دعائي

قلت المدون تم بحمد الله وفضله ثم قلت: اللهم فكما ألهمت بإنشائه وأعنت على إنهائه فاجعله نافعاً في الدنيا وذخيرة صالحة في الأخرى واختم بالسعادة آجالنا وحقق بالزيادة آمالنا واقرن بالعافية غدونا وآصالنا واجعل إلى حصنك مصيرنا ومآلنا وتقبل بفضلك أعمالنا إنك مجيب الدعوات ومفيض الخيرات والحمد الله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم إلى يوم الدين اللهم لنا جميعا يا رب العالمين .وسبحان الله وبحمده  عدد خلقه وزنة عرشه  ورضا نفسه ومداد كلماته  } أقولها ما حييت وبعد موتي  والي يوم الحساب وارحم  واغفر اللهم لوالديَّ ومن مات من اخوتي واهلي والمؤمنين منذ خَلَقْتَ الخلق الي يوم الحساب آمين وفرِّجِ كربي وردَّ اليَّ عافيتي وارضي عني في الدارين  واعِنِّي علي أن اُنْفِقها في سبيلك يا ربي اللهم فرِّج كربي واكفني همي واكشف البأساء والضراء عني وعنا.. وردَّ إليَّ عافيتي وثبتني علي دينك الحق ولا تُزِغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب اللهم وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وتوفنا مع الأبرار وألِّفْ بين قلوبنا اجمعين.يا عزيز يا غفار ... اللهم واشفني شفاءاً لا يُغَادر سقما واعفو عني وعافني وارحمني وفرج كربي واكفني همي واعتقني مما أصابني من مكروه أنت تعلمه واعتقني من النار وقني عذاب القبر وعذاب جهنم وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال ومن المأثم والمغرم ومن غلبة الدين وقهر الرجال اللهم آمين /اللهم ربي اشرح لي صدري ويسر لي أمري وأحلل عُقَد لساني واغنني بك عمن سواك يارب . والحمد الله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم إلى يوم الدين آمين.

الجمعة، 19 أغسطس 2022

مجلد15.و16. الأم للشافعي

 مجلد15.و16. الأم للشافعي

  مجلد15. الأم للشافعي
محمد بن إدريس الشافعي أبو عبد الله
سنة الولادة
150/ سنة الوفاة 204.

= أَيْمَانٍ وَخَامِسَةً وهو قَاذِفٌ لِامْرَأَتِهِ وَأَحْلَفْت الْقَاذِفَ لِغَيْرِ امْرَأَتِهِ يَمِينًا وَاحِدَةً وَكَيْفَ أَحَلَفْت في الدَّمِ خَمْسِينَ وَأَحْلَفْت في الْحُقُوقِ غَيْرِهِ وَغَيْرِ اللِّعَانِ يَمِينًا وَاحِدَةً وَكَيْفَ أَحَلَفْت الرَّجُلَ على فِعْلِهِ ولم تُحَلِّفْهُ على غَيْرِ فِعْلِهِ ثُمَّ أَحَلَفْتَهُ في الْقَسَامَةِ على فِعْلِهِ وما عَلِمَ فِعْلَ غَيْرِهِ قال اتَّبَعْنَا في بَعْضِ هذا كِتَابًا وفي بَعْضِهِ أَثَرًا وفي بَعْضِهِ قَوْلَ الْفُقَهَاءِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقُلْت له وَنَحْنُ اتَّبَعْنَا الْكِتَابَ وَسُنَّةَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْآثَارَ عن أَصْحَابِهِ وَاجْتِمَاعَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا فَكَيْفَ عِبْت عَلَيْنَا اتِّبَاعَ ما هو أَلْزَمُ من إحْلَافِك في الْقَسَامَةِ ما قَتَلْت وَلَا عَلِمْت قال فإن صَاحِبَنَا قال إنَّمَا أَخَذَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ الْيَمِينَ على الْمِنْبَرِ عن مَرْوَانَ وَخَالَفُوا زَيْدًا فَذَكَرْت له ما كَتَبْت في كِتَابِي من قَوْلِ اللَّهِ عز وجل وَسُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وما روى عن أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فقال لم يذكر صَاحِبُنَا هذا وقال إنَّ زَيْدًا أَنْكَرَ الْيَمِينَ على الْمِنْبَرِ فَقُلْت له فَصَاحِبُك إنْ كان عَلِمَ سُنَّةً فَسَكَتَ عنها فلم يُنْصِفْ وَإِنْ كان لم يَعْلَمْهَا فَقَدْ عَجَّلَ قبل أَنْ يَعْلَمَ فَقُلْت له زَيْدٌ من أَكْرَمِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ على مَرْوَانَ وَأَحْرَاهُمْ أَنْ يَقُولَ له ما أَرَادَ وَيَرْجِعُ مَرْوَانُ إلَى قَوْلِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ أَنَّ زَيْدًا دخل على مَرْوَانَ فقال أَيَحِلُّ بَيْعُ الرِّبَا فقال مَرْوَانُ أَعُوذُ بِاَللَّهِ قال فَالنَّاسُ يَتَبَايَعُونَ الصُّكُوكَ قبل أَنْ يَقْبِضُونَهَا فَبَعَثَ مَرْوَانُ حَرَسًا يَرُدُّونَهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَلَوْ لم يَعْرِفْ زَيْدٌ أَنَّ الْيَمِينَ عليه لَقَالَ لِمَرْوَانَ ما هذا على وَكَيْفَ تُشْهِرُ يَمِينِي على الْمِنْبَرِ وَلَكَانَ عِنْدَ مَرْوَانَ لِزَيْدٍ أَنْ لَا يمضى عليه ما ليس عليه لو عَزَمَ على أَنْ يُمْضِيه لَقَالَ زَيْدٌ ليس هذا على قال فَلِمَ حَلَفَ زَيْدٌ أَنَّ حَقَّهُ لَحَقٌّ قُلْنَا أو ما يَحْلِفُ الرَّجُلُ من غَيْرِ أَنْ يُسْتَحْلَفَ فإذا شَهَرْت يَمِينَهُ كَرِهَ أَنْ تَصْبِرَ يَمِينُهُ وَتُشْهَرَ قال بَلَى قُلْنَا وَلَوْ لم يَكُنْ على صَاحِبِك حُجَّةٌ إلَّا ما احْتَجَّ بِهِ من حديث زَيْدٍ كانت عليه حُجَّةٌ فَكَيْفَ وَهِيَ بِالسُّنَّةِ وَالْخَبَرِ عن أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَثْبَتُ قال فَكَيْفَ يَحْلِفُ من بِالْأَمْصَارِ على الْعَظِيمِ من الْأَمْرِ قُلْنَا بَعْدَ الْعَصْرِ كما قال اللَّهُ عز وجل { تَحْبِسُونَهُمَا من بَعْدِ الصَّلَاةِ } وَكَمَا أَمَرَ بن عَبَّاسٍ بن أبي مُلَيْكَةَ بِالطَّائِفِ أَنْ يَحْبِسَ الْجَارِيَةَ بَعْدَ الْعَصْرِ ثُمَّ يَقْرَأَ عليها { إنْ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا } فَفَعَلَ فَاعْتَرَفَتْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا بِذَلِكَ بن مُؤَمَّلٍ عن بن أبي مُلَيْكَةَ عن بن عَبَّاسٍ - * بَابُ رَدِّ الْيَمِينِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن بن أبي لَيْلَى بن عبد اللَّهِ بن عبد الرحمن بن سَهْلٍ عن سَهْلِ بن أبي حَثْمَةَ أَنَّهُ أخبره رِجَالٌ من كُبَرَاءِ قَوْمِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لِحُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ وَعَبْدِ الرحمن تَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ قالوا لَا قال فَتَحْلِفُ يَهُودُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَخْبَرَنَا عبد الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ وبن عُيَيْنَةَ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن بُشَيْرِ بن يَسَارٍ عن سَهْلِ بن أبي حَثْمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَدَأَ الْأَنْصَارِيِّينَ فلما لم يَحْلِفُوا رَدَّ الْأَيْمَانَ على يَهُودَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن بُشَيْرِ بن يَسَارٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مثله ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ أَنَّ رَجُلًا من بَنِي لَيْثِ بن سَعْدٍ أَجْرَى فَرَسًا فَوَطِئَ أُصْبُعَ رَجُلٍ من جُهَيْنَةَ فَنَزَى فيها فَمَاتَ فقال عُمَرُ لِلَّذِينَ ادَّعَى عليهم تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا ما مَاتَ منها فَأَبَوْا وَتَحَرَّجُوا من الْأَيْمَانِ فقال للاخرين احْلِفُوا أَنْتُمْ فَأَبَوْا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَدْ رأي رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْيَمِينَ على الْأَنْصَارِيِّينَ يَسْتَحِقُّونَ بها فلما لم يَحْلِفُوا حَوَّلَهَا على الْيَهُودِ يَبْرَءُونَ بها وَرَأَى عُمَرُ على اللَّيْثِيِّينَ يَبْرَءُونَ بها فلما أَبَوْا حَوَّلَهَا على الْجُهَنِيِّينَ يَسْتَحِقُّونَ بها فَكُلُّ هذا تَحْوِيلُ يَمِينٍ من مَوْضِعٍ قد رُئِيَتْ فيه إلَى الْمَوْضِعِ الذي يُخَالِفُهُ فَبِهَذَا وما أَدْرَكْنَا عليه أَهْلَ الْعِلْمِ قَبْلَنَا قُلْنَا في رَدِّ الْيَمِينِ وقد قال اللَّهُ عز وجل { تَحْبِسُونَهُمَا من بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ } وقال اللَّهُ
____________________

(7/37)


عز وجل { فَإِنْ عُثِرَ على أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا من الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عليهم الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ } فبهذا ( ( ( فهذا ) ) ) وما أَدْرَكْنَا عليه أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا يحكمونه ( ( ( يحكونه ) ) ) عن مُفْتِيهمْ وَحُكَّامِهِمْ قَدِيمًا وَحَدِيثًا قُلْنَا بِرَدِّ الْيَمِينِ فإذا كانت الدَّعْوَى دَمًا فَالسُّنَّةُ فيها أَنْ يَبْدَأَ الْمُدَّعُونَ إذَا كان ما تَجِبُ بِهِ الْقَسَامَةُ وَهَذَا مَكْتُوبٌ في كِتَابِ الْعُقُولِ فَإِنْ حَلَفُوا اسْتَحَقُّوا وَإِنْ أَبَوْا الْأَيْمَانَ قِيلَ يَحْلِفُ لَكُمْ الْمُدَّعَى عليهم فَإِنْ حَلَفُوا بَرِئُوا وَلَا يَحْلِفُونَ وَيَغْرَمُونَ وَالْقَسَامَةُ في الْعَمْدِ والخطأ سَوَاءٌ يَبْدَأُ فيها الْمُدَّعُونَ وَإِنْ كانت الدَّعْوَى غير دَمٍ وَكَانَتْ الدَّعْوَى ما لا أُحْلِفَ الْمُدَّعَى عليه فَإِنْ حَلَفَ بريء وَإِنْ نَكَلَ عن الْيَمِينِ قِيلَ للمدعى ليس النُّكُولُ بِإِقْرَارٍ فَتَأْخُذُ منه حَقَّك كما تَأْخُذُهُ بِالْإِقْرَارِ وَلَا بَيِّنَةَ فَتَأْخُذُ بها حَقَّك بِغَيْرِ يَمِينٍ فَاحْلِفْ وَخُذْ حَقَّك فَإِنْ أَبَيْت أَنْ تَحْلِفَ سَأَلْنَاك عن إبَائِك فَإِنْ ذَكَرْت أَنَّك تأتى بِبَيِّنَةٍ أو تَذْكُرُ مُعَامَلَةً بَيْنَك وَبَيْنَهُ تَرَكْنَاك فَمَتَى جِئْت بِشَيْءٍ تَسْتَحِقُّ بِهِ أَعْطَيْنَاك وَإِنْ لم تَأْتِ بِهِ حَلَفْت فَإِنْ قُلْت لَا أُؤَخِّرُ ذلك لِشَيْءٍ غير أَنِّي لَا أَحْلِفُ أَبْطَلْت يَمِينَك فَإِنْ طَلَبْتهَا بَعْدُ لم نُعْطِك بها شيئا وَإِنْ حَلَفَ الْمُدَّعَى عليه فَبَرِئَ أو لم يَحْلِفْ فَنَكَلَ المدعى فَأَبْطَلْنَا يَمِينَهُ ثُمَّ جاء بِشَاهِدَيْنِ أَخَذْنَا له بِحَقِّهِ وَالْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ أَحَقُّ من الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ وقد قِيلَ إنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا لَا يَأْخُذُ له بِالشُّهُودِ إذَا حَلَفَ المدعي عليه وَيَقُولُ قد مَضَى الْحُكْمُ بِإِبْطَالِ الْحَقِّ عنه فَلَا آخُذُهُ بَعْدَ أَنْ بَطَلَ وَلَوْ أَبَى المدعى الْيَمِينَ فَأَبْطَلْت أَنْ أُعْطِيه بِيَمِينِهِ ثُمَّ جاء بِشَاهِدٍ فقال أَحْلِفُ معه لم أَرَ أَنْ يَحْلِفَ لِأَنِّي قد حَكَمْت أَنْ لَا يَحْلِفَ في هذا الْحَقِّ وَلَوْ ادَّعَى عليه حَقًّا فَقُلْت لِلْمُدَّعَى عليه احْلِفْ فأبي وَرَدَّ الْيَمِينَ على المدعى فَقُلْت للمدعى احْلِفْ فقال الْمُدَّعَى عليه بَلْ أنا أَحْلِفُ لم أَجْعَلْ ذلك له لِأَنِّي قد أَبْطَلْت أَنْ يَحْلِفَ وَحَوَّلْت الْيَمِينَ على المدعى فَإِنْ حَلَفَ اسْتَحَقَّ وَإِنْ لم يَحْلِفْ أَبْطَلْت حَقَّهُ بِلَا يَمِينٍ من الْمُدَّعَى عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ تَدَاعَى رَجُلَانِ شيئا في أَيْدِيهِمَا وكان كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يدعى كُلَّهُ أَحَلَفْت كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ فَإِنْ حَلَفَا مَعًا فَالشَّيْءُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ كما كان في أَيْدِيهِمَا فَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا وأبي الْآخَرُ أَنْ يَحْلِفَ قِيلَ لِلْحَالِفِ إنَّمَا أَحَلَفْنَاك على النِّصْفِ الذي في يَدِك فلما حَلَفْت جَعَلْنَاهُ لَك وَقَطَعْنَا دَعْوَى المدعى عَلَيْك وَأَنْتَ تدعى نِصْفًا في يَدِهِ فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ فَاحْلِفْ أَنَّهُ لَك كما ادَّعَيْت فَإِنْ حَلَفَ فَهُوَ له وَإِنْ أبي فَهُوَ لِلَّذِي في يَدَيْهِ وَلَوْ كانت دَارٌ في يَدَيْ رَجُلٍ فَادَّعَى آخَرُ أنها دَارُهُ يَمْلِكُهَا بِوَجْهٍ من وُجُوهِ الْمِلْكِ وَسَأَلَ يَمِينَ الذي الدَّارُ في يَدَيْهِ أو سَأَلَ أَنْ تَكُونَ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ ما اشْتَرَيْتهَا وما وَهَبْت لي فَإِنْ أَبَى ذلك الذي الدَّارُ في يَدَيْهِ أَحَلَفْنَاهُ بِاَللَّهِ كما يَحْلِفُ ما لِهَذَا المدعى يُسَمِّيه بِاسْمِهِ في هذه الدَّارِ حَقٌّ بِمِلْكٍ وَلَا غَيْرِهِ بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ من قِبَلِ أَنَّهُ قد يَشْتَرِيهَا ثُمَّ تَخْرُجُ من يَدَيْهِ وَيَتَصَدَّقُ بها عليه فَتَخْرُجُ أَيْضًا من يَدَيْهِ وَتُوهَبُ له وَلَا يَقْبِضُهَا فإذا أَحَلَفْنَاهُ كما وَصَفْت فَقَدْ احْتَطْنَا له وَعَلَيْهِ في الْيَمِينِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَخَالَفَنَا في رَدِّ الْيَمِينِ بَعْضُ الناس وقال من أَيْنَ أَخَذْتُمُوهَا فَحَكَيْت له ما كَتَبْت من السُّنَّةِ وَالْأَثَرِ عن عُمَرَ وَغَيْرِهِ مِمَّا كَتَبْت وَقُلْت له كَيْفَ لم تَصِرْ إلَى الْقَوْلِ بها مع ثُبُوتِ الْحُجَجِ عَلَيْك فيها قال فَإِنِّي إنَّمَا رَدَدْتهَا لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال الْبَيِّنَةُ على من ادَّعَى وَالْيَمِينُ على من أَنْكَرَ وَقَالَهُ عُمَرُ فَقُلْت له وَهَذَا على ما قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وروى عن عُمَرَ وهو على خَاصٍّ فِيمَا بَيَّنَّاهُ في كِتَابِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ فَإِنْ كانت بَيِّنَةٌ أُعْطَى بها المدعى وإذا لم تَكُنْ أَحْلَفَ الْمُدَّعَى عليه وَلَيْسَ فِيمَا قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْيَمِينِ على الْمُدَّعَى عليه أَنَّهُ إنْ لم يَحْلِفْ أُخِذَ منه الْحَقَّ قال فَإِنِّي أَقُولُ هذا عَامٌّ وَلَا أُعْطِي مُدَّعِيًا إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَلَا أُبَرِّئُ مُدَّعًى عليه ( 1 ) من يَمِينٍ فإذا لم يَحْلِفْ لَزِمَهُ ما ادعى عليه وإذا حَلَفَ بريء فَقُلْت له أَرَأَيْت مَوْلًى لي وَجَدْته قَتِيلًا في مَحَلَّةٍ فَحَضَرْتُك أنا وَأَهْلُ الْمَحَلَّةِ فَقَالُوا لَك أيدعى هذا بِبَيِّنَةٍ فَقُلْت لَا بَيِّنَةَ لي فَقُلْت فَاحْلِفُوا وَاغْرَمُوا فَقَالُوا لَك قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
____________________

(7/38)


الْيَمِينُ على الْمُدَّعَى عليه وَهَذَا لَا يدعى عَلَيْنَا قال كَأَنَّكُمْ مُدَّعًى عَلَيْكُمْ قُلْنَا وَقَالُوا فإذا حَكَمْت بِكَأَنَّ وَكَأَنَّ مِمَّا لَا يَجُوزُ عِنْدَك هِيَ فِيمَا كَأَنَّ فيه ليس كان أَفَعَلَيْنَا كُلُّنَا أو على بَعْضِنَا قال بَلْ على كُلِّكُمْ قُلْت فَقَالُوا فَأَحْلِفْ كُلَّنَا وَإِلَّا فَأَنْتَ تَظْلِمُهُ إذَا اقْتَصَرْت بِالْأَيْمَانِ على الْخَمْسِينَ وهو يَدَّعِي على مِائَةٍ وَأَكْثَرَ وهو عِنْدَك لو ادَّعَى دِرْهَمًا على مِائَةٍ أَحَلَفْتهمْ كُلَّهُمْ وَظَلَمْتنَا إذْ أَحَلَفْتنَا فلم تُبَرِّئْنَا وَالْيَمِينُ عِنْدَك مَوْضِعُ بَرَاءَةٍ وإذا أَعْطَيْته بِلَا بَيِّنَةٍ فَخَرَجْت من جَمِيعِ ما احْتَجَجْت بِهِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَعَنْ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه قال هذا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَعَنْ عُمَرَ خَاصَّةً قُلْت فَإِنْ كان عن عُمَرَ خَاصًّا فَلَا نُبْطِلُهُ بِالْخَبَرِ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَعَنْ عُمَرَ ونمضى الْخَبَرَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَعَنْ عُمَرَ في غَيْرِ ما جاء فيه نَصُّ خَبَرٍ عن عُمَرَ قال نعم قُلْنَا وَلَا يَخْتَلِفَانِ عِنْدَك قال لَا قُلْنَا وَيَدُلُّك خُصُوصُهُ حُكْمًا يَخْرُجُ من جُمْلَةِ قَوْلِهِ أَنَّ جُمْلَةَ قَوْلِهِ لَيْسَتْ على كل شَيْءٍ قال نعم وَقُلْت له فَاَلَّذِي احْتَجَجْت بِهِ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَعَنْ عُمَرَ في نَقْلِ الْأَيْمَانِ عن مَوَاضِعِهَا التي اُبْتُدِئَتْ فيها أَثْبَتُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من قَوْلِهِ الْبَيِّنَةُ على المدعى وَالْيَمِينُ على الْمُدَّعَى عليه وَاَلَّذِي احْتَجَجْت بِهِ عن عُمَرَ أَثْبَتُ عنه من قَوْلِك في الْقَسَامَةِ عنه فَكَيْفَ جَعَلْت الرِّوَايَةَ الضَّعِيفَةَ عن عُمَرَ حُجَّةً على ما زَعَمْت من عُمُومِ السُّنَّةِ التي تُخَالِفُهُ وَمِنْ عُمُومِ قَوْلِهِ الذي يُخَالِفُهُ وَعِبْت على أَنْ قلت بِسُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في رَدِّ الْيَمِينِ وَاسْتَدْلَلْت بها على أَنَّ قَوْلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْبَيِّنَةُ على المدعى وَالْيَمِينُ على الْمُدَّعَى عليه خَاصٌّ فَأَمْضَيْت سُنَّتَهُ بِرَدِّ الْيَمِينِ على ما جَاءَتْ فيه وَسُنَّتُهُ في الْبَيِّنَةِ على المدعى وَالْيَمِينُ على الْمُدَّعَى عليه ولم يَكُنْ في قَوْلِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْيَمِينُ على الْمُدَّعَى عليه بَيَانٌ أَنَّ النُّكُولَ كَالْإِقْرَارِ إذَا لم يَكُنْ مع النُّكُولِ شَيْءٌ يُصَدِّقُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وهو يُخَالِفُ الْبَيِّنَةُ على المدعى وَالْيَمِينُ على الْمُدَّعَى عليه بِكَثِيرٍ قد كَتَبْنَا ذلك في الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ وَكِتَابِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ وَاكْتَفَيْنَا بِاَلَّذِي حَكَيْنَا في هذا الْكِتَابِ وَقُلْت له فَكَيْفَ تَزْعُمُ أَنَّ النُّكُولَ يَقُومُ مَقَامَ الْإِقْرَارِ فَإِنْ ادَّعَيْت حَقًّا على رَجُلٍ كَثِيرًا وَقُلْت فَقَأَ عَيْنَ غُلَامِي أو قَطَعَ يَدَهُ أو رِجْلَهُ فلم يَحْلِفْ قَضَيْت عليه بِالْحَقِّ وَالْجِرَاحِ كُلِّهَا فَإِنْ ادَّعَيْت أَنَّهُ قَتَلَهُ قُلْت الْقِيَاسُ إذَا لم يَحْلِفْ أَنْ يَقْتُلَ وَلَكِنْ أَسْتَحْسِنُ فَأَحْبِسُهُ حتى يُقِرَّ فَيُقْتَلَ أو يَحْلِفَ فَيَبْرَأَ وقال صَاحِبُك بَلْ أَجْعَلُ عليه الدِّيَةَ وَلَا أَحْبِسُهُ وَأَحَلْتُمَا جميعا في الْعَمْدِ وهو عِنْدَكُمَا لَا دِيَةَ فيه فقال أَحَدُكُمَا هو حُكْمُ الخطأ وقال الْآخَرُ أَحْبِسُهُ وَخَالَفْتُمَا أَصْلَ قَوْلِكُمَا إن النُّكُولَ يَقُومُ مَقَامَ الْإِقْرَارِ فَكَيْفَ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ إنْ لَاعَنْتُمْ بين زَوْجَيْنِ فَالْتَعَنَ الزَّوْجُ وَأَبَتْ الْمَرْأَةُ تَلْتَعِنَ حَبَسْتُمُوهَا ولم تَحُدُّوهَا وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ على إيجَابِ الْحَدِّ عليها لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل يقول { وَيَدْرَأُ عنها الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ } فَبَيَّنَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّ الْعَذَابَ لَازِمٌ لها إذَا الْتَعَنَ الزَّوْجُ إلَّا أَنْ تَشْهَدَ وَنَحْنُ نَقُولُ تُحَدُّ إنْ لم تَلْتَعِنْ وَخَالَفْتُمْ أَصْلَ مَذْهَبِكُمْ فيه فقال فَكَيْفَ لم تَجْعَلُوا النُّكُولَ يُحِقُّ الْحَقَّ للمدعى على الْمُدَّعَى عليه وَجَعَلْتُمْ يَمِينَ المدعى يَحِقُّهُ عليه فَقُلْت له حَكَمَ اللَّهُ فِيمَنْ رَمَى امْرَأَةً بِزِنَا أَنْ يأتى بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ أو يُحَدَّ فَجَعَلَ شُهُودَ الزنى أَرْبَعَةً وَحَكَمَ بين الزَّوْجَيْنِ أَنْ يَلْتَعِنَ الزَّوْجُ ثُمَّ يَبْرَأُ من الْحَدِّ وَيَلْزَمُ الْمَرْأَةَ الْحَدُّ إلَّا بِأَنْ تَحْلِفَ فَإِنْ حَلَفَتْ بَرِئَتْ وَإِنْ نَكَلَتْ لَزِمَهَا ما نَكَلَتْ عنه وَلَيْسَ بِنُكُولِهَا فَقَطْ لَزِمَهَا وَلَكِنْ بِنُكُولِهَا مع يَمِينِهِ فلما اجْتَمَعَ النُّكُولُ وَيَمِينُ الزَّوْجِ لَزِمَهَا الْحَدُّ وَوَجَدْنَا السُّنَّةَ وَالْخَبَرَ بِرَدِّ الْيَمِينَ فَقُلْنَا إذَا لم يَحْلِفْ من عليه مُبْتَدَأُ الْيَمِينِ رَدَدْنَاهَا على الذي يُخَالِفُهُ فَإِنْ حَلَفَ فَاجْتَمَعَ أَنْ نَكَلَ من ادَّعَى عليه وَحَلَفَ هو أَخَذَ حَقَّهُ وَإِنْ لم يَحْلِفْ لم يَأْخُذْ حَقَّهُ لِأَنَّ النُّكُولَ ليس بِإِقْرَارٍ ولم نَجِدْ السُّنَّةَ وَلَا الْأَثَرَ بِالنُّكُولِ فَقَطْ إقْرَارًا وَوَجَدْنَا حُكْمَ الْقُرْآنِ كما وَصَفْت من أَنْ يُقَامَ الْحَدُّ على الْمَرْأَةِ إذَا نَكَلَتْ وَحَلَفَ الزَّوْجُ لَا إذَا نَكَلَتْ فَقَطْ اتِّبَاعًا وَقِيَاسًا بَلْ وَجَدْتهَا لَا يَخْتَلِفُ الناس في أَنْ لَا حَدَّ عليها إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ أو اعْتِرَافٍ وَأَنْ لو عُرِضَتْ عليها الْيَمِينُ فلم تَلْتَعِنْ لم تُحَدَّ بِتَرْكِ
____________________

(7/39)


الْيَمِينِ وإذا حَلَفَ الزَّوْجُ قَبْلَهَا ثُمَّ لم تَحْلِفْ فَاجْتَمَعَتْ يَمِينُ الزَّوْجِ الْمُدَافِعِ عن نَفْسِهِ الْحَدَّ وَالْوَلَدُ الذي هو خَصْمٌ يَلْزَمُهُ دُونَ الْأَجْنَبِيِّ وَنُكُولُهَا عَمَّا أَلْزَمَهَا الْتِعَانُهُ وهو يَمِينُهُ حُدَّتْ بِالدَّلَالَةِ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَيَدْرَأُ عنها الْعَذَابَ } - * في حُكْمِ الْحَاكِمِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه عن زَيْنَبَ بِنْتِ أبي سَلَمَةَ عن أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إنَّمَا أنا بَشَرٌ وأنكم تَخْتَصِمُونَ إلى وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ من بَعْضٍ فَأَقْضِي له على نَحْوِ ما أَسْمَعُ منه فَمَنْ قَضَيْت له بِشَيْءٍ من حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذَنَّهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ له قِطْعَةً من النَّارِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَبِهَذَا نَقُولُ وفي هذا الْبَيَانِ الذي لَا إشْكَالَ معه بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَنِعْمَتِهِ على عَالِمٍ فَنَقُولُ وَلِيُّ السَّرَائِرِ اللَّهُ عز وجل فَالْحَلَالُ وَالْحَرَامُ على ما يَعْلَمُهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَالْحُكْمُ على ظَاهِرِ الْأَمْرِ وَافَقَ ذلك السَّرَائِرَ أو خَالَفَهَا فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا زَوَّرَ بَيِّنَةً على آخَرَ فَشَهِدُوا أَنَّ له عليه مِائَةَ دِينَارٍ فَقَضَى بها الْقَاضِي لم يَحِلَّ للمقضى له أَنْ يَأْخُذَهَا إذَا عَلِمَهَا بَاطِلًا وَلَا يُحِيلُ حُكْمُ الْقَاضِي عِلْمَ الْمَقْضِيِّ له والمقضى عليه وَلَا يَجْعَلُ الْحَلَالَ على وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَرَامًا وَلَا الْحَرَامَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا حَلَالًا فَلَوْ كان حُكْمٌ أَبَدًا يُزِيلُ عِلْمَ الْمَقْضِيِّ له وَعَلَيْهِ حتى يَكُونَ ما عَلِمَهُ أَحَدُهُمَا مُحَرَّمًا عليه فَأَبَاحَهُ له الْقَاضِي أو عَلِمَهُ حَلَالًا فَحَرَّمَهُ عليه الْقَاضِي بِالظَّاهِرِ عِنْدَهُ حَائِلًا بِحُكْمِ الْقَاضِي عن عِلْمِ الْخَصْمَيْنِ كان حُكْمُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَوْلَى الْأَحْكَامِ أَنْ يَكُونَ هَكَذَا فَقَدْ أَعْلَمَهُمْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ بِالظَّاهِرِ وَأَنَّ حُكْمَهُ لَا يُحِلُّ لهم ما حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عليهم فَأَصْلُ هذا ما وَصَفْت لَك من أَنْ تَنْظُرَ ما حَلَّ لَك فَإِنْ حُكِمَ لَك بِهِ أَخَذْته وما حُرِّمَ عَلَيْك فَحُكِمَ لَك بِهِ لم تَأْخُذْهُ وَلَوْ طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ جَحَدَ فَأَحْلَفَهُ الْحَاكِمُ ثُمَّ قَضَى له بِحَبْسِهَا لم يَحِلَّ له إصَابَتُهَا وَلَا لها أَنْ تَدَعَهُ يُصِيبُهَا وَعَلَيْهَا أَنْ تَمْتَنِعَ منه بِأَكْثَرَ ما تَقْدِرُ عليه وَيَسَعُهَا إذَا أَرَادَهَا ضَرَبَهُ وَإِنْ أتى الضَّرْبُ على نَفْسِهِ وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَا زُورٍ على رَجُلٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا لم يَحِلَّ لها أَنْ تَنْكِحَ أَبَدًا إذَا عَلِمَتْ أَنَّ ما شَهِدَا بِهِ بَاطِلٌ ولم يَحِلَّ له أَنْ يَنْكِحَ أُخْتَهَا وَلَا أَرْبَعًا سِوَاهَا وكان له أَنْ يُصِيبَهَا حَيْثُ قَدَرَ عليها إلَّا أَنَّا نَكْرَهُ له أَنْ يَفْعَلَ خَوْفًا أَنْ يُعَدَّ زَانِيًا فَيُحَدَّ ولم يَكُنْ لها أَنْ تَمْتَنِعَ منه وكان لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنْ مَاتَ صَاحِبُهُ قَبْلَهُ أَنْ يَرِثَهُ ولم يَكُنْ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يَدْفَعُوهُ عن حَقِّهِ في مِيرَاثِهِ إذَا عَلِمُوا أَنَّ الشُّهُودَ كَاذِبُونَ وَإِنْ كان الزَّوْجُ الْمَيِّتَ فَعَلَى الْمَرْأَةِ الْعِدَّةُ منه وَالْبُيُوعُ مُجَامِعَةٌ ما وَصَفْنَا من الطَّلَاقِ في الْأَصْلِ وقد تَخْتَلِفُ هِيَ وَهِيَ في التَّصْرِيفِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُمَا لَا يَفْتَرِقَانِ لِلِاجْتِمَاعِ في الْأَصْلِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا حَيْثُ يَفْتَرِقَانِ وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى التَّوْفِيقَ بِقُدْرَتِهِ وَلَوْ بَاعَ رَجُلٌ من رَجُلٍ جَارِيَةً فَجَحَدَهُ الْبَيْعَ فَحَلَفَ كان يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ الْيَمِينِ إنْ كُنْت اشْتَرَيْتَ منه فَأَشْهِدْ أَنَّك قد فَسَخْت الْبَيْعَ وَيَقُولُ لِلْبَائِعِ أَشْهِدْ أَنَّك قد قَبِلْت الْفَسْخَ لِيَحِلَّ لِلْبَائِعِ فَرْجُهَا بِانْفِسَاخِ الْبَيْعِ فَإِنْ لم يَفْعَلْ فَفِيهَا أَقَاوِيلُ أَحَدُهَا لَا يَحِلُّ فَرْجُهَا لِلْبَائِعِ لِأَنَّهَا في مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَهَذَا قِيَاسُ الطَّلَاقِ وَلَوْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنَّ جَحْدَهُ الْبَيْعَ وَحَلِفَهُ يُحِلُّهَا لِلْبَائِعِ وَيَقْطَعُ عنها مِلْكَ الْمُشْتَرِي وَأَنْ يَقُولَ هذا رَدُّ بَيْعٍ إنْ شَاءَ الْبَائِعُ حَلَّتْ له بِأَنْ يَقْبَلَ الرَّدَّ كان مَذْهَبًا وَلَوْ ذَهَبَ مَذْهَبًا آخَرَ ثَالِثًا وقال وَجَدْت السُّنَّةَ إذَا أَفْلَسَ بِثَمَنِهَا كان الْبَائِعُ أَحَقَّ بها من الْغُرَمَاءِ فلما كانت الْبُيُوعُ تُمْلَكُ بِأَخْذِ الْعِوَضِ فَبَطَلَ الْعِوَضُ عن صَاحِبِ الْجَارِيَةِ رَجَعَتْ إلَيْهِ بِالْمِلْكِ الْأَوَّلِ كان مَذْهَبًا أَيْضًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَهَكَذَا الْقَوْلُ في الْبُيُوعِ كُلِّهَا يَنْبَغِي بِالِاحْتِيَاطِ لِلْقَاضِي أن أَحْلَفَ الْمُدَّعَى عليه الشِّرَاءَ أَنْ يَقُولَ له أَشْهِدْ أَنَّهُ إنْ كان بَيْنَك وَبَيْنَهُ بَيْعٌ فَقَدْ فَسَخْته وَيَقُولُ لِلْبَائِعِ أقبل الْفَسْخَ حتى يَعُودَ مِلْكُهُ إلَيْهِ بِحَالِهِ الْأُولَى وَإِنْ لم يَفْعَلْ الْحَاكِمُ فَيَنْبَغِي
____________________

(7/40)


لِلْبَائِعِ أَنْ يَقْبَلَ فَسْخَ الْبَيْعِ حتى يُفْسَخَ في قَوْلِ من رَأَى الْجُحُودَ لِلشِّرَاءِ فَسْخَ الْبَيْعِ وَقَوْلِ من لم يَرَهُ وَكَذَلِكَ لو ادَّعَتْ امْرَأَةٌ على رَجُلٍ أَنَّهُ نَكَحَهَا بِشُهُودٍ وَغَابُوا أو مَاتُوا فَجَحَدَ وَحَلَفَ كان يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُبْطِلَ دَعْوَاهَا وَيَقُولَ له أَشْهِدْ أَنَّك إنْ كُنْت نَكَحْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ إنْ كان لم يَدْخُلْ بها وَإِنْ كان دخل بها أَعْطَاهُ شيئا قَلِيلًا على أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً وَلَا يَمْلِكُ رَجَعْتهَا وَإِنْ تَرَكَ ذلك الْقَاضِي ولم يَقْبَلْ ذلك الْمُدَّعَى عليه النِّكَاحَ وَالْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ يَعْلَمَانِ أَنَّ دَعْوَاهَا حَقٌّ فَلَا تَحِلُّ لِغَيْرِهِ وَلَا يَحِلُّ له نِكَاحُ أُخْتِهَا حتى يُحْدِثَ لها طَلَاقًا قال وَهُمَا زَوْجَانِ غير أَنَّا نَكْرَهُ له إصَابَتَهَا خَوْفًا من أَنْ يُعَدَّ زَانِيًا يُقَامُ عليه الْحَدُّ وَلَهَا هِيَ مَنْعُهُ نَفْسَهَا لِتَرْكِهِ إعْطَاءَهَا الصَّدَاقَ وَالنَّفَقَةَ فَإِنْ سَلَّمَ ذلك إلَيْهَا وَمَنَعَتْهُ نَفْسَهَا حتى يُقِرَّ لها بِالنِّكَاحِ خَوْفَ الْحَبَلِ وَأَنْ تُعَدَّ زَانِيَةً كان لها إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ حَالَهَا في ذلك مُخَالِفَةٌ حاله هو إذَا سَتَرَ على أَنْ يُؤْخَذَ في الْحَالِ التي يُصِيبُهَا فيها لم يَخَفْ وَهِيَ تَخَافُ الْحَمْلَ أَنْ تُعَدَّ بِإِصَابَتِهِ أو بِإِصَابَةِ غَيْرِهِ زانيه تُحَدُّ وَحَالُهَا مُخَالِفَةٌ حَالَ الذي يقول لم أُطَلِّقْ وقد شُهِدَ عليه بِزُورٍ وَالْقَوْلُ في الْبَعِيرِ يُبَاعُ فَيَجْحَدُ الْبَيْعَ وَالدَّارِ فَيَجْحَدُ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ وَيَحْلِفُ كَالْقَوْلِ في الْجَارِيَةِ وَأُحِبُّ لِلْوَالِي أَنْ يَقُولَ له افْسَخْ الْبَيْعَ وَلِلْبَائِعِ اقْبَلْ الْفَسْخَ فَإِنْ لم يَفْعَلْ فَلِلْبَائِعِ في ذلك الْقَوْلِ يَقْبَلُ الْفَسْخَ فَإِنْ لم يَفْعَلْ ولم يَعْمَلْ بِالْوَجْهِ الْآخَرِ من أَنَّهُ كَالْمُفْلِسِ فَلَهُ إجَارَةُ الدَّارِ حتى يستوفى ثَمَنَهَا ثُمَّ عليه تَسْلِيمُهَا إلَيْهِ أو إلَى وَارِثِهِ وَكَذَلِكَ يَصْنَعُ بِالْبَعِيرِ وَإِنْ وَجَدَ ثَمَنَ الدَّارِ أو الْبَعِيرِ من مَالِ الْمُشْتَرِي كان له أَخْذُهُ وَعَلَيْهِ تَسْلِيمُ ما بَاعَهُ إلَيْهِ إذَا أَخَذَ ثَمَنَهُ فَعَلَى هذا هذا الْبَابِ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ في النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ وَغَيْرِ ذلك وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ على رَجُلٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا وكان الرَّجُلُ يَعْلَمُ أَنَّهُمَا كَاذِبَانِ وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا وَسِعَهُ أَنْ يُصِيبَهَا إذَا قَدَرَ وَإِنْ كانت تَعْلَمُ أَنَّهُمَا كَاذِبَانِ لم يَسَعْهَا الِامْتِنَاعُ منه وَتَسْتَتِرُ بِجَهْدِهَا لِئَلَّا تُعَدَّ زَانِيَةً وَإِنْ كانت تَشُكُّ وَلَا تَدْرِي أَصَدَقَا أَمْ كَذَبَا لم يَسَعْهَا تَرْكُ الزَّوْجِ الذي شَهِدَا عليه أَنْ يُصِيبَهَا وَأَحْبَبْتُ لها الْوُقُوفَ عن النِّكَاحِ وَإِنْ صَدَّقَتْهُمَا جَازَ لها أَنْ تَنْكِحَ وَاَللَّهُ وَلِيُّهُمَا الْعَالِمُ بِصِدْقِهِمَا وَكَذِبِهِمَا وَلَوْ اخْتَصَمَ رَجُلَانِ في شَيْءٍ فَحَكَمَ الْقَاضِي لِأَحَدِهِمَا فَكَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْقَاضِيَ أَخْطَأَ لم يَسَعْهُ أَخْذُ ما حَكَمَ بِهِ له بَعْدَ عِلْمِهِ بِخَطَئِهِ وَإِنْ كان مِمَّنْ يُشْكِلُ ذلك عليه أَحْبَبْتُ أَنْ يَقِفَ حتى يَسْأَلَ فَإِنْ رَآهُ أَصَابَ أَخَذَهُ وَإِنْ كان الْأَمْرُ مُشْكِلًا في قَضَائِهِ فَالْوَرَعُ أَنْ يَقِفَ لِأَنَّ تَرْكَهُ وهو له خَيْرٌ من أَخْذِهِ وَلَيْسَ له والمقضى عليه بِمَالٍ للمقضى له إنْ عَلِمَ أَنَّ الْقَاضِيَ أَخْطَأَ عليه وَسِعَهُ حَبْسُهُ وَإِنْ أَشْكَلَ عليه أَحْبَبْت له أَنْ لَا يَحْبِسَهُ وَلَا يَسَعَهُ حَبْسُهُ حتى يَعْلَمَ أَنَّ الْقَاضِيَ أَخْطَأَ عليه فَعَلَى هذا هذا الْبَابُ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ وَهَذَا مِثْلُ أَنْ يَشْهَدَ رَجُلَانِ أَنَّ فُلَانًا توفى وَأَوْصَى له بِأَلْفٍ وَيَجْحَدُ الْوَارِثُ فَإِنْ صَدَّقَهُمَا وَسِعَهُ أَخْذُهَا وَإِنْ كَذَّبَهُمَا لم يَسَعْهُ أَخْذُهَا وَإِنْ شَكَّ أَحْبَبْت له الْوُقُوفَ وفي مِثْلِ هذا أَنْ يَشْهَدَ له رَجُلَانِ أَنَّ فُلَانًا قَذَفَهُ فَإِنْ صَدَّقَهُمَا وَسِعَهُ أَنْ يَحُدَّهُ وَإِنْ كَذَّبَهُمَا لم يَسَعْهُ أَنْ يَحُدَّهُ وَإِنْ شَكَّ أَحْبَبْت له أَنْ يَقِفَ وَحَالُهُ فِيمَا غَابَ عنه من كل ما شَهِدَ له بِهِ هَكَذَا وَلَوْ أَقَرَّ له رَجُلٌ بِحَقٍّ لَا يَعْرِفُهُ ثُمَّ قال مَزَحْت فَإِنْ صَدَّقَهُ بِأَنَّهُ مِزَاحٌ لم يَحِلَّ له أَخْذُهُ وَإِنْ كَذَّبَهُ وكان صَادِقًا بِالْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ عِنْدَهُ وَسِعَهُ أخذ ( ( ( وأخذ ) ) ) ما أَقَرَّ له بِهِ وَإِنْ شَكَّ أَحْبَبْت له الْوُقُوفَ فيه - * الْخِلَافُ في قَضَاءِ الْقَاضِي - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس في قَضَاءِ الْقَاضِي فقال قَضَاؤُهُ يُحِيلُ الْأُمُورَ عَمَّا هِيَ عليه فَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ عَمَدَا أَنْ يَشْهَدَا على رَجُلٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهُمَا يَعْلَمَانِ أَنَّهُمَا شَهِدَا بِزُورٍ فَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا وَسَعَ أَحَدُهُمَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ أَنْ يَنْكِحَهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَدْخُلُ عليه أَنْ لو شَهِدَ له رَجُلَانِ بِزُورٍ أَنَّ فُلَانًا قَتَلَ ابْنَهُ وهو يَعْلَمُ أَنَّ ابْنَهُ لم يُقْتَلْ أو لم يَكُنْ له بن فَحَكَمَ له الْقَاضِي بِالْقَوَدِ أَنْ يَقْتُلَهُ وَلَوْ شَهِدَ له على امْرَأَةٍ أَنَّهُ
____________________

(7/41)


تَزَوَّجَهَا بِوَلِيٍّ وَدَفَعَ إلَيْهَا الْمَهْرَ وَأَشْهَدَ على النِّكَاحِ أَنْ يُصِيبَهَا وَلَوْ وَلَدَتْ له جَارِيَتُهُ جَارِيَةً فَجَحَدَهَا فَأَحْلَفَهُ الْقَاضِي وَقَضَى بِابْنَتِهِ جَارِيَةً له جَازَ له أَنْ يُصِيبَهَا وَلَوْ شَهِدَ له على مَالِ رَجُلٍ وَدَمِهِ بِبَاطِلٍ أَنْ يَأْخُذَ مَالَهُ وَيَقْتُلَهُ وقد بَلَغَنَا أَنَّهُ سُئِلَ عن أَشْنَعَ من هذا وَأَكْثَرَ فقال فيه بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ حَكَى لنا عنه أَنَّهُ يقول في مَوْضِعٍ آخَرَ خِلَافَ هذا الْقَوْلِ يقول لو عَلِمَتْ امْرَأَةٌ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا فَجَحَدَهَا وَحَلَفَ وقضي الْقَاضِي بِأَنْ تَقَرَّ عِنْدَهُ لم يَسَعْهَا أَنْ يُصِيبَهَا وكان لها إذَا أَرَادَ إصَابَتَهَا قَتْلُهُ وَهَذَا الْقَوْلُ بَعِيدٌ عن الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ خِلَافُ سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وما يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ من الْمُسْلِمِينَ ( قال ) فَخَالَفَهُ صَاحِبُهُ في الزَّوْجَةِ يَشْهَدُ الرَّجُلَانِ بِزُورٍ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا فَفَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا فقال لَا يَحِلُّ لِأَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ أَنْ يَنْكِحَهَا وَلَا يَحِلُّ الْقَضَاءُ ما حَرَّمَ اللَّهُ ( قال ) ثُمَّ عَادَ فقال وَلَا يَحِلُّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُصِيبَهَا فَقِيلَ أَتَكْرَهُ له ذلك لِئَلَّا يُقَامَ عليه الْحَدُّ فَنَحْنُ نَكْرَهُهُ أَمْ لِغَيْرِ ذلك قال لِذَلِكَ وَلِغَيْرِهِ قُلْنَا أَيُّ غَيْرٍ قال قد حَكَمَ الْقَاضِي فَهُوَ يُحِلُّ لِغَيْرِهِ تَزْوِيجَهَا وإذا حَلَّ لِغَيْرِهِ تَزْوِيجُهَا حَرُمَ عليه هو إصَابَتُهَا فَقِيلَ له أو لِبَعْضِ من يقول قَوْلَهُ أَرَأَيْت قَوْلَهُ يُحِلُّ لِغَيْرِهِ تَزْوِيجُهَا يَعْنِي من جَهِلَ أَنَّ حُكْمَ الْقَاضِي إنَّمَا كان بِشَهَادَةِ زُورٍ فَرَأَى أَنَّ حُكْمَهُ بِحَقٍّ يُحِلُّ له نِكَاحَهَا فَهُوَ لَا يَحْرُمُ هذا عليه على الظَّاهِرِ وَيَحْرُمُ عليه إنْ عَلِمَ بِمِثْلِ ما عَلِمَ الزَّوْجُ وَكَذَلِكَ لَا يَحْرُمُ عليه في الظَّاهِرِ لو نَكَحَ امْرَأَةً في عِدَّتِهَا وقد قالت له لَيْسَتْ على عِدَّةٌ أَمْ يعنى أَنَّهُ لو عَلِمَ ما عَلِمَ الزَّوْجُ وَالْمَرْأَةُ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ شَهِدَا بِبَاطِلٍ حَلَّ له أَنْ يَنْكِحَهَا فَهَذَا الذي عِبْت على صَاحِبِك خِلَافُ السُّنَّةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا أَحْفَظُ عنه في هذا جَوَابًا بِأَكْثَرَ مِمَّا وَصَفْت - * الْحُكْمُ بين أَهْلِ الْكِتَابِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الذي أَحْفَظُ من قَوْلِ أَصْحَابِنَا وَقِيَاسِهِ أَنَّهُمْ لَا يَنْظُرُونَ فِيمَا بين أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا يَكْشِفُونَهُمْ عن شَيْءٍ من أَحْكَامِهِمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَأَنَّهُمْ لَا يُلْزِمُونَ أَنْفُسَهُمْ الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ إلَّا أَنْ يَتَدَارَءُوا هُمْ وَالْمُسْلِمُونَ فَإِنْ فَعَلُوا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ لِمُسْلِمٍ وَلَا عليه إلَّا مُسْلِمٌ فَهَذَا الْمَوْضِعُ الذي يُلْزِمُونَ أَنْفُسَهُمْ النَّظَرَ بَيْنَهُمْ فيه فإذا نَظَرُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مُسْلِمٍ حَكَمُوا بِحُكْمِ الْمُسْلِمِينَ لَا خِلَافَ في شَيْءٍ منه بِحَالٍ وَكَذَلِكَ لو تَدَارَءُوا هُمْ وَمُسْتَأْمَنٌ لَا يَرْضَى حُكْمَهُمْ أو أَهْلُ مِلَّةٍ وَمِلَّةٌ أُخْرَى لَا تَرْضَى حُكْمَهُمْ وَإِنْ تَدَاعَوْا إلَى حُكَّامِنَا فَجَاءَ الْمُتَنَازِعُونَ مَعًا مُتَرَاضِينَ فَالْحَاكِمُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ حَكَمَ وَإِنْ شَاءَ لم يَحْكُمْ وَأَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ لَا يَحْكُمَ فَإِنْ أَرَادَ الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ قال لهم قبل أَنْ يَنْظُرَ فيه إنى إنَّمَا أَحْكُمُ بَيْنَكُمْ بحكمى بين الْمُسْلِمِينَ وَلَا أُجِيزَ بَيْنَكُمْ إلَّا شَهَادَةَ الْعُدُولِ الْمُسْلِمِينَ وَأُحَرِّمُ بَيْنَكُمْ ما يَحْرُمُ في الْإِسْلَامِ من الرِّبَا وَثَمَنِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وإذا حَكَمْت في الْجِنَايَاتِ حَكَمْت بها على عَوَاقِلِكُمْ وإذا كانت جِنَايَةٌ تَكُونُ على الْعَاقِلَةِ لم يَحْكُمْ بها إلَّا بِرِضَا الْعَاقِلَةِ فَإِنْ رَضُوا بهذا حَكَمَ بِهِ إنْ شَاءَ وَإِنْ لم يَرْضَوْا لم يَحْكُمْ فَإِنْ رضى بَعْضُهُمْ وَامْتَنَعَ بَعْضٌ من الرِّضَا لم يَحْكُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فقال لي قَائِلٌ ما الْحُجَّةُ في أَنْ لَا يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ الْحَاكِمُ حتى يَجْتَمِعُوا على الرِّضَا ثُمَّ يَكُونُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ حَكَمَ وَإِنْ شَاءَ لم يَحْكُمْ فَقُلْت له قَوْلَ اللَّهِ عز وجل لِنَبِيِّهِ { فَإِنْ جاؤوك ( ( ( جاءوك ) ) ) فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أو أَعْرِضْ عَنْهُمْ } الْآيَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ جَاءُوك وَجَاءُوك كَأَنَّهَا على الْمُتَنَازِعَيْنِ لَا على بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ وَجَعَلَ له الْخِيَارَ فقال { فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أو أَعْرِضْ عَنْهُمْ } قال فَإِنَّا نَزْعُمُ أَنَّ الْخِيَارَ مَنْسُوخٌ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ } قُلْت له فَاقْرَأْ الْآيَةَ { وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوك عن بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إلَيْك فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَسَمِعْت من أرضي عِلْمَهُ يقول وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ إنْ حَكَمْت على مَعْنَى قَوْلِهِ { فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أو أَعْرِضْ عَنْهُمْ } فَتِلْكَ مُفَسَّرَةٌ وَهَذِهِ جُمْلَةٌ وفي قَوْلِهِ { فَإِنْ تَوَلَّوْا } دَلَالَةٌ على
____________________

(7/42)


أَنَّهُمْ إنْ تَوَلَّوْا لم يَكُنْ عليه الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ وَلَوْ كان قَوْلُهُ { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ } إلْزَامًا منه لِلْحُكْمِ بَيْنَهُمْ أَلْزَمَهُمْ الْحُكْمَ مُتَوَلِّينَ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا تَوَلَّوْا بَعْدَ الْإِتْيَانِ فَأَمَّا ما لم يَأْتُوا فَلَا يُقَالُ لهم تَوَلَّوْا وَهُمْ وَالْمُسْلِمُونَ إذَا لم يَأْتُوا يَتَحَاكَمُونَ لم يَحْكُمْ بَيْنَهُمْ إلَّا أَنَّهُ يَتَفَقَّدُ من الْمُسْلِمِينَ ما أَقَامُوا عليه مِمَّا يَحْرُمُ عليهم فَيُغَيِّرُ عليهم وَإِنْ كان أَهْلُ الذِّمَّةِ دَخَلُوا بِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ } في مَعْنَى الْمُسْلِمِينَ انْبَغَى لِلْوَالِي أَنْ يَتَفَقَّدَ منهم ما أَقَامُوا عليه مِمَّا يَحْرُمُ عليهم وَإِنْ تَوَلَّى عنه زَوْجَانِ على حَرَامٍ رَدَّهُمَا حتى يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا كما يَرُدُّ زَوْجَيْنِ من الْمُسْلِمِينَ لو تَوَلَّيَا عنه وَهُمَا على حَرَامٍ حتى يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي وَالدَّلَالَةُ على ما قال أَصْحَابُنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ وَبِهَا يَهُودُ وَبِخَيْبَرِ وَفَدَكَ وَوَادِي الْقُرَى وَبِالْيَمَنِ كَانُوا وَكَذَلِكَ في زَمَانِ أبي بَكْرٍ وَصَدْرًا من خلافه عُمَرَ حتى أَجْلَاهُمْ وَكَانُوا بِالشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَالْيَمَنِ وِلَايَة عُمَرَ بن الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ ولم يَسْمَعْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فِيهِمْ بِحُكْمٍ إلَّا رَجْمُهُ يَهُودِيَّيْنِ مُوَادِعَيْنِ تَرَاضَيَا بِحُكْمِهِ بَيْنَهُمْ وَلَا لِأَبِي بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ وَلَا عُثْمَانَ وَلَا عَلِيٍّ وَهُمْ بَشَرٌ يَتَظَالَمُونَ وَيَتَدَارَءُونَ وَيَخْتَلِفُونَ وَيُحْدِثُونَ فَلَوْ لَزِمَ الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ لُزُومَ الْحُكْمِ بين الْمُسْلِمِينَ تَفَقَّدَ منهم ما يَتَفَقَّدُ من الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ لَزِمَ الْحُكْمُ إذَا جاء الطَّالِبُ لَكَانَ الطَّالِبُ إذَا كان له في حُكْمِ الْمُسْلِمِينَ ما ليس له في حُكْمِ حُكَّامِهِ لَجَأَ وَلَجَأَ الْمَطْلُوبُ إذَا رَجَا الْفَرَجَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ ولجأوا ( ( ( ولجئوا ) ) ) في بَعْضِ الْحَالَاتِ مُجْتَمِعِينَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ حَكَمَ فِيهِمْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أو وَاحِدٌ من أَئِمَّةِ الْهُدَى بَعْدَهُ لَحُفِظَ بَعْضَ ذلك إنْ لم يُحْفَظْ كُلَّهُ فَالدَّلَالَةُ على أَنْ لم يَحْكُمُوا بِمَا وَصَفْت بَيِّنَةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقُلْت له لو كان الْأَمْرُ كما تَقُولُ فَكَانَتْ إحْدَى الْآيَتَيْنِ نَاسِخَةً لِلْأُخْرَى ولم تَكُنْ دَلَالَةً من خَبَرٍ وَلَا في الْآيَةِ جَازَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل { فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أو أَعْرِضْ عَنْهُمْ } نَاسِخًا لِقَوْلِهِ { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ } وَكَانَتْ عليها دَلَالَةٌ بِمَا وَصَفْنَا في التَّنْزِيلِ قال فما حُجَّتُك في أَنْ لَا تُجِيزَ بَيْنَهُمْ إلَّا شَهَادَةَ الْمُسْلِمِينَ قُلْت قَوْلُ اللَّهِ عز وجل { وَإِنْ حَكَمْت فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ } وَالْقِسْطُ حُكْمُ اللَّهِ الذي أَنْزَلَ على نَبِيِّهِ وَقَوْلُ اللَّهِ عز وجل { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ } وَاَلَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ حُكْمُ الْإِسْلَامِ فَحُكْمُ الْإِسْلَامِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِشَهَادَةِ الْعُدُولِ الْمُسْلِمِينَ وقد قال اللَّهُ { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } وقال تَعَالَى { حين الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ } فلم يَخْتَلِفْ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ شَرْطَ اللَّهِ في الشُّهُودِ الْمُسْلِمِينَ الْأَحْرَارِ الْعُدُولِ إذَا كانت الْمَعَانِي في الْخُصُومَاتِ التي يَتَنَازَعُ فيها الْآدَمِيُّونَ مُعَيَّنَةً وكان فِيمَا تَدَاعَوْا الدِّمَاءُ وَالْأَمْوَالُ وَغَيْرُ ذلك لم يَنْبَغِ أَنْ يُبَاحَ ذلك إلَّا بِمَنْ شَرَطَ اللَّهُ من الْبَيِّنَةِ وَشَرَطَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ ( 1 ) أو بِسُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أو إجْمَاعٍ من الْمُسْلِمِينَ ولم يَسْتَنَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَلِمْنَاهُ وَلَا أَحَدٌ من أَصْحَابِهِ ولم يُجْمِعْ الْمُسْلِمُونَ على إجَازَةِ شَهَادَتِهِمْ بَيْنَهُمْ وَقُلْت له أَرَأَيْت الْكَذَّابَ من الْمُسْلِمِينَ أَتُجِيزُ شَهَادَتَهُ عليهم قال لَا وَلَا أُجِيزُ عليهم من الْمُسْلِمِينَ إلَّا شَهَادَةَ الْعُدُولِ التي تَجُوزُ على الْمُسْلِمِينَ فَقُلْت له فَقَدْ أخبرنا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُمْ بَدَّلُوا كِتَابَ اللَّهِ وَكَتَبُوا الْكُتُبَ بِأَيْدِيهِمْ { يقولون ( ( ( وقالوا ) ) ) هذا من عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لهم مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهمْ وَوَيْلٌ لهم مِمَّا يَكْسِبُونَ } قال فَالْكَذَّابُ من الْمُسْلِمِينَ على الْآدَمِيِّينَ أَخَفُّ في الْكَذِبِ ذَنْبًا من الْعَاقِدِ الْكَذِبَ على اللَّهِ بِلَا شُبْهَةِ تَأْوِيلٍ وَأَدْنَى الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ من الْمُشْرِكِينَ فَكَيْفَ تَرُدُّ عَنْهُمْ شَهَادَةَ من هو خَيْرٌ منهم بِكَذِبٍ وَتَقْبَلُهُمْ وَهُمْ شَرٌّ بِكَذِبٍ أَعْظَمَ منه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
____________________

(7/43)


- * الشَّهَادَاتُ - * ( أَخْبَرَ الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ ) قال ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { لَوْلَا جاؤوا عليه بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لم يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّه هُمْ الْكَاذِبُونَ } وقال { وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ من نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ } وقال اللَّهُ عز وجل { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لم يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً } أخبرنا مَالِكٌ عن سُهَيْلٍ عن أبيه عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ سَعْدًا قال يا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت إنْ وَجَدْت مع امْرَأَتِي رَجُلًا أُمْهِلُهُ حتى آتى بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نعم ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ يَدُلَّانِ على أَنَّهُ لَا يَجُوزُ في الزنى أَقَلُّ من أَرْبَعَةٍ وَالْكِتَابُ يَدُلُّ على أَنَّهُ لَا يَجُوزُ شَهَادَةُ غَيْرِ عَدْلٍ ( قال ) وَالْإِجْمَاعُ يَدُلُّ على أَنَّهُ لَا تَجُوزُ إلَّا شَهَادَةُ عَدْلٍ حُرٍّ بَالِغٍ عَاقِلٍ لِمَا يَشْهَدُ عليه ( قال ) وَسَوَاءٌ أَيُّ زِنَا ما كان زِنَا حُرَّيْنِ أو عَبْدَيْنِ أو مُشْرِكَيْنِ لِأَنَّ كُلَّهُ زِنَا وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ على امْرَأَةٍ بالزنى أو على رَجُلٍ أو عَلَيْهِمَا مَعًا لم يَنْبَغِ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَقْبَلَ الشَّهَادَةَ لِأَنَّ اسْمَ الزنى قد يَقَعُ على ما دُونَ الْجِمَاعِ حتى يَصِفَ الشُّهُودُ الْأَرْبَعَةُ الزنى فإذا قالوا رَأَيْنَا ذلك منه يَدْخُلُ في ذلك منها دُخُولَ الْمِرْوَدِ في الْمُكْحُلَةِ فَأَثْبَتُوهُ حتى تَغِيبَ الْحَشَفَةُ فَقَدْ وَجَبَ الْحَدُّ ما كان الْحَدُّ رَجْمًا أو جَلْدًا وَإِنْ قالوا رَأَيْنَا فَرْجَهُ على فَرْجِهَا ولم يَثْبُتْ أَنَّهُ دخل فيه فَلَا حَدَّ وَيُعَزَّرُ فَإِنْ شَهِدُوا على أَنَّ ذلك دخل في دُبُرِهَا فَقَدْ وَجَبَ الْحَدُّ كَوُجُوبِهِ في الْقُبُلِ فَإِنْ شَهِدُوا على امْرَأَةٍ فَأَنْكَرَتْ وَقَالَتْ أنا عَذْرَاءُ أو رَتْقَاءُ أُرِيهَا النِّسَاءُ فَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ حَرَائِرُ عُدُولٌ على أنها عَذْرَاءُ أو رَتْقَاءُ فَلَا حَدَّ عليها لِأَنَّهَا لم يَزْنِ بها إذَا كانت هَكَذَا الزنى الذي يُوجِبُ الْحَدَّ وَلَا حَدَّ عليهم من قِبَلِ أَنَّا وَإِنْ قَبِلْنَا شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِيمَا يَرَيْنَ على ما يُجَزْنَ عليه فَإِنَّا لَا نَحُدُّهُمْ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ وقد يَكُونُ الزنى فِيمَا دُونَ هذا فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قال إذَا أُرْخِيَتْ السُّتُورُ فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ ( 1 ) فَقَدْ قال عُمَرُ ذلك فِيمَا بَلَغَنَا وقال ما ذَنْبُهُنَّ إنْ جاء الْعَجْزُ من قِبَلِكُمْ فَأَخْبَرَ أَنَّ الصَّدَاقَ يَجِبُ بِالْمَسِيسِ وَإِنْ لم يَكُنْ أَرْخَى سِتْرًا وَيَجِبُ بِإِرْخَاءِ السِّتْرِ وَإِنْ لم يَكُنْ مَسِيسٌ وَذَهَبَ إلَى أنها إذَا خَلَّتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهَا فَقَدْ وَجَبَ لها الصَّدَاقُ وَجَعَلَ ذلك كَالْقَبْضِ في الْبُيُوعِ الذي يَجِبُ بِهِ الثَّمَنُ وهو لو أَغْلَقَ عليها بَابًا وَأَرْخَى سِتْرًا وَأَقَامَ مَعَهَا حتى تَبْلَى ثِيَابُهَا وَتَلْبَثَ سَنَةً ولم يُقِرَّ بِالْإِصَابَةِ ولم يُشْهِدْ عليه بها لم يَكُنْ عليه حَدٌّ عِنْدَ أَحَدٍ وَالْحَدُّ ليس من الصَّدَاقِ بِسَبِيلِ الصَّدَاقُ يَجِبُ بِالْعُقْدَةِ فَلَوْ عَقَدَ رَجُلٌ على امْرَأَةٍ عُقْدَةَ نِكَاحٍ ثُمَّ مَاتَ أو مَاتَتْ كان لها الصَّدَاقُ كَامِلًا وَإِنْ لم يَرَهَا وَلَيْسَ مَعْنَى الصَّدَاقِ من مَعْنَى الْحُدُودِ بِسَبِيلٍ ( قال ) وإذا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ على مُحْصَنٍ أَنَّهُ زَنَى بِذِمِّيَّةٍ حُدَّ الْمُسْلِمُ وَدُفِعَتْ الذِّمِّيَّةُ إلَى أَهْلِ دِينِهَا في قَوْلِ من لَا يَحْكُمُ عليهم إلَّا أَنْ يَرْضَوْا فَأَمَّا من قال نَحْكُمُ عليهم رَضُوا أو لم يَرْضَوْا فَيَحُدُّهَا حَدَّهَا إنْ كانت بِكْرًا فَمِائَةٌ ونفى عَامٍ وَإِنْ كانت ثَيِّبًا فَالرَّجْمُ ( قال ) وإذا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ على رَجُلٍ أَنَّهُ وطىء هذه الْمَرْأَةَ فقال هِيَ امْرَأَتِي وَقَالَتْ ذلك أو قال هِيَ جَارِيَتِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمَا وَلَا يَكْشِفَانِ في ذلك وَلَا يَحْلِفَانِ فيه إلَّا أَنْ يَحْضُرَهُمَا من يَعْلَمُ غير ما قَالَا وَتَثْبُت عليه الشَّهَادَةُ أو يُقِرَّانِ بَعْدُ بِخِلَافِ ما ادَّعَيَا فَلَا يَجُوزُ إلَّا ما وَصَفْت من قِبَلِ أَنَّ الرَّجُلَ قد يَنْكِحُ الْمَرْأَةَ بِبِلَادِ غُرْبَةٍ وَيَنْتَقِلُ بها إلَى غَيْرِهَا وَيَنْكِحُهَا بِالشَّاهِدَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ فَيَغِيبُونَ وَيَمُوتُونَ ويشترى الْجَارِيَةَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَبِبَيِّنَةٍ فَيَغِيبُونَ فَتَكُونُ الناس أُمَنَاءَ على هذا لَا يَحُدُّونَ وَهُمْ يَزْعُمُونَ
____________________

(7/44)


أَنَّهُمْ أَتَوْا ما أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى لهم وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُهُمْ كَاذِبِينَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ نَقُولَ يُحَدُّ كُلُّ من وَجَدْنَاهُ يُجَامِعُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً على نِكَاحٍ أو شِرَاءِ وقد يَأْخُذُ الْفَاسِقُ الْفَاسِقَةَ فيقول هذه امْرَأَتِي وَهَذِهِ جَارِيَتِي فَإِنْ كنت أَدْرَأُ عن الْفَاسِقِ بِأَنْ يَقُولَ جِيرَانُهُ رَأَيْنَاهُ يدعى أنها زَوْجَتُهُ وَتُقِرُّ بِذَلِكَ وَلَا يَعْلَمُونَ أَصْلَ نِكَاحٍ دَرَأْت عن الصَّالِحِ الْفَاضِلِ يقول هذه جَارِيَتِي لِأَنَّهُ قد يَشْتَرِيهَا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَيَقُولُ هذه امْرَأَتِي على أَحَدِ هذه الْوُجُوهِ ثُمَّ كان أَوْلَى أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ من الْفَاسِقِ وَكُلٌّ لَا يُحَدُّ إذَا ادَّعَى ما وَصَفْت وَالنَّاسُ لَا يَحُدُّونَ إلَّا بِإِقْرَارِهِمْ أو بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ عليهم بِالْفِعْلِ وَأَنَّ الْفِعْلَ مُحَرَّمٌ فَأَمَّا بِغَيْرِ ذلك فَلَا نَحُدُّ ( قال ) وَهَكَذَا لو وَجَدْت حَامِلًا فَادَّعَتْ تَزْوِيجًا أو إكْرَاهًا لم تُحَدَّ فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ في الْحَامِلِ خَاصَّةً إلَى أَنْ يَقُولَ قال عُمَرُ بن الْخَطَّابِ الرَّجْمُ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل حَقٌّ على من زَنَا إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أو كان الْحَبَلُ أو الِاعْتِرَافُ فإن مَذْهَبَ عُمَرَ فيه بِالْبَيَانِ عنه بِالْخَبَرِ أَنَّهُ يُرْجَمُ بِالْحَبَلِ إذَا كان مع الْحَبَلِ إقْرَارٌ بالزنى أو غَيْرُ ادِّعَاءِ نِكَاحٍ أو شُبْهَةٌ يُدْرَأُ بها الْحَدُّ - * بَابُ إجَازَةِ شَهَادَةِ الْمَحْدُودِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَحْدُودِينَ في الْقَذْفِ وفي جَمِيعِ الْمَعَاصِي إذَا تَابُوا فَأَمَّا من أتى مُحَرَّمًا حُدَّ فيه فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إلَّا بِمُدَّةِ أَشْهُرٍ يُخْتَبَرُ فيها بِالِانْتِقَالِ من الْحَالِ السَّيِّئَةِ إلَى الْحَالِ الْحَسَنَةِ وَالْعَفَافِ عن الذَّنْبِ الذي أتى وَأَمَّا من قَذَفَ مُحْصَنَةً على مَوْضِعِ الشَّتْمِ وَغَيْرِهِ من غَيْرِ مَوَاضِعِ الشَّهَادَاتِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ حتى يُخْتَبَرَ هذه الْمُدَّةَ في الِانْتِقَالِ إلَى أَحْسَنِ الْحَالِ وَالْكَفِّ عن الْقَذْفِ وَأَمَّا من حُدَّ في أَنَّهُ شَهِدَ على رَجُلٍ بالزنى فلم تَتِمَّ الشَّهَادَةُ فَإِنْ كان عَدْلًا يوم شَهِدَ فَسَاعَةَ يقول قد تُبْت وَكَذَّبَ نَفْسَهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مَكَانَهُ لِأَنَّا وَإِنْ حَدَدْنَاهُ حَدَّ الْقَاذِفِ فلم يَكُنْ في مَعَانِي الْقَذْفَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا أَرْبَعَةً لم نَحُدَّهُمْ وَلَوْ كَانُوا أَرْبَعَةً شَاتِمِينَ حَدَدْنَاهُمْ وَالْحُجَّةُ في قَبُولِ شَهَادَةِ الْقَاذِفِ أَنَّ اللَّهَ عز وجل أَمَرَ بِضَرْبِهِ وَأَمَرَ أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ وَسَمَّاهُ فَاسِقًا ثُمَّ اسْتَثْنَى له إلَّا أَنْ يَتُوبَ وَالِاسْتِثْنَاءُ في سِيَاقِ الْكَلَامِ على أَوَّلِ الْكَلَامِ وَآخِرِهِ في جَمِيعِ ما يَذْهَبُ إلَيْهِ أَهْلُ الْفِقْهِ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بين ذلك خَبَرٌ وَلَيْسَ عِنْدَ من زَعَمَ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَأَنَّ الثُّنْيَا له إنَّمَا هِيَ على طَرْحِ اسْمِ الْفِسْقِ عنه خَبَرٌ إلَّا عن شُرَيْحٍ وَهُمْ يُخَالِفُونَ شُرَيْحًا لِرَأْيِ أَنْفُسِهِمْ وقد كَلَّمَنِي بَعْضُهُمْ فَكَانَ من حُجَّتِهِ أَنْ قال إنَّ أَبَا بَكْرَةَ قال لِرَجُلٍ أَرَادَ أَنْ يَسْتَشْهِدَهُ اسْتَشْهِدْ غَيْرِي فإن الْمُسْلِمِينَ فَسَّقُونِي فَقُلْت له لو لم تَكُنْ عَلَيْك حُجَّةٌ إلَّا هذه كُنْت قد أَحْسَنْت الِاحْتِجَاجَ على نَفْسِك قال وَكَيْفَ قُلْت أَرَأَيْت أَبَا بَكْرَةَ هل تَابَ من تِلْكَ الشَّهَادَةِ التي حُدَّ بها قال فَإِنْ قُلْت نعم قُلْت فلم يَطْرَحْ الْمُسْلِمُونَ عنه اسْمَ الْفِسْقِ فَأَيُّ شَيْءٍ اسْتَثْنَى له بِالتَّوْبَةِ قال فَإِنْ قُلْنَا لم يَتُبْ قُلْت فَنَحْنُ لَا نُخَالِفُك في أَنَّ من لم يَتُبْ لم تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ قال فما تَوْبَتُهُ إذَا كان حَسَنَ الْحَالِ قُلْت إكْذَابُهُ لِنَفْسِهِ كما قال صَاحِبُكُمْ الشَّعْبِيُّ قال فَهَلْ في هذا خَبْرٌ قُلْت ما نَحْتَاجُ مع الْقُرْآنِ إلَى خَبْرٍ وَلَا مع الْقِيَاسِ إذَا كُنْت تَقْبَلُ شَهَادَةَ الزَّانِي وَالْقَاتِلِ وَالْمَحْدُودِ في الْخَمْرِ إذَا تَابَ وَشَهَادَةَ الزِّنْدِيقِ إذَا تَابَ وَالْمُشْرِكِ إذَا أَسْلَمَ وَقَاطِعِ الطَّرِيقِ وَالْمَقْطُوعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ إذَا تَابَ لَا تَقْبَلُ شَهَادَةُ شَاهِدٍ بالزنى فلم تَتِمَّ بِهِ الشهاده فَجُعِلَ قَاذِفًا قال فَهَلْ عِنْدَك أَثَرٌ قُلْت نعم أخبرنا سُفْيَانُ أَنَّهُ سمع الزُّهْرِيَّ يقول زَعَمَ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَنَّ شَهَادَةَ الْقَاذِفِ لَا تَجُوزُ وَأَشْهَدُ لَأَخْبَرَنِي ثُمَّ سَمَّى الذي أخبره أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قال لِأَبِي بَكْرَةَ تُبْ تُقْبَلْ شَهَادَتُك أو إنْ تُبْت قُبِلَتْ شَهَادَتُك قال سُفْيَانُ فَذَهَبَ على حِفْظِي الذي سَمَّاهُ الزُّهْرِيُّ فَسَأَلْت من حَضَرَنِي فقال لي عُمَرُ بن قَيْسٍ هو سَعِيدُ بن الْمُسَيِّبِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقُلْت لِسُفْيَانَ فَهُوَ سَعِيدٌ قال نعم إلَّا أَنِّي شَكَكْت فيه فلما أخبرني لم أَشُكَّ ولم أُثْبِتْهُ عن الزُّهْرِيِّ حِفْظًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَبَلَغَنِي عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ كان يُجِيزُ شَهَادَةَ الْقَاذِفِ
____________________

(7/45)


إذَا تَابَ وَسُئِلَ الشَّعْبِيُّ عن الْقَاذِفِ فقال أَيَقْبَلُ اللَّهُ تَوْبَتَهُ وَلَا تَقْبَلُونَ شَهَادَتَهُ أخبرنا بن عُلَيَّةَ عن بن أبي نَجِيحٍ في الْقَاذِفِ إذَا تَابَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وقال كُلُّنَا يَقُولُهُ عَطَاءٌ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْقَاذِفُ قبل أَنْ يُحَدَّ مِثْلُهُ حين يُحَدُّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتِهِ حتى يَتُوبَ كما وَصَفْت بَلْ هو قَبْلُ أَنْ يُحَدَّ شَرُّ حَالًا منه حين يُحَدُّ لِأَنَّ الْحُدُودَ كَفَّارَاتٌ لِلذُّنُوبِ فَهُوَ بَعْدَ ما يُكَفَّرُ عنه الذَّنْبُ خَيْرٌ منه قبل أَنْ يُكَفَّرَ عنه فَلَا أَرُدُّ شَهَادَتَهُ في خَيْرِ حَالَيْهِ وَأُجِيزُهَا في شَرِّ حَالَيْهِ وَإِنَّمَا رَدَدْتهَا بِإِعْلَانِهِ ما لَا يَحِلُّ له فَلَا أَقْبَلُهَا حتى يَنْتَقِلَ عنها وَهَذَا الْقَاذِفُ فَأَمَّا الشَّاهِدُ بالزنى عِنْدَ الْحَاكِمِ فَلَا يَحُدُّهُ الْحَاكِمُ لِمُحَابَاةٍ أو شُبْهَةٍ فإذا كان عَدْلًا يوم شَهِدَ ثُمَّ أَكْذَبَ نَفْسَهُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ مَكَانَهُ لِأَنَّهُ ليس في مَعَانِي الْقَذْفَةِ - * بَابُ شَهَادَةِ الْأَعْمَى - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا رَأَى الرَّجُلُ فَأَثْبَتَ وهو بَصِيرٌ ثُمَّ شَهِدَ وهو أَعْمَى قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا وَقَعَتْ وهو بَصِيرٌ إلَّا أَنَّهُ بَيَّنَ وهو أَعْمَى عن شَيْءٍ وهو بَصِيرٌ وَلَا عِلَّةَ في رَدِّ شَهَادَتِهِ فإذا شَهِدَ وهو أَعْمَى على شَيْءٍ قال أُثْبِتُهُ كما أُثْبِتُ كُلَّ شَيْءٍ بِالصَّوْتِ أو الْحِسِّ فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لِأَنَّ الصَّوْتَ يُشْبِهُ الصَّوْتَ وَالْحِسَّ يُشْبِهُ الْحِسَّ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَالْأَعْمَى يُلَاعِنُ امْرَأَتَهُ فَأَجَلْ إنَّمَا حَدَّ اللَّهُ في الْقَذْفِ غير الْأَزْوَاجِ إذَا لم يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فإذا جاؤوا بِهِمْ خَرَجُوا من الْحَدِّ وَحَدَّ الْأَزْوَاجِ إلَّا بِأَنْ يَخْرُجُوا بِالِالْتِعَانِ فَفَرَّقَ بين الْأَزْوَاجِ وَالْأَجْنَبِيِّينَ في هذا الْمَعْنَى وَجَمَعَ بَيْنَهُمْ في أَنْ يُحَدُّوا مَعًا إذَا لم يَأْتِ هَؤُلَاءِ بِبَيِّنَةٍ وَهَؤُلَاءِ بالإلتعان أو بَيِّنَةٍ وَسَوَاءٌ قال الزَّوْجُ رَأَيْت امْرَأَتِي تَزْنِي أو لم يَقُلْهُ كما سَوَاءٌ أَنْ يَقُولَ الْأَجْنَبِيُّونَ رَأَيْنَاهَا تَزْنِي أو هِيَ زَانِيَةٌ لَا فَرْقَ بين ذلك فَأَمَّا إصَابَةُ الْأَعْمَى أَهْلَهُ وَجَارِيَتَهُ فَذَلِكَ أَمْرٌ لَا يُشْبِهُ الشَّهَادَاتِ لِأَنَّ الْأَعْمَى وَإِنْ لم يَعْرِفْ امْرَأَتَهُ مَعْرِفَةَ الْبَصِيرِ فَقَدْ يَعْرِفُهَا مَعْرِفَةً يَكْتَفِي بها وَتَعْرِفُهُ هِيَ مَعْرِفَةَ الْبَصِيرِ وقد يُصِيبُ الْبَصِيرُ امْرَأَتَهُ في الظُّلْمَةِ على مَعْنَى مَعْرِفَةِ مَضْجَعِهَا وَمَجَسَّتِهَا وَلَا يَجُوزُ له أَنْ يَشْهَدَ على أَحَدٍ في الظُّلْمَةِ على مَعْرِفَةِ الْمَجَسَّةِ وَالْمَضْجَعِ وقد يُوجَدُ من شَهَادَةِ الْأَعْمَى بُدٌّ لِأَنَّ أَكْثَرَ الناس غَيْرُ عمى فإذا أَبْطَلْنَا شَهَادَتَهُ في نَفْسِهِ فَنَحْنُ لم نُدْخِلْ عليه ضَرَرًا وَلَيْسَ على أَحَدٍ ضَرُورَةُ غَيْرِهِ وَعَلَيْهِ ضَرُورَةُ نَفْسِهِ فَهُوَ مُضْطَرٌّ إلَى الْجِمَاعِ الذي يَحِلُّ لِأَنَّهُ لَا يجد ( ( ( يحد ) ) ) أَكْثَرُ من هذا وَلَا يُبْصِرُ أَبَدًا وَلَيْسَ بِمُضْطَرٍّ إلَى الشَّهَادَةِ وَلَا غَيْرُهُ مُضْطَرٍّ إلَى شَهَادَتِهِ وهو يَحِلُّ له في ضَرُورَتِهِ لِنَفْسِهِ ما لَا يَحِلُّ لِغَيْرِهِ في ضَرُورَتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ له في ضَرُورَتِهِ الْمَيْتَةُ وَلَوْ صَحِبَهُ من لَا ضَرُورَةَ بِهِ كَضَرُورَتِهِ لم تَحِلَّ له الْمَيْتَةُ أَوَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ له اجْتِهَادُهُ في نَفْسِهِ وَلَا يَجُوزُ له اجْتِهَادُهُ في غَيْرِهِ من أَهْلِ زَمَانِهِ فَأَمَّا عَائِشَةُ وَمَنْ رَوَى عنها الحديث فَالْحَدِيثُ إنَّمَا قُبِلَ على صِدْقِ الْمُخْبِرِ وَعَلَى الْأَغْلَبِ على الْقَلْبِ وَلَيْسَ من الشَّهَادَاتِ بِسَبِيلٍ أَلَا تَرَى أَنَّا نَقْبَلُ في الحديث حدثني فُلَانٌ عن فُلَانِ بن فُلَانٍ وَلَا نَقْبَلُ في الشَّهَادَةِ حدثني فُلَانٌ عن فُلَانٍ حتى يَقُولَ أَشْهَدُ لَسَمِعْت فُلَانًا وَنَقْبَلُ حَدِيثَ الْمَرْأَةِ حتى نُحِلَّ بها وَنُحَرِّمَ وَحْدَهَا وَلَا نَقْبَلُ شَهَادَتَهَا وَحْدَهَا على شَيْءٍ وَنَقْبَلُ حَدِيثَ الْعَبْدِ الصَّادِقِ وَلَا نَقْبَلُ شَهَادَتَهُ وَنَرُدُّ حَدِيثَ الْعَدْلِ إذَا لم يَضْبِطْ الحديث وَنَقْبَلُ شَهَادَتَهُ فِيمَا يَعْرِفُ فَالْحَدِيثُ غَيْرُ الشَّهَادَةِ - * شَهَادَةُ الْوَالِدِ لِلْوَلَدِ وَالْوَلَدِ لِلْوَالِدِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رحمه اللَّهِ تَعَالَى عليه لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَلَا لِبَنِي بَنِيهِ وَلَا لِبَنِي بَنَاتِهِ وَإِنْ تَسَفَّلُوا وَلَا لِآبَائِهِ وَإِنْ بَعُدُوا لِأَنَّهُ من آبَائِهِ وَإِنَّمَا شَهِدَ لِشَيْءٍ هو منه وَأَنَّ بَنِيهِ منه فَكَأَنَّهُ شَهِدَ لِبَعْضِهِ وَهَذَا مِمَّا لَا أَعْرِفُ فيه خِلَافًا وَيَجُوزُ بَعْدَ شَهَادَتِهِ لِكُلِّ من ليس منه من أَخٍ وَذِي رَحِمٍ وَزَوْجَةٍ لِأَنِّي لَا أَجِدُ في الزَّوْجَةِ وَلَا في الْأَخِ عِلَّةً أَرُدُّ بها شَهَادَتَهُ خَبَرًا وَلَا قِيَاسًا وَلَا مَعْقُولًا وَإِنِّي لو رَدَدْت شَهَادَتَهُ لِزَوْجَتِهِ لِأَنَّهُ قد يَرِثُهَا وَتَرِثُهُ في حَالٍ رَدَدْت شَهَادَتَهُ
____________________

(7/46)


لِمَوْلَاهُ من أَسْفَلِ إذَا لم يَكُنْ له وَلَدٌ لِأَنَّهُ قد يَرِثُهُ في حَالٍ وَرَدَدْت شَهَادَتَهُ لِعَصَبَتِهِ وَإِنْ كان بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ مِائَةُ أَبٍ وَلَسْت أَجِدُهُ يَمْلِكُ مَالَ امْرَأَتِهِ وَلَا تَمْلِكُ مَالَهُ فَيَكُونُ يَجُرُّ إلَى نَفْسِهِ بِشَهَادَتِهِ وَلَا يَدْفَعُ عنها وَهَكَذَا أَجِدُهُ في أَخِيهِ وَلَوْ رَدَدْت شَهَادَتَهُ لِأَخِيهِ بِالْقَرَابَةِ رَدَدْتهَا لِابْنِ عَمِّهِ لِأَنَّهُ بن جَدِّهِ الْأَدْنَى وَرَدَدْتهَا لِابْنِ جَدِّهِ الذي يَلِيه وَرَدَدْتهَا لِأَبِي الْجَدِّ الذي فَوْقَ ذلك حتى أَرُدَّهَا على مِائَةِ أَبٍ أو أَكْثَرَ قال وَلَوْ شَهِدَ أَخَوَانِ لِأَخٍ بِحَقٍّ أو شَهِدَ عليه أَحَدٌ بِحَقٍّ فَجَرَّحَاهُ قَبِلْتُ شَهَادَتَهُمَا وَلَوْ رَدَدْتهَا في إحْدَى الْحَالَيْنِ لَرَدَدْتُهَا في الْأُخْرَى ( قال ) وَكَذَلِكَ لو شَهِدُوا له وهو مَمْلُوكٌ أَنَّهُ أُعْتِقَ وَكَذَلِكَ لو جَرَحُوا شَاهِدَيْنِ شَهِدَا عليه بِحَدٍّ قبلتهم ( ( ( قبلت ) ) ) لِأَنَّ أَصْلَ الشَّهَادَةِ أَنْ تَكُونَ مَقْبُولَةً أو مَرْدُودَةً فإذا كانت مَقْبُولَةً لِلْأَخِ قُبِلَتْ في كل شَيْءٍ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَقَدْ يَجُرُّونَ إلَى أَنْفُسِهِمْ الْمِيرَاثَ إذَا صَارَ حُرًّا قِيلَ له أَفَرَأَيْتَ إنْ كان له وَلَدٌ أَحْرَارٌ أو رَأَيْتَ إنْ كان بن عَمٍّ بَعِيدُ النَّسَبِ قد يَرِثُونَهُ إنْ مَاتَ وَلَا وَلَدَ له أو رأيت إنْ كان رَجُلٌ من أَهْلِ الْعَشِيرَةِ متراخى النَّسَبِ أَتَرُدُّ شَهَادَتَهُمْ له في الْحَدِّ يَدْفَعُونَهُ بِجُرْحِ من شَهِدُوا على جُرْحِهِ مِمَّنْ شَهِدَ عليه أو بِعِتْقِهِ فَإِنْ قال نعم قِيلَ أَفَرَأَيْت إنْ كَانُوا حُلَفَاءَ فَكَانُوا يُعَيَّرُونَ بِمَا أَصَابَ حَلِيفَهُمْ أو كَانُوا أَصْهَارًا فَكَانُوا يُعَيَّرُونَ بِمَا أَصَابَ صِهْرَهُمْ وَإِنْ بَعُدَ صِهْرُهُ وكان من عَشِيرَةِ صِهْرِهِمْ الْأَدْنَى أو رَأَيْت إنْ كَانُوا أَهْلَ صِنَاعَةٍ وَاحِدَةٍ يُعَابُونَ مَعًا وَيُمْدَحُونَ مَعًا من عِلْمٍ أو غَيْرِهِ فَإِنْ رَدَّ شَهَادَتَهُمْ لم يَخْلُ الناس من أَنْ يَكُونَ هذا فِيهِمْ وَإِنْ أَجَازَهَا في هذا فَقَدْ أَجَازَهَا وَفِيهَا الْعِلَّةُ التي أَبْطَلَهَا بها ( قال ) وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ أَحَدٍ غَيْرِ الْأَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ الْبَالِغِينَ الْعُدُولِ - * شَهَادَةُ الْغُلَامِ وَالْعَبْدِ وَالْكَافِرِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ الْغُلَامُ قبل أَنْ يَبْلُغَ وَالْعَبْدُ قبل أَنْ يُعْتَقَ وَالْكَافِرُ قبل أَنْ يُسْلِمَ لِرَجُلٍ بِشَهَادَةٍ فَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُجِيزَهَا وَلَا عليه أَنْ يَسْمَعَهَا وَسَمَاعُهَا منه تَكَلُّفٌ فإذا بَلَغَ الصَّبِيُّ وَعَتَقَ الْعَبْدُ وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ وَكَانُوا عُدُولًا فَشَهِدُوا بها قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ لِأَنَّا لم نَرُدَّهَا في الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ بِعِلَّةِ سَخَطٍ في أَعْمَالِهِمَا وَلَا كَذِبِهِمَا وَلَا بِحَالٍ سَيِّئَةٍ في أَنْفُسِهِمَا لو انْتَقَلَا عنها وَهُمَا بِحَالِهِمَا قَبِلْنَاهُمَا إنَّمَا رَدَدْنَاهَا لِأَنَّهُمَا لَيْسَا من شَرْطِ الشُّهُودِ الَّذِينَ أُمِرْنَا بِإِجَازَةِ شَهَادَتِهِمْ أَلَا تَرَى أَنَّ شَهَادَتَهُمَا وَسُكَاتَهُمَا في مَالِهِمَا تِلْكَ سَوَاءٌ وَأَنَّا لَا نَسْأَلُ عن عَدْلِهِمَا وَلَوْ عَرَفْنَا عَدْلَهُمَا كان مِثْلَ جَرْحِهِمَا في أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُمَا في أَنَّ هذا لم يَبْلُغْ وَأَنَّ هذا مَمْلُوكٌ وفي الْكَافِرِ وَإِنْ كان مَأْمُونًا على شَهَادَةِ الزُّورِ في أَنَّهُ ليس من الشَّرْطِ الذي أُمِرْنَا بِقَبُولِهِ فإذا صَارُوا إلَى الشَّرْطِ الذي أُمِرْنَا بِقَبُولِهِ قَبِلْنَاهُمْ مَعًا وَكَانُوا كَمَنْ لم يَشْهَدْ إلَّا في تِلْكَ الْحَالِ فَأَمَّا الْحُرُّ الْمُسْلِمُ الْبَالِغُ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ في الشَّيْءِ ثُمَّ تَحْسُنُ حَالُهُ فَيَشْهَدُ بها فَلَا نَقْبَلُهَا لِأَنَّا قد حَكَمْنَا بِإِبْطَالِهَا لِأَنَّهُ كان عِنْدَنَا حين شَهِدَ في مَعَانِي الشُّهُودِ الَّذِينَ يُقْطَعُ بِشَهَادَتِهِمْ حتى اخْتَبَرْنَا أَنَّهُ مَجْرُوحٌ فيها بِعَمَلِ شَيْءٍ أو كَذِبٍ فَاخْتُبِرَ فَرَدَدْنَا شَهَادَتَهُ فَلَا نُجِيزُهَا وَلَيْسَ هَكَذَا الْعَبْدُ وَلَا الصَّبِيُّ وَلَا الْكَافِرُ أُولَئِكَ كَانُوا عُدُولًا أو غير عُدُولٍ فَفِيهِمْ عِلَّةٌ أَنَّهُمْ لَيْسُوا من الشَّرْطِ وَهَذَا من الشَّرْطِ إلَّا بِأَنْ يُخْتَبَرَ عَمَلُهُ أو قَوْلُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ - * شَهَادَةُ النِّسَاءِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ إلَّا في مَوْضِعَيْنِ في مَالٍ يَجِبُ لِلرَّجُلِ على الرَّجُلِ فَلَا يَجُوزُ من شَهَادَتِهِنَّ شَيْءٌ وَإِنْ كَثُرْنَ إلَّا وَمَعَهُنَّ رَجُلٌ شَاهِدٌ وَلَا يَجُوزُ مِنْهُنَّ أَقَلُّ من اثْنَتَيْنِ مع الرَّجُلِ فَصَاعِدًا وَلَا نُجِيزُ اثْنَتَيْنِ وَيَحْلِفُ مَعَهُمَا لِأَنَّ شَرْطَ اللَّهِ عز وجل الذي أَجَازَهُمَا فيه مع شَاهِدٍ يَشْهَدُ بِمِثْلِ شَهَادَتِهِمَا لِغَيْرِهِ قال اللَّهُ عز وجل { فَإِنْ لم يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ } فَأَمَّا رَجُلٌ يَحْلِفُ لِنَفْسِهِ فَيَأْخُذُ فَلَا يَجُوزُ وَهَذَا مَكْتُوبٌ في كِتَابِ
____________________

(7/47)


الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ وَالْمَوْضِعُ الثَّانِي حَيْثُ لَا يَرَى الرَّجُلُ من عَوْرَاتِ النِّسَاءِ فَإِنَّهُنَّ يُجَزْنَ فيه مُنْفَرِدَاتٍ وَلَا يَجُوزُ مِنْهُنَّ أَقَلُّ من أَرْبَعٍ إذَا انْفَرَدْنَ قِيَاسًا على حُكْمِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهِنَّ لِأَنَّهُ جَعَلَ اثْنَتَيْنِ تَقُومَانِ مع رَجُلٍ مَقَامَ رَجُلٍ وَجَعَلَ الشَّهَادَةَ شَاهِدَيْنِ أو شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ فَإِنْ انْفَرَدْنَ فَمَقَامُ شَاهِدَيْنِ أَرْبَعٌ وَهَكَذَا كان عَطَاءٌ يقول أخبرنا مُسْلِمٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَجُوزُ في شَيْءٍ من الْحُدُودِ وَلَا في شَيْءٍ من الْوَكَالَاتِ وَلَا الْوَصِيَّةِ وَلَا ما عَدَا ما وَصَفْتُ من الْمَالِ وما لَا يَطَّلِعُ عليه الرِّجَالُ من النِّسَاءِ أَقَلُّ من شَاهِدَيْنِ وَلَا يَجُوزُ في الْعِتْقِ وَالْوَلَاءِ وَيَحْلِفُ الْمُدَّعَى عليه في الطَّلَاقِ وَالْحُدُودِ وَالْعَتَاقِ وَكُلِّ شَيْءٍ بِغَيْرِ شَاهِدٍ وَبِشَاهِدٍ فَإِنْ نَكَلَ رَدَدْتُ الْيَمِينَ على المدعى وَأَخَذْتُ له بِحَقِّهِ وَإِنْ لم يَحْلِفْ المدعى لم آخُذْ له شيئا وَلَا أُفَرِّقُ بين حُكْمِ هذا وَبَيْنَ حُكْمِ الْأَمْوَالِ - * شَهَادَةُ الْقَاضِي - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا كان الْقَاضِي عَدْلًا فَأَقَرَّ رَجُلٌ بين يَدَيْهِ بِشَيْءٍ كان الْإِقْرَارُ عِنْدَهُ أَثْبَتَ من أَنْ يَشْهَدَ عِنْدَهُ كُلُّ من يَشْهَدُ لِأَنَّهُ قد يُمْكِنُ أَنْ يَشْهَدُوا عِنْدَهُ بِزُورٍ وَالْإِقْرَارُ عِنْدَهُ ليس فيه شَكٌّ وَأَمَّا الْقُضَاةُ الْيَوْمَ فَلَا أُحِبُّ أَنْ أَتَكَلَّمَ بهذا كَرَاهِيَةَ أَنْ أَجْعَلَ لهم سَبِيلًا إلَى أَنْ يَجُورُوا على الناس وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ - * رُؤْيَةُ الْهِلَالِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يُلْزِمُ الْإِمَامُ الناس أَنْ يَصُومُوا إلَّا بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ فَأَكْثَرَ وَكَذَلِكَ لَا يُفْطِرُونَ وَأَحَبُّ إلى لو صَامُوا بِشَهَادَةِ الْعَدْلِ لِأَنَّهُمْ لَا مُؤْنَةَ عليهم في الصِّيَامِ إنْ كان من رَمَضَانَ أَدَّوْهُ وَإِنْ لم يَكُنْ رَجَوْت أَنْ يُؤْجَرُوا بِهِ وَلَا أُحِبُّ لهم هذا في الْفِطْرِ لِأَنَّ الصَّوْمَ عَمَلُ بِرٍّ وَالْفِطْرَ تَرْكُ عَمَلٍ أخبرنا الدَّرَاوَرْدِيُّ عن مُحَمَّدِ بن عبد اللَّهِ بن عَمْرِو بن عُثْمَانَ عن أُمِّهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه ( ( ( عنها ) ) ) أَنَّ شَاهِدًا شَهِدَ عِنْدَ عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي ( ( ( رحمه ) ) ) اللَّهُ تَعَالَى عنه على رُؤْيَةِ هِلَالِ شَهْرِ رَمَضَانَ فَصَامَ أَحْسِبُهُ قال وَأَمَرَ الناس بِالصِّيَامِ وقال أَصُومُ يَوْمًا من شَعْبَانَ أَحَبُّ إلى من أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا من رَمَضَانَ أَحْسِبُهُ شَكُّ الشَّافِعِيِّ قال الرَّبِيعُ رَجَعَ الشَّافِعِيُّ بَعْدُ فقال لَا يُصَامُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ كان عَلِيٌّ رضي ( ( ( رحمه ) ) ) اللَّهُ تَعَالَى عنه أَمَرَ الناس بِالصَّوْمِ فَعَلَى مَعْنَى الْمَشُورَةِ لَا على مَعْنَى الْإِلْزَامِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - * شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ في حَالٍ من الْأَحْوَالِ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِمَّنْ نَرْضَى من الشُّهَدَاءِ وَإِنَّمَا أَمَرَنَا اللَّهُ عز وجل أَنْ نَقْبَلَ شَهَادَةَ من نَرْضَى وَمَنْ قَبِلْنَا شَهَادَتَهُ قَبِلْنَاهَا حين يَشْهَدُ بها في الْمَوْقِفِ الذي يَشْهَدُ بها فيه وَبَعْدَهُ وفي كل حَالٍ وَلَا أَعْرِفُ مَكَانَ من تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ قبل أَنْ يَعْلَمَ وَيُجَرِّبَ وَيُفَارِقَ مَوْقِفَهُ إذَا عَلِمْنَا أَنَّ عَقْلَ الشَّاهِدِ هَكَذَا فَمَنْ أَجَازَ لنا أَنْ نَقْبَلَ شَهَادَةَ من لَا يَدْرِي ما لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى اسْمُهُ عليه في الشَّهَادَةِ وَلَيْسَ عليه فَرْضٌ فَإِنْ قال قَائِلٌ فإن بن الزُّبَيْرِ قَبِلَهَا قِيلَ فَابْنُ عَبَّاسٍ رَدَّهَا وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ على أَنَّهُمْ لَيْسُوا مِمَّنْ يُرْضَى أخبرنا سُفْيَانُ عن عُمَرَ وَعَنْ بن أبي مُلَيْكَةَ عن بن عَبَّاسٍ
____________________

(7/48)


- * الشَّهَادَةُ على الشَّهَادَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَجُوزُ الشَّهَادَةُ على الشَّهَادَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ على شَهَادَةِ الرَّجُلِ وَلَا الْمَرْأَةِ حَيْثُ تَجُوزُ إلَّا رَجُلَانِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ على وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِسَاءٌ مع رَجُلٍ وَإِنْ كان ذلك في مَالٍ لِأَنَّهُنَّ لَا يَشْهَدْنَ على أَصْلِ الْمَالِ إنَّمَا يَشْهَدْنَ على تَثْبِيتِ شَهَادَةِ رَجُلٍ أو امْرَأَةٍ وإذا كان أَصْلُ مَذْهَبِنَا أَنَّا لَا نُجِيزُ شَهَادَةَ النِّسَاءِ إلَّا في مَالٍ أو فِيمَا لَا يَرَاهُ الرِّجَالُ لم يَجُزْ لنا أَنْ نُجِيزَ شهادتهن ( ( ( شهادتين ) ) ) على شَهَادَةِ رَجُلٍ وَلَا امْرَأَةٍ - * الشَّهَادَةُ على الْجِرَاحِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا أَقَامَ رَجُلٌ شَاهِدًا على جُرْحٍ خَطَأً أو عَمْدًا مِمَّا لَا قِصَاصَ فيه حَالَ حَلِفَ مع شَاهِدِهِ يَمِينًا وَاحِدَةً وكان له الْأَرْشُ وَإِنْ كان عَمْدًا فيه قِصَاصٌ بِحَالِ لم يَحْلِفْ ولم يُقْبَلْ فيه إلَّا شَاهِدَانِ وَلَوْ أَجَزْنَا الْيَمِينَ مع الشَّاهِدِ في الْقِصَاصِ أَجَزْنَاهَا في الْقَتْلِ وَأَجَزْنَاهَا في الْحُدُودِ وَوَضَعْنَاهَا الْمَوْضِعَ الذي لم تُوضَعْ فيه وَسَوَاءٌ كان ذلك في عَبْدٍ قَتَلَهُ حُرٌّ أو نَصْرَانِيٍّ قَتَلَهُ حُرٌّ مُسْلِمٌ أو جَرَحَ قال وَشَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيمَا كان خَطَأً من الْجِرَاحِ وَفِيمَا كان عَمْدًا لَا قِصَاصَ فيه بِحَالٍ جَائِزَةٌ مع رَجُلٍ وَلَا يُجَزْنَ إذَا انْفَرَدْنَ وَلَا يَمِينَ لِطَالِبِ الْحَقِّ مَعَهُنَّ وَحْدَهُنَّ ( 1 ) فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنْ يَقُولَ أن الْقَسَامَةَ تَجِبُ بِشَاهِدٍ في النَّفْسِ فَيَقْتُلُ وَلِيُّ الدَّمِ فَالْقَسَامَةُ تَجِبُ عِنْدَهُ بِدَعْوَى الْمَقْتُولِ أو الْفَوْتِ من الْبَيِّنَةِ وَلَا يَجُوزُ له إلَّا أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ الْجُرْحَ الذي فيه الْقَوَدُ مِثْلُ النَّفْسِ فيقضى فيه بِالْقَسَامَةِ وَيَجْعَلَهَا خَمْسِينَ يَمِينًا وَلَا يُفَرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَسَامَةِ في النَّفْسِ بِحَالٍ أو يَزْعُمَ أَنَّ الْقَسَامَةَ لَا تَكُونُ إلَّا في النَّفْسِ فَأَصْلُ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى في الشَّهَادَةِ شَاهِدَانِ أو شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ في الْمَالِ وَأَصْلُ حُكْمِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عِنْدَنَا أَنَّهُ حَكَمَ بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ في الْأَمْوَالِ وَالْقِصَاصُ ليس بِمَالٍ قال فَلَا يَنْبَغِي إلَّا أَنْ لَا يُجَازَ على الْقِصَاصِ إلَّا شَاهِدَانِ إلَّا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ في الْجِرَاحِ أَنَّ فيها قَسَامَةً مِثْلُ النَّفْسِ فإذا أبي من يقول هذا أَنْ يَقْبَلَ شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ ثُمَّ يَقْتَصَّ كان يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَأَنْ يَقْبَلَ يَمِينًا وَشَاهِدًا أَشَدَّ إبَاءً - * شَهَادَةُ الْوَارِثِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فإذا شَهِدَ وَارِثٌ وهو عَدْلٌ لِرَجُلٍ أَنَّ أَبَاهُ أَوْصَى له بِالثُّلُثِ وَجَاءَ آخَرُ بِشَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ له أَنَّ أَبَاهُ أَوْصَى له بِالثُّلُثِ فَهُوَ مِثْلُ الرَّجُلَيْنِ يُقِيمُ أَحَدُهُمَا شَاهِدَيْنِ على الدَّارِ بأنها ( ( ( بأنهما ) ) ) له وَيُقِيمُ الْآخَرُ شَاهِدًا أنها له لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمَا فَمَنْ رَأَى أَنْ يسوي بين شَاهِدٍ وَيَمِينٍ في هذا وَبَيْنَ شَاهِدَيْنِ أَحْلَفَ هذا مع شَاهِدِهِ وَجَعَلَ الثُّلُثَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَمَنْ لم يَرَ ذلك لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لم تَتِمَّ حتى يَكُونَ الْمَشْهُودُ له مُسْتَغْنِيًا عن أَنْ يَحْلِفَ جَعَلَ الثُّلُثَ لِصَاحِبِ الشَّاهِدَيْنِ وَأَبْطَلَ شَهَادَةَ الْوَارِثِ إذَا كان وَحْدَهُ وَلَوْ كان معه وَارِثٌ آخَرُ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ أو أَجْنَبِيٌّ كان الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ في الْقَوْلَيْنِ مَعًا قال وَلَوْ أَنَّ الْوَارِثَ شَهِدَ أَنَّ أَبَاهُ رَجَعَ عن وَصِيَّتِهِ لِلْمَشْهُودِ له وَصَيَّرَهُ إلَى هذا الْآخَرِ حَلَفَ مع شَاهِدِهِ وكان الثُّلُثُ له وَهَذَا يُخَالِفُ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى لِأَنَّهُمَا في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مُخْتَلِفَانِ وَهَذَا يُثْبِتُ ما ثَبَتَا وَيُثْبِتُ أَنَّ أَبَاهُ رَجَعَ فيه قال وَلَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَتَرَكَ بَنِينَ عَدَدًا فَاقْتَسَمُوا أو لم يَقْتَسِمُوا ثُمَّ شَهِدَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ لِرَجُلٍ أَنَّ أَبَاهُ أَوْصَى له بِالثُّلُثِ فَإِنْ كان عَدْلًا حَلَفَ مع شَاهِدِهِ وَأَخَذَ الثُّلُثَ من أَيْدِيهِمْ جميعا وَإِنْ كان غير عَدْلٍ أَخَذَ ثُلُثَ ما في يَدَيْهِ ولم يَأْخُذْ
____________________

(7/49)


من الْآخَرِينَ شيئا وَأُحْلِفُوا له وَهَكَذَا لو كان الشَّاهِدُ امْرَأَتَيْنِ من الْوَرَثَةِ أو عَشْرًا من الْوَرَثَةِ لَا رَجُلَ مَعَهُنَّ أَخَذَ ثُلُثَ ما في أَيْدِيهِنَّ ولم تَجُزْ شَهَادَتُهُنَّ على غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ لم يُقِرَّ ولم يَحْلِفْ الْمَشْهُودُ له مع شَهَادَتِهِنَّ قال وَلَوْ كان الْمَيِّتُ تَرَكَ أَلْفًا نَقْدًا وَأَلْفًا دَيْنًا على أَحَدِ الْوَارِثَيْنِ فَشَهِدَ الذي عليه الدَّيْنُ لِرَجُلٍ أَنَّهُ أَوْصَى له بِالثُّلُثِ فَإِنْ كان عَدْلًا أَعْطَاهُ ثُلُثَ الْأَلْفِ التي عليه لِأَنَّهَا من مِيرَاثِ الْمَيِّتِ وَأَعْطَى الْآخَرَ ثُلُثَ الْأَلْفِ التي أَخَذَ إذَا حَلَفَ ( 1 ) وَإِنْ كان مُفْلِسًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَقَرَّ الْوَارِثُ بِدَيْنٍ على أبيه ثُمَّ أَقَرَّ عليه بِدَيْنٍ بَعْدَهُ فَسَوَاءٌ الْإِقْرَارُ الْأَوَّلُ وَالْإِقْرَارُ الْآخَرُ لِأَنَّ الْوَارِثَ لَا يَعْدُو أَنْ يَكُونَ إقْرَارُهُ على أبيه يَلْزَمُهُ فِيمَا صَارَ في يَدَيْهِ من مِيرَاثِ أبيه كما يَلْزَمُهُ ما أَقَرَّ بِهِ في مَالِ نَفْسِهِ وهو لو أَقَرَّ الْيَوْمَ لِرَجُلٍ عليه بِدَيْنٍ وَغَدًا لِآخَرَ لَزِمَهُ ذلك كُلُّهُ وَيَتَحَاصَّانِ في مَالِهِ أو يَكُونَ إقْرَارُهُ سَاقِطًا لِأَنَّهُ لم يُقِرَّ على نَفْسِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَهَذَا مِمَّا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ عَلِمْته بَلْ هُمَا لَازِمَانِ مَعًا وَلَوْ كان معه وَارِثٌ وكان عَدْلًا حَلَفَا مع شَاهِدِهِمَا وَلَوْ لم يَكُنْ عَدْلًا كانت كالمسألة ( ( ( المسألة ) ) ) الْأُولَى وَيَلْزَمُهُ ذلك فِيمَا في يَدَيْهِ دُونَ ما في يَدَيْ غَيْرِهِ قال وإذا مَاتَ رَجُلٌ وَتَرَكَ وَارِثًا أو وَرَثَةً فَأَقَرَّ أَحَدُ الْوَرَثَةِ في عَبْدٍ تَرَكَهُ الْمَيِّتُ أَنَّهُ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ عَادَ بَعْدُ فقال بَلْ هو لِهَذَا الْآخَرِ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ وَلَيْسَ للاخر فيه شَيْءٌ وَلَا غُرْمَ على الْوَارِثِ قال وَكَذَلِكَ لو وَصَلَ الْكَلَامَ فقال هو لِهَذَا بَلْ هو لِهَذَا كان لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا وَذَلِكَ أَنَّهُ حِينَئِذٍ كَالْمُقِرِّ في مَالِ غَيْرِهِ فَلَا يُصَدَّقُ على إبْطَالِ إقْرَارٍ قد قَطَعَهُ لِآخَرَ بِأَنْ يُخْرِجَهُ إلَى آخَرَ وَلَيْسَ في مَعْنَى الشَّاهِدِ الذي شَهِدَ بِمَا لَا يَمْلِكُ لِرَجُلٍ ثُمَّ يَرْجِعُ قبل الْحُكْمِ فَيَشْهَدُ بِهِ لِآخَرَ قال وإذا مَاتَ الْمَيِّتُ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا لِرَجُلٍ بِدَيْنٍ فَإِنْ كان مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ أَخَذَ الدَّيْنَ من رَأْسِ الْمَالِ مِمَّا في يَدَيْ الْوَارِثَيْنِ جميعا إذَا حَلَفَ الْمَشْهُودُ له وَإِنْ كان مِمَّنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ أَخَذَ من يَدَيْ الشَّاهِدِ له من دَيْنِهِ بِقَدْرِ ما كان يَأْخُذُ منه لو جَازَتْ شَهَادَتُهُ لِأَنَّ مَوْجُودًا في شَهَادَتِهِ أَنَّهُ إنَّمَا له في يَدَيْ الْمُقِرِّ حَقٌّ وفي يَدَيْ الْجَاحِدِ حَقٌّ فَأَعْطَيْتُهُ من الْمُقِرِّ ولم أُعْطِهِ من الْجَاحِدِ شيئا وَلَيْسَ هذا كما هَلَكَ من مَالِ الْمَيِّتِ ذَاكَ كما لم يَتْرُكْ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو تَرَكَ أَلْفَيْنِ فَهَلَكَتْ إحْدَاهُمَا وَثَبَتَ عليه دَيْنٌ أَلْفٌ أُخِذَتْ الْأَلْفُ وَكَذَلِكَ لو ثَبَتَ لِرَجُلٍ وَصِيَّةٌ بِالثُّلُثِ أَخَذَ ثُلُثَ الْأَلْفِ وَكَانَتْ الْهَالِكَةُ كما لم يَتْرُكْ وَلَوْ قَسَّمَ الْوَرَثَةُ مَالَهُ اتَّبَعَ أَهْلُ الدَّيْنِ وَأَهْلُ الْوَصِيَّةِ كُلَّ وَارِثٍ بِمَا صَارَ في يَدَيْهِ حتى يَأْخُذُوا من يَدَيْهِ بِقَدْرِ ما صَارَ لهم وَلَوْ أَفْلَسُوا فأعطى أَهْلُ الدَّيْنِ دَيْنَهُمْ من يَدَيْ من لم يُفْلِسْ رَجَعَ بِهِ على من أَفْلَسَ وَهَذَا الشَّاهِدُ لَا يَرْجِعُ أَبَدًا على أَخِيهِ بِشَيْءٍ إنَّمَا هو أَقَرَّ بِهِ قال وَلَوْ تَرَكَ الْمَيِّتُ رَجُلًا وَارِثًا وَاحِدًا فَأَقَرَّ لِرَجُلٍ أَنَّ له هذا الْعَبْدَ بِعَيْنِهِ ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ بَعْدُ لِهَذَا فَهُوَ لِلْأَوَّلِ وَلَا يَضْمَنُ للاخر شيئا وَسَوَاءٌ دَفَعَ الْعَبْدَ إلَى الْمُقَرِّ له الْأَوَّلِ أو لم يَدْفَعْهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَلَوْ زَعَمْت أَنَّهُ إذَا دَفَعَهُ إلَى الْأَوَّلِ ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ للاخر ضَمِنَ للاخر قِيمَةَ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ قد اسْتَهْلَكَهُ بِدَفْعِهِ إلَى الْأَوَّلِ قُلْت كَذَلِكَ لو لم يَدْفَعْهُ ( 2 ) من قِبَلِ أنى إذَا أَجَزْت إقْرَارَهُ الْأَوَّلِ ثُمَّ أَرَدْت أَنْ أُخْرِجَ ذلك من يَدَيْ الْأَوَّلِ إلَى الْآخَرِ بِإِقْرَارٍ كُنْت أَقْرَرْت في مَالِ غَيْرِي فَلَا أَكُونُ ضَامِنًا لِذَلِكَ وَسَوَاءٌ كان الْوَارِثُ إذَا كان مُنْفَرِدًا بِالْمِيرَاثِ مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ أو لَا تَجُوزُ في هذا الْبَابِ من قِبَلِ أَنْ لَا أَقْبَلَ شَهَادَتَهُ في شَيْءٍ قد أَقَرَّ بِهِ لِرَجُلٍ وَخَرَجَ من مِلْكِهِ إلَيْهِ قال وَهَكَذَا لو أَقَرَّ أَنَّ أَبَاهُ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ ثُمَّ قال بَلْ أَوْصَى بِهِ لِهَذَا لم أَقْبَلْ قَوْلَهُ من قِبَلِ أنى قد أَلْزَمْته أَنْ أُخْرِجَ من يَدَيْهِ ثُلُثَ مَالِ أبيه إلَيْهِ فإذا أَرَادَ إخْرَاجَهُ إلَى غَيْرِهِ جَعَلْته خَصْمًا لِلَّذِي اسْتَحَقَّهُ أَوَّلًا بِإِقْرَارِهِ فَلَا أَقْبَلُ شَهَادَتَهُ فِيمَا هو فيه خَصْمٌ له قال وَلَوْ أقتسم الْوَرَثَةُ ثُمَّ لَحِقَ الْمَيِّتَ دَيْنٌ أو وَصِيَّةٌ بِشَهَادَةِ وَارِثٍ أو غَيْرِ وَارِثٍ فَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ وَيُقَالُ لِلْوَرَثَةِ إنْ تَطَوَّعْتُمْ أَنْ تُؤَدُّوا على هذا دَيْنَهُ وَتَثْبُتُونَ على الْقَسْمِ فَذَلِكَ وَإِنْ أَبَيْتُمْ بِعْنَا لِهَذَا في أَحْضَرَ ما تَرَكَ الْمَيِّتُ وَنَقَضْنَا الْقَسْمَ بَيْنَكُمْ ولم نَبِعْ على
____________________

(7/50)


كل وَاحِدٍ منهم بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَلَا بِقَدْرِ الْوَصِيَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو تَرَكَ دَارًا وَأَرْضًا وَرَقِيقًا وَثِيَابًا وَدَرَاهِمَ وَتَرَكَ دَيْنًا أَعْطَيْنَا صَاحِبَ الدَّيْنِ من الدَّرَاهِمِ الْحَاضِرَةِ ولم نَحْبِسْهُ على غَائِبٍ يُبَاعُ ولم نَبِعْ له مَالَ الْمَيِّتِ كُلَّهُ وَبِعْنَا له من مَالِ الْمَيِّتِ بِقَدْرِ دَيْنِهِ أو وَصِيَّتِهِ - * الشَّهَادَةُ على الشَّهَادَةِ وَكِتَابِ الْقَاضِي - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ على الشَّهَادَةِ وَكِتَابِ الْقَاضِي في كل حَقٍّ للادميين من مَالٍ أو حَدٍّ أو قِصَاصٍ وفي كل حَدٍّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أنها تَجُوزُ وَالْآخَرُ لَا تَجُوزُ من قِبَلِ دَرْءِ الْحُدُودِ بِالشُّبُهَاتِ فَمَنْ قال تَجُوزُ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ على رَجُلٍ بالزنى وَأَرْبَعَةٌ على شَهَادَةِ آخَرَيْنِ بالزنى لم تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ حتى يَصِفُوا زِنًا وَاحِدًا وفي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَيَثْبُتَ الشَّاهِدَانِ على رُؤْيَةِ الزنى وَتَغَيُّبِ الْفَرْجِ في الْفَرْجِ وَتَثْبُتَ الشُّهُودُ على الشَّاهِدَيْنِ مِثْلَ ذلك ثُمَّ يُقَامُ عليه الْحَدُّ ( قال ) وَهَكَذَا كُلُّ شَهَادَةِ زِنًا لَا يَقْبَلُهَا الْحَاكِمُ فَيَحُدُّ بها حتى يَشْهَدُوا بها على زِنًا وَاحِدٍ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَبْهَمُوا ولم يَصِفُوا أنها رُؤْيَةٌ وَاحِدَةٌ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمْ أو مَاتُوا أو غَابَ أَحَدُهُمْ أو غَابُوا لم يَحْدُدْهُ ولم يَحْدُدْهُمْ من قِبَلِ أَنَّهُمْ لم يُثْبِتُوا عليه ما يُوجِبُ عليه الْحَدَّ ( قال ) وَهَكَذَا لو شَهِدَ ثَمَانِيَةٌ على أَرْبَعَةٍ في هذا الْقَوْلِ أُقِيمَ عليه الْحَدُّ ( قال ) وإذا سمع الرَّجُلَانِ الرَّجُلَ يقول أَشْهَدُ أَنَّ لِفُلَانٍ على فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ ولم يَقُلْ لَهُمَا اشْهَدَا فَلَيْسَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَقُومَا بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ فَإِنْ قَامَا بها فَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بها لِأَنَّهُ لم يَسْتَرْعِهِمْ الشَّهَادَةَ فَيَكُونُ إنَّمَا شَهِدَ بِحَقٍّ ثَابِتٍ عِنْدَهُ وقد يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ أَشْهَدُ أَنَّ لِفُلَانٍ عليه أَلْفَ دِرْهَمٍ وَعَدَهُ إيَّاهَا أو من وَجْهٍ لَا يَجِبُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْخُوذٍ بها فإذا كان مُؤَدِّيهَا إلَى الْقَاضِي أو يسترعى من يُؤَدِّيهَا إلَى الْقَاضِي لم يَكُنْ لِيَفْعَلَ إلَّا وَهِيَ عِنْدَهُ وَاجِبَةٌ وَأُحِبُّ لِلْقَاضِي أَنْ لَا يَقْبَلَ هذا منه وَإِنْ كان على الصِّحَّةِ حتى يَسْأَلَهُ من أَيْنَ هِيَ له عليه فَإِنْ قال بِإِقْرَارٍ منه أو بِبَيْعٍ حَضَرْته أو سَلَفٍ أَجَازَهُ فَإِنْ قال هذا ولم يَسْأَلْهُ الْقَاضِي كان مُوضِعٌ غبا ( ( ( سغبا ) ) ) وَرَأَيْته جَائِزًا من قِبَلِ أَنَّهُ إنَّمَا شَهِدَ بها على الصِّحَّةِ ( قال ) وَإِنْ أُشْهِدَ شَاهِدٌ على شَهَادَةِ غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَهَا وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْبَلَهَا حتى يَكُونَ معه غَيْرُهُ ( قال ) وإذا سمع الرَّجُلُ الرَّجُلَ يُقِرُّ لِرَجُلٍ بِمَالٍ وَصَفَ ذلك من غَصْبٍ أو بَيْعٍ أو لم يَصِفْ ولم يَشْهَدْهُ الْمُقِرُّ فَلَازِمٌ له أَنْ يُؤَدِّيَهَا وَعَلَى الْقَاضِي أَنْ يَقْبَلَهُ وَذَلِكَ أَنَّ إقْرَارَهُ على نَفْسِهِ أَصْدَقُ الْأُمُورِ عليه ( قال ) وإذا سمع الرَّجُلُ الرَّجُلَ يقول أَشْهَدُ أَنَّ لِفُلَانٍ على فُلَانٍ حَقًّا لم يَلْزَمْ فُلَانًا لِأَنَّهُ لم يُقِرَّ بِهِ وَإِقْرَارُ غَيْرِهِ عليه لَا يَلْزَمُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ من ذلك إلَّا أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا عليه وَالشَّهَادَةُ عليه أَنْ يَقُومَ بها عِنْدَ الْحَاكِمِ أو يَسْتَرْعِيَهَا شَاهِدًا فَأَمَّا أَنْ يَنْطِقَ بها وَهِيَ عِنْدَهُ كَالْمِزَاحِ فَيَسْمَعُ منه وَلَا يَسْتَرْعِيهَا فَهَذَا بَيَّنَ أَنَّ ما أَقَرَّ بِهِ على غَيْرِهِ وَلَا يَلْزَمُ غَيْرَهُ إقْرَارُهُ ولم يَكُنْ شَاهِدًا بِهِ فَيَلْزَمُ غَيْرَهُ شَهَادَتُهُ ( قال ) وإذا شَهِدَ الشَّاهِدَانِ على رَجُلٍ أَنَّهُ قد سَرَقَ مَالًا لِرَجُلٍ فَوَصَفَا الْمَالَ ولم يَصِفَا من حَيْثُ سَرَقَهُ أو وَصَفَا من حَيْثُ سَرَقَهُ ولم يَصِفَا الْمَالَ فَلَا قَطْعَ عليه لِأَنَّهُ قد يَكُونُ سَارِقًا لَا قَطْعَ عليه وَذَلِكَ أَنْ يَخْتَلِسَ أو يَسْرِقَ من غَيْرِ حِرْزٍ أو يَسْرِقَ أَقَلَّ من رُبُعِ دِينَارٍ فَإِنْ مَاتَ الشَّاهِدَانِ أو غَابَا لم يُقْطَعْ وإذا مَاتَا خلى بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ فإذا غَابَا حُبِسَ حتى يَحْضُرَا وَيَكْتُبُ إلَى قَاضِي الْبَلَدِ الذي هُمَا فيه فَيَقِفُهُمَا ثُمَّ يَقْبَلُ ذلك من قَبِلَ كِتَابَ الْقَاضِي في السَّرِقَةِ وَمَنْ لم يَقْبَلْ كِتَابَ الْقَاضِي في السَّرِقَةِ لم يَكْتُبْ وَإِنْ كَانَا وَصَفَا السَّرِقَةَ ولم يَصِفَا الْحِرْزَ أُغْرِمَهَا السَّارِقُ ولم يُقْطَعْ ( قال ) وإذا شَهِدَ شُهُودُ الزنى على الزنى لم يُقَمْ الْحَدُّ حتى يَصِفُوا الزنى كما وَصَفْت فَإِنْ فَعَلُوا أُقِيمَ الْحَدُّ وَإِنْ لم يَفْعَلُوا
____________________

(7/51)


حتى غَابُوا ( 1 ) أو مَاتُوا أو غَابَ أَحَدُهُمْ حُبِسَ حتى يَصِفَهُ فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمْ خَلَّى سَبِيلَهُ وَلَا يُقِيمُ الْحَدَّ عليه أَبَدًا حتى يَجْتَمِعَ أَرْبَعَةٌ يَصِفُونَ زِنًا وَاحِدًا فَيَجِبُ بمثله الْحَدُّ أو يُحَلِّفُهُ وَيُخْلِيهِ وَيَكُونُ فِيمَا يَسْأَلُ الْإِمَامُ الشُّهُودَ عليه أَزَنَى بِامْرَأَةٍ لِأَنَّهُمْ قد يَعُدُّونَ الزنى وَقَعَ على بَهِيمَةٍ وَلَعَلَّهُمْ أَنْ يَعُدُّوا الِاسْتِمْنَاءَ زِنًا فَلَا نَحُدُّهُ أَبَدًا حتى يُثْبِتُوا الشَّهَادَةَ وَيُبَيِّنُوهَا له فِيمَا يَجِبُ في مِثْلِهِ الزنى ( قال ) وإذا شَهِدَ ثَلَاثَةٌ على رَجُلٍ بالزنى فَأَثْبَتُوهُ فقال الرَّابِعُ رَأَيْته نَالَ منها وَلَا أَدْرِي أَغَابَ ذلك منه في ذلك منها فَمَذْهَبُ أَكْثَرِ الْمُفْتِينَ أَنْ يُحَدَّ الثَّلَاثَةُ وَلَا يُحَدَّ الرَّابِعُ وَلَوْ كان الرَّابِعُ قال أَشْهَدُ أَنَّهُ زَانٍ ( 2 ) ثُمَّ قال هذا الْقَوْلَ انْبَغَى أَنْ يُحَدَّ في قَوْلِهِمْ لِأَنَّهُ قَاذِفٌ لم يُثْبِتْ الزنى الذي في مِثْلِهِ الْحَدُّ ولم يُحَدُّوا وَهَكَذَا لو شَهِدَ أَرْبَعَةٌ فَقَالُوا رَأَيْنَاهُ على هذه الْمَرْأَةِ فلم يُثْبِتُوا لم يُحَدَّ ولم يُحَدُّوا وَلَوْ قالوا زَنَى بِهَذِهِ الْمَرْأَةِ ثُمَّ لم يُثْبِتُوا حُدُّوا بِالْقَذْفِ لِأَنَّهُمْ قَذَفَةٌ لم يَخْرُجُوا بِالشَّهَادَةِ ( قال ) وإذا شَهِدَ الشُّهُودُ على السَّارِقِ بِالسَّرِقَةِ لم يَكُنْ للامام أَنْ يُلَقِّنَهُ الْحُجَّةَ وَذَلِكَ أَنَّهُ لو جَحَدَ قُطِعَ وَلَكِنْ لو اُدُّعِيَتْ عليه السَّرِقَةَ ولم تَقُمْ عليه بَيِّنَةٌ فَكَانَ من أَهْلِ الْجَهَالَةِ بِالْحَدِّ إمَّا بِأَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا بِحَضْرَةِ سَرِقَتِهِ جاء من بِلَادِ حَرْبٍ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ جَافِيًا بِبَادِيَةِ أَهْلِ جَفَاءٍ لم أَرَ بَأْسًا بِأَنْ يُعَرِّضَ له بِأَنْ يَقُولَ لَعَلَّهُ لم يَسْرِقْ فَأَمَّا أَنْ يَقُولَ له اجْحَدْ فَلَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ الشَّاهِدَانِ على سَرِقَةٍ فَاخْتَلَفَا في الشَّهَادَةِ فقال أَحَدُهُمَا سَرَقَ من هذه الدَّارِ كَبْشًا لِفُلَانٍ وقال الْآخَرُ بَلْ سَرَقَهُ من هذه الدَّارِ أو شَهِدَا بِالرُّؤْيَةِ مَعًا وَقَالَا مَعًا سَرَقَهُ من هذا الْبَيْتِ وقال أَحَدُهُمَا بُكْرَةً وقال الْآخَرُ عَشِيَّةً أو قال أَحَدُهُمَا سَرَقَ الْكَبْشَ وهو أَبْيَضُ وقال الْآخَرُ سَرَقَهُ وهو أَسْوَدُ أو قال أَحَدُهُمَا كان الذي سُرِقَ أَقْرَنَ وقال الْآخَرُ أَجَمَّ غير أَقْرَنَ أو قال أَحَدُهُمَا كان كَبْشًا وقال الْآخَرُ كان نَعْجَةً فَهَذَا اخْتِلَافٌ لَا يُقْطَعُ بِهِ حتى يَجْتَمِعَا على شَيْءٍ وَاحِدٍ يَجِبُ في مِثْلِهِ الْقَطْعُ وَيُقَالُ لِلْمَسْرُوقِ منه كُلُّ وَاحِدٍ من هَذَيْنِ يُكَذِّبُ صَاحِبَهُ فَادَّعِ شَهَادَةَ أَيِّهِمَا شِئْت وَاحْلِفْ مع شَاهِدِك فَإِنْ قال أَحَدُهُمَا سَرَقَ كَبْشًا وَوَصَفَهُ بُكْرَةً وقال الْآخَرُ سَرَقَ كَبْشًا وَوَصَفَهُ عَشِيَّةً فلم يَدَّعِ الْمَسْرُوقُ إلَّا كَبْشًا حَلَفَ على أَيِّ الْكَبْشَيْنِ شَاءَ وَأَخَذَهُ أو ثَمَنَهُ إنْ فَاتَ وَإِنْ ادَّعَى كَبْشَيْنِ حَلَفَ مع شَهَادَةِ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَأَخَذَ كَبْشَيْنِ إذَا لم يَكُونَا وَصَفَا أَنَّ السَّرِقَةَ وَاحِدَةٌ وَاخْتَلَفَا في صِفَتِهِمَا فَهَذِهِ سَرِقَتَانِ يَحْلِفُ مع كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَأْخُذُهُ ( قال ) وَكَذَلِكَ لو شَهِدَ عليه شَاهِدٌ أَنَّهُ شَرِبَ خَمْرًا الْيَوْمَ وَشَاهِدٌ آخَرُ أَنَّهُ شَرِبَ خَمْرًا أَمْسِ لم يُحَدَّ من قِبَلِ أَنَّ أَمْسِ غَيْرُ الْيَوْمِ وَكَذَلِكَ لو شَهِدَ عليه شَاهِدَانِ أَنَّهُ زَنَى بفلانه في بَيْتِ كَذَا وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ زَنَى بها في بَيْتٍ غَيْرِهِ فَلَا حَدَّ على الْمَشْهُودِ عليه وَمَنْ حَدَّ الشُّهُودَ إذَا لم يُتِمُّوا أَرْبَعَةً حَدَّهُمْ وإذا شَهِدَ شَاهِدٌ على رَجُلٍ أَنَّهُ قَذَفَ رَجُلًا الْيَوْمَ وَشَهِدَ آخَرُ عليه أَنَّهُ قَذَفَهُ أَمْسِ فَلَا يُحَدُّ من قِبَلِ أَنَّهُ ليس ثَمَّ اثْنَانِ يَشْهَدَانِ على قَذْفٍ وَاحِدٍ وَهَكَذَا لو شَهِدَا عليه بِالطَّلَاقِ فقال أَحَدُهُمَا قال لِامْرَأَتِهِ أَمْسِ أَنْتِ طَالِقٌ وقال الْآخَرُ قال لها الْيَوْمَ أَنْتِ طَالِقٌ فَلَا طَلَاقَ من قِبَلِ أَنَّ طَلَاقَ أَمْسِ غَيْرُ طَلَاقِ الْيَوْمِ وَشَهَادَتَهُمَا على ابْتِدَاءِ الْقَوْلِ الذي يَقَعُ بِهِ الْآنَ الْحَدُّ أو الطَّلَاقُ أو الْعِتْقُ كَشَهَادَتِهِمَا على الْفِعْلِ وَلَيْسَ هذا كما يَشْهَدَانِ عليه بِأَنَّهُ أَقَرَّ بِشَيْءٍ مَضَى منه ( قال ) وَيَحْلِفُ في كل شَيْءٍ من هذا إذَا أَبْطَلْت عنه الشَّهَادَةَ اسْتَحْلَفْته ولم يَكُنْ عليه شَيْءٌ ( قال ) وَهَكَذَا لو قال أَشْهَدُ أَنَّهُ قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَدَخَلَهَا وقال الْآخَرُ أَشْهَدُ أَنَّهُ قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ رَكِبْت الدَّابَّةَ فَرَكِبَتْهَا لم تَطْلُقْ امْرَأَتُهُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَشْهَدُ عليه بِطَلَاقٍ غَيْرِ طَلَاقِ الْآخَرِ ( قال ) وإذا سَرَقَ السَّارِقُ السَّرِقَةَ فَشَهِدَ عليه أَرْبَعَةٌ فَشَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ ثَوْبُ كَذَا
____________________

(7/52)


