُ كما سَوَاءٌ أَنْ يَقُولَ الْأَجْنَبِيُّونَ رَأَيْنَاهَا تَزْنِي أو هِيَ زَانِيَةٌ لَا فَرْقَ بين ذلك فَأَمَّا إصَابَةُ الْأَعْمَى أَهْلَهُ وَجَارِيَتَهُ فَذَلِكَ أَمْرٌ لَا يُشْبِهُ الشَّهَادَاتِ لِأَنَّ الْأَعْمَى وَإِنْ لم يَعْرِفْ امْرَأَتَهُ مَعْرِفَةَ الْبَصِيرِ فَقَدْ يَعْرِفُهَا مَعْرِفَةً يَكْتَفِي بها وَتَعْرِفُهُ هِيَ مَعْرِفَةَ الْبَصِيرِ وقد يُصِيبُ الْبَصِيرُ امْرَأَتَهُ في الظُّلْمَةِ على مَعْنَى مَعْرِفَةِ مَضْجَعِهَا وَمَجَسَّتِهَا وَلَا يَجُوزُ له أَنْ يَشْهَدَ على أَحَدٍ في الظُّلْمَةِ على مَعْرِفَةِ الْمَجَسَّةِ وَالْمَضْجَعِ وقد يُوجَدُ من شَهَادَةِ الْأَعْمَى بُدٌّ لِأَنَّ أَكْثَرَ الناس غَيْرُ عمى فإذا أَبْطَلْنَا شَهَادَتَهُ في نَفْسِهِ فَنَحْنُ لم نُدْخِلْ عليه ضَرَرًا وَلَيْسَ على أَحَدٍ ضَرُورَةُ غَيْرِهِ وَعَلَيْهِ ضَرُورَةُ نَفْسِهِ فَهُوَ مُضْطَرٌّ إلَى الْجِمَاعِ الذي يَحِلُّ لِأَنَّهُ لَا يجد ( ( ( يحد ) ) ) أَكْثَرُ من هذا وَلَا يُبْصِرُ أَبَدًا وَلَيْسَ بِمُضْطَرٍّ إلَى الشَّهَادَةِ وَلَا غَيْرُهُ مُضْطَرٍّ إلَى شَهَادَتِهِ وهو يَحِلُّ له في ضَرُورَتِهِ لِنَفْسِهِ ما لَا يَحِلُّ لِغَيْرِهِ في ضَرُورَتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ له في ضَرُورَتِهِ الْمَيْتَةُ وَلَوْ صَحِبَهُ من لَا ضَرُورَةَ بِهِ كَضَرُورَتِهِ لم تَحِلَّ له الْمَيْتَةُ أَوَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ له اجْتِهَادُهُ في نَفْسِهِ وَلَا يَجُوزُ له اجْتِهَادُهُ في غَيْرِهِ من أَهْلِ زَمَانِهِ فَأَمَّا عَائِشَةُ وَمَنْ رَوَى عنها الحديث فَالْحَدِيثُ إنَّمَا قُبِلَ على صِدْقِ الْمُخْبِرِ وَعَلَى الْأَغْلَبِ على الْقَلْبِ وَلَيْسَ من الشَّهَادَاتِ بِسَبِيلٍ أَلَا تَرَى أَنَّا نَقْبَلُ في الحديث حدثني فُلَانٌ عن فُلَانِ بن فُلَانٍ وَلَا نَقْبَلُ في الشَّهَادَةِ حدثني فُلَانٌ عن فُلَانٍ حتى يَقُولَ أَشْهَدُ لَسَمِعْت فُلَانًا وَنَقْبَلُ حَدِيثَ الْمَرْأَةِ حتى نُحِلَّ بها وَنُحَرِّمَ وَحْدَهَا وَلَا نَقْبَلُ شَهَادَتَهَا وَحْدَهَا على شَيْءٍ وَنَقْبَلُ حَدِيثَ الْعَبْدِ الصَّادِقِ وَلَا نَقْبَلُ شَهَادَتَهُ وَنَرُدُّ حَدِيثَ الْعَدْلِ إذَا لم يَضْبِطْ الحديث وَنَقْبَلُ شَهَادَتَهُ فِيمَا يَعْرِفُ فَالْحَدِيثُ غَيْرُ الشَّهَادَةِ - * شَهَادَةُ الْوَالِدِ لِلْوَلَدِ وَالْوَلَدِ لِلْوَالِدِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رحمه اللَّهِ تَعَالَى عليه لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَلَا لِبَنِي بَنِيهِ وَلَا لِبَنِي بَنَاتِهِ وَإِنْ تَسَفَّلُوا وَلَا لِآبَائِهِ وَإِنْ بَعُدُوا لِأَنَّهُ من آبَائِهِ وَإِنَّمَا شَهِدَ لِشَيْءٍ هو منه وَأَنَّ بَنِيهِ منه فَكَأَنَّهُ شَهِدَ لِبَعْضِهِ وَهَذَا مِمَّا لَا أَعْرِفُ فيه خِلَافًا وَيَجُوزُ بَعْدَ شَهَادَتِهِ لِكُلِّ من ليس منه من أَخٍ وَذِي رَحِمٍ وَزَوْجَةٍ لِأَنِّي لَا أَجِدُ في الزَّوْجَةِ وَلَا في الْأَخِ عِلَّةً أَرُدُّ بها شَهَادَتَهُ خَبَرًا وَلَا قِيَاسًا وَلَا مَعْقُولًا وَإِنِّي لو رَدَدْت شَهَادَتَهُ لِزَوْجَتِهِ لِأَنَّهُ قد يَرِثُهَا وَتَرِثُهُ في حَالٍ رَدَدْت شَهَادَتَهُ
____________________

(7/46)


لِمَوْلَاهُ من أَسْفَلِ إذَا لم يَكُنْ له وَلَدٌ لِأَنَّهُ قد يَرِثُهُ في حَالٍ وَرَدَدْت شَهَادَتَهُ لِعَصَبَتِهِ وَإِنْ كان بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ مِائَةُ أَبٍ وَلَسْت أَجِدُهُ يَمْلِكُ مَالَ امْرَأَتِهِ وَلَا تَمْلِكُ مَالَهُ فَيَكُونُ يَجُرُّ إلَى نَفْسِهِ بِشَهَادَتِهِ وَلَا يَدْفَعُ عنها وَهَكَذَا أَجِدُهُ في أَخِيهِ وَلَوْ رَدَدْت شَهَادَتَهُ لِأَخِيهِ بِالْقَرَابَةِ رَدَدْتهَا لِابْنِ عَمِّهِ لِأَنَّهُ بن جَدِّهِ الْأَدْنَى وَرَدَدْتهَا لِابْنِ جَدِّهِ الذي يَلِيه وَرَدَدْتهَا لِأَبِي الْجَدِّ الذي فَوْقَ ذلك حتى أَرُدَّهَا على مِائَةِ أَبٍ أو أَكْثَرَ قال وَلَوْ شَهِدَ أَخَوَانِ لِأَخٍ بِحَقٍّ أو شَهِدَ عليه أَحَدٌ بِحَقٍّ فَجَرَّحَاهُ قَبِلْتُ شَهَادَتَهُمَا وَلَوْ رَدَدْتهَا في إحْدَى الْحَالَيْنِ لَرَدَدْتُهَا في الْأُخْرَى ( قال ) وَكَذَلِكَ لو شَهِدُوا له وهو مَمْلُوكٌ أَنَّهُ أُعْتِقَ وَكَذَلِكَ لو جَرَحُوا شَاهِدَيْنِ شَهِدَا عليه بِحَدٍّ قبلتهم ( ( ( قبلت ) ) ) لِأَنَّ أَصْلَ الشَّهَادَةِ أَنْ تَكُونَ مَقْبُولَةً أو مَرْدُودَةً فإذا كانت مَقْبُولَةً لِلْأَخِ قُبِلَتْ في كل شَيْءٍ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَقَدْ يَجُرُّونَ إلَى أَنْفُسِهِمْ الْمِيرَاثَ إذَا صَارَ حُرًّا قِيلَ له أَفَرَأَيْتَ إنْ كان له وَلَدٌ أَحْرَارٌ أو رَأَيْتَ إنْ كان بن عَمٍّ بَعِيدُ النَّسَبِ قد يَرِثُونَهُ إنْ مَاتَ وَلَا وَلَدَ له أو رأيت إنْ كان رَجُلٌ من أَهْلِ الْعَشِيرَةِ متراخى النَّسَبِ أَتَرُدُّ شَهَادَتَهُمْ له في الْحَدِّ يَدْفَعُونَهُ بِجُرْحِ من شَهِدُوا على جُرْحِهِ مِمَّنْ شَهِدَ عليه أو بِعِتْقِهِ فَإِنْ قال نعم قِيلَ أَفَرَأَيْت إنْ كَانُوا حُلَفَاءَ فَكَانُوا يُعَيَّرُونَ بِمَا أَصَابَ حَلِيفَهُمْ أو كَانُوا أَصْهَارًا فَكَانُوا يُعَيَّرُونَ بِمَا أَصَابَ صِهْرَهُمْ وَإِنْ بَعُدَ صِهْرُهُ وكان من عَشِيرَةِ صِهْرِهِمْ الْأَدْنَى أو رَأَيْت إنْ كَانُوا أَهْلَ صِنَاعَةٍ وَاحِدَةٍ يُعَابُونَ مَعًا وَيُمْدَحُونَ مَعًا من عِلْمٍ أو غَيْرِهِ فَإِنْ رَدَّ شَهَادَتَهُمْ لم يَخْلُ الناس من أَنْ يَكُونَ هذا فِيهِمْ وَإِنْ أَجَازَهَا في هذا فَقَدْ أَجَازَهَا وَفِيهَا الْعِلَّةُ التي أَبْطَلَهَا بها ( قال ) وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ أَحَدٍ غَيْرِ الْأَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ الْبَالِغِينَ الْعُدُولِ - * شَهَادَةُ الْغُلَامِ وَالْعَبْدِ وَالْكَافِرِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ الْغُلَامُ قبل أَنْ يَبْلُغَ وَالْعَبْدُ قبل أَنْ يُعْتَقَ وَالْكَافِرُ قبل أَنْ يُسْلِمَ لِرَجُلٍ بِشَهَادَةٍ فَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُجِيزَهَا وَلَا عليه أَنْ يَسْمَعَهَا وَسَمَاعُهَا منه تَكَلُّفٌ فإذا بَلَغَ الصَّبِيُّ وَعَتَقَ الْعَبْدُ وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ وَكَانُوا عُدُولًا فَشَهِدُوا بها قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ لِأَنَّا لم نَرُدَّهَا في الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ بِعِلَّةِ سَخَطٍ في أَعْمَالِهِمَا وَلَا كَذِبِهِمَا وَلَا بِحَالٍ سَيِّئَةٍ في أَنْفُسِهِمَا لو انْتَقَلَا عنها وَهُمَا بِحَالِهِمَا قَبِلْنَاهُمَا إنَّمَا رَدَدْنَاهَا لِأَنَّهُمَا لَيْسَا من شَرْطِ الشُّهُودِ الَّذِينَ أُمِرْنَا بِإِجَازَةِ شَهَادَتِهِمْ أَلَا تَرَى أَنَّ شَهَادَتَهُمَا وَسُكَاتَهُمَا في مَالِهِمَا تِلْكَ سَوَاءٌ وَأَنَّا لَا نَسْأَلُ عن عَدْلِهِمَا وَلَوْ عَرَفْنَا عَدْلَهُمَا كان مِثْلَ جَرْحِهِمَا في أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُمَا في أَنَّ هذا لم يَبْلُغْ وَأَنَّ هذا مَمْلُوكٌ وفي الْكَافِرِ وَإِنْ كان مَأْمُونًا على شَهَادَةِ الزُّورِ في أَنَّهُ ليس من الشَّرْطِ الذي أُمِرْنَا بِقَبُولِهِ فإذا صَارُوا إلَى الشَّرْطِ الذي أُمِرْنَا بِقَبُولِهِ قَبِلْنَاهُمْ مَعًا وَكَانُوا كَمَنْ لم يَشْهَدْ إلَّا في تِلْكَ الْحَالِ فَأَمَّا الْحُرُّ الْمُسْلِمُ الْبَالِغُ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ في الشَّيْءِ ثُمَّ تَحْسُنُ حَالُهُ فَيَشْهَدُ بها فَلَا نَقْبَلُهَا لِأَنَّا قد حَكَمْنَا بِإِبْطَالِهَا لِأَنَّهُ كان عِنْدَنَا حين شَهِدَ في مَعَانِي الشُّهُودِ الَّذِينَ يُقْطَعُ بِشَهَادَتِهِمْ حتى اخْتَبَرْنَا أَنَّهُ مَجْرُوحٌ فيها بِعَمَلِ شَيْءٍ أو كَذِبٍ فَاخْتُبِرَ فَرَدَدْنَا شَهَادَتَهُ فَلَا نُجِيزُهَا وَلَيْسَ هَكَذَا الْعَبْدُ وَلَا الصَّبِيُّ وَلَا الْكَافِرُ أُولَئِكَ كَانُوا عُدُولًا أو غير عُدُولٍ فَفِيهِمْ عِلَّةٌ أَنَّهُمْ لَيْسُوا من الشَّرْطِ وَهَذَا من الشَّرْطِ إلَّا بِأَنْ يُخْتَبَرَ عَمَلُهُ أو قَوْلُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ - * شَهَادَةُ النِّسَاءِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ إلَّا في مَوْضِعَيْنِ في مَالٍ يَجِبُ لِلرَّجُلِ على الرَّجُلِ فَلَا يَجُوزُ من شَهَادَتِهِنَّ شَيْءٌ وَإِنْ كَثُرْنَ إلَّا وَمَعَهُنَّ رَجُلٌ شَاهِدٌ وَلَا يَجُوزُ مِنْهُنَّ أَقَلُّ من اثْنَتَيْنِ مع الرَّجُلِ فَصَاعِدًا وَلَا نُجِيزُ اثْنَتَيْنِ وَيَحْلِفُ مَعَهُمَا لِأَنَّ شَرْطَ اللَّهِ عز وجل الذي أَجَازَهُمَا فيه مع شَاهِدٍ يَشْهَدُ بِمِثْلِ شَهَادَتِهِمَا لِغَيْرِهِ قال اللَّهُ عز وجل { فَإِنْ لم يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ } فَأَمَّا رَجُلٌ يَحْلِفُ لِنَفْسِهِ فَيَأْخُذُ فَلَا يَجُوزُ وَهَذَا مَكْتُوبٌ في كِتَابِ
____________________

(7/47)


الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ وَالْمَوْضِعُ الثَّانِي حَيْثُ لَا يَرَى الرَّجُلُ من عَوْرَاتِ النِّسَاءِ فَإِنَّهُنَّ يُجَزْنَ فيه مُنْفَرِدَاتٍ وَلَا يَجُوزُ مِنْهُنَّ أَقَلُّ من أَرْبَعٍ إذَا انْفَرَدْنَ قِيَاسًا على حُكْمِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهِنَّ لِأَنَّهُ جَعَلَ اثْنَتَيْنِ تَقُومَانِ مع رَجُلٍ مَقَامَ رَجُلٍ وَجَعَلَ الشَّهَادَةَ شَاهِدَيْنِ أو شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ فَإِنْ انْفَرَدْنَ فَمَقَامُ شَاهِدَيْنِ أَرْبَعٌ وَهَكَذَا كان عَطَاءٌ يقول أخبرنا مُسْلِمٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَجُوزُ في شَيْءٍ من الْحُدُودِ وَلَا في شَيْءٍ من الْوَكَالَاتِ وَلَا الْوَصِيَّةِ وَلَا ما عَدَا ما وَصَفْتُ من الْمَالِ وما لَا يَطَّلِعُ عليه الرِّجَالُ من النِّسَاءِ أَقَلُّ من شَاهِدَيْنِ وَلَا يَجُوزُ في الْعِتْقِ وَالْوَلَاءِ وَيَحْلِفُ الْمُدَّعَى عليه في الطَّلَاقِ وَالْحُدُودِ وَالْعَتَاقِ وَكُلِّ شَيْءٍ بِغَيْرِ شَاهِدٍ وَبِشَاهِدٍ فَإِنْ نَكَلَ رَدَدْتُ الْيَمِينَ على المدعى وَأَخَذْتُ له بِحَقِّهِ وَإِنْ لم يَحْلِفْ المدعى لم آخُذْ له شيئا وَلَا أُفَرِّقُ بين حُكْمِ هذا وَبَيْنَ حُكْمِ الْأَمْوَالِ - * شَهَادَةُ الْقَاضِي - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا كان الْقَاضِي عَدْلًا فَأَقَرَّ رَجُلٌ بين يَدَيْهِ بِشَيْءٍ كان الْإِقْرَارُ عِنْدَهُ أَثْبَتَ من أَنْ يَشْهَدَ عِنْدَهُ كُلُّ من يَشْهَدُ لِأَنَّهُ قد يُمْكِنُ أَنْ يَشْهَدُوا عِنْدَهُ بِزُورٍ وَالْإِقْرَارُ عِنْدَهُ ليس فيه شَكٌّ وَأَمَّا الْقُضَاةُ الْيَوْمَ فَلَا أُحِبُّ أَنْ أَتَكَلَّمَ بهذا كَرَاهِيَةَ أَنْ أَجْعَلَ لهم سَبِيلًا إلَى أَنْ يَجُورُوا على الناس وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ - * رُؤْيَةُ الْهِلَالِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يُلْزِمُ الْإِمَامُ الناس أَنْ يَصُومُوا إلَّا بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ فَأَكْثَرَ وَكَذَلِكَ لَا يُفْطِرُونَ وَأَحَبُّ إلى لو صَامُوا بِشَهَادَةِ الْعَدْلِ لِأَنَّهُمْ لَا مُؤْنَةَ عليهم في الصِّيَامِ إنْ كان من رَمَضَانَ أَدَّوْهُ وَإِنْ لم يَكُنْ رَجَوْت أَنْ يُؤْجَرُوا بِهِ وَلَا أُحِبُّ لهم هذا في الْفِطْرِ لِأَنَّ الصَّوْمَ عَمَلُ بِرٍّ وَالْفِطْرَ تَرْكُ عَمَلٍ أخبرنا الدَّرَاوَرْدِيُّ عن مُحَمَّدِ بن عبد اللَّهِ بن عَمْرِو بن عُثْمَانَ عن أُمِّهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه ( ( ( عنها ) ) ) أَنَّ شَاهِدًا شَهِدَ عِنْدَ عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي ( ( ( رحمه ) ) ) اللَّهُ تَعَالَى عنه على رُؤْيَةِ هِلَالِ شَهْرِ رَمَضَانَ فَصَامَ أَحْسِبُهُ قال وَأَمَرَ الناس بِالصِّيَامِ وقال أَصُومُ يَوْمًا من شَعْبَانَ أَحَبُّ إلى من أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا من رَمَضَانَ أَحْسِبُهُ شَكُّ الشَّافِعِيِّ قال الرَّبِيعُ رَجَعَ الشَّافِعِيُّ بَعْدُ فقال لَا يُصَامُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ كان عَلِيٌّ رضي ( ( ( رحمه ) ) ) اللَّهُ تَعَالَى عنه أَمَرَ الناس بِالصَّوْمِ فَعَلَى مَعْنَى الْمَشُورَةِ لَا على مَعْنَى الْإِلْزَامِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - * شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ في حَالٍ من الْأَحْوَالِ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِمَّنْ نَرْضَى من الشُّهَدَاءِ وَإِنَّمَا أَمَرَنَا اللَّهُ عز وجل أَنْ نَقْبَلَ شَهَادَةَ من نَرْضَى وَمَنْ قَبِلْنَا شَهَادَتَهُ قَبِلْنَاهَا حين يَشْهَدُ بها في الْمَوْقِفِ الذي يَشْهَدُ بها فيه وَبَعْدَهُ وفي كل حَالٍ وَلَا أَعْرِفُ مَكَانَ من تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ قبل أَنْ يَعْلَمَ وَيُجَرِّبَ وَيُفَارِقَ مَوْقِفَهُ إذَا عَلِمْنَا أَنَّ عَقْلَ الشَّاهِدِ هَكَذَا فَمَنْ أَجَازَ لنا أَنْ نَقْبَلَ شَهَادَةَ من لَا يَدْرِي ما لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى اسْمُهُ عليه في الشَّهَادَةِ وَلَيْسَ عليه فَرْضٌ فَإِنْ قال قَائِلٌ فإن بن الزُّبَيْرِ قَبِلَهَا قِيلَ فَابْنُ عَبَّاسٍ رَدَّهَا وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ على أَنَّهُمْ لَيْسُوا مِمَّنْ يُرْضَى أخبرنا سُفْيَانُ عن عُمَرَ وَعَنْ بن أبي مُلَيْكَةَ عن بن عَبَّاسٍ
____________________

(7/48)


- * الشَّهَادَةُ على الشَّهَادَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَجُوزُ الشَّهَادَةُ على الشَّهَادَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ على شَهَادَةِ الرَّجُلِ وَلَا الْمَرْأَةِ حَيْثُ تَجُوزُ إلَّا رَجُلَانِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ على وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِسَاءٌ مع رَجُلٍ وَإِنْ كان ذلك في مَالٍ لِأَنَّهُنَّ لَا يَشْهَدْنَ على أَصْلِ الْمَالِ إنَّمَا يَشْهَدْنَ على تَثْبِيتِ شَهَادَةِ رَجُلٍ أو امْرَأَةٍ وإذا كان أَصْلُ مَذْهَبِنَا أَنَّا لَا نُجِيزُ شَهَادَةَ النِّسَاءِ إلَّا في مَالٍ أو فِيمَا لَا يَرَاهُ الرِّجَالُ لم يَجُزْ لنا أَنْ نُجِيزَ شهادتهن ( ( ( شهادتين ) ) ) على شَهَادَةِ رَجُلٍ وَلَا امْرَأَةٍ - * الشَّهَادَةُ على الْجِرَاحِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا أَقَامَ رَجُلٌ شَاهِدًا على جُرْحٍ خَطَأً أو عَمْدًا مِمَّا لَا قِصَاصَ فيه حَالَ حَلِفَ مع شَاهِدِهِ يَمِينًا وَاحِدَةً وكان له الْأَرْشُ وَإِنْ كان عَمْدًا فيه قِصَاصٌ بِحَالِ لم يَحْلِفْ ولم يُقْبَلْ فيه إلَّا شَاهِدَانِ وَلَوْ أَجَزْنَا الْيَمِينَ مع الشَّاهِدِ في الْقِصَاصِ أَجَزْنَاهَا في الْقَتْلِ وَأَجَزْنَاهَا في الْحُدُودِ وَوَضَعْنَاهَا الْمَوْضِعَ الذي لم تُوضَعْ فيه وَسَوَاءٌ كان ذلك في عَبْدٍ قَتَلَهُ حُرٌّ أو نَصْرَانِيٍّ قَتَلَهُ حُرٌّ مُسْلِمٌ أو جَرَحَ قال وَشَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيمَا كان خَطَأً من الْجِرَاحِ وَفِيمَا كان عَمْدًا لَا قِصَاصَ فيه بِحَالٍ جَائِزَةٌ مع رَجُلٍ وَلَا يُجَزْنَ إذَا انْفَرَدْنَ وَلَا يَمِينَ لِطَالِبِ الْحَقِّ مَعَهُنَّ وَحْدَهُنَّ ( 1 ) فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنْ يَقُولَ أن الْقَسَامَةَ تَجِبُ بِشَاهِدٍ في النَّفْسِ فَيَقْتُلُ وَلِيُّ الدَّمِ فَالْقَسَامَةُ تَجِبُ عِنْدَهُ بِدَعْوَى الْمَقْتُولِ أو الْفَوْتِ من الْبَيِّنَةِ وَلَا يَجُوزُ له إلَّا أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ الْجُرْحَ الذي فيه الْقَوَدُ مِثْلُ النَّفْسِ فيقضى فيه بِالْقَسَامَةِ وَيَجْعَلَهَا خَمْسِينَ يَمِينًا وَلَا يُفَرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَسَامَةِ في النَّفْسِ بِحَالٍ أو يَزْعُمَ أَنَّ الْقَسَامَةَ لَا تَكُونُ إلَّا في النَّفْسِ فَأَصْلُ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى في الشَّهَادَةِ شَاهِدَانِ أو شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ في الْمَالِ وَأَصْلُ حُكْمِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عِنْدَنَا أَنَّهُ حَكَمَ بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ في الْأَمْوَالِ وَالْقِصَاصُ ليس بِمَالٍ قال فَلَا يَنْبَغِي إلَّا أَنْ لَا يُجَازَ على الْقِصَاصِ إلَّا شَاهِدَانِ إلَّا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ في الْجِرَاحِ أَنَّ فيها قَسَامَةً مِثْلُ النَّفْسِ فإذا أبي من يقول هذا أَنْ يَقْبَلَ شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ ثُمَّ يَقْتَصَّ كان يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَأَنْ يَقْبَلَ يَمِينًا وَشَاهِدًا أَشَدَّ إبَاءً - * شَهَادَةُ الْوَارِثِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فإذا شَهِدَ وَارِثٌ وهو عَدْلٌ لِرَجُلٍ أَنَّ أَبَاهُ أَوْصَى له بِالثُّلُثِ وَجَاءَ آخَرُ بِشَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ له أَنَّ أَبَاهُ أَوْصَى له بِالثُّلُثِ فَهُوَ مِثْلُ الرَّجُلَيْنِ يُقِيمُ أَحَدُهُمَا شَاهِدَيْنِ على الدَّارِ بأنها ( ( ( بأنهما ) ) ) له وَيُقِيمُ الْآخَرُ شَاهِدًا أنها له لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمَا فَمَنْ رَأَى أَنْ يسوي بين شَاهِدٍ وَيَمِينٍ في هذا وَبَيْنَ شَاهِدَيْنِ أَحْلَفَ هذا مع شَاهِدِهِ وَجَعَلَ الثُّلُثَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَمَنْ لم يَرَ ذلك لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لم تَتِمَّ حتى يَكُونَ الْمَشْهُودُ له مُسْتَغْنِيًا عن أَنْ يَحْلِفَ جَعَلَ الثُّلُثَ لِصَاحِبِ الشَّاهِدَيْنِ وَأَبْطَلَ شَهَادَةَ الْوَارِثِ إذَا كان وَحْدَهُ وَلَوْ كان معه وَارِثٌ آخَرُ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ أو أَجْنَبِيٌّ كان الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ في الْقَوْلَيْنِ مَعًا قال وَلَوْ أَنَّ الْوَارِثَ شَهِدَ أَنَّ أَبَاهُ رَجَعَ عن وَصِيَّتِهِ لِلْمَشْهُودِ له وَصَيَّرَهُ إلَى هذا الْآخَرِ حَلَفَ مع شَاهِدِهِ وكان الثُّلُثُ له وَهَذَا يُخَالِفُ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى لِأَنَّهُمَا في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مُخْتَلِفَانِ وَهَذَا يُثْبِتُ ما ثَبَتَا وَيُثْبِتُ أَنَّ أَبَاهُ رَجَعَ فيه قال وَلَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَتَرَكَ بَنِينَ عَدَدًا فَاقْتَسَمُوا أو لم يَقْتَسِمُوا ثُمَّ شَهِدَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ لِرَجُلٍ أَنَّ أَبَاهُ أَوْصَى له بِالثُّلُثِ فَإِنْ كان عَدْلًا حَلَفَ مع شَاهِدِهِ وَأَخَذَ الثُّلُثَ من أَيْدِيهِمْ جميعا وَإِنْ كان غير عَدْلٍ أَخَذَ ثُلُثَ ما في يَدَيْهِ ولم يَأْخُذْ
____________________

(7/49)


من الْآخَرِينَ شيئا وَأُحْلِفُوا له وَهَكَذَا لو كان الشَّاهِدُ امْرَأَتَيْنِ من الْوَرَثَةِ أو عَشْرًا من الْوَرَثَةِ لَا رَجُلَ مَعَهُنَّ أَخَذَ ثُلُثَ ما في أَيْدِيهِنَّ ولم تَجُزْ شَهَادَتُهُنَّ على غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ لم يُقِرَّ ولم يَحْلِفْ الْمَشْهُودُ له مع شَهَادَتِهِنَّ قال وَلَوْ كان الْمَيِّتُ تَرَكَ أَلْفًا نَقْدًا وَأَلْفًا دَيْنًا على أَحَدِ الْوَارِثَيْنِ فَشَهِدَ الذي عليه الدَّيْنُ لِرَجُلٍ أَنَّهُ أَوْصَى له بِالثُّلُثِ فَإِنْ كان عَدْلًا أَعْطَاهُ ثُلُثَ الْأَلْفِ التي عليه لِأَنَّهَا من مِيرَاثِ الْمَيِّتِ وَأَعْطَى الْآخَرَ ثُلُثَ الْأَلْفِ التي أَخَذَ إذَا حَلَفَ ( 1 ) وَإِنْ كان مُفْلِسًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَقَرَّ الْوَارِثُ بِدَيْنٍ على أبيه ثُمَّ أَقَرَّ عليه بِدَيْنٍ بَعْدَهُ فَسَوَاءٌ الْإِقْرَارُ الْأَوَّلُ وَالْإِقْرَارُ الْآخَرُ لِأَنَّ الْوَارِثَ لَا يَعْدُو أَنْ يَكُونَ إقْرَارُهُ على أبيه يَلْزَمُهُ فِيمَا صَارَ في يَدَيْهِ من مِيرَاثِ أبيه كما يَلْزَمُهُ ما أَقَرَّ بِهِ في مَالِ نَفْسِهِ وهو لو أَقَرَّ الْيَوْمَ لِرَجُلٍ عليه بِدَيْنٍ وَغَدًا لِآخَرَ لَزِمَهُ ذلك كُلُّهُ وَيَتَحَاصَّانِ في مَالِهِ أو يَكُونَ إقْرَارُهُ سَاقِطًا لِأَنَّهُ لم يُقِرَّ على نَفْسِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَهَذَا مِمَّا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ عَلِمْته بَلْ هُمَا لَازِمَانِ مَعًا وَلَوْ كان معه وَارِثٌ وكان عَدْلًا حَلَفَا مع شَاهِدِهِمَا وَلَوْ لم يَكُنْ عَدْلًا كانت كالمسألة ( ( ( المسألة ) ) ) الْأُولَى وَيَلْزَمُهُ ذلك فِيمَا في يَدَيْهِ دُونَ ما في يَدَيْ غَيْرِهِ قال وإذا مَاتَ رَجُلٌ وَتَرَكَ وَارِثًا أو وَرَثَةً فَأَقَرَّ أَحَدُ الْوَرَثَةِ في عَبْدٍ تَرَكَهُ الْمَيِّتُ أَنَّهُ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ عَادَ بَعْدُ فقال بَلْ هو لِهَذَا الْآخَرِ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ وَلَيْسَ للاخر فيه شَيْءٌ وَلَا غُرْمَ على الْوَارِثِ قال وَكَذَلِكَ لو وَصَلَ الْكَلَامَ فقال هو لِهَذَا بَلْ هو لِهَذَا كان لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا وَذَلِكَ أَنَّهُ حِينَئِذٍ كَالْمُقِرِّ في مَالِ غَيْرِهِ فَلَا يُصَدَّقُ على إبْطَالِ إقْرَارٍ قد قَطَعَهُ لِآخَرَ بِأَنْ يُخْرِجَهُ إلَى آخَرَ وَلَيْسَ في مَعْنَى الشَّاهِدِ الذي شَهِدَ بِمَا لَا يَمْلِكُ لِرَجُلٍ ثُمَّ يَرْجِعُ قبل الْحُكْمِ فَيَشْهَدُ بِهِ لِآخَرَ قال وإذا مَاتَ الْمَيِّتُ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا لِرَجُلٍ بِدَيْنٍ فَإِنْ كان مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ أَخَذَ الدَّيْنَ من رَأْسِ الْمَالِ مِمَّا في يَدَيْ الْوَارِثَيْنِ جميعا إذَا حَلَفَ الْمَشْهُودُ له وَإِنْ كان مِمَّنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ أَخَذَ من يَدَيْ الشَّاهِدِ له من دَيْنِهِ بِقَدْرِ ما كان يَأْخُذُ منه لو جَازَتْ شَهَادَتُهُ لِأَنَّ مَوْجُودًا في شَهَادَتِهِ أَنَّهُ إنَّمَا له في يَدَيْ الْمُقِرِّ حَقٌّ وفي يَدَيْ الْجَاحِدِ حَقٌّ فَأَعْطَيْتُهُ من الْمُقِرِّ ولم أُعْطِهِ من الْجَاحِدِ شيئا وَلَيْسَ هذا كما هَلَكَ من مَالِ الْمَيِّتِ ذَاكَ كما لم يَتْرُكْ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو تَرَكَ أَلْفَيْنِ فَهَلَكَتْ إحْدَاهُمَا وَثَبَتَ عليه دَيْنٌ أَلْفٌ أُخِذَتْ الْأَلْفُ وَكَذَلِكَ لو ثَبَتَ لِرَجُلٍ وَصِيَّةٌ بِالثُّلُثِ أَخَذَ ثُلُثَ الْأَلْفِ وَكَانَتْ الْهَالِكَةُ كما لم يَتْرُكْ وَلَوْ قَسَّمَ الْوَرَثَةُ مَالَهُ اتَّبَعَ أَهْلُ الدَّيْنِ وَأَهْلُ الْوَصِيَّةِ كُلَّ وَارِثٍ بِمَا صَارَ في يَدَيْهِ حتى يَأْخُذُوا من يَدَيْهِ بِقَدْرِ ما صَارَ لهم وَلَوْ أَفْلَسُوا فأعطى أَهْلُ الدَّيْنِ دَيْنَهُمْ من يَدَيْ من لم يُفْلِسْ رَجَعَ بِهِ على من أَفْلَسَ وَهَذَا الشَّاهِدُ لَا يَرْجِعُ أَبَدًا على أَخِيهِ بِشَيْءٍ إنَّمَا هو أَقَرَّ بِهِ قال وَلَوْ تَرَكَ الْمَيِّتُ رَجُلًا وَارِثًا وَاحِدًا فَأَقَرَّ لِرَجُلٍ أَنَّ له هذا الْعَبْدَ بِعَيْنِهِ ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ بَعْدُ لِهَذَا فَهُوَ لِلْأَوَّلِ وَلَا يَضْمَنُ للاخر شيئا وَسَوَاءٌ دَفَعَ الْعَبْدَ إلَى الْمُقَرِّ له الْأَوَّلِ أو لم يَدْفَعْهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَلَوْ زَعَمْت أَنَّهُ إذَا دَفَعَهُ إلَى الْأَوَّلِ ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ للاخر ضَمِنَ للاخر قِيمَةَ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ قد اسْتَهْلَكَهُ بِدَفْعِهِ إلَى الْأَوَّلِ قُلْت كَذَلِكَ لو لم يَدْفَعْهُ ( 2 ) من قِبَلِ أنى إذَا أَجَزْت إقْرَارَهُ الْأَوَّلِ ثُمَّ أَرَدْت أَنْ أُخْرِجَ ذلك من يَدَيْ الْأَوَّلِ إلَى الْآخَرِ بِإِقْرَارٍ كُنْت أَقْرَرْت في مَالِ غَيْرِي فَلَا أَكُونُ ضَامِنًا لِذَلِكَ وَسَوَاءٌ كان الْوَارِثُ إذَا كان مُنْفَرِدًا بِالْمِيرَاثِ مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ أو لَا تَجُوزُ في هذا الْبَابِ من قِبَلِ أَنْ لَا أَقْبَلَ شَهَادَتَهُ في شَيْءٍ قد أَقَرَّ بِهِ لِرَجُلٍ وَخَرَجَ من مِلْكِهِ إلَيْهِ قال وَهَكَذَا لو أَقَرَّ أَنَّ أَبَاهُ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ ثُمَّ قال بَلْ أَوْصَى بِهِ لِهَذَا لم أَقْبَلْ قَوْلَهُ من قِبَلِ أنى قد أَلْزَمْته أَنْ أُخْرِجَ من يَدَيْهِ ثُلُثَ مَالِ أبيه إلَيْهِ فإذا أَرَادَ إخْرَاجَهُ إلَى غَيْرِهِ جَعَلْته خَصْمًا لِلَّذِي اسْتَحَقَّهُ أَوَّلًا بِإِقْرَارِهِ فَلَا أَقْبَلُ شَهَادَتَهُ فِيمَا هو فيه خَصْمٌ له قال وَلَوْ أقتسم الْوَرَثَةُ ثُمَّ لَحِقَ الْمَيِّتَ دَيْنٌ أو وَصِيَّةٌ بِشَهَادَةِ وَارِثٍ أو غَيْرِ وَارِثٍ فَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ وَيُقَالُ لِلْوَرَثَةِ إنْ تَطَوَّعْتُمْ أَنْ تُؤَدُّوا على هذا دَيْنَهُ وَتَثْبُتُونَ على الْقَسْمِ فَذَلِكَ وَإِنْ أَبَيْتُمْ بِعْنَا لِهَذَا في أَحْضَرَ ما تَرَكَ الْمَيِّتُ وَنَقَضْنَا الْقَسْمَ بَيْنَكُمْ ولم نَبِعْ على
____________________

(7/50)


كل وَاحِدٍ منهم بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَلَا بِقَدْرِ الْوَصِيَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو تَرَكَ دَارًا وَأَرْضًا وَرَقِيقًا وَثِيَابًا وَدَرَاهِمَ وَتَرَكَ دَيْنًا أَعْطَيْنَا صَاحِبَ الدَّيْنِ من الدَّرَاهِمِ الْحَاضِرَةِ ولم نَحْبِسْهُ على غَائِبٍ يُبَاعُ ولم نَبِعْ له مَالَ الْمَيِّتِ كُلَّهُ وَبِعْنَا له من مَالِ الْمَيِّتِ بِقَدْرِ دَيْنِهِ أو وَصِيَّتِهِ - * الشَّهَادَةُ على الشَّهَادَةِ وَكِتَابِ الْقَاضِي - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ على الشَّهَادَةِ وَكِتَابِ الْقَاضِي في كل حَقٍّ للادميين من مَالٍ أو حَدٍّ أو قِصَاصٍ وفي كل حَدٍّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أنها تَجُوزُ وَالْآخَرُ لَا تَجُوزُ من قِبَلِ دَرْءِ الْحُدُودِ بِالشُّبُهَاتِ فَمَنْ قال تَجُوزُ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ على رَجُلٍ بالزنى وَأَرْبَعَةٌ على شَهَادَةِ آخَرَيْنِ بالزنى لم تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ حتى يَصِفُوا زِنًا وَاحِدًا وفي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَيَثْبُتَ الشَّاهِدَانِ على رُؤْيَةِ الزنى وَتَغَيُّبِ الْفَرْجِ في الْفَرْجِ وَتَثْبُتَ الشُّهُودُ على الشَّاهِدَيْنِ مِثْلَ ذلك ثُمَّ يُقَامُ عليه الْحَدُّ ( قال ) وَهَكَذَا كُلُّ شَهَادَةِ زِنًا لَا يَقْبَلُهَا الْحَاكِمُ فَيَحُدُّ بها حتى يَشْهَدُوا بها على زِنًا وَاحِدٍ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَبْهَمُوا ولم يَصِفُوا أنها رُؤْيَةٌ وَاحِدَةٌ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمْ أو مَاتُوا أو غَابَ أَحَدُهُمْ أو غَابُوا لم يَحْدُدْهُ ولم يَحْدُدْهُمْ من قِبَلِ أَنَّهُمْ لم يُثْبِتُوا عليه ما يُوجِبُ عليه الْحَدَّ ( قال ) وَهَكَذَا لو شَهِدَ ثَمَانِيَةٌ على أَرْبَعَةٍ في هذا الْقَوْلِ أُقِيمَ عليه الْحَدُّ ( قال ) وإذا سمع الرَّجُلَانِ الرَّجُلَ يقول أَشْهَدُ أَنَّ لِفُلَانٍ على فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ ولم يَقُلْ لَهُمَا اشْهَدَا فَلَيْسَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَقُومَا بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ فَإِنْ قَامَا بها فَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بها لِأَنَّهُ لم يَسْتَرْعِهِمْ الشَّهَادَةَ فَيَكُونُ إنَّمَا شَهِدَ بِحَقٍّ ثَابِتٍ عِنْدَهُ وقد يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ أَشْهَدُ أَنَّ لِفُلَانٍ عليه أَلْفَ دِرْهَمٍ وَعَدَهُ إيَّاهَا أو من وَجْهٍ لَا يَجِبُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْخُوذٍ بها فإذا كان مُؤَدِّيهَا إلَى الْقَاضِي أو يسترعى من يُؤَدِّيهَا إلَى الْقَاضِي لم يَكُنْ لِيَفْعَلَ إلَّا وَهِيَ عِنْدَهُ وَاجِبَةٌ وَأُحِبُّ لِلْقَاضِي أَنْ لَا يَقْبَلَ هذا منه وَإِنْ كان على الصِّحَّةِ حتى يَسْأَلَهُ من أَيْنَ هِيَ له عليه فَإِنْ قال بِإِقْرَارٍ منه أو بِبَيْعٍ حَضَرْته أو سَلَفٍ أَجَازَهُ فَإِنْ قال هذا ولم يَسْأَلْهُ الْقَاضِي كان مُوضِعٌ غبا ( ( ( سغبا ) ) ) وَرَأَيْته جَائِزًا من قِبَلِ أَنَّهُ إنَّمَا شَهِدَ بها على الصِّحَّةِ ( قال ) وَإِنْ أُشْهِدَ شَاهِدٌ على شَهَادَةِ غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَهَا وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْبَلَهَا حتى يَكُونَ معه غَيْرُهُ ( قال ) وإذا سمع الرَّجُلُ الرَّجُلَ يُقِرُّ لِرَجُلٍ بِمَالٍ وَصَفَ ذلك من غَصْبٍ أو بَيْعٍ أو لم يَصِفْ ولم يَشْهَدْهُ الْمُقِرُّ فَلَازِمٌ له أَنْ يُؤَدِّيَهَا وَعَلَى الْقَاضِي أَنْ يَقْبَلَهُ وَذَلِكَ أَنَّ إقْرَارَهُ على نَفْسِهِ أَصْدَقُ الْأُمُورِ عليه ( قال ) وإذا سمع الرَّجُلُ الرَّجُلَ يقول أَشْهَدُ أَنَّ لِفُلَانٍ على فُلَانٍ حَقًّا لم يَلْزَمْ فُلَانًا لِأَنَّهُ لم يُقِرَّ بِهِ وَإِقْرَارُ غَيْرِهِ عليه لَا يَلْزَمُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ من ذلك إلَّا أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا عليه وَالشَّهَادَةُ عليه أَنْ يَقُومَ بها عِنْدَ الْحَاكِمِ أو يَسْتَرْعِيَهَا شَاهِدًا فَأَمَّا أَنْ يَنْطِقَ بها وَهِيَ عِنْدَهُ كَالْمِزَاحِ فَيَسْمَعُ منه وَلَا يَسْتَرْعِيهَا فَهَذَا بَيَّنَ أَنَّ ما أَقَرَّ بِهِ على غَيْرِهِ وَلَا يَلْزَمُ غَيْرَهُ إقْرَارُهُ ولم يَكُنْ شَاهِدًا بِهِ فَيَلْزَمُ غَيْرَهُ شَهَادَتُهُ ( قال ) وإذا شَهِدَ الشَّاهِدَانِ على رَجُلٍ أَنَّهُ قد سَرَقَ مَالًا لِرَجُلٍ فَوَصَفَا الْمَالَ ولم يَصِفَا من حَيْثُ سَرَقَهُ أو وَصَفَا من حَيْثُ سَرَقَهُ ولم يَصِفَا الْمَالَ فَلَا قَطْعَ عليه لِأَنَّهُ قد يَكُونُ سَارِقًا لَا قَطْعَ عليه وَذَلِكَ أَنْ يَخْتَلِسَ أو يَسْرِقَ من غَيْرِ حِرْزٍ أو يَسْرِقَ أَقَلَّ من رُبُعِ دِينَارٍ فَإِنْ مَاتَ الشَّاهِدَانِ أو غَابَا لم يُقْطَعْ وإذا مَاتَا خلى بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ فإذا غَابَا حُبِسَ حتى يَحْضُرَا وَيَكْتُبُ إلَى قَاضِي الْبَلَدِ الذي هُمَا فيه فَيَقِفُهُمَا ثُمَّ يَقْبَلُ ذلك من قَبِلَ كِتَابَ الْقَاضِي في السَّرِقَةِ وَمَنْ لم يَقْبَلْ كِتَابَ الْقَاضِي في السَّرِقَةِ لم يَكْتُبْ وَإِنْ كَانَا وَصَفَا السَّرِقَةَ ولم يَصِفَا الْحِرْزَ أُغْرِمَهَا السَّارِقُ ولم يُقْطَعْ ( قال ) وإذا شَهِدَ شُهُودُ الزنى على الزنى لم يُقَمْ الْحَدُّ حتى يَصِفُوا الزنى كما وَصَفْت فَإِنْ فَعَلُوا أُقِيمَ الْحَدُّ وَإِنْ لم يَفْعَلُوا
____________________

(7/51)