وَقِيمَتُهُ كَذَا وَشَهِدَ الْآخَرَانِ أَنَّهُ ذلك الثَّوْبُ بِعَيْنِهِ وَقِيمَتُهُ كَذَا فَكَانَتْ إحْدَى الشَّهَادَتَيْنِ يَجِبُ فيها الْقَطْعُ وَالْأُخْرَى لَا يَجِبُ بها الْقَطْعُ فَلَا قَطْعَ عليه من قِبَلِ أَنَّا نَدْرَأُ الْحُدُودَ بِالشُّبْهَةِ وَهَذَا أَقْوَى ما يُدْرَأُ بِهِ الْحَدُّ وَنَأْخُذُهُ بِالْأَقَلِّ من الْقِيمَتَيْنِ في الْغُرْمِ لِصَاحِبِ السَّرِقَةِ وَلَيْسَ هذا كَاَلَّذِي يَشْهَدُ عليه رَجُلَانِ رَجُلٌ بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ من قِبَلِ أَنَّهُ قد يَكُونُ لِذَلِكَ أَلْفٌ من وَجْهٍ وَأَلْفَانِ من وَجْهٍ وَهَذَا لَا يَكُونُ له إلَّا ثَمَنُ ذلك الثَّوْبِ الذي اجْتَمَعُوا عليه وَلَيْسَ شُهُودُ الزِّيَادَةِ بِأَوْلَى من شُهُودِ النَّقْصِ وَأُحَلِّفُهُ مع الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ على الْقِيمَةِ إذَا ادَّعَى شَهَادَةَ اللَّذَيْنِ شَهِدَا على أَكْثَرِ الْقِيمَتَيْنِ ( قال ) وَمَنْ شَهِدَ على رَجُلٍ بِغَيْرِ الزنى فلم تَتِمَّ الشَّهَادَةُ فَلَا حَدَّ على الشَّاهِدِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُفَرِّقَ الْقَاضِي بين الشُّهُودِ إذَا خشى عَبَثَهُمْ أو جَهْلَهُمْ بِمَا يَشْهَدُونَ عليه ثُمَّ يُوقِفَهُمْ على ما شَهِدُوا عليه وَعَلَى السَّاعَةِ التي يَشْهَدُونَ فيها وَعَلَى الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ كَيْفَ كان وَعَلَى من حَضَرَ ذلك مَعَهُمْ وَعَلَى ما يُسْتَدَلُّ بِهِ على صِحَّةِ شَهَادَتِهِمْ وَشَهَادَةِ من شَهِدَ مَعَهُمْ ( قال ) وَهَكَذَا إذَا اتَّهَمَهُمْ بِالتَّحَامُلِ أو الْحَيْفِ على الْمَشْهُودِ عليه وَالتَّحَامُلِ لِمَنْ يَشْهَدُونَ له أو الْجَنَفَ له فَإِنْ صَحَّحُوا الشَّهَادَةَ قَبِلَهَا وَإِنْ اخْتَلَفُوا فيها اخْتِلَافًا يُفْسِدُ الشَّهَادَةَ أَلْغَاهَا ( قال ) وإذا أَثْبَتَ الشُّهُودُ الشَّهَادَةَ على أَيِّ حَدٍّ ما كان ثُمَّ غَابُوا أو مَاتُوا قبل أَنْ يُعَدَّلُوا ثُمَّ عُدِّلُوا أُقِيمَ عليه الْحَدُّ وَهَكَذَا لو كَانُوا عُدُولًا ثُمَّ غَابُوا قبل أَنْ يُقَامَ الْحَدُّ أُقِيمَ وَهَكَذَا لو خَرِسُوا أو عَمُوا ( قال ) وإذا كان الشُّهُودُ عُدُولًا أو عُدِّلُوا عِنْدَ الْحَاكِمِ أَطْرَدَ الْمَشْهُودُ عليه جَرْحَتَهُمْ وَقَبِلَهَا منه على من كان من الناس لَا فَرْقَ بين الناس في ذلك لِأَنَّا نَرُدُّ شَهَادَةَ أَفْضَلِ الناس بِالْعَدَاوَةِ وَالْجَرِّ إلَى نَفْسِهِ وَالدَّفْعِ عنها وَلَا نقبل ( ( ( تقبل ) ) ) الْجَرْحَ من الْجَارِحِ إلَّا بِتَفْسِيرِ ما يَجْرَحُ بِهِ الْجَارِحُ الْمَجْرُوحَ فإن الناس قد يَجْرَحُونَ بِالِاخْتِلَافِ وَالْأَهْوَاءِ وَيُكَفِّرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيُضَلِّلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيَجْرَحُونَ بِالتَّأْوِيلِ فَلَا يُقْبَلُ الْجَرْحُ إلَّا بِنَصِّ ما يَرَى هو مثله يَجْرَحُ كان الْجَارِحُ فَقِيهًا أو غير فَقِيهٍ لِمَا وَصَفْت من التَّأْوِيلِ ( قال ) وإذا شَهِدَ شُهُودٌ على رَجُلٍ بِحَدٍّ ما كان أو حَقٍّ ما كان فقال الْمَشْهُودُ عليه هُمْ عَبِيدٌ أو لم يَقُلْهُ فَحَقٌّ على الْحَاكِمِ أَنْ لَا يَقْبَلَ شَهَادَةَ أَحَدٍ منهم حتى يَثْبُتَ عِنْدَهُ بِخِبْرَةٍ منه بِهِمْ أو بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عِنْدَهُ أَنَّهُمْ أَحْرَارٌ بَالِغُونَ مُسْلِمُونَ عُدُولٌ فإذا ثَبَتَ هذا عِنْدَهُ أَخْبَرَ الْمَشْهُودَ عليه ثُمَّ أَطْرَدَهُ جَرْحَتَهُمْ فَإِنْ جاء بها قَبِلَهَا منه وَإِنْ لم يَأْتِ بها أَنْفَذَ عليه ما شَهِدُوا بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَيْسَ من الناس أَحَدٌ نَعْلَمُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَلِيلًا يَمْحَضُ الطَّاعَةَ وَالْمُرُوءَةَ حتى لَا يَخْلِطَهُمَا بِشَيْءٍ من مَعْصِيَةٍ وَلَا تَرْكِ مُرُوءَةٍ وَلَا يَمْحَضُ الْمَعْصِيَةَ وَيَتْرُكُ الْمُرُوءَةَ حتى لَا يَخْلِطَهُ بِشَيْءٍ من الطَّاعَةِ وَالْمُرُوءَةِ فإذا كان الْأَغْلَبُ على الرَّجُلِ الْأَظْهَرُ من أَمْرِهِ الطَّاعَةَ وَالْمُرُوءَةَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وإذا كان الْأَغْلَبُ الْأَظْهَرُ من أَمْرِهِ الْمَعْصِيَةَ وَخِلَافَ الْمُرُوءَةِ رَدَدْت شَهَادَتَهُ وَكُلُّ من كان مُقِيمًا على مَعْصِيَةٍ فيها حَدٌّ وَأُخِذَ فَلَا نُجِيزُ شَهَادَتَهُ وَكُلُّ من كان مُنْكَشِفَ الْكَذِبِ مُظْهِرَهُ غير مُسْتَتِرٍ بِهِ لم تَجُزْ شَهَادَتُهُ وَكَذَلِكَ كُلُّ من جُرِّبَ بِشَهَادَةِ زُورٍ وَإِنْ كان غير كَذَّابٍ في الشَّهَادَاتِ وَمَنْ كان إنَّمَا يُظَنُّ بِهِ الْكَذِبُ وَلَهُ مَخْرَجٌ منه لم يَلْزَمْهُ اسْمُ كَذَّابٍ وَكُلُّ من تَأَوَّلَ فَأَتَى شيئا مُسْتَحِلًّا كان فيه حَدٌّ أو لم يَكُنْ لم تُرَدَّ شَهَادَتُهُ بِذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّ مِمَّنْ حُمِلَ عنه الدِّينُ وَنُصِبَ عَلَمًا في الْبُلْدَانِ من قد يَسْتَحِلُّ الْمُتْعَةَ فيفتى بِأَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ أَيَّامًا بِدَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ وَذَلِكَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ غَيْرِنَا من أَهْلِ الْفِقْهِ مُحَرَّمٌ وَأَنَّ منهم من يَسْتَحِلُّ الدِّينَارَ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ يَدًا بِيَدٍ وَذَلِكَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ غَيْرِنَا من أَهْلِ الْفِقْهِ مُحَرَّمٌ وَأَنَّ منهم من قد تَأَوَّلَ فَاسْتَحَلَّ سَفْكَ الدِّمَاءِ وَلَا نَعْلَمُ شيئا أَعْظَمَ من سَفْكِ الدِّمَاءِ بَعْدَ الشِّرْكِ وَمِنْهُمْ من تَأَوَّلَ فَشَرِبَ كُلَّ مُسْكِرٍ غير الْخَمْرِ وَعَابَ على من حَرَّمَهُ وَغَيْرُهُ يُحَرِّمُهُ وَمِنْهُمْ من أَحَلَّ إتْيَانَ النِّسَاءِ في أَدْبَارِهِنَّ وَغَيْرُهُ يُحَرِّمُهُ وَمِنْهُمْ من أَحَلَّ بُيُوعًا محرمه عِنْدَ غَيْرِهِ فإذا كان هَؤُلَاءِ مع ما وَصَفْت وما أَشْبَهَهُ أَهْلَ ثِقَةٍ في دِينِهِمْ وَقَنَاعَةٍ عِنْدَ من عَرَفَهُمْ وقد تَرَكَ عليهم
____________________

(7/53)


ما تَأَوَّلُوا فأخطأوا ( ( ( فأخطئوا ) ) ) فيه ولم يُجْرَحُوا بِعَظِيمِ الخطأ إذَا كان منهم على وَجْهِ الِاسْتِحْلَالِ كان جَمِيعُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ في هذه الْمَنْزِلَةِ فإذا كَانُوا هَكَذَا فَاللَّاعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ وَإِنْ كَرِهْنَاهَا له وَبِالْحَمَامِ وَإِنْ كَرِهْنَاهَا له أَخَفُّ حَالًا من هَؤُلَاءِ بِمَا لَا يُحْصَى وَلَا يُقَدَّرُ فَأَمَّا إنْ قام رَجُلٌ بِالْحَمَامِ أو بِالشِّطْرَنْجِ رَدَدْنَا بِذَلِكَ شَهَادَتَهُ وَكَذَلِكَ لو قَامَرَ بِغَيْرِهِ فَقَامَرَ على أَنْ يعادى إنْسَانًا أو يُسَابِقَهُ أو يُنَاضِلَهُ وَذَلِكَ أَنَّا لَا نَعْلَمُ أَحَدًا من الناس اسْتَحَلَّ الْقِمَارَ وَلَا تَأَوَّلَهُ وَلَكِنَّهُ لو جَعَلَ فيها سَبْقًا مُتَأَوَّلًا كَالسَّبْقِ في الرَّمْيِ وفي الْخَيْلِ قِيلَ له قد أَخْطَأْت خَطَأً فَاحِشًا وَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ بِذَلِكَ حتى يُقِيمَ عليه بعد ما يُبَيَّنُ له وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا غَفْلَةَ في هذا على أَحَدٍ وَأَنَّ الْعَامَّةَ مُجْتَمِعَةٌ على أَنَّ هذا مُحَرَّمٌ قال وَبَائِعُ الْخَمْرِ مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ ( 1 ) لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بين أَحَدٍ من الْمُسْلِمِينَ في أَنَّ بَيْعَهَا مُحَرَّمٌ فَأَمَّا من عَصَرَ عِنَبًا فَبَاعَهُ عَصِيرًا فَهُوَ في الْحَالِ التي بَاعَهُ فيها حَلَالٌ كَالْعِنَبِ يَشْتَرِيهِ كما يَأْكُلُ الْعِنَبَ وَأَحَبُّ إلى له أَنْ يُحْسِنَ التَّوَقِّيَ فَلَا يَبِيعَهُ مِمَّنْ يَرَاهُ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا فَإِنْ فَعَلَ لم أَفْسَخْ الْبَيْعَ من قِبَلِ أَنَّهُ بَاعَهُ حَلَالًا وَنِيَّةُ صَاحِبِهِ في إحْدَاثِ الْمُحَرَّمِ فيه لَا تُحَرِّمُ الْحَلَالَ وَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ بِذَلِكَ من قِبَلِ أَنَّهُ قد يَعْقِدُ رُبًّا وَيَتَّخِذُ خَلًّا فإذا كانت الْحَالُ التي بَاعَهُ فيها حَلَالًا يَحِلُّ فيها بَيْعُهُ وكان قد يُتَّخَذُ حَلَالًا وَحَرَامًا فَلَيْسَ الْحَرَامُ بِأَوْلَى بِهِ من الْحَلَالِ بَلْ الْحَلَالُ أَوْلَى بِهِ من الْحَرَامِ وَبِكُلِّ مُسْلِمٍ ( قال ) وإذا شَهِدَ الشُّهُودُ بِشَيْءٍ فلم يَحْكُمْ بِهِ الْحَاكِمُ حتى يَحْدُثَ لِلشُّهُودِ حَالٌ تُرَدُّ بها شَهَادَتُهُمْ لم يَحْكُمْ عليه وَلَا يَحْكُمُ عليه حتى يَكُونُوا عُدُولًا يوم يَحْكُمُ عليه وَلَكِنَّهُ لو حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمْ وَهُمْ عُدُولٌ ثُمَّ تَغَيَّرَتْ حَالُهُمْ بَعْدَ الْحُكْمِ لم يَرُدَّ الْحُكْمَ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْظُرُ إلَى عَدْلِهِمْ يوم يَقْطَعُ الْحُكْمَ بِهِمْ ( قال ) وإذا شَهِدَ الشُّهُودُ على رَجُلٍ فَادَّعَى جَرْحَتَهُمْ أَجَّلَ في جَرْحَتِهِمْ بِالْمِصْرِ الذي هو بِهِ وما يُقَارِبُهُ فَإِنْ جاء بها وَإِلَّا أَنْفَذَ عليه الْحُكْمَ ثُمَّ إنْ جَرَحَهُمْ بَعْدُ لم يَرُدَّ عنه الْحُكْمَ وَإِنْ جاء بِبَعْضِ ما يَجْرَحُهُمْ مِثْلِ أَنْ يأتى بِشَاهِدٍ وَاسْتَأْجَلَ في آخَرَ رَأَيْت أَنْ يَضْرِبَ له أَجَلًا يُوَسِّعُ عليه فيه حتى يَجْرَحَهُمْ أو يُعْوِزَهُ ذلك فَيَحْكُمَ عليه ( قال ) وإذا شَهِدَ الرَّجُلُ بِشَهَادَةٍ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْحَاكِمِ فَشَكَّ فيها أو قال قد بَانَ لي أَنِّي قد غَلِطْت فيها لم يَكُنْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُنْفِذَهَا وَلَا يَنَالَهُ بِعُقُوبَةٍ لِأَنَّ الْخَطَأَ مَوْضُوعٌ عن بَنِي آدَمَ فِيمَا هو أَعْظَمُ من هذا وقال له لقد كُنْت أُحِبُّ أَنْ تَتَثَبَّتَ في الشَّهَادَةِ قبل أَنْ تَثْبُتَ عليها فَإِنْ قال قد غَلِطْت على الْمَشْهُودِ عليه الْأَوَّلِ وهو هذا الْآخَرُ طَرَحْتهَا عن الْأَوَّلِ ولم أُجِزْهَا على الْآخَرِ لِأَنَّهُ قد أَطْلَعَنِي على أَنَّهُ قد شَهِدَ فَغَلِطَ وَلَكِنْ لو لم يَرْجِعْ حتى يَمْضِيَ الْحُكْمُ بها ثُمَّ يَرْجِعَ بَعْدَ مضى الْحُكْمِ لم أَرُدَّ الْحُكْمَ وقد مَضَى وَأُغْرِمْهُمَا إنْ كَانَا شَاهِدَيْنِ على قَطْعِ دِيَةِ يَدِ الْمَقْطُوعِ في أَمْوَالِهِمَا حَالَّةً لِأَنَّهُمَا قد أَخْطَآ عليه وَإِنْ قال عَمَدْنَا أَنْ نَشْهَدَ عليه لِيُقْطَعَ وقد عَلِمْنَا أَنَّهُ سَيُقْطَعُ إذَا شَهِدْنَا عليه جَعَلْنَا لِلْمَقْطُوعِ الْخِيَارَ إنْ شَاءَ أَنْ يَقْطَعَ يَدَيْهِمَا قِصَاصًا وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمَا دِيَةَ يَدِهِ أخبرنا سُفْيَانُ عن مُطَرِّفٍ عن الشَّعْبِيِّ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه ( قال ) وإذا كان الرَّاجِعُ شَاهِدًا وَاحِدًا بَعْدَ مضى الْحُكْمِ فَالْقَوْلُ فيه كَالْقَوْلِ في الْأَوَّلِ يَضْمَنُ نِصْفَ دِيَةِ يَدِهِ وَإِنْ عَمَدَ قُطِعَتْ يَدُهُ هو فَأَمَّا إذَا أَقَرَّا بِعَمْدِ شَهَادَةِ الزُّورِ في شَيْءٍ ليس فيه قِصَاصٌ فَإِنِّي أُعَاقِبُهُمَا دُونَ الْحَدِّ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا على شَيْءٍ بَعْدُ حتى يُخْتَبَرَا وَيُجْعَلَ هذا حَادِثًا مِنْهُمَا يُحْتَاجُ إلَى اخْتِبَارِهِمَا بَعْدَهُ إذَا بَيَّنَّا أَنَّهُمَا أَخْطَآ على من شَهِدَا عليه فَأَمَّا لو شَهِدَا ثُمَّ قَالَا لَا تُنْفِذْ شَهَادَتَنَا فَإِنَّا قد شَكَكْنَا فيها لم يُنْفِذْهَا وكان له أَنْ يُنْفِذَ شَهَادَتَهُمَا في غَيْرِهَا لِأَنَّ قَوْلَهُمَا قد شَكَكْنَا ليس هو قَوْلُهُمَا أَخْطَأْنَا ( قال ) وإذا شَهِدَ الشُّهُودُ لِرَجُلِ بِحَقٍّ في قِصَاصٍ أو قَذْفٍ أو مَالٍ أو غَيْرِهِ فَأَكْذَبَ الشُّهُودَ الْمَشْهُودُ له لم يَكُنْ له بَعْدَ إكْذَابِهِمْ مَرَّةً أَنْ يَأْخُذَ بِشَيْءٍ من ذلك الذي شَهِدُوا له بِهِ وهو أَوْلَى بِحَقِّ نَفْسِهِ وَأَحْرَى أَنْ يُبْطَلَ الْحُكْمُ بِهِ إذَا أَكْذَبَ الشُّهُودَ وَإِنَّمَا له شَهِدُوا وهو على نَفْسِهِ أَصْدَقُ وَلَوْ لم يُكْذِبْ الشُّهُودَ وَلَكِنَّهُمْ رَجَعُوا وقد شَهِدُوا له بِقَذْفٍ
____________________

(7/54)


أو غَيْرِهِ لم يُقْضَ له بِشَيْءٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الرُّجُوعُ عن الشَّهَادَاتِ ضَرْبَانِ فإذا شَهِدَ الشَّاهِدَانِ أو الشُّهُودُ على رَجُلٍ بِشَيْءٍ يُتْلَفُ من بَدَنِهِ أو يُنَالُ مِثْلِ قَطْعٍ أو جَلْدٍ أو قِصَاصٍ في قَتْلٍ أو جَرْحٍ وَفُعِلَ ذلك بِهِ ثُمَّ رَجَعُوا فَقَالُوا عَمَدْنَا أَنْ يُنَالَ ذلك منه بِشَهَادَتِنَا فَهِيَ كَالْجِنَايَةِ عليه ما كان فيه من ذلك قِصَاصٌ خُيِّرَ بين أَنْ يَقْتَصَّ أو يَأْخُذَ الْعَقْلَ وما لم يَكُنْ فيه من ذلك قِصَاصٌ أَخَذَ فيه الْعَقْلَ وَعُزِّرُوا دُونَ الْحَدِّ وَلَوْ قالوا عَمَدْنَا الْبَاطِلَ ولم نَعْلَمْ أَنَّ هذا يَجِبُ عليه عُزِّرُوا وَأُخِذَ منهم الْعَقْلُ وكان هذا عَمْدًا يُشْبِهُ الْخَطَأَ فِيمَا يُقْتَصُّ منه وما لَا يُقْتَصُّ منه وَلَوْ قَالَا أَخْطَأْنَا أو شَكَكْنَا لم يَكُنْ في شَيْءٍ من هذا عُقُوبَةٌ وَلَا قِصَاصٌ وكان عليهم فيه الْأَرْشُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ شَهِدُوا على رَجُلٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْحَاكِمُ ثُمَّ رَجَعُوا أَغْرَمَهُمْ الْحَاكِمُ صَدَاقَ مِثْلِهَا إنْ كان دخل بها وَإِنْ لم يَكُنْ دخل بها غَرَّمَهُمْ نِصْفَ صَدَاقِ مِثْلِهَا لِأَنَّهُمْ حَرَّمُوهَا عليه ولم يَكُنْ لها قِيمَةٌ إلَّا مَهْرَ مِثْلِهَا وَلَا أَلْتَفِتُ إلَى ما أَعْطَاهَا قَلَّ أو كَثُرَ إنَّمَا أَلْتَفِتُ إلَى ما أَتْلَفُوا عليه فَأَجْعَلُ له قِيمَتَهُ ( قال ) وإذا كَانُوا إنَّمَا شَهِدُوا على الرَّجُلِ بِمَالٍ يَمْلِكُ فَأَخْرَجُوهُ من يَدَيْهِ بِشَهَادَتِهِمْ إلَى غَيْرِهِ عَاقَبْتُهُمْ على عَمْدِ شَهَادَةِ الزُّورِ ولم أُعَاقِبْهُمْ على الخطأ ولم أُغْرِمْهُمْ من قِبَلِ أَنِّي لو قَبِلْت قَوْلَهُمْ الْآخَرَ وَكَانُوا شَهِدُوا على دَارٍ قَائِمَةٍ أُخْرِجَتْ فَرَدَدْتهَا إلَيْهِ لم يَجُزْ أَنْ أُغْرِمَهُمْ شيئا قَائِمًا بِعَيْنِهِ قد أَخْرَجْتُهُ من مِلْكِ مَالِكِهِ وقد قال بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ إنَّهُ يُنْقَضُ الْحُكْمُ في هذا كُلِّهِ فَتُرَدُّ الدَّارُ إلَى الذي أَخْرَجَهَا من يَدَيْهِ أَوَّلًا ( 1 ) وَإِنَّمَا مَنَعَنَا من هذا أَنَّا إنْ جَعَلْنَاهُ عَدْلًا بِالْأَوَّلِ فَأَمْضَيْنَا بِهِ الْحُكْمَ ولم يَرْجِعْ قبل مُضِيِّهِ أَنَّا إنْ نَقَضْنَاهُ جَعَلْنَا للاخر في غَيْرِ مَوْضِعٍ عَدَالَةً فَنُجِيزُ شَهَادَتَهُ على الرُّجُوعِ ولم يَكُنْ أَتْلَفَ شيئا لَا يُوجَدُ إنَّمَا أَخْرَجَ من يَدَيْ رَجُلٍ شيئا فَكَانَ الْحُكْمُ أَنَّ ذلك حَقٌّ في الظَّاهِرِ فلما رَجَعَ كان كَمُبْتَدِئٍ شَهَادَةً لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وهو لم يَأْخُذْ شيئا لِنَفْسِهِ فأنتزعه من يَدَيْهِ ولم يُفِتْ شيئا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ من أَفَاتَهُ وَإِنَّمَا شَهِدَ بِشَيْءٍ انْتَفَعَ بِهِ غَيْرُهُ فلم أُغْرِمْهُ ما أَقَرَّ بِيَدَيْ غَيْرِهِ ( قال ) وإذا شَهِدَ الرَّجُلُ أو الِاثْنَانِ على رَجُلٍ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ أو أَنَّ هذا الْعَبْدَ حُرُّ الْأَصْلِ فَرَدَدْت شَهَادَتَهُمَا ثُمَّ مَلَكَاهُ أو أَحَدُهُمَا عَتَقَ عَلَيْهِمَا أو على الْمَالِكِ له مِنْهُمَا لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّهُ حُرٌّ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ مِلْكُهُ وَلَا أَقْبَلُ منه أَنْ يَقُولَ شَهِدْت أَوَّلًا بِبَاطِلٍ ( قال ) وَهَكَذَا لو قال لِعَبْدٍ لِأَبِيهِ قد أَعْتَقَهُ أبي في وَصِيَّةٍ وهو يَخْرُجُ من الثُّلُثِ ثُمَّ قال كَذَبْت لم يَكُنْ له أَنْ يَمْلِكَ منه شيئا لِأَنَّهُ قد أَقَرَّ له بِالْحُرِّيَّةِ ( قال ) وإذا شَهِدَ الرَّجُلَانِ على رَجُلٍ بِشَهَادَةٍ فَأَجَازَهَا الْقَاضِي ثُمَّ عَلِمَ بَعْدُ أَنَّهُمَا عَبْدَانِ أو مُشْرِكَانِ أو أَحَدُهُمَا فَعَلَيْهِ رَدُّ الْحُكْمِ ثُمَّ يَقْضِي بِيَمِينٍ وَشَاهِدَانِ كان أَحَدُهُمَا عَدْلًا وكان مِمَّا يَجُوزُ فيه الْيَمِينُ مع الشَّاهِدِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَكَذَا لو عَلِمَ أَنَّهُمَا يوم شَهِدَا كَانَا غير عَدْلَيْنِ من جُرْحٍ بَيِّنٍ في أَبْدَانِهِمَا أو في أَدْيَانِهِمَا لَا أَجِدُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْعَبْدِ فَرْقًا في أَنَّهُ ليس لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا شَهَادَةٌ في هذه الْحَالِ فإذا كَانُوا بِشَيْءٍ ثَابِتٍ في أَنْفُسِهِمْ من فِسْقٍ أو عُبُودِيَّةٍ أو كُفْرٍ لَا يَحِلُّ ابْتِدَاءً الْقَضَاءُ بِشَهَادَتِهِمْ فَقَضَى بها كان الْقَضَاءُ نَفْسُهُ خَطَأً بَيِّنًا عِنْدَ كل أَحَدٍ يَنْبَغِي أَنْ يَرُدَّهُ الْقَاضِي على نَفْسِهِ وَيَرُدَّهُ على غَيْرِهِ بَلْ الْقَاضِي بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ أَبْيَنُ خَطَأً من الْقَاضِي بِشَهَادَةِ الْعَبْدِ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عز وجل قال { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } وقال مِمَّنْ { تَرْضَوْنَ من الشُّهَدَاءِ } وَلَيْسَ الْفَاسِقُ وَاحِدًا من هَذَيْنِ فَمَنْ قَضَى بِشَهَادَتِهِ فَقَدْ خَالَفَ حُكْمَ اللَّهِ عز وجل وَعَلَيْهِ رَدُّ قَضَائِهِ وَرَدُّ شَهَادَةِ الْعَبْدِ إنَّمَا هو تَأْوِيلٌ ليس بِبَيِّنٍ وَاتِّبَاعُ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَوْ كَانَا شَهِدَا على رَجُلٍ بِقِصَاصٍ أو قَطْعٍ فَأَنْفَذَهُ الْقَاضِي ثُمَّ بَانَ له لم يَكُنْ عَلَيْهِمَا شَيْءٌ لِأَنَّهُمَا صَادِقَانِ في الظَّاهِرِ وكان على الْقَاضِي أَنْ لَا يَقْبَلَ شَهَادَتَهُمَا فَهَذَا خَطَأٌ من الْقَاضِي تَحْمِلُهُ عَاقِلَتُهُ فَيَكُونُ للمقضى عليه بِالْقِصَاصِ أو الْقَطْعِ أَرْشُ يَدِهِ إذَا كان جاء ذلك بخطأ فَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ جاء
____________________

(7/55)


ذلك عَمْدًا وهو يَعْلَمُ أَنَّهُ ليس ذلك له فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِيمَا فيه قِصَاصٌ وهو غَيْرُ مَحْمُودٍ ( قال ) وإذا مَاتَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ ابْنًا وَارِثًا لَا وَارِثَ له غَيْرُهُ فَأَقَرَّ أَنَّ هذه الْأَلْفَ الدِّرْهَمَ لِهَذَا الرَّجُلِ وَهِيَ ثُلُثُ مَالِ أبيه أو أَكْثَرُ دَفَعْنَا إلَيْهِ - * بَابُ الْحُدُودِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْحَدُّ حَدَّانِ حَدٌّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِمَا أَرَادَ من تَنْكِيلِ من غَشِيَهُ عنه وما أَرَادَ من تَطْهِيرِهِ بِهِ أو غَيْرِ ذلك مِمَّا هو أَعْلَمُ بِهِ وَلَيْسَ للادميين في هذا حَقٌّ وَحَدٌّ أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى على من أَتَاهُ ( 1 ) من الْآدَمِيِّينَ فَذَلِكَ إلَيْهِمْ وَلَهُمَا في كِتَابِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى اسْمُهُ أَصْلٌ فَأَمَّا أَصْلُ حَدِّ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى في كِتَابِهِ فَقَوْلُهُ عز وجل { إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } إلَى قَوْلِهِ { رَحِيمٌ } فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ اسْمُهُ بِمَا عليهم من الْحَدِّ إلَّا أَنْ يَتُوبُوا من قَبْلِ أَنْ يُقْدَرَ عليهم ثُمَّ ذَكَرَ حَدَّ الزنى وَالسَّرِقَةِ ولم يَذْكُرْهُ فِيمَا اسْتَثْنَى فَاحْتَمَلَ ذلك أَنْ لَا يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ إلَّا حَيْثُ جُعِلَ في الْمُحَارِبِ خَاصَّةً وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ حَدٍّ لِلَّهِ عز وجل فَتَابَ صَاحِبُهُ قبل أَنْ يُقْدَرَ عليه سَقَطَ عنه كما احْتَمَلَ حين قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في حَدِّ الزنى في مَاعِزٍ أَلَا تَرَكْتُمُوهُ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ السَّارِقُ إذَا اعْتَرَفَ بِالسَّرِقَةِ وَالشَّارِبُ إذَا اعْتَرَفَ بِالشُّرْبِ ثُمَّ رَجَعَ عنه قبل أَنْ يُقَامَ عليه الْحَدُّ سَقَطَ عنه وَمَنْ قال هذا قال هذا في كل حَدٍّ لِلَّهِ عز وجل فَتَابَ صَاحِبُهُ قبل أَنْ يُقْدَرَ عليه سَقَطَ عنه حَدُّ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى في الدُّنْيَا وَأُخِذَ بِحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ وَاحْتَجَّ بِالْمُرْتَدِّ يَرْتَدُّ عن الْإِسْلَامِ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى الْإِسْلَامِ فَيَسْقُطُ عنه الْقَتْلُ فَيَبْطُلُ الْقَطْعُ عن السَّارِقِ وَيَلْزَمُهُ الْمَالُ لِأَنَّهُ قد اعْتَرَفَ بِشَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا لِلَّهِ عز وجل وَالْآخَرُ للادميين فَأَخَذْنَاهُ بِمَا للادميين وَأَسْقَطْنَا عنه ما لِلَّهِ عز وجل وَمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ في الْمُحَارِبِ ليس إلَّا حَيْثُ هو جَعَلَ الْحَدَّ على من أتى حَدَّ اللَّهِ مَتَى قُدِرَ عليه وَإِنْ تَقَادَمَ فَأَمَّا حُدُودُ الْآدَمِيِّينَ من الْقَذْفِ وَغَيْرِهِ فَتُقَامُ أَبَدًا لَا تَسْقُطُ قال الرَّبِيعُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الِاسْتِثْنَاءُ في التَّوْبَةِ لِلْمُحَارِبِ وَحْدَهُ الذي أَظُنُّ أَنَّهُ يَذْهَبُ إلَيْهِ قال الرَّبِيعُ وَالْحُجَّةُ عِنْدِي في أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا في الْمُحَارِبِ خَاصَّةً حَدِيثُ مَاعِزٍ حين أتى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَقَرَّ الزنى فَأَمَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِرَجْمِهِ وَلَا نَشُكُّ أَنَّ مَاعِزًا لم يَأْتِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَيُخْبِرَهُ إلَّا تَائِبًا إلَى اللَّهِ عز وجل قبل أَنْ يَأْتِيَهُ فلما أَقَامَ عليه الْحَدَّ دَلَّ ذلك على أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ في الْمُحَارِبِ خَاصَّةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ الشَّاهِدَانِ على السَّرِقَةِ وَشَهِدَا أَنَّ هذا سَرَقَ لِهَذَا كَذَا وَكَذَا قُطِعَ السَّارِقُ إذَا ادَّعَى الْمَسْرُوقُ الْمَتَاعَ لِأَنَّهُ قد قام عليه شَاهِدَانِ بِأَنَّهُ سَرَقَ مَتَاعَ غَيْرِهِ وَلَوْ لم يَزِيدَا على أَنْ قَالَا هذا سَرَقَ من بَيْتِ هذا كان مِثْلُ هذا سَوَاءً إذَا ادَّعَى أَنَّهُ له قَطَعْت السَّارِقَ لِأَنِّي أَجْعَلُ له ما في يَدَيْهِ وما في بَيْتِهِ مِمَّا في يَدَيْهِ ( قال ) وَلَوْ ادَّعَى في الْحَالَيْنِ مَعًا أَنَّ الْمَتَاعَ مَتَاعُهُ غَلَبَهُ عليه هذا أو بَاعَهُ إيَّاهُ أو وَهَبَهُ له وإذن له في أَخْذِهِ لم أَقْطَعْهُ لِأَنِّي أَجْعَلُهُ خَصْمًا له أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو نَكَلَ عن الْيَمِينِ أَحَلَفْت الْمَشْهُودَ عليه بِالسَّرِقَةِ وَدَفَعْته إلَيْهِ وَلَوْ أَقَامَ عليه بَيِّنَةً دَفَعْته إلَيْهِ وَلَوْ أَقَامَ عليه بَيِّنَةً في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَأَقَامَ الْمَسْرُوقُ بَيِّنَةً أَنَّهُ مَتَاعُهُ جَعَلْت الْمَتَاعَ لِلَّذِي الْمَتَاعُ في يَدَيْهِ وَأَبْطَلْت الْحَدَّ عن السَّارِقِ لِأَنَّهُ قد جاء بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ له فَلَا أَقْطَعُهُ فِيمَا قد أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ له وَإِنْ لم أَقْضِ بِهِ له وأنا أَدْرَأُ الْحَدَّ بِأَقَلَّ من هذا وَلَوْ أَقَرَّ الْمَسْرُوقُ منه بعد ما قَامَتْ الْبَيِّنَةُ على السَّارِقِ أَنَّهُ نَقَبَ بَيْتَهُ وَأَخْرَجَ مَتَاعَهُ أَنَّهُ أَذِنَ له أَنْ يَنْقُبَ بَيْتَهُ وَيَأْخُذَهُ وَأَنَّهُ مَتَاعٌ له لم أَقْطَعْهُ وَكَذَلِكَ لو شَهِدَ له شُهُودٌ فَأُكَذِّبُ الشُّهُودَ إذَا سَقَطَ أَنْ أُضَمِّنَهُ الْمَتَاعَ بِإِقْرَارِ رَبِّ الْمَتَاعِ له لم أَقْطَعْهُ في شَيْءٍ أنا أقضى بِهِ له وَلَا أُخْرِجْهُ من يَدَيْهِ وَالشَّهَادَةُ على اللِّوَاطِ وَإِتْيَانِ الْبَهَائِمِ أَرْبَعَةٌ لَا يُقْبَلُ فيها أَقَلُّ منهم لِأَنَّ كُلًّا جِمَاعٌ
____________________

(7/56)


( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ شَهِدَ على رَجُلٍ بِحَدٍّ أو قِصَاصٍ أو غَيْرِهِ فلم نجز ( ( ( تجز ) ) ) شَهَادَتُهُ بِمَعْنًى من الْمَعَانِي إمَّا بِأَنْ لم يَكُنْ معه غَيْرُهُ وَإِمَّا بِأَنْ لم يَكُنْ عَدْلًا فَلَا حَدَّ عليه وَلَا عُقُوبَةَ إلَّا شُهُودَ الزنى الَّذِينَ يَقْذِفُونَ بالزنى فإذا لم يُتِمُّوا فَالْأَثَرُ عن عُمَرَ وَقَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفْتِينَ أَنْ يُحَدُّوا وَالْفَرْقُ بين الشَّهَادَةِ في الْحُدُودِ وَبَيْنَ الْمُشَاتَمَةِ التي يُعَزَّرُ فيها من ادَّعَى الشَّهَادَةَ أو يُحَدُّ أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ إنَّمَا يَتَكَلَّمُ بها عِنْدَ الْإِمَامِ الذي يُقِيمُ الْحُدُودَ أو عِنْدَ شُهُودٍ يُشْهِدُهُمْ على شَهَادَتِهِ أو عِنْدَ مُفْتٍ يَسْأَلُهُ ما تُلْزِمُهُ الشَّهَادَةُ لو حَكَاهَا لَا على مَعْنَى الشَّتْمِ وَلَكِنْ على مَعْنَى الْإِشْهَادِ عليها فَأَمَّا إذَا قَالَهَا على مَعْنَى الشَّتْمِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَشْهَدَ بها لم يُقْبَلْ منه وَأُقِيمَ عليه فيها الْحَدُّ إنْ كان حَدًّا أو التَّعْزِيرُ إنْ كان تَعْزِيرًا ( قال ) وَلَا يَجُوزُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي حتى يَشْهَدَ عليه شَاهِدَانِ بِالْكِتَابِ بعد ( ( ( بعدما ) ) ) ما ( ( ( يقرؤه ) ) ) يقرأه الْقَاضِي عَلَيْهِمَا وَيَعْرِفَانِهِ وَكِتَابُهُ إلَيْهِ كَالصُّكُوكِ لِلنَّاسِ على الناس لَا أَقْبَلُهَا مختومه وَإِنْ شَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّ ما فيها حَقٌّ وَكَذَلِكَ إنْ شَهِدَ الشَّاهِدَانِ أَنَّ هذا كِتَابُ الْقَاضِي دَفَعَهُ إلَيْنَا وقال اشْهَدُوا أَنَّ هذا كِتَابِي إلَى فُلَانٍ لم أَقْبَلْهُ حتى يَقْرَأَ عليهم وهو يَسْمَعُهُ وَيُقِرُّ بِهِ ثُمَّ لَا أُبَالِي كان عليه خَاتَمٌ أو لم يَكُنْ فَأَقْبَلُهُ ( قال ) وقد حَضَرْت قَاضِيًا أَتَاهُ كِتَابٌ من قَاضٍ وَشُهُودٌ عَدَدٌ عُدُولٌ فقال الشُّهُودُ نَشْهَدُ أَنَّ هذا كِتَابُ الْقَاضِي فُلَانٍ دَفَعَهُ إلَيْنَا وقال اشْهَدُوا أَنَّ هذا كِتَابِي إلَى فُلَانٍ فَقَبِلَهُ وَفَتَحَهُ فَأَنْكَرَ الْمَكْتُوبُ عليه ما فيه وَجَاءَ بِكِتَابٍ معه يُخَالِفُهُ فَوَقَفَ الْقَاضِي عنه وَكَتَبَ إلَيْهِ بِنُسْخَتِهِمَا فَكَتَبَ إلَيْهِ يُخْبِرُهُ أَنَّ أَحَدَهُمَا صَحِيحٌ وَأَنَّ الْآخَرَ وُضِعَ في مَكَانِ كِتَابٍ صَحِيحٍ فَدَفَعَهُ وهو يَرَى أَنَّهُ إيَّاهُ وَذَكَرَ الْمَشْهُودُ عليه أَنَّ ذلك من قِبَلِ بَعْضِ كُتَّابِهِ أو أَعْوَانِهِ فإذا أَمْكَنَ هذا هَكَذَا لم يَنْبَغِ أَنْ يَكُونَ مَقْبُولًا حتى يَشْهَدَ الشُّهُودُ على ما فيه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يُقْبَلُ إلَّا كِتَابُ قَاضٍ عَدْلٍ وإذا كَتَبَ الْكِتَابَ وَأَشْهَدَ عليه ثُمَّ مَاتَ أو عُزِلَ انْبَغَى لِلْمَكْتُوبِ إلَيْهِ أَنْ يَقْبَلَهُ ( قال ) وَكَذَلِكَ لو مَاتَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ انْبَغَى لِلْقَاضِي الْوَالِي بَعْدَهُ أَنْ يَقْبَلَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَصْلُ ما نَذْهَبُ إلَيْهِ أَنَّا لَا نُجِيزُ شَهَادَةَ خَصْمٍ على خَصْمِهِ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ مَوْضِعُ عَدَاوَةٍ سِيَّمَا إذَا كان الْخَصْمُ يَطْلُبُهُ بِشَتْمٍ ( قال ) وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَذَفَ رَجُلًا أو جَمَاعَةً فَشَهِدُوا عليه بِزِنًا أو بِحَدٍّ غَيْرِهِ لم أُجِزْ شَهَادَةَ الْمَقْذُوفِ لِأَنَّهُ خَصْمٌ له في طَلَبِ الْقَذْفِ وَحَدَدْت الْمَشْهُودَ عليه بِالْقَذْفِ بِشَهَادَةِ غَيْرِ من قَذَفَهُ وَلَوْ كَانُوا شَهِدُوا عليه قبل الْقَذْفِ ثُمَّ قَذَفَهُمْ كانت الشَّهَادَةُ ما كانت أَنْفَذْتهَا لِأَنَّهَا كانت قبل أَنْ يَكُونُوا له خُصَمَاءَ وَلَكِنَّهُمْ لو زَادُوا عليه فيها بَعْدَ الْقَذْفِ لم أَقْبَلْ الزِّيَادَةَ لِأَنَّهَا كانت بَعْدَ أَنْ كَانُوا له خُصَمَاءَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قَذَفَ رَجُلٌ رَجُلًا وكان الْمَقْذُوفُ عَبْدًا فَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ أَنَّ سَيِّدَهُ أَعْتَقَهُ قبل قَذْفِ هذا بِسَاعَةٍ أو أَكْثَرَ حُدَّ قَاذِفُهُ وَكَذَلِكَ لو جَنَى عليه أو جَنَى هو كانت جِنَايَتُهُ وَالْجِنَايَةُ عليه جِنَايَةَ حُرٍّ ( قال ) وَكَذَلِكَ لو أَصَابَ هو حَدًّا كان حَدُّهُ حَدَّ حُرٍّ وَطَلَاقُهُ طَلَاقَ حُرٍّ لِأَنِّي إنَّمَا أَنْظُرُ إلَى الْعِتْقِ يوم يَكُونُ الْكَلَامُ وَلَا أَنْظُرُ إلَيْهِ يوم يَقَعُ بِهِ الْحُكْمُ وَلَوْ جَحَدَهُ سَيِّدُهُ الْعِتْقَ سَنَةً أُعْتِقُهُ يوم أَعْتَقَهُ السَّيِّدُ وَحَكَمْت له بِأَحْكَامِ الْحُرِّ يَوْمَئِذٍ وَرَدَدْته على السَّيِّدِ بِإِجَارَةِ مِثْلِهِ بِمَا اسْتَخْدَمَهُ وَهَكَذَا نَقُولُ في الطَّلَاقِ إذَا جَحَدَهُ الزَّوْجُ وَقَامَتْ بِهِ بَيِّنَةُ الطَّلَاقِ من يَوْمِ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ لَا من يَوْمِ وَقَعَ الْحُكْمُ وَهَكَذَا نَقُولُ في الْقُرْعَةِ وَقِيَمُ الْعَبِيدِ قِيمَتُهُمْ يوم يَقَعُ الْعِتْقُ وَهَكَذَا نَقُولُ فِيمَنْ عَتَقَ من الثُّلُثِ قِيمَتُهُمْ يوم مَاتَ الْمُعْتِقُ لِأَنَّهُ يَوْمَئِذٍ وَقَعَ الْعِتْقُ وَلَا أَلْتَفِتُ إلَى وُقُوعِ الْحُكْمِ فَأَمَّا أَنْ يَتَحَكَّمَ مُتَحَكِّمٌ فَيَزْعُمُ مَرَّةً أَنَّهُ إنَّمَا يَنْظُرُ إلَى يَوْمِ تَكُونُ الْبَيِّنَةُ لَا يَوْمِ يَقَعُ الْحُكْمُ وَمَرَّةً إلَى يَوْمِ يَقَعُ الْحُكْمُ فَلَوْ شَاءَ قَائِلٌ أَنْ يَقُولَ له بِخِلَافِ قَوْلِهِ ( 1 ) فَيَجْعَلَ ما جُعِلَ يوم كانت الْبَيِّنَةُ أو كان الْعِتْقُ لم يَكُنْ عليه حُجَّةٌ
____________________

(7/57)


وَلَا يَجُوزُ فيه إلَّا ما قُلْنَاهُ من أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ من يَوْمِ وَقَعَ الْعِتْقُ وَيَوْمِ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ ( قال ) وإذا أَقَامَ شَاهِدًا على رَجُلٍ أَنَّهُ غَصَبَهُ جَارِيَةً وَشَاهِدًا أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهُ إيَّاهَا فَهَذِهِ شَهَادَةٌ مُخْتَلِفَةٌ وَيَحْلِفُ مع أَحَدِ شَاهِدَيْهِ وَيَأْخُذُهَا ( قال ) وَكَذَلِكَ لو شَهِدَ أَحَدُهُمَا أنها له وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهُ إيَّاهَا ( قال ) وإذا شَهِدَ شَاهِدَانِ على رَجُلٍ أَنَّهُ غَصَبَ رَجُلًا جَارِيَةً وقد وَطِئَهَا وَوَلَدَتْ له أَوْلَادًا فَلَهُ الْجَارِيَةُ وما نَقَصَ ثَمَنُهَا وَمَهْرُهَا وَأَوْلَادُهُ رَقِيقٌ فَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهَا وَوَطِئَهَا حُدَّ وَلَا يُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ وَإِنْ زَعَمَ أنها له وَأَنَّ الشُّهُودَ شَهِدُوا عليه بِبَاطِلٍ فَلَا حَدَّ عليه وَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ وَيُقَوَّمُونَ وَلَيْسَ في شَهَادَةِ الشُّهُودِ عليه في الْجَارِيَةِ أَنَّهُ غَصَبَهَا ( 1 ) مُسْلِمَةً في الْحَدِّ عليه لِأَنَّهُمْ لم يَشْهَدُوا عليه بِزِنًا إنَّمَا شَهِدُوا عليه بِغَصْبٍ وإذا شَهِدَ الشُّهُودُ على رَجُلٍ أَنَّهُ غَصَبَهُ جَارِيَةً لَا يَعْرِفُونَ قِيمَتَهَا وقد هَلَكَتْ الْجَارِيَةُ لم يُقْضَ عليه بِقِيمَةِ صِفَةٍ حتى يُثْبِتُوا على قِيمَتِهَا وَيُقَالُ لهم اشْهَدُوا إنْ أَثْبَتُّمْ على أَنَّ قِيمَتَهَا دِينَارٌ أو أَكْثَرُ فَلَا تَأْثَمُوا إذَا شَهِدْتُمْ بِمَا أَحَطْتُمْ بِهِ عِلْمًا وَوَقَفْتُمْ عَمَّا لَا تُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا فَإِنْ مَاتُوا ولم يُثْبِتُوا قِيلَ لِلْغَاصِبِ قُلْ ما شِئْت في قِيمَتِهَا مِمَّا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنَ شَرِّ ما يَكُونُ من الْجَوَارِي وَأَقَلَّهُ ثَمَنًا وَاحْلِفْ عليه وَلَيْسَ عَلَيْك أَكْثَرُ منه فَإِنْ قال لَا قِيلَ لِلْمَغْصُوبِ ادَّعِ وَاحْلِفْ فَإِنْ فَعَلَ فَهُوَ له وَإِنْ لم يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ له ( قال ) وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ أَخَذَ من يَدِهِ جَارِيَةً ولم يَقُولُوا هِيَ له قَضَيْنَا عليه بِرَدِّهَا إلَيْهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ ما أَخَذَ من يَدَيْهِ قضى عليه بِرَدِّهِ عليه لِأَنَّهُ أَوْلَى بِمَا في يَدَيْهِ من غَيْرِهِ ( قال ) وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ على رَجُلٍ بِغَصْبٍ بِعَيْنِهِ وَقَامَ عليه الْغُرَمَاءُ حَيًّا وَمَيِّتًا فَالسِّلْعَةُ التي شَهِدُوا بها بِعَيْنِهَا لِلْمَغْصُوبِ له ما كان عَبْدًا أو ثَوْبًا أو دَنَانِيرَ أو دَرَاهِمَ ( قال ) وإذا أَقَامَ رَجُلٌ شَاهِدَيْنِ على دَابَّةٍ أنها له زَادُوا وَلَا يَعْلَمُونَهُ بَاعَ وَلَا وَهَبَ أو لا قَضَيْت له بها لِأَنَّهُمْ لم يَشْهَدُوا أنها له إلَّا وهو لم يَبِعْ ولم يَهَبْ ولم تَخْرُجْ من مِلْكِهِ وَلَكِنَّهُ إنْ دَفَعَهُ الْمَشْهُودُ عليه عنها أَحَلَفْتَهُ له أنها لَفِي مِلْكِهِ ما خَرَجَتْ منه بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ ( قال ) وإذا أَقَامَ رَجُلٌ شَاهِدَيْنِ أَنَّ هذا الْمَيِّتَ مَوْلًى له أَعْتَقَهُ وَلَا وَارِثَ له غَيْرُهُ قضى له بِمِيرَاثِهِ وَلَيْسَ على أَحَدٍ قضى له بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ له أَنْ يُؤْخَذَ منه كَفِيلٌ إنَّمَا الْكَفِيلُ في شَيْءٍ ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ الْحُكَّامِ يَسْأَلُهُ المقضى له فَيَتَطَوَّعُ بِهِ احْتِيَاطًا لِشَيْءٍ إنْ كان وَإِنْ لم يَأْتِ بِكَفِيلٍ قَضَى له بِهِ ( قال ) ( 2 ) وَلَوْ أَقَامَ رَجُلٌ بَعْدَ هذا بَيِّنَةً على أَنَّهُ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ هو وَكَانَتْ الْبَيِّنَةُ شَاهِدَيْنِ وَأَكْثَرَ فَسَوَاءٌ إذَا كَانَا شَاهِدَيْنِ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا هُمَا وَمَنْ هو أَكْثَرُ مِنْهُمَا وَأَعْدَلُ لِأَنِّي أَحْكُمُ بِشَهَادَةِ هَذَيْنِ كما أَحْكُمُ بِشَهَادَةِ الْجَمَاعَةِ التي هِيَ أَعْدَلُ وَأَكْثَرُ وَهَذَا مَكْتُوبٌ في غَيْرِ هذا الْمَوْضِعِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ عَبْدًا له في مَرَضِهِ الذي مَاتَ فيه عِتْقَ بَتَاتٍ وهو يَخْرُجُ من الثُّلُثِ فَهُوَ حُرٌّ كان الشَّاهِدَانِ وَارِثَيْنِ أو غير وَارِثَيْنِ إذَا كَانَا عَدْلَيْنِ ( قال ) وَلَوْ جاء أَجْنَبِيَّانِ فَشَهِدَا لِآخَرَ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ عِتْقَ بَتَاتٍ سُئِلَا عن الْوَقْتِ الذي أَعْتَقَهُ فيه وَالشَّاهِدَانِ الْآخَرَانِ عن الْوَقْتِ الذي أَعْتَقَ الْعَبْدَ فيه فَأَيُّ الْعِتْقَيْنِ كان أَوَّلًا قُدِّمَ وَأُبْطِلَ الْآخَرُ وَإِنْ كَانَا سَوَاءً أو كَانُوا لَا يَعْرِفُونَ أَيَّ ذلك كان أَوَّلًا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا وأن كان أَحَدُهُمَا عِتْقَ بَتَاتٍ وَالْآخَرُ عِتْقَ وَصِيَّةٍ كان الْبَتَاتُ أَوْلَى فَإِنْ كَانَا جميعا عِتْقَ وَصِيَّةٍ أو عِتْقَ تَدْبِيرٍ فَكُلُّهُ سَوَاءٌ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَجْنَبِيَّانِ لِعَبْدٍ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ وهو الثُّلُثُ في الْوَصِيَّةِ وَشَهِدَ شَاهِدَانِ وَارِثَانِ لِعَبْدٍ غَيْرِهِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ في وَصِيَّةٍ وهو الثُّلُثُ فَسَوَاءٌ الْأَجْنَبِيَّانِ وَالْوَارِثَانِ لِأَنَّ الْوَارِثَيْنِ إذَا شَهِدَا على ما يَسْتَوْظِفُ الثُّلُثَ فَلَيْسَ هَا هُنَا في الثُّلُثِ مَوْضِعٌ
____________________

(7/58)


في أَنْ يُوَفِّرَا على أَنْفُسِهِمَا فَيَعْتِقُ من كل وَاحِدٍ منهم نِصْفُهُ ( قال الرَّبِيعُ ) قَوْلُ الشَّافِعِيِّ في غَيْرِ هذا الْمَوْضِعِ أَنَّ الْعَبْدَيْنِ إذَا اسْتَوَيَا في الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ ولم يَدْرِ أَيَّهُمَا عَتَقَ أَوَّلًا فَاسْتَوْظَفَ بِهِ الثُّلُثَ أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فَأَيُّهُمَا خَرَجَ سَهْمُهُ أَعْتَقْنَاهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَنَّهُمَا شَهِدَا أَنَّهُ رَجَعَ عن عِتْقِ الْأَوَّلِ وَأَعْتَقَ الْآخَرَ أَجَزْت شَهَادَتَهُمَا إذَا كان الثُّلُثُ وَإِنَّمَا أَرُدُّ شَهَادَتَهُمَا فِيمَا جَرَّا إلَى أَنْفُسِهِمَا التَّوْفِيرَ فَأَمَّا إذَا لم يَجُرَّا إلَى أَنْفُسِهِمَا فَلَا ( قال ) وَلَوْ شَهِدَ أَجْنَبِيَّانِ لِرَجُلٍ أَنَّهُ أَوْصَى له بِالثُّلُثِ أو بِعَبْدٍ هو الثُّلُثُ وَشَهِدَ الْوَارِثَانِ أَنَّهُ رَجَعَ عن الْوَصِيَّةِ لِهَذَا الْمَشْهُودِ له وَأَوْصَى بها لِغَيْرِهِ وهو غَيْرُ وَارِثٍ أو أَعْتَقَ هذا الْعَبْدَ أَجَزْت شَهَادَتَهُمَا لِأَنَّهُمَا مُخْرِجَانِ الثُّلُثَ من أَيْدِيهِمَا فإذا لم يُخْرِجَاهُ لِشَيْءٍ يَعُودُ عَلَيْهِمَا منه ما يَمْلِكَانِ مِلْكَ الْأَمْوَالِ لم أَرُدَّ شَهَادَتَهُمَا فَأَمَّا الْوَلَاءُ فَلَا يُمْلَكُ مِلْكَ الْأَمْوَالِ وقد لَا يَصِيرُ في أَيْدِيهِمَا من الْوَلَاءِ شَيْءٌ وَلَوْ كنا نُبْطِلُهَا بِأَنَّهُمَا قد يَرِثَانِ الْمَوْلَى يَوْمًا إنْ مَاتَ وَلَا وَارِثَ له غَيْرُهُمَا أَبْطَلْنَاهَا لِذَوِي أَرْحَامِهِمَا وَعَصَبَتِهِمَا وَلَكِنَّهَا لَا تَبْطُلُ في شَيْءٍ من هذا وَالشَّهَادَةُ في الْوَصِيَّةِ مِثْلُهَا في الْعِتْقِ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَارِثَيْنِ فيها كما تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَجْنَبِيَّيْنِ فَإِنْ شَهِدَ الْأَجْنَبِيَّانِ لِرَجُلٍ أَنَّهُ أَوْصَى له بِالثُّلُثِ وَشَهِدَ الْوَارِثَانِ لِرَجُلٍ أَنَّهُ أَوْصَى له بِالثُّلُثِ كان بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فإذا شَهِدَ أَجْنَبِيَّانِ لِعَبْدٍ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ في وَصِيَّةٍ وَشَهِدَ وَارِثَانِ لِعَبْدٍ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ في وَصِيَّةٍ وَرَجَعَ عن الْعِتْقِ الْآخَرِ وَكِلَاهُمَا الثُّلُثُ فَشَهَادَةُ الْوَارِثَيْنِ جَائِزَةٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ أَجْنَبِيَّانِ بِأَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِعَبْدٍ بِعَيْنِهِ وهو الثُّلُثُ وَشَهِدَ وَارِثَانِ أَنَّهُ أَوْصَى بِذَلِكَ الْعَبْدِ بِعَيْنِهِ لِآخَرَ وَرَجَعَ في وَصِيَّتِهِ الْأُولَى فَشَهَادَتُهُمَا جَائِزَةٌ وَالْوَصِيَّةُ لِمَنْ شَهِدَا له وَكَذَلِكَ لو شَهِدَا بِعَبْدٍ آخَرَ غَيْرَهُ قِيمَتُهُ مِثْلُ قِيمَتِهِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا وَلَوْ كانت أَقَلَّ من قِيمَتِهِ رَدَدْت شَهَادَتَهُمَا من قِبَلِ أَنَّهُمَا يَجُرَّانِ إلَى أَنْفُسِهِمَا فَضْلَ ما بين قِيمَةِ من شهدا ( ( ( شهد ) ) ) أَنَّهُ أَوْصَى بِهِ وَقِيمَةُ من شَهِدَا أَنَّهُ رَجَعَ عن الْوَصِيَّةِ بِهِ فَلَا أَرُدُّ من شَهَادَتِهِمَا إلَّا ما رَدَّ عَلَيْهِمَا الْفَضْلَ وَلَوْ كانت له مع هذا وَصَايَا بِغَيْرِ هَذَيْنِ تَسْتَغْرِقُ الثُّلُثَ أَجَزْت شَهَادَتَهُمَا من قِبَلِ أَنَّ الثُّلُثَ خَارِجٌ لَا مَحَالَةَ فَلَيْسَا يَرُدَّانِ على أَنْفُسِهِمَا من فَضْلِ ما بين قِيمَتِهِمَا شيئا لِأَنَّ ذلك الشَّيْءَ لِغَيْرِهِمَا مَنَّ الموصى ( ( ( الوصي ) ) ) لهم بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ أَجْنَبِيَّانِ لِعَبْدٍ أَنَّ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ من الثُّلُثِ في وَصِيَّتِهِ وَشَهِدَ وَارِثَانِ لِعَبْدٍ آخَرَ أَنَّهُ رَجَعَ في عِتْقِ هذا الْمَشْهُودِ له وَأَعْتَقَ هذا الْآخَرَ وهو سُدُسُ مَالِ الْمَيِّتِ أَبْطَلْت شَهَادَتَهُمَا عن الْأَوَّلِ لِأَنَّهُمَا يَجُرَّانِ إلَى أَنْفُسِهِمَا فَضْلَ قِيمَةِ ما بَيْنَهُمَا وَأَعْتَقْت الْأَوَّلَ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ وَأَبْطَلْت حَقَّهُمَا من هذا الْآخَرِ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ له أَنَّهُ حُرٌّ من الثُّلُثِ وَلَوْ لم يَزِيدَا على أَنْ يَقُولَا نَشْهَدُ على أَنَّهُ أَعْتَقَ هذا أَجَزْت شَهَادَتَهُمَا وَأَقْرَعْت بَيْنَهُمَا حتى أستوظف الثُّلُثَ وإذا شَهِدَ أَجْنَبِيَّانِ لِرَجُلٍ حَيٍّ أَنَّ مَيِّتًا أَوْصَى له بِثُلُثِ مَالِهِ وَشَهِدَ وَارِثَانِ أَنَّ أَبَاهُمَا أَعْتَقَ هذا الْعَبْدَ من عَبِيدِهِ عِتْقَ بَتَاتٍ في مَرَضِهِ فَعِتْقُ الْبَتَاتِ يُبَدَّأُ على الْوَصِيَّةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَارِثِينَ وَلَيْسَ في هذا شَيْءٌ تُرَدُّ بِهِ شَهَادَةُ وَاحِدٍ منهم إذَا كَانُوا عُدُولًا وَلَوْ كان الْعِتْقُ عِتْقَ وَصِيَّةٍ فَمَنْ بَدَّأَ الْعِتْقَ على الْوَصِيَّةِ بَدَّأَ هذا الْعَبْدَ ثُمَّ إنْ فَضَلَ منه شَيْءٌ أَعْطَى صَاحِبَ الثُّلُثِ وَإِنْ لم يَفْضُلْ منه شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ له وَمَنْ جَعَلَ الْوَصَايَا وَالْعِتْقَ سَوَاءً أَعْتَقَ من الْعَبْدِ بِقَدْرِ ما يُصِيبُهُ وَأَعْطَى الْمُوصَى له بالثلث ( ( ( الثلث ) ) ) بِقَدْرِ ما يُصِيبُهُ وَشَهَادَةُ الْوَرَثَةِ وَشَهَادَةُ غَيْرِهِمْ فِيمَا أَوْصَى بِهِ الْمَيِّتُ إذَا كَانُوا عُدُولًا سَوَاءٌ ما لم يَجُرُّوا إلَى أَنْفُسِهِمْ بِشَهَادَتِهِمْ أو يَدْفَعُوا عنها ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ شَاهِدَانِ لِرَجُلٍ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى له بِالثُّلُثِ وَشَهِدَ شَاهِدَانِ من الْوَرَثَةِ لِآخَرَ غَيْرِهِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى له بِالثُّلُثِ فَشَهَادَتُهُمْ سَوَاءٌ وَيَقْتَسِمَانِ الثُّلُثَ نِصْفَيْنِ في قَوْلِ أَكْثَرِ الْمُفْتِينَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ شَهِدَ وَارِثٌ لِوَاحِدٍ أَنَّهُ أَوْصَى له بِالثُّلُثِ وَشَهِدَ أَجْنَبِيَّانِ لِآخَرَ أَنَّهُ أَوْصَى له بِالثُّلُثِ كان حُكْمُ الشَّاهِدَيْنِ أَنَّ الْمَشْهُودَ له يَأْخُذُ بِهِمَا بِغَيْرِ يَمِينٍ وَالشَّاهِدُ
____________________

(7/59)


أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ إلَّا بِيَمِينٍ وَكَانَا حُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَالْقِيَاسُ يَحْتَمِلُ أَنْ يعطى صَاحِبَ الشَّاهِدَيْنِ من قِبَلِ أَنَّهُ أَقْوَى سَبَبًا من صَاحِبِ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ وَذَلِكَ أَنَّهُ يعطى بِلَا يَمِينٍ وقد يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ إذَا أَعْطَيْت بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ كما تعطى بِشَاهِدَيْنِ فَاجْعَلْ الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ يَقُومُ مَقَامَ الشَّاهِدَيْنِ فِيمَا يُعْطَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فَأَمَّا أَرْبَعَةُ شُهُودٍ وَشَاهِدَانِ وَأَكْثَرُ من أَرْبَعَةٍ وَشَاهِدَانِ وَأَعْدَلُ فَسَوَاءٌ من قِبَلِ أَنَّا نعطى بها عَطَاءً وَاحِدًا بِلَا يَمِينٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ أَجْنَبِيَّانِ لِرَجُلٍ أَنَّ مَيِّتًا أَوْصَى له بِالثُّلُثِ وَشَهِدَ وَارِثَانِ لِآخَرَ أَنَّهُ رَجَعَ في الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ لِفُلَانٍ وَجَعَلَهُ لِفُلَانٍ فَشَهَادَتُهُمَا جَائِزَةٌ وَالثُّلُثُ للاخر وَأَصْلُ هذا أَنَّ شَهَادَةَ الْوَارِثَيْنِ إذَا كَانَا عَدْلَيْنِ مِثْلُ شَهَادَةِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ فِيمَا لَا يَجُرَّانِ إلَى أَنْفُسِهِمَا وَلَا يَدْفَعَانِ بِهِ عنها ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِالثُّلُثِ وَشَهِدَ وَارِثَانِ أَنَّهُ انْتَزَعَهُ منه وَأَوْصَى بِهِ للاخر وَشَهِدَ أَجْنَبِيَّانِ أَنَّهُ انْتَزَعَهُ من الذي شَهِدَ له الْوَارِثَانِ وَأَوْصَى بِهِ لِآخَرَ غَيْرِهِمَا جَعَلْت الْأَوَّلَ الْمُنْتَزَعَ منه لَا شَيْءَ له بِشَهَادَةِ الْوَارِثَيْنِ أَنَّهُ رَجَعَ في الْوَصِيَّةِ لِلْأَوَّلِ ثُمَّ انْتَزَعَهُ أَيْضًا من الذي شَهِدَ له الْوَارِثَانِ بِشَهَادَةِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ أَنَّهُ انْتَزَعَهُ من الذي أَوْصَى له بِهِ وَأَوْصَى بِهِ لِآخَرَ ثُمَّ هَكَذَا كُلَّمَا ثَبَتَتْ الشَّهَادَةُ لِوَاحِدٍ فَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ انْتَزَعَهُ منه وَأَعْطَاهُ آخَرَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ شَاهِدَانِ لِرَجُلٍ أَنَّ مَيِّتًا أَوْصَى له بِالثُّلُثِ وَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ أَوْصَى بِهِ لِآخَرَ وَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ الْمَيِّتَ رَجَعَ عن أَحَدِهِمَا وَلَا يَدْرِي من هو فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ وهو بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ قال وإذا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ فُلَانًا قال إنْ قَتَلْت فَغُلَامِي فُلَانٌ حُرٌّ وَشَهِدَ رَجُلَانِ على قَتْلِهِ وآخران على أَنَّهُ قد مَاتَ مَوْتًا بِغَيْرِ قَتْلٍ فَفِي قِيَاسِ من زَعَمَ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ قَاتِلُهُ يَثْبُتُ الْعِتْقُ لِلْعَبْدِ وَيُقْتَلُ الْقَاتِلُ وَهَذَا قِيَاسٌ يقول بِهِ أَكْثَرُ الْمُفْتِينَ وَمَنْ قال لَا أَجْعَلُ الَّذِينَ أَثْبَتُوا له الْقَتْلَ أَوْلَى من الَّذِينَ طَرَحُوا الْقَتْلَ عن الْقَاتِلِ وَلَا آخُذُ الْقَاتِلَ بِقَتْلِهِ لِأَنَّ هَا هُنَا من يُبَرِّئُهُ من قَتْلِهِ وَأَجْعَلُ الْبَيِّنَتَيْنِ تَهَاتُرًا لَا يَعْتِقُ الْعَبْدَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال رَجُلٌ إنْ مِتُّ في سَفَرِي هذا أو في مَرَضِي هذا أو سَنَتِي هذه أو بَلَدِ كَذَا وَكَذَا فَحَضَرَنِي الْمَوْتُ في وَقْتٍ من الْأَوْقَاتِ أو في بَلَدٍ من الْبُلْدَانِ فَغُلَامِي فُلَانٌ حُرٌّ فلم يَمُتْ في ذلك الْوَقْتِ وَلَا في ذلك الْبَلَدِ وَمَاتَ بَعْدُ قبل أَنْ يُحْدِثَ وَصِيَّةً وَلَا رَجْعَةً في هذا الْعِتْقِ فَلَا يَعْتِقُ هذا الْعَبْدُ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ على شَرْطٍ فلم يَكُنْ الشَّرْطُ فَلَا يَعْتِقُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ رَجُلَانِ أَنَّ رَجُلًا قال إنْ مِتُّ في رَمَضَانَ فَفُلَانٌ حُرٌّ وَإِنْ مِتُّ في شَوَّالٍ فَفُلَانٌ غَيْرُهُ حُرٌّ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ مَاتَ في رَمَضَانَ وَآخَرَانِ أَنَّهُ مَاتَ في شَوَّالٍ ( 1 ) فَيَنْبَغِي في قِيَاسِ من زَعَمَ أَنَّهُ تَثْبُتُ الشَّهَادَةُ لِلْأَوَّلِ وَتَبْطُلُ للاخر لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ الْمَوْتُ أَوَّلًا لم يَمُتْ ثَانِيًا وفي قَوْلِ من قال أَجْعَلُهَا تَهَاتُرًا فَنُبْطِلُ الشَّهَادَتَيْنِ مَعًا وَلَا يَثْبُتُ الْحَقُّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا تَدَاعَى عَبْدَانِ فقال أَحَدُهُمَا قال مَالِكِي إنْ مِتُّ من مرضى هذا فَأَنْتَ حُرٌّ وقال الْآخَرُ قال إنْ بَرِئْت من مَرَضِي هذا فَأَنْتَ حُرٌّ فَادَّعَى الْأَوَّلُ أَنَّهُ مَاتَ من مَرَضِهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ مَاتَ بَعْدَ بُرْئِهِ فَالشَّهَادَةُ مُتَضَادَّةٌ شَهَادَةُ الْوَرَثَةِ وَغَيْرِهِمْ سَوَاءٌ إنْ كَانُوا عُدُولًا فَإِنْ شَهِدُوا لِوَاحِدٍ بِدَعْوَاهُ عَتَقَ وَرَقَّ الْآخَرُ قال وَإِنْ شَهِدَ الْوَرَثَةُ لِوَاحِدٍ وَشَهِدَ الْأَجْنَبِيُّونَ لِوَاحِدٍ فَالْقِيَاسُ على ما وَصَفْت أَوَّلًا إلَّا أَنَّ الذي شَهِدَ له الْوَارِثُ يُعْتَقُ نَصِيبُ من شَهِدَ له بِالْعِتْقِ منهم على كل حَالٍ لِأَنَّهُ يُقِرُّ أَنْ لَا رِقَّ له عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ شَاهِدَانِ لِعَبْدٍ أَنَّ سَيِّدَهُ قال إنْ مِتُّ من مَرَضِي هذا فَأَنْتَ حُرٌّ فقال الْعَبْدُ مَاتَ من مَرَضِهِ ذلك وقال الْوَارِثُ لم يَمُتْ منه فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَارِثِ مع يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يأتى الْعَبْدُ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ مَاتَ من ذلك الْمَرَضِ
____________________

(7/60)


- * الْأَيْمَانُ وَالنُّذُورُ وَالْكَفَّارَاتُ في الْأَيْمَانِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال سُئِلَ الشَّافِعِيُّ فَقِيلَ إنَّا نَقُولُ إنَّ الْكَفَّارَاتِ من أَمْرَيْنِ وَهُمَا قَوْلُك وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا وَكَذَا فَتَكُونَ مُخَيَّرًا في فِعْلِ ذلك إنْ كان جَائِزًا فِعْلُهُ وفي أَنْ تُكَفِّرَ وَتَدَعَهُ وَإِنْ كان مِمَّا لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ فإنه يُؤْمَرُ بِالْكَفَّارَةِ وَيُنْهَى عن الْبِرِّ وَإِنْ فَعَلَ ( 1 ) ما يَجُوزُ له من ذلك بَرَّ ولم تَكُنْ عليه كَفَّارَةٌ وَالثَّانِي قَوْلُك وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا فَتَكُونَ مُخَيَّرًا في فِعْلِ ذلك وَعَلَيْك الْكَفَّارَةُ إنْ كان مِمَّا يَجُوزُ لَك فِعْلُهُ وَمُخَيَّرًا في الْإِقَامَةِ على تَرْكِ ذلك وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْك إلَّا أَنْ يَكُونَ ما حَلَفَ عليه طَاعَةً لِلَّهِ عز وجل فَيُؤْمَرُ بِفِعْلِهِ وَيُكَفِّرُ عن يَمِينِهِ وَنَقُولُ إن قَوْلَهُ بِاَللَّهِ وَتَاللَّهِ وَأَشْهَدُ بِاَللَّهِ وَأُقْسِمُ بِاَللَّهِ وَأَعْزِمُ بِاَللَّهِ أو قال وَعِزَّةِ اللَّهِ أو وَقُدْرَةِ اللَّهِ أو وَكِبْرِيَاءِ اللَّهِ أَنَّ عليه في ذلك كُلِّهِ كَفَّارَةً مِثْلَ ما عليه في قَوْلِهِ وَاَللَّهِ وَنَقُولُ إنَّهُ إنْ قال أَشْهَدُ ولم يَقُلْ بِاَللَّهِ أو أُقْسِمُ ولم يَقُلْ بِاَللَّهِ أو أَعْزِمُ ولم يَقُلْ بِاَللَّهِ أو قال اللَّهِ أنه إنْ لم يَكُنْ أَرَادَ بِهِ يَمِينًا في ذلك كُلِّهِ أَنَّهُ لَا حِنْثَ عليه وَإِنْ أَرَادَ بِهِ يَمِينًا فَمِثْلُ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ أو بِاسْمٍ من أَسْمَاءِ اللَّهِ فَحَنِثَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَمَنْ حَلَفَ بِشَيْءٍ غَيْرِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ وَالْكَعْبَةِ وَأَبِي وَكَذَا وَكَذَا ما كان فَحَنِثَ فَلَا كَفَّارَةَ عليه وَمِثْلُ ذلك قَوْلُهُ لَعَمْرِي لَا كَفَّارَةَ عليه وَكُلُّ يَمِينٍ بِغَيْرِ اللَّهِ فَهِيَ مَكْرُوهَةٌ مَنْهِيٌّ عنها من قِبَلِ قَوْلِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ وَمَنْ كان حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أو لِيَسْكُتْ أخبرنا بن عُيَيْنَةَ قال حدثنا الزُّهْرِيُّ قال حدثنا سَالِمٌ عن أبيه قال سمع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عُمَرَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ فقال أَلَا إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ قال عُمَرُ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وَاَللَّهِ ما حَلَفْت بها بَعْدَ ذلك ( 2 ) ذَاكِرًا وَلَا آثِرًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَكُلُّ من حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ كَرِهْت له وَخَشِيت أَنْ تَكُونَ يَمِينُهُ مَعْصِيَةً وَأَكْرَهُ الْأَيْمَانَ بِاَللَّهِ على كل حَالٍ إلَّا فِيمَا كان لِلَّهِ طَاعَةً مِثْلَ الْبَيْعَةِ على الْجِهَادِ وما أَشْبَهَ ذلك ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ حَلَفَ على يَمِينٍ فَرَأَى خَيْرًا منها فَوَاسِعٌ له وَأَخْتَارُ له أَنْ يأتى الذي هو خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عن يَمِينِهِ لِقَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من حَلَفَ على يَمِينٍ فرأي غَيْرَهَا خَيْرًا منها فَلْيَأْتِ الذي هو خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عن يَمِينِهِ وَمَنْ حَلَفَ عَامِدًا لِلْكَذِبِ فقال وَاَللَّهِ لقد كان كَذَا وَكَذَا ولم يَكُنْ أو وَاَللَّهِ ما كان كَذَا وقد كان كَفَّرَ وقد أَثِمَ وَأَسَاءَ حَيْثُ عَمَدَ الْحَلِفَ بِاَللَّهِ بَاطِلًا فَإِنْ قال وما الْحُجَّةُ في أَنْ يُكَفِّرَ وقد عَمَدَ الْبَاطِلَ قِيلَ أَقَرَّ بها قَوْلُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلْيَأْتِ الذي هو خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عن يَمِينِهِ فَقَدْ أَمَرَهُ أَنْ يَعْمِدَ الْحِنْثَ وَقَوْلُ اللَّهِ عز وجل { وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى } نَزَلَتْ في رَجُلٍ حَلَفَ أَنْ لَا يَنْفَعَ رَجُلًا فَأَمَرَهُ اللَّهُ عز وجل أَنْ يَنْفَعَهُ وَقَوْلُ اللَّهِ عز وجل { وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا من الْقَوْلِ وَزُورًا } ثُمَّ جَعَلَ فيه الْكَفَّارَةَ وَمَنْ حَلَفَ وهو يَرَى أَنَّهُ صَادِقٌ ثُمَّ وَجَدَهُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُ الرَّجُلِ أُقْسِمُ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ فَإِنْ قال أَقْسَمْت بِاَللَّهِ فَإِنْ كان يعنى حَلَفْت قَدِيمًا يَمِينًا بِاَللَّهِ فَلَيْسَتْ بِيَمِينٍ حَادِثَةٍ وَإِنَّمَا هو خَبَرٌ عن يَمِينٍ مَاضِيَةٍ وَإِنْ أَرَادَ بها يَمِينًا فَهِيَ يَمِينٌ وَإِنْ قال أُقْسِمُ بِاَللَّهِ فَإِنْ أَرَادَ بها إيقَاعَ يَمِينٍ فَهِيَ يَمِينٌ وَإِنْ أَرَادَ بها مَوْعِدًا أَنَّهُ سَيُقْسِمُ بِاَللَّهِ فَلَيْسَتْ بِيَمِينٍ وَإِنَّمَا ذلك كَقَوْلِهِ سَأَحْلِفُ أو سَوْفَ أَحْلِفُ وَإِنْ قال لَعَمْرُ اللَّهِ فَإِنْ أَرَادَ الْيَمِينَ فَهِيَ يَمِينٌ وَإِنْ لم يُرِدْ الْيَمِينَ فَلَيْسَتْ بِيَمِينٍ لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ غير الْيَمِينِ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَعَمْرِي إنَّمَا هو لَحَقِّي فَإِنْ قال وَحَقِّ اللَّهِ وَعَظَمَةِ اللَّهِ وَجَلَالِ اللَّهِ وَقُدْرَةِ اللَّهِ يُرِيدُ بهذا كُلِّهِ الْيَمِينَ أو لَا نِيَّةَ له فَهِيَ يَمِينٌ وَإِنْ لم
____________________

(7/61)


يُرِدْ بها الْيَمِينَ فَلَيْسَتْ بِيَمِينٍ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ وَحَقُّ اللَّهِ وَاجِبٌ على كل مُسْلِمٍ وَقُدْرَةُ اللَّهِ مَاضِيَةٌ عليه لَا أَنَّهُ يَمِينٌ وَإِنَّمَا يَكُونُ يَمِينًا بِأَنْ لَا ينوى شيئا أو بِأَنْ ينوى يَمِينًا وإذا قال بِاَللَّهِ أو تَاللَّهِ في يَمِينٍ فَهُوَ كما وَصَفْت إنْ نَوَى يَمِينًا أو لم تَكُنْ له نِيَّةٌ وَإِنْ قال ( 1 ) وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا وَكَذَا لم يَكُنْ يَمِينًا إلَّا بِأَنْ ينوى يَمِينًا لِأَنَّ هذا ابْتِدَاءُ كَلَامٍ لَا يَمِينٌ إلَّا بِأَنْ يَنْوِيَهُ وإذا قال أَشْهَدُ بِاَللَّهِ فَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ فَهِيَ يَمِينٌ وَإِنْ لم يَنْوِ يَمِينًا فَلَيْسَتْ بِيَمِينٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ يَحْتَمِلُ أَشْهَدُ بِأَمْرِ اللَّهِ وإذا قال أَشْهَدُ لم يَكُنْ يَمِينًا وَإِنْ نَوَى يَمِينًا فَلَا شَيْءَ عليه وَلَوْ قال أَعْزِمُ بِاَللَّهِ وَلَا نِيَّةَ له فَلَيْسَتْ بِيَمِينٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَعْزِمُ بِاَللَّهِ إنَّمَا هِيَ أَعْزِمُ بِقُدْرَةِ اللَّهِ أو أَعْزِمُ بِعَوْنِ اللَّهِ على كَذَا وَكَذَا وَاسْتِحْلَافُهُ لِصَاحِبِهِ لَا يَمِينُهُ هو مِثْلُ قَوْلِك لِلرَّجُلِ أَسْأَلُك بِاَللَّهِ أو أُقْسِمُ عَلَيْك بِاَللَّهِ أو أَعْزِمُ عَلَيْك بِاَللَّهِ فَإِنْ أَرَادَ الْمُسْتَحْلِفُ بهذا يَمِينًا فَهُوَ يَمِينٌ وَإِنْ لم يُرِدْ بِهِ يَمِينًا فَلَا شَيْءَ عليه فَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ أَعْزِمُ بِاَللَّهِ أو أُقْسِمُ بِاَللَّهِ أو أَسْأَلُك بِاَللَّهِ يَمِينًا فَهِيَ يَمِينٌ وَكَذَلِكَ إنْ تَكَلَّمَ بها وَإِنْ لم يَنْوِ فَلَا شَيْءَ عليه وإذا قال على عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ وَكَفَالَتُهُ ثُمَّ حَنِثَ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ إلَّا أَنْ ينوى بها يَمِينًا وَكَذَلِكَ لَيْسَتْ بِيَمِينٍ لو تَكَلَّمَ بها لَا يَنْوِي يَمِينًا فَلَيْسَ بِيَمِينٍ بِشَيْءٍ من قِبَلِ أَنَّ لِلَّهِ عليه عَهْدًا أَنْ يؤدى فَرَائِضَهُ وَكَذَلِكَ لِلَّهِ عليه مِيثَاقٌ بِذَلِكَ وَأَمَانَةٌ بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ الذِّمَّةُ وَالْكَفَالَةُ - * الِاسْتِثْنَاءُ في الْيَمِينِ - * ( قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّا نَقُولُ في الذي يقول وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ أنه إنْ كان أَرَادَ بِذَلِكَ الثُّنْيَا فَلَا يَمِينَ عليه وَلَا كَفَّارَةَ إنْ فَعَلَ وَإِنْ لم يُرِدْ بِذَلِكَ الثُّنْيَا وَإِنَّمَا قال ذلك لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذلك غَدًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ } أو قال ذلك سَهْوًا أو اسْتِهْتَارًا فإنه لَا ثُنْيَا وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إنْ حَنِثَ وهو قَوْلُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وأنه إنْ حَلَفَ فلما فَرَغَ من يَمِينِهِ نَسَقَ الثُّنْيَا بها أو تَدَارَكَ الْيَمِينَ بِالِاسْتِثْنَاءِ بَعْدَ انْقِضَاءِ يَمِينِهِ ولم يَصِلْ الِاسْتِثْنَاءَ بِالْيَمِينِ فإنه إنْ كان نَسَقًا بها تِبَاعًا فَذَلِكَ له اسْتِثْنَاءٌ وَإِنْ كان بين ذلك صُمَاتٌ فَلَا اسْتِثْنَاءَ له ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى من قال وَاَللَّهِ أو حَلَفَ بِيَمِينٍ ما كانت بِطَلَاقٍ أو عَتَاقٍ أو غَيْرِهِ أو أَوْجَبَ على نَفْسِهِ شيئا ثُمَّ قال إنْ شَاءَ اللَّهُ مَوْصُولًا بِكَلَامِهِ فَقَدْ اسْتَثْنَى ولم يَقَعْ عليه شَيْءٌ من الْيَمِينِ وَإِنْ حَنِثَ وَالْوَصْلُ أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُ نَسَقًا وَإِنْ كان بَيْنَهُ سَكْتَةٌ كَسَكْتَةِ الرَّجُلِ بين الْكَلَامِ لِلتَّذَكُّرِ أو الْعِيِّ أو النَّفَسِ أو انْقِطَاعِ الصَّوْتِ ثُمَّ وَصَلَ الِاسْتِثْنَاءَ فَهُوَ مَوْصُولٌ وَإِنَّمَا الْقَطْعُ أَنْ يَحْلِفَ ثُمَّ يَأْخُذَ في كَلَامٍ ليس من الْيَمِينِ من أَمْرٍ أو نَهْيٍ أو غَيْرِهِ أو يَسْكُتَ السُّكَاتَ الذي يَبِينُ أَنَّهُ يَكُونُ قَطْعًا فإذا قَطَعَ ثُمَّ اسْتَثْنَى لم يَكُنْ له الِاسْتِثْنَاءُ فَإِنْ حَلَفَ فقال وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا وَكَذَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلَانٌ فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذلك الشَّيْءَ حتى يَشَاءَ فُلَانٌ فَإِنْ مَاتَ أو خَرِسَ أو غَابَ لم يَفْعَلْ وَإِنْ قال لَا أَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا إلَّا ان يَشَاءَ فُلَانٌ فَلَيْسَ له أَنْ يَفْعَلَ ذلك الشَّيْءَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلَانٌ فَإِنْ مَاتَ فُلَانٌ أو خَرِسَ لم يَكُنْ له أَنْ يَفْعَلَ ذلك الشَّيْءَ حتى يَعْلَمَ أَنَّ فُلَانًا شَاءَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي وَإِنْ حَلَفَ فقال وَاَللَّهِ ( 2 ) لَأَفْعَلَنَّ كَذَا وَكَذَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلَانٌ لم يَحْنَثْ إنْ شَاءَ فُلَانٌ وَإِنْ مَاتَ فُلَانٌ أو خَرِسَ أو غَابَ عَنَّا مَعْنَى فُلَانٍ حتى يمضى وَقْتُ يَمِينِهِ حَنِثَ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُخْرِجُهُ من الْحِنْثِ مَشِيئَةُ فُلَانٍ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فقال وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا
____________________

(7/62)


إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلَانٌ لم يَفْعَلْ حتى يَشَاءَ فُلَانٌ وَإِنْ غَابَ عَنَّا مَعْنَى فُلَانٍ فلم نَعْرِفْ شَاءَ أو لم يَشَأْ لم يَفْعَلْ فَإِنْ فَعَلَهُ لم أُحْنِثْهُ من قِبَلِ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فُلَانٌ شَاءَ - * لَغْوُ الْيَمِينِ - * قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّا نَقُولُ إنَّ الْيَمِينَ التي لَا كَفَّارَةَ فيها وَإِنْ حَنِثَ فيها صَاحِبُهَا أنها يَمِينٌ وَاحِدَةٌ إلَّا أَنَّ لها وَجْهَيْنِ وَجْهٌ يُعْذَرُ فيه صَاحِبُهُ وَيُرْجَى له أَنْ لَا يَكُونَ عليه فيها إثْمٌ لِأَنَّهُ لم يَعْقِدْ فيها على إثْمٍ وَلَا كَذِبٍ وهو أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ على الْأَمْرِ لقد كان ولم يَكُنْ فإذا كان ذلك جُهْدَهُ وَمَبْلَغَ عِلْمِهِ فَذَلِكَ اللَّغْوُ الذي وَضَعَ اللَّهُ تَعَالَى فيه الْمُؤْنَةَ عن الْعِبَادِ وقال { لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ في أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ } وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ إنْ حَلَفَ عَامِدًا لِلْكَذِبِ اسْتِخْفَافًا بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ كَاذِبًا فَهَذَا الْوَجْهُ الثَّانِي الذي لَيْسَتْ فيه كَفَّارَةٌ لِأَنَّ الذي يَعْرِضُ من ذلك أَعْظَمُ من أَنْ يَكُونَ فيه كَفَّارَةٌ وَإِنَّهُ لَيُقَالُ له تَقَرَّبْ إلَى اللَّهِ بِمَا اسْتَطَعْت من خَيْرٍ أخبرنا سُفْيَانُ قال حدثنا عَمْرُو بن دِينَارٍ وبن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ قال ذَهَبْت أنا وَعُبَيْدُ بن عُمَيْرٍ إلَى عَائِشَةَ وَهِيَ مُعْتَكِفَةٌ في ثَبِيرَ فَسَأَلْنَاهَا عن قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ في أَيْمَانِكُمْ } قالت هو لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَغْوُ الْيَمِينِ كما قالت عَائِشَةُ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنها وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُ الرَّجُلِ لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ وذلك ( ( ( ذلك ) ) ) إذَا كان على اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ وَالْعَجَلَةِ لَا يَعْقِدُ على ما حَلَفَ عليه وَعَقْدُ الْيَمِينِ أَنْ يُثْبِتَهَا على الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ أَنْ لَا يَفْعَلَ الشَّيْءَ فَيَفْعَلَهُ أو لَيَفْعَلَنَّهُ فَلَا يَفْعَلْهُ أو لقد كان وما كان فَهَذَا آثِمٌ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِمَا وَصَفْت من أَنَّ اللَّهَ عز وجل قد جَعَلَ الْكَفَّارَاتِ في عَمْدِ الْمَأْثَمِ فقال تَعَالَى { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُمًا } وقال { لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } إلَى { بَالِغَ الْكَعْبَةِ } وَمِثْلُ قَوْلِهِ في الظِّهَارِ { وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا من الْقَوْلِ وَزُورًا } ثُمَّ أَمَرَ فيه بِالْكَفَّارَةِ وَمِثْلُ ما وَصَفْت من سُنَّةِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال من حَلَفَ على يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا منها فَلْيَأْتِ الذي هو خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عن يَمِينِهِ - * الْكَفَّارَةُ قبل الْحِنْثِ وَبَعْدَهُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَمَنْ حَلَفَ على شَيْءٍ فَأَرَادَ أَنْ يَحْنَثَ فَأَحَبُّ إلَيَّ لو لم يُكَفِّرْ حتى يَحْنَثَ وَإِنْ كَفَّرَ قبل الْحِنْثِ بِإِطْعَامٍ رَجَوْت أَنْ يجزئ عنه وَإِنْ كَفَّرَ بِصَوْمٍ قبل الْحِنْثِ لم يُجْزِ عنه وَذَلِكَ أَنَّا نَزْعُمُ أَنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَقًّا على الْعِبَادِ في أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فَالْحَقُّ الذي في أَمْوَالِهِمْ إذَا قَدَّمُوهُ قبل مَحَلِّهِ أَجْزَأَهُمْ وَأَصْلُ ذلك أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم تَسَلَّفَ من الْعَبَّاسِ صَدَقَةَ عَامٍ قبل أَنْ يَدْخُلَ وَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ قد قَدَّمُوا صَدَقَةَ الْفِطْرِ قبل أَنْ يَكُونَ الْفِطْرُ فَجَعَلْنَا الْحُقُوقَ التي في الْأَمْوَالِ قِيَاسًا على هذا فَأَمَّا الْأَعْمَالُ التي على الْأَبْدَانِ فَلَا تَجْزِي إلَّا بَعْدَ مَوَاقِيتِهَا كَالصَّلَاةِ التي لَا تَجْزِي إلَّا بَعْدَ الْوَقْتِ وَالصَّوْمُ لَا يجزئ إلَّا في الْوَقْتِ أو قَضَاءً بَعْدَ الْوَقْتِ الْحَجُّ الذي لَا يجزئ الْعَبْدَ وَلَا الصَّغِيرَ من حَجَّةِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُمَا حَجَّا قبل أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِمَا - * من حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ إنْ تَزَوَّجَ عليها - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ تَزَوَّجْت عَلَيْك فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ ثُمَّ تَزَوَّجَ عليها في الْعِدَّةِ طَلُقَتْ بِالْحِنْثِ وَالطَّلَاقِ الذي أَوْقَعَ وإذا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا
____________________

(7/63)


إنْ لم أَتَزَوَّجْ عَلَيْك فَسَمَّى وَقْتًا فَإِنْ جاء ذلك الْوَقْتُ وَهِيَ زَوْجَتُهُ ولم يَتَزَوَّجْ عليها فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَلَوْ أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً أو اثْنَتَيْنِ ثُمَّ جاء ذلك الْوَقْتُ وَهِيَ في عِدَّتِهَا وَقَعَتْ عليها التَّطْلِيقَةُ الثَّالِثَةُ وَإِنْ لم يُوَقِّتْ وَكَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فقال أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ لم أَتَزَوَّجْ عَلَيْك فَهَذَا على الْأَبَدِ لَا يَحْنَثُ حتى يَمُوتَ أو تَمُوتَ قبل أَنْ يَتَزَوَّجَ عليها وما تَزَوَّجَ عليها من امْرَأَةٍ تُشْبِهُهَا أو لَا تُشْبِهُهَا خَرَجَ بها من الْحِنْثِ دخل بها أو لم يَدْخُلْ وَلَا يُخْرِجُهُ من الْحِنْثِ إلَّا تَزْوِيجٌ صَحِيحٌ يَثْبُتُ فَأَمَّا تَزْوِيجٌ فَاسِدٌ فَلَيْسَ بِنِكَاحٍ يُخْرِجُهُ من الْحِنْثِ وَإِنْ مَاتَتْ لم يَرِثْهَا وَإِنْ مَاتَ هو وَرِثَتْهُ ولم تَرِثْهُ في قَوْلِ من يُوَرِّثُ الْمَبْتُوتَةَ إذَا وَقَعَ الطَّلَاقُ في الْمَرَضِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدُ لَا تَرِثُ الْمَبْتُوتَةُ وهو قَوْلُ بن الزُّبَيْرِ ( قال الرَّبِيعُ ) صَارَ الشَّافِعِيُّ إلَى قَوْلِ بن الزُّبَيْرِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا أَنَّ اللَّهَ عز وجل إنَّمَا وَرَّثَ الزَّوْجَاتِ من الْأَزْوَاجِ وَأَنَّهُ إنْ آلَى من الْمَبْتُوتَةِ فَلَا يَكُونُ عليه إيلَاءٌ وَإِنَّ ظَاهَرَ فَلَا ظِهَارَ عليه وَإِنْ قَذَفَهَا لم يَكُنْ له أَنْ يُلَاعِنَ ولم يَبْرَأْ من الْحَدِّ وَإِنْ مَاتَتْ لم يَرِثْهَا فلما زَعَمُوا أنها خَارِجَةٌ في هذه الْأَشْيَاءِ من مَعَانِي الْأَزْوَاجِ وَإِنَّمَا وَرَّثَ اللَّهُ تَعَالَى الزَّوْجَاتِ لم نُوَرِّثْهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ - * الْإِطْعَامُ في الْكَفَّارَاتِ في الْبُلْدَانِ كُلِّهَا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيُجْزِئُ في كَفَّارَةِ الْيَمِينِ مُدٌّ بِمُدِّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من حِنْطَةٍ وَلَا يُجْزِئُ أَنْ يَكُونَ دَقِيقًا وَلَا سَوِيقًا وَإِنْ كان أَهْلُ بَلَدٍ يَقْتَاتُونَ الذُّرَةَ أو الْأُرْزَ أو التَّمْرَ أو الزَّبِيبَ أَجْزَأَ من كل جِنْسٍ وَاحِدٌ من هذا مُدٌّ بِمُدِّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَإِنَّمَا قُلْنَا يُجْزِئُ هذا أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أتى بِعَرَقِ تَمْرٍ فَدَفَعَهُ إلَى رَجُلٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يُطْعِمَهُ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَالْعَرَقُ فِيمَا يُقَدَّرُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَذَلِكَ سِتُّونَ مُدًّا فَلِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَقَدْ قال سَعِيدُ بن الْمُسَيِّبِ أتى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِعَرَقٍ فيه خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا أو عِشْرُونَ صَاعًا قِيلَ فَأَكْثَرُ ما قال بن الْمُسَيِّبِ مُدٌّ وَرُبُعٌ أو ثُلُثٌ وَإِنَّمَا هذا شَكٌّ أَدْخَلَهُ بن الْمُسَيِّبِ وَالْعَرَقُ كما وَصَفْت كان يُقَدَّرُ على خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَالْكَفَّارَاتُ بِالْمَدِينَةِ وَبِنَجْدٍ وَمِصْرَ وَالْقَيْرَوَانِ وَالْبُلْدَانِ كُلِّهَا سَوَاءٌ ما فَرَضَ اللَّهُ عز وجل على الْعِبَادِ فَرْضَيْنِ في شَيْءٍ وَاحِدٍ قَطُّ وَلَا يُجْزِئُ في ذلك إلَّا مَكِيلَةُ الطَّعَامِ وما أَرَى أَنْ يَجْزِيَهُمْ دَرَاهِمُ وَإِنْ كان أَكْثَرَ من قِيمَةِ الطَّعَامِ وما يَقْتَاتُ أَهْلُ الْبُلْدَانِ من شَيْءٍ أَجْزَأَهُمْ منه مُدٌّ وَيُجْزِئُ أَهْلَ الْبَادِيَةِ مُدُّ أَقِطٍ وَإِنْ لم يَكُنْ لِأَهْلِ بَلَدٍ قُوتٌ من طَعَامٍ سِوَى اللَّحْمِ أَدَّوْا مُدًّا مِمَّا يَقْتَاتُ أَقْرَبُ الْبُلْدَانِ إلَيْهِمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ويعطى الْكَفَّارَاتِ وَالزَّكَاةَ كُلَّ من لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ من قَرَابَتِهِ وَهُمْ من عَدَا الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ إذَا كَانُوا أَهْلَ حَاجَةٍ فَهُمْ أَحَقُّ بها من غَيْرِهِمْ وَإِنْ كان يُنْفِقُ عليهم مُتَطَوِّعًا أَعْطَاهُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَيْسَ له إذَا كَفَّرَ بِإِطْعَامٍ أَنْ يُطْعِمَ أَقَلَّ من عَشَرَةٍ وَإِنْ أَطْعَمَ تِسْعَةً وَكَسَا وَاحِدًا كان عليه أَنْ يُطْعِمَ عَاشِرًا أو يَكْسُوَ تِسْعَةً لِأَنَّهُ إنَّمَا جُعِلَ له أَنْ يُطْعِمَ عَشَرَةً أو يَكْسُوَهُمْ وهو لَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَكْسُوَ تِسْعَةً وَيُطْعِمَ وَاحِدًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا أَطْعَمَ عَشَرَةً وَلَا كَسَاهُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا كانت عليه ثَلَاثَةُ أَيْمَانٍ مُخْتَلِفَةٍ فَحَنِثَ فيها فَأَعْتَقَ وَأَطْعَمَ وَكَسَا يَنْوِي الْكَفَّارَةَ وَلَا يَنْوِي عن أَيُّهَا الْعِتْقَ وَلَا عن أَيُّهَا الْإِطْعَامَ وَلَا عن أَيُّهَا الْكِسْوَةَ أَجْزَأَهُ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ وَأَيَّهَا شَاءَ أَنْ يَكُونَ عِتْقًا أو إطْعَامًا أو كِسْوَةً كان وما لم يَشَأْ فَالنِّيَّةُ الْأُولَى تَجْزِيهِ فَإِنْ أَعْتَقَ وَكَسَا وَأَطْعَمَ ولم يَسْتَكْمِلْ الْإِطْعَامَ أَكْمَلَهُ وَنَوَاهُ عن أَيِّ الْكَفَّارَاتِ شَاءَ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَكَسَا وَأَعْتَقَ وَأَطْعَمَ ولم يَنْوِ الْكَفَّارَةَ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَنْوِيَ كَفَّارَةً لم تَكُنْ كَفَّارَةً لَا تُجْزِئُهُ حتى يُقَدِّمَ النِّيَّةَ قبل الْكَفَّارَةِ أو تَكُونَ مَعَهَا وَأَمَّا ما كان عَمِلَهُ قبل النِّيَّةِ فَهُوَ تَطَوُّعٌ لَا يَجْزِيهِ من الْكَفَّارَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي وإذا أَمَرَ الرَّجُلُ
____________________

(7/64)


الرَّجُلَ أَنْ يُكَفِّرَ عنه من مَالِ الْمَأْمُورِ أو اسْتَأْذَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ أَنْ يُكَفِّرَ عنه من مَالِهِ فَأَذِنَ له أَجْزَأَتْ عنه الْكَفَّارَةُ وَهَذِهِ هِبَةٌ مَقْبُوضَةٌ لِأَنَّ دَفْعَهُ إيَّاهَا إلَى الْمَسَاكِينِ بِأَمْرِهِ كَقَبْضِ وَكِيلِهِ لِهِبَةٍ وَهَبَهَا له وَكَذَلِكَ إنْ قال أَعْتِقْ عَنِّي فَهِيَ هِبَةٌ فَإِعْتَاقُهُ عنه كَقَبْضِهِ ما وَهَبَ له وَوَلَاؤُهُ لِلْمُعْتَقِ عنه لِأَنَّهُ قد مَلَكَهُ قبل الْعِتْقِ وكان الْعِتْقُ مِثْلَ الْقَبْضِ كما لو اشْتَرَاهُ فلم يَقْبِضْهُ حتى أَعْتَقَهُ كان الْعِتْقُ مِثْلَ الْقَبْضِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا تَطَوَّعَ فَكَفَّرَ عن رَجُلٍ بِإِطْعَامٍ أو كِسْوَةٍ أو عِتْقٍ ولم يَتَقَدَّمْ في ذلك أَمْرٌ من الْحَالِفِ لم يَجْزِ عنه وكان الْعِتْقُ عن نَفْسِهِ لِأَنَّهُ هو الْمُعْتِقُ لِمَا يَمْلِكُ ما لم يَهَبْ لِغَيْرِهِ فَيَقْبَلَهُ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يَعْتِقُ عن أَبَوَيْهِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَالْوَلَاءُ له إذَا لم يَكُنْ ذلك بِوَصِيَّةٍ مِنْهُمَا وَلَا شَيْءَ من أَمْوَالِهِمَا وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا صَامَ عن رَجُلٍ بِأَمْرِهِ لم يَجْزِهِ الصَّوْمُ عنه وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَعْمَلُ أَحَدٌ عن أَحَدٍ عَمَلَ الْأَبْدَانِ لِأَنَّ الْأَبْدَانَ تَعَبَّدَتْ بِعَمَلٍ فَلَا يجزئ عنها أَنْ يَعْمَلَ غَيْرُهَا ليس الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ بِالْخَبَرِ الذي جاء عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَبِأَنَّ فِيهِمَا نَفَقَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ فَرَضَهُمَا على من وَجَدَ إلَيْهِمَا السَّبِيلَ وَالسَّبِيلُ بِالْمَالِ - * من لَا يُطْعَمُ من الْكَفَّارَاتِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يُجْزِئُ أَنْ يُطْعِمَ في كَفَّارَاتِ الْأَيْمَانِ إلَّا حُرًّا مُسْلِمًا مُحْتَاجًا فَإِنْ أَطْعَمَ منها ذِمِّيًّا مُحْتَاجًا أو حُرًّا مُسْلِمًا غير مُحْتَاجٍ أو عَبْدَ رَجُلٍ مُحْتَاجٍ لم يَجْزِهِ ذلك وكان حُكْمُهُ حُكْمَ من لم يَفْعَلْ شيئا وَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ وَهَكَذَا لو أَطْعَمَ غَنِيًّا وهو لَا يَعْلَمُ ثُمَّ عَلِمَ غِنَاهُ كان عليه أَنْ يُعِيدَ وَهَكَذَا لو أَطْعَمَ من تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ ثُمَّ عَلِمَ أَعَادَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ كان له مَسْكَنٌ لَا يستغنى عنه هو وَأَهْلُهُ وَخَادِمٌ أعطى من كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالصَّدَقَةِ وَالزَّكَاةِ وَلَوْ كان له مَسْكَنٌ يَفْضُلُ عن حَاجَتِهِ وَحَاجَةِ أَهْلِهِ الْفَضْلَ الذي يَكُونُ بمثله غَنِيًّا لم يُعْطَ - * ما يجزئ من الْكِسْوَةِ في الْكَفَّارَاتِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَقَلُّ ما يكفى من الْكِسْوَةِ كُلُّ ما وَقَعَ عليه اسْمُ كِسْوَةٍ من عِمَامَةٍ أو سَرَاوِيلَ أو إزَارٍ أو مِقْنَعَةٍ وَغَيْرِ ذلك لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ لِأَنَّ ذلك كُلَّهُ يَقَعُ عليه اسْمُ كِسْوَةٍ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَرَادَ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِمَا تَجُوزُ فيه الصَّلَاةُ من الْكِسْوَةِ على كِسْوَةِ الْمَسَاكِينِ جَازَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِمَا يَكْفِيهِ في الشِّتَاءِ أو في الصَّيْفِ أو في السَّفَرِ من الْكِسْوَةِ وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ الِاسْتِدْلَال عليه بِشَيْءٍ من هذا وإذا أَطْلَقَهُ اللَّهُ فَهُوَ مُطْلَقٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَكْسُوَ رِجَالًا وَنِسَاءً وَكَذَلِكَ يَكْسُوَ الصِّبْيَانَ وَإِنْ كَسَا غَنِيًّا وهو لَا يَعْلَمُ رَأَيْت عليه أَنْ يُعِيدَ الْكِسْوَةَ - * الْعِتْقُ في الْكَفَّارَاتِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَعْتَقَ في كَفَّارَةِ الْيَمِينِ أو في شَيْءٍ وَجَبَ عليه الْعِتْقُ لم يَجْزِهِ إلَّا رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ وَيَعْتِقُ فيها الْأَسْوَدَ وَالْأَحْمَرَ وَالسَّوْدَاءَ وَالْحَمْرَاءَ وَأَقَلُّ ما يَقَعُ بِهِ اسْمُ الْإِيمَانِ على الْعَجَمِيِّ أَنْ يَصِفَ الْإِيمَانَ إذَا أُمِرَ بِصِفَتِهِ ثُمَّ يَكُونَ بِهِ مُؤْمِنًا وَيَجْزِي فيه الصَّغِيرُ إذَا كان أَبَوَاهُ أو أَحَدُهُمَا مُؤْمِنًا لِأَنَّ حُكْمَهُمْ حُكْمُ الْإِيمَانِ وَيَجْزِي في الْكَفَّارَاتِ وَلَدُ الزنى وَكَذَلِكَ كُلُّ ذِي نَقْصٍ بِعَيْبٍ لَا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ ضَرَرًا بَيِّنًا مِثْلِ الْعَرَجِ الْخَفِيفِ وَالْعَوَرِ وَشَلَلِ الْخِنْصَرِ وَالْعُيُوبِ التي لَا تَضُرُّ بِالْعَمَلِ ضَرَرًا بَيِّنًا وَيَجْزِي فيه الْعَرَجُ الْخَفِيفُ وَلَا يجزئ الْمُقْعَدُ وَلَا الْأَعْمَى وَلَا أَشَلُّ الرِّجْلِ يَابِسُهَا وَلَا الْيَدَيْنِ يَابِسُهُمَا وَيَجْزِي الْأَصَمُّ والخصى الْمَجْبُوبُ وَغَيْرُ الْمَجْبُوبِ وَيَجْزِي الْمَرِيضُ الذي ليس بِهِ مَرَضُ زَمَانَةٍ
____________________

(7/65)


مِثْلُ الْفَالِجِ وَالسِّلِّ وما أَشْبَهَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت الْجَارِيَةُ حَامِلًا من زَوْجِهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا زَوْجُهَا فَأَعْتَقَهَا في كَفَّارَةٍ أَجْزَأَتْ عنه وَإِنَّمَا لَا تجزى في قَوْلِ من لَا يَبِيعُ أُمَّ الْوَلَدِ إذَا وَلَدَتْ بَعْدَ شِرَائِهِ إيَّاهَا وَوَضْعِهَا لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا لِأَنَّهَا تَكُونُ بِذَلِكَ أُمَّ وَلَدٍ فَأَمَّا ما كان قبل ذلك فَلَا تَكُونُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ ( قال ) وَمَنْ كانت عليه رَقَبَةٌ وَاجِبَةٌ فَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ رَقَبَةً تُعْتَقُ عليه إذَا مَلَكَهَا بِغَيْرِ عِتْقٍ فَلَا تَجْزِي عنه وما كان يَجُوزُ له أَنْ يَمْلِكَهُ بِحَالِ أَجْزَأَ عنه وَلَا يُعْتَقُ عليه إلَّا الْآبَاءُ وَإِنْ بَعُدُوا وَالْبَنُونَ وَإِنْ سَفَلُوا وَالِدُونَ كلهم أو مَوْلُودُونَ وَسَوَاءٌ ذلك من قِبَلِ الْبَنَاتِ وَالْبَنِينَ لِأَنَّ كُلَّهُمْ وَلَدٌ وَوَالِدٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ اشْتَرَى رَقَبَةً بِشَرْطِ عِتْقِهَا لم تَجْزِ عنه من رَقَبَةٍ وَاجِبَةٍ عليه ( قال ) وَيَجْزِي الْمُدَبَّرُ في الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ وَلَا يجزئ عنه الْمُكَاتَبُ حتى يَعْجِزَ فَيَعُودَ رَقِيقًا فَيَعْتِقَهُ بَعْدَ الْعَجْزِ وَيَجْزِي الْمُعْتَقُ إلَى سِنِينَ وهو في أَضْعَفَ من حَالِ الْمُدَبَّرِ وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ وهو مِمَّنْ لَا يجزئ في الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ فَالْعِتْقُ مَاضٍ وَيَعُودُ لِرَقَبَةٍ تَامَّةٍ فَإِنْ كان الذي بَاعَهُ دَلَّسَ له بِعَيْبٍ عَادَ عليه فَأَخَذَ منه قِيمَةَ ما بَيَّنَهُ صَحِيحًا وَمَعِيبًا من الثَّمَنِ وَإِنْ كان مَعِيبًا عَيْبًا يجزئ مِثْلُهُ في الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ أَجْزَأَ عنه وَعَادَ على صَاحِبِهِ الذي بَاعَهُ بِقِيمَةِ ما بين الْعَيْبِ وَالصِّحَّةِ ولم يَكُنْ عليه أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ إذَا أَخَذَهُ من الْبَائِعِ وهو مَالٌ من مَالِهِ - * الصِّيَامُ في كَفَّارَاتِ الْأَيْمَانِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كُلُّ من وَجَبَ عليه صَوْمٌ ليس بِمَشْرُوطٍ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل أَنْ يَكُونَ مُتَتَابِعًا أَجْزَأَهُ أَنْ يَكُونَ مُتَفَرِّقًا قِيَاسًا على قَوْلِ اللَّهِ عز وجل في قَضَاءِ رَمَضَانَ { فَعِدَّةٌ من أَيَّامٍ أُخَرَ } وَالْعِدَّةُ أَنْ يأتى بِعَدَدِ صَوْمٍ لَا وِلَاءٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان الصَّوْمُ مُتَتَابِعًا فَأَفْطَرَ فيه الصَّائِمُ وَالصَّائِمَةُ من عُذْرٍ وَغَيْرِ عُذْرٍ اسْتَأْنَفَا الصِّيَامَ إلَّا الْحَائِضَ فَإِنَّهَا لَا تَسْتَأْنِفُ - * من لَا يَجْزِيهِ الصِّيَامُ في كَفَّارَةِ الْيَمِينِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَاَلَّذِي يَجِبُ عليه من الْكَفَّارَةِ الْإِطْعَامُ أو الْكِسْوَةُ أو الْعِتْقُ من كان غَنِيًّا فَلَيْسَ له أَنْ يَأْخُذَ من الصَّدَقَةِ شيئا فَأَمَّا من كان له أَنْ يَأْخُذَ من الصَّدَقَةِ فَلَهُ أَنْ يَصُومَ وَلَيْسَ عليه أَنْ يَتَصَدَّقَ وَلَا يَعْتِقَ فَإِنْ فَعَلَ أَجْزَأَ عنه وَإِنْ كان غَنِيًّا وكان مَالُهُ غَائِبًا عنه لم يَكُنْ له أَنْ يُكَفِّرَ بِصَوْمٍ حتى يَحْضُرَهُ مَالُهُ أو يَذْهَبَ الْمَالُ إلَّا بِإِطْعَامٍ أو كِسْوَةٍ أو عِتْقٍ - * من حَنِثَ مُعْسِرًا ثُمَّ أَيْسَرَ أو حَنِثَ مُوسِرًا ثُمَّ أَعْسَرَ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَنِثَ الرَّجُلُ مُوسِرًا ثُمَّ أَعْسَرَ لم يَكُنْ له أَنْ يَصُومَ وَلَا أَرَى الصَّوْمَ يجزئ عنه وامرته احْتِيَاطًا أَنْ يَصُومَ فإذا أَيْسَرَ كَفَّرَ وَإِنَّمَا أَنْظُرُ في هذا إلَى الْوَقْتِ الذي يَحْنَثُ فيه وَلَوْ أَنَّهُ حَنِثَ مُعْسِرًا ثُمَّ لم يَصُمْ حتى أَيْسَرَ أَحْبَبْت له أَنْ يُكَفِّرَ وَلَا يَصُومَ من قِبَلِ أَنَّهُ لم يُكَفِّرْ حتى أَيْسَرَ وَإِنْ صَامَ ولم يُكَفِّرْ أَجْزَأَ عنه لِأَنَّ حُكْمَهُ حين حَنِثَ الصِّيَامُ ( قال الرَّبِيعُ ) وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ إنَّمَا يَنْظُرُ إلَى الْكَفَّارَةِ يوم يُكَفِّرُ فإذا كان مُعْسِرًا كان له أَنْ يَصُومَ وَإِنْ كان مُوسِرًا كان عليه أَنْ يُعْتِقَ ( قال ) وَلَا يُصَامُ في كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَلَا في شَيْءٍ وَجَبَ عليه من الصَّوْمِ بِإِيجَابِ يَوْمٍ من رَمَضَانَ وَلَا يَوْمٍ لَا يَصْلُحُ صَوْمُهُ مُتَطَوِّعًا مِثْلِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَصِيَامِ ما سِوَاهَا من الْأَيَّامِ
____________________

(7/66)


- * من أَكَلَ أو شَرِبَ سَاهِيًا في صِيَامِ الْكَفَّارَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيُفْسِدُ صَوْمَ التَّطَوُّعِ وَصَوْمَ رَمَضَانَ وَصَوْمَ الْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ ما أَفْسَدَ الصَّوْمَ وَلَا خِلَافَ بين ذلك فَمَنْ أَكَلَ فيها أو شَرِبَ نَاسِيًا فَلَا قَضَاءَ عليه وَمَنْ أَكَلَ أو شَرِبَ عَامِدًا أُفْسِدَ الصَّوْمُ عليه لَا يُخْتَلَفُ إلَّا في وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ على من جَامَعَ في رَمَضَانَ وَسُقُوطِهَا عَمَّنْ جَامَعَ في صَوْمٍ غَيْرِهِ تَطَوُّعًا أو وَاجِبًا فإذا كان الصَّوْمُ مُتَتَابِعًا فَأَفْطَرَ فيه الصَّائِمُ من عُذْرٍ وَغَيْرِ عُذْرٍ وَالصَّائِمَةُ اسْتَأْنَفَا الصِّيَامَ إلَّا الْحَائِضَ فَإِنَّهَا لَا تَسْتَأْنِفُ - * الْوَصِيَّةُ بِكَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ وَبِالزَّكَاةِ وَمَنْ تَصَدَّقَ بِكَفَّارَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ لَزِمَهُ حَقٌّ لِلْمَسَاكِينِ في زَكَاةِ مَالٍ أو لَزِمَهُ حَجٌّ أو لَزِمَتْهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَذَلِكَ كُلُّهُ من رَأْسِ الْمَالِ يُحَاصُّ بِهِ دُيُونُ الناس وَيُخْرَجُ عنه في ذلك أَقَلُّ ما يَكْفِي في مِثْلِهِ فَإِنْ أَوْصَى بِعِتْقٍ في كَفَّارَةٍ ولم يَكُنْ في رَأْسِ الْمَالِ إلَّا الطَّعَامَ فَإِنْ حَمَلَ ثُلُثُهُ الْعِتْقَ أُعْتِقَ عنه من الثُّلُثِ وَإِنْ لم يَحْمِلْهُ أُطْعِمَ عنه من رَأْسِ الْمَالِ وإذا أُعْتِقَ عنه من الثُّلُثِ لم يُطْعَمْ عنه من رَأْسِ الْمَالِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كَفَّرَ الرَّجُلُ بِالطَّعَامِ أو بِالْكِسْوَةِ ثُمَّ اشْتَرَى ذلك فَدَفَعَهُ إلَى أَهْلِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ منهم فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَلَوْ تَنَزَّهَ عن ذلك كان أَحَبَّ إلى - * كَفَّارَةُ يَمِينِ الْعَبْدِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَنِثَ الْعَبْدُ فَلَا يَجْزِيهِ إلَّا الصَّوْمُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شيئا وَإِنْ كان نِصْفُهُ عَبْدًا وَنِصْفُهُ حُرًّا وكان في يَدَيْهِ مَالٌ لِنَفْسِهِ لم يَجْزِهِ الصِّيَامُ وكان عليه أَنْ يُكَفِّرَ مِمَّا في يَدَيْهِ من الْمَالِ مِمَّا يُصِيبُهُ فَإِنْ لم يَكُنْ في يَدَيْهِ مَالٌ لِنَفْسِهِ صَامَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَنِثَ الْعَبْدُ ثُمَّ عَتَقَ وَكَفَّرَ كَفَّارَةَ حُرٍّ أَجْزَأَتْ عنه لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مَالِكٌ وَلَوْ صَامَ أَجْزَأَ عنه لِأَنَّهُ يوم حَنِثَ كان حُكْمُهُ حُكْمَ الصِّيَامِ - * من نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ عز وجل - * ( 1 ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ نَذَرَ تَبَرُّرًا أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ لَزِمَهُ أَنْ يَمْشِيَ إنْ قَدَرَ على الْمَشْيِ وَإِنْ لم يَقْدِرْ رَكِبَ وَأَهْرَاقَ دَمًا احْتِيَاطًا لِأَنَّهُ لم يَأْتِ بِمَا نَذَرَ كما نَذَرَ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ عليه دَمٌ من قِبَلِ أَنَّهُ إذَا لم يُطِقْ شيئا سَقَطَ عنه كَمَنْ لَا يُطِيقُ الْقِيَامَ في الصَّلَاةِ فَيَسْقُطُ عنه ويصلى قَاعِدًا وَلَا يُطِيقُ الْقُعُودَ فيصلى مُضْطَجِعًا وَإِنَّمَا فَرَّقْنَا بين الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالصَّلَاةِ أَنَّ الناس أَصْلَحُوا أَمْرَ الْحَجِّ بِالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ وَالنُّسُكِ ولم يُصْلِحُوا أَمْرَ الصَّلَاةِ إلَّا بِالصَّلَاةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَمْشِي أَحَدٌ إلَى بَيْتِ اللَّهِ إلَّا حَاجًّا أو مُعْتَمِرًا لَا بُدَّ له منه ( قال الرَّبِيعُ ) وَلِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلٌ آخَرُ أنه إذَا حَلَفَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ فَحَنِثَ فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ تَجْزِيهِ من ذلك إنْ أَرَادَ بِذَلِكَ الْيَمِينَ ( قال الرَّبِيعُ ) وَسَمِعْت الشَّافِعِيَّ أَفْتَى بِذَلِكَ رَجُلًا فقال هذا قَوْلُك يا أَبَا عبد اللَّهِ فقال هذا هو قَوْلُ من هو خَيْرٌ مِنِّي قال وَمَنْ هو قال عَطَاءُ بن أبي رَبَاحٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ حَلَفَ بِالْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا مَعْقُولُ مَعْنَى قَوْلِ عَطَاءٍ أن كُلَّ من حَلَفَ بِشَيْءٍ من النُّسُكِ صَوْمٍ أو حَجٍّ أو عُمْرَةٍ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ إذَا حَنِثَ وَلَا يَكُونُ عليه حَجٌّ وَلَا عُمْرَةٌ وَلَا صَوْمٌ وَمَذْهَبُهُ أَنَّ
____________________

(7/67)


أَعْمَالَ الْبِرِّ لِلَّهِ لَا تَكُونُ إلَّا بِفَرْضٍ يُؤَدِّيهِ من فَرْضِ اللَّهِ عليه أو تَبَرُّرًا يُرِيدُ اللَّهَ بِهِ فَأَمَّا على غَلْقِ الْأَيْمَانِ فَلَا يَكُونُ تَبَرُّرًا وَإِنَّمَا يَعْمَلُ التَّبَرُّرَ لِغَيْرِ الْغَلْقِ وقد قال غَيْرُ عَطَاءٍ عليه الْمَشْيُ كما يَكُونُ عليه إذَا نَذَرَهُ مُتَبَرِّرًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالتَّبَرُّرُ أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ على إنْ شَفَى اللَّهُ فُلَانًا أو قَدِمَ فُلَانٌ من سَفَرِهِ أو قَضَى عَنِّي دَيْنًا أو كان كَذَا أَنْ أَحُجَّ له نَذْرًا فَهُوَ التَّبَرُّرُ فَأَمَّا إذَا قال إنْ لم أَقْضِك حَقَّك فعلى الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ فَهَذَا من مَعَانِي الْأَيْمَانِ لَا من مَعَانِي النُّذُورِ وَأَصْلُ مَعْقُولِ قَوْلِ عَطَاءٍ في مَعَانِي النُّذُورِ من هذا أَنَّهُ يَذْهَبُ إلَى أَنَّ من نَذَرَ نَذْرًا في مَعْصِيَةِ اللَّهِ لم يَكُنْ عليه قَضَاءٌ وَلَا كَفَّارَةٌ فَهَذَا يُوَافِقُ السُّنَّةَ وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ على إنْ شَفَانِي أو شَفَى فُلَانًا أَنْ أَنْحَرَ ابْنِي أو أَنْ أَفْعَلَ كَذَا من الْأَمْرِ الذي لَا يَحِلُّ له أَنْ يَفْعَلَهُ فَمَنْ قال هذا فَلَا شَيْءَ عليه فيه وفي السَّائِبَةِ وَإِنَّمَا أَبْطَلَ اللَّهُ عز وجل النَّذْرَ في الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ لِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ ولم يذكر في ذلك كَفَّارَةً وكان فيه دَلَالَةٌ على أَنَّ من نَذَرَ مَعْصِيَةً لِلَّهِ عز وجل أَنْ لَا يَفِيَ وَلَا كَفَّارَةَ عليه وَبِذَلِكَ جَاءَتْ السُّنَّةُ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن طَلْحَةَ بن عبد الْمَلِكِ الْأَيْلِيِّ عن الْقَاسِمِ بن مُحَمَّدٍ عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنها أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ أخبرنا سُفْيَانُ عن أَيُّوبَ عن أبي قِلَابَةَ عن أبي الْمُهَلَّبِ عن عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ قال كانت بَنُو عَقِيلٍ حُلَفَاءَ لِثَقِيفٍ في الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَتْ ثَقِيفٌ قد أَسَرَتْ رَجُلَيْنِ من الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ إنَّ الْمُسْلِمِينَ أَسَرُوا رَجُلًا من بَنِي عَقِيلٍ وَمَعَهُ نَاقَةٌ له وَكَانَتْ نَاقَتُهُ قد سَبَقَتْ الْحَاجَّ في الْجَاهِلِيَّةِ كَذَا وَكَذَا مَرَّةً وَكَانَتْ النَّاقَةُ إذَا سَبَقَتْ الْحَاجَّ في الْجَاهِلِيَّةِ لم تُمْنَعْ من كلأ تَرْتَعُ فيه ولم تُمْنَعْ من حَوْضٍ تَشْرَعُ فيه قال فَأَتَى بِهِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال يا محمد فِيمَ أَخَذْتنِي وَأَخَذْت سَابِقَةَ الْحَاجِّ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِك ثَقِيفٍ قال وَحُبِسَ حَيْثُ يَمُرُّ بِهِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَمَرَّ بِهِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بَعْدَ ذلك فقال يا محمد إنِّي مُسْلِمٌ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لو قُلْتهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَك كُنْت قد أَفْلَحْت كُلَّ الْفَلَاحِ قال ثُمَّ مَرَّ بِهِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مَرَّةً أُخْرَى فقال يا محمد إنِّي جَائِعٌ فَأَطْعِمْنِي وظمأن فَاسْقِنِي فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم تِلْكَ حَاجَتُك ثُمَّ إنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بَدَا له فَفَادَى بِهِ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ أَسَرَتْ ثَقِيفٌ وَأَمْسَكَ النَّاقَةَ ثُمَّ إنَّهُ أَغَارَ على الْمَدِينَةِ عَدُوٌّ فَأَخَذُوا سَرْحَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَوَجَدُوا النَّاقَةَ فيها قال وقد كانت عِنْدَهُمْ امْرَأَةٌ من الْمُسْلِمِينَ قد أَسَرُوهَا وَكَانُوا يُرِيحُونَ النَّعَمَ عِشَاءً فَجَاءَتْ الْمَرْأَةُ ذَاتَ لَيْلَةٍ إلَى النَّعَمِ فَجَعَلَتْ لَا تَجِيءُ إلَى بَعِيرٍ إلَّا رَغَا حتى انْتَهَتْ إلَيْهَا فلم تَرْغُ فَاسْتَوَتْ عليها فَنَجَتْ فلما قَدِمَتْ الْمَدِينَةَ قال الناس الْعَضْبَاءُ الْعَضْبَاءُ فقالت الْمَرْأَةُ إنِّي نَذَرْت إنْ اللَّهُ أَنْجَانِي عليها أَنْ أَنْحَرَهَا فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِئْسَمَا جَزَيْتِيهَا لا وَفَاءَ لِنَذْرٍ في مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ بن آدَمَ أخبرنا عبد الْوَهَّابِ عن أَيُّوبَ عن أبي قِلَابَةَ عن أبي الْمُهَلَّبِ عن عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَخَذَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نَاقَتَهُ ولم يَأْمُرْهَا أَنْ تَنْحَرَ مِثْلَهَا أو تَنْحَرَهَا وَلَا تُكَفِّرَ ( قال ) وَكَذَلِكَ نَقُولُ إنَّ من نَذَرَ تَبَرُّرًا أَنْ يَنْحَرَ مَالَ غَيْرِهِ فَهَذَا نَذْرٌ فِيمَا لَا يَمْلِكُ فَالنَّذْرُ سَاقِطٌ عنه وَبِذَلِكَ نَقُولُ قِيَاسًا على من نَذَرَ ما لَا يُطِيقُ أَنْ يَعْمَلَهُ بِحَالِ سَقَطَ النَّذْرُ عنه لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَعْمَلَهُ فَهُوَ كما لَا يَمْلِكُ مِمَّا سِوَاهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا نَذَرَ الرَّجُلُ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا مَشَى حتى يَحِلَّ له النِّسَاءُ ثُمَّ رَكِبَ بَعْدُ وَذَلِكَ كَمَالُ حَجِّ هذا وإذا نَذَرَ أَنْ يَعْتَمِرَ مَاشِيًا مَشَى حتى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَيَسْعَى بين الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَيَحْلِقَ أو يُقَصِّرَ وَذَلِكَ كَمَالُ عُمْرَةِ هذا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَمَشَى فَفَاتَهُ الْحَجُّ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بين الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مَاشِيًا حَلَّ وَعَلَيْهِ حَجُّ قَابِلٍ مَاشِيًا كما يَكُونُ عليه حَجُّ قَابِلٍ إذَا فَاتَهُ هذا الْحَجُّ أَلَا تَرَى أَنَّ حُكْمَهُ لو كان مُتَطَوِّعًا بِالْحَجِّ أو نَاذِرًا له أو
____________________

(7/68)


كانت عليه حِجَّةُ الْإِسْلَامِ أو عُمْرَتُهُ أَنْ لَا يُجْزِئَ هذا الْحَجُّ من حَجَّ وَلَا عُمْرَةَ فإذا كان حُكْمُهُ ( 1 ) أَنْ يَسْقُطَ وَلَا يُجْزِئَ من حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ فَكَيْفَ لَا يَسْقُطُ الْمَشْيُ الذي إنَّمَا هو هَيْئَةٌ في الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا نَذَرَ الرَّجُلُ أَنْ يَحُجَّ أو نَذَرَ أَنْ يَعْتَمِرَ ولم يَحُجَّ ولم يَعْتَمِرْ فَإِنْ كان نَذَرَ ذلك مَاشِيًا فَلَا يَمْشِي لِأَنَّهُمَا جميعا حِجَّةُ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتُهُ فَإِنْ مَشَى فَإِنَّمَا مشي حِجَّةَ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتَهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ وَيَعْتَمِرَ مَاشِيًا من قِبَلِ أَنَّ أَوَّلَ ما يَعْمَلُ الرَّجُلُ من حَجٍّ وَعُمْرَةٍ إذَا لم يَعْتَمِرْ وَيَحُجَّ فَإِنَّمَا هو حِجَّةُ الْإِسْلَامِ وَإِنْ لم يَنْوِ حِجَّةَ الْإِسْلَامِ وَنَوَى بِهِ نَذْرًا أو حَجًّا عن غَيْرِهِ أو تَطَوُّعًا فَهُوَ كُلُّهُ حِجَّةُ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتُهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ لِنَذْرِهِ فَيُوفِيَهُ كما نَذَرَ مَاشِيًا أو غير مَاشٍ قال الرَّبِيعُ هذا إذَا كان الْمَشْيُ لَا يَضُرُّ بِمَنْ يمشى فإذا كان مُضِرًّا بِهِ فَيَرْكَبُ وَلَا شَيْءَ عليه على مِثْلِ ما أَمَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَبَا إسْرَائِيلَ أَنْ يُتِمَّ صَوْمَهُ وَيَتَنَحَّى عن الشَّمْسِ فَأَمَرَهُ بِاَلَّذِي فيه الْبِرُّ وَلَا يَضُرُّ بِهِ وَنَهَاهُ عن تَعْذِيبِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِلَّهِ في تَعْذِيبِهِ وَكَذَلِكَ الذي يمشى إذَا كان الْمَشْيُ تَعْذِيبًا له يَضُرُّ بِهِ تَرَكَهُ وَلَا شَيْءَ عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قال إنْ شَفَى اللَّهُ فُلَانًا فَلِلَّهِ على أَنْ أَمْشِيَ لم يَكُنْ عليه مَشْيٌ حتى يَكُونَ نَوَى شيئا يَكُونُ مِثْلُهُ بِرًّا فَإِنْ لم يَنْوِ شيئا فَلَا شَيْءَ عليه لِأَنَّهُ ليس في الْمَشْيِ إلَى غَيْرِ مَوَاضِعِ البر بر ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ نَذَرَ فقال على الْمَشْيُ إلَى أفريقيه أو الْعِرَاقِ أو غَيْرِهِمَا من الْبُلْدَانِ لم يَكُنْ عليه شَيْءٌ لِأَنَّهُ ليس لِلَّهِ طَاعَةٌ في الْمَشْيِ إلَى شَيْءٍ من الْبُلْدَانِ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْمَشْيُ إلَى الْمَوْضِعِ الذي يُرْتَجَى فيه الْبِرُّ وَذَلِكَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ وَأَحَبُّ إلى لو نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَنْ يَمْشِيَ وإلي مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَنْ يَمْشِيَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِي هذا وَمَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَلَا يَبِينُ لي أَنْ أُوجِبَ الْمَشْيَ إلَى مَسْجِدِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَمَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ كما يَبِينُ لي أَنْ أُوجِبَ الْمَشْيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ وَذَلِكَ أَنَّ الْبِرَّ بِإِتْيَانِ بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى فَرْضٌ وَالْبِرَّ بِإِتْيَانِ هَذَيْنِ نَافِلَةٌ وإذا نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ وَلَا نِيَّةَ له فَالِاخْتِيَارُ أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ وَلَا يَجِبُ ذلك عليه إلَّا بِأَنْ يَنْوِيَهُ لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ بُيُوتُ اللَّهِ وهو إذَا نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى مَسْجِدِ مِصْرَ لم يَكُنْ عليه أَنْ يَمْشِيَ إلَيْهِ وَلَوْ نَذَرَ بِرًّا أَمَرْنَاهُ بِالْوَفَاءِ بِهِ ولم يُجْبَرْ عليه وَلَيْسَ هذا كما يُؤْخَذُ للادميين من الْآدَمِيِّينَ هذا عَمَلٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عز وجل لَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِإِيجَابِهِ على نَفْسِهِ بِعَيْنِهِ وإذا نَذَرَ الرَّجُلُ أَنْ يَنْحَرَ بِمَكَّةَ لم يَجْزِهِ إلَّا أَنْ يَنْحَرَ بِمَكَّةَ وَذَلِكَ أَنَّ النَّحْرَ بِمَكَّةَ بِرٌّ وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَنْحَرَ بِغَيْرِهَا لِيَتَصَدَّقَ لم يَجْزِهِ أَنْ يَنْحَرَ إلَّا حَيْثُ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ وَإِنَّمَا أَوْجَبْته وَلَيْسَ في النَّحْرِ في غَيْرِهَا بِرٌّ لِأَنَّهُ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ على مَسَاكِينِ ذلك الْبَلَدِ فإذا نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ على مَسَاكِينِ بَلَدٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ عليهم ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال الرَّجُلُ غُلَامِي حُرٌّ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لي في سَاعَتِي هذه أو في يَوْمِي هذا أو أَشَاءَ أو يَشَاءَ فُلَانٌ أَنْ لَا يَكُونَ حُرًّا أو امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إلَّا أَنْ أَشَاءَ أَنْ لَا تَكُونَ طَالِقًا في يَوْمِي هذا أو يَشَاءَ فُلَانٌ فَشَاءَ أو شَاءَ الذي اسْتَثْنَى مَشِيئَتَهُ لم يَكُنْ الْعَبْدُ حُرًّا وَلَا الْمَرْأَةُ طَالِقًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال الرَّجُلُ أنا أهدى هذه الشَّاةَ نَذْرًا أو أمشى نَذْرًا فَعَلَيْهِ أَنْ يُهْدِيَهَا وَعَلَيْهِ أَنْ يَمْشِيَ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنِّي سَأُحْدِثُ نَذْرًا أو أَنِّي سَأُهْدِيهَا فَلَا يَلْزَمُهُ ذلك وهو كما قَالَهُ لِغَيْرِ إيجَابٍ فإذا نَذَرَ الرَّجُلُ أَنْ يأتى مَوْضِعًا من الْحَرَمِ مَاشِيًا أو رَاكِبًا فَعَلَيْهِ أَنْ يأتى الْحَرَمَ حَاجًّا أو مُعْتَمِرًا وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يأتى عَرَفَةَ أو مَرًّا أو مَوْضِعًا قَرِيبًا من الْحَرَمِ ليس بِالْحَرَمِ لم يَكُنْ عليه شَيْءٌ لِأَنَّ هذا نَذْرٌ في غَيْرِ طَاعَةٍ وإذا نَذَرَ الرَّجُلُ حَجًّا ولم يُسَمِّ وَقْتًا فَعَلَيْهِ حَجٌّ يُحْرِمُ بِهِ في أَشْهُرِ الْحَجِّ مَتَى شَاءَ وَإِنْ قال على نَذْرُ حَجٍّ إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَلَيْسَ عليه شَيْءٌ وَلَوْ شَاءَ فُلَانٌ إنَّمَا النَّذْرُ ما أُرِيدَ اللَّهُ عز وجل بِهِ ليس على مَعَانِي الْغَلْقِ وَلَا مَشِيئَةِ غَيْرِ النَّاذِرِ وإذا نَذَرَ أَنْ يهدى شيئا من النَّعَمِ لم يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يُهْدِيَهُ وإذا
____________________

(7/69)


نَذَرَ أَنْ يهدى مَتَاعًا لم يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يُهْدِيَهُ أو يَتَصَدَّقَ بِهِ على مَسَاكِينِ الْحَرَمِ فَإِنْ كانت نِيَّتُهُ في هذه أَنْ يُعَلِّقَهُ سِتْرًا على الْبَيْتِ أو يَجْعَلَهُ في طِيبِ الْبَيْتِ جَعَلَهُ حَيْثُ نَوَى وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يهدى ما لَا يُحْمَلُ مِثْلَ الْأَرَضِينَ وَالدُّورِ بَاعَ ذلك فَأَهْدَى ثَمَنَهُ وَيَلِي الذي نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِذَلِكَ تَعْلِيقَهُ على الْبَيْتِ وَتَطْيِيبَهُ بِهِ أو يُوَكِّلُ بِهِ ثِقَةً يَلِي ذلك له وإذا نَذَرَ أَنْ يهدى بَدَنَةً لم يَجْزِهِ فيها إلَّا ثنى من الابل أو ثَنِيَّةٌ وَسَوَاءٌ في ذلك الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى والخصى وَأَكْثَرُهَا ثَمَنًا أَحَبُّ إلى وإذا لم يَجِدْ بَدَنَةً أَهْدَى بَقَرَةً ثَنِيَّةً فَصَاعِدًا وإذا لم يَجِدْ بَقَرَةً أَهْدَى سَبْعًا من الْغَنَمِ ثَنِيًّا فَصَاعِدًا إنْ كُنَّ مِعْزًى أو جَذَعًا فَصَاعِدًا إنْ كُنَّ ضَأْنًا وَإِنْ كانت نِيَّتُهُ على بَدَنَةٍ من الْإِبِلِ دُونَ الْبَقَرِ فَلَا يَجْزِيهِ أَنْ يهدى مَكَانَهَا من الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ إلَّا بِقِيمَتِهَا وإذا نَذَرَ الرَّجُلُ هَدْيًا ولم يُسَمِّ الهدى ولم يَنْوِ شيئا فَأَحَبُّ إلى أَنْ يهدى شَاةً وما أَهْدَى من مُدِّ حِنْطَةٍ أو ما فَوْقَهُ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ كُلَّ هذا هدى وإذا نَذَرَ أَنْ يهدى هَدْيًا وَنَوَى بِهِ بَهِيمَةً جَدْيًا رَضِيعًا أَهْدَاهُ إنَّمَا مَعْنَى الْهَدْيِ هَدِيَّةٌ وَكُلُّ هذا يَقَعُ عليه اسْمُ هدى ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ شَاةً عَوْرَاءَ أو عَمْيَاءَ أو عَرْجَاءَ أو ما لَا يَجُوزُ أُضْحِيَّةً أَهْدَاهُ وَلَوْ أَهْدَى تَامًّا كان أَحَبَّ إلى لِأَنَّ كُلَّ هذا هدى أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ من النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا } فَقَدْ يَقْتُلُ الصَّيْدَ وهو صَغِيرٌ وَأَعْرَجُ وَأَعْمَى وَإِنَّمَا يَجْزِيهِ بمثله أَوَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقْتُلُ الْجَرَادَ وَالْعُصْفُورَ وَهُمَا من الصَّيْدِ فَيَجْزِي الْجَرَادَةَ بِتَمْرَةٍ وَالْعُصْفُورَ بِقِيمَتِهِ وَلَعَلَّهُ قبضة وقد سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى هذا كُلَّهُ هَدْيًا وإذا قال الرَّجُلُ شَاتِي هذه هدى إلَى الْحَرَمِ أو بُقْعَةٍ من الْحَرَمِ أهدي وإذا نَذَرَ الرَّجُلُ بَدَنَةً لم تُجْزِئْهُ إلَّا بِمَكَّةَ فإذا سَمَّى مَوْضِعًا من الْأَرْضِ يَنْحَرُهَا فيه أَجْزَأَتْهُ وإذا نَذَرَ الرَّجُلُ عَدَدَ صَوْمٍ صَامَهُ إنْ شَاءَ مُتَفَرِّقًا وَإِنْ شَاءَ مُتَتَابِعًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا نَذَرَ صِيَامَ أَشْهُرٍ فما صَامَ منها بِالْأَهِلَّةِ صَامَهُ عَدَدًا ما بين الْهِلَالَيْنِ إنْ كان تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَثَلَاثِينَ فَإِنْ صَامَهُ بِالْعَدَدِ صَامَ عن كل شَهْرٍ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وإذا نَذَرَ صِيَامَ سَنَةٍ بِعَيْنِهَا صَامَهَا كُلَّهَا إلَّا رَمَضَانَ فإنه يَصُومُهُ لِرَمَضَانَ وَيَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ النَّحْرِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَلَا قَضَاءَ عليه كما لو قَصَدَ فَنَذَرَ أَنْ يَصُومَ هذه الْأَيَّامَ لم يَكُنْ عليه نَذْرٌ وَلَا قَضَاءٌ فَإِنْ نَذَرَ سَنَةً بِغَيْرِ عَيْنِهَا قَضَى هذه الْأَيَّامَ كُلَّهَا حتى يوفى صَوْمَ سَنَةٍ كَامِلَةٍ وإذا قال لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَحُجَّ عَامِي هذا فَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عَدُوٌّ أو سُلْطَانٌ حَابِسٌ فَلَا قَضَاءَ عليه وَإِنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَرَضٌ أو خَطَأُ عَدَدٍ أو نِسْيَانٌ أو تَوَانٍ قَضَاهُ إذَا زَعَمْت أَنَّهُ يُهِلُّ بِالْحَجِّ فَيُحْصَرُ بِعَدُوٍّ فَلَا يَكُونُ عليه قَضَاءٌ كان من نَذَرَ حَجًّا بِعَيْنِهِ مثله وما زَعَمْت أَنَّهُ إذَا أُحْصِرَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ أَمَرْته أَنْ يَقْضِيَهُ إنْ نَذَرَهُ فَأُحْصِرَ وَهَكَذَا إنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ سَنَةً بِعَيْنِهَا فَمَرِضَ قَضَاهَا إلَّا الْأَيَّامَ التي ليس له أَنْ يَصُومَهَا فَإِنْ قال قَائِلٌ فَلِمَ تَأْمُرُ الْمُحْصَرَ إذَا أُحْصِرَ بِالْهَدْيِ وَلَا تَأْمُرُ بِهِ هذا قُلْت آمُرُهُ بِهِ لِلْخُرُوجِ من الْإِحْرَامِ وَهَذَا لم يُحْرِمْ فَآمُرُهُ بِالْهَدْيِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَكَلَ الصَّائِمُ أو شَرِبَ في رَمَضَانَ أو نَذْرٍ أو صَوْمِ كَفَّارَةٍ أو وَاجِبٍ بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ أو تَطَوُّعٍ نَاسِيًا فَصَوْمُهُ تَامٌّ وَلَا قَضَاءَ عليه وإذا تَسَحَّرَ بَعْدَ الْفَجْرِ وهو لَا يَعْلَمُ أو أَفْطَرَ قبل اللَّيْلِ وهو لَا يَعْلَمُ فَلَيْسَ بِصَائِمٍ في ذلك الْيَوْمِ وَعَلَيْهِ بَدَلُهُ فَإِنْ كان صَوْمُهُ مُتَتَابِعًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْنِفَهُ وإذا قال لِلَّهِ على أَنْ أَصُومَ الْيَوْمَ الذي يَقْدَمُ فيه فُلَانٌ فَقَدِمَ لَيْلًا فَلَيْسَ عليه صَوْمُ صَبِيحَةِ ذلك الْيَوْمِ لِأَنَّهُ قَدِمَ في اللَّيْلِ ولم يَقْدَمْ في النَّهَارِ وَأَحَبُّ إلى لو صَامَهُ وَلَوْ قَدِمَ الرَّجُلُ نَهَارًا وقد أَفْطَرَ الذي نَذَرَ الصَّوْمَ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ ذلك الْيَوْمِ وَهَكَذَا لو قَدِمَ بَعْدَ الْفَجْرِ وهو صَائِمٌ ذلك الْيَوْمِ مُتَطَوِّعًا أو لم يَأْكُلْ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَهُ لِأَنَّهُ نَذْرٌ وَالنَّذْرُ لَا يَجْزِيهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ صِيَامَهُ قبل الْفَجْرِ وَهَذَا احْتِيَاطٌ وقد يَحْتَمِلُ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ عليه قَضَاؤُهُ من قِبَلِ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ له أَنْ يَكُونَ فيه صَائِمًا عن نَذْرِهِ وَإِنَّمَا قُلْنَا بِالِاحْتِيَاطِ أن جَائِزًا أَنْ يُصَامَ وَلَيْسَ هو كَيَوْمِ الْفِطْرِ وَإِنَّمَا كان عليه صَوْمُهُ بَعْدَ مَقْدَمِ فُلَانٍ فَقُلْنَا عليه قَضَاؤُهُ وَهَذَا أَصَحُّ في الْقِيَاسِ من الْأَوَّلِ وَلَوْ أَصْبَحَ فيه صَائِمًا من نَذْرٍ غَيْرِ هذا أو قَضَاءِ رَمَضَانَ
____________________

(7/70)


أَحْبَبْت أَنْ يَعُودَ لِصَوْمِهِ لنذره ( ( ( كنذره ) ) ) وَقَضَائِهِ وَيَعُودَ لِصَوْمِهِ لِمَقْدَمِ فُلَانٍ وَلَوْ أَنَّ فُلَانًا قَدِمَ يوم الْفِطْرِ أو يوم النَّحْرِ أو التَّشْرِيقِ لم يَكُنْ عليه صَوْمُ ذلك الْيَوْمِ وَلَا عليه قَضَاؤُهُ لِأَنَّهُ ليس في صَوْمِ ذلك الْيَوْمِ طَاعَةٌ وَلَا يَقْضِي ما لَا طَاعَةَ فيه وَلَوْ قال لِلَّهِ على أَنْ أَصُومَ الْيَوْمَ الذي يَقْدَمُ فيه فُلَانٌ أَبَدًا فَقَدِمَ يوم الِاثْنَيْنِ كان عليه قَضَاءُ الْيَوْمِ الذي قَدِمَ فيه فُلَانٌ وَصَوْمُ الِاثْنَيْنِ كُلَّمَا اسْتَقْبَلَهُ فَإِنْ تَرَكَهُ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ قَضَاهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ يوم فِطْرٍ أو أَضْحًى أو أَيَّامَ التَّشْرِيقِ فَلَا يَصُومُهُ وَلَا يَقْضِيهِ وَكَذَلِكَ إنْ كان في رَمَضَانَ لم يَقْضِهِ وَصَامَهُ من رَمَضَانَ كما لو أَنَّ رَجُلًا نَذَرَ أَنْ يَصُومَ رَمَضَانَ صَامَ رَمَضَانَ بِالْفَرِيضَةِ ولم يَصُمْهُ بِالنَّذْرِ ولم يَقْضِهِ وَكَذَلِكَ لو نَذَرَ أَنْ يَصُومَ يوم الْفِطْرِ أو الْأَضْحَى أو أَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَقَدِمَ فُلَانٌ يوم الِاثْنَيْنِ وقد وَجَبَ عليه صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ صَامَهُمَا وقضي كُلَّ اثْنَيْنِ فِيهِمَا وَلَا يُشْبِهُ هذا شَهْرَ رَمَضَانَ لِأَنَّ هذا شَيْءٌ أَدْخَلَهُ على نَفْسِهِ بعد ما أَوْجَبَ عليه صَوْمَ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَشَهْرُ رَمَضَانَ شَيْءٌ أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا شَيْءٌ أَدْخَلَهُ على نَفْسِهِ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وكان النَّاذِرُ امْرَأَةً فَكَالرَّجُلِ وتقضى كُلَّ ما مَرَّ عليها من حَيْضَتِهَا وإذا قالت الْمَرْأَةُ لِلَّهِ على أَنْ أَصُومَ كُلَّمَا حِضْت أو أَيَّامَ حَيْضَتِي فَلَيْسَ عليها صَوْمٌ وَلَا قَضَاءٌ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ صَائِمَةً وَهِيَ حَائِضٌ وإذا نَذَرَ الرَّجُلُ صَوْمًا أو صَلَاةً ولم يَنْوِ عَدَدًا فَأَقَلُّ ما يَلْزَمُهُ من الصَّلَاةِ رَكْعَتَانِ وَمِنْ الصَّوْمِ يَوْمٌ لِأَنَّ هذا أَقَلُّ ما يَكُونُ من الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ إلَّا الْوِتْرَ ( قال الرَّبِيعُ ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ يَجْزِيهِ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ يروي عن عُمَرَ أَنَّهُ تَنَفَّلَ بِرَكْعَةٍ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ بَعْدَ عَشْرِ رَكَعَاتٍ وَأَنَّ عُثْمَانَ أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ ( قال الرَّبِيعُ ) فلما كانت رَكْعَةُ صَلَاةٍ وَنَذَرَ أَنْ يصلى صَلَاةً ولم يَنْوِ عَدَدًا فَصَلَّى رَكْعَةً كانت رَكْعَةَ صَلَاةٍ بِمَا ذَكَرْنَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال لِلَّهِ على عِتْقُ رَقَبَةٍ فَأَيَّ رَقَبَةٍ أَعْتَقَ أَجْزَأَهُ - * فِيمَنْ حَلَفَ على سُكْنَى دَارٍ لَا يَسْكُنُهَا - * ( سُئِلَ الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقِيلَ له فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَسْكُنَ هذه الدَّارَ وهو فيها سَاكِنٌ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْخُرُوجِ من سَاعَةِ حَلَفَ وَلَا نَرَى عليه حِنْثًا في أَقَلَّ من يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ له نِيَّةٌ في تَعْجِيلِ الْخُرُوجِ قبل يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فإنه حَانِثٌ إذَا أَقَامَ يَوْمًا وَلَيْلَةً أو يقول نَوَيْت أَنْ لَا أَعْجَلَ حتى أَجِدَ مَنْزِلًا فَيَكُونُ ذلك له ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَسْكُنَ الدَّارَ وهو فيها سَاكِنٌ أَخَذَ في الْخُرُوجِ مَكَانَهُ فَإِنْ تَخَلَّفَ سَاعَةً وهو يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ منها حَنِثَ وَلَكِنَّهُ يَخْرُجُ منها بِبَدَنِهِ مُتَحَوِّلًا وَلَا يَضُرُّهُ أَنْ يَتَرَدَّدَ على حَمْلِ مَتَاعِهِ منها وَإِخْرَاجِ أَهْلِهِ لِأَنَّ ذلك ليس بِسَكَنٍ قال فَإِنَّا نَقُولُ في الرَّجُلِ يَحْلِفُ أَنْ لَا يُسَاكِنَ الرَّجُلَ وَهُمَا في دَارٍ وَاحِدَةٍ ليس لها مَقَاصِيرُ كُلُّ بَيْتٍ يَدْخُلُهُ سَاكِنُهُ أو كانت لها مَقَاصِيرُ يَسْكُنُ كُلَّ مَقْصُورَةٍ منها سَاكِنُهَا وكان الْحَالِفُ مع الْمَحْلُوفِ عليه في بَيْتٍ منها أو في مَقْصُورَةٍ من مَقَاصِيرِهَا أو في حُجْرَةِ الْمَقْصُورَةِ دُونَ الْبَيْتِ وصاحبه ( ( ( وصاحب ) ) ) الْمَحْلُوفِ عليه في الْبَيْتِ أَنَّهُ يَخْرُجُ مَكَانَهُ حين حَلَفَ أَنَّهُ لَا يُسَاكِنُهُ في الْبَيْتِ إلَى أَيِّ بُيُوتِ الدَّارِ شَاءَ وَلَيْسَ له أَنْ يُسَاكِنَهُ في الْمَقْصُورَةِ التي كانت فيها الْيَمِينُ وَإِنْ كان معه في الْبَيْتِ وَلَيْسَ له مَقْصُورَةٌ أو له مَقْصُورَةٌ أو كان في مَقْصُورَةٍ دُونَ الْبَيْتِ وَالْآخَرُ في الْبَيْتِ دُونَ الْمَقْصُورَةِ أَنَّهُ إنْ أَقَامَ في الْبَيْتِ أو في الْمَقْصُورَةِ يَوْمًا وَلَيْلَةً كان حَانِثًا وَإِنْ أَقَامَ أَقَلَّ من ذلك لِغَيْرِ الْمُسَاكَنَةِ لم يَكُنْ عليه حِنْثٌ إذَا خَرَجَ إلَى أَيِّ بُيُوتِ الدَّارِ وَمَقَاصِيرِهَا شَاءَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ أَنْ لَا يُسَاكِنَ الرَّجُلَ وهو سَاكِنٌ معه فَهِيَ كَالْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا يَخْرُجُ منها مَكَانَهُ أو يَخْرُجُ الرَّجُلُ مَكَانَهُ فَإِنْ أَقَامَا جميعا سَاعَةً بعد ما أَمْكَنَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ عنه حَنِثَ وَإِنْ كَانَا في بَيْتَيْنِ فَجُعِلَ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ أو لِكُلِّ وَاحِدٍ من الْحُجْرَتَيْنِ بَابٌ فَلَيْسَتْ هذه مُسَاكَنَةٌ وَإِنْ كَانَا في دَارٍ وَاحِدَةٍ وَالْمُسَاكَنَةُ أَنْ يَكُونَا في بَيْتٍ أو بَيْتَيْنِ حُجْرَتُهُمَا وَمَدْخَلُهُمَا وَاحِدٌ فَأَمَّا إذَا افْتَرَقَ الْبَيْتَانِ وَالْحُجْرَتَانِ فَلَيْسَتْ مُسَاكَنَةً
____________________

(7/71)


( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّمَا جَوَابُنَا في هذه الْأَيْمَانِ كُلِّهَا إذَا حَلَفَ لَا نِيَّةَ له إنَّمَا خَرَجَتْ الْيَمِينُ منه بِلَا نِيَّةٍ فَأَمَّا إذَا كانت الْيَمِينُ بِنِيَّةٍ فَالْيَمِينُ على ما نَوَى قال فَإِنَّا نَقُولُ إذَا نَقَلَ أَهْلَهُ وَعِيَالَهُ وَتَرَكَ مَتَاعَهُ فَإِنَّا نَسْتَحِبُّ له أَنْ يَنْتَقِلَ بِجَمِيعِ مَتَاعِهِ وَأَنْ لَا يُخَلِّفَ شيئا من مَتَاعِهِ وَإِنْ خَلَّفَ شيئا منه أو خَلَّفَهُ كُلَّهُ فَلَا حِنْثَ عليه فَإِنْ خَلَّفَ أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ فَهُوَ حَانِثٌ لِأَنَّهُ سَاكِنٌ بَعْدُ وَالْمُسَاكَنَةُ التي حَلَفَ عليها هِيَ الْمُسَاكَنَةُ منه وَمِنْ عِيَالِهِ لِمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُسَاكِنَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالنُّقْلَةُ وَالْمُسَاكَنَةُ على الْبَدَنِ دُونَ الْأَهْلِ وَالْمَالِ وَالْوَلَدِ وَالْمَتَاعِ فإذا حَلَفَ رَجُلٌ لَيَنْتَقِلَنَّ فَانْتَقَلَ بِبَدَنِهِ وَتَرَكَ أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ وَمَالَهُ فَقَدْ بَرَّ وَإِنْ قال قَائِلٌ ما الْحُجَّةُ قِيلَ أَرَأَيْت إذَا سَافَرَ بِبَدَنِهِ أَيَقْصُرُ الصَّلَاةَ وَيَكُونُ من أَهْلِ السَّفَرِ أو رَأَيْت إذَا انْقَطَعَ إلَى مَكَّةَ بِبَدَنِهِ أَيَكُونُ من حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِينَ إنْ تَمَتَّعُوا لم يَكُنْ عليهم دَمٌ فإذا قال نعم قِيلَ فَإِنَّمَا النُّقْلَةُ وَالْحُكْمُ على الْبَدَنِ لَا علي مَالٍ وَلَا على وَلَدٍ وَلَا على مَتَاعٍ قال فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ هذا الثَّوْبَ وهو لَابِسُهُ فَتَرَكَهُ عليه بَعْدَ الْيَمِينِ أَنَّا نَرَاهُ حَانِثًا لِأَنَّهُ قد لَبِسَهُ بَعْدَ يَمِينِهِ وَكَذَلِكَ نَقُولُ فيه إنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ هذه الدَّابَّةَ وهو عليها فَإِنْ نَزَلَ مَكَانَهُ وَإِلَّا كان حَانِثًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ الثَّوْبَ وهو لَابِسُهُ فَمِثْلُ الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ إنْ لم يَنْزِعْهُ من سَاعَتِهِ إذَا أَمْكَنَهُ نَزْعُهُ حَنِثَ وَكَذَلِكَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَرْكَبَ دَابَّةً وهو رَاكِبُهَا فَإِنْ نَزَلَ مَكَانَهُ وَإِلَّا حَنِثَ وَهَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ من هذا الصِّنْفِ قِيلَ فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَسْكُنَ بَيْتًا وَلَا نِيَّةَ له وهو من أَهْلِ الْحَضَارَةِ فَسَكَنَ بَيْتًا من بُيُوتِ الشَّعْرِ فإنه إنْ كان لِيَمِينِهِ مَعْنًى يُسْتَدَلُّ عليه بِالْأَمْرِ الذي له حَلَفَ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ سمع بِقَوْمٍ انْهَدَمَ عليهم بَيْتٌ فَعَمَّهُمْ تُرَابُهُ فَلَا شَيْءَ عليه في سُكْنَاهُ في بَيْتِ شَعْرٍ وَإِنْ لم يَكُنْ له نِيَّةٌ حين حَلَفَ وَإِنْ كان إنَّمَا وَجْهُ يَمِينِهِ أَنَّهُ قِيلَ له إنَّ الشَّمْسَ مُحْتَجِبَةٌ وَإِنَّ السُّكْنَى في السُّطُوحِ وَالْخُرُوجَ من الْبُيُوتِ مَصَحَّةٌ وَيَسْرَةٌ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَسْكُنَ بَيْتًا فَإِنَّا نَرَاهُ حَانِثًا إنْ سَكَنَ بَيْتَ شَعْرٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَسْكُنَ بَيْتًا وهو من أَهْلِ الْبَادِيَةِ أو أَهْلِ الْقَرْيَةِ وَلَا نِيَّةَ له فَأَيَّ بَيْتِ شَعْرٍ أو أَدَمٍ أو خَيْمَةٍ أو ما وَقَعَ عليه اسْمُ بَيْتٍ أو حِجَارَةٍ أو مَدَرٍ سَكَنَ حَنِثَ قال فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَسْكُنَ دَارَ فُلَانٍ فَسَكَنَ دَارًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ آخَرَ أَنَّهُ يَحْنَثُ وَكَذَلِكَ إنْ كانت الدَّارُ كُلُّهَا له فَسَكَنَ منها بَيْتًا حَنِثَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَسْكُنَ دَارًا لِفُلَانٍ ولم يَنْوِ دَارًا بِعَيْنِهَا فَسَكَنَ دَارًا له فيها شِرْكٌ أَكْثَرُهَا كان له أو أَقَلُّهَا لم يَحْنَثْ وَلَا يَحْنَثُ حتى تَكُونَ الدَّارُ كُلُّهَا له خَاصَّةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ طَعَامًا اشْتَرَاهُ فُلَانٌ فَاشْتَرَى فُلَانٌ وَآخَرُ معه طَعَامًا وَلَا نِيَّةَ له لم يَحْنَثْ وَلَا أَقُولُ بِقَوْلِكُمْ أنكم تَقُولُونَ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ من طَعَامٍ اشْتَرَاهُ فُلَانٌ فَأَكَلَ من طَعَامٍ اشْتَرَاهُ فُلَانٌ وَآخَرُ معه أنكم تُحْنِثُونَهُ إنْ أَكَلَ منه قبل أَنْ يَقْتَسِمَاهُ وَزَعَمْنَا وَزَعَمْتُمْ أَنَّهُمَا إنْ اقْتَسَمَاهُ فَأَكَلَ الْحَالِفُ مِمَّا صَارَ لِلَّذِي لم يَحْلِفْ عليه لم يَكُنْ عليه حِنْثٌ وَالْقَوْلُ فيها على ما أَجَبْتُك في صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ قال فَإِنَّا نَقُولُ من حَلَفَ أَنْ لَا يَسْكُنَ دَارَ فُلَانٍ فَبَاعَهَا فُلَانٌ أنه إنْ كان عَقَدَ يَمِينَهُ على الدَّارِ لِأَنَّهَا دَارُهُ لَا يَحْنَثُ إنْ سَكَنَهَا وَهِيَ لِغَيْرِهِ وَإِنْ كان إنَّمَا عَقَدَ يَمِينَهُ على الدَّارِ وَجَعَلَ تَسْمِيَتَهُ صَاحِبَهَا صِفَةً من صِفَاتِهَا مِثْلَ قَوْلِهِ هذه الدَّارُ الْمُزَوَّقَةُ فَذَهَبَ تَزْوِيقُهَا فَأَرَاهُ حَانِثًا إنْ سَكَنَهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ أَنْ لَا يَسْكُنَ دَارَ فُلَانٍ هذه بِعَيْنِهَا وَبَاعَهَا فُلَانٌ فَإِنْ كانت نِيَّتُهُ على الدَّارِ حَنِثَ بِأَيِّ وَجْهٍ سَكَنَهَا وَإِنْ مَلَكَهَا هو وَإِنْ كانت نِيَّتُهُ ما كانت لِفُلَانٍ لم يَحْنَثْ إذَا خَرَجَتْ من مِلْكِهِ وَإِنْ لم يَكُنْ له نِيَّةٌ حَنِثَ إذَا قال دَارُ فُلَانٍ هذه
____________________

(7/72)


- * فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ هذه الدَّارَ وَهَذَا الْبَيْتَ فَغُيِّرَ عن حَالِهِ - * ( قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّا نَقُولُ لو أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ هذه الدَّارَ فَهُدِمَتْ حتى صَارَتْ طَرِيقًا أو خَرِبَةً يَذْهَبُ الناس فيها ذَاهِبِينَ وَجَائِينَ أنه إنْ كان في يَمِينِهِ سَبَبٌ يُسْتَدَلُّ بِهِ على شَيْءٍ من نِيَّتِهِ وما أَرَادَ في يَمِينِهِ حُمِلَ على ما اسْتَدَلَّ بِهِ وَإِنْ لم يَكُنْ لِذَلِكَ سَبَبٌ يُسْتَدَلُّ بِهِ على شَيْءٍ من نِيَّتِهِ فَإِنَّا لَا نَرَى عليه حِنْثًا في دُخُولِهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَدْخُلَ هذه الدَّارَ فَانْهَدَمَتْ حتى صَارَتْ طَرِيقًا ثُمَّ دَخَلَهَا لم يَحْنَثْ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِدَارٍ قال فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ قال وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ من بَابِ هذه الدَّارِ فَحُوِّلَ بَابُهَا فَدَخَلَ من بَابِهَا هذا الْمُحْدَثِ إنَّهُ حَانِثٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَدْخُلَ من بَابِ هذه الدَّارِ وَلَا نِيَّةَ له فَحُوِّلَ بَابُهَا إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ فَدَخَلَ منه لم يَحْنَثْ وَإِنْ كانت له نِيَّةٌ فَنَوَى من بَابِ هذه الدَّارِ في هذا الْمَوْضِعِ لم يَحْنَثْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ نَوَى أَنْ لَا يَدْخُلَ الدَّارَ حَنِثَ ( قال ) فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ هذا الثَّوْبَ وهو قَمِيصٌ فَقَطَعَهُ قَبَاءً أو سَرَاوِيلَ أو جُبَّةً إنَّا نَرَاهُ حَانِثًا إلَّا أَنْ تَكُونَ له نِيَّةٌ يُسْتَدَلُّ بها على أَنَّهُ لَا حِنْثَ عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَلْبَسَ ثَوْبًا وهو رِدَاءٌ فَقَطَعَهُ قَمِيصًا أو اتَّزَرَ بِهِ أو ارْتَدَى بِهِ أو قَطَعَهُ قَلَانِسَ أو تَبَابِينَ أو حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ سَرَاوِيلَ فَاتَّزَرَ بها أو قَمِيصًا فَارْتَدَى بِهِ فَهَذَا كُلُّهُ لُبْسٌ وهو يَحْنَثُ في هذا كُلِّهِ إذَا لم تَكُنْ له نِيَّةٌ فَإِنْ كانت له نِيَّةٌ لم يَحْنَثْ إلَّا على نِيَّتِهِ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ الْقَمِيصَ كما تُلْبَسُ الْقُمُصُ فَارْتَدَى بِهِ لم يَحْنَثْ وَكَذَلِكَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ الرِّدَاءَ كما تُلْبَسُ الْأَرْدِيَةُ فَلَبِسَهُ قَمِيصًا لم يَحْنَثْ وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَلْبَسَ ثَوْبَ امْرَأَتِهِ وقد كانت مَنَّتْ بِالثَّوْبِ عليه أو ثَوْبَ رَجُلٍ مَنَّ عليه فَأَصْلُ ما أَبْنِي عليه أَنْ لَا أَنْظُرَ إلَى سَبَبِ يَمِينِهِ أَبَدًا وَإِنَّمَا أَنْظُرُ إلَى مَخْرَجِ الْيَمِينِ ثُمَّ أُحْنِثُ صَاحِبَهَا أو أُبِرُّهُ على مَخْرَجِهَا وَذَلِكَ أَنَّ الْأَسْبَابَ مُتَقَدِّمَةٌ وَالْأَيْمَانَ مُحْدَثَةٌ بَعْدَهَا فَقَدْ يَحْدُثُ على مِثَالِهَا وَعَلَى خِلَافِ مِثَالِهَا فلما كان هَكَذَا لم أُحْنِثْهُ على سَبَبِ يَمِينِهِ وَأُحْنِثُهُ على مَخْرَجِ يَمِينِهِ أَرَأَيْت لو أَنَّ رَجُلًا قال لِرَجُلٍ قد نَحَلْتُك دَارِي أو قد وَهَبْتُك مَالِي فَحَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهُ أَمَا يَحْنَثُ إنْ لم يَضْرِبْهُ وَلَيْسَ حَلِفُهُ لَيَضْرِبَنَّهُ يُشْبِهُ سَبَبَ ما قال له فإذا حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ هذا الثَّوْبَ لِثَوْبِ امْرَأَتِهِ فَوَهَبَتْهُ له أو بَاعَتْهُ فَاشْتَرَى بِثَمَنِهِ ثَوْبًا أو انْتَفَعَ بِهِ لم يَحْنَثْ وَلَا يَحْنَثُ أَبَدًا إلَّا بِلُبْسِهِ ( قال ) فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ فُلَانٍ فَرَقَى على ظَهْرِ بَيْتِهِ أَنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ دَخَلَهَا من ظَهْرِهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ فُلَانٍ فَرَقَى فَوْقَهَا فلم يَدْخُلْهَا وَإِنَّمَا دُخُولُهُ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتًا منها أو عَرْصَتَهَا ( قال ) فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ بَيْتَ فُلَانٍ فَدَخَلَ بَيْتَ فُلَانٍ الْمَحْلُوفِ عليه وَإِنَّمَا فُلَانٌ سَاكِنٌ في ذلك الْبَيْتِ بِكِرَاءٍ أنه يَحْنَثُ لِأَنَّهُ بَيْتُهُ ما دَامَ سَاكِنًا فيه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَدْخُلَ بَيْتَ فُلَانٍ وَفُلَانٌ في بَيْتٍ بِكِرَاءٍ لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ ليس بَيْتَ فُلَانٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ مَسْكَنَ فُلَانٍ وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ مَسْكَنَ فُلَانٍ فَدَخَلَ عليه مَسْكَنًا بِكِرَاءٍ حَنِثَ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى مَسْكَنًا له يَمْلِكُهُ ( قال ) فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ فُلَانٍ فَاحْتَمَلَهُ إنْسَانٌ فَأَدْخَلَهُ قَهْرًا فإنه إنْ كان غَلَبَهُ على ذلك ولم يَتَرَاخَ فَلَا حِنْثَ عليه إنْ كان حين قَدَرَ على الْخُرُوجِ خَرَجَ من سَاعَتِهِ فَأَمَّا إنْ أَقَامَ وَلَوْ شَاءَ أَنْ يَخْرُجَ خَرَجَ فإن هذا حَانِثٌ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال إذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ فُلَانٍ فَحُمِلَ فَأُدْخِلَهَا لم يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَكُونَ هو أَمَرَهُمْ أَنْ يُدْخِلُوهُ تَرَاخَى أو لم يَتَرَاخَ ( قال ) فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ فُلَانٍ فقال إنَّمَا حَلَفْت أَنْ لَا أَدْخُلَهَا وَنَوَيْت شَهْرًا أنا نَرَى عليه أَنَّهُ إنْ كانت
____________________

(7/73)


عليه في يَمِينِهِ بَيِّنَةٌ فإنه لَا يُصَدَّقُ بِنِيَّتِهِ وَإِنْ دَخَلَهَا حَنِثَ وَإِنْ كان لَا بَيِّنَةَ عليه في يَمِينِهِ قُبِلَ ذلك منه مع يَمِينِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ فُلَانٍ فقال نَوَيْت شَهْرًا أو يَوْمًا فَهُوَ كَذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عز وجل وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ فَأَمَّا في الْحُكْمِ فَمَتَى دَخَلَهَا فَهِيَ طَالِقٌ ( قال ) فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ قال وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ على فُلَانٍ بَيْتًا فَدَخَلَ عليه فُلَانٌ ذلك بَيْتًا إنَّا نَرَاهُ حَانِثًا إنْ أَقَامَ معه في الْبَيْتِ حين دخل عليه وَذَلِكَ أَنَّهُ ليس يُرَادُ بِالْيَمِينِ في مِثْلِ هذا الدُّخُولُ وَلَكِنْ يُرَادُ بِهِ الْمُجَالَسَةُ إلَّا أَنْ تَكُونَ نِيَّتُهُ يوم حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عليه وَأَنَّهُ كان هو في الْبَيْتِ أَوَّلًا ثُمَّ دخل عليه الْآخَرُ فَلَا حِنْثَ عليه وإذا كان هذا هَكَذَا نِيَّتُهُ يوم حَلَفَ فَإِنَّا لَا نَرَى عليه حِنْثًا إذَا كان الْمَحْلُوفُ عليه هو الدَّاخِلُ عليه بَعْدَ دُخُولِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَدْخُلَ على رَجُلٍ بَيْتًا فَدَخَلَ عليه الْآخَرُ بَيْتَهُ فَأَقَامَ معه لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لم يَدْخُلْ عليه ( قال ) فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ على فُلَانٍ بَيْتًا فَدَخَلَ على جَارٍ له بَيْتَهُ فإذا فُلَانٌ الْمَحْلُوفُ عليه في بَيْتِ جَارِهِ أنه يَحْنَثُ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ عليه وَسَوَاءٌ كان الْبَيْتُ له أو لِغَيْرِهِ وَأَنَّهُ إنْ دخل عليه مَسْجِدًا لم يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى الْمَسْجِدَ في يَمِينِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَدْخُلَ على رَجُلٍ بَيْتًا فَدَخَلَ على رَجُلٍ غَيْرِهِ بَيْتًا فَوَجَدَ ذلك الْمَحْلُوفَ عليه في ذلك الْبَيْتِ لم يَحْنَثْ من قِبَلِ أَنَّهُ ليس على ذلك دخل ( قال الرَّبِيعُ ) وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ أنه يَحْنَثُ إذَا دخل عليه لِأَنَّهُ قد دخل عليه بَيْتًا كما حَلَفَ وَإِنْ كان قد قَصَدَ بِالدُّخُولِ على غَيْرِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ في الْبَيْتِ فَدَخَلَ عليه حَنِثَ في قَوْلِ من يُحْنِثُ على غَيْرِ النِّيَّةِ وَلَا يَرْفَعُ الْخَطَأَ فَأَمَّا إذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عليه بَيْتًا فَدَخَلَ عليه الْمَسْجِدَ لم يَحْنَثْ بِحَالٍ - * من حَلَفَ على أَمْرَيْنِ أَنْ يَفْعَلَهُمَا أو لَا يَفْعَلَهُمَا فَفَعَلَ أَحَدَهُمَا - * ( قال ) فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَكْسُوَ امْرَأَتَهُ هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ فَكَسَاهَا أَحَدَهُمَا أَنَّهُ حَانِثٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى في يَمِينِهِ أَنْ لَا يَكْسُوَهَا إيَّاهُمَا جميعا لِحَاجَتِهِ إلَى أَحَدِهِمَا أو لِأَنَّهَا لَا حَاجَةَ لها فِيهِمَا جميعا فقال أَنْتِ طَالِقٌ إنْ فَعَلْت فَتَكُونَ له نِيَّتُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَكْسُوَ امْرَأَتَهُ هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ أو هذه الْأَثْوَابَ الثَّلَاثَةَ فَكَسَاهَا أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ أو أَحَدَ الثَّلَاثَةِ أو كَسَاهَا من الثَّلَاثَةِ اثْنَيْنِ وَتَرَكَ وَاحِدًا لم يَحْنَثْ وَكَذَلِكَ لو حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ هَذَيْنِ الْقُرْصَيْنِ فَأَكَلَهُمَا إلَّا قَلِيلًا لم يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يأتى على الشَّيْئَيْنِ اللَّذَيْنِ حَلَفَ عَلَيْهِمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ يَنْوِي أَنْ لَا يَكْسُوَهَا من هذه الْأَثْوَابِ شيئا أو لَا يَأْكُلَ من هذا الطَّعَامِ شيئا فَيَحْنَثَ وإذا قال وَاَللَّهِ لَا أَشْرَبُ مَاءَ هذه الأداوة وَلَا مَاءَ هذا النَّهْرِ وَلَا مَاءَ هذا الْبَحْرِ كُلَّهُ فَكُلُّ هذا سَوَاءٌ وَلَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَشْرَبَ مَاءَ الأداوة كُلَّهُ وَلَا سَبِيلَ إلَى أَنْ يَشْرَبَ مَاءَ النَّهْرِ كُلَّهُ وَلَا مَاءَ الْبَحْرِ كُلَّهُ وَلَكِنَّهُ لو قال لَا أَشْرَبُ من مَاءِ هذه الأداوة وَلَا من مَاءِ هذا النَّهْرِ وَلَا من مَاءِ هذا الْبَحْرِ فَشَرِبَ منه شيئا حَنِثَ إلَّا أَنْ تَكُونَ له نِيَّةٌ فَيَحْنَثَ على قَدْرِ نِيَّتِهِ وإذا قال وَاَللَّهِ لَا أَكَلْت خُبْزًا وَزَيْتًا فَأَكَلَ خُبْزًا وَلَحْمًا لم يَحْنَثْ وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ أَكَلَهُ مع الْخُبْزِ سِوَى الزَّيْتِ وَكُلُّ شَيْءٍ أَكَلَ بِهِ الزَّيْتَ سِوَى الْخُبْزِ فإنه ليس بِحَانِثٍ وَكَذَلِكَ لو قال لَا آكُلُ زَيْتًا وَلَحْمًا فَكَذَلِكَ كُلُّ ما أَكَلَ مع اللَّحْمِ سِوَى الزَّيْتِ ( قال ) فانا نَقُولُ لِمَنْ قال لِأَمَتِهِ أو امْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أو أَنْتِ حُرَّةٌ إنْ دَخَلْت هَاتَيْنِ الدَّارَيْنِ فَدَخَلَتْ إحْدَاهُمَا ولم تَدْخُلْ الْأُخْرَى أنه حَانِثٌ وَإِنْ قال إنْ لم تَدْخُلِيهِمَا فَأَنْتِ طَالِقٌ أو أَنْتِ حُرَّةٌ فَإِنَّا لَا نُخْرِجُهُ من يَمِينِهِ إلَّا بِدُخُولِهِمَا جميعا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت هَاتَيْنِ الدَّارَيْنِ أو لِأَمَتِهِ أَنْتِ حُرَّةٌ إنْ دَخَلْت هَاتَيْنِ الدَّارَيْنِ لم يَحْنَثْ في وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إلَّا بِأَنْ تَدْخُلَهُمَا مَعًا وَكَذَلِكَ كُلُّ يَمِينٍ حَلَفَ عليها من هذا الْوَجْهِ ( قال ) فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ قال لِعَبْدَيْنِ له أَنْتُمَا حُرَّانِ إنْ شِئْتُمَا فَإِنْ شَاءَا جميعا الْحُرِّيَّةَ
____________________

(7/74)


فَهُمَا حُرَّانِ وَإِنْ شَاءَا جميعا الرِّقَّ فَهُمَا رَقِيقَانِ وَإِنْ شَاءَ أَحَدُهُمَا الْحُرِّيَّةَ وَشَاءَ الْآخَرُ الرِّقَّ فَاَلَّذِي شَاءَ الْحُرِّيَّةَ مِنْهُمَا حُرٌّ وَلَا حُرِّيَّةَ بِمَشِيئَةِ هذا لِلَّذِي لم يَشَأْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال الرَّجُلُ لِعَبْدَيْنِ له أَنْتُمَا حُرَّانِ إنْ شِئْتُمَا لم يُعْتَقَا إلَّا بِأَنْ يَشَاءَا مَعًا ولم يُعْتَقَا بِأَنْ يَشَاءَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ وَكَذَلِكَ إنْ قال أَنْتُمَا حُرَّانِ إنْ شَاءَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ لم يُعْتَقَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ ولم يُعْتَقَا بِأَنْ يَشَاءَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ وَلَوْ كان قال لَهُمَا أَيُّكُمَا شَاءَ الْعِتْقَ فَهُوَ حُرٌّ فَأَيُّهُمَا شَاءَ فَهُوَ حُرٌّ شَاءَ الْآخَرُ أو لم يَشَأْ ( قال ) فَإِنَّا نَقُولُ في رَجُلٍ قال وَاَللَّهِ لَئِنْ قَضَيْتنِي حَقِّي في يَوْمِ كَذَا وَكَذَا لَأَفْعَلَنَّ بِك كَذَا وَكَذَا فَقَضَاهُ بَعْضَ حَقِّهِ أنه لَا يَلْزَمُهُ الْيَمِينُ حتى يَقْضِيَهُ حَقَّهُ كُلَّهُ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الِاسْتِقْصَاءَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ كان لِرَجُلٍ على رَجُلٍ حَقٌّ فَحَلَفَ لَئِنْ قَضَيْتنِي حَقِّي في يَوْمِ كَذَا وَكَذَا لَأَهَبَنَّ لَك عَبْدًا من يَوْمِك فَقَضَاهُ حَقَّهُ كُلَّهُ إلَّا دِرْهَمًا أو فَلْسًا في ذلك الْيَوْمِ كُلِّهِ لم يَحْنَثْ وَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِأَنْ يَقْضِيَهُ حَقَّهُ كُلَّهُ قبل أَنْ يَمُرَّ الْيَوْمُ الذي قَضَاهُ فيه آخِرَ حَقِّهِ وَلَا يَهَبُ له عَبْدًا - * من حَلَفَ على غَرِيمٍ له أَنْ لَا يُفَارِقَهُ حتى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَقُولُ فَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُفَارِقَ غَرِيمًا له حتى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ فَفَرَّ منه أو أَفْلَسَ أنه حَانِثٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ له نِيَّةٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يُفَارِقَ غَرِيمَهُ حتى يَأْخُذَ حَقَّهُ منه فَفَرَّ منه غَرِيمُهُ لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لم يُفَارِقْهُ هو وَلَوْ كان قال لَا أَفْتَرِقُ أنا وهو حَنِثَ في قَوْلِ من لَا يَطْرَحُ الْخَطَأَ وَالْغَلَبَةَ عن الناس وَلَا يَحْنَثُ في قَوْلِ من طَرَحَ الْخَطَأَ وَالْغَلَبَةَ عن الناس فَأَمَّا إنْ حَلَفَ لَا يُفَارِقُهُ حتى يَأْخُذَ منه حَقَّهُ فَأَفْلَسَ فَيَحْنَثُ في قَوْلِ من لَا يَطْرَحُ الْغَلَبَةَ عن الناس وَالْخَطَأَ وَلَا يَحْنَثُ في قَوْلِ من طَرَحَ الْخَطَأَ وَالْغَلَبَةَ عَنْهُمْ ( قال ) فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ لِغَرِيمٍ له أَنْ لَا يُفَارِقَهُ حتى يستوفى منه حَقَّهُ فَأَحَالَهُ على غَرِيمٍ له آخَرَ أنه إنْ كان فَارَقَهُ بَعْدَ الْحَمَالَةِ فإنه حَانِثٌ لِأَنَّهُ حَلَفَ أَنْ لَا يُفَارِقَهُ حتى يستوفى فَفَارَقَهُ ولم يَسْتَوْفِ لِمَا أَحَالَهُ ثُمَّ اسْتَوْفَاهُ بَعْدُ ( قال الرَّبِيعُ ) الذي يَأْخُذُ بِهِ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ إنْ لم يُفَرِّطْ فيه حتى فَرَّ منه فَهُوَ مُكْرَهٌ فَلَا شَيْءَ عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يُفَارِقَ الرَّجُلَ حتى يَسْتَوْفِيَ منه حَقَّهُ فَأَحَالَهُ بَعْدُ على رَجُلٍ غَيْرِهِ فَأَبْرَأَهُ ثُمَّ فَارَقَهُ حَنِثَ وَإِنْ كان حَلَفَ أَنْ لَا يُفَارِقَهُ وَلَهُ عليه حَقٌّ لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ وان لم يَسْتَوْفِ أَوَّلًا بِالْحَمَالَةِ فَقَدْ بريء بِالْحَوَالَةِ ( قال ) فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ على غَرِيمٍ له أَنْ لَا يُفَارِقَهُ حتى يستوفى حَقَّهُ منه فَاسْتَوْفَاهُ فلما افْتَرَقَا أَصَابَ بَعْضَهَا نُحَاسًا أو رَصَاصًا أو نَقْصًا بَيِّنًا نُقْصَانُهُ أنه حَانِثٌ لِأَنَّهُ فَارَقَهُ ولم يَسْتَوْفِ وأنه إنْ أَخَذَ بِحَقِّهِ عَرَضًا فَإِنْ كان يسوي ما أَخَذَهُ بِهِ وهو قِيمَتُهُ لو أَرَادَ أَنْ يَبِيعَهُ بَاعَهُ ولم يَحْنَثْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى واذا حَلَفَ أَنْ لَا يُفَارِقَهُ حتى يَسْتَوْفِيَ منه حَقَّهُ فَأَخَذَ منه حَقَّهُ فِيمَا يَرَى ثُمَّ وَجَدَ دَنَانِيرَهُ زُجَاجًا أو نُحَاسًا حَنِثَ في قَوْلِ من لم يَطْرَحْ عن الناس الْخَطَأَ في الْأَيْمَانِ وَلَا يَحْنَثُ في قَوْلِ من يَطْرَحْ عن الناس ما لم يَعْمِدُوا عليه في الْأَيْمَانِ لِأَنَّ هذا لم يَعْمِدْ أَنْ يَأْخُذَ إلَّا وَفَاءَ حَقِّهِ وهو قَوْلُ عَطَاءٍ أنه يُطْرَحُ عن الناس الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَرَوَاهُ عَطَاءٌ فإذا حَلَفَ أَنْ لَا يُفَارِقَهُ حتى يستوفى حَقَّهُ فَأَخَذَ بِحَقِّهِ عَرَضًا فَإِنْ كان الْعَرَضُ الذي أَخَذَ قِيمَةَ ما له عليه من الدَّنَانِيرِ لم يَحْنَثْ وَإِنْ كان قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِمَّا عليه من الدَّنَانِيرِ حَنِثَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال الرَّجُلُ لِغَرِيمِهِ وَاَللَّهِ لَا أُفَارِقُك حتى آخُذَ حَقِّي فَإِنْ كانت نِيَّتُهُ حتى لَا يَبْقَى عَلَيْك من حَقِّي شَيْءٌ فَأَخَذَ منه عَرَضًا يسوي أو لَا يسوي بريء ولم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ قد أَخَذَ شيئا وَرَضِيَهُ من حَقِّهِ وبريء ( ( ( وبرئ ) ) ) الْغَرِيمُ من حَقِّهِ وَكَذَلِكَ إنْ كانت نِيَّتُهُ حتى أستوفى ما أَرْضَى بِهِ من جَمِيعِ حَقِّي وَكَذَلِكَ إنْ قال رَجُلٌ لِرَجُلٍ وَاَللَّهِ لَأَقْضِيَنَّكَ حَقَّك فَوَهَبَ صَاحِبُ الْحَقِّ حَقَّهُ لِلْحَالِفِ أو تَصَدَّقَ بِهِ عليه أو دَفَعَ بِهِ إلَيْهِ سِلْعَةً
____________________

(7/75)


لم يَحْنَثْ إنْ كانت نِيَّتُهُ حين حَلَفَ أَنْ لَا يَبْقَى على شَيْءٌ من حَقِّك لِأَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ شيئا رَضِيَهُ فَقَدْ اسْتَوْفَى فَإِنْ لم تَكُنْ له نِيَّةٌ فَلَا يَبْرَأُ أَبَدًا إلَّا بِأَنْ يَأْخُذَ حَقَّهُ ما كان إنْ كانت دَنَانِيرَ فَدَنَانِيرُ أو دَرَاهِمَ فَدَرَاهِمُ لِأَنَّ ذلك حَقُّهُ وَلَوْ أَخَذَ فيه أَضْعَافَ ثَمَنِهِ لم يَبْرَأْ لِأَنَّ ذلك غَيْرُ حَقِّهِ وَحَدُّ الْفِرَاقِ أَنْ يَتَفَرَّقَا من مَقَامِهِمَا الذي كَانَا فيه وَمَجْلِسِهِمَا - * من حَلَفَ أَنْ لَا يَتَكَفَّلَ بِمَالٍ فَتَكَفَّلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ - * ( قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَكَفَّلَ بِمَالٍ أَبَدًا فَتَكَفَّلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ أنه إنْ اسْتَثْنَى في حَمَالَتِهِ أَنْ لَا مَالَ عليه فَلَا حِنْثَ عليه وَإِنْ لم يَسْتَثْنِ ذلك فَعَلَيْهِ الْمَالُ وهو حَانِثٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَكَفَّلَ بِمَالٍ أَبَدًا فَتَكَفَّلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ لم يَحْنَثْ لِأَنَّ النَّفْسَ غَيْرُ الْمَالِ قال فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَكَفَّلَ لِرَجُلٍ بِكَفَالَةٍ أَبَدًا فَتَكَفَّلَ لِوَكِيلٍ له بِكَفَالَةٍ عن رَجُلٍ ولم يَعْلَمْ أَنَّهُ وَكِيلُ الذي حَلَفَ عليه فإنه إذَا لم يَكُنْ عَلِمَ بِذَلِكَ ولم يَكُنْ ذلك الرَّجُلُ من وُكَلَائِهِ وَحَشَمِهِ ولم يَعْلَمْ أَنَّهُ من سَبَبِهِ فَلَا حِنْثَ عليه وَإِنْ كان مِمَّنْ عَلِمَ ذلك منه فإنه حَانِثٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ أَنْ لَا يَتَكَفَّلَ لِرَجُلٍ بِكَفَالَةٍ يَكُونُ له عليه فيها سَبِيلٌ لِنَفْسِهِ فَإِنْ نَوَى هذا فَكَفَلَ لِوَكِيلٍ له في مَالٍ لِلْمَحْلُوفِ حَنِثَ وَإِنْ كان كَفَلَ في غَيْرِ مَالِ الْمَحْلُوفِ لم يَحْنَثْ وَكَذَلِكَ إنْ كَفَلَ لِوَالِدِهِ أو زَوْجَتِهِ أو ابْنِهِ لم يَحْنَثْ - * من حَلَفَ في أَمْرٍ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ غَدًا فَفَعَلَهُ الْيَوْمَ - * ( قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّا نَقُولُ في رَجُلٍ قال لِرَجُلٍ وَاَللَّهِ لَأَقْضِيَنَّكَ حَقَّك غَدًا فَقَضَاهُ الْيَوْمَ أنه لَا حِنْثَ عليه لِأَنَّهُ لم يُرِدْ بِيَمِينِهِ الْغَدَ إنَّمَا أَرَادَ وَجْهَ الْقَضَاءِ فإذا خَرَجَ الْغَدُ عنه وَلَيْسَ عليه فَقَدْ بَرَّ وهو قَوْلُ مَالِكٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال لِرَجُلٍ وَاَللَّهِ لَأَقْضِيَنَّكَ حَقَّك غَدًا فَعَجَّلَ له حَقَّهُ الْيَوْمَ فَإِنْ لم تَكُنْ له نِيَّةٌ حَنِثَ من قِبَلِ أَنَّ قَضَاءَ غَدٍ غَيْرُ قَضَائِهِ الْيَوْمَ كما يقول وَاَللَّهِ لَأُكَلِّمَنَّكَ غَدًا فَكَلَّمَهُ الْيَوْمَ لم يَبَرَّ وَإِنْ كانت نِيَّتُهُ حين عَقَدَ الْيَمِينَ أَنْ لَا يَخْرُجَ غَدٌ حتى أَقْضِيَك حَقَّك فَقَضَاهُ الْيَوْمَ بَرَّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال وَاَللَّهِ لَآكُلَنَّ هذا الرَّغِيفَ الْيَوْمَ فَأَكَلَ بَعْضَهُ الْيَوْمَ وَبَعْضَهُ غَدًا أنه حَانِثٌ لِأَنَّهُ لم يَأْكُلْهُ كُلَّهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْبِسَاطُ مُحَالٌ وَإِنَّمَا يُقَالُ السَّبَبُ بِسَاطُ الْيَمِينِ عِنْدَ أَصْحَابِ مَالِكٍ كَأَنَّهُ حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ من غَزْلِ امْرَأَتِهِ فَبَاعَتْ الْغَزْلَ وَاشْتَرَتْ طَعَامًا فَأَكَلَهُ فَهُوَ عِنْدَهُمْ حَانِثٌ لِأَنَّ بِسَاطَ الْيَمِينِ عِنْدَهُمْ أَنْ لَا يَنْتَفِعَ بِشَيْءٍ من غَزْلِهَا فإذا أَكَلَ منه فَقَدْ انْتَفَعَ بِهِ وهو عِنْدَ الشَّافِعِيِّ مُحَالٌ ( قال الرَّبِيعُ ) قد خَرَقَ الشَّافِعِيُّ الْبِسَاطَ وَحَرَقَهُ بِالنَّارِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ فقال وَاَللَّهِ لَآكُلَنَّ هذا الطَّعَامَ غَدًا أو لَأَلْبَسَنَّ هذه الثِّيَابَ غَدًا أو لَأَرْكَبَنَّ هذه الدَّوَابَّ غَدًا فَمَاتَتْ الدَّوَابُّ وَسُرِقَ الطَّعَامُ وَالثِّيَابُ قبل الْغَدِ فَمَنْ ذَهَبَ إلَى طَرْحِ الْإِكْرَاهِ عن الناس طَرَحَ هذا قِيَاسًا على الْإِكْرَاهِ فَإِنْ قِيلَ فما يُشْبِهُهُ من الْإِكْرَاهِ قِيلَ لَمَّا وَضَعَ اللَّهُ عز وجل عن الناس أَعْظَمَ ما قال أَحَدٌ الْكُفْرَ بِهِ أَنَّهُمْ إذَا أُكْرِهُوا عليه فَجَعَلَ قَوْلَهُمْ الْكُفْرَ مَغْفُورًا لهم مَرْفُوعًا عَنْهُمْ في الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل { من كَفَرَ بِاَللَّهِ من بَعْدِ إيمَانِهِ إلَّا من أُكْرِهَ } الْآيَةَ وكان الْمَعْنَى الذي عَقَلْنَا أَنَّ قَوْلَ الْمُكْرَهِ كما لم يَقُلْ في الْحُكْمِ وَعَقَلْنَا أَنَّ الْإِكْرَاهَ هو أَنْ يُغْلَبَ بِغَيْرِ فِعْلٍ منه فإذا تَلِفَ ما حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ فيه شيئا فَقَدْ غُلِبَ بِغَيْرِ فِعْلٍ منه وَهَذَا في أَكْثَرَ من مَعْنَى الْإِكْرَاهِ وَمَنْ أَلْزَمَ الْمُكْرَهَ يَمِينَهُ ولم يَرْفَعْهَا عنه كان حَانِثًا في هذا كُلِّهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَلِكَ لو حَلَفَ لَيُعْطِيَنَّهُ حَقَّهُ غَدًا فَمَاتَ من الْغَدِ بِعِلْمِهِ أو بِغَيْرِ عِلْمِهِ لم يَحْنَثْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَلِكَ الْأَيْمَانُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ
____________________

(7/76)


وَالْأَيْمَانُ كُلُّهَا مِثْلُ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَصْلُ ما أَذْهَبُ إلَيْهِ أَنَّ يَمِينَ الْمُكْرَهِ غَيْرُ ثَابِتَةٍ عليه لِمَا احْتَجَجْت بِهِ من الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ رَجُلًا حَقَّهُ إلَى أَجَلٍ يُسَمِّيهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يُؤَخِّرَهُ فَمَاتَ صَاحِبُ الْحَقِّ أنه لَا حِنْثَ عليه وَلَا يَمِينَ عليه لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ من قِبَلِ أَنَّ الْحِنْثَ لم يَكُنْ حتى مَاتَ الْمَحْلُوفُ لَيَقْضِيَنَّهُ وَكَذَلِكَ لو حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ إلَى أَجَلٍ سَمَّاهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلَانٌ فَمَاتَ الذي جَعَلَ الْمَشِيئَةَ إلَيْهِ قال فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا مَالَهُ رَأْسَ الشَّهْرِ أو عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ أو إذَا اسْتَهَلَّ الشَّهْرُ أو إلَى اسْتِهْلَالِ الْهِلَالِ أن له لَيْلَةَ يَهُلُّ الْهِلَالُ وَيَوْمَهَا حتى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَكَذَلِكَ الذي يقول إلَى رَمَضَانَ له لَيْلَةُ الْهِلَالِ وَيَوْمُهُ وَكَذَلِكَ إذَا قال إلَى رَمَضَانَ أو إلَى هِلَالِ شَهْرِ كَذَا وَكَذَا فَلَهُ حتى يَهُلَّ هِلَالُ ذلك الشَّهْرِ فَإِنْ قال له إلَى أَنْ يَهُلَّ الْهِلَالُ فَلَهُ لَيْلَةُ الْهِلَالِ وَيَوْمُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ أو عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ أو إلَى اسْتِهْلَالِ الْهِلَالِ أو عِنْدَ اسْتِهْلَالِ الْهِلَالِ وَجَبَ عليه أَنْ يَقْضِيَهُ حين يَهُلُّ الْهِلَالُ فَإِنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ لَيْلَةَ يَهُلُّ الْهِلَالُ فَخَرَجَتْ اللَّيْلَةُ التي يَهُلُّ فيها الْهِلَالُ حَنِثَ كما يَحْنَثُ لو حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ يوم الِاثْنَيْنِ فَغَابَتْ الشَّمْسُ يوم الِاثْنَيْنِ حَنِثَ وَلَيْسَ حُكْمُ اللَّيْلَةِ حُكْمَ الْيَوْمِ وَلَا حُكْمُ الْيَوْمِ حُكْمَ اللَّيْلَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال وَاَللَّهِ لَأَقْضِيَنَّكَ حَقَّك إلَى رَمَضَانَ فلم يَقْضِهِ حَقَّهُ حتى يَهُلَّ هِلَالُ رَمَضَانَ حَنِثَ وَذَلِكَ أَنَّهُ حَدَّ بِالْهِلَالِ كما تَقُولُ في ذِكْرِ حَقِّ فُلَانٍ على فُلَانٍ كَذَا وَكَذَا إلَى هِلَالِ كَذَا وَكَذَا فإذا هَلَّ الْهِلَالُ فَقَدْ حَلَّ الْحَقُّ قال فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ قال وَاَللَّهِ لَأَقْضِيَنَّكَ حَقَّك إلَى حِينٍ أو إلَى زَمَانٍ أو إلَى دَهْرٍ إنَّ ذلك كُلَّهُ سَوَاءٌ وَإِنَّ ذلك سَنَةً سَنَةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال وَاَللَّهِ لَأَقْضِيَنَّكَ حَقَّك إلَى حِينٍ فَلَيْسَ في الْحِينِ وَقْتٌ مَعْلُومٌ يَبَرُّ بِهِ وَلَا يَحْنَثُ وَذَلِكَ أَنَّ الْحِينَ يَكُونُ مُدَّةَ الدُّنْيَا كُلِّهَا وما هو أَقَلُّ منها إلَى يوم الْقِيَامَةِ والفتيا ( ( ( الفتيا ) ) ) لِمَنْ قال هذا أَنْ يُقَالَ له إنَّمَا حَلَفْت على ما لَا تَعْلَمْ وَلَا نَعْلَمْ فَنُصَيِّرُك إلَى عِلْمِنَا وَالْوَرَعُ لَك أَنْ تَقْضِيَهُ قبل انْقِضَاءِ يَوْمٍ لِأَنَّ الْحِينَ يَقَعُ عليه من حِينِ حَلَفْت وَلَا تَحْنَثُ أَبَدًا لِأَنَّهُ ليس لِلْحِينِ غَايَةٌ وَكَذَلِكَ الزَّمَانُ وَكَذَلِكَ الدَّهْرُ وَكَذَا كُلُّ كَلِمَةٍ مُنْفَرِدَةٍ ليس لها ظَاهِرٌ يَدُلُّ عليها وَكَذَلِكَ الْأَحْقَابُ - * من حَلَفَ على شَيْءٍ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَفَعَلَهُ - * ( قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَشْتَرِي عَبْدًا فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَاشْتَرَى له عَبْدًا أنه حَانِثٌ لِأَنَّهُ هو الْمُشْتَرِي إذَا أَمَرَ من يَشْتَرِي له إلَّا أَنْ يَكُونَ له في ذلك نِيَّةٌ أو يَكُونَ يَمِينُهُ على أَمْرٍ قد عَرَفَ وَجْهَهَا أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ أَنْ لَا يَشْتَرِيَهُ هو لِأَنَّهُ قد غُبِنَ غير مَرَّةٍ في اشْتِرَائِهِ فإذا كان كَذَلِكَ فَلَيْسَ بِحَانِثٍ وإذا كان إنَّمَا كَرِهَ شِرَاءَ الْعَبْدِ أَصْلًا فَأَرَاهُ حَانِثًا وَإِنْ أَمَرَ غَيْرَهُ وَكَذَلِكَ لو حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَ سِلْعَةً فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَبَاعَهَا أنه يَحْنَثُ إلَّا أَنْ تَكُونَ له نِيَّةٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ عَبْدًا فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَاشْتَرَى له عَبْدًا لم يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى أَنْ لَا يَشْتَرِيَهُ وَلَا يَشْتَرِيَ له لِأَنَّهُ لم يَكُنْ وَلِيَ عُقْدَةَ شِرَائِهِ وَاَلَّذِي وَلِيَ عُقْدَةَ شِرَائِهِ غَيْرُهُ وَعَلَيْهِ الْعُهْدَةُ أَلَا تَرَى أَنَّ الذي وَلِيَ عَقْدَ شِرَائِهِ لو زَادَ في ثَمَنِهِ على ما يُبَاعُ بِهِ مِثْلُهُ ما لَا يَتَغَابَنُ الناس فيه أو بريء من عَيْبٍ لَزِمَهُ الْبَيْعُ وكان للامر أَنْ لَا يَأْخُذَ لِشِرَاءِ غَيْرِهِ غير شِرَائِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ فَجَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا لم يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَعَلَ إلَيْهَا طَلَاقَهَا وَكَذَلِكَ لو جَعَلَ أَمْرَهَا إلَى غَيْرِهَا فَطَلَّقَهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَضَرَبَهُ لم يَبَرَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى لَيَضْرِبَنَّ بِأَمْرِهِ وَهَكَذَا لو حَلَفَ أَنْ لَا يَضْرِبَهُ فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَضَرَبَهُ لم يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى أَنْ لَا يَأْمُرَ غَيْرَهُ بِضَرْبِهِ ( قال الرَّبِيعُ ) لِلشَّافِعِيِّ في مِثْلِ هذا قَوْلٌ في مَوْضِعٍ آخَرَ فإذا حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ فَإِنْ كان مِمَّا يَلِي الْأَشْيَاءَ بيده فَلَا يَبَرُّ حتى يَضْرِبَهُ
____________________

(7/77)


بيده فَإِنْ كان مِثْلَ الْوَالِي أو مِمَّنْ لَا يَلِي الْأَشْيَاءَ بيده فَالْأَغْلَبُ أَنَّهُ إنَّمَا يَأْمُرُ فإذا أَمَرَ فَضُرِبَ فَقَدْ بَرَّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ لَا يَبِيعُ لِرَجُلٍ شيئا فَدَفَعَ الْمَحْلُوفُ عليه سِلْعَةً إلَى رَجُلٍ فَدَفَعَ ذلك الرَّجُلُ السِّلْعَةَ إلَى الْحَالِفِ فَبَاعَهَا لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لم يَبِعْهَا لِلَّذِي حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَهَا له إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى أَنْ لَا يَبِيعَ سِلْعَةً يَمْلِكُهَا فُلَانٌ فَيَحْنَثَ فَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَ له رَجُلٌ سِلْعَةً فَدَفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ لِيَبِيعَهَا فَدَفَعَ ذلك الْغَيْرُ إلَى الذي حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَ له السِّلْعَةَ لم يَحْنَثْ الْحَالِفُ من قِبَلِ أَنَّ بَيْعَ الثَّالِثِ غَيْرُ جَائِزٍ لِأَنَّهُ إذَا وَكَّلَ رَجُلًا يَبِيعُ له فَلَيْسَ له أَنْ يُوَكِّلَ بِالْبَيْعِ غَيْرَهُ وَلَوْ كان حين وَكَّلَهُ أَجَازَ له أَنْ يُوَكِّلَ من رَآهُ فَدَفَعَهَا إلَيْهِ فَبَاعَهَا فَإِنْ كان نَوَى أَنْ لَا يَبِيعَ لي بِأَمْرِي لم يَحْنَثْ وَإِنْ كان نَوَى أَنْ لَا يَبِيعَهَا بِحَالٍ حَنِثَ لِأَنَّهُ قد بَاعَهَا - * من قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي ثُمَّ قال لها قبل أَنْ تَسْأَلَهُ الْإِذْنَ أو بَعْدَ ما سَأَلَتْهُ إيَّاهُ قد أَذِنْت لَك فَخَرَجَتْ لم يَحْنَثْ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَأَذِنَ لها ولم تَعْلَمْ وَأَشْهَدَ على ذلك لم يَحْنَثْ لأنها ( ( ( لأنه ) ) ) قد خَرَجَتْ بِإِذْنِهِ فَإِنْ لم تَعْلَمْ فَأَحَبُّ إلى في الْوَرَعِ أَنْ لو حَنَّثَ نَفْسَهُ من قِبَلِ أنها عَاصِيَةٌ عِنْدَ نَفْسِهَا حين خَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَإِنْ كان قد أَذِنَ لها فَإِنْ قال قَائِلٌ كَيْفَ لم تُحَنِّثْهُ وَهِيَ عَاصِيَةٌ وَلَا تَجْعَلْهُ بَارًّا إلَّا أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهَا بِعِلْمِهَا بِإِذْنِهِ قِيلَ أَرَأَيْت رَجُلًا غَصَبَ رَجُلًا حَقًّا أو كان له عليه دَيْنٌ فَحَلَّلَهُ الرَّجُلُ وَالْغَاصِبُ الْمُحَلَّلُ لَا يَعْلَمُ أَمَا يَبْرَأُ من ذلك أَرَأَيْت أَنَّهُ لو مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَحَلَّلَهُ الرَّجُلُ بَعْدَ الْمَوْتِ أَمَا يَبْرَأُ قال فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ قال لِامْرَأَتِهِ إنْ خَرَجْت إلَى مَوْضِعٍ إلَّا بِإِذْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قال لها اُخْرُجِي حَيْثُ شِئْت فَخَرَجَتْ ولم يَعْلَمْ فإنه سَوَاءٌ قال لها في يَمِينِهِ إنْ خَرَجْت إلَى مَوْضِعٍ إلَّا بِإِذْنِي أو لم يَقُلْ لها إلَى مَوْضِعٍ فَهُوَ سَوَاءٌ وَلَا حِنْثَ عليه لِأَنَّهُ إذَا قال إنْ خَرَجْت ولم يَقُلْ إلَى مَوْضِعٍ فَإِنَّمَا هو إلَى مَوْضِعٍ وَإِنْ لم يَقُلْهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِثْلُ ذلك كُلِّهِ أَقُولُ لَا حِنْثَ عليه قال فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْذَنَ لِامْرَأَتِهِ أَنْ تَخْرُجَ إلَّا في عِيَادَةِ مَرِيضٍ فَأَذِنَ لها في عِيَادَةِ مَرِيضٍ ثُمَّ عَرَضَتْ لها حَاجَةٌ غَيْرُ الْعِيَادَةِ وَهِيَ عِنْدَ الْمَرِيضِ فَذَهَبَتْ فيها فإنه إذَا أَذِنَ لها إلَى عِيَادَةِ مَرِيضٍ فَخَرَجَتْ إلَى غَيْرِ ذلك لم يَحْنَثْ لِأَنَّهَا ذَهَبَتْ إلَى غَيْرِ الْمَرِيضِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَا حِنْثَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِثْلُ ذلك أَقُولُ إنَّهُ لَا حِنْثَ عليه قال فَإِنَّا ( 1 ) نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْذَنَ لِامْرَأَتِهِ بِالْخُرُوجِ إلَّا لِعِيَادَةِ مَرِيضٍ فَخَرَجَتْ من غَيْرِ أَنْ يَأْذَنَ لها إلَى حَمَّامٍ أو غَيْرِ ذلك ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي أو إنْ خَرَجْت إلَى مَكَان أو إلَى مَوْضِعٍ إلَّا بِإِذْنِي فَالْيَمِينُ على مَرَّةٍ فَإِنْ أَذِنَ لها مَرَّةً فَخَرَجَتْ ثُمَّ عَادَتْ فَخَرَجَتْ لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ قد بَرَّ مَرَّةً فَلَا يَحْنَثُ ثَانِيَةً وَكَذَلِكَ إنْ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ إنْ خَرَجْت إلَّا أَنْ آذَنَ لَك فَأَذِنَ لها فَخَرَجَتْ ثُمَّ عَادَتْ فَخَرَجَتْ لم يَحْنَثْ وَلَكِنَّهُ لو قال لها أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي أو طَالِقٌ في كل وَقْتٍ خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي كان هذا على كل خَرْجَةٍ فَأَيَّ خَرْجَةٍ خَرَجَتْهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ فَهُوَ حَانِثٌ وَلَوْ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ مَتَى خَرَجْت كان هذا على مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ فُلَانٍ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ له فَمَاتَ الذي حَلَفَ على إذْنِهِ فَدَخَلَهَا حَنِثَ وَلَوْ لم يَمُتْ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَأَذِنَ له ثُمَّ رَجَعَ عن الْإِذْنِ فَدَخَلَ بَعْدَ رُجُوعِهِ لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ قد أَذِنَ له مَرَّةً ( قال ) فَإِنَّا نَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ بِعِتْقِ غُلَامِهِ لَيَضْرِبَنَّهُ أنه يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَيْعِهِ لِأَنَّهُ على حِنْثٍ حتى يَضْرِبَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَبِيعُهُ إنْ شَاءَ وَلَا يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَيْعِهِ لِأَنَّهُ على بِرٍّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
____________________

(7/78)


من حَنِثَ بِعِتْقٍ وَلَهُ مُكَاتَبُونَ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادٍ وَمُدَبَّرُونَ وَأَشْقَاصٌ من عَبِيدٍ يَحْنَثُ فِيهِمْ كُلِّهِمْ إلَّا في الْمُكَاتَبِ فَلَا يَحْنَثُ فيه إلَّا بِأَنْ يَنْوِيَهُ في مَمَالِيكِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ من الْحُكْمِ أَنَّ مُكَاتَبَهُ خَارِجٌ عن مِلْكِهِ بِمَعْنًى دَاخِلٍ فيه بِمَعْنَى فَهُوَ يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخْذِ مَالِهِ وَاسْتِخْدَامِهِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ عليه فَلَا يَكُونُ عليه زَكَاةُ مَالِ الْمُكَاتَبِ وَلَا يَكُونُ عليه زَكَاةُ الْفِطْرِ فيه وَلَيْسَ هَكَذَا أُمُّ وَلَدِهِ وَلَا مُدَبَّرُوهُ كُلُّ أُولَئِكَ دَاخِلٌ في مِلْكِهِ له أَخْذُ أَمْوَالِهِمْ وَلَهُ أَخْذُ أَرْشِ الْجِنَايَةِ عليهم وَتَكُونُ عليه الزَّكَاةُ في أَمْوَالِهِمْ لِأَنَّهُ مَالُهُ فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنْ يَقُولَ الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ ما بقى عليه من كِتَابَتِهِ دِرْهَمٌ فَإِنَّمَا يعنى عَبْدًا في حَالٍ دُونَ حَالٍ لِأَنَّهُ لو كان عَبْدًا بِكُلِّ حَالٍ كان مُسَلَّطًا على بَيْعِهِ وَأَخْذِ مَالِهِ وما وَصَفْت من أَنَّهُ يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ منه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ بِعِتْقِ غُلَامِهِ لَيَضْرِبَنَّهُ غَدًا فَبَاعَهُ الْيَوْمَ فلما مَضَى غَدٌ اشْتَرَاهُ فَلَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْحِنْثَ إذَا وَقَعَ مَرَّةً لم يَعُدْ ثَانِيَةً وَهَذَا قد وَقَعَ حِنْثُهُ مَرَّةً فَهُوَ لَا يُعْتَقُ عليه وَلَا يَعُودُ عليه الْحِنْثُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَأْكُلَ الرُّءُوسَ وَأَكَلَ رؤوس الْحِيتَانِ أو رؤوس الْجَرَادِ أو رؤوس الطَّيْرِ أو رؤوس شَيْءٍ يُخَالِفُ رؤوس الْبَقَرِ أو الْغَنَمِ أو الْإِبِلِ لم يَحْنَثْ من قِبَلِ أَنَّ الذي يَعْرِفُ الناس إذَا خُوطِبُوا بِأَكْلِ الرُّءُوسِ أنها الرُّءُوسُ التي تُعْمَلُ مُتَمَيِّزَةً من الْأَجْسَادِ يَكُونُ لها سُوقٌ كما يَكُونُ لِلَّحْمِ سُوقٌ فَإِنْ كانت بِلَادٌ لها صَيْدٌ وَيَكْثُرُ كما يَكْثُرُ لَحْمُ الْأَنْعَامِ وَيُمَيَّزُ لَحْمُهَا من رُءُوسِهَا فَتُعْمَلُ كما تُعْمَلُ رؤوس الْأَنْعَامِ فَيَكُونُ لها سُوقٌ على حِدَةٍ وَلِلَحْمِهَا سُوقٌ على حِدَةٍ فَحَلَفَ حَنِثَ بها وَهَكَذَا إنْ كان ذلك يُصْنَعُ بِالْحِيتَانِ وَالْجَوَابُ في هذا إذَا لم يَكُنْ لِلْحَالِفِ نِيَّةٌ فإذا كان له نِيَّةٌ حَنِثَ وَبَرَّ على نِيَّتِهِ وَالْوَرَعُ أَنْ يَحْنَثَ بِأَيِّ رَأْسٍ ما كان وَالْبَيْضُ كما وَصَفْت هو بَيْضُ الدَّجَاجِ والأوز وَالنَّعَامِ فَأَمَّا بَيْضُ الْحِيتَانِ فَلَا يَحْنَثُ بِهِ إلَّا بِنِيَّةٍ لِأَنَّ الْبَيْضَ الذي يُعْرَفُ هو الذي يُزَايِلُ بَائِضَهُ فَيَكُونُ مَأْكُولًا وَبَائِضُهُ حَيًّا فَأَمَّا بَيْضُ الْحِيتَانِ فَلَا يَكُونُ هَكَذَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذًا إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا ياكل لَحْمًا حَنِثَ بِلَحْمِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْوُحُوشِ وَالطَّيْرِ كُلِّهِ لِأَنَّهُ كُلَّهُ لَحْمٌ ليس له اسْمٌ دُونَ اللَّحْمِ وَلَا يَحْنَثُ في الْحُكْمِ بِلَحْمِ الْحِيتَانِ لِأَنَّ اسْمَهُ غَيْرُ اسْمِهِ فَالْأَغْلَبُ عليه الْحُوتُ وَإِنْ كان يَدْخُلُ في اللَّحْمِ وَيَحْنَثُ في الْوَرَعِ بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي ( ( ( رحمه ) ) ) اللَّهُ عنه وإذا نَذَرَ حَلَفَ أَنْ لَا يَشْرَبَ سَوِيقًا فَأَكَلَهُ أو لَا يَأْكُلَ خُبْزًا فَمَاثَهُ فَشَرِبَهُ لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لم يَفْعَلْ الذي حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ وَاللَّبَنُ مِثْلُهُ وَكَذَلِكَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَهُ فَشَرِبَهُ أو لَا يَشْرَبَهُ فَأَكَلَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ سَمْنًا فَأَكَلَ السَّمْنَ بِالْخُبْزِ أو بِالْعَصِيدَةِ أو بِالسَّوِيقِ حَنِثَ لِأَنَّ السَّمْنَ هَكَذَا لَا يُؤْكَلُ إنَّمَا يُؤْكَلُ بِغَيْرِهِ وَلَا يَكُونُ مَأْكُولًا إلَّا بِغَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَامِدًا فَيَقْدِرُ على أَنْ يَأْكُلَهُ جَامِدًا مُنْفَرِدًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ هذه التَّمْرَةِ فَوَقَعَتْ في التَّمْرِ فَأَكَلَ التَّمْرَ كُلَّهُ حَنِثَ لِأَنَّهُ قد أَكَلَهَا وَإِنْ بقى من التَّمْرِ كُلِّهِ وَاحِدَةٌ أو هَلَكَتْ من التَّمْرِ كُلِّهِ وَاحِدَةٌ لم يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَسْتَيْقِنُ أنها فِيمَا أَكَلَ وَهَذَا في الْحُكْمِ وَالْوَرَعُ أَنْ لَا يَأْكُلَ منه شيئا إلَّا حَنَّثَ نَفْسَهُ إنْ أَكَلَهُ وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ هذا الدَّقِيقَ وَلَا هذه الْحِنْطَةَ فَأَكَلَهُ حِنْطَةً أو دَقِيقًا حَنِثَ وإذا خَبَزَ الدَّقِيقَ أو عَصَدَهُ فَأَكَلَهُ أو طَحَنَ الْحِنْطَةَ أو خَبَزَهَا أو قَلَاهَا فَجَعَلَهَا سَوِيقًا لم يَحْنَثْ لِأَنَّ هذا لم يَأْكُلْ دَقِيقًا وَلَا حِنْطَةً إنَّمَا أَكَلَ شيئا قد حَالَ عنهما بِصَنْعَةٍ حتى لَا يَقَعَ عليه اسْمُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ لَحْمًا فَأَكَلَ شَحْمًا أو لَا يَأْكُلَ شَحْمًا فَأَكَلَ لَحْمًا لم يَحْنَثْ في وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ صَاحِبِهِ وَكَذَلِكَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ رُطَبًا فَأَكَلَ تَمْرًا أو لَا يَأْكُلَ بُسْرًا فَأَكَلَ رُطَبًا أو لَا يَأْكُلَ بَلَحًا فَأَكَلَ بُسْرًا أو لَا يَأْكُلَ طَلْعًا فَأَكَلَ بَلَحًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ من هذا غَيْرُ صَاحِبِهِ وَإِنْ كان أَصْلُهُ وَاحِدًا وَهَكَذَا إنْ قال لَا آكُلُ زُبْدًا فَأَكَلَ لَبَنًا أو قال
____________________

(7/79)


لَا آكُلُ خَلًّا فَأَكَلَ مَرَقًا فيه خَلٌّ فَلَا حِنْثَ عليه لِأَنَّ الْخَلَّ مُسْتَهْلَكٌ فيه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ أَنْ لَا يَشْرَبَ شيئا فَذَاقَهُ وَدَخَلَ بَطْنَهُ لم يَحْنَثْ بِالذَّوْقِ لِأَنَّ الذَّوْقَ غَيْرُ الشُّرْبِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ فُلَانًا فَسَلَّمَ على قَوْمٍ وهو فِيهِمْ لم يَحْنَثْ إلَّا بِأَنْ يَنْوِيَهُ فِيمَنْ سَلَّمَ عليهم قال الرَّبِيعُ وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ فِيمَا أَعْلَمُ أنه يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَعْزِلَهُ بِقَلْبِهِ في أَنْ لَا يُسَلِّمَ عليه خَاصَّةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا مَرَّ عليه فَسَلَّمَ عليه وهو عَامِدٌ لِلسَّلَامِ عليه وهو لَا يَعْرِفُهُ فَفِيهَا قَوْلَانِ فَأَمَّا قَوْلُ عَطَاءٍ فَلَا يُحَنِّثُهُ فإنه يَذْهَبُ إلَى أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ وَضَعَ عن الْأُمَّةِ الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وفي قَوْلِ غَيْرِهِ يَحْنَثُ فإذا حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ رَجُلًا فإرسل إلَيْهِ رَسُولًا أو كَتَبَ إلَيْهِ كِتَابًا فَالْوَرَعُ أَنْ يَحْنَثَ وَلَا يَبِينُ لي أَنْ يَحْنَثَ لِأَنَّ الرَّسُولَ وَالْكِتَابَ غَيْرُ الْكَلَامِ وَإِنْ كان يَكُونُ كَلَامًا في حَالٍ وَمَنْ حَنَّثَهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّ اللَّهَ عز وجل قال { وما كان لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلَّا وَحْيًا أو من وَرَاءِ حِجَابٍ أو يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشَاءُ } الْآيَةَ وقال إنَّ اللَّهَ عز وجل يقول في الْمُنَافِقِينَ { قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قد نَبَّأَنَا اللَّهُ من أَخْبَارِكُمْ } وَإِنَّمَا نَبَّأَهُمْ بِأَخْبَارِهِمْ بِالْوَحْيِ الذي يَنْزِلُ بِهِ جِبْرِيلُ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَيُخْبِرُهُمْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِوَحْيِ اللَّهِ وَمَنْ قال لَا يَحْنَثُ قال إنَّ كَلَامَ الْآدَمِيِّينَ لَا يُشْبِهُ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى كَلَامُ الْآدَمِيِّينَ بِالْمُوَاجَهَةِ أَلَا تَرَى لو هَجَرَ رَجُلٌ رَجُلًا كانت الْهِجْرَةُ مُحَرَّمَةً عليه فَوْقَ ثَلَاثٍ فَكَتَبَ إلَيْهِ أو أَرْسَلَ إلَيْهِ وهو يَقْدِرُ على كَلَامِهِ لم يُخْرِجْهُ هذا من هِجْرَتِهِ التي يَأْثَمُ بها ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ لِقَاضٍ أَنْ لَا يَرَى كَذَا وَكَذَا إلَّا رَفَعَهُ إلَيْهِ فَمَاتَ ذلك الْقَاضِي فَرَأَى ذلك الشَّيْءَ بَعْدَ مَوْتِهِ لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ ليس ثَمَّ أَحَدٌ يَرْفَعُهُ إلَيْهِ وَلَوْ رَآهُ قبل مَوْتِهِ فلم يَرْفَعْهُ إلَيْهِ حتى مَاتَ حَنِثَ وَلَوْ أَنَّ قَاضِيًا بَعْدَهُ وُلِّيَ فَرَفَعَهُ إلَيْهِ لم يَبَرَّ لِأَنَّهُ لم يَرْفَعْهُ إلَى الْقَاضِي الذي أَحْلَفَهُ لِيَرْفَعَهُ إلَيْهِ وَكَذَلِكَ إذَا عُزِلَ ذلك الْقَاضِي لم يَكُنْ عليه أَنْ يَرْفَعَهُ إلَى الْقَاضِي الذي خَلَفَ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْمَحْلُوفِ عليه وَلَوْ عُزِلَ ذلك الْقَاضِي فَإِنْ كانت نِيَّتُهُ لَيَرْفَعَنَّهُ إلَيْهِ إنْ كان قَاضِيًا فرأي ذلك الشَّيْءَ وهو غَيْرُ قَاضٍ لم يَكُنْ عليه أَنْ يَرْفَعَهُ إلَيْهِ وَلَوْ لم تَكُنْ له نِيَّةٌ خَشِيت أَنْ يَحْنَثَ إنْ لم يَرْفَعْهُ إلَيْهِ وَإِنْ رَآهُ فَعَجَّلَ لِيَرْفَعَهُ سَاعَةَ أَمْكَنَهُ رَفْعُهُ فَمَاتَ لم يَحْنَثْ وَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِأَنْ يُمْكِنَهُ رَفْعُهُ فَيُفَرِّطَ حتى يَمُوتَ وَإِنْ عَلِمَاهُ جميعا فَعَلَيْهِ أَنْ يُخْبِرَهُ وَإِنْ كان ذلك مَجْلِسًا وَاحِدًا وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ ما له مَالٌ وَلَهُ عَرَضٌ أو دَيْنٌ أو هُمَا حَنِثَ لِأَنَّ هذا مَالٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى شيئا فَلَا يَحْنَثُ إلَّا على نِيَّتِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ مِائَةَ سَوْطٍ فَجَمَعَهَا فَضَرَبَهُ بها فَإِنْ كان يُحِيطُ الْعِلْمَ أَنَّهُ إذَا ضَرَبَهُ بها مَاسَّتْهُ كُلُّهَا فَقَدْ بَرَّ وَإِنْ كان يُحِيطُ الْعِلْمَ أنها لَا تُمَاسُّهُ كُلُّهَا لم يَبَرَّ وَإِنْ كان الْعِلْمُ مُغَيَّبًا قد تُمَاسُّهُ وَلَا تُمَاسُّهُ فَضَرَبَهُ بها ضَرْبَةً لم يَحْنَثْ في الْحُكْمِ وَيَحْنَثْ في الْوَرَعِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فما الْحُجَّةُ في هذا قِيلَ مَعْقُولٌ أَنَّهُ إذَا مَاسَّتْهُ أَنَّهُ ضَارِبُهُ بها مَجْمُوعَةً أو غير مَجْمُوعَةٍ وقد قال اللَّهُ عز وجل وَخُذْ { بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ } وَضَرَبَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَجُلًا نِضْوًا في الزنى بأثكال النَّخْلِ وَهَذَا شَيْءٌ مَجْمُوعٌ غير أَنَّهُ إذَا ضَرَبَهُ بها مَاسَّتْهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ مِائَةً ولم يَقُلْ ضَرْبًا شَدِيدًا فَأَيَّ ضَرْبٍ ضَرَبَهُ إيَّاهُ خَفِيفًا أو شَدِيدًا لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ ضَارِبُهُ في هذا كُلِّهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ لَئِنْ فَعَلَ عَبْدُهُ كَذَا لَيَضْرِبَنَّهُ فَفَعَلَ ذلك الْعَبْدُ وَضَرَبَهُ السَّيِّدُ ثُمَّ عَادَ فَفَعَلَهُ لم يَحْنَثْ وَلَا يَكُونُ الْحِنْثُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ لَا يَهَبُ رَجُلًا هِبَةً فَتَصَدَّقَ عليه بِصَدَقَةٍ فَهِيَ هِبَةٌ وهو حَانِثٌ وَكَذَلِكَ لو نَحَلَهُ فَالنَّحْلُ هِبَةٌ وَكَذَلِكَ إنْ أَعْمَرَهُ لِأَنَّهَا هِبَةٌ فَأَمَّا إنْ أَسْكَنَهُ فَلَا يَحْنَثُ إنَّمَا السُّكْنَى عَارِيَّةٌ لم يُمَلِّكْهُ إيَّاهَا وَلَهُ مَتَى شَاءَ أَنْ يَرْجِعَ فيها وَكَذَلِكَ إنْ حَبَسَ عليه لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لم يُمَلِّكْهُ ما حَبَسَ عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ
____________________

(7/80)


تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَرْكَبَ دَابَّةَ فُلَانٍ فَرَكِبَ دَابَّةَ عَبْدِهِ حَنِثَ وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَرْكَبَ دَابَّةَ الْعَبْدِ فَرَكِبَ دَابَّةَ الْعَبْدِ لم يَحْنَثْ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ لِلْعَبْدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إنَّمَا اسْمُهَا مُضَافٌ إلَيْهِ كما يُضَافُ اسْمُهَا إلَى سَائِسِهَا وَإِنْ كان حُرًّا أو يُضَافُ الْغِلْمَانُ إلَى الْمُعَلِّمِ وَهُمْ أَحْرَارٌ فَيُقَالُ غِلْمَانُ فُلَانٍ وَتُضَافُ الدَّارُ إلَى الْقَيِّمِ عليها وَإِنْ كانت لِغَيْرِهِ ( قال الرَّبِيعُ ) قُلْت أنا وَيُضَافُ اللِّجَامُ إلَى الدَّابَّةِ وَالسَّرْجُ إلَى الدَّابَّةِ فَيُقَالُ لِجَامُ الْحِمَارِ وَسَرْجُ الْحِمَارِ وَلَيْسَ يَمْلِكُ الدَّابَّةُ اللِّجَامَ وَلَا السَّرْجَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الْعَبْدُ بِاَللَّهِ فَحَنِثَ أو أَذِنَ له سَيِّدُهُ فَحَجَّ فَأَصَابَ شيئا مِمَّا عليه فيه فِدْيَةٌ أو تَظَاهَرَ أو آلَى فَحَنِثَ فَلَا يَجْزِيهِ في هذا كُلِّهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ وَلَوْ أَذِنَ له سَيِّدُهُ من قِبَلِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مَالِكًا لِلْمَالِ وَأَنَّ لِمَالِكِهِ أَنْ يُخْرِجَهُ من يَدَيْهِ وهو مُخَالِفٌ لِلْحُرِّ يُوهَبُ له الشَّيْءُ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ لِأَنَّ الْحُرَّ يَمْلِكُهُ قبل أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ وَعَلَيْهِ الصِّيَامُ في هذا كُلِّهِ ( 1 ) فَإِنْ كان هذا شَيْءٌ منه بِإِذْنِ مَوْلَاهُ فَلَيْسَ له أَنْ يَمْنَعَهُ منه وَإِنْ كان منه بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَإِنْ كان الصَّوْمُ يَضُرُّ بِعَمَلِ الْمَوْلَى كان له أَنْ يَمْنَعَهُ فَإِنْ صَامَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ في الْحَالِ التي له أَنْ يَمْنَعَهُ فيها أَجْزَأَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَحْنَثُ الناس في الْحُكْمِ على الظَّاهِرِ من أَيْمَانِهِمْ وَكَذَلِكَ أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنْ نَحْكُمَ عليهم بِمَا ظَهَرَ وَكَذَلِكَ أَمَرَنَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَكَذَلِكَ أَحْكَامُ اللَّهِ وَأَحْكَامُ رَسُولِهِ في الدُّنْيَا فَأَمَّا السَّرَائِرُ فَلَا يَعْلَمُهَا إلَّا اللَّهُ فَهُوَ يُدِينُ بها وَيَجْزِي وَلَا يَعْلَمُهَا دُونَهُ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ أَلَا تَرَى أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى في الْمُنَافِقِينَ أَنَّهُ يَعْلَمُهُمْ مُشْرِكِينَ فَأَوْجَبَ عليهم في الْآخِرَةِ جَهَنَّمَ فقال عز وجل { إنَّ الْمُنَافِقِينَ في الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ من النَّارِ } وَحَكَمَ لهم رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِأَحْكَامِ الْإِسْلَامِ بِمَا أَظْهَرُوا منه فلم يَسْفِكْ لهم دَمًا ولم يَأْخُذْ لهم مَالًا ولم يَمْنَعْهُمْ أَنْ يُنَاكِحُوا الْمُسْلِمِينَ وَيَنْكِحُوهُمْ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَعْرِفُهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ يَأْتِيهِ الْوَحْيُ وَيَسْمَعُ ذلك منهم وَيَبْلُغُهُ عَنْهُمْ فَيُظْهِرُونَ التَّوْبَةَ وَالْوَحْيُ يَأْتِيهِ بِأَنَّهُمْ كَاذِبُونَ بِالتَّوْبَةِ وَمِثْلَ ذلك قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في جَمِيعِ الناس أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ الناس حتى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فإذا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ على اللَّهِ وَكَذَلِكَ قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْحُدُودِ فَأَقَامَ على رَجُلٍ حَدًّا ثُمَّ قام خَطِيبًا فقال أَيُّهَا الناس قد آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عن مَحَارِمِ اللَّهِ فَمَنْ أَصَابَ مِنْكُمْ من هذه الْقَاذُورَاتِ شيئا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فإنه من يُبْدِ لنا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عليه كِتَابَ اللَّهِ وروى عنه أَنَّهُ قال تَوَلَّى اللَّهُ مِنْكُمْ السَّرَائِرَ وَدَرَأَ عَنْكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَحُفِظَ عنه صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال إنَّمَا أنا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ من بَعْضٍ فَأَقْضِي له على نَحْوِ ما أَسْمَعُ منه فَمَنْ قَضَيْت له بِشَيْءٍ من حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذْهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ له قِطْعَةً من النَّارِ وَلَاعَنَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بين الْعَجْلَانِيِّ وَامْرَأَتِهِ وَقَذَفَهَا بِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَبْصِرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا فَهُوَ لِلَّذِي يَتَّهِمُهُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا فَلَا أَرَاهُ إلَّا قد كَذَبَ عليها فَجَاءَتْ بِهِ على النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ وقد روى عنه صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال إنَّ أَمْرَهُ لَبَيِّنٌ لَوْلَا ما حَكَمَ اللَّهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ كان لِأَحَدٍ من الْخَلْقِ أَنْ يَحْكُمَ على خِلَافِ الظَّاهِرِ ما كان ذلك لِأَحَدٍ إلَّا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِمَا يَأْتِيهِ بِهِ الْوَحْيُ وَبِمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى فيه مِمَّا لم يَجْعَلْ في غَيْرِهِ من التَّوْفِيقِ فإذا كان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَتَوَلَّ أَنْ يَقْضِيَ إلَّا على الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنُ يَأْتِيهِ وهو يَعْرِفُ من الدَّلَائِلِ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ إيَّاهُ ما لَا يَعْرِفُ غَيْرُهُ فَغَيْرُهُ أَوْلَى أَنْ لَا يَحْكُمَ إلَّا على الظَّاهِرِ وَإِنَّمَا جَوَابُنَا في هذه الْأَيْمَانِ
____________________

(7/81)


كُلِّهَا إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ لَا نِيَّةَ له فَأَمَّا إذَا كانت الْيَمِينُ بِنِيَّةٍ فَالْيَمِينُ على ما نَوَى قِيلَ لِلرَّبِيعِ كُلُّ ما كان في هذا الْكِتَابِ فَإِنَّا نَقُولُ فَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ قال نعم وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * بَابُ الْإِشْهَادِ عِنْدَ الدَّفْعِ إلَى الْيَتَامَى - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل { وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حتى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ منهم رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كان غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كان فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فإذا دَفَعْتُمْ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عليهم } الْآيَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَفِي هذه الْآيَةِ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا الْأَمْرُ بِالْإِشْهَادِ وهو ( 1 ) في مِثْلِ مَعْنَى الْآيَةِ قَبْلَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ من أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِالْإِشْهَادِ دَلَالَةً لَا حَتْمًا وفي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَكَفَى بِاَللَّهِ حَسِيبًا } كَالدَّلِيلِ على الْإِرْخَاصِ في تَرْكِ الْإِشْهَادِ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل يقول { وَكَفَى بِاَللَّهِ حَسِيبًا } أَيْ إنْ لم تُشْهِدُوا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنْ يَكُونَ وَلِيُّ الْيَتِيمِ الْمَأْمُورِ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ مَالَهُ وَالْإِشْهَادِ بِهِ عليه يَبْرَأُ بِالْإِشْهَادِ عليه إنْ جَحَدَهُ الْيَتِيمُ وَلَا يَبْرَأُ بِغَيْرِهِ أو يَكُونَ مَأْمُورًا بِالْإِشْهَادِ عليه على الدَّلَالَةِ وقد يَبْرَأُ بِغَيْرِ شَهَادَةٍ إذَا صَدَّقَهُ الْيَتِيمُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْآيَةُ مُحْتَمِلَةٌ الْمَعْنَيَيْنِ مَعًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَيْسَ في وَاحِدَةٍ من هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ تَسْمِيَةُ شُهُودٍ وَتَسْمِيَةُ الشُّهُودِ في غَيْرِهِمَا وَتِلْكَ التَّسْمِيَةُ تَدُلُّ على ما يَجُوزُ فِيهِمَا وفي غَيْرِهِمَا وَتَدُلُّ مَعَهُمَا السُّنَّةُ ثُمَّ ما لَا أَعْلَمُ أَهْلَ الْعِلْمِ اخْتَلَفُوا فيه وفي ذِكْرِ اللَّهِ عز وجل الشَّهَادَاتِ دَلَالَةٌ على أَنَّ لِلشَّهَادَاتِ حُكْمًا وَحُكْمُهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يُقْطَعَ بها بين الْمُتَنَازِعَيْنِ بِدَلَالَةِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ إجْمَاعٍ سَنَذْكُرُهُ في مَوْضِعِهِ قال اللَّهُ عز وجل { وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ من نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا } الْآيَةَ فَسَمَّى اللَّهُ في الشَّهَادَةِ في الْفَاحِشَةِ وَالْفَاحِشَةُ هَا هُنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ الزنى وفي الزنى أَرْبَعَةُ شُهُودٍ وَلَا تَتِمُّ الشَّهَادَةُ في الزنى إلَّا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ لَا امْرَأَةَ فِيهِمْ لِأَنَّ الظَّاهِرَ من الشُّهَدَاءِ الرِّجَالُ خَاصَّةً دُونَ النِّسَاءِ وَدَلَّتْ السُّنَّةُ على أَنَّهُ لَا يَجُوزُ في الزنى أَقَلُّ من أَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ وَعَلَى مِثْلِ ما دَلَّ عليه الْقُرْآنُ في الظَّاهِرِ من أَنَّهُمْ رِجَالٌ مُحْصَنُونَ فَإِنْ قال قَائِلٌ الْفَاحِشَةُ تَحْتَمِلُ الزنى وَغَيْرَهُ فما دَلَّ على أنها في هذا الْمَوْضِعِ الزنى دُونَ غَيْرِهِ قِيلَ كِتَابُ اللَّهِ ثُمَّ سُنَّةُ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ ما لَا أَعْلَمُ عَالِمًا خَالَفَ فيه في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل في { واللاتي ( ( ( اللاتي ) ) ) يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ من نِسَائِكُمْ فاستشهدوا ( ( ( يمسكن ) ) ) عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا } ثُمَّ نَزَلَتْ { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قد جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ وَدَلَّ اللَّهُ وَرَسُولُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ هذا الْحَدَّ إنَّمَا هو على الزُّنَاةِ دُونَ غَيْرِهِمْ لم أَعْلَمْ في ذلك مُخَالِفًا من أَهْلِ الْعِلْمِ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على أَنْ لَا يُقْطَعَ الْحُكْمُ في الزنى بِأَقَلَّ من أَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ قِيلَ له الْآيَتَانِ من كِتَابِ اللَّهِ عز وجل يَدُلَّانِ على ذلك قال اللَّهُ عز وجل في الْقَذَفَةِ { لَوْلَا جاؤوا عليه بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فإذ ( ( ( فإذا ) ) ) لم يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمْ الْكَاذِبُونَ } يقول لَوْلَا جاؤوا على من قَذَفُوا بالزنى بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ بِمَا قالوا وَقَوْلُ اللَّهِ عز وجل { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لم يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً } وَدَلَّ على ذلك مع الِاكْتِفَاءِ بِالتَّنْزِيلِ السُّنَّةُ ثُمَّ الْأَثَرُ ثُمَّ الْإِجْمَاعُ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن سُهَيْلِ بن أبي صَالِحٍ عن أبيه عن أبي هُرَيْرَةَ رضي ( ( ( رحمه ) ) ) اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّ سَعْدًا قال يا رَسُولَ اللَّهِ
____________________

(7/82)


أَرَأَيْت لو وَجَدْت مع امْرَأَتِي رَجُلًا أُمْهِلُهُ حتى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نعم ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن بن الْمُسَيِّبِ أَنَّ عَلِيَّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه سُئِلَ عن رَجُلٍ وَجَدَ مع امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَقَتَلَهُ أو قَتَلَهَا فقال إنْ لم يَأْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَلْيُعْطَ بِرُمَّتِهِ وَشَهِدَ ثَلَاثَةٌ على رَجُلٍ عِنْدَ عُمَرَ بالزنى ولم يَثْبُتْ الرَّابِعُ فَحُدَّ الثَّلَاثَةُ ولم أَعْلَمْ الناس اخْتَلَفُوا في أَنْ لَا يُقَامَ الْحَدُّ في الزنى بِأَقَلَّ من أَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ - * بَابُ ما جاء في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ من نِسَائِكُمْ } حتى ما يُفْعَلُ بِهِنَّ من الْحَبْسِ وَالْأَذَى - * قال اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ من نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ في الْبُيُوتِ } فيه دَلَالَةٌ على أُمُورٍ منها أَنَّ اللَّهَ عز وجل سَمَّاهُنَّ من نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ الْمُخَاطَبُونَ بِالْفَرَائِضِ يَجْمَعُ هذا أن لم يَقْطَعْ الْعِصْمَةَ بين أَزْوَاجِهِنَّ وَبَيْنَهُمْ في الزنى وفي هذه الْآيَةِ دَلَالَةٌ على أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عز اسْمُهُ { الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أو مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إلَّا زَانٍ أو مُشْرِكٌ } كما قال بن الْمُسَيِّبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَنْسُوخَةٌ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن يحيى بن سَعِيدٍ قال قال بن الْمُسَيِّبِ نَسَخَتْهَا { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ } فَهُنَّ من أَيَامَى الْمُسْلِمِينَ وقال اللَّهُ عز وجل { فَأَمْسِكُوهُنَّ في الْبُيُوتِ } يُشْبِهُ عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ إذَا لم تُقْطَعْ الْعِصْمَةُ بالزنى فَالْمُوَارَثَةُ بِأَحْكَامِ الْإِسْلَامِ ثَابِتَةٌ عليها وَإِنْ زَنَتْ وَيَدُلُّ إذَا لم تُقْطَعْ الْعِصْمَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا بالزنى لَا بَأْسَ أَنْ يَنْكِحَ امْرَأَةً وَإِنْ زَنَتْ إن ذلك لو كان يُحَرِّمُ نِكَاحَهَا قُطِعَتْ الْعِصْمَةُ بين الْمَرْأَةِ تَزْنِي عِنْدَ زَوْجِهَا وَبَيْنَهُ وَأَمَرَ اللَّهُ عز وجل في اللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ من النِّسَاءِ بِأَنْ يُحْبَسْنَ في الْبُيُوتِ حتى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أو يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا مَنْسُوخٌ بِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي } في كِتَابِ اللَّهِ ثُمَّ على لِسَانِ رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَإِنْ قال قَائِلٌ فَأَيْنَ ما وَصَفْت من ذلك قِيلَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَرَأَيْت إذَا أَمَرَ اللَّهُ في اللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ أَنْ يُحْبَسْنَ في الْبُيُوتِ حتى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أو يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا أَلَيْسَ بَيِّنًا أَنَّ هذا أَوَّلُ ما أُمِرَ بِهِ في الزَّانِيَةِ فَإِنْ قال هذا وَإِنْ كان هَكَذَا عِنْدِي فَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عِنْدِي حَدُّ الزنى في الْقُرْآنِ قبل هذا ثُمَّ خُفِّفَ وَجُعِلَ هذا مَكَانَهُ إلَّا أَنْ يَدُلَّ عليه غَيْرُ هذا قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا عبد الْوَهَّابِ عن يُونُسَ عن الْحَسَنِ عن عُبَادَةَ بن الصَّامِتِ في هذه الْآيَةِ { حتى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أو يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا } قال كَانُوا يُمْسِكُوهُنَّ حتى نَزَلَتْ آيَةُ الْحُدُودِ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم خُذُوا عَنِّي قد جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَلَا أَدْرِي أَسَقَطَ من كِتَابِي حِطَّانُ الرَّقَاشِيُّ أَمْ لَا فإن الْحَسَنَ حدثه عن حِطَّانَ الرَّقَاشِيِّ عن عُبَادَةَ بن الصَّامِتِ وقد حَدَّثَنِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ من أَهْلِ الْعِلْمِ عن الثِّقَةِ عن الْحَسَنِ عن حِطَّانَ الرَّقَاشِيِّ عن عُبَادَةَ بن الصَّامِتِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مِثْلُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا حَدِيثٌ يَقْطَعُ الشَّكَّ وَيُبَيِّنُ أَنَّ حَدَّ الزَّانِيَيْنِ كان الْحَبْسَ أو الْحَبْسَ وَالْأَذَى فَكَانَ الْأَذَى بَعْدَ الْحَبْسِ أو قَبْلَهُ وَأَنَّ أَوَّلَ ما حَدَّ اللَّهُ بِهِ الزَّانِيَيْنِ من الْعُقُوبَةِ في أَبْدَانِهِمَا بَعْدَ هذا عِنْدَ قَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قد جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَالْجَلْدُ على الزَّانِيَيْنِ الثَّيِّبَيْنِ مَنْسُوخٌ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَجَمَ مَاعِزَ بن مَالِكٍ ولم يَجْلِدْهُ وَرَجَمَ الْمَرْأَةَ التي بَعَثَ إلَيْهَا أُنَيْسًا ولم يَجْلِدْهَا وَكَانَا ثَيِّبَيْنِ ( 1 ) فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على أَنَّ هذا مَنْسُوخٌ قِيلَ له أَرَأَيْت
____________________

(7/83)


إذَا كان أَوَّلُ ما حَدَّ اللَّهُ بِهِ الزَّانِيَيْنِ الْحَبْسَ أو الْحَبْسَ وَالْأَذَى ثُمَّ قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم خُذُوا عَنِّي قد جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالتَّغْرِيبُ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ الْجَلْدُ وَالرَّجْمُ أَلَيْسَ في هذا دَلَالَةٌ على أَنَّ أَوَّلَ ما حَدَّهُمَا اللَّهُ بِهِ من الْعُقُوبَةِ في أَبْدَانِهِمَا الْحَبْسُ وَالْأَذَى فَإِنْ قال بَلَى قِيلَ فإذا كان هذا أَوَّلًا فَلَا نَجِدُ ثَانِيًا أَبَدًا إلَّا بَعْدَ الْأَوَّلِ فإذا حَدٌّ ثَانٍ بَعْدَ الْأَوَّلِ فَخُفِّفَ من حَدِّ الْأَوَّلِ شَيْءٌ فَذَلِكَ دَلَالَةٌ على ما خُفِّفَ الْأَوَّلُ مَنْسُوخٌ عن الزَّانِي - * بَابُ الشَّهَادَةِ في الطَّلَاقِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل { فإذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أو فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَرَ اللَّهُ عز وجل في الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ بِالشَّهَادَةِ وسمي فيها عَدَدَ الشَّهَادَةِ فَانْتَهَى إلَى شَاهِدَيْنِ فَدَلَّ ذلك على أَنَّ كَمَالَ الشَّهَادَةِ على الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ شَاهِدَانِ فإذا كان ذلك كَمَالَهَا لم يَجُزْ فيها شَهَادَةٌ أَقَلُّ من شَاهِدَيْنِ لِأَنَّ ما كان دُونَ الْكَمَالِ مِمَّا يُؤْخَذُ بِهِ الْحَقُّ لِبَعْضِ الناس من بَعْضٍ فَهُوَ غَيْرُ ما أَمَرَ بِالْأَخْذِ بِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ بِغَيْرِ ما أَمَرَنَا بِالْأَخْذِ بِهِ وَكَذَلِكَ يَدُلُّ على ما دَلَّ عليه ما قَبْلَهُ من نَفْيِ أَنْ يَجُوزَ فيه إلَّا ذلك رِجَالٌ لَا نِسَاءَ مَعَهُمْ لِأَنَّ شَاهِدَيْنِ لَا يَحْتَمِلُ بِحَالٍ أَنْ يَكُونَا إلَّا رَجُلَيْنِ فَاحْتَمَلَ أَمْرُ اللَّهِ عز وجل بِالْإِشْهَادِ في الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ ما احْتَمَلَ أَمْرُهُ بِالْإِشْهَادِ في الْبُيُوعِ وَدَلَّ ما وَصَفْت من أَنِّي لم أَلْقَ مُخَالِفًا حَفِظْت عنه من أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ حَرَامًا أَنْ يُطَلِّقَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ على أَنَّهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ دَلَالَةُ اخْتِيَارٍ لَا فَرْضٍ يعصى بِهِ من تَرَكَهُ وَيَكُونُ عليه أَدَاؤُهُ إنْ فَاتَ في مَوْضِعِهِ وَاحْتَمَلَتْ الشَّهَادَةُ على الرَّجْعَةِ من هذا ما احْتَمَلَ الطَّلَاقُ وَيُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ في مِثْلِ مَعْنَاهُ لِأَنَّهُمَا إذَا تَصَادَقَا على الرَّجْعَةِ في الْعِدَّةِ تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ وَإِنْ أَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا كما إذَا تَصَادَقَا على الطَّلَاقِ يَثْبُتُ وَإِنْ أَنْكَرَ الرَّجُلُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَالِاخْتِيَارُ في هذا وفي غَيْرِهِ مِمَّا أَمَرَ فيه بِالشَّهَادَةِ وَاَلَّذِي ليس في النَّفْسِ منه شَيْءٌ الْإِشْهَادُ - * بَابُ الشَّهَادَةِ في الدَّيْنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل { إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ } الْآيَةَ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا وقال في سِيَاقِهَا { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ من رِجَالِكُمْ فَإِنْ لم يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ من الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى } الْآيَةَ فذكر اللَّهُ عز وجل شُهُودَ الزنى وَذَكَرَ شُهُودَ الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَذَكَرَ شُهُودَ الْوَصِيَّةِ فلم يذكر مَعَهُمْ امْرَأَةً فَوَجَدْنَا شُهُودَ الزنى يَشْهَدُونَ على حَدٍّ لَا مَالٍ وَشُهُودَ الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ يَشْهَدُونَ على تَحْرِيمٍ بَعْدَ تَحْلِيلٍ وَتَثْبِيتِ تَحْلِيلٍ لَا مَالَ في وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَذَكَرَ شُهُودَ الْوَصِيَّةِ وَلَا مَالَ لِلْمَشْهُودِ له أَنَّهُ وَصَّى ثُمَّ لم أَعْلَمْ أَحَدًا من أَهْلِ الْعِلْمِ خَالَفَ في أَنْ لَا يَجُوزَ في الزنى إلَّا الرِّجَالُ وَعَلِمْت أَكْثَرَهُمْ قال وَلَا في الطَّلَاقِ وَلَا الرَّجْعَةِ إذَا تَنَاكَرَ الزَّوْجَانِ وَقَالُوا ذلك في الْوَصِيَّةِ وكان ما حَكَيْت من أَقَاوِيلِهِمْ دَلَالَةً على مُوَافَقَةِ ظَاهِرِ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل وكان أَوْلَى الْأُمُورِ أَنْ يُصَارَ إلَيْهِ وَيُقَاسَ عليه وَذَكَرَ اللَّهُ شُهُودَ الدَّيْنِ فذكر فِيهِمْ النِّسَاءَ وكان الدَّيْنُ أَخْذَ مَالٍ من الْمَشْهُودِ عليه وَالْأَمْرُ على ما فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ من الْأَحْكَامِ في الشَّهَادَاتِ أَنْ يُنْظَرَ كُلُّ ما شَهِدَ بِهِ على أَحَدٍ فَكَانَ لَا يُؤْخَذُ منه بِالشَّهَادَةِ نَفْسِهَا مَالٌ وكان إنَّمَا يَلْزَمُ بها حَقٌّ غَيْرُ مَالٍ أو شَهِدَ بِهِ لِرَجُلٍ وكان لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ مَالًا لِنَفْسِهِ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِهِ غير مَالٍ مِثْلَ الْوَصِيَّةِ وَالْوَكَالَةِ وَالْقِصَاصِ وَالْحَدِّ وما أَشْبَهَهُ فَلَا يَجُوزُ فيه إلَّا شَهَادَةُ الرِّجَالِ لَا يَجُوزُ فيه امْرَأَةٌ وَيُنْظَرُ كُلُّ ما شَهِدَ بِهِ مِمَّا أَخَذَ بِهِ الْمَشْهُودُ له من الْمَشْهُودِ عليه مَالًا فَتَجُوزُ فيه شَهَادَةُ النِّسَاءِ مع الرِّجَالِ لِأَنَّهُ في مَعْنَى الْمَوْضِعِ الذي أَجَازَهُنَّ اللَّهُ فيه فَيَجُوزُ قِيَاسًا لَا يَخْتَلِفُ هذا الْقَوْلُ فَلَا يَجُوزُ غَيْرُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَمَنْ خَالَفَ هذا الْأَصْلَ تَرَكَ عِنْدِي ما يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ من مَعْنَى الْقُرْآنِ
____________________

(7/84)


وَلَا أَعْلَمُ لِأَحَدٍ خَالَفَهُ حُجَّةً فيه بِقِيَاسٍ وَلَا خَبَرٍ لَازِمٍ وفي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { فَإِنْ لم يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ من الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى } دَلَالَةٌ على أَنْ لَا تَجُوزَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ حَيْثُ نُجِيزُهُنَّ إلَّا مع رَجُلٍ وَلَا يَجُوزُ مِنْهُنَّ إلَّا امْرَأَتَانِ فَصَاعِدًا لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل لم يُسَمِّ مِنْهُنَّ أَقَلَّ من اثْنَتَيْنِ ولم يَأْمُرْ بِهِنَّ اللَّهُ إلَّا مع رَجُلٍ - * بَابُ الْخِلَافِ في هذا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ خَالَفَنَا أَحَدٌ فقال إنْ شَهِدَتْ امْرَأَتَانِ لِرَجُلٍ حَلَفَ مَعَهُمَا فَقَدْ خَالَفَهُ عَدَدٌ أَحْفَظُ عَنْهُمْ ذلك من أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهِمْ وَهَذَا أَجَازَ النِّسَاءَ بِغَيْرِ رَجُلٍ وَيَلْزَمُهُ في أَصْلِ مَذْهَبِهِ أَنْ يُجِيزَ أَرْبَعًا فيعطى بِهِنَّ حَقًّا على مَذْهَبِهِ فَيَكُونَ خِلَافَ ما وَصَفْت من دَلَالَةِ الْكِتَابِ فَإِنْ قال إنِّي إنَّمَا أَجَزْت شَهَادَتَهُمَا أَنَّهُمَا مع يَمِينِ رَجُلٍ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُحَلِّفَ امْرَأَةً إنْ أَقَامَتْ شَاهِدًا وَاَلَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ الرَّجُلُ هو الذي تَسْتَحِقُّ بِهِ الْمَرْأَةُ الْحَقَّ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْلِفَ مُشْرِكٌ وَلَا عَبْدٌ وَلَا حُرٌّ غَيْرُ عَدْلٍ مع أَنَّهُ خِلَافُ ما وَصَفْت من دَلَالَةِ الْكِتَابِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَهَذَا قَوْلٌ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَغْلَطَ إلَيْهِ فَإِنْ قال إنِّي أعطى بِالْيَمِينِ كما أعطى بِشَاهِدٍ فَذَلِكَ بِالْخَبَرِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الذي لَزِمَنَا أَنْ نَقُولَ بِمَا حَكَمَ بِهِ لَا أنها ( ( ( أنه ) ) ) من جِهَةِ الشَّهَادَاتِ وَلَوْ كانت من جِهَةِ الشَّهَادَاتِ ما أَحَلَفْنَا الرَّجُلَ وهو شَاهِدٌ وَلَا أَجَزْنَا شَهَادَتَهُ لِنَفْسِهِ وَلَوْ جَازَ هذا ما جَازَ لِغَيْرِ عَدْلٍ وَلَا جَازَ أَنْ تَحْلِفَ امْرَأَةٌ وَلَا عَبْدٌ وَلَا كَافِرٌ وَلَا غَيْرُ عَدْلٍ فَإِنْ قال قَائِلٌ فما هِيَ قِيلَ يَمِينٌ أَعْطَى بها رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَعْطَيْنَا بها كما كانت يَمِينًا في الْمُتَلَاعِنَيْنِ وَلِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم سُنَّةٌ في الْمُدَّعَى عليه فَأَحْلَفْنَا في ذلك الْمَرْأَةَ وَالرَّجُلَ وَالْحُرَّ الْعَدْلَ وَغَيْرَ الْعَدْلِ وَالْعَبْدَ وَالْكَافِرَ لَا أنها من الشَّهَادَاتِ بِسَبِيلٍ - * بَابُ الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وقد حَكَيْت مِمَّا ذَكَرَ اللَّهُ عز وجل في كِتَابِهِ من الشَّهَادَاتِ وكان الْكِتَابُ كَالدَّلِيلِ على أنها يُحْكَمُ بها على ما فَرَضَ اللَّهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ على من كانت له تِلْكَ الشَّهَادَاتُ وَكَانَتْ على ذلك دَلَالَةُ السُّنَّةِ ثُمَّ الْآثَارِ وما لَا أَعْلَمُ بين أَحَدٍ لَقِيته فَحَفِظْت عنه من أَهْلِ الْعِلْمِ في ذلك مُخَالِفًا قال وَذَكَرَ اللَّهُ عز وجل في الزنى أَرْبَعَةً وَذَكَرَ في الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَالْوَصِيَّةِ اثْنَيْنِ ثُمَّ كان الْقَتْلُ وَالْجِرَاحُ من الْحُقُوقِ التي لم يذكر فيها عَدَدَ الشُّهُودِ الَّذِينَ يُقْطَعُ بِهِمْ فَاحْتَمَلَ أَنْ تُقَاسَ على شُهُودِ الزنى وَأَنْ تُقَاسَ على شُهُودِ الطَّلَاقِ وما سَمَّيْنَا معه فلما احْتَمَلَ الْمَعْنَيَيْنِ مَعًا ثُمَّ لم أَعْلَمْ مُخَالِفًا لَقِيته من أَهْلِ الْعِلْمِ إلَّا وَاحِدًا في أَنَّهُ يَجُوزُ فِيمَا سِوَى الزنى شَاهِدَانِ فَكَانَ الذي عليه أَكْثَرُ من لَقِيت من أَهْلِ الْعِلْمِ أَوْلَى أَنْ يُقَالَ بِهِ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ وَاحِدٌ لَا أَعْرِفُ له مُتَقَدِّمًا إذَا احْتَمَلَ الْقِيَاسُ خِلَافَ قَوْلِهِ وَإِنْ احْتَمَلَ الْقِيَاسُ قَوْلَهُ وَكَذَلِكَ شَهَادَةُ الشُّهُودِ على الْخَمْرِ وَغَيْرِ ذلك وَكَذَلِكَ الشَّهَادَةُ على الْقَذْفِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فإن اللَّهَ عز وجل يقول في الْقَذَفَةِ { لَوْلَا جاؤوا عليه بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ } الْآيَةَ وقال { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لم يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً } قِيلَ له هذا كما قال اللَّهُ عز وجل لِأَنَّ اللَّهَ حَكَمَ في الزنى بِأَرْبَعَةٍ فإذا قَذَفَ رَجُلٌ رَجُلًا بالزنى لم يُخْرِجْهُ من الْحَدِّ إلَّا أَنْ يُقِيمَ عليه بَيِّنَةً بِأَنَّهُ زَانٍ وَلَا يَكُونُ عليه بَيِّنَةٌ تَقْطَعُ أَقَلَّ من أَرْبَعَةٍ وما لم يُتِمُّوا أَرْبَعَةً فَهُوَ قَاذِفٌ يُحَدُّ وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِالْأَرْبَعَةِ أَنْ يَثْبُتَ عليه الزنى فَيَخْرُجَ من ذلك الْقَاذِفُ وَيُحَدَّ الْمَشْهُودُ عليه الْمَقْذُوفُ وَحُكْمُهُمْ مَعًا حُكْمُ شُهُودِ الزنى لِأَنَّهُنَّ شَهَادَاتٌ على الزنى لَا على الْقَذْفِ فإذا قام على رَجُلٍ شَاهِدَانِ بِأَنَّهُ قَذَفَ رَجُلًا حُدَّ لِأَنَّهُ لم يذكر عَدَدَ شُهُودِ
____________________

(7/85)


الْقَذْفِ فَكَانَ قِيَاسًا على الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ مِمَّا وَصَفْت وَلَا يَخْرُجُ من أَنْ يُحَدَّ له إلَّا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ يُثْبِتُونَ الزنى على الْمَقْذُوفِ فَيُحَدُّ وَيَكُونُ هذا صَادِقًا في الظَّاهِرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ - * الْيَمِينُ مع الشَّاهِدِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَكْثَرُ ما جَعَلَ اللَّهُ عز وجل من الشُّهُودِ في الزنى أَرْبَعَةٌ وفي الدَّيْنِ رَجُلَانِ أو رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فَكَانَ تَفْرِيقُ اللَّهِ عز وجل بين الشَّهَادَاتِ على ما حَكَمَ اللَّهُ عز وجل من أنها مُفْتَرِقَةٌ وَاحْتَمَلَ إذَا كان أَقَلُّ ما ذَكَرَ اللَّهُ من الشَّهَادَاتِ شَاهِدَيْنِ أو شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ ما تَتِمُّ بِهِ الشَّهَادَةُ بِمَعْنَى لَا يَكُونُ على الْمَشْهُودِ له يَمِينٌ إذَا أتى بِكَمَالِ الشَّهَادَةِ فَيُعْطَى بِالشَّهَادَةِ دُونَ يَمِينِهِ لَا أَنَّ اللَّهَ عز وجل حَتَّمَ أَنْ لَا يُعْطَى أَحَدٌ بِأَقَلَّ من شَاهِدَيْنِ أو شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ لِأَنَّهُ لم يُحَرَّمْ أَنْ يَجُوزَ أَقَلُّ من ذلك نَصًّا في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهَذَا نَقُولُ لِأَنَّ عليه دَلَالَةَ السُّنَّةِ ثُمَّ الْآثَارِ وَبَعْضِ الْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ فَقُلْنَا يُقْضَى بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ فَسَأَلَنَا سَائِلٌ ما رَوَيْت منها فَقُلْنَا أخبرنا عبد اللَّهِ بن الحرث عن سَيْفِ بن سُلَيْمَانَ عن قَيْسِ بن سَعْدٍ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ قال عَمْرٌو في الْأَمْوَالِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدٍ عن رَبِيعَةَ بن عُثْمَانَ عن مُعَاذِ بن عبد الرحمن عن بن عَبَّاسٍ وَرَجُلٍ آخَرَ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم سَمَّاهُ لَا أَحْفَظُ اسْمَهُ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن جَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ قال سَمِعْت الْحَكَمَ بن عُتَيْبَةَ يَسْأَلُ أبي أَقَضَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ قال نعم وَقَضَى بها على رضي اللَّهُ تعالى عنه بين أَظْهُرِكُمْ قال مُسْلِمٌ وقال جَعْفَرٌ في حَدِيثِهِ في الدَّيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَحَكَمْنَا بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ في الْأَمْوَالِ دُونَ ما سِوَاهَا وما حَكَمْنَا فيه بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ أَجَزْنَا فيه شَهَادَةَ النِّسَاءِ مع الرِّجَالِ وما لم نَحْكُمْ فيه بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ لم نُجِزْ فيه شَهَادَةَ النِّسَاءِ مع الرِّجَالِ اسْتِدْلَالًا بِمَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ عز وجل الذي وَصَفْت في شَهَادَتِهِنَّ قبل هذا - * بَابُ الْخِلَافِ في الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس في الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ خِلَافًا أَسْرَفَ فيه على نَفْسِهِ فقال أَرُدُّ حُكْمَ من حَكَمَ بها لِأَنَّهَا خِلَافُ الْقُرْآنِ فَقُلْت لِأَعْلَى من لَقِيت مِمَّنْ خَالَفَنَا فيها عِلْمًا أَمَرَ اللَّهُ بِشَاهِدَيْنِ أو شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ فقال نعم فَقُلْت فَفِيهِ أَنَّ حَتْمًا من اللَّهِ عز وجل أَنْ لَا يَجُوزَ أَقَلُّ من شَاهِدَيْنِ أو شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ فقال فَإِنْ قُلْته قُلْت له فَقُلْهُ فقال فَقَدْ قُلْته فَقُلْت وَتَجِدُ من الشَّاهِدَانِ اللَّذَانِ أَمَرَ اللَّهُ عز وجل بِهِمَا فقال حُرَّانِ مُسْلِمَانِ بَالِغَانِ عَدْلَانِ قُلْت وَمَنْ حَكَمَ بِدُونِ ما قُلْت خَالَفَ حُكْمَ اللَّهِ قال نعم قُلْت له إنْ كان كما زَعَمْت فَقَدْ خَالَفْت حُكْمَ اللَّهِ عز وجل قال وَأَيْنَ قُلْت إذْ أَجَزْت شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَهُمْ غَيْرُ الَّذِينَ شَرَطَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ أَنْ تَجُوزَ شَهَادَتُهُمْ وَأَجَزْت شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ وَحْدَهَا على الْوِلَادَةِ وَهَذَانِ وَجْهَانِ أَعْطَيْت بِهِمَا من جِهَةِ الشَّهَادَةِ ثُمَّ أَعْطَيْت بِغَيْرِ شَهَادَةٍ في الْقَسَامَةِ وَغَيْرِهَا قال فَتَقُولُ مَاذَا قُلْت أَقُولُ إنَّ الْقَضَاءَ بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ ليس بِخِلَافِ حُكْمِ اللَّهِ عز وجل بَلْ بِحُكْمِ اللَّهِ حَكَمْت بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ فَفَرَضَ اللَّهُ طَاعَةَ رَسُولِهِ فَاتَّبَعْت رَسُولَهُ فَعَنْ اللَّهِ قَبِلْت كما قَبِلْت عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على الْمَعْنَى الذي وَصَفْت من أَنَّ اتِّبَاعَ أَمْرِهِ فَرْضٌ وَلِهَذَا كِتَابٌ طَوِيلٌ هذا مُخْتَصَرٌ منه قد قالوا فيه وَقُلْنَا
____________________

(7/86)


وَأَكْثَرْنَا قال أَفَتُوجِدُنِي لها نَظِيرًا في الْقُرْآنِ قُلْت نعم أَمَرَ اللَّهُ عز وجل في الْوُضُوءِ بِغَسْلِ الْقَدَمَيْنِ أو مَسْحِهِمَا فَمَسَحْنَا وَمَسَحْت على الْخُفَّيْنِ بِالسُّنَّةِ وَقَوْلُ اللَّهِ عز وجل { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا } فَحَرَّمْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ كُلَّ ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ بِالسُّنَّةِ وَقَوْلُ اللَّهِ عز وجل كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَرَاءَ ذَلِكُمْ فَحَرَّمْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ أَنْ يُجْمَعَ بين الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا بالسنه قال اللَّهُ عز وجل { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } وقال { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } وَدَلَّتْ السُّنَّةُ على أَنَّهُ إنَّمَا يُقْطَعُ بَعْضُ السُّرَّاقِ دُونَ بَعْضٍ وَيُجْلَدُ مِائَةً بَعْضُ الزُّنَاةِ دُونَ بَعْضٍ فَقُلْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ بِهِ وكان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمُبَيِّنَ عن اللَّهِ عز وجل مَعْنَى ما أَرَادَ خَاصًّا وَعَامًّا فَكَذَلِكَ الْيَمِينُ مع الشَّاهِدِ تَلْزَمُك من حَيْثُ لَزِمَك هذا فَإِنْ كُنْت مُصِيبًا بِاتِّبَاعِ ما وَصَفْنَا من السُّنَّةِ مع الْقُرْآنِ لم تَسْلَمْ من أَنْ تَكُونَ مُخْطِئًا بِتَرْكِ الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ وَإِنْ كُنْت مُصِيبًا بِتَرْكِ الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ لم تَسْلَمْ من أَنْ يَكُونَ عَلَيْك تَرْكُ الْمَسْحِ على الْخُفَّيْنِ وَتَرْكُ تَحْرِيمِ كل ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ وَقَطْعُ كل سَارِقٍ فَقَدْ خَالَفَك في هذا كُلِّهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَوَافَقَنَا في الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ عَوَامُّ من أَصْحَابِنَا وَمِنْهُمْ من خَالَفَ أَحَادِيثَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم هِيَ أَثْبَتُ من الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ وَإِنْ كانت الْيَمِينُ ثَابِتَةً لِعِلَّةٍ أَضْعَفَ من كل عِلَّةٍ اعْتَلَّ بها من رَدَّ الْيَمِينَ مع الشَّاهِدِ فَإِنْ كانت لنا وَلَهُ بهذا حُجَّةٌ على من خَالَفَنَا كانت عليه فِيمَا خَالَفَ من الْأَحَادِيثِ - * بَابُ شَهَادَةِ النِّسَاءِ لَا رَجُلَ مَعَهُنَّ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْوِلَادُ وَعُيُوبُ النِّسَاءِ مِمَّا لم أَعْلَمْ مُخَالِفًا لَقِيته في أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ فيه جَائِزَةٌ لَا رَجُلَ مَعَهُنَّ وَهَذَا حُجَّةٌ على من زَعَمَ أَنَّ في الْقُرْآنِ دَلَالَةً على أَنْ لَا يَجُوزَ أَقَلُّ من شَاهِدَيْنِ أو شَاهِدٍ وَاحِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ على جَمَاعَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُخَالِفُوا اللَّهَ حُكْمًا وَلَا يَجْهَلُوهُ فَفِيهِ دَلَالَةٌ على أَنَّ أَمْرَ اللَّهِ بِشَاهِدَيْنِ أو شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ حُكْمٌ لَا يَمِينَ على من جاء بِهِ مع الشَّاهِدِ وَالْحُكْمُ بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ حُكْمٌ بِالسُّنَّةِ لَا مُخَالِفَ لِلشَّاهِدَيْنِ لِأَنَّهُ غَيْرُهُمَا ثُمَّ اخْتَلَفُوا في شَهَادَةِ النِّسَاءِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ قال لَا يَجُوزُ في شَهَادَةِ النِّسَاءِ لَا رَجُلَ مَعَهُنَّ في أَمْرِ النِّسَاءِ أَقَلُّ من أَرْبَعِ عُدُولٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهَذَا نَأْخُذُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَكَيْفَ أَخَذْت بِهِ قُلْت لَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ عز وجل شَهَادَةَ النِّسَاءِ فَجَعَلَ امْرَأَتَيْنِ يَقُومَانِ مَقَامَ رَجُلٍ في الْمَوْضِعِ الذي أَجَازَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فيه وكان أَقَلُّ ما انْتَهَى إلَيْهِ من عَدَدِ الرِّجَالِ رَجُلَيْنِ في الشَّهَادَاتِ التي تُثْبَتُ بها الْحُقُوقُ وَلَا يَحْلِفُ مَعَهَا الْمَشْهُودُ له شَاهِدَيْنِ أو شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ لم يَجُزْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ إذَا أَجَازَ الْمُسْلِمُونَ شَهَادَةَ النِّسَاءِ في مَوْضِعٍ أَنْ يَجُوزَ مِنْهُنَّ إلَّا أَرْبَعٌ عُدُولٌ لِأَنَّ ذلك مَعْنَى حُكْمِ اللَّهِ عز وجل - * الْخِلَافُ في إجَازَةِ أَقَلَّ من أَرْبَعٍ من النِّسَاءِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فقال بَعْضُ الناس تَجُوزُ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَحْدَهَا كما يَجُوزُ في الْخَبَرِ شَهَادَةُ وَاحِدٍ عَدْلٍ وَلَيْسَ من قِبَلِ الشَّهَادَاتِ أَجَزْتهَا وَإِنْ كان من قِبَلِ الشَّهَادَاتِ أَجَزْتهَا لم أُجِزْ إلَّا ما ذَكَرْت من أَرْبَعٍ أو شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ فَقِيلَ لِبَعْضِ من يقول هذا الْقَوْلَ وَأَيْنَ الْخَبَرُ من الشَّهَادَةِ قال وَأَيْنَ يَفْتَرِقَانِ قُلْت تَقْبَلُ في الْخَبَرِ
____________________

(7/87)


كما قُلْت امْرَأَةً وَاحِدَةً وَرَجُلًا وَاحِدًا وَتَقُولُ فيه أخبرنا فُلَانٌ عن فُلَانٍ أَفَتَقْبَلُ هذا في الشَّهَادَاتِ فقال لَا قُلْت وَالْخَبَرُ هو ما اسْتَوَى فيه الْمُخْبِرُ وَالْمُخْبَرِ وَالْعَامَّةُ من حَلَالٍ وَحَرَامٍ قال نعم قُلْت وَالشَّهَادَةُ ما كان الشَّاهِدُ منها خَلِيًّا وَالْعَامَّةُ وَإِنَّمَا تُلْزِمُ الْمَشْهُودَ عليه قال نعم قُلْت أَفَتَرَى هذا يُشْبِهُ هذا قال أَمَّا في هذا فَلَا قُلْت أَفَرَأَيْت لو قال لَك قَائِلٌ إذَا قَبِلْت في الْخَبَرِ فُلَانًا عن فُلَانٍ فَاقْبَلْ في أَنْ تُخْبِرَك امْرَأَةٌ عن امْرَأَةٍ أَنَّ امْرَأَةَ رَجُلٍ وَلَدَتْ هذا الْوَلَدَ قال وَلَا أَقْبَلُ هذا حتى أَقِفَ التي شَهِدَتْ أو يَشْهَدَ عليها من تَجُوزُ شَهَادَتُهُ بِأَمْرٍ قَاطِعٍ قُلْت وَأَنْزَلْته مَنْزِلَةَ الْخَبَرِ قال أَمَّا في هذا فَلَا قُلْت فَفِي أَيِّ شَيْءٍ أَنْزَلْته مَنْزِلَةَ الْخَبَرِ هل عَدَوْت بهذا أَنْ قُلْت هو بِمَنْزِلَةِ الْخَبَرِ ولم تَقِسْهُ في شَيْءٍ غَيْرِ الْأَصْلِ الذي قُلْت فَأَسْمَعُك إذًا تَضَعُ الْأُصُولَ لِنَفْسِك قال فَمِنْ أَصْحَابِك من قال لَا يَجُوزُ أَقَلُّ من شَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ قُلْت له هل رَأَيْتنِي أَذْكُرُ لَك قَوْلًا لَا تَقُولُ بِهِ قال لَا قُلْت فَكَيْفَ ذَكَرْت لي ما لَا أَقُولُ بِهِ قال فَإِلَى أَيِّ شَيْءٍ ذَهَبَ ( 1 ) من ذَهَبَ إلَى ما ذَهَبْنَا إلَيْهِ من أَنَّهُ خَبَرٌ لَا شَهَادَةٌ وَلَا إلَى ما ذَهَبْت إلَيْهِ من أَنْ تَقُولَ بِهِ على مَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ وما أَعْرِفُ له مُتَقَدِّمًا يَلْزَمُ قَوْلُهُ فَقُلْت له أَنْ تَنْتَقِلَ عن قَوْلِك الذي يَلْزَمُك فيه عِنْدِي أَنْ تَنْتَقِلَ عنه أَوْلَى بِك من ذِكْرِ قَوْلِ غَيْرِك فَهَذَا أَمْرٌ لم نُكَلَّفْهُ نَحْنُ وَلَا أنت وَلَوْلَا عَرْضُك بِتَرْفِيعِ قَوْلِك وَتَخْطِئَةِ من خَالَفَك كنا شَبِيهًا أَنْ نَدَعَ حِكَايَةَ قَوْلِك قال فَإِنْ شَهِدَ على شَيْءٍ من ذلك رَجُلَانِ أو رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ قُلْت أُجِيزُ الشَّهَادَةَ وَتَكُونُ أَوْثَقَ عِنْدِي من شَهَادَةِ النِّسَاءِ لَا رَجُلَ مَعَهُنَّ قال وَكَيْفَ لم تَعُدَّهُمْ بِالشَّهَادَةِ فُسَّاقًا وَلَا تُجِيزُ شَهَادَتَهُمْ قُلْت الشَّهَادَةُ غَيْرُ الْفِسْقِ قال فَادْلُلْنِي على ما وَصَفْت قُلْت قال اللَّهُ عز وجل { وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ من نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ } قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِسَعْدٍ حين قال له أُمْهِلُهُ حتى آتى بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ قال نعم وَالشُّهُودُ على الزنى نَظَرُوا من الْمَرْأَةِ إلَى مُحَرَّمٍ وَمِنْ الرَّجُلِ إلَى مُحَرَّمٍ فَلَوْ كان النَّظَرُ لِغَيْرِ إقَامَةِ شَهَادَةٍ كان حَرَامًا فلما كان لِإِقَامَةِ شَهَادَةٍ لم يَجُزْ أَنْ يَأْمُرَ اللَّهُ عز وجل ثُمَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا بِمُبَاحٍ لَا بِمُحَرَّمٍ فَكُلُّ من نَظَرَ لِيُثْبِتَ شَهَادَتَهُ لِلَّهِ أو لِلنَّاسِ فَلَيْسَ بِجَرْحٍ وَمَنْ نَظَرَ لِلتَّلَذُّذِ وَغَيْرِ شَهَادَةٍ عَامِدًا كان جَرْحًا إلَّا أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ عنه - * بَابُ شَرْطِ الَّذِينَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل { اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ } وقال عز وجل { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ من رِجَالِكُمْ فَإِنْ لم يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ من الشُّهَدَاءِ } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وكان الذي يَعْرِفُ من خُوطِبَ بهذا أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْأَحْرَارُ الْمَرْضِيُّونَ الْمُسْلِمُونَ من قِبَلِ أَنَّ رِجَالَنَا وَمَنْ نَرْضَاهُ أَهْلُ دِينِنَا لَا الْمُشْرِكُونَ لِقَطْعِ اللَّهِ الْوِلَايَةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ بِالدِّينِ وَرِجَالُنَا أَحْرَارُنَا وَاَلَّذِينَ نَرْضَى أَحْرَارُنَا لَا مَمَالِيكُنَا الَّذِينَ يَغْلِبُهُمْ من يَمْلِكُهُمْ على كَثِيرٍ من أُمُورِهِمْ وَأَنَّا لَا نَرْضَى أَهْلَ الْفِسْقِ مِنَّا وَأَنَّ الرِّضَا إنَّمَا يَقَعُ على الْعَدْلِ مِنَّا وَلَا يَقَعُ إلَّا على الْبَالِغِينَ لِأَنَّهُ إنَّمَا خُوطِبَ بِالْفَرَائِضِ الْبَالِغُونَ دُونَ من لم يَبْلُغْ فإذا كانت الشَّهَادَةُ لِيَقْطَعَ بها لم يَجُزْ أَنْ يَتَوَهَّمَ أَحَدٌ أَنَّهُ يَقْطَعُ بِمَنْ لم يَبْلُغْ أَكْثَرَ الْفَرَائِضِ فإذا لم يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ الْفَرَائِضِ في نَفْسِهِ لم يُلْزَمْ غَيْرُهُ فَرْضًا بِشَهَادَتِهِ ولم أَعْلَمْ مُخَالِفًا لَقِيته في أَنَّهُ أُرِيدَ بها الْأَحْرَارُ الْعُدُولُ في كل شَهَادَةٍ على مُسْلِمٍ غير أَنَّ من أَصْحَابِنَا من ذَهَبَ إلَى أَنْ يُجِيزَ شَهَادَةَ الصِّبْيَانِ في الْجِرَاحِ ما لم يَتَفَرَّقُوا فإذا تَفَرَّقُوا لم تَجُزْ شَهَادَتُهُمْ عِنْدَهُ وَقَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وتعالي { من رِجَالِكُمْ } يَدُلُّ على أَنْ لَا تَجُوزَ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ في شَيْءٍ فَإِنْ قال قَائِلٌ أَجَازَهَا بن الزُّبَيْرِ قِيلَ
____________________