حتى غَابُوا ( 1 ) أو مَاتُوا أو غَابَ أَحَدُهُمْ حُبِسَ حتى يَصِفَهُ فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمْ خَلَّى سَبِيلَهُ وَلَا يُقِيمُ الْحَدَّ عليه أَبَدًا حتى يَجْتَمِعَ أَرْبَعَةٌ يَصِفُونَ زِنًا وَاحِدًا فَيَجِبُ بمثله الْحَدُّ أو يُحَلِّفُهُ وَيُخْلِيهِ وَيَكُونُ فِيمَا يَسْأَلُ الْإِمَامُ الشُّهُودَ عليه أَزَنَى بِامْرَأَةٍ لِأَنَّهُمْ قد يَعُدُّونَ الزنى وَقَعَ على بَهِيمَةٍ وَلَعَلَّهُمْ أَنْ يَعُدُّوا الِاسْتِمْنَاءَ زِنًا فَلَا نَحُدُّهُ أَبَدًا حتى يُثْبِتُوا الشَّهَادَةَ وَيُبَيِّنُوهَا له فِيمَا يَجِبُ في مِثْلِهِ الزنى ( قال ) وإذا شَهِدَ ثَلَاثَةٌ على رَجُلٍ بالزنى فَأَثْبَتُوهُ فقال الرَّابِعُ رَأَيْته نَالَ منها وَلَا أَدْرِي أَغَابَ ذلك منه في ذلك منها فَمَذْهَبُ أَكْثَرِ الْمُفْتِينَ أَنْ يُحَدَّ الثَّلَاثَةُ وَلَا يُحَدَّ الرَّابِعُ وَلَوْ كان الرَّابِعُ قال أَشْهَدُ أَنَّهُ زَانٍ ( 2 ) ثُمَّ قال هذا الْقَوْلَ انْبَغَى أَنْ يُحَدَّ في قَوْلِهِمْ لِأَنَّهُ قَاذِفٌ لم يُثْبِتْ الزنى الذي في مِثْلِهِ الْحَدُّ ولم يُحَدُّوا وَهَكَذَا لو شَهِدَ أَرْبَعَةٌ فَقَالُوا رَأَيْنَاهُ على هذه الْمَرْأَةِ فلم يُثْبِتُوا لم يُحَدَّ ولم يُحَدُّوا وَلَوْ قالوا زَنَى بِهَذِهِ الْمَرْأَةِ ثُمَّ لم يُثْبِتُوا حُدُّوا بِالْقَذْفِ لِأَنَّهُمْ قَذَفَةٌ لم يَخْرُجُوا بِالشَّهَادَةِ ( قال ) وإذا شَهِدَ الشُّهُودُ على السَّارِقِ بِالسَّرِقَةِ لم يَكُنْ للامام أَنْ يُلَقِّنَهُ الْحُجَّةَ وَذَلِكَ أَنَّهُ لو جَحَدَ قُطِعَ وَلَكِنْ لو اُدُّعِيَتْ عليه السَّرِقَةَ ولم تَقُمْ عليه بَيِّنَةٌ فَكَانَ من أَهْلِ الْجَهَالَةِ بِالْحَدِّ إمَّا بِأَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا بِحَضْرَةِ سَرِقَتِهِ جاء من بِلَادِ حَرْبٍ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ جَافِيًا بِبَادِيَةِ أَهْلِ جَفَاءٍ لم أَرَ بَأْسًا بِأَنْ يُعَرِّضَ له بِأَنْ يَقُولَ لَعَلَّهُ لم يَسْرِقْ فَأَمَّا أَنْ يَقُولَ له اجْحَدْ فَلَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ الشَّاهِدَانِ على سَرِقَةٍ فَاخْتَلَفَا في الشَّهَادَةِ فقال أَحَدُهُمَا سَرَقَ من هذه الدَّارِ كَبْشًا لِفُلَانٍ وقال الْآخَرُ بَلْ سَرَقَهُ من هذه الدَّارِ أو شَهِدَا بِالرُّؤْيَةِ مَعًا وَقَالَا مَعًا سَرَقَهُ من هذا الْبَيْتِ وقال أَحَدُهُمَا بُكْرَةً وقال الْآخَرُ عَشِيَّةً أو قال أَحَدُهُمَا سَرَقَ الْكَبْشَ وهو أَبْيَضُ وقال الْآخَرُ سَرَقَهُ وهو أَسْوَدُ أو قال أَحَدُهُمَا كان الذي سُرِقَ أَقْرَنَ وقال الْآخَرُ أَجَمَّ غير أَقْرَنَ أو قال أَحَدُهُمَا كان كَبْشًا وقال الْآخَرُ كان نَعْجَةً فَهَذَا اخْتِلَافٌ لَا يُقْطَعُ بِهِ حتى يَجْتَمِعَا على شَيْءٍ وَاحِدٍ يَجِبُ في مِثْلِهِ الْقَطْعُ وَيُقَالُ لِلْمَسْرُوقِ منه كُلُّ وَاحِدٍ من هَذَيْنِ يُكَذِّبُ صَاحِبَهُ فَادَّعِ شَهَادَةَ أَيِّهِمَا شِئْت وَاحْلِفْ مع شَاهِدِك فَإِنْ قال أَحَدُهُمَا سَرَقَ كَبْشًا وَوَصَفَهُ بُكْرَةً وقال الْآخَرُ سَرَقَ كَبْشًا وَوَصَفَهُ عَشِيَّةً فلم يَدَّعِ الْمَسْرُوقُ إلَّا كَبْشًا حَلَفَ على أَيِّ الْكَبْشَيْنِ شَاءَ وَأَخَذَهُ أو ثَمَنَهُ إنْ فَاتَ وَإِنْ ادَّعَى كَبْشَيْنِ حَلَفَ مع شَهَادَةِ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَأَخَذَ كَبْشَيْنِ إذَا لم يَكُونَا وَصَفَا أَنَّ السَّرِقَةَ وَاحِدَةٌ وَاخْتَلَفَا في صِفَتِهِمَا فَهَذِهِ سَرِقَتَانِ يَحْلِفُ مع كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَأْخُذُهُ ( قال ) وَكَذَلِكَ لو شَهِدَ عليه شَاهِدٌ أَنَّهُ شَرِبَ خَمْرًا الْيَوْمَ وَشَاهِدٌ آخَرُ أَنَّهُ شَرِبَ خَمْرًا أَمْسِ لم يُحَدَّ من قِبَلِ أَنَّ أَمْسِ غَيْرُ الْيَوْمِ وَكَذَلِكَ لو شَهِدَ عليه شَاهِدَانِ أَنَّهُ زَنَى بفلانه في بَيْتِ كَذَا وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ زَنَى بها في بَيْتٍ غَيْرِهِ فَلَا حَدَّ على الْمَشْهُودِ عليه وَمَنْ حَدَّ الشُّهُودَ إذَا لم يُتِمُّوا أَرْبَعَةً حَدَّهُمْ وإذا شَهِدَ شَاهِدٌ على رَجُلٍ أَنَّهُ قَذَفَ رَجُلًا الْيَوْمَ وَشَهِدَ آخَرُ عليه أَنَّهُ قَذَفَهُ أَمْسِ فَلَا يُحَدُّ من قِبَلِ أَنَّهُ ليس ثَمَّ اثْنَانِ يَشْهَدَانِ على قَذْفٍ وَاحِدٍ وَهَكَذَا لو شَهِدَا عليه بِالطَّلَاقِ فقال أَحَدُهُمَا قال لِامْرَأَتِهِ أَمْسِ أَنْتِ طَالِقٌ وقال الْآخَرُ قال لها الْيَوْمَ أَنْتِ طَالِقٌ فَلَا طَلَاقَ من قِبَلِ أَنَّ طَلَاقَ أَمْسِ غَيْرُ طَلَاقِ الْيَوْمِ وَشَهَادَتَهُمَا على ابْتِدَاءِ الْقَوْلِ الذي يَقَعُ بِهِ الْآنَ الْحَدُّ أو الطَّلَاقُ أو الْعِتْقُ كَشَهَادَتِهِمَا على الْفِعْلِ وَلَيْسَ هذا كما يَشْهَدَانِ عليه بِأَنَّهُ أَقَرَّ بِشَيْءٍ مَضَى منه ( قال ) وَيَحْلِفُ في كل شَيْءٍ من هذا إذَا أَبْطَلْت عنه الشَّهَادَةَ اسْتَحْلَفْته ولم يَكُنْ عليه شَيْءٌ ( قال ) وَهَكَذَا لو قال أَشْهَدُ أَنَّهُ قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَدَخَلَهَا وقال الْآخَرُ أَشْهَدُ أَنَّهُ قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ رَكِبْت الدَّابَّةَ فَرَكِبَتْهَا لم تَطْلُقْ امْرَأَتُهُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَشْهَدُ عليه بِطَلَاقٍ غَيْرِ طَلَاقِ الْآخَرِ ( قال ) وإذا سَرَقَ السَّارِقُ السَّرِقَةَ فَشَهِدَ عليه أَرْبَعَةٌ فَشَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ ثَوْبُ كَذَا
____________________

(7/52)


وَقِيمَتُهُ كَذَا وَشَهِدَ الْآخَرَانِ أَنَّهُ ذلك الثَّوْبُ بِعَيْنِهِ وَقِيمَتُهُ كَذَا فَكَانَتْ إحْدَى الشَّهَادَتَيْنِ يَجِبُ فيها الْقَطْعُ وَالْأُخْرَى لَا يَجِبُ بها الْقَطْعُ فَلَا قَطْعَ عليه من قِبَلِ أَنَّا نَدْرَأُ الْحُدُودَ بِالشُّبْهَةِ وَهَذَا أَقْوَى ما يُدْرَأُ بِهِ الْحَدُّ وَنَأْخُذُهُ بِالْأَقَلِّ من الْقِيمَتَيْنِ في الْغُرْمِ لِصَاحِبِ السَّرِقَةِ وَلَيْسَ هذا كَاَلَّذِي يَشْهَدُ عليه رَجُلَانِ رَجُلٌ بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ من قِبَلِ أَنَّهُ قد يَكُونُ لِذَلِكَ أَلْفٌ من وَجْهٍ وَأَلْفَانِ من وَجْهٍ وَهَذَا لَا يَكُونُ له إلَّا ثَمَنُ ذلك الثَّوْبِ الذي اجْتَمَعُوا عليه وَلَيْسَ شُهُودُ الزِّيَادَةِ بِأَوْلَى من شُهُودِ النَّقْصِ وَأُحَلِّفُهُ مع الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ على الْقِيمَةِ إذَا ادَّعَى شَهَادَةَ اللَّذَيْنِ شَهِدَا على أَكْثَرِ الْقِيمَتَيْنِ ( قال ) وَمَنْ شَهِدَ على رَجُلٍ بِغَيْرِ الزنى فلم تَتِمَّ الشَّهَادَةُ فَلَا حَدَّ على الشَّاهِدِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُفَرِّقَ الْقَاضِي بين الشُّهُودِ إذَا خشى عَبَثَهُمْ أو جَهْلَهُمْ بِمَا يَشْهَدُونَ عليه ثُمَّ يُوقِفَهُمْ على ما شَهِدُوا عليه وَعَلَى السَّاعَةِ التي يَشْهَدُونَ فيها وَعَلَى الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ كَيْفَ كان وَعَلَى من حَضَرَ ذلك مَعَهُمْ وَعَلَى ما يُسْتَدَلُّ بِهِ على صِحَّةِ شَهَادَتِهِمْ وَشَهَادَةِ من شَهِدَ مَعَهُمْ ( قال ) وَهَكَذَا إذَا اتَّهَمَهُمْ بِالتَّحَامُلِ أو الْحَيْفِ على الْمَشْهُودِ عليه وَالتَّحَامُلِ لِمَنْ يَشْهَدُونَ له أو الْجَنَفَ له فَإِنْ صَحَّحُوا الشَّهَادَةَ قَبِلَهَا وَإِنْ اخْتَلَفُوا فيها اخْتِلَافًا يُفْسِدُ الشَّهَادَةَ أَلْغَاهَا ( قال ) وإذا أَثْبَتَ الشُّهُودُ الشَّهَادَةَ على أَيِّ حَدٍّ ما كان ثُمَّ غَابُوا أو مَاتُوا قبل أَنْ يُعَدَّلُوا ثُمَّ عُدِّلُوا أُقِيمَ عليه الْحَدُّ وَهَكَذَا لو كَانُوا عُدُولًا ثُمَّ غَابُوا قبل أَنْ يُقَامَ الْحَدُّ أُقِيمَ وَهَكَذَا لو خَرِسُوا أو عَمُوا ( قال ) وإذا كان الشُّهُودُ عُدُولًا أو عُدِّلُوا عِنْدَ الْحَاكِمِ أَطْرَدَ الْمَشْهُودُ عليه جَرْحَتَهُمْ وَقَبِلَهَا منه على من كان من الناس لَا فَرْقَ بين الناس في ذلك لِأَنَّا نَرُدُّ شَهَادَةَ أَفْضَلِ الناس بِالْعَدَاوَةِ وَالْجَرِّ إلَى نَفْسِهِ وَالدَّفْعِ عنها وَلَا نقبل ( ( ( تقبل ) ) ) الْجَرْحَ من الْجَارِحِ إلَّا بِتَفْسِيرِ ما يَجْرَحُ بِهِ الْجَارِحُ الْمَجْرُوحَ فإن الناس قد يَجْرَحُونَ بِالِاخْتِلَافِ وَالْأَهْوَاءِ وَيُكَفِّرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيُضَلِّلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيَجْرَحُونَ بِالتَّأْوِيلِ فَلَا يُقْبَلُ الْجَرْحُ إلَّا بِنَصِّ ما يَرَى هو مثله يَجْرَحُ كان الْجَارِحُ فَقِيهًا أو غير فَقِيهٍ لِمَا وَصَفْت من التَّأْوِيلِ ( قال ) وإذا شَهِدَ شُهُودٌ على رَجُلٍ بِحَدٍّ ما كان أو حَقٍّ ما كان فقال الْمَشْهُودُ عليه هُمْ عَبِيدٌ أو لم يَقُلْهُ فَحَقٌّ على الْحَاكِمِ أَنْ لَا يَقْبَلَ شَهَادَةَ أَحَدٍ منهم حتى يَثْبُتَ عِنْدَهُ بِخِبْرَةٍ منه بِهِمْ أو بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عِنْدَهُ أَنَّهُمْ أَحْرَارٌ بَالِغُونَ مُسْلِمُونَ عُدُولٌ فإذا ثَبَتَ هذا عِنْدَهُ أَخْبَرَ الْمَشْهُودَ عليه ثُمَّ أَطْرَدَهُ جَرْحَتَهُمْ فَإِنْ جاء بها قَبِلَهَا منه وَإِنْ لم يَأْتِ بها أَنْفَذَ عليه ما شَهِدُوا بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَيْسَ من الناس أَحَدٌ نَعْلَمُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَلِيلًا يَمْحَضُ الطَّاعَةَ وَالْمُرُوءَةَ حتى لَا يَخْلِطَهُمَا بِشَيْءٍ من مَعْصِيَةٍ وَلَا تَرْكِ مُرُوءَةٍ وَلَا يَمْحَضُ الْمَعْصِيَةَ وَيَتْرُكُ الْمُرُوءَةَ حتى لَا يَخْلِطَهُ بِشَيْءٍ من الطَّاعَةِ وَالْمُرُوءَةِ فإذا كان الْأَغْلَبُ على الرَّجُلِ الْأَظْهَرُ من أَمْرِهِ الطَّاعَةَ وَالْمُرُوءَةَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وإذا كان الْأَغْلَبُ الْأَظْهَرُ من أَمْرِهِ الْمَعْصِيَةَ وَخِلَافَ الْمُرُوءَةِ رَدَدْت شَهَادَتَهُ وَكُلُّ من كان مُقِيمًا على مَعْصِيَةٍ فيها حَدٌّ وَأُخِذَ فَلَا نُجِيزُ شَهَادَتَهُ وَكُلُّ من كان مُنْكَشِفَ الْكَذِبِ مُظْهِرَهُ غير مُسْتَتِرٍ بِهِ لم تَجُزْ شَهَادَتُهُ وَكَذَلِكَ كُلُّ من جُرِّبَ بِشَهَادَةِ زُورٍ وَإِنْ كان غير كَذَّابٍ في الشَّهَادَاتِ وَمَنْ كان إنَّمَا يُظَنُّ بِهِ الْكَذِبُ وَلَهُ مَخْرَجٌ منه لم يَلْزَمْهُ اسْمُ كَذَّابٍ وَكُلُّ من تَأَوَّلَ فَأَتَى شيئا مُسْتَحِلًّا كان فيه حَدٌّ أو لم يَكُنْ لم تُرَدَّ شَهَادَتُهُ بِذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّ مِمَّنْ حُمِلَ عنه الدِّينُ وَنُصِبَ عَلَمًا في الْبُلْدَانِ من قد يَسْتَحِلُّ الْمُتْعَةَ فيفتى بِأَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ أَيَّامًا بِدَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ وَذَلِكَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ غَيْرِنَا من أَهْلِ الْفِقْهِ مُحَرَّمٌ وَأَنَّ منهم من يَسْتَحِلُّ الدِّينَارَ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ يَدًا بِيَدٍ وَذَلِكَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ غَيْرِنَا من أَهْلِ الْفِقْهِ مُحَرَّمٌ وَأَنَّ منهم من قد تَأَوَّلَ فَاسْتَحَلَّ سَفْكَ الدِّمَاءِ وَلَا نَعْلَمُ شيئا أَعْظَمَ من سَفْكِ الدِّمَاءِ بَعْدَ الشِّرْكِ وَمِنْهُمْ من تَأَوَّلَ فَشَرِبَ كُلَّ مُسْكِرٍ غير الْخَمْرِ وَعَابَ على من حَرَّمَهُ وَغَيْرُهُ يُحَرِّمُهُ وَمِنْهُمْ من أَحَلَّ إتْيَانَ النِّسَاءِ في أَدْبَارِهِنَّ وَغَيْرُهُ يُحَرِّمُهُ وَمِنْهُمْ من أَحَلَّ بُيُوعًا محرمه عِنْدَ غَيْرِهِ فإذا كان هَؤُلَاءِ مع ما وَصَفْت وما أَشْبَهَهُ أَهْلَ ثِقَةٍ في دِينِهِمْ وَقَنَاعَةٍ عِنْدَ من عَرَفَهُمْ وقد تَرَكَ عليهم
____________________

(7/53)


ما تَأَوَّلُوا فأخطأوا ( ( ( فأخطئوا ) ) ) فيه ولم يُجْرَحُوا بِعَظِيمِ الخطأ إذَا كان منهم على وَجْهِ الِاسْتِحْلَالِ كان جَمِيعُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ في هذه الْمَنْزِلَةِ فإذا كَانُوا هَكَذَا فَاللَّاعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ وَإِنْ كَرِهْنَاهَا له وَبِالْحَمَامِ وَإِنْ كَرِهْنَاهَا له أَخَفُّ حَالًا من هَؤُلَاءِ بِمَا لَا يُحْصَى وَلَا يُقَدَّرُ فَأَمَّا إنْ قام رَجُلٌ بِالْحَمَامِ أو بِالشِّطْرَنْجِ رَدَدْنَا بِذَلِكَ شَهَادَتَهُ وَكَذَلِكَ لو قَامَرَ بِغَيْرِهِ فَقَامَرَ على أَنْ يعادى إنْسَانًا أو يُسَابِقَهُ أو يُنَاضِلَهُ وَذَلِكَ أَنَّا لَا نَعْلَمُ أَحَدًا من الناس اسْتَحَلَّ الْقِمَارَ وَلَا تَأَوَّلَهُ وَلَكِنَّهُ لو جَعَلَ فيها سَبْقًا مُتَأَوَّلًا كَالسَّبْقِ في الرَّمْيِ وفي الْخَيْلِ قِيلَ له قد أَخْطَأْت خَطَأً فَاحِشًا وَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ بِذَلِكَ حتى يُقِيمَ عليه بعد ما يُبَيَّنُ له وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا غَفْلَةَ في هذا على أَحَدٍ وَأَنَّ الْعَامَّةَ مُجْتَمِعَةٌ على أَنَّ هذا مُحَرَّمٌ قال وَبَائِعُ الْخَمْرِ مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ ( 1 ) لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بين أَحَدٍ من الْمُسْلِمِينَ في أَنَّ بَيْعَهَا مُحَرَّمٌ فَأَمَّا من عَصَرَ عِنَبًا فَبَاعَهُ عَصِيرًا فَهُوَ في الْحَالِ التي بَاعَهُ فيها حَلَالٌ كَالْعِنَبِ يَشْتَرِيهِ كما يَأْكُلُ الْعِنَبَ وَأَحَبُّ إلى له أَنْ يُحْسِنَ التَّوَقِّيَ فَلَا يَبِيعَهُ مِمَّنْ يَرَاهُ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا فَإِنْ فَعَلَ لم أَفْسَخْ الْبَيْعَ من قِبَلِ أَنَّهُ بَاعَهُ حَلَالًا وَنِيَّةُ صَاحِبِهِ في إحْدَاثِ الْمُحَرَّمِ فيه لَا تُحَرِّمُ الْحَلَالَ وَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ بِذَلِكَ من قِبَلِ أَنَّهُ قد يَعْقِدُ رُبًّا وَيَتَّخِذُ خَلًّا فإذا كانت الْحَالُ التي بَاعَهُ فيها حَلَالًا يَحِلُّ فيها بَيْعُهُ وكان قد يُتَّخَذُ حَلَالًا وَحَرَامًا فَلَيْسَ الْحَرَامُ بِأَوْلَى بِهِ من الْحَلَالِ بَلْ الْحَلَالُ أَوْلَى بِهِ من الْحَرَامِ وَبِكُلِّ مُسْلِمٍ ( قال ) وإذا شَهِدَ الشُّهُودُ بِشَيْءٍ فلم يَحْكُمْ بِهِ الْحَاكِمُ حتى يَحْدُثَ لِلشُّهُودِ حَالٌ تُرَدُّ بها شَهَادَتُهُمْ لم يَحْكُمْ عليه وَلَا يَحْكُمُ عليه حتى يَكُونُوا عُدُولًا يوم يَحْكُمُ عليه وَلَكِنَّهُ لو حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمْ وَهُمْ عُدُولٌ ثُمَّ تَغَيَّرَتْ حَالُهُمْ بَعْدَ الْحُكْمِ لم يَرُدَّ الْحُكْمَ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْظُرُ إلَى عَدْلِهِمْ يوم يَقْطَعُ الْحُكْمَ بِهِمْ ( قال ) وإذا شَهِدَ الشُّهُودُ على رَجُلٍ فَادَّعَى جَرْحَتَهُمْ أَجَّلَ في جَرْحَتِهِمْ بِالْمِصْرِ الذي هو بِهِ وما يُقَارِبُهُ فَإِنْ جاء بها وَإِلَّا أَنْفَذَ عليه الْحُكْمَ ثُمَّ إنْ جَرَحَهُمْ بَعْدُ لم يَرُدَّ عنه الْحُكْمَ وَإِنْ جاء بِبَعْضِ ما يَجْرَحُهُمْ مِثْلِ أَنْ يأتى بِشَاهِدٍ وَاسْتَأْجَلَ في آخَرَ رَأَيْت أَنْ يَضْرِبَ له أَجَلًا يُوَسِّعُ عليه فيه حتى يَجْرَحَهُمْ أو يُعْوِزَهُ ذلك فَيَحْكُمَ عليه ( قال ) وإذا شَهِدَ الرَّجُلُ بِشَهَادَةٍ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْحَاكِمِ فَشَكَّ فيها أو قال قد بَانَ لي أَنِّي قد غَلِطْت فيها لم يَكُنْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُنْفِذَهَا وَلَا يَنَالَهُ بِعُقُوبَةٍ لِأَنَّ الْخَطَأَ مَوْضُوعٌ عن بَنِي آدَمَ فِيمَا هو أَعْظَمُ من هذا وقال له لقد كُنْت أُحِبُّ أَنْ تَتَثَبَّتَ في الشَّهَادَةِ قبل أَنْ تَثْبُتَ عليها فَإِنْ قال قد غَلِطْت على الْمَشْهُودِ عليه الْأَوَّلِ وهو هذا الْآخَرُ طَرَحْتهَا عن الْأَوَّلِ ولم أُجِزْهَا على الْآخَرِ لِأَنَّهُ قد أَطْلَعَنِي على أَنَّهُ قد شَهِدَ فَغَلِطَ وَلَكِنْ لو لم يَرْجِعْ حتى يَمْضِيَ الْحُكْمُ بها ثُمَّ يَرْجِعَ بَعْدَ مضى الْحُكْمِ لم أَرُدَّ الْحُكْمَ وقد مَضَى وَأُغْرِمْهُمَا إنْ كَانَا شَاهِدَيْنِ على قَطْعِ دِيَةِ يَدِ الْمَقْطُوعِ في أَمْوَالِهِمَا حَالَّةً لِأَنَّهُمَا قد أَخْطَآ عليه وَإِنْ قال عَمَدْنَا أَنْ نَشْهَدَ عليه لِيُقْطَعَ وقد عَلِمْنَا أَنَّهُ سَيُقْطَعُ إذَا شَهِدْنَا عليه جَعَلْنَا لِلْمَقْطُوعِ الْخِيَارَ إنْ شَاءَ أَنْ يَقْطَعَ يَدَيْهِمَا قِصَاصًا وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمَا دِيَةَ يَدِهِ أخبرنا سُفْيَانُ عن مُطَرِّفٍ عن الشَّعْبِيِّ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه ( قال ) وإذا كان الرَّاجِعُ شَاهِدًا وَاحِدًا بَعْدَ مضى الْحُكْمِ فَالْقَوْلُ فيه كَالْقَوْلِ في الْأَوَّلِ يَضْمَنُ نِصْفَ دِيَةِ يَدِهِ وَإِنْ عَمَدَ قُطِعَتْ يَدُهُ هو فَأَمَّا إذَا أَقَرَّا بِعَمْدِ شَهَادَةِ الزُّورِ في شَيْءٍ ليس فيه قِصَاصٌ فَإِنِّي أُعَاقِبُهُمَا دُونَ الْحَدِّ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا على شَيْءٍ بَعْدُ حتى يُخْتَبَرَا وَيُجْعَلَ هذا حَادِثًا مِنْهُمَا يُحْتَاجُ إلَى اخْتِبَارِهِمَا بَعْدَهُ إذَا بَيَّنَّا أَنَّهُمَا أَخْطَآ على من شَهِدَا عليه فَأَمَّا لو شَهِدَا ثُمَّ قَالَا لَا تُنْفِذْ شَهَادَتَنَا فَإِنَّا قد شَكَكْنَا فيها لم يُنْفِذْهَا وكان له أَنْ يُنْفِذَ شَهَادَتَهُمَا في غَيْرِهَا لِأَنَّ قَوْلَهُمَا قد شَكَكْنَا ليس هو قَوْلُهُمَا أَخْطَأْنَا ( قال ) وإذا شَهِدَ الشُّهُودُ لِرَجُلِ بِحَقٍّ في قِصَاصٍ أو قَذْفٍ أو مَالٍ أو غَيْرِهِ فَأَكْذَبَ الشُّهُودَ الْمَشْهُودُ له لم يَكُنْ له بَعْدَ إكْذَابِهِمْ مَرَّةً أَنْ يَأْخُذَ بِشَيْءٍ من ذلك الذي شَهِدُوا له بِهِ وهو أَوْلَى بِحَقِّ نَفْسِهِ وَأَحْرَى أَنْ يُبْطَلَ الْحُكْمُ بِهِ إذَا أَكْذَبَ الشُّهُودَ وَإِنَّمَا له شَهِدُوا وهو على نَفْسِهِ أَصْدَقُ وَلَوْ لم يُكْذِبْ الشُّهُودَ وَلَكِنَّهُمْ رَجَعُوا وقد شَهِدُوا له بِقَذْفٍ
____________________

(7/54)


أو غَيْرِهِ لم يُقْضَ له بِشَيْءٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الرُّجُوعُ عن الشَّهَادَاتِ ضَرْبَانِ فإذا شَهِدَ الشَّاهِدَانِ أو الشُّهُودُ على رَجُلٍ بِشَيْءٍ يُتْلَفُ من بَدَنِهِ أو يُنَالُ مِثْلِ قَطْعٍ أو جَلْدٍ أو قِصَاصٍ في قَتْلٍ أو جَرْحٍ وَفُعِلَ ذلك بِهِ ثُمَّ رَجَعُوا فَقَالُوا عَمَدْنَا أَنْ يُنَالَ ذلك منه بِشَهَادَتِنَا فَهِيَ كَالْجِنَايَةِ عليه ما كان فيه من ذلك قِصَاصٌ خُيِّرَ بين أَنْ يَقْتَصَّ أو يَأْخُذَ الْعَقْلَ وما لم يَكُنْ فيه من ذلك قِصَاصٌ أَخَذَ فيه الْعَقْلَ وَعُزِّرُوا دُونَ الْحَدِّ وَلَوْ قالوا عَمَدْنَا الْبَاطِلَ ولم نَعْلَمْ أَنَّ هذا يَجِبُ عليه عُزِّرُوا وَأُخِذَ منهم الْعَقْلُ وكان هذا عَمْدًا يُشْبِهُ الْخَطَأَ فِيمَا يُقْتَصُّ منه وما لَا يُقْتَصُّ منه وَلَوْ قَالَا أَخْطَأْنَا أو شَكَكْنَا لم يَكُنْ في شَيْءٍ من هذا عُقُوبَةٌ وَلَا قِصَاصٌ وكان عليهم فيه الْأَرْشُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ شَهِدُوا على رَجُلٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْحَاكِمُ ثُمَّ رَجَعُوا أَغْرَمَهُمْ الْحَاكِمُ صَدَاقَ مِثْلِهَا إنْ كان دخل بها وَإِنْ لم يَكُنْ دخل بها غَرَّمَهُمْ نِصْفَ صَدَاقِ مِثْلِهَا لِأَنَّهُمْ حَرَّمُوهَا عليه ولم يَكُنْ لها قِيمَةٌ إلَّا مَهْرَ مِثْلِهَا وَلَا أَلْتَفِتُ إلَى ما أَعْطَاهَا قَلَّ أو كَثُرَ إنَّمَا أَلْتَفِتُ إلَى ما أَتْلَفُوا عليه فَأَجْعَلُ له قِيمَتَهُ ( قال ) وإذا كَانُوا إنَّمَا شَهِدُوا على الرَّجُلِ بِمَالٍ يَمْلِكُ فَأَخْرَجُوهُ من يَدَيْهِ بِشَهَادَتِهِمْ إلَى غَيْرِهِ عَاقَبْتُهُمْ على عَمْدِ شَهَادَةِ الزُّورِ ولم أُعَاقِبْهُمْ على الخطأ ولم أُغْرِمْهُمْ من قِبَلِ أَنِّي لو قَبِلْت قَوْلَهُمْ الْآخَرَ وَكَانُوا شَهِدُوا على دَارٍ قَائِمَةٍ أُخْرِجَتْ فَرَدَدْتهَا إلَيْهِ لم يَجُزْ أَنْ أُغْرِمَهُمْ شيئا قَائِمًا بِعَيْنِهِ قد أَخْرَجْتُهُ من مِلْكِ مَالِكِهِ وقد قال بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ إنَّهُ يُنْقَضُ الْحُكْمُ في هذا كُلِّهِ فَتُرَدُّ الدَّارُ إلَى الذي أَخْرَجَهَا من يَدَيْهِ أَوَّلًا ( 1 ) وَإِنَّمَا مَنَعَنَا من هذا أَنَّا إنْ جَعَلْنَاهُ عَدْلًا بِالْأَوَّلِ فَأَمْضَيْنَا بِهِ الْحُكْمَ ولم يَرْجِعْ قبل مُضِيِّهِ أَنَّا إنْ نَقَضْنَاهُ جَعَلْنَا للاخر في غَيْرِ مَوْضِعٍ عَدَالَةً فَنُجِيزُ شَهَادَتَهُ على الرُّجُوعِ ولم يَكُنْ أَتْلَفَ شيئا لَا يُوجَدُ إنَّمَا أَخْرَجَ من يَدَيْ رَجُلٍ شيئا فَكَانَ الْحُكْمُ أَنَّ ذلك حَقٌّ في الظَّاهِرِ فلما رَجَعَ كان كَمُبْتَدِئٍ شَهَادَةً لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وهو لم يَأْخُذْ شيئا لِنَفْسِهِ فأنتزعه من يَدَيْهِ ولم يُفِتْ شيئا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ من أَفَاتَهُ وَإِنَّمَا شَهِدَ بِشَيْءٍ انْتَفَعَ بِهِ غَيْرُهُ فلم أُغْرِمْهُ ما أَقَرَّ بِيَدَيْ غَيْرِهِ ( قال ) وإذا شَهِدَ الرَّجُلُ أو الِاثْنَانِ على رَجُلٍ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ أو أَنَّ هذا الْعَبْدَ حُرُّ الْأَصْلِ فَرَدَدْت شَهَادَتَهُمَا ثُمَّ مَلَكَاهُ أو أَحَدُهُمَا عَتَقَ عَلَيْهِمَا أو على الْمَالِكِ له مِنْهُمَا لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّهُ حُرٌّ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ مِلْكُهُ وَلَا أَقْبَلُ منه أَنْ يَقُولَ شَهِدْت أَوَّلًا بِبَاطِلٍ ( قال ) وَهَكَذَا لو قال لِعَبْدٍ لِأَبِيهِ قد أَعْتَقَهُ أبي في وَصِيَّةٍ وهو يَخْرُجُ من الثُّلُثِ ثُمَّ قال كَذَبْت لم يَكُنْ له أَنْ يَمْلِكَ منه شيئا لِأَنَّهُ قد أَقَرَّ له بِالْحُرِّيَّةِ ( قال ) وإذا شَهِدَ الرَّجُلَانِ على رَجُلٍ بِشَهَادَةٍ فَأَجَازَهَا الْقَاضِي ثُمَّ عَلِمَ بَعْدُ أَنَّهُمَا عَبْدَانِ أو مُشْرِكَانِ أو أَحَدُهُمَا فَعَلَيْهِ رَدُّ الْحُكْمِ ثُمَّ يَقْضِي بِيَمِينٍ وَشَاهِدَانِ كان أَحَدُهُمَا عَدْلًا وكان مِمَّا يَجُوزُ فيه الْيَمِينُ مع الشَّاهِدِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَكَذَا لو عَلِمَ أَنَّهُمَا يوم شَهِدَا كَانَا غير عَدْلَيْنِ من جُرْحٍ بَيِّنٍ في أَبْدَانِهِمَا أو في أَدْيَانِهِمَا لَا أَجِدُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْعَبْدِ فَرْقًا في أَنَّهُ ليس لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا شَهَادَةٌ في هذه الْحَالِ فإذا كَانُوا بِشَيْءٍ ثَابِتٍ في أَنْفُسِهِمْ من فِسْقٍ أو عُبُودِيَّةٍ أو كُفْرٍ لَا يَحِلُّ ابْتِدَاءً الْقَضَاءُ بِشَهَادَتِهِمْ فَقَضَى بها كان الْقَضَاءُ نَفْسُهُ خَطَأً بَيِّنًا عِنْدَ كل أَحَدٍ يَنْبَغِي أَنْ يَرُدَّهُ الْقَاضِي على نَفْسِهِ وَيَرُدَّهُ على غَيْرِهِ بَلْ الْقَاضِي بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ أَبْيَنُ خَطَأً من الْقَاضِي بِشَهَادَةِ الْعَبْدِ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عز وجل قال { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } وقال مِمَّنْ { تَرْضَوْنَ من الشُّهَدَاءِ } وَلَيْسَ الْفَاسِقُ وَاحِدًا من هَذَيْنِ فَمَنْ قَضَى بِشَهَادَتِهِ فَقَدْ خَالَفَ حُكْمَ اللَّهِ عز وجل وَعَلَيْهِ رَدُّ قَضَائِهِ وَرَدُّ شَهَادَةِ الْعَبْدِ إنَّمَا هو تَأْوِيلٌ ليس بِبَيِّنٍ وَاتِّبَاعُ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَوْ كَانَا شَهِدَا على رَجُلٍ بِقِصَاصٍ أو قَطْعٍ فَأَنْفَذَهُ الْقَاضِي ثُمَّ بَانَ له لم يَكُنْ عَلَيْهِمَا شَيْءٌ لِأَنَّهُمَا صَادِقَانِ في الظَّاهِرِ وكان على الْقَاضِي أَنْ لَا يَقْبَلَ شَهَادَتَهُمَا فَهَذَا خَطَأٌ من الْقَاضِي تَحْمِلُهُ عَاقِلَتُهُ فَيَكُونُ للمقضى عليه بِالْقِصَاصِ أو الْقَطْعِ أَرْشُ يَدِهِ إذَا كان جاء ذلك بخطأ فَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ جاء
____________________

(7/55)


ذلك عَمْدًا وهو يَعْلَمُ أَنَّهُ ليس ذلك له فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِيمَا فيه قِصَاصٌ وهو غَيْرُ مَحْمُودٍ ( قال ) وإذا مَاتَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ ابْنًا وَارِثًا لَا وَارِثَ له غَيْرُهُ فَأَقَرَّ أَنَّ هذه الْأَلْفَ الدِّرْهَمَ لِهَذَا الرَّجُلِ وَهِيَ ثُلُثُ مَالِ أبيه أو أَكْثَرُ دَفَعْنَا إلَيْهِ - * بَابُ الْحُدُودِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْحَدُّ حَدَّانِ حَدٌّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِمَا أَرَادَ من تَنْكِيلِ من غَشِيَهُ عنه وما أَرَادَ من تَطْهِيرِهِ بِهِ أو غَيْرِ ذلك مِمَّا هو أَعْلَمُ بِهِ وَلَيْسَ للادميين في هذا حَقٌّ وَحَدٌّ أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى على من أَتَاهُ ( 1 ) من الْآدَمِيِّينَ فَذَلِكَ إلَيْهِمْ وَلَهُمَا في كِتَابِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى اسْمُهُ أَصْلٌ فَأَمَّا أَصْلُ حَدِّ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى في كِتَابِهِ فَقَوْلُهُ عز وجل { إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } إلَى قَوْلِهِ { رَحِيمٌ } فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ اسْمُهُ بِمَا عليهم من الْحَدِّ إلَّا أَنْ يَتُوبُوا من قَبْلِ أَنْ يُقْدَرَ عليهم ثُمَّ ذَكَرَ حَدَّ الزنى وَالسَّرِقَةِ ولم يَذْكُرْهُ فِيمَا اسْتَثْنَى فَاحْتَمَلَ ذلك أَنْ لَا يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ إلَّا حَيْثُ جُعِلَ في الْمُحَارِبِ خَاصَّةً وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ حَدٍّ لِلَّهِ عز وجل فَتَابَ صَاحِبُهُ قبل أَنْ يُقْدَرَ عليه سَقَطَ عنه كما احْتَمَلَ حين قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في حَدِّ الزنى في مَاعِزٍ أَلَا تَرَكْتُمُوهُ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ السَّارِقُ إذَا اعْتَرَفَ بِالسَّرِقَةِ وَالشَّارِبُ إذَا اعْتَرَفَ بِالشُّرْبِ ثُمَّ رَجَعَ عنه قبل أَنْ يُقَامَ عليه الْحَدُّ سَقَطَ عنه وَمَنْ قال هذا قال هذا في كل حَدٍّ لِلَّهِ عز وجل فَتَابَ صَاحِبُهُ قبل أَنْ يُقْدَرَ عليه سَقَطَ عنه حَدُّ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى في الدُّنْيَا وَأُخِذَ بِحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ وَاحْتَجَّ بِالْمُرْتَدِّ يَرْتَدُّ عن الْإِسْلَامِ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى الْإِسْلَامِ فَيَسْقُطُ عنه الْقَتْلُ فَيَبْطُلُ الْقَطْعُ عن السَّارِقِ وَيَلْزَمُهُ الْمَالُ لِأَنَّهُ قد اعْتَرَفَ بِشَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا لِلَّهِ عز وجل وَالْآخَرُ للادميين فَأَخَذْنَاهُ بِمَا للادميين وَأَسْقَطْنَا عنه ما لِلَّهِ عز وجل وَمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ في الْمُحَارِبِ ليس إلَّا حَيْثُ هو جَعَلَ الْحَدَّ على من أتى حَدَّ اللَّهِ مَتَى قُدِرَ عليه وَإِنْ تَقَادَمَ فَأَمَّا حُدُودُ الْآدَمِيِّينَ من الْقَذْفِ وَغَيْرِهِ فَتُقَامُ أَبَدًا لَا تَسْقُطُ قال الرَّبِيعُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الِاسْتِثْنَاءُ في التَّوْبَةِ لِلْمُحَارِبِ وَحْدَهُ الذي أَظُنُّ أَنَّهُ يَذْهَبُ إلَيْهِ قال الرَّبِيعُ وَالْحُجَّةُ عِنْدِي في أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا في الْمُحَارِبِ خَاصَّةً حَدِيثُ مَاعِزٍ حين أتى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَقَرَّ الزنى فَأَمَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِرَجْمِهِ وَلَا نَشُكُّ أَنَّ مَاعِزًا لم يَأْتِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَيُخْبِرَهُ إلَّا تَائِبًا إلَى اللَّهِ عز وجل قبل أَنْ يَأْتِيَهُ فلما أَقَامَ عليه الْحَدَّ دَلَّ ذلك على أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ في الْمُحَارِبِ خَاصَّةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ الشَّاهِدَانِ على السَّرِقَةِ وَشَهِدَا أَنَّ هذا سَرَقَ لِهَذَا كَذَا وَكَذَا قُطِعَ السَّارِقُ إذَا ادَّعَى الْمَسْرُوقُ الْمَتَاعَ لِأَنَّهُ قد قام عليه شَاهِدَانِ بِأَنَّهُ سَرَقَ مَتَاعَ غَيْرِهِ وَلَوْ لم يَزِيدَا على أَنْ قَالَا هذا سَرَقَ من بَيْتِ هذا كان مِثْلُ هذا سَوَاءً إذَا ادَّعَى أَنَّهُ له قَطَعْت السَّارِقَ لِأَنِّي أَجْعَلُ له ما في يَدَيْهِ وما في بَيْتِهِ مِمَّا في يَدَيْهِ ( قال ) وَلَوْ ادَّعَى في الْحَالَيْنِ مَعًا أَنَّ الْمَتَاعَ مَتَاعُهُ غَلَبَهُ عليه هذا أو بَاعَهُ إيَّاهُ أو وَهَبَهُ له وإذن له في أَخْذِهِ لم أَقْطَعْهُ لِأَنِّي أَجْعَلُهُ خَصْمًا له أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو نَكَلَ عن الْيَمِينِ أَحَلَفْت الْمَشْهُودَ عليه بِالسَّرِقَةِ وَدَفَعْته إلَيْهِ وَلَوْ أَقَامَ عليه بَيِّنَةً دَفَعْته إلَيْهِ وَلَوْ أَقَامَ عليه بَيِّنَةً في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَأَقَامَ الْمَسْرُوقُ بَيِّنَةً أَنَّهُ مَتَاعُهُ جَعَلْت الْمَتَاعَ لِلَّذِي الْمَتَاعُ في يَدَيْهِ وَأَبْطَلْت الْحَدَّ عن السَّارِقِ لِأَنَّهُ قد جاء بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ له فَلَا أَقْطَعُهُ فِيمَا قد أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ له وَإِنْ لم أَقْضِ بِهِ له وأنا أَدْرَأُ الْحَدَّ بِأَقَلَّ من هذا وَلَوْ أَقَرَّ الْمَسْرُوقُ منه بعد ما قَامَتْ الْبَيِّنَةُ على السَّارِقِ أَنَّهُ نَقَبَ بَيْتَهُ وَأَخْرَجَ مَتَاعَهُ أَنَّهُ أَذِنَ له أَنْ يَنْقُبَ بَيْتَهُ وَيَأْخُذَهُ وَأَنَّهُ مَتَاعٌ له لم أَقْطَعْهُ وَكَذَلِكَ لو شَهِدَ له شُهُودٌ فَأُكَذِّبُ الشُّهُودَ إذَا سَقَطَ أَنْ أُضَمِّنَهُ الْمَتَاعَ بِإِقْرَارِ رَبِّ الْمَتَاعِ له لم أَقْطَعْهُ في شَيْءٍ أنا أقضى بِهِ له وَلَا أُخْرِجْهُ من يَدَيْهِ وَالشَّهَادَةُ على اللِّوَاطِ وَإِتْيَانِ الْبَهَائِمِ أَرْبَعَةٌ لَا يُقْبَلُ فيها أَقَلُّ منهم لِأَنَّ كُلًّا جِمَاعٌ
____________________

(7/56)


( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ شَهِدَ على رَجُلٍ بِحَدٍّ أو قِصَاصٍ أو غَيْرِهِ فلم نجز ( ( ( تجز ) ) ) شَهَادَتُهُ بِمَعْنًى من الْمَعَانِي إمَّا بِأَنْ لم يَكُنْ معه غَيْرُهُ وَإِمَّا بِأَنْ لم يَكُنْ عَدْلًا فَلَا حَدَّ عليه وَلَا عُقُوبَةَ إلَّا شُهُودَ الزنى الَّذِينَ يَقْذِفُونَ بالزنى فإذا لم يُتِمُّوا فَالْأَثَرُ عن عُمَرَ وَقَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفْتِينَ أَنْ يُحَدُّوا وَالْفَرْقُ بين الشَّهَادَةِ في الْحُدُودِ وَبَيْنَ الْمُشَاتَمَةِ التي يُعَزَّرُ فيها من ادَّعَى الشَّهَادَةَ أو يُحَدُّ أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ إنَّمَا يَتَكَلَّمُ بها عِنْدَ الْإِمَامِ الذي يُقِيمُ الْحُدُودَ أو عِنْدَ شُهُودٍ يُشْهِدُهُمْ على شَهَادَتِهِ أو عِنْدَ مُفْتٍ يَسْأَلُهُ ما تُلْزِمُهُ الشَّهَادَةُ لو حَكَاهَا لَا على مَعْنَى الشَّتْمِ وَلَكِنْ على مَعْنَى الْإِشْهَادِ عليها فَأَمَّا إذَا قَالَهَا على مَعْنَى الشَّتْمِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَشْهَدَ بها لم يُقْبَلْ منه وَأُقِيمَ عليه فيها الْحَدُّ إنْ كان حَدًّا أو التَّعْزِيرُ إنْ كان تَعْزِيرًا ( قال ) وَلَا يَجُوزُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي حتى يَشْهَدَ عليه شَاهِدَانِ بِالْكِتَابِ بعد ( ( ( بعدما ) ) ) ما ( ( ( يقرؤه ) ) ) يقرأه الْقَاضِي عَلَيْهِمَا وَيَعْرِفَانِهِ وَكِتَابُهُ إلَيْهِ كَالصُّكُوكِ لِلنَّاسِ على الناس لَا أَقْبَلُهَا مختومه وَإِنْ شَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّ ما فيها حَقٌّ وَكَذَلِكَ إنْ شَهِدَ الشَّاهِدَانِ أَنَّ هذا كِتَابُ الْقَاضِي دَفَعَهُ إلَيْنَا وقال اشْهَدُوا أَنَّ هذا كِتَابِي إلَى فُلَانٍ لم أَقْبَلْهُ حتى يَقْرَأَ عليهم وهو يَسْمَعُهُ وَيُقِرُّ بِهِ ثُمَّ لَا أُبَالِي كان عليه خَاتَمٌ أو لم يَكُنْ فَأَقْبَلُهُ ( قال ) وقد حَضَرْت قَاضِيًا أَتَاهُ كِتَابٌ من قَاضٍ وَشُهُودٌ عَدَدٌ عُدُولٌ فقال الشُّهُودُ نَشْهَدُ أَنَّ هذا كِتَابُ الْقَاضِي فُلَانٍ دَفَعَهُ إلَيْنَا وقال اشْهَدُوا أَنَّ هذا كِتَابِي إلَى فُلَانٍ فَقَبِلَهُ وَفَتَحَهُ فَأَنْكَرَ الْمَكْتُوبُ عليه ما فيه وَجَاءَ بِكِتَابٍ معه يُخَالِفُهُ فَوَقَفَ الْقَاضِي عنه وَكَتَبَ إلَيْهِ بِنُسْخَتِهِمَا فَكَتَبَ إلَيْهِ يُخْبِرُهُ أَنَّ أَحَدَهُمَا صَحِيحٌ وَأَنَّ الْآخَرَ وُضِعَ في مَكَانِ كِتَابٍ صَحِيحٍ فَدَفَعَهُ وهو يَرَى أَنَّهُ إيَّاهُ وَذَكَرَ الْمَشْهُودُ عليه أَنَّ ذلك من قِبَلِ بَعْضِ كُتَّابِهِ أو أَعْوَانِهِ فإذا أَمْكَنَ هذا هَكَذَا لم يَنْبَغِ أَنْ يَكُونَ مَقْبُولًا حتى يَشْهَدَ الشُّهُودُ على ما فيه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يُقْبَلُ إلَّا كِتَابُ قَاضٍ عَدْلٍ وإذا كَتَبَ الْكِتَابَ وَأَشْهَدَ عليه ثُمَّ مَاتَ أو عُزِلَ انْبَغَى لِلْمَكْتُوبِ إلَيْهِ أَنْ يَقْبَلَهُ ( قال ) وَكَذَلِكَ لو مَاتَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ انْبَغَى لِلْقَاضِي الْوَالِي بَعْدَهُ أَنْ يَقْبَلَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَصْلُ ما نَذْهَبُ إلَيْهِ أَنَّا لَا نُجِيزُ شَهَادَةَ خَصْمٍ على خَصْمِهِ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ مَوْضِعُ عَدَاوَةٍ سِيَّمَا إذَا كان الْخَصْمُ يَطْلُبُهُ بِشَتْمٍ ( قال ) وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَذَفَ رَجُلًا أو جَمَاعَةً فَشَهِدُوا عليه بِزِنًا أو بِحَدٍّ غَيْرِهِ لم أُجِزْ شَهَادَةَ الْمَقْذُوفِ لِأَنَّهُ خَصْمٌ له في طَلَبِ الْقَذْفِ وَحَدَدْت الْمَشْهُودَ عليه بِالْقَذْفِ بِشَهَادَةِ غَيْرِ من قَذَفَهُ وَلَوْ كَانُوا شَهِدُوا عليه قبل الْقَذْفِ ثُمَّ قَذَفَهُمْ كانت الشَّهَادَةُ ما كانت أَنْفَذْتهَا لِأَنَّهَا كانت قبل أَنْ يَكُونُوا له خُصَمَاءَ وَلَكِنَّهُمْ لو زَادُوا عليه فيها بَعْدَ الْقَذْفِ لم أَقْبَلْ الزِّيَادَةَ لِأَنَّهَا كانت بَعْدَ أَنْ كَانُوا له خُصَمَاءَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قَذَفَ رَجُلٌ رَجُلًا وكان الْمَقْذُوفُ عَبْدًا فَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ أَنَّ سَيِّدَهُ أَعْتَقَهُ قبل قَذْفِ هذا بِسَاعَةٍ أو أَكْثَرَ حُدَّ قَاذِفُهُ وَكَذَلِكَ لو جَنَى عليه أو جَنَى هو كانت جِنَايَتُهُ وَالْجِنَايَةُ عليه جِنَايَةَ حُرٍّ ( قال ) وَكَذَلِكَ لو أَصَابَ هو حَدًّا كان حَدُّهُ حَدَّ حُرٍّ وَطَلَاقُهُ طَلَاقَ حُرٍّ لِأَنِّي إنَّمَا أَنْظُرُ إلَى الْعِتْقِ يوم يَكُونُ الْكَلَامُ وَلَا أَنْظُرُ إلَيْهِ يوم يَقَعُ بِهِ الْحُكْمُ وَلَوْ جَحَدَهُ سَيِّدُهُ الْعِتْقَ سَنَةً أُعْتِقُهُ يوم أَعْتَقَهُ السَّيِّدُ وَحَكَمْت له بِأَحْكَامِ الْحُرِّ يَوْمَئِذٍ وَرَدَدْته على السَّيِّدِ بِإِجَارَةِ مِثْلِهِ بِمَا اسْتَخْدَمَهُ وَهَكَذَا نَقُولُ في الطَّلَاقِ إذَا جَحَدَهُ الزَّوْجُ وَقَامَتْ بِهِ بَيِّنَةُ الطَّلَاقِ من يَوْمِ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ لَا من يَوْمِ وَقَعَ الْحُكْمُ وَهَكَذَا نَقُولُ في الْقُرْعَةِ وَقِيَمُ الْعَبِيدِ قِيمَتُهُمْ يوم يَقَعُ الْعِتْقُ وَهَكَذَا نَقُولُ فِيمَنْ عَتَقَ من الثُّلُثِ قِيمَتُهُمْ يوم مَاتَ الْمُعْتِقُ لِأَنَّهُ يَوْمَئِذٍ وَقَعَ الْعِتْقُ وَلَا أَلْتَفِتُ إلَى وُقُوعِ الْحُكْمِ فَأَمَّا أَنْ يَتَحَكَّمَ مُتَحَكِّمٌ فَيَزْعُمُ مَرَّةً أَنَّهُ إنَّمَا يَنْظُرُ إلَى يَوْمِ تَكُونُ الْبَيِّنَةُ لَا يَوْمِ يَقَعُ الْحُكْمُ وَمَرَّةً إلَى يَوْمِ يَقَعُ الْحُكْمُ فَلَوْ شَاءَ قَائِلٌ أَنْ يَقُولَ له بِخِلَافِ قَوْلِهِ ( 1 ) فَيَجْعَلَ ما جُعِلَ يوم كانت الْبَيِّنَةُ أو كان الْعِتْقُ لم يَكُنْ عليه حُجَّةٌ
____________________

(7/57)


وَلَا يَجُوزُ فيه إلَّا ما قُلْنَاهُ من أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ من يَوْمِ وَقَعَ الْعِتْقُ وَيَوْمِ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ ( قال ) وإذا أَقَامَ شَاهِدًا على رَجُلٍ أَنَّهُ غَصَبَهُ جَارِيَةً وَشَاهِدًا أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهُ إيَّاهَا فَهَذِهِ شَهَادَةٌ مُخْتَلِفَةٌ وَيَحْلِفُ مع أَحَدِ شَاهِدَيْهِ وَيَأْخُذُهَا ( قال ) وَكَذَلِكَ لو شَهِدَ أَحَدُهُمَا أنها له وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهُ إيَّاهَا ( قال ) وإذا شَهِدَ شَاهِدَانِ على رَجُلٍ أَنَّهُ غَصَبَ رَجُلًا جَارِيَةً وقد وَطِئَهَا وَوَلَدَتْ له أَوْلَادًا فَلَهُ الْجَارِيَةُ وما نَقَصَ ثَمَنُهَا وَمَهْرُهَا وَأَوْلَادُهُ رَقِيقٌ فَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهَا وَوَطِئَهَا حُدَّ وَلَا يُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ وَإِنْ زَعَمَ أنها له وَأَنَّ الشُّهُودَ شَهِدُوا عليه بِبَاطِلٍ فَلَا حَدَّ عليه وَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ وَيُقَوَّمُونَ وَلَيْسَ في شَهَادَةِ الشُّهُودِ عليه في الْجَارِيَةِ أَنَّهُ غَصَبَهَا ( 1 ) مُسْلِمَةً في الْحَدِّ عليه لِأَنَّهُمْ لم يَشْهَدُوا عليه بِزِنًا إنَّمَا شَهِدُوا عليه بِغَصْبٍ وإذا شَهِدَ الشُّهُودُ على رَجُلٍ أَنَّهُ غَصَبَهُ جَارِيَةً لَا يَعْرِفُونَ قِيمَتَهَا وقد هَلَكَتْ الْجَارِيَةُ لم يُقْضَ عليه بِقِيمَةِ صِفَةٍ حتى يُثْبِتُوا على قِيمَتِهَا وَيُقَالُ لهم اشْهَدُوا إنْ أَثْبَتُّمْ على أَنَّ قِيمَتَهَا دِينَارٌ أو أَكْثَرُ فَلَا تَأْثَمُوا إذَا شَهِدْتُمْ بِمَا أَحَطْتُمْ بِهِ عِلْمًا وَوَقَفْتُمْ عَمَّا لَا تُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا فَإِنْ مَاتُوا ولم يُثْبِتُوا قِيلَ لِلْغَاصِبِ قُلْ ما شِئْت في قِيمَتِهَا مِمَّا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنَ شَرِّ ما يَكُونُ من الْجَوَارِي وَأَقَلَّهُ ثَمَنًا وَاحْلِفْ عليه وَلَيْسَ عَلَيْك أَكْثَرُ منه فَإِنْ قال لَا قِيلَ لِلْمَغْصُوبِ ادَّعِ وَاحْلِفْ فَإِنْ فَعَلَ فَهُوَ له وَإِنْ لم يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ له ( قال ) وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ أَخَذَ من يَدِهِ جَارِيَةً ولم يَقُولُوا هِيَ له قَضَيْنَا عليه بِرَدِّهَا إلَيْهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ ما أَخَذَ من يَدَيْهِ قضى عليه بِرَدِّهِ عليه لِأَنَّهُ أَوْلَى بِمَا في يَدَيْهِ من غَيْرِهِ ( قال ) وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ على رَجُلٍ بِغَصْبٍ بِعَيْنِهِ وَقَامَ عليه الْغُرَمَاءُ حَيًّا وَمَيِّتًا فَالسِّلْعَةُ التي شَهِدُوا بها بِعَيْنِهَا لِلْمَغْصُوبِ له ما كان عَبْدًا أو ثَوْبًا أو دَنَانِيرَ أو دَرَاهِمَ ( قال ) وإذا أَقَامَ رَجُلٌ شَاهِدَيْنِ على دَابَّةٍ أنها له زَادُوا وَلَا يَعْلَمُونَهُ بَاعَ وَلَا وَهَبَ أو لا قَضَيْت له بها لِأَنَّهُمْ لم يَشْهَدُوا أنها له إلَّا وهو لم يَبِعْ ولم يَهَبْ ولم تَخْرُجْ من مِلْكِهِ وَلَكِنَّهُ إنْ دَفَعَهُ الْمَشْهُودُ عليه عنها أَحَلَفْتَهُ له أنها لَفِي مِلْكِهِ ما خَرَجَتْ منه بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ ( قال ) وإذا أَقَامَ رَجُلٌ شَاهِدَيْنِ أَنَّ هذا الْمَيِّتَ مَوْلًى له أَعْتَقَهُ وَلَا وَارِثَ له غَيْرُهُ قضى له بِمِيرَاثِهِ وَلَيْسَ على أَحَدٍ قضى له بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ له أَنْ يُؤْخَذَ منه كَفِيلٌ إنَّمَا الْكَفِيلُ في شَيْءٍ ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ الْحُكَّامِ يَسْأَلُهُ المقضى له فَيَتَطَوَّعُ بِهِ احْتِيَاطًا لِشَيْءٍ إنْ كان وَإِنْ لم يَأْتِ بِكَفِيلٍ قَضَى له بِهِ ( قال ) ( 2 ) وَلَوْ أَقَامَ رَجُلٌ بَعْدَ هذا بَيِّنَةً على أَنَّهُ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ هو وَكَانَتْ الْبَيِّنَةُ شَاهِدَيْنِ وَأَكْثَرَ فَسَوَاءٌ إذَا كَانَا شَاهِدَيْنِ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا هُمَا وَمَنْ هو أَكْثَرُ مِنْهُمَا وَأَعْدَلُ لِأَنِّي أَحْكُمُ بِشَهَادَةِ هَذَيْنِ كما أَحْكُمُ بِشَهَادَةِ الْجَمَاعَةِ التي هِيَ أَعْدَلُ وَأَكْثَرُ وَهَذَا مَكْتُوبٌ في غَيْرِ هذا الْمَوْضِعِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ عَبْدًا له في مَرَضِهِ الذي مَاتَ فيه عِتْقَ بَتَاتٍ وهو يَخْرُجُ من الثُّلُثِ فَهُوَ حُرٌّ كان الشَّاهِدَانِ وَارِثَيْنِ أو غير وَارِثَيْنِ إذَا كَانَا عَدْلَيْنِ ( قال ) وَلَوْ جاء أَجْنَبِيَّانِ فَشَهِدَا لِآخَرَ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ عِتْقَ بَتَاتٍ سُئِلَا عن الْوَقْتِ الذي أَعْتَقَهُ فيه وَالشَّاهِدَانِ الْآخَرَانِ عن الْوَقْتِ الذي أَعْتَقَ الْعَبْدَ فيه فَأَيُّ الْعِتْقَيْنِ كان أَوَّلًا قُدِّمَ وَأُبْطِلَ الْآخَرُ وَإِنْ كَانَا سَوَاءً أو كَانُوا لَا يَعْرِفُونَ أَيَّ ذلك كان أَوَّلًا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا وأن كان أَحَدُهُمَا عِتْقَ بَتَاتٍ وَالْآخَرُ عِتْقَ وَصِيَّةٍ كان الْبَتَاتُ أَوْلَى فَإِنْ كَانَا جميعا عِتْقَ وَصِيَّةٍ أو عِتْقَ تَدْبِيرٍ فَكُلُّهُ سَوَاءٌ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَجْنَبِيَّانِ لِعَبْدٍ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ وهو الثُّلُثُ في الْوَصِيَّةِ وَشَهِدَ شَاهِدَانِ وَارِثَانِ لِعَبْدٍ غَيْرِهِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ في وَصِيَّةٍ وهو الثُّلُثُ فَسَوَاءٌ الْأَجْنَبِيَّانِ وَالْوَارِثَانِ لِأَنَّ الْوَارِثَيْنِ إذَا شَهِدَا على ما يَسْتَوْظِفُ الثُّلُثَ فَلَيْسَ هَا هُنَا في الثُّلُثِ مَوْضِعٌ
____________________

(7/58)


في أَنْ يُوَفِّرَا على أَنْفُسِهِمَا فَيَعْتِقُ من كل وَاحِدٍ منهم نِصْفُهُ ( قال الرَّبِيعُ ) قَوْلُ الشَّافِعِيِّ في غَيْرِ هذا الْمَوْضِعِ أَنَّ الْعَبْدَيْنِ إذَا اسْتَوَيَا في الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ ولم يَدْرِ أَيَّهُمَا عَتَقَ أَوَّلًا فَاسْتَوْظَفَ بِهِ الثُّلُثَ أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فَأَيُّهُمَا خَرَجَ سَهْمُهُ أَعْتَقْنَاهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَنَّهُمَا شَهِدَا أَنَّهُ رَجَعَ عن عِتْقِ الْأَوَّلِ وَأَعْتَقَ الْآخَرَ أَجَزْت شَهَادَتَهُمَا إذَا كان الثُّلُثُ وَإِنَّمَا أَرُدُّ شَهَادَتَهُمَا فِيمَا جَرَّا إلَى أَنْفُسِهِمَا التَّوْفِيرَ فَأَمَّا إذَا لم يَجُرَّا إلَى أَنْفُسِهِمَا فَلَا ( قال ) وَلَوْ شَهِدَ أَجْنَبِيَّانِ لِرَجُلٍ أَنَّهُ أَوْصَى له بِالثُّلُثِ أو بِعَبْدٍ هو الثُّلُثُ وَشَهِدَ الْوَارِثَانِ أَنَّهُ رَجَعَ عن الْوَصِيَّةِ لِهَذَا الْمَشْهُودِ له وَأَوْصَى بها لِغَيْرِهِ وهو غَيْرُ وَارِثٍ أو أَعْتَقَ هذا الْعَبْدَ أَجَزْت شَهَادَتَهُمَا لِأَنَّهُمَا مُخْرِجَانِ الثُّلُثَ من أَيْدِيهِمَا فإذا لم يُخْرِجَاهُ لِشَيْءٍ يَعُودُ عَلَيْهِمَا منه ما يَمْلِكَانِ مِلْكَ الْأَمْوَالِ لم أَرُدَّ شَهَادَتَهُمَا فَأَمَّا الْوَلَاءُ فَلَا يُمْلَكُ مِلْكَ الْأَمْوَالِ وقد لَا يَصِيرُ في أَيْدِيهِمَا من الْوَلَاءِ شَيْءٌ وَلَوْ كنا نُبْطِلُهَا بِأَنَّهُمَا قد يَرِثَانِ الْمَوْلَى يَوْمًا إنْ مَاتَ وَلَا وَارِثَ له غَيْرُهُمَا أَبْطَلْنَاهَا لِذَوِي أَرْحَامِهِمَا وَعَصَبَتِهِمَا وَلَكِنَّهَا لَا تَبْطُلُ في شَيْءٍ من هذا وَالشَّهَادَةُ في الْوَصِيَّةِ مِثْلُهَا في الْعِتْقِ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَارِثَيْنِ فيها كما تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَجْنَبِيَّيْنِ فَإِنْ شَهِدَ الْأَجْنَبِيَّانِ لِرَجُلٍ أَنَّهُ أَوْصَى له بِالثُّلُثِ وَشَهِدَ الْوَارِثَانِ لِرَجُلٍ أَنَّهُ أَوْصَى له بِالثُّلُثِ كان بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فإذا شَهِدَ أَجْنَبِيَّانِ لِعَبْدٍ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ في وَصِيَّةٍ وَشَهِدَ وَارِثَانِ لِعَبْدٍ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ في وَصِيَّةٍ وَرَجَعَ عن الْعِتْقِ الْآخَرِ وَكِلَاهُمَا الثُّلُثُ فَشَهَادَةُ الْوَارِثَيْنِ جَائِزَةٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ أَجْنَبِيَّانِ بِأَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِعَبْدٍ بِعَيْنِهِ وهو الثُّلُثُ وَشَهِدَ وَارِثَانِ أَنَّهُ أَوْصَى بِذَلِكَ الْعَبْدِ بِعَيْنِهِ لِآخَرَ وَرَجَعَ في وَصِيَّتِهِ الْأُولَى فَشَهَادَتُهُمَا جَائِزَةٌ وَالْوَصِيَّةُ لِمَنْ شَهِدَا له وَكَذَلِكَ لو شَهِدَا بِعَبْدٍ آخَرَ غَيْرَهُ قِيمَتُهُ مِثْلُ قِيمَتِهِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا وَلَوْ كانت أَقَلَّ من قِيمَتِهِ رَدَدْت شَهَادَتَهُمَا من قِبَلِ أَنَّهُمَا يَجُرَّانِ إلَى أَنْفُسِهِمَا فَضْلَ ما بين قِيمَةِ من شهدا ( ( ( شهد ) ) ) أَنَّهُ أَوْصَى بِهِ وَقِيمَةُ من شَهِدَا أَنَّهُ رَجَعَ عن الْوَصِيَّةِ بِهِ فَلَا أَرُدُّ من شَهَادَتِهِمَا إلَّا ما رَدَّ عَلَيْهِمَا الْفَضْلَ وَلَوْ كانت له مع هذا وَصَايَا بِغَيْرِ هَذَيْنِ تَسْتَغْرِقُ الثُّلُثَ أَجَزْت شَهَادَتَهُمَا من قِبَلِ أَنَّ الثُّلُثَ خَارِجٌ لَا مَحَالَةَ فَلَيْسَا يَرُدَّانِ على أَنْفُسِهِمَا من فَضْلِ ما بين قِيمَتِهِمَا شيئا لِأَنَّ ذلك الشَّيْءَ لِغَيْرِهِمَا مَنَّ الموصى ( ( ( الوصي ) ) ) لهم بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ أَجْنَبِيَّانِ لِعَبْدٍ أَنَّ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ من الثُّلُثِ في وَصِيَّتِهِ وَشَهِدَ وَارِثَانِ لِعَبْدٍ آخَرَ أَنَّهُ رَجَعَ في عِتْقِ هذا الْمَشْهُودِ له وَأَعْتَقَ هذا الْآخَرَ وهو سُدُسُ مَالِ الْمَيِّتِ أَبْطَلْت شَهَادَتَهُمَا عن الْأَوَّلِ لِأَنَّهُمَا يَجُرَّانِ إلَى أَنْفُسِهِمَا فَضْلَ قِيمَةِ ما بَيْنَهُمَا وَأَعْتَقْت الْأَوَّلَ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ وَأَبْطَلْت حَقَّهُمَا من هذا الْآخَرِ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ له أَنَّهُ حُرٌّ من الثُّلُثِ وَلَوْ لم يَزِيدَا على أَنْ يَقُولَا نَشْهَدُ على أَنَّهُ أَعْتَقَ هذا أَجَزْت شَهَادَتَهُمَا وَأَقْرَعْت بَيْنَهُمَا حتى أستوظف الثُّلُثَ وإذا شَهِدَ أَجْنَبِيَّانِ لِرَجُلٍ حَيٍّ أَنَّ مَيِّتًا أَوْصَى له بِثُلُثِ مَالِهِ وَشَهِدَ وَارِثَانِ أَنَّ أَبَاهُمَا أَعْتَقَ هذا الْعَبْدَ من عَبِيدِهِ عِتْقَ بَتَاتٍ في مَرَضِهِ فَعِتْقُ الْبَتَاتِ يُبَدَّأُ على الْوَصِيَّةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَارِثِينَ وَلَيْسَ في هذا شَيْءٌ تُرَدُّ بِهِ شَهَادَةُ وَاحِدٍ منهم إذَا كَانُوا عُدُولًا وَلَوْ كان الْعِتْقُ عِتْقَ وَصِيَّةٍ فَمَنْ بَدَّأَ الْعِتْقَ على الْوَصِيَّةِ بَدَّأَ هذا الْعَبْدَ ثُمَّ إنْ فَضَلَ منه شَيْءٌ أَعْطَى صَاحِبَ الثُّلُثِ وَإِنْ لم يَفْضُلْ منه شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ له وَمَنْ جَعَلَ الْوَصَايَا وَالْعِتْقَ سَوَاءً أَعْتَقَ من الْعَبْدِ بِقَدْرِ ما يُصِيبُهُ وَأَعْطَى الْمُوصَى له بالثلث ( ( ( الثلث ) ) ) بِقَدْرِ ما يُصِيبُهُ وَشَهَادَةُ الْوَرَثَةِ وَشَهَادَةُ غَيْرِهِمْ فِيمَا أَوْصَى بِهِ الْمَيِّتُ إذَا كَانُوا عُدُولًا سَوَاءٌ ما لم يَجُرُّوا إلَى أَنْفُسِهِمْ بِشَهَادَتِهِمْ أو يَدْفَعُوا عنها ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ شَاهِدَانِ لِرَجُلٍ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى له بِالثُّلُثِ وَشَهِدَ شَاهِدَانِ من الْوَرَثَةِ لِآخَرَ غَيْرِهِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى له بِالثُّلُثِ فَشَهَادَتُهُمْ سَوَاءٌ وَيَقْتَسِمَانِ الثُّلُثَ نِصْفَيْنِ في قَوْلِ أَكْثَرِ الْمُفْتِينَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ شَهِدَ وَارِثٌ لِوَاحِدٍ أَنَّهُ أَوْصَى له بِالثُّلُثِ وَشَهِدَ أَجْنَبِيَّانِ لِآخَرَ أَنَّهُ أَوْصَى له بِالثُّلُثِ كان حُكْمُ الشَّاهِدَيْنِ أَنَّ الْمَشْهُودَ له يَأْخُذُ بِهِمَا بِغَيْرِ يَمِينٍ وَالشَّاهِدُ
____________________

(7/59)


أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ إلَّا بِيَمِينٍ وَكَانَا حُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَالْقِيَاسُ يَحْتَمِلُ أَنْ يعطى صَاحِبَ الشَّاهِدَيْنِ من قِبَلِ أَنَّهُ أَقْوَى سَبَبًا من صَاحِبِ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ وَذَلِكَ أَنَّهُ يعطى بِلَا يَمِينٍ وقد يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ إذَا أَعْطَيْت بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ كما تعطى بِشَاهِدَيْنِ فَاجْعَلْ الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ يَقُومُ مَقَامَ الشَّاهِدَيْنِ فِيمَا يُعْطَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فَأَمَّا أَرْبَعَةُ شُهُودٍ وَشَاهِدَانِ وَأَكْثَرُ من أَرْبَعَةٍ وَشَاهِدَانِ وَأَعْدَلُ فَسَوَاءٌ من قِبَلِ أَنَّا نعطى بها عَطَاءً وَاحِدًا بِلَا يَمِينٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ أَجْنَبِيَّانِ لِرَجُلٍ أَنَّ مَيِّتًا أَوْصَى له بِالثُّلُثِ وَشَهِدَ وَارِثَانِ لِآخَرَ أَنَّهُ رَجَعَ في الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ لِفُلَانٍ وَجَعَلَهُ لِفُلَانٍ فَشَهَادَتُهُمَا جَائِزَةٌ وَالثُّلُثُ للاخر وَأَصْلُ هذا أَنَّ شَهَادَةَ الْوَارِثَيْنِ إذَا كَانَا عَدْلَيْنِ مِثْلُ شَهَادَةِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ فِيمَا لَا يَجُرَّانِ إلَى أَنْفُسِهِمَا وَلَا يَدْفَعَانِ بِهِ عنها ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِالثُّلُثِ وَشَهِدَ وَارِثَانِ أَنَّهُ انْتَزَعَهُ منه وَأَوْصَى بِهِ للاخر وَشَهِدَ أَجْنَبِيَّانِ أَنَّهُ انْتَزَعَهُ من الذي شَهِدَ له الْوَارِثَانِ وَأَوْصَى بِهِ لِآخَرَ غَيْرِهِمَا جَعَلْت الْأَوَّلَ الْمُنْتَزَعَ منه لَا شَيْءَ له بِشَهَادَةِ الْوَارِثَيْنِ أَنَّهُ رَجَعَ في الْوَصِيَّةِ لِلْأَوَّلِ ثُمَّ انْتَزَعَهُ أَيْضًا من الذي شَهِدَ له الْوَارِثَانِ بِشَهَادَةِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ أَنَّهُ انْتَزَعَهُ من الذي أَوْصَى له بِهِ وَأَوْصَى بِهِ لِآخَرَ ثُمَّ هَكَذَا كُلَّمَا ثَبَتَتْ الشَّهَادَةُ لِوَاحِدٍ فَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ انْتَزَعَهُ منه وَأَعْطَاهُ آخَرَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ شَاهِدَانِ لِرَجُلٍ أَنَّ مَيِّتًا أَوْصَى له بِالثُّلُثِ وَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ أَوْصَى بِهِ لِآخَرَ وَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ الْمَيِّتَ رَجَعَ عن أَحَدِهِمَا وَلَا يَدْرِي من هو فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ وهو بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ قال وإذا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ فُلَانًا قال إنْ قَتَلْت فَغُلَامِي فُلَانٌ حُرٌّ وَشَهِدَ رَجُلَانِ على قَتْلِهِ وآخران على أَنَّهُ قد مَاتَ مَوْتًا بِغَيْرِ قَتْلٍ فَفِي قِيَاسِ من زَعَمَ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ قَاتِلُهُ يَثْبُتُ الْعِتْقُ لِلْعَبْدِ وَيُقْتَلُ الْقَاتِلُ وَهَذَا قِيَاسٌ يقول بِهِ أَكْثَرُ الْمُفْتِينَ وَمَنْ قال لَا أَجْعَلُ الَّذِينَ أَثْبَتُوا له الْقَتْلَ أَوْلَى من الَّذِينَ طَرَحُوا الْقَتْلَ عن الْقَاتِلِ وَلَا آخُذُ الْقَاتِلَ بِقَتْلِهِ لِأَنَّ هَا هُنَا من يُبَرِّئُهُ من قَتْلِهِ وَأَجْعَلُ الْبَيِّنَتَيْنِ تَهَاتُرًا لَا يَعْتِقُ الْعَبْدَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال رَجُلٌ إنْ مِتُّ في سَفَرِي هذا أو في مَرَضِي هذا أو سَنَتِي هذه أو بَلَدِ كَذَا وَكَذَا فَحَضَرَنِي الْمَوْتُ في وَقْتٍ من الْأَوْقَاتِ أو في بَلَدٍ من الْبُلْدَانِ فَغُلَامِي فُلَانٌ حُرٌّ فلم يَمُتْ في ذلك الْوَقْتِ وَلَا في ذلك الْبَلَدِ وَمَاتَ بَعْدُ قبل أَنْ يُحْدِثَ وَصِيَّةً وَلَا رَجْعَةً في هذا الْعِتْقِ فَلَا يَعْتِقُ هذا الْعَبْدُ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ على شَرْطٍ فلم يَكُنْ الشَّرْطُ فَلَا يَعْتِقُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ رَجُلَانِ أَنَّ رَجُلًا قال إنْ مِتُّ في رَمَضَانَ فَفُلَانٌ حُرٌّ وَإِنْ مِتُّ في شَوَّالٍ فَفُلَانٌ غَيْرُهُ حُرٌّ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ مَاتَ في رَمَضَانَ وَآخَرَانِ أَنَّهُ مَاتَ في شَوَّالٍ ( 1 ) فَيَنْبَغِي في قِيَاسِ من زَعَمَ أَنَّهُ تَثْبُتُ الشَّهَادَةُ لِلْأَوَّلِ وَتَبْطُلُ للاخر لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ الْمَوْتُ أَوَّلًا لم يَمُتْ ثَانِيًا وفي قَوْلِ من قال أَجْعَلُهَا تَهَاتُرًا فَنُبْطِلُ الشَّهَادَتَيْنِ مَعًا وَلَا يَثْبُتُ الْحَقُّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا تَدَاعَى عَبْدَانِ فقال أَحَدُهُمَا قال مَالِكِي إنْ مِتُّ من مرضى هذا فَأَنْتَ حُرٌّ وقال الْآخَرُ قال إنْ بَرِئْت من مَرَضِي هذا فَأَنْتَ حُرٌّ فَادَّعَى الْأَوَّلُ أَنَّهُ مَاتَ من مَرَضِهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ مَاتَ بَعْدَ بُرْئِهِ فَالشَّهَادَةُ مُتَضَادَّةٌ شَهَادَةُ الْوَرَثَةِ وَغَيْرِهِمْ سَوَاءٌ إنْ كَانُوا عُدُولًا فَإِنْ شَهِدُوا لِوَاحِدٍ بِدَعْوَاهُ عَتَقَ وَرَقَّ الْآخَرُ قال وَإِنْ شَهِدَ الْوَرَثَةُ لِوَاحِدٍ وَشَهِدَ الْأَجْنَبِيُّونَ لِوَاحِدٍ فَالْقِيَاسُ على ما وَصَفْت أَوَّلًا إلَّا أَنَّ الذي شَهِدَ له الْوَارِثُ يُعْتَقُ نَصِيبُ من شَهِدَ له بِالْعِتْقِ منهم على كل حَالٍ لِأَنَّهُ يُقِرُّ أَنْ لَا رِقَّ له عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ شَاهِدَانِ لِعَبْدٍ أَنَّ سَيِّدَهُ قال إنْ مِتُّ من مَرَضِي هذا فَأَنْتَ حُرٌّ فقال الْعَبْدُ مَاتَ من مَرَضِهِ ذلك وقال الْوَارِثُ لم يَمُتْ منه فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَارِثِ مع يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يأتى الْعَبْدُ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ مَاتَ من ذلك الْمَرَضِ
____________________

(7/60)


- * الْأَيْمَانُ وَالنُّذُورُ وَالْكَفَّارَاتُ في الْأَيْمَانِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال سُئِلَ الشَّافِعِيُّ فَقِيلَ إنَّا نَقُولُ إنَّ الْكَفَّارَاتِ من أَمْرَيْنِ وَهُمَا قَوْلُك وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا وَكَذَا فَتَكُونَ مُخَيَّرًا في فِعْلِ ذلك إنْ كان جَائِزًا فِعْلُهُ وفي أَنْ تُكَفِّرَ وَتَدَعَهُ وَإِنْ كان مِمَّا لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ فإنه يُؤْمَرُ بِالْكَفَّارَةِ وَيُنْهَى عن الْبِرِّ وَإِنْ فَعَلَ ( 1 ) ما يَجُوزُ له من ذلك بَرَّ ولم تَكُنْ عليه كَفَّارَةٌ وَالثَّانِي قَوْلُك وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا فَتَكُونَ مُخَيَّرًا في فِعْلِ ذلك وَعَلَيْك الْكَفَّارَةُ إنْ كان مِمَّا يَجُوزُ لَك فِعْلُهُ وَمُخَيَّرًا في الْإِقَامَةِ على تَرْكِ ذلك وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْك إلَّا أَنْ يَكُونَ ما حَلَفَ عليه طَاعَةً لِلَّهِ عز وجل فَيُؤْمَرُ بِفِعْلِهِ وَيُكَفِّرُ عن يَمِينِهِ وَنَقُولُ إن قَوْلَهُ بِاَللَّهِ وَتَاللَّهِ وَأَشْهَدُ بِاَللَّهِ وَأُقْسِمُ بِاَللَّهِ وَأَعْزِمُ بِاَللَّهِ أو قال وَعِزَّةِ اللَّهِ أو وَقُدْرَةِ اللَّهِ أو وَكِبْرِيَاءِ اللَّهِ أَنَّ عليه في ذلك كُلِّهِ كَفَّارَةً مِثْلَ ما عليه في قَوْلِهِ وَاَللَّهِ وَنَقُولُ إنَّهُ إنْ قال أَشْهَدُ ولم يَقُلْ بِاَللَّهِ أو أُقْسِمُ ولم يَقُلْ بِاَللَّهِ أو أَعْزِمُ ولم يَقُلْ بِاَللَّهِ أو قال اللَّهِ أنه إنْ لم يَكُنْ أَرَادَ بِهِ يَمِينًا في ذلك كُلِّهِ أَنَّهُ لَا حِنْثَ عليه وَإِنْ أَرَادَ بِهِ يَمِينًا فَمِثْلُ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ أو بِاسْمٍ من أَسْمَاءِ اللَّهِ فَحَنِثَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَمَنْ حَلَفَ بِشَيْءٍ غَيْرِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ وَالْكَعْبَةِ وَأَبِي وَكَذَا وَكَذَا ما كان فَحَنِثَ فَلَا كَفَّارَةَ عليه وَمِثْلُ ذلك قَوْلُهُ لَعَمْرِي لَا كَفَّارَةَ عليه وَكُلُّ يَمِينٍ بِغَيْرِ اللَّهِ فَهِيَ مَكْرُوهَةٌ مَنْهِيٌّ عنها من قِبَلِ قَوْلِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ وَمَنْ كان حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أو لِيَسْكُتْ أخبرنا بن عُيَيْنَةَ قال حدثنا الزُّهْرِيُّ قال حدثنا سَالِمٌ عن أبيه قال سمع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عُمَرَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ فقال أَلَا إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ قال عُمَرُ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وَاَللَّهِ ما حَلَفْت بها بَعْدَ ذلك ( 2 ) ذَاكِرًا وَلَا آثِرًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَكُلُّ من حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ كَرِهْت له وَخَشِيت أَنْ تَكُونَ يَمِينُهُ مَعْصِيَةً وَأَكْرَهُ الْأَيْمَانَ بِاَللَّهِ على كل حَالٍ إلَّا فِيمَا كان لِلَّهِ طَاعَةً مِثْلَ الْبَيْعَةِ على الْجِهَادِ وما أَشْبَهَ ذلك ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ حَلَفَ على يَمِينٍ فَرَأَى خَيْرًا منها فَوَاسِعٌ له وَأَخْتَارُ له أَنْ يأتى الذي هو خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عن يَمِينِهِ لِقَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من حَلَفَ على يَمِينٍ فرأي غَيْرَهَا خَيْرًا منها فَلْيَأْتِ الذي هو خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عن يَمِينِهِ وَمَنْ حَلَفَ عَامِدًا لِلْكَذِبِ فقال وَاَللَّهِ لقد كان كَذَا وَكَذَا ولم يَكُنْ أو وَاَللَّهِ ما كان كَذَا وقد كان كَفَّرَ وقد أَثِمَ وَأَسَاءَ حَيْثُ عَمَدَ الْحَلِفَ بِاَللَّهِ بَاطِلًا فَإِنْ قال وما الْحُجَّةُ في أَنْ يُكَفِّرَ وقد عَمَدَ الْبَاطِلَ قِيلَ أَقَرَّ بها قَوْلُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلْيَأْتِ الذي هو خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عن يَمِينِهِ فَقَدْ أَمَرَهُ أَنْ يَعْمِدَ الْحِنْثَ وَقَوْلُ اللَّهِ عز وجل { وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى } نَزَلَتْ في رَجُلٍ حَلَفَ أَنْ لَا يَنْفَعَ رَجُلًا فَأَمَرَهُ اللَّهُ عز وجل أَنْ يَنْفَعَهُ وَقَوْلُ اللَّهِ عز وجل { وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا من الْقَوْلِ وَزُورًا } ثُمَّ جَعَلَ فيه الْكَفَّارَةَ وَمَنْ حَلَفَ وهو يَرَى أَنَّهُ صَادِقٌ ثُمَّ وَجَدَهُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُ الرَّجُلِ أُقْسِمُ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ فَإِنْ قال أَقْسَمْت بِاَللَّهِ فَإِنْ كان يعنى حَلَفْت قَدِيمًا يَمِينًا بِاَللَّهِ فَلَيْسَتْ بِيَمِينٍ حَادِثَةٍ وَإِنَّمَا هو خَبَرٌ عن يَمِينٍ مَاضِيَةٍ وَإِنْ أَرَادَ بها يَمِينًا فَهِيَ يَمِينٌ وَإِنْ قال أُقْسِمُ بِاَللَّهِ فَإِنْ أَرَادَ بها إيقَاعَ يَمِينٍ فَهِيَ يَمِينٌ وَإِنْ أَرَادَ بها مَوْعِدًا أَنَّهُ سَيُقْسِمُ بِاَللَّهِ فَلَيْسَتْ بِيَمِينٍ وَإِنَّمَا ذلك كَقَوْلِهِ سَأَحْلِفُ أو سَوْفَ أَحْلِفُ وَإِنْ قال لَعَمْرُ اللَّهِ فَإِنْ أَرَادَ الْيَمِينَ فَهِيَ يَمِينٌ وَإِنْ لم يُرِدْ الْيَمِينَ فَلَيْسَتْ بِيَمِينٍ لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ غير الْيَمِينِ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَعَمْرِي إنَّمَا هو لَحَقِّي فَإِنْ قال وَحَقِّ اللَّهِ وَعَظَمَةِ اللَّهِ وَجَلَالِ اللَّهِ وَقُدْرَةِ اللَّهِ يُرِيدُ بهذا كُلِّهِ الْيَمِينَ أو لَا نِيَّةَ له فَهِيَ يَمِينٌ وَإِنْ لم
____________________

(7/61)