(7/88)


فإن بن عَبَّاسٍ رَدَّهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا سُفْيَانُ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن بن أبي مُلَيْكَةَ عن بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما في شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ لَا تَجُوزُ وزاد بن جُرَيْجٍ عن بن أبي مُلَيْكَةَ عن بن عَبَّاسٍ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل قال { مِمَّنْ تَرْضَوْنَ من الشُّهَدَاءِ } قال وَمَعْنَى الْكِتَابِ مع بن عَبَّاسٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فَإِنْ قال أَرَدْت أَنْ تَكُونَ دَلَالَةً قِيلَ وَكَيْفَ تَكُونُ الدَّلَالَةُ بِقَوْلِ صِبْيَانٍ مُنْفَرِدِينَ إذَا تَفَرَّقُوا لم يُقْبَلُوا إنَّمَا تَكُونُ الدَّلَالَةُ بِقَوْلِ الْبَالِغِينَ الَّذِينَ يُقْبَلُونَ بِكُلِّ حَالٍ فَأَشْبَهَ ما وَصَفْت أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا على أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ فِيمَنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ هو من وَصَفْت مِمَّنْ يُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ دَلَّتْ على صِفَتِهِ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مَمْلُوكٍ في شَيْءٍ وَإِنْ قَلَّ وَلَا شَهَادَةُ غَيْرِ عَدْلٍ - * بَابُ شَهَادَةِ الْقَاذِفِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لم يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لهم شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ إلَّا الَّذِينَ تَابُوا } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَرَ اللَّهُ عز وجل أَنْ يُضْرَبَ الْقَاذِفُ ثَمَانِينَ وَلَا تُقْبَلُ له شَهَادَةٌ أَبَدًا وَسَمَّاهُ فَاسِقًا إلَّا أَنْ يَتُوبَ فَقُلْنَا يَلْزَمُ أَنْ يُضْرَبَ ثَمَانِينَ وَأَنْ لَا تُقْبَلَ له شَهَادَةٌ وَأَنْ يَكُونَ عِنْدَنَا في حَالِ من سمى بِالْفِسْقِ إلَّا أَنْ يَتُوبَ فإذا تَابَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَخَرَجَ من أَنْ يَكُونَ في حَالِ من سمى بِالْفِسْقِ قال وَتَوْبَتُهُ إكْذَابُهُ نَفْسَهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَكَيْفَ تَكُونُ التَّوْبَةُ الْإِكْذَابَ قِيلَ له إنَّمَا كان في حَدِّ الْمُذْنِبِينَ بِأَنْ نَطَقَ بِالْقَذْفِ وَتَرْكُ الذَّنْبِ هو أَنْ يَقُولَ الْقَذْفُ بَاطِلٌ وَتَكُونَ التَّوْبَةُ بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ يَكُونُ الذَّنْبُ في الرِّدَّةِ بِالْقَوْلِ بها وَالتَّوْبَةُ الرُّجُوعُ عنها بِالْقَوْلِ فيها بِالْإِيمَانِ الذي تَرَكَ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ من دَلِيلٍ على هذا فَفِيمَا وَصَفْت كِفَايَةٌ وفي ذلك دَلِيلٌ عن عُمَرَ سَنَذْكُرُهُ في مَوْضِعِهِ فَإِنْ كان الْقَاذِفُ يوم قَذَفَ مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فَحُدَّ قِيلَ له مَكَانَهُ إنْ تُبْت قُبِلَتْ شَهَادَتُك فإذا أَكْذَبَ نَفْسَهُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَإِنْ لم يَفْعَلْ لم تُقْبَلْ حتى يَفْعَلَ لِأَنَّ الذَّنْبَ الذي رُدَّتْ بِهِ شَهَادَتُهُ هو الْقَذْفُ فاذا أَكْذَبَ نَفْسَهُ فَقَدْ تَابَ وَإِنْ قَذَفَ وهو مِمَّنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ ثُمَّ تَابَ لم تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ من قِبَلِ أَنَّ رَدَّهَا كان من وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا سُوءُ حَالِهِ قبل أَنْ يَقْذِفَ وَالْآخَرُ الْقَذْفُ فإذا خَرَجَ من أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لم يَخْرُجْ من الْوَجْهِ الْآخَرِ وَلَكِنْ يَكُونُ خَارِجًا من أَنْ يَكُونَ فيه عِلَّةُ رَدِّ الشَّهَادَةِ بِالْقَذْفِ فإذا أَكْذَبَ نَفْسَهُ وَثَبَتَ عليه عِلَّةُ رَدِّ الشَّهَادَةِ بِسُوءِ الْحَالِ حتى تُخْتَبَرَ حَالُهُ فإذا ظَهَرَ منه الْحُسْنُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَهَكَذَا لو حُدَّ مَمْلُوكٌ حَسَنُ الْحَالِ ثُمَّ عَتَقَ لم تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ إلَّا بِإِكْذَابِهِ نَفْسَهُ في الْقَذْفِ وَهَكَذَا لو حُدَّ ذِمِّيٌّ حَسَنُ الْحَالِ فَأَسْلَمَ لم تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ إلَّا بِإِكْذَابِهِ نَفْسَهُ في الْقَذْفِ فقال لي قَائِلٌ أَفَتَذْكُرُ في هذا حَدِيثًا فَقُلْت إنَّ الْآيَةَ لمكتفي بها من الحديث وَإِنَّ فيه لَحَدِيثًا ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) قال أخبرنا بن عُيَيْنَةَ قال سَمِعْت الزُّهْرِيَّ يقول زَعَمَ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَنَّ شَهَادَةَ القاذف ( ( ( القذف ) ) ) لَا تَجُوزُ فَأَشْهَدُ لَأَخْبَرَنِي ثُمَّ سَمَّى الذي أخبره أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قال لِأَبِي بَكْرَةَ تُبْ تُقْبَلْ شَهَادَتُك أو إنْ تُبْت قُبِلَتْ شَهَادَتُك قال سُفْيَانُ شَكَكْت بعد ما سَمِعْت الزُّهْرِيَّ يسمى الرَّجُلَ فَسَأَلْت فقال لي عُمَرُ بن قَيْسٍ هو سَعِيدُ بن الْمُسَيِّبِ فَقِيلَ لِسُفْيَانَ شَكَكْت في خَبَرِهِ فقال لَا هو سَعِيدٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَبَلَغَنِي عن بن عَبَّاسٍ مِثْلُ هذا الْمَعْنَى ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) قال حدثنا إسْمَاعِيلُ بن إبْرَاهِيمَ عن بن أبي نَجِيحٍ أَنَّهُ قال في الْقَاذِفِ إذَا تَابَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وقال كُلُّنَا نَقُولُهُ فَقُلْت من قال عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ
____________________

(7/89)


- * بَابُ الْخِلَافِ في إجَازَةِ شَهَادَةِ الْقَاذِفِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس في الْقَاذِفِ فقال إذَا ضُرِبَ الْحَدَّ ثُمَّ تَابَ لم تَجُزْ شَهَادَتُهُ أَبَدًا وَإِنْ لم يُضْرَبْ الْحَدَّ أو ضُرِبَهُ ولم يُوَفَّهُ جَازَتْ شَهَادَتُهُ فَذَكَرْتُ له ما ذَكَرْتُ من مَعْنَى الْقُرْآنِ وَالْآثَارِ فقال فَإِنَّا ذَهَبْنَا إلَى قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَلَا تَقْبَلُوا لهم شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ إلَّا الَّذِينَ تَابُوا } فَقُلْنَا نَطْرَحُ عَنْهُمْ اسْمَ الْفِسْقِ وَلَا نَقْبَلُ لهم شَهَادَةً فَقُلْت لِقَائِلِ هذا أَوَتَجِدُ الْأَحْكَامَ عِنْدَك فيما يُسْتَثْنَى على ما وَصَفْت فَيَكُونَ مَذْهَبًا ذَهَبْتُمْ في اللَّفْظِ أَمْ الْأَحْكَامُ عِنْدَك في الِاسْتِثْنَاءِ على غَيْرِ ما وَصَفْت فقال أَوْضِحْ هذا لي قُلْت أَرَأَيْت رَجُلًا لو قال وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك أَبَدًا وَلَا أَدْخُلُ لَك بَيْتًا وَلَا آكُلُ لَك طَعَامًا وَلَا أَخْرُجُ مَعَك سَفَرًا وَإِنَّك لَغَيْرُ حَمِيدٍ عِنْدِي وَلَا أَكْسُوك ثَوْبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ وَاقِعًا على ما بَعْدَ قَوْلِهِ أَبَدًا أو على ما بَعْدَ غَيْرِ حَمِيدٍ عِنْدِي أو على الْكَلَامِ كُلِّهِ قال بَلْ على الْكَلَامِ كُلِّهِ قُلْت فَكَيْفَ لم تُوقِعْ الِاسْتِثْنَاءَ في الْآيَةِ على الْكَلَامِ كُلِّهِ وَأَوْقَعْتهَا في هذا الذي هو أَكْثَرُ في الْيَمِينِ على الْكَلَامِ كُلِّهِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال محمد بن الْحَسَنِ إنَّ أَبَا بَكْرَةَ قال لِرَجُلٍ أَرَادَ اسْتِشْهَادَهُ اسْتَشْهِدْ غَيْرِي فإن الْمُسْلِمِينَ فَسَّقُونِي قُلْت فَالرَّجُلُ الذي وَصَفْت امْتَنَعَ من أَنْ يَتُوبَ من الْقَذْفِ وَأَقَامَ عليه وَهَكَذَا كُلُّ من امْتَنَعَ أَنْ يَتُوبَ من الْقَذْفِ وَلَوْ لم يَكُنْ لنا في هذا إلَّا ما رَوَيْت كان حُجَّةً عَلَيْك قال وَكَيْفَ قُلْت إنْ كان الرَّجُلُ عِنْدَك مِمَّنْ تَابَ من الْقَذْفِ بِالرُّجُوعِ عنه فَقَدْ أَخْبَرَ عن الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُمْ فَسَّقُوهُ وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّهُ إذَا تَابَ سَقَطَ عنه اسْمُ الْفِسْقِ وَفِيمَا قال دَلَالَةٌ على أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَا يُلْزِمُونَهُ اسْمَ الْفِسْقِ إلَّا وَشَهَادَتُهُ غَيْرُ جَائِزَةٍ قُلْت وَلَا يُجِيزُونَ شَهَادَتَهُ إلَّا وقد أَسْقَطُوا عنه اسْمَ الْفِسْقِ لِأَنَّهُمْ لَا يُفَرِّقُونَ بين إسْقَاطِ اسْمِ الْفِسْقِ عنه بِالتَّوْبَةِ وَإِجَازَةِ شَهَادَتِهِ بِسُقُوطِ الِاسْمِ عنه كما تُفَرِّقُ بَيْنَهُ وإذا كُنْت تَقْبَلُ شَهَادَةَ الْقَاتِلِ وَالزَّانِي وَالْمُسْتَتَابِ من الرِّدَّةِ إذَا تَابَ فَكَيْفَ خَصَصْت بها الْقَاذِفَ وهو أَيْسَرُ ذَنْبًا من غَيْرِهِ قال تَأَوَّلْت فيه الْقُرْآنَ قُلْت تَأَوُّلُك خَطَأٌ على لِسَانِك قال قَالَهُ شُرَيْحٌ قُلْت أَفَتَجْعَلُ شُرَيْحًا حُجَّةً على كِتَابِ اللَّهِ وَقَوْلِ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ وبن عَبَّاسٍ وَمَنْ سَمَّيْت وَغَيْرِهِمْ وَالْأَكْثَرِ من أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَكَيْفَ زَعَمْت إنْ لم يَطْهُرْ بِالْحَدِّ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وإذا طَهُرَ بِالْحَدِّ لم تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ إذَا كان تَائِبًا في الْحَالَيْنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - * بَابُ التَّحَفُّظِ في الشَّهَادَةِ - * قال اللَّهُ عز وجل { وَلَا تَقْفُ ما ليس لَك بِهِ عِلْمٌ إنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كان عنه مسؤولا ( ( ( مسئولا ) ) ) } وقال اللَّهُ عز وجل { إلَّا من شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } أخبرنا الرَّبِيعُ قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) وحكى أَنَّ إخوه يُوسُفَ وَصَفُوا أَنَّ شَهَادَتَهُمْ كما يَنْبَغِي لهم فحكى أَنَّ كَبِيرَهُمْ قال ارْجِعُوا إلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبَانَا إنَّ ابْنَك سَرَقَ وما شَهِدْنَا إلَّا بِمَا عَلِمْنَا وما كنا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ ( قال ) وَلَا يَسَعُ شَاهِدًا أَنْ يَشْهَدَ إلَّا بِمَا عَلِمَ وَالْعِلْمُ من ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ منها ما عَايَنَهُ الشَّاهِدُ فَيَشْهَدُ بِالْمُعَايَنَةِ وَمِنْهَا ما سَمِعَهُ فَيَشْهَدُ ما أَثْبَتَ سَمْعًا من الْمَشْهُودِ عليه وَمِنْهَا ما تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ في أَكْثَرِهِ الْعِيَانُ وَتَثْبُتُ مَعْرِفَتُهُ في الْقُلُوبِ فَيَشْهَدُ عليه بهذا الْوَجْهِ وما شَهِدَ بِهِ رَجُلٌ على رَجُلٍ أَنَّهُ فَعَلَهُ أو أَقَرَّ بِهِ لم يَجُزْ إلَّا أَنْ يَجْمَعَ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ يُثْبِتُهُ بِمُعَايَنَةٍ وَالْآخَرُ أَنْ يَكُونَ يُثْبِتُهُ سَمْعًا مع إثْبَاتِ بَصَرٍ حين يَكُونُ الْفِعْلُ وَبِهَذَا قُلْت لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى إلَّا أَنْ يَكُونَ أَثْبَتَ شيئا مُعَايَنَةً أو مُعَايَنَةً وَسَمْعًا ثُمَّ عمى فَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا تَكُونُ يوم يَكُونُ الْفِعْلُ الذي يَرَاهُ الشَّاهِدُ أو الْقَوْلُ الذي أَثْبَتَهُ سَمْعًا وهو يَعْرِفُ وَجْهَ صَاحِبِهِ فإذا
____________________

(7/90)


كان ذلك قبل يَعْمَى ثُمَّ شَهِدَ عليه حَافِظًا له بَعْدَ الْعَمَى جَازَ وإذا كان الْقَوْلُ وَالْفِعْلُ وهو أَعْمَى لم يَجُزْ من قِبَلِ أَنَّ الصَّوْتَ يُشْبِهُ الصَّوْتَ وإذا كان هذا هَكَذَا كان الْكِتَابُ أَحْرَى أَنْ لَا يَحِلَّ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْهَدَ عليه وَالشَّهَادَةُ في مِلْكِ الرَّجُلِ الدَّارَ أو الثَّوْبَ على تَظَاهُرِ الْأَخْبَارِ بِأَنَّهُ مَالِكٌ الدَّارَ وَعَلَى أَنْ لَا يَرَى مُنَازِعًا له في الدَّارِ وَالثَّوْبِ فَيَثْبُتُ ذلك في الْقَلْبِ فَيَسَعُ الشَّهَادَةَ عليه وَعَلَى النَّسَبِ إذَا سَمِعَهُ يَنْتَسِبُ زَمَانًا أو سمع غَيْرَهُ يَنْسُبُهُ إلَى نَسَبِهِ ولم يَسْمَعْ دَافِعًا ولم يَرَ دَلَالَةً يَرْتَابُ بها وَكَذَلِكَ يَشْهَدُ على عَيْنِ الْمَرْأَةِ وَنَسَبِهَا إذَا تَظَاهَرَتْ له أَخْبَارُ من يُصَدِّقُ بِأَنَّهَا فُلَانَةُ وَيَرَاهَا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَهَذَا كُلُّهُ شَهَادَةٌ بِعِلْمٍ كما وَصَفْت وَكَذَلِكَ يَحْلِفُ الرَّجُلُ على ما يَعْلَمُ بِأَحَدِ هذه الْوُجُوهِ فِيمَا أَخَذَ بِهِ مع شَاهِدٍ وفي رَدِّ الْيَمِينِ وَغَيْرِ ذلك وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ - * بَابُ الْخِلَافِ في شَهَادَةِ الْأَعْمَى - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس في شَهَادَةِ الْأَعْمَى فقال لَا تَجُوزُ حتى يَكُونَ بَصِيرًا يوم شَهِدَ وَيَوْمَ رَأَى وَسَمِعَ أو رَأَى وَإِنْ لم يَسْمَعْ إذَا شَهِدَ على رُؤْيَةٍ فَسَأَلْنَاهُمْ فَهَلْ من حُجَّةِ كِتَابٍ أو سُنَّةٍ أو أَثَرٍ يَلْزَمُ فلم يَذْكُرُوا من ذلك شيئا لنا وَكَانَتْ حُجَّتُهُمْ فيه أَنْ قالوا إنَّا احْتَجْنَا إلَى أَنْ يَكُونَ يَرَى يوم شَهِدَ كما احْتَجْنَا إلَى أَنْ يَكُونَ يَرَى يوم عَايَنَ الْفِعْلَ أو سمع الْقَوْلَ من الْمَشْهُودِ عليه ولم تَكُنْ وَاحِدَةٌ من الْحَالَيْنِ أَوْلَى بِهِ من الْأُخْرَى فَقُلْت له أَرَأَيْت الشَّهَادَةَ أَلَيْسَتْ بِيَوْمِ يَكُونُ الْقَوْلُ أو الْفِعْلُ وَإِنْ يَقُمْ بها بَعْدَ ذلك بِدَهْرٍ قال بَلَى قُلْت فإذا كان الْقَوْلُ وَالْفِعْلُ وهو بَصِيرٌ سَمِيعٌ مُثْبِتٌ ثُمَّ شَهِدَ بِهِ بَعْدُ عَاقِلًا أَعْمَى لم تَجُزْ شَهَادَتُهُ قال فَأَقُولُ بِغَيْرِ الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِأَمْرَيْنِ قُلْت أَفَيَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ على فِعْلِ رَجُلٍ حَيٍّ ثُمَّ يَمُوتَ الرَّجُلُ فَيَقُومَ بِالشَّهَادَةِ وهو لَا يَرَى الرَّجُلَ وَيَقُومَ بِالشَّهَادَةِ على آخَرَ وهو غَائِبٌ لَا يَرَاهُ قال نعم قُلْت فما عَلِمْتُك تُثْبِتُ لِنَفْسِك حُجَّةً إلَّا خَالَفْتهَا وَلَوْ كُنْت لَا تُجِيزُهَا إذَا أَثْبَتَهَا بَصِيرًا وَشَهِدَ بها أَعْمَى لِأَنَّهُ لَا يُعَايِنُ الْمَشْهُودَ عليه لِأَنَّ ذلك حَقٌّ عِنْدَك لَزِمَك أَنْ لَا تُجِيزَهَا بَصِيرًا على مَيِّتٍ وَلَا غَائِبٍ لِأَنَّهُ لَا يُعَايِنُ وَاحِدًا مِنْهُمَا أَمَّا الْمَيِّتُ فَلَا يُعَايِنُهُ في الدُّنْيَا وَأَمَّا الْغَائِبُ بِبَلَدٍ فَأَنْتَ تُجِيزُهَا وهو لَا يَرَاهُ قال فَإِنْ رَجَعْت في الْغَائِبِ فَقُلْت لَا أُجِيزُهَا عليه فَقُلْت أَفَتَرْجِعُ في الْمَيِّتِ وهو أَشَدُّ عَلَيْك من الْغَائِبِ قال لَا قال فإن من أَصْحَابِك من يُجِيزُ شَهَادَةَ الْأَعْمَى بِكُلِّ حَالٍ إذَا أَثْبَتَ كما يُثْبِتُ أَهْلُهُ فَقُلْت إنْ كان هذا صَوَابًا فَهُوَ أَبْعَدُ لَك من الصَّوَابِ قال فَلِمَ لم تَقُلْ بِهِ قُلْت ليس فيه أَثَرٌ يَلْزَمُ فَأَتَّبِعَهُ وَمَعَنَا الْقُرْآنُ وَالْمَعْقُولُ بِمَا وَصَفْت من أَنَّ الشَّهَادَةَ فِيمَا لَا يَكُونُ إلَّا بِعِيَانٍ أو عِيَانٍ وَإِثْبَاتِ سَمْعٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَجُوزَ شَهَادَةُ من لَا يُثْبِتُ بِعِيَانٍ لِأَنَّ الصَّوْتَ يُشْبِهُ الصَّوْتَ قال وَيُخَالِفُونَك في الْكِتَابِ قُلْت وَذَلِكَ أَبْعَدُ من أَنْ تَجُوزَ الشَّهَادَةُ عليه وَقَوْلُهُمْ فيه مُتَنَاقِضٌ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لي لو عَرَفْت كِتَابِي ولم أَذْكُرْ الشَّهَادَةَ أَنْ أَشْهَدَ إلَّا وأنا ذَاكِرٌ وَيَزْعُمُونَ أَنِّي إنْ عَرَفْت كِتَابَ مَيِّتٍ حَلَّ لي أَنْ أَشْهَدَ عليه وَكِتَابِي كان أَوْلَى أَنْ أَشْهَدَ عليه من كِتَابِ غَيْرِي وَلَوْ جَازَ أَنْ أُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا جَازَ أَنْ أَشْهَدَ على كِتَابِي وَلَا أَشْهَدَ على كِتَابِ غَيْرِي وَلَا يَجُوزُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِمَا وَصَفْت من مَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ عز وجل قال فَإِنَّا نَحْتَجُّ عَلَيْك في أَنَّك تُعْطِي بِالْقَسَامَةِ وَتُحَلِّفُ الرَّجُلَ مع شَاهِدِهِ على ما غَابَ بِأَنَّهُمْ قد يَحْلِفُونَ على ما لَا يَعْلَمُونَ قُلْت يَحْلِفُونَ على ما يَعْلَمُونَ من أَحَدِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ التي وَصَفْت لَك قُلْت فَإِنْ قال لَا يَكُونُ إلَّا من الْمُعَايَنَةِ وَالسَّمَاعِ فَقُلْت له أترك هذا الْقَوْلَ إذَا سُئِلْت قال فَاذْكُرْ ذلك قُلْت أَرَأَيْت الشَّهَادَةَ على النَّسَبِ وَالْمِلْكِ أَتَقْبَلُهُمَا من الْوُجُوهِ التي قَبِلْنَاهَا منها قال نعم قُلْت وقد يُمْكِنُ أَنْ يَنْتَسِبُ الرَّجُلُ إلَى غَيْرِ نَسَبِهِ لم يَرَ أَبَاهُ يُقِرُّ بِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الدَّارُ في يَدَيْ الرَّجُلِ وهو لَا يَمْلِكُهَا قد غَصَبَهَا أو أَعَارَهُ إيَّاهَا غَائِبٌ وَيُمْكِنُ ذلك في الثَّوْبِ وَالْعَبْدِ قال فَقَدْ أَجْمَعَ الناس على إجَازَةِ
____________________

(7/91)


هذا قُلْنَا وَإِنْ كَانُوا أَجْمَعُوا فَفِيهِ دَلَالَةٌ لَك على أَنَّ الْقَوْلَ كما قُلْنَا دُونَ ما قُلْت أَوَرَأَيْت عَبْدًا بن خَمْسِينَ وَمِائَةِ سَنَةٍ ابْتَاعَهُ بن خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً ثُمَّ بَاعَهُ وَأَبِقَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَخَاصَمَهُ فيه فقال أُحَلِّفُهُ لقد بَاعَهُ إيَّاهُ بَرِيًّا من الْإِبَاقِ فَقُلْت وقال لَك هذا وَلَدٌ بِالْمَشْرِقِ وأنا بِالْمَغْرِبِ وَلَا تُمْكِنُنِي الْمَسْأَلَةُ عنه لِأَنَّهُ ليس هَا هُنَا أَحَدٌ من أَهْلِ بَلَدِهِ أَثِقُ بِهِ قال يَحْلِفُ على الْبَتِّ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ في ذلك إلَى عِلْمِهِ قُلْت وَيَسَعُك ذلك وَيَسَعُ الْقَاضِيَ قال نعم قُلْت أَرَأَيْت قَوْمًا قُتِلَ أَبُوهُمْ فَأَمْكَنَهُمْ أَنْ يَعْتَرِفُوا الْقَاتِلَ أو يُعَايِنُوهُ أو يُخْبِرَهُمْ من عَايَنَهُ مِمَّنْ مَاتَ أو غَابَ مِمَّنْ يُصَدَّقُ عِنْدَهُمْ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ عِنْدِي أَلَيْسُوا أَوْلَى أَنْ يُقْسِمُوا من صَاحِبِ الْعَبْدِ الذي وَصَفَهَا أَنْ يَحْلِفَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - * بَابُ ما يَجِبُ على الْمَرْءِ من الْقِيَامِ بِشَهَادَتِهِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ على ألا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هو أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } وقال { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لله } إلَى آخِرِ الْآيَةِ وقال { وإذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كان ذَا قُرْبَى } وقال { وَاَلَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ } وقال عز وجل { وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فإنه آثِمٌ قَلْبُهُ وَاَللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } وقال { وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَاَلَّذِي أَحْفَظُ عن كل من سَمِعْت منه من أَهْلِ الْعِلْمِ في هذه الْآيَاتِ أَنَّهُ في الشَّاهِدِ وقد لَزِمَتْهُ الشَّهَادَةُ وَأَنَّ فَرْضًا عليه أَنْ يَقُومَ بها على وَالِدَيْهِ وَوَلَدِهِ وَالْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ وَلِلْبَغِيضِ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ وَلَا يَكْتُمَ عن أَحَدٍ وَلَا يحابى بها وَلَا يَمْنَعَهَا أَحَدًا قال ثُمَّ تَتَفَرَّعُ الشَّهَادَاتُ فَيَجْتَمِعُونَ وَيَخْتَلِفُونَ فِيمَا يَلْزَمُ منها وما لَا يَلْزَمُ وَلِهَذَا كِتَابٌ غَيْرُ هذا - * بَابُ ما على من دعى يَشْهَدُ بِشَهَادَةٍ قبل أَنْ يُسْأَلَهَا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل { إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ } إلَى قَوْلِهِ { وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذَا ما دُعُوا } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كما عَلَّمَهُ اللَّهُ } دَلَالَةٌ على أَنَّ عليه فِيمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ من الْكِتَابِ حَقًّا في مَنْفَعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَيَحْتَمِلُ ذلك الْحَقُّ أَنْ يَكُونَ كُلَّمَا دعى لِحَقٍّ كَتَبَهُ لَا بُدَّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عليه وَعَلَى من هو في مِثْلِ حَالِهِ أَنْ يَقُومَ منهم من يكفى حتى لَا تَكُونَ الْحُقُوقُ مُعَطَّلَةً لَا يُوجَدُ لها في الِابْتِدَاءِ من يَقُومُ بِكِفَايَتِهَا وَالشَّهَادَةِ عليها فَيَكُونُ فَرْضًا لَازِمًا على الْكِفَايَةِ فإذا قام بها من يَكْفِي خرج ( ( ( أخرج ) ) ) من يَتَخَلَّفُ من الْمَأْثَمِ وَالْفَضْلُ لِلْكَافِي على الْمُتَخَلِّفِ فإذا لم يَقُمْ بِهِ كان حَرَجُ جَمِيعِ من دعى إلَيْهِ فَتَخَلَّفَ بِلَا عُذْرٍ كما كان الْجِهَادُ وَالصَّلَاةُ على الْجَنَائِزِ وَرَدُّ السَّلَامِ فَرْضًا على الْكِفَايَةِ لَا يُحْرَجُ الْمُتَخَلِّفُ إذَا كان فِيمَنْ يَقُومُ بِذَلِكَ كِفَايَةٌ فلما احْتَمَلَ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ مَعًا وكان في سِيَاقِ الْآيَةِ { وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذَا ما دُعُوا } كان فيها كَالدَّلِيلِ على أَنَّهُ نهى الشُّهَدَاءُ الْمَدْعُوُّونَ كلهم أَنْ يَأْبَوْا قال { وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ } فَأَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ يُحْرَجُ من تَرَكَ ذلك ضِرَارًا وَفَرْضُ الْقِيَامِ بها في الِابْتِدَاءِ على الْكِفَايَةِ وَهَذَا يُشْبِهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ما وَصَفْت من الْجِهَادِ وَالْجَنَائِزِ وَرَدِّ السَّلَامِ وقد حَفِظْت عن بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ قَرِيبًا من هذا الْمَعْنَى ولم أَحْفَظْ خِلَافَهُ عن أَحَدٍ أَذْكُرُهُ منهم
____________________

(7/92)


- * الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتُ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ قال ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) قال أخبرنا مُسْلِمٌ عن بن جُرَيْجٍ عن بن أبي مُلَيْكَةَ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال الْبَيِّنَةُ على الْمُدَّعِي - * بَابٌ في الْأَقْضِيَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { يا دَاوُد إنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً في الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بين الناس بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعْ الْهَوَى فَيُضِلَّك عن سَبِيلِ اللَّهِ إنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عن سَبِيلِ اللَّهِ لهم عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يوم الْحِسَابِ } وقال لِنَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في أَهْلِ الْكِتَابِ { فَإِنْ جاؤوك ( ( ( جاءوك ) ) ) فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أو أَعْرِضْ عَنْهُمْ } إلَى { وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } وقال { وَأَنْ اُحْكُمْ بينهم بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عن بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إلَيْك } وقال { وإذا حَكَمْتُمْ بين الناس أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَعْلَمَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ فَرْضًا عليه وَعَلَى من قَبْلَهُ وَالنَّاسِ إذَا حَكَمُوا أَنْ يَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ وَالْعَدْلُ اتِّبَاعُ حُكْمِهِ الْمُنَزَّلِ قال اللَّهُ عز وجل لِنَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حين أَمَرَهُ بِالْحُكْمِ بين أَهْلِ الْكِتَابِ { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ } وَوَضَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم من دِينِهِ وَأَهْلِ دِينِهِ مَوْضِعَ الْإِبَانَةِ عن كِتَابِ اللَّهِ عز وجل مَعْنَى ما أَرَادَ اللَّهُ وَفَرَضَ طَاعَتَهُ فقال { من يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ } وقال { فَلَا وَرَبِّك لَا يُؤْمِنُونَ حتى يُحَكِّمُوك فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ } الْآيَةَ وقال { فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عن أَمْرِهِ } الْآيَةَ فَعُلِمَ أَنَّ الْحَقَّ كِتَابُ اللَّهِ ثُمَّ سُنَّةُ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلَيْسَ لِمُفْتٍ وَلَا لِحَاكِمٍ أَنْ يفتى وَلَا يَحْكُمَ حتى يَكُونَ عَالِمًا بِهِمَا وَلَا أَنْ يُخَالِفَهُمَا وَلَا وَاحِدًا مِنْهُمَا بِحَالٍ فإذا خَالَفَهُمَا فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ عز وجل وَحُكْمُهُ مَرْدُودٌ فإذا لم يُوجَدَا مَنْصُوصَيْنِ فَالِاجْتِهَادُ بِأَنْ يُطْلَبَا كما يُطْلَبُ الِاجْتِهَادُ بِأَنْ يَتَوَجَّهُ إلَى الْبَيْتِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ مُسْتَحْسِنًا على غَيْرِ الِاجْتِهَادِ كما ليس لِأَحَدٍ إذَا غَابَ الْبَيْتُ عنه أَنْ يصلى حَيْثُ أَحَبَّ وَلَكِنَّهُ يَجْتَهِدُ في التَّوَجُّهِ إلَى الْبَيْتِ وَهَذَا مَوْضُوعٌ بِكَمَالِهِ في كِتَابِ جِمَاعِ عِلْمِ الْكِتَابِ ثُمَّ السُّنَّةِ - * بَابٌ في اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَدَاوُد وَسُلَيْمَانَ إذْ يَحْكُمَانِ في الْحَرْثِ إذْ نَفَشَتْ فيه غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا } قال الْحَسَنُ بن أبي الْحَسَنِ لَوْلَا هذه الْآيَةُ لَرَأَيْتُ أَنَّ الْحُكَّامَ قد هَلَكُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ حَمِدَ هذا لِصَوَابِهِ وَأَثْنَى على هذا بِاجْتِهَادِهِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) قال أخبرنا الدَّرَاوَرْدِيُّ عن يَزِيدَ بن الْهَادِ عن مُحَمَّدِ بن إبْرَاهِيمَ عن بِشْرِ بن سَعِيدٍ عن أبي قَيْسٍ مولى عَمْرِو بن الْعَاصِ عن عَمْرِو بن الْعَاصِ أَنَّهُ سمع رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وإذا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ قال يَزِيدُ فَحَدَّثْت بهذا الحديث أَبَا بَكْرِ بن حَزْمٍ فقال هَكَذَا حدثني أبو سَلَمَةَ عن أبي هُرَيْرَةَ وَمَنْ أُمِرَ أَنْ يَجْتَهِدَ على مُغَيَّبٍ فَإِنَّمَا كُلِّفَ الِاجْتِهَادَ وَيَسَعُهُ فيه الِاخْتِلَافُ فَيَكُونُ فَرْضًا على الْمُجْتَهِدِ أَنْ يَجْتَهِدَ بِرَأْيِ نَفْسِهِ لَا بِرَأْيِ غَيْرِهِ وَبَيِّنٌ أَنَّهُ ليس لِأَحَدٍ أَنْ يُقَلِّدَ أَحَدًا من أَهْلِ زَمَانِهِ كما لَا يَكُونُ لِأَحَدٍ له عِلْمٌ بِالتَّوَجُّهِ إلَى الْقِبْلَةِ يَرَى أنها في مَوْضِعٍ أَنْ يُقَلِّدَ غَيْرَهُ إنْ رَأَى أنها في غَيْرِ ذلك الْمَوْضِعِ وإذا كُلِّفُوا الِاجْتِهَادَ
____________________

(7/93)


فَبَيِّنٌ أَنَّ الِاسْتِحْسَانَ بِغَيْرِ قِيَاسٍ لَا يَجُوزُ ( 1 ) كُلِّفَ لِأَحَدٍ ( قال ) وَالْقِيَاسُ قِيَاسَانِ أَحَدُهُمَا يَكُونُ في مِثْلِ مَعْنَى الْأَصْلِ فَذَلِكَ الذي لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ خِلَافُهُ ثُمَّ قِيَاسٌ أَنْ يُشَبِّهَ الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ من الْأَصْلِ وَالشَّيْءُ من الْأَصْلِ غَيْرُهُ فَيُشَبِّهَ هذا بهذا الْأَصْلِ وَيُشَبِّهَ غَيْرَهُ بِالْأَصْلِ غَيْرِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَوْضِعُ الصَّوَابِ فيه عِنْدَنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَنْظُرَ فَأَيُّهُمَا كان أَوْلَى بِشِبْهِهِ صَيَّرَهُ إلَيْهِ إنْ أَشْبَهَ أَحَدَهُمَا في خَصْلَتَيْنِ وَالْآخَرَ في خَصْلَةٍ أَلْحَقَهُ بِاَلَّذِي هو أَشْبَهُ في خَصْلَتَيْنِ وَمَنْ اجْتَهَدَ من الْحُكَّامِ ثُمَّ رَأَى أَنَّ اجْتِهَادَهُ خَطَأٌ أو قد خَالَفَ كِتَابًا أو سُنَّةً أو إجْمَاعًا أو شيئا في مِثْلِ مَعْنَى هذا رَدَّهُ وَلَا يَسَعُهُ غَيْرُ ذلك وَإِنْ كان مِمَّا يَحْتَمِلُ ما ذَهَبَ إلَيْهِ وَيَحْتَمِلُ غَيْرَهُ لم يَرُدَّهُ من ذلك أَنَّ على من اجْتَهَدَ على مُغَيَّبٍ فَاسْتَيْقَنَ الْخَطَأَ كان عليه الرُّجُوعُ وَلَوْ صلى على جَبَلٍ من جِبَالِ مَكَّةَ لَيْلًا فَتَأَخَّى الْبَيْتَ ثُمَّ أَبْصَرَ فرأي الْبَيْتَ في غَيْرِ الْجِهَةِ التي صلى إلَيْهَا أَعَادَ وَإِنْ كان بِمَوْضِعٍ لَا يَرَاهُ لم يُعِدْ من قِبَلِ أَنَّهُ رَجَعَ في الْمَرَّةِ الْأُولَى من مُغَيَّبٍ إلَى يَقِينٍ وهو في هذه الْمَرَّةِ يَرْجِعُ من مُغَيَّبٍ إلَى مُغَيَّبٍ وَهَذَا مَوْضُوعٌ في كِتَابِ جِمَاعِ الْعِلْمِ من الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَكِتَابُ الْقَضَاءِ وَالْحَقُّ في الناس كُلِّهِمْ وَاحِدٌ وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُتْرَكَ الناس يَحْكُمُونَ بِحُكْمِ بُلْدَانِهِمْ إذَا كَانُوا يَخْتَلِفُونَ فِيمَا فيه كِتَابٌ أو سُنَّةٌ أو شَيْءٌ في مِثْلِ مَعْنَاهُمَا حتى يَكُونَ حُكْمُهُمْ وَاحِدًا إنَّمَا يَتَفَرَّقُونَ في الِاجْتِهَادِ إذَا احْتَمَلَ كُلُّ وَاحِدٍ منهم الِاجْتِهَادَ وَأَنْ يَكُونَ له وَجْهٌ - * بَابُ التثبت ( ( ( التثبيت ) ) ) في الْحُكْمِ وَغَيْرِهِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَعَالَى { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بنبأ فَتَبَيَّنُوا } الْآيَةَ وقال { إذَا ضَرَبْتُمْ في سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَرَ اللَّهُ من يمضى أَمْرَهُ على أَحَدٍ من عِبَادِهِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَبِينًا قبل أَنْ يُمْضِيَهُ ثُمَّ أَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْحُكْمِ خَاصَّةً أَنْ لَا يَحْكُمَ الْحَاكِمُ وهو غَضْبَانُ لِأَنَّ الْغَضْبَانَ مَخُوفٌ على أَمْرَيْنِ أَحَدِهِمَا قِلَّةِ التَّثَبُّتِ وَالْآخَرِ أَنَّ الْغَضَبَ قد يَتَغَيَّرُ معه الْعَقْلُ وَيَتَقَدَّمُ بِهِ صَاحِبُهُ على ما لم يَكُنْ يَتَقَدَّمُ عليه لو لم يَكُنْ غَضِبَ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) قال أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن عبد الْمَلِكِ بن عُمَيْرٍ عن عبد الرحمن بن أبي بَكْرَةَ عن أبيه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا يَحْكُمُ الْحَاكِمُ أو لَا يقضى الْقَاضِي بين اثْنَيْنِ وهو غَضْبَانُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَعْقُولٌ في قَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم هذا أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي حين يَحْكُمُ في حَالٍ لَا تُغَيِّرُ خُلُقَهُ وَلَا عَقْلَهُ وَالْحَاكِمُ أَعْلَمُ بِنَفْسِهِ فَأَيُّ حَالٍ أَتَتْ عليه تُغَيِّرُ خُلُقَهُ أو عَقْلَهُ انْبَغَى له أَنْ لَا يَقْضِيَ حتى تَذْهَبَ وَأَيُّ حَالٍ صَيَّرَتْ إلَيْهِ سُكُونَ الطَّبِيعَةِ وَاجْتِمَاعَ الْعَقْلِ انْبَغَى له أَنْ يَتَعَاهَدَهَا فَيَكُونَ حَاكِمًا عِنْدَهَا وقد روى عن الشَّعْبِيِّ وكان قَاضِيًا أَنَّهُ رُئِيَ أَنَّهُ يَأْكُلُ خُبْزًا بِجُبْنٍ فَقِيلَ له فقال آخُذُ حُكْمِي كَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنَّ الطَّعَامَ يُسَكِّنُ حَرَّ الطَّبِيعَةِ وَأَنَّ الْجُوعَ يُحَرِّكُ حَرَّهَا وَتَتُوقُ النَّفْسُ إلَى الْمَأْكَلِ فَيَشْتَغِلُ عن الْحُكْمِ وإذا كان ( 2 ) مَرِيضًا شَقِيحًا أو تَعِبًا شَقِيحًا فَكُلُّ هذا في حَالِ الْغَضَبِ في بَعْضِ أَمْرِهِ أو أَشَدَّ يَتَوَقَّى الْحُكْمَ وَيَتَوَقَّاهُ على الْمَلَالَةِ فإن الْعَقْلَ يَكِلُّ مع الْمَلَالَةِ وجماعة ما وَصَفْت
____________________

(7/94)


- * بَابُ الْمُشَاوَرَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَشَاوِرْهُمْ في الْأَمْرِ } أخبرنا الرَّبِيعُ قال ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) قال أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن الزُّهْرِيِّ قال قال أبو هُرَيْرَةَ ما رَأَيْت أَحَدًا أَكْثَرَ مُشَاوَرَةً لِأَصْحَابِهِ من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وقال اللَّهُ عز وجل { وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ } قال الشَّافِعِيُّ قال الْحَسَنُ إنْ كان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَغَنِيًّا عن مُشَاوَرَتِهِمْ وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَسْتَنَّ بِذَلِكَ الْحُكَّامُ بَعْدَهُ إذَا نَزَلَ بِالْحَاكِمِ الْأَمْرُ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا أو مُشْكِلٌ انْبَغَى له أَنْ يُشَاوِرَ وَلَا يَنْبَغِي له أَنْ يُشَاوِرَ جَاهِلًا لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِمُشَاوَرَتِهِ وَلَا عَالِمًا غير أَمِينٍ فإنه رُبَّمَا أَضَلَّ من يُشَاوِرُهُ وَلَكِنَّهُ يُشَاوِرُ من جَمَعَ الْعِلْمَ وَالْأَمَانَةَ وفي الْمُشَاوَرَةِ رِضَا الْخَصْمِ وَالْحُجَّةُ عليه - * بَابُ أَخْذِ الْوَلِيِّ بِالْوَلِيِّ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { أَمْ لم يُنَبَّأْ بِمَا في صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الذي وَفَّى ألا تَزِرَ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } قال الشَّافِعِيُّ أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن عبد الْمَلِكِ بن أَبْجَرَ عن أَبَانَ بن لَقِيطٍ عن أبي رِمْثَةَ قال دَخَلْت مع أبي على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال له النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من هذا قال ابْنِي يا رَسُولَ اللَّهِ أَشْهَدُ بِهِ فقال له النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَا إنَّهُ لَا يجنى عَلَيْك وَلَا تجنى عليه ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) قال أخبرنا سُفْيَانُ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن عَمْرِو بن أَوْسٍ قال كان الرَّجُلُ يُؤْخَذُ بِذَنْبِ غَيْرِهِ حتى جاء إبْرَاهِيمُ فقال اللَّهُ عز وجل { وَإِبْرَاهِيمَ الذي وَفَّى ألا تَزِرَ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاَلَّذِي سَمِعْت وَاَللَّهُ أَعْلَمُ في قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { ولا تَزِرَ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } أَنْ لَا يُؤْخَذَ أَحَدٌ بِذَنْبِ غَيْرِهِ وَذَلِكَ في بَدَنِهِ دُونَ مَالِهِ وَإِنْ قَتَلَ أو كان حَدًّا لم يُقْتَلْ بِهِ غَيْرُهُ ولم يُؤْخَذْ ولم يُحَدَّ بِذَنْبِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ إنَّمَا جَعَلَ جَزَاءَ الْعِبَادِ على أَعْمَالِ أَنْفُسِهِمْ وَعَاقَبَهُمْ عليها وَكَذَلِكَ أَمْوَالُهُمْ لَا يجنى أَحَدٌ على أَحَدٍ في مَالِهِ إلَّا حَيْثُ خَصَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِأَنَّ جِنَايَةَ الخطأ من الْحُرِّ على الْآدَمِيِّينَ على عَاقِلَتِهِ فَأَمَّا ما سِوَاهَا فَأَمْوَالُهُمْ مَمْنُوعَةٌ من أَنْ تُؤْخَذَ بِجِنَايَةِ غَيْرِهِمْ وَعَلَيْهِمْ في أَمْوَالِهِمْ حُقُوقٌ سِوَى هذا من ضِيَافَةٍ وَزَكَاةٍ وَغَيْرِ ذلك وَلَيْسَ من وَجْهِ الْجِنَايَةِ - * بَابُ ما يَجِبُ فيه الْيَمِينُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) كُلُّ من ادَّعَى على امْرِئٍ شيئا ما كان من مَالٍ وَقِصَاصٍ وَطَلَاقٍ وَعِتْقٍ وَغَيْرِهِ أَحْلَفَ الْمُدَّعَى عليه فَإِنْ حَلَفَ بريء وَإِنْ نَكَلَ عن الْيَمِينِ رُدَّتْ الْيَمِينُ على المدعى فَإِنْ حَلَفَ اسْتَحَقَّ وَإِنْ لم يَحْلِفْ لم يَسْتَحِقَّ ما ادَّعَى وَلَا يَقُومُ النُّكُولُ مَقَامَ إقْرَارٍ في شَيْءِ حتى يَكُونَ مع النُّكُولِ يَمِينُ الْمُدَّعِي فَإِنْ قال قَائِلٌ فَكَيْفَ أَحَلَفْت في الْحُدُودِ وَالطَّلَاقِ وَالنَّسَبِ وَالْأَمْوَالِ وَجَعَلْت الْأَيْمَانَ كُلَّهَا تَجِبُ على الْمُدَّعَى عليه وَتَجْعَلَهَا كُلَّهَا تُرَدُّ على المدعى قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قُلْت اسْتِدْلَالًا بِكِتَابِ اللَّهِ ثُمَّ سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وقد روى عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه فَإِنْ قال وَأَيْنَ الدَّلَالَةُ من الْكِتَابِ قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ قال { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لم يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً } فَحَدُّ الرَّامِي بالزنى ثَمَانِينَ وقال في الزَّوْجِ { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ولم يَكُنْ لهم شُهَدَاءُ إلَّا أَنْفُسُهُمْ } إلَى قَوْلِهِ { أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عليها إنْ كان من الصَّادِقِينَ } فَحَكَمَ اللَّهُ عز وجل على الْقَاذِفِ غَيْرِ الزَّوْجِ بِالْحَدِّ ولم يَجْعَلْ له مَخْرَجًا منه إلَّا بِأَنْ يَأْتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ وَأَخْرَجَ الزَّوْجَ من الْحَدِّ بِأَنْ يَحْلِفَ أَرْبَعَةَ أَيْمَانٍ وَيَلْتَعِنَ بِخَامِسَةٍ وَيَسْقُطُ عنه الْحَدُّ وَيَلْزَمُهَا إنْ لم تُخْرِجْ أَرْبَعَةَ أَيْمَانٍ وَالْتِعَانَهَا وَسَنَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ
____________________

(7/95)


ينفى الْوَلَدَ ( 1 ) وَالْتِعَانَهُ وَسَنَّ بَيْنَهُمَا الْفُرْقَةَ وَدَرَأَ اللَّهُ تَعَالَى عنها الْحَدَّ بِالْأَيْمَانِ مع الْتِعَانِهِ وَكَانَتْ أَحْكَامُ الزَّوْجَيْنِ إذَا خَالَفَتْ أَحْكَامَ الْأَجْنَبِيَّيْنِ في شَيْءٍ فَهِيَ مُجَامِعَةٌ له في غَيْرِهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْيَمِينَ فيه قد جَمَعَتْ دَرْءَ الْحَدِّ عن الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَفُرْقَةٍ ونفى وَلَدٍ فَكَانَ الْحَدُّ وَالطَّلَاقُ والنفى مَعًا دَاخِلًا فيها وَلَا يَحِقُّ الْحَدُّ على الْمَرْأَةِ حين يَقْذِفُهَا إلَّا بِيَمِينِ الزَّوْجِ وَتَنْكُلُ عن الْيَمِينِ أَلَا تَرَى أَنَّ الزَّوْجَ لو لم يَلْتَعِنْ حُدَّ بِالْقَذْفِ وَتَرَكَ الْخُرُوجَ بِالْيَمِينِ منه ولم يَكُنْ على الْمَرْأَةِ حَدٌّ ولم تَلْتَعِنْ أَوَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لِلْأَنْصَارِيِّينَ تَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ فلما لم يَحْلِفُوا رَدَّ الْأَيْمَانَ على الْيَهُودِ لِيَبْرَءُوا بها فلما لم يَقْبَلْهَا الْأَنْصَارِيُّونَ تَرَكُوا حَقَّهُمْ أو لَا تَرَى أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه بَدَأَ بِالْأَيْمَانِ على الْمُدَّعَى عليهم فلما لم يَحْلِفُوا رَدَّهَا على الْمُدَّعِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * هذا كِتَابُ ما اخْتَلَفَ فيه أبو حَنِيفَةَ وبن أبي لَيْلَى عن أبي يُوسُفَ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - * ( قال ) إذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ إلَى الْخَيَّاطِ ثَوْبًا فَخَاطَهُ قَبَاءً فقال رَبُّ الثَّوْبِ أَمَرْتُك بِقَمِيصٍ وقال الْخَيَّاطُ أَمَرْتنِي بِقَبَاءٍ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول الْقَوْلُ قَوْلَ رَبِّ الثَّوْبِ وَيَضْمَنُ الْخَيَّاطُ قِيمَةَ الثَّوْبِ وَبِهِ يَأْخُذُ يَعْنِي أَبَا يُوسُفَ وكان بن أبي لَيْلَى يقول الْقَوْلُ قَوْلُ الْخَيَّاطِ في ذلك وَلَوْ أَنَّ الثَّوْبَ ضَاعَ من عِنْدِ الْخَيَّاطِ ولم يَخْتَلِفْ رَبُّ الثَّوْبِ وَالْخَيَّاطُ في عَمَلِهِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ قال لَا ضَمَانَ عليه وَلَا على الْقَصَّارِ وَالصَّبَّاغِ وما أَشْبَهَ ذلك من الْعُمَّالِ إلَّا فِيمَا جَنَتْ أَيْدِيهِمْ وَبَلَغَنَا عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّهُ قال لَا ضَمَانَ عليهم وكان بن أبي لَيْلَى يقول هُمْ ضَامِنُونَ لِمَا هَلَكَ عِنْدَهُمْ وَإِنْ لم تَجْنِ أَيْدِيهِمْ فيه قال أبو يُوسُفَ هُمْ ضَامِنُونَ إلَّا أَنْ يَجِيءَ شَيْءٌ غَالِبٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا ضَاعَ الثَّوْبُ عِنْدَ الْخَيَّاطِ أو الْغَسَّالِ أو الصَّبَّاغِ أو أَجِيرٍ أُمِرَ بِبَيْعِهِ أو حَمَّالٍ اُسْتُؤْجِرَ على تَبْلِيغِهِ وَصَاحِبُهُ معه أو تَبْلِيغِهِ وَلَيْسَ صَاحِبُهُ معه من غَرَقٍ أو حَرْقٍ أو سُرِقَ ولم يَجْنِ فيه وَاحِدٌ من الْأُجَرَاءِ شيئا أو غَيْرُ ذلك من وُجُوهِ الضَّيْعَةِ فَسَوَاءٌ ذلك كُلُّهُ فَلَا يَجُوزُ فيه إلَّا وَاحِدٌ من قَوْلَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّ من أَخَذَ أَجْرًا على شَيْءٍ ضَمِنَهُ وَمَنْ قال هذا قَاسَهُ على الْعَارِيَّةِ تُضْمَنُ وقال إنَّمَا ضُمِنَتْ الْعَارِيَّةُ لِمَنْفَعَةٍ فيها لِلْمُسْتَعِيرِ فَهُوَ ضَامِنٌ لها حتى يُؤَدِّيَهَا بِالسَّلَامَةِ وَهِيَ كَالسَّلَفِ وقد يَدْخُلُ على قَائِلِ هذا أَنْ يُقَالَ له إنَّ الْعَارِيَّةَ مَأْذُونٌ لَك في الِانْتِفَاعِ بها بِلَا عِوَضٍ أَخَذَهُ مِنْك الْمُعِيرُ وَهِيَ كَالسَّلَفِ وَهَذَا كُلُّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ لَك في الِانْتِفَاعِ بِهِ وَإِنَّمَا مَنْفَعَتُك في شَيْءٍ تَعْمَلُهُ فيه فَلَا يُشْبِهُ هذا الْعَارِيَّةَ وقد وَجَدْتُك تُعْطِي الدَّابَّةَ بِكِرَاءٍ فَتَنْتَفِعُ منها بِعِوَضٍ يُؤْخَذُ مِنْك فَلَا تَضْمَنُ إنْ عَطِبَتْ في يَدَيْك وقد ذَهَبَ إلَى تَضْمِينِ الْقَصَّارِ شُرَيْحٌ فَضَمَّنَ قَصَّارًا احْتَرَقَ بَيْتُهُ فقال تُضَمِّنُنِي وقد احْتَرَقَ بَيْتِي فقال شُرَيْحٌ أَرَأَيْت لو احْتَرَقَ بَيْتُهُ كُنْت تَتْرُكُ له أُجْرَتَك ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا عنه بن عُيَيْنَةَ بهذا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَجُوزُ إذَا ضَمِنَ الصُّنَّاعُ إلَّا هذا وَأَنْ يَضْمَنَ كُلُّ من أَخَذَ على شَيْءٍ أَجْرًا وَلَا يَخْلُو ما أَخَذَ عليه الْأَجْرَ من أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا وَالْمَضْمُونُ ضَامِنٌ بِكُلِّ حَالٍ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنْ لَا يَكُونَ مَضْمُونًا فَلَا يَضْمَنُ بِحَالٍ كما لَا تُضْمَنُ الْوَدِيعَةُ بِحَالٍ وقد يُرْوَى من وَجْهٍ لَا يُثْبِتُ أَهْلُ الحديث مثله أَنَّ عَلِيَّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه ضَمَّنَ الْغَسَّالَ وَالصَّبَّاغَ وقال لَا يُصْلِحُ الناس إلَّا ذلك أخبرنا بِذَلِكَ إبْرَاهِيمُ بن أبي يحيى عن جَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ عن أبيه أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قال ذلك وَيُرْوَى عن عُمَرَ تَضْمِينُ بَعْضِ الصُّنَّاعِ من وَجْهٍ أَضْعَفَ من هذا
____________________

(7/96)


ولم نَعْلَمْ وَاحِدًا مِنْهُمَا يَثْبُتُ وقد روى عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ أَنَّهُ كان لَا يُضَمِّنُ أَحَدًا من الْأُجَرَاءِ من وَجْهٍ لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَثَابِتٌ عن عَطَاءِ بن أبي رَبَاحٍ أَنَّهُ قال لَا ضَمَانَ على صَانِعٍ وَلَا على أَجِيرٍ فَأَمَّا ما جَنَتْ أَيْدِي الْأُجَرَاءِ وَالصُّنَّاعِ فَلَا مَسْأَلَةَ فيه وَهُمْ ضَامِنُونَ كما يَضْمَنُ الْمُسْتَوْدَعُ ما جَنَتْ يَدُهُ وَالْجِنَايَةُ لَا تَبْطُلُ عن أَحَدٍ وَكَذَلِكَ لو تَعَدَّوْا ضَمِنُوا ( قال الرَّبِيعُ ) الذي يَذْهَبُ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِيمَا رَأَيْته أَنَّهُ لَا ضَمَانَ على الصُّنَّاعِ إلَّا ما جَنَتْ أَيْدِيهِمْ ولم يَكُنْ يَبُوحُ بِذَلِكَ خَوْفًا من الصُّنَّاعِ - * بَابُ الْغَصْبِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اغْتَصَبَ الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ فَبَاعَهَا وَأَعْتَقَهَا الْمُشْتَرِي فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول الْبَيْعُ وَالْعِتْقُ فيها بَاطِلٌ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ بَاعَ ما لَا يَمْلِكُ وَأَعْتَقَ ما لَا يَمْلِكُ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول عِتْقُهُ جَائِزٌ وَعَلَى الْغَاصِبِ الْقِيمَةُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اغْتَصَبَ الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ فَأَعْتَقَهَا أو بَاعَهَا مِمَّنْ أَعْتَقَهَا أو اشْتَرَاهَا شِرَاءً فَاسِدًا فَأَعْتَقَهَا أو بَاعَهَا مِمَّنْ أَعْتَقَهَا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وإذا بَطَلَ الْبَيْعُ لم يَجُزْ عِتْقُ الْمُبْتَاعِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لِلْمَالِكِ الْأَوَّلِ الْبَائِعِ بَيْعًا فَاسِدًا وَلَوْ تَنَاسَخَهَا ثَلَاثُونَ مُشْتَرِيًا فَأَكْثَرُ وَأَعْتَقَهَا أَيُّهُمْ شَاءَ إذَا لم يُعْتِقْهَا الْبَائِعُ الْأَوَّلُ فَالْبَيْعُ كُلُّهُ بَاطِلٌ وَيَتَرَادُّونَ لِأَنَّهُ إذَا كان بَيْعُ الْمَالِكِ الْأَوَّلِ الصَّحِيحِ الْمِلْكِ فَاسِدًا فَبَاعَهَا الذي لَا يَمْلِكُهَا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فيها بِحَالٍ وَلَا بَيْعُ من بَاعَ بِالْمِلْكِ عنه وَالْبَيْعُ إذَا كان فَاسِدًا لم يَمْلِكْ بِهِ وَمَنْ أَعْتَقَ ما لَا يَمْلِكُ لم يَجُزْ عِتْقُهُ وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ فَوَطِئَهَا ثُمَّ اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي على عَيْبٍ كان بها دَلَّسَهُ الْبَائِعُ له فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول ليس له أَنْ يَرُدَّهَا بَعْدَ الْوَطْءِ وَكَذَلِكَ بَلَغَنَا عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه قال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَكِنَّهُ يقول يَرْجِعُ عليه بِفَضْلِ ما بين الصِّحَّةِ وَالْعَيْبِ من الثَّمَنِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ مَعَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا وَالْمَهْرُ في ( ( ( فيه ) ) ) قَوْلُهُ يَأْخُذُ الْعُشْرَ من قِيمَتِهَا وَنِصْفَ الْعُشْرِ فَيَجْعَلُ الْمَهْرَ نِصْفَ ذلك وَلَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لم يَطَأْ الْجَارِيَةَ وَلَكِنَّهُ حَدَثَ بها عَيْبٌ عِنْدَهُ لم يَكُنْ له أَنْ يَرُدَّهَا في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَلَكِنَّهُ يَرْجِعُ بِفَضْلِ ما بين الْعَيْبِ وَالصِّحَّةِ وَبِهِ يَأْخُذُ صَاحِبُهُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ ما نَقَصَهَا الْعَيْبُ الذي حَدَثَ عِنْدَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ ثَيِّبًا فَأَصَابَهَا ثُمَّ ظَهَرَ منها على عَيْبٍ كان عِنْدَ الْبَائِعِ كان له رَدُّهَا لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يُنْقِصُهَا شيئا وَإِنَّمَا رَدَّهَا بِمِثْلِ الْحَالِ التي أَخَذَهَا بها وإذا قَضَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالْخَرَاجِ بِالضَّمَانِ وَرَأَيْنَا الْخِدْمَةَ كَذَلِكَ كان الْوَطْءُ أَقَلَّ ضَرَرًا عليها من خِدْمَةٍ أو خَرَاجٍ لو أَدَّتْهُ بِالضَّمَانِ وَإِنْ كانت بِكْرًا فَأَصَابَهَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ ولم يَفْتَضَّهَا فَكَذَلِكَ وَإِنْ افْتَضَّهَا لم يَكُنْ له رَدُّهَا من قِبَلِ أَنَّهُ قد نَقَصَهَا بِذَهَابِ الْعُذْرَةِ فَلَا يَجُوزُ له أَنْ يَرُدَّهَا نَاقِصَةً كما لم يَكُنْ يَجُوزُ عليه أَنْ يَأْخُذَهَا نَاقِصَةً وَيَرْجِعَ بِمَا نَقَصَهَا الْعَيْبُ الذي دَلَّسَ له من أَصْلِ الثَّمَنِ الذي أَعْطَى فيها إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَهَا نَاقِصَةً فَيَكُونُ ذلك له إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَحْبِسَهَا مَعِيبَةً وَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ من الْعَيْبِ وَلَا نَعْلَمُهُ ثَبَتَ عن عُمَرَ وَلَا عَلِيٍّ وَلَا خِلَافِهِمَا أَنَّهُ قال خِلَافَ هذا الْقَوْلِ وإذا اشْتَرَى الْجَارِيَةَ فَوَطِئَهَا فَاسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ فَقَضَى له بها الْقَاضِي فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول على الْوَاطِئِ مَهْرُ مِثْلِهَا على مِثْلِ ما يَتَزَوَّجُ بِهِ الرَّجُلُ مِثْلَهَا يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ على الذي بَاعَهُ وَلَا يَرْجِعُ بِالْمَهْرِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول على الْوَاطِئِ الْمَهْرُ على ما ذَكَرْت لَك من قَوْلِهِ وَيَرْجِعُ على الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ وَالْمَهْرِ لِأَنَّهُ قد غَرَّهُ منها فَأَدْخَلَ عليه بَعْضُهُمْ فقال وَكَيْفَ يَرْجِعُ عليه في قَوْلِ بن أبي لَيْلَى بِمَا أَحْدَثَ وهو الذي وطىء أَرَأَيْت لو بَاعَهُ
____________________

(7/97)


ثَوْبًا فَخَرَقَهُ أو أَهْلَكَهُ فَاسْتَحَقَّهُ رَجُلٌ وَضَمِنَهُ بِالْقِيمَةِ أَلَيْسَ إنَّمَا يَرْجِعُ على الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ وَإِنْ كانت الْقِيمَةُ أَكْثَرَ منه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ فَوَطِئَهَا ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ أَخَذَهَا وَمَهْرَ مِثْلِهَا من الْوَاطِئِ وَلَا وَقْتَ لِمَهْرِ مِثْلِهَا إلَّا ما يَنْكِحُ بِهِ مِثْلَهَا وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي على الْبَائِعِ بِثَمَنِ الْجَارِيَةِ الذي قَبَضَ منه وَلَا يَرْجِعُ بِالْمَهْرِ الذي أَخَذَهُ رَبُّ الْجَارِيَةِ منه لِأَنَّهُ كَشَيْءٍ اسْتَهْلَكَهُ هو فَإِنْ قال قَائِلٌ من أَيْنَ قُلْت هذا قِيلَ له لِمَا قَضَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْمَرْأَةِ تُزَوَّجُ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا أَنَّ نِكَاحَهَا بَاطِلٌ وَأَنَّ لها إنْ أُصِيبَتْ الْمَهْرَ كانت الْإِصَابَةُ بِشُبْهَةٍ تُوجِبُ الْمَهْرَ وَلَا يَكُونُ لِلْمُصِيبِ الرُّجُوعُ على من غَرَّهُ لِأَنَّهُ هو الْآخِذُ لِلْإِصَابَةِ وَلَوْ كان يَرْجِعُ بِهِ على من غَرَّهُ لم يَكُنْ لِلْمَرْأَةِ عليه مَهْرٌ لِأَنَّهَا قد تَكُونُ غَارَّةً له فَلَا يَجِبُ لها ما يَرْجِعُ بِهِ عليها ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ قد دُلِّسَ له فيها بِعَيْبٍ عَلِمَهُ الْبَائِعُ أو لم يَعْلَمْهُ فَسَوَاءٌ في الْحُكْمِ وَالْبَائِعُ آثم في التَّدْلِيسِ إنْ كان عَالِمًا فَإِنْ حَدَثَ بها عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ ثُمَّ اطَّلَعَ على الْعَيْبِ الذي دُلِّسَ له لم يَكُنْ له رَدُّهَا وَإِنْ كان الْعَيْبُ الذي حَدَثَ بها عِنْدَهُ أَقَلَّ عُيُوبِ الرَّقِيقِ وإذا كان مُشْتَرِيًا فَكَانَ له أَنْ يَرُدَّهَا بِأَقَلِّ الْعُيُوبِ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَلْزَمُهُ في مَعِيبٍ إلَّا أَنْ يَشَاءَ فَكَذَلِكَ عليه لِلْبَائِعِ مِثْلُ ما كان له على الْبَائِعِ وَلَا يَكُونُ له أَنْ يَرُدَّ على الْبَائِعِ بَعْدَ الْعَيْبِ الذي حَدَثَ في مِلْكِهِ كما لم يَكُنْ لِلْبَائِعِ أَنْ يُلْزِمَهُ الْبَيْعَ وَفِيهِ عَيْبٌ كان في مِلْكِهِ وَهَذَا مَعْنَى سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في أَنَّهُ قضي أَنْ يُرَدَّ الْعَبْدُ بِالْعَيْبِ وَلِلْمُشْتَرِي إذَا حَدَثَ الْعَيْبُ عِنْدَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا نَقَصَهَا الْعَيْبُ الذي دَلَّسَ له الْبَائِعُ وَرُجُوعُهُ بِهِ كما أَصِفُ لَك أَنْ تُقَوَّمَ الْجَارِيَةُ سَالِمَةً من الْعَيْبِ فَيُقَالَ قِيمَتُهَا مِائَةٌ ثُمَّ تُقَوَّمَ وَبِهَا الْعَيْبُ فَيُقَالَ قِيمَتُهَا تِسْعُونَ وَقِيمَتُهَا يوم قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي من الْبَائِعِ لِأَنَّهُ يَوْمئِذٍ تَمَّ الْبَيْعُ ثُمَّ يُقَالُ له ارْجِعْ بِعُشْرِ ثَمَنِهَا على الْبَائِعِ كَائِنًا ما كان قَلَّ أو كَثُرَ فَإِنْ اشْتَرَاهَا بِمِائَتَيْنِ رَجَعَ بِعِشْرِينَ وَإِنْ كان اشْتَرَاهَا بِخَمْسِينَ رَجَعَ بِخَمْسَةٍ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَهَا مَعِيبَةً بِلَا شَيْءٍ يَأْخُذُهُ من الْمُشْتَرِي فَيُقَالُ لِلْمُشْتَرِي سَلِّمْهَا إنْ شِئْت وَإِنْ شِئْت فَأَمْسِكْهَا وَلَا تَرْجِعْ بِشَيْءٍ وإذا اشْتَرَى الرَّجُلَانِ جَارِيَةً فَوَجَدَا بها عَيْبًا فرضى أَحَدُهُمَا بِالْعَيْبِ ولم يَرْضَ الْآخَرُ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول ليس لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرُدَّ حتى يَجْتَمِعَا على الرَّدِّ جميعا وكان بن أبي لَيْلَى يقول لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَرُدَّ حِصَّتَهُ وَإِنْ رضى الْآخَرُ بِالْعَيْبِ وَبِهِ يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اشْتَرَى الرَّجُلَانِ الْجَارِيَةَ صَفْقَةً وَاحِدَةً من رَجُلٍ فَوَجَدَا بها عَيْبًا فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا الرَّدَّ وَالْآخَرُ التَّمَسُّكَ فَلِلَّذِي أَرَادَ الرَّدَّ الرَّدُّ وَلِلَّذِي أَرَادَ التَّمَسُّكَ التَّمَسُّكُ لِأَنَّ مَوْجُودًا في بَيْعِ الِاثْنَيْنِ أَنَّهُ بَاعَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفَ فَالنِّصْفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ كَالْكُلِّ لو بَاعَهُ كما لو بَاعَ لِأَحَدِهِمَا نِصْفَهَا وللاخر نِصْفَهَا ثُمَّ وَجَدَا بها عَيْبًا كان لِكُلِّ وَاحِدٍ منها رَدُّ النِّصْفِ وَالرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ الذي أَخَذَ منه وكان لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَمْسِكَ وَإِنْ رَدَّ صَاحِبُهُ وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ أَرْضًا فيها نَخْلٌ وَفِيهِ ثَمَرٌ ولم يَشْتَرِطْ شيئا فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول الثَّمَرُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ ذلك الْمُشْتَرِي وَكَذَلِكَ بَلَغَنَا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ كان يقول من اشْتَرَى نَخْلًا له ثَمَرٌ مُؤَبَّرٌ فَثَمَرُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ ذلك الْمُشْتَرِي وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ ذلك الْمُشْتَرِي وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول الثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ لم يَشْتَرِطْ لِأَنَّ ثَمَرَةَ النَّخْلِ من النَّخْلِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ من الرَّجُلِ النَّخْلَ قد أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ ذلك الْمُبْتَاعُ وَإِنْ كانت لم تُؤَبَّرْ فَثَمَرَتُهَا لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّ ثَمَرَهَا غَيْرُ مُنْكَشِفٍ إلَّا في وَقْتِ الْإِبَارِ وَالْإِبَارُ حين يَبْدُو الِانْكِشَافُ وما لم يَبْدُ الِانْكِشَافُ في الثَّمَرِ فَهُوَ كَالْجَنِينِ في بَطْنِ أُمِّهِ يَمْلِكُهُ من مَلَكَ أُمَّهُ وإذا بَدَا منه الِانْكِشَافُ كان كَالْجَنِينِ قد زَايَلَ أُمَّهُ وَهَذَا كُلُّهُ في مَعْنَى السُّنَّةِ فَإِنْ اشْتَرَى عِنَبًا أو تِينًا
____________________

(7/98)


أو ثَمَرًا أَيَّ ثَمَرٍ ما كان بعد ( ( ( بعدما ) ) ) ما ( ( ( طلع ) ) ) يطلع صَغِيرًا كان أو كَبِيرًا فَالثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ وَذَلِكَ أنها مُنْكَشِفَةٌ لَا حَائِلَ دُونَهَا في مِثْلِ مَعْنَى النَّخْلِ الْمُؤَبَّرِ وَهَكَذَا إذَا بَاعَ عَبْدًا له مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ وَهَذَا كُلُّهُ مِثْلُ السُّنَّةِ نَصًّا أو شَبِيهٌ بِمَعْنَاهَا لَا يُخَالِفُهُ - * بَابُ الِاخْتِلَافِ في الْعَيْبِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الْجَارِيَةَ أو الدَّابَّةَ أو الثَّوْبَ أو غير ذلك فَوَجَدَ الْمُشْتَرِي بِهِ عَيْبًا وقال بِعْتنِي وَهَذَا الْعَيْبُ بِهِ فَأَنْكَرَ ذلك الْبَائِعُ فَعَلَى الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةُ فَإِنْ لم تَكُنْ له بَيِّنَةٌ فَعَلَى الْبَائِعِ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ لقد بَاعَهُ وما هذا الْعَيْبُ بِهِ فَإِنْ قال الْبَائِعُ أنا أَرُدُّ الْيَمِينَ عليه فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول لَا أَرُدُّ الْيَمِينَ عليه وَلَا يُحَوِّلُهَا عن الْمَوْضِعِ الذي وَضَعَهَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول مِثْلَ قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَّا أَنَّهُ إذَا اتَّهَمَ المدعى رَدَّ الْيَمِينَ عليه فَيُقَالُ احْلِفْ وَرَدَّهَا فَإِنْ أبي أَنْ يَحْلِفَ لم يَقْبَلْ منه وَقَضَى عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ الدَّابَّةَ أو الثَّوْبَ أو أَيَّ بَيْعٍ ما كان فَوَجَدَ الْمُشْتَرِي بِهِ عَيْبًا فَاخْتَلَفَ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ فقال الْبَائِعُ حَدَثَ عِنْدَك وقال الْمُشْتَرِي بَلْ عِنْدَك فَإِنْ كان عَيْبًا يَحْدُثُ مِثْلُهُ بِحَالٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مع يَمِينِهِ على الْبَتِّ بِاَللَّهِ لقد بَاعَهُ وما هذا الْعَيْبُ بِهِ إلَّا أَنْ يأتى المشترى على دَعْوَاهُ بِبَيِّنَةٍ فَتَكُونَ الْبَيِّنَةُ أَوْلَى من الْيَمِينِ وَإِنْ نَكَلَ الْبَائِعُ رَدَدْنَا الْيَمِينَ على الْمُشْتَرِي اتَّهَمْنَاهُ أو لم نَتَّهِمْهُ فَإِنْ حَلَفَ رَدَدْنَا عليه السِّلْعَةِ بِالْعَيْبِ وَإِنْ نَكَلَ عن الْيَمِينِ لم نَرْدُدْهَا عليه ولم نُعْطِهِ بِنُكُولِ صَاحِبِهِ فَقَطْ إنَّمَا نُعْطِيهِ بِالنُّكُولِ إذَا كان مع النُّكُولِ يَمِينُهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على ما ذَكَرْت قِيلَ قَضَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِلْأَنْصَارِيِّينَ بِالْأَيْمَانِ يَسْتَحِقُّونَ بها دَمَ صَاحِبِهِمْ فَنَكَلُوا وَرَدَّ الْأَيْمَانَ على يَهُودَ يَبْرَءُونَ بها ثُمَّ رَأَى عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تعالى عنه الْأَيْمَانَ على الْمُدَّعَى عليهم الدَّمَ يَبْرَءُونَ بها فَنَكَلُوا فَرَدَّهَا على الْمُدَّعِينَ ولم يُعْطِهِمْ بِالنُّكُولِ شيئا حتى رَدَّ الْأَيْمَانَ وَسُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم النَّصُّ الْمُفَسِّرَةُ تَدُلُّ على سُنَّتِهِ الْجُمْلَةِ وَكَذَلِكَ قَوْلُ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تعالى عنه وَقَوْلُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْبَيِّنَةُ على المدعى وَالْيَمِينُ على الْمُدَّعَى عليه ثُمَّ قَوْلُ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تعالى عنه ذلك جُمْلَةٌ دَلَّ عليها نَصُّ حُكْمِ كل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَاَلَّذِي قال لَا يَعْدُو بِالْيَمِينِ الْمُدَّعَى عليهم يُخَالِفُ هذا فَيَكْثُرُ وَيُحَمِّلُ الحديث ما ليس فيه وقد وَضَعْنَا هذا في كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ وَالْيَمِينِ بين الْمُتَبَايِعَيْنِ على الْبَتِّ فِيمَا تَبَايَعَا فيه وإذا بَاعَ الرَّجُلُ بَيْعًا فَبَرِئَ من كل عَيْبٍ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تعالى عنه كان يقول الْبَرَاءَةُ من كل ذلك جَائِزَةٌ وَلَا يَسْتَطِيعُ الْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهُ بِعَيْبٍ كَائِنًا ما كان أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو أَبْرَأَهُ من الشِّجَاجِ بريء من كل شَجَّةٍ وَلَوْ أَبْرَأَهُ من الْقُرُوحِ بريء من كل قُرْحَةٍ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا يَبْرَأُ من ذلك حتى يسمى الْعُيُوبَ كُلَّهَا بِأَسْمَائِهَا ولم يذكر أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عليها ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وإذا بَاعَ الرَّجُلُ الْعَبْدَ أو شيئا من الْحَيَوَانِ بِالْبَرَاءَةِ من الْعُيُوبِ فَاَلَّذِي نَذْهَبُ إلَيْهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَضَاءَ عُثْمَانَ بن عَفَّانَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّهُ بريء من كل عَيْبٍ لم يَعْلَمْهُ ولم يَبْرَأْ من عَيْبٍ عَلِمَهُ ولم يُسَمِّهِ الْبَائِعُ وَيُقْفِهِ عليه وَإِنَّمَا ذَهَبْنَا إلَى هذا تَقْلِيدًا وَأَنَّ فيه مَعْنًى من الْمَعَانِي يُفَارِقُ فيه الْحَيَوَانُ ما سِوَاهُ وَذَلِكَ أَنَّ ما كانت فيه الْحَيَاةَ فَكَانَ يَتَغَذَّى بِالصِّحَّةِ وَالسَّقَمِ وَتَحُولُ طَبَائِعُهُ قَلَّمَا يَبْرَأُ من عَيْبٍ يَخْفَى أو يَظْهَرُ فإذا خَفَى على الْبَائِعِ أُبَرِّئُهُ بِبُرْئِهِ منه فإذا لم يَخَفْ عليه فَقَدْ وَقَعَ اسْمُ الْعُيُوبِ على ما نَقَصَهُ يَقِلُّ وَيَكْثُرُ يصغر ( ( ( ويصغر ) ) ) وَيَكْبُرُ وَتَقَعُ التَّسْمِيَةُ على ذلك فَلَا يُبَرِّئُهُ منه إلَّا أَنْ يَقِفَهُ عليه وَإِنْ أَصَحَّ في الْقِيَاسِ لَوْلَا التَّقْلِيدُ وما وَصَفْنَا من تَفْرِيقِ الْحَيَوَانِ غَيْرَهُ لَأَنْ لَا يَبْرَأَ من عَيْبٍ كان بِهِ لم يَرَهُ صَاحِبُهُ وَلَكِنَّ التَّقْلِيدَ وما وَصَفْنَا أَوْلَى بِمَا وَصَفْنَاهُ وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ دَابَّةً أو خَادِمًا أو دَارًا أو ثَوْبًا أو غير
____________________

(7/99)


ذلك فَادَّعَى فيه رَجُلٌ دَعْوَى ولم يَكُنْ للمدعى على دَعْوَاهُ بَيِّنَةٌ فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَحْلِفَ الْمُشْتَرِي الذي في يَدَيْهِ ذلك الْمَتَاعُ على دَعْوَاهُ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول الْيَمِينُ عليه أَلْبَتَّةَ بِاَللَّهِ ما لِهَذَا فيه حَقٌّ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول عليه أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ ما يَعْلَمُ أَنَّ لِهَذَا فيه حَقًّا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْيَمِينُ عليه بِالْبَتِّ ما لِهَذَا فيه حَقٌّ وَيَسَعُهُ ذلك إذَا لم يَكُنْ يَعْلَمُ لِهَذَا فيه حَقًّا وَهَكَذَا عَامَّةُ الْأَيْمَانِ وَالشَّهَادَاتِ وإذا اشْتَرَى الْمُشْتَرِي بَيْعًا على أَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ شَهْرًا أو على أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ شَهْرًا فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول الْبَيْعُ فَاسِدٌ وَلَا يَكُونُ الْخِيَارُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَلَغَنَا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ كان يقول من اشْتَرَى شَاةً مُحَفَّلَةً فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إنْ شَاءَ رَدَّهَا وَرَدَّ مَعَهَا صَاعًا من تَمْرٍ أو صَاعًا من شَعِيرٍ فَجَعَلَ الْخِيَارَ كُلَّهُ على قَوْلِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وكان بن أبي لَيْلَى يقول الْخِيَارُ جَائِزٌ شَهْرًا كان أو سَنَةً وَبِهِ يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ الْعَبْدَ أو أَيَّ سِلْعَةٍ ما اشْتَرَى على أَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ أو الْمُشْتَرِي أو هُمَا مَعًا إلَى مُدَّةٍ يَصِفَانِهَا فَإِنْ كانت الْمُدَّةُ ثَلَاثًا أو أَقَلَّ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَإِنْ كانت أَكْثَرَ من ذلك بِطُرْفَةِ عَيْنٍ فَأَكْثَرَ فَالْبَيْعُ مُنْتَقَضٌ فَإِنْ قال قَائِلٌ وَكَيْفَ جَازَ الْخِيَارُ ثَلَاثًا ولم يَجُزْ أَكْثَرُ من ثَلَاثٍ قِيلَ لَوْلَا الْخَبَرُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ما جَازَ أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ بَعْدَ تَفَرُّقِ الْمُتَبَايِعَيْنِ سَاعَةً لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا جَعَلَ لَهُمَا الْخِيَارَ إلَى أَنْ يَتَفَرَّقَا وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا لَا يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ مَالَهُ إلَى الْبَائِعِ وَيَدْفَعَ الْبَائِعُ جَارِيَتَهُ لِلْمُشْتَرِي فَلَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ الِانْتِفَاعُ بِثَمَنِ سِلْعَتِهِ وَلَا لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَنْتَفِعَ بِجَارِيَتِهِ وَلَوْ زَعَمْنَا أَنَّ لَهُمَا أَنْ يَنْتَفِعَا زَعَمْنَا أَنَّ عَلَيْهِمَا إنْ شَاءَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَرُدَّ رَدَّ فإذا كان من أَصْلِ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ أَبِيعَ الْجَارِيَةَ على أَنْ لَا يَبِيعَهَا صَاحِبُهَا لِأَنِّي إذَا شَرَطْت عليه هذا فَقَدْ نَقَصْته من الْمِلْكِ شيئا وَلَا يَصْلُحُ أَنْ أَمْلِكَهُ بِعِوَضٍ أخذه منه إلَّا ما مِلْكُهُ عليه تَامٌّ فَقَدْ نَقَصْته بِشَرْطِ الْخِيَارِ كُلَّ الْمِلْكِ حتى حَظَرْته عليه وَأَصْلُ الْبَيْعِ على الْخِيَارِ لَوْلَا الْخَبَرُ كان يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فَاسِدًا لِأَنَّا نُفْسِدُ الْبَيْعَ بِأَقَلَّ منه مِمَّا ذَكَرْت فلما شَرَطَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْمُصْرَاةِ خِيَارَ ثَلَاثٍ بَعْدَ الْبَيْعِ وروى عنه عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ جَعَلَ ( 1 ) لِحِبَّانَ بن مُنْقِذٍ خِيَارَ ثَلَاثٍ فِيمَا ابْتَاعَ انْتَهَيْنَا إلَى ما أَمَرَ بِهِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من الْخِيَارِ ولم نُجَاوِزْهُ إذ لم يُجَاوِزْهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَك أَنَّ أَمْرَهُ بِهِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ كَالْحَدِّ لِغَايَتِهِ من قِبَلِ أَنَّ الْمُصَرَّاةَ قد تُعْرَفُ تَصْرِيَتُهَا بَعْدَ أَوَّلِ حَلْبَةٍ في يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وفي يَوْمَيْنِ حتى لَا يَشُكَّ فيها فَلَوْ كان الْخِيَارُ إنَّمَا هو لِيَعْلَمَ اسْتِبَانَةَ عَيْبِ التَّصْرِيَةِ أَشْبَهَ أَنْ يُقَالَ له الْخِيَارُ حتى يَعْلَمَ أنها مُصَرَّاةٌ طَالَ ذلك أو قَصُرَ كما يَكُونُ له الْخِيَارُ في الْعَيْبِ إذَا عَلِمَهُ بِلَا وَقْتٍ طَالَ ذلك أو قَصُرَ وَلَوْ كان خِيَارُ حِبَّانَ إنَّمَا كان لِاسْتِشَارَةِ غَيْرِهِ أَمْكَنَهُ أَنْ يَسْتَشِيرَهُ في مُقَامِهِ وَبَعْدَهُ بِسَاعَةٍ وَأَمْكَنَ فيه أَنْ يَدَعَ الِاسْتِشَارَةَ دَهْرًا فَكَانَ الْخَبَرُ دَلَّ على أَنَّ خِيَارَ ثَلَاثٍ أَقْصَى غَايَةِ الْخِيَارِ فلم يَجُزْ لنا أَنْ نُجَاوِزَهُ وَمَنْ جَاوَزَهُ كان عِنْدَنَا مُشْتَرِطًا بَيْعًا فَاسِدًا ( قال ) وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ بَيْعًا على أَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ يَوْمًا وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي فَهَلَكَ عِنْدَهُ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول الْمُشْتَرِي ضَامِنٌ بِالْقِيمَةِ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ على بَيْعٍ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول هو أَمِينٌ في ذلك لَا شَيْءَ عليه فيه وَلَوْ أَنَّ الْخِيَارَ كان لِلْمُشْتَرِي فَهَلَكَ عِنْدَهُ فَهُوَ عليه بِثَمَنِهِ الذي اشْتَرَاهُ بِهِ في قَوْلِهِمَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا بَاعَ الرَّجُلُ الْعَبْدَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا أو أَقَلَّ وَقَبَضَهُ فَمَاتَ الْعَبْدُ في يَدَيْ الْمُشْتَرِي فَهُوَ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ وَإِنَّمَا مَنَعْنَا أَنْ نُضَمِّنَهُ ثَمَنَهُ أَنَّ الْبَيْعَ لم يَتِمَّ فيه وَمَنَعْنَا أَنْ نَطْرَحَ الضَّمَانَ عنه أَنَّهُ لم يَأْخُذْهُ إلَّا على بَيْعٍ يَأْخُذُ من الْمُشْتَرِي بِهِ عِوَضًا فَلَا نَجْعَلُ الْبَيْعَ إلَّا مَضْمُونًا وَلَا وَجْهَ لَأَنْ يَكُونَ أَمِينًا فيه إنَّمَا يَكُونُ الرَّجُلُ أَمِينًا فِيمَا لَا يَمْلِكُ وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ مَنْفَعَةً عَاجِلَةً وَلَا آجِلَةً وَإِنَّمَا يُمْسِكُهُ لِمَنْفَعَةِ
____________________

(7/100)


رَبِّهِ لَا لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَسَوَاءٌ في ذلك كان الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أو للمشتري ( ( ( المشتري ) ) ) لِأَنَّ الْبَيْعَ لم يَتِمَّ فيه حتى مَاتَ وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ فَبَاعَ نِصْفَهَا ولم يَبِعْ النِّصْفَ الْآخَرَ ثُمَّ وَجَدَ بها عَيْبًا قد كان الْبَائِعُ دَلَّسَهُ له فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَرُدَّ ما بقى منها وَلَا يَرْجِعَ بِمَا نَقَصَهَا الْعَيْبُ وَيَقُولَ رُدَّ الْجَارِيَةَ كُلَّهَا كما أَخَذْتهَا وَإِلَّا فَلَا حَقَّ لَك وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يقول يَرُدُّ ما في يَدِهِ منها على الْبَائِعِ بِقَدْرِ ثَمَنِهَا وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمَا في الثِّيَابِ وفي كل بَيْعٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الْجَارِيَةَ أو الثَّوْبَ أو السِّلْعَةَ فَبَاعَ نِصْفَهَا من رَجُلٍ ثُمَّ ظَهَرَ منها على عَيْبٍ دَلَّسَهُ الْبَائِعُ لم يَكُنْ له أَنْ يَرُدَّ النِّصْفَ بِحِصَّتِهِ من الثَّمَنِ على الْبَائِعِ وَلَا يَرْجِعَ عليه بِشَيْءٍ من نَقْصِ الْعَيْبِ من أَصْلِ الثَّمَنِ وَيُقَالُ له رُدَّهَا كما هِيَ أو احْبِسْ وَإِنَّمَا يَكُونُ له أَنْ يَرْجِعَ بِنَقْصِ الْعَيْبِ إذَا مَاتَتْ الْجَارِيَةُ أو أُعْتِقَتْ فَصَارَتْ لَا تُرَدُّ بِحَالٍ أو حَدَثَ بها عِنْدَهُ عَيْبٌ فَصَارَ ليس له أَنْ يَرُدَّهَا عليه بِحَالٍ فَأَمَّا إذَا بَاعَهَا أو بَاعَ بَعْضَهَا فَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَرُدَّهَا وإذا أَمْكَنَ أَنْ يَرُدَّهَا فَيَلْزَمُ ذلك الْبَائِعَ لم يَكُنْ له أَنْ يَرُدَّهَا وَيَرْجِعَ بِنَقْصِ الْعَيْبِ كما لَا يَكُونُ له أَنْ يُمْسِكَهَا بيده وَيَرْجِعَ بِنَقْصِ الْعَيْبِ ( 1 ) ( قال ) وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ عَبْدًا وَاشْتَرَطَ فيه شَرْطًا أَنْ يَبِيعَهُ من فُلَانٍ أو يَهَبَهُ لِفُلَانٍ أو على أَنْ يُعْتِقَهُ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول الْبَيْعُ في هذا فَاسِدٌ وَبِهِ يَأْخُذُ وقد بَلَغَنَا عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه نَحْوٌ من ذلك وكان بن أبي لَيْلَى يقول الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا بَاعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْعَبْدَ على أَنْ لَا يَبِيعَهُ من فُلَانٍ أو على أَنْ لَا يَسْتَخْدِمَهُ أو على أَنْ يُنْفِقَ عليه كَذَا أو على أَنْ يُخَارِجَهُ فَالْبَيْعُ فيه كُلِّهِ فَاسِدٌ لِأَنَّ هذا كُلَّهُ غَيْرُ تَمَامِ مِلْكٍ وَلَا يَجُوزُ الشَّرْطُ في هذا إلَّا في مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وهو الْعِتْقُ اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ وَلِفِرَاقِ الْعِتْقِ لِمَا سِوَاهُ فَنَقُولُ إنْ اشْتَرَاهُ منه على أَنْ يَعْتِقَهُ فَأَعْتَقَهُ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ فَإِنْ قال رَجُلٌ ما فَرْقٌ بين الْعِتْقِ وَغَيْرِهِ قِيلَ قد يَكُونُ لي نِصْفُ الْعَبْدِ فَأَهَبَهُ وَأَبِيعُهُ وَأَصْنَعُ فيه ما شِئْت غير الْعِتْقِ فَلَا يَلْزَمُنِي ضَمَانُ نَصِيبِ شَرِيكِي فيه وَلَا يَخْرُجُ نَصِيبُ شَرِيكِي من يَدِهِ لِأَنَّ كُلًّا مَالِكٌ لِمَا مَلَكَ فَإِنْ أَعْتَقْته وأنا مُوسِرٌ عَتَقَ على نَصِيبِ شَرِيكِي الذي لَا أَمْلِكُ ولم أَعْتِقْ وَضَمِنْت قِيمَتَهُ وَخَرَجَ من يَدَيْ شَرِيكِي بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَأَعْتَقَ الْحَمْلَ فَتَلِدُهُ لِأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَيَقَعُ عليه الْعِتْقُ وَلَوْ بِعْته لم يَجُزْ الْبَيْعُ مع خِلَافِهِ لِغَيْرِهِ في هذا وفي أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ وما سِوَاهُمَا ( قال ) وإذا كان لِرَجُلٍ على رَجُلٍ مَالٌ من بَيْعٍ فَحَلَّ الْمَالُ فَأَخَّرَهُ عنه إلَى أَجَلٍ آخَرَ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول تَأْخِيرُهُ جَائِزٌ وهو إلَى الْأَجَلِ الْآخَرِ الذي أَخَّرَهُ عنه وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول له أَنْ يَرْجِعَ في ذلك إلَّا أَنْ يَكُونَ ذلك على وَجْهِ الصُّلْحِ مِنْهُمَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان لِلرَّجُلِ على الرَّجُلِ مَالٌ حَالٌّ من سَلَفٍ أو من بَيْعٍ أو أَيِّ وَجْهٍ كان
____________________

(7/101)


فَأَنْظَرَهُ صَاحِبُ الْمَالِ بِالْمَالِ إلَى مُدَّةٍ من الْمُدَدِ كان له أَنْ يَرْجِعَ في النَّظِرَةِ مَتَى شَاءَ وَذَلِكَ أنها لَيْسَتْ بِإِخْرَاجِ شَيْءٍ من مِلْكِهِ إلَى الذي عليه الدَّيْنُ وَلَا شيئا أَخَذَ منه بِهِ عِوَضًا فَنُلْزِمُهُ إيَّاهُ لِلْعِوَضِ الذي يَأْخُذُهُ منه أو نُفْسِدُهُ وَيَرُدُّ الْعِوَضَ وَلَا فَرْقَ بين السَّلَفِ وَبَيْنَ الْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَتَفَاسَخَا في الْبَيْعِ وَالْمَبِيعُ قَائِمٌ فَيَجْعَلَانِهِ بَيْعًا غَيْرَهُ بِنَظِرَةٍ أو يَتَدَاعَيَانِ فيه دَعْوَى فَيُصَيَّرَانِهِ بَيْعًا مُسْتَأْنَفًا إلَى أَجَلٍ فَيَلْزَمُهُمَا الْبَيْعُ الذي أَحْدَثَاهُ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا كان له على رَجُلٍ مَالٌ فَتَغَيَّبَ عنه الْمَطْلُوبُ حتى حَطَّ عنه بَعْضَ ذلك الْمَالِ على أَنْ يُعْطِيَهُ بَعْضَهُ ثُمَّ ظَهَرَ له بَعْدُ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول ما حَطَّ عنه من ذلك الْمَالِ فَهُوَ جَائِزٌ وكان بن أبي لَيْلَى يقول له أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا حَطَّ عنه لِأَنَّهُ تَغَيَّبَ عنه وَبِهِ يَأْخُذُ وَلَوْ أَنَّ الطَّالِبَ قال إنْ ظَهَرَ لي فَلَهُ مِمَّا عليه كَذَا وَكَذَا لم يَكُنْ قَوْلُهُ هذا يُوجِبُ عليه شيئا في قَوْلِهِمْ جميعا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا تَغَيَّبَ الرَّجُلُ عليه الدَّيْنُ من الرَّجُلِ فَحَطَّ عنه وهو مُتَغَيِّبٌ شيئا وَأَخَذَ منه الْبَقِيَّةَ ثُمَّ قال إنَّمَا حَطَطْت عنه لِلتَّغَيُّبِ فَلَيْسَ له أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا حَطَّ عنه وَلَا يَكُونُ هذا من مَعَانِي الْإِكْرَاهِ التي نَطْرَحُهَا عَمَّنْ أُكْرِهَ عليها لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ مَوْضُوعٌ عن الْعَبْدِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ وفي الْحُكْمِ وَلَيْسَ هذا إكْرَاهًا قد كان يَظْهَرُ له بَعْدَ التَّغَيُّبِ وَيُعَدَّى عليه في التَّغَيُّبِ وَيَظُنُّ أَنَّهُ غَابَ عنه ولم يَغِبْ وَلَوْ قال الطَّالِبُ إنْ ظَهَرَ لي فَلَهُ وَضْعُ كَذَا فَظَهَرَ له لم يَكُنْ له وَضْعٌ لِأَنَّهُ عَطِيَّةٌ مُخَاطَرَةٍ وإذا بَاعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ بَيْعًا إلَى الْعَطَاءِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول في ذلك الْبَيْعِ فَاسِدٌ وكان بن أبي لَيْلَى يقول الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالْمَالُ حَالٌّ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمَا في كل مَبِيعٍ إلَى أَجَلٍ لَا يُعْرَفُ فَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ الْمُشْتَرِي فَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَإِنْ حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ رَدَّهُ وَرَدَّ ما نَقَصَهُ الْعَيْبُ وَإِنْ كان قَائِمًا بِعَيْنِهِ فقال الْمُشْتَرِي لَا أُرِيدُ الْأَجَلَ وأنا أَنْقُدُ لَك الْمَالَ جَازَ ذلك له في هذا كُلِّهِ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَبِهِ يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا بَاعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ بَيْعًا إلَى الْعَطَاءِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ من قِبَلِ أَنَّ اللَّهَ عز وجل أَذِنَ بِالدَّيْنِ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَالْمُسَمَّى الْمُوَقَّتُ بِالْأَهِلَّةِ التي سَمَّى اللَّهُ عز وجل فإنه يقول { يَسْأَلُونَك عن الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ } وَالْأَهِلَّةُ مَعْرُوفَةٌ الْمَوَاقِيتُ وما كان في مَعْنَاهَا من الْأَيَّامِ الْمَعْلُومَاتِ فإنه يقول في { أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ } وَالسِّنِينَ فإنه يقول { حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } وَكُلُّ هذا الذي لَا يَتَقَدَّمُ وَلَا يَتَأَخَّرُ وَالْعَطَاءُ لم يَكُنْ قَطُّ فِيمَا عَلِمْت وَلَا نَرَى أَنْ يَكُونَ أَبَدًا إلَّا يَتَقَدَّمُ وَيَتَأَخَّرُ وَلَوْ اجْتَهَدَ الْإِمَامُ غَايَةَ جَهْدِهِ لَدَخَلَهُ التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عبد الْكَرِيمِ عن عِكْرِمَةَ عن بن عَبَّاسٍ قال لَا تُبَايِعُوا إلَى الْعَطَاءِ وَلَا إلَى الْأَنْدَرِ وَلَا إلَى الْعَصِيرِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا كُلُّهُ كما قال لِأَنَّ هذا يَتَقَدَّمُ وَيَتَأَخَّرُ وَكُلُّ بَيْعٍ إلَى أَجَلٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ فَالْبَيْعُ فيه فَاسِدٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ هَلَكَتْ السِّلْعَةُ التي اُبْتِيعَتْ إلَى أَجَلٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ في يَدَيْ الْمُشْتَرِي رَدَّ الْقِيمَةَ وَإِنْ نَقَصَتْ في يَدَيْهِ بِعَيْبٍ رَدَّهَا وما نَقَصَهَا الْعَيْبُ فَإِنْ قال الْمُشْتَرِي أنا أَرْضَى السِّلْعَةَ بِثَمَنٍ حَالٍّ وَأَبْطَلَ الشَّرْطَ بِالْأَجَلِ لم يَكُنْ ذلك له إذَا انْعَقَدَ الْبَيْعُ فَاسِدًا لم يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُصْلِحَهُ دُونَ الْآخَرِ وَيُقَالُ لِمَنْ قال قَوْلَ أبي حَنِيفَةَ أَرَأَيْت إذَا زَعَمْت أَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ فَمَتَى صَلَحَ فَإِنْ قال صَلَحَ بِإِبْطَالِ هذا شَرْطَهُ قِيلَ له فَلِهَذَا أَنْ يَكُونَ بَائِعًا مُشْتَرٍ أو إنَّمَا هذا مُشْتَرٍ وَرَبُّ السِّلْعَةِ بَائِعٌ فَإِنْ قال بَلْ رَبُّ السِّلْعَةِ بَائِعٌ قِيلَ له فَهَلْ أَحْدَثَ رَبُّ السِّلْعَةِ بَيْعًا غير الْبَيْعِ الْأَوَّلِ فَإِنْ قال لَا قِيلَ فَقَوْلُك مُتَنَاقِضٌ تَزْعُمُ أَنَّ بَيْعًا فَاسِدًا حُكْمُهُ كما لم يَصِرْ فيه بَيْعٌ يَصِيرُ بَيْعًا من غَيْرِ أَنْ يَبِيعَهُ مَالِكُهُ
____________________

(7/102)


- * بَابُ بَيْعِ الثِّمَارِ قبل أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ ثَمَرًا قبل أَنْ يَبْلُغَ من أَصْنَافِ الْغَلَّةِ كُلِّهَا فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال إذَا لم يَشْتَرِطْ تَرْكَ ذلك الثَّمَرِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ فإن الْبَيْعَ جَائِزٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو اشْتَرَى قَصِيلًا يَقْصِلُهُ على دَوَابِّهِ قبل أَنْ يَبْلُغَ كان ذلك جَائِزًا قال وَلَوْ اشْتَرَى شيئا من الطَّلْعِ حين يَخْرُجُ فَقَطَعَهُ كان جَائِزًا وإذا اشْتَرَاهُ ولم يَشْتَرِطْ تَرْكَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْطَعَهُ فإذا اسْتَأْذَنَ صَاحِبَهُ في تَرْكِهِ فَأَذِنَ له في ذلك فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا خَيْرَ في بَيْعِ شَيْءٍ من ذلك حتى يَبْلُغَ وَلَا بَأْسَ إذَا اشْتَرَى شيئا من ذلك قد بَلَغَ أَنْ يَشْتَرِطَ على الْبَائِعِ تَرْكَهُ إلَى أَجَلٍ وكان أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه يقول لَا خَيْرَ في هذا الشَّرْطِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ أَصْنَافًا من الثِّمَارِ قبل أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن بَيْعِ الثِّمَارِ حتى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا وَلَوْ اشْتَرَاهُ ولم يُسَمِّ قَطْعَهُ وَلَا تَرْكَهُ قبل أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ كان الْبَيْعُ فيه فَاسِدًا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَشْتَرِي ثُمَّ يَتْرُكُ إلَى أَنْ يَبْلُغَ إبَّانَهُ وَلَا يَحِلُّ بَيْعُهُ مُنْفَرِدًا حتى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ منه شيئا يَرَاهُ بِعَيْنِهِ على أَنْ يَقْطَعَ مَكَانَهُ فَلَا يَكُونُ بِهِ بَأْسٌ كما لَا يَكُونُ بِهِ بَأْسٌ إذَا كان مَوْضُوعًا بِالْأَرْضِ فَلَيْسَ هذا من الْمَعْنَى الذي نهى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عنه إنَّمَا نهى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عن الثَّمَرَةِ أَنْ تُبَاعَ حتى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا وقال أَرَأَيْت إنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَأْخُذُ أحدكم مَالَ أَخِيهِ وقد نهى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عن بَيْعِ الثَّمَرَةِ حتى تَنْجُوَ من الْعَاهَةِ وَإِنَّمَا يَمْنَعُ من الثَّمَرَةِ ما يَتْرُكُ إلَى مُدَّةٍ يَكُونُ الْمَنْعُ دُونَهَا وَكَذَلِكَ إنَّمَا تأتى الْعَاهَةُ على ما يُتْرَكُ إلَى مُدَّةٍ تَكُونُ الْعَاهَةُ دُونَهَا فَأَمَّا ما يُقْطَعُ مَكَانَهُ فَهُوَ كَالْمَوْضُوعِ بِالْأَرْضِ وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ أَرْضًا فيها نَخْلٌ فيها حَمْلٌ فلم يذكر النَّخْلَ وَلَا الْحَمْلَ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تعالي عنه كان يقول النَّخْلُ لِلْمُشْتَرِي تَبَعًا لِلْأَرْضِ وَالثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُشْتَرِي بَلَغَنَا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال من اشْتَرَى نَخْلًا مُؤَبَّرًا فَثَمَرَتُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَسْتَثْنِيَهُ الْمُشْتَرِي وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول الثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ أَرْضًا فيها نَخْلٌ وفي النَّخْلِ ثَمَرَةٌ فَالثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ إذَا كان قد أَبَّرَ وَإِنْ لم يُؤَبِّرْ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي وَالْأَرْضُ بِالنَّخْلِ لِلْمُشْتَرِي ( قال ) وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ مِائَةَ ذِرَاعٍ مُكَسَّرَةً من دَارٍ غَيْرِ مَقْسُومَةٍ أو عَشْرَةَ أجربة ( ( ( أجرية ) ) ) من أَرْضٍ غَيْرِ مَقْسُومَةٍ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تعالي عنه كان يقول في ذلك كُلِّهِ الْبَيْعُ بَاطِلٌ وَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ ما اشْتَرَى كَمْ هو من الدَّارِ وَكَمْ هو من الْأَرْضِ وَأَيْنَ مَوْضِعُهُ من الدَّارِ وَالْأَرْضِ وكان بن أبي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يقول هو جَائِزٌ في الْبَيْعِ وَبِهِ يَأْخُذُ وَإِنْ كانت الدَّارُ لَا تَكُونُ مِائَةَ ذِرَاعٍ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَدَّهَا وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ بِمَا نَقَصَتْ الدَّارُ على الْبَائِعِ في قَوْلِ بن أبي لَيْلَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ من الدَّارِ ثُلُثًا أو رُبُعًا أو عَشْرَةَ أَسْهُمٍ من مِائَةِ سَهْمٍ من جَمِيعِهَا فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وهو شَرِيكٌ فيها بِقَدْرِ ما اشْتَرَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا لو اشْتَرَى نِصْفَ عَبْدٍ أو نِصْفَ ثَوْبٍ أو نِصْفَ خَشَبَةٍ وَلَوْ اشْتَرَى مِائَةَ ذِرَاعٍ من دَارٍ مَحْدُودَةٍ ولم يُسَمِّ أَذْرُعَ الدَّارِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ من قِبَلِ أَنَّ الْمِائَةَ قد تَكُونُ نِصْفًا أو ثُلُثًا أو رُبُعًا أو أَقَلَّ فَيَكُونُ قد اشْتَرَى شيئا غير مَحْدُودٍ وَلَا مَحْسُوبٍ مَعْرُوفٍ كَمْ قَدْرُهُ من الدَّارِ فَنُجِيزُهُ وَلَوْ سَمَّى ذَرْعَ جَمِيعِ الدَّارِ ثُمَّ اشْتَرَى منها مِائَةَ ذِرَاعٍ كان جَائِزًا من قِبَلِ أَنَّ هذا منها سَهْمٌ مَعْلُومٌ من جَمِيعِهَا وَهَذَا مِثْلُ شِرَائِهِ سَهْمًا من أَسْهُمٍ منها وَلَوْ قال أشترى مِنْك مِائَةَ ذِرَاعٍ آخُذُهَا من أَيِّ الدَّارِ شِئْت كان الْبَيْعُ فَاسِدًا وَإِنْ كانت الْآجَامُ مَحْظُورَةً وقد حُظِرَ فيها سَمَكٌ فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول لَا يَجُوزُ ذلك بَلَغَنَا عن بن مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّهُ قال لَا تَشْتَرُوا السَّمَكَ في الْمَاءِ فإنه
____________________

(7/103)


غَرَرٌ وَكَذَلِكَ بَلَغَنَا عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول في هذا شِرَاؤُهُ جَائِزٌ لَا بَأْسَ بِهِ وَكَذَلِكَ بَلَغَنَا عن عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان السَّمَكُ في بِئْرٍ ( 1 ) أو مَاجِلٍ أو أَجَمَةٍ مَحْظُورَةٍ وكان الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي يَرَيَانِهِ فَبَاعَهُ مَالِكُهُ أو شيئا منه يَرَاهُ بِعَيْنِهِ وهو لَا يُؤْخَذُ حتى يُصَادَ فَالْبَيْعُ فيه بَاطِلٌ من قِبَلِ أَنَّهُ ليس بِبَيْعِ صِفَةٍ مَضْمُونَةٍ وَلَا بَيْعِ عَيْنٍ مَقْدُورٍ عليها حين تُبَاعُ فَيُدْفَعُ وقد يُمْكِنُ أَنْ يَمُوتَ فَيَنْتُنَ قبل أَنْ يُقْبَضَ فَيَكُونُ على مُشْتَرِيهِ في مَوْتِهِ الْمُخَاطَرَةُ في قَبْضِهِ وَلَكِنَّهُ لو كان في عَيْنِ مَاءٍ لَا يَمْتَنِعُ فيه وَيُؤْخَذُ بِالْيَدِ مَكَانَهُ جَازَ بَيْعُهُ كما يَجُوزُ إذَا أُخْرِجَ فَوُضِعَ على الْأَرْضِ وإذا حُبِسَ الرَّجُلُ في الدَّيْنِ وَفَلَّسَهُ الْقَاضِي فَبَاعَ في السِّجْنِ وَاشْتَرَى وَأَعْتَقَ أو تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ أو وَهَبَ هِبَةً فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول هذا كُلُّهُ جَائِزٌ وَلَا يُبَاعُ شَيْءٌ من مَالِهِ في الدَّيْنِ وَلَيْسَ بَعْدَ التَّفْلِيسِ شَيْءٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ قد يُفْلِسُ الْيَوْمَ وَيُصِيبُ غَدًا مَالًا وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا شِرَاؤُهُ وَلَا عِتْقُهُ وَلَا هِبَتُهُ وَلَا صَدَقَتُهُ بَعْدَ التَّفْلِيسِ فَيَبِيعُ مَالَهُ وَيَقْضِيهِ الْغُرَمَاءَ وقال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِثْلَ قَوْلِ بن أبي لَيْلَى ما خَلَا الْعَتَاقَةَ في الْحَجْرِ وَلَيْسَ من قَبِيلِ التَّفْلِيسِ وَلَا نُجِيزُ شيئا سِوَى الْعَتَاقَةَ من ذلك أَبَدًا حتى يقضى دَيْنَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَجُوزُ بَيْعُ الرَّجُلِ وَجَمِيعُ ما أَحْدَثَ في مَالِهِ كان ذَا دَيْنٍ أو غير ذِي دَيْنٍ وَذَا وَفَاءٍ أو غير ذِي وَفَاءٍ حتى يُسْتَعْدَى عليه في الدَّيْنِ فإذا اسْتَعْدَى عليه فَثَبَتَ عليه شَيْءٌ أو أَقَرَّ منه بِشَيْءٍ انْبَغَى لِلْقَاضِي أَنْ يَحْجُرَ عليه مَكَانَهُ وَيَقُولَ قد حَجَرْت عليه حتى أقضى دَيْنَهُ وَفَلَّسْته ثُمَّ يحصى مَالَهُ وَيَأْمُرَهُ بِأَنْ يَجْتَهِدَ في التَّسَوُّمِ وَيَأْمُرَ من يَتَسَوَّمَ بِهِ ثُمَّ يُنْفِذُ الْقَاضِي فيه الْبَيْعَ بِأَغْلَى ما يَقْدِرُ عليه فيقضى دَيْنَهُ فإذا لم يَبْقَ عليه دَيْنٌ أَحْضَرَهُ فَأَطْلَقَ الْحَجْرَ عنه وَعَادَ إلَى أَنْ يَجُوزَ له في مَالِهِ كُلُّ ما صَنَعَ إلَى أَنْ يُسْتَعْدَى عليه في دَيْنِ غَيْرِهِ وما اسْتَهْلَكَ من مَالِهِ في الْحَالَةِ التي حَجَرَ فيها عليه بِبَيْعٍ أو هِبَةٍ أو صَدَقَةٍ أو غَيْرِ ذلك فَهُوَ مَرْدُودٌ وإذا أَعْطَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ مَتَاعًا يَبِيعُهُ ولم يُسَمِّ بِالنَّقْدِ وَلَا بِالنَّسِيئَةِ فَبَاعَهُ بِالنَّسِيئَةِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي كان يقول هو جَائِزٌ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالْمَأْمُورُ ضَامِنٌ لِقِيمَةِ الْمَتَاعِ حتى يَدْفَعَهُ لِرَبِّ الْمَتَاعِ فإذا خَرَجَ الثَّمَنُ من عِنْدِ الْمُشْتَرِي وَفِيهِ فَضْلٌ عن الْقِيمَةِ فإنه يَرُدُّ ذلك الْفَضْلَ على رَبِّ الْمَتَاعِ وَإِنْ كان أَقَلَّ من الْقِيمَةِ لم يَضْمَنْ غير الْقِيمَةِ الْمَاضِيَةِ ولم يَرْجِعْ الْبَائِعُ على رَبِّ الْمَتَاعِ بِشَيْءٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ سِلْعَةً فقال بِعْهَا ولم يَقُلْ بِنَقْدٍ وَلَا بِنَسِيئَةٍ وَلَا بِمَا رَأَيْت من نَقْدٍ أو نَسِيئَةٍ فَالْبَيْعُ على النَّقْدِ فَإِنْ بَاعَهَا بِنَسِيئَةٍ كان له نَقْضُ الْبَيْعِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ ما وَكَّلَ أَنْ يَبِيعَ إلَّا بِنَقْدٍ فَإِنْ فَاتَتْ فَالْبَائِعُ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهَا فَإِنْ شَاءَ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُشْتَرِي ضَمَّنَهُ فَإِنْ ضَمَّنَ الْبَائِعَ لم يَرْجِعْ الْبَائِعُ على الْمُشْتَرِي وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ رَجَعَ الْمُشْتَرِي على الْبَائِعِ بِالْفَضْلِ مِمَّا أَخَذَ رَبُّ السِّلْعَةِ عَمَّا ابْتَاعَهَا بِهِ لِأَنَّهُ لم يُؤْخَذْ منه إلَّا ما لَزِمَهُ من قِيمَةِ السِّلْعَةِ التي أَتْلَفَهَا إذَا كان الْبَيْعُ فيها لم يَتِمَّ ( قال ) وإذا اخْتَلَفَ الْبَيِّعَانِ فقال الْبَائِعُ بِعْتُك وأنا بِالْخِيَارِ وقال الْمُشْتَرِي بِعْتنِي ولم يَكُنْ لَك خِيَارٌ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مع يَمِينِهِ وكان بن أبي لَيْلَى يقول الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي وَبِهِ يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ عَبْدًا وَتَفَرَّقَا بَعْدَ الْبَيْعِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فقال الْبَائِعُ بِعْتُك على أَنِّي بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا وقال الْمُشْتَرِي بِعْتنِي ولم تَشْتَرِطْ خِيَارًا تَحَالَفَا وكان الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ في فَسْخِ الْبَيْعِ أو يَكُونُ لِلْبَائِعِ الْخِيَارُ وَهَذَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ كَاخْتِلَافِهِمَا في الثَّمَنِ نَحْنُ نَنْقُضُ الْبَيْعَ بِاخْتِلَافِهِمَا في الثَّمَنِ وَنَنْقُضُهُ بِادِّعَاءِ هذا أَنْ يَكُونَ له الْخِيَارُ وَأَنَّهُ لم يُقِرَّ بِالْبَيْعِ إلَّا بِخِيَارٍ وَكَذَلِكَ لو ادَّعَى الْمُشْتَرِي الْخِيَارَ كان الْقَوْلُ
____________________

(7/104)


فيه هَكَذَا ( قال ) وإذا بَاعَ الرَّجُلُ جَارِيَةً بِجَارِيَةٍ وَقَبَضَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُمَّ وَجَدَ أَحَدُهُمَا بِالْجَارِيَةِ التي قَبَضَ عَيْبًا فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول يَرُدُّهَا وَيَأْخُذُ جَارِيَتَهُ لِأَنَّ الْبَيْعَ قد انْتَقَضَ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول يَرُدُّهَا وَيَأْخُذُ قِيمَتَهَا صَحِيحَةً وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمَا في جَمِيعِ الرَّقِيقِ وَالْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا بَايَعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ جَارِيَةً بِجَارِيَةٍ وَتَقَابَضَا ثُمَّ وَجَدَ أَحَدُهُمَا بِالْجَارِيَةِ التي قَبَضَ عَيْبًا رَدَّهَا وَأَخَذَ الْجَارِيَةَ التي بَاعَ بها وَانْتَقَضَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا وَهَكَذَا جَمِيعُ الْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ وَهَكَذَا إنْ كانت مع إحْدَاهُمَا دَرَاهِمُ أو عَرَضٌ من الْعُرُوضِ وَإِنْ مَاتَتْ الْجَارِيَةُ في يَدِي أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ فَوَجَدَ الْآخَرُ عَيْبًا بِالْجَارِيَةِ الْحَيَّةِ رَدَّهَا وَأَخَذَ قِيمَةَ الْجَارِيَةِ الْمَيِّتَةِ لِأَنَّهَا هِيَ الثَّمَنُ الذي دَفَعَ كما يَرُدُّهَا وَيَأْخُذُ الثَّمَنَ الذي دَفَعَ وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ بَيْعًا لِغَيْرِهِ بِأَمْرِهِ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول يُخَاصِمُ الْمُشْتَرِي وَلَا نُبَالِي أَحَضَرَ الْآمِرُ أَمْ لَا وَلَا نُكَلِّفُ الْمُشْتَرِيَ أَنْ يُحْضِرَ الْآمِرَ وَلَا نَرَى على الْمُشْتَرِي يَمِينًا إنْ قال الْبَائِعُ الْآمِرُ قد رضى بِالْعَيْبِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا يَسْتَطِيعُ الْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ السِّلْعَةَ التي بها الْعَيْبُ حتى يَحْضُرَ الْآمِرُ فَيَحْلِفَ ما رضي بِالْعَيْبِ وَلَوْ كان غَائِبًا بِغَيْرِ ذلك الْبَلَدِ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ معه مَالُ مُضَارَبَةٍ أتى بِلَادًا يَتَّجِرُ فيها بِذَلِكَ الْمَالِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول ما اشْتَرَى من ذلك فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَلَا يَسْتَحْلِفَ على رِضَا الْآمِرِ بِالْعَيْبِ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا يَسْتَطِيعُ الْمُشْتَرِي الْمُضَارِبُ أَنْ يَرُدَّ شيئا من ذلك حتى يَحْضُرَ رَبُّ الْمَالِ فَيَحْلِفَ بِاَللَّهِ ما رضى بِالْعَيْبِ وَإِنْ لم يَرَ الْمَتَاعَ وَإِنْ كان غَائِبًا أَرَأَيْت رَجُلًا أَمَرَ رَجُلًا فَبَاعَ له مَتَاعًا أو سِلْعَةً فَوَجَدَ الْمُشْتَرِي بِهِ عَيْبًا أَيُخَاصِمُ الْبَائِعَ في ذلك أو نُكَلِّفُهُ أَنْ يُحْضِرَ الْآمِرُ رَبَّ الْمَتَاعِ أَلَا تَرَى أَنَّ خَصْمَهُ في هذا الْبَائِعُ وَلَا نُكَلِّفُهُ أَنْ يُحْضِرَ الْآمِرَ وَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَكَذَلِكَ إذَا أَمَرَهُ فَاشْتَرَى له فَهُوَ مِثْلُ أَمْرِهِ بِالْبَيْعِ أَرَأَيْت لو اشْتَرَى مَتَاعًا ولم يَرَهُ أَكَانَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إذَا رَآهُ أَمْ لَا يَكُونُ له خِيَارٌ حتى يَحْضُرَ الْآمِرُ أَرَأَيْت لو اشْتَرَى عَبْدًا فَوَجَدَهُ أَعْمَى قبل أَنْ يَقْبِضَهُ فقال لَا حَاجَةَ لي فيه أَمَا كان له أَنْ يَرُدَّهُ بهذا حتى يُحْضِرَ الأمر بَلَى له أَنْ يَرُدَّهُ وَلَا يُحْضِرَ الْآمِرَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ تعالي عنه وإذا وَكَّلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ أَنْ يَشْتَرِيَ سِلْعَةً بِعَيْنِهَا أو مَوْصُوفَةً أو دَفَعَ إلَيْهِ مَالًا قِرَاضًا فَاشْتَرَى بِهِ تِجَارَةً فَوَجَدَ بها عَيْبًا كان له أَنْ يَرُدَّ ذلك دُونَ رَبِّ الْمَالِ لِأَنَّهُ الْمُشْتَرِي وَلَيْسَ عليه أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ ما رضى رَبُّ الْمَالِ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْمَالِكِ فِيمَا اشْتَرَى لِرَبِّ الْمَالِ أَلَا تَرَى أَنَّ رَبَّ الْمَالِ لو قال لَا أَرْضَى بِمَا اشْتَرَى لم يَكُنْ له خِيَارٌ فِيمَا ابْتَاعَ وَلَزِمَهُ الْبَيْعُ وَلَوْ اشْتَرَى شيئا فَحَابَى فيه لم يُنْتَقَضْ الْبَيْعُ وَكَانَتْ التَّبَاعَةُ لِرَبِّ الْمَالِ على الْوَكِيلِ لَا على الْمُشْتَرِي منه وَكَذَلِكَ تَكُونُ التَّبَاعَةُ لِلْمُشْتَرِي على الْبَائِعِ دُونَ رَبِّ الْمَالِ فَإِنْ ادَّعَى الْبَائِعُ على الْمُشْتَرِي رِضَا رَبِّ الْمَالِ حَلَفَ على عِلْمِهِ لَا على الْبَتِّ وإذا بَاعَ الرَّجُلُ ثَوْبًا مُرَابَحَةً على شَيْءٍ مُسَمًّى فَبَاعَ الْمُشْتَرِي الثَّوْبَ ثُمَّ وَجَدَ الْبَائِعَ قد خَانَهُ في الْمُرَابَحَةِ وزاد عليه في الْمُرَابَحَةِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول الْبَيْعُ جَائِزٌ لِأَنَّهُ قد بَاعَ الثَّوْبَ وَلَوْ كان عِنْدَهُ الثَّوْبُ كان له أَنْ يَرُدَّهُ وَيَأْخُذَ ما نَقَدَ إنْ شَاءَ وَلَا يَحُطَّهُ شيئا وكان بن أبي لَيْلَى يقول تُحَطُّ عنه تِلْكَ الْخِيَانَةُ وَحِصَّتُهَا من الرِّبْحِ وَبِهِ يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وإذا ابْتَاعَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ ثَوْبًا مُرَابَحَةً فَبَاعَهُ ثُمَّ وَجَدَ الْبَائِعَ الْأَوَّلَ الذي بَاعَهُ مُرَابَحَةً قد خَانَهُ في الثَّمَنِ فَقَدْ قِيلَ تُحَطُّ عنه الْخِيَانَةُ بِحِصَّتِهَا من الرِّبْحِ وَيَرْجِعُ عليه بِهِ وَلَوْ كان الثَّوْبُ قَائِمًا لم يَكُنْ له أَنْ يَرُدَّهُ وَإِنَّمَا مَنَعْنَا من إفْسَادِ الْبَيْعِ وَأَنْ يَرُدَّهُ إذَا كان قَائِمًا وَيَجْعَلَهُ بِالْقِيمَةِ إذَا كان فَائِتًا أَنَّ الْبَيْعَ لم يَنْعَقِدْ على مُحَرَّمٍ عَلَيْهِمَا مَعًا وَإِنَّمَا انْعَقَدَ على مُحَرَّمٍ على الْخَائِنِ مِنْهُمَا فَإِنْ
____________________

(7/105)


قال قَائِلٌ ما يُشْبِهُ هذا مِمَّا يَجُوزُ فيه الْبَيْعُ بِحَالٍ وَالْبَائِعُ فيه غَارٌّ قِيلَ يُدَلِّسُ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ الْعَيْبَ فَيَكُونُ التَّدْلِيسُ مُحَرَّمًا عليه وما أَخَذَ من ثَمَنِهِ مُحَرَّمًا كما كان ما أَخَذَ من الْخِيَانَةِ مُحَرَّمًا وَلَا يَكُونُ الْبَيْعُ فَاسِدًا فيه وَلَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ الْخِيَارُ في رَدِّهِ وَقِيلَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ في أَخْذِهِ بِالثَّمَنِ الذي سَمَّى له أو فَسْخُ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ لم يَنْعَقِدْ إلَّا بِثَمَنٍ مُسَمًّى فإذا وَجَدَ غَيْرَهُ فلم يَرْضَ بِهِ الْمُشْتَرِي فَسَدَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ يَرُدُّ إلَى ثَمَنٍ مَجْهُولٍ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لم يَرْضَ بِهِ الْبَائِعُ وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ سِلْعَةً فَظَهَرَ فيها عَيْبٌ قبل أَنْ يَنْقُدَ الثَّمَنَ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول له أَنْ يَرُدَّهَا إنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ على الْعَيْبِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يقول لَا أَقْبَلُ شُهُودًا على الْعَيْبِ حتى يَنْقُدَ الثَّمَنَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ السِّلْعَةَ وَقَبَضَهَا وَنَقَدَ ثَمَنَهَا أو لم يَنْقُدْهُ حتى ظَهَرَ منها على عَيْبٍ يُقِرُّ بِهِ الْبَائِعُ أو يَرَى أو يَشْهَدُ عليه فَلَهُ الرَّدُّ قبل النَّقْدِ كما له الرَّدُّ بَعْدَ النَّقْدِ وإذا بَاعَ الرَّجُلُ على ابْنِهِ وهو كَبِيرٌ دَارًا أو مَتَاعًا من غَيْرِ حَاجَةٍ وَلَا عُذْرٍ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي كان يقول لَا يَجُوزُ ذلك على ابْنِهِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول بَيْعُهُ عليه جَائِزٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان الرَّجُلُ يلى مال ( ( ( ماله ) ) ) نَفْسَهُ فَبَاعَ أَبُوهُ عليه شيئا من مَالِهِ بِأَكْثَرَ مِمَّا يَسْوَى أَضْعَافًا أو بِغَيْرِ ما يَسْوَى في غَيْرِ حَاجَةٍ أو حَاجَةٍ نَزَلَتْ بِأَبِيهِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وهو كَالْأَجْنَبِيِّ في الْبَيْعِ عليه وَلَا حَقَّ له في مَالِهِ إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ فَيُنْفِقَ عليه بِالْمَعْرُوفِ وَكَذَلِكَ ما اسْتَهْلَكَ من مَالِهِ وإذا بَاعَ الرَّجُلُ مَتَاعًا لِرَجُلٍ وَالرَّجُلُ حَاضِرٌ سَاكِتٌ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول لَا يَجُوزُ ذلك عليه وَلَيْسَ سُكُوتُهُ إقْرَارًا بِالْبَيْعِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول سُكُوتُهُ إقْرَارٌ بِالْبَيْعِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا بَاعَ الرَّجُلُ ثَوْبًا لِرَجُلٍ أو خَادِمًا وَالرَّجُلُ الْمَبِيعُ ثَوْبُهُ أو خَادِمُهُ حَاضِرُ الْبَيْعِ لم يُوَكِّلْ الْبَائِعَ ولم يَنْهَهُ عن الْبَيْعِ ولم يُسَلِّمْهُ فَلَهُ رَدُّ الْبَيْعِ وَلَا يَكُونُ صَمْتُهُ رِضًا بِالْبَيْعِ إنَّمَا يَكُونُ الصَّمْتُ رِضَا الْبِكْرِ وَأَمَّا الرَّجُلُ فَلَا ( قال ) وإذا بَاعَ الرَّجُلُ نَصِيبًا من دَارِهِ ولم يُسَمِّ ثُلُثًا أو رُبُعًا أو نحو ذلك أو كَذَا وَكَذَا سَهْمًا فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ على هذا الْوَجْهِ وقال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى له الْخِيَارُ إذَا عَلِمَ إنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وكان بن أبي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يقول إذَا كانت الدَّارُ بين اثْنَيْنِ أو ثَلَاثَةٍ أَجَزْت بَيْعَ النَّصِيبِ وَإِنْ لم يُسَمِّ وَإِنْ كانت أَسْهُمًا كَثِيرَةً لم يَجُزْ حتى يسمى ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت الدَّارُ بين ثَلَاثَةٍ فقال أَحَدُهُمْ لِرَجُلٍ بِعْتُك نَصِيبًا من هذه الدَّارِ ولم يَقُلْ نَصِيبِي فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ من قِبَلِ أَنَّ النَّصِيبَ منها قد يَكُونُ سَهْمًا من أَلْفِ سَهْمٍ وَأَقَلَّ وَيَكُونُ أَكْثَرَ الدَّارِ فَلَا يَجُوزُ حتى يَكُونَ مَعْلُومًا عِنْدَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَلَوْ قال بِعْتُك نَصِيبِي لم يَجُزْ حتى يَتَصَادَقَا بِأَنَّهُمَا قد عَرَفَا نَصِيبَهُ قبل عَقْدِ الْبَيْعِ وإذا خَتَمَ الرَّجُلُ على شِرَاءٍ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول ليس ذلك بِتَسْلِيمٍ لِلْبَيْعِ حتى يَقُولَ سَلَّمْت وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يقول ذلك تَسْلِيمٌ لِلْبَيْعِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وإذا أتى الرَّجُلُ بِكِتَابٍ فيه شِرَاءٌ بِاسْمِهِ وَخَتَمَ عليه ولم يَتَكَلَّمْ ولم يُشْهِدْ ولم يَكْتُبْ فَالْخَتْمُ ليس بِإِقْرَارٍ إنَّمَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ بِالْكَلَامِ وإذا بِيعَ الرَّقِيقُ وَالْمَتَاعُ في عَسْكَرِ الْخَوَارِجِ وهو مَتَاعٌ من مَتَاعِ الْمُسْلِمِينَ أو رَقِيقٌ من رَقِيقِهِمْ قد غَلَبُوهُمْ عليه فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول لَا يَجُوزُ وَيُرَدُّ على أَهْلِهِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول هو جَائِزٌ وَإِنْ كان الْمَتَاعُ قَائِمًا بِعَيْنِهِ وَالرَّقِيقُ قَائِمًا بِعَيْنِهِ وَقَتَلَ الْخَوَارِجَ قبل أَنْ يَبِيعُوهُ رُدَّ على أَهْلِهِ في قَوْلِهِمْ جميعا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ظَهَرَ الْخَوَارِجُ على قَوْمٍ فَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ مُسْتَحِلِّينَ فَبَاعُوهَا ثُمَّ ظَهَرَ الْإِمَامُ على من هِيَ في يَدَيْهِ أَخْرَجَهَا من يَدَيْهِ وَفَسَخَ الْبَيْعَ وَرَدَّهُ بِالثَّمَنِ على من اشْتَرَى منه وإذا بَاعَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ الدَّابَّةَ من النَّصْرَانِيِّ فَادَّعَاهَا نَصْرَانِيٌّ آخَرُ وَأَقَامَ عليها بَيِّنَةً من النَّصَارَى فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ من قِبَلِ أَنَّهُ
____________________

(7/106)


يَرْجِعُ بِذَلِكَ على الْمُسْلِمِ وكان بن أبي لَيْلَى يقول شَهَادَتُهُمْ جَائِزَةٌ على النَّصْرَانِيِّ وَلَا يَرْجِعُ على الْمُسْلِمِ بِشَيْءٍ وَبِهِ يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ أَحَدٍ خَالَفَ الْإِسْلَامَ وَلَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ حتى يَجْمَعَ الشَّاهِدَانِ أَنْ يَكُونَا حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ بَالِغَيْنِ عَدْلَيْنِ غير ظَنِينَيْنِ فِيمَا يَشْهَدَانِ فيه بين الْمُشْرِكِينَ وَلَا الْمُسْلِمِينَ وَلَا لِأَحَدٍ وَلَا على أَحَدٍ وإذا بَاعَ الرَّجُلُ بَيْعًا من بَعْضِ وَرَثَتِهِ وهو مَرِيضٌ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ ذلك إذَا مَاتَ من مَرَضِهِ وكان بن أبي لَيْلَى يقول بَيْعُهُ جَائِزٌ بِالْقِيمَةِ وَبِهِ يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا بَاعَ الرَّجُلُ الْمَرِيضُ بَيْعًا من بَعْضِ وَرَثَتِهِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ أو بِمَا يَتَغَابَنُ الناس بِهِ ثُمَّ مَاتَ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَالْبَيْعُ لَا هِبَةَ وَلَا وَصِيَّةَ فَيُرَدُّ وإذا اسْتَهْلَكَ الرَّجُلُ مَالًا لِوَلَدِهِ وَوَلَدُهُ كَبِيرٌ وَالرَّجُلُ غَنِيٌّ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول هو دَيْنٌ على الْأَبِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا يَكُونُ له دَيْنٌ على أبيه وما اسْتَهْلَكَ أَبُوهُ من شَيْءٍ لِابْنِهِ فَلَا ضَمَانَ عليه فيه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اسْتَهْلَكَ الرَّجُلُ لِابْنِهِ مَالًا ما كان من غَيْرِ حَاجَةٍ من الْأَبِ رَجَعَ عليه الِابْنُ كما يَرْجِعُ على الْأَجْنَبِيِّ وَلَوْ أَعْتَقَ له عَبْدًا لم يَجُزْ عِتْقُهُ وَالْعِتْقُ غَيْرُ اسْتِهْلَاكٍ فَلَا يَجُوزُ بِحَالٍ عِتْقُ غَيْرِ الْمَالِكِ وإذا اشْتَرَى رَجُلٌ جَارِيَةً بِعَبْدٍ وزاد مَعَهَا مِائَةَ دِرْهَمٍ ثُمَّ وَجَدَ بِالْعَبْدِ عَيْبًا وقد مَاتَتْ الْجَارِيَةُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول يَرُدُّ الْعَبْدَ وَيَأْخُذُ منه مِائَةَ دِرْهَمٍ وَقِيمَةُ الْجَارِيَةِ صَحِيحَةٌ فَإِنْ كانت الْجَارِيَةُ هِيَ التي وَجَدَ بها الْعَيْبَ وقد مَاتَ الْعَبْدُ رَدَّ الْجَارِيَةَ وَقَسَمَ قِيمَةَ الْعَبْدِ على الْمِائَةِ الدِّرْهَمِ وَعَلَى قِيمَةِ الْجَارِيَةِ فَيَكُونُ له ما أَصَابَ الْمِائَةُ الدِّرْهَمُ وَيَرُدُّ ( 1 ) ما أَصَابَ الْعَبْدَ من قِيمَةِ الْجَارِيَةِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول في هذا إنْ وَجَدَ بِالْعَبْدِ عَيْبًا رَدَّهُ وَأَخَذَ قِيمَتَهُ صَحِيحًا وَكَذَلِكَ الدَّرَاهِمُ التي هِيَ في يَدَيْهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ جَارِيَةً بِعَبْدٍ وزاد مع الْجَارِيَةِ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَتَقَابَضَا ثُمَّ مَاتَتْ الْجَارِيَةُ فَوَجَدَ بِالْعَبْدِ عَيْبًا فَلَهُ رَدُّ الْعَبْدِ وَقَبْضُ الْمِائَةِ الدِّرْهَمِ التي دَفَعَ وَقِيمَةُ الْجَارِيَةِ التي دَفَعَ وَإِنَّمَا جَعَلْنَا قِيمَتَهَا على الْقَابِضِ من قِبَلِ أنها لو كانت قَائِمَةً رَدَدْنَاهَا بِعَيْنِهَا لِأَنَّهَا ثَمَنُ الْعَبْدِ هِيَ وَالْمِائَةُ الدِّرْهَمُ وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ الْعَبْدُ وَوَجَدَ بِالْجَارِيَةِ الْعَيْبَ رَدَّهَا وَالْمِائَةَ الدِّرْهَمَ وَأَخَذَ قِيمَتَهُ لِأَنَّهُ لو كان قَائِمًا لَأَخَذَهُ فإذا فَاتَ فَقِيمَتُهُ تَقُومُ مَقَامَهُ وَكُلُّ من ابْتَاعَ بَيْعًا فَأَصَابَ عَيْبًا رَدَّهُ وَرَجَعَ بِمَا أَعْطَى في ثَمَنِهِ وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ ثَوْبَيْنِ من رَجُلٍ وَقَبَضَهُمَا فَهَلَكَ وَاحِدٌ وَوَجَدَ بِالثَّوْبِ الْآخَرِ عَيْبًا فَأَرَادَ رَدَّهُ فَاخْتَلَفَا في قِيمَةِ الْهَالِكِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يقول الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مع يَمِينِهِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ ثَوْبَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً فَهَلَكَ أَحَدُهُمَا في يَدِهِ وَوَجَدَ بِالْآخَرِ عَيْبًا فَاخْتَلَفَا في ثَمَنِ الثَّوْبِ فقال الْبَائِعُ قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ وقال الْمُشْتَرِي قِيمَتُهُ خَمْسَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ من قِبَلِ أَنَّ الثَّمَنَ كُلَّهُ قد لَزِمَ الْمُشْتَرِي وَالْمُشْتَرِي إنْ أَرَادَ رَدَّ الثَّوْبِ رَدَّهُ بِأَكْثَرِ الثَّمَنِ أو أَرَادَ الرُّجُوعَ بِالْعَيْبِ رَجَعَ بِهِ بِأَكْثَرِ الثَّمَنِ فَلَا نُعْطِيهِ بقوله ( ( ( بقول ) ) ) الزِّيَادَةِ ( قال الرَّبِيعُ ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي من قِبَلِ أَنَّهُ الْمَأْخُوذُ منه الثَّمَنُ وهو أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ أو شَيْئَيْنِ في صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَهَلَكَ أَحَدُهُمَا وَوَجَدَ بِالْآخَرِ عَيْبًا فَلَيْسَ إلَى الرَّدِّ سَبِيلٌ وَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً فَلَيْسَ له أَنْ يَنْقُضَهَا - * بَابُ الْمُضَارَبَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَعْطَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ ثَوْبًا يَبِيعُهُ على أَنَّ ما كان فيه من رِبْحٍ فَبَيْنَهُمَا نِصْفَانِ أو أَعْطَاهُ دَارًا يَبْنِيهَا وَيُؤَاجِرُهَا على أَنَّ أُجْرَتَهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول في
____________________