يُرِدْ بها الْيَمِينَ فَلَيْسَتْ بِيَمِينٍ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ وَحَقُّ اللَّهِ وَاجِبٌ على كل مُسْلِمٍ وَقُدْرَةُ اللَّهِ مَاضِيَةٌ عليه لَا أَنَّهُ يَمِينٌ وَإِنَّمَا يَكُونُ يَمِينًا بِأَنْ لَا ينوى شيئا أو بِأَنْ ينوى يَمِينًا وإذا قال بِاَللَّهِ أو تَاللَّهِ في يَمِينٍ فَهُوَ كما وَصَفْت إنْ نَوَى يَمِينًا أو لم تَكُنْ له نِيَّةٌ وَإِنْ قال ( 1 ) وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا وَكَذَا لم يَكُنْ يَمِينًا إلَّا بِأَنْ ينوى يَمِينًا لِأَنَّ هذا ابْتِدَاءُ كَلَامٍ لَا يَمِينٌ إلَّا بِأَنْ يَنْوِيَهُ وإذا قال أَشْهَدُ بِاَللَّهِ فَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ فَهِيَ يَمِينٌ وَإِنْ لم يَنْوِ يَمِينًا فَلَيْسَتْ بِيَمِينٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ يَحْتَمِلُ أَشْهَدُ بِأَمْرِ اللَّهِ وإذا قال أَشْهَدُ لم يَكُنْ يَمِينًا وَإِنْ نَوَى يَمِينًا فَلَا شَيْءَ عليه وَلَوْ قال أَعْزِمُ بِاَللَّهِ وَلَا نِيَّةَ له فَلَيْسَتْ بِيَمِينٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَعْزِمُ بِاَللَّهِ إنَّمَا هِيَ أَعْزِمُ بِقُدْرَةِ اللَّهِ أو أَعْزِمُ بِعَوْنِ اللَّهِ على كَذَا وَكَذَا وَاسْتِحْلَافُهُ لِصَاحِبِهِ لَا يَمِينُهُ هو مِثْلُ قَوْلِك لِلرَّجُلِ أَسْأَلُك بِاَللَّهِ أو أُقْسِمُ عَلَيْك بِاَللَّهِ أو أَعْزِمُ عَلَيْك بِاَللَّهِ فَإِنْ أَرَادَ الْمُسْتَحْلِفُ بهذا يَمِينًا فَهُوَ يَمِينٌ وَإِنْ لم يُرِدْ بِهِ يَمِينًا فَلَا شَيْءَ عليه فَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ أَعْزِمُ بِاَللَّهِ أو أُقْسِمُ بِاَللَّهِ أو أَسْأَلُك بِاَللَّهِ يَمِينًا فَهِيَ يَمِينٌ وَكَذَلِكَ إنْ تَكَلَّمَ بها وَإِنْ لم يَنْوِ فَلَا شَيْءَ عليه وإذا قال على عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ وَكَفَالَتُهُ ثُمَّ حَنِثَ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ إلَّا أَنْ ينوى بها يَمِينًا وَكَذَلِكَ لَيْسَتْ بِيَمِينٍ لو تَكَلَّمَ بها لَا يَنْوِي يَمِينًا فَلَيْسَ بِيَمِينٍ بِشَيْءٍ من قِبَلِ أَنَّ لِلَّهِ عليه عَهْدًا أَنْ يؤدى فَرَائِضَهُ وَكَذَلِكَ لِلَّهِ عليه مِيثَاقٌ بِذَلِكَ وَأَمَانَةٌ بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ الذِّمَّةُ وَالْكَفَالَةُ - * الِاسْتِثْنَاءُ في الْيَمِينِ - * ( قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّا نَقُولُ في الذي يقول وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ أنه إنْ كان أَرَادَ بِذَلِكَ الثُّنْيَا فَلَا يَمِينَ عليه وَلَا كَفَّارَةَ إنْ فَعَلَ وَإِنْ لم يُرِدْ بِذَلِكَ الثُّنْيَا وَإِنَّمَا قال ذلك لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذلك غَدًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ } أو قال ذلك سَهْوًا أو اسْتِهْتَارًا فإنه لَا ثُنْيَا وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إنْ حَنِثَ وهو قَوْلُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وأنه إنْ حَلَفَ فلما فَرَغَ من يَمِينِهِ نَسَقَ الثُّنْيَا بها أو تَدَارَكَ الْيَمِينَ بِالِاسْتِثْنَاءِ بَعْدَ انْقِضَاءِ يَمِينِهِ ولم يَصِلْ الِاسْتِثْنَاءَ بِالْيَمِينِ فإنه إنْ كان نَسَقًا بها تِبَاعًا فَذَلِكَ له اسْتِثْنَاءٌ وَإِنْ كان بين ذلك صُمَاتٌ فَلَا اسْتِثْنَاءَ له ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى من قال وَاَللَّهِ أو حَلَفَ بِيَمِينٍ ما كانت بِطَلَاقٍ أو عَتَاقٍ أو غَيْرِهِ أو أَوْجَبَ على نَفْسِهِ شيئا ثُمَّ قال إنْ شَاءَ اللَّهُ مَوْصُولًا بِكَلَامِهِ فَقَدْ اسْتَثْنَى ولم يَقَعْ عليه شَيْءٌ من الْيَمِينِ وَإِنْ حَنِثَ وَالْوَصْلُ أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُ نَسَقًا وَإِنْ كان بَيْنَهُ سَكْتَةٌ كَسَكْتَةِ الرَّجُلِ بين الْكَلَامِ لِلتَّذَكُّرِ أو الْعِيِّ أو النَّفَسِ أو انْقِطَاعِ الصَّوْتِ ثُمَّ وَصَلَ الِاسْتِثْنَاءَ فَهُوَ مَوْصُولٌ وَإِنَّمَا الْقَطْعُ أَنْ يَحْلِفَ ثُمَّ يَأْخُذَ في كَلَامٍ ليس من الْيَمِينِ من أَمْرٍ أو نَهْيٍ أو غَيْرِهِ أو يَسْكُتَ السُّكَاتَ الذي يَبِينُ أَنَّهُ يَكُونُ قَطْعًا فإذا قَطَعَ ثُمَّ اسْتَثْنَى لم يَكُنْ له الِاسْتِثْنَاءُ فَإِنْ حَلَفَ فقال وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا وَكَذَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلَانٌ فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذلك الشَّيْءَ حتى يَشَاءَ فُلَانٌ فَإِنْ مَاتَ أو خَرِسَ أو غَابَ لم يَفْعَلْ وَإِنْ قال لَا أَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا إلَّا ان يَشَاءَ فُلَانٌ فَلَيْسَ له أَنْ يَفْعَلَ ذلك الشَّيْءَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلَانٌ فَإِنْ مَاتَ فُلَانٌ أو خَرِسَ لم يَكُنْ له أَنْ يَفْعَلَ ذلك الشَّيْءَ حتى يَعْلَمَ أَنَّ فُلَانًا شَاءَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي وَإِنْ حَلَفَ فقال وَاَللَّهِ ( 2 ) لَأَفْعَلَنَّ كَذَا وَكَذَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلَانٌ لم يَحْنَثْ إنْ شَاءَ فُلَانٌ وَإِنْ مَاتَ فُلَانٌ أو خَرِسَ أو غَابَ عَنَّا مَعْنَى فُلَانٍ حتى يمضى وَقْتُ يَمِينِهِ حَنِثَ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُخْرِجُهُ من الْحِنْثِ مَشِيئَةُ فُلَانٍ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فقال وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا
____________________

(7/62)


إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلَانٌ لم يَفْعَلْ حتى يَشَاءَ فُلَانٌ وَإِنْ غَابَ عَنَّا مَعْنَى فُلَانٍ فلم نَعْرِفْ شَاءَ أو لم يَشَأْ لم يَفْعَلْ فَإِنْ فَعَلَهُ لم أُحْنِثْهُ من قِبَلِ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فُلَانٌ شَاءَ - * لَغْوُ الْيَمِينِ - * قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّا نَقُولُ إنَّ الْيَمِينَ التي لَا كَفَّارَةَ فيها وَإِنْ حَنِثَ فيها صَاحِبُهَا أنها يَمِينٌ وَاحِدَةٌ إلَّا أَنَّ لها وَجْهَيْنِ وَجْهٌ يُعْذَرُ فيه صَاحِبُهُ وَيُرْجَى له أَنْ لَا يَكُونَ عليه فيها إثْمٌ لِأَنَّهُ لم يَعْقِدْ فيها على إثْمٍ وَلَا كَذِبٍ وهو أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ على الْأَمْرِ لقد كان ولم يَكُنْ فإذا كان ذلك جُهْدَهُ وَمَبْلَغَ عِلْمِهِ فَذَلِكَ اللَّغْوُ الذي وَضَعَ اللَّهُ تَعَالَى فيه الْمُؤْنَةَ عن الْعِبَادِ وقال { لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ في أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ } وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ إنْ حَلَفَ عَامِدًا لِلْكَذِبِ اسْتِخْفَافًا بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ كَاذِبًا فَهَذَا الْوَجْهُ الثَّانِي الذي لَيْسَتْ فيه كَفَّارَةٌ لِأَنَّ الذي يَعْرِضُ من ذلك أَعْظَمُ من أَنْ يَكُونَ فيه كَفَّارَةٌ وَإِنَّهُ لَيُقَالُ له تَقَرَّبْ إلَى اللَّهِ بِمَا اسْتَطَعْت من خَيْرٍ أخبرنا سُفْيَانُ قال حدثنا عَمْرُو بن دِينَارٍ وبن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ قال ذَهَبْت أنا وَعُبَيْدُ بن عُمَيْرٍ إلَى عَائِشَةَ وَهِيَ مُعْتَكِفَةٌ في ثَبِيرَ فَسَأَلْنَاهَا عن قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ في أَيْمَانِكُمْ } قالت هو لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَغْوُ الْيَمِينِ كما قالت عَائِشَةُ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنها وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُ الرَّجُلِ لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ وذلك ( ( ( ذلك ) ) ) إذَا كان على اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ وَالْعَجَلَةِ لَا يَعْقِدُ على ما حَلَفَ عليه وَعَقْدُ الْيَمِينِ أَنْ يُثْبِتَهَا على الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ أَنْ لَا يَفْعَلَ الشَّيْءَ فَيَفْعَلَهُ أو لَيَفْعَلَنَّهُ فَلَا يَفْعَلْهُ أو لقد كان وما كان فَهَذَا آثِمٌ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِمَا وَصَفْت من أَنَّ اللَّهَ عز وجل قد جَعَلَ الْكَفَّارَاتِ في عَمْدِ الْمَأْثَمِ فقال تَعَالَى { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُمًا } وقال { لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } إلَى { بَالِغَ الْكَعْبَةِ } وَمِثْلُ قَوْلِهِ في الظِّهَارِ { وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا من الْقَوْلِ وَزُورًا } ثُمَّ أَمَرَ فيه بِالْكَفَّارَةِ وَمِثْلُ ما وَصَفْت من سُنَّةِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال من حَلَفَ على يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا منها فَلْيَأْتِ الذي هو خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عن يَمِينِهِ - * الْكَفَّارَةُ قبل الْحِنْثِ وَبَعْدَهُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَمَنْ حَلَفَ على شَيْءٍ فَأَرَادَ أَنْ يَحْنَثَ فَأَحَبُّ إلَيَّ لو لم يُكَفِّرْ حتى يَحْنَثَ وَإِنْ كَفَّرَ قبل الْحِنْثِ بِإِطْعَامٍ رَجَوْت أَنْ يجزئ عنه وَإِنْ كَفَّرَ بِصَوْمٍ قبل الْحِنْثِ لم يُجْزِ عنه وَذَلِكَ أَنَّا نَزْعُمُ أَنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَقًّا على الْعِبَادِ في أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فَالْحَقُّ الذي في أَمْوَالِهِمْ إذَا قَدَّمُوهُ قبل مَحَلِّهِ أَجْزَأَهُمْ وَأَصْلُ ذلك أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم تَسَلَّفَ من الْعَبَّاسِ صَدَقَةَ عَامٍ قبل أَنْ يَدْخُلَ وَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ قد قَدَّمُوا صَدَقَةَ الْفِطْرِ قبل أَنْ يَكُونَ الْفِطْرُ فَجَعَلْنَا الْحُقُوقَ التي في الْأَمْوَالِ قِيَاسًا على هذا فَأَمَّا الْأَعْمَالُ التي على الْأَبْدَانِ فَلَا تَجْزِي إلَّا بَعْدَ مَوَاقِيتِهَا كَالصَّلَاةِ التي لَا تَجْزِي إلَّا بَعْدَ الْوَقْتِ وَالصَّوْمُ لَا يجزئ إلَّا في الْوَقْتِ أو قَضَاءً بَعْدَ الْوَقْتِ الْحَجُّ الذي لَا يجزئ الْعَبْدَ وَلَا الصَّغِيرَ من حَجَّةِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُمَا حَجَّا قبل أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِمَا - * من حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ إنْ تَزَوَّجَ عليها - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ تَزَوَّجْت عَلَيْك فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ ثُمَّ تَزَوَّجَ عليها في الْعِدَّةِ طَلُقَتْ بِالْحِنْثِ وَالطَّلَاقِ الذي أَوْقَعَ وإذا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا
____________________

(7/63)


إنْ لم أَتَزَوَّجْ عَلَيْك فَسَمَّى وَقْتًا فَإِنْ جاء ذلك الْوَقْتُ وَهِيَ زَوْجَتُهُ ولم يَتَزَوَّجْ عليها فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَلَوْ أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً أو اثْنَتَيْنِ ثُمَّ جاء ذلك الْوَقْتُ وَهِيَ في عِدَّتِهَا وَقَعَتْ عليها التَّطْلِيقَةُ الثَّالِثَةُ وَإِنْ لم يُوَقِّتْ وَكَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فقال أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ لم أَتَزَوَّجْ عَلَيْك فَهَذَا على الْأَبَدِ لَا يَحْنَثُ حتى يَمُوتَ أو تَمُوتَ قبل أَنْ يَتَزَوَّجَ عليها وما تَزَوَّجَ عليها من امْرَأَةٍ تُشْبِهُهَا أو لَا تُشْبِهُهَا خَرَجَ بها من الْحِنْثِ دخل بها أو لم يَدْخُلْ وَلَا يُخْرِجُهُ من الْحِنْثِ إلَّا تَزْوِيجٌ صَحِيحٌ يَثْبُتُ فَأَمَّا تَزْوِيجٌ فَاسِدٌ فَلَيْسَ بِنِكَاحٍ يُخْرِجُهُ من الْحِنْثِ وَإِنْ مَاتَتْ لم يَرِثْهَا وَإِنْ مَاتَ هو وَرِثَتْهُ ولم تَرِثْهُ في قَوْلِ من يُوَرِّثُ الْمَبْتُوتَةَ إذَا وَقَعَ الطَّلَاقُ في الْمَرَضِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدُ لَا تَرِثُ الْمَبْتُوتَةُ وهو قَوْلُ بن الزُّبَيْرِ ( قال الرَّبِيعُ ) صَارَ الشَّافِعِيُّ إلَى قَوْلِ بن الزُّبَيْرِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا أَنَّ اللَّهَ عز وجل إنَّمَا وَرَّثَ الزَّوْجَاتِ من الْأَزْوَاجِ وَأَنَّهُ إنْ آلَى من الْمَبْتُوتَةِ فَلَا يَكُونُ عليه إيلَاءٌ وَإِنَّ ظَاهَرَ فَلَا ظِهَارَ عليه وَإِنْ قَذَفَهَا لم يَكُنْ له أَنْ يُلَاعِنَ ولم يَبْرَأْ من الْحَدِّ وَإِنْ مَاتَتْ لم يَرِثْهَا فلما زَعَمُوا أنها خَارِجَةٌ في هذه الْأَشْيَاءِ من مَعَانِي الْأَزْوَاجِ وَإِنَّمَا وَرَّثَ اللَّهُ تَعَالَى الزَّوْجَاتِ لم نُوَرِّثْهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ - * الْإِطْعَامُ في الْكَفَّارَاتِ في الْبُلْدَانِ كُلِّهَا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيُجْزِئُ في كَفَّارَةِ الْيَمِينِ مُدٌّ بِمُدِّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من حِنْطَةٍ وَلَا يُجْزِئُ أَنْ يَكُونَ دَقِيقًا وَلَا سَوِيقًا وَإِنْ كان أَهْلُ بَلَدٍ يَقْتَاتُونَ الذُّرَةَ أو الْأُرْزَ أو التَّمْرَ أو الزَّبِيبَ أَجْزَأَ من كل جِنْسٍ وَاحِدٌ من هذا مُدٌّ بِمُدِّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَإِنَّمَا قُلْنَا يُجْزِئُ هذا أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أتى بِعَرَقِ تَمْرٍ فَدَفَعَهُ إلَى رَجُلٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يُطْعِمَهُ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَالْعَرَقُ فِيمَا يُقَدَّرُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَذَلِكَ سِتُّونَ مُدًّا فَلِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَقَدْ قال سَعِيدُ بن الْمُسَيِّبِ أتى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِعَرَقٍ فيه خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا أو عِشْرُونَ صَاعًا قِيلَ فَأَكْثَرُ ما قال بن الْمُسَيِّبِ مُدٌّ وَرُبُعٌ أو ثُلُثٌ وَإِنَّمَا هذا شَكٌّ أَدْخَلَهُ بن الْمُسَيِّبِ وَالْعَرَقُ كما وَصَفْت كان يُقَدَّرُ على خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَالْكَفَّارَاتُ بِالْمَدِينَةِ وَبِنَجْدٍ وَمِصْرَ وَالْقَيْرَوَانِ وَالْبُلْدَانِ كُلِّهَا سَوَاءٌ ما فَرَضَ اللَّهُ عز وجل على الْعِبَادِ فَرْضَيْنِ في شَيْءٍ وَاحِدٍ قَطُّ وَلَا يُجْزِئُ في ذلك إلَّا مَكِيلَةُ الطَّعَامِ وما أَرَى أَنْ يَجْزِيَهُمْ دَرَاهِمُ وَإِنْ كان أَكْثَرَ من قِيمَةِ الطَّعَامِ وما يَقْتَاتُ أَهْلُ الْبُلْدَانِ من شَيْءٍ أَجْزَأَهُمْ منه مُدٌّ وَيُجْزِئُ أَهْلَ الْبَادِيَةِ مُدُّ أَقِطٍ وَإِنْ لم يَكُنْ لِأَهْلِ بَلَدٍ قُوتٌ من طَعَامٍ سِوَى اللَّحْمِ أَدَّوْا مُدًّا مِمَّا يَقْتَاتُ أَقْرَبُ الْبُلْدَانِ إلَيْهِمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ويعطى الْكَفَّارَاتِ وَالزَّكَاةَ كُلَّ من لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ من قَرَابَتِهِ وَهُمْ من عَدَا الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ إذَا كَانُوا أَهْلَ حَاجَةٍ فَهُمْ أَحَقُّ بها من غَيْرِهِمْ وَإِنْ كان يُنْفِقُ عليهم مُتَطَوِّعًا أَعْطَاهُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَيْسَ له إذَا كَفَّرَ بِإِطْعَامٍ أَنْ يُطْعِمَ أَقَلَّ من عَشَرَةٍ وَإِنْ أَطْعَمَ تِسْعَةً وَكَسَا وَاحِدًا كان عليه أَنْ يُطْعِمَ عَاشِرًا أو يَكْسُوَ تِسْعَةً لِأَنَّهُ إنَّمَا جُعِلَ له أَنْ يُطْعِمَ عَشَرَةً أو يَكْسُوَهُمْ وهو لَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَكْسُوَ تِسْعَةً وَيُطْعِمَ وَاحِدًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا أَطْعَمَ عَشَرَةً وَلَا كَسَاهُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا كانت عليه ثَلَاثَةُ أَيْمَانٍ مُخْتَلِفَةٍ فَحَنِثَ فيها فَأَعْتَقَ وَأَطْعَمَ وَكَسَا يَنْوِي الْكَفَّارَةَ وَلَا يَنْوِي عن أَيُّهَا الْعِتْقَ وَلَا عن أَيُّهَا الْإِطْعَامَ وَلَا عن أَيُّهَا الْكِسْوَةَ أَجْزَأَهُ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ وَأَيَّهَا شَاءَ أَنْ يَكُونَ عِتْقًا أو إطْعَامًا أو كِسْوَةً كان وما لم يَشَأْ فَالنِّيَّةُ الْأُولَى تَجْزِيهِ فَإِنْ أَعْتَقَ وَكَسَا وَأَطْعَمَ ولم يَسْتَكْمِلْ الْإِطْعَامَ أَكْمَلَهُ وَنَوَاهُ عن أَيِّ الْكَفَّارَاتِ شَاءَ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَكَسَا وَأَعْتَقَ وَأَطْعَمَ ولم يَنْوِ الْكَفَّارَةَ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَنْوِيَ كَفَّارَةً لم تَكُنْ كَفَّارَةً لَا تُجْزِئُهُ حتى يُقَدِّمَ النِّيَّةَ قبل الْكَفَّارَةِ أو تَكُونَ مَعَهَا وَأَمَّا ما كان عَمِلَهُ قبل النِّيَّةِ فَهُوَ تَطَوُّعٌ لَا يَجْزِيهِ من الْكَفَّارَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي وإذا أَمَرَ الرَّجُلُ
____________________

(7/64)


الرَّجُلَ أَنْ يُكَفِّرَ عنه من مَالِ الْمَأْمُورِ أو اسْتَأْذَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ أَنْ يُكَفِّرَ عنه من مَالِهِ فَأَذِنَ له أَجْزَأَتْ عنه الْكَفَّارَةُ وَهَذِهِ هِبَةٌ مَقْبُوضَةٌ لِأَنَّ دَفْعَهُ إيَّاهَا إلَى الْمَسَاكِينِ بِأَمْرِهِ كَقَبْضِ وَكِيلِهِ لِهِبَةٍ وَهَبَهَا له وَكَذَلِكَ إنْ قال أَعْتِقْ عَنِّي فَهِيَ هِبَةٌ فَإِعْتَاقُهُ عنه كَقَبْضِهِ ما وَهَبَ له وَوَلَاؤُهُ لِلْمُعْتَقِ عنه لِأَنَّهُ قد مَلَكَهُ قبل الْعِتْقِ وكان الْعِتْقُ مِثْلَ الْقَبْضِ كما لو اشْتَرَاهُ فلم يَقْبِضْهُ حتى أَعْتَقَهُ كان الْعِتْقُ مِثْلَ الْقَبْضِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا تَطَوَّعَ فَكَفَّرَ عن رَجُلٍ بِإِطْعَامٍ أو كِسْوَةٍ أو عِتْقٍ ولم يَتَقَدَّمْ في ذلك أَمْرٌ من الْحَالِفِ لم يَجْزِ عنه وكان الْعِتْقُ عن نَفْسِهِ لِأَنَّهُ هو الْمُعْتِقُ لِمَا يَمْلِكُ ما لم يَهَبْ لِغَيْرِهِ فَيَقْبَلَهُ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يَعْتِقُ عن أَبَوَيْهِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَالْوَلَاءُ له إذَا لم يَكُنْ ذلك بِوَصِيَّةٍ مِنْهُمَا وَلَا شَيْءَ من أَمْوَالِهِمَا وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا صَامَ عن رَجُلٍ بِأَمْرِهِ لم يَجْزِهِ الصَّوْمُ عنه وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَعْمَلُ أَحَدٌ عن أَحَدٍ عَمَلَ الْأَبْدَانِ لِأَنَّ الْأَبْدَانَ تَعَبَّدَتْ بِعَمَلٍ فَلَا يجزئ عنها أَنْ يَعْمَلَ غَيْرُهَا ليس الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ بِالْخَبَرِ الذي جاء عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَبِأَنَّ فِيهِمَا نَفَقَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ فَرَضَهُمَا على من وَجَدَ إلَيْهِمَا السَّبِيلَ وَالسَّبِيلُ بِالْمَالِ - * من لَا يُطْعَمُ من الْكَفَّارَاتِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يُجْزِئُ أَنْ يُطْعِمَ في كَفَّارَاتِ الْأَيْمَانِ إلَّا حُرًّا مُسْلِمًا مُحْتَاجًا فَإِنْ أَطْعَمَ منها ذِمِّيًّا مُحْتَاجًا أو حُرًّا مُسْلِمًا غير مُحْتَاجٍ أو عَبْدَ رَجُلٍ مُحْتَاجٍ لم يَجْزِهِ ذلك وكان حُكْمُهُ حُكْمَ من لم يَفْعَلْ شيئا وَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ وَهَكَذَا لو أَطْعَمَ غَنِيًّا وهو لَا يَعْلَمُ ثُمَّ عَلِمَ غِنَاهُ كان عليه أَنْ يُعِيدَ وَهَكَذَا لو أَطْعَمَ من تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ ثُمَّ عَلِمَ أَعَادَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ كان له مَسْكَنٌ لَا يستغنى عنه هو وَأَهْلُهُ وَخَادِمٌ أعطى من كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالصَّدَقَةِ وَالزَّكَاةِ وَلَوْ كان له مَسْكَنٌ يَفْضُلُ عن حَاجَتِهِ وَحَاجَةِ أَهْلِهِ الْفَضْلَ الذي يَكُونُ بمثله غَنِيًّا لم يُعْطَ - * ما يجزئ من الْكِسْوَةِ في الْكَفَّارَاتِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَقَلُّ ما يكفى من الْكِسْوَةِ كُلُّ ما وَقَعَ عليه اسْمُ كِسْوَةٍ من عِمَامَةٍ أو سَرَاوِيلَ أو إزَارٍ أو مِقْنَعَةٍ وَغَيْرِ ذلك لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ لِأَنَّ ذلك كُلَّهُ يَقَعُ عليه اسْمُ كِسْوَةٍ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَرَادَ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِمَا تَجُوزُ فيه الصَّلَاةُ من الْكِسْوَةِ على كِسْوَةِ الْمَسَاكِينِ جَازَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِمَا يَكْفِيهِ في الشِّتَاءِ أو في الصَّيْفِ أو في السَّفَرِ من الْكِسْوَةِ وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ الِاسْتِدْلَال عليه بِشَيْءٍ من هذا وإذا أَطْلَقَهُ اللَّهُ فَهُوَ مُطْلَقٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَكْسُوَ رِجَالًا وَنِسَاءً وَكَذَلِكَ يَكْسُوَ الصِّبْيَانَ وَإِنْ كَسَا غَنِيًّا وهو لَا يَعْلَمُ رَأَيْت عليه أَنْ يُعِيدَ الْكِسْوَةَ - * الْعِتْقُ في الْكَفَّارَاتِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَعْتَقَ في كَفَّارَةِ الْيَمِينِ أو في شَيْءٍ وَجَبَ عليه الْعِتْقُ لم يَجْزِهِ إلَّا رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ وَيَعْتِقُ فيها الْأَسْوَدَ وَالْأَحْمَرَ وَالسَّوْدَاءَ وَالْحَمْرَاءَ وَأَقَلُّ ما يَقَعُ بِهِ اسْمُ الْإِيمَانِ على الْعَجَمِيِّ أَنْ يَصِفَ الْإِيمَانَ إذَا أُمِرَ بِصِفَتِهِ ثُمَّ يَكُونَ بِهِ مُؤْمِنًا وَيَجْزِي فيه الصَّغِيرُ إذَا كان أَبَوَاهُ أو أَحَدُهُمَا مُؤْمِنًا لِأَنَّ حُكْمَهُمْ حُكْمُ الْإِيمَانِ وَيَجْزِي في الْكَفَّارَاتِ وَلَدُ الزنى وَكَذَلِكَ كُلُّ ذِي نَقْصٍ بِعَيْبٍ لَا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ ضَرَرًا بَيِّنًا مِثْلِ الْعَرَجِ الْخَفِيفِ وَالْعَوَرِ وَشَلَلِ الْخِنْصَرِ وَالْعُيُوبِ التي لَا تَضُرُّ بِالْعَمَلِ ضَرَرًا بَيِّنًا وَيَجْزِي فيه الْعَرَجُ الْخَفِيفُ وَلَا يجزئ الْمُقْعَدُ وَلَا الْأَعْمَى وَلَا أَشَلُّ الرِّجْلِ يَابِسُهَا وَلَا الْيَدَيْنِ يَابِسُهُمَا وَيَجْزِي الْأَصَمُّ والخصى الْمَجْبُوبُ وَغَيْرُ الْمَجْبُوبِ وَيَجْزِي الْمَرِيضُ الذي ليس بِهِ مَرَضُ زَمَانَةٍ
____________________

(7/65)


مِثْلُ الْفَالِجِ وَالسِّلِّ وما أَشْبَهَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت الْجَارِيَةُ حَامِلًا من زَوْجِهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا زَوْجُهَا فَأَعْتَقَهَا في كَفَّارَةٍ أَجْزَأَتْ عنه وَإِنَّمَا لَا تجزى في قَوْلِ من لَا يَبِيعُ أُمَّ الْوَلَدِ إذَا وَلَدَتْ بَعْدَ شِرَائِهِ إيَّاهَا وَوَضْعِهَا لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا لِأَنَّهَا تَكُونُ بِذَلِكَ أُمَّ وَلَدٍ فَأَمَّا ما كان قبل ذلك فَلَا تَكُونُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ ( قال ) وَمَنْ كانت عليه رَقَبَةٌ وَاجِبَةٌ فَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ رَقَبَةً تُعْتَقُ عليه إذَا مَلَكَهَا بِغَيْرِ عِتْقٍ فَلَا تَجْزِي عنه وما كان يَجُوزُ له أَنْ يَمْلِكَهُ بِحَالِ أَجْزَأَ عنه وَلَا يُعْتَقُ عليه إلَّا الْآبَاءُ وَإِنْ بَعُدُوا وَالْبَنُونَ وَإِنْ سَفَلُوا وَالِدُونَ كلهم أو مَوْلُودُونَ وَسَوَاءٌ ذلك من قِبَلِ الْبَنَاتِ وَالْبَنِينَ لِأَنَّ كُلَّهُمْ وَلَدٌ وَوَالِدٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ اشْتَرَى رَقَبَةً بِشَرْطِ عِتْقِهَا لم تَجْزِ عنه من رَقَبَةٍ وَاجِبَةٍ عليه ( قال ) وَيَجْزِي الْمُدَبَّرُ في الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ وَلَا يجزئ عنه الْمُكَاتَبُ حتى يَعْجِزَ فَيَعُودَ رَقِيقًا فَيَعْتِقَهُ بَعْدَ الْعَجْزِ وَيَجْزِي الْمُعْتَقُ إلَى سِنِينَ وهو في أَضْعَفَ من حَالِ الْمُدَبَّرِ وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ وهو مِمَّنْ لَا يجزئ في الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ فَالْعِتْقُ مَاضٍ وَيَعُودُ لِرَقَبَةٍ تَامَّةٍ فَإِنْ كان الذي بَاعَهُ دَلَّسَ له بِعَيْبٍ عَادَ عليه فَأَخَذَ منه قِيمَةَ ما بَيَّنَهُ صَحِيحًا وَمَعِيبًا من الثَّمَنِ وَإِنْ كان مَعِيبًا عَيْبًا يجزئ مِثْلُهُ في الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ أَجْزَأَ عنه وَعَادَ على صَاحِبِهِ الذي بَاعَهُ بِقِيمَةِ ما بين الْعَيْبِ وَالصِّحَّةِ ولم يَكُنْ عليه أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ إذَا أَخَذَهُ من الْبَائِعِ وهو مَالٌ من مَالِهِ - * الصِّيَامُ في كَفَّارَاتِ الْأَيْمَانِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كُلُّ من وَجَبَ عليه صَوْمٌ ليس بِمَشْرُوطٍ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل أَنْ يَكُونَ مُتَتَابِعًا أَجْزَأَهُ أَنْ يَكُونَ مُتَفَرِّقًا قِيَاسًا على قَوْلِ اللَّهِ عز وجل في قَضَاءِ رَمَضَانَ { فَعِدَّةٌ من أَيَّامٍ أُخَرَ } وَالْعِدَّةُ أَنْ يأتى بِعَدَدِ صَوْمٍ لَا وِلَاءٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان الصَّوْمُ مُتَتَابِعًا فَأَفْطَرَ فيه الصَّائِمُ وَالصَّائِمَةُ من عُذْرٍ وَغَيْرِ عُذْرٍ اسْتَأْنَفَا الصِّيَامَ إلَّا الْحَائِضَ فَإِنَّهَا لَا تَسْتَأْنِفُ - * من لَا يَجْزِيهِ الصِّيَامُ في كَفَّارَةِ الْيَمِينِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَاَلَّذِي يَجِبُ عليه من الْكَفَّارَةِ الْإِطْعَامُ أو الْكِسْوَةُ أو الْعِتْقُ من كان غَنِيًّا فَلَيْسَ له أَنْ يَأْخُذَ من الصَّدَقَةِ شيئا فَأَمَّا من كان له أَنْ يَأْخُذَ من الصَّدَقَةِ فَلَهُ أَنْ يَصُومَ وَلَيْسَ عليه أَنْ يَتَصَدَّقَ وَلَا يَعْتِقَ فَإِنْ فَعَلَ أَجْزَأَ عنه وَإِنْ كان غَنِيًّا وكان مَالُهُ غَائِبًا عنه لم يَكُنْ له أَنْ يُكَفِّرَ بِصَوْمٍ حتى يَحْضُرَهُ مَالُهُ أو يَذْهَبَ الْمَالُ إلَّا بِإِطْعَامٍ أو كِسْوَةٍ أو عِتْقٍ - * من حَنِثَ مُعْسِرًا ثُمَّ أَيْسَرَ أو حَنِثَ مُوسِرًا ثُمَّ أَعْسَرَ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَنِثَ الرَّجُلُ مُوسِرًا ثُمَّ أَعْسَرَ لم يَكُنْ له أَنْ يَصُومَ وَلَا أَرَى الصَّوْمَ يجزئ عنه وامرته احْتِيَاطًا أَنْ يَصُومَ فإذا أَيْسَرَ كَفَّرَ وَإِنَّمَا أَنْظُرُ في هذا إلَى الْوَقْتِ الذي يَحْنَثُ فيه وَلَوْ أَنَّهُ حَنِثَ مُعْسِرًا ثُمَّ لم يَصُمْ حتى أَيْسَرَ أَحْبَبْت له أَنْ يُكَفِّرَ وَلَا يَصُومَ من قِبَلِ أَنَّهُ لم يُكَفِّرْ حتى أَيْسَرَ وَإِنْ صَامَ ولم يُكَفِّرْ أَجْزَأَ عنه لِأَنَّ حُكْمَهُ حين حَنِثَ الصِّيَامُ ( قال الرَّبِيعُ ) وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ إنَّمَا يَنْظُرُ إلَى الْكَفَّارَةِ يوم يُكَفِّرُ فإذا كان مُعْسِرًا كان له أَنْ يَصُومَ وَإِنْ كان مُوسِرًا كان عليه أَنْ يُعْتِقَ ( قال ) وَلَا يُصَامُ في كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَلَا في شَيْءٍ وَجَبَ عليه من الصَّوْمِ بِإِيجَابِ يَوْمٍ من رَمَضَانَ وَلَا يَوْمٍ لَا يَصْلُحُ صَوْمُهُ مُتَطَوِّعًا مِثْلِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَصِيَامِ ما سِوَاهَا من الْأَيَّامِ
____________________

(7/66)


- * من أَكَلَ أو شَرِبَ سَاهِيًا في صِيَامِ الْكَفَّارَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيُفْسِدُ صَوْمَ التَّطَوُّعِ وَصَوْمَ رَمَضَانَ وَصَوْمَ الْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ ما أَفْسَدَ الصَّوْمَ وَلَا خِلَافَ بين ذلك فَمَنْ أَكَلَ فيها أو شَرِبَ نَاسِيًا فَلَا قَضَاءَ عليه وَمَنْ أَكَلَ أو شَرِبَ عَامِدًا أُفْسِدَ الصَّوْمُ عليه لَا يُخْتَلَفُ إلَّا في وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ على من جَامَعَ في رَمَضَانَ وَسُقُوطِهَا عَمَّنْ جَامَعَ في صَوْمٍ غَيْرِهِ تَطَوُّعًا أو وَاجِبًا فإذا كان الصَّوْمُ مُتَتَابِعًا فَأَفْطَرَ فيه الصَّائِمُ من عُذْرٍ وَغَيْرِ عُذْرٍ وَالصَّائِمَةُ اسْتَأْنَفَا الصِّيَامَ إلَّا الْحَائِضَ فَإِنَّهَا لَا تَسْتَأْنِفُ - * الْوَصِيَّةُ بِكَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ وَبِالزَّكَاةِ وَمَنْ تَصَدَّقَ بِكَفَّارَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ لَزِمَهُ حَقٌّ لِلْمَسَاكِينِ في زَكَاةِ مَالٍ أو لَزِمَهُ حَجٌّ أو لَزِمَتْهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَذَلِكَ كُلُّهُ من رَأْسِ الْمَالِ يُحَاصُّ بِهِ دُيُونُ الناس وَيُخْرَجُ عنه في ذلك أَقَلُّ ما يَكْفِي في مِثْلِهِ فَإِنْ أَوْصَى بِعِتْقٍ في كَفَّارَةٍ ولم يَكُنْ في رَأْسِ الْمَالِ إلَّا الطَّعَامَ فَإِنْ حَمَلَ ثُلُثُهُ الْعِتْقَ أُعْتِقَ عنه من الثُّلُثِ وَإِنْ لم يَحْمِلْهُ أُطْعِمَ عنه من رَأْسِ الْمَالِ وإذا أُعْتِقَ عنه من الثُّلُثِ لم يُطْعَمْ عنه من رَأْسِ الْمَالِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كَفَّرَ الرَّجُلُ بِالطَّعَامِ أو بِالْكِسْوَةِ ثُمَّ اشْتَرَى ذلك فَدَفَعَهُ إلَى أَهْلِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ منهم فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَلَوْ تَنَزَّهَ عن ذلك كان أَحَبَّ إلى - * كَفَّارَةُ يَمِينِ الْعَبْدِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَنِثَ الْعَبْدُ فَلَا يَجْزِيهِ إلَّا الصَّوْمُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شيئا وَإِنْ كان نِصْفُهُ عَبْدًا وَنِصْفُهُ حُرًّا وكان في يَدَيْهِ مَالٌ لِنَفْسِهِ لم يَجْزِهِ الصِّيَامُ وكان عليه أَنْ يُكَفِّرَ مِمَّا في يَدَيْهِ من الْمَالِ مِمَّا يُصِيبُهُ فَإِنْ لم يَكُنْ في يَدَيْهِ مَالٌ لِنَفْسِهِ صَامَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَنِثَ الْعَبْدُ ثُمَّ عَتَقَ وَكَفَّرَ كَفَّارَةَ حُرٍّ أَجْزَأَتْ عنه لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مَالِكٌ وَلَوْ صَامَ أَجْزَأَ عنه لِأَنَّهُ يوم حَنِثَ كان حُكْمُهُ حُكْمَ الصِّيَامِ - * من نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ عز وجل - * ( 1 ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ نَذَرَ تَبَرُّرًا أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ لَزِمَهُ أَنْ يَمْشِيَ إنْ قَدَرَ على الْمَشْيِ وَإِنْ لم يَقْدِرْ رَكِبَ وَأَهْرَاقَ دَمًا احْتِيَاطًا لِأَنَّهُ لم يَأْتِ بِمَا نَذَرَ كما نَذَرَ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ عليه دَمٌ من قِبَلِ أَنَّهُ إذَا لم يُطِقْ شيئا سَقَطَ عنه كَمَنْ لَا يُطِيقُ الْقِيَامَ في الصَّلَاةِ فَيَسْقُطُ عنه ويصلى قَاعِدًا وَلَا يُطِيقُ الْقُعُودَ فيصلى مُضْطَجِعًا وَإِنَّمَا فَرَّقْنَا بين الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالصَّلَاةِ أَنَّ الناس أَصْلَحُوا أَمْرَ الْحَجِّ بِالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ وَالنُّسُكِ ولم يُصْلِحُوا أَمْرَ الصَّلَاةِ إلَّا بِالصَّلَاةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَمْشِي أَحَدٌ إلَى بَيْتِ اللَّهِ إلَّا حَاجًّا أو مُعْتَمِرًا لَا بُدَّ له منه ( قال الرَّبِيعُ ) وَلِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلٌ آخَرُ أنه إذَا حَلَفَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ فَحَنِثَ فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ تَجْزِيهِ من ذلك إنْ أَرَادَ بِذَلِكَ الْيَمِينَ ( قال الرَّبِيعُ ) وَسَمِعْت الشَّافِعِيَّ أَفْتَى بِذَلِكَ رَجُلًا فقال هذا قَوْلُك يا أَبَا عبد اللَّهِ فقال هذا هو قَوْلُ من هو خَيْرٌ مِنِّي قال وَمَنْ هو قال عَطَاءُ بن أبي رَبَاحٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ حَلَفَ بِالْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا مَعْقُولُ مَعْنَى قَوْلِ عَطَاءٍ أن كُلَّ من حَلَفَ بِشَيْءٍ من النُّسُكِ صَوْمٍ أو حَجٍّ أو عُمْرَةٍ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ إذَا حَنِثَ وَلَا يَكُونُ عليه حَجٌّ وَلَا عُمْرَةٌ وَلَا صَوْمٌ وَمَذْهَبُهُ أَنَّ
____________________

(7/67)


أَعْمَالَ الْبِرِّ لِلَّهِ لَا تَكُونُ إلَّا بِفَرْضٍ يُؤَدِّيهِ من فَرْضِ اللَّهِ عليه أو تَبَرُّرًا يُرِيدُ اللَّهَ بِهِ فَأَمَّا على غَلْقِ الْأَيْمَانِ فَلَا يَكُونُ تَبَرُّرًا وَإِنَّمَا يَعْمَلُ التَّبَرُّرَ لِغَيْرِ الْغَلْقِ وقد قال غَيْرُ عَطَاءٍ عليه الْمَشْيُ كما يَكُونُ عليه إذَا نَذَرَهُ مُتَبَرِّرًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالتَّبَرُّرُ أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ على إنْ شَفَى اللَّهُ فُلَانًا أو قَدِمَ فُلَانٌ من سَفَرِهِ أو قَضَى عَنِّي دَيْنًا أو كان كَذَا أَنْ أَحُجَّ له نَذْرًا فَهُوَ التَّبَرُّرُ فَأَمَّا إذَا قال إنْ لم أَقْضِك حَقَّك فعلى الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ فَهَذَا من مَعَانِي الْأَيْمَانِ لَا من مَعَانِي النُّذُورِ وَأَصْلُ مَعْقُولِ قَوْلِ عَطَاءٍ في مَعَانِي النُّذُورِ من هذا أَنَّهُ يَذْهَبُ إلَى أَنَّ من نَذَرَ نَذْرًا في مَعْصِيَةِ اللَّهِ لم يَكُنْ عليه قَضَاءٌ وَلَا كَفَّارَةٌ فَهَذَا يُوَافِقُ السُّنَّةَ وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ على إنْ شَفَانِي أو شَفَى فُلَانًا أَنْ أَنْحَرَ ابْنِي أو أَنْ أَفْعَلَ كَذَا من الْأَمْرِ الذي لَا يَحِلُّ له أَنْ يَفْعَلَهُ فَمَنْ قال هذا فَلَا شَيْءَ عليه فيه وفي السَّائِبَةِ وَإِنَّمَا أَبْطَلَ اللَّهُ عز وجل النَّذْرَ في الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ لِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ ولم يذكر في ذلك كَفَّارَةً وكان فيه دَلَالَةٌ على أَنَّ من نَذَرَ مَعْصِيَةً لِلَّهِ عز وجل أَنْ لَا يَفِيَ وَلَا كَفَّارَةَ عليه وَبِذَلِكَ جَاءَتْ السُّنَّةُ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن طَلْحَةَ بن عبد الْمَلِكِ الْأَيْلِيِّ عن الْقَاسِمِ بن مُحَمَّدٍ عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنها أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ أخبرنا سُفْيَانُ عن أَيُّوبَ عن أبي قِلَابَةَ عن أبي الْمُهَلَّبِ عن عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ قال كانت بَنُو عَقِيلٍ حُلَفَاءَ لِثَقِيفٍ في الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَتْ ثَقِيفٌ قد أَسَرَتْ رَجُلَيْنِ من الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ إنَّ الْمُسْلِمِينَ أَسَرُوا رَجُلًا من بَنِي عَقِيلٍ وَمَعَهُ نَاقَةٌ له وَكَانَتْ نَاقَتُهُ قد سَبَقَتْ الْحَاجَّ في الْجَاهِلِيَّةِ كَذَا وَكَذَا مَرَّةً وَكَانَتْ النَّاقَةُ إذَا سَبَقَتْ الْحَاجَّ في الْجَاهِلِيَّةِ لم تُمْنَعْ من كلأ تَرْتَعُ فيه ولم تُمْنَعْ من حَوْضٍ تَشْرَعُ فيه قال فَأَتَى بِهِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال يا محمد فِيمَ أَخَذْتنِي وَأَخَذْت سَابِقَةَ الْحَاجِّ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِك ثَقِيفٍ قال وَحُبِسَ حَيْثُ يَمُرُّ بِهِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَمَرَّ بِهِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بَعْدَ ذلك فقال يا محمد إنِّي مُسْلِمٌ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لو قُلْتهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَك كُنْت قد أَفْلَحْت كُلَّ الْفَلَاحِ قال ثُمَّ مَرَّ بِهِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مَرَّةً أُخْرَى فقال يا محمد إنِّي جَائِعٌ فَأَطْعِمْنِي وظمأن فَاسْقِنِي فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم تِلْكَ حَاجَتُك ثُمَّ إنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بَدَا له فَفَادَى بِهِ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ أَسَرَتْ ثَقِيفٌ وَأَمْسَكَ النَّاقَةَ ثُمَّ إنَّهُ أَغَارَ على الْمَدِينَةِ عَدُوٌّ فَأَخَذُوا سَرْحَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَوَجَدُوا النَّاقَةَ فيها قال وقد كانت عِنْدَهُمْ امْرَأَةٌ من الْمُسْلِمِينَ قد أَسَرُوهَا وَكَانُوا يُرِيحُونَ النَّعَمَ عِشَاءً فَجَاءَتْ الْمَرْأَةُ ذَاتَ لَيْلَةٍ إلَى النَّعَمِ فَجَعَلَتْ لَا تَجِيءُ إلَى بَعِيرٍ إلَّا رَغَا حتى انْتَهَتْ إلَيْهَا فلم تَرْغُ فَاسْتَوَتْ عليها فَنَجَتْ فلما قَدِمَتْ الْمَدِينَةَ قال الناس الْعَضْبَاءُ الْعَضْبَاءُ فقالت الْمَرْأَةُ إنِّي نَذَرْت إنْ اللَّهُ أَنْجَانِي عليها أَنْ أَنْحَرَهَا فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِئْسَمَا جَزَيْتِيهَا لا وَفَاءَ لِنَذْرٍ في مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ بن آدَمَ أخبرنا عبد الْوَهَّابِ عن أَيُّوبَ عن أبي قِلَابَةَ عن أبي الْمُهَلَّبِ عن عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَخَذَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نَاقَتَهُ ولم يَأْمُرْهَا أَنْ تَنْحَرَ مِثْلَهَا أو تَنْحَرَهَا وَلَا تُكَفِّرَ ( قال ) وَكَذَلِكَ نَقُولُ إنَّ من نَذَرَ تَبَرُّرًا أَنْ يَنْحَرَ مَالَ غَيْرِهِ فَهَذَا نَذْرٌ فِيمَا لَا يَمْلِكُ فَالنَّذْرُ سَاقِطٌ عنه وَبِذَلِكَ نَقُولُ قِيَاسًا على من نَذَرَ ما لَا يُطِيقُ أَنْ يَعْمَلَهُ بِحَالِ سَقَطَ النَّذْرُ عنه لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَعْمَلَهُ فَهُوَ كما لَا يَمْلِكُ مِمَّا سِوَاهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا نَذَرَ الرَّجُلُ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا مَشَى حتى يَحِلَّ له النِّسَاءُ ثُمَّ رَكِبَ بَعْدُ وَذَلِكَ كَمَالُ حَجِّ هذا وإذا نَذَرَ أَنْ يَعْتَمِرَ مَاشِيًا مَشَى حتى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَيَسْعَى بين الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَيَحْلِقَ أو يُقَصِّرَ وَذَلِكَ كَمَالُ عُمْرَةِ هذا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَمَشَى فَفَاتَهُ الْحَجُّ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بين الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مَاشِيًا حَلَّ وَعَلَيْهِ حَجُّ قَابِلٍ مَاشِيًا كما يَكُونُ عليه حَجُّ قَابِلٍ إذَا فَاتَهُ هذا الْحَجُّ أَلَا تَرَى أَنَّ حُكْمَهُ لو كان مُتَطَوِّعًا بِالْحَجِّ أو نَاذِرًا له أو
____________________

(7/68)


كانت عليه حِجَّةُ الْإِسْلَامِ أو عُمْرَتُهُ أَنْ لَا يُجْزِئَ هذا الْحَجُّ من حَجَّ وَلَا عُمْرَةَ فإذا كان حُكْمُهُ ( 1 ) أَنْ يَسْقُطَ وَلَا يُجْزِئَ من حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ فَكَيْفَ لَا يَسْقُطُ الْمَشْيُ الذي إنَّمَا هو هَيْئَةٌ في الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا نَذَرَ الرَّجُلُ أَنْ يَحُجَّ أو نَذَرَ أَنْ يَعْتَمِرَ ولم يَحُجَّ ولم يَعْتَمِرْ فَإِنْ كان نَذَرَ ذلك مَاشِيًا فَلَا يَمْشِي لِأَنَّهُمَا جميعا حِجَّةُ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتُهُ فَإِنْ مَشَى فَإِنَّمَا مشي حِجَّةَ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتَهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ وَيَعْتَمِرَ مَاشِيًا من قِبَلِ أَنَّ أَوَّلَ ما يَعْمَلُ الرَّجُلُ من حَجٍّ وَعُمْرَةٍ إذَا لم يَعْتَمِرْ وَيَحُجَّ فَإِنَّمَا هو حِجَّةُ الْإِسْلَامِ وَإِنْ لم يَنْوِ حِجَّةَ الْإِسْلَامِ وَنَوَى بِهِ نَذْرًا أو حَجًّا عن غَيْرِهِ أو تَطَوُّعًا فَهُوَ كُلُّهُ حِجَّةُ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتُهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ لِنَذْرِهِ فَيُوفِيَهُ كما نَذَرَ مَاشِيًا أو غير مَاشٍ قال الرَّبِيعُ هذا إذَا كان الْمَشْيُ لَا يَضُرُّ بِمَنْ يمشى فإذا كان مُضِرًّا بِهِ فَيَرْكَبُ وَلَا شَيْءَ عليه على مِثْلِ ما أَمَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَبَا إسْرَائِيلَ أَنْ يُتِمَّ صَوْمَهُ وَيَتَنَحَّى عن الشَّمْسِ فَأَمَرَهُ بِاَلَّذِي فيه الْبِرُّ وَلَا يَضُرُّ بِهِ وَنَهَاهُ عن تَعْذِيبِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِلَّهِ في تَعْذِيبِهِ وَكَذَلِكَ الذي يمشى إذَا كان الْمَشْيُ تَعْذِيبًا له يَضُرُّ بِهِ تَرَكَهُ وَلَا شَيْءَ عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قال إنْ شَفَى اللَّهُ فُلَانًا فَلِلَّهِ على أَنْ أَمْشِيَ لم يَكُنْ عليه مَشْيٌ حتى يَكُونَ نَوَى شيئا يَكُونُ مِثْلُهُ بِرًّا فَإِنْ لم يَنْوِ شيئا فَلَا شَيْءَ عليه لِأَنَّهُ ليس في الْمَشْيِ إلَى غَيْرِ مَوَاضِعِ البر بر ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ نَذَرَ فقال على الْمَشْيُ إلَى أفريقيه أو الْعِرَاقِ أو غَيْرِهِمَا من الْبُلْدَانِ لم يَكُنْ عليه شَيْءٌ لِأَنَّهُ ليس لِلَّهِ طَاعَةٌ في الْمَشْيِ إلَى شَيْءٍ من الْبُلْدَانِ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْمَشْيُ إلَى الْمَوْضِعِ الذي يُرْتَجَى فيه الْبِرُّ وَذَلِكَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ وَأَحَبُّ إلى لو نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَنْ يَمْشِيَ وإلي مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَنْ يَمْشِيَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِي هذا وَمَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَلَا يَبِينُ لي أَنْ أُوجِبَ الْمَشْيَ إلَى مَسْجِدِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَمَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ كما يَبِينُ لي أَنْ أُوجِبَ الْمَشْيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ وَذَلِكَ أَنَّ الْبِرَّ بِإِتْيَانِ بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى فَرْضٌ وَالْبِرَّ بِإِتْيَانِ هَذَيْنِ نَافِلَةٌ وإذا نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ وَلَا نِيَّةَ له فَالِاخْتِيَارُ أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ وَلَا يَجِبُ ذلك عليه إلَّا بِأَنْ يَنْوِيَهُ لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ بُيُوتُ اللَّهِ وهو إذَا نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى مَسْجِدِ مِصْرَ لم يَكُنْ عليه أَنْ يَمْشِيَ إلَيْهِ وَلَوْ نَذَرَ بِرًّا أَمَرْنَاهُ بِالْوَفَاءِ بِهِ ولم يُجْبَرْ عليه وَلَيْسَ هذا كما يُؤْخَذُ للادميين من الْآدَمِيِّينَ هذا عَمَلٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عز وجل لَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِإِيجَابِهِ على نَفْسِهِ بِعَيْنِهِ وإذا نَذَرَ الرَّجُلُ أَنْ يَنْحَرَ بِمَكَّةَ لم يَجْزِهِ إلَّا أَنْ يَنْحَرَ بِمَكَّةَ وَذَلِكَ أَنَّ النَّحْرَ بِمَكَّةَ بِرٌّ وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَنْحَرَ بِغَيْرِهَا لِيَتَصَدَّقَ لم يَجْزِهِ أَنْ يَنْحَرَ إلَّا حَيْثُ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ وَإِنَّمَا أَوْجَبْته وَلَيْسَ في النَّحْرِ في غَيْرِهَا بِرٌّ لِأَنَّهُ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ على مَسَاكِينِ ذلك الْبَلَدِ فإذا نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ على مَسَاكِينِ بَلَدٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ عليهم ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال الرَّجُلُ غُلَامِي حُرٌّ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لي في سَاعَتِي هذه أو في يَوْمِي هذا أو أَشَاءَ أو يَشَاءَ فُلَانٌ أَنْ لَا يَكُونَ حُرًّا أو امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إلَّا أَنْ أَشَاءَ أَنْ لَا تَكُونَ طَالِقًا في يَوْمِي هذا أو يَشَاءَ فُلَانٌ فَشَاءَ أو شَاءَ الذي اسْتَثْنَى مَشِيئَتَهُ لم يَكُنْ الْعَبْدُ حُرًّا وَلَا الْمَرْأَةُ طَالِقًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال الرَّجُلُ أنا أهدى هذه الشَّاةَ نَذْرًا أو أمشى نَذْرًا فَعَلَيْهِ أَنْ يُهْدِيَهَا وَعَلَيْهِ أَنْ يَمْشِيَ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنِّي سَأُحْدِثُ نَذْرًا أو أَنِّي سَأُهْدِيهَا فَلَا يَلْزَمُهُ ذلك وهو كما قَالَهُ لِغَيْرِ إيجَابٍ فإذا نَذَرَ الرَّجُلُ أَنْ يأتى مَوْضِعًا من الْحَرَمِ مَاشِيًا أو رَاكِبًا فَعَلَيْهِ أَنْ يأتى الْحَرَمَ حَاجًّا أو مُعْتَمِرًا وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يأتى عَرَفَةَ أو مَرًّا أو مَوْضِعًا قَرِيبًا من الْحَرَمِ ليس بِالْحَرَمِ لم يَكُنْ عليه شَيْءٌ لِأَنَّ هذا نَذْرٌ في غَيْرِ طَاعَةٍ وإذا نَذَرَ الرَّجُلُ حَجًّا ولم يُسَمِّ وَقْتًا فَعَلَيْهِ حَجٌّ يُحْرِمُ بِهِ في أَشْهُرِ الْحَجِّ مَتَى شَاءَ وَإِنْ قال على نَذْرُ حَجٍّ إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَلَيْسَ عليه شَيْءٌ وَلَوْ شَاءَ فُلَانٌ إنَّمَا النَّذْرُ ما أُرِيدَ اللَّهُ عز وجل بِهِ ليس على مَعَانِي الْغَلْقِ وَلَا مَشِيئَةِ غَيْرِ النَّاذِرِ وإذا نَذَرَ أَنْ يهدى شيئا من النَّعَمِ لم يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يُهْدِيَهُ وإذا
____________________

(7/69)


نَذَرَ أَنْ يهدى مَتَاعًا لم يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يُهْدِيَهُ أو يَتَصَدَّقَ بِهِ على مَسَاكِينِ الْحَرَمِ فَإِنْ كانت نِيَّتُهُ في هذه أَنْ يُعَلِّقَهُ سِتْرًا على الْبَيْتِ أو يَجْعَلَهُ في طِيبِ الْبَيْتِ جَعَلَهُ حَيْثُ نَوَى وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يهدى ما لَا يُحْمَلُ مِثْلَ الْأَرَضِينَ وَالدُّورِ بَاعَ ذلك فَأَهْدَى ثَمَنَهُ وَيَلِي الذي نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِذَلِكَ تَعْلِيقَهُ على الْبَيْتِ وَتَطْيِيبَهُ بِهِ أو يُوَكِّلُ بِهِ ثِقَةً يَلِي ذلك له وإذا نَذَرَ أَنْ يهدى بَدَنَةً لم يَجْزِهِ فيها إلَّا ثنى من الابل أو ثَنِيَّةٌ وَسَوَاءٌ في ذلك الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى والخصى وَأَكْثَرُهَا ثَمَنًا أَحَبُّ إلى وإذا لم يَجِدْ بَدَنَةً أَهْدَى بَقَرَةً ثَنِيَّةً فَصَاعِدًا وإذا لم يَجِدْ بَقَرَةً أَهْدَى سَبْعًا من الْغَنَمِ ثَنِيًّا فَصَاعِدًا إنْ كُنَّ مِعْزًى أو جَذَعًا فَصَاعِدًا إنْ كُنَّ ضَأْنًا وَإِنْ كانت نِيَّتُهُ على بَدَنَةٍ من الْإِبِلِ دُونَ الْبَقَرِ فَلَا يَجْزِيهِ أَنْ يهدى مَكَانَهَا من الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ إلَّا بِقِيمَتِهَا وإذا نَذَرَ الرَّجُلُ هَدْيًا ولم يُسَمِّ الهدى ولم يَنْوِ شيئا فَأَحَبُّ إلى أَنْ يهدى شَاةً وما أَهْدَى من مُدِّ حِنْطَةٍ أو ما فَوْقَهُ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ كُلَّ هذا هدى وإذا نَذَرَ أَنْ يهدى هَدْيًا وَنَوَى بِهِ بَهِيمَةً جَدْيًا رَضِيعًا أَهْدَاهُ إنَّمَا مَعْنَى الْهَدْيِ هَدِيَّةٌ وَكُلُّ هذا يَقَعُ عليه اسْمُ هدى ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ شَاةً عَوْرَاءَ أو عَمْيَاءَ أو عَرْجَاءَ أو ما لَا يَجُوزُ أُضْحِيَّةً أَهْدَاهُ وَلَوْ أَهْدَى تَامًّا كان أَحَبَّ إلى لِأَنَّ كُلَّ هذا هدى أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ من النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا } فَقَدْ يَقْتُلُ الصَّيْدَ وهو صَغِيرٌ وَأَعْرَجُ وَأَعْمَى وَإِنَّمَا يَجْزِيهِ بمثله أَوَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقْتُلُ الْجَرَادَ وَالْعُصْفُورَ وَهُمَا من الصَّيْدِ فَيَجْزِي الْجَرَادَةَ بِتَمْرَةٍ وَالْعُصْفُورَ بِقِيمَتِهِ وَلَعَلَّهُ قبضة وقد سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى هذا كُلَّهُ هَدْيًا وإذا قال الرَّجُلُ شَاتِي هذه هدى إلَى الْحَرَمِ أو بُقْعَةٍ من الْحَرَمِ أهدي وإذا نَذَرَ الرَّجُلُ بَدَنَةً لم تُجْزِئْهُ إلَّا بِمَكَّةَ فإذا سَمَّى مَوْضِعًا من الْأَرْضِ يَنْحَرُهَا فيه أَجْزَأَتْهُ وإذا نَذَرَ الرَّجُلُ عَدَدَ صَوْمٍ صَامَهُ إنْ شَاءَ مُتَفَرِّقًا وَإِنْ شَاءَ مُتَتَابِعًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا نَذَرَ صِيَامَ أَشْهُرٍ فما صَامَ منها بِالْأَهِلَّةِ صَامَهُ عَدَدًا ما بين الْهِلَالَيْنِ إنْ كان تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَثَلَاثِينَ فَإِنْ صَامَهُ بِالْعَدَدِ صَامَ عن كل شَهْرٍ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وإذا نَذَرَ صِيَامَ سَنَةٍ بِعَيْنِهَا صَامَهَا كُلَّهَا إلَّا رَمَضَانَ فإنه يَصُومُهُ لِرَمَضَانَ وَيَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ النَّحْرِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَلَا قَضَاءَ عليه كما لو قَصَدَ فَنَذَرَ أَنْ يَصُومَ هذه الْأَيَّامَ لم يَكُنْ عليه نَذْرٌ وَلَا قَضَاءٌ فَإِنْ نَذَرَ سَنَةً بِغَيْرِ عَيْنِهَا قَضَى هذه الْأَيَّامَ كُلَّهَا حتى يوفى صَوْمَ سَنَةٍ كَامِلَةٍ وإذا قال لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَحُجَّ عَامِي هذا فَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عَدُوٌّ أو سُلْطَانٌ حَابِسٌ فَلَا قَضَاءَ عليه وَإِنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَرَضٌ أو خَطَأُ عَدَدٍ أو نِسْيَانٌ أو تَوَانٍ قَضَاهُ إذَا زَعَمْت أَنَّهُ يُهِلُّ بِالْحَجِّ فَيُحْصَرُ بِعَدُوٍّ فَلَا يَكُونُ عليه قَضَاءٌ كان من نَذَرَ حَجًّا بِعَيْنِهِ مثله وما زَعَمْت أَنَّهُ إذَا أُحْصِرَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ أَمَرْته أَنْ يَقْضِيَهُ إنْ نَذَرَهُ فَأُحْصِرَ وَهَكَذَا إنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ سَنَةً بِعَيْنِهَا فَمَرِضَ قَضَاهَا إلَّا الْأَيَّامَ التي ليس له أَنْ يَصُومَهَا فَإِنْ قال قَائِلٌ فَلِمَ تَأْمُرُ الْمُحْصَرَ إذَا أُحْصِرَ بِالْهَدْيِ وَلَا تَأْمُرُ بِهِ هذا قُلْت آمُرُهُ بِهِ لِلْخُرُوجِ من الْإِحْرَامِ وَهَذَا لم يُحْرِمْ فَآمُرُهُ بِالْهَدْيِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَكَلَ الصَّائِمُ أو شَرِبَ في رَمَضَانَ أو نَذْرٍ أو صَوْمِ كَفَّارَةٍ أو وَاجِبٍ بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ أو تَطَوُّعٍ نَاسِيًا فَصَوْمُهُ تَامٌّ وَلَا قَضَاءَ عليه وإذا تَسَحَّرَ بَعْدَ الْفَجْرِ وهو لَا يَعْلَمُ أو أَفْطَرَ قبل اللَّيْلِ وهو لَا يَعْلَمُ فَلَيْسَ بِصَائِمٍ في ذلك الْيَوْمِ وَعَلَيْهِ بَدَلُهُ فَإِنْ كان صَوْمُهُ مُتَتَابِعًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْنِفَهُ وإذا قال لِلَّهِ على أَنْ أَصُومَ الْيَوْمَ الذي يَقْدَمُ فيه فُلَانٌ فَقَدِمَ لَيْلًا فَلَيْسَ عليه صَوْمُ صَبِيحَةِ ذلك الْيَوْمِ لِأَنَّهُ قَدِمَ في اللَّيْلِ ولم يَقْدَمْ في النَّهَارِ وَأَحَبُّ إلى لو صَامَهُ وَلَوْ قَدِمَ الرَّجُلُ نَهَارًا وقد أَفْطَرَ الذي نَذَرَ الصَّوْمَ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ ذلك الْيَوْمِ وَهَكَذَا لو قَدِمَ بَعْدَ الْفَجْرِ وهو صَائِمٌ ذلك الْيَوْمِ مُتَطَوِّعًا أو لم يَأْكُلْ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَهُ لِأَنَّهُ نَذْرٌ وَالنَّذْرُ لَا يَجْزِيهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ صِيَامَهُ قبل الْفَجْرِ وَهَذَا احْتِيَاطٌ وقد يَحْتَمِلُ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ عليه قَضَاؤُهُ من قِبَلِ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ له أَنْ يَكُونَ فيه صَائِمًا عن نَذْرِهِ وَإِنَّمَا قُلْنَا بِالِاحْتِيَاطِ أن جَائِزًا أَنْ يُصَامَ وَلَيْسَ هو كَيَوْمِ الْفِطْرِ وَإِنَّمَا كان عليه صَوْمُهُ بَعْدَ مَقْدَمِ فُلَانٍ فَقُلْنَا عليه قَضَاؤُهُ وَهَذَا أَصَحُّ في الْقِيَاسِ من الْأَوَّلِ وَلَوْ أَصْبَحَ فيه صَائِمًا من نَذْرٍ غَيْرِ هذا أو قَضَاءِ رَمَضَانَ
____________________

(7/70)


أَحْبَبْت أَنْ يَعُودَ لِصَوْمِهِ لنذره ( ( ( كنذره ) ) ) وَقَضَائِهِ وَيَعُودَ لِصَوْمِهِ لِمَقْدَمِ فُلَانٍ وَلَوْ أَنَّ فُلَانًا قَدِمَ يوم الْفِطْرِ أو يوم النَّحْرِ أو التَّشْرِيقِ لم يَكُنْ عليه صَوْمُ ذلك الْيَوْمِ وَلَا عليه قَضَاؤُهُ لِأَنَّهُ ليس في صَوْمِ ذلك الْيَوْمِ طَاعَةٌ وَلَا يَقْضِي ما لَا طَاعَةَ فيه وَلَوْ قال لِلَّهِ على أَنْ أَصُومَ الْيَوْمَ الذي يَقْدَمُ فيه فُلَانٌ أَبَدًا فَقَدِمَ يوم الِاثْنَيْنِ كان عليه قَضَاءُ الْيَوْمِ الذي قَدِمَ فيه فُلَانٌ وَصَوْمُ الِاثْنَيْنِ كُلَّمَا اسْتَقْبَلَهُ فَإِنْ تَرَكَهُ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ قَضَاهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ يوم فِطْرٍ أو أَضْحًى أو أَيَّامَ التَّشْرِيقِ فَلَا يَصُومُهُ وَلَا يَقْضِيهِ وَكَذَلِكَ إنْ كان في رَمَضَانَ لم يَقْضِهِ وَصَامَهُ من رَمَضَانَ كما لو أَنَّ رَجُلًا نَذَرَ أَنْ يَصُومَ رَمَضَانَ صَامَ رَمَضَانَ بِالْفَرِيضَةِ ولم يَصُمْهُ بِالنَّذْرِ ولم يَقْضِهِ وَكَذَلِكَ لو نَذَرَ أَنْ يَصُومَ يوم الْفِطْرِ أو الْأَضْحَى أو أَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَقَدِمَ فُلَانٌ يوم الِاثْنَيْنِ وقد وَجَبَ عليه صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ صَامَهُمَا وقضي كُلَّ اثْنَيْنِ فِيهِمَا وَلَا يُشْبِهُ هذا شَهْرَ رَمَضَانَ لِأَنَّ هذا شَيْءٌ أَدْخَلَهُ على نَفْسِهِ بعد ما أَوْجَبَ عليه صَوْمَ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَشَهْرُ رَمَضَانَ شَيْءٌ أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا شَيْءٌ أَدْخَلَهُ على نَفْسِهِ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وكان النَّاذِرُ امْرَأَةً فَكَالرَّجُلِ وتقضى كُلَّ ما مَرَّ عليها من حَيْضَتِهَا وإذا قالت الْمَرْأَةُ لِلَّهِ على أَنْ أَصُومَ كُلَّمَا حِضْت أو أَيَّامَ حَيْضَتِي فَلَيْسَ عليها صَوْمٌ وَلَا قَضَاءٌ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ صَائِمَةً وَهِيَ حَائِضٌ وإذا نَذَرَ الرَّجُلُ صَوْمًا أو صَلَاةً ولم يَنْوِ عَدَدًا فَأَقَلُّ ما يَلْزَمُهُ من الصَّلَاةِ رَكْعَتَانِ وَمِنْ الصَّوْمِ يَوْمٌ لِأَنَّ هذا أَقَلُّ ما يَكُونُ من الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ إلَّا الْوِتْرَ ( قال الرَّبِيعُ ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ يَجْزِيهِ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ يروي عن عُمَرَ أَنَّهُ تَنَفَّلَ بِرَكْعَةٍ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ بَعْدَ عَشْرِ رَكَعَاتٍ وَأَنَّ عُثْمَانَ أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ ( قال الرَّبِيعُ ) فلما كانت رَكْعَةُ صَلَاةٍ وَنَذَرَ أَنْ يصلى صَلَاةً ولم يَنْوِ عَدَدًا فَصَلَّى رَكْعَةً كانت رَكْعَةَ صَلَاةٍ بِمَا ذَكَرْنَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال لِلَّهِ على عِتْقُ رَقَبَةٍ فَأَيَّ رَقَبَةٍ أَعْتَقَ أَجْزَأَهُ - * فِيمَنْ حَلَفَ على سُكْنَى دَارٍ لَا يَسْكُنُهَا - * ( سُئِلَ الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقِيلَ له فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَسْكُنَ هذه الدَّارَ وهو فيها سَاكِنٌ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْخُرُوجِ من سَاعَةِ حَلَفَ وَلَا نَرَى عليه حِنْثًا في أَقَلَّ من يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ له نِيَّةٌ في تَعْجِيلِ الْخُرُوجِ قبل يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فإنه حَانِثٌ إذَا أَقَامَ يَوْمًا وَلَيْلَةً أو يقول نَوَيْت أَنْ لَا أَعْجَلَ حتى أَجِدَ مَنْزِلًا فَيَكُونُ ذلك له ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَسْكُنَ الدَّارَ وهو فيها سَاكِنٌ أَخَذَ في الْخُرُوجِ مَكَانَهُ فَإِنْ تَخَلَّفَ سَاعَةً وهو يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ منها حَنِثَ وَلَكِنَّهُ يَخْرُجُ منها بِبَدَنِهِ مُتَحَوِّلًا وَلَا يَضُرُّهُ أَنْ يَتَرَدَّدَ على حَمْلِ مَتَاعِهِ منها وَإِخْرَاجِ أَهْلِهِ لِأَنَّ ذلك ليس بِسَكَنٍ قال فَإِنَّا نَقُولُ في الرَّجُلِ يَحْلِفُ أَنْ لَا يُسَاكِنَ الرَّجُلَ وَهُمَا في دَارٍ وَاحِدَةٍ ليس لها مَقَاصِيرُ كُلُّ بَيْتٍ يَدْخُلُهُ سَاكِنُهُ أو كانت لها مَقَاصِيرُ يَسْكُنُ كُلَّ مَقْصُورَةٍ منها سَاكِنُهَا وكان الْحَالِفُ مع الْمَحْلُوفِ عليه في بَيْتٍ منها أو في مَقْصُورَةٍ من مَقَاصِيرِهَا أو في حُجْرَةِ الْمَقْصُورَةِ دُونَ الْبَيْتِ وصاحبه ( ( ( وصاحب ) ) ) الْمَحْلُوفِ عليه في الْبَيْتِ أَنَّهُ يَخْرُجُ مَكَانَهُ حين حَلَفَ أَنَّهُ لَا يُسَاكِنُهُ في الْبَيْتِ إلَى أَيِّ بُيُوتِ الدَّارِ شَاءَ وَلَيْسَ له أَنْ يُسَاكِنَهُ في الْمَقْصُورَةِ التي كانت فيها الْيَمِينُ وَإِنْ كان معه في الْبَيْتِ وَلَيْسَ له مَقْصُورَةٌ أو له مَقْصُورَةٌ أو كان في مَقْصُورَةٍ دُونَ الْبَيْتِ وَالْآخَرُ في الْبَيْتِ دُونَ الْمَقْصُورَةِ أَنَّهُ إنْ أَقَامَ في الْبَيْتِ أو في الْمَقْصُورَةِ يَوْمًا وَلَيْلَةً كان حَانِثًا وَإِنْ أَقَامَ أَقَلَّ من ذلك لِغَيْرِ الْمُسَاكَنَةِ لم يَكُنْ عليه حِنْثٌ إذَا خَرَجَ إلَى أَيِّ بُيُوتِ الدَّارِ وَمَقَاصِيرِهَا شَاءَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ أَنْ لَا يُسَاكِنَ الرَّجُلَ وهو سَاكِنٌ معه فَهِيَ كَالْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا يَخْرُجُ منها مَكَانَهُ أو يَخْرُجُ الرَّجُلُ مَكَانَهُ فَإِنْ أَقَامَا جميعا سَاعَةً بعد ما أَمْكَنَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ عنه حَنِثَ وَإِنْ كَانَا في بَيْتَيْنِ فَجُعِلَ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ أو لِكُلِّ وَاحِدٍ من الْحُجْرَتَيْنِ بَابٌ فَلَيْسَتْ هذه مُسَاكَنَةٌ وَإِنْ كَانَا في دَارٍ وَاحِدَةٍ وَالْمُسَاكَنَةُ أَنْ يَكُونَا في بَيْتٍ أو بَيْتَيْنِ حُجْرَتُهُمَا وَمَدْخَلُهُمَا وَاحِدٌ فَأَمَّا إذَا افْتَرَقَ الْبَيْتَانِ وَالْحُجْرَتَانِ فَلَيْسَتْ مُسَاكَنَةً
____________________

(7/71)


( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّمَا جَوَابُنَا في هذه الْأَيْمَانِ كُلِّهَا إذَا حَلَفَ لَا نِيَّةَ له إنَّمَا خَرَجَتْ الْيَمِينُ منه بِلَا نِيَّةٍ فَأَمَّا إذَا كانت الْيَمِينُ بِنِيَّةٍ فَالْيَمِينُ على ما نَوَى قال فَإِنَّا نَقُولُ إذَا نَقَلَ أَهْلَهُ وَعِيَالَهُ وَتَرَكَ مَتَاعَهُ فَإِنَّا نَسْتَحِبُّ له أَنْ يَنْتَقِلَ بِجَمِيعِ مَتَاعِهِ وَأَنْ لَا يُخَلِّفَ شيئا من مَتَاعِهِ وَإِنْ خَلَّفَ شيئا منه أو خَلَّفَهُ كُلَّهُ فَلَا حِنْثَ عليه فَإِنْ خَلَّفَ أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ فَهُوَ حَانِثٌ لِأَنَّهُ سَاكِنٌ بَعْدُ وَالْمُسَاكَنَةُ التي حَلَفَ عليها هِيَ الْمُسَاكَنَةُ منه وَمِنْ عِيَالِهِ لِمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُسَاكِنَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالنُّقْلَةُ وَالْمُسَاكَنَةُ على الْبَدَنِ دُونَ الْأَهْلِ وَالْمَالِ وَالْوَلَدِ وَالْمَتَاعِ فإذا حَلَفَ رَجُلٌ لَيَنْتَقِلَنَّ فَانْتَقَلَ بِبَدَنِهِ وَتَرَكَ أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ وَمَالَهُ فَقَدْ بَرَّ وَإِنْ قال قَائِلٌ ما الْحُجَّةُ قِيلَ أَرَأَيْت إذَا سَافَرَ بِبَدَنِهِ أَيَقْصُرُ الصَّلَاةَ وَيَكُونُ من أَهْلِ السَّفَرِ أو رَأَيْت إذَا انْقَطَعَ إلَى مَكَّةَ بِبَدَنِهِ أَيَكُونُ من حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِينَ إنْ تَمَتَّعُوا لم يَكُنْ عليهم دَمٌ فإذا قال نعم قِيلَ فَإِنَّمَا النُّقْلَةُ وَالْحُكْمُ على الْبَدَنِ لَا علي مَالٍ وَلَا على وَلَدٍ وَلَا على مَتَاعٍ قال فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ هذا الثَّوْبَ وهو لَابِسُهُ فَتَرَكَهُ عليه بَعْدَ الْيَمِينِ أَنَّا نَرَاهُ حَانِثًا لِأَنَّهُ قد لَبِسَهُ بَعْدَ يَمِينِهِ وَكَذَلِكَ نَقُولُ فيه إنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ هذه الدَّابَّةَ وهو عليها فَإِنْ نَزَلَ مَكَانَهُ وَإِلَّا كان حَانِثًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ الثَّوْبَ وهو لَابِسُهُ فَمِثْلُ الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ إنْ لم يَنْزِعْهُ من سَاعَتِهِ إذَا أَمْكَنَهُ نَزْعُهُ حَنِثَ وَكَذَلِكَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَرْكَبَ دَابَّةً وهو رَاكِبُهَا فَإِنْ نَزَلَ مَكَانَهُ وَإِلَّا حَنِثَ وَهَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ من هذا الصِّنْفِ قِيلَ فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَسْكُنَ بَيْتًا وَلَا نِيَّةَ له وهو من أَهْلِ الْحَضَارَةِ فَسَكَنَ بَيْتًا من بُيُوتِ الشَّعْرِ فإنه إنْ كان لِيَمِينِهِ مَعْنًى يُسْتَدَلُّ عليه بِالْأَمْرِ الذي له حَلَفَ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ سمع بِقَوْمٍ انْهَدَمَ عليهم بَيْتٌ فَعَمَّهُمْ تُرَابُهُ فَلَا شَيْءَ عليه في سُكْنَاهُ في بَيْتِ شَعْرٍ وَإِنْ لم يَكُنْ له نِيَّةٌ حين حَلَفَ وَإِنْ كان إنَّمَا وَجْهُ يَمِينِهِ أَنَّهُ قِيلَ له إنَّ الشَّمْسَ مُحْتَجِبَةٌ وَإِنَّ السُّكْنَى في السُّطُوحِ وَالْخُرُوجَ من الْبُيُوتِ مَصَحَّةٌ وَيَسْرَةٌ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَسْكُنَ بَيْتًا فَإِنَّا نَرَاهُ حَانِثًا إنْ سَكَنَ بَيْتَ شَعْرٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَسْكُنَ بَيْتًا وهو من أَهْلِ الْبَادِيَةِ أو أَهْلِ الْقَرْيَةِ وَلَا نِيَّةَ له فَأَيَّ بَيْتِ شَعْرٍ أو أَدَمٍ أو خَيْمَةٍ أو ما وَقَعَ عليه اسْمُ بَيْتٍ أو حِجَارَةٍ أو مَدَرٍ سَكَنَ حَنِثَ قال فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَسْكُنَ دَارَ فُلَانٍ فَسَكَنَ دَارًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ آخَرَ أَنَّهُ يَحْنَثُ وَكَذَلِكَ إنْ كانت الدَّارُ كُلُّهَا له فَسَكَنَ منها بَيْتًا حَنِثَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَسْكُنَ دَارًا لِفُلَانٍ ولم يَنْوِ دَارًا بِعَيْنِهَا فَسَكَنَ دَارًا له فيها شِرْكٌ أَكْثَرُهَا كان له أو أَقَلُّهَا لم يَحْنَثْ وَلَا يَحْنَثُ حتى تَكُونَ الدَّارُ كُلُّهَا له خَاصَّةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ طَعَامًا اشْتَرَاهُ فُلَانٌ فَاشْتَرَى فُلَانٌ وَآخَرُ معه طَعَامًا وَلَا نِيَّةَ له لم يَحْنَثْ وَلَا أَقُولُ بِقَوْلِكُمْ أنكم تَقُولُونَ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ من طَعَامٍ اشْتَرَاهُ فُلَانٌ فَأَكَلَ من طَعَامٍ اشْتَرَاهُ فُلَانٌ وَآخَرُ معه أنكم تُحْنِثُونَهُ إنْ أَكَلَ منه قبل أَنْ يَقْتَسِمَاهُ وَزَعَمْنَا وَزَعَمْتُمْ أَنَّهُمَا إنْ اقْتَسَمَاهُ فَأَكَلَ الْحَالِفُ مِمَّا صَارَ لِلَّذِي لم يَحْلِفْ عليه لم يَكُنْ عليه حِنْثٌ وَالْقَوْلُ فيها على ما أَجَبْتُك في صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ قال فَإِنَّا نَقُولُ من حَلَفَ أَنْ لَا يَسْكُنَ دَارَ فُلَانٍ فَبَاعَهَا فُلَانٌ أنه إنْ كان عَقَدَ يَمِينَهُ على الدَّارِ لِأَنَّهَا دَارُهُ لَا يَحْنَثُ إنْ سَكَنَهَا وَهِيَ لِغَيْرِهِ وَإِنْ كان إنَّمَا عَقَدَ يَمِينَهُ على الدَّارِ وَجَعَلَ تَسْمِيَتَهُ صَاحِبَهَا صِفَةً من صِفَاتِهَا مِثْلَ قَوْلِهِ هذه الدَّارُ الْمُزَوَّقَةُ فَذَهَبَ تَزْوِيقُهَا فَأَرَاهُ حَانِثًا إنْ سَكَنَهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ أَنْ لَا يَسْكُنَ دَارَ فُلَانٍ هذه بِعَيْنِهَا وَبَاعَهَا فُلَانٌ فَإِنْ كانت نِيَّتُهُ على الدَّارِ حَنِثَ بِأَيِّ وَجْهٍ سَكَنَهَا وَإِنْ مَلَكَهَا هو وَإِنْ كانت نِيَّتُهُ ما كانت لِفُلَانٍ لم يَحْنَثْ إذَا خَرَجَتْ من مِلْكِهِ وَإِنْ لم يَكُنْ له نِيَّةٌ حَنِثَ إذَا قال دَارُ فُلَانٍ هذه
____________________

(7/72)


- * فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ هذه الدَّارَ وَهَذَا الْبَيْتَ فَغُيِّرَ عن حَالِهِ - * ( قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّا نَقُولُ لو أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ هذه الدَّارَ فَهُدِمَتْ حتى صَارَتْ طَرِيقًا أو خَرِبَةً يَذْهَبُ الناس فيها ذَاهِبِينَ وَجَائِينَ أنه إنْ كان في يَمِينِهِ سَبَبٌ يُسْتَدَلُّ بِهِ على شَيْءٍ من نِيَّتِهِ وما أَرَادَ في يَمِينِهِ حُمِلَ على ما اسْتَدَلَّ بِهِ وَإِنْ لم يَكُنْ لِذَلِكَ سَبَبٌ يُسْتَدَلُّ بِهِ على شَيْءٍ من نِيَّتِهِ فَإِنَّا لَا نَرَى عليه حِنْثًا في دُخُولِهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَدْخُلَ هذه الدَّارَ فَانْهَدَمَتْ حتى صَارَتْ طَرِيقًا ثُمَّ دَخَلَهَا لم يَحْنَثْ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِدَارٍ قال فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ قال وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ من بَابِ هذه الدَّارِ فَحُوِّلَ بَابُهَا فَدَخَلَ من بَابِهَا هذا الْمُحْدَثِ إنَّهُ حَانِثٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَدْخُلَ من بَابِ هذه الدَّارِ وَلَا نِيَّةَ له فَحُوِّلَ بَابُهَا إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ فَدَخَلَ منه لم يَحْنَثْ وَإِنْ كانت له نِيَّةٌ فَنَوَى من بَابِ هذه الدَّارِ في هذا الْمَوْضِعِ لم يَحْنَثْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ نَوَى أَنْ لَا يَدْخُلَ الدَّارَ حَنِثَ ( قال ) فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ هذا الثَّوْبَ وهو قَمِيصٌ فَقَطَعَهُ قَبَاءً أو سَرَاوِيلَ أو جُبَّةً إنَّا نَرَاهُ حَانِثًا إلَّا أَنْ تَكُونَ له نِيَّةٌ يُسْتَدَلُّ بها على أَنَّهُ لَا حِنْثَ عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَلْبَسَ ثَوْبًا وهو رِدَاءٌ فَقَطَعَهُ قَمِيصًا أو اتَّزَرَ بِهِ أو ارْتَدَى بِهِ أو قَطَعَهُ قَلَانِسَ أو تَبَابِينَ أو حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ سَرَاوِيلَ فَاتَّزَرَ بها أو قَمِيصًا فَارْتَدَى بِهِ فَهَذَا كُلُّهُ لُبْسٌ وهو يَحْنَثُ في هذا كُلِّهِ إذَا لم تَكُنْ له نِيَّةٌ فَإِنْ كانت له نِيَّةٌ لم يَحْنَثْ إلَّا على نِيَّتِهِ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ الْقَمِيصَ كما تُلْبَسُ الْقُمُصُ فَارْتَدَى بِهِ لم يَحْنَثْ وَكَذَلِكَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ الرِّدَاءَ كما تُلْبَسُ الْأَرْدِيَةُ فَلَبِسَهُ قَمِيصًا لم يَحْنَثْ وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَلْبَسَ ثَوْبَ امْرَأَتِهِ وقد كانت مَنَّتْ بِالثَّوْبِ عليه أو ثَوْبَ رَجُلٍ مَنَّ عليه فَأَصْلُ ما أَبْنِي عليه أَنْ لَا أَنْظُرَ إلَى سَبَبِ يَمِينِهِ أَبَدًا وَإِنَّمَا أَنْظُرُ إلَى مَخْرَجِ الْيَمِينِ ثُمَّ أُحْنِثُ صَاحِبَهَا أو أُبِرُّهُ على مَخْرَجِهَا وَذَلِكَ أَنَّ الْأَسْبَابَ مُتَقَدِّمَةٌ وَالْأَيْمَانَ مُحْدَثَةٌ بَعْدَهَا فَقَدْ يَحْدُثُ على مِثَالِهَا وَعَلَى خِلَافِ مِثَالِهَا فلما كان هَكَذَا لم أُحْنِثْهُ على سَبَبِ يَمِينِهِ وَأُحْنِثُهُ على مَخْرَجِ يَمِينِهِ أَرَأَيْت لو أَنَّ رَجُلًا قال لِرَجُلٍ قد نَحَلْتُك دَارِي أو قد وَهَبْتُك مَالِي فَحَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهُ أَمَا يَحْنَثُ إنْ لم يَضْرِبْهُ وَلَيْسَ حَلِفُهُ لَيَضْرِبَنَّهُ يُشْبِهُ سَبَبَ ما قال له فإذا حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ هذا الثَّوْبَ لِثَوْبِ امْرَأَتِهِ فَوَهَبَتْهُ له أو بَاعَتْهُ فَاشْتَرَى بِثَمَنِهِ ثَوْبًا أو انْتَفَعَ بِهِ لم يَحْنَثْ وَلَا يَحْنَثُ أَبَدًا إلَّا بِلُبْسِهِ ( قال ) فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ فُلَانٍ فَرَقَى على ظَهْرِ بَيْتِهِ أَنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ دَخَلَهَا من ظَهْرِهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ فُلَانٍ فَرَقَى فَوْقَهَا فلم يَدْخُلْهَا وَإِنَّمَا دُخُولُهُ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتًا منها أو عَرْصَتَهَا ( قال ) فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ بَيْتَ فُلَانٍ فَدَخَلَ بَيْتَ فُلَانٍ الْمَحْلُوفِ عليه وَإِنَّمَا فُلَانٌ سَاكِنٌ في ذلك الْبَيْتِ بِكِرَاءٍ أنه يَحْنَثُ لِأَنَّهُ بَيْتُهُ ما دَامَ سَاكِنًا فيه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَدْخُلَ بَيْتَ فُلَانٍ وَفُلَانٌ في بَيْتٍ بِكِرَاءٍ لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ ليس بَيْتَ فُلَانٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ مَسْكَنَ فُلَانٍ وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ مَسْكَنَ فُلَانٍ فَدَخَلَ عليه مَسْكَنًا بِكِرَاءٍ حَنِثَ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى مَسْكَنًا له يَمْلِكُهُ ( قال ) فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ فُلَانٍ فَاحْتَمَلَهُ إنْسَانٌ فَأَدْخَلَهُ قَهْرًا فإنه إنْ كان غَلَبَهُ على ذلك ولم يَتَرَاخَ فَلَا حِنْثَ عليه إنْ كان حين قَدَرَ على الْخُرُوجِ خَرَجَ من سَاعَتِهِ فَأَمَّا إنْ أَقَامَ وَلَوْ شَاءَ أَنْ يَخْرُجَ خَرَجَ فإن هذا حَانِثٌ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال إذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ فُلَانٍ فَحُمِلَ فَأُدْخِلَهَا لم يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَكُونَ هو أَمَرَهُمْ أَنْ يُدْخِلُوهُ تَرَاخَى أو لم يَتَرَاخَ ( قال ) فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ فُلَانٍ فقال إنَّمَا حَلَفْت أَنْ لَا أَدْخُلَهَا وَنَوَيْت شَهْرًا أنا نَرَى عليه أَنَّهُ إنْ كانت
____________________

(7/73)


عليه في يَمِينِهِ بَيِّنَةٌ فإنه لَا يُصَدَّقُ بِنِيَّتِهِ وَإِنْ دَخَلَهَا حَنِثَ وَإِنْ كان لَا بَيِّنَةَ عليه في يَمِينِهِ قُبِلَ ذلك منه مع يَمِينِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ فُلَانٍ فقال نَوَيْت شَهْرًا أو يَوْمًا فَهُوَ كَذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عز وجل وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ فَأَمَّا في الْحُكْمِ فَمَتَى دَخَلَهَا فَهِيَ طَالِقٌ ( قال ) فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ قال وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ على فُلَانٍ بَيْتًا فَدَخَلَ عليه فُلَانٌ ذلك بَيْتًا إنَّا نَرَاهُ حَانِثًا إنْ أَقَامَ معه في الْبَيْتِ حين دخل عليه وَذَلِكَ أَنَّهُ ليس يُرَادُ بِالْيَمِينِ في مِثْلِ هذا الدُّخُولُ وَلَكِنْ يُرَادُ بِهِ الْمُجَالَسَةُ إلَّا أَنْ تَكُونَ نِيَّتُهُ يوم حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عليه وَأَنَّهُ كان هو في الْبَيْتِ أَوَّلًا ثُمَّ دخل عليه الْآخَرُ فَلَا حِنْثَ عليه وإذا كان هذا هَكَذَا نِيَّتُهُ يوم حَلَفَ فَإِنَّا لَا نَرَى عليه حِنْثًا إذَا كان الْمَحْلُوفُ عليه هو الدَّاخِلُ عليه بَعْدَ دُخُولِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَدْخُلَ على رَجُلٍ بَيْتًا فَدَخَلَ عليه الْآخَرُ بَيْتَهُ فَأَقَامَ معه لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لم يَدْخُلْ عليه ( قال ) فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ على فُلَانٍ بَيْتًا فَدَخَلَ على جَارٍ له بَيْتَهُ فإذا فُلَانٌ الْمَحْلُوفُ عليه في بَيْتِ جَارِهِ أنه يَحْنَثُ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ عليه وَسَوَاءٌ كان الْبَيْتُ له أو لِغَيْرِهِ وَأَنَّهُ إنْ دخل عليه مَسْجِدًا لم يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى الْمَسْجِدَ في يَمِينِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَدْخُلَ على رَجُلٍ بَيْتًا فَدَخَلَ على رَجُلٍ غَيْرِهِ بَيْتًا فَوَجَدَ ذلك الْمَحْلُوفَ عليه في ذلك الْبَيْتِ لم يَحْنَثْ من قِبَلِ أَنَّهُ ليس على ذلك دخل ( قال الرَّبِيعُ ) وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ أنه يَحْنَثُ إذَا دخل عليه لِأَنَّهُ قد دخل عليه بَيْتًا كما حَلَفَ وَإِنْ كان قد قَصَدَ بِالدُّخُولِ على غَيْرِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ في الْبَيْتِ فَدَخَلَ عليه حَنِثَ في قَوْلِ من يُحْنِثُ على غَيْرِ النِّيَّةِ وَلَا يَرْفَعُ الْخَطَأَ فَأَمَّا إذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عليه بَيْتًا فَدَخَلَ عليه الْمَسْجِدَ لم يَحْنَثْ بِحَالٍ - * من حَلَفَ على أَمْرَيْنِ أَنْ يَفْعَلَهُمَا أو لَا يَفْعَلَهُمَا فَفَعَلَ أَحَدَهُمَا - * ( قال ) فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَكْسُوَ امْرَأَتَهُ هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ فَكَسَاهَا أَحَدَهُمَا أَنَّهُ حَانِثٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى في يَمِينِهِ أَنْ لَا يَكْسُوَهَا إيَّاهُمَا جميعا لِحَاجَتِهِ إلَى أَحَدِهِمَا أو لِأَنَّهَا لَا حَاجَةَ لها فِيهِمَا جميعا فقال أَنْتِ طَالِقٌ إنْ فَعَلْت فَتَكُونَ له نِيَّتُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَكْسُوَ امْرَأَتَهُ هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ أو هذه الْأَثْوَابَ الثَّلَاثَةَ فَكَسَاهَا أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ أو أَحَدَ الثَّلَاثَةِ أو كَسَاهَا من الثَّلَاثَةِ اثْنَيْنِ وَتَرَكَ وَاحِدًا لم يَحْنَثْ وَكَذَلِكَ لو حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ هَذَيْنِ الْقُرْصَيْنِ فَأَكَلَهُمَا إلَّا قَلِيلًا لم يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يأتى على الشَّيْئَيْنِ اللَّذَيْنِ حَلَفَ عَلَيْهِمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ يَنْوِي أَنْ لَا يَكْسُوَهَا من هذه الْأَثْوَابِ شيئا أو لَا يَأْكُلَ من هذا الطَّعَامِ شيئا فَيَحْنَثَ وإذا قال وَاَللَّهِ لَا أَشْرَبُ مَاءَ هذه الأداوة وَلَا مَاءَ هذا النَّهْرِ وَلَا مَاءَ هذا الْبَحْرِ كُلَّهُ فَكُلُّ هذا سَوَاءٌ وَلَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَشْرَبَ مَاءَ الأداوة كُلَّهُ وَلَا سَبِيلَ إلَى أَنْ يَشْرَبَ مَاءَ النَّهْرِ كُلَّهُ وَلَا مَاءَ الْبَحْرِ كُلَّهُ وَلَكِنَّهُ لو قال لَا أَشْرَبُ من مَاءِ هذه الأداوة وَلَا من مَاءِ هذا النَّهْرِ وَلَا من مَاءِ هذا الْبَحْرِ فَشَرِبَ منه شيئا حَنِثَ إلَّا أَنْ تَكُونَ له نِيَّةٌ فَيَحْنَثَ على قَدْرِ نِيَّتِهِ وإذا قال وَاَللَّهِ لَا أَكَلْت خُبْزًا وَزَيْتًا فَأَكَلَ خُبْزًا وَلَحْمًا لم يَحْنَثْ وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ أَكَلَهُ مع الْخُبْزِ سِوَى الزَّيْتِ وَكُلُّ شَيْءٍ أَكَلَ بِهِ الزَّيْتَ سِوَى الْخُبْزِ فإنه ليس بِحَانِثٍ وَكَذَلِكَ لو قال لَا آكُلُ زَيْتًا وَلَحْمًا فَكَذَلِكَ كُلُّ ما أَكَلَ مع اللَّحْمِ سِوَى الزَّيْتِ ( قال ) فانا نَقُولُ لِمَنْ قال لِأَمَتِهِ أو امْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أو أَنْتِ حُرَّةٌ إنْ دَخَلْت هَاتَيْنِ الدَّارَيْنِ فَدَخَلَتْ إحْدَاهُمَا ولم تَدْخُلْ الْأُخْرَى أنه حَانِثٌ وَإِنْ قال إنْ لم تَدْخُلِيهِمَا فَأَنْتِ طَالِقٌ أو أَنْتِ حُرَّةٌ فَإِنَّا لَا نُخْرِجُهُ من يَمِينِهِ إلَّا بِدُخُولِهِمَا جميعا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت هَاتَيْنِ الدَّارَيْنِ أو لِأَمَتِهِ أَنْتِ حُرَّةٌ إنْ دَخَلْت هَاتَيْنِ الدَّارَيْنِ لم يَحْنَثْ في وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إلَّا بِأَنْ تَدْخُلَهُمَا مَعًا وَكَذَلِكَ كُلُّ يَمِينٍ حَلَفَ عليها من هذا الْوَجْهِ ( قال ) فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ قال لِعَبْدَيْنِ له أَنْتُمَا حُرَّانِ إنْ شِئْتُمَا فَإِنْ شَاءَا جميعا الْحُرِّيَّةَ
____________________