(7/107)


ذلك كُلِّهِ فَاسِدٌ وَلِلَّذِي بَاعَ أَجْرُ مِثْلِهِ على رَبِّ الثَّوْبِ وَلِبَانِي الدَّارِ أَجْرُ مِثْلِهِ على رَبِّ الدَّارِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول هو جَائِزٌ وَالْأَجْرُ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وكان بن أبي لَيْلَى يَجْعَلُ هذا بِمَنْزِلَةِ الْأَرْضِ لِلْمُزَارَعَةِ وَالنَّخْلِ لِلْمُعَامَلَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ ثَوْبًا أو سِلْعَةً يَبِيعُهَا بِكَذَا فما زَادَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ أو بُقْعَةً يَبْنِيهَا على أَنْ يُكْرِيَهَا وَالْكِرَاءُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَهَذَا فَاسِدٌ فَإِنْ أَدْرَكَ قبل الْبَيْعِ وَالْبِنَاءِ نَقَضَ وَإِنْ لم يُدْرِكْ حتى يَكُونَ الْبَيْعُ وَالْبِنَاءُ كان لِلْبَائِعِ وَالْبَانِي أَجْرُ مِثْلِهِ وكان ثَمَنُ الثَّوْبِ كُلِّهِ لِرَبِّ الثَّوْبِ وَالدَّارُ لِرَبِّ الدَّارِ وإذا كان مع الرَّجُلِ مَالُ مُضَارَبَةٍ فَأَدَانَهُ ولم يَأْمُرْهُ بِذَلِكَ رَبُّ الْمَالِ ولم يَنْهَهُ يعنى بِقَوْلِهِ فَأَدَانَهُ الْمُشْتَرِي بِهِ وَبَاعَ بِنَسِيئَةٍ ولم يُقْرِضْهُ وَلَوْ أَقْرَضَهُ ضَمِنَ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول لَا ضَمَانَ على الْمُضَارِبِ وما أَدَانَ من ذلك فَهُوَ جَائِزٌ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول الْمُضَارِبُ ضَامِنٌ إلَّا أَنْ يأتى بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ أَذِنَ له في النَّسِيئَةِ وَلَوْ أَقْرَضَهُ قَرْضًا ضَمِنَ في قَوْلِهِمَا جميعا لِأَنَّ الْقَرْضَ ليس من الْمُضَارَبَةِ أبو حَنِيفَةَ عن حُمَيْدِ بن عبد اللَّهِ بن عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ عن أبيه عن جَدِّهِ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَعْطَى مَالَ يَتِيمٍ مُضَارَبَةً فَكَانَ يَعْمَلُ بِهِ في الْعِرَاقِ وَلَا يَدْرِي كَيْفَ قَاطَعَهُ على الرِّبْحِ أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي عن عبد اللَّهِ بن عَلِيٍّ عن الْعَلَاءِ بن عبد الرحمن بن يَعْقُوبَ عن أبيه أَنَّ عُثْمَانَ بن عَفَّانَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَعْطَى مَالًا مُقَارَضَةً يعنى مُضَارَبَةً أبو حَنِيفَةَ عن حَمَّادٍ عن إبْرَاهِيمَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَعْطَى زَيْدَ بن خُلَيْدَةَ مَالًا مُقَارَضَةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ مَالًا مُضَارَبَةً ولم يَأْمُرْهُ ولم يَنْهَهُ عن الدَّيْنِ فَأَدَانَ في بَيْعٍ أو شِرَاءٍ أو سَلَفٍ فَسَوَاءٌ ذلك كُلُّهُ هو ضَامِنٌ إلَّا أَنْ يُقِرَّ له رَبُّ الْمَالِ أو تَقُومَ عليه بَيِّنَةٌ أَنَّهُ أَذِنَ له في ذلك - * بَابُ السَّلَمِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان لِرَجُلٍ على رَجُلٍ طَعَامٌ أَسْلَمَ إلَيْهِ فيه فَأَخَذَ بَعْضَ طَعَامِهِ وَبَعْضَ رَأْسِ مَالِهِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تعالي عنه كان يقول هو جَائِزٌ بَلَغَنَا عن عبد اللَّهِ بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما أَنَّهُ قال ذلك الْمَعْرُوفُ الْحَسَنُ الْجَمِيلُ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول إذَا أَخَذَ بَعْضَ رَأْسِ مَالِهِ فَقَدْ فَسَدَ السَّلَمُ وَيَأْخُذُ رَأْسَ مَالِهِ كُلِّهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَسْلَفَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مِائَةَ دِينَارٍ في مَكِيلَةِ طَعَامٍ مَوْصُوفٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ فَحَلَّ الْأَجَلُ فَتَرَاضَيَا أَنْ يَتَفَاسَخَا الْبَيْعَ كُلَّهُ كان جَائِزًا وإذا كان هذا جَائِزًا جَازَ أَنْ يَتَفَاسَخَا نِصْفَ الْبَيْعِ وَيُثْبِتَا نِصْفَهُ وقد سُئِلَ عن هذا بن عَبَّاسٍ فلم يَرَ بِهِ بَأْسًا وقال هذا الْمَعْرُوفُ الْحَسَنُ الْجَمِيلُ وَقَوْلُ بن عَبَّاسٍ الْقِيَاسُ وَخَالَفَهُ فيه غَيْرُهُ ( قال ) وإذا أَسْلَمَ الرَّجُلُ في اللَّحْمِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول لَا خَيْرَ فيه لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا بَأْسَ بِهِ ثُمَّ رَجَعَ أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَى قَوْلِ بن أبي لَيْلَى وقال إذَا بَيَّنَ مَوَاضِعَ اللَّحْمِ فقال أَفْخَاذٌ وَجَنُوبٌ وَنَحْوَ هذا فَهُوَ جَائِزٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَسْلَفَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ في لَحْمٍ بِوَزْنٍ وَصِفَةٍ وَمَوْضِعٍ وَمِنْ سِنٍّ مَعْلُومٍ وَسَمَّى ذلك الشَّيْءَ فَالسَّلَفُ جَائِزٌ - * بَابُ الشُّفْعَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا تَزَوَّجَتْ امْرَأَةٌ على شِقْصٍ من دَارٍ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول لَا شُفْعَةَ في ذلك لِأَحَدٍ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ بِالْقِيمَةِ وَتَأْخُذُ الْمَرْأَةُ قِيمَةَ ذلك منه وقال أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كَيْفَ يَكُونُ ذلك وَلَيْسَ هذا شِرَاءً يَكُونُ فيه شُفْعَةٌ إنَّمَا هذا نِكَاحٌ أَرَأَيْت لو طَلَّقَهَا قبل أَنْ يَدْخُلَ بها كَمْ لِلشَّفِيعِ منها وَبِمَ يَأْخُذُ بِالْقِيمَةِ أو بِالْمَهْرِ وَكَذَلِكَ إذَا اخْتَلَعَتْ بِشِقْصٍ من دَارٍ
____________________

(7/108)


في قَوْلِهِمَا جميعا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ بِنَصِيبٍ من دَارٍ غَيْرِ مَقْسُومَةٍ فَأَرَادَ شَرِيكُ الْمُتَزَوِّجِ الشُّفْعَةَ أَخَذَهَا بِقِيمَةِ مَهْرِ مِثْلِهَا وَلَوْ طَلَّقَهَا قبل أَنْ يَدْخُلَ بها كانت الشُّفْعَةُ تَامَّةً وكان لِلزَّوْجِ الرُّجُوعُ بِنِصْفِ ثَمَنِ الشُّفْعَةِ وَكَذَلِكَ لو اخْتَلَعَتْ بِشِقْصٍ من دَارٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِشِقْصٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا مَحْسُوبًا فَيَتَزَوَّجَهَا بِمَا قد عَلِمَتْ من الصَّدَاقِ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا على شِقْصٍ غَيْرِ مَحْسُوبٍ وَلَا مَعْلُومٍ كان لها صَدَاقُ مِثْلِهَا ولم يَكُنْ فيه شُفْعَةٌ لِأَنَّهُ مَهْرٌ مَجْهُولٌ فَيَثْبُتُ النِّكَاحُ وَيَنْفَسِخُ الْمَهْرُ وَيُرَدُّ إلَى رَبِّهِ وَيَكُونُ لها صَدَاقُ مِثْلِهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ دَارًا وَبَنَى فيها بِنَاءً ثُمَّ جاء الشَّفِيعُ يَطْلُبُهَا بِالشُّفْعَةِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول يَأْخُذُ الشَّفِيعُ الدَّارَ وَيَأْخُذُ صَاحِبُ الْبِنَاءِ النَّقْضَ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يَجْعَلُ الدَّارَ والبناء لِلشَّفِيعِ وَيَجْعَلُ عليه قِيمَةَ الْبِنَاءِ وَثَمَنَ الدَّارِ الذي اشْتَرَاهَا بِهِ صَاحِبُ الْبِنَاءِ والا فَلَا شُفْعَةَ له ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ نَصِيبًا من دَارٍ ثُمَّ قَاسَمَ فيه وَبَنَى ثُمَّ طَلَبَهُ الشَّفِيعُ بِالشُّفْعَةِ قِيلَ له إنْ شِئْت فَأَدِّ الثَّمَنَ الذي اشْتَرَاهُ بِهِ وَقِيمَةَ الْبِنَاءِ الْيَوْمَ وَإِنْ شِئْت فَدَعْ الشُّفْعَةَ لَا يَكُونُ له إلَّا هذا لِأَنَّهُ بَنَى غير مُتَعَدٍّ فَلَا يَكُونُ عليه هَدْمُ ما بَنَى وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ أَرْضًا أو دَارًا فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول لِصَاحِبِ الشُّفْعَةِ الشُّفْعَةُ حين عَلِمَ فَإِنْ طَلَبَ الشُّفْعَةَ وَإِلَّا فَلَا شُفْعَةَ له وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول هو بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بَعْدَ عِلْمِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا بِيعَ شِقْصٌ من الدَّارِ وَالشَّفِيعُ حَاضِرٌ عَالِمٌ فَطَلَبَ مَكَانَهُ فَلَهُ الشُّفْعَةُ وَإِنْ أَخَّرَ الطَّلَبَ فذكر عُذْرًا من مَرَضٍ أو امْتِنَاعٍ من وُصُولٍ إلَى السُّلْطَانِ أو حَبْسَ سُلْطَانٍ أو ما أَشْبَهَهُ من الْعُذْرِ كان على شُفْعَتِهِ وَلَا وَقْتَ في ذلك إلَّا أَنْ يُمَكِّنَهُ وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ ما تَرَكَ ذلك رضى بِالتَّسْلِيمِ لِلشُّفْعَةِ وَلَا تَرْكًا لِحَقِّهِ فيه فَإِنْ كان غَائِبًا فَالْقَوْلُ فيه كَهُوَ في مَعْنَى الْحَاضِرِ إذَا أَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ أو التَّوْكِيلُ ولم يَكُنْ له حَابِسٌ فَإِنْ تَرَكَ ذلك انْقَطَعَتْ شُفْعَتُهُ وإذا أَخَذَ الرَّجُلُ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ من الْمُشْتَرِي وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول الْعُهْدَةُ على الْمُشْتَرِي الذي أَخَذَ الْمَالَ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول الْعُهْدَةُ على الْبَائِعِ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ وَقَعَتْ يوم اشْتَرَى الْمُشْتَرِي لِلشَّفِيعِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه فإذا أَخَذَ الرَّجُلُ الشِّقْصَ بِالشُّفْعَةِ من الْمُشْتَرِي فَعُهْدَتُهُ على الْمُشْتَرِي الذي أَخَذَ منه وَعُهْدَةُ الْمُشْتَرِي على بَائِعِهِ إنَّمَا تَكُونُ الْعُهْدَةُ على من قَبَضَ الْمَالَ وَقَبَضَ منه الْمَبِيعَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَائِعَ الْأَوَّلَ ليس بِمَالِكٍ وَلَوْ أَبْرَأَ الْآخِذَ بِالشُّفْعَةِ من الثَّمَنِ لم يَبْرَأْ وَلَوْ كان تَبَرَّأَ إلَى الْمُشْتَرِي منه من عَيْبٍ لم يَعْلَمْ بِهِ الْمُسْتَشْفِعُ فَإِنْ عَلِمَ الْمُسْتَشْفِعُ بَعْدَ أَخْذِهِ بِالشُّفْعَةِ كان له رَدُّهُ وإذا كانت الشُّفْعَةُ لِلْيَتِيمِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول له الشُّفْعَةُ فَإِنْ كان له وَصِيٌّ أَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ وَإِنْ لم يَكُنْ له وَصِيٌّ كان على شُفْعَتِهِ إذَا أَدْرَكَ فَإِنْ لم يَطْلُبْ الْوَصِيُّ الشُّفْعَةَ بَعْدَ عِلْمِهِ فَلَيْسَ لِلْيَتِيمِ شُفْعَةٌ إذَا أَدْرَكَ وَكَذَلِكَ الْغُلَامُ إذَا كان أَبُوهُ حَيًّا وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا شُفْعَةَ لِلصَّغِيرِ وقال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الشُّفْعَةُ لِلشَّرِيكِ الذي لم يُقَاسِمْ وَهِيَ بَعْدَهُ لِلشَّرِيكِ الذي قَاسَمَ وَالطَّرِيقُ وَاحِدَةٌ بَيْنَهُمَا وَهِيَ بَعْدَهُ لِلْجَارِ الْمُلَاصِقِ وإذا اجْتَمَعَ الْجِيرَان وكان الْتِصَاقُهُمْ سَوَاءً فَهُمْ شُرَكَاءُ في الشُّفْعَةِ وكان بن أبي لَيْلَى يقول بِقَوْلِ أبي حَنِيفَةَ حتى كَتَبَ إلَيْهِ أبو الْعَبَّاسِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَأْمُرُهُ أَنْ لَا يَقْضِيَ بِالشُّفْعَةِ إلَّا لِلشَّرِيكِ الذي لم يُقَاسِمْ فَأَخَذَ بِذَلِكَ وكان لَا يقضى إلَّا لِلشَّرِيكِ الذي لم يُقَاسِمْ وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَكَذَلِكَ بَلَغَنَا عن عَلِيٍّ وبن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما ( 1 ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وإذا بِيعَ الشِّقْصُ من الدَّارِ وَلِلْيَتِيمِ فيه شُفْعَةٌ أو الْغُلَامُ في حِجْرِ أبيه فلولى الْيَتِيمِ وَالْأَبِ أَنْ يَأْخُذَا لِلَّذِي يَلِيَانِ بِالشُّفْعَةِ إنْ كانت غِبْطَةً فَإِنْ لم يَفْعَلَا فإذا
____________________

(7/109)


بَلَغَا أَنْ يَلِيَا أَمْوَالَهُمَا كان لَهُمَا الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ فإذا عَلِمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ فَتَرَكَا التَّرْكَ الذي لو أَحْدَثَ الْبَيْعَ في تِلْكَ الْحَالِ فَتَرَكَاهُ انْقَطَعَتْ شُفْعَتُهُمَا فَقَدْ انْقَطَعَتْ شُفْعَتُهُمَا وَلَا شُفْعَةَ إلَّا فِيمَا لم يَقْسِمْ فإذا وَقَعَتْ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ وَكَذَلِكَ لو اقْتَسَمُوا الدَّارَ وَالْأَرْضَ وَتَرَكُوا بَيْنَهُمْ طَرِيقًا أو تَرَكُوا بَيْنَهُمْ مَشْرَبًا لم تَكُنْ شُفْعَةٌ وَلَا نُوجِبُ الشُّفْعَةَ فِيمَا قُسِمَ بِشِرْكٍ في طَرِيقٍ وَلَا مَاءٍ وقد ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ إلَى جُمْلَةِ قَوْلِنَا فَقَالُوا لَا شُفْعَةَ إلَّا فِيمَا بين الْقَوْمِ الشُّرَكَاءِ فإذا بَقِيَتْ بين الْقَوْمِ طَرِيقٌ مَمْلُوكَةٌ لهم أو مَشْرَبٌ مَمْلُوكٌ لهم فَإِنْ كانت الدَّارُ وَالْأَرْضُ مَقْسُومَةً فَفِيهَا شُفْعَةٌ لِأَنَّهُمْ شُرَكَاءُ في شَيْءٍ من الْمِلْكِ وَرَوَوْا حَدِيثًا عن عبد الْمَلِكِ بن أبي سُلَيْمَانَ عن عَطَاءٍ عن جَابِرٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم شَبِيهًا بهذا الْمَعْنَى أَحْسِبُهُ يَحْتَمِلُ شَبِيهًا بهذا الْمَعْنَى وَيَحْتَمِلُ خِلَافَهُ قال الْجَارُ أَحَقُّ بسقيه ( ( ( بسقبه ) ) ) إذَا كانت الطَّرِيقُ وَاحِدَةً وَإِنَّمَا مَنَعَنَا من الْقَوْلِ بهذا أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ وَأَبَا الزُّبَيْرِ سَمِعَا جَابِرًا وَأَنَّ بَعْضَ حِجَازِيِّينَا يَرْوِي عن عَطَاءٍ عن جَابِرٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في الشُّفْعَةِ شيئا ليس فيه هذا وَفِيهِ خِلَافُهُ وكان اثْنَانِ إذَا اجْتَمَعَا على الرِّوَايَةِ عن جَابِرٍ وكان الثَّالِثُ يُوَافِقُهُمَا أَوْلَى بِالتَّثَبُّتِ في الحديث إذَا اخْتَلَفَ عن الثَّالِثِ وكان الْمَعْنَى الذي بِهِ مَنَعْنَا الشُّفْعَةَ فِيمَا قُسِمَ قَائِمًا في هذا الْمَقْسُومِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْخَبَرَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّ الشُّفْعَةَ فِيمَا لم يُقْسَمْ فإذا وَقَعَتْ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ وَلَا يَجِدُ أَحَدٌ قال بهذا الْقَوْلِ مَخْرَجًا من أَنْ يَكُونَ قد جَعَلَ الشُّفْعَةَ فِيمَا وَقَعَتْ فيه الْحُدُودُ فَإِنْ قال فَإِنِّي إنَّمَا جَعَلْتهَا فِيمَا وَقَعَتْ فيه الْحُدُودُ لِأَنَّهُ قد بقى من الْمِلْكِ شَيْءٌ لم تَقَعْ فيه الْحُدُودُ قِيلَ فَيَحْتَمِلُ ذلك الْبَاقِي أَنْ يَجْعَلَ فيه الشُّفْعَةَ فَإِنْ احْتَمَلَ فَاجْعَلْهَا فيه وَلَا تَجْعَلْهَا فِيمَا وَقَعَتْ فيه الْحُدُودُ فَتَكُونُ قد اتَّبَعَتْ الْخَبَرَ وَإِنْ لم يَحْتَمِلْ فَلَا تَجْعَلْ الشُّفْعَةَ في غَيْرِهِ وقال بَعْضُ الْمَشْرِقِيِّينَ الشُّفْعَةُ لِلْجَارِ وَلِلشَّرِيكِ إذَا كان الْجَارُ مُلَاصِقًا أو كانت بين الدَّارِ الْمَبِيعَةِ وَالدَّارِ التي له فيها الشُّفْعَةُ رَحْبَةٌ ما كانت إذَا لم يَكُنْ فيها طَرِيقٌ نَافِذَةٌ وَإِنْ كان فيها طَرِيقٌ نَافِذَةٌ وَإِنْ ضَاقَتْ فَلَا شُفْعَةَ لِلْجَارِ قُلْنَا لِبَعْضِ من يقول هذا الْقَوْلَ على أَيِّ شَيْءٍ اعْتَمَدْتُمْ قال على الْأَثَرِ أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن إبْرَاهِيمَ بن مَيْسَرَةَ عن عَمْرِو بن الشَّرِيدِ عن أبي رَافِعٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ فَقِيلَ له فَهَذَا لَا يُخَالِفُ حَدِيثَنَا وَلَكِنَّ هذا جُمْلَةٌ وَحَدِيثُنَا مُفَسِّرٌ قال وَكَيْفَ لَا يُخَالِفُ حَدِيثَكُمْ قُلْنَا الشَّرِيكُ الذي لم يُقَاسِمْ يُسَمَّى جَارًا وَيُسَمَّى الْمُقَاسِمَ وَيُسَمَّى من بَيْنَك وَبَيْنَهُ أَرْبَعُونَ دَارًا فلم يَجُزْ في هذا الحديث إلَّا ما قُلْنَا من أَنَّهُ على بَعْضِ الْجِيرَانِ دُونَ بَعْضٍ فإذا قُلْنَاهُ لم يَجُزْ ذلك لنا على غَيْرِنَا إلَّا بِدَلَالَةٍ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فلما قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الشُّفْعَةُ فِيمَا لم يُقْسَمْ فإذا وَقَعَتْ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ دَلَّ هذا على أَنَّ قَوْلَهُ في الْجُمْلَةِ الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ على بَعْضِ الْجِيرَانِ دُونَ بَعْضٍ وَأَنَّهُ الْجَارُ الذي لم يُقَاسِمْ فَإِنْ قال وتسمى الْعَرَبُ الشَّرِيكَ جَارًا قِيلَ نعم كُلُّ من قَارَبَ بَدَنُهُ بَدَنَ صَاحِبِهِ قِيلَ له جَارٌ قال فَادْلُلْنِي على هذا قِيلَ له قال حَمَلُ بن مَالِكِ بن النَّابِغَةِ كُنْت بين جَارَتَيْنِ لي فَضَرَبَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى ( 1 ) بِمُسَطَّحٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَقَضَى فيه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِغُرَّةٍ وقال الْأَعْشَى لِامْرَأَتِهِ % أَجَارَتَنَا بينى فَإِنَّكِ طالقة
____________________

(7/110)


فَقِيلَ له فَأَنْتَ إذَا قُلْت هو خَاصٌّ على بَعْضِ الْجِيرَانِ دُونَ بَعْضٍ لم تَأْتِ فيه بِدَلَالَةٍ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ولم تَجْعَلْهُ على من لَزِمَهُ اسْمُ الْجِوَارِ وَحَدِيثُ إبْرَاهِيمَ بن مَيْسَرَةَ لَا يَحْتَمِلُ إلَّا أَحَدَ الْمَعْنَيَيْنِ وقد خَالَفْتهمَا مَعًا ثُمَّ زَعَمْت أَنَّ الدَّارَ تُبَاعُ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ دَارِ الرَّجُلِ رَحْبَةٌ فيها أَلْفُ ذِرَاعٍ فَأَكْثَرُ إذَا لم يَكُنْ فيها طَرِيقٌ نَافِذَةٌ فَيَكُونُ فيها الشُّفْعَةُ وَإِنْ كانت بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ نَافِذَةٌ عَرْضُهَا ذِرَاعٌ لم تَجْعَلْ فيها الشُّفْعَةَ فَجَعَلْت الشُّفْعَةَ لِأَبْعَدِ الْجَارَيْنِ وَمَنَعْتهَا أَقْرَبَهُمَا وَزَعَمْت أَنَّ من أَوْصَى لِجِيرَانِهِ قُسِمَتْ وَصِيَّتُهُ على من كان بين دَارِهِ وَدَارِهِ أَرْبَعُونَ دَارًا فَكَيْفَ لم تَجْعَلْ الشُّفْعَةَ على ما قُسِمَتْ عليه الْوَصِيَّةُ إذَا خَالَفْت حَدِيثَنَا وَحَدِيثَ إبْرَاهِيمَ بن مَيْسَرَةَ الذي احْتَجَجْت بِهِ قال فَهَلْ قال بِقَوْلِكُمْ أَحَدٌ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قُلْنَا نعم وَلَا يَضُرُّنَا بَعْدُ إذْ ثَبَتَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ لَا يَقُولَ بِهِ أَحَدٌ قال فَمَنْ قال بِهِ قِيلَ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وَعُثْمَانُ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وقال بَعْضُ من التَّابِعِينَ عُمَرُ بن عبد الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عليه وَغَيْرُهُ وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ الدَّارَ وَسَمَّى أَكْثَرَ مِمَّا أَخَذَهَا بِهِ فَسَلَّمَ ذلك الشَّفِيعُ ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ ذلك أَنَّهُ أَخَذَهَا بِدُونِ ذلك فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول هو على شُفْعَتِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَلَّمَ بِأَكْثَرَ من الثَّمَنِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يقول لَا شُفْعَةَ له لِأَنَّهُ قد سَلَّمَ ورضى ( 1 ) أخبرنا الْحَسَنُ بن عُمَارَةَ عن الْحَكَمِ عن مُجَاهِدٍ عن بن عَبَّاسٍ وَعَنْ الْحَكَمِ عن يحيى عن عَلِيٍّ أَنَّهُمَا قَالَا لَا شُفْعَةَ إلَّا لِشَرِيكٍ لم يُقَاسِمْ الْحَجَّاجُ بن أَرْطَاةَ عن عَمْرِو بن شُعَيْبٍ عن عَمْرِو بن الشَّرِيدِ عن أبيه قال قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ ما كان أبو حَنِيفَةَ عن أبي أُمَيَّةَ عن الْمِسْوَرِ بن مَخْرَمَةَ أو عن سَعْدِ بن مَالِكٍ قال قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ النَّصِيبَ من الدَّارِ فقال أَخَذْته بِمِائَةٍ فَسَلَّمَ ذلك الشَّفِيعُ ثُمَّ عَلِمَ الشَّفِيعُ بَعْدُ أَنَّهُ أَخَذَهُ بِأَقَلَّ من الْمِائَةِ فَلَهُ حِينَئِذٍ الشُّفْعَةُ وَلَيْسَ تَسْلِيمُهُ بِقَاطِعٍ شُفْعَتَهُ إنَّمَا سَلَّمَهُ على ثَمَنٍ فلما عَلِمَ ما هو دُونَهُ كان له الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ وَلَوْ عَلِمَ بَعْدُ أَنَّ الثَّمَنَ أَكْثَرُ من الذي سَلَّمَهُ بِهِ لم يَكُنْ له شُفْعَةٌ من قِبَلِ أَنَّهُ إذَا سَلَّمَهُ بِالْأَقَلِّ كان الْأَكْثَرُ أَوْلَى أَنْ يُسَلِّمَهُ بِهِ - * بَابُ الْمُزَارَعَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أعطي الرَّجُلُ الرَّجُلَ أَرْضًا مُزَارَعَةً بِالنِّصْفِ أو الثُّلُثِ أو الرُّبُعِ أو أَعْطَى نَخْلًا أو شَجَرًا مُعَامَلَةً بِالنِّصْفِ أو أَقَلَّ من ذلك أو أَكْثَرَ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول هذا كُلُّهُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ بِشَيْءٍ مَجْهُولٍ يقول أَرَأَيْت لو لم يَخْرُجْ من ذلك شَيْءٌ أَلَيْسَ كان عَمَلُهُ ذلك بِغَيْرِ أَجْرٍ وكان بن أبي لَيْلَى يقول ذلك كُلُّهُ جَائِزٌ بَلَغَنَا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ أَعْطَى خَيْبَرَ بِالنِّصْفِ فَكَانَتْ كَذَلِكَ حتى قُبِضَ وَخِلَافَةِ أبي بَكْرٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وَعَامَّةِ خِلَافَةِ عُمَرَ وَبِهِ يَأْخُذُ وَإِنَّمَا قِيَاسُ هذا عِنْدَنَا مع الْأَثَرِ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ يعطى الرَّجُلَ مَالًا مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ وَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وقد بَلَغَنَا عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وَعَنْ عبد اللَّهِ بن مَسْعُودٍ وَعَنْ عُثْمَانَ بن عَفَّانَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّهُمْ أَعْطُوا مَالًا مُضَارَبَةً وَبَلَغَنَا عن سَعْدِ بن أبي وَقَّاصٍ وَعَنْ بن مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما أَنَّهُمَا كَانَا يُعْطِيَانِ أَرْضَهُمَا بِالرُّبُعِ وَالثُّلُثِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ النَّخْلَ أو الْعِنَبَ يَعْمَلُ فيه على أَنَّ لِلْعَامِلِ نِصْفَ الثَّمَرَةِ أو ثُلُثَهَا أو ما تَشَارَطَا عليه من جُزْءٍ منها فَهَذِهِ الْمُسَاقَاةُ الْحَلَالُ التي عَامَلَ عليها رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَهْلَ خَيْبَرَ وإذا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ أَرْضًا بَيْضَاءَ على أَنْ يَزْرَعَهَا الْمَدْفُوعَةُ إلَيْهِ فما أَخْرَجَ اللَّهُ منها من شَيْءٍ فَلَهُ منه جُزْءٌ من الْأَجْزَاءِ فَهَذِهِ الْمُحَاقَلَةُ وَالْمُخَابَرَةُ
____________________

(7/111)


وَالْمُزَارَعَةُ التي نهى عنها رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَحْلَلْنَا الْمُعَامَلَةَ في النَّخْلِ خَبَرًا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَحَرَّمْنَا الْمُعَامَلَةَ في الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ خَبَرًا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ولم يَكُنْ تَحْرِيمُ ما حَرَّمْنَا بِأَوْجَبَ عَلَيْنَا من إحْلَالِ ما أَحْلَلْنَا ولم يَكُنْ لنا أَنْ نَطْرَحَ بِإِحْدَى سَنَتَيْهِ الْأُخْرَى وَلَا نُحَرِّمَ بِمَا حَرَّمَ ما أَحَلَّ كما لَا نُحِلُّ بِمَا أَحَلَّ ما حَرَّمَ ولم أَرَ بَعْضَ الناس سَلِمَ من خِلَافِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من وَاحِدٍ من الْأَمْرَيْنِ لَا الذي أَحَلَّهُمَا جميعا وَلَا الذي حَرَّمَهُمَا جميعا فَأَمَّا ما روى عن سَعْدٍ وبن مَسْعُودٍ أَنَّهُمَا دَفَعَا أَرْضَهُمَا مُزَارَعَةً فما لَا يَثْبُتُ هو مِثْلُهُ وَلَا أَهْلَ الحديث وَلَوْ ثَبَتَ ما كان في أُحُدٍ مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم حُجَّةٌ وَأَمَّا قِيَاسُهُ وما أَجَازَ من النَّخْلِ وَالْأَرْضِ على الْمُضَارَبَةِ فَعَهِدَنَا بِأَهْلِ الْفِقْهِ يَقِيسُونَ ما جاء عَمَّنْ دُونَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم على ما جاء عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَمَّا أَنْ يُقَاسَ سُنَّةُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم على خَبَرِ وَاحِدٍ من الصَّحَابَةِ كَأَنَّهُ يَلْتَمِسُ أَنْ يُثْبِتَهَا بِأَنْ تُوَافِقَ الْخَبَرَ عن أَصْحَابِهِ فَهَذَا جَهْلٌ إنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ عز وجل لِلْخَلْقِ كُلِّهِمْ الْحَاجَةَ إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وهو أَيْضًا يَغْلَطُ في الْقِيَاسِ إنَّمَا أَجَزْنَا نَحْنُ الْمُضَارَبَةَ وقد جَاءَتْ عن عُمَرَ وَعُثْمَانَ أنها كانت قِيَاسًا على الْمُعَامَلَةِ في النَّخْلِ فَكَانَتْ تَبَعًا قِيَاسًا لَا مَتْبُوعَةً مَقِيسًا عليها فَإِنْ قال قَائِلٌ فَكَيْفَ تُشْبِهُ الْمُضَارَبَةُ الْمُسَاقَاةَ قِيلَ النَّخْلُ قَائِمَةٌ لِرَبِّ الْمَالِ دَفَعَهَا على أَنْ يَعْمَلَ فيها الْمُسَاقِي عَمَلًا يُرْجَى بِهِ صَلَاحُ ثَمَرِهَا على أَنَّ له بَعْضَهَا فلما كان الْمَالُ الْمَدْفُوعُ قَائِمًا لِرَبِّ الْمَالِ في يَدَيْ من دَفَعَ إلَيْهِ يَعْمَلُ فيه عَمَلًا يَرْجُو بِهِ الْفَضْلَ جَازَ له أَنْ يَكُونَ له بَعْضُ ذلك الْفَضْلِ على ما تَشَارَطَا عليه وكان في مِثْلِ معنى الْمُسَاقَاةِ فَإِنْ قال فَلِمَ لَا يَكُونُ هذا في الْأَرْضِ قِيلَ الْأَرْضُ لَيْسَتْ بِاَلَّتِي تَصْلُحُ فَيُؤْخَذُ منه الْفَضْلُ إنَّمَا يَصْلُحُ فيها شَيْءٌ من غَيْرِهَا وَلَيْسَ بِشَيْءٍ قَائِمٍ يُبَاعُ وَيُؤْخَذُ فَضْلُهُ كَالْمُضَارَبَةِ وَلَا شَيْءَ مُثْمِرٌ بَالِغٌ فَيُؤْخَذُ ثَمَرُهُ كَالنَّخْلِ وَإِنَّمَا هو شَيْءٌ يَحْدُثُ فيها ثُمَّ بِتَصَرُّفٍ لَا في مَعْنَى وَاحِدٍ من هَذَيْنِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قِيَاسًا عليها وهو مُفَارِقٌ لها في المبتدأ وَالْمُتَعَقَّبِ وَلَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ قِيَاسًا ما جَازَ أَنْ يُقَاسَ شَيْءٌ نهى عنه النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَيَحِلُّ بِهِ شَيْءٌ حَرَّمَهُ كما جَعَلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْمُفْسِدِ لِلصَّوْمِ بِالْجِمَاعِ رَقَبَةً فلم يَقِسْ عليها الْمُفْسِدَ لِلصَّلَاةِ بِالْجِمَاعِ وَكُلٌّ أَفْسَدَ فَرْضًا بِالْجِمَاعِ - * بَابُ الدَّعْوَى وَالصُّلْحِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ادَّعَى الرَّجُلُ الدَّعْوَى قِبَلَ رَجُلٍ في دَارٍ أو دَيْنٍ أو غَيْرِ ذلك فَأَنْكَرَ ذلك الْمُدَّعَى عليه الدَّعْوَى ثُمَّ صَالَحَهُ من الدَّعْوَى وهو مُنْكِرٌ لِذَلِكَ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كان يقول في هذا جَائِزٌ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى لَا يُجِيزُ الصُّلْحَ على الْإِنْكَارِ وكان أبو حَنِيفَةَ يقول كَيْفَ لَا يَجُوزُ هذا وَأَجْوَزُ ما يَكُونُ الصُّلْحُ على الْإِنْكَارِ وإذا وَقَعَ الْإِقْرَارُ لم يَقَعْ الصُّلْحُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ادَّعَى الرَّجُلُ على الرَّجُلِ دَعْوَى فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عليه ثُمَّ صَالَحَ المدعى من دَعْوَاهُ على شَيْءٍ وهو مُنْكِرٌ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الصُّلْحُ بَاطِلًا من قِبَلِ أَنَّا لَا نُجِيزُ الصُّلْحَ إلَّا بِمَا تَجُوزُ بِهِ الْبُيُوعُ من الْأَثْمَانِ الْحَلَالِ الْمَعْرُوفَةِ فإذا كان هذا هَكَذَا عِنْدَنَا وَعِنْدَ من أَجَازَ الصُّلْحَ على الْإِنْكَارِ كان هذا عِوَضًا وَالْعِوَضُ كُلُّهُ ثَمَنٌ وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ إلَّا بِمَا تَصَادَقَا عليه الْمُعَوَّضُ وَالْمُعَوِّضُ إلَّا أَنْ يَكُونَ في هذا أَثَرٌ يَلْزَمُ فَيَكُونُ الْأَثَرُ أَوْلَى من الْقِيَاسِ وَلَسْت أَعْلَمُ فيه أَثَرًا يَلْزَمُ مِثْلُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهِ أَقُولُ وإذا صَالَحَ الرَّجُلُ الطَّالِبَ عن الْمَطْلُوبِ وَالْمَطْلُوبُ مُتَغَيِّبٌ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تعالي عنه كان يقول الصُّلْحُ جَائِزٌ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول الصُّلْحُ مَرْدُودٌ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مُتَغَيِّبٌ عن الطَّالِبِ وَكَذَلِكَ لو أَخَّرَ عنه دَيْنًا عليه وهو مُتَغَيِّبٌ كان قَوْلُهُمَا جميعا على ما وَصَفْت لَك ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضى اللَّهُ تَعَالَى عنه وإذا صَالَحَ الرَّجُلُ عن الرَّجُلِ وَالْمُصَالَحُ عنه غَائِبٌ أو أَنْظَرَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ وهو غَائِبٌ فَذَلِكَ كُلُّهُ جَائِزٌ وَلَا أُبْطِلُ بِالتَّغَيُّبِ شيئا
____________________

(7/112)


أُجِيزُهُ في الْحُضُورِ لِأَنَّ هذا ليس من مَعَانِي الْإِكْرَاهِ الذي أَرُدُّهُ وإذا صَالَحَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ أو بَاعَ بَيْعًا أو أَقَرَّ بِدَيْنٍ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الطَّالِبَ أَكْرَهَهُ على ذلك فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول ذلك كُلُّهُ جَائِزٌ وَلَا أَقْبَلُ منه بَيِّنَةً أَنَّهُ أَكْرَهَهُ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول أَقْبَلُ الْبَيِّنَةَ على الْإِكْرَاهِ وَأَرُدُّ ذلك عليه وقال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا كان الْإِكْرَاهُ في مَوْضِعٍ أُبْطِلَ فيه الدَّمُ قُبِلَتْ الْبَيِّنَةُ على الْإِكْرَاهِ وَتَفْسِيرُ ذلك أَنَّ رَجُلًا لو شَهَرَ على رَجُلٍ سَيْفًا فقال لَتَقْرُنَ أو لَأَقْتُلَنك فقال أَقْبَلُ منه الْبَيِّنَةَ على الْإِكْرَاهِ وَأُبْطِلُ عنه ذلك الْإِقْرَارَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَكْرَهَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ على بَيْعٍ أو إقْرَارٍ أو صَدَقَةٍ ثُمَّ أَقَامَ الْمُكْرَهُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ فَعَلَ ذلك كُلَّهُ وهو مُكْرَهٌ أَبْطَلْت هذا كُلَّهُ عنه وَالْإِكْرَاهُ مِمَّنْ كان أَقْوَى من الْمُكْرَهِ في الْحَالِ التي يَكْرَهُهُ فيها التي لَا مَانِعَ له فيها من إكْرَاهِهِ وَلَا يَمْتَنِعُ هو بِنَفْسِهِ سُلْطَانًا كان أو لِصًّا أو خَارِجِيًّا أو رَجُلًا في صَحْرَاءَ أو في بَيْتٍ مُغْلَقٍ على من هو أَقْوَى منه وإذا اخْتَصَمَ الرَّجُلَانِ إلَى الْقَاضِي فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِحَقِّ صاحبه ( ( ( صاحب ) ) ) بعد ما قَامَا من عِنْدِ الْقَاضِي وَقَامَتْ عليه بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ وهو يَجْحَدُ ذلك فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول ذلك جَائِزٌ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا إقْرَارَ لِمَنْ خَاصَمَ إلَّا عِنْدِي وَلَا صُلْحَ لَهُمَا إلَّا عِنْدِي ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اخْتَصَمَ الرَّجُلَانِ إلَى الْقَاضِي فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا عِنْدَ الْقَاضِي في مَجْلِسِ الْحُكْمِ أو غَيْرِ مَجْلِسِهِ أو عَلِمَ الْقَاضِي فَإِنْ ثَبَتَ لِأَحَدِهِمَا على الْآخَرِ حَقٌّ قبل الْحُكْمِ أو بَعْدَهُ فَالْقَوْلُ فيه وَاحِدٌ من قَوْلَيْنِ من قال يقضى الْقَاضِي بِعِلْمِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يقضى بِشَاهِدَيْنِ على أَنَّهُ عَالِمٌ في الظَّاهِرِ أَنَّ ما شَهِدَا بِهِ كما شَهِدَا قَضَى بهذا وكان عِلْمُهُ أَوْلَى من شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ وَشُهُودٍ كَثِيرَةٍ لِأَنَّهُ لَا يَشُكُّ في عِلْمِهِ وَيَشُكُّ في شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ وَمَنْ قال الْقَاضِي كَرَجُلٍ من الناس قال إنْ حَكَمَ بَيْنَهُمَا لم يَكُنْ شَاهِدًا وَكَلَّفَ الْخَصْمَ شَاهِدَيْنِ غَيْرَهُ وكان حُكْمُهُ كَحُكْمِ من لم يَسْمَعْ شيئا ولم يَعْلَمْهُ وَهَذَا قَوْلُ شُرَيْحٍ قد جَاءَهُ رَجُلٌ يَعْلَمُ له حَقًّا فَسَأَلَهُ أَنْ يقضى له بِهِ فقال ائْتِنِي بِشَاهِدَيْنِ إنْ كُنْت تُرِيدُ أَنْ أقضى لَك قال أنت تَعْلَمُ حَقِّي قال فَاذْهَبْ إلَى الْأَمِيرِ فأشهد لَك وَمَنْ قال هذا قال إنَّ اللَّهَ عز وجل تَعَبَّدَ الْخَلْقَ بِأَنْ تُؤْخَذَ منهم الْحُقُوقُ إذَا تَجَاحَدُوا بِعَدَدِ بَيِّنَةٍ فَلَا تُؤْخَذُ بِأَقَلَّ منها وَلَا تَبْطُلُ إذَا جاؤوا بها وَلَيْسَ الْحَاكِمُ على يَقِينٍ من أَنَّ ما شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ كما شَهِدَتْ وقد يَكُونُ ما هو أَقَلُّ منها عَدَدًا أَزْكَى فَلَا يُقْبَلُ وما تَمَّ الْعَدَدُ أَنْقَصُ من الزَّكَاةِ فَيَقْبَلُونَ إذَا وَقَعَ عليهم أَدْنَى اسْمِ الْعَدْلِ ولم يَجْعَلْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَأْخُذَ بِعِلْمِهِ كما لم يَجْعَلْ له أَنْ يَأْخُذَ بِعِلْمِ وَاحِدٍ غَيْرِهِ وَلَا أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا حَاكِمًا في أَمْرٍ وَاحِدٍ كما لم يَكُنْ له أَنْ يَحْكُمَ لِنَفْسِهِ لو عَلِمَ أَنَّ حَقَّهُ حَقٌّ ( قال الرَّبِيعُ ) الذي يَذْهَبُ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ لِأَنَّ عِلْمَهُ أَكْبَرُ من تَأْدِيَةِ الشَّاهِدَيْنِ الشَّهَادَةَ إلَيْهِ وَإِنَّمَا كَرِهَ إظْهَارَ ذلك لِئَلَّا يَكُونَ الْقَاضِي غير عَدْلٍ فَيَذْهَبَ بِأَمْوَالِ الناس وإذا اصْطَلَحَ الرَّجُلَانِ على حَكَمٍ يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا فَقَضَى بَيْنَهُمَا بِقَضَاءٍ مُخَالِفٍ لِرَأْيِ الْقَاضِي فَارْتَفَعَا إلَى ذلك الْقَاضِي فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول يَنْبَغِي لِذَلِكَ الْقَاضِي أَنْ يُبْطِلَ حُكْمَهُ وَيَسْتَقْبِلَ الْحُكْمَ بَيْنَهُمَا وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول حُكْمُهُ عَلَيْهِمَا جَائِزٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اصْطَلَحَ الرَّجُلَانِ على أَنْ يَحْكُمَ الرَّجُلُ بَيْنَهُمَا في شَيْءٍ يَتَنَازَعَانِ فيه فَحَكَمَ لِأَحَدِهِمَا على الْآخَرِ فارتفعا ( ( ( فارتفعنا ) ) ) إلَى الْقَاضِي فرأي خِلَافَ ما يَرَى الْحَكَمُ بَيْنَهُمَا فَلَا يَجُوزُ في هذا إلَّا وَاحِدٌ من قَوْلَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ إذَا اصْطَلَحَا جميعا على حُكْمِهِ ثَبَتَ الْقَضَاءُ وَافَقَ ذلك قَضَاءَ الْقَاضِي أو خَالَفَهُ فَلَا يَكُونُ لِلْقَاضِي أَنْ يَرُدَّ من حُكْمِهِ إلَّا ما يَرُدَّ من حُكْمِ الْقَاضِي غَيْرَهُ من خِلَافِ كِتَابٍ أو سُنَّةٍ أو إجْمَاعٍ أو شَيْءٍ دَاخِلٍ في مَعْنَاهُ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ بَيْنَهُمَا كَالْفُتْيَا فَلَا يَلْزَمُ وَاحِدًا مِنْهُمَا شَيْءٌ فَيَبْتَدِئُ الْقَاضِي النَّظَرَ بَيْنَهُمَا كما يَبْتَدِئُهُ بين من لم يُحَاكَمْ إلَى أَحَدٍ
____________________

(7/113)


- * بَابُ الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا وَهَبَتْ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا هِبَةً أو تَصَدَّقَتْ أو تَرَكَتْ له من مَهْرِهَا ثُمَّ قالت أَكْرَهَنِي وَجَاءَتْ على ذلك بِبَيِّنَةٍ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول لَا أَقْبَلُ بَيِّنَتَهَا وأمضى عليها ما فَعَلْت من ذلك وكان بن أبي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يقول أَقْبَلُ بَيِّنَتَهَا على ذلك وَأُبْطِلُ ما صَنَعْت ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا تَصَدَّقَتْ الْمَرْأَةُ على زَوْجِهَا بِشَيْءٍ أو وَضَعَتْ له من مَهْرِهَا أو من دَيْنٍ كان لها عليه فَأَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَكْرَهَهَا على ذلك وَالزَّوْجُ في مَوْضِعِ الْقَهْرِ لِلْمَرْأَةِ أَبْطَلْت ذلك عنها كُلَّهُ وإذا وَهَبَ الرَّجُلُ هِبَةً وَقَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ له وَهِيَ دَارٌ فَبَنَاهَا بِنَاءً وَأَعْظَمَ النَّفَقَةَ أو كانت جَارِيَةً صَغِيرَةً فَأَصْلَحَهَا أو صَنَعَهَا حتى شَبَّتْ وَأَدْرَكَتْ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول لَا يَرْجِعُ الْوَاهِبُ في شَيْءٍ من ذلك وَلَا في كل هِبَةٍ زَادَتْ عِنْدَ صَاحِبِهَا خَيْرًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ قد حَدَثَ فيها في مِلْكِ الْمَوْهُوبَةِ له شَيْءٌ لم يَكُنْ في مِلْكِ الْوَاهِبِ أَرَأَيْت إنْ وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ وَلَدًا كان لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فيه ولم يَهَبْهُ له ولم يَمْلِكْهُ قَطُّ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول له أَنْ يَرْجِعَ في ذلك كُلِّهِ وفي الْوَلَدِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا وَهَبَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ جَارِيَةً أو دَارًا فَزَادَتْ الْجَارِيَةُ في يَدَيْهِ أو بَنَى الدَّارَ فَلَيْسَ لِلْوَاهِبِ الذي ذَكَرَ أَنَّهُ وَهَبَ لِلثَّوَابِ ولم يَشْتَرِطْ ذلك أَنْ يَرْجِعَ في الْجَارِيَةِ أَيَّ حَالٍ ما كانت زَادَتْ خَيْرًا أو نَقَصَتْ كما لَا يَكُونُ له إذَا أَصْدَقَ الْمَرْأَةَ جَارِيَةً فَزَادَتْ في يَدَيْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِهَا زَائِدَةً فَأَمَّا الدَّارُ فإن الْبَانِيَ إنَّمَا بَنَى ما يَمْلِكُ فَلَا يَكُونُ له أَنْ يُبْطِلَ بِنَاءَهُ وَلَا يَهْدِمَهُ وَيُقَالُ له إنْ أَعْطَيْته قِيمَةَ الْبِنَاءِ أَخَذْت نِصْفَ الدَّارِ وَالْبِنَاءِ كما يَكُونُ لَك وَعَلَيْك في الشُّفْعَةِ يبنى فيها صَاحِبُهَا وَلَا يَرْجِعُ بِنِصْفِهَا كما لو أَصْدَقَهَا دَارًا فَبَنَتْهَا لم يَرْجِعْ بِنِصْفِهَا لِأَنَّهُ مَبْنِيًّا أَكْثَرُ قِيمَةً منه غير مبنى وَلَوْ كانت الْجَارِيَةُ وَلَدَتْ كان الْوَلَدُ لِلْمَوْهُوبَةِ له لِأَنَّهُ حَادِثٌ في مِلْكِهِ بَائِنٌ منها كَمُبَايَنَةِ الْخَرَاجِ وَالْخِدْمَةِ لها كما لو وَلَدَتْ في يَدِ الْمَرْأَةِ الْمُصَدَّقَةِ ثُمَّ طَلُقَتْ قبل الدُّخُولِ كان الْوَلَدُ لِلْمَرْأَةِ وَرَجَعَ بِنِصْفِ الْجَارِيَةِ إنْ أَرَادَ ذلك وإذا وَهَبَ الرَّجُلُ جَارِيَةً لِابْنِهِ وَابْنُهُ كَبِيرٌ وهو في عِيَالِهِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول لَا تَجُوزُ إلَّا أَنْ يَقْبِضَ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول إذَا كان الْوَلَدُ في عِيَالِ أبيه وَإِنْ كان قد أَدْرَكَ فَهَذِهِ الْهِبَةُ جَائِزَةٌ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ إذَا وَهَبَ لِامْرَأَتِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا وَهَبَ الرَّجُلُ لِابْنِهِ جَارِيَةً وَابْنُهُ في عِيَالِهِ فَإِنْ كان الِابْنُ بَالِغًا لم تَكُنْ الْهِبَةُ تَامَّةً حتى يَقْبِضَهَا الِابْنُ وَسَوَاءٌ كان في عِيَالِهِ أو لم يَكُنْ وَكَذَلِكَ روى عن أبي بَكْرٍ وَعَائِشَةَ وَعُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ في الْبَالِغِينَ وَعَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ رَأَى أَنَّ الْأَبَ يَحُوزُ لِوَلَدِهِ ما كَانُوا صِغَارًا وَهَذَا يَدُلُّ على أَنَّهُ لَا يَحُوزُ لهم إلَّا في حَالِ الصِّغَرِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَكَذَا كُلُّ هِبَةٍ وَنِحْلَةٍ وَصَدَقَةٍ غَيْرِ مُحَرَّمَةٍ فَهِيَ كُلُّهَا من الْعَطَايَا التي لَا يُؤْخَذُ عليها عِوَضٌ وَلَا تَتِمُّ إلَّا بِقَبْضِ الْمُعْطَى وإذا وَهَبَ الرَّجُلُ دَارًا لِرَجُلَيْنِ أو مَتَاعًا وَذَلِكَ الْمَتَاعُ مِمَّا يُقْسَمُ فَقَبَضَاهُ جميعا فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول لَا تَجُوزُ تِلْكَ الْهِبَةُ إلَّا أَنْ يَقْسِمَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا منها حِصَّتَهُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول الْهِبَةُ جَائِزَةٌ وَبِهِ يَأْخُذُ وإذا وَهَبَ اثْنَانِ لِوَاحِدٍ وَقَبَضَ فَهُوَ جَائِزٌ وقال أبو يُوسُفَ هُمَا سَوَاءٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا وَهَبَ الرَّجُلُ لِرَجُلَيْنِ بَعْضَ دَارٍ لَا تُقْسَمُ أو طَعَامًا أو ثِيَابًا أو عَبْدًا لَا يَنْقَسِمُ فَقَبَضَا جميعا الْهِبَةَ فَالْهِبَةُ جَائِزَةٌ كما يَجُوزُ الْبَيْعُ وَكَذَلِكَ لو وَهَبَ اثْنَانِ دَارًا بَيْنَهُمَا تَنْقَسِمُ أو لَا تَنْقَسِمُ أو عَبْدًا لِرَجُلٍ وَقَبَضَ جَازَتْ الْهِبَةُ وإذا كانت الدَّارُ لِرَجُلَيْنِ فَوَهَبَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ لِصَاحِبِهِ ولم يَقْسِمْهُ له فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول الْهِبَةُ في هذا بَاطِلَةٌ وَلَا تَجُوزُ وَبِهِ يَأْخُذُ وَمِنْ حُجَّتِهِ في ذلك أَنَّهُ قال لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ إلَّا مَقْسُومَةٌ مَعْلُومَةٌ مَقْبُوضَةٌ بَلَغَنَا عن أبي بَكْرٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّهُ نَحَلَ
____________________

(7/114)


عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنها جُذَاذَ عِشْرِينَ وَسْقًا من نَخْلٍ له بِالْعَالِيَةِ فلما حَضَرَهُ الْمَوْتُ قال لِعَائِشَةَ إنَّك لم تَكُونِي قَبَضْتِيهِ وَإِنَّمَا هو مَالُ الْوَارِثِ فَصَارَ بين الْوَرَثَةِ لِأَنَّهَا لم تَكُنْ قَبَضَتْهُ وكان إبْرَاهِيمُ يقول لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ إلَّا مَقْبُوضَةٌ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول إذَا كانت الدَّارُ بين رَجُلَيْنِ فَوَهَبَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ نَصِيبَهُ فَهَذَا قَبْضٌ منه لِلْهِبَةِ وَهَذِهِ مَعْلُومَةٌ وَهَذِهِ جَائِزَةٌ وإذا وَهَبَ الرَّجُلَانِ دَارًا لِرَجُلٍ فَقَبَضَهَا فَهُوَ جَائِزٌ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يُفْسِدُ الْهِبَةَ أنها كانت لِاثْنَيْنِ وَبِهِ يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت الدَّارُ بين رَجُلَيْنِ فَوَهَبَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ نَصِيبَهُ فَقَبَضَ الْهِبَةَ فَالْهِبَةُ جَائِزَةٌ وَالْقَبْضُ أَنْ تَكُونَ كانت في يَدَيْ الْوَاهِبِ فَصَارَتْ في يَدَيْ الْمَوْهُوبَةِ له لَا وَكِيلَ معه فيها أو يُسَلِّمَهَا رَبَّهَا ويخلى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حتى يَكُونَ لَا حَائِلَ دُونَهَا هو وَلَا وَكِيلَ له فإذا كان هذا هَكَذَا كان قَبْضًا وَالْقَبْضُ في الْهِبَاتِ كَالْقَبْضِ في الْبُيُوعِ ما كان قَبْضًا في الْبَيْعِ كان قَبْضًا في الْهِبَةِ وما لم يَكُنْ قَبْضًا في الْبَيْعِ لم يَكُنْ قَبْضًا في الْهِبَةِ وإذا وَهَبَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ الْهِبَةَ وَقَبَضَهَا دَارًا أو أَرْضًا ثُمَّ عَوَّضَهُ بَعْدَ ذلك منها عِوَضًا وَقَبَضَ الْوَاهِبُ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول ذلك جَائِزٌ وَلَا يَكُونُ فيه شُفْعَةٌ وَبِهِ يَأْخُذُ وَلَيْسَ هذا بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ وكان بن أبي لَيْلَى يقول هذا بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِالشُّفْعَةِ بِقِيمَةِ الْعِوَضِ وَلَا يَسْتَطِيعُ الْوَاهِبُ أَنْ يَرْجِعَ في الْهِبَةِ بَعْدَ الْعِوَضِ في قَوْلِهِمَا جميعا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا وَهَبَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ شِقْصًا من دَارٍ فَقَبَضَهُ ثُمَّ عَوَّضَهُ الْمَوْهُوبَةَ له شيئا فَقَبَضَهُ الْوَاهِبُ سُئِلَ الْوَاهِبُ فَإِنْ قال وَهَبْتهَا لِثَوَابٍ كان فيها الشُّفْعَةُ وَإِنْ قال وَهَبْتهَا لِغَيْرِ ثَوَابٍ لم يَكُنْ فيها شُفْعَةٌ وَكَانَتْ الْمُكَافَأَةُ كَابْتِدَاءِ الْهِبَةِ وَهَذَا كُلُّهُ في قَوْلِ من قال لِلْوَاهِبِ الثَّوَابُ إذَا قال أَرَدْته فَأَمَّا من قال لَا ثَوَابَ لِلْوَاهِبِ إنْ لم يَشْتَرِطْهُ في الْهِبَةِ فَلَيْسَ له الرُّجُوعُ في شَيْءٍ وَهَبَهُ وَلَا الثَّوَابُ منه ( قال الرَّبِيعُ ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ إذَا وَهَبَ وَاشْتَرَطَ الثَّوَابَ فَالْهِبَةُ بَاطِلَةٌ من قِبَلِ أَنَّهُ اشْتَرَطَ عِوَضًا مَجْهُولًا وإذا وَهَبَ لِغَيْرِ الثَّوَابِ وَقَبَضَهُ الْمَوْهُوبُ فَلَيْسَ له أَنْ يَرْجِعَ في شَيْءٍ وَهَبَهُ وهو مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وإذا وَهَبَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ هِبَةً في مَرَضِهِ فلم يَقْبِضْهَا الْمَوْهُوبَةُ له حتى مَاتَ الْوَاهِبُ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول الْهِبَةُ في هذا بَاطِلَةٌ لَا تَجُوزُ وَبِهِ يَأْخُذُ ( قال ) وَلَا تَكُونُ له وَصِيَّةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذلك في ذِكْرِ وَصِيَّتِهِ وكان بن أبي لَيْلَى يقول هِيَ جَائِزَةٌ من الثُّلُثِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا وَهَبَ الرَّجُلُ في مَرَضِهِ الْهِبَةَ فلم يَقْبِضْهَا الْمَوْهُوبَةُ له حتى مَاتَ لم يَكُنْ لِلْمَوْهُوبَةِ له شَيْءٌ وَكَانَتْ لِلْوَرَثَةِ الْحَجَّاجُ بن أَرْطَاةَ عن عَطَاءِ بن أبي رَبَاحٍ عن بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما قال لَا تَجُوزُ الصَّدَقَةُ إلَّا مَقْبُوضَةٌ الْأَعْمَشُ عن إبْرَاهِيمَ قال الصَّدَقَةُ إذَا عُلِمَتْ جَازَتْ وَالْهِبَةُ لَا تَجُوزُ إلَّا مَقْبُوضَةٌ وكان أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَأْخُذُ بِقَوْلِ بن عَبَّاسٍ في الصَّدَقَةِ وهو قَوْلُ أبي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَيْسَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ في الْهِبَةِ إذا ( ( ( إلا ) ) ) قَبَضَ منها عِوَضًا قَلَّ أو كَثُرَ - * بَابٌ في الْوَدِيعَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اسْتَوْدَعَ الرَّجُلُ رَجُلًا وَدِيعَةً فقال الْمُسْتَوْدَعُ أَمَرْتَنِي أَنْ أَدْفَعَهَا إلَى فُلَانٍ فَدَفَعْتهَا إلَيْهِ قال أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْوَدِيعَةِ وَالْمُسْتَوْدَعُ ضَامِنٌ وَبِهَذَا يَأْخُذُ يعنى أَبَا يُوسُفَ وكان بن أبي لَيْلَى يقول الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَوْدَعِ وَلَا ضَمَانَ عليه وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اسْتَوْدَعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْوَدِيعَةَ فَتَصَادَقَا عليها ثُمَّ قال الْمُسْتَوْدَعُ أَمَرْتنِي أَنْ أَدْفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى رَجُلٍ فَدَفَعْتهَا إلَيْهِ وَأَنْكَرَ ذلك رَبُّ الْوَدِيعَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْوَدِيعَةِ وَعَلَى الْمُسْتَوْدَعِ الْبَيِّنَةُ بِمَا ادَّعَى وإذا اسْتَوْدَعَ
____________________

(7/115)


الرَّجُلُ الرَّجُلَ وَدِيعَةً فَجَاءَ آخَرُ يَدَّعِيهَا معه فقال الْمُسْتَوْدَعُ لَا أَدْرِي أَيُّكُمَا اسْتَوْدَعَنِي هذه الْوَدِيعَةَ وأبي أَنْ يَحْلِفَ لَهُمَا وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول يُعْطِيهِمَا تِلْكَ الْوَدِيعَةَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَيَضْمَنُ لَهُمَا أُخْرَى مِثْلَهَا بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ أَتْلَفَ ما اسْتَوْدَعَ بِجَهَالَتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو قال هذا اسْتَوْدَعَنِيهَا ثُمَّ قال أَخْطَأْت بَلْ هو هذا كان عليه أَنْ يَدْفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى الذي أَقَرَّ له بها أَوَّلًا وَيَضْمَنُ للاخر مِثْلَ ذلك لِأَنَّ قَوْلَهُ أَتْلَفَهُ وَكَذَلِكَ الْأَوَّلُ إنَّمَا أَتْلَفَهُ هو بِجَهْلِهِ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول في الْأَوَّلِ ليس عليه شَيْءٌ والوديعة ( ( ( الوديعة ) ) ) وَالْمُضَارَبَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت في يَدَيْ الرَّجُلِ وَدِيعَةٌ فَادَّعَاهَا رَجُلَانِ كِلَاهُمَا يَزْعُمُ أنها له وَهِيَ مِمَّا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ مِثْلَ الْعَبْدِ وَالْبَعِيرِ وَالدَّارِ فقال هِيَ لِأَحَدِكُمَا وَلَا أَدْرِي أَيُّكُمَا هو قِيلَ لَهُمَا هل تَدَّعِيَانِ شيئا غير هذا بِعَيْنِهِ فَإِنْ قَالَا لَا وقال كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هو لي أَحْلِفَ بِاَللَّهِ لَا يدرى لِأَيِّهِمَا هو وَوُقِفَ ذلك لَهُمَا جميعا حتى يَصْطَلِحَا فيه أو يُقِيمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ على صَاحِبِهِ أَنَّهُ له دُونَهُ أو يَحْلِفَا فَإِنْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا وَحَلَفَ الْآخَرُ كان له وَإِنْ نَكَلَا مَعًا فَهُوَ مَوْقُوفٌ بَيْنَهُمَا وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ يُحْتَمَلُ وهو أَنْ يَحْلِفَ الذي في يَدَيْهِ الْوَدِيعَةُ ثُمَّ تَخْرُجُ من يَدَيْهِ وَلَا شَيْءَ عليه غَيْرُ ذلك فَتُوقَفُ لَهُمَا حتى يَصْطَلِحَا عليه وَمَنْ قال هذا الْقَوْلَ قال هذا شَيْءٌ ليس في أَيْدِيهِمَا فَأَقْسِمُهُ بَيْنَهُمَا وَاَلَّذِي هو في يَدَيْهِ يَزْعُمُ أَنَّهُ لِأَحَدِهِمَا لَا لَهُمَا وإذا اسْتَوْدَعَ الرَّجُلُ وَدِيعَةً فَاسْتَوْدَعَهَا الْمُسْتَوْدَعُ غَيْرَهُ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول هو ضَامِنٌ لِأَنَّهُ خَالَفَ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا ضَمَانَ عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَوْدَعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْوَدِيعَةَ فَاسْتَوْدَعَهَا غَيْرَهُ ضَمِنَ إنْ تَلِفَتْ لِأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ رضي بِأَمَانَتِهِ لَا أَمَانَةِ غَيْرِهِ ولم يُسَلِّطْهُ على أَنْ يُودِعَهَا غَيْرَهُ وكان مُتَعَدِّيًا ضَامِنًا إنْ تَلِفَتْ وإذا مَاتَ الرَّجُلُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مَعْرُوفٌ وَقِبَلَهُ وَدِيعَةٌ بِغَيْرِ عَيْنِهَا فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول جَمِيعُ ما تَرَكَ بين الْغُرَمَاءِ وَصَاحِبِ الْوَدِيعَةِ بِالْحِصَصِ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول هِيَ لِلْغُرَمَاءِ وَلَيْسَ لِصَاحِبِ الْوَدِيعَةِ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ شَيْءٌ مَجْهُولٌ ليس بِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ وقال أبو حَنِيفَةَ فَإِنْ كانت الْوَدِيعَةُ بِعَيْنِهَا فَهِيَ لِصَاحِبِ الْوَدِيعَةِ إذَا عَلِمَ ذلك وَكَذَلِكَ قال بن أبي لَيْلَى وأبو حَنِيفَةَ عن حَمَّادٍ عن إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قال في الرَّجُلِ يَمُوتُ وَعِنْدَهُ الْوَدِيعَةُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَنَّهُمْ يَتَحَاصُّونَ الْغُرَمَاءُ وَأَصْحَابُ الْوَدِيعَةِ الْحَجَّاجُ بن أَرْطَاةَ عن أبي جَعْفَرٍ وَعَطَاءٍ مِثْلُ ذلك الْحَجَّاجُ عن الْحَكَمِ عن إبْرَاهِيمَ مِثْلُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه واذا اسْتَوْدَعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْوَدِيعَةَ فَمَاتَ الْمُسْتَوْدَعُ وَأَقَرَّ بالوديعة ( ( ( الوديعة ) ) ) بِعَيْنِهَا أو قَامَتْ عليه بَيِّنَةٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِمَالِهِ كانت الْوَدِيعَةُ لِصَاحِبِهَا فَإِنْ لم تُعْرَفْ الْوَدِيعَةُ بِعَيْنِهَا بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ وَلَا إقْرَارَ من الْمَيِّتِ وَعُرِفَ لها عَدَدٌ أو قِيمَةٌ كان صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ كَغَرِيمٍ من الْغُرَمَاءِ - * بَابٌ في الرَّهْنِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ ارْتَهَنَ الرَّجُلُ رَهْنًا فَوَضَعَهُ على يَدَيْ عَدْلٍ بِرِضَا صَاحِبِهِ فَهَلَكَ من عِنْدِ الْعَدْلِ وَقِيمَتُهُ وَالدَّيْنُ سَوَاءٌ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول الرَّهْنُ بِمَا فيه وقد بَطَلَ الدَّيْنُ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول الدَّيْنُ على الرَّاهِنِ كما هو وَالرَّهْنُ من مَالِهِ لِأَنَّهُ لم يَكُنْ في يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ إنَّمَا كان مَوْضُوعًا على يَدَيْ غَيْرِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّهْنَ فَقَبَضَهُ منه أو قَبَضَهُ عَدْلٌ رَضِيَا بِهِ فَهَلَكَ الرَّهْنُ في يَدَيْهِ أو في يَدَيْ الْعَدْلِ فَسَوَاءٌ الرَّهْنُ أَمَانَةٌ وَالدَّيْنُ كما هو لَا يَنْقُصُ منه شَيْءٌ وقد كَتَبْنَا في هذا كِتَابًا طَوِيلًا وإذا مَاتَ الرَّاهِنُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَالرَّهْنُ على يَدَيْ عَدْلٍ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول
____________________

(7/116)


الْمُرْتَهِنُ أَحَقُّ بهذا الرَّهْنِ من الْغُرَمَاءِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول الرَّهْنُ بين الْغُرَمَاءِ وَالْمُرْتَهِنِ بِالْحِصَصِ على قَدْرِ أَمْوَالِهِمْ وإذا كان الرَّهْنُ في يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ فَهُوَ أَحَقُّ بها من الْغُرَمَاءِ وَقَوْلُهُمَا جميعا فيه وَاحِدٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وإذا مَاتَ الرَّاهِنُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وقد رَهَنَ رَهْنًا على يَدَيْ صَاحِبِ الدَّيْنِ أو يَدَيْ غَيْرِهِ فَسَوَاءٌ وَالْمُرْتَهِنُ أَحَقُّ بِثَمَنِ هذا الرَّهْنِ حتى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ منه فَإِنْ فَضَلَ فيه فَضْلٌ كان الْغُرَمَاءُ شَرْعًا فيه وَإِنْ نَقَصَ عن الدَّيْنِ حَاصَّ أَهْلَ الدَّيْنِ بِمَا يَبْقَى له في مَالِ الْمَيِّتِ وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ دَارًا ثُمَّ اُسْتُحِقَّ منها شِقْصٌ وقد قَبَضَهَا الْمُرْتَهِنُ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول الرَّهْنُ بَاطِلٌ لَا يَجُوزُ وَبِهَذَا يَأْخُذُ حِفْظِي عنه في كل رَهْنٍ فَاسِدٍ وَقَعَ فَاسِدًا فَصَاحِبُ الْمَالِ أَحَقُّ بِهِ حتى يَسْتَوْفِيَ مَالَهُ يُبَاعُ لِدَيْنِهِ وكان بن أبي لَيْلَى يقول ما بقى من الدَّارِ فَهُوَ رَهْنٌ بِالْحَقِّ وقال أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تعالي عنه وَكَيْفَ يَكُونُ ذلك وَإِنَّمَا كان رَهْنُهُ نَصِيبًا غير مَقْسُومٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ دَارًا فَقَبَضَهَا الْمُرْتَهِنُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ من الدَّارِ شَيْءٌ كان ما يَبْقَى من الدَّارِ رَهْنًا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ الذي كانت الدَّارُ بِهِ رَهْنًا وَلَوْ ابْتَدَأَ نَصِيبَ شِقْصٍ مَعْلُومٍ مُشَاعٍ جَازَ ما جَازَ أَنْ يَكُونَ بَيْعًا جَازَ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا وَالْقَبْضُ في الرَّهْنِ مِثْلُ الْقَبْضِ في الْبَيْعِ لَا يَخْتَلِفَانِ وَهَذَا مَكْتُوبٌ في كِتَابِ الرَّهْنِ وإذا وَضَعَ الرَّجُلُ الرَّهْنَ على يَدَيْ عَدْلٍ وَسَلَّطَهُ على بَيْعِهِ عِنْدَ مَحَلِّ الْأَجَلِ ثُمَّ مَاتَ الرَّاهِنُ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول لِلْعَدْلِ أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ وَلَوْ كان مَوْتُ الرَّاهِنِ يُبْطِلُ بَيْعَهُ لَأَبْطَلَ الرَّهْنَ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول ليس له أَنْ يَبِيعَ وقد بَطَلَ الرَّهْنُ وَصَارَ بين الْغُرَمَاءِ وَلِلْمُسَلَّطِ أَنْ يَبِيعَهُ في مَرَضِ الرَّاهِنِ وَيَكُونَ لِلْمُرْتَهِنِ خَاصَّةً في قِيَاسِ قَوْلِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا وَضَعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ على يَدَيْ عَدْلٍ وَسَلَّطَهُ على بَيْعِهِ عِنْدَ مَحَلِّ الْحَقِّ فَهُوَ فيه وَكِيلٌ فإذا حَلَّ الْحَقُّ كان له أَنْ يَبِيعَهُ ما كان الرَّاهِنُ حَيًّا فإذا مَاتَ لم يَكُنْ له الْبَيْعُ إلَّا بِأَمْرِ السُّلْطَانِ أو بِرِضَا الْوَارِثِ لِأَنَّ الْمَيِّتَ وَإِنْ رضي بِأَمَانَتِهِ في بَيْعِ الرَّهْنِ فَقَدْ تَحَوَّلَ مِلْكُ الرَّهْنِ لِغَيْرِهِ من الْوَرَثَةِ الَّذِينَ لم يَرْضَوْا أَمَانَتَهُ وَالرَّهْنُ بِحَالِهِ لَا يَنْفَسِخُ من قِبَلِ أَنَّ الْوَرَثَةَ إنَّمَا مَلَكُوا من الرَّهْنِ ما كان له الرَّاهِنُ مَالِكًا فإذا كان الرَّاهِنُ ليس له أَنْ يَفْسَخَهُ كان كَذَلِكَ الْوَارِثُ وَالْوَكَالَةُ بِبَيْعِهِ غَيْرُ الرَّهْنِ الْوَكَالَةُ لو بَطَلَتْ لم يَبْطُلْ الرَّهْنُ وإذا ارْتَهَنَ الرَّجُلُ دَارًا ثُمَّ أَجَّرَهَا بِإِذْنِ الرَّاهِنِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول قد خَرَجَتْ من الرَّهْنِ حين أَذِنَ له أَنْ يُؤَجِّرَهَا وَصَارَتْ بِمَنْزِلَةِ الْعَارِيَّةِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول هِيَ رَهْنٌ على حَالِهَا وَالْغَلَّةُ لِلْمُرْتَهِنِ قَضَاءً من حَقِّهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضى اللَّهُ تَعَالَى عنه وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ دَارًا وَدَفَعَهَا إلَى الْمُرْتَهِنِ أو عَدْلٍ وَأَذِنَ بِكِرَائِهَا فَأُكْرِيَتْ كان الْكِرَاءُ لِلرَّاهِنِ لِأَنَّهُ مَالِكُ الدَّارِ وَلَا تَخْرُجُ بهذا من الرَّهْنِ وَإِنَّمَا مَنَعَنَا أَنْ نَجْعَلَ الْكِرَاءَ رَهْنًا أو قِصَاصًا من الدَّيْنِ أَنَّ الْكِرَاءَ سَكَنٌ وَالسَّكَنُ ليس هو الْمَرْهُونُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو بَاعَهُ دَارًا فَسَكَنَهَا أو اسْتَغَلَّهَا ثُمَّ رَدَّهَا بِعَيْبٍ كان السَّكَنُ وَالْغَلَّةُ لِلْمُشْتَرِي وَلَوْ أَخَذَ من أَصْلِ الدَّارِ شيئا لم يَكُنْ له أَنْ يَرُدَّهَا لِأَنَّ ما أَخَذَ من الدَّارِ من أَصْلِ الْبَيْعِ وَالْكِرَاءُ وَالْغَلَّةُ ليس أَصْلَ الْبَيْعِ فلما كان الرَّاهِنُ إنَّمَا رَهَنَ رَقَبَةَ الدَّارِ وَكَانَتْ رَقَبَةُ الدَّارِ لِلرَّاهِنِ إلَّا أَنَّهُ شَرَطَ لِلْمُرْتَهِنِ فيها حَقًّا لم يَجُزْ أَنْ يَكُونَ النَّمَاءُ من الْكِرَاءِ وَالسَّكَنِ إلَّا لِلرَّاهِنِ الْمَالِكِ الرَّقَبَةَ كما كان الْكِرَاءُ وَالسَّكَنُ لِلْمُشْتَرِي الْمَالِكِ الرَّقَبَةَ في حِينِهِ ذلك ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ارْتَهَنَ الرَّجُلُ ثُلُثَ دَارٍ أو رُبُعَهَا وَقَبَضَ الرَّهْنَ فَالرَّهْنُ جَائِزٌ ما جَازَ أَنْ يَكُونَ بَيْعًا وَقَبْضًا في الْبَيْعِ جَازَ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا وَقَبْضًا في الرَّهْنِ وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ دَارًا أو دَابَّةً فَقَبَضَهَا الْمُرْتَهِنُ فَأَذِنَ له رَبُّ الدَّابَّةِ أو الدَّارِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالدَّارِ أو الدَّابَّةِ فَانْتَفَعَ بها لم يَكُنْ هذا إخْرَاجًا له من الرَّهْنِ وما لِهَذَا وَإِخْرَاجِهِ من الرَّهْنِ وَإِنَّمَا هذا مَنْفَعَةٌ لِلرَّاهِنِ لَيْسَتْ في أَصْلِ الرَّهْنِ لِأَنَّهُ شَيْءٌ يَمْلِكُهُ الرَّاهِنُ دُونَ الْمُرْتَهِنِ
____________________

(7/117)


وإذا كان شَيْءٌ لم يَدْخُلْ في الرَّهْنِ فَقَبَضَ الْمُرْتَهِنُ الْأَصْلَ ثُمَّ أَذِنَ له في الِانْتِفَاعِ بِمَا لم يَرْهَنْ لم يَنْفَسِخْ الرَّهْنُ أَلَا تَرَى أَنَّ كِرَاءَ الدَّارِ وَخَرَاجَ الْعَبْدِ لِلرَّاهِنِ - * بَابُ الْحَوَالَةِ وَالْكَفَالَةِ في الدَّيْنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان لِرَجُلٍ علي رَجُلٍ دَيْنٌ فَكَفَلَ له بِهِ عنه رَجُلٌ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول لِلطَّالِبِ أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهمَا شَاءَ فَإِنْ كانت حَوَالَةً لم يَكُنْ له أَنْ يَأْخُذَ الذي أَحَالَهُ لِأَنَّهُ قد أَبْرَأَهُ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول ليس له أَنْ يَأْخُذَ الذي عليه الْأَصْلُ فِيهِمَا جميعا لِأَنَّهُ حَيْثُ قَبِلَ منه الْكَفِيلَ فَقَدْ أَبْرَأَهُ من الْمَالِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَالُ قد تَوَى قِبَلَ الْكَفِيلِ فَيَرْجِعَ بِهِ على الذي عليه الْأَصْلُ وَإِنْ كان كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلًا عن صَاحِبِهِ كان له أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهمَا شَاءَ في قَوْلِهِمَا جميعا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان لِلرَّجُلِ على الرَّجُلِ الْمَالُ وَكَفَلَ بِهِ آخَرُ فَلِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَأْخُذَهُمَا وَكُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا يَبْرَأُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حتى يَسْتَوْفِيَ ماله ( ( ( مالا ) ) ) إذَا كانت الْكَفَالَةُ مُطْلَقَةً فَإِنْ كانت الْكَفَالَةُ بِشَرْطٍ كان لِلْغَرِيمِ أَنْ يَأْخُذَ الْكَفِيلَ علي ما شَرَطَ له دُونَ ما لم يَشْرِطْ له وَلَوْ كانت حَوَالَةً فَالْحَوَالَةُ مَعْقُولٌ فيها أنها تَحَوُّلُ حَقٍّ على رَجُلٍ إلَى غَيْرِهِ فإذا تَحَوَّلَتْ عن رَجُلٍ لم يَجُزْ أَنْ يَعُودَ عليه ما تَحَوَّلَ عنه إلَّا بِتَجْدِيدِ عَوْدَتِهِ عليه وَيَأْخُذَ الْمُحَالُ عليه دُونَ الْمُحِيلِ بِكُلِّ حَالٍ وإذا أَخَذَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ ثُمَّ أَخَذَ منه بَعْدَ ذلك آخَرَ بِنَفْسِهِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كان يقول هُمَا كَفِيلَانِ جميعا وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول قد بريء الْكَفِيلُ الْأَوَّلُ حين أَخَذَ الْكَفِيلَ الْآخَرَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَخَذَ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ ثُمَّ أَخَذَ منه كَفِيلًا آخَرَ بِنَفْسِهِ ولم يبريء ( ( ( يبرئ ) ) ) الْأَوَّلَ فَكِلَاهُمَا كَفِيلٌ بِنَفْسِهِ وإذا كَفَلَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ بِدَيْنٍ غَيْرِ مُسَمًّى فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تعالي عنه كان يقول هو له ضَامِنٌ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا يَجُوزُ عليه الضَّمَانُ في ذلك لِأَنَّهُ ضَمِنَ شيئا مَجْهُولًا غير مُسَمًّى وهو أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ أَضْمَنُ ما قضي لَك بِهِ الْقَاضِي عليه من شَيْءٍ وما كان لَك عليه من حَقٍّ وما شَهِدَ لك بِهِ الشُّهُودُ وما أَشْبَهَ هذا فَهُوَ مَجْهُولٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ ما قَضَى لَك بِهِ الْقَاضِي على فُلَانٍ أو شَهِدَ لَك بِهِ عليه شُهُودٌ أو ما أَشْبَهَ هذا فَأَنَا له ضَامِنٌ لم يَكُنْ ضَامِنًا لِشَيْءٍ من قِبَلِ أَنَّهُ قد يُقْضَى له وَلَا يُقْضَى له وَيَشْهَدُ له وَلَا يَشْهَدُ له فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِمَّا شَهِدَ له بِوُجُوهٍ فلما كان هذا هَكَذَا لم يَكُنْ هذا ضَمَانًا وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الضَّمَانَ بِمَا عَرَفَهُ الضَّامِنُ فَأَمَّا ما لم يَعْرِفْهُ فَهُوَ من الْمُخَاطَرَةِ وإذا ضَمِنَ الرَّجُلُ دَيْنَ مَيِّتٍ بَعْدَ مَوْتِهِ وَسَمَّاهُ ولم يَتْرُكْ الْمَيِّتُ وَفَاءً وَلَا شيئا وَلَا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول لَا ضَمَانَ على الْكَفِيلِ لِأَنَّ الدَّيْنَ قد تَوَى وكان بن أبي لَيْلَى يقول الْكَفِيلُ ضَامِنٌ وَبِهِ يَأْخُذُ وقال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ تَرَكَ شيئا ضَمِنَ الْكَفِيلُ بِقَدْرِ ما تَرَكَ وَإِنْ كان تَرَكَ وَفَاءً فَهُوَ ضَامِنٌ لِجَمِيعِ ما تَكَفَّلَ بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ضَمِنَ الرَّجُلُ دَيْنَ الْمَيِّتِ بعد ما يَعْرِفُهُ وَيَعْرِفُ لِمَنْ هو فَالضَّمَانُ له لَازِمٌ تَرَكَ الْمَيِّتُ شيئا أو لم يَتْرُكْ وإذا كَفَلَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ له في التِّجَارَةِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول كَفَالَتُهُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهَا مَعْرُوفٌ وَلَيْسَ يَجُوزُ له الْمَعْرُوفُ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول كَفَالَتُهُ جَائِزَةٌ لِأَنَّهَا من التِّجَارَةِ وإذا أَفْلَسَ الْمُحْتَالُ عليه فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي كان يقول لَا يَرْجِعُ على الذي أَحَالَهُ حتى يَمُوتَ الْمُحْتَالُ عليه وَلَا يَتْرُكَ مَالًا وكان بن أبي لَيْلَى يقول له أَنْ يَرْجِعَ إذَا أَفْلَسَ وَبِهَذَا يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْحَوَالَةُ تَحْوِيلُ حَقٍّ فَلَيْسَ له أَنْ يَرْجِعَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كَفَلَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ له في التِّجَارَةِ بِكَفَالَةٍ فَالْكَفَالَةُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ اسْتِهْلَاكُ مَالٍ لَا كَسْبُ مَالٍ وإذا كنا نَمْنَعُهُ أَنْ يَسْتَهْلِكَ من مَالِهِ شيئا قَلَّ أو كَثُرَ فَكَذَلِكَ نَمْنَعُهُ
____________________

(7/118)


أَنْ يَتَكَفَّلَ فَيَغْرَمَ من مَالِهِ شيئا قَلَّ أو كَثُرَ وإذا وَكَّلَ الرَّجُلُ رَجُلًا في شَيْءٍ فَأَرَادَ الْوَكِيلُ أَنْ يُوَكِّلَ بِذَلِكَ غَيْرَهُ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول ليس له ذلك إلَّا أَنْ يَكُونَ صَاحِبُهُ أَمَرَهُ أَنْ يُوَكِّلَ بِذَلِكَ غَيْرَهُ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول له أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَغِيبَ أو مَرِضَ فَأَمَّا إذَا كان صَحِيحًا حَاضِرًا فَلَا قال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَكَيْفَ يَكُونُ له أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ ولم يَرْضَ صَاحِبُهُ بِخُصُومَةِ غَيْرِهِ وَإِنَّمَا رضي بِخُصُومَتِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا وَكَّلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ بِوَكَالَةٍ فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ مَرِضَ الْوَكِيلُ أو أَرَادَ الْغَيْبَةَ أو لم يُرِدْهَا لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ له رضى بِوَكَالَتِهِ ولم يَرْضَ بِوَكَالَةِ غَيْرِهِ فَإِنْ قال وَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ من رأي كان ذلك له بِرِضَا الْمُوَكِّلِ وإذا وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا بِخُصُومَةٍ وَأَثْبَتَ الْوَكَالَةَ عِنْدَ الْقَاضِي ثُمَّ أَقَرَّ على صَاحِبِهِ الذي وَكَّلَهُ أَنَّ تِلْكَ الْخُصُومَةَ حَقٌّ لِصَاحِبِهِ الذي يُخَاصِمُهُ أَقَرَّ بِهِ عِنْدَ الْقَاضِي فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول إقْرَارُهُ جَائِزٌ وَبِهِ يَأْخُذُ قال وَإِنْ أَقَرَّ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي وَشَهِدَ عليه الشُّهُودُ فَإِقْرَارُهُ بَاطِلٌ وَيَخْرُجُ من الْخُصُومَةِ وقال أبو يُوسُفَ إقْرَارُهُ عِنْدَ الْقَاضِي وَعِنْدَ غَيْرِهِ جَائِزٌ عليه وكان بن أبي لَيْلَى يقول إقْرَارُهُ بَاطِلٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا وَكَّلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ بِوَكَالَةٍ ولم يَقُلْ في الْوَكَالَةِ أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِأَنْ يُقِرَّ عليه وَلَا يُصَالِحَ وَلَا يُبَرِّئَ وَلَا يَهَبَ فَلَيْسَ له أَنْ يُقِرَّ وَلَا يُبَرِّئَ وَلَا يَهَبَ وَلَا يُصَالِحَ فَإِنْ فَعَلَ فما فَعَلَ من ذلك كُلِّهِ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لم يُوَكِّلْهُ بِهِ فَلَا يَكُونُ وَكِيلًا فِيمَا لم يُوَكِّلْهُ وإذا وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا في قِصَاصٍ أو حَدٍّ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول لَا تُقْبَلُ في ذلك وَكَالَةٌ وَبِهِ يَأْخُذُ وَرَوَى أبو يُوسُفَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قال أَقْبَلُ من الْوَكِيلِ الْبَيِّنَةَ في الدَّعْوَى في الْحَدِّ وَالْقِصَاصِ وَلَا أُقِيمُ الْحَدَّ وَلَا الْقِصَاصَ حتى يَحْضُرَ المدعى وقال أبو يُوسُفَ لَا أَقْبَلُ الْبَيِّنَةَ إلَّا من المدعى وَلَا أَقْبَلُ في ذلك وَكِيلًا وكان بن أبي لَيْلَى يقول تُقْبَلُ في ذلك الْوَكَالَةُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا وَكَّلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ بِطَلَبِ حَدٍّ له أو قِصَاصٍ له على رَجُلٍ قُبِلَتْ الْوَكَالَةُ على تَثْبِيتِ الْبَيِّنَةِ وإذا حَضَرَ الْحَدَّ وَالْقِصَاصَ لم أَحُدَّهُ ولم أَقْتَصَّ حتى يَحْضُرَ الْمَحْدُودُ له وَالْمُقْتَصُّ له من قِبَلِ أَنَّهُ قد يُقِرُّ له فَيُبْطِلُ الْحَقَّ وَيُكَذِّبُ الْبَيِّنَةَ فَيُبْطِلُ الْقِصَاصَ وَيَعْفُو وإذا كانت في يَدَيْ رَجُلٍ دَارٌ فَادَّعَاهَا رَجُلٌ فقال الذي هِيَ في يَدَيْهِ وَكَّلَنِي بها فُلَانٌ لِرَجُلٍ غَائِبٍ أَقُومُ له عليها فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول لَا أُصَدِّقُهُ إلَّا أَنْ يأتى على ذلك بِبَيِّنَةٍ وَأَجْعَلُهُ خَصْمًا وَبِهِ يَأْخُذُ وقال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ بَعْدَ أَنْ كان مُتَّهَمًا أَيْضًا لم أَقْبَلْ منه بَيِّنَةً وَجَعَلْته خَصْمًا إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِشُهُودٍ أَعْرِفُهُمْ وكان بن أبي لَيْلَى يقول أَقْبَلُ منه وَأُصَدِّقُهُ وَلَا نَجْعَلُ بَيْنَهُمَا خُصُومَةً وكان بن أبي لَيْلَى بَعْدَ ذلك يقول إذَا اتَّهَمْته سَأَلْته الْبَيِّنَةَ على الْوَكَالَةِ فَإِنْ لم يُقِمْ الْبَيِّنَةَ جَعَلْته خَصْمًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ كانت الدَّارُ في يَدَيْ رَجُلٍ فَادَّعَاهَا رَجُلٌ فقال الذي هِيَ في يَدَيْهِ لَيْسَتْ لي هِيَ في يَدِي وَدِيعَةٌ أو هِيَ على بِكِرَاءٍ أو أنا فيها وَكِيلٌ فَمَنْ قَضَى على الْغَائِبِ سمع من الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ وَأَحْضَرَ الذي هِيَ في يَدَيْهِ فَإِنْ أَثْبَتَ وَكَالَتَهُ قَضَى عليه وَإِنْ لم يُثْبِتْهَا قَضَى بها لِلَّذِي أَقَامَ عليها الْبَيِّنَةَ وَكَتَبَ في الْقَضَاءِ إنِّي قَضَيْت بها ولم يَحْضُرْنِي فيها خَصْمٌ وَزَعَمَ فُلَانٌ أنها لَيْسَتْ له وَمَنْ لم يَقْضِ على الْغَائِبِ سَأَلَ الذي هِيَ في يَدَيْهِ الْبَيِّنَةَ على ما يقول فَإِنْ جاء بها على أنها في يَدَيْهِ بِكِرَاءٍ أو وَدِيعَةٍ لم يَجْعَلْهُ خَصْمًا فَإِنْ جاء بِالْبَيِّنَةِ على الْوَكَالَةِ جَعَلْته خَصْمًا ( قال الرَّبِيعُ ) وحفظى عن الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يقضى على الْغَائِبِ قال وإذا كان لِلرَّجُلِ على الرَّجُل مَالٌ فَجَاءَ رَجُلٌ فقال قد وَكَّلَنِي بِقَبْضِهِ مِنْك فُلَانٌ فقال الذي عليه الْمَالُ صَدَقْت فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول أُجْبِرُهُ على أَنْ يُعْطِيَهُ إيَّاهُ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا أُجْبِرُهُ على ذلك إلَّا أَنْ يُقِيمَ بينه عليه وَأَقُولُ أنت أَعْلَمُ فَإِنْ شِئْت فَأَعْطِهِ وَإِنْ شِئْت فَاتْرُكْهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان لِلرَّجُلِ على الرَّجُلِ مَالٌ وهو عِنْدَهُ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فذكر أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ وَكَّلَهُ بِهِ وَصَدَّقَهُ الذي في يَدَيْهِ الْمَالُ لم أُجْبِرْهُ على أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ فَإِنْ
____________________

(7/119)


دَفَعَهُ لم يَبْرَأْ من الْمَالِ إلَّا أَنْ يُقِرَّ رَبُّ الْمَالِ بِأَنَّهُ وَكَّلَهُ أو تَقُومَ عليه بينه بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ لو ادَّعَى هذا الذي ادَّعَى الْوَكَالَةَ دَيْنًا على رَبِّ الْمَالِ لم يُجْبَرْ الذي في يَدَيْهِ الْمَالُ على أَنْ يُعْطِيَهُ إيَّاهُ وَذَلِكَ أَنَّ إقْرَارَهُ إيَّاهُ بِهِ إقْرَارٌ منه على غَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ على غَيْرِهِ وإذا وَكَّلَ الرَّجُلُ رَجُلًا في شَيْءٍ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول لَا تَثْبُتُ وَكَالَتُهُ إلَّا أَنْ يأتى معه بِخَصْمٍ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول نَقْبَلُ بَيِّنَتَهُ على الْوَكَالَةِ وَنُثْبِتُهَا له وَلَيْسَ معه خَصْمٌ وقد كان أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا جَاءَهُ رَجُلٌ قد عَرَفَهُ يُرِيدُ أَنْ يَغِيبَ فقال هذا وَكِيلِي في كل حَقٍّ لي يُخَاصِمُ فيه قَبِلَ ذلك وَأَثْبَتَ وَكَالَتَهُ وإذا تَغَيَّبَ الْخَصْمُ وَكَّلَ له وَكِيلًا وَقَضَى عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا وَكَّلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عِنْدَ الْقَاضِي بِشَيْءٍ أَثْبَتَ الْقَاضِي بَيِّنَتَهُ على الْوَكَالَةِ وَجَعَلَهُ وَكِيلًا حَضَرَ معه خَصْمٌ أو لم يَحْضُرْ وَلَيْسَ الْخَصْمُ من هذا بِسَبِيلٍ وَإِنَّمَا أَثْبَتَ له الْوَكَالَةَ على الْمُوَكِّلِ وقد تَثْبُتُ له الْوَكَالَةُ وَلَا يَلْزَمُ الْخَصْمَ شَيْءٌ وقد يقضى لِلْخَصْمِ على الْمُوَكِّلِ فَتَكُونُ تِلْكَ الشَّهَادَةُ إنَّمَا هِيَ شَهَادَةٌ لِلْخَصْمِ تُثْبِتُ له حَقًّا على الْمُوَكِّلِ وإذا وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ لم يُوَكِّلْهُ بِالْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَقُولَ ما صَنَعْت من شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول إذَا وَكَّلَهُ في كل قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ فَبَاعَ دَارًا أو غير ذلك كان جَائِزًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا شَهِدَ الرَّجُلُ لِرَجُلٍ أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ له لم يَزِدْ على هذا فَالْوَكَالَةُ على هذا غَيْرُ جَائِزَةٍ من قِبَلِ أَنَّهُ قد يُوَكِّلُهُ بِبَيْعِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَيُوَكِّلُهُ بِحِفْظِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ لَا غَيْرَهُ وَيُوَكِّلُهُ بِدَفْعِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ لَا غَيْرَهُ فلما كان يَحْتَمِلُ هذه الْمَعَانِيَ وَغَيْرَهَا لم يَجُزْ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا حتى يُبَيِّنَ الْوَكَالَاتِ من بَيْعٍ أو شِرَاءٍ أو وَدِيعَةٍ أو خُصُومَةٍ أو عِمَارَةٍ أو غَيْرِ ذلك وإذا وَكَّلَتْ الْمَرْأَةُ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ وَهِيَ حَاضِرَةٌ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كان يقول لَا أَقْبَلُ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْخَصْمُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول نَقْبَلُ ذلك وَنُجِيزُهُ وَبِهِ يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَقْبَلُ الْوَكَالَةَ من الْحَاضِرِ من النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ في الْعُذْرِ وَغَيْرِهِ وقد كان عَلِيُّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه وَكَّلَ عِنْدَ عُثْمَانَ عَبْدَ اللَّهِ بن جَعْفَرٍ وَعَلِيُّ بن أبي طَالِبٍ حَاضِرٌ فَقَبِلَ ذلك عُثْمَانُ رضي اللَّهُ عنه وكان يُوَكِّلُ قبل عبد اللَّهِ بن جَعْفَرٍ عُقَيْلَ بن أبي طَالِبٍ وَلَا أَحْسِبُهُ أَنَّهُ كان يُوَكِّلُهُ إلَّا عِنْدَ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه وَلَعَلَّ عِنْدَ أبي بَكْرٍ رضي اللَّهُ عنه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وكان عَلِيُّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه يقول إنَّ لِلْخُصُومَةِ قَحْمًا وَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُهَا - * بَابٌ في الدَّيْنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان على الرَّجُلِ دَيْنٌ وكان عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ بِعَيْنِهَا فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول ما تَرَكَ الرَّجُلُ فَهُوَ بين الْغُرَمَاءِ وَأَصْحَابِ الْوَدِيعَةِ بِالْحِصَصِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول ليس لِصَاحِبِ الْوَدِيعَةِ شَيْءٌ لَا أَنْ يَعْرِفَ وَدِيعَتَهُ بِعَيْنِهَا فَتَكُونَ له خَاصَّةً وقال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هِيَ دَيْنٌ في مَالِهِ ما لم يَقُلْ قبل الْمَوْتِ قد هَلَكَتْ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لم يُعْلَمْ لها سَبِيلٌ ذَهَبَتْ فيه وَكَذَلِكَ كُلُّ مَالٍ أَصْلُهُ أَمَانَةٌ وَبِهِ يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان عِنْدَ الرَّجُلِ وَدِيعَةٌ بِعَيْنِهَا وَكَانَتْ عليه دُيُونٌ فَالْوَدِيعَةُ لِرَبِّ الْوَدِيعَةِ لَا تَدْخُلُ عليه الْغُرَمَاءُ فيها وَلَوْ كانت بِغَيْرِ عَيْنِهَا مِثْلَ دَنَانِيرَ وَدَرَاهِمَ وما لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ حَاصَّ رَبُّ الْوَدِيعَةِ الْغُرَمَاءَ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْمُسْتَوْدَعُ الْمَيِّتُ قبل أَنْ يَمُوتَ قد هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ فَيَكُونَ الْقَوْلُ قوله ( ( ( قولك ) ) ) لِأَنَّهُ أَمِينٌ وإذا أَقَرَّ الرَّجُلُ في مَرَضِهِ الذي مَاتَ فيه بِدَيْنٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ بِشُهُودٍ في صِحَّتِهِ وَلَيْسَ له وَفَاءٌ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تعالي عنه كان يقول يَبْدَأُ بِالدَّيْنِ الْمَعْرُوفِ الذي في صِحَّتِهِ فَإِنْ فَضَلَ عَنْهُمْ شَيْءٌ كان لِلَّذِينَ أَقَرَّ لهم في الْمَرَضِ بِالْحِصَصِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ حين مَرِضَ أَنَّهُ ليس يَمْلِكُ من مَالِهِ شيئا وَلَا تَجُوزُ وَصِيَّتُهُ فيه لِمَا عليه من الدَّيْنِ فَكَذَلِكَ إقْرَارُهُ له وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول
____________________

(7/120)


هو مُصَدَّقٌ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ وَاَلَّذِي أَقَرَّ له في الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ سَوَاءٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت على الرَّجُلِ دُيُونٌ مَعْرُوفَةٌ من بُيُوعٍ أو جِنَايَاتٍ أو شَيْءٍ اسْتَهْلَكَهُ أو شَيْءٍ أَقَرَّ بِهِ وَهَذَا كُلُّهُ في الصِّحَّةِ ثُمَّ مَرِضَ فَأَقَرَّ بِحَقٍّ لِإِنْسَانٍ فَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ ويتحاصون مَعًا لَا يُقَدَّمُ وَاحِدٌ على الْآخَرِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فيه إلَّا هذا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أو أَنْ يَقُولَ رَجُلٌ إذَا مَرِضَ فَإِقْرَارُهُ بَاطِلٌ كَإِقْرَارِ الْمَحْجُورِ عليه فَأَمَّا أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ إقْرَارَهُ يَلْزَمُهُ ثُمَّ لَا يُحَاصَّ بِهِ غُرَمَاؤُهُ فَهَذَا تَحَكُّمٌ وَذَلِكَ أَنْ يَبْدَأَ بِدَيْنِ الصِّحَّةِ وَإِقْرَارِ الصِّحَّةِ فَإِنْ كان عليه دَيْنٌ في الْمَرَضِ بِبَيِّنَةٍ حَاصَّ وَإِنْ لم يَكُنْ بِبَيِّنَةٍ لم يُحَاصَّ وإذا فَرَّعَ الرَّجُلُ أَهْلَ دَيْنِ الصِّحَّةِ وَدَيْنِ الْمَرَضِ بِالْبَيِّنَةِ لم تَجُزْ له وَصِيَّةٌ ولم يُورَثْ حتى يَأْخُذَ هذا حَقَّهُ فَهَذَا دَيْنٌ مَرَّةً يَبْدَأُ على الْمَوَارِيثِ وَالْوَصَايَا وَغَيْرُ دَيْنٍ إذَا صَارَ لَا يُحَاصَّ بِهِ وإذا اسْتَدَانَتْ الْمَرْأَةُ وَزَوْجُهَا غَائِبٌ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول أَفْرِضُ لها على زَوْجِهَا نَفَقَةَ مِثْلِهَا في غَيْبَتِهِ ثُمَّ رَجَعَ عن ذلك فقال لَا شَيْءَ لها وَهِيَ مُتَطَوِّعَةٌ فِيمَا أَنْفَقَتْ وَالدَّيْنُ عليها خَاصَّةً وكان بن أبي لَيْلَى لَا يَفْرِضُ لها نَفَقَةً إلَّا فِيمَا يُسْتَقْبَلُ وَكَذَلِكَ بَلَغَنَا عن شُرَيْحٍ وَبِهَذَا يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا غَابَ الرَّجُلُ عن امْرَأَتِهِ فلم يُنْفِقْ عليها فُرِضَتْ عليه النَّفَقَةُ لِمَا مَضَى مُنْذُ تَرَكَ النَّفَقَةَ عليها إلَى أَنْ أَنْفَقَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لو كان حَاضِرًا أَلْزَمْنَاهُ نَفَقَتَهَا وَبِعْنَا لها في مَالِهِ ثُمَّ يَغِيبُ عنها أو يَمْنَعُهَا النَّفَقَةَ وَلَا نَجْعَلُ لها عليه دَيْنًا لِأَنَّ الظُّلْمَ إذًا يَقْطَعُ الْحَقَّ الثَّابِتَ وَالظُّلْمُ لَا يَقْطَعُ حَقًّا وَاَلَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ يَفْرِضُ عليه نَفَقَتَهَا في الْغَيْبَةِ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَا يَقْضِي على غَائِبٍ إلَّا زَوْجَهَا فإنه يَفْرِضُ عليه نَفَقَتَهَا وهو غَائِبٌ فَيُخْرِجُهَا من مَالِهِ فَيَدْفَعُهَا إلَيْهَا فَيَجْعَلُهَا أَوْكَدَ من حُقُوقِ الناس مَرَّةً في هذا ثُمَّ يَطْرَحُهَا بِغَيْبَتِهِ إنْ لم تَقُمْ عليه وهو لَا يَطْرَحُ حَقًّا بِتَرْكِ صَاحِبِهِ الْقِيَامَ عليه وَيَعْجَبُ من قَوْلِ أَصْحَابِنَا في الْحِيَازَةِ وَيَقُولُ الْحَقُّ جَدِيدٌ وَالتَّرْكُ غَيْرُ خُرُوجٍ من الْحَقِّ ثُمَّ يَجْعَلُ الْحِيَازَةَ في النَّفَقَةِ أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عُمَرَ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه كَتَبَ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ في رِجَالٍ غَابُوا عن نِسَائِهِمْ فَأَمَرَهُمْ بِأَنْ يَأْخُذُوهُمْ بِأَنْ يُنْفِقُوا أو يُطَلِّقُوا فَإِنْ طَلَّقُوا بَعَثُوا بِنَفَقَةِ ما حَبَسُوا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى وَهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ لَا يُخَالِفُونَ الْوَاحِدَ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وقد خَالَفُوا حُكْمَ عُمَرَ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ من أَحَدٍ تَرْكَ الْقِيَاسِ وقد تَرَكُوهُ وَقَالُوا فيه قَوْلًا مُتَنَاقِضًا وإذا كان لِرَجُلٍ على رَجُلٍ مَالٌ وَلَهُ عليه مِثْلُهُ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول هو قِصَاصٌ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا يَكُونُ قِصَاصًا إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا بِهِ فَإِنْ كان لِأَحَدِهِمَا على صَاحِبِهِ مَالٌ مُخَالِفٌ لِذَلِكَ لم يَكُنْ ذلك قِصَاصًا في قَوْلِهِمَا جميعا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى وإذا كان لِرَجُلٍ على رَجُلٍ مَالٌ وَلَهُ عليه مِثْلُهُ لَا يَخْتَلِفَانِ في وَزْنٍ وَلَا عَدَدٍ وَكَانَا حَالَّيْنِ مَعًا فَهُوَ قِصَاصٌ فَإِنْ كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ لم يَكُنْ قِصَاصٌ إلَّا بِتَرَاضٍ ولم يَكُنْ التَّرَاضِي جَائِزًا إلَّا بِمَا تَحِلُّ بِهِ الْبُيُوعُ وإذا أَقَرَّ وَارِثٌ بِدَيْنٍ وفي نَصِيبِهِ وَفَاءٌ بِذَلِكَ الدَّيْنِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول يستوفى الْغَرِيمُ من ذلك الْوَارِثِ الْمُقِرِّ جَمِيعَ مَالِهِ من نَصِيبِهِ لِأَنَّهُ لَا مِيرَاثَ له حتى يقضى الدَّيْنَ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول إنَّمَا يَدْخُلُ عليه من الدَّيْنِ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ من الْمِيرَاثِ فَإِنْ كان هو وَأَخٌ له دخل عليه النِّصْفُ وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً دخل عليه الثُّلُثُ وَالشَّاهِدُ عِنْدَهُ منهم وَحْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُقِرِّ وَإِنْ كَانَا اثْنَيْنِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا في جَمِيعِ الْمِيرَاثِ في قَوْلِهِمَا جميعا إذَا كَانَا عَدْلَيْنِ فَإِنْ لم يَكُونَا عَدْلَيْنِ كان ذلك في أَنْصِبَائِهِمَا على ما فَسَّرْنَا من قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وبن أبي لَيْلَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه إذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ غير عَدْلَيْنِ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا على أبيه بِدَيْنٍ فَقَدْ قال بَعْضُ أَصْحَابِنَا لِلْغَرِيمِ الْمُقَرِّ له أَنْ يَأْخُذَ من الْمُقِرِّ مِثْلَ الذي كان يُصِيبُهُ مِمَّا في يَدَيْهِ لو أَقَرَّ بِهِ
____________________

(7/121)


الْآخَرُ وَذَلِكَ النِّصْفُ من دَيْنِهِ مِمَّا في يَدَيْهِ وقال غَيْرُهُمْ يَأْخُذُ جَمِيعَ مَالِهِ من هذا فَمَتَى أَقَرَّ له الْآخَرُ رَجَعَ الْمَأْخُوذُ من يَدَيْهِ على الْوَارِثِ معه فَيُقَاسِمُهُ حتى يَكُونَا في الْمِيرَاثِ سَوَاءٌ وإذا كَتَبَ الرَّجُلُ بِقَرْضٍ في ذِكْرِ حَقٍّ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ أَصْلَهُ كان مُضَارَبَةً فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كان يقول آخُذُهُ بِهِ وَإِقْرَارُهُ على نَفْسِهِ بِالْقَرْضِ أَصْدَقُ من دَعْوَاهُ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول أُبْطِلُهُ عنه وَأَجْعَلُهُ عليه مُضَارَبَةً وهو فيه أَمِينٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا أَقَرَّ الرَّجُلُ أَنَّ لِلرَّجُلِ عليه أَلْفَ دِرْهَمٍ سَلَفًا ثُمَّ جاء بِالْبَيِّنَةِ أنها مُقَارَضَةٌ سُئِلَ الذي له السَّلَفُ فَإِنْ قال نعم هِيَ مُقَارَضَةٌ أَرَدْت أَنْ يَكُونَ له ضَامِنًا أَبْطَلْنَا عنه السَّلَفَ وَجَعَلْنَاهَا مُقَارَضَةً وَإِنْ لم يُقِرَّ بهذا رَبُّ الْمَالِ وَادَّعَاهُ الْمَشْهُودُ له أَحَلَفْنَاهُ فَإِنْ حَلَفَ كانت له عليه دَيْنًا وكان إقْرَارُهُ على نَفْسِهِ أَوْلَى من شُهُودٍ شَهِدُوا له بِأَمْرٍ قد يُمْكِنُ أَنْ يَكُونُوا صَدَقُوا فيه وَيَكُونُ أَصْلُهَا مُقَارَضَةً تَعَدَّى فيها فَضَمِنَ أو يَكُونُوا كَذَبُوا وإذا أَقَامَ الرَّجُلُ على الرَّجُلِ الْبَيِّنَةَ بِمَالٍ في ذِكْرِ حَقٍّ من شَيْءٍ جَائِزٍ فَأَقَامَ الذي عليه الدَّيْنُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ من رِبًا وَأَنَّهُ قد أَقَرَّ أَنَّهُ قد كَتَبَ ذِكْرَ حَقٍّ من شَيْءٍ جَائِزٍ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول لَا أَقْبَلُ منه الْمُخْرَجَ وَيَلْزَمُهُ الْمَالُ بِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ ثَمَنُ شَيْءٍ جَائِزٍ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يَقْبَلُ منه الْبَيِّنَةَ على ذلك وَيَرُدُّهُ إلَى رَأْسِ الْمَالِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَقَامَ الرَّجُلُ على الرَّجُلِ الْبَيِّنَةَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَقَامَ الذي عليه الْأَلْفُ الْبَيِّنَةَ أنها من رِبًا فَإِنْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ على أَصْلِ بَيْعِ رِبَا سُئِلَ الذي له الْأَلْفُ هل كان ما قالوا من الْبَيْعِ ( 1 ) فَإِنْ قالوا لم يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ بَيْعُ رِبًا قَطُّ وَلَا له حَقٌّ عليه من وَجْهٍ من الْوُجُوهِ إلَّا هذه الْأَلْفُ وَهِيَ من بَيْعٍ صَحِيحٍ قَبِلْتُ الْبَيِّنَةَ عليه وَأَبْطَلْتُ الرِّبَا كَائِنًا ما كان وَرَدَدْته إلَّا رَأْسَ مَالِهِ وَإِنْ امْتَنَعَ من أَنْ يُقِرَّ بها أَحَلَفْتَهُ له فَإِنْ حَلَفَ لَزِمَتْ الْغَرِيمَ الْأَلْفُ وَهِيَ في مِثْلِ مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا لِأَنَّهُ قد يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَرْبَى عليه في الْأَلْفِ وَيَكُونَ له أَلْفٌ غَيْرُهَا وإذا أَقَرَّ الرَّجُلُ بِمَالٍ في ذِكْرِ حَقٍّ من بَيْعٍ ثُمَّ قال بَعْدَ ذلك لم أَقْبِضْ الْمَبِيعَ ولم ( ( ( وتشهد ) ) ) تشهد عليه بَيِّنَةٌ بِقَبْضِهِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول الْمَالُ له لَازِمٌ وَلَا أَلْتَفِتُ إلَى قَوْلِهِ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ من الْمَالِ حتي يأتى الطَّالِبُ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ قد قَبَضَ الْمَتَاعَ الذي بِهِ عليه ذِكْرُ الْحَقِّ وقال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَسْأَلُ الذي له الْحَقُّ أَبِعْت هذا فَإِنْ قال نعم قُلْت فَأَقِمْ الْبَيِّنَةَ على أَنَّك قد وَفَّيْته مَتَاعَهُ فَإِنْ قال الطَّالِبُ لم أَبِعْهُ شيئا لَزِمَهُ الْمَالُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا جاء بِذِكْرِ حَقٍّ وَبَيِّنَةٍ على رَجُلٍ أَنَّ عليه أَلْفَ دِرْهَمٍ من ثَمَنِ مَتَاعٍ أو ما كان فقال الذي عليه الْبَيِّنَةُ إنَّهُ بَاعَنِي هذا الْمَتَاعَ ولم أَقْبِضْهُ كَلَّفْت الذي له الْحَقُّ بَيِّنَةً أَنَّهُ قد قَبَضَهُ أو أَقَرَّ بِقَبْضِهِ فَإِنْ لم يَأْتِ بها أَحَلَفْت الذي عليه الْحَقُّ ما قَبَضْت الْمَتَاعَ الذي هذه الْأَلْفُ ثَمَنُهُ ثُمَّ أَبْرَأْته من هذه الْأَلْفِ وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ يَشْتَرِي من الرَّجُلِ الشَّيْءَ فَيَجِبُ عليه ثَمَنُهُ بِتَسْلِيمِ الْبَائِعِ ما اشْتَرَى منه وَيَسْقُطُ عنه الثَّمَنُ بِهَلَاكِ الشَّيْءِ قبل أَنْ يَقْبِضَهُ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَكُونَ دَافِعًا لِلثَّمَنِ إلَّا بِأَنْ يَدْفَعَ السِّلْعَةَ إلَيْهِ وَلَوْ كان الذي له الْأَلْفُ أتى بِذِكْرِ حَقٍّ وَبِشَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّ عليه أَلْفَ دِرْهَمٍ من ثَمَنِ مَتَاعٍ اشْتَرَاهُ منه ثُمَّ قال الْمَشْهُودُ عليه لم أَقْبِضْهُ سُئِلَ الْمَشْهُودُ له بِالْأَلْفِ فَإِنْ قال هذه الْأَلْفُ من ثَمَنِ مَتَاعٍ بِعْته إيَّاهُ وَقَبَضَهُ كُلِّفَ الْبَيِّنَةَ على أَنَّهُ قَبَضَهُ وكان الْجَوَابُ فيها كَالْجَوَابِ في الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا وَإِنْ قال قد أَقَرَّ لي بِالْأَلْفِ فَخُذْهُ لي بِإِقْرَارِهِ أَخَذْته له بِهِ وَأَحْلَفْتُهُ على دَعْوَى الْمَشْهُودِ عليه وإذا ادَّعَى الرَّجُلُ على الرَّجُلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَجَاءَ عليه بِالْبَيِّنَةِ فَشَهِدَ أَحَدُ شَاهِدَيْهِ بِالْأَلْفِ وَشَهِدَ الْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول لَا شَهَادَةَ لَهُمَا لِأَنَّهُمَا قد اخْتَلَفَا وكان بن أبي لَيْلَى يُجِيزُ من ذلك أَلْفَ دِرْهَمٍ ويقضى بها لِلطَّالِبِ وَبِهِ يَأْخُذُ وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَشَهِدَ الْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ كانت الْأَلْفُ جَائِزَةً في قَوْلِهِمَا جميعا وَإِنَّمَا أَجَازَ هذا أبو حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ كان
____________________

(7/122)


يقول قد سَمَّى الشَّاهِدَانِ جميعا أَلْفًا وقال الْآخَرُ خَمْسَمِائَةٍ فَصَارَتْ هذه مَفْصُولَةً من الْأَلْفِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا ادَّعَى الرَّجُلُ على الرَّجُلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَجَاءَ عليه بِشَاهِدَيْنِ شَهِدَ له أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ سَأَلْتهمَا فَإِنْ زَعَمَا أَنَّهُمَا شَهِدَا بها عليه بِإِقْرَارِهِ أو زَعَمَ الذي شَهِدَ بِأَلْفٍ أَنَّهُ شَكَّ في الْأَلْفَيْنِ وَأَثْبَتَ الْأَلْفَ فَقَدْ ثَبَتَ عليه الْأَلْفُ بِشَاهِدَيْنِ إنْ أَرَادَ أَخَذَهَا بِلَا يَمِينٍ وَإِنْ أَرَادَ الْأَلْفَ الْأُخْرَى التي له عليها شَاهِدٌ وَاحِدٌ أَخَذَهَا بِيَمِينٍ مع شَاهِدٍ وَإِنْ كَانَا اخْتَلَفَا فقال الذي شَهِدَ بِالْأَلْفَيْنِ شَهِدْت بِهِمَا عليه من ثَمَنِ عَبْدٍ قَبَضَهُ وقال الذي شَهِدَ عليه بِأَلْفٍ شَهِدْت بها عليه من ثَمَنِ ثِيَابٍ قَبَضَهَا فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ أَصْلَ الْحَقَّيْنِ مُخْتَلِفٌ فَلَا يَأْخُذُ إلَّا بِيَمِينٍ مع كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنْ أَحَبَّ حَلَفَ مَعَهُمَا وَإِنْ أَحَبَّ حَلَفَ مع أَحَدِهِمَا وَتَرَكَ الْآخَرَ إذَا ادَّعَى ما قَالَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَسَوَاءٌ أَلْفَيْنِ أو أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ وإذا شَهِدَ الرَّجُلُ على شَهَادَةِ رَجُلٍ وَشَهِدَ آخَرُ على شَهَادَةِ نَفْسِهِ في دَيْنٍ أو شِرَاءٍ أو بَيْعٍ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ شَاهِدٍ على شَهَادَةِ شَاهِدٍ وَلَا يُقْبَلُ عليه إلَّا شَاهِدَانِ وَكَذَلِكَ بَلَغَنَا عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول أَقْبَلُ شَهَادَةَ شَاهِدٍ على شَهَادَةِ شَاهِدٍ وَكَذَلِكَ بَلَغَنَا عن شُرَيْحٍ وَإِبْرَاهِيمَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ شَاهِدَانِ على شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ لم أَقْبَلْ على كل شَاهِدٍ إلَّا شَهَادَةَ شَاهِدَيْنِ مَعًا ( قال الرَّبِيعُ ) من قِبَلِ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ لو شَهِدَا على شَهَادَةِ شَاهِدٍ لم يَحْكُمْ بها الْحَاكِمُ إلَّا بِشَاهِدٍ آخَرَ فلما شَهِدَا على شَهَادَةِ الشَّاهِدِ الْآخَرِ كَانَا إنَّمَا جَرَّا إلَى أَنْفُسِهِمَا إجَازَةَ شَهَادَتِهِمَا الْأُولَى التي أَبْطَلَهَا الْحَاكِمُ فلم نُجِزْ إلَّا شَهَادَةَ شَاهِدَيْنِ على كل شَاهِدٍ وإذا شَهِدَ الشُّهُودُ على دَارٍ أنها لِفُلَانٍ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا بين فُلَانٍ وَفُلَانٍ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول إنْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ له وَارِثًا غير هَؤُلَاءِ جَازَتْ الشَّهَادَةُ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ إذَا قالوا لَا نَعْلَمُ له وَارِثًا غير هَؤُلَاءِ حتي يُثْبِتُوا ذلك فَيَقُولُوا لَا وَارِثَ له غَيْرَهُمْ وإذا وَارِثٌ غَيْرُهُمْ بِبَيِّنَةٍ أَدْخَلَهُ مَعَهُمْ في الْمِيرَاثِ ولم تَبْطُلْ شَهَادَةُ الْأَوَّلَيْنِ في قَوْلِهِمَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ عنه وإذا شَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّ هذه الدَّارَ دَارُ فُلَانٍ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَا يَعْلَمُونَ له وَارِثًا إلَّا فُلَانٌ وَفُلَانٌ قَبِلَ الْقَاضِي شَهَادَتَهُمْ فَإِنْ كان الشَّاهِدَانِ من أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ الْبَاطِنَةِ بِهِ قضى لَهُمَا بِالْمِيرَاثِ وَإِنْ جاء وَرَثَةٌ غَيْرُهُمْ أَدْخَلْتهمْ عليهم وَكَذَلِكَ لو جاء أَهْلُ وَصِيَّةٍ أو دَيْنٍ فَإِنْ كَانُوا من غَيْرِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ الْبَاطِنَةِ بِالْمَيِّتِ احْتَاطَ الْقَاضِي فَسَأَلَ أَهْلَ الْمَعْرِفَةِ فقال هل تَعْلَمُونَ له وَارِثًا غَيْرَهُمْ فَإِنْ قالوا نعم قد بَلَغَنَا فَإِنَّا لَا نَقْسِمُ الْمِيرَاثَ حتى نَعْلَمَ كَمْ هُمْ فَنَقْسِمَهُ عليهم فَإِنْ تَطَاوَلَ أَنْ يَثْبُتَ ذلك دَعَا الْقَاضِي الْوَارِثَ بِكَفِيلٍ بِالْمَالِ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ ولم يُجْبِرْهُ إنْ لم يَأْتِ بِكَفِيلٍ وَلَوْ قال الشُّهُودُ لَا وَارِثَ له غَيْرَهُمْ قَبِلْته على مَعْنَى لَا نَعْلَمُ وَلَوْ قالوا ذلك على الْإِحَاطَةِ لم يَكُنْ هذا صَوَابًا منهم ولم يَكُنْ فيه ما رَدَّ شَهَادَتَهُمْ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ على الْبَتِّ تُؤَوَّلُ إلَى الْعِلْمِ وإذا شَهِدَ الشُّهُودُ على زِنًا قَدِيمٍ أو سَرِقَةٍ قَدِيمَةٍ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول يَدْرَأُ الْحَدَّ في ذلك ويقضى بِالْمَالِ وَيَنْظُرُ في الْمَهْرِ لِأَنَّهُ قد وطىء فإذا لم يُقِمْ الْحَدَّ بِالْوَطْءِ فَلَا بُدَّ من مَهْرٍ وَكَذَلِكَ بَلَغَنَا عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ أَنَّهُ قال أَيُّمَا قَوْمٍ شَهِدُوا على حَدٍّ لم يَشْهَدُوا عِنْدَ حَضْرَةِ ذلك فَإِنَّمَا شَهِدُوا على ضِغْنٍ فَلَا شَهَادَةَ لهم وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول أَقْبَلُ شَهَادَتَهُمْ وَأُمْضِي الْحَدَّ فَأَمَّا السَّكْرَانُ فَإِنْ أتى بِهِ وهو غَيْرُ سَكْرَانَ فَلَا حَدَّ عليه وَإِنْ كان أُخِذَ وهو سَكْرَانُ فلم يَرْتَفِعْ إلَى الْوَالِي حتى ذَهَبَ السُّكْرُ عنه إلَّا أَنَّهُ في يَدَيْ الشَّرْطِ أو عَامِلِ الْوَالِي فإنه يُحَدُّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا شَهِدَ الشُّهُودُ على حَدٍّ لِلَّهِ أو لِلنَّاسِ أو حَدٍّ فيه شَيْءٌ لِلَّهِ عز وجل وَلِلنَّاسِ مِثْلُ الزنى وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَأَثْبَتُوا الشَّهَادَةَ على الْمَشْهُودِ عليه أنها بَعْدَ بُلُوغِهِ في حَالٍ يَعْقِلُ فيها أُقِيمُ عليه الْحَدُّ ذلك الْحَدُّ إلَّا أَنْ يُحْدِثَ بَعْدَهُ تَوْبَةً فَيَلْزَمُهُ ما لِلنَّاسِ وَيَسْقُطُ عنه ما لِلَّهِ قِيَاسًا على قَوْلِ اللَّهِ عز وجل في الْمُحَارَبِينَ
____________________

(7/123)


{ إلَّا الَّذِينَ تَابُوا من قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عليهم } الْآيَةَ فما كان من حَدٍّ لِلَّهِ تَابَ صَاحِبه من قَبْلِ أَنْ يَقْدِرَ عليه سَقَطَ عنه وَالتَّوْبَةُ مِمَّا كان ذَنْبًا بِالْكَلَامِ مِثْلُ الْقَذْفِ وما أَشْبَهَهُ الْكَلَامُ بِالرُّجُوعِ عن ذلك وَالنُّزُوعِ عنه وَالتَّوْبَةُ مِمَّا كان ذَنْبًا بِالْفِعْلِ مِثْلَ الزنى وما أَشْبَهَهُ فَبِتَرْكِ الْفِعْلِ مُدَّةً يُخْتَبَرُ فيها حتى يَكُونَ ذلك مَعْرُوفًا وَإِنَّمَا يَخْرُجُ من الشَّيْءِ بِتَرْكِ الذي دخل بِهِ فيه ( قال الرَّبِيعُ ) لِلشَّافِعِيِّ فيها قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ يُقَامُ عليه الْحَدُّ وَإِنْ تَابَ لِأَنَّ الذي جاء إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَقَرَّ بِالْحَدِّ لم يَأْتِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إلَّا تَائِبًا وقد أَمَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِرَجْمِهِ وَلَيْسَ طَرْحُ الْحُدُودِ التي لِلَّهِ عز وجل إلَّا في الْمُحَارَبِينَ خَاصَّةً فَأَمَّا ما كان للادميين فَإِنَّهُمْ إنْ كَانُوا قَتَلُوا فَأَوْلِيَاءُ الدَّمِ مُخَيَّرُونَ في قَتْلِهِمْ أو أَخْذِ الدِّيَةِ أو أَنْ يَعْفُوَا وَإِنْ كَانُوا أَخَذُوا الْمَالَ أُخِذَ منهم ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ الشُّهُودُ عِنْدَ الْقَاضِي بِشَهَادَةِ فَادَّعَى الْمَشْهُودُ عليه أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِزُورٍ وقال أنا أَجْرَحُهُمْ وَأُقِيمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُمْ اُسْتُؤْجِرُوا وَأَنَّهُمْ قَوْمٌ فُسَّاقٌ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول لَا أَقْبَلُ الْجَرْحَ على مِثْلِ هذا وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يَقْبَلُهُ فَأَمَّا غَيْرُ ذلك من مَحْدُودٍ في قَذْفٍ أو شَرِيكٍ أو عَبْدٍ فَهُمَا يَقْبَلَانِ في هذا الْجَرْحِ جميعا وحفظى عن أبي يُوسُفَ أَنَّهُ قال بَعْدُ يُقْبَلُ الْجُرْحُ إذَا شَهِدَ من أَعْرِفُهُ وَأَثِقُ بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ عنه وإذا شَهِدَ الشُّهُودُ على الرَّجُلِ بِشَهَادَةٍ فَعَدَلُوا انْبَغَى لِلْقَاضِي أَنْ يُسَمِّيَهُمْ وما شَهِدُوا بِهِ على الْمَشْهُودِ عليه وَيُمَكِّنَهُ من جَرْحِهِمْ فَإِنْ جاء بِجَرْحَتِهِمْ قَبِلَهَا وَإِنْ لم يَأْتِ بها أمضي عليه الْحَقَّ وَيَقْبَلُ في جَرْحَتِهِمْ أَنْ يَكُونُوا له مُهَاجِرِينَ في الْحَالِ التي شَهِدُوا فيها عليه وَإِنْ كَانُوا عُدُولًا وَيَقْبَلُ جَرْحَتَهُمْ بِمَا تُجْرَحُ بِهِ الشُّهُودُ من الْفِسْقِ وَغَيْرِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَقِفَ الشُّهُودُ على جَرْحَتِهِمْ وَلَا يَقْبَلُ منهم الْجَرْحَةَ إلَّا بِأَنْ يُبَيِّنُوا ما يُجْرَحُونَ بِهِ مِمَّا يَرَاهُ هو جَرْحًا فإن من الشُّهُودِ من يُجْرَحُ بِالتَّأْوِيلِ وَبِالْأَمْرِ الذي لَا جَرْحَ في مِثْلِهِ فَلَا يُقْبَلُ حتى يُثْبِتُوا ما يَرَاهُ هو جَرْحًا كان الْجَارِحُ من شَاءَ أَنْ يَكُونَ في فِقْهٍ أو فَضْلٍ وإذا شَهِدَ الْوَصِيُّ لِلْوَارِثِ الْكَبِيرِ على الْمَيِّتِ بِدَيْنٍ أو صَدَقَةٍ في دَارٍ أو هِبَةٍ أو شِرَاءٍ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كان يقول لَا يَجُوزُ ذلك وكان بن أبي لَيْلَى يقول هو جَائِزٌ وَبِهِ يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا مَاتَ الرَّجُلُ فَأَوْصَى إلَى رَجُلٍ فَشَهِدَ الْوَصِيُّ لِمَنْ لَا يَلِي أَمْرَهُ من وَارِثٍ كَبِيرٍ رَشِيدٍ أو أَجْنَبِيٍّ أو وَارِثٍ يَلِيهِ غَيْرُ الْوَصِيِّ فَشَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ وَلَيْسَ فيها شَيْءٌ تُرَدُّ له وَكَذَلِكَ إذَا شَهِدَ لِمَنْ لَا يَلِي أَمْرَهُ على أَجْنَبِيٍّ وإذا شَهِدَ الْوَصِيُّ على غَيْرِ الْمَيِّتِ لِلْوَارِثِ الْكَبِيرِ بِشَيْءٍ له خَاصَّةً فَشَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ في قَوْلِهِمَا جميعا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَذَلِكَ إذَا شَهِدَ لِمَنْ لَا يَلِي أَمْرَهُ على أَجْنَبِيٍّ وإذا ادَّعَى رَجُلٌ دَيْنًا على مَيِّتٍ فَشَهِدَ له شَاهِدَانِ على حَقِّهِ وَشَهِدَ هو وَآخَرُ على وَصِيَّةٍ وَدَيْنٍ لِرَجُلٍ عليه فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول شَهَادَتُهُمْ جَائِزَةٌ لِأَنَّ الْغَرِيمَ يَضُرُّ نَفْسَهُ بِشَهَادَتِهِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وإذا شَهِدَ أَصْحَابُ الْوَصَايَا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ لم تَجُزْ لِأَنَّهُمْ شُرَكَاءُ في الْوَصِيَّةِ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ وقال أبو يُوسُفَ أَصْحَابُ الْوَصَايَا وَالْغُرَمَاءُ سَوَاءٌ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وإذا كان لِرَجُلٍ دَيْنٌ بِبَيِّنَةٍ على مَيِّتٍ ثُمَّ شَهِدَ هو وَآخَرُ معه لِرَجُلٍ بِوَصِيَّةٍ فَشَهَادَتُهُمَا جَائِزَةٌ وَلَا شَيْءَ فيها مِمَّا تُرَدُّ له إنَّمَا تُرَدُّ بِأَنْ يَجُرَّا إلَى أَنْفُسِهِمَا بها وَهَذَانِ لم يَجُرَّا إلَى أَنْفُسِهِمَا بها ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ أَصْحَابُ الْوَصَايَا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ لم يَجُزْ لِأَنَّهُمْ شُرَكَاءُ في الْوَصِيَّةِ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ وإذا شَهِدَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لها وَكَذَلِكَ بَلَغَنَا عن شُرَيْحٍ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول شَهَادَتُهُ لها جَائِزَةٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه تُرَدُّ شَهَادَةُ الرَّجُلِ لِوَالِدَيْهِ وَأَجْدَادِهِ وَإِنْ بعدوا ( ( ( يعدوا ) ) ) من قِبَلِ أبيه وَأُمِّهِ وَلِوَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلُوا وَلَا تُرَدُّ لِأَحَدٍ سِوَاهُمْ زَوْجَةٌ وَلَا أَخٌ وَلَا عَمٌّ وَلَا خَالٌ وإذا شَهِدَ الرَّجُلُ على شَهَادَةٍ وهو صَحِيحُ الْبَصَرِ ثُمَّ عمى فَذَهَبَ بَصَرُهُ فإن أَبَا حَنِيفَةَ
____________________

(7/124)


رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ تِلْكَ إذَا شَهِدَ بها بَلَغَنَا عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه رَدُّ شَهَادَةَ أَعْمَى شَهِدَ عِنْدَهُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول شَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ وَبِهِ يَأْخُذُ إذَا كان شَيْءٌ لَا يَحْتَاجُ أَنْ يَقِفَ عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا شَهِدَ الرَّجُلُ وهو بَصِيرٌ ثُمَّ أَدَّى الشَّهَادَةَ وهو أَعْمَى جَازَتْ شَهَادَتُهُ من قِبَلِ أَنَّ أَكْثَرَ ما في الشَّهَادَةِ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَكِلَاهُمَا كان فيه يوم شَهِدَ فَإِنْ قال قَائِلٌ لَيْسَا فيه يوم يَشْهَدُ قِيلَ إنَّمَا احْتَجْنَا إلَى الشَّهَادَةِ يوم كانت فَأَمَّا يوم تُقَامُ فَإِنَّمَا هِيَ تُعَادُ بِحُكْمِ شَيْءٍ قد أَثْبَتَهُ بَصِيرًا وَلَوْ رَدَدْنَاهَا إذَا لم يَكُنْ بَصِيرًا لِأَنَّهُ لَا يَرَى الْمَشْهُودَ عليه حين يَشْهَدُ لَزَمَنَا أَنْ لَا نُجِيزَ شَهَادَةَ بَصِيرٍ على مَيِّتٍ وَلَا على غَائِبٍ لِأَنَّ الشَّاهِدَ لَا يَرَى الْمَيِّتَ وَلَا الْغَائِبَ وَاَلَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ لَا يُجِيزُ شَهَادَتَهُ بَعْدَ الْعَمَى وقد أَثْبَتَهَا بَصِيرًا يُجِيزُ شَهَادَةَ الْبَصِيرِ على الْمَيِّتِ وَالْغَائِبِ وإذا أَقَرَّ الرَّجُلُ بالزنى أَرْبَعَ مَرَّاتٍ في مُقَامٍ وَاحِدٍ عِنْدَ الْقَاضِي فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كان يقول هذا عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا حَدَّ عليه في هذا وَبِهِ يَأْخُذُ بَلَغَنَا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ مَاعِزَ بن مَالِكٍ أَتَاهُ فَأَقَرَّ عِنْدَهُ بالزنى فَرَدَّهُ ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَأَقَرَّ عِنْدَهُ فَرَدَّهُ ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَأَقَرَّ عِنْدَهُ فَرَدَّهُ ثُمَّ أَتَاهُ الرَّابِعَةَ فَأَقَرَّ عِنْدَهُ فَسَأَلَ قَوْمَهُ هل تُنْكِرُونَ من عَقْلِهِ شيئا قالوا لَا فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يُقِيمُ الْحَدَّ إذَا أَقَرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ في مُقَامٍ وَاحِدٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَقَرَّ الرَّجُلُ بالزنى وَوَصَفَهُ الصِّفَةَ التي تُوجِبُ الْحَدَّ في مَجْلِسٍ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَسَوَاءٌ هو وَاَلَّذِي أَقَرَّ بِهِ في مَجَالِسَ مُتَفَرِّقَةٍ إنْ كنا إنَّمَا احْتَجْنَا إلَى أَنْ يُقِرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ قِيَاسًا على أَرْبَعَةِ شُهُودٍ فَاَلَّذِي لم يَقُمْ عليه في أَرْبَعِ مَرَّاتٍ في مُقَامٍ وَاحِدٍ وَأَقَامَهَا عليه في أَرْبَعِ مَرَّاتٍ في مَقَامَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ تَرَكَ أَصْلَ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ الشُّهُودَ الْأَرْبَعَةَ لَا يُقْبَلُونَ إلَّا في مُقَامٍ وَاحِدٍ ( قال ) وَلَوْ تَفَرَّقُوا حَدَّهُمْ فَكَانَ يَنْبَغِي له أَنْ يَقُولَ الْإِقْرَارَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ في مُقَامٍ أَثْبَتَ منه في أَرْبَعَةِ مَقَامَاتٍ فَإِنْ قال إنَّمَا أَخَذْت بِحَدِيثِ مَاعِزٍ فَلَيْسَ حَدِيثُ مَاعِزٍ كما وَصَفَ وَلَوْ كان كما وَصَفَ أَنَّ مَاعِزًا أَقَرَّ في أَرْبَعَةِ أَمْكِنَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ما كان قَبُولُ إقْرَارِهِ في مَجْلِسٍ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ خِلَافًا لِهَذَا لِأَنَّا لم نَنْظُرْ إلَى الْمَجَالِسِ إنَّمَا نَظَرْنَا إلَى اللَّفْظِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كما قَالَا جميعا وَإِقْرَارُهُ مَرَّةً عِنْدَ الْحَاكِمِ يُوجِبُ الْحَدَّ إذَا ثَبَتَ عليه حتى يُرْجَمَ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم اُغْدُ يا أُنَيْسُ إلَى إمرأة هذا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا وَحَدِيثُ مَاعِزٍ يَدُلُّ حين سَأَلَ أَبِهِ جُنَّةٌ أَنَّهُ رَدَّهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ لِإِنْكَارِ عَقْلِهِ وإذا أَقَرَّ الرَّجُلُ بالزنى عِنْدَ غَيْرِ قَاضٍ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان لَا يَرَى ذلك شيئا وَلَا يَحُدُّهُ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول إذَا قَامَتْ عليه الشُّهُودُ بِذَلِكَ أَحُدُّهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ عنه وإذا أَقَرَّ الرَّجُلُ عِنْدَ غَيْرِ قَاضٍ بالزنى فَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ لَا يَرْجُمَهُ حتى يُقِرَّ عِنْدَهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ يُقِرَّ عِنْدَهُ ويقضى بِرَجْمِهِ فَيَرْجِعُ فَيَقْبَلُ رُجُوعَهُ فإذا كان أَصْلُ الْقَوْلِ في الْإِقْرَارِ هَكَذَا لم يَنْبَغِ أَنْ يَرْجُمَهُ حتى يُقِرَّ عِنْدَهُ وَيَنْبَغِي إذَا بَعَثَ بِهِ لِيُرْجَمَ أَنْ يَقُولَ لهم مَتَى رَجَعَ فَاتْرُكُوهُ بَعْدَ وُقُوعِ الْحِجَارَةِ وَقَبْلَهَا وما قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في مَاعِزٍ فَهَلَّا تَرَكْتُمُوهُ إلَّا بَعْدَ وُقُوعِ الْحِجَارَةِ وإذا رَجَعَ الرَّجُلُ عن شَهَادَتِهِ بالزنى وقد رُجِمَ صَاحِبُهُ بها فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول يُضْرَبُ الْحَدُّ وَيَغْرَمُ رُبُعَ الدِّيَةِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول أَقْتُلُهُ فَإِنْ رَجَعُوا أَرْبَعَتُهُمْ قَتَلْتهمْ وَلَا نُغَرِّمُهُمْ الدِّيَةَ فَإِنْ رَجَعَ ثَلَاثَةٌ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ضُرِبُوا الْحَدَّ وَغَرِمَ كُلُّ وَاحِدٍ منهم رُبُعَ الدِّيَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى وإذا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ على رَجُلٍ بالزنى فَرُجِمَ فَرَجَعَ أَحَدُهُمْ عن شَهَادَتِهِ سَأَلَهُ الْقَاضِي عن رُجُوعِهِ فَإِنْ قال عَمَدْت أَنْ أَشْهَدَ بِزُورٍ قال له الْقَاضِي عَلِمْت أَنَّك إذَا شَهِدْت مع غَيْرِك قُتِلَ فَإِنْ قال نعم دَفَعَهُ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ فَإِنْ شاؤوا قَتَلُوا وَإِنْ شاؤوا عَفَوْا فَإِنْ قالوا نَتْرُكُ الْقَتْلَ وَنَأْخُذُ الدِّيَةَ كان لهم عليه رُبُعُ الدِّيَةِ وَعَلَيْهِ الْحَدُّ في هذا كُلِّهِ وَإِنْ قال شَهِدْت وَلَا أَعْلَمُ ما يَكُونُ عليه الْقَتْلُ أو غَيْرُهُ
____________________