(7/74)


فَهُمَا حُرَّانِ وَإِنْ شَاءَا جميعا الرِّقَّ فَهُمَا رَقِيقَانِ وَإِنْ شَاءَ أَحَدُهُمَا الْحُرِّيَّةَ وَشَاءَ الْآخَرُ الرِّقَّ فَاَلَّذِي شَاءَ الْحُرِّيَّةَ مِنْهُمَا حُرٌّ وَلَا حُرِّيَّةَ بِمَشِيئَةِ هذا لِلَّذِي لم يَشَأْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال الرَّجُلُ لِعَبْدَيْنِ له أَنْتُمَا حُرَّانِ إنْ شِئْتُمَا لم يُعْتَقَا إلَّا بِأَنْ يَشَاءَا مَعًا ولم يُعْتَقَا بِأَنْ يَشَاءَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ وَكَذَلِكَ إنْ قال أَنْتُمَا حُرَّانِ إنْ شَاءَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ لم يُعْتَقَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ ولم يُعْتَقَا بِأَنْ يَشَاءَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ وَلَوْ كان قال لَهُمَا أَيُّكُمَا شَاءَ الْعِتْقَ فَهُوَ حُرٌّ فَأَيُّهُمَا شَاءَ فَهُوَ حُرٌّ شَاءَ الْآخَرُ أو لم يَشَأْ ( قال ) فَإِنَّا نَقُولُ في رَجُلٍ قال وَاَللَّهِ لَئِنْ قَضَيْتنِي حَقِّي في يَوْمِ كَذَا وَكَذَا لَأَفْعَلَنَّ بِك كَذَا وَكَذَا فَقَضَاهُ بَعْضَ حَقِّهِ أنه لَا يَلْزَمُهُ الْيَمِينُ حتى يَقْضِيَهُ حَقَّهُ كُلَّهُ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الِاسْتِقْصَاءَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ كان لِرَجُلٍ على رَجُلٍ حَقٌّ فَحَلَفَ لَئِنْ قَضَيْتنِي حَقِّي في يَوْمِ كَذَا وَكَذَا لَأَهَبَنَّ لَك عَبْدًا من يَوْمِك فَقَضَاهُ حَقَّهُ كُلَّهُ إلَّا دِرْهَمًا أو فَلْسًا في ذلك الْيَوْمِ كُلِّهِ لم يَحْنَثْ وَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِأَنْ يَقْضِيَهُ حَقَّهُ كُلَّهُ قبل أَنْ يَمُرَّ الْيَوْمُ الذي قَضَاهُ فيه آخِرَ حَقِّهِ وَلَا يَهَبُ له عَبْدًا - * من حَلَفَ على غَرِيمٍ له أَنْ لَا يُفَارِقَهُ حتى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَقُولُ فَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُفَارِقَ غَرِيمًا له حتى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ فَفَرَّ منه أو أَفْلَسَ أنه حَانِثٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ له نِيَّةٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يُفَارِقَ غَرِيمَهُ حتى يَأْخُذَ حَقَّهُ منه فَفَرَّ منه غَرِيمُهُ لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لم يُفَارِقْهُ هو وَلَوْ كان قال لَا أَفْتَرِقُ أنا وهو حَنِثَ في قَوْلِ من لَا يَطْرَحُ الْخَطَأَ وَالْغَلَبَةَ عن الناس وَلَا يَحْنَثُ في قَوْلِ من طَرَحَ الْخَطَأَ وَالْغَلَبَةَ عن الناس فَأَمَّا إنْ حَلَفَ لَا يُفَارِقُهُ حتى يَأْخُذَ منه حَقَّهُ فَأَفْلَسَ فَيَحْنَثُ في قَوْلِ من لَا يَطْرَحُ الْغَلَبَةَ عن الناس وَالْخَطَأَ وَلَا يَحْنَثُ في قَوْلِ من طَرَحَ الْخَطَأَ وَالْغَلَبَةَ عَنْهُمْ ( قال ) فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ لِغَرِيمٍ له أَنْ لَا يُفَارِقَهُ حتى يستوفى منه حَقَّهُ فَأَحَالَهُ على غَرِيمٍ له آخَرَ أنه إنْ كان فَارَقَهُ بَعْدَ الْحَمَالَةِ فإنه حَانِثٌ لِأَنَّهُ حَلَفَ أَنْ لَا يُفَارِقَهُ حتى يستوفى فَفَارَقَهُ ولم يَسْتَوْفِ لِمَا أَحَالَهُ ثُمَّ اسْتَوْفَاهُ بَعْدُ ( قال الرَّبِيعُ ) الذي يَأْخُذُ بِهِ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ إنْ لم يُفَرِّطْ فيه حتى فَرَّ منه فَهُوَ مُكْرَهٌ فَلَا شَيْءَ عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يُفَارِقَ الرَّجُلَ حتى يَسْتَوْفِيَ منه حَقَّهُ فَأَحَالَهُ بَعْدُ على رَجُلٍ غَيْرِهِ فَأَبْرَأَهُ ثُمَّ فَارَقَهُ حَنِثَ وَإِنْ كان حَلَفَ أَنْ لَا يُفَارِقَهُ وَلَهُ عليه حَقٌّ لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ وان لم يَسْتَوْفِ أَوَّلًا بِالْحَمَالَةِ فَقَدْ بريء بِالْحَوَالَةِ ( قال ) فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ على غَرِيمٍ له أَنْ لَا يُفَارِقَهُ حتى يستوفى حَقَّهُ منه فَاسْتَوْفَاهُ فلما افْتَرَقَا أَصَابَ بَعْضَهَا نُحَاسًا أو رَصَاصًا أو نَقْصًا بَيِّنًا نُقْصَانُهُ أنه حَانِثٌ لِأَنَّهُ فَارَقَهُ ولم يَسْتَوْفِ وأنه إنْ أَخَذَ بِحَقِّهِ عَرَضًا فَإِنْ كان يسوي ما أَخَذَهُ بِهِ وهو قِيمَتُهُ لو أَرَادَ أَنْ يَبِيعَهُ بَاعَهُ ولم يَحْنَثْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى واذا حَلَفَ أَنْ لَا يُفَارِقَهُ حتى يَسْتَوْفِيَ منه حَقَّهُ فَأَخَذَ منه حَقَّهُ فِيمَا يَرَى ثُمَّ وَجَدَ دَنَانِيرَهُ زُجَاجًا أو نُحَاسًا حَنِثَ في قَوْلِ من لم يَطْرَحْ عن الناس الْخَطَأَ في الْأَيْمَانِ وَلَا يَحْنَثُ في قَوْلِ من يَطْرَحْ عن الناس ما لم يَعْمِدُوا عليه في الْأَيْمَانِ لِأَنَّ هذا لم يَعْمِدْ أَنْ يَأْخُذَ إلَّا وَفَاءَ حَقِّهِ وهو قَوْلُ عَطَاءٍ أنه يُطْرَحُ عن الناس الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَرَوَاهُ عَطَاءٌ فإذا حَلَفَ أَنْ لَا يُفَارِقَهُ حتى يستوفى حَقَّهُ فَأَخَذَ بِحَقِّهِ عَرَضًا فَإِنْ كان الْعَرَضُ الذي أَخَذَ قِيمَةَ ما له عليه من الدَّنَانِيرِ لم يَحْنَثْ وَإِنْ كان قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِمَّا عليه من الدَّنَانِيرِ حَنِثَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال الرَّجُلُ لِغَرِيمِهِ وَاَللَّهِ لَا أُفَارِقُك حتى آخُذَ حَقِّي فَإِنْ كانت نِيَّتُهُ حتى لَا يَبْقَى عَلَيْك من حَقِّي شَيْءٌ فَأَخَذَ منه عَرَضًا يسوي أو لَا يسوي بريء ولم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ قد أَخَذَ شيئا وَرَضِيَهُ من حَقِّهِ وبريء ( ( ( وبرئ ) ) ) الْغَرِيمُ من حَقِّهِ وَكَذَلِكَ إنْ كانت نِيَّتُهُ حتى أستوفى ما أَرْضَى بِهِ من جَمِيعِ حَقِّي وَكَذَلِكَ إنْ قال رَجُلٌ لِرَجُلٍ وَاَللَّهِ لَأَقْضِيَنَّكَ حَقَّك فَوَهَبَ صَاحِبُ الْحَقِّ حَقَّهُ لِلْحَالِفِ أو تَصَدَّقَ بِهِ عليه أو دَفَعَ بِهِ إلَيْهِ سِلْعَةً
____________________

(7/75)


لم يَحْنَثْ إنْ كانت نِيَّتُهُ حين حَلَفَ أَنْ لَا يَبْقَى على شَيْءٌ من حَقِّك لِأَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ شيئا رَضِيَهُ فَقَدْ اسْتَوْفَى فَإِنْ لم تَكُنْ له نِيَّةٌ فَلَا يَبْرَأُ أَبَدًا إلَّا بِأَنْ يَأْخُذَ حَقَّهُ ما كان إنْ كانت دَنَانِيرَ فَدَنَانِيرُ أو دَرَاهِمَ فَدَرَاهِمُ لِأَنَّ ذلك حَقُّهُ وَلَوْ أَخَذَ فيه أَضْعَافَ ثَمَنِهِ لم يَبْرَأْ لِأَنَّ ذلك غَيْرُ حَقِّهِ وَحَدُّ الْفِرَاقِ أَنْ يَتَفَرَّقَا من مَقَامِهِمَا الذي كَانَا فيه وَمَجْلِسِهِمَا - * من حَلَفَ أَنْ لَا يَتَكَفَّلَ بِمَالٍ فَتَكَفَّلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ - * ( قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَكَفَّلَ بِمَالٍ أَبَدًا فَتَكَفَّلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ أنه إنْ اسْتَثْنَى في حَمَالَتِهِ أَنْ لَا مَالَ عليه فَلَا حِنْثَ عليه وَإِنْ لم يَسْتَثْنِ ذلك فَعَلَيْهِ الْمَالُ وهو حَانِثٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَكَفَّلَ بِمَالٍ أَبَدًا فَتَكَفَّلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ لم يَحْنَثْ لِأَنَّ النَّفْسَ غَيْرُ الْمَالِ قال فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَكَفَّلَ لِرَجُلٍ بِكَفَالَةٍ أَبَدًا فَتَكَفَّلَ لِوَكِيلٍ له بِكَفَالَةٍ عن رَجُلٍ ولم يَعْلَمْ أَنَّهُ وَكِيلُ الذي حَلَفَ عليه فإنه إذَا لم يَكُنْ عَلِمَ بِذَلِكَ ولم يَكُنْ ذلك الرَّجُلُ من وُكَلَائِهِ وَحَشَمِهِ ولم يَعْلَمْ أَنَّهُ من سَبَبِهِ فَلَا حِنْثَ عليه وَإِنْ كان مِمَّنْ عَلِمَ ذلك منه فإنه حَانِثٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ أَنْ لَا يَتَكَفَّلَ لِرَجُلٍ بِكَفَالَةٍ يَكُونُ له عليه فيها سَبِيلٌ لِنَفْسِهِ فَإِنْ نَوَى هذا فَكَفَلَ لِوَكِيلٍ له في مَالٍ لِلْمَحْلُوفِ حَنِثَ وَإِنْ كان كَفَلَ في غَيْرِ مَالِ الْمَحْلُوفِ لم يَحْنَثْ وَكَذَلِكَ إنْ كَفَلَ لِوَالِدِهِ أو زَوْجَتِهِ أو ابْنِهِ لم يَحْنَثْ - * من حَلَفَ في أَمْرٍ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ غَدًا فَفَعَلَهُ الْيَوْمَ - * ( قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّا نَقُولُ في رَجُلٍ قال لِرَجُلٍ وَاَللَّهِ لَأَقْضِيَنَّكَ حَقَّك غَدًا فَقَضَاهُ الْيَوْمَ أنه لَا حِنْثَ عليه لِأَنَّهُ لم يُرِدْ بِيَمِينِهِ الْغَدَ إنَّمَا أَرَادَ وَجْهَ الْقَضَاءِ فإذا خَرَجَ الْغَدُ عنه وَلَيْسَ عليه فَقَدْ بَرَّ وهو قَوْلُ مَالِكٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال لِرَجُلٍ وَاَللَّهِ لَأَقْضِيَنَّكَ حَقَّك غَدًا فَعَجَّلَ له حَقَّهُ الْيَوْمَ فَإِنْ لم تَكُنْ له نِيَّةٌ حَنِثَ من قِبَلِ أَنَّ قَضَاءَ غَدٍ غَيْرُ قَضَائِهِ الْيَوْمَ كما يقول وَاَللَّهِ لَأُكَلِّمَنَّكَ غَدًا فَكَلَّمَهُ الْيَوْمَ لم يَبَرَّ وَإِنْ كانت نِيَّتُهُ حين عَقَدَ الْيَمِينَ أَنْ لَا يَخْرُجَ غَدٌ حتى أَقْضِيَك حَقَّك فَقَضَاهُ الْيَوْمَ بَرَّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال وَاَللَّهِ لَآكُلَنَّ هذا الرَّغِيفَ الْيَوْمَ فَأَكَلَ بَعْضَهُ الْيَوْمَ وَبَعْضَهُ غَدًا أنه حَانِثٌ لِأَنَّهُ لم يَأْكُلْهُ كُلَّهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْبِسَاطُ مُحَالٌ وَإِنَّمَا يُقَالُ السَّبَبُ بِسَاطُ الْيَمِينِ عِنْدَ أَصْحَابِ مَالِكٍ كَأَنَّهُ حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ من غَزْلِ امْرَأَتِهِ فَبَاعَتْ الْغَزْلَ وَاشْتَرَتْ طَعَامًا فَأَكَلَهُ فَهُوَ عِنْدَهُمْ حَانِثٌ لِأَنَّ بِسَاطَ الْيَمِينِ عِنْدَهُمْ أَنْ لَا يَنْتَفِعَ بِشَيْءٍ من غَزْلِهَا فإذا أَكَلَ منه فَقَدْ انْتَفَعَ بِهِ وهو عِنْدَ الشَّافِعِيِّ مُحَالٌ ( قال الرَّبِيعُ ) قد خَرَقَ الشَّافِعِيُّ الْبِسَاطَ وَحَرَقَهُ بِالنَّارِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ فقال وَاَللَّهِ لَآكُلَنَّ هذا الطَّعَامَ غَدًا أو لَأَلْبَسَنَّ هذه الثِّيَابَ غَدًا أو لَأَرْكَبَنَّ هذه الدَّوَابَّ غَدًا فَمَاتَتْ الدَّوَابُّ وَسُرِقَ الطَّعَامُ وَالثِّيَابُ قبل الْغَدِ فَمَنْ ذَهَبَ إلَى طَرْحِ الْإِكْرَاهِ عن الناس طَرَحَ هذا قِيَاسًا على الْإِكْرَاهِ فَإِنْ قِيلَ فما يُشْبِهُهُ من الْإِكْرَاهِ قِيلَ لَمَّا وَضَعَ اللَّهُ عز وجل عن الناس أَعْظَمَ ما قال أَحَدٌ الْكُفْرَ بِهِ أَنَّهُمْ إذَا أُكْرِهُوا عليه فَجَعَلَ قَوْلَهُمْ الْكُفْرَ مَغْفُورًا لهم مَرْفُوعًا عَنْهُمْ في الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل { من كَفَرَ بِاَللَّهِ من بَعْدِ إيمَانِهِ إلَّا من أُكْرِهَ } الْآيَةَ وكان الْمَعْنَى الذي عَقَلْنَا أَنَّ قَوْلَ الْمُكْرَهِ كما لم يَقُلْ في الْحُكْمِ وَعَقَلْنَا أَنَّ الْإِكْرَاهَ هو أَنْ يُغْلَبَ بِغَيْرِ فِعْلٍ منه فإذا تَلِفَ ما حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ فيه شيئا فَقَدْ غُلِبَ بِغَيْرِ فِعْلٍ منه وَهَذَا في أَكْثَرَ من مَعْنَى الْإِكْرَاهِ وَمَنْ أَلْزَمَ الْمُكْرَهَ يَمِينَهُ ولم يَرْفَعْهَا عنه كان حَانِثًا في هذا كُلِّهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَلِكَ لو حَلَفَ لَيُعْطِيَنَّهُ حَقَّهُ غَدًا فَمَاتَ من الْغَدِ بِعِلْمِهِ أو بِغَيْرِ عِلْمِهِ لم يَحْنَثْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَلِكَ الْأَيْمَانُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ
____________________

(7/76)


وَالْأَيْمَانُ كُلُّهَا مِثْلُ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَصْلُ ما أَذْهَبُ إلَيْهِ أَنَّ يَمِينَ الْمُكْرَهِ غَيْرُ ثَابِتَةٍ عليه لِمَا احْتَجَجْت بِهِ من الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ رَجُلًا حَقَّهُ إلَى أَجَلٍ يُسَمِّيهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يُؤَخِّرَهُ فَمَاتَ صَاحِبُ الْحَقِّ أنه لَا حِنْثَ عليه وَلَا يَمِينَ عليه لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ من قِبَلِ أَنَّ الْحِنْثَ لم يَكُنْ حتى مَاتَ الْمَحْلُوفُ لَيَقْضِيَنَّهُ وَكَذَلِكَ لو حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ إلَى أَجَلٍ سَمَّاهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلَانٌ فَمَاتَ الذي جَعَلَ الْمَشِيئَةَ إلَيْهِ قال فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا مَالَهُ رَأْسَ الشَّهْرِ أو عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ أو إذَا اسْتَهَلَّ الشَّهْرُ أو إلَى اسْتِهْلَالِ الْهِلَالِ أن له لَيْلَةَ يَهُلُّ الْهِلَالُ وَيَوْمَهَا حتى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَكَذَلِكَ الذي يقول إلَى رَمَضَانَ له لَيْلَةُ الْهِلَالِ وَيَوْمُهُ وَكَذَلِكَ إذَا قال إلَى رَمَضَانَ أو إلَى هِلَالِ شَهْرِ كَذَا وَكَذَا فَلَهُ حتى يَهُلَّ هِلَالُ ذلك الشَّهْرِ فَإِنْ قال له إلَى أَنْ يَهُلَّ الْهِلَالُ فَلَهُ لَيْلَةُ الْهِلَالِ وَيَوْمُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ أو عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ أو إلَى اسْتِهْلَالِ الْهِلَالِ أو عِنْدَ اسْتِهْلَالِ الْهِلَالِ وَجَبَ عليه أَنْ يَقْضِيَهُ حين يَهُلُّ الْهِلَالُ فَإِنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ لَيْلَةَ يَهُلُّ الْهِلَالُ فَخَرَجَتْ اللَّيْلَةُ التي يَهُلُّ فيها الْهِلَالُ حَنِثَ كما يَحْنَثُ لو حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ يوم الِاثْنَيْنِ فَغَابَتْ الشَّمْسُ يوم الِاثْنَيْنِ حَنِثَ وَلَيْسَ حُكْمُ اللَّيْلَةِ حُكْمَ الْيَوْمِ وَلَا حُكْمُ الْيَوْمِ حُكْمَ اللَّيْلَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال وَاَللَّهِ لَأَقْضِيَنَّكَ حَقَّك إلَى رَمَضَانَ فلم يَقْضِهِ حَقَّهُ حتى يَهُلَّ هِلَالُ رَمَضَانَ حَنِثَ وَذَلِكَ أَنَّهُ حَدَّ بِالْهِلَالِ كما تَقُولُ في ذِكْرِ حَقِّ فُلَانٍ على فُلَانٍ كَذَا وَكَذَا إلَى هِلَالِ كَذَا وَكَذَا فإذا هَلَّ الْهِلَالُ فَقَدْ حَلَّ الْحَقُّ قال فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ قال وَاَللَّهِ لَأَقْضِيَنَّكَ حَقَّك إلَى حِينٍ أو إلَى زَمَانٍ أو إلَى دَهْرٍ إنَّ ذلك كُلَّهُ سَوَاءٌ وَإِنَّ ذلك سَنَةً سَنَةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال وَاَللَّهِ لَأَقْضِيَنَّكَ حَقَّك إلَى حِينٍ فَلَيْسَ في الْحِينِ وَقْتٌ مَعْلُومٌ يَبَرُّ بِهِ وَلَا يَحْنَثُ وَذَلِكَ أَنَّ الْحِينَ يَكُونُ مُدَّةَ الدُّنْيَا كُلِّهَا وما هو أَقَلُّ منها إلَى يوم الْقِيَامَةِ والفتيا ( ( ( الفتيا ) ) ) لِمَنْ قال هذا أَنْ يُقَالَ له إنَّمَا حَلَفْت على ما لَا تَعْلَمْ وَلَا نَعْلَمْ فَنُصَيِّرُك إلَى عِلْمِنَا وَالْوَرَعُ لَك أَنْ تَقْضِيَهُ قبل انْقِضَاءِ يَوْمٍ لِأَنَّ الْحِينَ يَقَعُ عليه من حِينِ حَلَفْت وَلَا تَحْنَثُ أَبَدًا لِأَنَّهُ ليس لِلْحِينِ غَايَةٌ وَكَذَلِكَ الزَّمَانُ وَكَذَلِكَ الدَّهْرُ وَكَذَا كُلُّ كَلِمَةٍ مُنْفَرِدَةٍ ليس لها ظَاهِرٌ يَدُلُّ عليها وَكَذَلِكَ الْأَحْقَابُ - * من حَلَفَ على شَيْءٍ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَفَعَلَهُ - * ( قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَشْتَرِي عَبْدًا فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَاشْتَرَى له عَبْدًا أنه حَانِثٌ لِأَنَّهُ هو الْمُشْتَرِي إذَا أَمَرَ من يَشْتَرِي له إلَّا أَنْ يَكُونَ له في ذلك نِيَّةٌ أو يَكُونَ يَمِينُهُ على أَمْرٍ قد عَرَفَ وَجْهَهَا أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ أَنْ لَا يَشْتَرِيَهُ هو لِأَنَّهُ قد غُبِنَ غير مَرَّةٍ في اشْتِرَائِهِ فإذا كان كَذَلِكَ فَلَيْسَ بِحَانِثٍ وإذا كان إنَّمَا كَرِهَ شِرَاءَ الْعَبْدِ أَصْلًا فَأَرَاهُ حَانِثًا وَإِنْ أَمَرَ غَيْرَهُ وَكَذَلِكَ لو حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَ سِلْعَةً فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَبَاعَهَا أنه يَحْنَثُ إلَّا أَنْ تَكُونَ له نِيَّةٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ عَبْدًا فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَاشْتَرَى له عَبْدًا لم يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى أَنْ لَا يَشْتَرِيَهُ وَلَا يَشْتَرِيَ له لِأَنَّهُ لم يَكُنْ وَلِيَ عُقْدَةَ شِرَائِهِ وَاَلَّذِي وَلِيَ عُقْدَةَ شِرَائِهِ غَيْرُهُ وَعَلَيْهِ الْعُهْدَةُ أَلَا تَرَى أَنَّ الذي وَلِيَ عَقْدَ شِرَائِهِ لو زَادَ في ثَمَنِهِ على ما يُبَاعُ بِهِ مِثْلُهُ ما لَا يَتَغَابَنُ الناس فيه أو بريء من عَيْبٍ لَزِمَهُ الْبَيْعُ وكان للامر أَنْ لَا يَأْخُذَ لِشِرَاءِ غَيْرِهِ غير شِرَائِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ فَجَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا لم يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَعَلَ إلَيْهَا طَلَاقَهَا وَكَذَلِكَ لو جَعَلَ أَمْرَهَا إلَى غَيْرِهَا فَطَلَّقَهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَضَرَبَهُ لم يَبَرَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى لَيَضْرِبَنَّ بِأَمْرِهِ وَهَكَذَا لو حَلَفَ أَنْ لَا يَضْرِبَهُ فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَضَرَبَهُ لم يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى أَنْ لَا يَأْمُرَ غَيْرَهُ بِضَرْبِهِ ( قال الرَّبِيعُ ) لِلشَّافِعِيِّ في مِثْلِ هذا قَوْلٌ في مَوْضِعٍ آخَرَ فإذا حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ فَإِنْ كان مِمَّا يَلِي الْأَشْيَاءَ بيده فَلَا يَبَرُّ حتى يَضْرِبَهُ
____________________

(7/77)


بيده فَإِنْ كان مِثْلَ الْوَالِي أو مِمَّنْ لَا يَلِي الْأَشْيَاءَ بيده فَالْأَغْلَبُ أَنَّهُ إنَّمَا يَأْمُرُ فإذا أَمَرَ فَضُرِبَ فَقَدْ بَرَّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ لَا يَبِيعُ لِرَجُلٍ شيئا فَدَفَعَ الْمَحْلُوفُ عليه سِلْعَةً إلَى رَجُلٍ فَدَفَعَ ذلك الرَّجُلُ السِّلْعَةَ إلَى الْحَالِفِ فَبَاعَهَا لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لم يَبِعْهَا لِلَّذِي حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَهَا له إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى أَنْ لَا يَبِيعَ سِلْعَةً يَمْلِكُهَا فُلَانٌ فَيَحْنَثَ فَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَ له رَجُلٌ سِلْعَةً فَدَفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ لِيَبِيعَهَا فَدَفَعَ ذلك الْغَيْرُ إلَى الذي حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَ له السِّلْعَةَ لم يَحْنَثْ الْحَالِفُ من قِبَلِ أَنَّ بَيْعَ الثَّالِثِ غَيْرُ جَائِزٍ لِأَنَّهُ إذَا وَكَّلَ رَجُلًا يَبِيعُ له فَلَيْسَ له أَنْ يُوَكِّلَ بِالْبَيْعِ غَيْرَهُ وَلَوْ كان حين وَكَّلَهُ أَجَازَ له أَنْ يُوَكِّلَ من رَآهُ فَدَفَعَهَا إلَيْهِ فَبَاعَهَا فَإِنْ كان نَوَى أَنْ لَا يَبِيعَ لي بِأَمْرِي لم يَحْنَثْ وَإِنْ كان نَوَى أَنْ لَا يَبِيعَهَا بِحَالٍ حَنِثَ لِأَنَّهُ قد بَاعَهَا - * من قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي ثُمَّ قال لها قبل أَنْ تَسْأَلَهُ الْإِذْنَ أو بَعْدَ ما سَأَلَتْهُ إيَّاهُ قد أَذِنْت لَك فَخَرَجَتْ لم يَحْنَثْ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَأَذِنَ لها ولم تَعْلَمْ وَأَشْهَدَ على ذلك لم يَحْنَثْ لأنها ( ( ( لأنه ) ) ) قد خَرَجَتْ بِإِذْنِهِ فَإِنْ لم تَعْلَمْ فَأَحَبُّ إلى في الْوَرَعِ أَنْ لو حَنَّثَ نَفْسَهُ من قِبَلِ أنها عَاصِيَةٌ عِنْدَ نَفْسِهَا حين خَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَإِنْ كان قد أَذِنَ لها فَإِنْ قال قَائِلٌ كَيْفَ لم تُحَنِّثْهُ وَهِيَ عَاصِيَةٌ وَلَا تَجْعَلْهُ بَارًّا إلَّا أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهَا بِعِلْمِهَا بِإِذْنِهِ قِيلَ أَرَأَيْت رَجُلًا غَصَبَ رَجُلًا حَقًّا أو كان له عليه دَيْنٌ فَحَلَّلَهُ الرَّجُلُ وَالْغَاصِبُ الْمُحَلَّلُ لَا يَعْلَمُ أَمَا يَبْرَأُ من ذلك أَرَأَيْت أَنَّهُ لو مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَحَلَّلَهُ الرَّجُلُ بَعْدَ الْمَوْتِ أَمَا يَبْرَأُ قال فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ قال لِامْرَأَتِهِ إنْ خَرَجْت إلَى مَوْضِعٍ إلَّا بِإِذْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قال لها اُخْرُجِي حَيْثُ شِئْت فَخَرَجَتْ ولم يَعْلَمْ فإنه سَوَاءٌ قال لها في يَمِينِهِ إنْ خَرَجْت إلَى مَوْضِعٍ إلَّا بِإِذْنِي أو لم يَقُلْ لها إلَى مَوْضِعٍ فَهُوَ سَوَاءٌ وَلَا حِنْثَ عليه لِأَنَّهُ إذَا قال إنْ خَرَجْت ولم يَقُلْ إلَى مَوْضِعٍ فَإِنَّمَا هو إلَى مَوْضِعٍ وَإِنْ لم يَقُلْهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِثْلُ ذلك كُلِّهِ أَقُولُ لَا حِنْثَ عليه قال فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْذَنَ لِامْرَأَتِهِ أَنْ تَخْرُجَ إلَّا في عِيَادَةِ مَرِيضٍ فَأَذِنَ لها في عِيَادَةِ مَرِيضٍ ثُمَّ عَرَضَتْ لها حَاجَةٌ غَيْرُ الْعِيَادَةِ وَهِيَ عِنْدَ الْمَرِيضِ فَذَهَبَتْ فيها فإنه إذَا أَذِنَ لها إلَى عِيَادَةِ مَرِيضٍ فَخَرَجَتْ إلَى غَيْرِ ذلك لم يَحْنَثْ لِأَنَّهَا ذَهَبَتْ إلَى غَيْرِ الْمَرِيضِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَا حِنْثَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِثْلُ ذلك أَقُولُ إنَّهُ لَا حِنْثَ عليه قال فَإِنَّا ( 1 ) نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْذَنَ لِامْرَأَتِهِ بِالْخُرُوجِ إلَّا لِعِيَادَةِ مَرِيضٍ فَخَرَجَتْ من غَيْرِ أَنْ يَأْذَنَ لها إلَى حَمَّامٍ أو غَيْرِ ذلك ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي أو إنْ خَرَجْت إلَى مَكَان أو إلَى مَوْضِعٍ إلَّا بِإِذْنِي فَالْيَمِينُ على مَرَّةٍ فَإِنْ أَذِنَ لها مَرَّةً فَخَرَجَتْ ثُمَّ عَادَتْ فَخَرَجَتْ لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ قد بَرَّ مَرَّةً فَلَا يَحْنَثُ ثَانِيَةً وَكَذَلِكَ إنْ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ إنْ خَرَجْت إلَّا أَنْ آذَنَ لَك فَأَذِنَ لها فَخَرَجَتْ ثُمَّ عَادَتْ فَخَرَجَتْ لم يَحْنَثْ وَلَكِنَّهُ لو قال لها أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي أو طَالِقٌ في كل وَقْتٍ خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي كان هذا على كل خَرْجَةٍ فَأَيَّ خَرْجَةٍ خَرَجَتْهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ فَهُوَ حَانِثٌ وَلَوْ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ مَتَى خَرَجْت كان هذا على مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ فُلَانٍ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ له فَمَاتَ الذي حَلَفَ على إذْنِهِ فَدَخَلَهَا حَنِثَ وَلَوْ لم يَمُتْ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَأَذِنَ له ثُمَّ رَجَعَ عن الْإِذْنِ فَدَخَلَ بَعْدَ رُجُوعِهِ لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ قد أَذِنَ له مَرَّةً ( قال ) فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ بِعِتْقِ غُلَامِهِ لَيَضْرِبَنَّهُ أنه يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَيْعِهِ لِأَنَّهُ على حِنْثٍ حتى يَضْرِبَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَبِيعُهُ إنْ شَاءَ وَلَا يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَيْعِهِ لِأَنَّهُ على بِرٍّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
____________________

(7/78)


من حَنِثَ بِعِتْقٍ وَلَهُ مُكَاتَبُونَ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادٍ وَمُدَبَّرُونَ وَأَشْقَاصٌ من عَبِيدٍ يَحْنَثُ فِيهِمْ كُلِّهِمْ إلَّا في الْمُكَاتَبِ فَلَا يَحْنَثُ فيه إلَّا بِأَنْ يَنْوِيَهُ في مَمَالِيكِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ من الْحُكْمِ أَنَّ مُكَاتَبَهُ خَارِجٌ عن مِلْكِهِ بِمَعْنًى دَاخِلٍ فيه بِمَعْنَى فَهُوَ يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخْذِ مَالِهِ وَاسْتِخْدَامِهِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ عليه فَلَا يَكُونُ عليه زَكَاةُ مَالِ الْمُكَاتَبِ وَلَا يَكُونُ عليه زَكَاةُ الْفِطْرِ فيه وَلَيْسَ هَكَذَا أُمُّ وَلَدِهِ وَلَا مُدَبَّرُوهُ كُلُّ أُولَئِكَ دَاخِلٌ في مِلْكِهِ له أَخْذُ أَمْوَالِهِمْ وَلَهُ أَخْذُ أَرْشِ الْجِنَايَةِ عليهم وَتَكُونُ عليه الزَّكَاةُ في أَمْوَالِهِمْ لِأَنَّهُ مَالُهُ فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنْ يَقُولَ الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ ما بقى عليه من كِتَابَتِهِ دِرْهَمٌ فَإِنَّمَا يعنى عَبْدًا في حَالٍ دُونَ حَالٍ لِأَنَّهُ لو كان عَبْدًا بِكُلِّ حَالٍ كان مُسَلَّطًا على بَيْعِهِ وَأَخْذِ مَالِهِ وما وَصَفْت من أَنَّهُ يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ منه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ بِعِتْقِ غُلَامِهِ لَيَضْرِبَنَّهُ غَدًا فَبَاعَهُ الْيَوْمَ فلما مَضَى غَدٌ اشْتَرَاهُ فَلَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْحِنْثَ إذَا وَقَعَ مَرَّةً لم يَعُدْ ثَانِيَةً وَهَذَا قد وَقَعَ حِنْثُهُ مَرَّةً فَهُوَ لَا يُعْتَقُ عليه وَلَا يَعُودُ عليه الْحِنْثُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَأْكُلَ الرُّءُوسَ وَأَكَلَ رؤوس الْحِيتَانِ أو رؤوس الْجَرَادِ أو رؤوس الطَّيْرِ أو رؤوس شَيْءٍ يُخَالِفُ رؤوس الْبَقَرِ أو الْغَنَمِ أو الْإِبِلِ لم يَحْنَثْ من قِبَلِ أَنَّ الذي يَعْرِفُ الناس إذَا خُوطِبُوا بِأَكْلِ الرُّءُوسِ أنها الرُّءُوسُ التي تُعْمَلُ مُتَمَيِّزَةً من الْأَجْسَادِ يَكُونُ لها سُوقٌ كما يَكُونُ لِلَّحْمِ سُوقٌ فَإِنْ كانت بِلَادٌ لها صَيْدٌ وَيَكْثُرُ كما يَكْثُرُ لَحْمُ الْأَنْعَامِ وَيُمَيَّزُ لَحْمُهَا من رُءُوسِهَا فَتُعْمَلُ كما تُعْمَلُ رؤوس الْأَنْعَامِ فَيَكُونُ لها سُوقٌ على حِدَةٍ وَلِلَحْمِهَا سُوقٌ على حِدَةٍ فَحَلَفَ حَنِثَ بها وَهَكَذَا إنْ كان ذلك يُصْنَعُ بِالْحِيتَانِ وَالْجَوَابُ في هذا إذَا لم يَكُنْ لِلْحَالِفِ نِيَّةٌ فإذا كان له نِيَّةٌ حَنِثَ وَبَرَّ على نِيَّتِهِ وَالْوَرَعُ أَنْ يَحْنَثَ بِأَيِّ رَأْسٍ ما كان وَالْبَيْضُ كما وَصَفْت هو بَيْضُ الدَّجَاجِ والأوز وَالنَّعَامِ فَأَمَّا بَيْضُ الْحِيتَانِ فَلَا يَحْنَثُ بِهِ إلَّا بِنِيَّةٍ لِأَنَّ الْبَيْضَ الذي يُعْرَفُ هو الذي يُزَايِلُ بَائِضَهُ فَيَكُونُ مَأْكُولًا وَبَائِضُهُ حَيًّا فَأَمَّا بَيْضُ الْحِيتَانِ فَلَا يَكُونُ هَكَذَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذًا إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا ياكل لَحْمًا حَنِثَ بِلَحْمِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْوُحُوشِ وَالطَّيْرِ كُلِّهِ لِأَنَّهُ كُلَّهُ لَحْمٌ ليس له اسْمٌ دُونَ اللَّحْمِ وَلَا يَحْنَثُ في الْحُكْمِ بِلَحْمِ الْحِيتَانِ لِأَنَّ اسْمَهُ غَيْرُ اسْمِهِ فَالْأَغْلَبُ عليه الْحُوتُ وَإِنْ كان يَدْخُلُ في اللَّحْمِ وَيَحْنَثُ في الْوَرَعِ بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي ( ( ( رحمه ) ) ) اللَّهُ عنه وإذا نَذَرَ حَلَفَ أَنْ لَا يَشْرَبَ سَوِيقًا فَأَكَلَهُ أو لَا يَأْكُلَ خُبْزًا فَمَاثَهُ فَشَرِبَهُ لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لم يَفْعَلْ الذي حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ وَاللَّبَنُ مِثْلُهُ وَكَذَلِكَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَهُ فَشَرِبَهُ أو لَا يَشْرَبَهُ فَأَكَلَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ سَمْنًا فَأَكَلَ السَّمْنَ بِالْخُبْزِ أو بِالْعَصِيدَةِ أو بِالسَّوِيقِ حَنِثَ لِأَنَّ السَّمْنَ هَكَذَا لَا يُؤْكَلُ إنَّمَا يُؤْكَلُ بِغَيْرِهِ وَلَا يَكُونُ مَأْكُولًا إلَّا بِغَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَامِدًا فَيَقْدِرُ على أَنْ يَأْكُلَهُ جَامِدًا مُنْفَرِدًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ هذه التَّمْرَةِ فَوَقَعَتْ في التَّمْرِ فَأَكَلَ التَّمْرَ كُلَّهُ حَنِثَ لِأَنَّهُ قد أَكَلَهَا وَإِنْ بقى من التَّمْرِ كُلِّهِ وَاحِدَةٌ أو هَلَكَتْ من التَّمْرِ كُلِّهِ وَاحِدَةٌ لم يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَسْتَيْقِنُ أنها فِيمَا أَكَلَ وَهَذَا في الْحُكْمِ وَالْوَرَعُ أَنْ لَا يَأْكُلَ منه شيئا إلَّا حَنَّثَ نَفْسَهُ إنْ أَكَلَهُ وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ هذا الدَّقِيقَ وَلَا هذه الْحِنْطَةَ فَأَكَلَهُ حِنْطَةً أو دَقِيقًا حَنِثَ وإذا خَبَزَ الدَّقِيقَ أو عَصَدَهُ فَأَكَلَهُ أو طَحَنَ الْحِنْطَةَ أو خَبَزَهَا أو قَلَاهَا فَجَعَلَهَا سَوِيقًا لم يَحْنَثْ لِأَنَّ هذا لم يَأْكُلْ دَقِيقًا وَلَا حِنْطَةً إنَّمَا أَكَلَ شيئا قد حَالَ عنهما بِصَنْعَةٍ حتى لَا يَقَعَ عليه اسْمُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ لَحْمًا فَأَكَلَ شَحْمًا أو لَا يَأْكُلَ شَحْمًا فَأَكَلَ لَحْمًا لم يَحْنَثْ في وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ صَاحِبِهِ وَكَذَلِكَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ رُطَبًا فَأَكَلَ تَمْرًا أو لَا يَأْكُلَ بُسْرًا فَأَكَلَ رُطَبًا أو لَا يَأْكُلَ بَلَحًا فَأَكَلَ بُسْرًا أو لَا يَأْكُلَ طَلْعًا فَأَكَلَ بَلَحًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ من هذا غَيْرُ صَاحِبِهِ وَإِنْ كان أَصْلُهُ وَاحِدًا وَهَكَذَا إنْ قال لَا آكُلُ زُبْدًا فَأَكَلَ لَبَنًا أو قال
____________________

(7/79)