(7/125)


أُحْلِفَ ما عَمَدَ الْقَتْلَ وكان عليه رُبُعُ الدِّيَةِ وَالْحَدُّ وَهَكَذَا الشُّهُودُ معه كلهم إذَا رَجَعُوا وإذا شَهِدَ الشُّهُودُ عِنْدَ الْقَاضِي على عَبْدٍ وَحَلُّوهُ وَوَصَفُوهُ وهو في بَلْدَةٍ أُخْرَى فَكَتَبَ الْقَاضِي شَهَادَتَهُمْ على ذلك فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول لَا أَقْبَلُ ذلك وَلَا أَدْفَعُ إلَيْهِ الْعَبْدَ لِأَنَّ الْحِلْيَةَ قد تُوَافِقُ الْحِلْيَةَ وهو يَنْتَفِعُ بِالْعَبْدِ حتى يأتى بِهِ إلَى الْقَاضِي الذي كَتَبَ له أَرَأَيْت لو كانت جَارِيَةً جَمِيلَةً وَالرَّجُلُ غَيْرُ أَمِينٍ أَكُنْت أَبْعَثُ بها معه وكان بن أبي لَيْلَى يَخْتِمُ في عُنُقِ الْعَبْدِ وَيَأْخُذُ من الذي جاء بِالْكِتَابِ كَفِيلًا ثُمَّ يَبْعَثُ بِهِ إلي الْقَاضِي فإذا جَاءَهُ الْعَبْدُ وَالْكِتَابُ الثَّانِي دَعَا الشُّهُودَ فَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ عَبْدُهُ أَبْرَأَ كَفِيلَهُ وَقَضَى بِالْعَبْدِ أَنَّهُ له وَكَتَبَ له بِذَلِكَ كِتَابًا إلَى الْقَاضِي الذي أَخَذَ منه الْكَفِيلَ حتي يبريء ( ( ( يبرئ ) ) ) كَفِيلَهُ وَبِهِ يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى وإذا شَهِدَ الشُّهُودُ لِرَجُلٍ على دَابَّةٍ غَائِبَةٍ فَوَصَفُوهَا وَحَلُّوهَا فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُكَلِّفَ صَاحِبَ الدَّابَّةِ أَنْ يَدْفَعَهَا من قِبَلِ أَنَّ الْحِلْيَةَ قد تُشْبِهُ الْحِلْيَةَ وإذا خَتَمَ الْقَاضِي الذي هو بِبَلَدِهِ في عُنُقِهَا وَبَعَثَ بها إلَى الْقَاضِي الْمَشْهُودِ عِنْدَهُ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّ ضَمَانَهَا من الذي هِيَ في يَدَيْهِ فَقَدْ أَخْرَجَهَا من يَدَيْهِ ولم يُبَرِّئْهُ من ضَمَانِهَا وَيَقْطَعْ عنه مَنْفَعَتَهَا إلَى الْبَلَدِ الذي تَصِيرُ إلَيْهِ فَإِنْ لم يُثْبِتْ عليه الشُّهُودَ أو مَاتُوا قبل أَنْ تَصِلَ إلَى ذلك الْبَلَدِ فَرُدَّتْ إلَيْهِ كان قد انْقَطَعَتْ مَنْفَعَتُهَا عنه ولم يُعْطِ لها إجَارَةً عَوَّضَتْ تَلَفًا غير مَضْمُونٍ له وَلَوْ جَعَلَ ضَمَانَهَا من الْمَدْفُوعَةِ له وَجَعَلَ عليه كِرَاءَهَا في مَغِيبِهَا إنْ رُدَّتْ كان قد أُلْزِمَ ضَمَانَهَا وَإِنَّمَا يَضْمَنُ المتعدى وَهَذَا لم يَتَعَدَّ وَإِنَّمَا ذَهَبَ بن أبي لَيْلَى وَغَيْرُهُ مِمَّنْ ذَهَبَ مَذْهَبَهُ إلي أَنْ قال لَا سَبِيلَ إلَى أَخْذِ هذه الدَّابَّةِ إلَّا بِأَنْ يُؤْتَى بها إلَى الشُّهُودِ أو يَذْهَبَ بِالشُّهُودِ إلَيْهَا وَلَيْسَ على الشُّهُودِ أَنْ يُكَلَّفُوا الذَّهَابَ من بُلْدَانِهِمْ وَالْإِتْيَانُ بِالدَّابَّةِ أَخَفُّ وَلِرَبِّ الدَّابَّةِ في الدَّابَّةِ مِثْلُ ما لِلشُّهُودِ في أَنْفُسِهِمْ من أَنْ لَا يُكَلَّفَ الْخُرُوجَ بِشَيْءٍ لم يَسْتَحِقَّ عليه وَهَكَذَا الْعَبْدُ مِثْلُ الدَّابَّةِ وَجَمِيعُ الْحَيَوَانِ وإذا شَهِدَ الرَّجُلُ من أَهْلِ الْكُوفَةِ شَهَادَةً فعدل ( ( ( بعدل ) ) ) بِمَكَّةَ وَكَتَبَ بها قَاضِي مَكَّةَ إلَى قَاضِي مِصْرٍ في مِصْرٍ غَيْرِ مِصْرِهِ بِالشَّهَادَةِ وزكي هُنَاكَ وَكَتَبَ بِذَلِكَ إلَى قَاضِي الْكُوفَةِ فَشَهِدَ قَوْمٌ من أَهْلِ الْكُوفَةِ أَنَّ هذا الشَّاهِدَ فَاسِقٌ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول شَهَادَتُهُمْ لَا تُقْبَلُ عليه أَنَّهُ فَاسِقٌ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول تُرَدُّ شَهَادَتُهُ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُمْ وقال أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَفْعَلَ ذلك لِأَنَّهُ قد غَابَ عن الْكُوفَةِ سِنِينَ فَلَا يدرى ما أَحْدَثَ وَلَعَلَّهُ قد تَابَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ عنه وإذا شَهِدَ الرَّجُلَانِ من أَهْلِ مِصْرَ بِشَهَادَةٍ فَعَدَلَا بِمَكَّةَ وَكَتَبَ قَاضِي مَكَّةَ إلَى قَاضِي مِصْرَ فَسَأَلَ الْمَشْهُودُ عليه قَاضِي مِصْرَ أَنْ يَأْتِيَهُ بِشُهُودٍ على جَرْحِهِمَا فَإِنْ كان جَرَحَهُمَا بِعَدَاوَةٍ أو ظِنَّةٍ أو ما تُرَدُّ بِهِ شَهَادَةُ الْعَدْلِ قَبِلَ ذلك منه وَرَدَّهُمَا عنه وَإِنْ جَرَحَهُمَا بِسُوءِ حَالٍ في أَنْفُسِهِمَا نَظَرَ إلَى الْمُدَّةِ التي قد زَايَلَا فيها مِصْرَ وَصَارَا بها إلَى مَكَّةَ فَإِنْ كانت مُدَّةٌ تَتَغَيَّرُ الْحَالُ في مِثْلِهَا التَّغَيُّرُ الذي لو كَانَا بِمِصْرِهِمَا مَجْرُوحَيْنِ فَتَغَيَّرَا إلَيْهَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا قَبِلَ الْقَاضِي شَهَادَتَهُمَا ولم يَلْتَفِتْ إلَى الْجُرْحِ لِأَنَّ الْجُرْحَ مُتَقَدِّمٌ وقد حَدَثَتْ لَهُمَا حَالٌ بَعْدَ الْجُرْحِ صَارَا بها غير مَجْرُوحَيْنِ وَإِنْ لم تَكُنْ أَتَتْ عَلَيْهِمَا مُدَّةٌ تُقْبَلُ فيها شَهَادَتُهُمَا إذَا تَغَيَّرَا قَبِلَ عَلَيْهِمَا الْجَرْحَ وكان أَهْلُ بَلَدِهِمَا أَعْلَمَ بِهِمَا مِمَّنْ عَدَلَهُمَا غَرِيبًا أو من أَهْلِ بَلَدِهِمَا لِأَنَّ الْجُرْحَ أولي من التَّعْدِيلِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى قال اللَّهُ عز وجل { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } وقال مِمَّنْ تَرْضَوْنَ من الشُّهَدَاءِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) قال أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن بن أبي نَجِيحٍ عن مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قال عَدْلَانِ حُرَّانِ مُسْلِمَانِ ثُمَّ لم أَعْلَمْ من أَهْلِ الْعِلْمِ مُخَالِفًا في أَنَّ هذا مَعْنَى الْآيَةِ وإذا لم يَخْتَلِفُوا فَقَدْ زَعَمُوا أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَتِمُّ إلَّا بِأَرْبَعٍ أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدَانِ حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ عَدْلَيْنِ بَالِغَيْنِ وَأَنَّ عَبْدًا لو كان مُسْلِمًا عَدْلًا لم تَجُزْ شَهَادَتُهُ بِأَنَّهُ نَاقِصُ الْحُرِّيَّةِ وَهِيَ أَحَدُ الشُّرُوطِ الْأَرْبَعَةِ فإذا زَعَمُوا هذا فَنَقْصُ الْإِسْلَامِ أَوْلَى أَنْ لَا تَجُوزَ معه الشَّهَادَةُ من نَقْصِ الْحُرِّيَّةِ فَإِنْ زَعَمُوا أَنَّ هذه الْآيَةَ التي جَمَعَتْ هذه الْأَرْبَعَ الْخِصَالَ حَتْمٌ أَنْ لَا يَجُوزَ من الشُّهُودِ
____________________

(7/126)


إلَّا من كانت فيه هذه الْخِصَالُ الْأَرْبَعَةُ الْمُجْتَمِعَةُ فَقَدْ خَالَفُوا ما زَعَمُوا من معني كِتَابِ اللَّهِ حين أَجَازُوا شَهَادَةَ كَافِرٍ بِحَالٍ وَإِنْ زَعَمُوا أنها دَلَالَةٌ وَأَنَّهَا غَيْرُ مَانِعَةٍ أَنْ يَجُوزَ غَيْرُ من جَمَعَ هذه الشُّرُوطَ الْأَرْبَعَةَ فَقَدْ ظَلَمُوا من أَجَازَ شَهَادَةَ الْعَبِيدِ وقد سَأَلْتهمْ فَكَانَ أَعْلَى من زَعَمُوا أَنَّهُ أَجَازَ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ شُرَيْحٍ وقد أَجَازَ شُرَيْحٌ شَهَادَةَ العبد ( ( ( العبيد ) ) ) فقال له الْمَشْهُودُ عليه أَتُجِيزُ على شَهَادَةَ عَبْدٍ فقال قُمْ فَكُلُّكُمْ سَوَاءٌ عَبِيدٌ وَإِمَاءٌ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُخَالِفُ شُرَيْحًا لِقَوْلِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ أَنَّ في الْآيَةِ شَرْطَ الْحُرِّيَّةِ فَلَيْسَ في الْآيَةِ بِعَيْنِهَا بَيَانُ الْحُرِّيَّةِ وَهِيَ مُحْتَمِلَةٌ لها وفي الْآيَةِ بَيَانُ شَرْطِ الْإِسْلَامِ فَلِمَ وَافَقَ شُرَيْحًا مَرَّةً وَخَالَفَهُ أُخْرَى وقد كَتَبْنَا هذا في كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ ذَكَرٍ وَلَا أنثي في شَيْءٍ من الدُّنْيَا لِأَحَدٍ وَلَا على أَحَدٍ حتى يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا حُرًّا مُسْلِمًا عَدْلًا وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ ذِمِّيٍّ وَلَا من خَالَفَ ما وَصَفْنَا بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ وإذا شَهِدَ الشَّاهِدَانِ من الْيَهُودِ على رَجُلٍ من النَّصَارَى وَشَهِدَ شَاهِدَانِ من النَّصَارَى على رَجُلٍ من الْيَهُودِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول ذلك جَائِزٌ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى لَا يُجِيزُ ذلك وَيَقُولُ لِأَنَّهُمَا مِلَّتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ وكان أبو حَنِيفَةَ يُوَرِّثُ الْيَهُودِيَّ من النَّصْرَانِيِّ وَالنَّصْرَانِيَّ من الْيَهُودِيِّ وَيَقُولُ أَهْلُ الْكُفْرِ بَعْضُهُمْ من بَعْضٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَلُهُمْ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى لَا يُوَرِّثُ بَعْضَهُمْ من بَعْضٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا تَحَاكَمَ أَهْلُ الْمِلَلِ إلَيْنَا فَحَكَمْنَا بَيْنَهُمْ لم يُوَرِّثْ مُسْلِمًا من كَافِرٍ وَلَا كَافِرًا من مُسْلِمٍ وَوَرَّثْنَا الْكُفَّارَ بَعْضَهُمْ من بَعْضٍ فَنُوَرِّثُ الْيَهُودِيَّ النَّصْرَانِيَّ وَالنَّصْرَانِيَّ الْيَهُودِيَّ وَنَجْعَلُ الْكُفْرَ مِلَّةً وَاحِدَةً كما جَعَلْنَا الْإِسْلَامَ مِلَّةً لِأَنَّ الْأَصْلَ إنَّمَا هو إيمَانٌ أو كُفْرٌ وإذا شَهِدَ الشُّهُودُ عِنْدَ قَاضِي الْكُوفَةِ على عَبْدٍ وَحَلُّوهُ وَوَصَفُوهُ أَنَّهُ لِرَجُلٍ فان أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال لَا أَكْتُبُ له وقال بن أبي لَيْلَى أَكْتُبُ شَهَادَتَهُمْ إلَى قَاضِي الْبَلَدِ الذي فيه الْعَبْدُ فَيَجْمَعُ الْقَاضِي الذي الْعَبْدُ في بَلَدِهِ بين الذي جاء بِالْكِتَابِ وَبَيْنَ الذي عِنْدَهُ الْعَبْدُ فَإِنْ كان لِلَّذِي عِنْدَهُ الْعَبْدُ حُجَّةٌ وَإِلَّا بَعَثَ بِالْعَبْدِ مع الرَّجُلِ الذي جاء بِالْكِتَابِ مَخْتُومًا في عُنُقِهِ وَأَخَذَ منه كَفِيلًا بِقِيمَتِهِ وَيَكْتُبُ إلَى الْقَاضِي بِجَوَابِ كِتَابِهِ بِذَلِكَ فَيَجْمَعُ قَاضِي الْكُوفَةِ بين الْبَيِّنَةِ وَبَيْنَ الْعَبْدِ حتى يَشْهَدُوا عليه بِعَيْنِهِ ثُمَّ يَرُدَّهُ مع الذي جاء بِهِ إلَى قَاضِي الْبَلَدِ الذي كان فيه الْعَبْدُ حتى يَجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ ثُمَّ يمضى عليه الْقَضَاءَ وَيَبْرَأَ كَفِيلُهُ وَبِهِ يَأْخُذُ قال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ما لم تجيء ( ( ( تجئ ) ) ) تُهْمَةٌ أو أَمْرٌ يَسْتَرِيبُهُ من الْغُلَامِ وإذا سَافَرَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ فَحَضَرَهُ الْمَوْتُ فَأَشْهَدَ على وَصِيَّتِهِ رَجُلَيْنِ من أَهْلِ الْكِتَابِ فان أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا وَبِهِ يَأْخُذُ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } وكان بن أبي لَيْلَى يَقُول ذلك جَائِزٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا سَافَرَ الْمُسْلِمُ فَأَشْهَدَ على وَصِيَّتِهِ ذِمِّيَّيْنِ لم نَقْبَلْهُمَا لِمَا وَصَفْنَا من شَرْطِ اللَّهِ عز وجل في الشُّهُودِ وكان أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَرَى على شَاهِدٍ الزُّورَ تَعْزِيرًا غير أَنَّهُ يَبْعَثُ بِهِ إلَى سُوقِهِ إنْ كان سُوقِيًّا وَإِلَى مَسْجِدِ قَوْمِهِ إنْ كان من الْعَرَبِ فيقول الْقَاضِي يُقْرِئُكُمْ السَّلَامَ وَيَقُولُ إنَّا وَجَدْنَا هذا شَاهِدَ زُورٍ فَاحْذَرُوهُ وَحَذَّرُوهُ الناس وَذَكَرَ ذلك أبو حَنِيفَةَ عن الْقَاسِمِ عن شُرَيْحٍ وكان بن أبي لَيْلَى يقول عليه التَّعْزِيرُ وَلَا يَبْعَثُ بِهِ وَيَضْرِبُهُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ سَوْطًا قال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أُعَزِّرُهُ وَلَا أَبْلُغُ بِهِ أَرْبَعِينَ سَوْطًا وَيُطَافُ بِهِ وقال أبو يُوسُفَ بَعْدَ ذلك أَبْلُغُ بِهِ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ سَوْطًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى وإذا أَقَرَّ الرَّجُلُ بِأَنْ قد شَهِدَ بِزُورٍ أو عَلِمَ الْقَاضِي يَقِينًا أَنَّهُ قد شَهِدَ بِزُورٍ عَزَّرَهُ وَلَا يَبْلُغُ بِهِ أَرْبَعِينَ وَيُشَهِّرُ بِأَمْرِهِ فَإِنْ كان من أَهْلِ الْمَسْجِدِ وَقَّفَهُ في الْمَسْجِدِ وَإِنْ كان من أَهْلِ الْقَبِيلَةِ وَقَّفَهُ في قَبِيلَتِهِ وَإِنْ كان سُوقِيًّا وَقَّفَهُ في سُوقِهِ وقال إنَّا وَجَدْنَا هذا شَاهِدَ زُورٍ فَاعْرِفُوهُ وَاحْذَرُوهُ وإذا أَمْكَنَ بِحَالٍ أَنْ لَا يَكُونَ شَاهِدَ زُورٍ أو شُبِّهَ عليه بِمَا يَغْلَطُ بِهِ
____________________

(7/127)


مِثْلُهُ قِيلَ له لَا تُقْدِمْنَ على شَهَادَةٍ إلَّا بَعْدَ إثْبَاتٍ ولم يُعَزِّرْهُ وإذا شَهِدَ شَاهِدَانِ لِرَجُلٍ على رَجُلٍ بِحَقٍّ فَأَكْذَبَهُمَا الْمَشْهُودُ له رُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّهُ أَبْطَلَ حَقَّهُ في شَهَادَتِهِمَا ولم يُعَزَّرَا وَلَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِأَنَّا لَا نَدْرِي أَيُّهُمَا الْكَاذِبُ فَأَمَّا الْأَوَّلَانِ فَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَا صَادِقَيْنِ وَاَلَّذِي أَكْذَبَهُمَا كَاذِبٌ فإذا أَمْكَنَ أَنْ يَصْدُقَ أَحَدُهُمَا وَيَكْذِبَ الْآخَرُ لم يُعَزَّرْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا من قِبَلِ أَنَّا لَا نَدْرِي أَيُّهُمَا الْكَاذِبُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَلِكَ لو شَهِدَ رَجُلَانِ لِرَجُلٍ بِأَكْثَرَ مِمَّا ادعي لم يُعَزَّرَا لِأَنَّهُ قد يُمْكِنُ أَنْ يكونا ( ( ( يكون ) ) ) صَادِقَيْنِ وإذا اخْتَلَفَ الشَّاهِدَانِ في الْمَوْطِنِ الذي شَهِدَا فيه فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول لَا نُعَزِّرُهُمَا وَيَقُولُ لِأَنِّي لَا أَدْرِي أَيُّهُمَا الصَّادِقُ من الْكَاذِبِ إذَا كَانَا شَهِدَا على فِعْلٍ فَإِنْ كَانَا شَهِدَا على إقْرَارٍ فإنه كان يقول لَا أَدْرِي لَعَلَّهُمَا صَادِقَانِ جميعا وَإِنْ اخْتَلَفَا في الْإِقْرَارِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يَرُدُّ الشَّاهِدَيْنِ وَرُبَّمَا ضَرَبَهُمَا وَعَاقَبَهُمَا وَكَذَلِكَ لو خَالَفَ المدعى الشَّاهِدَيْنِ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَشَهِدَا بِأَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَى فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كان يقول لَا نَضْرِبُهُمَا وَنَتَّهِمُ المدعى عَلَيْهِمَا وكان بن أبي لَيْلَى رُبَّمَا عَزَّرَهُمَا وَضَرَبَهُمَا وَرُبَّمَا لم يَفْعَلْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ عنه لَا نُعَزِّرُهُمَا إذَا أَمْكَنَ صِدْقُهُمَا وإذا لم يَطْعَنْ الْخَصْمُ في الشَّاهِدِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول لَا يُسْأَلُ عن الشَّاهِدِ وكان بن أبي لَيْلَى يقول يُسْأَلُ عنه وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يُجِيزُ شَهَادَةَ الصِّبْيَان بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يُجِيزُ شَهَادَةَ الصِّبْيَانِ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَقْبَلُ الْقَاضِي شَهَادَةَ شَاهِدٍ حتي يَعْرِفَ عَدْلَهُ طَعَنَ فيه الْخَصْمُ أو لم يَطْعَنْ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ في الْجِرَاحِ وَلَا غَيْرِهَا قبل أَنْ يَتَفَرَّقُوا وَلَا بَعْدَ أَنْ يَتَفَرَّقُوا لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا من شَرْطِ اللَّهِ الذي شَرَطَهُ في قَوْلِهِ { مِمَّنْ تَرْضَوْنَ من الشُّهَدَاءِ } وَهَذَا قَوْلُ بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما وَخَالَفَهُ بن الزُّبَيْرِ وقال نُجِيزُ شَهَادَتَهُمْ إذَا لم يَتَفَرَّقُوا وَقَوْلُ بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما أَشْبَهَ بِالْقُرْآنِ وَالْقِيَاسِ لَا أَعْرِفُ شَاهِدًا يَكُونُ مَقْبُولًا على صَبِيٍّ وَلَا يَكُونُ مَقْبُولًا على بَالِغٍ وَيَكُونُ مَقْبُولًا في مُقَامِهِ وَمَرْدُودًا بَعْدَ مُقَامِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُوَفِّقُ - * بَابٌ في الْأَيْمَانِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ادَّعَى الرَّجُلُ على الرَّجُلِ دعوي وَجَاءَ بِالْبَيِّنَةِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول لَا نَرَى عليه يَمِينًا مع شُهُودِهِ وَمِنْ حُجَّتِهِ في ذلك أَنَّهُ قال بَلَغَنَا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال الْيَمِينُ على المدعي عليه وَالْبَيِّنَةُ على الْمُدَّعِي فَلَا نَجْعَلُ على المدعى ما لم يَجْعَلْ عليه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا تُحَوَّلُ الْيَمِينُ عن الْمَوْضِعِ الذي وَضَعَهَا عليه النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول على المدعى الْيَمِينُ مع شُهُودِهِ وإذا لم يَكُنْ له شُهُودٌ لم يَسْتَحْلِفْهُ وَجَعَلَ الْيَمِينَ على الْمُدَّعَى عليه فَإِنْ قال الْمُدَّعَى عليه أنا أَرُدُّ الْيَمِينَ عليه فإنه لَا يَرُدُّ الْيَمِينَ عليه إلَّا أَنْ يَتَّهِمَهُ فَيَرُدَّ الْيَمِينَ عليه إذَا كان كَذَلِكَ وَهَذَا في الدَّيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا جاء الرَّجُلُ بِشَاهِدَيْنِ على رَجُلٍ بِحَقٍّ فَلَا يَمِينَ عليه مع شَاهِدَيْهِ وَلَوْ جَعَلْنَا عليه الْيَمِينَ مع شَاهِدَيْهِ لم يَكُنْ لِإِحْلَافِنَا مع الشَّاهِدِ مَعْنًى وكان خِلَافًا لِقَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْبَيِّنَةُ على المدعى وَالْيَمِينُ على الْمُدَّعَى عليه وإذا ادَّعَى رَجُلٌ على رَجُلٍ دَعْوَى وَلَا بَيِّنَةَ له أَحْلَفْنَا المدعي عليه فَإِنْ حَلَفَ بريء وَإِنْ نَكَلَ قُلْنَا لِصَاحِبِ الدَّعْوَى لَسْنَا نُعْطِيك ينكوله ( ( ( بنكوله ) ) ) شيئا إلَّا أَنْ تَحْلِفَ مع نُكُولِهِ فَإِنْ حَلَفْت أَعْطَيْنَاك وَإِنْ امْتَنَعَتْ لم نُعْطِك وَلِهَذَا كِتَابٌ في كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ وإذا وَرِثَ الرَّجُلُ مِيرَاثًا دَارًا أو أَرْضًا أو غير ذلك فَادَّعَى رَجُلٌ فيها دَعْوَى ولم تَكُنْ له بَيِّنَةٌ فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَحْلِفَ الذي ذلك في يَدَيْهِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول الْيَمِينُ على عِلْمِهِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ لِهَذَا فيه حَقًّا وَكَذَلِكَ كان بن أبي لَيْلَى يقول أَيْضًا
____________________

(7/128)


وَإِنَّمَا جَعَلَ أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه على هذا الْيَمِينَ على عِلْمِهِ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ لَزِمَهُ إنْ شَاءَ وَإِنْ أَبَى وَالْبَيْعُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِقَبُولٍ وإذا كان الشَّيْءُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِفِعْلِهِ وَقَبُولٍ منه مِثْلَ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ فَالْيَمِينُ في ذلك أَلْبَتَّةَ وَالْمِيرَاثُ لو قال لَا أَقْبَلُهُ كان قَوْلُهُ ذلك بَاطِلًا وكان الْمِيرَاثُ له لَازِمًا فَلِذَلِكَ كانت الْيَمِينُ على عِلْمِهِ في الْمِيرَاثِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول الْيَمِينُ عليه على عِلْمِهِ في جَمِيعِ ما ذَكَرْت لَك من بَيْعٍ وَغَيْرِ ذلك ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى وإذا وَرِثَ الرَّجُلُ دَارًا أو غَيْرَهَا فَادَّعَى رَجُلٌ فيها دَعْوَى سَأَلْنَاهُ عن دَعْوَاهُ فَإِنْ ادَّعَى شيئا كان في يَدَيْ الْمَيِّتِ أَحْلَفْنَا الْوَارِثَ علي عِلْمِهِ ما يَعْلَمُ له فيها حَقًّا ثُمَّ أَبْرَأْنَاهُ وَإِنْ ادَّعَى فيها شيئا كان في يَدَيْ الْوَارِثِ أَحَلَفْنَاهُ على الْبَتِّ نُحَلِّفُهُ في كل ما كان في يَدَيْهِ على الْبَتِّ وما كان في يَدَيْ غَيْرِهِ فَوَرِثَهُ على الْعِلْمِ وإذا اسْتَحْلَفَ الْمُدَّعَى عليه على دَعْوَاهُ فَحَلَّفَهُ الْقَاضِي على ذلك ثُمَّ أتى بِالْبَيِّنَةِ بَعْدَ ذلك على تِلْكَ الدَّعْوَى فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كان يَقْبَلُ منه ذلك لِأَنَّهُ بَلَغَنَا عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه وَشُرَيْحٍ أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ الْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ أَحَقُّ أَنْ تُرَدَّ من الْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا أَقْبَلُ منه الْبَيِّنَةَ بَعْدَ الْيَمِينِ وَبَعْدَ فَصْلِ الْقَضَاءِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ادَّعَى الرَّجُلُ على الرَّجُلِ الدَّعْوَى ولم يَأْتِ عليه بِبَيِّنَةٍ وَأَحْلَفَهُ الْقَاضِي فَحَلَفَ ثُمَّ جاء المدعى بِبَيِّنَةٍ قَبِلْتُهَا وَقَضَيْت له بها ولم أَمْنَعْ الْبَيِّنَةَ الْعَادِلَةَ التي حَكَمَ الْمُسْلِمُونَ بِالْإِعْطَاءِ بها بِالْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ - * بَابُ الْوَصَايَا - * وإذا أوصي الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ بِسُكْنَى دَارٍ أو بِخِدْمَةِ عَبْدٍ أو بِغَلَّةِ بُسْتَانٍ أو أَرْضٍ وَذَلِكَ ثُلُثُهُ أو أَقَلُّ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول ذلك جَائِزٌ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا يَجُوزُ ذلك وَالْوَقْتُ في ذلك وَغَيْرُ الْوَقْتِ في قَوْلِ بن أبي لَيْلَى سَوَاءٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ عنه وإذا أَوْصَى الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ بِغَلَّةِ دَارِهِ أو ثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ وَالثُّلُثُ يَحْمِلُهُ فَذَلِكَ جَائِزٌ وإذا أَوْصَى له بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ وَالثُّلُثُ يَحْمِلُ الْعَبْدَ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَإِنْ لم يَحْمِلْ الثُّلُثُ الْعَبْدَ جَازَ له منه ما حَمَلَ الثُّلُثَ وَرَدَّ ما لم يَحْمِلْ وإذا أوصي الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ بِأَكْثَرَ من ثُلُثِهِ فَأَجَازَ ذلك الْوَرَثَةُ في حَيَاتِهِ وَهُمْ كِبَارٌ ثُمَّ رَدُّوا ذلك بَعْدَ مَوْتِهِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول لَا تَجُوزُ عليهم تِلْكَ الْوَصِيَّةُ وَلَهُمْ أَنْ يَرُدُّوهَا لِأَنَّهُمْ أَجَازُوا وَهُمْ لَا يَمْلِكُونَ الْإِجَازَةَ وَلَا يَمْلِكُونَ الْمَالَ وَكَذَلِكَ بَلَغَنَا عن عبد اللَّهِ بن مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ عنه وَشُرَيْحٍ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول إجَازَتُهُمْ جَائِزَةٌ عليهم لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَرْجِعُوا إلَى شَيْءٍ منها وَلَوْ أَجَازُوهَا بَعْدَ مَوْتِهِ ثُمَّ أَرَادُوا أَنْ يَرْجِعُوا فيها قبل أَنْ تَنْفُذَ الْوَصِيَّةُ لم يَكُنْ ذلك لهم وَكَانَتْ إجَازَتُهُمْ جَائِزَةً في هذا الْمَوْضِعِ في قَوْلِهِمَا جميعا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَوْصَى الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ بِأَكْثَرَ من ثُلُثِ مَالِهِ فَأَجَازَ ذلك الْوَرَثَةُ وهو حَيٌّ ثُمَّ أَرَادُوا الرُّجُوعَ فيه بَعْدَ أَنْ مَاتَ فَذَلِكَ جَائِزٌ لهم لِأَنَّهُمْ أَجَازُوا ما لم يَمْلِكُوا وَلَوْ مَاتَ فَأَجَازُوهَا بَعْدَ مَوْتِهِ ثُمَّ أَرَادُوا الرُّجُوعَ قبل الْقَسَمِ لم يَكُنْ ذلك لهم من قِبَلِ أَنَّهُمْ أَجَازُوا ما مَلَكُوا فإذا أَجَازُوا ذلك قبل مَوْتِهِ كانت الْوَصِيَّةُ وَصَاحِبُهُمْ مَرِيضٌ أو صَحِيحٌ كان لهم الرُّجُوعُ لِأَنَّهُمْ في الْحَالَيْنِ جميعا غَيْرُ مَالِكَيْنِ أَجَازُوا ما لم يَمْلِكُوا ( قال ) وإذا أَوْصَى رَجُلٌ بِثُلُثِ مَالِهِ لِرَجُلٍ وَبِمَالِهِ كُلِّهِ لِآخَرَ فَرَدَّ ذلك الْوَرَثَةُ كُلَّهُ إلَى الثُّلُثِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لَا يَضْرِبُ صَاحِبُ الْجَمِيعِ بِحِصَّةِ الْوَرَثَةِ من الْمَالِ وكان بن أبي لَيْلَى يقول الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا على أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ يَضْرِبُ صَاحِبُ الْمَالِ بِثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ وَيَضْرِبُ صَاحِبُ الثُّلُثِ بِسَهْمٍ وَاحِدٍ وَبِهِ يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَوْصَى الرَّجُلُ لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِمَالِهِ كُلِّهِ ولم يُجِزْ ذلك الْوَرَثَةُ أُقْسِمُ الْوَصِيَّةَ على أَرْبَعَةِ
____________________

(7/129)


أَسْهُمٍ لِصَاحِبِ الْكُلِّ ثَلَاثَةٌ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ وَاحِدٌ قِيَاسًا على عَوْلِ الْفَرَائِضِ وَمَعْقُولٌ في الْوَصِيَّةِ أَنَّهُ أَرَادَ هذا بِثَلَاثَةٍ وَهَذَا بِوَاحِدٍ - * بَابُ الْمَوَارِيثِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا مَاتَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَجَدِّهِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي كان يقول الْمَالُ كُلُّهُ لِلْجَدِّ وهو بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ في كل مِيرَاثٍ وَكَذَلِكَ بَلَغَنَا عن أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعَنْ عبد اللَّهِ بن عَبَّاسٍ وَعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَعَنْ عبد اللَّهِ بن الزُّبَيْرِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ الْجَدُّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ إذَا لم يَكُنْ له أَبٌ وكان بن أبي لَيْلَى يقول في الْجَدِّ بِقَوْلِ عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه لِلْأَخِ النِّصْفُ وَلِلْجَدِّ النِّصْفُ وَكَذَلِكَ قال زَيْدُ بن ثَابِتٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ في هذه الْمَنْزِلَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا هَلَكَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ جَدَّهُ وَأَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَهَكَذَا قال زَيْدُ بن ثَابِتٍ وَعَلِيٌّ وَعَبْدُ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ وروى عن عُثْمَان رضي اللَّهُ عَنْهُمْ وَخَالَفَهُمْ أبو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي اللَّهُ عنه فَجَعَلَ الْمَالَ لِلْجَدِّ وَقَالَتْهُ معه عَائِشَةُ وبن عَبَّاسٍ وبن الزُّبَيْرِ وَعَبْدِ اللَّهِ بن عُتْبَةَ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ وهو مَذْهَبُ أَهْلِ الْكَلَامِ في الْفَرَائِضِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَتَوَهَّمُونَ أَنَّهُ الْقِيَاسُ وَلَيْسَ وَاحِدٌ من الْقَوْلَيْنِ بِقِيَاسٍ غير أَنَّ طَرْحَ الْأَخِ بِالْجَدِّ أَبْعَدُ من الْقِيَاسِ من إثْبَاتِ الْأَخِ معه وقد قال بَعْضُ من يَذْهَبُ هذا الْمَذْهَبَ إنَّمَا طَرَحْنَا الْأَخَ بِالْجَدِّ لِثَلَاثِ خِصَالٍ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ مَعَنَا عليها إنَّكُمْ تَحْجُبُونَ بِهِ بَنِي الْأُمِّ وَكَذَلِكَ مَنْزِلَةُ الْأَبِ وَلَا تُنْقِصُونَهُ من السُّدُسِ وَكَذَلِكَ مَنْزِلَةُ الْأَبِ وَأَنَّكُمْ تُسَمُّونَهُ أَبًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قُلْت إنَّمَا حَجَبْنَا بِهِ بَنِي الْأُمِّ خَبَرًا لَا قِيَاسًا على الْأَبِ قال وَكَيْفَ ذلك قُلْت نَحْنُ نَحْجُبُ بَنِي الْأُمِّ بِبِنْتِ بن ابْنٍ مُتَسَفِّلَةٍ وَهَذِهِ وَإِنْ وَافَقَتْ مَنْزِلَةَ الْأَبِ في هذا الْمَوْضِعِ فلم نَحْكُمْ لها نَحْنُ وَأَنْتَ بِأَنْ تَكُونَ تَقُومَ مَقَامَ الْأَبِ في غَيْرِهِ وإذا وَافَقَهُ في مَعْنَى وَإِنْ خَالَفَهُ في غَيْرِهِ وَأَمَّا أَنْ لَا نُنْقِصَهُ من السُّدُسِ فَإِنَّا لم نُنْقِصْهُ خَبَرًا وَنَحْنُ لَا نُنْقِصُ الْجَدَّةَ من السُّدُسِ أَفَرَأَيْتنَا وَإِيَّاكَ أَقَمْنَاهَا مَقَامَ الْأَبِ أن وَافَقَتْهُ في مَعْنَى وَأَمَّا اسْمُ الْأُبُوَّةِ فَنَحْنُ وَأَنْتَ نُلْزِمُ من بَيْنَنَا وَبَيْنَ آدَمَ اسْمَ الْأُبُوَّةِ وإذا كان ذلك وَدُونَ أَحَدِهِمْ أَبٌ أَقْرَبُ منه لم يَرِثْ وَكَذَلِكَ لو كان كَافِرًا وَالْمَوْرُوثُ مُسْلِمًا أو قَاتِلًا وَالْمَوْرُوثُ مَقْتُولًا أو كان الْمَوْرُوثُ حُرًّا وَالْأَبُ مَمْلُوكًا فَلَوْ كان إنَّمَا وَرَّثْنَا بِاسْمِ الْأُبُوَّةِ فَقَطْ وَرَّثْنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ حَرَمْنَاهُمْ كُلَّهُمْ وَلَكِنَّا إنَّمَا وَرَّثْنَاهُمْ خَبَرًا لَا بِالِاسْمِ قال فَأَيُّ الْقَوْلَيْنِ أَشْبَهُ بِالْقِيَاسِ قُلْت ما فِيهِمَا قِيَاسٌ وَالْقَوْلُ الذي اخْتَرْتَ أَبْعَدُ من الْقِيَاسِ وَالْعَقْلِ قال فَأَيْنَ ذلك قُلْت أَرَأَيْتَ الْجَدَّ وَالْأَخَ إذَا طَلَبَا مِيرَاثَ الْمَيِّتِ أَيُدْلِيَانِ بِقَرَابَةِ أَنْفُسِهِمَا أَمْ بِقَرَابَةِ غَيْرِهِمَا قال وما ذلك قُلْت أَلَيْسَ إنَّمَا يقول الْجَدُّ أنا أبو أبي الْمَيِّتِ وَيَقُولُ الْأَخُ أنا بن أبي الْمَيِّتِ قال بَلَى قُلْت فَبِقَرَابَةِ أبي الْمَيِّتِ يُدْلِيَانِ مَعًا إلَى الْمَيِّتِ قُلْت فَاجْعَلْ أَبَا الْمَيِّتِ هو الْمَيِّتُ أَيُّهُمَا أَوْلَى بِكَثْرَةِ مِيرَاثِهِ أبنه أو أَبُوهُ قال بَلْ ابْنُهُ لِأَنَّ له خَمْسَةَ أَسْدَاسٍ وَلِأَبِيهِ السُّدُسَ قُلْت فَكَيْفَ حَجَبْت الْأَخَ بِالْجَدِّ وَالْأَخُ إذَا مَاتَ الْأَبُ أَوْلَى بِكَثْرَةِ مِيرَاثِهِ من الْجَدِّ لو كُنْتَ حَاجِبًا أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ انْبَغَى أَنْ تَحْجُبَ الْجَدَّ بِالْأَخِ قال وَكَيْفَ يَكُونُ الْقِيَاسُ فيه قُلْت لَا مَعْنَى لِلْقِيَاسِ فِيهِمَا مَعًا يَجُوزُ وَلَوْ كان له مَعْنَى انْبَغَى أَنْ نَجْعَلَ لِلْأَخِ أَبَدًا حَيْثُ كان مع الْجَدِّ خَمْسَةَ أَسْدَاسٍ وَلِلْجَدِّ السُّدُسَ وَقُلْت أَرَأَيْت الْإِخْوَةَ أَمُثْبِتِي الْفَرْضَ في كِتَابِ اللَّهِ قال نعم قُلْت فَهَلْ لِلْجَدِّ في كِتَابِ اللَّهِ فَرْضٌ قال لَا قُلْت وَكَذَلِكَ السُّنَّةُ هُمْ مُثْبَتُونَ فيها وَلَا أَعْلَمُ لِلْجَدِّ في السُّنَّةِ فَرْضًا إلَّا من وَجْهٍ وَاحِدٍ لَا يُثْبِتُهُ أَهْلُ الحديث كُلَّ التَّثْبِيتِ فَلَا أَعْلَمُك إلَّا طَرَحْت الْأَقْوَى من كل وَجْهٍ بِالْأَضْعَفِ وإذا أَقَرَّتْ الْأُخْتُ وَهِيَ لِأَبٍ وَأُمٍّ وقد وَرِثَ مَعَهَا الْعَصَبَةُ بِأَخٍ لِأَبٍ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول نُعْطِيهِ نِصْفَ ما في يَدِهَا لِأَنَّهَا أَقَرَّتْ أَنَّ الْمَالَ كُلَّهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فما كان في يَدِهَا منه فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ
____________________

(7/130)


وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا نُعْطِيهِ مِمَّا في يَدِهَا شيئا لِأَنَّهَا أَقَرَّتْ بِمَا في يَدَيْ الْعَصَبَةِ ( 1 ) وهو سَوَاءٌ في الْوَرَثَةِ كُلِّهِمْ ما قَالَا جميعا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا مَاتَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ أُخْتَهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَعَصَبَتِهِ فَأَقَرَّتْ الْأُخْتُ بِأَخٍ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ شيئا وَهَكَذَا كُلُّ من أَقَرَّ بِهِ وهو وَارِثٌ فَكَانَ إقْرَارُهُ لَا يَثْبُتُ نسبه فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَأْخُذَ شيئا من قِبَلِ أَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ له بِحَقٍّ عليه في ذلك الْحَقِّ مِثْلَ الذي أَقَرَّ له بِهِ لِأَنَّهُ إذَا كان وَارِثًا بِالنَّسَبِ كان مَوْرُوثًا بِهِ وإذا لم يَثْبُتْ النَّسَبُ حتى يَكُونَ مَوْرُوثًا بِهِ لم يَجُزْ أَنْ يَكُونَ وَارِثًا بِهِ وَذَلِكَ مِثْلُ الرَّجُلِ يُقِرُّ أَنَّهُ بَاعَ دَارِهِ من رَجُلٍ بِأَلْفٍ فَجَحَدَهُ الْمُقَرُّ له بِالْبَيْعِ لم نُعْطِهِ الدَّارَ وَإِنْ كان بَائِعُهَا قد كان أَقَرَّ بِأَنَّهَا قد صَارَتْ مِلْكًا له وَذَلِكَ أَنَّهُ لم يُقِرَّ أنها كانت مِلْكًا له إلَّا وهو مَمْلُوكٌ عليه بها شَيْءٌ فلما سَقَطَ أَنْ تَكُونَ مَمْلُوكَةً عليه سَقَطَ الْإِقْرَارُ له وَذَلِكَ مِثْلُ الرَّجُلَيْنِ يَتَبَايَعَانِ الْعَبْدَ فَيَخْتَلِفَانِ في ثَمَنِهِ وقد تَصَادَقَا على أَنَّهُ قد خَرَجَ من مِلْكِ الْمَالِكِ إلي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فلما لم يُسَلِّمْ لِلْمُشْتَرِي ما زَعَمَ أَنَّهُ مَلَكَهُ بِهِ سَقَطَ الْإِقْرَارُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ لِلْمُقَرِّ له بِالنَّسَبِ حَقٌّ وقد أَحَطْنَا أَنَّهُ لم يُقَرَّ له بِهِ من دَيْنٍ وَلَا وَصِيَّةٍ وَلَا حَقٍّ على الْمُقِرِّ له إلَّا الْمِيرَاثُ الذي إذَا ثَبَتَ له ثَبَتَ أَنْ يَكُونَ مَوْرُوثًا بِهِ وإذا لم يَثْبُتْ له أَنْ يَكُونَ مَوْرُوثًا بِالنَّسَبِ لم يَثْبُتْ له أَنْ يَكُونَ وَارِثًا بِهِ وإذا مَاتَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ امْرَأَةً وَوَلَدَهَا ولم يُقِرَّ بِحَبَلِ امْرَأَتِهِ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ مَوْتِهِ وَجَاءَتْ بِامْرَأَةٍ تَشْهَدُ على الْوِلَادَةِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول لَا أَقْبَلُ هذا وَلَا أُثْبِتُ نَسَبَهُ وَلَا أُوَرِّثُهُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وكان بن أبي لَيْلَى يقول أُثْبِتُ نَسَبَهُ وَأُوَرِّثُهُ بِشَهَادَتِهَا وَحْدَهَا وَبِهِ يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا مَاتَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ وَلَدًا وَزَوْجَةً فَوَلَدَتْ فَأَنْكَرَ ابْنُهُ وَلَدَهَا فَجَاءَتْ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ يَشْهَدْنَ بِأَنَّهَا وَلَدَتْهُ كان نَسَبُهُ ثَابِتًا وكان وَارِثًا وَلَا أَقْبَلُ فيه أَقَلَّ من أَرْبَعِ نِسْوَةٍ قِيَاسًا على الْقُرْآنِ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل ذَكَرَ شَاهِدَيْنِ وَشَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ فَأَقَامَ امْرَأَتَيْنِ حَيْثُ أَجَازَهُمَا مَقَامَ رَجُلٍ فلما أَجَزْنَا النِّسَاءَ فِيمَا يَغِيبُ عنه الرِّجَالُ لم يَجُزْ أَنْ نُجِيزَ مِنْهُنَّ إلَّا أَرْبَعًا قِيَاسًا على ما وَصَفْت وَجُمْلَةُ هذا الْقَوْلِ قَوْلُ عَطَاءِ بن أبي رَبَاحٍ وإذا كان لِلرَّجُلِ عَبْدَانِ وُلِدَا في مِلْكِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا من أمه فَأَقَرَّ في صِحَّتِهِ أَنَّ أَحَدَهُمَا ابْنُهُ ثُمَّ مَاتَ ولم يُبَيِّنْ ذلك فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول لَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيُعْتَقُ من كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُهُ وَيَسْعَى في نِصْفِ قِيمَتِهِ وَكَذَلِكَ أُمَّهَاتُهُمَا وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يُثْبِتُ نَسَبَ أَحَدِهِمَا وَيَرِثَانِ مِيرَاثَ بن ويسعي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا في نِصْفِ قِيمَتِهِ وَكَذَلِكَ أُمَّهَاتُهُمَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان لِرَجُلٍ أَمَتَانِ لَا زَوْجَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَوَلَدَتَا وَلَدَيْنِ فَأَقَرَّ السَّيِّدُ بِأَنَّ أَحَدَهُمَا ابْنُهُ وَمَاتَ وَلَا يُعْرَفُ أَيُّهُمَا أَقَرَّ بِهِ فَإِنَّا نُرِيهِمَا الْقَافَةَ فَإِنْ أَلْحَقُوا بِهِ أَحَدَهُمَا جَعَلْنَاهُ ابْنَهُ وَوَرَّثْنَاهُ منه وَجَعَلْنَا أُمَّهُ أُمَّ وَلَدٍ تُعْتَقُ بِمَوْتِهِ وَأَرْقَقْنَا الْآخَرَ وَإِنْ لم تَكُنْ قَافَةً أو كانت فَأَشْكَلَ عليهم لم نَجْعَلْ ابْنَهُ وَاحِدًا مِنْهُمَا وَأَقْرَعْنَا بَيْنَهُمَا فَأَيُّهُمَا خَرَجَ سَهْمُهُ أَعْتَقْنَاهُ وَأُمَّهُ بِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ وَأَرْقَقْنَا الْآخَرَ وَأُمَّهُ وَأَصْلُ هذا مَكْتُوبٌ في كِتَابِ الْعِتْقِ وإذا كانت الدَّارُ في يَدَيْ رَجُلٍ فَأَقَامَ بن عَمٍّ له الْبَيِّنَةَ أنها دَارُ جَدِّهِمَا وَاَلَّذِي هِيَ في يَدَيْهِ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول لَا أقضى بِشَهَادَتِهِمْ حتى يَشْهَدُوا أَنَّ الْجَدَّ تَرَكَهَا مِيرَاثًا لابيه وَلِأَبِي صَاحِبِهِ لَا يَعْلَمُونَ له وَارِثًا غَيْرَهُمَا ثُمَّ توفى أبو هذا وَتَرَكَ نَصِيبَهُ منها مِيرَاثًا لِهَذَا لَا يَعْلَمُونَ له وَارِثًا غَيْرَهُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول أقضى له بِشَهَادَتِهِمْ وَأُسَكِّنُهُ في الدَّارِ مع الذي هِيَ في يَدَيْهِ وَلَا يَقْتَسِمَانِ حتى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ على الْمَوَارِيثِ كما وَصَفْت لَك في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَلَا يَقُولَانِ لَا نَعْلَمُ في قَوْلِ بن أبي لَيْلَى لَكِنْ يَقُولَانِ لَا وَارِثَ له غَيْرُهُمَا في قَوْلِ بن أبي لَيْلَى وقال أبو يُوسُفَ أُسَكِّنُهُ وَلَا يَقْتَسِمَانِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت الدَّارُ في يَدَيْ الرَّجُلِ فَأَقَامَ بن عَمِّهِ الْبَيِّنَةَ أنها دَارُ جَدِّهِمَا أبي أَبِيهِمَا
____________________

(7/131)


ولم تَقُلْ الْبَيِّنَةُ أَكْثَرَ من ذلك وَاَلَّذِي في يَدَيْهِ الدَّارُ يُنْكِرُ قَضَيْت بها دَارًا لِجَدِّهِمَا ولم أَقْسِمْهَا بَيْنَهُمَا حتى تُثْبِتَ الْبَيِّنَةُ على من وَرِثَ جَدَّهُمَا وَمَنْ وَرِثَ أَبَاهُمَا لِأَنِّي لَا أَدْرِي لَعَلَّ مَعَهُمَا وَرَثَةً أو أَصْحَابَ دَيْنٍ أو وَصَايَا وَأَقْبَلُ الْبَيِّنَةَ إذَا قالوا مَاتَ جَدُّهُمَا وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَا وَارِثَ له غَيْرُهُمَا وَلَا يَكُونُونَ بهذا شُهُودًا على ما لَا يَعْلَمُونَ لِأَنَّهُمْ في هذا كُلِّهِ إنَّمَا يَشْهَدُونَ على الظَّاهِرِ كَشَهَادَتِهِمْ على النَّسَبِ وَكَشَهَادَتِهِمْ على الْمِلْكِ وَكَشَهَادَتِهِمْ على الْعَدْلِ وَلَا أَقْبَلُهُمْ إذَا قالوا لَا نَعْلَمُ وَارِثًا غير فُلَانٍ وَفُلَانٍ إلَّا أَنْ يَكُونُوا من أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِالْمَشْهُودِ عليه الَّذِينَ يَكُونُ الْأَغْلَبُ منهم أَنَّهُ لَا يَخْفَى عليهم وَارِثٌ لو كان له وَذَلِكَ أَنْ يَكُونُوا ذَوِي قَرَابَةٍ أو مَوَدَّةٍ أو خُلْطَةٍ أو خِبْرَةٍ بِجِوَارٍ أو غَيْرِهِ فإذا كَانُوا هَكَذَا قَبِلْتهمْ على الْعِلْمِ لِأَنَّ مَعْنَى الْبَتِّ مَعْنَى الْعِلْمِ وَمَعْنَى الْعِلْمِ مَعْنَى الْبَتِّ وإذا توفى الرَّجُلُ وَتَرَكَ امْرَأَتَهُ وَتَرَكَ في بَيْتِهِ مَتَاعًا فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يحدث عن حَمَّادٍ عن إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قال ما كان لِلرِّجَالِ من الْمَتَاعِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ وما كان لِلنِّسَاءِ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ وما كان لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَهُوَ لِلْبَاقِي مِنْهُمَا الْمَرْأَةُ كانت أو الرَّجُلُ وَكَذَلِكَ الزَّوْجُ إذَا طَلَّقَ وَالْبَاقِي الزَّوْجُ في الطَّلَاقِ وَبِهِ كان يَأْخُذُ أبو حَنِيفَةَ وأبو يُوسُفَ ثُمَّ قال بَعْدَ ذلك لَا يَكُونُ لِلْمَرْأَةِ إلَّا ما يُجَهَّزُ بِهِ مِثْلُهَا في ذلك كُلِّهِ لِأَنَّهُ يَكُونُ رَجُلٌ تَاجِرٌ عِنْدَهُ مَتَاعُ النِّسَاءِ من تِجَارَتِهِ أو صَانِعٌ أو تَكُونُ رُهُونًا عِنْدَ رَجُلٍ وكان بن أبي لَيْلَى يقول إذَا مَاتَ الرَّجُلُ أو طَلَّقَ فَمَتَاعُ الْبَيْتِ كُلِّهِ مَتَاعُ الرَّجُلِ إلَّا الدِّرْعَ وَالْخِمَارَ وَشِبْهَهُ إلَّا أَنْ تَقُومَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ على دَعْوَاهُ وَلَوْ طَلَّقَهَا في دَارِهَا كان أَمْرُهُمَا على ما وَصَفْت في قَوْلِهِمَا جميعا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ في مَتَاعِ الْبَيْتِ يَسْكُنَانِهِ قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا أو بَعْدَ ما تَفَرَّقَا كان الْبَيْتُ لِلْمَرْأَةِ أو الرَّجُلِ أو بعد ما يَمُوتَانِ وَاخْتَلَفَتْ في ذلك وَرَثَتُهُمَا بَعْدَ مَوْتِهِمَا أو وَرَثَةُ الْمَيِّتِ مِنْهُمَا وَالْبَاقِي كان الْبَاقِي الزَّوْجَ أو الزَّوْجَةَ فَسَوَاءٌ ذلك كُلُّهُ فَمَنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ على شَيْءٍ من ذلك فَهُوَ له وَمَنْ لم يُقِمْ بَيِّنَةً فَالْقِيَاسُ الذي لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ عِنْدِي بِالْغَفْلَةِ عنه على الْإِجْمَاعِ أَنَّ هذا الْمَتَاعَ في أَيْدِيهِمَا مَعًا فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ كما يَخْتَلِفُ الرَّجُلَانِ في الْمَتَاعِ بِأَيْدِيهِمَا جميعا فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ بَعْدَ الأيمان فَإِنْ قال قَائِلٌ فَكَيْفَ يَكُونُ لِلرَّجُلِ النُّضُوحُ وَالْخَلُوقُ والدرع ( ( ( والدروع ) ) ) وَالْخُمُرُ وَيَكُونُ لِلْمَرْأَةِ السَّيْفُ وَالرُّمْحُ وَالدِّرْعُ قِيلَ قد يَمْلِكُ الرِّجَالُ مَتَاعَ النِّسَاءِ وَالنِّسَاءُ مَتَاعَ الرِّجَالِ أَرَأَيْت لو أَقَامَ الرَّجُلُ الْبَيِّنَةَ على مَتَاعِ النِّسَاءِ وَالْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ على مَتَاعِ الرِّجَالِ أَلَيْسَ يقضي لِكُلٍّ بِمَا أَقَامَ عليه الْبَيِّنَةَ فإذا قال بَلَى قِيلَ أَفَلَيْسَ قد زَعَمْت وَزَعَمَ الناس أَنَّ كَيْنُونَةَ الشَّيْءِ في يَدَيْ الْمُتَنَازِعَيْنِ تُثْبِتُ لِكُلٍّ النِّصْفَ فَإِنْ قال بلي قِيلَ كما تَثْبُتُ له الْبَيِّنَةُ فَإِنْ قال بَلَى قِيلَ فَلِمَ لم تَجْعَلْ الزَّوْجَيْنِ هَكَذَا وَهِيَ في أَيْدِيهِمَا فَإِنْ اسْتَعْمَلْتَ عليهم الظُّنُونَ وَتَرَكْت الظَّاهِرَ قِيلَ لك فما تَقُولُ في عَطَّارٍ وَدَبَّاغٍ في أَيْدِيهِمَا عِطْرٌ وَمَتَاعُ الدَّبَّاغِ تَدَاعَيَاهُ مَعًا فَإِنْ زَعَمْتَ أَنَّك تُعْطِي الدَّبَّاغَ مَتَاعَ الدَّبَّاغِينَ وَالْعَطَّارَ مَتَاعَ الْعَطَّارِينَ قِيلَ فما تَقُولُ في رَجُلٍ غَيْرِ مُوسِرٍ وَرَجُلٍ مُوسِرٍ تَدَاعَيَا يَاقُوتًا وَلُؤْلُؤًا فان زَعَمْت أَنَّك تَجْعَلُهُ لِلْمُوسِرِ وهو بِأَيْدِيهِمَا مَعًا خَالَفْت مَذْهَبَ الْعَامَّةِ وَإِنْ زَعَمْت أَنَّك تَقْسِمُهُ بَيْنَهُمَا وَلَا تَسْتَعْمِلُ عَلَيْهِمَا الظَّنَّ فَهَكَذَا يَنْبَغِي لَك أَنْ تَقُولَ في مَتَاعِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ ( قال ) وإذا أَسْلَمَ الرَّجُلُ على يَدَيْ الرَّجُلِ وَوَالَاهُ وَعَاقَدَهُ ثُمَّ مَاتَ وَلَا وَارِثَ له فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي كان يقول مِيرَاثُهُ له بَلَغَنَا ذلك عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَعَنْ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه وَعَنْ بن مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ عنه وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى لَا يُوَرِّثُهُ شيئا مُطَرِّفٌ عن الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قال لَا وَلَاءَ إلَّا لِذِي نِعْمَةٍ اللَّيْثُ بن أبي سُلَيْمٍ عن أبي الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ عن عَمَّنْ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ سُئِلَ عن الرَّجُلِ يُسْلِمُ على يَدَيْ الرَّجُلِ فَيَمُوتُ وَيَتْرُكُ مَالًا فَهُوَ له وَإِنْ أبي فَلِبَيْتِ الْمَالِ أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي عن إبْرَاهِيمَ بن مُحَمَّدٍ عن أبيه عن مَسْرُوقٍ أَنَّ رَجُلًا من أَهْلِ الْأَرْضِ وَالَى بن عَمٍّ له فَمَاتَ وَتَرَكَ مَالًا فَسَأَلُوا بن مَسْعُودٍ عن ذلك
____________________

(7/132)


فقال مَالُهُ له ( قال الشافعي ( ( ( فالشافعي ) ) ) ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَسْلَمَ الرَّجُلُ على يَدَيْ رَجُلٍ وَوَالَاهُ ثُمَّ مَاتَ لم يَكُنْ له مِيرَاثُهُ من قِبَلِ قَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَهَذَا يَدُلُّ على مَعْنَيَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّ الْوَلَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا لِمَنْ أَعْتَقَ وَالْآخَرِ أَنَّهُ لَا يَتَحَوَّلُ الْوَلَاءُ عَمَّنْ أَعْتَقَ وَهَذَا مَكْتُوبٌ في كِتَابِ الْوَلَاءِ - * بَابٌ في الْأَوْصِيَاءِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَوْصَى إلَى رَجُلٍ فَمَاتَ الْمُوصَى إلَيْهِ فَأَوْصَى إلَى آخَرَ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول هذا الْآخَرُ وَصِيُّ الرَّجُلَيْنِ جميعا وَبِهَذَا يَأْخُذُ وَكَذَلِكَ بَلَغَنَا عن إبْرَاهِيمَ وكان بن أبي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يقول هذا الْآخَرُ وَصِيُّ الذي أَوْصَى إلَيْهِ وَلَا يَكُونُ وَصِيًّا لِلْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ أوصي إلَيْهِ بِوَصِيَّةِ الْأَوَّلِ فَيَكُونَ وَصِيُّهُمَا جميعا وقال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدُ لَا يَكُونُ وَصِيًّا لِلْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يَقُولَ الثَّانِي قد أَوْصَيْتُ إلَيْكَ في كل شَيْءٍ أو يَذْكُرُ وَصِيَّةَ الْآخَرِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا أوصي الرَّجُلُ إلَى رَجُلٍ ثُمَّ حَضَرَتْ الوصى الْوَفَاةُ فَأَوْصَى بِمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَوَصِيَّةِ الذي أَوْصَى إلَيْهِ إلَى رَجُلٍ آخَرَ فَلَا يَكُونُ الْآخَرُ بِوَصِيَّةِ الْأَوْسَطِ وَصِيًّا لِلْأَوَّلِ وَيَكُونُ وَصِيًّا لِلْأَوْسَطِ الْمُوصَى إلَيْهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَوَّلَ رضى بِأَمَانَةِ الْأَوْسَطِ ولم يَرْضَ أَمَانَةَ الذي بَعْدَهُ وَالْوَصِيُّ أَضْعَفُ حَالًا في أَكْثَرِ أَمْرِهِ من الْوَكِيلِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا وَكَّلَ رَجُلًا بِشَيْءٍ لم يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ بِاَلَّذِي وَكَّلَهُ بِهِ لِيَسْتَوْجِبَ الْحَقَّ وَلَوْ كان الْمَيِّتُ الْأَوَّلُ أَوْصَى إلي الْوَصِيِّ أَنَّ لَك أَنْ توصى بِمَا أَوْصَيْتُ بِهِ إلَيْك إلَى من رَأَيْتَ فَأَوْصَى إلَى رَجُلٍ بِتَرِكَةِ نَفْسِهِ لم يَكُنْ وَصِيًّا لِلْأَوَّلِ وَلَا يَكُونُ وَصِيًّا لِلْأَوَّلِ حتى يَقُولَ قد أَوْصَيْتُ إلَيْك بِتَرِكَةِ فُلَانٍ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ وَصِيًّا له وَلَوْ أَنَّ وَصِيًّا لِأَيْتَامٍ تَجَرَ لهم بِأَمْوَالِهِمْ أو دَفَعَهَا مُضَارَبَةً فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول هو جَائِزٌ عليهم وَلَهُمْ بَلَغَنَا ذلك عن إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا تَجُوزُ عليهم وَالْوَصِيُّ ضَامِنٌ لِذَلِكَ وقال بن أبي لَيْلَى أَيْضًا على الْيَتَامَى الزَّكَاةُ في أَمْوَالِهِمْ فَإِنْ أَدَّاهَا الْوَصِيُّ عَنْهُمْ فَهُوَ ضَامِنٌ وقال أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه ليس على يَتِيمٍ زَكَاةٌ حتى يَبْلُغَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا صَلَاةَ عليه وَلَا فَرِيضَةَ عليه وَبِهَذَا يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ عنه وإذا كان الرَّجُلُ وَصِيًّا بِتَرِكَةِ مَيِّتٍ يَلِي أَمْوَالَهُمْ كان أَحَبَّ إلى أَنْ يَتَّجِرَ لهم بها لم تَكُنْ التِّجَارَةُ بها عِنْدِي تَعَدِّيًا وإذا لم تَكُنْ تَعَدِّيًا لم يَكُنْ ضَامِنًا إنْ تَلِفَتْ وقد اتَّجَرَ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه بِمَالِ يَتِيمٍ كان يَلِيهِ وَكَانَتْ عَائِشَةُ رضي اللَّهُ تعالى عنها تُبْضِعُ بِأَمْوَالِ بَنِي مُحَمَّدِ بن أبي بَكْرٍ في الْبَحْرِ وَهُمْ أَيْتَامٌ وَتَلِيهِمْ وَتُؤَدِّي منها الزَّكَاةَ وَعَلَى وَلِيِّ الْيَتِيمِ أَنْ يُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ عنه في جَمِيعِ مَالِهِ كما يُؤَدِّيَهَا عن نَفْسِهِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَبِيرِ الْبَالِغِ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا كما على وَلِيِّ الْيَتِيمِ أَنْ يعطى من مَالِ الْيَتِيمِ ما لَزِمَهُ من جِنَايَةٍ لو جَنَاهَا أو نَفَقَةٍ له من صَلَاحِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا عبد الْمَجِيدِ بن عبد الْعَزِيزِ عن مَعْمَرِ بن رَاشِدٍ عن أَيُّوبَ بن أبي تَمِيمَةَ عن مُحَمَّدِ بن سِيرِينَ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه قال لِرَجُلٍ إنَّ عِنْدَنَا مَالًا لِيَتِيمٍ قد أَسْرَعَتْ فيه الزَّكَاةُ وَذَكَرَ أَنَّهُ دَفَعَهُ إلَى رَجُلٍ يَتَّجِرُ فيه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إمَّا قال مُضَارَبَةً وَإِمَّا قال بِضَاعَةً وقال بَعْضُ الناس لَا زَكَاةَ في مَالِ الْيَتِيمِ النَّاضِّ وفي زَرْعِهِ الزَّكَاةُ وَعَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ تؤدي عنه وَجِنَايَاتُهُ التي تَلْزَمُ من مَالِهِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ لَا صَلَاةَ عليه وَأَنَّهُ لو كان سُقُوطُ الصَّلَاةِ عنه يُسْقِطُ عنه الزَّكَاةَ كان قد فَارَقَ قَوْلَهُ إذْ زَعَمَ أَنَّ عليه زَكَاةَ الْفِطْرِ وَزَكَاةَ الزَّرْعِ وقد كَتَبَ هذا في كِتَابِ الزَّكَاةِ ( قال ) وَلَوْ أَنَّ وصى مَيِّتٍ وَرَثَتُهُ كِبَارٌ وَصِغَارٌ وَلَا دَيْنَ على الْمَيِّتِ ولم يُوصِ بِشَيْءٍ بَاعَ عَقَارًا من عَقَارِ الْمَيِّتِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول في ذلك بَيْعُهُ جَائِزٌ على الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ وكان بن أبي لَيْلَى يقول يَجُوزُ على الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ إذَا كان ذلك مِمَّا لَا بُدَّ منه وقال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي بَيْعُهُ على الصِّغَارِ جَائِزٌ
____________________

(7/133)


في كل شَيْءٍ كان منه بَدَأَ ولم يَكُنْ وَلَا يَجُوزُ على الْكِبَارِ في شَيْءٍ من بَيْعِ الْعَقَارِ إذَا لم يَكُنْ الْمَيِّتُ أَوْصَى بِشَيْءٍ يُبَاعُ فيه أو يَكُونُ عليه دَيْنٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مَاتَ وَأَوْصَى إلَى رَجُلٍ وَتَرَكَ ورثه بَالِغِينَ أَهْلَ رُشْدٍ وَصِغَارًا ولم يُوصِ بِوَصِيَّةٍ ولم يَكُنْ عليه دَيْنٌ فَبَاعَ الْوَصِيُّ عَقَارًا مِمَّا تَرَكَ الْمَيِّتُ كان بَيْعُهُ على الْكِبَارِ بَاطِلًا وَنُظِرَ في بَيْعِهِ على الصِّغَارِ فَإِنْ كان بَاعَ عليهم فِيمَا لَا صَلَاحَ لِمَعَاشِهِمْ إلَّا بِهِ أو بَاعَ عليهم نَظَرًا لهم بَيْعَ غِبْطَةٍ كان بَيْعًا جَائِزًا وَإِنْ لم يَبِعْ في وَاحِدٍ من الْوَجْهَيْنِ وَلَا أَمْرٍ لَزِمَهُمْ كان بَيْعُهُ مَرْدُودًا وإذا أَمَرْنَاهُ إذَا كان في يَدِهِ النَّاضُّ أَنْ يَشْتَرِيَ لهم بِهِ الْعَقَارَ الذي هو خَيْرٌ لهم من النَّاضِّ لم نُجِزْ له أَنْ يَبِيعَ الْعَقَارَ إلَّا بِبَعْضِ ما وَصَفْت من الْعُذْرِ - * بَابٌ في الشَّرِكَةِ وَالْعِتْقِ وَغَيْرِهِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اشْتَرَكَ الرَّجُلَانِ شَرِكَةَ مُفَاوَضَةٍ وَلِأَحَدِهِمَا أَلْفُ دِرْهَمٍ وللاخر أَكْثَرُ من ذلك فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي كان يقول لَيْسَتْ هذه بِمُفَاوَضَةٍ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول هذه مُفَاوَضَةٌ جَائِزَةٌ وَالْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَشَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ بَاطِلَةٌ وَلَا أَعْرِفُ شيئا من الدُّنْيَا يَكُونُ بَاطِلًا إنْ لم تَكُنْ شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ بَاطِلَةً إلَّا أَنْ يَكُونَا شَرِيكَيْنِ يَعُدَّانِ الْمُفَاوَضَةَ خَلْطَ الْمَالِ بِالْمَالِ وَالْعَمَلَ فيه وَاقْتِسَامَ الرِّبْحِ فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ وَهَذِهِ الشَّرِكَةُ التي يقول بَعْضُ الْمَشْرِقِيِّينَ لها شَرِكَةَ عِنَانً فإذا اشْتَرَكَا مُفَاوَضَةً وَتَشَارَطَا أَنَّ الْمُفَاوَضَةَ عِنْدَهُمَا هذا الْمَعْنَى فَالشَّرِكَةُ صَحِيحَةٌ وما رُزِقَ أَحَدُهُمَا من غَيْرِ هذا الْمَالِ الذي اشْتَرَكَا فيه مَعًا من تِجَارَةٍ أو إجَارَةٍ أو كَنْزٍ أو هِبَةٍ أو غَيْرِ ذلك فَهُوَ له دُونَ صَاحِبِهِ وَإِنْ زَعَمَا بِأَنَّ الْمُفَاوَضَةَ عِنْدَهُمَا بِأَنْ يَكُونَا شَرِيكَيْنِ في كل ما أَفَادَا بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ بِسَبَبِ الْمَالِ وَغَيْرِهِ فَالشَّرِكَةُ فيه فَاسِدَةٌ وَلَا أَعْرِفُ الْقِمَارَ إلَّا في هذا أو أَقَلَّ منه أَنْ يَشْتَرِكَ الرَّجُلَانِ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَيَجِدَ أَحَدُهُمَا كَنْزًا فَيَكُونَ بَيْنَهُمَا أَرَأَيْت لو تَشَارَطَا على هذا من غَيْرِ أَنْ يَتَخَالَطَا بِمَالٍ كان يَجُوزُ فَإِنْ قال لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ عَطِيَّةُ ما لم يَكُنْ لِلْمُعْطَى وَلَا للمعطى وما لم يَعْلَمْهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَفَتُجِيزُهُ على مِائَتَيْ دِرْهَمٍ اشْتَرَكَا بها فَإِنْ عَدُّوهُ بَيْعًا فَبَيْعٌ ما لم يَكُنْ لَا يَجُوزُ أَرَأَيْت رَجُلًا وَهَبَ له هِبَةً أو أَجَّرَ نَفْسَهُ في عَمَلٍ فَأَفَادَ مَالًا من عَمَلٍ أو هِبَةٍ أَيَكُونُ الْآخَرُ فيها شَرِيكًا لقد أَنْكَرُوا أَقَلّ من هذا ( قال ) وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا بين رَجُلَيْنِ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ وهو مُوسِرٌ كان الْخِيَارُ للاخر في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه فَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ الْعَبْدَ كما أَعْتَقَ صَاحِبُهُ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ في نِصْفِ قِيمَتِهِ فَيَكُونُ الْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ شَرِيكَهُ نِصْفَ قِيمَتِهِ وَيَرْجِعُ الشَّرِيكُ بِمَا ضَمِنَ من ذلك على الْعَبْدِ وَيَكُونُ الْوَلَاءُ لِلشَّرِيكِ كُلُّهُ وهو عَبْدٌ ما بَقِيَ عليه من السِّعَايَةِ شَيْءٌ وكان بن أبي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يقول هو حُرٌّ كُلُّهُ يوم أَعْتَقَهُ الْأَوَّلُ وَالْأَوَّلُ ضَامِنٌ لِنِصْفِ الْقِيمَةِ وَلَا يَرْجِعُ بها على الْعَبْدِ وَلَهُ الْوَلَاءُ وَلَا يُخَيَّرُ صَاحِبُهُ في أَنْ يُعْتِقَ الْعَبْدَ أو يَسْتَسْعِيَهُ وَلَوْ كان الذي أَعْتَقَ الْعَبْدَ مُعْسِرًا كان الْخِيَارُ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ لِلشَّرِيكِ الْآخَرِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْعَبْدَ نِصْفَ قِيمَتِهِ يَسْعَى فيها وَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَهُ كما أَعْتَقَ صَاحِبُهُ وَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا وكان بن أبي لَيْلَى يقول إذَا كان مُعْسِرًا سَعَى الْعَبْدُ لِلشَّرِيكِ الذي لم يُعْتِقْ في نِصْفِ قِيمَتِهِ وَيَرْجِعُ بِذَلِكَ الْعَبْدُ على الذي أَعْتَقَهُ وَالْوَلَاءُ كُلُّهُ لِلَّذِي أَعْتَقَهُ وَلَيْسَ للاخر أَنْ يُعْتِقَ منه شيئا وكان يقول إذَا أَعْتَقَ شِقْصًا في مَمْلُوكٍ فَقَدْ أَعْتَقَهُ كُلَّهُ وَلَا يَتَبَعَّضُ الْعَبْدُ فَيَكُونُ بَعْضُهُ رَقِيقًا وَبَعْضُهُ حُرًّا وَبِهِ يَأْخُذُ أَرَأَيْت ما أَعْتَقَ منه أَيَكُونُ رَقِيقًا فَإِنْ كان ما أَعْتَقَ منه يَكُونُ رَقِيقًا فَقَدْ عَتَقَ فَكَيْفَ يَجْتَمِعُ في مُعْتَقٍ وَاحِدٍ عِتْقٌ وَرِقٌّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ في امْرَأَةٍ بَعْضُهَا طَالِقٌ وَبَعْضُهَا غَيْرُ طَالِقٍ وَبَعْضُهَا امْرَأَةٌ لِلزَّوْجِ علي حَالِهَا وَكَذَلِكَ الرَّقِيقُ وَبِهَذَا يَأْخُذُ إلَّا خَصْلَةً لَا يَرْجِعُ الْعَبْدُ بِمَا سَعَى فيه على الذي أَعْتَقَهُ وقال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يُعْتَقُ بَعْضُهُ وَبَعْضُهُ رَقِيقٌ وَهَذَا كُلُّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ ما دَامَ
____________________

(7/134)


منه شَيْءٌ رَقِيقٌ أو يَسْعَى في قِيمَتِهِ أَرَأَيْت لو أَنَّ الشَّرِيكَ قال نَصِيبُ شَرِيكِي منه حُرٌّ وَأَمَّا نَصِيبِي فَلَا هل كان يَعْتِقُ منه ما لَا يَمْلِكُ وإذا أَعْتَقَ منه ما يَمْلِكُ فَكَيْفَ يَعْتِقُ منه ما لَا يَمْلِكُ وَهَلْ يَقَعُ عِتْقٌ فِيمَا لَا يَمْلِكُ الرَّجُلُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا كان الْعَبْدُ بين الرَّجُلَيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ منه فَإِنْ كان مُوسِرًا بِأَنْ يُؤَدِّيَ نِصْفَ قِيمَتِهِ فَالْعَبْدُ حُرٌّ كُلُّهُ وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ الْأَوَّلِ وَلَا خِيَارَ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ الْآخَرِ وَإِنْ كان مُعْسِرًا فَالنِّصْفُ الْأَوَّلُ حُرٌّ وَالنِّصْفُ الثَّانِي لِمَالِكِهِ وَلَا سِعَايَةَ عليه وَهَذَا مَكْتُوبٌ في كِتَابِ الْعِتْقِ بِحُجَجِهِ إلَّا أَنَّا وَجَدْنَا في هذا الْكِتَابِ زِيَادَةَ حَرْفٍ لم نَسْمَعْ بِهِ في حُجَجِهِمْ كان مِمَّا احْتَجُّوا بِهِ في هذا الْكِتَابِ أَنْ قال قَائِلُهُمْ كَيْفَ تَكُونُ نَفْسٌ وَاحِدَةٌ بَعْضُهَا حُرٌّ وَبَعْضُهَا مَمْلُوكٌ لَا يَكُونُ كما لَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ بَعْضُهَا طَالِقٍ وَبَعْضُهَا غَيْرُ طَالِقٍ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّ الْعَبْدَ يَكُونُ فيه الرِّقُّ وَالْحُرِّيَّةُ قِيَاسًا على الْمَرْأَةِ قِيلَ له أَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْكِحَ بَعْضَ امْرَأَةٍ فَإِنْ قال لَا لَا تَكُونُ إلَّا مَنْكُوحَةً كُلَّهَا أو غير مَنْكُوحَةٍ قِيلَ له أَفَيَجُوز أَنْ يَشْتَرِيَ بَعْضَ عَبْدٍ فَإِنْ قال نعم قِيلَ له فَأَيْنَ الْعَبْدُ من الْمَرْأَةِ وَقِيلَ له أَيَجُوزُ له أَنْ يُكَاتِبَ الْمَرْأَةَ على الطَّلَاقِ وَيَكُونَ مَمْنُوعًا حتي تؤدى الْكِتَابَةَ أو تَعْجِزَ فَإِنْ قال لَا قِيلَ أَفَيَجُوز هذا له في الْعَبْدِ فَإِنْ قال نعم قِيلَ فَلِمَ تَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ قال لَا يَجْتَمِعَانِ قِيلَ وَكَذَلِكَ لَا يَجْتَمِعَانِ حَيْثُ جَمَعْت بَيْنَهُمَا وَيُقَالُ له أَيْضًا أَتَكُونُ الْمَرْأَةُ لِاثْنَيْنِ كما يَكُونُ الْعَبْدُ مَمْلُوكًا لِاثْنَيْنِ وَيَكُونُ لِزَوْجِ الْمَرْأَةِ أَنْ يَهَبَهَا لِلرَّجُلِ فَتَكُونَ زَوْجَةً له كما يَكُونُ الْعَبْدُ إذَا وَهَبَهُ صَارَ عَبْدًا لِمَنْ وَهَبَهُ له فَإِنْ قال لَا قِيلَ فما بَالُ الْمَرْأَةِ تُقَاسُ على الْمَمْلُوكِ وَيُقَالُ له أَرَأَيْت الْعَبْدَ إذَا عَتَقَ مَرَّةً أَيَكُونُ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَسْتَرِقَّهُ كما يَكُونُ له إذَا طَلَّقَ الْمَرْأَةَ مَرَّةً أَنْ يَكُونَ له رَجْعَتُهَا فَإِنْ قال لَا قِيلَ فما نَعْلَمُ شيئا أَبْعَدَ مِمَّا قَاسَهُ بِهِ منه ( قال ) وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا بين رَجُلَيْنِ كَاتَبَهُ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ وَلَا رِضَاهُ فَأَنْكَرَ ذلك صَاحِبُهُ قبل أَنْ يؤدى الْمُكَاتَبُ شيئا فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول الْمُكَاتَبَةُ بَاطِلَةٌ وَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَرُدَّهَا لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ تَصِلُ إلَيْهِ وَلَيْسَ ذلك له دُونَ صَاحِبِهِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول الْمُكَاتَبَةُ جَائِزَةٌ وَلَيْسَ لِلشَّرِيكِ أَنْ يَرُدَّهَا وَلَوْ أَنَّ الشَّرِيكَ أَعْتَقَ الْعَبْدَ كان الْعِتْقُ بَاطِلًا في قَوْلِ بن أبي لَيْلَى حتى يَنْظُرَ ما يَصْنَعُ في الْمُكَاتَبَةِ فَإِنْ أَدَّاهَا إلَى صَاحِبِهَا عَتَقَ وكان الذي كَاتَبَ ضَامِنًا لِنِصْفِ الْقِيمَةِ وَالْوَلَاءُ كُلُّهُ له وكان أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يقول عِتْقُ ذلك جَائِزٌ وَيُخَيَّرُ الْمُكَاتَبُ فَإِنْ شَاءَ ألغي الْكِتَابَةَ وَعَجَزَ عنها وَإِنْ شَاءَ سَعَى فيها فَإِنْ عَجَزَ عنها كان الشَّرِيكُ الذي كَاتَبَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الذي أَعْتَقَ إنْ كان مُوسِرًا وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ في نِصْفِ قِيمَتِهِ وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ الْعَبْدَ فَإِنْ ضَمَّنَ الذي أَعْتَقَ كان له أَنْ يَرْجِعَ على الْعَبْدِ بِمَا ضَمِنَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان الْعَبْدُ بين رَجُلَيْنِ فَكَاتَبَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَالْكِتَابَةُ مَفْسُوخَةٌ وما أُخِذَ منه بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ما لم يُؤَدِّ جَمِيعَ الْكِتَابَةِ فَإِنْ أَدَّى جَمِيعَ الْكِتَابَةِ عَتَقَ نِصْفُ الْمُكَاتَبِ وكان كَمَنْ ابْتَدَأَ الْعِتْقَ في عَبْدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ إنْ كان مُوسِرًا عَتَقَ عليه كُلِّهِ وَإِنْ مُعْسِرًا عَتَقَ منه ما عَتَقَ وَلَوْ رُدَّتْ الْكِتَابَةُ قبل الْأَدَاءِ كان مَمْلُوكًا بَيْنَهُمَا وَلَوْ أَعْتَقَهُ مَالُك النِّصْفِ الذي لم يُكَاتِبْهُ قبل الْأَدَاءِ كان نِصْفُهُ منه حُرًّا فَإِنْ كان مُوسِرًا ضَمِنَ نِصْفَهُ الْبَاقِي لِأَنَّ الْكِتَابَةَ كانت فيه بَاطِلَةٌ وَلَا أُخَيِّرُ الْعَبْدَ لِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ كان فَاسِدًا وَإِنْ كان مُعْسِرًا عَتَقَ منه ما عَتَقَ وَكَانَتْ الْكِتَابَةُ بَيْنَهُمَا بَاطِلَةً إلَّا أَنْ يَشَاءَ مَالُك الْعَبْدِ أَنْ يُجَدِّدَهَا ( قال ) وَلَوْ أَنَّ مَمْلُوكًا بين اثْنَيْنِ دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول ليس للاخر أَنْ يَبِيعَهُ لِمَا دخل فيه من الْعِتْقِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول له أَنْ يَبِيعَ حِصَّتَهُ وإذا وَرِثَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ مِيرَاثًا فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كان يقول هو له خَاصَّةً وَبِهَذَا يَأْخُذُ قال وَتُنْتَقَضُ الْمُفَاوَضَةُ إذَا قَبَضَ ذلك وكان بن أبي لَيْلَى يقول هو بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان الْعَبْدُ بين رَجُلَيْنِ
____________________

(7/135)


فَدَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا فللاخر بَيْعُ نَصِيبِهِ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ عِنْدِي وَصِيَّةٌ وَكَذَلِكَ لِلَّذِي دَبَّرَهُ أَنْ يَبِيعَهُ وَهَذَا مَكْتُوبٌ في كِتَابِ الْمُدَبَّرِ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ ليس لِلْمُدَبِّرِ أَنْ يَبِيعَ الْمُدَبَّرَ لَزِمَهُ أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ على السَّيِّدِ الْمُدَبِّرِ نِصْفُ الْقِيمَةِ لِشَرِيكِهِ إنْ كان مُوسِرًا وَيَكُونُ مُدَبَّرًا كُلَّهُ كما يَلْزَمُهُ هذا في الْعِتْقِ إذَا جَعَلَ هذا عِتْقًا يَكُونُ له بِكُلِّ حَالٍ فَإِنْ قال فَالْعِتْقُ الذي أَلْزَمْتُهُ فيه نِصْفَ الْقِيمَةِ عِتْقٌ وَاقِعٌ مَكَانَهُ قِيلَ فَأَنْتَ تَزْعُمُ في الْجَارِيَةِ بين الرَّجُلَيْنِ يَطَؤُهَا أَحَدُهُمَا فَتَلِدُ أنها أُمُّ وَلَدٍ وَعَلَيْهِ نِصْفُ الْقِيمَةِ وَهَذَا عِتْقٌ ليس بِوَاقِعٍ مَكَانَهُ إنَّمَا هو وَاقِعٌ بَعْدَ مُدَّةٍ كَعِتْقِ الْمُدَبَّرِ يَقَعُ بَعْدَ مُدَّةٍ وَإِنْ كان الْعَبْدُ بين اثْنَيْنِ فَدَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْآخَرُ البتة فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول الذي دَبَّرَهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ في نِصْفِ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُعْتِقَ نِصْفَ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا إنْ كان مُوسِرًا وَيَرْجِعُ بِهِ الْمُعْتِقُ على الْعَبْدِ وَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وكان بن أبي لَيْلَى يقول التَّدْبِيرُ بَاطِلٌ وَالْعِتْقُ جَائِزٌ وَالْمُعْتِقُ ضَامِنٌ لِنِصْفِ قِيمَتِهِ إنْ كان مُوسِرًا وَإِنْ كان مُعْسِرًا سَعَى فيه الْعَبْدُ ثُمَّ يَرْجِعُ على الْمُعْتِقِ وَالْوَلَاءُ كُلُّهُ لِلْمُعْتِقِ وقال أبو يُوسُفَ إذَا دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا فَهُوَ مُدَبَّرٌ كُلُّهُ وهو ضَامِنٌ نِصْفَ قِيمَتِهِ وَعِتْقُ الْآخَرِ بَاطِلٌ لَا يَجُوزُ فيه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان الْعَبْدُ بين اثْنَيْنِ فَدَبَّرَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ وَأَعْتَقَ الْآخَرُ بَتَاتًا فَإِنْ كان مُوسِرًا فَالْعَبْدُ حُرٌّ كُلُّهُ وَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ وَلَهُ وَلَاؤُهُ وَإِنْ كان مُعْسِرًا فَنَصِيبُهُ منه حُرٌّ وَنَصِيبُ شَرِيكِهِ مُدَبَّرٌ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يَبِيعُ الْمُدَبَّرَ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُبْطِلَ الْعِتْقَ الْآخَرَ وَيَجْعَلَهُ مُدَبَّرًا كُلَّهُ إذَا كان الْمُدَبِّرُ الْأَوَّلُ مُوسِرًا لِأَنَّ تَدْبِيرَ الْأَوَّلِ عِتْقٌ وَالْعِتْقُ الْأَوَّلُ أَوْلَى من الْآخَرِ قال وَهَكَذَا قال أَهْلُ الْقِيَاسِ الَّذِينَ لم يَبِيعُوا الْمُدَبَّرَ - * بَابٌ في الْمُكَاتَبِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كَاتَبَ الرَّجُلُ الْمُكَاتَبَ على نَفْسِهِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كان يقول مَالُهُ لمولاة إذَا لم يَشْتَرِطْ الْمُكَاتَبُ ذلك وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول الْمُكَاتَبُ له الْمَالُ وَإِنْ لم يَشْتَرِطْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كَاتَبَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ وَبِيَدِ الْعَبْدِ مَالٌ فَالْمَالُ لِلسَّيِّدِ لِأَنَّهُ لَا مَالَ لِلْعَبْدِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُكَاتَبُ على السَّيِّدِ مَالَهُ فَيَكُونُ له بِالشَّرْطِ وَهَذَا مَعْنَى السُّنَّةِ نَصًّا قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ وَلَا يَعْدُو الْمُكَاتَبُ أَنْ يَكُونَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ فَرَبُّ الْمُكَاتَبِ بَائِعٌ وقد جَعَلَ له رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمَالَ أو يَكُونُ غير خَارِجٍ من مِلْكِ مَوْلَاهُ فَيَكُونُ معه كَالْمُعَلَّقِ فَذَلِكَ أَحْرَى أَنْ لَا يَمْلِكَ على مَوْلَاهُ مَالًا كان لِمَوْلَاهُ قبل الْكِتَابَةِ وَالْمُشْتَرِي الذي أَعْطَى مَالَهُ في الْعَبْدِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِمَالِ الْعَبْدِ بِشِرَاءِ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ لو مَاتَ مَكَانَهُ مَاتَ من مَالِهِ من الْمُكَاتَبِ الذي لو مَاتَ لم يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وإذا قال الْمُكَاتَبُ قد عَجَزْت وَكَسَرَ مُكَاتَبَتَهُ وَرَدَّهُ مَوْلَاهُ في الرِّقِّ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كان يقول ذلك جَائِزٌ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وقد بَلَغَنَا عن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ أَنَّهُ رَدَّ مُكَاتَبًا له حين عَجَزَ وَكَسَرَ مُكَاتَبَتَهُ عِنْدَ غَيْرِ قَاضٍ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا يَجُوزُ ذلك إلَّا عِنْدَ قَاضٍ وَكَذَلِكَ لو أتى الْقَاضِيَ فقال قد عَجَزْت فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يَرُدُّهُ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا أَرُدُّهُ حتى يَجْتَمِعَ عليه نَجْمَانِ قد حَلَّا عليه في يَوْمٍ خَاصَمَ إلَيْهِ ثُمَّ قال أبو يُوسُفَ بَعْدُ لَا أَرُدُّهُ حتى أَنْظُرَ فَإِنْ كان نَجْمُهُ قَرِيبًا وكان يُرْجَى لم يُعَجِّلْ عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال الْمُكَاتَبُ قد عَجَزْت عِنْدَ مَحَلِّ نَجْمٍ من نُجُومِهِ فَهُوَ كما قال وهو كَمَنْ لم يُكَاتِبْ يَبِيعُهُ سَيِّدُهُ وَيَصْنَعُ بِهِ ما شَاءَ كان ذلك عِنْدَ قَاضٍ أو لم يَكُنْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا الثَّقَفِيُّ وبن عُلَيَّةَ عن أَيُّوبَ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما أَنَّهُ رَدَّ مُكَاتَبًا له عَجَزَ في الرِّقِّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن شَبِيبِ بن غَرْقَدَةَ أَنَّهُ شَهِدَ شُرَيْحًا رَدَّ مُكَاتَبًا عَجَزَ في الرِّقِّ وإذا تَزَوَّجَ
____________________

(7/136)


الْمُكَاتَبُ أو وَهَبَ هِبَةً أو أَعْتَقَ عَبْدًا أو كَفَلَ بِكَفَالَةٍ أو كَفَلَ عنه رَجُلٌ لِمَوْلَاهُ بِاَلَّذِي عليه فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي كان يقول هذا كُلُّهُ بَاطِلٌ لَا يَجُوزُ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول نِكَاحُهُ وَكَفَالَتُهُ بَاطِلٌ وما تَكَفَّلَ بِهِ رَجُلٌ عنه لِمَوْلَاهُ فَهُوَ جَائِزٌ وَأَمَّا عِتْقُهُ وَهِبَتُهُ فَهُوَ مَوْقُوفٌ فَإِنْ عَتَقَ أَمْضَى ذلك وَإِنْ رَجَعَ مَمْلُوكًا فَذَلِكَ كُلُّهُ مَرْدُودٌ وقال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَيْفَ يَجُوزُ عِتْقُهُ وَهِبَتُهُ وَكَيْفَ تَجُوزُ الْكَفَالَةُ عنه لِمَوْلَاهُ أَرَأَيْت رَجُلًا كَفَلَ لِرَجُلٍ عن عَبْدِهِ كَفَالَةً أَلَيْسَتْ بَاطِلًا فَكَذَلِكَ مكاتبه وَبِهَذَا يَأْخُذُ وَبَلَغَنَا عن إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قال لَا يَجُوزُ أَنْ يَكْفُلَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ بِمُكَاتَبَةِ عَبْدِهِ لِأَنَّهُ عَبْدُهُ وَإِنَّمَا كَفَلَ له بِمَالِهِ وقال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا كان له مَالٌ حَاضِرٌ فقال أُؤَدِّيهِ الْيَوْمَ أو غَدًا فإنه كان يقول يُؤَجِّلُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا تَزَوَّجَ الْمُكَاتَبُ أو وَهَبَ أو أَعْتَقَ أو كَفَلَ عن أَحَدٍ بِكَفَالَةٍ فَذَلِكَ كُلُّهُ بَاطِلٌ لِأَنَّ في هذا إتْلَافًا لِمَالِهِ وهو غَيْرُ مُسَلَّطِ على الْمَالِ أَمَّا التَّزَوُّجُ فَأَبْطَلْنَاهُ بِالْعُبُودِيَّةِ التي فيه أَنَّهُ لَا يَكُونُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَنْكِحَ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَلَوْ كَفَلَ رَجُلٌ لِرَبِّ الْمُكَاتَبِ بِالْكِتَابَةِ كانت الْكَفَالَةُ بَاطِلَةً من قِبَلِ أَنَّهُ إنَّمَا تَكَفَّلَ له بِمَالِهِ عن مَالِهِ - * بَابٌ في الْأَيْمَانِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ إنْ بِعْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ بَاعَهُ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كان يقول لَا يُعْتَقُ لِأَنَّ الْعِتْقَ إنَّمَا وَقَعَ عليه بَعْدَ الْبَيْعِ وبعد ما خَرَجَ من مِلْكِهِ وَصَارَ لِغَيْرِهِ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول يَقَعُ الْعِتْقُ من مَالِ الْبَائِعِ وَيَرُدُّ الثَّمَنَ على الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ حَلَفَ يوم حَلَفَ وهو في مِلْكِهِ وَكَذَلِكَ لو قال الْبَائِعُ إنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ ثُمَّ كَلَّمَ فُلَانًا فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول لَا يُعْتَقُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قد خَرَجَ من مِلْكِ الْبَائِعِ الْحَالِفِ أَرَأَيْت لو أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي أَيَرْجِعُ إلي الْحَالِفِ وقد صَارَ مَوْلًى لِلْمُشْتَرِي أَرَأَيْت لو أَنَّ الْمُشْتَرِيَ ادَّعَاهُ وَزَعَمَ أَنَّهُ ابْنُهُ فَأَثْبَتَ الْقَاضِي نَسَبَهُ وهو رَجُلٌ من الْعَرَبِ وَجَعَلَهُ ابْنَهُ ثُمَّ كَلَّمَ الْبَائِعُ ذلك الرَّجُلَ الذي حَلَفَ عليه أَنْ لَا يُكَلِّمَهُ أَبْطَلَ دَعْوَى هذا وَنَسَبَهُ وَيَرْجِعُ الْوَلَاءُ إلَى الْأَوَّلِ وكان بن أبي لَيْلَى يقول في هذا يَرْجِعُ الْوَلَاءُ إلَى الْأَوَّلِ وَيُرَدُّ الثَّمَنُ وَيَبْطُلُ النَّسَبُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ إنْ بِعْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ بَيْعًا ليس بِبَيْعِ خِيَارٍ بِشَرْطٍ فَهُوَ حُرٌّ حين عَقَدَ الْبَيْعَ وَإِنَّمَا زَعَمْتُ أَنَّهُ يُعْتَقُ من قِبَلِ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ ما لم يَتَفَرَّقَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَتَفَرُّقُهُمَا تَفَرُّقُهُمَا عن مَقَامِهِمَا الذي تَبَايَعَا فيه فلما كان لِمَالِك الْعَبْدِ الْحَالِفِ بِعِتْقِهِ إجَازَةُ الْبَيْعِ وَرَدُّهُ كان لم يَنْقَطِعْ مِلْكُهُ عنه الِانْقِطَاعَ كُلَّهُ وَلَوْ ابْتَدَأَ الْعِتْقَ في هذه الْحَالِ لِعَبْدِهِ الذي بَاعَهُ عَتَقَ فَعَتَقَ بِالْحِنْثِ وَلَوْ كان بَاعَهُ بَيْعَ خِيَارٍ كان هَكَذَا عِنْدِي لِأَنِّي أَزْعُمُ أَنَّ الْخِيَارَ إنَّمَا هو بَعْدَ الْبَيْعِ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْخِيَارَ يَجُوزُ مع عَقْدِ الْبَيْعِ لم يُعْتَقْ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ أَخْرَجَتْهُ من مِلْكِ الْحَالِفِ خُرُوجًا لَا خِيَارَ له فيه فَوَقَعَ الْعِتْقُ عليه وهو خَارِجٌ من مِلْكِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَكَذَا لو قال رَجُلٌ لِغُلَامِهِ أنت حُرٌّ لو كَلَّمْتُ فُلَانًا أو دَخَلْت الدَّارَ فَبَاعَهُ وَفَارَقَ الْمُشْتَرِيَ ثُمَّ كَلَّمَ فُلَانًا أو دخل الدَّارَ لم يُعْتَقْ لِأَنَّ الْحِنْثَ وَقَعَ وهو خَارِجٌ من مِلْكِهِ وإذا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً بَائِنَةً أو وَاحِدَةً يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ كَلَّمَ فُلَانًا فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول لَا يَقَعُ عليه الطَّلَاقُ الذي حَلَفَ بِهِ لِأَنَّهَا قد خَرَجَتْ من مِلْكِهِ أَلَا تَرَى أنها لو تَزَوَّجَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ ثُمَّ كَلَّمَ الْأَوَّلُ فُلَانًا وَهِيَ عِنْدَ هذا الرَّجُلِ لم يَقَعْ عليها الطَّلَاقُ وَهِيَ تَحْتَ غَيْرِهِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول يَقَعُ عليها الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ حَلَفَ بِذَلِكَ وَهِيَ في مِلْكِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا ثُمَّ خَالَعَهَا ثُمَّ كَلَّمَتْ
____________________

(7/137)


فُلَانًا لم يَقَعْ عليها طَلَاقٌ من قِبَلِ أَنَّ الطَّلَاقَ وَقَعَ وَهِيَ خَارِجَةٌ من مِلْكِهِ وَهَكَذَا لو طَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ كَلَّمَ فُلَانًا لم يَقَعْ عليه الطَّلَاقُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ إلَّا على زَوْجَةٍ وَهِيَ لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ وَلَوْ نَكَحَهَا نِكَاحًا جَدِيدًا لم يَحْنَثْ بهذا الطَّلَاقِ وَإِنْ كَلَّمَهُ كَلَامًا جَدِيدًا لِأَنَّ الْحِنْثَ لَا يَقَعُ إلَّا مَرَّةً وقد وَقَعَ وَهِيَ خَارِجَةٌ من مِلْكِهِ ( قال ) وإذا قال الرَّجُلُ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا أَبَدًا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَكُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى فَاشْتَرَى مَمْلُوكًا وَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي كان يقول يَقَعُ الْعِتْقُ على الْمَمْلُوكِ وَالطَّلَاقُ على الْمَرْأَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ طَلَّقَ بعد ما مَلَكَ وَأَعْتَقَ بعد ما مَلَكَ وقد بَلَغَنَا عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ كان يقول لَا طَلَاقَ إلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ وَلَا عِتْقَ إلَّا بَعْدَ مِلْكٍ فَهَذَا إنَّمَا وَقَعَ بَعْدَ الْمِلْكِ كُلِّهِ أَلَا تري أَنَّهُ لو قال إذَا تَزَوَّجْتهَا أو مَلَكْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ صَارَتْ طَالِقًا وَبِهَذَا يَأْخُذُ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لو قال لِأَمَتِهِ كُلُّ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ فَهُوَ حُرٌّ ثُمَّ وَلَدَتْ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ كان حُرًّا فَهَذَا عِتْقُ ما لم يَمْلِكْ أَلَا تري أَنَّ رَجُلًا لو كانت عِنْدَهُ امْرَأَةٌ فقال لها إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً بَائِنَةً ثُمَّ تَزَوَّجَهَا في الْعِدَّةِ أو بَعْدَهَا أَنَّ ذلك وَاقِعٌ عليها لِأَنَّهُ حَلَفَ وهو يَمْلِكُهَا وَوَقَعَ الطَّلَاقُ وهو يَمْلِكُهَا أَرَأَيْتَ لو قال لِعَبْدٍ له إنْ اشْتَرَيْتُكَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ أَمَا كان يُعْتَقُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا يَقَعُ في ذلك عِتْقٌ وَلَا طَلَاقٌ إلَّا أَنْ يُوَقِّتَ وَقْتًا فَإِنْ وَقَّتَ وَقْتًا في سِنِينَ مَعْلُومَةٍ أو قال ما عَاشَ فُلَانٌ أو فُلَانَةُ أو وَقَّتَ مِصْرًا من الْأَمْصَارِ أو مَدِينَةً أو قَبِيلَةً لَا يَتَزَوَّجُ وَلَا يَشْتَرِي منها مَمْلُوكًا فإن بن أبي لَيْلَى يُوقِعُ على هذا الطَّلَاقَ وَأَمَّا قَوْلُ أبي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي فإنه يُوقِعُ في الْوَقْتِ وَغَيْرِ الْوَقْتِ وقد بَلَغَنَا عن عبد اللَّهِ بن مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ تعالي عنه أَنَّهُ قال إذَا وَقَّتَ وَقْتًا أو قَبِيلَةً أو ما عَاشَتْ فُلَانَةُ وَقَعَ وإذا قال الرَّجُلُ إنْ وَطِئْتُ فُلَانَةَ فَهِيَ حُرَّةٌ فَاشْتَرَاهَا فَوَطِئَهَا فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول لَا تُعْتَقُ من قِبَلِ أَنَّهُ حَلَفَ وهو لَا يَمْلِكُهَا وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يقول تُعْتَقُ فَإِنْ قال إنْ اشْتَرَيْتُكِ فَوَطِئْتُكِ فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَاشْتَرَاهَا فَوَطِئَهَا فَهِيَ حُرَّةٌ في قَوْلِهِمَا جميعا ( قال الرَّبِيعُ ) لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هَا هُنَا جَوَابٌ - * بَابٌ في الْعَارِيَّةُ وَأَكْلِ الْغَلَّةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَعَارَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ أَرْضًا يبنى فيها ولم يُوَقِّتْ وَقْتًا ثُمَّ بَدَا له أَنْ يُخْرِجَهُ بعد ما بَنَى فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول نُخْرِجُهُ وَيُقَالُ لِلَّذِي بَنَى اُنْقُضْ بِنَاءَك وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول الذي أَعَارَهُ ضَامِنٌ لِقِيمَةِ الْبُنْيَانِ وَالْبِنَاءُ لِلْمُعِيرِ وَكَذَلِكَ بَلَغَنَا عن شُرَيْحٍ فَإِنْ وَقَّتَ له وَقْتًا فَأَخْرَجَهُ قبل أَنْ يَبْلُغَ ذلك الْوَقْتَ فَهُوَ ضَامِنٌ لِقِيمَةِ الْبِنَاءِ في قَوْلِهِمَا جميعا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَعَارَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ بُقْعَةً من الْأَرْضِ يبنى فيها بِنَاءً فَبَنَاهُ لم يَكُنْ لِصَاحِبِ الْبُقْعَةِ أَنْ يُخْرِجَهُ من بِنَائِهِ حتى يُعْطِيَهُ قِيمَتَهُ قَائِمًا يوم يُخْرِجُهُ وَلَوْ وَقَّتَ له وَقْتًا وقال أَعَرْتُكَهَا عَشْرَ سِنِينَ وَأَذِنْتُ لَك في الْبِنَاءِ مُطْلَقًا كان هَكَذَا وَلَكِنَّهُ لو قال فَإِنْ انْقَضَتْ الْعَشْرُ السِّنِينَ كان عَلَيْك أَنْ تَنْقُضَ بِنَاءَك كان ذلك عليه لِأَنَّهُ لم يُغَرَّ إنَّمَا هو غَرَّ نَفْسَهُ ( قال ) وإذا أَقَامَ الرَّجُلُ الْبَيِّنَةَ على أَرْضٍ وَنَخْلٍ أنها له وقد أَصَابَ الذي هو في يَدَيْهِ من غَلَّةِ النَّخْلِ وَالْأَرْضِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول الذي كانت في يَدَيْهِ ضَامِنٌ لِمَا أَخَذَ من الثَّمَرِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا ضَمَانَ عليه في ذلك ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت النَّخْلُ وَالْأَرْضُ في يَدَيْ الرَّجُلِ فَأَقَامَ رَجُلٌ عليها الْبَيِّنَةَ أنها له مُنْذُ عَشْرِ سِنِينَ وقد أَصَابَ الذي هِيَ في يَدَيْهِ ثَمَرَهَا مُنْذُ عَشْرِ سِنِينَ أُخْرِجَتْ من يَدَيْهِ وَضَمِنَ ثَمَرَهَا وما أَصَابَ منها من شَيْءٍ فَدَفَعَهُ إلَى صَاحِبِ الْبَيِّنَةِ فَإِنْ كانت الْأَرْضُ تُزْرَعُ فَزَرْعُهَا لِلزَّارِعِ وَعَلَيْهِ كِرَاءُ مِثْلِ الْأَرْضِ وَإِنْ كان لم يَزْرَعْهَا فَعَلَيْهِ كِرَاءُ مِثْلِ الْأَرْضِ ( قال ) وإذا زَرَعَ الرَّجُلُ الْأَرْضَ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول الزَّرْعُ لِلَّذِي كانت في يَدَيْهِ وهو ضَامِنٌ لِمَا نَقَصَ الْأَرْضَ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ وَلَيْسَ عليه
____________________

(7/138)


ضَمَانٌ ( قال ) وإذا أَخَذَ الرَّجُلُ أَرْضَ رَجُلٍ إجَارَةً سَنَةً وَعَمِلَهَا وَأَقَامَ فيها سَنَتَيْنِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي كان يقول هو ضَامِنٌ لِمَا نَقَصَ الْأَرْضَ في السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ ويعطى أَجْرَ السَّنَةِ الْأُولَى وكان بن أبي لَيْلَى يقول عليه أَجْرُ مِثْلِهَا في السَّنَةِ الثَّانِيَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا تَكَارَى الرَّجُلُ الْأَرْضَ لِيَزْرَعَهَا سَنَةً فَزَرَعَهَا سَنَتَيْنِ فَعَلَيْهِ كِرَاؤُهَا الذي تَشَارَطَا عليه في السَّنَةِ الْأُولَى وَكِرَاءُ مِثْلِهَا في السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَلَوْ حَدَثَ عليها في السَّنَةِ الثَّانِيَةِ حَدَثٌ يُنْقِصُهَا كان ضَامِنًا وَهَكَذَا الدُّورُ وَالْعَبِيدُ وَالدَّوَابُّ وَكُلُّ شَيْءٍ اُسْتُؤْجِرَ ( قال ) وإذا وَجَدَ الرَّجُلُ كَنْزًا قَدِيمًا في أَرْضِ رَجُلٍ أو دَارِهِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول هو لِرَبِّ الدَّارِ وَعَلَيْهِ الْخُمُسُ وَلَيْسَ لِلَّذِي وَجَدَهُ منه شَيْءٌ وكان بن أبي لَيْلَى يقول هو لِلَّذِي وَجَدَهُ وَعَلَيْهِ الْخُمُسُ وَلَا شَيْءَ لِصَاحِبِ الدَّارِ وَالْأَرْضِ فيه وَبِهِ يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا وَجَدَ الرَّجُلُ كَنْزًا جَاهِلِيًّا في دَارِ رَجُلٍ فَالْكَنْزُ لِرَبِّ الدَّارِ وَفِيهِ الْخُمُسُ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْكَنْزُ لِمَنْ وَجَدَهُ إذَا وَجَدَهُ في مَوْضِعٍ لَا يَمْلِكُهُ أَحَدٌ وإذا كان الْكَنْزُ إسْلَامِيًّا ولم يُوجَدْ في مِلْكِ أَحَدٍ فَهُوَ لُقَطَةٌ يُعَرِّفُهُ سَنَةً ثُمَّ هو له - * بَابٌ في الْأَجِيرِ وَالْإِجَارَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اخْتَلَفَ الْأَجِيرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ في الْأُجْرَةِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ مع يَمِينِهِ إذَا عَمِلَ الْعَمَلَ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول الْقَوْلُ قَوْلُ الْأَجِيرِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَجْرِ مِثْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الذي ادَّعَى أَقَلَّ فَيُعْطِيَهُ إيَّاهُ وَإِنْ لم يَكُنْ عَمِلَ الْعَمَلَ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَيَنْبَغِي كَذَلِكَ في قَوْلِ بن أبي لَيْلَى وقال أبو يُوسُفَ بَعْدُ إذَا كان شَيْءٌ مُتَقَارِبٌ قَبِلْتُ قَوْلَ الْمُسْتَأْجِرِ وَأَحْلَفْتُهُ وإذا تَفَاوَتَ لم أَقْبَلْ وَأَجْعَلُ لِلْعَامِلِ أَجْرَ مِثْلِهِ إذَا حَلَفَ قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ أَجِيرًا فَتَصَادَقَا على الْإِجَارَةِ وَاخْتَلَفَا كَمْ هِيَ فَإِنْ كان لم يَعْمَلْ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا الْإِجَارَةَ وَإِنْ كان عَمِلَ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا أَجْرَ مِثْلِهِ كان أَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَى أو أَقَلَّ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ الْمُسْتَأْجِرُ إذَا أَبْطَلْتُ الْعُقْدَةَ وَزَعَمْتُ أنها مَفْسُوخَةٌ لم يَجُزْ أَنْ أَسْتَدِلَّ بِالْمَفْسُوخِ على شَيْءٍ وَلَوْ اسْتَدْلَلْتُ بِهِ كُنْت لم أُعْمِلْ الْمَفْسُوخَ وَلَا الصَّحِيحَ على شَيْءٍ ( قال ) وإذا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ بَيْتًا شَهْرًا يَسْكُنُهُ فَسَكَنَهُ شَهْرَيْنِ أو اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى مَكَان فَجَاوَزَ ذلك الْمَكَانَ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي كان يقول الْأَجْرُ فِيمَا سَمَّى وَلَا أَجْرَ له فِيمَا لم يُسَمِّ لِأَنَّهُ قد خَالَفَ وهو ضَامِنٌ حين خَالَفَ وَلَا يَجْتَمِعُ عليه الضَّمَانُ وَالْأُجْرَةُ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول له الْأَجْرُ فِيمَا سَمَّى وَفِيمَا خَالَفَ إنْ سَلَّمَ وَإِنْ لم يُسَلِّمْ ذلك ضَمِنَ وَلَا نَجْعَلُ عليه أَجْرًا في الْخِلَافِ إذَا ضَمِنَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا تَكَارَى الرَّجُلُ الدَّابَّةَ إلَى مَوْضِعٍ فَجَاوَزَهُ إلَى غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ كِرَاءُ الْمَوْضِعِ الذي تَكَارَاهَا إلَيْهِ الْكِرَاءَ الذي تَكَارَاهَا بِهِ وَعَلَيْهِ من حِينِ تَعَدَّى إلَى أَنْ رَدَّهَا كِرَاءُ مِثْلِهَا من ذلك الْمَوْضِعِ وإذا عَطِبَتْ لَزِمَهُ الْكِرَاءُ إلَى الْمَوْضِعِ الذي عَطِبَتْ فيه وَقِيمَتُهَا وَهَذَا مَكْتُوبٌ في كِتَابِ الْإِجَارَاتِ ( قال ) وإذا تَكَارَى الرَّجُلُ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عليها عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ فَحَمَلَ عليها أَكْثَرَ من ذلك فَعَطِبَتْ الدَّابَّةُ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول هو ضَامِنٌ قِيمَةَ الدَّابَّةِ بِحِسَابِ ما زَادَ عليها وَعَلَيْهِ الْأَجْرُ تَامًّا إذَا كانت قد بَلَغَتْ الْمَكَانَ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول عليه قِيمَتُهَا تَامَّةً وَلَا أَجْرَ عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا تَكَارَى الرَّجُلُ الدَّابَّةَ على أَنْ يَحْمِلَ عليها عَشَرَةَ مَكَايِيلَ مُسَمَّاةً فَحَمَلَ عليها أَحَدَ عَشَرَ مِكْيَالًا فَعَطِبَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ لِقِيمَةِ الدَّابَّةِ كُلِّهَا وَعَلَيْهِ الْكِرَاءُ وكان أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَجْعَلُ عليه الضَّمَانَ بِقَدْرِ الزِّيَادَةِ كَأَنَّهُ تَكَارَاهَا على أَنْ يَحْمِلَ عليها عَشَرَةَ مَكَايِيلَ فَحَمَلَ عليها أَحَدَ عَشَرَ فَيُضَمِّنُهُ سَهْمًا من أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا وَيَجْعَلُ الْأَحَدَ عَشَرَ كُلَّهَا
____________________

(7/139)


قَتَلَتْهَا ثُمَّ يَزْعُمُ أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ تَكَارَاهَا مِائَةَ مِيلٍ فَتَعَدَّى بها على الْمِائَةِ مِيلًا أو بَعْضَ مِيلٍ فَعَطِبَتْ ضَمِنَ الدَّابَّةَ كُلَّهَا وكان يَنْبَغِي في أَصْلِ قَوْلِهِ أَنْ يَجْعَلَ الْمِائَةَ وَالزِّيَادَةَ على الْمِائَةِ قَتَلَتْهَا فَيُضَمِّنُهُ بِقَدْرِ الزِّيَادَةِ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ ضَامِنٌ لِلدَّابَّةِ حين تَعَدَّى بها حتى يَرُدَّهَا وَلَوْ كان الْكِرَاءُ مُقْبِلًا وَمُدْبِرًا فَمَاتَتْ في الْمِائَةِ مِيلٍ وإذا غَرِقَتْ سَفِينَةُ الْمَلَّاحِ فَغَرِقَ الذي فيها وقد حَمَلَهُ بِأَجْرٍ فَغَرِقَتْ من مَدِّهِ أو مُعَالَجَتِهِ السَّفِينَةَ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول هو ضَامِنٌ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا ضَمَانَ عليه في الْمَدِّ خَاصَّةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا فَعَلَ من ذلك الْفِعْلِ الذي يُفْعَلُ بِمِثْلِهَا في ذلك الْوَقْتِ الذي فَعَلَ لم يَضْمَنْ وإذا تَعَدَّى ذلك ضَمِنَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُوَفِّقُ - * بَابُ الْقِسْمَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت الدَّارُ صَغِيرَةً بين اثْنَيْنِ أو شِقْصٌ قَلِيلٌ في دَارٍ لَا يَكُونُ بَيْتًا فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول أَيُّهُمَا طَلَبَ الْقِسْمَةَ وأبي صَاحِبُهُ قُسِمَتْ له أَلَا تَرَى أَنَّ صَاحِبَ الْقَلِيلِ يَنْتَفِعُ بِنَصِيبِ صَاحِبِ الْكَثِيرِ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا يُقْسَمُ شَيْءٌ منها ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كانت الدَّارُ أو الْبَيْتُ بين شُرَكَاءَ فَسَأَلَ أَحَدُهُمْ الْقِسْمَةَ ولم يَسْأَلْ ذلك من بقى فَإِنْ كان يَصِلُ إلَيْهِ بِالْقَسْمِ شَيْءٌ يَنْتَفِعُ بِهِ وَإِنْ قَلَّتْ الْمَنْفَعَةُ قُسِمَ له وَإِنْ كُرْهٌ أَصَابَهُ وَإِنْ كان لَا يَصِلُ إلَيْهِ مَنْفَعَةٌ وَلَا إلَى أَحَدٍ لم يُقْسَمْ له - * بَابُ الصَّلَاةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أتى الرَّجُلُ إلَى الْإِمَامِ في أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وقد سَبَقَهُ بِرَكْعَةٍ فَسَلَّمَ الْإِمَامُ عِنْدَ فَرَاغِهِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول يَقُومُ الرَّجُلُ فيقضى وَلَا يُكَبِّرُ معه لِأَنَّ التَّكْبِيرَ ليس من الصَّلَاةِ إنَّمَا هو بَعْدَهَا وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول يُكَبِّرُ ثُمَّ يَقُومُ فيقضى ( قال ) وإذا صلى الرَّجُلُ في أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَحْدَهُ أو الْمَرْأَةُ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كان يقول لَا تَكْبِيرَ عليه وَلَا تَكْبِيرَ على من صلى في جَمَاعَةٍ في غَيْرِ مِصْرٍ جَامِعٍ وَلَا تَكْبِيرَ على الْمُسَافِرِينَ وكان بن أبي لَيْلَى يقول عليهم التَّكْبِيرُ أبو يُوسُفَ عن عُبَيْدَةَ عن إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قال التَّكْبِيرُ على الْمُسَافِرِينَ وَعَلَى الْمُقِيمِينَ وَعَلَى الذي يصلى وَحْدَهُ وفي جَمَاعَةٍ وَعَلَى الْمَرْأَةِ وَبِهِ يَأْخُذُ مُجَالِدٌ عن عَامِرٍ مِثْلُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا سَبَقَ الرَّجُلُ بِشَيْءٍ من الصَّلَاةِ في أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَسَلَّمَ الْإِمَامُ وَكَبَّرَ لم يُكَبِّرْ الْمَسْبُوقُ بِشَيْءٍ من الصَّلَاةِ وَقَضَى الذي عليه فإذا سَلَّمَ كَبَّرَ وَذَلِكَ أَنَّ التَّكْبِيرَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ ليس من الصَّلَاةِ إنَّمَا هو ذِكْرٌ بَعْدَهَا وَإِنَّمَا يَتَّبِعُ الْإِمَامَ فِيمَا كان من الصَّلَاةِ وَهَذَا ليس من الصَّلَاةِ وَيُكَبِّرُ في أَيَّامِ التَّشْرِيقِ الْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ وَالْمُسَافِرُ وَالْمُصَلِّي مُنْفَرِدًا وَغَيْرَ مُنْفَرِدٍ وَالرَّجُلُ قَائِمًا وَقَاعِدًا وَمُضْطَجِعًا وَعَلَى كل حَالٍ وإذا أَدْرَكَ الْإِمَامَ وهو رَاكِعٌ فَكَبَّرَ معه ثُمَّ لم يَرْكَعْ حتي رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول يَسْجُدُ معه وَلَا يَعْتَدُّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ أخبرنا بِذَلِكَ عن الْحَسَنِ عن الْحَكَمِ عن إبْرَاهِيمَ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ وَيَحْتَسِبُ بِذَلِكَ من صَلَاتِهِ وكان أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي ينهي عن الْقُنُوتِ في الْفَجْرِ وَبِهِ يَأْخُذُ وَيُحَدِّثُ بِهِ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ لم يَقْنُتْ إلَّا شَهْرًا وَاحِدًا حَارَبَ حَيًّا من الْمُشْرِكِينَ فَقَنَتَ يَدْعُو عليهم وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي اللَّهُ عنه لم يَقْنُتْ حتى لَحِقَ بِاَللَّهِ عز وجل وَأَنَّ بن مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ عنه لم يَقْنُتْ في سَفَرٍ وَلَا في حَضَرٍ وَأَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ لم يَقْنُتْ وَأَنَّ بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنه لم يَقْنُتْ وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بن عُمَرَ رضي اللَّهُ عنهما لم يَقْنُتْ وقال يا أَهْلَ الْعِرَاقِ أُنْبِئْت أَنَّ إمَامَكُمْ يَقُومُ لَا قَارِئَ قُرْآنٍ وَلَا رَاكِعَ يَعْنِي بِذَلِكَ الْقُنُوتَ وَأَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه قَنَتَ في حَرْبٍ يَدْعُو على مُعَاوِيَةَ فَأَخَذَ أَهْلُ الْكُوفَةِ عنه ذلك وَقَنَتَ مُعَاوِيَةُ بِالشَّامِ يَدْعُو على عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه فَأَخَذَ أَهْلُ الشَّامِ عنه ذلك
____________________

(7/140)


وكان بن أبي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَرَى الْقُنُوتَ في الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَقَبْلَ الرُّكُوعِ في الْفَجْرِ ويروي ذلك عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ قَنَتَ بِهَاتَيْنِ ( 3 ) السُّورَتَيْنِ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك وَنَسْتَغْفِرُك وَنُثْنِي عَلَيْك الْخَيْرَ نَشْكُرُك وَلَا نَكْفُرُك وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ من يَفْجُرُك اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ وَلَك نُصَلِّي وَنَسْجُدُ وَإِلَيْك نَسْعَى وَنَحْفِدُ نَرْجُو رَحْمَتَك وَنَخْشَى عَذَابَك إنَّ عَذَابَك بِالْكُفَّارِ مُلْحِقٌ وكان يحدث عن بن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عن عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه بهذا الحديث وَيُحَدِّثُ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ قَنَتَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَكَبَّرَ ولم يَرْكَعْ حتي يَرْفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ سَجَدَ مع الْإِمَامِ ولم يَعْتَدَّ بِذَلِكَ السُّجُودِ لِأَنَّهُ لم يُدْرِكْ رُكُوعَهُ وَلَوْ رَكَعَ بَعْدَ رَفْعِ الْإِمَامِ رَأْسَهُ لم يَعْتَدَّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ لِأَنَّهُ لم يُدْرِكْهَا مع الْإِمَامِ ولم يَقْرَأْ لها فَيَكُونُ صلى لِنَفْسِهِ فَقَرَأَ وَلَا صلى مع الْإِمَامِ فِيمَا أَدْرَكَ مع الْإِمَامِ وَيَقْنُتُ في صَلَاةِ الصُّبْحِ بَعْدَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ قَنَتَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ولم يَتْرُكْ عَلِمْنَاهُ الْقُنُوتَ في الصُّبْحِ قَطُّ وَإِنَّمَا قَنَتَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم حين جَاءَهُ قَتْلُ أَهْلِ بِئْرِ مَعُونَةَ خَمْسَ عَشَرَ لَيْلَةً يَدْعُو على قَوْمٍ من الْمُشْرِكِينَ في الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا ثُمَّ تَرَكَ الْقُنُوتَ في الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا فَأَمَّا في صَلَاةِ الصُّبْحِ فَلَا أَعْلَمُ أَنَّهُ تَرَكَهُ بَلْ نَعْلَمُ أَنَّهُ قَنَتَ في الصُّبْحِ قبل قَتْلِ أَهْلِ بِئْرِ مَعُونَةَ وَبَعْدُ وقد قَنَتَ بَعْدَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أبو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيُّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ كلهم بَعْدَ الرُّكُوعِ وَعُثْمَانُ رضي اللَّهُ عنه في بَعْضِ إمَارَتِهِ ثُمَّ قُدِّمَ الْقُنُوتُ على الرُّكُوعِ وقال لِيُدْرِكَ من سُبِقَ بِالصَّلَاةِ الرَّكْعَةَ - * بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ - * ( قال ) وكان أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يقول في صَلَاةِ الْخَوْفِ يَقُومُ الْإِمَامُ وَتَقُومُ معه طَائِفَةٌ فَيُكَبِّرُونَ مع الْإِمَامِ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ وَيَسْجُدُونَ معه فَيَنْفَلِتُونَ من غَيْرِ أَنْ يَتَكَلَّمُوا حتي يَقِفُوا بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ ثُمَّ تَأْتِي الطَّائِفَةُ التي كانت بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ فَيَسْتَقْبِلُونَ التَّكْبِيرَ ثُمَّ يصلى بِهِمْ الْإِمَامُ رَكْعَةً أُخْرَى وَسَجْدَتَيْنِ وَيُسَلِّمُ الْإِمَامُ فَيَنْفَلِتُونَ هُمْ من غَيْرِ تَسْلِيمٍ وَلَا يَتَكَلَّمُوا فَيَقُومُوا بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ وَتَأْتِي الْأُخْرَى فَيُصَلُّونَ رَكْعَةً وُحْدَانًا ثُمَّ يُسَلِّمُونَ وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَلِتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لم يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَك } وَكَذَلِكَ بَلَغَنَا عن عبد اللَّهِ بن عَبَّاسٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وكان بن أبي لَيْلَى يقول يَقُومُ الْإِمَامُ وَالطَّائِفَتَانِ جميعا إذَا كان الْعَدُوُّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ فَيُكَبِّرُ وَيُكَبِّرُونَ وَيَرْكَعُ وَيَرْكَعُونَ جميعا وَيَسْجُدُ الْإِمَامُ وَالصَّفُّ الْأَوَّلُ وَيَقُومُ الصَّفُّ الْآخَرُ في وُجُوهِ الْعَدُوِّ فإذا رَفَعَ الْإِمَامُ رَفَعَ الصَّفُّ الْأَوَّلُ رؤوسهم ( ( ( رءوسهم ) ) ) وَقَامُوا وَسَجَدَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فإذا فَرَغُوا من سُجُودِهِمْ قَامُوا ثُمَّ تَقَدَّمَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ وَيَتَأَخَّرُ الصَّفُّ الْأَوَّلُ فيصلى بِهِمْ الْإِمَامُ الرَّكْعَةَ الْأُخْرَى كَذَلِكَ وَيُحَدِّثُ بِذَلِكَ بن أبي لَيْلَى عن عَطَاءِ بن أبي رَبَاحٍ عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وكان بن أبي لَيْلَى يقول إذَا كان الْعَدُوُّ في دُبُرِ الْقِبْلَةِ قام الْإِمَامُ وَصَفٌّ معه مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَالصَّفُّ الْآخَرُ مُسْتَقْبِلَ الْعَدُوِّ وَيُكَبِّرُ وَيُكَبِّرُونَ جميعا وَيَرْكَعُ وَيَرْكَعُونَ جميعا ثُمَّ يَسْجُدُ الصَّفُّ الذي مع الْإِمَامِ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ يَنْفَتِلُونَ فَيَسْتَقْبِلُونَ الْعَدُوَّ وَيَجِيءُ الْآخَرُونَ فَيَسْجُدُونَ وَيُصَلِّي بِهِمْ الْإِمَامُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ فَيَرْكَعُونَ جميعا وَيَسْجُدُ معه الصَّفُّ الذي معه ثُمَّ يَنْفَتِلُونَ فَيَسْتَقْبِلُونَ الْعَدُوَّ وَيَجِيءُ الْآخَرُونَ فَيَسْجُدُونَ وَيَفْرُغُونَ ثُمَّ يُسَلِّمُ الْإِمَامُ وَهُمْ جميعا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا صلى الْإِمَامُ صَلَاةَ الْخَوْفِ مُسَافِرًا جَعَلَ طَائِفَةً من أَصْحَابِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَدُوِّ وَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَةً ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا يَقْرَأُ وَصَلَّوْا لِأَنْفُسِهِمْ الرَّكْعَةَ التي بَقِيَتْ عليهم وَتَشَهَّدُوا وَسَلَّمُوا ثُمَّ انْصَرَفُوا وَقَامُوا بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ التي كانت بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ فَكَبَّرُوا لِأَنْفُسِهِمْ وَصَلَّى بِهِمْ الرَّكْعَةَ التي كانت بَقِيَتْ عليه فإذا جَلَسَ في التَّشَهُّدِ قَامُوا فَصَلَّوْا الرَّكْعَةَ التي بَقِيَتْ عليهم ثُمَّ جَلَسُوا فَتَشَهَّدُوا فإذا رَأَى الْإِمَامُ أَنْ قد قَضَوْا تَشَهُّدَهُمْ سَلَّمَ بِهِمْ وَبِهَذَا الْمَعْنَى صلى النبي
____________________

(7/141)


صلى اللَّهُ عليه وسلم صَلَاةَ الْخَوْفِ يوم ذَاتِ الرِّقَاعِ وقد روى عنه في صَلَاةِ الْخَوْفِ خِلَافُ هذا وَهَذَا مَكْتُوبٌ في كِتَابِ الصَّلَاةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان الْعَدُوُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ لَا حَائِلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ وَلَا سُتْرَةَ وَحَيْثُ لَا يَنَالُهُ النَّبْلُ وكان الْعَدُوُّ قَلِيلًا مَأْمُونِينَ وَأَصْحَابُهُ كَثِيرًا وَكَانُوا بَعِيدًا منه لَا يَقْدِرُونَ في السُّجُودِ على الْغَارَةِ عليه قبل أَنْ يَصِيرُوا إلَى الرُّكُوبِ وَالِامْتِنَاعِ صلى بِأَصْحَابِهِ كُلِّهِمْ فإذا رَكَعَ رَكَعُوا كلهم وإذا رَفَعَ رَفَعُوا كلهم وإذا سَجَدَ سَجَدُوا كلهم إلَّا صَفًّا يَكُونُونَ على رَأْسِهِ قِيَامًا فإذا رَفَعَ رَأْسَهُ من السَّجْدَتَيْنِ فَاسْتَوَى قَائِمًا أو قَاعِدًا في مَثْنًى اتَّبَعُوهُ فَسَجَدُوا ثُمَّ قَامُوا بِقِيَامِهِ وَقَعَدُوا بِقُعُودِهِ وَهَكَذَا صلى رسول الله صلى اللَّهُ عليه وسلم في غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ بِعُسْفَانَ وَخَالِدُ بن الْوَلِيدِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ وكان خَالِدٌ في مِائَتَيْ فَارِسٍ مُنْتَبِذًا من النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في صَحْرَاءَ مَلْسَاءَ ليس فيها جَبَلٌ وَلَا شَجَرٌ وَالنَّبِيُّ صلى اللَّهُ عليه وسلم في أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ ولم يَكُنْ خَالِدٌ فِيمَا نري يَطْمَعُ بِقِتَالِهِمْ وَإِنَّمَا كان طَلِيعَةً يأتى بِخَبَرِهِمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا جَهَرَ الْإِمَامُ في صَلَاةٍ لَا يَجْهَرُ فيها بِالْقِرَاءَةِ عَمْدًا فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول قد أَسَاءَ وَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ وكان بن أبي لَيْلَى يقول يُعِيدُ بِهِمْ الصَّلَاةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا جَهَرَ الْإِمَامُ في الظُّهْرِ أو الْعَصْرِ أو خَافَتْ في الْمَغْرِبِ أو الْعِشَاءِ فَلَيْسَ عليه إعَادَةٌ وقد أَسَاءَ إنْ كان عَمْدًا وإذا صلي الرَّجُلُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بِاللَّيْلِ ولم يُسَلِّمْ فيها فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وكان بن أبي ليلي يقول أَكْرَهُ ذلك له حتى يُسَلِّمَ في كل رَكْعَتَيْنِ وَبِهِ يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ من النَّافِلَةِ سَوَاءٌ يُسَلِّمُ في كل رَكْعَتَيْنِ وَهَكَذَا جاء الْخَبَرُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في صَلَاةِ اللَّيْلِ وقد يروي عنه خَبَرٌ يُثْبِتُ أَهْلُ الحديث مثله في صَلَاةِ النَّهَارِ وَلَوْ لم يُثْبِتْ كان إذْ أَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في صَلَاةِ اللَّيْلِ أَنْ يُسَلِّمَ من كل رَكْعَتَيْنِ كان مَعْقُولًا في الْخَبَرِ عنه أَنَّهُ أَرَادَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ الْفَرْقَ بين الْفَرِيضَةِ وَالنَّافِلَةِ وَلَا تَخْتَلِفُ النَّافِلَةُ في اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ كما لَا تَخْتَلِفُ الْمَكْتُوبَةُ في اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لِأَنَّهَا مَوْصُولَةٌ كُلُّهَا ( قال ) وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ النَّافِلَةُ في اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالتَّكْبِيرُ على الْجَنَائِزِ أَرْبَعٌ وما عَلِمْت أَحَدًا حَفِظَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من وَجْهٍ يَثْبُتُ مِثْلُهُ أَنَّهُ كَبَّرَ إلَّا أَرْبَعًا وكان أبو حَنِيفَةَ يُكَبِّرُ على الْجَنَائِزِ أَرْبَعًا وكان بن أبي لَيْلَى يُكَبِّرُ خَمْسًا على الْجَنَائِزِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيَجْهَرُ في الصَّلَاةِ بِ بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرَّحِيمِ قبل أُمِّ الْقُرْآنِ وَقَبْلَ السُّورَةِ التي بَعْدَهَا فَإِنْ جَمَعَ في رَكْعَةٍ سُوَرًا جَهَرَ بِ بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرَّحِيمِ قبل كل سُورَةٍ وكان أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي يَكْرَهُ أَنْ يَجْهَرَ بِ بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرَّحِيمِ وكان بن أبي لَيْلَى يقول إذَا جَهَرْت فَحَسَنٌ وإذا أَخْفَيْت فَحَسَنٌ ( قال ) وَذُكِرَ عن بن أبي لَيْلَى عن رَجُلٍ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ على خُفَّيْهِ من حَدَثٍ ثُمَّ نَزَعَ الْخُفَّيْنِ قال يُصَلِّي كما هو وَحَدَّثَ بِذَلِكَ عن الْحَكَمِ عن إبْرَاهِيمَ وَذَكَرَ أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عن حَمَّادٍ عن إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قال لَا يُصَلِّي حتى يَغْسِلَ رِجْلَيْهِ وَبِهِ يَأْخُذُ قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا صلى الرَّجُلُ وقد مَسَحَ على خُفَّيْهِ ثُمَّ نَزَعَهُمَا أَحْبَبْت له أَنْ لَا يصلى حتى يَسْتَأْنِفَ الْوُضُوءَ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ إذَا اُنْتُقِضَتْ عن عُضْوٍ احْتَمَلَتْ أَنْ تَكُونَ على الْأَعْضَاءِ كُلِّهَا فإذا لم يَزِدْ على غَسْلِ رِجْلَيْهِ أَجْزَأَهُ وقد روى عن بن عُمَرَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ وَخَرَجَ إلي السُّوقِ ثُمَّ دعى لِجِنَازَةٍ فَمَسَحَ على خُفَّيْهِ وصلي وَذَكَرَ عن الْحَكَمِ أَيْضًا عن إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قال لَا بَأْسَ بَعْدَ الْآيِ في الصَّلَاةِ ( قال ) وَلَوْ تَرَكَ عَدَّ الْآيِ في الصَّلَاةِ كان أَحَبَّ إلى وَإِنْ كان إنَّمَا يَعُدُّهَا عَقْدًا وَلَا يَلْفِظُ بِعَدَدِهَا لَفْظًا لم يَكُنْ عليه شَيْءٌ وَإِنْ لَفَظَ بِشَيْءٍ من ذلك لَفْظًا فقال وَاحِدَةٌ وَثِنْتَانِ وهو ذَاكِرٌ لِصَلَاتِهِ انْتَقَضَتْ صَلَاتُهُ وكان عليه الِاسْتِئْنَافُ قال وإذا تَوَضَّأَ الرَّجُلُ بَعْضَ وُضُوئِهِ ثُمَّ لم يُتِمَّهُ حتى جَفَّ ما قد غَسَلَ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول يُتِمُّ ما قد بقى وَلَا يُعِيدُ على ما مَضَى وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول إنْ كان في طَلَبِ
____________________