لَا آكُلُ خَلًّا فَأَكَلَ مَرَقًا فيه خَلٌّ فَلَا حِنْثَ عليه لِأَنَّ الْخَلَّ مُسْتَهْلَكٌ فيه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ أَنْ لَا يَشْرَبَ شيئا فَذَاقَهُ وَدَخَلَ بَطْنَهُ لم يَحْنَثْ بِالذَّوْقِ لِأَنَّ الذَّوْقَ غَيْرُ الشُّرْبِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ فُلَانًا فَسَلَّمَ على قَوْمٍ وهو فِيهِمْ لم يَحْنَثْ إلَّا بِأَنْ يَنْوِيَهُ فِيمَنْ سَلَّمَ عليهم قال الرَّبِيعُ وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ فِيمَا أَعْلَمُ أنه يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَعْزِلَهُ بِقَلْبِهِ في أَنْ لَا يُسَلِّمَ عليه خَاصَّةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا مَرَّ عليه فَسَلَّمَ عليه وهو عَامِدٌ لِلسَّلَامِ عليه وهو لَا يَعْرِفُهُ فَفِيهَا قَوْلَانِ فَأَمَّا قَوْلُ عَطَاءٍ فَلَا يُحَنِّثُهُ فإنه يَذْهَبُ إلَى أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ وَضَعَ عن الْأُمَّةِ الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وفي قَوْلِ غَيْرِهِ يَحْنَثُ فإذا حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ رَجُلًا فإرسل إلَيْهِ رَسُولًا أو كَتَبَ إلَيْهِ كِتَابًا فَالْوَرَعُ أَنْ يَحْنَثَ وَلَا يَبِينُ لي أَنْ يَحْنَثَ لِأَنَّ الرَّسُولَ وَالْكِتَابَ غَيْرُ الْكَلَامِ وَإِنْ كان يَكُونُ كَلَامًا في حَالٍ وَمَنْ حَنَّثَهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّ اللَّهَ عز وجل قال { وما كان لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلَّا وَحْيًا أو من وَرَاءِ حِجَابٍ أو يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشَاءُ } الْآيَةَ وقال إنَّ اللَّهَ عز وجل يقول في الْمُنَافِقِينَ { قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قد نَبَّأَنَا اللَّهُ من أَخْبَارِكُمْ } وَإِنَّمَا نَبَّأَهُمْ بِأَخْبَارِهِمْ بِالْوَحْيِ الذي يَنْزِلُ بِهِ جِبْرِيلُ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَيُخْبِرُهُمْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِوَحْيِ اللَّهِ وَمَنْ قال لَا يَحْنَثُ قال إنَّ كَلَامَ الْآدَمِيِّينَ لَا يُشْبِهُ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى كَلَامُ الْآدَمِيِّينَ بِالْمُوَاجَهَةِ أَلَا تَرَى لو هَجَرَ رَجُلٌ رَجُلًا كانت الْهِجْرَةُ مُحَرَّمَةً عليه فَوْقَ ثَلَاثٍ فَكَتَبَ إلَيْهِ أو أَرْسَلَ إلَيْهِ وهو يَقْدِرُ على كَلَامِهِ لم يُخْرِجْهُ هذا من هِجْرَتِهِ التي يَأْثَمُ بها ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ لِقَاضٍ أَنْ لَا يَرَى كَذَا وَكَذَا إلَّا رَفَعَهُ إلَيْهِ فَمَاتَ ذلك الْقَاضِي فَرَأَى ذلك الشَّيْءَ بَعْدَ مَوْتِهِ لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ ليس ثَمَّ أَحَدٌ يَرْفَعُهُ إلَيْهِ وَلَوْ رَآهُ قبل مَوْتِهِ فلم يَرْفَعْهُ إلَيْهِ حتى مَاتَ حَنِثَ وَلَوْ أَنَّ قَاضِيًا بَعْدَهُ وُلِّيَ فَرَفَعَهُ إلَيْهِ لم يَبَرَّ لِأَنَّهُ لم يَرْفَعْهُ إلَى الْقَاضِي الذي أَحْلَفَهُ لِيَرْفَعَهُ إلَيْهِ وَكَذَلِكَ إذَا عُزِلَ ذلك الْقَاضِي لم يَكُنْ عليه أَنْ يَرْفَعَهُ إلَى الْقَاضِي الذي خَلَفَ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْمَحْلُوفِ عليه وَلَوْ عُزِلَ ذلك الْقَاضِي فَإِنْ كانت نِيَّتُهُ لَيَرْفَعَنَّهُ إلَيْهِ إنْ كان قَاضِيًا فرأي ذلك الشَّيْءَ وهو غَيْرُ قَاضٍ لم يَكُنْ عليه أَنْ يَرْفَعَهُ إلَيْهِ وَلَوْ لم تَكُنْ له نِيَّةٌ خَشِيت أَنْ يَحْنَثَ إنْ لم يَرْفَعْهُ إلَيْهِ وَإِنْ رَآهُ فَعَجَّلَ لِيَرْفَعَهُ سَاعَةَ أَمْكَنَهُ رَفْعُهُ فَمَاتَ لم يَحْنَثْ وَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِأَنْ يُمْكِنَهُ رَفْعُهُ فَيُفَرِّطَ حتى يَمُوتَ وَإِنْ عَلِمَاهُ جميعا فَعَلَيْهِ أَنْ يُخْبِرَهُ وَإِنْ كان ذلك مَجْلِسًا وَاحِدًا وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ ما له مَالٌ وَلَهُ عَرَضٌ أو دَيْنٌ أو هُمَا حَنِثَ لِأَنَّ هذا مَالٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى شيئا فَلَا يَحْنَثُ إلَّا على نِيَّتِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ مِائَةَ سَوْطٍ فَجَمَعَهَا فَضَرَبَهُ بها فَإِنْ كان يُحِيطُ الْعِلْمَ أَنَّهُ إذَا ضَرَبَهُ بها مَاسَّتْهُ كُلُّهَا فَقَدْ بَرَّ وَإِنْ كان يُحِيطُ الْعِلْمَ أنها لَا تُمَاسُّهُ كُلُّهَا لم يَبَرَّ وَإِنْ كان الْعِلْمُ مُغَيَّبًا قد تُمَاسُّهُ وَلَا تُمَاسُّهُ فَضَرَبَهُ بها ضَرْبَةً لم يَحْنَثْ في الْحُكْمِ وَيَحْنَثْ في الْوَرَعِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فما الْحُجَّةُ في هذا قِيلَ مَعْقُولٌ أَنَّهُ إذَا مَاسَّتْهُ أَنَّهُ ضَارِبُهُ بها مَجْمُوعَةً أو غير مَجْمُوعَةٍ وقد قال اللَّهُ عز وجل وَخُذْ { بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ } وَضَرَبَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَجُلًا نِضْوًا في الزنى بأثكال النَّخْلِ وَهَذَا شَيْءٌ مَجْمُوعٌ غير أَنَّهُ إذَا ضَرَبَهُ بها مَاسَّتْهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ مِائَةً ولم يَقُلْ ضَرْبًا شَدِيدًا فَأَيَّ ضَرْبٍ ضَرَبَهُ إيَّاهُ خَفِيفًا أو شَدِيدًا لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ ضَارِبُهُ في هذا كُلِّهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ لَئِنْ فَعَلَ عَبْدُهُ كَذَا لَيَضْرِبَنَّهُ فَفَعَلَ ذلك الْعَبْدُ وَضَرَبَهُ السَّيِّدُ ثُمَّ عَادَ فَفَعَلَهُ لم يَحْنَثْ وَلَا يَكُونُ الْحِنْثُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ لَا يَهَبُ رَجُلًا هِبَةً فَتَصَدَّقَ عليه بِصَدَقَةٍ فَهِيَ هِبَةٌ وهو حَانِثٌ وَكَذَلِكَ لو نَحَلَهُ فَالنَّحْلُ هِبَةٌ وَكَذَلِكَ إنْ أَعْمَرَهُ لِأَنَّهَا هِبَةٌ فَأَمَّا إنْ أَسْكَنَهُ فَلَا يَحْنَثُ إنَّمَا السُّكْنَى عَارِيَّةٌ لم يُمَلِّكْهُ إيَّاهَا وَلَهُ مَتَى شَاءَ أَنْ يَرْجِعَ فيها وَكَذَلِكَ إنْ حَبَسَ عليه لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لم يُمَلِّكْهُ ما حَبَسَ عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ
____________________

(7/80)


تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَرْكَبَ دَابَّةَ فُلَانٍ فَرَكِبَ دَابَّةَ عَبْدِهِ حَنِثَ وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَرْكَبَ دَابَّةَ الْعَبْدِ فَرَكِبَ دَابَّةَ الْعَبْدِ لم يَحْنَثْ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ لِلْعَبْدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إنَّمَا اسْمُهَا مُضَافٌ إلَيْهِ كما يُضَافُ اسْمُهَا إلَى سَائِسِهَا وَإِنْ كان حُرًّا أو يُضَافُ الْغِلْمَانُ إلَى الْمُعَلِّمِ وَهُمْ أَحْرَارٌ فَيُقَالُ غِلْمَانُ فُلَانٍ وَتُضَافُ الدَّارُ إلَى الْقَيِّمِ عليها وَإِنْ كانت لِغَيْرِهِ ( قال الرَّبِيعُ ) قُلْت أنا وَيُضَافُ اللِّجَامُ إلَى الدَّابَّةِ وَالسَّرْجُ إلَى الدَّابَّةِ فَيُقَالُ لِجَامُ الْحِمَارِ وَسَرْجُ الْحِمَارِ وَلَيْسَ يَمْلِكُ الدَّابَّةُ اللِّجَامَ وَلَا السَّرْجَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الْعَبْدُ بِاَللَّهِ فَحَنِثَ أو أَذِنَ له سَيِّدُهُ فَحَجَّ فَأَصَابَ شيئا مِمَّا عليه فيه فِدْيَةٌ أو تَظَاهَرَ أو آلَى فَحَنِثَ فَلَا يَجْزِيهِ في هذا كُلِّهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ وَلَوْ أَذِنَ له سَيِّدُهُ من قِبَلِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مَالِكًا لِلْمَالِ وَأَنَّ لِمَالِكِهِ أَنْ يُخْرِجَهُ من يَدَيْهِ وهو مُخَالِفٌ لِلْحُرِّ يُوهَبُ له الشَّيْءُ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ لِأَنَّ الْحُرَّ يَمْلِكُهُ قبل أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ وَعَلَيْهِ الصِّيَامُ في هذا كُلِّهِ ( 1 ) فَإِنْ كان هذا شَيْءٌ منه بِإِذْنِ مَوْلَاهُ فَلَيْسَ له أَنْ يَمْنَعَهُ منه وَإِنْ كان منه بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَإِنْ كان الصَّوْمُ يَضُرُّ بِعَمَلِ الْمَوْلَى كان له أَنْ يَمْنَعَهُ فَإِنْ صَامَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ في الْحَالِ التي له أَنْ يَمْنَعَهُ فيها أَجْزَأَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَحْنَثُ الناس في الْحُكْمِ على الظَّاهِرِ من أَيْمَانِهِمْ وَكَذَلِكَ أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنْ نَحْكُمَ عليهم بِمَا ظَهَرَ وَكَذَلِكَ أَمَرَنَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَكَذَلِكَ أَحْكَامُ اللَّهِ وَأَحْكَامُ رَسُولِهِ في الدُّنْيَا فَأَمَّا السَّرَائِرُ فَلَا يَعْلَمُهَا إلَّا اللَّهُ فَهُوَ يُدِينُ بها وَيَجْزِي وَلَا يَعْلَمُهَا دُونَهُ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ أَلَا تَرَى أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى في الْمُنَافِقِينَ أَنَّهُ يَعْلَمُهُمْ مُشْرِكِينَ فَأَوْجَبَ عليهم في الْآخِرَةِ جَهَنَّمَ فقال عز وجل { إنَّ الْمُنَافِقِينَ في الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ من النَّارِ } وَحَكَمَ لهم رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِأَحْكَامِ الْإِسْلَامِ بِمَا أَظْهَرُوا منه فلم يَسْفِكْ لهم دَمًا ولم يَأْخُذْ لهم مَالًا ولم يَمْنَعْهُمْ أَنْ يُنَاكِحُوا الْمُسْلِمِينَ وَيَنْكِحُوهُمْ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَعْرِفُهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ يَأْتِيهِ الْوَحْيُ وَيَسْمَعُ ذلك منهم وَيَبْلُغُهُ عَنْهُمْ فَيُظْهِرُونَ التَّوْبَةَ وَالْوَحْيُ يَأْتِيهِ بِأَنَّهُمْ كَاذِبُونَ بِالتَّوْبَةِ وَمِثْلَ ذلك قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في جَمِيعِ الناس أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ الناس حتى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فإذا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ على اللَّهِ وَكَذَلِكَ قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْحُدُودِ فَأَقَامَ على رَجُلٍ حَدًّا ثُمَّ قام خَطِيبًا فقال أَيُّهَا الناس قد آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عن مَحَارِمِ اللَّهِ فَمَنْ أَصَابَ مِنْكُمْ من هذه الْقَاذُورَاتِ شيئا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فإنه من يُبْدِ لنا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عليه كِتَابَ اللَّهِ وروى عنه أَنَّهُ قال تَوَلَّى اللَّهُ مِنْكُمْ السَّرَائِرَ وَدَرَأَ عَنْكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَحُفِظَ عنه صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال إنَّمَا أنا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ من بَعْضٍ فَأَقْضِي له على نَحْوِ ما أَسْمَعُ منه فَمَنْ قَضَيْت له بِشَيْءٍ من حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذْهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ له قِطْعَةً من النَّارِ وَلَاعَنَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بين الْعَجْلَانِيِّ وَامْرَأَتِهِ وَقَذَفَهَا بِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَبْصِرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا فَهُوَ لِلَّذِي يَتَّهِمُهُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا فَلَا أَرَاهُ إلَّا قد كَذَبَ عليها فَجَاءَتْ بِهِ على النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ وقد روى عنه صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال إنَّ أَمْرَهُ لَبَيِّنٌ لَوْلَا ما حَكَمَ اللَّهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ كان لِأَحَدٍ من الْخَلْقِ أَنْ يَحْكُمَ على خِلَافِ الظَّاهِرِ ما كان ذلك لِأَحَدٍ إلَّا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِمَا يَأْتِيهِ بِهِ الْوَحْيُ وَبِمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى فيه مِمَّا لم يَجْعَلْ في غَيْرِهِ من التَّوْفِيقِ فإذا كان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَتَوَلَّ أَنْ يَقْضِيَ إلَّا على الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنُ يَأْتِيهِ وهو يَعْرِفُ من الدَّلَائِلِ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ إيَّاهُ ما لَا يَعْرِفُ غَيْرُهُ فَغَيْرُهُ أَوْلَى أَنْ لَا يَحْكُمَ إلَّا على الظَّاهِرِ وَإِنَّمَا جَوَابُنَا في هذه الْأَيْمَانِ
____________________

(7/81)


كُلِّهَا إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ لَا نِيَّةَ له فَأَمَّا إذَا كانت الْيَمِينُ بِنِيَّةٍ فَالْيَمِينُ على ما نَوَى قِيلَ لِلرَّبِيعِ كُلُّ ما كان في هذا الْكِتَابِ فَإِنَّا نَقُولُ فَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ قال نعم وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * بَابُ الْإِشْهَادِ عِنْدَ الدَّفْعِ إلَى الْيَتَامَى - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل { وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حتى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ منهم رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كان غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كان فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فإذا دَفَعْتُمْ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عليهم } الْآيَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَفِي هذه الْآيَةِ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا الْأَمْرُ بِالْإِشْهَادِ وهو ( 1 ) في مِثْلِ مَعْنَى الْآيَةِ قَبْلَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ من أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِالْإِشْهَادِ دَلَالَةً لَا حَتْمًا وفي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَكَفَى بِاَللَّهِ حَسِيبًا } كَالدَّلِيلِ على الْإِرْخَاصِ في تَرْكِ الْإِشْهَادِ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل يقول { وَكَفَى بِاَللَّهِ حَسِيبًا } أَيْ إنْ لم تُشْهِدُوا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنْ يَكُونَ وَلِيُّ الْيَتِيمِ الْمَأْمُورِ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ مَالَهُ وَالْإِشْهَادِ بِهِ عليه يَبْرَأُ بِالْإِشْهَادِ عليه إنْ جَحَدَهُ الْيَتِيمُ وَلَا يَبْرَأُ بِغَيْرِهِ أو يَكُونَ مَأْمُورًا بِالْإِشْهَادِ عليه على الدَّلَالَةِ وقد يَبْرَأُ بِغَيْرِ شَهَادَةٍ إذَا صَدَّقَهُ الْيَتِيمُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْآيَةُ مُحْتَمِلَةٌ الْمَعْنَيَيْنِ مَعًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَيْسَ في وَاحِدَةٍ من هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ تَسْمِيَةُ شُهُودٍ وَتَسْمِيَةُ الشُّهُودِ في غَيْرِهِمَا وَتِلْكَ التَّسْمِيَةُ تَدُلُّ على ما يَجُوزُ فِيهِمَا وفي غَيْرِهِمَا وَتَدُلُّ مَعَهُمَا السُّنَّةُ ثُمَّ ما لَا أَعْلَمُ أَهْلَ الْعِلْمِ اخْتَلَفُوا فيه وفي ذِكْرِ اللَّهِ عز وجل الشَّهَادَاتِ دَلَالَةٌ على أَنَّ لِلشَّهَادَاتِ حُكْمًا وَحُكْمُهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يُقْطَعَ بها بين الْمُتَنَازِعَيْنِ بِدَلَالَةِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ إجْمَاعٍ سَنَذْكُرُهُ في مَوْضِعِهِ قال اللَّهُ عز وجل { وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ من نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا } الْآيَةَ فَسَمَّى اللَّهُ في الشَّهَادَةِ في الْفَاحِشَةِ وَالْفَاحِشَةُ هَا هُنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ الزنى وفي الزنى أَرْبَعَةُ شُهُودٍ وَلَا تَتِمُّ الشَّهَادَةُ في الزنى إلَّا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ لَا امْرَأَةَ فِيهِمْ لِأَنَّ الظَّاهِرَ من الشُّهَدَاءِ الرِّجَالُ خَاصَّةً دُونَ النِّسَاءِ وَدَلَّتْ السُّنَّةُ على أَنَّهُ لَا يَجُوزُ في الزنى أَقَلُّ من أَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ وَعَلَى مِثْلِ ما دَلَّ عليه الْقُرْآنُ في الظَّاهِرِ من أَنَّهُمْ رِجَالٌ مُحْصَنُونَ فَإِنْ قال قَائِلٌ الْفَاحِشَةُ تَحْتَمِلُ الزنى وَغَيْرَهُ فما دَلَّ على أنها في هذا الْمَوْضِعِ الزنى دُونَ غَيْرِهِ قِيلَ كِتَابُ اللَّهِ ثُمَّ سُنَّةُ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ ما لَا أَعْلَمُ عَالِمًا خَالَفَ فيه في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل في { واللاتي ( ( ( اللاتي ) ) ) يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ من نِسَائِكُمْ فاستشهدوا ( ( ( يمسكن ) ) ) عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا } ثُمَّ نَزَلَتْ { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قد جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ وَدَلَّ اللَّهُ وَرَسُولُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ هذا الْحَدَّ إنَّمَا هو على الزُّنَاةِ دُونَ غَيْرِهِمْ لم أَعْلَمْ في ذلك مُخَالِفًا من أَهْلِ الْعِلْمِ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على أَنْ لَا يُقْطَعَ الْحُكْمُ في الزنى بِأَقَلَّ من أَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ قِيلَ له الْآيَتَانِ من كِتَابِ اللَّهِ عز وجل يَدُلَّانِ على ذلك قال اللَّهُ عز وجل في الْقَذَفَةِ { لَوْلَا جاؤوا عليه بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فإذ ( ( ( فإذا ) ) ) لم يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمْ الْكَاذِبُونَ } يقول لَوْلَا جاؤوا على من قَذَفُوا بالزنى بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ بِمَا قالوا وَقَوْلُ اللَّهِ عز وجل { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لم يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً } وَدَلَّ على ذلك مع الِاكْتِفَاءِ بِالتَّنْزِيلِ السُّنَّةُ ثُمَّ الْأَثَرُ ثُمَّ الْإِجْمَاعُ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن سُهَيْلِ بن أبي صَالِحٍ عن أبيه عن أبي هُرَيْرَةَ رضي ( ( ( رحمه ) ) ) اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّ سَعْدًا قال يا رَسُولَ اللَّهِ
____________________

(7/82)


أَرَأَيْت لو وَجَدْت مع امْرَأَتِي رَجُلًا أُمْهِلُهُ حتى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نعم ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن بن الْمُسَيِّبِ أَنَّ عَلِيَّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه سُئِلَ عن رَجُلٍ وَجَدَ مع امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَقَتَلَهُ أو قَتَلَهَا فقال إنْ لم يَأْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَلْيُعْطَ بِرُمَّتِهِ وَشَهِدَ ثَلَاثَةٌ على رَجُلٍ عِنْدَ عُمَرَ بالزنى ولم يَثْبُتْ الرَّابِعُ فَحُدَّ الثَّلَاثَةُ ولم أَعْلَمْ الناس اخْتَلَفُوا في أَنْ لَا يُقَامَ الْحَدُّ في الزنى بِأَقَلَّ من أَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ - * بَابُ ما جاء في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ من نِسَائِكُمْ } حتى ما يُفْعَلُ بِهِنَّ من الْحَبْسِ وَالْأَذَى - * قال اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ من نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ في الْبُيُوتِ } فيه دَلَالَةٌ على أُمُورٍ منها أَنَّ اللَّهَ عز وجل سَمَّاهُنَّ من نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ الْمُخَاطَبُونَ بِالْفَرَائِضِ يَجْمَعُ هذا أن لم يَقْطَعْ الْعِصْمَةَ بين أَزْوَاجِهِنَّ وَبَيْنَهُمْ في الزنى وفي هذه الْآيَةِ دَلَالَةٌ على أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عز اسْمُهُ { الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أو مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إلَّا زَانٍ أو مُشْرِكٌ } كما قال بن الْمُسَيِّبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَنْسُوخَةٌ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن يحيى بن سَعِيدٍ قال قال بن الْمُسَيِّبِ نَسَخَتْهَا { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ } فَهُنَّ من أَيَامَى الْمُسْلِمِينَ وقال اللَّهُ عز وجل { فَأَمْسِكُوهُنَّ في الْبُيُوتِ } يُشْبِهُ عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ إذَا لم تُقْطَعْ الْعِصْمَةُ بالزنى فَالْمُوَارَثَةُ بِأَحْكَامِ الْإِسْلَامِ ثَابِتَةٌ عليها وَإِنْ زَنَتْ وَيَدُلُّ إذَا لم تُقْطَعْ الْعِصْمَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا بالزنى لَا بَأْسَ أَنْ يَنْكِحَ امْرَأَةً وَإِنْ زَنَتْ إن ذلك لو كان يُحَرِّمُ نِكَاحَهَا قُطِعَتْ الْعِصْمَةُ بين الْمَرْأَةِ تَزْنِي عِنْدَ زَوْجِهَا وَبَيْنَهُ وَأَمَرَ اللَّهُ عز وجل في اللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ من النِّسَاءِ بِأَنْ يُحْبَسْنَ في الْبُيُوتِ حتى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أو يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا مَنْسُوخٌ بِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي } في كِتَابِ اللَّهِ ثُمَّ على لِسَانِ رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَإِنْ قال قَائِلٌ فَأَيْنَ ما وَصَفْت من ذلك قِيلَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَرَأَيْت إذَا أَمَرَ اللَّهُ في اللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ أَنْ يُحْبَسْنَ في الْبُيُوتِ حتى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أو يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا أَلَيْسَ بَيِّنًا أَنَّ هذا أَوَّلُ ما أُمِرَ بِهِ في الزَّانِيَةِ فَإِنْ قال هذا وَإِنْ كان هَكَذَا عِنْدِي فَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عِنْدِي حَدُّ الزنى في الْقُرْآنِ قبل هذا ثُمَّ خُفِّفَ وَجُعِلَ هذا مَكَانَهُ إلَّا أَنْ يَدُلَّ عليه غَيْرُ هذا قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا عبد الْوَهَّابِ عن يُونُسَ عن الْحَسَنِ عن عُبَادَةَ بن الصَّامِتِ في هذه الْآيَةِ { حتى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أو يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا } قال كَانُوا يُمْسِكُوهُنَّ حتى نَزَلَتْ آيَةُ الْحُدُودِ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم خُذُوا عَنِّي قد جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَلَا أَدْرِي أَسَقَطَ من كِتَابِي حِطَّانُ الرَّقَاشِيُّ أَمْ لَا فإن الْحَسَنَ حدثه عن حِطَّانَ الرَّقَاشِيِّ عن عُبَادَةَ بن الصَّامِتِ وقد حَدَّثَنِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ من أَهْلِ الْعِلْمِ عن الثِّقَةِ عن الْحَسَنِ عن حِطَّانَ الرَّقَاشِيِّ عن عُبَادَةَ بن الصَّامِتِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مِثْلُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا حَدِيثٌ يَقْطَعُ الشَّكَّ وَيُبَيِّنُ أَنَّ حَدَّ الزَّانِيَيْنِ كان الْحَبْسَ أو الْحَبْسَ وَالْأَذَى فَكَانَ الْأَذَى بَعْدَ الْحَبْسِ أو قَبْلَهُ وَأَنَّ أَوَّلَ ما حَدَّ اللَّهُ بِهِ الزَّانِيَيْنِ من الْعُقُوبَةِ في أَبْدَانِهِمَا بَعْدَ هذا عِنْدَ قَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قد جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَالْجَلْدُ على الزَّانِيَيْنِ الثَّيِّبَيْنِ مَنْسُوخٌ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَجَمَ مَاعِزَ بن مَالِكٍ ولم يَجْلِدْهُ وَرَجَمَ الْمَرْأَةَ التي بَعَثَ إلَيْهَا أُنَيْسًا ولم يَجْلِدْهَا وَكَانَا ثَيِّبَيْنِ ( 1 ) فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على أَنَّ هذا مَنْسُوخٌ قِيلَ له أَرَأَيْت
____________________

(7/83)


إذَا كان أَوَّلُ ما حَدَّ اللَّهُ بِهِ الزَّانِيَيْنِ الْحَبْسَ أو الْحَبْسَ وَالْأَذَى ثُمَّ قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم خُذُوا عَنِّي قد جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالتَّغْرِيبُ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ الْجَلْدُ وَالرَّجْمُ أَلَيْسَ في هذا دَلَالَةٌ على أَنَّ أَوَّلَ ما حَدَّهُمَا اللَّهُ بِهِ من الْعُقُوبَةِ في أَبْدَانِهِمَا الْحَبْسُ وَالْأَذَى فَإِنْ قال بَلَى قِيلَ فإذا كان هذا أَوَّلًا فَلَا نَجِدُ ثَانِيًا أَبَدًا إلَّا بَعْدَ الْأَوَّلِ فإذا حَدٌّ ثَانٍ بَعْدَ الْأَوَّلِ فَخُفِّفَ من حَدِّ الْأَوَّلِ شَيْءٌ فَذَلِكَ دَلَالَةٌ على ما خُفِّفَ الْأَوَّلُ مَنْسُوخٌ عن الزَّانِي - * بَابُ الشَّهَادَةِ في الطَّلَاقِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل { فإذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أو فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَرَ اللَّهُ عز وجل في الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ بِالشَّهَادَةِ وسمي فيها عَدَدَ الشَّهَادَةِ فَانْتَهَى إلَى شَاهِدَيْنِ فَدَلَّ ذلك على أَنَّ كَمَالَ الشَّهَادَةِ على الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ شَاهِدَانِ فإذا كان ذلك كَمَالَهَا لم يَجُزْ فيها شَهَادَةٌ أَقَلُّ من شَاهِدَيْنِ لِأَنَّ ما كان دُونَ الْكَمَالِ مِمَّا يُؤْخَذُ بِهِ الْحَقُّ لِبَعْضِ الناس من بَعْضٍ فَهُوَ غَيْرُ ما أَمَرَ بِالْأَخْذِ بِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ بِغَيْرِ ما أَمَرَنَا بِالْأَخْذِ بِهِ وَكَذَلِكَ يَدُلُّ على ما دَلَّ عليه ما قَبْلَهُ من نَفْيِ أَنْ يَجُوزَ فيه إلَّا ذلك رِجَالٌ لَا نِسَاءَ مَعَهُمْ لِأَنَّ شَاهِدَيْنِ لَا يَحْتَمِلُ بِحَالٍ أَنْ يَكُونَا إلَّا رَجُلَيْنِ فَاحْتَمَلَ أَمْرُ اللَّهِ عز وجل بِالْإِشْهَادِ في الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ ما احْتَمَلَ أَمْرُهُ بِالْإِشْهَادِ في الْبُيُوعِ وَدَلَّ ما وَصَفْت من أَنِّي لم أَلْقَ مُخَالِفًا حَفِظْت عنه من أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ حَرَامًا أَنْ يُطَلِّقَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ على أَنَّهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ دَلَالَةُ اخْتِيَارٍ لَا فَرْضٍ يعصى بِهِ من تَرَكَهُ وَيَكُونُ عليه أَدَاؤُهُ إنْ فَاتَ في مَوْضِعِهِ وَاحْتَمَلَتْ الشَّهَادَةُ على الرَّجْعَةِ من هذا ما احْتَمَلَ الطَّلَاقُ وَيُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ في مِثْلِ مَعْنَاهُ لِأَنَّهُمَا إذَا تَصَادَقَا على الرَّجْعَةِ في الْعِدَّةِ تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ وَإِنْ أَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا كما إذَا تَصَادَقَا على الطَّلَاقِ يَثْبُتُ وَإِنْ أَنْكَرَ الرَّجُلُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَالِاخْتِيَارُ في هذا وفي غَيْرِهِ مِمَّا أَمَرَ فيه بِالشَّهَادَةِ وَاَلَّذِي ليس في النَّفْسِ منه شَيْءٌ الْإِشْهَادُ - * بَابُ الشَّهَادَةِ في الدَّيْنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل { إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ } الْآيَةَ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا وقال في سِيَاقِهَا { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ من رِجَالِكُمْ فَإِنْ لم يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ من الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى } الْآيَةَ فذكر اللَّهُ عز وجل شُهُودَ الزنى وَذَكَرَ شُهُودَ الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَذَكَرَ شُهُودَ الْوَصِيَّةِ فلم يذكر مَعَهُمْ امْرَأَةً فَوَجَدْنَا شُهُودَ الزنى يَشْهَدُونَ على حَدٍّ لَا مَالٍ وَشُهُودَ الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ يَشْهَدُونَ على تَحْرِيمٍ بَعْدَ تَحْلِيلٍ وَتَثْبِيتِ تَحْلِيلٍ لَا مَالَ في وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَذَكَرَ شُهُودَ الْوَصِيَّةِ وَلَا مَالَ لِلْمَشْهُودِ له أَنَّهُ وَصَّى ثُمَّ لم أَعْلَمْ أَحَدًا من أَهْلِ الْعِلْمِ خَالَفَ في أَنْ لَا يَجُوزَ في الزنى إلَّا الرِّجَالُ وَعَلِمْت أَكْثَرَهُمْ قال وَلَا في الطَّلَاقِ وَلَا الرَّجْعَةِ إذَا تَنَاكَرَ الزَّوْجَانِ وَقَالُوا ذلك في الْوَصِيَّةِ وكان ما حَكَيْت من أَقَاوِيلِهِمْ دَلَالَةً على مُوَافَقَةِ ظَاهِرِ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل وكان أَوْلَى الْأُمُورِ أَنْ يُصَارَ إلَيْهِ وَيُقَاسَ عليه وَذَكَرَ اللَّهُ شُهُودَ الدَّيْنِ فذكر فِيهِمْ النِّسَاءَ وكان الدَّيْنُ أَخْذَ مَالٍ من الْمَشْهُودِ عليه وَالْأَمْرُ على ما فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ من الْأَحْكَامِ في الشَّهَادَاتِ أَنْ يُنْظَرَ كُلُّ ما شَهِدَ بِهِ على أَحَدٍ فَكَانَ لَا يُؤْخَذُ منه بِالشَّهَادَةِ نَفْسِهَا مَالٌ وكان إنَّمَا يَلْزَمُ بها حَقٌّ غَيْرُ مَالٍ أو شَهِدَ بِهِ لِرَجُلٍ وكان لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ مَالًا لِنَفْسِهِ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِهِ غير مَالٍ مِثْلَ الْوَصِيَّةِ وَالْوَكَالَةِ وَالْقِصَاصِ وَالْحَدِّ وما أَشْبَهَهُ فَلَا يَجُوزُ فيه إلَّا شَهَادَةُ الرِّجَالِ لَا يَجُوزُ فيه امْرَأَةٌ وَيُنْظَرُ كُلُّ ما شَهِدَ بِهِ مِمَّا أَخَذَ بِهِ الْمَشْهُودُ له من الْمَشْهُودِ عليه مَالًا فَتَجُوزُ فيه شَهَادَةُ النِّسَاءِ مع الرِّجَالِ لِأَنَّهُ في مَعْنَى الْمَوْضِعِ الذي أَجَازَهُنَّ اللَّهُ فيه فَيَجُوزُ قِيَاسًا لَا يَخْتَلِفُ هذا الْقَوْلُ فَلَا يَجُوزُ غَيْرُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَمَنْ خَالَفَ هذا الْأَصْلَ تَرَكَ عِنْدِي ما يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ من مَعْنَى الْقُرْآنِ
____________________

(7/84)


وَلَا أَعْلَمُ لِأَحَدٍ خَالَفَهُ حُجَّةً فيه بِقِيَاسٍ وَلَا خَبَرٍ لَازِمٍ وفي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { فَإِنْ لم يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ من الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى } دَلَالَةٌ على أَنْ لَا تَجُوزَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ حَيْثُ نُجِيزُهُنَّ إلَّا مع رَجُلٍ وَلَا يَجُوزُ مِنْهُنَّ إلَّا امْرَأَتَانِ فَصَاعِدًا لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل لم يُسَمِّ مِنْهُنَّ أَقَلَّ من اثْنَتَيْنِ ولم يَأْمُرْ بِهِنَّ اللَّهُ إلَّا مع رَجُلٍ - * بَابُ الْخِلَافِ في هذا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ خَالَفَنَا أَحَدٌ فقال إنْ شَهِدَتْ امْرَأَتَانِ لِرَجُلٍ حَلَفَ مَعَهُمَا فَقَدْ خَالَفَهُ عَدَدٌ أَحْفَظُ عَنْهُمْ ذلك من أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهِمْ وَهَذَا أَجَازَ النِّسَاءَ بِغَيْرِ رَجُلٍ وَيَلْزَمُهُ في أَصْلِ مَذْهَبِهِ أَنْ يُجِيزَ أَرْبَعًا فيعطى بِهِنَّ حَقًّا على مَذْهَبِهِ فَيَكُونَ خِلَافَ ما وَصَفْت من دَلَالَةِ الْكِتَابِ فَإِنْ قال إنِّي إنَّمَا أَجَزْت شَهَادَتَهُمَا أَنَّهُمَا مع يَمِينِ رَجُلٍ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُحَلِّفَ امْرَأَةً إنْ أَقَامَتْ شَاهِدًا وَاَلَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ الرَّجُلُ هو الذي تَسْتَحِقُّ بِهِ الْمَرْأَةُ الْحَقَّ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْلِفَ مُشْرِكٌ وَلَا عَبْدٌ وَلَا حُرٌّ غَيْرُ عَدْلٍ مع أَنَّهُ خِلَافُ ما وَصَفْت من دَلَالَةِ الْكِتَابِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَهَذَا قَوْلٌ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَغْلَطَ إلَيْهِ فَإِنْ قال إنِّي أعطى بِالْيَمِينِ كما أعطى بِشَاهِدٍ فَذَلِكَ بِالْخَبَرِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الذي لَزِمَنَا أَنْ نَقُولَ بِمَا حَكَمَ بِهِ لَا أنها ( ( ( أنه ) ) ) من جِهَةِ الشَّهَادَاتِ وَلَوْ كانت من جِهَةِ الشَّهَادَاتِ ما أَحَلَفْنَا الرَّجُلَ وهو شَاهِدٌ وَلَا أَجَزْنَا شَهَادَتَهُ لِنَفْسِهِ وَلَوْ جَازَ هذا ما جَازَ لِغَيْرِ عَدْلٍ وَلَا جَازَ أَنْ تَحْلِفَ امْرَأَةٌ وَلَا عَبْدٌ وَلَا كَافِرٌ وَلَا غَيْرُ عَدْلٍ فَإِنْ قال قَائِلٌ فما هِيَ قِيلَ يَمِينٌ أَعْطَى بها رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَعْطَيْنَا بها كما كانت يَمِينًا في الْمُتَلَاعِنَيْنِ وَلِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم سُنَّةٌ في الْمُدَّعَى عليه فَأَحْلَفْنَا في ذلك الْمَرْأَةَ وَالرَّجُلَ وَالْحُرَّ الْعَدْلَ وَغَيْرَ الْعَدْلِ وَالْعَبْدَ وَالْكَافِرَ لَا أنها من الشَّهَادَاتِ بِسَبِيلٍ - * بَابُ الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وقد حَكَيْت مِمَّا ذَكَرَ اللَّهُ عز وجل في كِتَابِهِ من الشَّهَادَاتِ وكان الْكِتَابُ كَالدَّلِيلِ على أنها يُحْكَمُ بها على ما فَرَضَ اللَّهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ على من كانت له تِلْكَ الشَّهَادَاتُ وَكَانَتْ على ذلك دَلَالَةُ السُّنَّةِ ثُمَّ الْآثَارِ وما لَا أَعْلَمُ بين أَحَدٍ لَقِيته فَحَفِظْت عنه من أَهْلِ الْعِلْمِ في ذلك مُخَالِفًا قال وَذَكَرَ اللَّهُ عز وجل في الزنى أَرْبَعَةً وَذَكَرَ في الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَالْوَصِيَّةِ اثْنَيْنِ ثُمَّ كان الْقَتْلُ وَالْجِرَاحُ من الْحُقُوقِ التي لم يذكر فيها عَدَدَ الشُّهُودِ الَّذِينَ يُقْطَعُ بِهِمْ فَاحْتَمَلَ أَنْ تُقَاسَ على شُهُودِ الزنى وَأَنْ تُقَاسَ على شُهُودِ الطَّلَاقِ وما سَمَّيْنَا معه فلما احْتَمَلَ الْمَعْنَيَيْنِ مَعًا ثُمَّ لم أَعْلَمْ مُخَالِفًا لَقِيته من أَهْلِ الْعِلْمِ إلَّا وَاحِدًا في أَنَّهُ يَجُوزُ فِيمَا سِوَى الزنى شَاهِدَانِ فَكَانَ الذي عليه أَكْثَرُ من لَقِيت من أَهْلِ الْعِلْمِ أَوْلَى أَنْ يُقَالَ بِهِ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ وَاحِدٌ لَا أَعْرِفُ له مُتَقَدِّمًا إذَا احْتَمَلَ الْقِيَاسُ خِلَافَ قَوْلِهِ وَإِنْ احْتَمَلَ الْقِيَاسُ قَوْلَهُ وَكَذَلِكَ شَهَادَةُ الشُّهُودِ على الْخَمْرِ وَغَيْرِ ذلك وَكَذَلِكَ الشَّهَادَةُ على الْقَذْفِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فإن اللَّهَ عز وجل يقول في الْقَذَفَةِ { لَوْلَا جاؤوا عليه بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ } الْآيَةَ وقال { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لم يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً } قِيلَ له هذا كما قال اللَّهُ عز وجل لِأَنَّ اللَّهَ حَكَمَ في الزنى بِأَرْبَعَةٍ فإذا قَذَفَ رَجُلٌ رَجُلًا بالزنى لم يُخْرِجْهُ من الْحَدِّ إلَّا أَنْ يُقِيمَ عليه بَيِّنَةً بِأَنَّهُ زَانٍ وَلَا يَكُونُ عليه بَيِّنَةٌ تَقْطَعُ أَقَلَّ من أَرْبَعَةٍ وما لم يُتِمُّوا أَرْبَعَةً فَهُوَ قَاذِفٌ يُحَدُّ وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِالْأَرْبَعَةِ أَنْ يَثْبُتَ عليه الزنى فَيَخْرُجَ من ذلك الْقَاذِفُ وَيُحَدَّ الْمَشْهُودُ عليه الْمَقْذُوفُ وَحُكْمُهُمْ مَعًا حُكْمُ شُهُودِ الزنى لِأَنَّهُنَّ شَهَادَاتٌ على الزنى لَا على الْقَذْفِ فإذا قام على رَجُلٍ شَاهِدَانِ بِأَنَّهُ قَذَفَ رَجُلًا حُدَّ لِأَنَّهُ لم يذكر عَدَدَ شُهُودِ
____________________

(7/85)


الْقَذْفِ فَكَانَ قِيَاسًا على الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ مِمَّا وَصَفْت وَلَا يَخْرُجُ من أَنْ يُحَدَّ له إلَّا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ يُثْبِتُونَ الزنى على الْمَقْذُوفِ فَيُحَدُّ وَيَكُونُ هذا صَادِقًا في الظَّاهِرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ - * الْيَمِينُ مع الشَّاهِدِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَكْثَرُ ما جَعَلَ اللَّهُ عز وجل من الشُّهُودِ في الزنى أَرْبَعَةٌ وفي الدَّيْنِ رَجُلَانِ أو رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فَكَانَ تَفْرِيقُ اللَّهِ عز وجل بين الشَّهَادَاتِ على ما حَكَمَ اللَّهُ عز وجل من أنها مُفْتَرِقَةٌ وَاحْتَمَلَ إذَا كان أَقَلُّ ما ذَكَرَ اللَّهُ من الشَّهَادَاتِ شَاهِدَيْنِ أو شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ ما تَتِمُّ بِهِ الشَّهَادَةُ بِمَعْنَى لَا يَكُونُ على الْمَشْهُودِ له يَمِينٌ إذَا أتى بِكَمَالِ الشَّهَادَةِ فَيُعْطَى بِالشَّهَادَةِ دُونَ يَمِينِهِ لَا أَنَّ اللَّهَ عز وجل حَتَّمَ أَنْ لَا يُعْطَى أَحَدٌ بِأَقَلَّ من شَاهِدَيْنِ أو شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ لِأَنَّهُ لم يُحَرَّمْ أَنْ يَجُوزَ أَقَلُّ من ذلك نَصًّا في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهَذَا نَقُولُ لِأَنَّ عليه دَلَالَةَ السُّنَّةِ ثُمَّ الْآثَارِ وَبَعْضِ الْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ فَقُلْنَا يُقْضَى بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ فَسَأَلَنَا سَائِلٌ ما رَوَيْت منها فَقُلْنَا أخبرنا عبد اللَّهِ بن الحرث عن سَيْفِ بن سُلَيْمَانَ عن قَيْسِ بن سَعْدٍ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ قال عَمْرٌو في الْأَمْوَالِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدٍ عن رَبِيعَةَ بن عُثْمَانَ عن مُعَاذِ بن عبد الرحمن عن بن عَبَّاسٍ وَرَجُلٍ آخَرَ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم سَمَّاهُ لَا أَحْفَظُ اسْمَهُ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن جَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ قال سَمِعْت الْحَكَمَ بن عُتَيْبَةَ يَسْأَلُ أبي أَقَضَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ قال نعم وَقَضَى بها على رضي اللَّهُ تعالى عنه بين أَظْهُرِكُمْ قال مُسْلِمٌ وقال جَعْفَرٌ في حَدِيثِهِ في الدَّيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَحَكَمْنَا بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ في الْأَمْوَالِ دُونَ ما سِوَاهَا وما حَكَمْنَا فيه بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ أَجَزْنَا فيه شَهَادَةَ النِّسَاءِ مع الرِّجَالِ وما لم نَحْكُمْ فيه بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ لم نُجِزْ فيه شَهَادَةَ النِّسَاءِ مع الرِّجَالِ اسْتِدْلَالًا بِمَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ عز وجل الذي وَصَفْت في شَهَادَتِهِنَّ قبل هذا - * بَابُ الْخِلَافِ في الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس في الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ خِلَافًا أَسْرَفَ فيه على نَفْسِهِ فقال أَرُدُّ حُكْمَ من حَكَمَ بها لِأَنَّهَا خِلَافُ الْقُرْآنِ فَقُلْت لِأَعْلَى من لَقِيت مِمَّنْ خَالَفَنَا فيها عِلْمًا أَمَرَ اللَّهُ بِشَاهِدَيْنِ أو شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ فقال نعم فَقُلْت فَفِيهِ أَنَّ حَتْمًا من اللَّهِ عز وجل أَنْ لَا يَجُوزَ أَقَلُّ من شَاهِدَيْنِ أو شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ فقال فَإِنْ قُلْته قُلْت له فَقُلْهُ فقال فَقَدْ قُلْته فَقُلْت وَتَجِدُ من الشَّاهِدَانِ اللَّذَانِ أَمَرَ اللَّهُ عز وجل بِهِمَا فقال حُرَّانِ مُسْلِمَانِ بَالِغَانِ عَدْلَانِ قُلْت وَمَنْ حَكَمَ بِدُونِ ما قُلْت خَالَفَ حُكْمَ اللَّهِ قال نعم قُلْت له إنْ كان كما زَعَمْت فَقَدْ خَالَفْت حُكْمَ اللَّهِ عز وجل قال وَأَيْنَ قُلْت إذْ أَجَزْت شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَهُمْ غَيْرُ الَّذِينَ شَرَطَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ أَنْ تَجُوزَ شَهَادَتُهُمْ وَأَجَزْت شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ وَحْدَهَا على الْوِلَادَةِ وَهَذَانِ وَجْهَانِ أَعْطَيْت بِهِمَا من جِهَةِ الشَّهَادَةِ ثُمَّ أَعْطَيْت بِغَيْرِ شَهَادَةٍ في الْقَسَامَةِ وَغَيْرِهَا قال فَتَقُولُ مَاذَا قُلْت أَقُولُ إنَّ الْقَضَاءَ بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ ليس بِخِلَافِ حُكْمِ اللَّهِ عز وجل بَلْ بِحُكْمِ اللَّهِ حَكَمْت بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ فَفَرَضَ اللَّهُ طَاعَةَ رَسُولِهِ فَاتَّبَعْت رَسُولَهُ فَعَنْ اللَّهِ قَبِلْت كما قَبِلْت عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على الْمَعْنَى الذي وَصَفْت من أَنَّ اتِّبَاعَ أَمْرِهِ فَرْضٌ وَلِهَذَا كِتَابٌ طَوِيلٌ هذا مُخْتَصَرٌ منه قد قالوا فيه وَقُلْنَا
____________________