(7/142)


الْمَاءِ أو في الْوُضُوءِ فإنه يُتِمُّ ما بقى وَإِنْ كان قد أَخَذَ في عَمَلِ غَيْرِ ذلك أَعَادَهُ على ما جَفَّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَأَيْت الْمُسْلِمِينَ جاؤوا بِالْوُضُوءِ مُتَتَابِعًا نَسَقًا على مِثْلِ ما تَوَضَّأَ بِهِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَمَنْ جاء بِهِ كَذَلِكَ ولم يَقْطَعْهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ من انْقِطَاعِ الْمَاءِ وَطَلَبِهِ بَنَى على وُضُوئِهِ وَمَنْ قَطَعَهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ حتى يَتَطَاوَلَ ذلك فَيَكُونُ مَعْرُوفًا أَنَّهُ أَخَذَ في عَمَلِ غَيْرِهِ فَأَحَبُّ إلى أَنْ يَسْتَأْنِفَ وَإِنْ أَتَمَّ ما بقى أَجْزَأَهُ أخبرنا بن أبي لَيْلَى عن الْحَكَمِ عن سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قال لَا يَمْسَحُ وَجْهَهُ من التُّرَابِ في الصَّلَاةِ حتي يَتَشَهَّدَ وَيُسَلِّمَ وَبِهِ يَأْخُذُ أبو حَنِيفَةَ عن حَمَّادٍ عن إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ كان يَمْسَحُ التُّرَابَ عن وَجْهِهِ في الصَّلَاةِ قبل أَنْ يُسَلِّمَ وكان أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا وَبِهِ يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ تَرَكَ المصلى مَسْحَ وَجْهِهِ من التُّرَابِ حتي يُسَلِّمَ كان أَحَبَّ إلى فَإِنْ فَعَلَ فَلَا شَيْءَ عليه - * بَابُ الزَّكَاةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان علي رَجُلٍ دَيْنٌ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَهُ على الناس دَيْنٌ أَلْفُ دِرْهَمٍ وفي يَدِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تعالي عنه كان يقول ليس عليه زَكَاةٌ فِيمَا في يَدَيْهِ حتى يُخْرِجَ دَيْنَهُ فَيُزَكِّيهِ وكان بن أبي لَيْلَى يقول عليه فِيمَا في يَدَيْهِ الزَّكَاةُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت في يَدَيْ رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا فَلَا زَكَاةَ عليه وَإِنْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَلَهُ دَيْنٌ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَلَوْ عَجَّلَ الزَّكَاةَ كان أَحَبُّ إلى وَلَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهَا حتى يَقْبِضَ مَالَهُ فَإِنْ قَبَضَهُ زَكَّى مِمَّا في يَدَيْهِ وَإِنْ تَلِفَ لم يَكُنْ عليه فيه زَكَاةٌ ( قال الرَّبِيعُ ) آخِرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ إذَا كانت في يَدَيْهِ أَلْفٌ وَعَلَيْهِ أَلْفٌ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ قال الرَّبِيعُ من قِبَلِ أَنَّ الذي في يَدَيْهِ إنْ تَلِفَ كان منه وَإِنْ شَاءَ وَهَبَهَا وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بها فلما كانت في جَمِيعِ أَحْكَامِهَا مَالًا من مَالِهِ وقد قال اللَّهُ عز وجل { خُذْ من أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً } كانت عليه فيها الزَّكَاةُ قال وكان بن أبي لَيْلَى يقول زَكَاةُ الدَّيْنِ على الذي هو عليه فقال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَلْ هِيَ على صَاحِبِهِ الذي هو له إذَا خَرَجَ كَذَلِكَ بَلَغْنَا عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه وَبِهَذَا يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان لِلرَّجُلِ دَيْنٌ على الناس فَإِنْ كان حَالًّا وقد حَالَ عليه الْحَوْلُ في يَدَيْ الذي هو عليه أو أَكْثَرَ من حَوْلٍ فَإِنْ كان يَقْدِرُ على أَخْذِهِ منه فَتَرَكَهُ فَعَلَيْهِ فيه الزَّكَاةُ وهو كَمَالٍ له وَدِيعَةٌ في يَدَيْ رَجُلٍ عليه أَنْ يُزَكِّيَهُ إذَا كان قَادِرًا عليه وَإِنْ كان لَا يَدْرِي لَعَلَّهُ سَيُفْلِسُ له بِهِ أو كان مُتَغَيِّبًا عنه فَعَلَيْهِ إذَا كان حَاضِرًا طَلَبَهُ منه بِأَلَحِّ ما يَقْدِرُ عليه فإذا نَضَّ في يَدَيْهِ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ لِمَا مَضَى في يَدَيْهِ من السِّنِينَ فَإِنْ تَلِفَ قبل أَنْ يَقْبِضَهُ فَلَا زَكَاةَ عليه فيه وَهَكَذَا إذَا كان صَاحِبُ الدَّيْنِ مُتَغَيِّبًا عنه قال وإذا كانت أَرْضٌ من أَرْضِ الْخَرَاجِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول ليس فيها عُشْرٌ لَا يَجْتَمِعُ عُشْرٌ وَخَرَاجٌ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول عليه فيها الْعُشْرُ مع الْخَرَاجِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي وإذا زَرَعَ الرَّجُلُ أَرْضًا من أَرْضِ الْخَرَاجِ فَعَلَيْهِ في زَرْعِهَا الْعُشْرُ كما يَكُونُ عليه في زَرْعِ أَرْضٍ لِرَجُلٍ تَكَارَاهَا منه وَهِيَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ أو هِيَ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ قال وإذا كانت الْأَرْضُ من أَرْضِ الْعُشْرِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول في كل قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ أُخْرِجَتْ من الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ وَالذُّرَةِ وَغَيْرِ ذلك من أَصْنَافِ الْغَلَّةِ الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ وَالْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ في ذلك سَوَاءٌ وَإِنْ كانت حُزْمَةً من بَقْلٍ وَكَذَلِكَ حدثنا أبو حَنِيفَةَ عن حَمَّادٍ عن إبْرَاهِيمَ وكان بن أبي لَيْلَى يقول ليس في شَيْءٍ من ذلك عُشْرٌ إلَّا في الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ والتمر ( ( ( والثمر ) ) ) وَالزَّبِيبِ وَلَا يَكُونُ فيه الْعُشْرُ حتى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَصَاعِدًا وَالْوَسْقُ عِنْدَنَا سِتُّونَ صَاعًا وَالصَّاعُ مَخْتُومٌ بِالْحَجَّاجِي وهو رُبْعٌ بِالْهَاشِمِيِّ الْكَبِيرِ وهو ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ وَالْمُدُّ رِطْلَانِ وَبِهِ يَأْخُذُ وقال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ليس في الْبُقُولِ وَالْخَضْرَاوَاتِ عُشْرٌ وَلَا أَرَى في شَيْءٍ من ذلك عُشْرًا إلَّا الْحِنْطَةَ وَالشَّعِيرَ وَالْحُبُوبَ وَلَيْسَ فيه شَيْءٌ حتى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
____________________

(7/143)


وإذا زَرَعَ الرَّجُلُ أَرْضًا من أَرْضِ الْعُشْرِ فَلَا زَكَاةَ عليه حتى يُخْرِجَ منها خَمْسَةَ أَوْسُقٍ من كل صِنْفٍ مِمَّا أَخْرَجَتْ مِمَّا فيه الزَّكَاةُ وَذَلِكَ ثلاثمائة صَاعٍ بِصَاعِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَيْسَ في الْخُضَرِ زَكَاةٌ وَالزَّكَاةُ فِيمَا اُقْتِيتَ وَيَبِسَ وَادُّخِرَ مِثْلُ الْحِنْطَةِ وَالذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّبِيبِ وَالْحُبُوبِ التي في هذا الْمَعْنَى التي يُنْبِتُ الناس قال وإذا كان لِرَجُلٍ إحْدَى وَأَرْبَعُونَ بَقَرَةً فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول إذَا حَالَ عليها الْحَوْلُ فَفِيهَا مُسِنَّةٌ وَرُبْعُ عُشْرِ مُسِنَّةٍ وما زَادَ فَبِحِسَابِ ذلك إلَى أَنْ تَبْلُغَ سِتِّينَ بَقَرَةً وَأَظُنُّهُ حدثه أبو حَنِيفَةَ عن حَمَّادٍ عن إبْرَاهِيمَ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا شَيْءَ في الزِّيَادَةِ على الْأَرْبَعِينَ حتى تَبْلُغَ سِتِّينَ بَقَرَةً وَبِهِ يَأْخُذُ وَبَلَغَنَا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال لَا شَيْءَ في الْأَوْقَاصِ وَالْأَوْقَاصُ عِنْدَنَا ما بين الْفَرِيضَتَيْنِ وَبِهِ يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَيْسَ في الْبَقَرِ صَدَقَةٌ حتى تَبْلُغَ ثَلَاثِينَ فإذا بَلَغَتْ ثَلَاثِينَ فَفِيهَا تَبِيعٌ ثُمَّ ليس في الزِّيَادَةِ على الثَّلَاثِينَ صَدَقَةٌ حتى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ فإذا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ فَفِيهَا مُسِنَّةٌ ثُمَّ ليس في زِيَادَتِهَا شَيْءٌ حتى تَبْلُغَ سِتِّينَ فإذا بَلَغَتْ سِتِّينَ فَفِيهَا تَبِيعَانِ ثُمَّ ليس في الْفَضْلِ على السِّتِّينَ صَدَقَةٌ حتى تَبْلُغَ سَبْعِينَ فإذا بَلَغَتْ سَبْعِينَ فَفِيهَا تَبِيعٌ وَمُسِنَّةٌ ثُمَّ ليس في الْفَضْلِ على السَّبْعِينَ صَدَقَةٌ حتى تَبْلُغَ ثَمَانِينَ فإذا بَلَغَتْ الثَّمَانِينَ فَفِيهَا مُسِنَّتَانِ ثُمَّ هَكَذَا صَدَقَتُهَا وَكُلُّ صَدَقَةٍ من الْمَاشِيَةِ فَلَا شَيْءَ فيها فِيمَا بين الْفَرِيضَتَيْنِ وَكُلُّ ما كان فَوْقَ الْفَرْضِ الْأَسْفَلِ لم يَبْلُغْ الْفَرْضَ الْأَعْلَى فَالْفَضْلُ فيه عَفْوَ صَدَقَتِهِ صَدَقَةَ الْأَسْفَلِ قال وإذا كان لِلرَّجُلِ عَشَرَةُ مَثَاقِيلَ ذَهَبٍ وَمِائَةَ دِرْهَمٍ فَحَالَ عليها الْحَوْلُ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي كان يقول في الزَّكَاةِ يُضَيِّفُ أَقَلَّ الصِّنْفَيْنِ إلَى أَكْثَرِهِمَا ثُمَّ يُزَكِّيه إنْ كانت الدَّنَانِيرُ أَقَلَّ من عَشَرَةِ دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ تُقَوَّمُ الدَّرَاهِمُ دَنَانِيرَ ثُمَّ يَجْمَعُهَا جميعا فَتَكُونُ أَكْثَرَ من عِشْرِينَ مِثْقَالًا من الذَّهَبِ فَيُزَكِّيهَا في كل عِشْرِينَ مِثْقَالًا نِصْفُ مِثْقَالٍ فما زَادَ فَلَيْسَ فيه شَيْءٌ من الزَّكَاةِ حتى يَبْلُغَ أَرْبَعَةَ مَثَاقِيلَ فَيَكُونُ فيها عُشْرُ مِثْقَالٍ وإذا كانت الدَّنَانِيرُ أَكْثَرَ من عَشَرَةِ دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ قَوَّمَ الدَّنَانِيرَ دَرَاهِمَ وَأَضَافَهَا إلَى الدَّرَاهِمِ فَتَكُونُ أَكْثَرَ من مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِي كل مِائَتَيْنِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَلَا شَيْءَ فِيمَا زَادَ على الْمِائَتَيْنِ حتى يَبْلُغَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فإذا بَلَغَتْ فَفِي كل أَرْبَعِينَ زَادَتْ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ دِرْهَمٌ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا زَكَاةَ في شَيْءٍ من ذلك حتى يَبْلُغَ الذَّهَبُ عِشْرِينَ مِثْقَالًا وَتَبْلُغُ الْفِضَّةُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَلَا يُضِيفُ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ وَيَقُولُ هذا مَالٌ مُخْتَلِفٌ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ له ثَلَاثُونَ شَاةً وَعِشْرُونَ بَقَرَةً وَأَرْبَعَةُ أَبْعِرَةٍ فَلَا يُضَافُ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ وقال بن أبي لَيْلَى ما زَادَ على الْمِائَتَيْ الدِّرْهَمِ وَالْعِشْرِينَ الْمِثْقَالِ من شَيْءٍ فَبِحِسَابِ ذلك ما كان من قَلِيلٍ أو كَثِيرٍ وَبِهَذَا يَأْخُذُ في الزِّيَادَةِ وقال أبو حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه ليس فِيمَا زَادَ على الْمِائَتَيْنِ شَيْءٌ حتي يَبْلُغَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَكَذَلِكَ بَلَغَنَا عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه وقال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يُقَوَّمُ الذَّهَبُ وَلَا الْفِضَّةُ إنَّمَا الزَّكَاةُ علي وَزْنِهِ جَاءَتْ بِذَلِكَ السُّنَّةُ إنْ كان له منها خَمْسَةَ عَشَرَ مِثْقَالًا ذَهَبًا لم يَكُنْ عليه فيها زَكَاةٌ وَلَوْ كان قِيمَتُهَا أَلْفَ دِرْهَمٍ لِأَنَّ الحديث إنَّمَا جاء في عِشْرِينَ مِثْقَالًا وَلَوْ كان له مع ذلك أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا لم يُزَكِّهِ حتى يَكُونَ خَمْسِينَ دِرْهَمًا فإذا كَمُلَ من الْأُخْرَى أَوْجَبَتْ فيه الزَّكَاةُ وَكَذَلِكَ لو كان نِصْفٌ من هذا وَنِصْفٌ من هذا فَفِيهِ الزَّكَاةُ فَيُضِيفُ بَعْضَهُ إلَى بَعْضٍ وَيُخْرِجُهُ دَرَاهِمَ أو دَنَانِيرَ وَإِنْ شَاءَ زكي الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ بِحِصَّتِهِمَا أَيُّ ذلك فَعَلَ أَجْزَأَهُ وَلَوْ كان له مِائَتَا دِرْهَمٍ وَعَشَرَةُ مَثَاقِيلَ زكي الْمِائَتَيْ الدِّرْهَمِ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَزَكَّى الْعَشَرَةَ مَثَاقِيلَ بِرُبْعِ مِثْقَالٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت لِرَجُلٍ عَشَرَةُ مَثَاقِيلَ ذَهَبٍ وَمِائَةُ دِرْهَمٍ فَحَالَ عليها الْحَوْلُ فَلَا زَكَاةَ فيها وَلَا يَضُمُّ الذَّهَبَ إلَى الْوَرِقَ وهو صِنْفٌ غَيْرُهَا يَحِلُّ الْفَضْلُ في بَعْضِهَا على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ كما لَا يَضُمُّ التَّمْرَ إلَى الزَّبِيبِ وَلَلتَّمْرُ بِالزَّبِيبِ أَشْبَهُ من الْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ وَأَقْرَبُ ثَمَنًا بَعْضُهُ من بَعْضٍ وَكَمَا لَا تَضُمُّ الْإِبِلَ إلَى الْبَقَرِ وَلَا الْبَقَرَ إلَى الْغَنَمِ قال وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا له مِائَتَا دِرْهَمٍ وَعَشَرَةُ مَثَاقِيلَ ذَهَبًا فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول إذَا حَالَ عليها الْحَوْلُ يُضِيفُ بَعْضَهُ إلَى بَعْضٍ وَيُزَكِّيه كُلَّهُ وقال بن أبي لَيْلَى هَذَانِ مَالَانِ
____________________

(7/144)


مُخْتَلِفَانِ تَجِبُ الزَّكَاةُ على الدَّرَاهِمِ وَلَا تَجِبُ على الذَّهَبِ وقال أبو يُوسُفَ فيه الزَّكَاةُ كُلِّهِ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّاجِرَ يَكُونُ له الْمَتَاعُ لِلتِّجَارَةِ وهو مُخْتَلِفٌ فَيُقَوِّمُهُ وَيُضِيفُ بَعْضَهُ إلَى بَعْضٍ وَيُزْكِيه وَكَذَلِكَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وقد بَلَغْنَا عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ أَمَرَ رَجُلًا تَاجِرًا أَنْ يُقَوِّمَ تِجَارَتَهُ عِنْدَ الْحَوْلِ فَيُزَكِّيهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ كان له مِائَتَا دِرْهَمٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ مِثْقَالًا زكي الْمِائَتَيْنِ ولم يُزْكِ التسعة عُشْرَ مِثْقَالًا كما يَكُونُ له خَمْسَةُ أَوْسُقٍ تَمْرًا وَخَمْسَةُ أَوْسُقٍ زَبِيبًا إلَّا صَاعًا فيزكى التَّمْرَ وَلَا يزكى الزَّبِيبَ - * بَابُ الصِّيَامِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اكْتَحَلَ الرَّجُلُ في شَهْرِ رَمَضَانَ أو غَيْرِ رَمَضَانَ وهو صَائِمٌ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يَكْرَهُ ذلك وَيَكْرَهُ أَنْ يَدْهُنَ شَارِبَهُ بِدُهْنٍ يَجِدُ طَعْمَهُ وهو صَائِمٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا بَأْسَ أَنْ يَكْتَحِلَ الصَّائِمُ وَيَدْهُنَ شَارِبَهُ وَرَأْسَهُ وَوَجْهَهُ وَقَدَمَيْهِ وَجَمِيعَ بَدَنِهِ بِأَيِّ دُهْنٍ شَاءَ غَالِيَةً أو غير غَالِيَةٍ وإذا صَامَ الرَّجُلُ يَوْمًا من شَهْرِ رَمَضَانَ فَشَكَّ أَنَّهُ من شَهْرِ رَمَضَانَ ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ ذلك أَنَّهُ من رَمَضَانَ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال يُجْزِيه وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا يُجْزِيهِ ذلك وَعَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمٍ مَكَانَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَصْبَحَ الرَّجُلُ يوم الشَّكِّ من رَمَضَانَ وقد بَيَّتَ الصَّوْمَ من اللَّيْلِ على أَنَّهُ من رَمَضَانَ فَهَذِهِ نِيَّةٌ كَامِلَةٌ تؤدى عنه ذلك الْيَوْمَ إنْ كان من شَهْرِ رَمَضَانَ وَإِنْ لم يَكُنْ من شَهْرِ رَمَضَانَ أَفْطَرَ ( قال الرَّبِيعُ ) قال الشَّافِعِيُّ في موضع ( ( ( موضح ) ) ) آخَرَ لَا يُجْزِيه لِأَنَّهُ صَامَ على الشَّكِّ وإذا أَفْطَرَتْ الْمَرْأَةُ يَوْمًا من رَمَضَانَ مُتَعَمِّدَةً ثُمَّ حَاضَتْ من آخِرِ النَّهَارِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي كان يقول ليس عليها كَفَّارَةٌ وَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول عليها الْكَفَّارَةُ وَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَصَابَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ في شَهْرِ رَمَضَانَ ثُمَّ مَرِضَ الرَّجُلُ في آخَرِ يَوْمِهِ فَذَهَبَ عَقْلُهُ أو حَاضَتْ الْمَرْأَةُ فَقَدْ قِيلَ على الرَّجُلِ عِتْقُ رَقَبَةٍ وَقِيلَ لَا شَيْءَ عليه فَأَمَّا إذَا سَافَرَ فإن عليه عِتْقَ رَقَبَةٍ وَذَلِكَ أَنَّ السَّفَرَ شَيْءٌ يُحْدِثُهُ فَلَا يَسْقُطُ عنه ما وَجَبَ عليه بِشَيْءٍ يُحْدِثُهُ ( قال ) وإذا وَجَبَ علي الرَّجُلِ صَوْمُ شَهْرَيْنِ من كَفَّارَةِ إفْطَارٍ من رَمَضَانَ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي كان يقول ذَانِكَ الشَّهْرَانِ مُتَتَابِعَانِ ليس له أَنْ يَصُومَهُمَا إلَّا مُتَتَابِعَيْنِ وَذَكَرَ أبو حَنِيفَةَ نَحْوًا من ذلك عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَيْسَا بِمُتَتَابِعَيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا لم يَجِدْ الْمُجَامِعُ في شَهْرِ رَمَضَانَ عِتْقًا فَصَامَ لم يَجُزْ عنه إلَّا شَهْرَانِ مُتَتَابِعَانِ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ وَلَا يجزئ عنه الصَّوْمُ وَلَا الصَّدَقَةُ وهو يَجِدُ عِتْقًا ( قال ) وإذا تَوَضَّأَ الرَّجُلُ لِلصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ فَدَخَلَ الْمَاءُ حَلْقَهُ وهو صَائِمٌ في رَمَضَانَ ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي كان يقول إنْ كان ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ حين تَوَضَّأَ فَدَخَلَ الْمَاءُ حَلْقَهُ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَإِنْ كان نَاسِيًا لِصَوْمِهِ فَلَا قَضَاءَ عليه وَذَكَرَ ذلك أبو حَنِيفَةَ عن حَمَّادٍ عن إبْرَاهِيمَ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا قَضَاءَ عليه إذَا تَوَضَّأَ لِصَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ وَإِنْ كان ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ وقد ذُكِرَ عن عَطَاءٍ عن بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما أَنَّهُ قال إذَا تَوَضَّأَ لِصَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ وهو صَائِمٌ فَدَخَلَ الْمَاءُ حَلْقَهُ فَلَا شَيْءَ عليه وَإِنْ كان تَوَضَّأَ لِصَلَاةِ تَطَوُّعٍ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا تَوَضَّأَ الرَّجُلُ لِلصَّلَاةِ وهو صَائِمٌ فَتَمَضْمَضَ وَدَخَلَ الْمَاءُ جَوْفَهُ وهو نَاسٍ لِصَوْمِهِ فَلَا شَيْءَ عليه وَلَوْ شَرِبَ وهو نَاسٍ لم يَنْقُضْ ذلك صَوْمَهُ وإذا كان ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ فَدَخَلَ الْمَاءُ جَوْفَهُ فَأَحَبُّ إلى أَنْ يُعِيدَ الصَّوْمَ احْتِيَاطًا وَأَمَّا الذي يَلْزَمُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُعِيدَ حتى يَكُونَ أَحْدَثَ شيئا من ازْدِرَادٍ أو فَعَلَ فِعْلًا ليس له دخل بِهِ الْمَاءُ جَوْفَهُ فَأَمَّا إذَا كان إنَّمَا أَرَادَ الْمَضْمَضَةَ فَسَبَقَهُ شَيْءٌ في حَلْقِهِ بِلَا إحْدَاثِ ازْدِرَادٍ تَعَمَّدَ بِهِ الْمَاءُ إلَّا إدْخَالَ النَّفَسِ وَإِخْرَاجَهُ فَلَا يَجِبُ عليه أَنْ يُعِيدَ الصَّوْمَ وَهَذَا خَطَأٌ في مَعْنَى النِّسْيَانِ أو أَخَفُّ منه
____________________

(7/145)


- * بَابٌ في الْحَجِّ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وكان أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي يقول لَا تُشْعِرُ الْبُدُنَ وَيَقُولُ الْإِشْعَارُ مُثْلَةٌ وكان بن أبي لَيْلَى يقول الْإِشْعَارُ في السَّنَامِ من الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ وَبِهِ يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَتُشْعَرُ الْبُدُنُ في أَسْنِمَتِهَا وَالْبَقَرُ في أَسْنِمَتِهَا أو مَوَاضِعِ الْأَسْنِمَةِ وَلَا تُشْعَرُ الْغَنَمُ وَالْإِشْعَارُ في الصَّفْحَةِ الْيُمْنَى وَكَذَلِكَ أَشْعَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وروى عن بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ تعالي عنهما عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ أَشْعَرَ في الشِّقِّ الْأَيْمَنِ وَبِذَلِكَ تَرَكْنَا قَوْلَ من قال لَا يُشْعَرُ إلَّا في الشِّقِّ الْأَيْسَرِ وقد روى أَنَّ بن عُمَرَ أَشْعَرَ في الشِّقِّ الْأَيْسَرِ أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن بن جُرَيْجٍ عن نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بن عُمَرَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما كان لَا يُبَالِي في أَيِّ الشِّقَّيْنِ أَشْعَرَ في الْأَيْمَنِ أو الْأَيْسَرِ قال وإذا أَهَّلَ الرَّجُلُ بِعُمْرَةٍ فَأَفْسَدَهَا فَقَدِمَ مَكَّةَ وَقَضَاهَا فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول يُجْزِيهِ أَنْ يَقْضِيَهَا من التَّنْعِيمِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا يُجْزِيهِ أَنْ يَقْضِيَهَا إلَّا من مِيقَاتِ بِلَادِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَهَّلَ الرَّجُلُ بِعُمْرَةٍ من مِيقَاتٍ فَأَفْسَدَهَا فَلَا يُجْزِيهِ أَنْ يَقْضِيَهَا إلَّا من الْمِيقَاتِ الذي ابتدأ منه الْعُمْرَةَ التي أَفْسَدَهَا وَلَا نَعْلَمُ الْقَضَاءَ في شَيْءٍ من الْأَعْمَالِ إلَّا بِعَمَلٍ مِثْلِهِ فَأَمَّا عَمَلٌ أَقَلُّ منه فَهَذَا قَضَاءٌ لِبَعْضٍ دُونَ الْكُلِّ وَإِنَّمَا يجزئ قَضَاءُ الْكُلِّ لَا الْبَعْضِ وَمَنْ قال له أَنْ يَقْضِيَهَا خَارِجًا من الْحَرَمِ دخل عليه خِلَافُ ما وَصَفْنَا من الْقِيَاسِ وَخِلَافُ الْآثَارِ وقد ظَنَنْت أَنَّهُ إنَّمَا ذَهَبَ إلَى أَنَّ عَائِشَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنها إنَّمَا كانت مُهِلَّةً بِعُمْرَةٍ وَأَنَّهَا رَفَضَتْ الْعُمْرَةَ وَأَمَرَهَا النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِأَنْ تَقْضِيَهَا من التَّنْعِيمِ وَهَذَا ليس كما روى إنَّمَا أَمَرَهَا النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ تُدْخِلَ الْحَجَّ على الْعُمْرَةِ فَكَانَتْ قَارِنَةً وَإِنَّمَا كانت عُمْرَتُهَا شيئا اسْتَحَبَّتْهُ فَأَمَرَهَا النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بها فَاعْتَمَرَتْ لَا أَنَّ عُمْرَتَهَا كانت قَضَاءً وإذا أَصَابَ الرَّجُلُ من صَيْدِ الْبَحْرِ شيئا سِوَى السَّمَكِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول لَا خَيْرَ في شَيْءٍ من صَيْدِ الْبَحْرِ سِوَى السَّمَكِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا بَأْسَ بِصَيْدِ الْبَحْرِ كُلِّهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَصِيدَ الْمُحْرِمُ جَمِيعَ ما كان مَعَاشُهُ في الْمَاءِ من السَّمَكِ وَغَيْرِهِ قال اللَّهُ عز وجل { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبِرِّ ما دُمْتُمْ حُرُمًا } فقال بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالتَّفْسِيرِ طَعَامُهُ كُلُّ ما كان فيه وهو يشبه ( ( ( شبه ) ) ) ما قال وَاَللَّهُ تعالي أَعْلَمُ وقال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تعالي عنه عن حَشِيشِ الْحَرَمِ فقال أَكْرَهُ أَنْ يُرْعَى من حَشِيشِ الْحَرَمِ شيئا أو يُحْتَشَّ منه قال وَسَأَلْت بن أبي لَيْلَى عن ذلك فقال لَا بَأْسَ أَنْ يُحْتَشَّ من الْحَرَمِ وَيُرْعَى منه قال وَسَأَلْت الْحَجَّاجَ بن أَرْطَاةَ فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ سَأَلَ عَطَاءَ بن أبي رَبَاحٍ فقال لَا بَأْسَ أَنْ يُرْعَى وَكَرِهَ أَنْ يُحْتَشَّ وَبِهِ يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا بَأْسَ أَنْ يُرْعَى نَبَاتُ الْحَرَمِ شَجَرُهُ وَمَرْعَاهُ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُحْتَشَّ منه شَيْءٌ لِأَنَّ الذي حَرَّمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من مَكَّةَ أَنْ يختلي خَلَاهَا إلَّا الْإِذْخِرَ وَالِاخْتِلَاءُ الِاحْتِشَاشُ نَتْفًا وَقَطْعًا وَحَرَّمَ أَنْ يُعْضَدَ شَجَرُهَا ولم يُحَرِّمْ أَنْ يُرْعَى قال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه قال لَا بَأْسَ أَنْ يَخْرُجَ من تُرَابِ الْحَرَمِ وَحِجَارَتِهِ إلَى الْحِلِّ وَبِهِ يَأْخُذُ قال وَسَمِعْت بن أبي لَيْلَى يحدث عن عَطَاءِ بن أبي رَبَاحٍ عن بن عَبَّاسٍ وبن عُمَرَ رضي اللَّهُ تعالي عَنْهُمْ أَنَّهُمَا كَرِهَا أَنْ يَخْرُجَ من تُرَابِ الْحَرَمِ وَحِجَارَتِهِ إلَى الْحِلِّ شيئا وَحَدَّثَنَا شَيْخٌ عن رَزِينٍ مولى على بن عبد اللَّهِ بن عَبَّاسٍ أَنَّ عَلِيَّ بن عبد اللَّهِ كَتَبَ إلَيْهِ أَنْ يُبْعَثَ إلَيْهِ بِقِطْعَةٍ من الْمَرْوَةِ يَتَّخِذُهَا مُصَلًّى يَسْجُدُ عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا خَيْرَ في أَنْ يَخْرُجَ من حِجَارَةِ الْحَرَمِ وَلَا تُرَابِهِ شَيْءٌ إلَى الْحِلِّ لِأَنَّ له حُرْمَةً ثَبَتَتْ بَايَنَ بها ما سِوَاهَا من الْبُلْدَانِ وَلَا أَرَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّ جَائِزًا لِأَحَدٍ أَنْ يُزِيلَهُ
____________________

(7/146)


من الْمَوْضِعِ الذي بَايَنَ بِهِ الْبُلْدَانَ إلَى أَنْ يَصِيرَ كَغَيْرِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد أخبرنا عبد الرحمن بن الْحَسَنِ بن الْقَاسِمِ الْأَزْرَقِ عن أبيه عن عبد الْأَعْلَى بن عبد اللَّهِ بن عَامِرٍ قال قَدِمْت مع أُمِّي أو قال جَدَّتِي مَكَّةَ فَأَتَتْهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ شَيْبَةَ فَأَكْرَمَتْهَا وَفَعَلْت بها فقالت صَفِيَّةُ ما أدري ما أُكَافِئُهَا بِهِ فَأَرْسَلَتْ إلَيْهَا بِقِطْعَةٍ من الرُّكْنِ فَخَرَجَتْ بها فَنَزَلْنَا أَوَّلَ مَنْزِلٍ فَذُكِرَ من مَرَضِهِمْ وَعِلَّتِهِمْ جميعا قال فقالت أُمِّي أو جَدَّتِي ما أَرَانَا أَتَيْنَا إلَّا أَنَّا أَخْرَجْنَا هذه الْقِطْعَةَ من الْحَرَمِ فقالت لي وَكُنْت أُمَثِّلُهُمْ انْطَلِقْ بِهَذِهِ الْقِطْعَةِ إلَى صَفِيَّةَ فَرَدَّهَا وَقُلْ لها إنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا وَضَعَ في حَرَمِهِ شيئا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْرُجَ منه قال عبد الْأَعْلَى فَقَالُوا لي فما هو إلَّا أَنْ تحينا ( ( ( تجينا ) ) ) دُخُولُك الْحَرَمَ فَكَأَنَّمَا أُنْشِطْنَا من عَقْلٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وقال غَيْرُ وَاحِدٍ من أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْرُجَ من الْحَرَمِ شَيْءٌ إلَى غَيْرِهِ وإذا أَصَابَ الرَّجُلُ حَمَامًا من حَمَامِ الْحَرَمِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كان يقول عليه قِيمَتُهُ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول عليه شَاةٌ وَسَمِعْت بن أبي لَيْلَى يقول في حَمَامِ الْحَرَمِ عن عَطَاءِ بن أبي رَبَاحٍ شَاةٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَصَابَ الرَّجُلُ بِمَكَّةَ حَمَامًا من حَمَامِهَا فَعَلَيْهِ شَاةٌ اتِّبَاعًا لِعُمَرَ وَعُثْمَانَ وبن عَبَّاسٍ وبن عُمَرَ وَنَافِعِ بن عبد الْحَارِثِ وَعَاصِمِ بن عُمَرَ وَعَطَاءٍ وبن الْمُسَيِّبِ وَغَيْرِهِمْ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عليهم أَجْمَعِينَ وقد زَعَمَ الذي قال فيه قِيمَةٌ أَنَّهُ لَا يُخَالِفُ وَاحِدًا من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وقد خَالَفَ أَرْبَعَةٌ في حَمَامِ مَكَّةَ وَسُئِلَ أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي عن الْمُحْرِمِ يُصِيبُ الصَّيْدَ فَيُحْكَمُ عليه فيه عَنَاقٌ أو جَفْرَةٌ أو شِبْهُ ذلك فقال لَا يجزئ في هَدْيِ الصَّيْدِ إلَّا ما يجزئ في هَدْيِ الْمُتْعَةِ الْجَذَعُ من ( ( ( بن ) ) ) الضَّأْنِ إذَا كان عَظِيمًا أو الثَّنِيُّ من الْمَعْزِ وَالْبَقَرِ وَالْإِبِلِ فما فَوْقَ ذلك لَا يجزئ ما دُونَ ذلك أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ اللَّهِ عز وجل في كِتَابِهِ في جَزَاءِ الصَّيْدِ { هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ } وَسَأَلْت بن أبي لَيْلَى عن ذلك فقال يُبْعَثُ بِهِ وَإِنْ كان عَنَاقًا أو حَمَلًا قال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَخَذَ بِالْأَثَرِ في الْعَنَاقِ وَالْجَفْرَةِ وقال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ في ذلك كُلِّهِ قِيمَتُهُ وَبِهِ يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَصَابَ الرَّجُلُ صَيْدًا صَغِيرًا فَدَاهُ بِشَاةٍ صَغِيرَةٍ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل يقول مِثْلُ وَالْمِثْلُ مِثْلُ الذي يُفْدَى فإذا كان كَبِيرًا كان كَبِيرًا وإذا كان الذي يُفْدَى صَغِيرًا كان صَغِيرًا وَلَا أَعْلَمُ من قال لَا يَجُوزُ أَنْ يُفْدَى الصَّيْدُ الصَّغِيرُ بِصَغِيرٍ مِثْلِهِ من الْغَنَمِ إلَّا خَالَفَ الْقُرْآنَ وَالْآثَارَ وَالْقِيَاسَ وَالْمَعْقُولَ وإذا كان يَزْعُمُ أَنَّ الصَّيْدَ مُحَرَّمٌ كُلُّهُ فَزَعَمَ أَنَّهُ تُفْدَى الْجَرَادَةُ بِتَمْرَةٍ أو أَقَلَّ من تَمْرَةٍ لِصِغَرِهَا وَقِلَّةِ قِيمَتِهَا وَتُفْدَى بَقَرَةُ الْوَحْشِ بِبَقَرَةٍ لِكِبَرِهَا فَكَيْفَ لم يَزْعُمْ أَنَّهُ يُفْدَى الصَّغِيرُ بِالصَّغِيرِ وقد فَدَى الصَّغِيرَ بِصَغِيرٍ وَالْكَبِيرَ بِكَبِيرٍ وقد قال اللَّهُ عز وجل { فَجَزَاءُ مِثْلَ ما قَتَلَ من النَّعَمِ } وَإِنَّمَا رَفَعَ وَخَفَضَ بِالْمِثْلِ عِنْدَهُ فَكَيْفَ يفدى بِتَمْرَةٍ وَلَا يفدى بِعَنَاقٍ وما لِلضَّحَايَا وهدى الْمُتْعَةِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ هل رَآهُ قِيَاسَ جَزَاءِ الصَّيْدِ حين أَصَابَ الْمُحْرِمُ الْبَقَرَةَ بِأَنْ قال يَكْفِيه شَاةٌ كما يكفى الْمُتَمَتِّعَ أو الْمُضَحِّيَ أو قَاسَهُ حين أَصَابَ الْمُحْرِمُ جَرَادَةً بِأَنْ قال لَا يجزئ الْمُحْرِمَ إلَّا شَاةٌ كما لَا يجزئ الْمُضَحِّي وَالْمُتَمَتِّعَ إلَّا شَاةٌ فَإِنْ قال لَا قِيلَ أَلِأَنَّ جَزَاءَ الصَّيْدِ كما قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِثْلُ وَإِنَّمَا الْمِثْلُ صَغِيرًا أو كَبِيرًا على قَدْرِ الْمُصَابِ فَإِنْ قال نعم قِيلَ فما أَضَلُّك عن الْجَفْرَةِ إذَا كانت مِثْلَ ما أُصِيبَ وَإِنْ كُنْت تُقَلِّدُ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وَحْدَهُ في أَقْضِيَةٍ لَا حُجَّةَ لَك في شَيْءٍ منها إلَّا تَقْلِيدَهُ فَكَيْفَ خَالَفْتَهُ وَمَعَهُ الْقُرْآنُ وَالْقِيَاسُ وَالْمَعْقُولُ وَغَيْرُهُ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وقد قَضَى عُمَرُ رضي اللَّهُ عنه في الْأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ وفي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ وَقَضَى في الضَّبِّ بِجَدْيٍ قد جَمَعَ الْمَاءَ وَالشَّجَرَ وَقَضَى بن مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ عنه في الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ أو جَفْرٍ وقضي عُثْمَانُ رضي اللَّهُ عنه في أُمِّ حَبِينٍ بِحِلَّانِ من الْغَنَمِ يَعْنِي حَمَلًا وَذُكِرَ عن خُصَيْفٍ الْجَزَرِيِّ عن أبي عُبَيْدَةَ عن عبد اللَّهِ بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ قال في بَيْضِ النَّعَامَةِ يُصِيبُهُ الْمُحْرِمُ ثَمَنُهُ وَأَخْبَرَنَا دَاوُد بن أبي هِنْدَ عن عَامِرٍ مثله وَسَمِعْت بن أبي لَيْلَى يقول عن عَطَاءِ بن أبي رَبَاحٍ في الْبَيْضَةِ
____________________

(7/147)


دِرْهَمٌ وقال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ قِيمَتُهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَصَابَ الْمُحْرِمُ بَيْضَ نَعَامٍ أو بَيْضَ حَمَامٍ أو بَيْضًا من الصَّيْدِ فَفِيهِ قِيمَتُهُ قِيَاسًا على الْجَرَادَةِ وَعَلَى ما لم يَكُنْ له مِثْلٌ من النَّعَمِ - * بَابُ الدِّيَاتِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قَتَلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَمْدًا وَلِلْمَقْتُولِ وَرَثَةٌ صِغَارٌ وَكِبَارٌ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي كان يقول لِلْكِبَارِ أَنْ يَقْتُلُوا صَاحِبَهُمْ إنْ شاؤوا وكان بن أبي لَيْلَى يقول ليس لهم أَنْ يَقْتُلُوا حتى يَكْبُرَ الْأَصَاغِرُ وَبِهِ يَأْخُذُ حدثنا أبو يُوسُفَ عن رَجُلٍ عن أبي جَعْفَرٍ أَنَّ الْحَسَنَ بن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنهما قَتَلَ بن مُلْجَمٍ بِعَلِيٍّ وقال أبو يُوسُفَ وكان لِعَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه أَوْلَادٌ صِغَارٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قَتَلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَمْدًا وَلَهُ وَرَثَةٌ صِغَارٌ وَكِبَارٌ أو كِبَارٌ غُيَّبٌ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ منهم أَنْ يَقْتُلَ حتى تَبْلُغَ الصِّغَارُ وَتَحْضُرَ الْغُيَّبُ وَيَجْتَمِعُ من له سَهْمٌ في مِيرَاثِهِ من زَوْجَةٍ أو أُمٍّ أو جَدَّةٍ على الْقَتْلِ فإذا اجْتَمَعُوا كان لهم أَنْ يَقْتُلُوا فإذا لم يَجْتَمِعُوا لم يَكُنْ لهم أَنْ يَقْتُلُوا وإذا كان هذا هَكَذَا فَلِأَيِّهِمْ شَاءَ من الْبَالِغِينَ الْحُضُورَ أَنْ يَأْخُذَ حِصَّتَهُ من الدِّيَةِ من مَالِ الْجَانِي بِقَدْرِ مِيرَاثِهِ من الْمَقْتُولِ وإذا فَعَلَ كان لِأَوْلِيَاءِ الْغُيَّبِ وَعَلَى أَوْلِيَاءِ الصِّغَارِ أَنْ يَأْخُذُوا لهم حِصَصَهُمْ من الدِّيَةِ لِأَنَّ الْقَتْلَ قد حَالَ وَصَارَ مَالًا فَلَا يَكُونُ لِوَلِيِّ الصَّغِيرِ أَنْ يَدَعَهُ وقد أَمْكَنَهُ أَخْذُهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ كَيْفَ ذَهَبْت إلَى هذا دُونَ غَيْرِهِ من الْأَقَاوِيلِ وقد قال بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَيُّ وُلَاةِ الدَّمِ قام بِهِ قَتَلَ وَإِنْ عَفَا الْآخَرُونَ فَأَنْزَلَهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَدِّ وقال غَيْرُهُ من أَهْلِ الْعِلْمِ يَقْتُلُ الْبَالِغُونَ وَلَا يَنْتَظِرُونَ الصِّغَارَ وقال غَيْرُهُ يَقْتُلُ الْوَلَدُ وَلَا يَنْتَظِرُونَ الزَّوْجَةَ قِيلَ ذَهَبْنَا إلَيْهِ أَنَّهُ السُّنَّةُ التي لَا يَنْبَغِي أَنْ تُخَالَفَ أو في مِثْلِ مَعْنَى السُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ على الْإِجْمَاعِ فَإِنْ قال فَأَيْنَ السُّنَّةُ فيه قِيلَ قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من قُتِلَ له قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بين خِيرَتَيْنِ إنْ أَحَبُّوا أَخَذُوا الْقِصَاصَ وَإِنْ أَحَبُّوا فَالدِّيَةُ فلما كان من حُكْمِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ لِوُلَاةِ الدَّمِ أَنْ يَقْتُلُوا وَلَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا الْمَالَ وكان إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ الدِّيَةَ مَوْرُوثَةٌ لم يَحِلَّ لِوَارِثٍ أَنْ يَمْنَعَ الْمِيرَاثَ من وَرِثَ معه حتى يَكُونَ الْوَارِثُ يَمْنَعُ نَفْسَهُ من الْمِيرَاثِ وَهَذَا مَعْنَى الْقُرْآنِ في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { فَمَنْ عُفِيَ له من أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ } وَهَذَا مَكْتُوبٌ في كِتَابِ الدِّيَاتِ وَوَجَدْنَا ما خَالَفَهُ من الْأَقَاوِيلِ لَا حُجَّةَ فيه لِمَا وَصَفْت من السُّنَّةِ بِخِلَافِهِمْ وَوَجَدَتْ مع ذلك قَوْلُهُمْ مُتَنَاقِضًا إذْ زَعَمُوا أَنَّهُمْ امْتَنَعُوا من أَنْ يَأْخُذُوا الدِّيَةَ من الْقَاتِلِ لِأَنَّهُ إنَّمَا عليه دَمٌ لَا مَالٌ فَلَوْ زَعَمُوا أَنَّ وَاحِدًا من الْوَرَثَةِ لو عَفَا حَالَ الدَّمُ مَالًا ما لَزِمُوا قَوْلَهُمْ وَلَقَدْ نَقَضُوهُ فَأَمَّا الَّذِينَ قالوا هو كَالْحَدِّ يَقُومُ بِهِ أَيُّ الْوَرَثَةِ شَاءَ وَإِنْ عَفَا غَيْرُهُ فَقَدْ خَالَفُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَدِّ من أَجْلِ أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ لِلْوَرَثَةِ الْعَفْوَ عن الْقَتْلِ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَا عَفْوَ لهم عن الْحَدِّ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ لو اصْطَلَحُوا في الْقَتْلِ على الدِّيَةِ جَازَ ذلك وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ لو اصْطَلَحُوا على مَالٍ في الْحَدِّ لم يَجْزِ وإذا اقْتَتَلَ الْقَوْمُ فَانْجَلُوا عن قَتِيلٍ لم يَدْرِ أَيُّهُمْ أَصَابَهُ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول هو على عَاقِلَةِ الْقَبِيلَةِ التي وُجِدَ فيها إذَا لم يَدَّعِ ذلك أَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ على غَيْرِهِمْ وكان بن أبي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يقول هو على عَاقِلَةُ الَّذِينَ اقْتَتَلُوا جميعا إلَّا أَنْ يدعى أَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ على غَيْرِ أُولَئِكَ وَبِهَذَا يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اقْتَتَلَ الْقَوْمُ فَانْجَلُوا عن قَتِيلٍ فَادَّعَى أَوْلِيَاؤُهُ على أَحَدٍ بِعَيْنِهِ أو على طَائِفَةٍ بِعَيْنِهَا أو قالوا قد قَتَلَتْهُ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ لَا يدري أَيَّتُهُمَا قَتَلَتْهُ قِيلَ لهم إنْ جِئْتُمْ بِمَا يُوجِبُ الْقَسَامَةَ على إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أو بَعْضِهِمْ أو وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ أو أَكْثَرَ قِيلَ لَكُمْ أَقْسِمُوا على وَاحِدٍ فَإِنْ لم تَأْتُوا مَالَك فَلَا عَقْلَ وَلَا قَوَدَ وَمَنْ شِئْتُمْ أَنْ نُحَلِّفَهُ لَكُمْ على قَتْلِهِ أَحَلَفْنَاهُ وَمَنْ أَحَلَفْنَاهُ أَبْرَأْنَاهُ وَهَكَذَا إنْ كان جَرِيحًا ثُمَّ مَاتَ ادَّعَى على أَحَدٍ أو لم يَدَّعِ عليه إذَا لم أَقْبَلْ دَعْوَاهُ فِيمَا هو أَقَلُّ من الدَّمِ لم أَقْبَلْهَا في الدَّمِ وما أَعْرِفُ أَصْلًا وَلَا فَرْعًا لِقَوْلِ=

16. الأم
محمد بن إدريس الشافعي أبو عبد الله
سنة الولادة
150/ سنة الوفاة 204 .

من قال تَجِبُ الْقَسَامَةُ بِدَعْوَى الْمَيِّتِ وما الْقَسَامَةُ التي قضي فيها رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في عبد اللَّهِ بن سَهْلٍ إلَّا على خِلَافِ ما قال فيها دَعْوَى وَلَا لَوْثٌ من بَيِّنَةٍ وإذا أُصِيبَ الرَّجُلُ وَبِهِ جِرَاحَةٌ فَاحْتَمَلَ فلم يَزَلْ مَرِيضًا حتى مَاتَ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول دِيَتُهُ على تِلْكَ الْقَبِيلَةِ التي أُصِيبَ فِيهِمْ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول ليس عليهم شَيْءٌ وكان أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يقول الْقِصَاصُ لِكُلِّ وَارِثٍ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يَجْعَلُ لِكُلِّ وَارِثٍ قِصَاصًا إلَّا الزَّوْجَ وَالْمَرْأَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الزَّوْجُ وَالْمَرْأَةُ الْحُرَّةُ وَالْجَدَّةُ وَبِنْتُ الِابْنِ وَكُلُّ وَارِثٍ من ذَكَرٍ أو أُنْثَى فَلَهُ حَقٌّ في الْقِصَاصِ وفي الدِّيَةِ وإذا وُجِدَ الْقَتِيلُ في قَبِيلَةٍ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول الْقَسَامَةُ على أَهْلِ الْخُطَّةِ وَالْعَقْلُ عليهم وَلَيْسَ على السُّكَّانِ وَلَا على الْمُشْتَرِينَ شَيْءٌ وَبِهِ يَأْخُذُ ثُمَّ قال أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدُ على الْمُشْتَرِينَ وَالسُّكَّانِ وَأَهْلِ الْخُطَّةِ وكان بن أبي لَيْلَى يقول الدِّيَةُ على السُّكَّانِ وَالْمُشْتَرِينَ مَعَهُمْ وَأَهْلِ الْخُطَّةِ وَكَذَلِكَ إذَا وُجِدَ في الدَّارِ فَهُوَ على أَهْلِ الْقَبِيلَةِ قَبِيلَةُ تِلْكَ الدَّارِ وَالسُّكَّانُ الَّذِينَ فيها في قَوْلِ بن أبي لَيْلَى وكان أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يقول على عَاقِلَةِ أَرْبَابِ الدُّورِ خَاصَّةً وَإِنْ كَانُوا مُشْتَرِينَ وَأَمَّا السُّكَّانُ فَلَا وَبِهَذَا يَأْخُذُ رَجَعَ أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَى قَوْلِ بن أبي لَيْلَى وَقَوْلِ أبي حَنِيفَةَ الْمَعْرُوفِ ما بقى من أَهْلِ الْخُطَّةِ رَجُلٌ فَلَيْسَ على الْمُشْتَرِي شَيْءٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا وُجِدَ الرَّجُلُ قَتِيلًا في دَارِ رَجُلٍ أو أَهْلِ خُطَّةٍ أو سُكَّانٍ أو صَحْرَاءَ أو عَسْكَرٍ فَكُلُّهُمْ سَوَاءٌ لَا عَقْلَ وَلَا قَوَدَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ أو بِمَا يُوجِبُ الْقَسَامَةَ فَيُقَسِّمُ الْأَوْلِيَاءُ فإذا ادَّعَى الْأَوْلِيَاءُ على وَاحِدٍ وَأَلْفٍ أَحَلَفْنَاهُمْ وَأَبْرَأْنَاهُمْ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لِلْأَنْصَارِيِّينَ فَتُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا فلما أَبَوَا أَنْ يَقْبَلُوا أَيْمَانَهُمْ لم يَجْعَلْ على يَهُودَ شيئا وقد وُجِدَ الْقَتِيلُ بين أَظْهُرِهِمْ وَوَدَاهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من عِنْدِهِ مُتَطَوِّعًا وإذا قَطَعَ رَجُلٌ يَدَ امْرَأَةٍ أو امْرَأَةٌ يَدَ رَجُلٍ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول ليس في هذا قصاصا ( ( ( القصاص ) ) ) وَلَا قِصَاصَ فِيمَا بين الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَلَا فِيمَا بين الْأَحْرَارِ وَالْعَبِيدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَلَا قِصَاصَ بين الصِّبْيَانِ في النَّفْسِ وَلَا غَيْرِهَا وَكَذَلِكَ حدثنا أبو حَنِيفَةَ عن حَمَّادٍ عن إبْرَاهِيمَ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول الْقِصَاصُ بَيْنَهُمْ في ذلك وفي جَمِيعِ الْجِرَاحَاتِ التي يُسْتَطَاعُ فيها الْقِصَاصُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْقِصَاصُ بين الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ في الْجِرَاحِ وفي النَّفْسِ وَكَذَلِكَ الْعَبِيدُ بَعْضُهُمْ من بَعْضٍ وإذا كَانُوا يَقُولُونَ الْقِصَاصُ بَيْنَهُمْ في النَّفْسِ وَهِيَ الْأَكْثَرُ كان الْجُرْحُ الذي هو الْأَقَلُّ أَوْلَى لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل ذَكَرَ النَّفْسَ وَالْجِرَاحَ في كِتَابِهِ ذِكْرًا وَاحِدًا وَأَمَّا الصِّبْيَانُ فَلَا قِصَاصَ بَيْنَهُمْ وإذا قَتَلَ الرَّجُلُ رَجُلًا بِعَصًا أو بِحَجَرٍ فَضَرَبَهُ ضَرَبَاتٍ حتي مَاتَ من ذلك فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول لَا قِصَاصَ بَيْنَهُمَا وكان بن أبي لَيْلَى يقول بَيْنَهُمَا الْقِصَاصُ وَبِهِ يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَصَابَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ بِحَدِيدَةٍ تَمُورُ أو بِشَيْءٍ يَمُورُ فَمَارَ فيه مَوَرَانَ الْحَدِيدِ فَمَاتَ من ذلك فَفِيهِ الْقِصَاصُ وإذا أَصَابَهُ بِعَصًا أو بِحَجَرٍ أو ما لَا يَمُورُ مَوَرَانَ السِّلَاحِ فَأَصْلُهُ شَيْئَانِ إنْ كان ضَرَبَهُ بِالْحَجَرِ الْعَظِيمِ وَالْخَشَبَةِ الْعَظِيمَةِ التي الْأَغْلَبُ منها أَنَّهُ لَا يُعَاشُ من مِثْلِهَا وَذَلِكَ أَنْ يَشْدَخَ بها رَأْسَهُ أو يَضْرِبَ بها جَوْفَهُ أو خَاصِرَتَهُ أو مَقْتَلًا من مُقَاتِلِهِ أو حمل عليه الضَّرْبَ بِشَيْءٍ أَخَفَّ من ذلك حتى بَلَغَ من ضَرْبِهِ ما الْأَغْلَبُ عِنْدَ الناس أَنْ لَا يُعَاشَ من مِثْلِهِ قُتِلَ بِهِ وكان هذا عَمْدَ الْقَتْلِ وَزِيَادَةً أَنَّهُ أَشَدُّ من الْقَتْلِ بِالْحَدِيدِ لِأَنَّ الْقَتْلَ بِالْحَدِيدِ أَوْحَى وَإِنْ ضَرَبَهُ بِالْعَصَا أو السوط ( ( ( السوق ) ) ) أو الْحَجَرِ الضَّرْبَ الذي الْأَغْلَبُ منه أَنَّهُ يُعَاشُ من مِثْلِهِ فَهَذَا الْخَطَأُ شِبْهُ الْعَمْدِ فَفِيهِ الدِّيَةُ مُغَلَّظَةً وَلَا قَوَدَ فيه وإذا عَضَّ الرَّجُلُ يَدَ الرَّجُلِ فَانْتَزَعَ الْمَعْضُوضُ يَدَهُ فَقَلَعَ سِنًّا من أَسْنَانِ الْعَاضِّ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول لَا ضَمَانَ عليه في السِّنِّ لِأَنَّهُ قد كان له أَنْ يَنْزِعَ يَدَهُ من فيه وَبِهِ يَأْخُذُ وقد بَلَغْنَا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ رَجُلًا عَضَّ يَدَ رَجُلٍ فَانْتَزَعَ
____________________

(7/149)


يَدَهُ من فيه فَنَزَعَ ثَنِيَّتَهُ فَأَبْطَلَهَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وقال أَيَعَضُّ أحدكم أَخَاهُ عَضَّ الْفَحْلِ وكان بن أبي لَيْلَى يقول هو ضَامِنٌ لِدِيَةِ السِّنِّ وَهُمَا يَتَّفِقَانِ فِيمَا سِوَى ذلك مِمَّا يجنى في الْجَسَدِ سَوَاءٌ في الضَّمَانِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا عَضَّ الرَّجُلُ يَدَ الرَّجُلِ أو رِجْلَهُ أو بَعْضَ جَسَدِهِ فَانْتَزَعَ الْمَعْضُوضُ ما عُضَّ منه من في الْعَاضِّ فَسَقَطَ بَعْضُ ثَغْرِهِ أو كُلُّهُ فَلَا شَيْءَ عليه لِأَنَّهُ كان لِلْمَعْضُوضِ أَنْ يَنْزِعَ يَدَهُ من في الْعَاضِّ ولم يَكُنْ مُتَعَدِّيًا بِالِانْتِزَاعِ فَيَضْمَنُ وقد قضي رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في مِثْلِ هذا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ عن صَفْوَانَ بن يعلي بن أُمَيَّةَ عن أبيه أَنَّ رَجُلًا عَضَّ يَدَ رَجُلٍ فَانْتَزَعَ الْمَعْضُوضُ يَدَهُ من في الْعَاضِّ فَسَقَطَتْ ثَنِيَّتُهُ أو ثَنِيَّتَاهُ فَأَهْدَرَهَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وقال أَيَدَعُ يَدَهُ في فِيك تَقْضِمُهَا كَأَنَّهَا في فَحْلٍ وإذا نَفَحَتْ الدَّابَّةُ بِرِجْلِهَا وَهِيَ تَسِيرُ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول لَا ضَمَانَ على صَاحِبِهَا لِأَنَّهُ بَلَغْنَا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال الرَّجُلُ جُبَارٌ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول هو ضَامِنٌ في هذا لِمَا أَصَابَتْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَضْمَنُ قَائِدُ الدَّابَّةِ وَسَائِقُهَا وَرَاكِبُهَا ما أَصَابَتْ بِيَدٍ أو فَمٍ أو رِجْلٍ أو ذَنْبٍ وَلَا يَجُوزُ إلَّا هذا ( 1 ) وَلَا يَضْمَنُ شيئا إلَّا أَنْ يَحْمِلَهَا على أَنْ تَطَأَ شيئا فَيَضْمَنُ لِأَنَّ وَطْأَهَا من فِعْلِهِ فتكون ( ( ( فنكون ) ) ) حِينَئِذٍ كَأَدَاةٍ من أَدَاتِهِ جَنَى بها فَأَمَّا أَنْ نَقُولَ يَضْمَنُ عن يَدِهَا وَلَا يَضْمَنُ عن رِجْلِهَا فَهَذَا تَحَكُّمٌ فَإِنْ قال لَا يَرَى رِجْلَهَا فَهُوَ إذَا كان سَائِقًا لَا يَرَى يَدَهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ في السَّائِقِ يَضْمَنُ عن الرِّجْلِ وَلَا يَضْمَنُ عن الْيَدِ وَلَيْسَ هَكَذَا بِقَوْلٍ فَأَمَّا ما روى عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من أَنَّ الرِّجْلَ جُبَارٌ فَهُوَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ غَلَطٌ لِأَنَّ الْحُفَّاظَ لم يَحْفَظُوا هَكَذَا وكان أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يقول في الرَّجُلِ إذَا قَتَلَ الْعَبْدَ إنَّ قِيمَتَهُ على عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا تَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ ثُمَّ رَجَعَ أبو يُوسُفَ فقال هو مَالٌ لَا تَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ وَعَلَى الْقَاتِلِ قِيمَتُهُ ما بَلَغَ حَالًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قَتَلَ الرَّجُلُ الْعَبْدَ خَطَأً عَقَلَتْهُ عَاقِلَتُهُ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَعْقِلُ جِنَايَةَ حُرٍّ في نَفْسٍ مُحَرَّمَةٍ قد يَكُونُ فيها الْقَوَدُ قال وَيَكُونُ فيها الْكَفَّارَةُ كما تَكُونُ في الْحُرِّ بِكُلِّ حَالٍ فَهُوَ بِالنُّفُوسِ أَشْبَهَ منه بِالْأَمْوَالِ هو لَا يُجَامِعُ الْأَمْوَالَ في مَعْنَى إلَّا في أَنَّ دِيَتَهُ قِيمَتُهُ فَأَمَّا ما سِوَى ذلك فَهُوَ مُفَارِقٌ لِلْأَمْوَالِ مَجَامِعُ لِلنُّفُوسِ في أَكْثَرِ أَحْكَامِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - * بَابُ السَّرِقَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَقَرَّ الرَّجُلُ بِالسَّرِقَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَالسَّرِقَةُ تُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول أَقْطَعُهُ وَيَقُولُ إنْ لم أَقْطَعْهُ جَعَلْتُهُ عليه دَيْنًا وَلَا قَطْعَ في الدَّيْنِ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا أَقْطَعُهُ حتي يُقِرَّ مَرَّتَيْنِ وَبِهَذَا يَأْخُذُ ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَقَرَّ الرَّجُلُ بِالسَّرِقَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَثَبَتَ على الْإِقْرَارِ وَكَانَتْ مِمَّا تَقْطَعُ فيه الْيَدُ قَطَعَ وَسَوَاءٌ إقْرَارُهُ مَرَّةً أو أَكْثَرَ فَإِنْ قال قَائِلٌ كما لَا أَقْطَعُهُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ فَهُوَ إذَا شَهِدَ عليه شَاهِدَانِ قَطَعَهُ ولم يَلْتَفِتْ إلَى رُجُوعِهِ لو كان أَقَرَّ وهو لو أَقَرَّ عِنْدَهُ مِائَةَ مَرَّةٍ ثُمَّ رَجَعَ لم يَقْطَعْهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَكَذَا لو رَجَعَتْ الشُّهُودُ لم نَقْطَعْهُ قِيلَ لو رَجَعَ الشُّهُودُ عن الشَّهَادَةِ عليه ثُمَّ عَادُوا فَشَهِدُوا عليه بِمَا رَجَعُوا عنه لم تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ وَلَوْ أَقَرَّ ثُمَّ رَجَعَ ثُمَّ أَقَرَّ قُبِلَ منه فَالْإِقْرَارُ مُخَالِفٌ لِلشَّهَادَاتِ في الْبَدْءِ وَالْمُتَعَقِّبِ وَإِنْ كان الْمَسْرُوقُ منه غَائِبًا فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال لَا أَقْطَعُهُ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول أَقْطَعُهُ إذَا أَقَرَّ مَرَّتَيْنِ وَإِنْ كان الْمَسْرُوقُ منه غَائِبًا
____________________

(7/150)


( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان الْمَسْرُوقُ منه غَائِبًا حُبِسَ السَّارِقُ حتى يَحْضُرَ الْمَسْرُوقُ منه لِأَنَّهُ لَعَلَّهُ أَنْ يَأْتِيَ له بِمَخْرَجٍ يُسْقِطُ عنه الْقَطْعَ أو الْقَطْعَ وَالضَّمَانَ وَإِنْ كانت السَّرِقَةُ تُسَاوِي خَمْسَةَ دَرَاهِمَ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول لَا قَطْعَ فيها بَلَغَنَا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَعَنْ عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه وَعَنْ بن مَسْعُودٍ أَنَّهُمْ قالوا لَا تُقْطَعُ الْيَدُ إلَّا في عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول تُقْطَعُ الْيَدُ في خَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَلَا تُقْطَعُ في دُونِهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا الثِّقَةُ عن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ بن حَفْصٍ وَسُفْيَانَ بن عُيَيْنَةَ عن الزُّهْرِيِّ عن عَمْرَةَ عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال الْقَطْعُ في رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا وَبِهِ نَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَّا ما ذَهَبَ إلَيْهِ أبو حَنِيفَةَ من الرِّوَايَةِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم التي تُخَالِفُ هذا فَإِنَّهَا لَيْسَتْ من وَجْهٍ يَثْبُتُ مِثْلُهُ لو انْفَرَدَ وَأَمَّا ما روى عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه وبن مَسْعُودٍ فَلَيْسَتْ في أَحَدٍ مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم حُجَّةٌ وَلَا أَعْلَمُهُ ثَابِتًا عن وَاحِدٍ مِنْهُمَا وقد أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ أَنَّهُ سمع قَتَادَةَ يَسْأَلُ أَنَسَ بن مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عنه عن الْقَطْعِ فقال حَضَرْت أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي اللَّهُ عنه قَطَعَ سَارِقًا في شَيْءٍ ما يَسْوَى ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ أو قال ما يَسُرُّنِي أَنَّهُ لي بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ وَثَبَتَ عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها أنها قالت الْقَطْعُ في رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا وهو مَكْتُوبٌ في كِتَابِ السَّرِقَةِ ( قال ) وإذا شَهِدَ الشَّاهِدَانِ علي رَجُلٍ بِالسَّرِقَةِ وَالْمَسْرُوقُ منه غَائِبٌ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كان يقول لَا أَقْبَلُ الشَّهَادَةَ وَالْمَسْرُوقُ منه غَائِبٌ أَرَأَيْت لو قال لم يَسْرِقْ مِنِّي شيئا أَكُنْت أَقْطَعُ السَّارِقَ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول أَقْبَلُ الشَّهَادَةَ عليه وَأَقْطَعُ السَّارِقَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ شَاهِدَانِ على رَجُلٍ بِسَرِقَةٍ وَالْمَسْرُوقُ منه غَائِبٌ قَبِلْت الشَّهَادَةَ وَسَأَلْت عن الشُّهُودِ وَأَخَّرْت الْقَطْعَ إلَى أَنْ يَقْدُمَ الْمَسْرُوقُ منه ( قال ) وإذا اعْتَرَفَ الرَّجُلُ بِالسَّرِقَةِ مَرَّتَيْنِ وَبِالزِّنَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ثُمَّ أَنْكَرَ بَعْدَ ذلك فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول نَدْرَأُ عنه الْحَدَّ فِيهِمَا جميعا وَنُضَمِّنُهُ السَّرِقَةَ وقد بَلَغَنَا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حين اعْتَرَفَ عِنْدَهُ مَاعِزُ بن مَالِكٍ وَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُرْجَمَ هَرَبَ حين أَصَابَتْهُ الْحِجَارَةُ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَهَلَّا خَلَّيْتُمْ سَبِيلَهُ حدثنا بِذَلِكَ أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَرْفَعُهُ إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا أَقْبَلُ رُجُوعَهُ فِيهِمَا جميعا وأمضى عليه الْحَدَّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رحمه الله تعالى وإذا أَقَرَّ الرَّجُلُ بالزنى أو بِشُرْبِ الْخَمْرِ أو بِالسَّرِقَةِ ثُمَّ رَجَعَ قَبِلْت رُجُوعَهُ قبل أَنْ تَأْخُذَهُ السِّيَاطُ أو الْحِجَارَةُ أو الْحَدِيدُ وَبَعْدُ جاء بِسَبَبٍ أو لم يَأْتِ بِهِ عُيِّرَ أو لم يُعَيَّرْ قِيَاسًا على أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال في مَاعِزٍ فَهَلَّا تَرَكْتُمُوهُ وَهَكَذَا كُلُّ حَدٍّ لِلَّهِ فَأَمَّا ما كان للادميين فيه حَقٌّ فَيَلْزَمُهُ وَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ فيه وَأُغَرِّمُهُ السَّرِقَةَ لِأَنَّهَا حَقٌّ للادميين وإذا دخل الرَّجُلُ من أَهْلِ الْحَرْبِ إلَيْنَا بِأَمَانٍ فَسَرَقَ عِنْدَنَا سَرِقَةً فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كان يقول يَضْمَنُ السَّرِقَةَ وَلَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ لم يَأْخُذْ الْأَمَانَ لِتَجْرِي عليه الْأَحْكَامُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول تُقْطَعُ يَدُهُ وَبِهِ يَأْخُذُ ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا دخل الْحَرْبِيُّ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ فَسَرَقَ ضُمِّنَ السَّرِقَةَ وَلَا يُقْطَعُ وَيُقَالُ له نَنْبِذُ إلَيْك عَهْدَك وَنُبَلِّغُك مَأْمَنَك لِأَنَّ هذه دَارٌ لَا يَصْلُحُ أَنْ يُقِيمَ فيها إلَّا من يَجْرِي عليه الْحُكْمُ ( قال الرَّبِيعُ ) لَا يُقْطَعُ إذَا كان جَاهِلًا فَإِنْ كان عَالِمًا قُطِعَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُعْطِيَ أَحَدًا أَمَانًا على أَنْ لَا يَجْرِي عليه حُكْمُ الْإِسْلَامِ ما دَامَ مُقِيمًا في دَارِ الْإِسْلَامِ
____________________

(7/151)


- * بَابُ الْقَضَاءِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَثْبَتَ الْقَاضِي في دِيوَانِهِ الْإِقْرَارَ وَشَهَادَةَ الشُّهُودِ ثُمَّ رُفِعَ إلَيْهِ ذلك وهو لَا يَذْكُرُهُ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كان يقول لَا يَنْبَغِي له أَنْ يُجِيزَهُ وكان بن أبي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ يُجِيزُ ذلك وَبِهِ يَأْخُذُ قال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ كان يَذْكُرُهُ ولم يُثْبِتْهُ عِنْدَهُ أَجَازَهُ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا يُجِيزُهُ حتى يُثْبِتَهُ عِنْدَهُ وَإِنْ ذَكَرَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا وَجَدَ الْقَاضِي في دِيوَانِهِ خَطًّا لَا يَشُكُّ أَنَّهُ خَطُّهُ أو خَطُّ كَاتِبِهِ بِإِقْرَارِ رَجُلٍ لِآخَرَ أو بِثَبْتِ حَقٍّ عليه بِوَجْهٍ لم يَكُنْ له أَنْ يَقْضِيَ بِهِ حتى يَذْكُرَ منه أو يَشْهَدَ بِهِ عِنْدَهُ كما لَا يَجُوزُ إذَا عَرَفَ خَطَّهُ ولم يذكر الشَّهَادَةَ أَنْ يَشْهَدَ وإذا جاء رَجُلٌ بِكِتَابِ قَاضٍ إلَى قَاضٍ وَالْقَاضِي لَا يَعْرِفُ كِتَابَهُ وَلَا خَاتَمَهُ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كان يقول لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي الذي أَتَاهُ الْكِتَابَ أَنْ يَقْبَلَهُ حتى يَشْهَدَ شَاهِدَا عَدْلٍ على خَاتَمِ الْقَاضِي وعلي ما في الْكِتَابِ كُلِّهِ إذَا قُرِئَ عليه عَرَفَ الْقَاضِي الْكِتَابَ وَالْخَاتَمَ أو لم يَعْرِفْهُ وَلَا يَقْبَلُهُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ على ما وَصَفْت لِأَنَّهُ حَقٌّ وهو مِثْلُ شَهَادَةٍ على شَهَادَةٍ ثُمَّ رَجَعَ أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وقال لَا يَقْبَلُ الْكِتَابَ حتى يَشْهَدَ الشُّهُودُ أَنَّهُ قَرَأَهُ عليهم وَأَعْطَاهُمْ نُسْخَةً مَعَهُمْ يُحْضِرُونَهَا هذا الْقَاضِيَ مع كِتَابِ الْقَاضِي وكان بن أبي لَيْلَى يقول إذَا شَهِدُوا على خَاتَمِ الْقَاضِي قُبِلَ ذلك منهم وَبِهِ يَأْخُذُ قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ الشَّاهِدَانِ على كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي عَرَفَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ كِتَابَ الْقَاضِي وَخَاتَمَهُ أو لم يَعْرِفْهُ فَهُوَ سَوَاءٌ في الْحُكْمِ وَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّ هذا كِتَابُ فُلَانٍ قَاضِي بَلَدِ كَذَا إلَى فُلَانٍ قَاضِي بَلَدِ كَذَا وَيَشْهَدَانِ على ما في الْكِتَابِ إمَّا بِحِفْظٍ له وَإِمَّا بِنُسْخَةٍ مَعَهُمَا تُوَافِقُ ما فيه وَلَا أَرَى أَنْ يَقْبَلَهُ مَخْتُومًا وَهُمَا يَقُولَانِ لَا نَدْرِي ما فيه لِأَنَّ الْخَاتَمَ قد يُصْنَعُ على الْخَاتَمِ وَيُبَدَّلُ الْكِتَابُ وإذا قال الْخَصْمُ لِلْقَاضِي لَا أُقِرُّ وَلَا أُنْكِرُ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كان يقول لَا أُجْبِرُهُ على ذلك وَلَكِنَّهُ يَدْعُو الْمُدَّعِي بِشُهُودِهِ بهذا يَأْخُذُ ( قال ) وكان بن أبي لَيْلَى لَا يَدَعُهُ حتى يُقِرَّ أو يُنْكِرَ وكان أبو يُوسُفَ إذَا سَكَتَ يقول له احْلِفْ مِرَارًا فَإِنْ لم يَحْلِفْ قَضَى عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا تَنَازَعَ الرَّجُلَانِ وَادَّعَى أَحَدُهُمَا على الْآخَرِ دَعْوَى فقال الْمُدَّعَى عليه لَا أُقِرُّ وَلَا أُنْكِرُ قِيلَ للمدعى إنْ أَرَدْت أَنْ نُحَلِّفَهُ عَرَضْنَا عليه الْيَمِينَ فَإِنْ حَلَفَ بريء إلَّا أَنْ تأتى بِبَيِّنَةٍ وَإِنْ نَكَلَ قُلْنَا لَك أحلف على دَعْوَاكَ وَخُذْ فَإِنْ أَبَيْتَ لم نُعْطِك بِنُكُولِهِ شيئا دُونَ يَمِينِك مع نُكُولِهِ وإذا أَنْكَرَ الْخَصْمُ الدَّعْوَى ثُمَّ جاء بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ على الْمَخْرَجِ منه فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كان يقول أَقْبَلُ ذلك منه وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا أَقْبَلُ منه بَعْدَ الْإِنْكَارِ مَخْرَجًا وَتَفْسِيرُ ذلك أَنَّ الرَّجُلَ يدعى قِبَلَ الرَّجُلِ الدَّيْنَ فيقول مَالَهُ قِبَلِي شَيْءٌ فَيُقِيمُ الطَّالِبُ الْبَيِّنَةَ على مَالَهُ وَيُقِيمُ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قد أَوْفَاهُ إيَّاهُ وقال أبو حَنِيفَةَ الْمَطْلُوبُ صَادِقٌ بِمَا قال ليس قِبَلِي شَيْءٌ وَلَيْسَ قَوْلُهُ هذا بِإِكْذَابٍ لِشُهُودِهِ على الْبَرَاءَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا ادَّعَى الرَّجُلُ على الرَّجُلِ دَيْنًا فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عليه فَأَقَامَ عليه الْمُدَّعَى بَيِّنَةً فَجَاءَ الْمَشْهُودُ عليه بِمَخْرَجٍ مِمَّا شَهِدَ بِهِ عليه قَبِلْتُهُ منه وَلَيْسَ إنْكَارُهُ الدَّيْنَ إكْذَابًا لِلْبَيِّنَةِ فَهُوَ صَادِقٌ لِأَنَّهُ ليس عليه شَيْءٌ في الظَّاهِرِ إذَا جاء بِالْمَخْرَجِ منه وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَوَّلًا أَنْ يَقْطَعَ عنه الْمُؤْنَةَ وإذا ادَّعَى رَجُلٌ قِبَلَ رَجُلٍ دَعْوَى فقال عِنْدِي الْمَخْرَجُ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كان يقول ليس هذا عِنْدِي بِإِقْرَارٍ إنَّمَا يقول عِنْدِي الْبَرَاءَةُ وقد تَكُونُ عنده ( ( ( عند ) ) ) الْبَرَاءَةِ من الْحَقِّ وَمِنْ الْبَاطِلِ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول هذا إقْرَارٌ فَإِنْ جاء بِمَخْرَجٍ وَإِلَّا أَلْزَمَهُ الدَّعْوَى وأبو حَنِيفَةَ يقول إنْ لم يَأْتِ بِالْمَخْرَجِ لم تَلْزَمْهُ الدَّعْوَى إلَّا بِبَيِّنَةٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى وإذا ادَّعَى الرَّجُلُ على الرَّجُلِ حَقًّا فقال الْمُدَّعَى عليه عِنْدِي منها الْمَخْرَجُ فَسَأَلَ المدعى الْقَاضِيَ أَنْ يَجْعَلَ هذا إقْرَارًا يَأْخُذُهُ بِهِ إلَّا أَنْ يَجِيءَ منه بِالْمَخْرَجِ فَلَيْسَ هذا
____________________

(7/152)


بِإِقْرَارٍ لِأَنَّهُ قد يَكُونُ عِنْدَهُ الْمَخْرَجُ بِأَنْ لَا يُقِرَّ بِهِ وَلَا يُوجَدُ عليه بَيِّنَةٌ وَلَا يَأْخُذُ المدعى إلَّا بِبَيِّنَةٍ يُثْبِتُهَا وَيُقْبَلُ من الْمُدَّعَى عليه الْمَخْرَجُ وَإِنْ شَهِدَ عليه قال وإذا أَقَرَّ الرَّجُلُ عِنْدَ الْقَاضِي بِشَيْءٍ فلم يَقْضِ بِهِ الْقَاضِي عليه ولم يُثْبِتْهُ في دِيوَانِهِ ثُمَّ خَاصَمَهُ إلَيْهِ فيه بَعْدَ ذلك فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ قال إذَا ذَكَرَ الْقَاضِي ذلك أَمْضَاهُ عليه وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ يقول لَا يُمْضِي ذلك عليه وَإِنْ كان ذَاكِرًا له حتى يُثْبِتَهُ في دِيوَانِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَقَرَّ الرَّجُلُ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَأَثْبَتَ الْحَاكِمُ إقْرَارَهُ في دِيوَانِهِ أو كان ذَاكِرًا لِإِقْرَارِهِ ولم يُثْبِتْ في دِيوَانِهِ فَسَوَاءٌ فَإِنْ كان مِمَّنْ يَأْخُذُ بِالْإِقْرَارِ عِنْدَهُ أَخَذَهُ بِهِ وَلَا مَعْنَى لِلدِّيوَانِ إلَّا الذِّكْرُ وإذا كان الْقَاضِي ذَاكِرًا فَسَوَاءٌ كان في الدِّيوَانِ أو لم يَكُنْ ( قال الرَّبِيعُ ) وكان الشَّافِعِيُّ يُجِيزُ الْإِقْرَارَ عِنْدَ الْقَاضِي وَإِنَّمَا كَرِهَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِإِجَازَتِهِ لِحَالِ ظُلْمِ بَعْضِ الْقُضَاةِ - * بَابُ الْفِرْيَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال رَجُلٌ لِرَجُلٍ من الْعَرَبِ يا نَبَطِيُّ أو لَسْت بَنِي فُلَانٍ لِقَبِيلَةٍ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كان يقول لَا حَدَّ عليه في ذلك وَإِنَّمَا قَوْلُهُ هذا مِثْلُ قَوْلِهِ يا كُوفِيٌّ يا بَصْرِيٌّ يا شَامِيٌّ حدثنا أبو يُوسُفَ عَمَّنْ حدثه عن عَطَاءِ بن أبي رَبَاحٍ عن بن عَبَّاسٍ بِذَلِكَ وَأَمَّا قَوْلُهُ لَسْت من بَنِي فُلَانٍ فَهُوَ صَادِقٌ ليس هو من وَلَدِ فُلَانٍ لِصُلْبِهِ وَإِنَّمَا هو من وَلَدِ الْوَلَدِ إنَّ الْقَذْفَ هَا هُنَا إنَّمَا وَقَعَ على أَهْلِ الشِّرْكِ الَّذِينَ كَانُوا في الْجَاهِلِيَّةِ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول فِيهِمَا جميعا الْحَدُّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال رَجُلٌ لِرَجُلٍ من الْعَرَبِ يا نَبَطِيُّ وَقَفْتُهُ فَإِنْ قال عَنَيْت نَبَطِيَّ الدَّارِ أو نَبَطِيَّ اللِّسَانِ أَحَلَفْتُهُ بِاَللَّهِ ما أَرَادَ أَنْ يَنْفِيَهُ وَيَنْسُبَهُ إلَى النَّبَطِ فَإِنْ حَلَفَ نَهَيْتُهُ عن أَنْ يَقُولَ ذلك الْقَوْلَ وَأَدَّبْتُهُ على الْأَذَى وَإِنْ أبي أَنْ يَحْلِفَ أَحَلَفْتُ الْمَقُولَ له لقد أَرَادَ نَفْيَك فإذا حَلَفَ سَأَلْتُ الْقَائِلَ عَمَّنْ نَفَى فإذا قال ما نَفَيْتُهُ وَلَا قلت ما قال جَعَلْتُ الْقَذْفَ وَاقِعًا على أُمِّ الْمَقُولِ له فَإِنْ كانت حُرَّةً مُسْلِمَةً حَدَدْتُهُ إنْ طَلَبَتْ الْحَدَّ فَإِنْ عَفَتْ فَلَا حَدَّ لها وَإِنْ كانت مَيِّتَةً فَلِابْنِهَا الْقِيَامُ بِالْحَدِّ وَإِنْ قال عَنَيْت بِالْقَذْفِ الْأَبَ الْجَاهِلِيَّ أَحَلَفْتُهُ ما عَنَى بِهِ أَحَدًا من أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَعَزَّرْتُهُ ولم أَحُدَّهُ وَإِنْ قال لَسْت من بَنِي فُلَانٍ لِجَدِّهِ ثُمَّ قال إنَّمَا عَنَيْت لَسْت من بَنِيهِ لِصُلْبِهِ إنَّمَا أنت من بَنِي بَنِيهِ لم أَقْبَلْ ذلك منه وَجَعَلْتُهُ قَاذِفًا لِأُمِّهِ فَإِنْ طَلَبَتْ الْحَدَّ وَهِيَ حُرَّةٌ كان لها ذلك إلَّا أَنْ يَقُولَ نَفَيْت الْجَدَّ الْأَعْلَى الذي هو جَاهِلِيٌّ فَأُعَزِّرُهُ وَلَا أَحُدُّهُ لِأَنَّ الْقَذْفَ وَقَعَ على مُشْرِكَةٍ وإذا قال الرَّجُلُ لِرَجُلٍ لَسْت بن فُلَانٍ وَأُمُّهُ أَمَةٌ أو نَصْرَانِيَّةٌ وَأَبُوهُ مُسْلِمٌ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول لَا حَدَّ على الْقَاذِفِ إنَّمَا وَقَعَ الْقَذْفُ هَا هُنَا على الْأُمِّ وَلَا حَدَّ على قَاذِفِهَا وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول في ذلك عليه الْحَدُّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا نَفَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ من أبيه وَأُمُّ المنفى ذِمِّيَّةٌ أو أَمَةٌ فَلَا حَدَّ عليه لِأَنَّ الْقَذْفَ إنَّمَا وَقَعَ على من لَا حَدَّ له وَلَكِنَّهُ يُنَكَّلُ عن أَذَى الناس بِتَعْزِيرٍ لَا حَدٍّ قال وإذا قَذَفَ رَجُلٌ رَجُلًا فقال يا بن الزَّانِيَيْنِ وقد مَاتَ الْأَبَوَانِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول إنَّمَا عليه حَدٌّ وَاحِدٌ لِأَنَّهَا كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ وَبِهَذَا يَأْخُذُ قُلْت إنْ فَرَّقَ الْقَوْلَ أو جَمَعَهُ فَهُوَ سَوَاءٌ وَعَلَيْهِ حَدٌّ وَاحِدٌ وكان بن أبي لَيْلَى يقول عليه حَدَّانِ وَيَضْرِبُهُ الْحَدَّيْنِ في مَقَامٍ وَاحِدٍ وقد فَعَلَ ذلك في الْمَسْجِدِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا قال الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ يا بن الزَّانِيَيْنِ وَأَبَوَاهُ حُرَّانِ مُسْلِمَانِ مَيِّتَانِ فَعَلَيْهِ حَدَّانِ وَلَا يَضْرِبُهُمَا في مَوْقِفٍ وَاحِدٍ وَلَكِنَّهُ يُحَدُّ ثُمَّ يُحْبَسُ حتى إذَا بَرَأَ جِلْدُهُ حُدَّ حَدًّا ثَانِيًا وَكَذَلِكَ لو فَرَّقَ الْقَوْلَ أو جَمَعَهُ أو قَذَفَ جَمَاعَةً بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أو بِكَلَامٍ مُتَفَرِّقٍ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ منهم حَدُّهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو قَذَفَ ثَلَاثَةً بالزنى فلم يَطْلُبْ وَاحِدٌ الْحَدَّ وَأَقَرَّ آخَرُ بالزنى حُدَّ لِلطَّالِبِ الثَّالِثِ حَدًّا تَامًّا وَلَوْ كَانُوا شُرَكَاءَ في الْحَدِّ ما كان يَنْبَغِي أَنْ يُضْرَبَ إلَّا ثُلُثَ حَدٍّ لِأَنَّ حَدَّيْنِ قد سَقَطَا عنه أَحَدُهُمَا بِاعْتِرَافِ صَاحِبِهِ وَالْآخَرُ بِتَرْكِ صَاحِبِهِ الطَّلَبَ وَعَفْوِهِ وإذا كان الْحَدُّ حَقًّا لِمُسْلِمٍ
____________________

(7/153)


فَكَيْفَ يَبْطُلُ بِحَالٍ أَرَأَيْت لو قَتَلَ رَجُلٌ ثَلَاثَةً أو عَشَرَةً مَعًا أَمَا كان عليه لِكُلِّ وَاحِدٍ منهم دِيَةٌ إنْ قَتَلَهُمْ خَطَأً وَعَلَيْهِ الْقَوَدُ إنْ قَتَلَهُمْ عَمْدًا وَدِيَةٌ لِكُلِّ من لم يَقُدْ منه لِأَنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ إلَى الْقَوَدِ سَبِيلًا وإذا قال الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ يا بن الزَّانِيَيْنِ أو قالت الْمَرْأَةُ لِلرَّجُلِ يا بن الزَّانِيَيْنِ وَالْأَبَوَانِ حَيَّانِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول إذَا كَانَا حَيَّيْنِ بِالْكُوفَةِ لم يَكُنْ علي قَاذِفِهِمَا الْحَدُّ إلَّا أَنْ يَأْتِيَا يَطْلُبَانِ ذلك وَلَا يُضْرَبُ الرَّجُلُ حَدَّيْنِ في مَقَامٍ وَاحِدٍ وَإِنْ وَجَبَا عليه جميعا وَبِهِ يَأْخُذُ قال وَلَا يَكُونُ في هذا أَبَدًا إلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ وكان بن أبي لَيْلَى يَضْرِبُهُمَا جميعا حَدَّيْنِ في مَقَامٍ وَاحِدٍ وَيَضْرِبُ الْمَرْأَةَ قَائِمَةً وَيَضْرِبُهُمَا حَدَّيْنِ في كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَيُقِيمُ الْحُدُودَ في الْمَسْجِدِ أَظُنُّ أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال لَا وَلَا يَكُونُ على من قَذَفَ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أو كَلِمَتَيْنِ أو جَمَاعَةً أو فرادي إلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ فَإِنْ أَخَذَهُ بَعْضُهُمْ فَحُدَّ له كان لِجَمِيعِ ما قَذَفَ بَلَغَنَا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَبِهِ يَأْخُذُ وقال لَا تُقَامُ الْحُدُودُ في الْمَسَاجِدِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يُقَامُ على رَجُلٍ حَدَّانِ وَجَبَا عليه في مَقَامٍ وَاحِدٍ وَلَكِنَّهُ يُحَدُّ أَحَدَهُمَا ثُمَّ يُحْبَسُ حتى يَبْرَأَ ثُمَّ يُحَدُّ الْآخَرَ وَلَا يُحَدُّ في مَسْجِدٍ وَمَنْ قَذَفَ أَبَا رَجُلٍ وَأَبُوهُ حَيٌّ لم يُحَدَّ له حتى يَكُونَ الْأَبُ الذي يَطْلُبُ وإذا مَاتَ كان لِلِابْنِ أَنْ يَقُومَ بِالْحَدِّ وَإِنْ كان له عَدَدُ بَنِينَ فَأَيُّهُمْ قام بِهِ حُدَّ له وقال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يُضْرَبُ الرَّجُلُ حَدَّيْنِ في مَقَامٍ وَاحِدٍ وَإِنْ وَجَبَا عليه جميعا وَلَكِنَّهُ يُقِيمُ عليه أَحَدَهُمَا ثُمَّ يُحْبَسُ حتى يَخِفَّ الضَّرْبُ ثُمَّ يُضْرَبُ الْحَدَّ الْآخَرَ وَإِنَّمَا الْحَدَّانِ في شُرْبٍ وَقَذْفٍ أو زِنًا وَقَذْفٍ أو زِنًا وَشُرْبٍ فَأَمَّا قَذْفٌ كُلُّهُ وَشُرْبٌ كُلُّهُ مِرَارًا أو زِنًا مِرَارًا فَإِنَّمَا عليه حَدٌّ وَاحِدٌ قال وَلَوْ كان الْأَبَوَانِ الْمَقْذُوفَانِ حَيَّيْنِ كَانَا بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتَيْنِ في قَوْلِ بن أبي لَيْلَى وَأَمَّا في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ فَلَا حَقَّ لِلْوَلَدِ حتى يَجِيءَ الْوَالِدَانِ أو أَحَدُهُمَا يَطْلُبُ قَذْفَهُ وَإِنَّمَا عليه حَدٌّ وَاحِدٌ في ذلك كُلِّهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَتُضْرَبُ الرِّجَالُ في الْحُدُودِ قِيَامًا وفي التَّعْزِيرِ وَتُتْرَكُ لهم أَيْدِيهمْ يَتَّقُونَ بها وَلَا تُرْبَطُ وَلَا يُمَدُّونَ وَتُضْرَبُ النِّسَاءُ جُلُوسًا وَتُضَمُّ عَلَيْهِنَّ ثِيَابُهُنَّ وَيُرْبَطْنَ لِئَلَّا يَنْكَشِفْنَ وَيُلَيَّنُ رِبَاطُ ثِيَابِهِنَّ أو تَلِيه مِنْهُنَّ أمرأة وإذا قَذَفَ الرَّجُلُ رَجُلًا مَيِّتًا فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول لَا يَأْخُذُ بِحَدِّ الْمَيِّتِ إلَّا الْوَلَدُ أو الْوَالِدُ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يقول يَأْخُذُ أَيْضًا الْأَخُ وَالْأُخْتُ وَأَمَّا غَيْرُ هَؤُلَاءِ فَلَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَأْخُذُ حَدَّ الْمَيِّتِ وَلَدُهُ وَعُصْبَتُهُ من كَانُوا وإذا قَذَفَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَشَهِدَ عليه الشُّهُودُ بِذَلِكَ وهو يَجْحَدُ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول إذَا رُفِعَ إلَى الْإِمَامِ خَبَرُهُ حَبَسَهُ حتى يُلَاعِنَ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول إذَا جَحَدَ ضَرَبْتُهُ الْحَدَّ وَلَا أُجْبِرُهُ على اللِّعَانِ منها إذَا جَحَدَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ الشَّاهِدَانِ على رَجُلٍ أَنَّهُ قَذَفَ امْرَأَتَهُ مُسْلِمَةً وَطَلَبَتْ أَنْ يُحَدَّ لها وَجَحَدَ شَهَادَتَهُمَا قِيلَ له إنْ لَاعَنْت خَرَجْت من الْحَدِّ وَإِنْ لم تُلَاعِنْ حَدَدْنَاك - * بَابُ النِّكَاحِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا تَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ بِغَيْرِ مَهْرٍ مُسَمًّى فَدَخَلَ بها فإن لها مَهْرُ مِثْلِهَا من نِسَائِهَا لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ وقال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى نِسَاؤُهَا أَخَوَاتُهَا وَبَنَاتُ عَمِّهَا وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول نِسَاؤُهَا أُمُّهَا وَخَالَاتُهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ بِغَيْرِ مَهْرٍ فَدَخَلَ بها فَلَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا من نِسَائِهَا وَنِسَاؤُهَا نِسَاءُ عُصْبَتِهَا الْأَخَوَاتُ وَبَنَاتُ الْعَمِّ وَلَيْسَ الْأُمَّ وَلَا الْخَالَاتِ إذَا لم يَكُنْ بَنَاتُ عُصْبَتِهَا من الرِّجَالِ وَنِسَاؤُهَا اللَّاتِي يُعْتَبَرُ عليها بِهِنَّ من كان مِثْلَهَا من أَهْلِ بَلَدِهَا وفي سِنِّهَا وَجَمَالِهَا وَمَالِهَا وَأَدَبِهَا وَصَرَاحَتِهَا لِأَنَّ الْمَهْرَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ هذه الْحَالَاتِ وإذا زَوَّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ وَهِيَ صَغِيرَةٌ بن أَخِيهِ وهو صَغِيرٌ يَتِيمٌ في حِجْرِهِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول النِّكَاحُ جَائِزٌ وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا أَدْرَكَ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان أبن أبي لَيْلَى يقول لَا يَجُوزُ ذلك عليه حتى
____________________

(7/154)


يُدْرِكَ ثُمَّ رَجَعَ أبو يُوسُفَ وقال إذَا زَوَّجَ الْوَلِيُّ فَلَا خِيَارَ وهو مِثْلُ الْأَبِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الصِّغَارِ من الرِّجَالِ وَلَا من النِّسَاءِ إلَّا أَنْ يُزَوِّجَهُنَّ الْآبَاءُ وَالْأَجْدَادُ إذَا لم يَكُنْ لَهُنَّ آباء فإنهم آبَاءٌ وإذا زَوَّجَهُنَّ أَحَدٌ سِوَاهُمْ فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ وَلَا يَتَوَارَثَانِ فيه وَإِنْ كَبُرَا فَإِنْ دخل عليها فَأَصَابَهَا فَلَهَا الْمَهْرُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَلَوْ طَلَّقَهَا قبل أَنْ يُفْسَخَ النِّكَاحُ لم يَقَعْ طَلَاقُهُ وَلَا ظِهَارُهُ وَلَا إيلَاؤُهُ لِأَنَّهَا لم تَكُنْ زَوْجَةً قَطُّ وإذا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ وَامْرَأَةَ أَبِيهَا فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول هو جَائِزٌ بَلَغَنَا ذلك عن عبد اللَّهِ بن جَعْفَرٍ أَنَّهُ فَعَلَ ذلك وَبِهِ يَأْخُذُ تَزَوَّجَ عبد اللَّهِ بن جَعْفَرٍ امْرَأَةَ على رضي اللَّهُ عنه وَاِبْنَتَهُ جميعا وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ وقال كُلُّ امْرَأَتَيْنِ لو كانت إحْدَاهُمَا رَجُلًا لم يَحِلَّ لها نِكَاحُ صَاحِبَتِهَا فَلَا يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا بَأْسَ أَنْ يَجْمَعَ بين امْرَأَةِ رَجُلٍ وَاِبْنَتِهِ من غَيْرهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ لِمَ زَعَمْت أَنَّ الْآبَاءَ يُزَوِّجُونَ الصِّغَارَ قِيلَ زَوَّجَ أبو بَكْرٍ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَائِشَةَ وَهِيَ بِنْتُ سِتٍّ أو سَبْعٍ وَبَنَى بها النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَهِيَ بِنْتُ تِسْعٍ فَالْحَالَانِ اللَّذَانِ كان فِيهِمَا النِّكَاحُ وَالدُّخُولُ كَانَا وَعَائِشَةُ صَغِيرَةٌ مِمَّنْ لَا أَمْرَ لها في نَفْسِهَا وَزَوَّجَ غَيْرُ وَاحِدٍ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ابْنَتَهُ صَغِيرَةً فَإِنْ قال قَائِلٌ فإذا أَجَزْت هذا للاباء ولم تَلْتَفِتْ إلَى الْقِيَاسِ في أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْقَدُ على حُرَّةٍ صَغِيرَةٍ نِكَاحٌ ثُمَّ يَكُونُ لها الْخِيَارُ لِأَنَّ أَصْلَ النِّكَاحِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فيه خِيَارٌ إلَّا في الْإِمَاءِ إذَا تَحَوَّلَتْ حَالُهُنَّ وَالْحَرَائِرُ لَا تُحَوَّلُ حَالُهُنَّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْقَدَ عَلَيْهِنَّ ما لَهُنَّ منه بُدٌّ ثُمَّ يُلْزِمُهُنَّ فَكَيْفَ لم تَجْعَلْ الْأَوْلِيَاءَ قِيَاسًا على الْآبَاءِ قِيلَ لِافْتِرَاقِ الْآبَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ وَأَنَّ الْأَبَ يَمْلِكُ من الْعَقْدِ على وَلَدِهِ ما لَا يَمْلِكُهُ منه غَيْرُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَعْقِدُ على الْبِكْرِ بَالِغًا وَلَا يَرُدُّ عنها وَإِنْ كَرِهَتْ وَلَا يَكُونُ ذلك لِلْعَمِّ وَلَا لِلْأَخِ وَلَا وَلِيٍّ غَيْرِهِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَإِنَّا لَا نُجِيزُ لِلْأَبِ أَنْ يَعْقِدَ على الْبِكْرِ بَالِغًا وَنَجْعَلُهُ فيها وفي الثَّيِّبِ مِثْلُ غَيْرِهِ من الْأَوْلِيَاءِ قِيلَ فَأَنْتَ تَجْعَلُ قَبْضَهُ لِمَهْرِ الْبِكْرِ قَبْضًا وَلَا تَجْعَلُ ذلك لِوَلِيٍّ غَيْرَهُ إلَّا وصى بِمَالٍ وَتَجْعَلُ عَقْدَهُ عليها صَغِيرَةً جَائِزًا لَا خِيَارَ لها فيه وَتَجْعَلُ لها الْخِيَارَ إنْ عَقَدَ عليها وَلِيٌّ غَيْرُهُ وَلَوْ كان مِثْلُ سَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ ما كُنْت قد فَرَّقْت بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوْلِيَاءِ وَهَذَا مَكْتُوبٌ في كِتَابِ النِّكَاحِ وإذا نَظَرَ الرَّجُلُ إلَى فَرْجِ الْمَرْأَةِ من شَهْوَةٍ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كان يقول تَحْرُمُ على ابْنِهِ وَعَلَى أبيه وَتَحْرُمُ عليه أُمُّهَا وَاِبْنَتُهَا بَلَغَنَا ذلك عن إبْرَاهِيمَ وَبَلَغَنَا عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّهُ خَلَا بِجَارِيَةٍ له فَجَرَّدَهَا وَأَنَّ ابْنًا له اسْتَوْهَبَهَا منه فقال له إنَّهَا لَا تَحِلُّ لَك وَبَلَغَنَا عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّهُ قال مَلْعُونٌ من نَظَرَ إلَى فَرْجٍ وَأُمِّهَا وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا يَحْرُمُ من ذلك شَيْءٌ ما لم يَلْمِسْهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا لَمَسَ الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ حَرُمَتْ على أبيه وَابْنِهِ وَلَا تَحْرُمُ عليه بِالنَّظَرِ دُونَ اللَّمْسِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ ابْنَةَ الرَّجُلِ وَامْرَأَةَ الرَّجُلِ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل إنَّمَا حَرَّمَ الْجَمْعَ بين الْأُخْتَيْنِ وَهَاتَانِ لَيْسَتَا بِأُخْتَيْنِ وَحَرَّمَ الْأُمَّ وَالْبِنْتَ إحْدَاهُمَا بَعْدَ الْأُخْرَى وَهَذِهِ لَيْسَتْ بِأُمٍّ وَلَا بِنْتٍ وقد جَمَعَ عبد اللَّهِ بن جَعْفَرٍ بين امْرَأَةِ عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه وَاِبْنَتِهِ وَعَبْدُ اللَّهِ بن صَفْوَانَ بين امْرَأَةِ رَجُلٍ وَاِبْنَتِهِ وإذا نَظَرَ الرَّجُلُ إلَى فَرْجِ أَمَتِهِ من شَهْوَةٍ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول لَا تَحِلُّ لِأَبِيهِ وَلَا لِابْنِهِ وَلَا تَحِلُّ له أُمُّهَا وَلَا بِنْتُهَا وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى رضي اللَّهُ عنه يقول هِيَ له حَلَالٌ حتي يَلْمِسَهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا زنا ( ( ( زنى ) ) ) الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ فَلَا تَحْرُمُ عليه هِيَ إنْ أَرَادَ أَنْ يَنْكِحَهَا وَلَا أُمَّهَا وَلَا ابْنَتَهَا لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل إنَّمَا حَرَّمَ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامُ ضِدُّ الْحَلَالِ وَهَذَا مَكْتُوبٌ في كِتَابِ النِّكَاحِ من أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وإذا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ بِشَاهِدَيْنِ من غَيْرِ أَنْ يُزَوِّجَهَا وَلِيٌّ وَالزَّوْجُ كُفُؤٌ لها فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كان يقول النِّكَاحُ
____________________

(7/155)


جَائِزٌ أَلَا تري أنها لو رَفَعَتْ أَمْرَهَا إلَى الْحَاكِمِ وَأَبَى وَلِيُّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا كان لِلْحَاكِمِ أَنْ يُزَوِّجَهَا وَلَا يَسَعُهُ إلَّا ذلك وَلَا يَنْبَغِي له غَيْرُهُ فَكَيْفَ يَكُونُ ذلك من الْحَاكِمِ وَالْوَلِيِّ جَائِزًا وَلَا يَجُوزُ ذلك منها وَهِيَ قد وَضَعَتْ نَفْسَهَا في الْكَفَاءَةِ بَلَغَنَا عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّ امْرَأَةً زَوَّجَتْ ابْنَتَهَا فَجَاءَ أَوْلِيَاؤُهَا فَخَاصَمُوا الزَّوْجَ إلَى عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه فَأَجَازَ عَلِيٌّ النِّكَاحَ وكان أبن أبي لَيْلَى لَا يُجِيزُ ذلك وقال أبو يُوسُفَ هو مَوْقُوفٌ وَإِنْ رُفِعَ إلَى الْحَاكِمِ وهو كفؤ ( ( ( كفء ) ) ) أَجَزْتُ ذلك كان الْقَاضِيَ هَا هُنَا وَلِيٌّ بَلَغَهُ أَنَّ ابْنَتَهُ قد تَزَوَّجَتْ فَأَجَازَ ذلك ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كُلُّ نِكَاحٍ بِغَيْرِ وَلِيٍّ فَهُوَ بَاطِلٌ لِقَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَيُّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ثَلَاثًا وإذا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَأَعْلَنَ الْمَهْرَ وقد كان أَسَرَّ قبل ذلك مَهْرًا وَأَشْهَدَ شُهُودًا عليه وَأَعْلَمَ الشُّهُودَ أَنَّ الْمَهْرَ الذي يُظْهِرُهُ فَهُوَ كَذَا وَكَذَا سُمْعَةً يُسْمِعُ بها القوم ( ( ( لقوم ) ) ) وَأَنَّ أَصْلَ الْمَهْرِ هو كَذَا وَكَذَا الذي في السِّرِّ ثُمَّ تَزَوَّجَ فَأَعْلَنَ الذي قال فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول الْمَهْرُ هو الْأَوَّلُ وهو الْمَهْرُ الذي في السِّرِّ وَالسُّمْعَةُ بَاطِلٌ الذي أَظْهَرَ لِلْقَوْمِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول السُّمْعَةُ هِيَ الْمَهْرُ وَاَلَّذِي أَسَرَّ بَاطِلٌ أبو يُوسُفَ عن مُطَرِّفٍ عن عَامِرٍ قال إذَا أَسَرَّ الرَّجُلُ مَهْرًا وَأَعْلَنَ أَكْثَرَ من ذلك أُخِذَ بِالْعَلَانِيَةِ أبو يُوسُفَ عن الْحَسَنِ بن عُمَارَةَ عن الْحَكَمِ عن شُرَيْحٍ وَإِبْرَاهِيمَ مِثْلُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ امْرَأَةً بِمَهْرٍ عَلَانِيَةً وَأَسَرَّ قبل ذلك مَهْرًا أَقَلَّ منه فَالْمَهْرُ مَهْرُ الْعَلَانِيَةِ الذي وَقَعَتْ عليه عُقْدَةُ النِّكَاحِ إلَّا أَنْ يَكُونَ شُهُودُ الْمَهْرَيْنِ وَاحِدًا فَيُثْبِتُونَ على أَنَّ الْمَهْرَ مَهْرُ السِّرِّ وَأَنَّ الْمَرْأَةَ وَالزَّوْجَ عَقَدَا النِّكَاحَ عليه وَأَعْلَنَا الْخِطْبَةَ بِمَهْرٍ غَيْرَهُ أو يَشْهَدُونَ أَنَّ الْمَرْأَةَ بَعْدَ الْعَقْدِ أَقَرَّتْ بِأَنَّ ما شَهِدَ لها بِهِ منه سُمْعَةٌ لَا مَهْرٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَجُوزُ النِّكَاحُ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ وَرِضَا الْمَنْكُوحَةِ وَالنَّاكِحِ إلَّا في الْأَمَةِ فإن سَيِّدَهَا يُزَوِّجُهَا وَالْبِكْرِ فإن أَبَاهَا يُزَوِّجُهَا وَمَنْ لم يَبْلُغْ فإن الْآبَاءَ يُزَوِّجُونَهُمْ وَهَذَا مَكْتُوبٌ في كِتَابِ النِّكَاحِ ( قال ) وإذا زَوَّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ وقد أَدْرَكَتْ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي كان يقول إذَا كَرِهَتْ ذلك لم يَجُزْ النِّكَاحُ عليها لِأَنَّهَا قد أَدْرَكَتْ وَمَلَكَتْ أَمْرَهَا فَلَا تُكْرَهُ على ذلك بَلَغَنَا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال الْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ في نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صِمَاتُهَا فَلَوْ كانت إذَا كَرِهَتْ أُجْبِرَتْ على ذلك لم تُسْتَأْمَرْ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول النِّكَاحُ جَائِزٌ عليها وَإِنْ كَرِهَتْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْكَاحُ الْأَبِ خَاصَّةً جَائِزٌ على الْبِكْرِ بَالِغَةً وَغَيْرَ بَالِغَةٍ وَالدَّلَالَةُ على ذلك قَوْلُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا من وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ في نَفْسِهَا فَفَرَّقَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَيْنَهُمَا فَجَعَلَ الْأَيِّمَ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا وَأَمَرَ في هذه بِالْمُؤَامَرَةِ وَالْمُؤَامَرَةُ قد تَكُونُ على اسْتِطَابَةِ النَّفْسِ لِأَنَّهُ روى أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال وَآمِرُوا النِّسَاءَ في بَنَاتِهِنَّ وَلِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَشَاوِرْهُمْ في الْأَمْرِ } وَلَوْ كان الْأَمْرُ فِيهِنَّ وَاحِدًا لَقَالَ الْأَيِّمُ وَالْبِكْرُ أَحَقُّ بِنَفْسَيْهِمَا وَهَذَا كُلُّهُ مُسْتَقْصًى بِحُجَجِهِ في كِتَابِ النِّكَاحِ وإذا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ ثُمَّ اخْتَلَفَا في الْمَهْرِ فَدَخَلَ بها وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول في ذلك لها مَهْرُ مِثْلِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ ما ادَّعَتْ أَقَلَّ من ذلك فَيَكُونُ لها ما ادَّعَتْ وكان بن أبي لَيْلَى يقول إنَّمَا لها ما سَمَّى لها الزَّوْجُ وَلَيْسَ لها شَيْءٌ غَيْرُ ذلك وَبِهِ يَأْخُذُ ثُمَّ قال أبو يُوسُفَ بَعْدَ أَنْ أَقَرَّ الزَّوْجُ بِمَا يَكُونُ مَهْرَ مِثْلِهَا أو قَرِيبًا منه قُبِلَ منه وَإِلَّا لم يُقْبَلْ منه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ دخل بها أو لم يَدْخُلْ بها فَاخْتُلِفَا في الْمَهْرِ تَحَالَفَا وكان لها مَهْرُ مِثْلِهَا كان أَقَلَّ مِمَّا ادَّعَتْ أو أَقَلَّ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ الزَّوْجُ أو أَكْثَرَ كَالْقَوْلِ في الْبُيُوعِ الْفَائِتَةِ إلَّا أَنَّا لَا نَرُدُّ الْعَقْدَ في النِّكَاحِ بِمَا يُرَدُّ بِهِ الْعَقْدُ في الْبُيُوعِ وَنَحْكُمُ له حُكْمُ الْبُيُوعِ الْفَائِتَةِ لِأَنَّ
____________________

(7/156)


الْبُيُوعَ الْفَائِتَةَ يُحْكَمُ فيها بِالْقِيمَةِ وَهَذَا يُحْكَمُ فيه بِالْقِيمَةِ وَالْقِيمَةُ فيه مَهْرُ مِثْلِهَا كما هِيَ في الْبُيُوعِ قِيمَةً مِثْلُ السِّلْعَةِ وإذا أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ وَزَوْجُهَا حُرٌّ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يَجْعَلُ لها الْخِيَارَ إنْ شَاءَتْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا وَإِنْ شَاءَتْ أَقَامَتْ مع زَوْجِهَا وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا خِيَارَ لها وَمِنْ حُجَّةِ بن أبي لَيْلَى في بَرِيرَةَ أَنَّهُ يقول كان زَوْجُهَا عَبْدًا وَمِنْ حُجَّةِ أبي حَنِيفَةَ في ذلك أَنَّهُ يقول إنَّ الْأَمَةَ لَا تَمْلِكُ نَفْسَهَا وَلَا نِكَاحَهَا وقد بَلَغَنَا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ خَيَّرَ بَرِيرَةَ حين عَتَقَتْ وقد بَلَغَنَا عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كان حُرًّا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ فَإِنْ كانت تَحْتَ عَبْدٍ فَلَهَا الْخِيَارُ وَإِنْ كانت تَحْتَ حُرٍّ فَلَا خِيَارَ لها وَذَلِكَ أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كان عَبْدًا وَهَذَا مَكْتُوبٌ في كِتَابِ النِّكَاحِ وإذا تَزَوَّجَتْ وَزَوْجُهَا غَائِبٌ كان قد نعى إلَيْهَا فَوَلَدَتْ من زَوْجِهَا الْآخَرِ ثُمَّ جاء زَوْجُهَا الْأَوَّلُ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول الْوَلَدُ لِلْأَوَّلِ وهو صَاحِبُ الْفِرَاشِ وقد بَلَغَنَا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول الْوَلَدُ للاخر لِأَنَّهُ ليس بِعَاهِرٍ وَالْعَاهِرُ الزَّانِي لِأَنَّهُ مُتَزَوِّجٌ وَكَذَلِكَ بَلَغَنَا عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه وَبِهِ يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا بَلَغَ الْمَرْأَةُ وَفَاةَ زَوْجِهَا فَاعْتَدَّتْ ثُمَّ نُكِحَتْ فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا ثُمَّ جاء زَوْجُهَا المنعي حَيًّا فُسِخَ النِّكَاحُ الْآخَرُ وَاعْتَدَّتْ منه وَكَانَتْ زَوْجَةَ الْأَوَّلِ كما هِيَ وكان الْوَلَدُ للاخر لِأَنَّهُ نَكَحَهَا نِكَاحًا حَلَالًا في الظَّاهِرِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْفِرَاشِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا لَمَسَ الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ حَرُمَتْ على أبيه وَابْنِهِ وَلَا تَحْرُمُ على أبيه وَابْنِهِ بِالنَّظَرِ دُونَ اللَّمْسِ - * بَابُ الطَّلَاقِ - * قال أبو يُوسُفَ عن الْأَشْعَثِ بن سَوَّارٍ عن الْحَكَمِ عن إبْرَاهِيمَ عن بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ كان يقول في الْحَرَامِ إنْ نَوَى يَمِينًا فَيَمِينٌ وَإِنْ نَوَى طَلَاقًا فَطَلَاقٌ وهو ما نَوَى من ذلك وإذا قال الرَّجُلُ كُلُّ حِلٍّ على حَرَامٌ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فَإِنْ لم يَعْنِ طَلَاقًا فَلَيْسَ بِطَلَاقٍ وَإِنَّمَا هِيَ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا وَإِنْ عَنَى الطَّلَاقَ وَنَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَإِنْ نَوَى طَلَاقًا ولم يَنْوِ عَدَدًا فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَكَذَلِكَ إذَا قال لِامْرَأَتِهِ هِيَ على حَرَامٌ وَكَذَلِكَ إذَا قال لِامْرَأَتِهِ خَلِيَّةٌ أو بَرِّيَّةٌ أو بَائِنٌ أو بَتَّةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ وهو ما نَوَى إنْ نَوَى وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ بَلَغَنَا ذلك عن شُرَيْحٍ وَإِنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَإِنْ لم يَنْوِ طَلَاقًا فَلَيْسَ بِطَلَاقٍ غير أَنَّ عليه الْيَمِينَ ما نَوَى طَلَاقًا وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول في جَمِيعِ ما ذَكَرْت هِيَ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ لَا نَدِينُهُ في شَيْءٍ منها وَلَا نَجْعَلُ الْقَوْلَ قَوْلَهُ في شَيْءٍ من ذلك ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ على حَرَامٌ فَإِنْ نَوَى طَلَاقًا فَهُوَ طَلَاقٌ وهو ما أَرَادَ من عَدَدِ الطَّلَاقِ وَالْقَوْلُ في ذلك قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ وَإِنْ لم يُرِدْ طَلَاقًا فَلَيْسَ بِطَلَاقٍ وَيُكَفِّرُ كَفَّارَةَ يَمِينٍ قِيَاسًا على الذي يُحَرِّمُ أَمَتَهُ فَيَكُونُ عليه فيها الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حَرَّمَ أَمَتَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل { لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لك تَبْتَغِي مرضات ( ( ( مرضاة ) ) ) أَزْوَاجِكَ } وَجَعَلَهَا اللَّهُ يَمِينًا فقال { قد فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ } وإذا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَمْرُك في يَدِك فقالت قد طَلَّقْت نَفْسِي ثَلَاثًا فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول إذَا كان الزَّوْجُ نَوَى ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ وَإِنْ كان نَوَى وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول هِيَ ثَلَاثٌ وَلَا يُسْأَلُ الزَّوْجُ عن شَيْءٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا خَيَّرَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أو مَلَّكَهَا أَمْرَهَا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا تَطْلِيقَةً فَهُوَ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فيها كما يَمْلِكُهَا لو ابْتَدَأَ طَلَاقُهَا وكان أبو حَنِيفَةَ يقول
____________________

(7/157)


في الْخِيَارِ إنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَإِنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَلَا شَيْءَ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول إنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَوَاحِدَةٌ يَمْلِكُ بها الرَّجْعَةَ وَإِنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَلَا شَيْءَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ ولم يَدْخُلْ بها أنت طالق أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ بَانَتْ بِالْأُولَى ولم يَكُنْ عليها عِدَّةٌ فَتَلْزَمُهَا الثِّنْتَانِ وَإِنَّمَا أَحْدَثَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لها وَهِيَ بَائِنٌ منه حَلَالٌ لِغَيْرِهِ وَهَكَذَا قال أبو بَكْرِ بن عبد الرحمن بن الحرث بن هِشَامٍ وإذا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ ولم يَدْخُلْ بها أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ بِالتَّطْلِيقَةِ الْأُولَى ولم يَقَعْ عليها التَّطْلِيقَتَانِ الْبَاقِيَتَانِ وَهَذَا قَوْلُ أبي حَنِيفَةَ بَلَغَنَا عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ وَعَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بن ثَابِتٍ وَإِبْرَاهِيمَ بِذَلِكَ لِأَنَّ امْرَأَتَهُ لَيْسَتْ عليها عِدَّةٌ فَقَدْ بَانَتْ منه بِالتَّطْلِيقَةِ الْأُولَى وَحَلَّتْ لِلرِّجَالِ أَلَا تَرَى أنها لو تَزَوَّجَتْ بَعْدَ التَّطْلِيقَةِ الْأُولَى قبل أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالثَّانِيَةِ زَوْجًا كان نِكَاحُهَا جَائِزًا فَكَيْفَ يَقَعُ عليها الطَّلَاقُ وَهِيَ لَيْسَتْ بإمرأته وَهِيَ امْرَأَةُ غَيْرِهِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول عليها الثَّلَاثُ التَّطْلِيقَاتُ إذَا كانت من الرَّجُلِ في مَجْلِسٍ وَاحِدٍ على ما وَصَفْت لَك وإذا شَهِدَ شَاهِدٌ على رَجُلٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَاحِدَةً وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول شَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُمَا قد اخْتَلَفَا وكان بن أبي لَيْلَى يقول يَقَعُ عليها من ذلك تَطْلِيقَةٌ لِأَنَّهُمَا قد اجْتَمَعَا عليها وَبِهَذَا يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا شَهِدَ الرَّجُلُ أَنَّهُ سمع رَجُلًا يقول لإمرأته أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ سَمِعَهُ يقول لها أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَهَذِهِ شَهَادَةٌ مُخْتَلِفَةٌ فَلَا تَجُوزُ وَلَوْ شَهِدَا فَقَالَا نَشْهَدُ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وقال أَحَدُهُمَا قد أَثْبَتُّ الطَّلَاقَ ولم أُثْبِتْ عَدَدَهُ وقال الْآخَرُ قد أَثْبَتُّ الطَّلَاقَ وهو اثنتان ( ( ( ثنتان ) ) ) لَزِمَتْهُ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ عليها وإذا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا وقد دخل بها فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول في ذلك لها السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ حتى تَنْقَضِي عِدَّتُهَا وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لها السكني وَلَيْسَ لها النَّفَقَةُ وقال أبو حَنِيفَةَ لِمَ وقد قال اللَّهُ عز وجل في كِتَابِهِ { فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حتى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } وَبَلَغَنَا عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّهُ جَعَلَ لِلْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا وَلَا حَبْلَ بها فَلَهَا السُّكْنَى وَلَيْسَ لها نَفَقَةٌ وَهَذَا مَكْتُوبٌ في كِتَابِ الطَّلَاقِ وإذا آلَى الرَّجُلُ من امْرَأَتِهِ فَحَلَفَ لَا يَقْرَبُهَا شَهْرًا أو شَهْرَيْنِ أو ثَلَاثًا لم يَقَعْ عليه بِذَلِكَ إيلَاءٌ وَلَا طَلَاقٌ لِأَنَّ يَمِينَهُ كانت على أَقَلَّ من أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ حدثنا سَعِيدُ بن أبي عَرُوبَةَ عن عَامِرٍ الْأَحْوَلِ عن عَطَاءِ بن أبي رَبَاحٍ عن بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما وهو قَوْلُ أبي حَنِيفَةَ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول هو مُوَلٍّ منها إنْ تَرَكَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ بَانَتْ بِالْإِيلَاءِ وَالْإِيلَاءُ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ لَا يَطَأُ امْرَأَتَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أو أَقَلَّ لم يَقُمْ عليه حُكْمُ الْإِيلَاءِ لِأَنَّ حُكْمَ الْإِيلَاءِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ فَيَوْمَ يَكُونُ حُكْمُ الْإِيلَاءِ يَكُونُ الزَّوْجُ لَا يَمِينَ عليه وإذا لم يَكُنْ عليه يَمِينٌ فَلَيْسَ عليه حُكْمُ الْإِيلَاءِ وَهَكَذَا مَكْتُوبٌ في كِتَابِ الْإِيلَاءِ وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ لَا يَقْرَبُ امْرَأَتَهُ في هذا الْبَيْتِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَتَرَكَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فلم يَقْرَبْهَا فيه وَلَا في غَيْرِهِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كان يقول ليس عليه في هذا إيلَاءٌ أَلَا تَرَى أَنَّ له أَنْ يَقْرَبَهَا في غَيْرِ ذلك الْبَيْتِ وَلَا تَجِبُ عليه الْكَفَّارَةُ وَإِنَّمَا الْإِيلَاءُ كُلُّ يَمِينٍ تَمْنَعُ الْجِمَاعَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقْرَبَهَا إلَّا أَنْ يُكَفِّرَ يَمِينَهُ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول في هذا هو مُوَلٍّ إنْ تَرَكَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ بَانَتْ بِالْإِيلَاءِ وَالْإِيلَاءُ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا حَلَفَ الرَّجُلُ لَا يَقْرَبُ امْرَأَتَهُ في هذا الْبَيْتِ أو في هذه الْغُرْفَةِ أو في مَوْضِعٍ يُسَمِّيهِ فَلَيْسَ على هذا حُكْمُ الْإِيلَاءِ إنَّمَا حُكْمُ الْإِيلَاءِ على من كان لَا يَصِلُ إلَى أَنْ يُصِيبَ امْرَأَتَهُ بِحَالٍ إلَّا لَزِمَهُ الْحِنْثُ فَأَمَّا من يَقْدِرُ على إصَابَةِ امْرَأَتِهِ بِلَا حِنْثٍ فَلَا حُكْمَ للايلاء عليه وإذا ظَاهَرَ الرَّجُلُ من امْرَأَتِهِ فقال
____________________

(7/158)


أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي يَوْمًا أو وَقَّتَ وَقْتًا أَكْثَرَ من ذلك فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول هو مُظَاهِرٌ منها لَا يَقْرَبُهَا في ذلك الْوَقْتِ حتى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ فإذا مَضَى ذلك الْوَقْتُ سَقَطَتْ عنه الْكَفَّارَةُ وكان له أَنْ يَقْرَبَهَا بِغَيْرِ كَفَّارَةٍ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول هو مُظَاهِرٌ منها أَبَدًا وَإِنْ مَضَى ذلك الْوَقْتُ فَهُوَ مُظَاهِرٌ لَا يَقْرَبُهَا حتى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى وإذا ظَاهَرَ الرَّجُلُ من امْرَأَتِهِ يَوْمًا فَأَرَادَ أَنْ يَقْرَبَهَا في ذلك الْيَوْمِ كَفَّرَ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ وَإِنْ مَضَى ذلك الْيَوْمُ ولم يَقْرَبْهَا فيه فَلَا كَفَّارَةَ لِلظِّهَارِ عليه كما قُلْنَا في الْمَسْأَلَةِ في الْإِيلَاءِ إذَا سَقَطَتْ الْيَمِينُ سَقَطَ حُكْمُ الْيَمِينِ وَالظِّهَارُ يَمِينٌ لَا طَلَاقٌ وإذا ارْتَدَّ الزَّوْجُ عن الْإِسْلَامِ وَكَفَرَ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كان يقول بَانَتْ منه امْرَأَتُهُ إذَا ارْتَدَّ لَا تَكُونُ مُسْلِمَةٌ تَحْتَ كَافِرٍ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول هِيَ امْرَأَتُهُ على حَالِهَا حتى يُسْتَتَابَ فَإِنْ تَابَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ وأن أبي قُتِلَ وكان لها مِيرَاثُهَا منه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى وإذا ارْتَدَّ الرَّجُلُ عن الْإِسْلَامِ فَنِكَاحُ امْرَأَتِهِ مَوْقُوفٌ فَإِنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ قبل أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا فَهُمَا على النِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا قبل رُجُوعِهِ إلَى الْإِسْلَامِ فَقَدْ بَانَتْ منه وَالْبَيْنُونَةُ فَسْخٌ بِلَا طَلَاقٍ وَإِنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ فَخَطَبَهَا لم يَكُنْ هذا طَلَاقًا وَهَذَا مَكْتُوبٌ في كِتَابِ الْمُرْتَدِّ ( قال ) وإذا رَجَعَتْ الْمَرْأَةُ من أَهْلِ الْإِسْلَامِ إلَى الشِّرْكِ كان هذا وَالْبَابُ الْأَوَّلُ سَوَاءً في قَوْلِهِمَا جميعا غير أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كان يقول يُعْرَضُ على الْمَرْأَةِ الْإِسْلَامُ فَإِنْ أَسْلَمَتْ خلى سَبِيلُهَا وَإِنْ أَبَتْ حُبِسَتْ في السِّجْنِ حتى تَتُوبَ وَلَا تُقْتَلُ بَلَغَنَا ذلك عن بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما وكان بن أبي لَيْلَى يقول إنْ لم تَتُبْ قُتِلَتْ وَبِهِ يَأْخُذُ ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَكَيْفَ تُقْتَلُ وقد نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن قَتْلِ النِّسَاءِ في الْحُرُوبِ من أَهْلِ الشِّرْكِ فَهَذِهِ مِثْلُهُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ارْتَدَّتْ الْمَرْأَةُ عن الْإِسْلَامِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرَّجُلِ تُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَتْ وَإِلَّا قُتِلَتْ كما يُصْنَعُ بِالرَّجُلِ فَخَالَفَنَا في هذا بَعْضُ الناس فقال يُقْتَلُ الرَّجُلُ إذَا ارْتَدَّ وَلَا تُقْتَلُ الْمَرْأَةُ وَاحْتَجَّ بِشَيْءٍ رَوَاهُ عن بن عَبَّاسٍ لَا يُثْبِتُ أَهْلُ الحديث مثله وقد روى شَبِيهٌ بِذَلِكَ الْإِسْنَادِ عن أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ قَتَلَ نِسْوَةً ارْتَدَدْنَ عن الْإِسْلَامِ فلم نَرَ أَنْ نَحْتَجَّ بِهِ إذَا كان إسْنَادُهُ مِمَّا لَا يُثْبِتُهُ أَهْلُ الحديث وَاحْتَجَّ من خَالَفَنَا بِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن قَتْلِ النِّسَاءِ في دَارِ الْحَرْبِ وقال إذَا نهى عن قَتْلِ الْمُشْرِكَاتِ اللَّاتِي لم يُؤْمِنَّ فَالْمُؤْمِنَةُ التي ارْتَدَّتْ عن الْإِسْلَامِ أَوْلَى أَنْ لَا تُقْتَلَ قِيلَ لِبَعْضِ من يقول هذا الْقَوْلَ قد رَوَيْت أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن قَتْلِ الْكَبِيرِ الْفَانِي وَعَنْ قَتْلِ الْأَجِيرِ وَرَوَيْت أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ نهى عن قَتْلِ الرُّهْبَانِ أَفَرَأَيْت إنْ ارْتَدَّ شَيْخٌ فَانٍ أو أَجِيرٌ أَتَدَعُ قَتْلَهُمَا أو ارْتَدَّ رَجُلٌ رَاهِبٌ أَتَدَعُ قَتْلَهُ قال لَا قِيلَ وَلِمَ أَلِأَنَّ حُكْمَ الْقَتْلِ على الرِّدَّةِ حُكْمُ قَتْلٍ حَدٍّ لَا يَسَعُ الْوَالِي تَعْطِيلَهُ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ قَتْلِ الْمُشْرِكِينَ في دَارِ الْحَرْبِ قال نعم قُلْت فَكَيْفَ احْتَجَجْت بِحُكْمِ دَارِ الْحَرْبِ في قَتْلِ الْمَرْأَةِ ولم تَرَهُ حُجَّةً في قَتْلِ الْكَبِيرِ الْفَانِي وَالْأَجِيرِ وَالرَّاهِبِ ثُمَّ قُلْت لنا أَنْ نَدَعَ أَهْلَ الْحَرْبِ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عليهم وَلَا نَقْتُلَهُمْ وَلَيْسَ لنا أَنْ نَدَعَ مُرْتَدًّا فَكَيْفَ ذَهَبَ عَلَيْك افْتِرَاقُهُمَا في الْمَرْأَةِ فإن الْمَرْأَةَ تُقْتَلُ حَيْثُ يُقْتَلُ الرَّجُلُ في الزنى وَالْقَتْلِ وإذا قال الرَّجُلُ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجَهَا فَهِيَ طَالِقٌ فإن أَبَا حَنِيفَةَ كان يقول هو كما قال وَأَيُّ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا فَهِيَ طَالِقٌ وَاحِدَةٌ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا يَقَعُ عليه الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ عَمَّمَ فقال كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجَهَا فإذا سَمَّى امْرَأَةً مُسَمَّاةً أو مِصْرًا بِعَيْنِهِ أو جَعَلَ ذلك إلَى أَجَلٍ فَقَوْلُهُمَا فيه سَوَاءٌ وَيَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ ( قال الرَّبِيعُ ) لِلشَّافِعِيِّ فيه جَوَابٌ ( قال ) وإذا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَةٍ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ أو قال إذَا تَزَوَّجْت إلَى كَذَا وَكَذَا من الْأَجَلِ امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ أو قال كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجَهَا من قَرْيَةِ كَذَا وَكَذَا فَهِيَ طَالِقٌ أو من بَنِي فُلَانٍ فَهِيَ طَالِقٌ فَهُمَا جميعا كَانَا يَقُولَانِ إذَا تَزَوَّجَ تِلْكَ فَهِيَ طَالِقٌ وَإِنْ
____________________

(7/159)


دخل بها فإن أَبَا حَنِيفَةَ كان يقول لها مَهْرٌ وَنِصْفُ مَهْرِ مَهْرٍ بِالدُّخُولِ وَنِصْفُ مَهْرٍ بِالطَّلَاقِ الذي وَقَعَ عليها قبل الدُّخُولِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لها نِصْفُ مَهْرٍ وَيُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا في قَوْلِهِمَا جميعا ( قال ) وإذا قَذَفَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وقد وُطِئَتْ وَطْئًا حَرَامًا قبل ذلك فإن أَبَا حَنِيفَةَ كان يقول لَا حَدَّ عليه وَلَا لِعَانَ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول عليه الْحَدُّ وَلَوْ قَذَفَهَا غَيْرُ زَوْجِهَا لم يَكُنْ عليه حَدٌّ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وكان بن أبي لَيْلَى يقول عليه الْحَدُّ يَنْبَغِي في قَوْلِ بن أبي لَيْلَى أَنْ يَكُونَ مَكَانَ الْحَدِّ اللِّعَانُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا وُطِئَتْ الْمَرْأَةُ وَطْئًا حَرَامًا مِمَّا يُدْرَأُ عنها الْحَدُّ فيه ثُمَّ قَذْفهَا زَوْجُهَا سُئِلَ فَإِنْ قَذَفَهَا حَامِلًا وَانْتَفَى من وَلَدِهَا لُوعِنَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا ينفي إلَّا بِلِعَانٍ وَإِنْ قَذَفَهَا غير حَامِلٍ بِالْوَطْءِ الْأَوَّلِ أو بِزِنَا غَيْرِهِ فَلَا حَدَّ عليه وَعَلَيْهِ التَّعْزِيرُ وَكَذَلِكَ إنْ قَذَفَهَا بِأَجْنَبِيٍّ فقال عَنَيْت ذلك الْوَطْءَ الذي هو مَحْرَمٌ فَلَا حَدَّ عليه وَعَلَيْهِ التَّعْزِيرُ وإذا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ لَا حَاجَةَ لي فِيك فإن أَبَا حَنِيفَةَ كان يقول ليس هذا بِطَلَاقٍ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الطَّلَاقَ وَبِهِ يَأْخُذُ وقال أبو حَنِيفَةَ وَكَيْفَ يَكُونُ هذا طَلَاقًا وهو بِمَنْزِلَةِ لَا أَشْتَهِيك وَلَا أُرِيدُك وَلَا أَهْوَاك وَلَا أُحِبُّك فَلَيْسَ في شَيْءٍ من هذا طَلَاقٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ لَا حَاجَةَ لي فِيك فَإِنْ قال لم أُرِدْ طَلَاقًا فَلَيْسَ بِطَلَاقٍ وَإِنْ قال أَرَدْت طَلَاقًا فَهُوَ طَلَاقٌ وَهِيَ وَاحِدَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَكْثَرَ منها وَلَا يَكُونُ طَلَاقًا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ إيقَاعَ طَلَاقٍ فَإِنْ كان إنَّمَا قال لَا حَاجَةَ لي فِيك سَأُوقِعُ عَلَيْك الطَّلَاقَ فَلَا طَلَاقَ حتى يُوقِعَهُ بِطَلَاقٍ غَيْرِ هذا وإذا قَذَفَ الرَّجُلُ وهو عَبْدٌ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حُرَّةٌ وقد أَعْتَقَ نِصْفَ الْعَبْدِ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وهو يَسْعَى للاخر في نِصْفِ قِيمَتِهِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول هو عَبْدٌ ما بقى عليه شَيْءٌ من السِّعَايَةِ وَعَلَيْهِ حَدُّ الْعَبْدِ وكان بن أبي لَيْلَى يقول هو حُرٌّ وَعَلَيْهِ اللِّعَانُ وَبِهِ يَأْخُذُ وَكَذَلِكَ لو شَهِدَ شَهَادَةً أَبْطَلَهَا أبو حَنِيفَةَ وَأَجَازَهَا بن أبي لَيْلَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيُحَدُّ الْعَبْدُ وَالْأَمَةُ في كل شَيْءٍ حَدَّ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ حتى تَكْمُلَ فِيهِمَا جميعا الْحُرِّيَّةُ وَلَوْ بقى سَهْمٌ من أَلْفِ سَهْمٍ فَهُوَ رَقِيقٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَذَلِكَ لَا يُحَدُّ له حتى تَكْمُلَ فيه الْحُرِّيَّةُ وَلَا يُقَصُّ له من جُرْحٍ حتى يَسْتَكْمِلَ الْعَبْدُ الْحُرِّيَّةَ وَلَوْ قَذَفَ رَجُلٌ هذا الْعَبْدَ الذي يَسْعَى في نِصْفِ قِيمَتِهِ لم يَكُنْ عليه حَدٌّ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ وكان على قَاذِفِهِ الْحَدُّ في قَوْلِ بن أبي لَيْلَى وَبِهِ يَأْخُذُ وَلَوْ قَطَعَ هذا الْعَبْدُ يَدَ رَجُلٍ مُتَعَمِّدًا لم يَكُنْ عليه الْقِصَاصُ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَبِهِ يَأْخُذُ وهو بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ وكان عليه الْقِصَاصُ في قَوْلِ بن أبي لَيْلَى وهو بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ في كل قَلِيلٍ أو كَثِيرٍ أو حَدٍّ أو شَهَادَةٍ أو غَيْرِ ذلك وهو في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ ما دَامَ عليه دِرْهَمٌ من قِيمَتِهِ وَكَذَلِكَ هو في قَوْلِهِمَا جميعا لو أُعْتِقَ جُزْءًا من مِائَةِ جُزْءٍ أو بقى عليه جُزْءٌ من مِائَةِ جُزْءٍ من كِتَابَتِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت أَمَةٌ بين اثْنَيْنِ وَلَهَا زَوْجٌ عَبْدٌ أَعْتَقَهَا أَحَدُ مولييها ( ( ( موليها ) ) ) وقضي عليها بِالسِّعَايَةِ للاخر لم يَكُنْ لها خِيَارٌ في النِّكَاحِ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ حتى تَفْرُغَ من السِّعَايَةِ وَتُعْتَقَ وكان لها الْخِيَارُ في قَوْلِ بن أبي لَيْلَى يوم يَقَعُ الْعِتْقِ عليها وَبِهِ يَأْخُذُ وَلَوْ طَلُقَتْ يَوْمئِذٍ كانت عِدَّتُهَا وَطَلَاقُهَا في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ عِدَّةَ أَمَةٍ وَطَلَاقَ أَمَةٍ وَكَانَتْ عِدَّتُهَا وَطَلَاقُهَا في بن أبي لَيْلَى عِدَّةَ حُرَّةٍ وَطَلَاقَ حُرَّةٍ وَلَوْ لم يَكُنْ لها زَوْجٌ وَأَرَادَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَ لم يَكُنْ لها ذلك حتى يَأْذَنَ الذي له عليها السِّعَايَةُ فَهِيَ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ بِمَنْزِلَةِ الْأَمَةِ وفي قَوْلِ بن أبي لَيْلَى بِمَنْزِلَةِ الْحُرَّةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت أَمَةٌ تَحْتَ عَبْدٍ لم يَكُنْ لها الْخِيَارُ حتى تَكْمُلَ فيها الْحُرِّيَّةُ فَيَوْمَ تَكْمُلُ فيها الْحُرِّيَّةُ فَلَهَا الْخِيَارُ فَإِنْ طَلُقَتْ وَهِيَ لم تَكْمُلْ فيها الْحُرِّيَّةُ كانت عِدَّتُهَا عِدَّةَ أَمَةٍ وَحُكْمُهَا في كل شَيْءٍ حُكْمَ أَمَةٍ وإذا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ غَائِبٌ لَا يدري أَحَيٌّ هو أو مَيِّتٌ أو فُلَانٌ مَيِّتٌ قد عَلِمَ بِذَلِكَ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول لَا يَقَعُ عليها الطَّلَاقُ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول
____________________