(7/86)


وَأَكْثَرْنَا قال أَفَتُوجِدُنِي لها نَظِيرًا في الْقُرْآنِ قُلْت نعم أَمَرَ اللَّهُ عز وجل في الْوُضُوءِ بِغَسْلِ الْقَدَمَيْنِ أو مَسْحِهِمَا فَمَسَحْنَا وَمَسَحْت على الْخُفَّيْنِ بِالسُّنَّةِ وَقَوْلُ اللَّهِ عز وجل { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا } فَحَرَّمْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ كُلَّ ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ بِالسُّنَّةِ وَقَوْلُ اللَّهِ عز وجل كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَرَاءَ ذَلِكُمْ فَحَرَّمْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ أَنْ يُجْمَعَ بين الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا بالسنه قال اللَّهُ عز وجل { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } وقال { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } وَدَلَّتْ السُّنَّةُ على أَنَّهُ إنَّمَا يُقْطَعُ بَعْضُ السُّرَّاقِ دُونَ بَعْضٍ وَيُجْلَدُ مِائَةً بَعْضُ الزُّنَاةِ دُونَ بَعْضٍ فَقُلْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ بِهِ وكان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمُبَيِّنَ عن اللَّهِ عز وجل مَعْنَى ما أَرَادَ خَاصًّا وَعَامًّا فَكَذَلِكَ الْيَمِينُ مع الشَّاهِدِ تَلْزَمُك من حَيْثُ لَزِمَك هذا فَإِنْ كُنْت مُصِيبًا بِاتِّبَاعِ ما وَصَفْنَا من السُّنَّةِ مع الْقُرْآنِ لم تَسْلَمْ من أَنْ تَكُونَ مُخْطِئًا بِتَرْكِ الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ وَإِنْ كُنْت مُصِيبًا بِتَرْكِ الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ لم تَسْلَمْ من أَنْ يَكُونَ عَلَيْك تَرْكُ الْمَسْحِ على الْخُفَّيْنِ وَتَرْكُ تَحْرِيمِ كل ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ وَقَطْعُ كل سَارِقٍ فَقَدْ خَالَفَك في هذا كُلِّهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَوَافَقَنَا في الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ عَوَامُّ من أَصْحَابِنَا وَمِنْهُمْ من خَالَفَ أَحَادِيثَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم هِيَ أَثْبَتُ من الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ وَإِنْ كانت الْيَمِينُ ثَابِتَةً لِعِلَّةٍ أَضْعَفَ من كل عِلَّةٍ اعْتَلَّ بها من رَدَّ الْيَمِينَ مع الشَّاهِدِ فَإِنْ كانت لنا وَلَهُ بهذا حُجَّةٌ على من خَالَفَنَا كانت عليه فِيمَا خَالَفَ من الْأَحَادِيثِ - * بَابُ شَهَادَةِ النِّسَاءِ لَا رَجُلَ مَعَهُنَّ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْوِلَادُ وَعُيُوبُ النِّسَاءِ مِمَّا لم أَعْلَمْ مُخَالِفًا لَقِيته في أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ فيه جَائِزَةٌ لَا رَجُلَ مَعَهُنَّ وَهَذَا حُجَّةٌ على من زَعَمَ أَنَّ في الْقُرْآنِ دَلَالَةً على أَنْ لَا يَجُوزَ أَقَلُّ من شَاهِدَيْنِ أو شَاهِدٍ وَاحِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ على جَمَاعَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُخَالِفُوا اللَّهَ حُكْمًا وَلَا يَجْهَلُوهُ فَفِيهِ دَلَالَةٌ على أَنَّ أَمْرَ اللَّهِ بِشَاهِدَيْنِ أو شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ حُكْمٌ لَا يَمِينَ على من جاء بِهِ مع الشَّاهِدِ وَالْحُكْمُ بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ حُكْمٌ بِالسُّنَّةِ لَا مُخَالِفَ لِلشَّاهِدَيْنِ لِأَنَّهُ غَيْرُهُمَا ثُمَّ اخْتَلَفُوا في شَهَادَةِ النِّسَاءِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ قال لَا يَجُوزُ في شَهَادَةِ النِّسَاءِ لَا رَجُلَ مَعَهُنَّ في أَمْرِ النِّسَاءِ أَقَلُّ من أَرْبَعِ عُدُولٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهَذَا نَأْخُذُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَكَيْفَ أَخَذْت بِهِ قُلْت لَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ عز وجل شَهَادَةَ النِّسَاءِ فَجَعَلَ امْرَأَتَيْنِ يَقُومَانِ مَقَامَ رَجُلٍ في الْمَوْضِعِ الذي أَجَازَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فيه وكان أَقَلُّ ما انْتَهَى إلَيْهِ من عَدَدِ الرِّجَالِ رَجُلَيْنِ في الشَّهَادَاتِ التي تُثْبَتُ بها الْحُقُوقُ وَلَا يَحْلِفُ مَعَهَا الْمَشْهُودُ له شَاهِدَيْنِ أو شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ لم يَجُزْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ إذَا أَجَازَ الْمُسْلِمُونَ شَهَادَةَ النِّسَاءِ في مَوْضِعٍ أَنْ يَجُوزَ مِنْهُنَّ إلَّا أَرْبَعٌ عُدُولٌ لِأَنَّ ذلك مَعْنَى حُكْمِ اللَّهِ عز وجل - * الْخِلَافُ في إجَازَةِ أَقَلَّ من أَرْبَعٍ من النِّسَاءِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فقال بَعْضُ الناس تَجُوزُ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَحْدَهَا كما يَجُوزُ في الْخَبَرِ شَهَادَةُ وَاحِدٍ عَدْلٍ وَلَيْسَ من قِبَلِ الشَّهَادَاتِ أَجَزْتهَا وَإِنْ كان من قِبَلِ الشَّهَادَاتِ أَجَزْتهَا لم أُجِزْ إلَّا ما ذَكَرْت من أَرْبَعٍ أو شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ فَقِيلَ لِبَعْضِ من يقول هذا الْقَوْلَ وَأَيْنَ الْخَبَرُ من الشَّهَادَةِ قال وَأَيْنَ يَفْتَرِقَانِ قُلْت تَقْبَلُ في الْخَبَرِ
____________________

(7/87)


كما قُلْت امْرَأَةً وَاحِدَةً وَرَجُلًا وَاحِدًا وَتَقُولُ فيه أخبرنا فُلَانٌ عن فُلَانٍ أَفَتَقْبَلُ هذا في الشَّهَادَاتِ فقال لَا قُلْت وَالْخَبَرُ هو ما اسْتَوَى فيه الْمُخْبِرُ وَالْمُخْبَرِ وَالْعَامَّةُ من حَلَالٍ وَحَرَامٍ قال نعم قُلْت وَالشَّهَادَةُ ما كان الشَّاهِدُ منها خَلِيًّا وَالْعَامَّةُ وَإِنَّمَا تُلْزِمُ الْمَشْهُودَ عليه قال نعم قُلْت أَفَتَرَى هذا يُشْبِهُ هذا قال أَمَّا في هذا فَلَا قُلْت أَفَرَأَيْت لو قال لَك قَائِلٌ إذَا قَبِلْت في الْخَبَرِ فُلَانًا عن فُلَانٍ فَاقْبَلْ في أَنْ تُخْبِرَك امْرَأَةٌ عن امْرَأَةٍ أَنَّ امْرَأَةَ رَجُلٍ وَلَدَتْ هذا الْوَلَدَ قال وَلَا أَقْبَلُ هذا حتى أَقِفَ التي شَهِدَتْ أو يَشْهَدَ عليها من تَجُوزُ شَهَادَتُهُ بِأَمْرٍ قَاطِعٍ قُلْت وَأَنْزَلْته مَنْزِلَةَ الْخَبَرِ قال أَمَّا في هذا فَلَا قُلْت فَفِي أَيِّ شَيْءٍ أَنْزَلْته مَنْزِلَةَ الْخَبَرِ هل عَدَوْت بهذا أَنْ قُلْت هو بِمَنْزِلَةِ الْخَبَرِ ولم تَقِسْهُ في شَيْءٍ غَيْرِ الْأَصْلِ الذي قُلْت فَأَسْمَعُك إذًا تَضَعُ الْأُصُولَ لِنَفْسِك قال فَمِنْ أَصْحَابِك من قال لَا يَجُوزُ أَقَلُّ من شَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ قُلْت له هل رَأَيْتنِي أَذْكُرُ لَك قَوْلًا لَا تَقُولُ بِهِ قال لَا قُلْت فَكَيْفَ ذَكَرْت لي ما لَا أَقُولُ بِهِ قال فَإِلَى أَيِّ شَيْءٍ ذَهَبَ ( 1 ) من ذَهَبَ إلَى ما ذَهَبْنَا إلَيْهِ من أَنَّهُ خَبَرٌ لَا شَهَادَةٌ وَلَا إلَى ما ذَهَبْت إلَيْهِ من أَنْ تَقُولَ بِهِ على مَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ وما أَعْرِفُ له مُتَقَدِّمًا يَلْزَمُ قَوْلُهُ فَقُلْت له أَنْ تَنْتَقِلَ عن قَوْلِك الذي يَلْزَمُك فيه عِنْدِي أَنْ تَنْتَقِلَ عنه أَوْلَى بِك من ذِكْرِ قَوْلِ غَيْرِك فَهَذَا أَمْرٌ لم نُكَلَّفْهُ نَحْنُ وَلَا أنت وَلَوْلَا عَرْضُك بِتَرْفِيعِ قَوْلِك وَتَخْطِئَةِ من خَالَفَك كنا شَبِيهًا أَنْ نَدَعَ حِكَايَةَ قَوْلِك قال فَإِنْ شَهِدَ على شَيْءٍ من ذلك رَجُلَانِ أو رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ قُلْت أُجِيزُ الشَّهَادَةَ وَتَكُونُ أَوْثَقَ عِنْدِي من شَهَادَةِ النِّسَاءِ لَا رَجُلَ مَعَهُنَّ قال وَكَيْفَ لم تَعُدَّهُمْ بِالشَّهَادَةِ فُسَّاقًا وَلَا تُجِيزُ شَهَادَتَهُمْ قُلْت الشَّهَادَةُ غَيْرُ الْفِسْقِ قال فَادْلُلْنِي على ما وَصَفْت قُلْت قال اللَّهُ عز وجل { وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ من نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ } قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِسَعْدٍ حين قال له أُمْهِلُهُ حتى آتى بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ قال نعم وَالشُّهُودُ على الزنى نَظَرُوا من الْمَرْأَةِ إلَى مُحَرَّمٍ وَمِنْ الرَّجُلِ إلَى مُحَرَّمٍ فَلَوْ كان النَّظَرُ لِغَيْرِ إقَامَةِ شَهَادَةٍ كان حَرَامًا فلما كان لِإِقَامَةِ شَهَادَةٍ لم يَجُزْ أَنْ يَأْمُرَ اللَّهُ عز وجل ثُمَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا بِمُبَاحٍ لَا بِمُحَرَّمٍ فَكُلُّ من نَظَرَ لِيُثْبِتَ شَهَادَتَهُ لِلَّهِ أو لِلنَّاسِ فَلَيْسَ بِجَرْحٍ وَمَنْ نَظَرَ لِلتَّلَذُّذِ وَغَيْرِ شَهَادَةٍ عَامِدًا كان جَرْحًا إلَّا أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ عنه - * بَابُ شَرْطِ الَّذِينَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل { اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ } وقال عز وجل { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ من رِجَالِكُمْ فَإِنْ لم يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ من الشُّهَدَاءِ } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وكان الذي يَعْرِفُ من خُوطِبَ بهذا أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْأَحْرَارُ الْمَرْضِيُّونَ الْمُسْلِمُونَ من قِبَلِ أَنَّ رِجَالَنَا وَمَنْ نَرْضَاهُ أَهْلُ دِينِنَا لَا الْمُشْرِكُونَ لِقَطْعِ اللَّهِ الْوِلَايَةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ بِالدِّينِ وَرِجَالُنَا أَحْرَارُنَا وَاَلَّذِينَ نَرْضَى أَحْرَارُنَا لَا مَمَالِيكُنَا الَّذِينَ يَغْلِبُهُمْ من يَمْلِكُهُمْ على كَثِيرٍ من أُمُورِهِمْ وَأَنَّا لَا نَرْضَى أَهْلَ الْفِسْقِ مِنَّا وَأَنَّ الرِّضَا إنَّمَا يَقَعُ على الْعَدْلِ مِنَّا وَلَا يَقَعُ إلَّا على الْبَالِغِينَ لِأَنَّهُ إنَّمَا خُوطِبَ بِالْفَرَائِضِ الْبَالِغُونَ دُونَ من لم يَبْلُغْ فإذا كانت الشَّهَادَةُ لِيَقْطَعَ بها لم يَجُزْ أَنْ يَتَوَهَّمَ أَحَدٌ أَنَّهُ يَقْطَعُ بِمَنْ لم يَبْلُغْ أَكْثَرَ الْفَرَائِضِ فإذا لم يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ الْفَرَائِضِ في نَفْسِهِ لم يُلْزَمْ غَيْرُهُ فَرْضًا بِشَهَادَتِهِ ولم أَعْلَمْ مُخَالِفًا لَقِيته في أَنَّهُ أُرِيدَ بها الْأَحْرَارُ الْعُدُولُ في كل شَهَادَةٍ على مُسْلِمٍ غير أَنَّ من أَصْحَابِنَا من ذَهَبَ إلَى أَنْ يُجِيزَ شَهَادَةَ الصِّبْيَانِ في الْجِرَاحِ ما لم يَتَفَرَّقُوا فإذا تَفَرَّقُوا لم تَجُزْ شَهَادَتُهُمْ عِنْدَهُ وَقَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وتعالي { من رِجَالِكُمْ } يَدُلُّ على أَنْ لَا تَجُوزَ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ في شَيْءٍ فَإِنْ قال قَائِلٌ أَجَازَهَا بن الزُّبَيْرِ قِيلَ
____________________

(7/88)


فإن بن عَبَّاسٍ رَدَّهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا سُفْيَانُ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن بن أبي مُلَيْكَةَ عن بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما في شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ لَا تَجُوزُ وزاد بن جُرَيْجٍ عن بن أبي مُلَيْكَةَ عن بن عَبَّاسٍ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل قال { مِمَّنْ تَرْضَوْنَ من الشُّهَدَاءِ } قال وَمَعْنَى الْكِتَابِ مع بن عَبَّاسٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فَإِنْ قال أَرَدْت أَنْ تَكُونَ دَلَالَةً قِيلَ وَكَيْفَ تَكُونُ الدَّلَالَةُ بِقَوْلِ صِبْيَانٍ مُنْفَرِدِينَ إذَا تَفَرَّقُوا لم يُقْبَلُوا إنَّمَا تَكُونُ الدَّلَالَةُ بِقَوْلِ الْبَالِغِينَ الَّذِينَ يُقْبَلُونَ بِكُلِّ حَالٍ فَأَشْبَهَ ما وَصَفْت أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا على أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ فِيمَنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ هو من وَصَفْت مِمَّنْ يُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ دَلَّتْ على صِفَتِهِ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مَمْلُوكٍ في شَيْءٍ وَإِنْ قَلَّ وَلَا شَهَادَةُ غَيْرِ عَدْلٍ - * بَابُ شَهَادَةِ الْقَاذِفِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لم يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لهم شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ إلَّا الَّذِينَ تَابُوا } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَرَ اللَّهُ عز وجل أَنْ يُضْرَبَ الْقَاذِفُ ثَمَانِينَ وَلَا تُقْبَلُ له شَهَادَةٌ أَبَدًا وَسَمَّاهُ فَاسِقًا إلَّا أَنْ يَتُوبَ فَقُلْنَا يَلْزَمُ أَنْ يُضْرَبَ ثَمَانِينَ وَأَنْ لَا تُقْبَلَ له شَهَادَةٌ وَأَنْ يَكُونَ عِنْدَنَا في حَالِ من سمى بِالْفِسْقِ إلَّا أَنْ يَتُوبَ فإذا تَابَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَخَرَجَ من أَنْ يَكُونَ في حَالِ من سمى بِالْفِسْقِ قال وَتَوْبَتُهُ إكْذَابُهُ نَفْسَهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَكَيْفَ تَكُونُ التَّوْبَةُ الْإِكْذَابَ قِيلَ له إنَّمَا كان في حَدِّ الْمُذْنِبِينَ بِأَنْ نَطَقَ بِالْقَذْفِ وَتَرْكُ الذَّنْبِ هو أَنْ يَقُولَ الْقَذْفُ بَاطِلٌ وَتَكُونَ التَّوْبَةُ بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ يَكُونُ الذَّنْبُ في الرِّدَّةِ بِالْقَوْلِ بها وَالتَّوْبَةُ الرُّجُوعُ عنها بِالْقَوْلِ فيها بِالْإِيمَانِ الذي تَرَكَ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ من دَلِيلٍ على هذا فَفِيمَا وَصَفْت كِفَايَةٌ وفي ذلك دَلِيلٌ عن عُمَرَ سَنَذْكُرُهُ في مَوْضِعِهِ فَإِنْ كان الْقَاذِفُ يوم قَذَفَ مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فَحُدَّ قِيلَ له مَكَانَهُ إنْ تُبْت قُبِلَتْ شَهَادَتُك فإذا أَكْذَبَ نَفْسَهُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَإِنْ لم يَفْعَلْ لم تُقْبَلْ حتى يَفْعَلَ لِأَنَّ الذَّنْبَ الذي رُدَّتْ بِهِ شَهَادَتُهُ هو الْقَذْفُ فاذا أَكْذَبَ نَفْسَهُ فَقَدْ تَابَ وَإِنْ قَذَفَ وهو مِمَّنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ ثُمَّ تَابَ لم تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ من قِبَلِ أَنَّ رَدَّهَا كان من وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا سُوءُ حَالِهِ قبل أَنْ يَقْذِفَ وَالْآخَرُ الْقَذْفُ فإذا خَرَجَ من أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لم يَخْرُجْ من الْوَجْهِ الْآخَرِ وَلَكِنْ يَكُونُ خَارِجًا من أَنْ يَكُونَ فيه عِلَّةُ رَدِّ الشَّهَادَةِ بِالْقَذْفِ فإذا أَكْذَبَ نَفْسَهُ وَثَبَتَ عليه عِلَّةُ رَدِّ الشَّهَادَةِ بِسُوءِ الْحَالِ حتى تُخْتَبَرَ حَالُهُ فإذا ظَهَرَ منه الْحُسْنُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَهَكَذَا لو حُدَّ مَمْلُوكٌ حَسَنُ الْحَالِ ثُمَّ عَتَقَ لم تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ إلَّا بِإِكْذَابِهِ نَفْسَهُ في الْقَذْفِ وَهَكَذَا لو حُدَّ ذِمِّيٌّ حَسَنُ الْحَالِ فَأَسْلَمَ لم تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ إلَّا بِإِكْذَابِهِ نَفْسَهُ في الْقَذْفِ فقال لي قَائِلٌ أَفَتَذْكُرُ في هذا حَدِيثًا فَقُلْت إنَّ الْآيَةَ لمكتفي بها من الحديث وَإِنَّ فيه لَحَدِيثًا ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) قال أخبرنا بن عُيَيْنَةَ قال سَمِعْت الزُّهْرِيَّ يقول زَعَمَ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَنَّ شَهَادَةَ القاذف ( ( ( القذف ) ) ) لَا تَجُوزُ فَأَشْهَدُ لَأَخْبَرَنِي ثُمَّ سَمَّى الذي أخبره أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قال لِأَبِي بَكْرَةَ تُبْ تُقْبَلْ شَهَادَتُك أو إنْ تُبْت قُبِلَتْ شَهَادَتُك قال سُفْيَانُ شَكَكْت بعد ما سَمِعْت الزُّهْرِيَّ يسمى الرَّجُلَ فَسَأَلْت فقال لي عُمَرُ بن قَيْسٍ هو سَعِيدُ بن الْمُسَيِّبِ فَقِيلَ لِسُفْيَانَ شَكَكْت في خَبَرِهِ فقال لَا هو سَعِيدٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَبَلَغَنِي عن بن عَبَّاسٍ مِثْلُ هذا الْمَعْنَى ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) قال حدثنا إسْمَاعِيلُ بن إبْرَاهِيمَ عن بن أبي نَجِيحٍ أَنَّهُ قال في الْقَاذِفِ إذَا تَابَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وقال كُلُّنَا نَقُولُهُ فَقُلْت من قال عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ
____________________

(7/89)


- * بَابُ الْخِلَافِ في إجَازَةِ شَهَادَةِ الْقَاذِفِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس في الْقَاذِفِ فقال إذَا ضُرِبَ الْحَدَّ ثُمَّ تَابَ لم تَجُزْ شَهَادَتُهُ أَبَدًا وَإِنْ لم يُضْرَبْ الْحَدَّ أو ضُرِبَهُ ولم يُوَفَّهُ جَازَتْ شَهَادَتُهُ فَذَكَرْتُ له ما ذَكَرْتُ من مَعْنَى الْقُرْآنِ وَالْآثَارِ فقال فَإِنَّا ذَهَبْنَا إلَى قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَلَا تَقْبَلُوا لهم شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ إلَّا الَّذِينَ تَابُوا } فَقُلْنَا نَطْرَحُ عَنْهُمْ اسْمَ الْفِسْقِ وَلَا نَقْبَلُ لهم شَهَادَةً فَقُلْت لِقَائِلِ هذا أَوَتَجِدُ الْأَحْكَامَ عِنْدَك فيما يُسْتَثْنَى على ما وَصَفْت فَيَكُونَ مَذْهَبًا ذَهَبْتُمْ في اللَّفْظِ أَمْ الْأَحْكَامُ عِنْدَك في الِاسْتِثْنَاءِ على غَيْرِ ما وَصَفْت فقال أَوْضِحْ هذا لي قُلْت أَرَأَيْت رَجُلًا لو قال وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك أَبَدًا وَلَا أَدْخُلُ لَك بَيْتًا وَلَا آكُلُ لَك طَعَامًا وَلَا أَخْرُجُ مَعَك سَفَرًا وَإِنَّك لَغَيْرُ حَمِيدٍ عِنْدِي وَلَا أَكْسُوك ثَوْبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ وَاقِعًا على ما بَعْدَ قَوْلِهِ أَبَدًا أو على ما بَعْدَ غَيْرِ حَمِيدٍ عِنْدِي أو على الْكَلَامِ كُلِّهِ قال بَلْ على الْكَلَامِ كُلِّهِ قُلْت فَكَيْفَ لم تُوقِعْ الِاسْتِثْنَاءَ في الْآيَةِ على الْكَلَامِ كُلِّهِ وَأَوْقَعْتهَا في هذا الذي هو أَكْثَرُ في الْيَمِينِ على الْكَلَامِ كُلِّهِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال محمد بن الْحَسَنِ إنَّ أَبَا بَكْرَةَ قال لِرَجُلٍ أَرَادَ اسْتِشْهَادَهُ اسْتَشْهِدْ غَيْرِي فإن الْمُسْلِمِينَ فَسَّقُونِي قُلْت فَالرَّجُلُ الذي وَصَفْت امْتَنَعَ من أَنْ يَتُوبَ من الْقَذْفِ وَأَقَامَ عليه وَهَكَذَا كُلُّ من امْتَنَعَ أَنْ يَتُوبَ من الْقَذْفِ وَلَوْ لم يَكُنْ لنا في هذا إلَّا ما رَوَيْت كان حُجَّةً عَلَيْك قال وَكَيْفَ قُلْت إنْ كان الرَّجُلُ عِنْدَك مِمَّنْ تَابَ من الْقَذْفِ بِالرُّجُوعِ عنه فَقَدْ أَخْبَرَ عن الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُمْ فَسَّقُوهُ وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّهُ إذَا تَابَ سَقَطَ عنه اسْمُ الْفِسْقِ وَفِيمَا قال دَلَالَةٌ على أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَا يُلْزِمُونَهُ اسْمَ الْفِسْقِ إلَّا وَشَهَادَتُهُ غَيْرُ جَائِزَةٍ قُلْت وَلَا يُجِيزُونَ شَهَادَتَهُ إلَّا وقد أَسْقَطُوا عنه اسْمَ الْفِسْقِ لِأَنَّهُمْ لَا يُفَرِّقُونَ بين إسْقَاطِ اسْمِ الْفِسْقِ عنه بِالتَّوْبَةِ وَإِجَازَةِ شَهَادَتِهِ بِسُقُوطِ الِاسْمِ عنه كما تُفَرِّقُ بَيْنَهُ وإذا كُنْت تَقْبَلُ شَهَادَةَ الْقَاتِلِ وَالزَّانِي وَالْمُسْتَتَابِ من الرِّدَّةِ إذَا تَابَ فَكَيْفَ خَصَصْت بها الْقَاذِفَ وهو أَيْسَرُ ذَنْبًا من غَيْرِهِ قال تَأَوَّلْت فيه الْقُرْآنَ قُلْت تَأَوُّلُك خَطَأٌ على لِسَانِك قال قَالَهُ شُرَيْحٌ قُلْت أَفَتَجْعَلُ شُرَيْحًا حُجَّةً على كِتَابِ اللَّهِ وَقَوْلِ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ وبن عَبَّاسٍ وَمَنْ سَمَّيْت وَغَيْرِهِمْ وَالْأَكْثَرِ من أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَكَيْفَ زَعَمْت إنْ لم يَطْهُرْ بِالْحَدِّ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وإذا طَهُرَ بِالْحَدِّ لم تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ إذَا كان تَائِبًا في الْحَالَيْنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - * بَابُ التَّحَفُّظِ في الشَّهَادَةِ - * قال اللَّهُ عز وجل { وَلَا تَقْفُ ما ليس لَك بِهِ عِلْمٌ إنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كان عنه مسؤولا ( ( ( مسئولا ) ) ) } وقال اللَّهُ عز وجل { إلَّا من شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } أخبرنا الرَّبِيعُ قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) وحكى أَنَّ إخوه يُوسُفَ وَصَفُوا أَنَّ شَهَادَتَهُمْ كما يَنْبَغِي لهم فحكى أَنَّ كَبِيرَهُمْ قال ارْجِعُوا إلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبَانَا إنَّ ابْنَك سَرَقَ وما شَهِدْنَا إلَّا بِمَا عَلِمْنَا وما كنا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ ( قال ) وَلَا يَسَعُ شَاهِدًا أَنْ يَشْهَدَ إلَّا بِمَا عَلِمَ وَالْعِلْمُ من ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ منها ما عَايَنَهُ الشَّاهِدُ فَيَشْهَدُ بِالْمُعَايَنَةِ وَمِنْهَا ما سَمِعَهُ فَيَشْهَدُ ما أَثْبَتَ سَمْعًا من الْمَشْهُودِ عليه وَمِنْهَا ما تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ في أَكْثَرِهِ الْعِيَانُ وَتَثْبُتُ مَعْرِفَتُهُ في الْقُلُوبِ فَيَشْهَدُ عليه بهذا الْوَجْهِ وما شَهِدَ بِهِ رَجُلٌ على رَجُلٍ أَنَّهُ فَعَلَهُ أو أَقَرَّ بِهِ لم يَجُزْ إلَّا أَنْ يَجْمَعَ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ يُثْبِتُهُ بِمُعَايَنَةٍ وَالْآخَرُ أَنْ يَكُونَ يُثْبِتُهُ سَمْعًا مع إثْبَاتِ بَصَرٍ حين يَكُونُ الْفِعْلُ وَبِهَذَا قُلْت لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى إلَّا أَنْ يَكُونَ أَثْبَتَ شيئا مُعَايَنَةً أو مُعَايَنَةً وَسَمْعًا ثُمَّ عمى فَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا تَكُونُ يوم يَكُونُ الْفِعْلُ الذي يَرَاهُ الشَّاهِدُ أو الْقَوْلُ الذي أَثْبَتَهُ سَمْعًا وهو يَعْرِفُ وَجْهَ صَاحِبِهِ فإذا
____________________

(7/90)


كان ذلك قبل يَعْمَى ثُمَّ شَهِدَ عليه حَافِظًا له بَعْدَ الْعَمَى جَازَ وإذا كان الْقَوْلُ وَالْفِعْلُ وهو أَعْمَى لم يَجُزْ من قِبَلِ أَنَّ الصَّوْتَ يُشْبِهُ الصَّوْتَ وإذا كان هذا هَكَذَا كان الْكِتَابُ أَحْرَى أَنْ لَا يَحِلَّ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْهَدَ عليه وَالشَّهَادَةُ في مِلْكِ الرَّجُلِ الدَّارَ أو الثَّوْبَ على تَظَاهُرِ الْأَخْبَارِ بِأَنَّهُ مَالِكٌ الدَّارَ وَعَلَى أَنْ لَا يَرَى مُنَازِعًا له في الدَّارِ وَالثَّوْبِ فَيَثْبُتُ ذلك في الْقَلْبِ فَيَسَعُ الشَّهَادَةَ عليه وَعَلَى النَّسَبِ إذَا سَمِعَهُ يَنْتَسِبُ زَمَانًا أو سمع غَيْرَهُ يَنْسُبُهُ إلَى نَسَبِهِ ولم يَسْمَعْ دَافِعًا ولم يَرَ دَلَالَةً يَرْتَابُ بها وَكَذَلِكَ يَشْهَدُ على عَيْنِ الْمَرْأَةِ وَنَسَبِهَا إذَا تَظَاهَرَتْ له أَخْبَارُ من يُصَدِّقُ بِأَنَّهَا فُلَانَةُ وَيَرَاهَا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَهَذَا كُلُّهُ شَهَادَةٌ بِعِلْمٍ كما وَصَفْت وَكَذَلِكَ يَحْلِفُ الرَّجُلُ على ما يَعْلَمُ بِأَحَدِ هذه الْوُجُوهِ فِيمَا أَخَذَ بِهِ مع شَاهِدٍ وفي رَدِّ الْيَمِينِ وَغَيْرِ ذلك وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ - * بَابُ الْخِلَافِ في شَهَادَةِ الْأَعْمَى - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس في شَهَادَةِ الْأَعْمَى فقال لَا تَجُوزُ حتى يَكُونَ بَصِيرًا يوم شَهِدَ وَيَوْمَ رَأَى وَسَمِعَ أو رَأَى وَإِنْ لم يَسْمَعْ إذَا شَهِدَ على رُؤْيَةٍ فَسَأَلْنَاهُمْ فَهَلْ من حُجَّةِ كِتَابٍ أو سُنَّةٍ أو أَثَرٍ يَلْزَمُ فلم يَذْكُرُوا من ذلك شيئا لنا وَكَانَتْ حُجَّتُهُمْ فيه أَنْ قالوا إنَّا احْتَجْنَا إلَى أَنْ يَكُونَ يَرَى يوم شَهِدَ كما احْتَجْنَا إلَى أَنْ يَكُونَ يَرَى يوم عَايَنَ الْفِعْلَ أو سمع الْقَوْلَ من الْمَشْهُودِ عليه ولم تَكُنْ وَاحِدَةٌ من الْحَالَيْنِ أَوْلَى بِهِ من الْأُخْرَى فَقُلْت له أَرَأَيْت الشَّهَادَةَ أَلَيْسَتْ بِيَوْمِ يَكُونُ الْقَوْلُ أو الْفِعْلُ وَإِنْ يَقُمْ بها بَعْدَ ذلك بِدَهْرٍ قال بَلَى قُلْت فإذا كان الْقَوْلُ وَالْفِعْلُ وهو بَصِيرٌ سَمِيعٌ مُثْبِتٌ ثُمَّ شَهِدَ بِهِ بَعْدُ عَاقِلًا أَعْمَى لم تَجُزْ شَهَادَتُهُ قال فَأَقُولُ بِغَيْرِ الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِأَمْرَيْنِ قُلْت أَفَيَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ على فِعْلِ رَجُلٍ حَيٍّ ثُمَّ يَمُوتَ الرَّجُلُ فَيَقُومَ بِالشَّهَادَةِ وهو لَا يَرَى الرَّجُلَ وَيَقُومَ بِالشَّهَادَةِ على آخَرَ وهو غَائِبٌ لَا يَرَاهُ قال نعم قُلْت فما عَلِمْتُك تُثْبِتُ لِنَفْسِك حُجَّةً إلَّا خَالَفْتهَا وَلَوْ كُنْت لَا تُجِيزُهَا إذَا أَثْبَتَهَا بَصِيرًا وَشَهِدَ بها أَعْمَى لِأَنَّهُ لَا يُعَايِنُ الْمَشْهُودَ عليه لِأَنَّ ذلك حَقٌّ عِنْدَك لَزِمَك أَنْ لَا تُجِيزَهَا بَصِيرًا على مَيِّتٍ وَلَا غَائِبٍ لِأَنَّهُ لَا يُعَايِنُ وَاحِدًا مِنْهُمَا أَمَّا الْمَيِّتُ فَلَا يُعَايِنُهُ في الدُّنْيَا وَأَمَّا الْغَائِبُ بِبَلَدٍ فَأَنْتَ تُجِيزُهَا وهو لَا يَرَاهُ قال فَإِنْ رَجَعْت في الْغَائِبِ فَقُلْت لَا أُجِيزُهَا عليه فَقُلْت أَفَتَرْجِعُ في الْمَيِّتِ وهو أَشَدُّ عَلَيْك من الْغَائِبِ قال لَا قال فإن من أَصْحَابِك من يُجِيزُ شَهَادَةَ الْأَعْمَى بِكُلِّ حَالٍ إذَا أَثْبَتَ كما يُثْبِتُ أَهْلُهُ فَقُلْت إنْ كان هذا صَوَابًا فَهُوَ أَبْعَدُ لَك من الصَّوَابِ قال فَلِمَ لم تَقُلْ بِهِ قُلْت ليس فيه أَثَرٌ يَلْزَمُ فَأَتَّبِعَهُ وَمَعَنَا الْقُرْآنُ وَالْمَعْقُولُ بِمَا وَصَفْت من أَنَّ الشَّهَادَةَ فِيمَا لَا يَكُونُ إلَّا بِعِيَانٍ أو عِيَانٍ وَإِثْبَاتِ سَمْعٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَجُوزَ شَهَادَةُ من لَا يُثْبِتُ بِعِيَانٍ لِأَنَّ الصَّوْتَ يُشْبِهُ الصَّوْتَ قال وَيُخَالِفُونَك في الْكِتَابِ قُلْت وَذَلِكَ أَبْعَدُ من أَنْ تَجُوزَ الشَّهَادَةُ عليه وَقَوْلُهُمْ فيه مُتَنَاقِضٌ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لي لو عَرَفْت كِتَابِي ولم أَذْكُرْ الشَّهَادَةَ أَنْ أَشْهَدَ إلَّا وأنا ذَاكِرٌ وَيَزْعُمُونَ أَنِّي إنْ عَرَفْت كِتَابَ مَيِّتٍ حَلَّ لي أَنْ أَشْهَدَ عليه وَكِتَابِي كان أَوْلَى أَنْ أَشْهَدَ عليه من كِتَابِ غَيْرِي وَلَوْ جَازَ أَنْ أُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا جَازَ أَنْ أَشْهَدَ على كِتَابِي وَلَا أَشْهَدَ على كِتَابِ غَيْرِي وَلَا يَجُوزُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِمَا وَصَفْت من مَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ عز وجل قال فَإِنَّا نَحْتَجُّ عَلَيْك في أَنَّك تُعْطِي بِالْقَسَامَةِ وَتُحَلِّفُ الرَّجُلَ مع شَاهِدِهِ على ما غَابَ بِأَنَّهُمْ قد يَحْلِفُونَ على ما لَا يَعْلَمُونَ قُلْت يَحْلِفُونَ على ما يَعْلَمُونَ من أَحَدِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ التي وَصَفْت لَك قُلْت فَإِنْ قال لَا يَكُونُ إلَّا من الْمُعَايَنَةِ وَالسَّمَاعِ فَقُلْت له أترك هذا الْقَوْلَ إذَا سُئِلْت قال فَاذْكُرْ ذلك قُلْت أَرَأَيْت الشَّهَادَةَ على النَّسَبِ وَالْمِلْكِ أَتَقْبَلُهُمَا من الْوُجُوهِ التي قَبِلْنَاهَا منها قال نعم قُلْت وقد يُمْكِنُ أَنْ يَنْتَسِبُ الرَّجُلُ إلَى غَيْرِ نَسَبِهِ لم يَرَ أَبَاهُ يُقِرُّ بِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الدَّارُ في يَدَيْ الرَّجُلِ وهو لَا يَمْلِكُهَا قد غَصَبَهَا أو أَعَارَهُ إيَّاهَا غَائِبٌ وَيُمْكِنُ ذلك في الثَّوْبِ وَالْعَبْدِ قال فَقَدْ أَجْمَعَ الناس على إجَازَةِ
____________________

(7/91)


هذا قُلْنَا وَإِنْ كَانُوا أَجْمَعُوا فَفِيهِ دَلَالَةٌ لَك على أَنَّ الْقَوْلَ كما قُلْنَا دُونَ ما قُلْت أَوَرَأَيْت عَبْدًا بن خَمْسِينَ وَمِائَةِ سَنَةٍ ابْتَاعَهُ بن خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً ثُمَّ بَاعَهُ وَأَبِقَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَخَاصَمَهُ فيه فقال أُحَلِّفُهُ لقد بَاعَهُ إيَّاهُ بَرِيًّا من الْإِبَاقِ فَقُلْت وقال لَك هذا وَلَدٌ بِالْمَشْرِقِ وأنا بِالْمَغْرِبِ وَلَا تُمْكِنُنِي الْمَسْأَلَةُ عنه لِأَنَّهُ ليس هَا هُنَا أَحَدٌ من أَهْلِ بَلَدِهِ أَثِقُ بِهِ قال يَحْلِفُ على الْبَتِّ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ في ذلك إلَى عِلْمِهِ قُلْت وَيَسَعُك ذلك وَيَسَعُ الْقَاضِيَ قال نعم قُلْت أَرَأَيْت قَوْمًا قُتِلَ أَبُوهُمْ فَأَمْكَنَهُمْ أَنْ يَعْتَرِفُوا الْقَاتِلَ أو يُعَايِنُوهُ أو يُخْبِرَهُمْ من عَايَنَهُ مِمَّنْ مَاتَ أو غَابَ مِمَّنْ يُصَدَّقُ عِنْدَهُمْ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ عِنْدِي أَلَيْسُوا أَوْلَى أَنْ يُقْسِمُوا من صَاحِبِ الْعَبْدِ الذي وَصَفَهَا أَنْ يَحْلِفَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - * بَابُ ما يَجِبُ على الْمَرْءِ من الْقِيَامِ بِشَهَادَتِهِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ على ألا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هو أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } وقال { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لله } إلَى آخِرِ الْآيَةِ وقال { وإذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كان ذَا قُرْبَى } وقال { وَاَلَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ } وقال عز وجل { وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فإنه آثِمٌ قَلْبُهُ وَاَللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } وقال { وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَاَلَّذِي أَحْفَظُ عن كل من سَمِعْت منه من أَهْلِ الْعِلْمِ في هذه الْآيَاتِ أَنَّهُ في الشَّاهِدِ وقد لَزِمَتْهُ الشَّهَادَةُ وَأَنَّ فَرْضًا عليه أَنْ يَقُومَ بها على وَالِدَيْهِ وَوَلَدِهِ وَالْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ وَلِلْبَغِيضِ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ وَلَا يَكْتُمَ عن أَحَدٍ وَلَا يحابى بها وَلَا يَمْنَعَهَا أَحَدًا قال ثُمَّ تَتَفَرَّعُ الشَّهَادَاتُ فَيَجْتَمِعُونَ وَيَخْتَلِفُونَ فِيمَا يَلْزَمُ منها وما لَا يَلْزَمُ وَلِهَذَا كِتَابٌ غَيْرُ هذا - * بَابُ ما على من دعى يَشْهَدُ بِشَهَادَةٍ قبل أَنْ يُسْأَلَهَا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل { إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ } إلَى قَوْلِهِ { وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذَا ما دُعُوا } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كما عَلَّمَهُ اللَّهُ } دَلَالَةٌ على أَنَّ عليه فِيمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ من الْكِتَابِ حَقًّا في مَنْفَعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَيَحْتَمِلُ ذلك الْحَقُّ أَنْ يَكُونَ كُلَّمَا دعى لِحَقٍّ كَتَبَهُ لَا بُدَّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عليه وَعَلَى من هو في مِثْلِ حَالِهِ أَنْ يَقُومَ منهم من يكفى حتى لَا تَكُونَ الْحُقُوقُ مُعَطَّلَةً لَا يُوجَدُ لها في الِابْتِدَاءِ من يَقُومُ بِكِفَايَتِهَا وَالشَّهَادَةِ عليها فَيَكُونُ فَرْضًا لَازِمًا على الْكِفَايَةِ فإذا قام بها من يَكْفِي خرج ( ( ( أخرج ) ) ) من يَتَخَلَّفُ من الْمَأْثَمِ وَالْفَضْلُ لِلْكَافِي على الْمُتَخَلِّفِ فإذا لم يَقُمْ بِهِ كان حَرَجُ جَمِيعِ من دعى إلَيْهِ فَتَخَلَّفَ بِلَا عُذْرٍ كما كان الْجِهَادُ وَالصَّلَاةُ على الْجَنَائِزِ وَرَدُّ السَّلَامِ فَرْضًا على الْكِفَايَةِ لَا يُحْرَجُ الْمُتَخَلِّفُ إذَا كان فِيمَنْ يَقُومُ بِذَلِكَ كِفَايَةٌ فلما احْتَمَلَ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ مَعًا وكان في سِيَاقِ الْآيَةِ { وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذَا ما دُعُوا } كان فيها كَالدَّلِيلِ على أَنَّهُ نهى الشُّهَدَاءُ الْمَدْعُوُّونَ كلهم أَنْ يَأْبَوْا قال { وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ } فَأَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ يُحْرَجُ من تَرَكَ ذلك ضِرَارًا وَفَرْضُ الْقِيَامِ بها في الِابْتِدَاءِ على الْكِفَايَةِ وَهَذَا يُشْبِهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ما وَصَفْت من الْجِهَادِ وَالْجَنَائِزِ وَرَدِّ السَّلَامِ وقد حَفِظْت عن بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ قَرِيبًا من هذا الْمَعْنَى ولم أَحْفَظْ خِلَافَهُ عن أَحَدٍ أَذْكُرُهُ منهم
____________________

(7/92)


- * الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتُ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ قال ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) قال أخبرنا مُسْلِمٌ عن بن جُرَيْجٍ عن بن أبي مُلَيْكَةَ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال الْبَيِّنَةُ على الْمُدَّعِي - * بَابٌ في الْأَقْضِيَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { يا دَاوُد إنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً في الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بين الناس بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعْ الْهَوَى فَيُضِلَّك عن سَبِيلِ اللَّهِ إنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عن سَبِيلِ اللَّهِ لهم عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يوم الْحِسَابِ } وقال لِنَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في أَهْلِ الْكِتَابِ { فَإِنْ جاؤوك ( ( ( جاءوك ) ) ) فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أو أَعْرِضْ عَنْهُمْ } إلَى { وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } وقال { وَأَنْ اُحْكُمْ بينهم بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عن بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إلَيْك } وقال { وإذا حَكَمْتُمْ بين الناس أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَعْلَمَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ فَرْضًا عليه وَعَلَى من قَبْلَهُ وَالنَّاسِ إذَا حَكَمُوا أَنْ يَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ وَالْعَدْلُ اتِّبَاعُ حُكْمِهِ الْمُنَزَّلِ قال اللَّهُ عز وجل لِنَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حين أَمَرَهُ بِالْحُكْمِ بين أَهْلِ الْكِتَابِ { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ } وَوَضَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم من دِينِهِ وَأَهْلِ دِينِهِ مَوْضِعَ الْإِبَانَةِ عن كِتَابِ اللَّهِ عز وجل مَعْنَى ما أَرَادَ اللَّهُ وَفَرَضَ طَاعَتَهُ فقال { من يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ } وقال { فَلَا وَرَبِّك لَا يُؤْمِنُونَ حتى يُحَكِّمُوك فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ } الْآيَةَ وقال { فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عن أَمْرِهِ } الْآيَةَ فَعُلِمَ أَنَّ الْحَقَّ كِتَابُ اللَّهِ ثُمَّ سُنَّةُ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلَيْسَ لِمُفْتٍ وَلَا لِحَاكِمٍ أَنْ يفتى وَلَا يَحْكُمَ حتى يَكُونَ عَالِمًا بِهِمَا وَلَا أَنْ يُخَالِفَهُمَا وَلَا وَاحِدًا مِنْهُمَا بِحَالٍ فإذا خَالَفَهُمَا فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ عز وجل وَحُكْمُهُ مَرْدُودٌ فإذا لم يُوجَدَا مَنْصُوصَيْنِ فَالِاجْتِهَادُ بِأَنْ يُطْلَبَا كما يُطْلَبُ الِاجْتِ