(7/160)


يَقَعُ عليها الطَّلَاقُ قال أبو حَنِيفَةَ وَكَيْفَ يَقَعُ عليها الطَّلَاقُ ولم يَشَأْ فُلَانٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ مَيِّتٌ قبل ذلك أو مَاتَ فُلَانٌ بعد ما قال ذلك وَقَبْلَ أَنْ يَشَاءَ فَلَا تَكُونُ طَالِقًا أَبَدًا بهذا الطَّلَاقِ إذْ لو كان فُلَانٌ حَاضِرًا حَيًّا ولم يَشَأْ لم تَطْلُقْ وَإِنَّمَا يَتِمُّ الطَّلَاقُ بِمَشِيئَتِهِ فإذا مَاتَ قبل أَنْ يَشَاءَ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَا يَشَاءُ أَبَدًا ولم يَشَأْ قَبْلُ فَتَطْلُقُ بِمَشِيئَتِهِ وإذا قَذَفَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَقَامَتْ لها الْبَيِّنَةُ وهو يَجْحَدُ فإن أَبَا حَنِيفَةَ كان يقول يُلَاعِنُ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لَا يُلَاعِنُ وَيُضْرَبُ الْحَدَّ وإذا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فقال له مَوْلَاهُ طَلِّقْهَا فإن أَبَا حَنِيفَةَ كان يقول ليس هذا بِإِقْرَارٍ بِالنِّكَاحِ إنَّمَا أَمْرُهُ بِأَنْ يُفَارِقَهَا فَكَيْفَ يَكُونُ هذا إقْرَارًا بِالنِّكَاحِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول هذا إقْرَارٌ بِالنِّكَاحِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فقال له مَوْلَاهُ طَلِّقْهَا فَلَيْسَ هذا بِإِقْرَارٍ بِالنِّكَاحِ من مَوْلَاهُ في قَوْلِ من يقول إنْ أَجَازَهُ مَوْلَاهُ فَالنِّكَاحُ يَجُوزُ وَأَمَّا في قَوْلِنَا فَلَوْ أَجَازَهُ له الْمَوْلَى لم يَجُزْ لِأَنَّ أَصْلَ ما نَذْهَبُ إلَيْهِ أَنَّ كُلَّ عُقْدَةِ نِكَاحٍ وَقَعَتْ وَالْجِمَاعُ لَا يَحِلُّ أَنْ يَكُونَ فيها أو لِأَحَدٍ فَسْخُهَا فَهِيَ فَاسِدَةٌ لَا نُجِيزُهَا إلَّا أَنْ تُجَدَّدَ وَمَنْ أَجَازَهَا بِإِجَازَةِ أَحَدٍ بَعْدَهَا فَإِنْ لم يُجِزْهَا كانت مَفْسُوخَةً دخل عليه أَنْ يُجِيزَ أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ على أَنَّهُ بِالْخِيَارِ وَعَلَى أنها بِالْخِيَارِ وَالْخِيَارُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ في النِّكَاحِ كما يَجُوزُ في الْبُيُوعِ وإذا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ تطليقة بَائِنَةً فَأَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ في عِدَّتِهَا خَامِسَةً فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول لَا أُجِيزُ ذلك وَأَكْرَهُهُ له وكان بن أبي لَيْلَى يقول هو جَائِزٌ وَبِهِ يَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا فَارَقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بِخُلْعٍ أو فَسْخِ نِكَاحٍ كان له أَنْ يَنْكِحَ أَرْبَعًا وَهِيَ في الْعِدَّةِ وكان له إنْ كان لَا يَجِدُ طُولًا لِحُرَّةٍ وَخَافَ الْعَنَتَ على نَفْسِهِ أَنْ يَنْكِحَ أَمَةً مُسْلِمَةً لِأَنَّ الْمُفَارِقَةَ التي لَا رَجْعَةَ له عليها غَيْرُ زَوْجَةٍ وإذا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَةً ثَلَاثًا وهو مَرِيضٌ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تعالي عنه كان يقول إنْ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَلَا مِيرَاثَ لها منه وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لها الْمِيرَاثُ ما لم تَتَزَوَّجْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا أو تَطْلِيقَةً لم يَكُنْ بقى له عليها غَيْرُهَا وهو مَرِيضٌ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فإن عَامَّةَ أَصْحَابِنَا يَذْهَبُونَ إلَى أَنَّ لها منه الْمِيرَاثَ ما لم تَتَزَوَّجْ وقد خَالَفَنَا في هذا بَعْضُ الناس بِأَقَاوِيلَ فقال أَحَدُهُمْ لَا يَكُونُ لها الْمِيرَاثُ في عِدَّةٍ وَلَا في غَيْرِ عِدَّةٍ وَهَذَا قَوْلُ بن الزُّبَيْرِ وقال غَيْرُهُ هِيَ تَرِثُهُ ما لم تَنْقَضِ الْعِدَّةُ وَرَوَاهُ عن عُمَرَ بِإِسْنَادٍ لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وهو مَكْتُوبٌ في كِتَابِ الطَّلَاقِ وقال غَيْرُهُ تَرِثُهُ وَإِنْ تَزَوَّجَتْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا تَرِثُ مَبْتُوتَةٌ في عِدَّةٍ كانت أو غَيْرِ عِدَّةٍ وهو قَوْلُ بن الزُّبَيْرِ وَعَبْدِ الرحمن طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ على أنها لَا تَرِثُ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ آلَى منها لم يَكُنْ مُوَلِّيًا وَإِنْ تَظَاهَرَ لم يَكُنْ مُتَظَاهِرًا وإذا قَذَفَهَا لم يَكُنْ له أَنْ يُلَاعِنَهَا وَيَبْرَأَ من الْحَدِّ وَإِنْ مَاتَتْ لم يَرِثْهَا فلما أَجْمَعُوا جميعا أنها خَارِجَةٌ من مَعَانِي الْأَزْوَاجِ لم تَرِثْهُ وإذا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ في صِحَّتِهِ ثَلَاثًا فَجَحَدَ ذلك الزَّوْجُ وَادَّعَتْهُ عليه الْمَرْأَةُ ثُمَّ مَاتَ الرَّجُلُ بَعْدَ أَنْ اسْتَحْلَفَهُ الْقَاضِي فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه كان يقول لَا مِيرَاثَ لها وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لها الْمِيرَاثُ إلَّا أَنْ تُقِرَّ بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ كان طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ على زَوْجِهَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَلْبَتَّةَ فَأَحْلَفَهُ الْقَاضِي بَعْدَ إنْكَارِهِ وَرَدَّهَا عليه ثُمَّ مَاتَ لم يَحِلَّ لها أَنْ تَرِثَ منه شيئا إنْ كانت تَعْلَمُ أنها صَادِقَةٌ وَلَا في الْحُكْمِ بِحَالٍ لِأَنَّهَا تُقِرُّ أنها غَيْرُ زَوْجَةٍ فَإِنْ كانت تَعْلَمُ أنها كَاذِبَةٌ حَلَّ لها فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ أَنْ تَرِثَهُ وإذا خَلَا الرَّجُلُ بِامْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ أو وَهِيَ مَرِيضَةٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا قبل أَنْ يَدْخُلَ بها فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول
____________________

(7/161)


لها نِصْفُ الْمَهْرِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لها الْمَهْرُ كَامِلًا وإذا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ إنْ ضَمَمْت إلَيْك امْرَأَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فَطَلَّقَهَا فَبَانَتْ منه وَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ ثُمَّ تَزَوَّجَ امْرَأَةً أُخْرَى ثُمَّ تَزَوَّجَ تِلْكَ الْمَرْأَةَ التي حَلَفَ عليها فإن أَبَا حَنِيفَةَ كان يقول لَا يَقَعُ عليها الطَّلَاقُ من قِبَلِ أَنَّهُ لم يَضُمَّهَا إلَيْهَا وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول يَقَعُ عليها الطَّلَاقُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ إنْ ضَمَمْت إلَيْك امْرَأَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ نَكَحَ غَيْرَهَا ثُمَّ نَكَحَهَا بَعْدُ نِكَاحًا جَدِيدًا فَلَا طَلَاقَ عليها وهو لم يَضُمَّ إلَيْهَا امْرَأَةً إنَّمَا ضَمَّهَا هِيَ إلَى امْرَأَةٍ وإذا قال الرَّجُلُ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا على مَهْرٍ مُسَمًّى وَدَخَلَ بها فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول هِيَ طَالِقٌ وَاحِدَةً بَائِنَةً وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَهَا مَهْرٌ وَنِصْفٌ نِصْفٌ من ذلك بِالطَّلَاقِ وَمَهْرٌ بِالدُّخُولِ وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول لها نِصْفُ مَهْرٍ بِالطَّلَاقِ وَلَيْسَ لها بِالدُّخُولِ شَيْءٌ وَمِنْ حُجَّتِهِ في ذلك أَنَّ رَجُلًا آلَى من امْرَأَتِهِ فَقَدِمَ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَدَخَلَ بِامْرَأَتِهِ ثُمَّ أتى بن مَسْعُودٍ فَأَمَرَهُ أَنْ يَخْطُبَهَا فَخَطَبَهَا وَأَصْدَقَهَا صَدَاقًا مُسْتَقْبَلًا ولم يَبْلُغْنَا أَنَّهُ جَعَلَ في ذلك الْوَطْءِ صَدَاقًا وَمِنْ حُجَّةِ أبي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قال قد وَقَعَ الطَّلَاقُ قبل الْجِمَاعِ فَوَجَبَ لها نِصْفُ الْمَهْرِ وَجَامَعَهَا بِشُبْهَةٍ فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ وَلَوْ لم أَجْعَلْ عليه المهر جعلت عليه الْحَدُّ وقال أبو حَنِيفَةَ كُلُّ جِمَاعٍ يُدْرَأُ فيه الْحَدُّ فَفِيهِ صَدَاقٌ لَا بُدَّ من الصَّدَاقِ إذَا دَرَأْت الْحَدَّ وَجَبَ الصَّدَاقُ وإذا لم أَجْعَلْ الصَّدَاقَ فَلَا بُدَّ من الْحَدِّ قال أبو يُوسُفَ حدثني مُحَدِّثٌ عن حَمَّادٍ عن إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قال فيه لها مَهْرٌ وَنِصْفُ مَهْرٍ مِثْلُ قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وإذا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَدَخَلَتْ الدَّارَ فإن أَبَا حَنِيفَةَ وبن أبي لَيْلَى قَالَا لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَوْ قال أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ ولم يَقُلْ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه قال لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وقال هذا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ وَبِهِ يَأْخُذُ أبو حَنِيفَةَ عن حَمَّادٍ عن إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قال في ذلك لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَا الْعَتَاقُ وَأَخْبَرَنَا عبد الْمَلِكِ بن أبي سُلَيْمَانَ عن عَطَاءِ بن أبي رَبَاحٍ أَنَّهُ قال لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَا طَلَاقَ وَلَا عَتَاقَ وإذا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَاحِدَةً فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَتَزَوَّجَتْ زَوْجًا وَدَخَلَ بها ثُمَّ طَلَّقَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا الْأَوَّلُ فإن أَبَا حَنِيفَةَ قال هِيَ على الطَّلَاقِ كُلِّهِ وَبِهِ يَأْخُذُ وقال بن أبي لَيْلَى هِيَ على ما بقى ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَاحِدَةً أو اثْنَتَيْنِ فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَنَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ ثُمَّ أَصَابَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا أو مَاتَ عنها فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَنَكَحَتْ الزَّوْجَ الْأَوَّلَ فَهِيَ عِنْدَهُ على ما بقى من الطَّلَاقِ يَهْدِمُ الزَّوْجُ الثَّانِي الثَّلَاثَ وَلَا يَهْدِمُ الْوَاحِدَةَ وَلَا الثِّنْتَيْنِ وَقَوْلُنَا هذا قَوْلُ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وَعَدَدٍ من كِبَارِ أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وقد خَالَفَنَا في بَعْضِ هذا بَعْضُ الناس فقال إذَا هَدَمَ الزَّوْجُ ثَلَاثًا هَدَمَ وَاحِدَةً وَاثْنَتَيْنِ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ بن عُمَرَ وبن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ وَسَأَلَنَا فقال من أَيْنَ زَعَمْتُمْ أَنَّ الزَّوْجَ يَهْدِمُ الثَّلَاثَ وَلَا يَهْدِمُ ما هو أَقَلَّ منها قُلْنَا زَعَمْنَاهُ بِالْأَمْرِ الذي لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَدْفَعَهُ قال وما هو قُلْنَا حَرَّمَهَا اللَّهُ بَعْدَ الثَّلَاثِ حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَبَيْنَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن اللَّهِ عز وجل أَنَّ النِّكَاحَ الذي أَحَلَّهَا اللَّهُ بِهِ بَعْدَ الثَّلَاثِ إصَابَةُ الزَّوْجِ وَكَانَتْ مُحَرَّمَةً قبل الزَّوْجِ لَا تَحِلُّ بِحَالٍ إلَّا بِالزَّوْجِ فَكَانَ لِلزَّوْجِ حُكْمُ هَدْمِ الثَّلَاثِ لِهَذَا الْمَعْنَى وَكَانَتْ في الْوَاحِدَةِ وَالثِّنْتَيْنِ حَلَالًا فلم يَكُنْ لِلزَّوْجِ هَا هُنَا حُكْمٌ فَزَعَمْنَا أَنَّهُ يَهْدِمُ حَيْثُ كانت لَا تَحِلُّ له إلَّا بِهِ وكان حُكْمُهُ قَائِمًا وَلَا يَهْدِمُ حَيْثُ لَا حُكْمَ له وَحَيْثُ كانت حَلَالًا بِغَيْرِهِ وكان أَصْلُ الْمَعْقُولِ أَنَّ أَحَدًا لَا يَحِلُّ له بِفِعْلِ غَيْرِهِ شَيْءٌ فلما أَحَلَّ اللَّهُ له بِفِعْلِ غَيْرِهِ أَحْلَلْنَا له حَيْثُ أَحَلَّ اللَّهُ له ولم يَجُزْ أَنْ نَقِيسَ عليه ما خَالَفَهُ لو كان الْأَصْلُ لِلْمَعْقُولِ فيه وقد رَجَعَ إلَى هذا الْقَوْلِ محمد بن الْحَسَنِ بعد ما كان يقول بِقَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
____________________

(7/162)


- * بَابُ الْحُدُودِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أُقِيمَ الْحَدُّ على الْبِكْرِ وَجُلِدَ مِائَةَ جَلْدَةٍ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان يقول لَا أَنْفِيهِ من قِبَلِ أَنَّهُ بَلَغْنَا عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ أَنَّهُ نهى عن ذلك وقال كَفَى بِالنَّفْيِ فِتْنَةً وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول يُنْفَى سَنَةً إلَى بَلَدٍ غَيْرِ الْبَلَدِ الذي فَجَرَ بِهِ وروى ذلك عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَعَنْ أبي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنهما ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيُنْفَى الزَّانِيَانِ الْبِكْرَانِ من مَوْضِعِهِمَا الذي زَنَيَا بِهِ إلَى بَلَدٍ غَيْرِهِ بَعْدَ ضَرْبِ مِائَةٍ وقد نَفَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الزَّانِيَ وَنَفَى أبو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وقد خَالَفَ هذا بَعْضُ الناس وَهَذَا مَكْتُوبٌ في كِتَابِ الْحُدُودِ بِحُجَجِهِ وإذا زَنَى الْمُشْرِكَانِ وَهُمَا ثَيِّبَانِ فإن أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه قال ليس على وَاحِدٍ مِنْهُمَا الرَّجْمُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول عَلَيْهِمَا الرَّجْمُ وَيُرْوَى ذلك عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ رَجَمَ يَهُودِيًّا وَيَهُودِيَّةً وَبِهِ يَأْخُذُ أبو يُوسُفَ قال أبو حَنِيفَةَ لَا تُقَامُ الْحُدُودُ في الْمَسَاجِدِ وروى ذلك عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَبِهِ يَأْخُذُ وكان بن أبي لَيْلَى يقول نُقِيمُ الْحُدُودَ في الْمَسَاجِدِ وقد فَعَلَ ذلك ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا تَحَاكَمَ إلَيْنَا أَهْلُ الْكِتَابِ وَرَضُوا أَنْ نَحْكُمَ بَيْنَهُمْ فَتَرَافَعُوا في الزنى وَأَقَرُّوا بِهِ رَجَمْنَا الثَّيِّبَ وَضَرَبْنَا الْبِكْرَ مِائَةً وَنَفَيْنَاهُ سَنَةً وقد رَجَمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا وهو مَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فإن اللَّهَ عز وجل يقول لِنَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم { وَإِنْ حَكَمْت فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ } وقال { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ } وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ في شَيْءٍ من الدُّنْيَا إلَّا بِحُكْمِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ حُكْمَ اللَّهِ وَاحِدٌ لَا يَخْتَلِفُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا تُقَامُ الْحُدُودُ في الْمَسَاجِدِ وإذا وطيء الرَّجُلُ جَارِيَةَ أُمِّهِ فقال ظَنَنْت أنها تَحِلُّ لي فإن أَبَا حَنِيفَةَ كان يقول يُدْرَأُ عنه الْحَدُّ فإذا أَقَرَّ بِذَلِكَ في مَقَامٍ وَاحِدٍ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ لم يُحَدَّ وَبِهِ يَأْخُذُوا عليه الْمَهْرَ وقال بن أبي لَيْلَى وأنا أَسْمَعُ أَقَرَّ عِنْدِي رَجُلٌ أَنَّهُ وطيء جَارِيَةَ أُمِّهِ فقال له أوطئتها ( ( ( وطئتها ) ) ) قال نعم فقال له أَوَطِئْتَهَا قال نعم فقال له أَوَطِئْتَهَا قال نعم قال له الرَّابِعَةُ وَطِئْتَهَا قال نعم قال بن أبي لَيْلَى فَأَمَرْت بِهِ فَجُلِدَ الْحَدُّ وَأَمَرْت الْجِلْوَازَ فَأَخَذَهُ بيده فَأَخْرَجَهُ من بَابِ الْجِسْرِ نَفْيًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَصَابَ الرَّجُلُ جَارِيَةَ أُمِّهِ وقال ظَنَنْتُهَا تَحِلُّ لي أُحْلِفَ ما وَطِئَهَا إلَّا وهو يَرَاهَا حَلَالًا ثُمَّ دُرِئَ عنه الْحَدُّ وَأُغْرِمَ الْمَهْرَ فَإِنْ قال قد عَلِمْت أنها حَرَامٌ على قبل الْوَطْءِ ثُمَّ وَطِئْتُهَا حُدَّ وَلَا يُقْبَلُ هذا إلَّا مِمَّنْ أَمْكَنَ فيه أَنَّهُ يَجْهَلُ مِثْلَ هذا فَأَمَّا من أَهْلِ الْفِقْهِ فَلَا قال أبو حَنِيفَةَ ليس يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَقُولَ له أَفَعَلْت وَلَا نُوجِبُ عليه الْحَدَّ بِإِقْرَارِ أَرْبَعِ مَرَّاتٍ في مَقَامٍ وَاحِدٍ وَلَوْ قال وَطِئْت جَارِيَةَ أُمِّي في أَرْبَعَةِ مَوَاطِنَ لم يَكُنْ عليه حَدٌّ لِأَنَّ الْوَطْءَ قد يَكُونُ حَلَالًا وَحَرَامًا فلم يُقِرَّ هذا بالزنى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * اخْتِلَافُ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ عنهما أَبْوَابُ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن عُلَيَّةَ عن شُعْبَةَ عن عَمْرِو بن مُرَّةَ عن زَاذَانَ قال سَأَلَ رَجُلٌ عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه عن الْغُسْلِ فقال اغْتَسَلَ كُلَّ يَوْمٍ إنْ شِئْت فقال لَا الْغُسْلُ الذي هو الْغُسْلُ قال يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَيَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمُ الْفِطْرِ وَهُمْ لَا يَرَوْنَ شيئا من هذا وَاجِبًا أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا هُشَيْمٌ عن خَالِدٍ عن أبي إِسْحَاقَ أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه قال في التَّيَمُّمِ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْكَفَّيْنِ هَكَذَا يَقُولُونَ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ
____________________

(7/163)


- * بَابُ الْوُضُوءِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن أبي السَّوْدَاءِ عن بن عبد خير ( ( ( خبير ) ) ) عن أبيه قال تَوَضَّأَ عَلِيٌّ رضي اللَّهُ تعالي عنه فَغَسَلَ ظَهْرَ قَدَمَيْهِ وقال لَوْلَا أني رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَمْسَحُ ظَهْرَ قَدَمَيْهِ لَظَنَنْت أَنَّ بَاطِنَهُمَا أَحَقُّ أبو مُعَاوِيَةَ عن الْأَعْمَشِ عن أبي ظَبْيَانِ قال رَأَيْت عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه بَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ على النَّعْلَيْنِ ثُمَّ دخل الْمَسْجِدَ فَخَلَعَ نَعْلَيْهِ وَصَلَّى بن مَهْدِيٍّ عن سُفْيَانَ عن حَبِيبٍ عن زَيْدِ بن وَهْبٍ أَنَّهُ رَأَى عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه فَعَلَ ذلك بن مَهْدِيٍّ عن سُفْيَانَ عن الزُّبَيْرِ بن عَدِيٍّ عن أَكْتَلَ بن سُوَيْد بن غَفَلَةَ أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه فَعَلَ ذلك محمد بن عُبَيْدٍ عن مُحَمَّدِ بن أبي إسْمَاعِيلَ عن مَعْقِلٍ الْخَثْعَمِيُّ أَنَّ عَلِيًّا فَعَلَ ذلك ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَسْنَا وَلَا إيَّاهُمْ وَلَا أَحَدٌ نَعْلَمُهُ يقول بهذا من الْمُفْتِينَ خَالِدُ بن عبد اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ عن عَطَاءِ بن السَّائِبِ عن أبي الْبُحْتُرِيِّ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه في الْفَأْرَةِ تَقَعُ في الْبِئْرِ فَتَمُوتُ قال تُنْزَحُ حتى تَغْلِبَهُمْ قال وَلَسْنَا وَلَا إيَّاهُمْ نَقُولُ بهذا أَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ بِمَا رَوَيْنَا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا كان الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لم يَحْمِلْ نَجَسًا وَأَمَّا هُمْ فَيَقُولُونَ يُنْزَحُ منها عِشْرُونَ أو ثَلَاثُونَ دَلْوًا عَمْرُو بن الْهَيْثَمِ عن شُعْبَةَ عن أبي إِسْحَاقَ عن نَاجِيَةَ بن كَعْبٍ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه قال قلت يا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أنت وَأُمِّي إنَّ أبي قد مَاتَ قال اذْهَبْ فَوَارِهِ فقلت إنَّهُ مَاتَ مُشْرِكًا قال اذْهَبْ فَوَارِهِ فَوَارَيْتُهُ ثُمَّ أَتَيْتُهُ قال اذْهَبْ فَاغْتَسِلْ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بهذا هُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ ليس على من مَسَّ مَيِّتًا مُشْرِكًا غُسْلٌ وَلَا وُضُوءٌ عَمْرُو بن الْهَيْثَمِ عن الْأَعْمَشِ عن إبْرَاهِيمَ بن أبي عُبَيْدَةَ عن عبد اللَّهِ قال الْقُبْلَةُ من اللَّمْسِ وَفِيهَا الْوُضُوءُ عن شُعْبَةَ عن مُخَارِقٍ عن طَارِقٍ عن عبد اللَّهِ مِثْلُهُ وَهُمْ يُخَالِفُونَ هذا فَيَقُولُونَ لَا وُضُوءَ من الْقُبْلَةِ وَنَحْنُ نَأْخُذُ بِأَنَّ في الْقُبْلَةِ الْوُضُوءُ وقال ذلك بن عُمَرَ وَغَيْره وَعَنْ الْأَعْمَشِ عن إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عن أبيه عن عبد اللَّهِ أَنَّهُ قال الْمَاءُ من الْمَاءِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَسْنَا وَلَا إيَّاهُمْ نَقُولُ بهذا نَقُولُ إذَا مَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ وَهَذَا الْقَوْلُ كان في أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا أبو مُعَاوِيَةَ عن الْأَعْمَشِ عن شَقِيقٍ عن عبد اللَّهِ قال الْجُنُبُ لَا يَتَيَمَّمُ وَلَيْسُوا يَقُولُونَ بهذا وَيَقُولُونَ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا يقول بِهِ وَنَحْنُ نَرْوِي عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ أَمَرَ الْجُنُبَ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَرَوَاهُ بن عُلَيَّةَ عن عَوْفٍ الْأَعْرَابِيِّ عن أبي رَجَاءٍ عن عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ أَمَرَ رَجُلًا أَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيُصَلِّيَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ عن أبي إِسْحَاقَ عن الحرث بن الْأَزْمَعِ قال سَمِعْت بن مَسْعُودٍ يقول إذَا غَسَلَ الْجُنُبُ رَأْسَهُ بالخطمى فَلَا يُعِيدُ له غَسْلًا وَلَيْسُوا يَقُولُونَ بهذا يَقُولُونَ ليس الخطمى بِطَهُورٍ وَإِنْ خَالَطَهُ الْمَاءُ الطَّهُورُ إنَّمَا الطَّهُورُ الْمَاءُ مَحْضًا فَأَمَّا غَسْلُ رَأْسِهِ بِالْمَاءِ بَعْدَ الخطمى أو قَبْلَهُ فَأَمَّا الخطمى فَلَا يُطَهِّرُ وَحْدَهُ - * أَبْوَابُ الصَّلَاةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عن عبد اللَّهِ بن مُحَمَّدٍ عن عَقِيلٍ عن بن الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أخبره أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الْوُضُوءُ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمِ وَبِهَذَا نَقُولُ نَحْنُ لَا يُحْرِمُ بِالصَّلَاةِ إلَّا بِالتَّكْبِيرِ وقال صَاحِبُهُمْ يُحْرِمُ بها بِغَيْرِ التَّكْبِيرِ بِالتَّسْبِيحِ وَرَجَعَ صَاحِبَاهُ إلَى قَوْلِنَا وَقَوْلُنَا لَا تَنْقَضِي الصَّلَاةُ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ فَمَنْ عَمِلَ عَمَلًا مِمَّا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ فِيمَا بين أَنْ يُكَبِّرَ إلَى أَنْ يُسَلِّمَ فَقَدْ أَفْسَدَهَا لَا فِيمَا بين أَنْ يُكَبِّرَ إلَى أَنْ يَجْلِسَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بن عُلَيَّةَ عن شُعْبَةَ عن أبي إِسْحَاقَ عن عَاصِمِ بن ضَمْرَةَ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قال إذَا وَجَدَ أحدكم في صَلَاتِهِ في بَطْنِهِ رِزًّا أو قَيْئًا أو رُعَافًا
____________________

(7/164)


فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَتَوَضَّأْ فَإِنْ تَكَلَّمَ اسْتَقْبَلَ الصَّلَاةَ وَإِنْ لم يَتَكَلَّمْ اُحْتُسِبَ بِمَا صلى وَلَيْسُوا يَقُولُونَ بهذا يَقُولُونَ يَنْصَرِفُ من الرِّزِّ وَإِنْ انْصَرَفَ من الرُّعَافِ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ وَيُخَالِفُونَهُ في بَعْضِ قَوْلِهِ وَيُوَافِقُونَهُ في بَعْضِهِ وَإِنْ كَانُوا يُثْبِتُونَ هذه الرِّوَايَةَ فَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَقُولُوا في الرِّزِّ ما يَقُولُونَ في الرُّعَافِ لِأَنَّهُ لم يُخَالِفْهُ في الرِّزِّ غَيْرُهُ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عَلِمْتُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا هُشَيْمٌ عن حُصَيْنٍ قال حدثنا أبو ظَبْيَانِ قال كان عَلِيٌّ رضي اللَّهُ عنه يَخْرُجُ إلَيْنَا وَنَحْنُ نَنْظُرُ إلَى تَبَاشِيرِ الصُّبْحِ فيقول الصلاة الصَّلَاةَ فإذا قام الناس قال نَعِمَ سَاعَةَ الْوِتْرِ هذه فإذا طَلَعَ الْفَجْرُ صلى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن شَبِيبِ بن غَرْقَدَةَ عن حِبَّانَ بن الحرث قال أَتَيْت عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه وهو مُعَسْكَرٌ بِدَيْرِ أبي مُوسَى فَوَجَدْتُهُ يَطْعَمُ فقال اُدْنُ فَكُلْ فَقُلْت إنِّي أُرِيدُ الصَّوْمَ فقال وأنا أُرِيدُهُ فَدَنَوْت فَأَكَلَتْ فلما فَرَغَ قال يا بن التَّيَّاحِ أَقِمْ الصَّلَاةَ وَهَذَانِ خَبَرَانِ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه كِلَاهُمَا يُثْبِتُ أَنَّهُ كان يُغَلِّسُ بِأَقْصَى غَايَةِ التَّغْلِيسِ وَهُمْ يُخَالِفُونَهُ فَيَقُولُونَ يُسْفِرُ بِالْفَجْرِ أَشَدَّ الْإِسْفَارِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِالتَّغْلِيسِ بِهِ وهو يُوَافِقُ ما رَوَيْنَا من حديث النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في التَّغْلِيسِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا هُشَيْمٌ وَغَيْرُهُ عن بن حِبَّانَ التَّيْمِيِّ عن أبيه عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه قال لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا في الْمَسْجِدِ قِيلَ وَمَنْ جَارِ الْمَسْجِدِ قال من أَسْمَعَهُ الْمُنَادِي وَنَحْنُ وَهُمْ نَقُولُ يُحَبُّ لِمَنْ لَا عُذْرَ له أَنْ لَا يَتَخَلَّفَ عن الْمَسْجِدِ فَإِنْ صلى فَصَلَاتُهُ تُجْزِي عنه إلَّا أَنَّهُ قد تَرَكَ مَوْضِعَ الْفَضْلِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا وَكِيعٌ عن الْأَعْمَشِ عن عَمْرِو بن مُرَّةَ عن زَاذَانَ أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه كان يَغْتَسِلُ من الْحِجَامَةِ وَلَسْنَا وَلَا إيَّاهُمْ نَقُولُ بهذا ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا شَرِيكٌ عن عِمْرَانَ بن ظَبْيَانِ عن حَكِيمِ بن سَعْدٍ أَنَّ رَجُلًا من الْخَوَارِجِ قال لِعَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه { وَلَقَدْ أُوحِيَ إلَيْك وَإِلَى الَّذِينَ من قَبْلِك } الْآيَةُ فقال عَلِيٌّ رضي اللَّهُ عنه { فَاصْبِرْ إنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ } وهو رَاكِعٌ وَهُمْ يَقُولُونَ من فَعَلَ هذا يُرِيدُ بِهِ الْجَوَابَ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بن عُلَيَّةَ عن شُعْبَةَ عن أبي إِسْحَاقَ عن عَاصِمِ بن ضَمْرَةَ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه قال إذَا رَكَعْت فَقُلْت اللَّهُمَّ لَك رَكَعْت وَلَك خَشَعْت وَلَك أَسْلَمْت وَبِك آمَنْت وَعَلَيْك تَوَكَّلْت فَقَدْ تَمَّ رُكُوعَك وَهَذَا عِنْدَهُمْ كَلَامٌ يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَهُمْ يَكْرَهُونَ هذا وَهَذَا عِنْدِي كَلَامٌ حَسَنٌ وقد روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم شَبِيهٌ بِهِ وَنَحْنُ نَأْمُرُ بِالْقَوْلِ بِهِ وَهُمْ يُكَرِّهُونَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بن عُلَيَّةَ عن خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عن عبد اللَّهِ بن الحرث عن الحرث الْهَمْدَانِيِّ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول بين السَّجْدَتَيْنِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي وَارْحَمْنِي وَاهْدِنِي وَاجْبُرْنِي وزاد بن عُلَيَّةَ عن شُعْبَةَ عن أبي إِسْحَاقَ وَنَسَى إسْنَادَهُ وَهُمْ يَكْرَهُونَ هذا وَلَا يَقُولُونَ بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا هُشَيْمٌ عن مُغِيرَةَ عن أبي رَزِينٍ أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه كان يُسَلِّمُ عن يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بن عُلَيَّةَ عن شُعْبَةَ عن الْأَعْمَشِ عن أبي رَزِينٍ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه مثله سَوَاءً وَلَيْسُوا يَأْخُذُونَ بِهِ وَيَزِيدُونَ فيه ورحمه اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بن مَهْدِيٍّ عن سُفْيَانَ عن سَلَمَةَ بن كُهَيْلٍ عن عبد اللَّهِ بن مَعْقِلٍ أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه قَنَتَ في الْمَغْرِبِ يَدْعُو على قَوْمٍ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَشْيَاعِهِمْ فَقُلْنَا آمِينَ هُشَيْمٌ عن رَجُلٍ عن بن مَعْقِلٍ أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه قَنَتَ بِهِمْ فَدَعَا على قَوْمٍ يقول اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا بَادِئًا وَفُلَانًا حتى عَدَّ نَفَرًا وَهُمْ يُفَسِّدُونَ صَلَاةَ من دَعَا لِرَجُلٍ بِاسْمِهِ أو دَعَا على رَجُلٍ فَسَمَّاهُ بِاسْمِهِ وَنَحْنُ لَا نُفَسِّدُ بهذا صَلَاتَهُ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ ما رَوَيْنَا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم زَيْدُ بن الْحُبَابِ عن سُفْيَانَ عن أبي إِسْحَاقَ عن الحرث عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه أَنَّ رَجُلًا قال إنِّي صَلَّيْت ولم أَقْرَأْ قال أَتْمَمْت الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ قال نعم قال تَمَّتْ صَلَاتُك وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بهذا وَيَزْعُمُونَ أَنَّ عليه إعَادَةَ الصَّلَاةِ هُشَيْمٌ عن مَنْصُورٍ عن الْحَسَنِ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قال أقرأ فِيمَا أَدْرَكْت مع
____________________

(7/165)


الْإِمَامِ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بهذا يَقُولُونَ إنَّمَا يَقْرَأُ فِيمَا يقضى لِنَفْسِهِ فَأَمَّا وهو وَرَاءَ الْإِمَامِ فَلَا قِرَاءَةَ عليه وَنَحْنُ نَقُولُ كُلُّ صَلَاةٍ صُلِّيَتْ خَلْفَ الْإِمَامِ وَالْإِمَامُ يَقْرَأُ قِرَاءَةً لَا يُسْمَعُ فيها قَرَأَ فيها هُشَيْمٍ وَيَزِيدُ عن حَجَّاجٍ عن أبي إِسْحَاقَ عن الحرث عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه في إمَامٍ صلى بِغَيْرِ وُضُوءٍ قال يُعِيدُ وَلَا يُعِيدُونَ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِلسُّنَّةِ وما رَوَيْنَا عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بن عَفَّانَ وبن عُمَرَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمه اللَّه تَعَالَى عنه أخبرنا مَالِكٌ عن إسْمَاعِيلَ بن أبي حَكِيمٍ عن عَطَاءِ بن يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كَبَّرَ في صَلَاةٍ من الصَّلَوَاتِ ثُمَّ أَشَارَ إلَيْهِمْ ثُمَّ رَجَعَ وعلي جِلْدِهِ أَثَرُ الْمَاءِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا وَكِيعٌ عن أُسَامَةَ بن زَيْدٍ عن عبد اللَّهِ بن يَزِيدَ مولي الْأَسْوَدِ بن سُفْيَانَ عن مُحَمَّدِ بن عبد الرحمن بن ثَوْبَانَ عن أبي هُرَيْرَةَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نَحْوَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا حَمَّادُ بن سَلَمَةَ عن زِيَادٍ الْأَعْلَمِ عن الْحَسَنِ عن أبي بَكْرَةَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نَحْوَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بن عُلَيَّةَ عن بن عَوْنٍ عن بن سِيرِينَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نَحْوَهُ وقال إنِّي كُنْت جُنُبًا فَنَسِيت ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا وَكِيعٌ عن إسْرَائِيلَ عن أبي إِسْحَاقَ عن عَاصِمِ بن ضَمْرَةَ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قال إذَا أَحْدَثَ في صَلَاةٍ بَعْدَ السَّجْدَةِ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ وَلَسْنَا وَلَا إيَّاهُمْ نَقُولُ بهذا أَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ انْقِضَاءُ الصَّلَاةِ بِالتَّسْلِيمِ لِلْحَدِيثِ الذي رَوَيْنَاهُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَمَّا هُمْ فَيَقُولُونَ كُلُّ حَدَثٍ يُفْسِدُ الصَّلَاةَ إلَّا حَدَثًا كان بَعْدَ التَّشَهُّدِ أو أَنْ يَجْلِسَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ فَلَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا هُشَيْمٌ عن أَصْحَابِهِ عن أبي إِسْحَاقَ عن أبي الْخَلِيلِ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه كان إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ قال لَا إلَهَ إلَّا أنت سُبْحَانَك ظَلَمْت نَفْسِي فَاغْفِرْ لي فإنه لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنت وَجَّهْت وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السماوات وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وما أنا من الْمُشْرِكِينَ إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ له وَبِذَلِكَ أُمِرْت وأنا من الْمُسْلِمِينَ وقد رَوَيْنَا من حَدِيثِنَا عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ كان يقول هذا الْكَلَامَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ وَبِهَذَا ابْتَدَأَ يقول وَجَّهْت وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السماوات وَالْأَرْضَ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن بن جُرَيْجٍ عن مُوسَى بن عُقْبَةَ عن عبد اللَّهِ بن الْفُضَيْلِ عن الْأَعْرَجِ عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن أبي رَافِعٍ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مثله وَهُمْ يُخَالِفُونَهُ وَلَا يَقُولُونَ منه بِحَرْفٍ يَقُولُونَ إنَّ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك كَلَامٌ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ عن وَكِيعٌ عن الْأَعْمَشِ عن أبي إِسْحَاقَ عن الحرث عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان إذَا تَشَهَّدَ قال بِسْمِ اللَّهِ وَبِاَللَّهِ وَلَيْسُوا يَقُولُونَ بهذا وقد روى عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه فيه كَلَامٌ كَثِيرٌ هُمْ يَكْرَهُونَهُ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) قال أخبرنا بن مَهْدِيٍّ عن سُفْيَانَ عن السُّدِّيِّ عن عبد خَيْرٍ أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه قَرَأَ في الصُّبْحِ بِ { سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى } فقال سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى وَهُمْ يَكْرَهُونَ هذا وَنَحْنُ نَسْتَحِبُّهُ وروى عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم شَيْءٌ يُشْبِهُهُ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا هُشَيْمٌ عن مَنْصُورٍ عن الْحَسَنِ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه كَرِهَ الصَّلَاةَ في جُلُودِ الثَّعَالِبِ وَلَسْنَا وَلَا إيَّاهُمْ نَقُولُ بهذا بَلْ نَقُولُ نَحْنُ وَإِيَّاهُمْ لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ في جُلُودِ الثَّعَالِبِ إذَا دُبِغَتْ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن عُلَيَّةَ عن أَيُّوبَ عن سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه في الْمُسْتَحَاضَةِ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَلَسْنَا وَلَا إيَّاهُمْ نَقُولُ بهذا وَلَا أَحَدٌ عَلِمْتُهُ أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن مَهْدِيٍّ عن سُفْيَانَ عن مَنْصُورٍ عن هِلَالٍ عن وَهْبِ بن الْأَجْدَعِ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا تُصَلُّوا بَعْدَ الْعَصْرِ إلَّا أَنْ تُصَلُّوا وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ وَلَسْنَا وَلَا إيَّاهُمْ وَلَا أَحَدٌ عَلِمْنَاهُ يقول بهذا بَلْ نُكَرِّهُ جميعا الصَّلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ وَالصُّبْحِ نَافِلَةً بن مَهْدِيٍّ
____________________

(7/166)


عن سُفْيَانَ عن أبي إِسْحَاقَ عن عَاصِمٍ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه قال كان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يُصَلِّي دُبُرَ كل صَلَاةٍ رَكْعَتَيْنِ إلَّا الْعَصْرَ وَالصُّبْحَ وَهَذَا يُخَالِفُ الحديث الْأَوَّلَ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن مَهْدِيٍّ عن شُعْبَةَ عن أبي إِسْحَاقَ عن عَاصِمِ بن ضَمْرَةَ قال كنا مع عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه في سَفَرٍ فَصَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ دخل فُسْطَاطَهُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ يُخَالِفُ بَعْضُهَا بَعْضًا إذَا كان على يَرْوِي عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ كان لَا يصلى بَعْدَ الْعَصْرِ وَلَا الصُّبْحِ فَلَا يُشْبِهُ هذا أَنْ يَكُونَ صلى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ وهو يروى أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كان لَا يُصَلِّيهِمَا - * بَابُ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن مَهْدِيٍّ عن سُفْيَانَ عن أبي إِسْحَاقَ قال رَأَيْت عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه يَخْطُبُ نِصْفَ النَّهَارِ يوم الْجُمُعَةِ وَلَسْنَا وَلَا إيَّاهُمْ نَقُولُ بهذا نَقُولُ لَا يَخْطُبُ إلَّا بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ وَكَذَلِكَ رَوَيْنَا عن عُمَرَ وَعَنْ غَيْرِهِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا حُمَيْدُ بن عبد الرحمن الرُّؤَاسِيُّ عن الْحَسَنِ بن صَالِحٍ عن ابي إِسْحَاقَ قال رَأَيْت عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه يَخْطُبُ يوم الْجُمُعَةِ ثُمَّ لم يَجْلِسْ حتى فَرَغَ وَلَسْنَا وَلَا إيَّاهُمْ نَقُولُ بهذا نَقُولُ يَجْلِسُ الْإِمَامُ بين الْخُطْبَتَيْنِ وَنَقُولُ يَجْلِسُ على الْمِنْبَرِ قبل الْخُطْبَةِ وَكَذَلِكَ فَعَلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْأَئِمَّةُ بَعْدَهُ أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا شَرِيكٌ عن الْعَبَّاسِ بن ذُرَيْحٍ عن الحرث بن ثَوْرٍ أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه صلى الْجُمُعَةَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ الْتَفَتَ إلَى الْقَوْمِ فقال أَتِمُّوا وَلَسْنَا وَلَا إيَّاهُمْ وَلَا أَحَدٌ يقول بهذا وَلَسْت أَعْرِفُ وَجْهَ هذا إلَّا أَنْ يَكُونَ يَرَى أَنَّ الْجُمُعَةَ عليه هو رَكْعَتَانِ لِأَنَّهُ يَخْطُبُ وَعَلَيْهِمْ أَرْبَعٌ لِأَنَّهُمْ لَا يَخْطُبُونَ فَإِنْ كان هذا مَذْهَبَهُ فَلَيْسَ يقول بهذا أَحَدٌ من الناس ( قال الرَّبِيعُ ) أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن مَهْدِيٍّ عن سُفْيَانَ عن أبي حُصَيْنٍ عن أبي عبد الرحمن أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه قال من كان مِنْكُمْ مُصَلِّيًا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا سِتَّ رَكَعَاتٍ وَلَسْنَا وَلَا إيَّاهُمْ نَقُولُ بهذا أَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ يصلى أَرْبَعًا ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا أبو مُعَاوِيَةَ عن الْأَعْمَشِ عن مِنْهَالٍ عن عَبَّادِ بن عبد اللَّهِ أَنَّ عَلِيًّا كان يَخْطُبُ على مِنْبَرٍ من آجُرٍّ فَجَاءَ الْأَشْعَثُ وقد امْتَلَأَ الْمَسْجِدُ وَأَخَذُوا مَجَالِسَهُمْ فَجَعَلَ يَتَخَطَّى حتى دَنَا وقال غَلَبَتْنَا عَلَيْك هذه ( 1 ) الْحَمْرَاءُ فقال على ما بَالُ هذه الضَّيَاطِرَةِ يَتَخَلَّفُ أَحَدُهُمْ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامًا وَهُمْ يَكْرَهُونَ للامام أَنْ يَتَكَلَّمَ في خُطْبَتِهِ وَيَكْرَهُونَ أَنْ يَتَكَلَّمَ أَحَدٌ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وقد تَكَلَّمَ الْأَشْعَثُ ولم يَنْهَهُ عَلِيٌّ رضي اللَّهُ عنه وَتَكَلَّمَ على وَأَحْسَبُهُمْ يَقُولُونَ يَبْتَدِئُ الْخُطْبَةَ وَلَسْنَا نَرَى بَأْسًا بِالْكَلَامِ في الْخُطْبَةِ تَكَلَّمَ فيها رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ رضي اللَّهُ تعالى عنهما ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن مَهْدِيٍّ عن شُعْبَةَ عن مُحَمَّدِ بن النُّعْمَانِ عن أبي قَيْسٍ الْأَوْدِيِّ عن هُذَيْلٍ أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يصلى بِضَعَفَةِ الناس يوم الْعِيدِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ في الْمَسْجِدِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ أخبرنا أبو أَحْمَدَ عن سُفْيَانَ عن أبي قَيْسٍ الْأَوْدِيِّ عن هُذَيْلٍ عن عَلِيٍّ مثله ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن عُلَيَّةَ عن لَيْثٍ عن الْحَكَمِ عن حَنَشِ بن الْمُعْتَمِرِ أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه قال صَلُّوا يوم الْعِيدِ في الْمَسْجِدِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَانِ لِلسُّنَّةِ وَرَكْعَتَانِ لِلْخُرُوجِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن مَهْدِيٍّ عن سُفْيَانَ عن أبي إِسْحَاقَ أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يُصَلِّيَ بِضَعَفَةِ الناس
____________________

(7/167)


يوم الْعِيدِ في الْمَسْجِدِ رَكْعَتَيْنِ وَهَذَانِ حَدِيثَانِ مُخْتَلِفَانِ وَلَسْنَا وَلَا إيَّاهُمْ نَقُولُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُولُونَ الصَّلَاةُ مع الْإِمَامِ وَلَا جَمَاعَةَ إلَّا حَيْثُ هو فَإِنْ صلى قَوْمٌ جَمَاعَةً في مَوْضِعٍ فَلَيْسَتْ بِصَلَاةِ الْعِيدِ وَلَا قَضَاءَ منها وَهِيَ كَنَافِلَةٍ لو تَطَوَّعَ بها رَجُلٌ في جَمَاعَةٍ وَنَحْنُ نَقُولُ إذَا صَلَّاهَا أَحَدٌ صَلَّاهَا وَقَرَأَ وَفَعَلَ كما يَفْعَلُ الْإِمَامُ فَيُكَبِّرُ في الْأُولَى سَبْعًا قبل الْقِرَاءَةِ وفي الْآخِرَةِ خَمْسًا قبل الْقِرَاءَةِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا أبو بَكْرِ بن عَيَّاشٍ عن أبي إِسْحَاقَ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه في الْفِطْرِ إحْدَى عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً وفي الْأَضْحَى خَمْسٌ وَلَيْسُوا يَأْخُذُونَ بهذا - * بَابُ الْوِتْرِ وَالْقُنُوتِ وَالْآيَاتِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبر ( ( ( أخبرنا ) ) ) هُشَيْمٌ عن عبد الْمَلِكِ بن أبي سُلَيْمَانَ عن عبد الرَّحِيمِ عن زَاذَانَ أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يُوتِرُ بِثَلَاثٍ يَقْرَأُ في كل رَكْعَةٍ بِتِسْعِ سُوَرٍ من الْمُفَصَّلِ وَهُمْ يَقُولُونَ يَقْرَأُ بِ { سَبِّحْ اسْمَ رَبَّك الْأَعْلَى } وَالثَّانِيَةُ بِ { قُلْ يا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } وفي الثَّالِثَةِ يَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَ { قُلْ هو اللَّهُ أَحَدٌ } وَأَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ يَقْرَأُ فيها بِ { قُلْ هو اللَّهُ أَحَدٌ } وَ { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } وَ { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الناس } يَفْصِلُ بين كل رَكْعَتَيْنِ وَالرَّكْعَةِ بِالتَّسْلِيمِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا هُشَيْمٌ عن عَطَاءِ بن السَّائِبِ عن أبي عبد الرحمن السُّلَمِيِّ أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه كان يَقْنُتُ في الْوِتْرِ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَهُمْ لَا يَأْخُذُونَ بهذا يَقُولُونَ يَقْنُتُ قبل الرُّكُوعِ فَإِنْ لم يَقْنُتْ قبل الرُّكُوعِ لم يَقْنُتْ بَعْدَهُ وَعَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا هُشَيْمٌ عن عَطَاءٍ عن أبي عبد الرحمن أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يَقْنُتُ في صَلَاةِ الصُّبْحِ قبل الرُّكُوعِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) قال أخبرنا هُشَيْمٌ عن مَعْقِلٍ أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه قَنَتَ في صَلَاةِ الصُّبْحِ وَهُمْ لَا يَرَوْنَ الْقُنُوتَ في الصُّبْحِ وَنَحْنُ نَرَاهُ لِلسُّنَّةِ الثَّابِتَةِ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قَنَتَ في الصُّبْحِ أخبرنا بِذَلِكَ سُفْيَانُ عن الزُّهْرِيِّ عن سَعِيدٍ عن أبي هُرَيْرَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَنَتَ في الصُّبْحِ فقال اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بن الْوَلِيدِ وَسَلَمَةَ بن هِشَامٍ وَعَيَّاشَ بن أبي رَبِيعَةَ وَذَكَرَ الحديث وَنَقُولُ من أَوْتَرَ أَوَّلَ اللَّيْلِ صلى مَثْنًى مَثْنًى حتى يُصْبِحَ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن عُلَيَّةَ عن أبي هَارُونَ الْغَنَوِيِّ عن حِطَّانَ بن عبد اللَّهِ قال قال عَلِيٌّ رضي اللَّهُ عنه الْوِتْرُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ فَمَنْ شَاءَ أَنْ يُوتِرَ أَوَّلَ اللَّيْلِ أَوْتَرَ ثُمَّ إنْ اسْتَيْقَظَ فَشَاءَ أَنْ يَشْفَعَهَا بِرَكْعَةٍ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حتى يُصْبِحَ ثُمَّ يُوتِرَ فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ صلى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حتى يُصْبِحَ وَإِنْ شَاءَ أَوْتَرَ آخِرَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَكْرَهُونَ أَنْ يُنْقِضَ الرَّجُلُ وِتْرَهُ وَيَقُولُونَ إذَا أَوْتَرَ صلى مَثْنًى مَثْنًى ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا يَزِيدُ بن هَارُونَ عن حَمَّادٍ عن عَاصِمٍ عن أبي عبد الرحمن أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه خَرَجَ حين ثَوَّبَ الْمُؤَذِّنُ فقال أَيْنَ السَّائِلُ عن الْوِتْرِ نِعْمَ سَاعَةُ الْوِتْرِ هذه ثُمَّ قَرَأَ { وَاللَّيْلِ إذَا عَسْعَسَ وَالصُّبْحِ إذَا تَنَفَّسَ } وَهُمْ لَا يَأْخُذُونَ بهذا وَيَقُولُونَ لَيْسَتْ هذه من سَاعَاتِ الْوِتْرِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا عَبَّادٌ عن عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عن قَزْعَةَ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّهُ صلى في زَلْزَلَةٍ سِتَّ رَكَعَاتٍ في أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ خَمْسَ رَكَعَاتٍ وَسَجْدَتَيْنِ في رَكْعَةٍ وَرَكْعَةٍ وَسَجْدَتَيْنِ في رَكْعَةٍ وَلَسْنَا نَقُولُ بهذا نَقُولُ لَا يصلى في شَيْءٍ من الْآيَاتِ إلَّا في كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَلَوْ ثَبَتَ هذا الْحَدِيثُ عِنْدَنَا عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه لَقُلْنَا بِهِ وَهُمْ يُثْبِتُونَهُ وَلَا يَأْخُذُونَ بِهِ وَيَقُولُونَ يصلى رَكْعَتَيْنِ في الزَّلْزَلَةِ في كل رَكْعَةٍ رَكْعَةً ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا هُشَيْمٌ عن يُونُسَ عن الْحَسَنِ أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه صلى في كُسُوفِ الشَّمْسِ خَمْسَ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَع سَجَدَاتٍ وَلَسْنَا وَلَا إيَّاهُمْ نَقُولُ بهذا أَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ بِاَلَّذِي رَوَيْنَا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ أخبرنا بِذَلِكَ مَالِكٌ عن يحيى عن عَمْرَةَ
____________________

(7/168)


عن عَائِشَةَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم صلى في كُسُوفِ الشَّمْسِ رَكْعَتَيْنِ وَسَجْدَتَيْنِ في كل رَكْعَةٍ رَكْعَتَيْنِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن هِشَامٍ عن أبيه عن عَائِشَةَ بمثله ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن زَيْدِ بن أَسْلَمَ عن عَطَاءِ بن يَسَارٍ عن بن عَبَّاسٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بمثله وَقَالُوا هُمْ يصلى رَكْعَتَيْنِ كما يصلى سَائِرَ الصَّلَوَاتِ وَلَا يَرْكَعُ في كل رَكْعَةٍ رَكْعَتَيْنِ فَخَالَفُوا سُنَّةَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَخَالَفُوا ما رَوَوْهُ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه - * الْجَنَائِزُ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا محمد بن يَزِيد عن إسْمَاعِيلَ عن الشَّعْبِيِّ عن عبد اللَّهِ بن مَعْقِلٍ قال صلى عَلِيٌّ على سَهْلِ بن حُنَيْفٍ فَكَبَّرَ عليه سِتًّا ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا أبو مُعَاوِيَةَ عن الْأَعْمَشِ عن بن أبي زِيَادٍ عن عبد اللَّهِ بن مَعْقِلٍ أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كَبَّرَ على سَهْلِ بن حُنَيْفٍ خَمْسًا ثُمَّ الْتَفَتَ إلَيْنَا وقال إنَّهُ بَدْرِيٌّ وَهَذَا خِلَافُ الحديث الْأَوَّلِ وَلَسْنَا وَلَا إيَّاهُمْ نَأْخُذُ بهذا التَّكْبِيرِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ على الْجَنَائِزِ أَرْبَعٌ وَذَلِكَ الثَّابِتُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا أبو مُعَاوِيَةَ عن الْأَعْمَشِ عن عُمَيْرِ بن سَعِيدٍ أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه كَبَّرَ ( 1 ) علي بن الْمُكَفَّفِ أَرْبَعًا وَهَذَا خِلَافُ الْحَدِيثَيْنِ قَبْلَهُ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا هُشَيْمٌ عن أَشْعَثَ عن الشَّعْبِيِّ عن قَرَظَةَ أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَمَرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ علي قَبْرِ سَهْلِ بن حُنَيْفٍ وَهُمْ لَا يَأْخُذُونَ بهذا وَلَا يَقُولُونَ بِهِ يَقُولُونَ لَا يصلى على قَبْرٍ وَأَمَّا نَحْنُ فَنَأْخُذُ بِهِ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ ما رَوَيْنَا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ صلى على قَبْرٍ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ وَسُفْيَانُ عن الزُّهْرِيِّ عن أبي أُمَامَةَ بن سَهْلٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم صلى على قَبْرِ امْرَأَةٍ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا هُشَيْمٌ عن عُثْمَانَ بن حَكِيمٍ عن خَارِجَةَ بن زَيْدٍ عن عَمِّهِ يَزِيدَ بن ثَابِتٍ وكان أَكْبَرَ من زَيْدِ بن ثَابِتٍ الشَّيْبَانِيِّ عن الشَّعْبِيِّ عن بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم صلى على قَبْرٍ - * سُجُودُ الْقُرْآنِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا هُشَيْمٌ عن شُعْبَةَ عن عَاصِمٍ عن زِرٍّ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قال عَزَائِمُ السُّجُودِ { الم تَنْزِيلُ } وَ { حم تَنْزِيلُ } و { النجم } وَ { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك الذي خَلَقَ } وَلَسْنَا وَلَا إيَّاهُمْ نَقُولُ بهذا نَقُولُ في الْقُرْآنِ عَدَدُ سُجُودٍ مِثْلُ هذه ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا هُشَيْمٌ عن أبي عبد اللَّهِ الْجُعْفِيِّ عن أبي عبد الرحمن السُّلَمِيِّ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قال كان يَسْجُدُ في الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ وَبِهَذَا نَقُولُ وَهَذَا قَوْلُ الْعَامَّةِ قَبْلَنَا يروي عن عُمَرَ وبن عمر وبن عَبَّاسٍ وَهُمْ يُنْكِرُونَ السَّجْدَةَ الْآخِرَةَ في الْحَجِّ وَهَذَا الْحَدِيثُ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه يُخَالِفُونَهُ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن مَهْدِيٍّ عن سُفْيَانَ عن مُحَمَّدِ بن قَيْسٍ عن أبي مُوسَى أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه لَمَّا أتي بِالْمُخْدِجِ خَرَّ سَاجِدًا وَنَحْنُ نَقُولُ لَا بَأْسَ بِسَجْدَةِ الشُّكْرِ وَنَسْتَحِبُّهَا وَيُرْوَى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ سَجَدَهَا وَعَنْ أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما وَهُمْ يُنْكِرُونَهَا وَيَكْرَهُونَهَا وَنَحْنُ نَقُولُ لَا بَأْسَ بِالسَّجْدَةِ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى في الشُّكْرِ
____________________

(7/169)


- * الصِّيَامُ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن مَهْدِيٍّ عن سُفْيَانَ عن أبي إِسْحَاقَ عن عُبَيْدِ بن عَمْرٍو أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه نهى عن الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ فقال ما يُرِيدُ إلَى خُلُوفِ فَمِهَا وَلَسْنَا وَلَا إيَّاهُمْ نَقُولُ بهذا نَقُولُ لَا بَأْسَ بِقُبْلَةِ الصَّائِمِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن مَهْدِيٍّ عن سُفْيَانَ وَغَيْرُهُ عن إسْمَاعِيلَ عن أبي السَّفَرِ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّهُ صلى الصُّبْحَ ثُمَّ قال هذا حين يَبِينُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ من الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ وَلَسْنَا وَلَا إيَّاهُمْ وَلَا أَحَدٌ عَلِمْنَاهُ يقول بهذا إنَّمَا السُّحُورُ قبل طُلُوعِ الْفَجْرِ فإذا طَلَعَ الْفَجْرُ حَرُمَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ على الصَّائِمِ - * أَبْوَابُ الزَّكَاةِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن مَهْدِيٍّ عن سُفْيَانَ عن حَبِيبِ بن أبي ثَابِتٍ عن بن أبي رَافِعٍ أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ تعالي عنه كان يزكى أَمْوَالَهُمْ وَهُمْ أَيْتَامٌ في حِجْرِهِ وَبِهَذَا نَأْخُذُ وهو مُوَافِقٌ لِمَا رَوَيْنَا عن عُمَرَ وبن عُمَرَ وَعَائِشَةَ في زَكَاةِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَهُمْ يُخَالِفُونَهُ فَيَقُولُونَ ليس على مَالِ الْيَتِيمِ زَكَاةٌ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن مَهْدِيٍّ عن سُفْيَانَ عن أبي إِسْحَاقَ عن عَاصِمِ بن ضَمْرَةَ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ قال في خَمْسٍ وَعِشْرِينَ من الْإِبِلِ خَمْسٌ من الْغَنَمِ وَلَسْنَا وَلَا إيَّاهُمْ وَلَا أَحَدٌ عَلِمْنَاهُ نَأْخُذُ بهذا وَالثَّابِتُ عِنْدَنَا من حديث رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ في خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ فَإِنْ لم تَكُنْ بِنْتَ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا عَبَّادُ بن مُحَمَّدٍ عن مُحَمَّدِ بن يَزِيدَ عن سُفْيَانَ بن حُسَيْنٍ عن الزُّهْرِيِّ عن سَالِمٍ عن أبيه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كَتَبَ في خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ فَإِنْ لم تَكُنْ بِنْتَ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ وكان عُمَرُ يَأْمُرُ عُمَّالَهُ بِذَلِكَ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا أبو كَامِلٍ وَغَيْرُهُ عن حَمَّادِ بن سَلَمَةَ عن ثُمَامَةَ عن أَنَسٍ قال أَعْطَانِي أبي كِتَابًا كَتَبَهُ له أبو بَكْرٍ فقال هذه فَرِيضَةُ اللَّهِ وَسُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ فَإِنْ لم تَكُنْ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا شَرِيكٌ عن أبي إِسْحَاقَ عن عَاصِمِ بن ضَمْرَةَ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قال إذَا زَادَتْ الْإِبِلُ على عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِي كل خَمْسِينَ حِقَّةٌ وفي كل أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا عَمْرُو بن الْهَيْثَمِ وَغَيْرُهُ عن شُعْبَةَ عن أبي إِسْحَاقَ عن عَاصِمٍ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه مثله وَبِهَذَا نَقُولُ وهو مُوَافِقٌ لِلسُّنَّةِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا عَبَّادٌ وَمُحَمَّدُ بن يَزِيدَ عن سُفْيَانَ بن حُسَيْنٍ عن الزُّهْرِيِّ عن سَالِمٍ عن أبيه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كَتَبَ فإذا زَادَتْ على عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِي كل خَمْسِينَ حِقَّةٌ وفي كل أَرْبَعِينَ ابْنَةُ لَبُونٍ أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا أبو كَامِلٍ عن حَمَّادِ بن سَلَمَةَ عن ثُمَامَةَ عن أَنَسٍ عن ( 3 ) أبي زَكَرِيَّا أَنَّهُ كَتَبَ له السُّنَّةَ فذكر هذا وَهُمْ لَا يَأْخُذُونَ بهذا يَقُولُونَ إذَا زَادَتْ على عِشْرِينَ وَمِائَةٍ اسْتَقْبَلَ بِالْفَرَائِضِ أَوَّلَهَا وكان في كل خَمْسٍ شَاةٌ إلَى أَنْ يَبْلُغَ بها خَمْسِينَ وَمِائَةً ثُمَّ في كل خَمْسِينَ حِقَّةٌ وَهَذَا قَوْلٌ مُتَنَاقِضٌ لَا أَثَرَ وَلَا قِيَاسَ فَيُخَالِفُونَ ما رَوَوْا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَالثَّابِتُ عن عَلِيٍّ عِنْدَهُمْ إلَى قَوْلِ إبْرَاهِيمَ وَشَيْءٌ يُغْلَطُ بِهِ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا أبو مُعَاوِيَةَ عن الْأَعْمَشِ عن عبد الرحمن بن زِيَادٍ عن عبد اللَّهِ بن الحرث أَنَّ عُثْمَانَ أُهْدِيَتْ له حَجَلٌ وهو مُحْرِمٌ فَأَكَلَ الْقَوْمُ إلَّا عَلِيًّا فإنه كَرِهَ ذلك وَلَسْنَا
____________________

(7/170)


وَلَا إيَّاهُمْ نَقُولُ بهذا أَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ بِحَدِيثِ أبي قَتَادَةَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا لَحْمَ الصَّيْدِ وَهُمْ حُرُمٌ أخبرنا بِذَلِكَ مَالِكٌ عن زَيْدِ بن أَسْلَمَ عن عَطَاءِ بن يَسَارٍ عن أبي قَتَادَةَ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن صَالِحِ بن كَيْسَانَ عن أبي مُحَمَّدٍ عن أبي قَتَادَةَ نَحْوَهُ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا هُشَيْمٌ عن مَنْصُورٍ عن الْحَسَنِ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه فِيمَنْ أَصَابَ بَيْضَ نَعَامٍ قال يَضْرِبُ بِقَدْرِهِنَّ نُوقًا قِيلَ له فَإِنْ أَرْبَعَتْ مِنْهُنَّ نَاقَةٌ قال فإن من الْبَيْضِ ما يَكُونُ مَارِقًا وَلَسْنَا وَلَا إيَّاهُمْ وَلَا أَحَدٌ عَلِمْنَاهُ نَأْخُذُ بهذا نَقُولُ يَغْرَمُ ثَمَنَهُ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن عُلَيَّةَ عن سَعِيدٍ عن قَتَادَةَ عن الْحَسَنِ عن عَلِيٍّ فِيمَنْ يَجْعَلُ عليه الْمَشْيَ قال يَمْشِي فَإِنْ عَجَزَ رَكِبَ وَأَهْدَى بَدَنَةً وَهُمْ يَقُولُونَ يَمْشِي إنْ أَحَبَّ وكان مُطِيقًا وَإِلَّا رَكِبَ وَأَهْدَى شَاةً وَنَحْنُ نَقُولُ ليس لِأَحَدٍ أَنْ يَرْكَبَ وهو يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْشِيَ بِحَالٍ وَإِنْ عَجَزَ رَكِبَ وَأَهْدَى فَإِنْ صَحَّ مَشَى الذي رَكِبَ وَرَكِبَ الذي مَشَى حتى أتى بِهِ كما نَذَرَ ( قال الرَّبِيعُ ) وقد قال الشَّافِعِيُّ غير هذا قال عليه كَفَّارَةُ يَمِينٍ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا وَكِيعٌ عن شُعْبَةَ عن عَمْرِو بن مُرَّةَ عن عبد اللَّهِ بن سَلَمَةَ عن عَلِيٍّ في هذه الْآيَةِ { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } قال أَنْ يُحْرِمَ الرَّجُلُ من دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ وَهُمْ يَقُولُونَ أَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ يُحْرِمَ من الْمِيقَاتِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا شُعْبَةُ عن أبي إِسْحَاقَ عن عَاصِمِ بن ضَمْرَةَ عن عَلِيٍّ مثله بهذا نَقُولُ وهو مُوَافِقٌ لِلسُّنَّةِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن عُلَيَّةَ عن بن أبي نَجِيحٍ عن مُجَاهِدٍ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه في الضَّبُعِ كَبْشٌ ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) قال أخبرنا بن أَبَانَ عن سُفْيَانَ عن سِمَاكٍ عن عِكْرِمَةَ أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قَضَى في الضَّبُعِ بِكَبْشٍ وَبِهَذَا نقول ( ( ( يقول ) ) ) وهو يُوَافِقُ ما ذَكَرْنَا عن عُمَرَ وَعَنْ غَيْرِهِ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَمَّا هُمْ فَيَقُولُونَ يَغْرَمُ قِيمَتَهَا في الْمَوْضِعِ الذي أَصَابَهَا فيه لَا يَجْعَلُونَ فيها شيئا مُوَقَّتًا - * أَبْوَابُ الطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا وَكِيعٌ عن سُفْيَانَ عن سَلَمَةَ بن كُهَيْلٍ عن مُعَاوِيَةَ بن سُوَيْد بن مُقْرِنٍ أَنَّهُ وَجَدَ في كِتَابِ أبيه عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنْ لَا نِكَاحَ إلَّا بولى فإذا بَلَغَ الْحَقَائِقُ النَّصَّ فَالْعَصَبَةُ أَحَقُّ وَبِهَذَا نَقُولُ لِأَنَّهُ يُوَافِقُ ما رَوَيْنَا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال إيما امْرَأَةٍ لم يَنْكِحْهَا الْوُلَاةُ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ ولى من لَا ولى له أخبرنا بِذَلِكَ الزَّنْجِيُّ عن بن جُرَيْجٍ عن سُلَيْمَانَ بن مُوسَى عن بن شِهَابٍ عن عُرْوَةَ عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنها وَهُمْ يَقُولُونَ إذَا كان الزَّوْجُ كُفُوًا وَأَخَذَتْ صَدَاقَ مِثْلِهَا جَازَ النِّكَاحُ وَإِنْ كان غير وَلِيٍّ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا وَكِيعٌ عن سُفْيَانَ عن سِمَاكِ بن حَرْبٍ عن حَنَشٍ أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَزَنَى بها قبل أَنْ يَدْخُلَ بها فَرُفِعَ إلَى عَلِيٍّ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَجَلَدَهُ الْحَدَّ وَأَعْطَاهَا نِصْفَ الصَّدَاقِ وَلَسْنَا وَلَا إيَّاهُمْ وَلَا أَحَدٌ عَلِمْنَاهُ يقول بهذا ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا وَكِيعٌ عن سُفْيَانَ عن رَجُلٍ عن الشَّعْبِيِّ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه في رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بها جُنُونٌ أو جُذَامٌ أو بَرَصٌ قال إذَا لم يَدْخُلْ بها فُرِّقَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ كان دخل بها فَهِيَ امْرَأَتُهُ إنْ شَاءَ طَلَّقَهَا وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَهُمْ يَقُولُونَ هِيَ امْرَأَتُهُ على كل حَالٍ إنْ شَاءَ طَلَّقَ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا هُشَيْمٌ عن مُطَرِّفٍ عن الشَّعْبِيِّ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه في النَّصْرَانِيِّ تُسْلِمُ امْرَأَتُهُ قال هو أَحَقُّ بها ما لم يُخْرِجْهَا من دَارِ الْهِجْرَةِ وَلَسْنَا وَلَا إيَّاهُمْ وَلَا أَحَدٌ عَلِمْنَاهُ يقول بهذا ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال
____________________

(7/171)


أخبرنا سُفْيَانُ عن عَطَاءِ بن السَّائِبِ عن عبد خَيْرٍ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه في الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ ثُمَّ يَمُوتُ ولم يَدْخُلْ بها ولم يَفْرِضْ لها صَدَاقًا أَنَّ لها الْمِيرَاثَ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةَ وَلَا صَدَاقَ لها وَبِهَذَا نَقُولُ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ حَدِيثُ بِرْوَعَ وقد رَوَيْنَاهُ عن بن عُمَرَ وبن عَبَّاسٍ وَزَيْدِ بن ثَابِتٍ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ وَهُمْ يُخَالِفُونَهُ وَيَقُولُونَ لها صَدَاقُ نِسَائِهَا ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا يحيى بن عَبَّادٍ عن حَمَّادِ بن سَلَمَةَ عن بَدِيلٍ عن مَيْسَرَةَ عن أبي الوضى ( ( ( الوضيء ) ) ) أَنَّ أَخَوَيْنِ تَزَوَّجَا أُخْتَيْنِ فَأُهْدِيَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إلَى أَخِي زَوْجِهَا فَأَصَابَهَا فَقَضَى على رضي اللَّهُ عنه على كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَدَاقٌ وَجَعَلَهُ يَرْجِعُ بِهِ على الذي غَرَّهُ وَهُمْ يُخَالِفُونَهُ وَيَقُولُونَ لَا يَرْجِعُ بِالصَّدَاقِ وَبِهِ يقول الشَّافِعِيُّ لَا يَرْجِعُ بِالصَّدَاقِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن عُلَيَّةَ عن جَرِيرِ بن حَازِمٍ عن عِيسَى عن عَاصِمٍ الْأَسَدِيِّ عن زَاذَانَ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه يقول في الْخِيَارِ إنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَوَاحِدَةٌ وهو أَحَقُّ بها وَلَسْنَا وَلَا إيَّاهُمْ نَقُولُ بهذا الْقَوْلِ أَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ إنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَلَا شَيْءَ وَيُرْوَى عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنها قالت خَيَّرَنَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَاخْتَرْنَاهُ فلم يُعَدَّ ذلك طَلَاقًا ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا هُشَيْمٌ عن مَنْصُورٍ عن الْحَكَمِ عن إبْرَاهِيمَ أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قال في الْخَلِيَّةِ وَالْبَرِّيَّةِ وَالْحَرَامِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَلَسْنَا وَلَا إيَّاهُمْ نَقُولُ بهذا أَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ فَهُوَ ما نَوَى من الطَّلَاقِ إنْ كانت وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ وَإِنْ أَرَادَ اثْنَتَيْنِ فَاثْنَتَيْنِ وَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَأَمَّا هُمْ فَيَقُولُونَ إنْ نَوَى وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ وَإِنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ فَلَا يَكُونُ اثْنَتَيْنِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن عُلَيَّةَ عن دَاوُد عن الشَّعْبِيِّ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه في الْحَرَامِ ثَلَاثٌ وَلَسْنَا وَلَا إيَّاهُمْ نَقُولُ بهذا ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا محمد بن يَزِيد وَمُحَمَّدُ بن عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُمَا عن إسْمَاعِيلَ عن الشَّعْبِيِّ عن رَيَّاشِ بن عَدِيٍّ الطَّائِيِّ قال أَشْهَدُ أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه جَعَلَ ألبته ثَلَاثًا وَلَسْنَا وَلَا إيَّاهُمْ نَقُولُ بهذا أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا هُشَيْمٌ وَسُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن الشَّيْبَانِيِّ عن الشَّعْبِيِّ عن عَمْرِو بن سَلَمَةَ أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه وَقَّفَ المولى ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا هُشَيْمٌ عن الشَّيْبَانِيِّ عن بُكَيْرِ بن الْأَخْنَسِ عن مُجَاهِدٍ عن عبد الرحمن بن أبي لَيْلَى أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وَقَّفَ الْمَوْلَى ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن لَيْثٍ عن مُجَاهِدٍ عن مَرْوَانَ شَهِدَ عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه وَقَّفَ المولى وَهَكَذَا نَقُولُ وهو مُوَافِقٌ لِمَا رَوَيْنَا عن عُمَرَ وبن عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَعُثْمَانَ وَزَيْدِ بن ثَابِتٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُمْ وَقَفَّوْا المولى وَهُمْ يُخَالِفُونَهُ وَيَقُولُونَ لَا يُوَقَّفُ إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بَانَتْ منه أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا محمد بن عُبَيْدٍ عن إسْمَاعِيلَ عن الشَّعْبِيِّ أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه كان يُؤَجِّلُ الْمُتَوَفَّى عنها لَا يَنْظُرُ بها ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن مَهْدِيٍّ عن سُفْيَانَ عن فِرَاسٍ عن الشَّعْبِيِّ قال نَقَلَ عَلِيٌّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أُمَّ كُلْثُومٍ بَعْدَ قَتْلِ عُمَرَ بِسَبْعِ لَيَالٍ وَلَسْنَا وَلَا إيَّاهُمْ نَقُولُ بهذا نَقُولُ بِحَدِيثِ فُرَيْعَةَ ابْنَة مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَهَا أَنْ تَمْكُثَ في بَيْتِهَا حتى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَنَحْنُ نَقُولُ بهذا وَهُمْ في الْمُتَوَفَّى عنها وَالْمَبْتُوتَةِ وَهُمْ يَرْوُونَ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ نَقَلَ ابْنَتَهُ في عِدَّتِهَا من عُمَرَ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا هُشَيْمٌ عن أَشْعَثَ عن الْحَكَمِ عن أبي صَادِقٍ عن رَبِيعَةَ بن نَاجِدٍ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه قال الْعِدَّةُ من يَوْمِ يَمُوتُ أو يُطَلِّقُ وَبِهَذَا نَقُولُ وَيَقُولُونَ بِقَوْلِنَا ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا هُشَيْمٌ عَمَّنْ سمع الْحَكَمَ يحدث عن أبي صَادِقٍ عن رَبِيعَةَ بن نَاجِدٍ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قال الْحَامِلُ المتوفي عنها لها النَّفَقَةُ من جَمِيعِ الْمَالِ وَلَيْسُوا يَقُولُونَ بهذا وَيُنْكِرُونَ هذا الْقَوْلَ فَيَقُولُونَ ما نَقُولُ بهذا ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا أبو مُعَاوِيَةَ عن الْأَعْمَشِ
____________________

(7/172)


عن أبى الضُّحَى عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قال الْحَامِلُ المتوفي عنها زَوْجُهَا تَعْتَدُّ بِآخِرِ الْأَجَلَيْنِ وَلَيْسُوا يَقُولُونَ بهذا ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن عبد رَبِّهِ بن سَعِيدٍ عن أبي سَلَمَةَ قال سَأَلْت بن عَبَّاسٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ عن الْمُتَوَفَّى عنها زَوْجُهَا وَهِيَ حَامِلٌ فقال بن عَبَّاسٍ آخِرُ الْأَجَلَيْنِ وقال أبو هُرَيْرَةَ إذَا وَلَدَتْ فَقَدْ حَلَّتْ قال أبو سَلَمَةَ فَدَخَلْت على أُمِّ سَلَمَةَ فَسَأَلَتْهَا عن ذلك فقالت وَلَدَتْ سُبَيْعَةُ الْأَسْلَمِيَّةُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِنِصْفِ شَهْرٍ فَخَطَبَهَا رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا شَابٌّ وَالْآخَرُ شَيْخٌ فَخُطِبَتْ إلَى الشَّابِّ فقال الْكَهْلُ لم تَحْلُلْ وكان أَهْلُهَا غُيَّبًا فَرَجَا إذَا جاء أَهْلُهَا أَنْ يُؤْثِرُوهُ بها فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال قد حَلَلْت فَانْكِحِي من شِئْت فَبِهَذَا نَقُولُ وَهُمْ يَقُولُونَ بِقَوْلِنَا فيه وَيُنْكِرُونَ ما روى عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه وَيُخَالِفُونَهُ وَعَنْ صَالِحِ بن مُسْلِمٍ عن الشَّعْبِيِّ أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه قال في التي تَتَزَوَّجُ في عِدَّتِهَا قال تُتِمُّ ما بقى من عِدَّتِهَا من الْأَوَّلِ وَتَسْتَأْنِفُ من الْآخِرِ عِدَّةً جَدِيدَةً وَكَذَلِكَ نَقُولُ وهو مُوَافِقٌ لِمَا رَوَيْنَا عن عُمَرَ وَهُمْ يَقُولُونَ عليها عِدَّةٌ وَاحِدَةٌ وَيُنْكِرُونَ ما روى عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه وَيُخَالِفُونَهُ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا هُشَيْمٌ وأبو مُعَاوِيَةَ وَمُحَمَّدُ بن يَزِيدَ عن إسْمَاعِيلَ عن الشَّعْبِيِّ عن شُرَيْحٍ أَنَّ رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَذَكَرَتْ أنها قد حَاضَتْ في شَهْرٍ ثَلَاثَ حيض ( ( ( تبتت ) ) ) فقال عَلِيٌّ رضي اللَّهُ عنه لِشُرَيْحٍ قُلْ فيها فقال إنْ جَاءَتْ بِبَيِّنَةٍ من بِطَانَةِ أَهْلِهَا يَشْهَدُونَ صَدَقَتْ فقال له على قالون وقالون بِالرُّومِيَّةِ أَصَبْت وَهُمْ لَا يَأْخُذُونَ بهذا وَيُخَالِفُونَهُ أَمَّا بَعْضُهُمْ فيقول لَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ في أَقَلِّ من أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ يَوْمًا ( قال الرَّبِيعُ ) قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَقَلُّ ما تَنْقَضِي الْعِدَّةُ فِيمَنْ تَحِيضُ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا لِأَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَأَقَلَّ الطُّهْرِ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً وقال بَعْضُهُمْ أَقَلُّ ما تَنْقَضِي منه تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا ( 1 ) وَأَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ بِمَا روى عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ ما روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ لم يَجْعَلْ لِلْحَيْضِ وَقْتًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنَّهُ لَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا في أَقَلِّ من ثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها قالت قالت فَاطِمَةُ بِنْتُ أبي حُبَيْشٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنِّي لَا أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا ذلك عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ فإذا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلَاةَ فإذا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي عَنْك الدَّمَ وَصَلِّي فلم يُوَقِّتْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لها وَقْتًا في الْحَيْضَةِ فيقول كَذَا وَكَذَا يَوْمًا وَلَكِنَّهُ قال إذَا أَقْبَلَتْ وإذا أَدْبَرَتْ وروى عن سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عن أبي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ عن بن مَسْعُودٍ في الْعَزْلِ قال هو الْوَأْدُ الْخَفِيُّ وَلَسْنَا نَقُولُ بهذا لَا يَرَوْنَ بِالْعَزْلِ باسا وروى عن عَمْرِو بن الْهَيْثَمِ عن شُعْبَةَ عن عَاصِمٍ عن زِرٍّ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ كَرِهَ الْعَزْلَ وَلَيْسُوا يَأْخُذُونَ بهذا وَلَا يَرَوْنَ بِالْعَزْلِ بَأْسًا وَنَحْنُ نَرْوِي عن عَدَدٍ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ سُئِلَ عنه فلم يذكر عنه نَهْيًا ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن عَمْرٍو عن عَطَاءِ بن أبي رَبَاحٍ عن جَابِرٍ قال كنا نَعْزِلُ وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا يَزِيدُ بن هَارُونَ عن الْأَشْعَثِ عن أبي إِسْحَاقَ عن عَاصِمِ بن ضَمْرَةَ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه قال اُكْتُمُوا الصِّبْيَانَ النِّكَاحَ فإن كُلَّ طَلَاقٍ جَائِزٌ إلَّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ وَلَسْنَا نَأْخُذُ بهذا وَنَقُولُ لَا طَلَاقَ لِصَغِيرٍ حتى يَبْلُغَ وَلَا نُجِيزُ طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ وَلَا الْمُبَرْسَمِ وَلَا النَّائِمِ ويروي عن حَمَّادِ بن سَلَمَةَ عن حُمَيْدٍ عن الْحَسَنِ أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه قال لَا طَلَاقَ لِمُكْرَهٍ وَهُمْ يُخَالِفُونَ هذا وَيَقُولُونَ طَلَاقُ الْمُكْرَهِ جَائِزٌ وَحَمَّادٌ عن قَتَادَةَ عن خِلَاسٍ أَنَّ رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَأَشْهَدَ على طَلَاقِهَا وَرَاجَعَهَا وَأَشْهَدَ على رَجْعَتِهَا وَاسْتَكْتَمَ الشَّاهِدَيْنِ حتى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَرُفِعَ ذلك إلَى عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ولم يَجْعَلْ له عليها رَجْعَةً وَعَزَّرَ الشَّاهِدَيْنِ وَهُمْ يُخَالِفُونَ
____________________

(7/173)


هذا وَيَجْعَلُونَ الرَّجْعَةَ ثَابِتَةً ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا هُشَيْمٌ عن دَاوُد عن سِمَاكٍ عن أبي عَطِيَّةَ الْأَسَدِيِّ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَخِيهِ وَهِيَ تُرْضِعُ بن أَخِيهِ فقال وَاَللَّهِ لَا أقربها حتى تَفْطِمَهُ فَسَأَلَ عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه عن ذلك فقال عَلِيٌّ إنْ كُنْت إنَّمَا تُرِيدُ الْإِصْلَاحَ لَك وَلِابْنِ أَخِيك فَلَا إيلَاءَ عَلَيْك وَإِنَّمَا الْإِيلَاءُ ما كان في الْغَضَبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * الْمُتْعَةُ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن إسْمَاعِيلَ عن قَيْسِ بن أبي حَازِمٍ قال سَمِعْت بن مَسْعُودٍ يقول كنا نَغْزُو مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَيْسَ مَعَنَا نِسَاءٌ فَأَرَدْنَا أَنْ نختصى فَنَهَانَا عن ذلك ثُمَّ رَخَّصَ لنا أَنْ نَنْكِحَ الْمَرْأَةَ إلَى أَجَلٍ بِالشَّيْءِ وَلَيْسُوا يَأْخُذُونَ بهذا وَيُخَالِفُونَ ما روى عن عبد اللَّهِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن الزُّهْرِيِّ قال حدثني حَسَنٌ وَعَبْدُ اللَّهِ ابْنَا مُحَمَّدِ بن عَلِيٍّ عن أَبِيهِمَا عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ قال لِابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَلُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ زَمَنَ خَيْبَرَ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن عبد اللَّهِ وَالْحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بن عَلِيٍّ عن أَبِيهِمَا عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن مُتْعَةِ النِّسَاءِ يوم خَيْبَرَ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن الزُّهْرِيِّ قال أخبرني الرَّبِيعُ بن سَبْرَةَ عن أبيه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَبِهَذَا يقول الشَّافِعِيُّ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مُغِيرَةُ عن إبْرَاهِيمَ عن عبد اللَّهِ قال بَيْعُ الْأَمَةِ طَلَاقُهَا وَهُمْ يُثْبِتُونَ مُرْسَلَ إبْرَاهِيمَ عن عبد اللَّهِ وَيَرْوُونَ عنه أَنَّهُ قال إذَا قُلْت قال عبد اللَّهِ فَقَدْ حدثني غَيْرُ وَاحِدٍ من أَصْحَابِهِ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِقَوْلِ عبد اللَّهِ هذا وَيَقُولُونَ لَا يَكُونُ بَيْعُ الْأَمَةِ طَلَاقَهَا وَهَكَذَا نَقُولُ وَنَحْتَجُّ بِحَدِيثِ بَرِيرَةَ أَنَّ عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها اشْتَرَتْهَا وَلَهَا زَوْجٌ ثُمَّ أَعْتَقَتْهَا فَجَعَلَ لها النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْخِيَارَ وَلَوْ كان بَيْعُهَا طَلَاقَهَا لم يَكُنْ لِلْخِيَارِ مَعْنَى وَكَانَتْ قد بَانَتْ من زَوْجِهَا بِالشِّرَاءِ وَرَوَيْنَا عن عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرحمن بن عَوْفٍ أَنَّهُمَا لم يَرَيَا بَيْعَ الْأَمَةِ طَلَاقَهَا أخبرنا بِذَلِكَ سُفْيَانُ عن الزُّهْرِيِّ عن أبي سَلَمَةَ بن عبد الرحمن بن عَوْفٍ اشْتَرَى من عَاصِمِ بن عَدِيٍّ جَارِيَةً فَأُخْبِرَ أَنَّ لها زَوْجًا فَرَدَّهَا ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا عَمْرُو بن الْهَيْثَمِ عن شُعْبَةَ عن الْحَكَمِ عن سَالِمِ بن أبي الْجَعْدِ عن أبيه عن بن مَسْعُودٍ في الرَّجُلِ يزنى بِامْرَأَةٍ ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا قال لَا يَزَالَانِ زَانِيَيْنِ وَلَسْنَا وَلَا إيَّاهُمْ نَقُولُ بهذا هُمَا آثِمَانِ حين زَنَيَا وَمُصِيبَانِ الْحَلَالَ حين تَنَاكَحَا غير زَانِيَيْنِ وقد قال عُمَرُ وبن عَبَّاسٍ نحو هذا ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا شَرِيكٌ عن أبي حُصَيْنٍ عن يحيي بن وَثَّابٍ عن مَسْرُوقٍ عن عبد اللَّهِ قال إذَا قال الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ اسْتَلْحِقِي بِأَهْلِك أو وَهَبَهَا لِأَهْلِهَا فَقَبِلُوهَا فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ وهو أَحَقُّ بها وَبِهَذَا نَقُولُ إذَا أَرَادَ الطَّلَاقَ وَهُمْ يُخَالِفُونَهُ وَيَزْعُمُونَ أنها تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ عبد اللَّهِ بن مُوسَى عن بن أبي لَيْلَى عن طَلْحَةَ عن إبْرَاهِيمَ عن عَلْقَمَةَ عن عبد اللَّهِ قال لَا يَكُونُ طَلَاقٌ بَائِنٌ إلَّا خُلْعٌ أو إيلَاءٌ وَهُمْ يُخَالِفُونَهُ في عَامَّةِ الطَّلَاقِ فَيَجْعَلُونَهُ بَائِنًا وَأَمَّا نَحْنُ فَنَجْعَلُ الطَّلَاقَ كُلَّهُ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ إلَّا طَلَاقَ الْخُلْعِ وَرُوِيَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَعَنْ عُمَرَ في ألبتة أنها وَاحِدَةٌ يَمْلِكُ فيها الرَّجْعَةَ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا عمى محمد بن عَلِيٍّ عن عبد اللَّهِ بن عَلِيِّ بن السَّائِبِ عن نَافِعِ بن عُجَيْرٍ عن رُكَانَةَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ فقال له رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ما أَرَدْت فقال وَاَللَّهِ ما أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً فَرَدَّهَا إلَيْهِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن مُحَمَّدِ بن عَبَّادٍ عن الْمُطَّلِبِ قال قال لي عُمَرُ وَطَلَّقْت امْرَأَتِي أَلْبَتَّةَ أَمْسِكْ عَلَيْك امْرَأَتَك فإن الْوَاحِدَةَ تَبِتُّ وروى عن زَيْدِ بن ثَابِتٍ في التَّمْلِيكِ وَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا هُشَيْمٌ عن
____________________

(7/174)


إسْمَاعِيلَ بن أبي خَالِدٍ عن الشَّعْبِيِّ وَمُغِيرَةَ عن إبْرَاهِيمَ عن عبد اللَّهِ في الْخِيَارِ إنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَوَاحِدَةٌ وهو أَحَقُّ بها وَهَكَذَا نَقُولُ نَحْنُ وَهُمْ يُخَالِفُونَهُ وَيَرَوْنَ الطَّلَاقَ فيه بَائِنًا ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا حَفْصٌ عن الْأَعْمَشِ عن إبْرَاهِيمَ في اخْتَارِي وَأَمْرُك بِيَدِك سَوَاءٌ وَبِهَذَا نَقُولُ وَهُمْ يُخَالِفُونَهُ فَيُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا أبو مُعَاوِيَةَ وَيَعْلَى عن الْأَعْمَشِ عن إبْرَاهِيمَ عن مَسْرُوقٍ أَنَّ امْرَأَةً قالت لِزَوْجِهَا لو أَنَّ الْأَمْرَ الذي بِيَدِك بِيَدَيْ طَلَّقْت نَفْسِي فقال قد جَعَلْت الْأَمْرَ إلَيْك فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا فَسَأَلَ عُمَرُ عَبْدَ اللَّهِ عن ذلك فقال هِيَ وَاحِدَةٌ وهو أَحَقُّ بها فقال عُمَرُ وأنا أَرَى ذلك وَبِهَذَا نَقُولُ إذَا جَعَلَ الْأَمْرَ إلَيْهَا ثُمَّ قال لم أُرِدْ إلَّا وَاحِدَةً فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَهِيَ تَطْلِيقَةٌ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَهُمْ يُخَالِفُونَ هذا فَيَجْعَلُونَهَا وَاحِدَةً بَائِنَةً ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا هُشَيْمٌ عن سَيَّارٍ أبي الْحَكَمِ وَأَبِي حَيَّانَ عن الشَّعْبِيِّ أَنَّ رَجُلًا قال من يَذْبَحُ لِلْقَوْمِ شَاةً وَأُزَوِّجُهُ أَوَّلَ بِنْتٍ تُولَدُ لي فَذَبَحَ لهم رَجُلٌ من الْقَوْمِ فَأَجَازَ عبد اللَّهِ النِّكَاحَ وَلَسْنَا وَلَا إيَّاهُمْ وَلَا أَحَدٌ من الناس عَلِمْتُهُ يقول بهذا يَجْعَلُونَ لِلذَّابِحِ أَجْرَ مِثْلِهِ وَلَا يَكُونُ هذا نِكَاحًا ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا هُشَيْمٌ عن مَنْصُورٍ عن إبْرَاهِيمَ عن بن مَسْعُودٍ قال يُكْرَهُ أَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إذَا فَجَرَتْ أو يَطَأَهَا وَهِيَ مُشْرِكَةٌ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بهذا وَيَقُولُونَ لَا بَأْسَ أَنْ يَطَأَهَا قبل الْفُجُورِ وَبَعْدَهُ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا هُشَيْمٌ عن بن أبي لَيْلَى عن الشَّعْبِيِّ عن عبد اللَّهِ في الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عنها لها النَّفَقَةُ من جَمِيعِ الْمَالِ وَلَسْنَا وَلَا أَحَدٌ يقول بهذا إذَا مَاتَ الْمَيِّتُ وَجَبَ الْمِيرَاثُ لِأَهْلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * ما جاء في الْبُيُوعِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا إسْمَاعِيلَ عن الشَّعْبِيِّ عن عُبَيْدَةَ قال قال عَلِيٌّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه اسْتَشَارَنِي عُمَرُ في بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ فَرَأَيْت أنا وهو أنها عَتِيقَةٌ فَقَضَى بِهِ عُمَرُ حَيَاتَهُ وَعُثْمَانُ بَعْدَهُ فلما وُلِّيت رَأَيْت أنها رَقِيقٌ وَلَسْنَا وَلَا إيَّاهُمْ نَقُولُ بهذا نَقُولُ بِقَوْلِ عُمَرَ لَا تُبَاعُ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن مَهْدِيٍّ عن سُفْيَانَ عن نُسَيْرِ بن ذُعْلُوقٍ عن عَمْرِو بن رَاشِدٍ الْأَشْجَعِيِّ أَنَّ رَجُلًا بَاعَ نَجِيبَةً وَاشْتَرَطَ ( 1 ) ثَنَيَاهَا فَرَغِبَ فيها فَاخْتَصَمَا إلَى عُمَرَ فقال اذْهَبَا إلَى عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه فقال عَلِيٌّ اذْهَبَا بها إلَى السُّوقِ فإذا بَلَغَتْ أَقْصَى ثَمَنِهَا فَأَعْطُوهُ حِسَابَ ثَنَيَاهَا من ثَمَنِهَا وَلَيْسُوا يَقُولُونَ بهذا وهو عِنْدَهُمْ بَيْعٌ فَاسِدٌ فَخَالَفُوا عَلِيًّا وَلَا نَعْلَمُ له مُخَالِفًا في هذا من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَهُمْ يُثْبِتُونَ هذه الرِّوَايَةَ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه فَإِنْ يُثْبِتُوهَا فَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَقُولُوا بِهِ لِأَنَّهُ ليس له دَافِعٌ عِنْدَهُمْ وَنَحْنُ نَقُولُ هذا فَاسِدٌ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن عُلَيَّةَ عن عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ عن الْحَسَنِ أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه قَضَى بِالْخَلَاصِ وَلَيْسُوا يَقُولُونَ بهذا يَقُولُونَ إنْ اسْتَحَقَّ رد الْبَائِعُ الثَّمَنَ الذي قَبَضَ ولم يَكُنْ عليه أَنْ يُخَلِّصَهَا بِثَمَنٍ وَلَا غير ذلك وَلَيْسُوا يَرْوُونَ خِلَافَ هذا عن أَحَدٍ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَيَلْزَمُهُمْ إذَا ثَبَتُوا هذا في أَصْلِ قَوْلِهِمْ أَنْ يَقُولُوا بِهِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا حَمَّادُ بن سَلَمَةَ عن عَطَاءٍ الخرساني ( ( ( الخراساني ) ) ) عن عبد اللَّهِ بن ضَمْرَةَ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قال كَسْبُ الْحِجَامِ من السُّحْتِ وَلَيْسُوا يَأْخُذُونَ بهذا وَلَا يَرَوْنَ بِكَسْبِ الْحَجَّامِ بَأْسًا وَنَحْنُ لَا نَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا ونروى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ أَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ وَلَوْ كان سُحْتًا لم يُعْطِهِ إيَّاهُ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا هُشَيْمٌ وَحَفْصٌ وَغَيْرُهُمَا عن الْحَجَّاجِ عن بن عَمْرِو بن حُرَيْثٍ عن أبيه أَنَّهُ بَاعَ عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه دِرْعًا مَنْسُوجَةً بِالذَّهَبِ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ إلَى الْعَطَاءِ
____________________

(7/175)


وَلَيْسُوا يَقُولُونَ بهذا هذا عِنْدَهُمْ بَيْعٌ مَفْسُوخٌ لِأَنَّهُ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا حَمَّادُ بن سَلَمَةَ عن قَتَادَةَ عن خِلَاسِ بن عُمَرَ وَعَنْ عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه فِيمَنْ اشْتَرَى ما أَحْرَزَ الْعَدُوُّ قال هو جَائِزٌ وَهُمْ يَقُولُونَ إنَّ صَاحِبَهُ إذَا جاء بِالْخِيَارِ إنْ أَحَبَّ أَخْذَهُ بِالثَّمَنِ أَخَذَهُ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا أبو مُعَاوِيَةَ عن الْأَعْمَشِ عن إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عن أبيه عن عبد اللَّهِ قال لَا بَأْسَ بِالدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ وَلَسْنَا وَلَا إيَّاهُمْ نَقُولُ بهذا نَقُولُ بِالْأَحَادِيثِ التي رُوِيَتْ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ نهى عن الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَعَنْ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وقد كان عبد اللَّهِ لقى أَصْحَابَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَنَهَوْهُ فلما رَجَعَ قال ما أَرَى بِهِ بَأْسًا وما أنا بِفَاعِلِهِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا هُشَيْمٌ عن سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عن أبي عُثْمَانَ عن بن مَسْعُودٍ قال من ابْتَاعَ مُصَرَّاةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعًا من طَعَامٍ وَهَكَذَا نَقُولُ وَبِهَذَا مَضَتْ السُّنَّةُ وَهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ إذَا حَلَبَهَا فَلَيْسَ له رَدُّهَا لِأَنَّهُ قد أَخَذَ منها شيئا أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا أبو مُعَاوِيَةَ عن الْأَعْمَشِ عن زَيْدِ بن وَهْبٍ عن عبد اللَّهِ أَنَّهُ قال في أُمِّ الْوَلَدِ تُعْتَقُ من نَصِيبِ وَلَدِهَا وَلَسْنَا وَلَا إيَّاهُمْ نَقُولُ بهذا نَقُولُ بِحَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ أَعْتَقَ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ إذَا مَاتَ سَادَاتُهُنَّ وَيَقُولُونَ جميعا تُعْتَقُ من رَأْسِ الْمَالِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن عُلَيَّةَ عن حَمَّادٌ عن إبْرَاهِيمَ عن عَلْقَمَةَ عن عبد اللَّهِ أَنَّهُ كَرِهَ شِرَاءَ الْمَصَاحِفِ وَبَيْعَهَا وَلَيْسُوا يَقُولُونَ بهذا لَا يَرَوْنَ بَأْسًا بِبَيْعِهَا وَشِرَائِهَا وَمِنْ الناس من لَا يَرَى بِشِرَائِهَا بَأْسًا وَنَحْنُ نَكْرَهُ بَيْعَهَا ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا وَكِيعٌ أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه قال لَا يَحِلُّ أَكْلُ الثُّومِ إلَّا مَطْبُوخًا وَلَيْسُوا يَقُولُونَ بهذا بَلْ يُنْكِرُونَهُ وَيَقُولُونَ ما يقول بهذا أَحَدٌ ويروي عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال من أَكَلَ من هذه الشَّجَرَةِ فَلَا يَقْرَبْنَ مَسَاجِدَنَا يُؤْذِينَا بِرِيحِ الثُّومِ وَهَذَا الذي نَأْخُذُ بِهِ - * بَابُ الدِّيَاتِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن مَهْدِيٍّ عن سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عن أبي إِسْحَاقَ عن عَاصِمِ بن ضَمْرَةَ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه قال الْخَطَأُ شِبْهُ الْعَمْدِ بِالْخَشَبَةِ وَالْحَجَرِ الضَّخْمِ ثُلُثُ حِقَاقٍ وَثُلُثُ جِذَاعٍ وَثُلُثُ ما بين ثَنِيَّةٍ إلَى بَازِلٍ عَامُّهَا كُلُّهَا خِلْفَةٌ وفي الْخَطَأُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَنَحْنُ نروى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في شِبْهِ الْعَمْدِ أَرْبَعُونَ خِلْفَةً في بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا وروى عن عُمَرَ أَنَّهُ قَضَى بِهِ ثَلَاثِينَ حِقَّةً وَثَلَاثِينَ جَذَعَةً وَأَرْبَعِينَ خِلْفَةً وَبِهَذَا نَقُولُ وَهُمْ يَقُولُونَ بِخِلَافِ هذا وَيَقُولُونَ في الْحَجَرِ الضَّخْمِ وَالْخَشَبَةِ هذا عَمْدٌ فيه الْقَوَدُ وَيَعِيبُونَ مَذْهَبَ صَاحِبِهِمْ بِأَنَّهُ يقول هو خَطَأٌ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا الطَّنَافِسِيُّ عن عبد اللَّهِ بن حَبِيبِ بن أبي ثَابِتٍ عن الشَّعْبِيِّ عن مَسْرُوقٍ قال كُنْت عِنْدَ عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه فَأَتَاهُ ثَلَاثَةٌ فَشَهِدُوا على اثْنَيْنِ أَنَّهُمَا غَرَّقَا صَبِيًّا وَشَهِدَ الِاثْنَانِ على الثَّلَاثَةِ أَنَّهُمْ غَرَّقُوهُ فَقَضَى عَلِيٌّ رضي اللَّهُ عنه على الثَّلَاثَةِ بِخُمْسَيْ الدِّيَةِ وقضي على الأثنين بِثَلَاثَةِ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ وَلَسْنَا وَلَا أَحَدٌ عَلِمْنَاهُ يقول بهذا يَقُولُونَ لولى الدَّمِ أَنْ يدعى على إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا جَرِيرٌ عن مُغِيرَةَ عن الشَّعْبِيِّ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه في الرَّجُلِ يَقْتُلُ الْمَرْأَةَ قال إنْ أَرَادَ أَوْلِيَاءُ الْمَرْأَةِ أَنْ يَقْتَصُّوا لم يَكُنْ ذلك لهم حتى يُعْطُوا نِصْفَ الدِّيَةِ وَلَيْسُوا يَقُولُونَ بهذا يَقُولُونَ بَيْنَهُمَا الْقِصَاصُ في النَّفْسِ وَيُنْكِرُونَ هذا الْقَوْلَ وَيَقُولُونَ ما نَعْلَمُ أَحَدًا يَقُولُهُ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا يَزِيدُ بن هَارُونَ عن هِشَامٍ عن الْحَسَنِ أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه قَضَى
____________________

(7/176)


بِالدِّيَةِ أثنى عَشَرَ أَلْفًا وَهُمْ يَقُولُونَ الدِّيَةُ عَشَرَةُ آلَافٍ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن أبي زَائِدَةَ عن مُجَالِدٍ عن الشَّعْبِيِّ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّهُ قَضَى في الْقَامِصَةِ وَالْقَارِصَةِ وَالْوَاقِصَةِ جَارِيَةٌ رَكِبَتْ جَارِيَةً فَقَرَصَتْهَا جَارِيَةٌ فَقَمَصَتْ فَوَقَصَتْ الْمَحْمُولَةُ فَانْدَقَّ عُنُقَهَا فَجَعَلَهَا أَثْلَاثًا وَلَيْسُوا يَقُولُونَ بهذا وَيُنْكِرُونَ الْحُكْمَ بِهِ وَيَقُولُونَ ما يقول هذا أَحَدٌ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ ليس على الْمَوْقُوصَةِ شَيْءٌ وَأَنَّ دِيَتَهَا على الْعَاقِلَةِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا عَبَّادُ بن الْعَوَّامِ عن عَمْرِو بن عَامِرٍ عن قَتَادَةَ عن خِلَاسٍ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه أَنَّ غُلَامَيْنِ كَانَا يَلْعَبَانِ بِقُلَّةٍ فقال أَحَدُهُمَا حَذَارٍ وقال الْآخَرُ حَذَارٍ فَأَصَابَتْ ثَنِيَّتَهُ فَكَسَرَتْهَا فَرُفِعَ إلَى عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه فلم يَضْمَنْهُ وَهُمْ يَضْمَنُونَ هذا وَيُخَالِفُونَ ما رَوَوْا فيه ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا حَمَّادٌ عن قَتَادَةَ عن خِلَاسٍ عن عَلِيٍّ قال إذَا أَمَرَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ أَنْ يَقْتُلَ رَجُلًا فَإِنَّمَا هو كَسَيْفِهِ أو سَوْطِهِ يَقْتُلُ الْمَوْلَى وَيُحْبَسُ الْعَبْدُ في السِّجْنِ أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن مُطَرِّفٍ عن الشَّعْبِيِّ عن أبي جُحَيْفَةَ قال قُلْت لِعَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه هل عِنْدَكُمْ من النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم غَيْرُ ما في أَيْدِي الناس قال لَا إلَّا أَنْ يؤتى اللَّهُ عَبْدًا فَهْمًا في الْقُرْآنِ وما في الصَّحِيفَةِ قُلْت وما في الصَّحِيفَةِ قال الْعَقْلُ وَفِكَاكُ الْأَسِيرِ وَأَنْ لَا يُقْتَلَ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَهُمْ يُخَالِفُونَ هذا وَيَقُولُونَ يُقْتَلُ الْمُؤْمِنُ بِالْكَافِرِ وَيُخَالِفُونَ ما رَوَوْا عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا حَمَّادُ بن سَلَمَةَ عن سِمَاكِ بن حَرْبٍ عن عُبَيْدِ بن الْقَعْقَاعِ قال كُنْت رَابِعُ أَرْبَعَةٍ نَشْرَبُ الْخَمْرَ فَتَطَاعَنَّا بِمُدْيَةٍ كانت مَعَنَا فَرَفَعْنَا إلَى عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه فَسَجَنَنَا فَمَاتَ مِنَّا اثْنَانِ فقال أَوْلِيَاءُ الْمُتَوَفَّيَيْنِ أَقِدْنَا من الْبَاقِيَيْنِ فَسَأَلَ عَلِيٌّ رضي اللَّهُ عنه الْقَوْمَ ما تَقُولُونَ فَقَالُوا نري أَنْ تُقَيِّدَهُمَا قال فَلَعَلَّ أَحَدُهُمَا قَتَلَ صَاحِبَهُ قالوا لَا نَدْرِي قال وأنا لَا أَدْرِي وَسَأَلَ الْحَسَنَ بن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما فقال مِثْلَ مَقَالَةِ الْقَوْمِ فَأَجَابَهُ بِمِثْلِ ذلك فَجَعَلَ دِيَةَ الْمَقْتُولَيْنِ على قَبَائِلِ الْأَرْبَعَةِ ثُمَّ أَخَذَ دِيَةَ جِرَاحِ الْبَاقِيَيْنِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا حَمَّادُ بن سَلَمَةَ عن سِمَاكٍ عن حَنَشِ بن الْمُعْتَمِرِ أَنَّ نَاسًا حَفَرُوا بِئْرًا لِأَسَدٍ فَازْدَحَمَ الناس عليها فَتَرَدَّى فيها رَجُلٌ فَتَعَلَّقَ بِرَجُلٍ وَتَعَلَّقَ الْآخَرُ بِآخَرَ فَجَرَحَهُمْ الْأَسَدُ فَاسْتُخْرِجُوا منها فَمَاتُوا فَتَشَاجَرُوا في ذلك حتى أَخَذُوا السِّلَاحَ فقال عَلِيٌّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه لِمَ تَقْتُلُونَ مِائَتَيْنِ من أَجْلِ أَرْبَعَةٍ تَعَالَوْا فَلْنَقْضِ بَيْنَكُمْ بِقَضَاءٍ إنْ رَضِيتُمْ وَإِلَّا فَارْتَفِعُوا إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لِلْأَوَّلِ رُبْعُ الدِّيَةِ وَلِلثَّانِي ثُلُثُ الدِّيَةِ وَلِلثَّالِثِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَلِلرَّابِعِ الدِّيَةُ كَامِلَةٌ وَجَعَلَ الدِّيَةَ على قَبَائِلِ الَّذِينَ ازْدَحَمُوا على الْبِئْرِ فَمِنْهُمْ من رضى وَمِنْهُمْ من لم يَرْضَ فَتَرَافَعُوا إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَقَصُّوا عليه الْقِصَّةَ وَقَالُوا إنَّ عَلِيًّا رضى اللَّهُ عنه قَضَى بِكَذَا وَكَذَا فَأَمْضَى قَضَاءَ عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وَهُمْ لَا يَأْخُذُونَ بهذا ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا شُعْبَةُ عن الْأَعْمَشِ عن شَقِيقٍ عن عبد اللَّهِ في جِرَاحَاتِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ تَسْتَوِي في السِّنِّ وَالْمُوضِحَةِ وما خَلَا فَعَلَى النِّصْفِ وَهُمْ يُخَالِفُونَ هذا فَيَقُولُونَ على النِّصْفِ من كل شَيْءٍ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا سَعِيدٌ عن أبي مَعْشَرٍ عن إبْرَاهِيمَ عن عبد اللَّهِ في الذي يُقْتَصُّ منه فَيَمُوتُ قال علي الذي اقْتَصَّ منه الدِّيَةُ وَيُرْفَعُ عنه بِقَدْرِ جِرَاحَتِهِ وَلَيْسُوا يَقُولُونَ بهذا بَلْ نَقُولُ نَحْنُ وَهُمْ لَا شَيْءَ على الْمُقْتَصِّ لِأَنَّهُ فَعَلَ فِعْلًا كان له أَنْ يَفْعَلَهُ - * بَابُ الْأَقْضِيَةِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن الْأَجْلَحِ عن الشَّعْبِيِّ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه اخْتَصَمَ إلَيْهِ نَاسٌ ثَلَاثَةٌ يَدَّعُونَ وَلَدًا فَسَأَلَهُمْ أَنْ يُسْلِمَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ فَأَبَوْا فقال أَنْتُمْ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ ثُمَّ أَقْرَعَ
____________________

(7/177)


بَيْنَهُمْ فَجَعَلَهُ لِوَاحِدٍ منهم خَرَجَ سَهْمُهُ وَقَضَى عليه بِثُلُثَيْ الدِّيَةِ فذكر ذلك لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال أَصَبْت وَأَحْسَنَتْ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا شُعْبَةُ عن سَلَمَةَ بن كُهَيْلٍ قال سَمِعْت الشَّعْبِيَّ يحدث عن أبي الْخَلِيلِ أو بن الْخَلِيلِ أَنَّ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ اشْتَرَكُوا في طُهْرٍ فلم يَدْرِ لِمَنْ الْوَلَدُ فَاخْتَصَمُوا إلَى عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَقْتَرِعُوا وَأَمَرَ الذي أَصَابَتْهُ الْقُرْعَةُ أَنْ يُعْطِيَ للاخرين ثُلُثَيْ الدِّيَةِ وَلَيْسُوا يَقُولُونَ بهذا وَهُمْ يُثْبِتُونَ هذا عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَهُمْ يُخَالِفُونَهُ وَاَلَّذِي يَقُولُونَهُ هُمْ ما يَثْبُتُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُخَالِفَهُ وَلَوْ ثَبَتَ عِنْدَنَا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قُلْنَا بِهِ وَنَحْنُ نَقُولُ نَدْعُو الْقَافَةَ له فَإِنْ أَلْحَقُوهُ بِأَحَدِهِمْ فَهُوَ ابْنُهُ وَإِنْ أَلْحَقُوهُ بِكُلِّهِمْ أو لم يُلْحِقُوهُ بِأَحَدِهِمْ فَلَا يَكُونُ له وَيُوقَفُ حتى يَبْلُغَ فَيَنْتَسِبُ إلَى أَيِّهِمْ شَاءَ وَلَا يَكُونُ له أَبَوَانِ في الْإِسْلَامِ وَهُمْ يَقُولُونَ هو ابْنُهُمْ يَرِثُهُمْ وَيَرِثُونَهُ وهو لِلْبَاقِي منهم ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا شُعْبَةُ عن سِمَاكٍ عن أبي عُبَيْدِ بن الْأَبْرَصِ أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْجَرَ نَجَّارًا يَضْرِبُ له مِسْمَارًا فَانْكَسَرَ الْمِسْمَارُ فَخَاصَمَهُ إلَى عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه فقال أَعْطِهِ دِرْهَمًا مَكْسُورًا وَهُمْ يُخَالِفُونَ هذا وَلَا يَقُولُونَ بِهِ وَنَحْنُ لَا نَقُولُ بِهِ وَمَنْ ضَمَّنَ الْأَجِيرَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الْمِسْمَارِ ولم يَجْعَلْ له شيئا إذَا لم يُتِمَّ الْعَمَلَ فَإِنْ تَمَّ الْعَمَلُ فَلَهُ ما اسْتَأْجَرَهُ عليه إنْ كانت الْإِجَارَةُ صَحِيحَةً وَإِنْ كانت الْإِجَارَةُ فَاسِدَةً فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا أبو بَكْرِ بن عَيَّاشٍ عن عبد الْعَزِيزِ بن رُفَيْعٍ عن مُوسَى بن طَرِيفٍ الْأَسَدِيِّ قال دخل عَلِيٌّ رضي اللَّهُ عنه بَيْتَ الْمَالِ ( 1 ) فَأَضْرَطَ بِهِ وقال لَا أُمْسِي وَفِيك دِرْهَمٌ فَأَمَرَ رَجُلًا من بَنِي أَسَدٍ فَقَسَّمَهُ إلَى اللَّيْلِ فقال الناس لو عَوَّضْتَهُ فقال إنْ شَاءَ وَلَكِنَّهُ سُحْتٌ وَهُمْ يُخَالِفُونَ هذا وَيَقُولُونَ لَا بَأْسَ بِالْجُعْلِ على الْقَسْمِ وَهُمْ يَقُولُونَ قال عَلِيٌّ سُحْتٌ وَهُمْ يَرْوُونَ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه إنْ شَاءَ أَعْطَيْتُهُ وهو سُحْتٌ وَنَحْنُ وَهُمْ نَقُولُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُعْطِيَ السُّحْتَ كما لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَهُ وَلَا نَرَى عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه يُعْطِي شيئا يَرَاهُ سُحْتًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن عُلَيَّةَ عن إسْمَاعِيلَ بن أبي خَالِدٍ عن الشَّعْبِيِّ قال أتى عَلِيٌّ رضي اللَّهُ عنه في بَعْضِ الْأَمْرِ فقال ما أَرَاهُ إلَّا جَوْرًا وَلَوْلَا أَنَّهُ صُلْحٌ لَرَدَدْتُهُ وَهُمْ يُخَالِفُونَ هذا وَيَقُولُونَ إذَا كان جَوْرًا فَهُوَ مَرْدُودٌ وَنَحْنُ نَرْوِي عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ من اصْطَلَحَ على شَيْءٍ غَيْرِ جَائِزٍ فَهُوَ رَدٌّ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا حَفْصُ بن غِيَاثٍ عن بن أبي لَيْلَى عن الْحَكَمِ عن حَنَشٍ أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه رأي الْحَلِفَ مع الْبَيِّنَةِ وَهُمْ يُخَالِفُونَ هذا وَلَا يَسْتَحْلِفُونَ أَحَدًا مع بَيِّنَتِهِ وَهُمْ يَرْوُونَ عن شُرَيْحٍ أَنَّهُ اسْتَحْلَفَ مع الْبَيِّنَةِ وَلَا نَعْلَمُهُمْ يَرْوُونَ عن أَحَدٍ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم خِلَافَهُمَا - * بَابُ اللُّقَطَةِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا رَجُلٌ عن شُعْبَةَ عن أبي قَيْسٍ قال سَمِعْت هُذَيْلًا يقول رَأَيْت عَبْدَ اللَّهِ أَتَاهُ رَجُلٌ بِصُرَّةٍ مَخْتُومَةٍ فقال قد عَرَّفْتُهَا ولم أَجِدْ من يَعْرِفُهَا فقال اسْتَمْتِعْ بها وَهَذَا قَوْلُنَا إذَا عَرَّفَهَا سَنَةً فلم يَجِدْ من يَعْرِفُهَا فَلَهُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بها وَهَكَذَا السُّنَّةُ الثَّابِتَةُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَحَدِيثُ بن مَسْعُودٍ أَشْبَهُ بِالسُّنَّةِ وقد خَالَفُوا هذا كُلَّهُ وَرَوَوْا حَدِيثًا عن عَامِرٍ عن أبيه عن عبد اللَّهِ أَنَّهُ اشْتَرَى جَارِيَةً فَذَهَبَ صَاحِبُهَا فَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا وقال اللَّهُمَّ عن صَاحِبِهَا فَإِنْ كَرِهَ فَلِي وعلى الْغُرْمُ ثُمَّ قال هَكَذَا نَفْعَلُ بِاللُّقَطَةِ فَخَالَفُوا السُّنَّةَ
____________________

(7/178)


في اللُّقَطَةِ التي لَا حُجَّةَ فيها وَخَالَفُوا حَدِيثَ عبد اللَّهِ بن مَسْعُودٍ الذي يُوَافِقُ السُّنَّةَ وهو عِنْدَهُمْ ثَابِتٌ وَاحْتَجُّوا بهذا الحديث الذي عن عَامِرٍ وَهُمْ يُخَالِفُونَهُ فِيمَا هو فيه بِعَيْنِهِ يَقُولُونَ إنْ ذَهَبَ الْبَائِعُ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا وَلَكِنَّهُ يَحْبِسُهُ حتى يَأْتِيَ صَاحِبُهَا مَتَى جاء - * بَابُ الْفَرَائِضِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا رَجُلٌ عن شُعْبَةَ عن عَمْرِو بن مُرَّةَ عن عبد اللَّهِ بن سَلَمَةَ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ كان يُشْرِكُ بين الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ حتى يَكُونَ سَادِسًا وَلَيْسُوا يَقُولُونَ بهذا أَمَّا صَاحِبُهُمْ فيقول الْجَدُّ أَبٌ فَيَطْرَحُ الْإِخْوَةَ وَأَمَّا هُمْ وَنَحْنُ فَنَقُولُ بِقَوْلِ زَيْدٍ يُقَاسِمُ الْإِخْوَةَ ما كانت الْمُقَاسَمَةُ خَيْرًا له وَلَا يُنْقِصُ من الثُّلُثِ من رَأْسِ الْمَالِ وَهُمْ يُنْكِرُونَ قَوْلَ عَلِيٍّ وَيَقُولُونَ ما يقول هذا أَحَدٌ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا أبو مُعَاوِيَةَ عن الْأَعْمَشِ عن إبْرَاهِيمَ قال كان عُمَرُ وَعَبْدُ اللَّهِ يُوَرِّثَانِ الْأَرْحَامَ دُونَ الْمَوَالِي ( 3 ) وكان عَلِيٌّ رضي اللَّهُ عنه أَشَدَّهُمْ في ذلك وَلَيْسُوا يَقُولُونَ بهذا يَقُولُونَ إذَا لم يَكُنْ أَهْلُ فَرَائِضَ مُسَمَّاةٍ وَلَا عَصَبَةٌ وَرَّثْنَا الْمَوَالِيَ وَنَقُولُ نَحْنُ لَا نُوَرِّثُ أَحَدًا غير من سُمِّيَتْ له فَرِيضَةٌ أو عَصَبَةٌ وَهُمْ يُوَرِّثُونَ الْأَرْحَامَ وَلَيْسُوا بِعَصَبَةٍ وَلَا مُسَمًّى لهم إذَا لم تَكُنْ أَمْوَالٌ وَقَالُوا الْقَوْلُ قَوْلُ زَيْدٍ وَالْقِيَاسُ عليه ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا رَجُلٌ عن بن أبي لَيْلَى عن الشَّعْبِيِّ عن الحرث عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ وَرَّثَ نَفَرًا بَعْضَهُمْ من بَعْضٍ وَيَقُولُونَ في هذا بِقَوْلِنَا ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا رَجُلٌ عن سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عن أبي قَيْسٍ عن هُذَيْلٍ عن عبد اللَّهِ أَنَّهُ لم يُشْرِكْ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا وَكِيعٌ عن سُفْيَانَ عن مَنْصُورٍ عن إبْرَاهِيمَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ أَشْرَكَ وَنَحْنُ نَقُولُ يُشْرِكُ وَهُمْ يُخَالِفُونَهُ وَيَقُولُونَ لَا نُشْرِكُ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا رَجُلٌ عن سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عن مَعْبَد بن خَالِدٍ عن مَسْرُوقٍ عن عبد اللَّهِ في ابْنَتَيْنِ وَبَنَاتِ بن وَبَنِي بن لِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ وما بقى فَلِبَنِي الِابْنِ دُونَ الْبَنَاتِ وَكَذَلِكَ قال في الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ مع الْأَخَوَاتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَلَسْنَا وَلَا أَحَدٌ عَلِمْته يقول بهذا إنَّمَا يقول الناس لِلْبَنَاتِ أو الْأَخَوَاتِ الثُّلُثَانِ وما بقى فَلِبَنِي الِابْنِ وَبَنَاتِ الِابْنِ أو الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ من الْأَبِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا أبو مُعَاوِيَةَ عن الْأَعْمَشِ عن إبْرَاهِيمَ قال كان عبد اللَّهِ يُشْرِكُ الْجَدَّ مع الْإِخْوَةِ فإذا كَثُرُوا أَوْفَاهُ السُّدُسَ وَلَسْنَا وَلَا أَحَدٌ يقول بهذا أَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ إنَّهُ إذَا كان مع الْإِخْوَةِ لم نُنْقِصْهُ من الثُّلُثِ وَأَمَّا بَعْضُهُمْ فَكَانَ يَطْرَحُ الْإِخْوَةَ وَيَجْعَلُ الْمَالَ لِلْجَدِّ وَبِذَلِكَ يَقُولُونَ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أَخْبَرَ الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا أبو مُعَاوِيَةَ عن الْأَعْمَشِ عن إبْرَاهِيمَ قال كان عبد اللَّهِ يَجْعَلُ الْأَكْدَرِيَّةَ من ثَمَانِيَةٍ لِلْأُمِّ سَهْمٌ وَلِلْجَدِّ سَهْمٌ وَلِلْأُخْتِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَلِلزَّوْجِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَلَسْنَا وَلَا أَحَدٌ يقول بهذا وَلَكِنَّهُمْ يَقُولُونَ بِمَا روى عن زَيْدِ بن ثَابِتٍ نَجْعَلُهَا من تِسْعَةٍ لِلْأُمِّ سَهْمَانِ وَلِلْجَدِّ سَهْمٌ وَلِلْأُخْتِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَلِلزَّوْجِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ ثُمَّ يُقَاسِمُ الْجَدُّ الْأُخْتَ فَيَجْعَلُ بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ عن رَجُلٍ عن الثَّوْرِيِّ عن إسْمَاعِيلَ بن رَجَاءٍ عن إبْرَاهِيمَ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عَمَّنْ سمع الشَّعْبِيَّ يقول في جَدٍّ وَأُمٍّ وَأُخْتٍ فَلِلْأُخْتِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَلِلْأُمِّ سَهْمٌ وَلِلْجَدِّ سَهْمَانِ وَلَيْسُوا يَقُولُونَ بهذا إنَّمَا يَقُولُونَ بِقَوْلِ زَيْدٍ يَجْعَلُهَا من تِسْعَةٍ لِلْأُمِّ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَلِلْجَدِّ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَلِلْأُخْتِ سَهْمَانِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا رَجُلٌ عن شُعْبَةَ عن الْحَكَمِ عن إبْرَاهِيمَ عن عبد اللَّهِ قال أَهْلُ الْكِتَابِ وَالْمَمْلُوكُونَ يُحْجَبُونَ وَلَا يُوَرَّثُونَ وَلَيْسُوا يَقُولُونَ بهذا يَقُولُونَ بِقَوْلِ زَيْدٍ لَا يُحْجَبُونَ وَلَا يَرِثُونَ
____________________

(7/179)


وَهُمْ يَقُولُونَ في هذا بِقَوْلِنَا ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا هُشَيْمٌ عن يُونُسَ عن بن سِيرِينَ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عن الْأَعْمَشِ عن إبْرَاهِيمَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ سُئِلَ عن رَجُلٍ مَاتَ وَتَرَكَ أَبَاهُ مَمْلُوكًا ولم يَدَعْ وَارِثًا قال يشتري من مَالِهِ فَيُعْتَقُ ثُمَّ يُدْفَعُ إلَيْهِ ما تَرَكَ وَلَيْسُوا يَقُولُونَ بهذا يَقُولُونَ لَا يَرِثُ الْمَمْلُوكُ وَلَا يُوَرِّثُ وَنَحْنُ نَقُولُ مَالُهُ في بَيْتِ الْمَالِ وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ هُمْ إنْ لم يُوصِ بِهِ - * بَابُ الْمُكَاتَبِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن مَهْدِيٍّ عن سُفْيَانَ عن طَارِقٍ عن الشَّعْبِيِّ أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قال في الْمُكَاتَبِ يُعْتَقُ منه بِحِسَابٍ وقال بن عُمَرَ وَزَيْدُ بن ثَابِتٍ هو عَبْدٌ ما بقى عليه شَيْءٌ وَرَوَى ذلك عَمْرُو بن شُعَيْبٍ وَبِذَلِكَ نَقُولُ وَيَقُولُونَ بِهِ مَعَنَا وَهُمْ يُخَالِفُونَ الذي رَوَوْا عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا حَجَّاجٌ عن يُونُسَ بن أبي إِسْحَاقَ عن أبيه عن الْحَارِثِ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تعالى عنه يُعْتَقُ من الْمُكَاتَبِ بِقَدْرِ ما أَدَّى وَيَرِثُ بِقَدْرِ ما أَدَّى وَلَيْسُوا يَقُولُونَ بهذا ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) قال أخبرنا رَجُلٌ عن حَمَّادٍ عن قَتَادَةَ عن خِلَاسٍ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قال يُسْتَسْعَى الْمُكَاتَبُ بَعْدَ الْعَجْزِ وَلَيْسُوا وَلَا أَحَدٌ من الناس يقول بهذا إنَّمَا نَقُولُ إذَا عَجَزَ فَهُوَ رَقِيقٌ وَحَدَّثَنَا أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قال لَا نُعْجِزُ الْمُكَاتَبَ حتى يَدْخُلَ نَجْمًا في نَجْمٍ وَلَيْسُوا وَلَا أَحَدٌ من الْمُفْتِينَ يقول بهذا نَحْنُ وَهُمْ نَقُولُ إذَا حَلَّتْ نُجُومُهُ فَإِنْ لم يَجِدْ فَهُوَ عَاجِزٌ رَقِيقٌ وَلَا يُنْتَظَرُ بِتَعْجِيزِهِ النَّجْمَ الْآخَرَ وَكَذَلِكَ يقول مُفْتُو الناس لَا أَعْلَمُهُمْ يَخْتَلِفُونَ فيه ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا حَمَّادُ بن خَالِدٍ الْخَيَّاطُ عن يُونُسَ بن أبي إِسْحَاقَ عن أبيه عن أبي الْأَحْوَصِ قال قال عبد اللَّهِ إذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ قِيمَتَهُ فَهُوَ حُرٌّ وَنَحْنُ نَرْوِي عن زَيْدِ بن ثَابِتٍ وبن عُمَرَ وَعَائِشَةَ أَنَّهُ عَبْدٌ ما بقى عليه شَيْءٌ وَبِهِ نَقُولُ - * بَابُ الْحُدُودِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا رَجُلٌ عن شُعْبَةَ عن سَلَمَةَ بن كُهَيْلٍ عن الشَّعْبِيِّ أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه جَلَدَ سراحه ( ( ( شراحة ) ) ) يوم الْخَمِيسِ وَرَجَمَهَا يوم الْجُمُعَةِ وقال أَجْلِدُهَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَأَرْجُمُهَا بِسُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَيْسُوا يَقُولُونَ بهذا يَقُولُونَ تُرْجَمُ وَلَا تُجْلَدُ وَالسُّنَّةُ الثَّابِتَةُ أَنْ تُجْلَدَ الْبِكْرُ وَلَا تُرْجَمَ وَتُرْجَمَ الثَّيِّبُ وَلَا تُجْلَدَ وقد رَجَمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مَاعِزًا ولم يَجْلِدْهُ وقال لِأُنَيْسٍ اُغْدُ يا أُنَيْسُ على امْرَأَةِ هذا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا فَغَدَا أُنَيْسٌ فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن مَهْدِيٍّ عن سُفْيَانَ عن أبي إِسْحَاقَ عن أَشْيَاخِهِ أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه جَلَدَ امْرَأَةً في الزنى وَعَلَيْهَا دِرْعٌ قِيلَ لي جَدِيدٌ وَكَذَلِكَ يقول الْمَفْتُون وَلَا أَعْلَمُهُمْ يَخْتَلِفُونَ في ذلك هُشَيْمٌ عن الشَّيْبَانِيِّ عن الشَّعْبِيِّ أَنَّ عَلِيًّا نفي إلَى الْبَصْرَةِ بن مَهْدِيٍّ عن سُفْيَانَ عن أبي إِسْحَاقَ عن أَشْيَاخِهِ أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه نفي إلَى الْبَصْرَةِ وَلَيْسُوا يَأْخُذُونَ بهذا وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَا نفي على أحد ( ( ( أحدا ) ) ) وَأَمَّا نَحْنُ فَنَأْخُذُ بِهِ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِسُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الثَّابِتَةِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ وَسُفْيَانُ عن بن شِهَابٍ عن عُبَيْدِ اللَّهِ عن أبي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بن خَالِدٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لِلرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ اخْتَصَمَا إلَيْهِ لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ عز وجل على ابْنِك جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ بن مَهْدِيٍّ عن سُفْيَانَ عن نُسَيْرِ بن ذُعْلُوقٍ عن خُلَيْدٍ الثَّوْرِيِّ أَنَّ رَجُلًا أَقَرَّ عِنْدَ عَلِيٍّ بِحَدٍّ فَجَهَدَ عليه أَنْ يُخْبِرَهُ
____________________

(7/180)


ما هو فأبي فقال اضْرِبُوهُ حتى يَنْهَاكُمْ وَهُمْ يُخَالِفُونَ هذا وَلَا يَقُولُونَ بِهِ وَلَا أَعْلَمُهُمْ يَرْوُونَ عن أَحَدٍ من أَصْحَابِ النبي خِلَافَ هذا فَإِنْ كَانُوا يُثْبِتُونَ مِثْلَ هذه الرِّوَايَةِ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تعالي عنه فَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَقُولُوا بهذا ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن مَهْدِيٍّ عن سُفْيَانَ وَإِسْرَائِيلَ عن عبد الْأَعْلَى عن أبي جَمِيلَةَ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قال قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَقِيمُوا الْحُدُودَ علي ما مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَهُمْ يُخَالِفُونَ هذا إلي غَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ عَلِمْتُهُ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ وهو السُّنَّةُ الثَّابِتَةُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بِذَلِكَ مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عبد اللَّهِ عن أبي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بن خَالِدٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم سُئِلَ عن الْأَمَةِ إذَا زَنَتْ فقال إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ بِيعُوهَا في الرَّابِعَةِ وَلَوْ بِضَفِيرِ حَبْلٍ قال بن شِهَابٍ لَا أَدْرِي بَعْدَ الثَّالِثَةِ أو الرَّابِعَةِ وَالضَّفِيرُ الْحَبْلُ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن الزُّهْرِيِّ عن عُبَيْدِ اللَّهِ عن أبي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بن خَالِدٍ نَحْوَهُ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن أَيُّوبَ بن مُوسَى عن سَعِيدِ بن أبي سَعِيدٍ عن أبي هُرَيْرَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ وَلَا يُثَرِّبْ عليها ثُمَّ إنْ عَادَتْ فَزَنَتْ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ وَلَا يُثَرِّبْ عليها فَإِنْ عَادَتْ زِنَاهَا فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ من شَعْرٍ يَعْنِي الْحَبْلَ وَهُمْ يُخَالِفُونَ ما رَوَوْا عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وما رَوَيْنَا نَحْنُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن مَهْدِيٍّ عن سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عن عَلْقَمَةَ بن مَرْثَدٍ عن حُجْرِ بن عَنْبَسٍ قال شَهِدَ رَجُلَانِ على رَجُلٍ عِنْدَ عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تعالي عنه أَنَّهُ سَرَقَ فقال السَّارِقُ لو كان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حَيًّا لَنَزَلَ عُذْرِي فَأَمَرَ بِالنَّاسِ فَضَرَبُوا حتى اخْتَلَطُوا ثُمَّ دَعَا الشَّاهِدَيْنِ فلم يَأْتِيَا فَدَرَأَ الْحَدَّ وَلَيْسُوا يَأْخُذُونَ بهذا يَقُولُونَ لَا نَسْتَرْهِبُ الشُّهُودَ يَقُولُونَ نَقِفُ الشَّاهِدَيْنِ فَإِنْ شَهِدَا وَكَانَا عَدْلَيْنِ قَطَعَ وَإِنْ لم يَكُونَا عَدْلَيْنِ لم تَجُزْ الشَّهَادَةُ وما عَلِمْت أَحَدًا يَأْخُذُ بِقَوْلِهِمْ هذا ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن عَاصِمِ بن كُلَيْبٍ عن أبيه قال لم أَرَ السراق ( ( ( السارق ) ) ) قَطُّ أَكْثَرَ منهم في زَمَانِ عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وَلَا رَأَيْتُهُ قَطَعَ أَحَدًا منهم قُلْت وَكَيْفَ كان يَصْنَعُ قال كان يَأْمُرُ الشُّهُودَ أَنْ يَقْطَعُوا وَلَيْسُوا يَأْخُذُونَ بهذا يَقُولُونَ إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ فَمَنْ شَاءَ الْحَاكِمُ أَنْ يَأْمُرَ بِقَطْعِهِ قَطَعَ وَلَا يَأْمُرُ بِذَلِكَ الشُّهُودَ وَنَحْنُ نَقُولُ بهذا ولم نَعْلَمْ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْأَئِمَّةَ بَعْدَهُ أَمَرُوا شَاهِدَيْنِ بِقَطْعٍ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن مُطَرِّفٍ عن الشَّعْبِيِّ أَنَّ رَجُلَيْنِ أَتَيَا عَلِيًّا رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه فَشَهِدَا على رَجُلٍ أَنَّهُ سَرَقَ فَقَطَعَ يَدَهُ ثُمَّ آتَيَاهُ بِآخَرَ فَقَالَا هذا الذي سَرَقَ وَأَخْطَأْنَا على الْأَوَّلِ فلم يُجِزْ شَهَادَتَهُمَا على الْآخَرِ وَغَرَّمَهُمَا دِيَةَ يَدِ الْأَوَّلِ وقال لو أَعْلَمُكُمَا تَعَمَّدْتُمَا لَقَطَعْتُكُمَا وَبِهَذَا نَقُولُ إذَا قَالَا أَخْطَأْنَا على الْأَوَّلِ غَرَّمْتُهُمَا دِيَةَ يَدِ الْمَقْطُوعِ وَإِنْ قَالَا عَمَدْنَا أَنْ نَشْهَدَ عليه بِبَاطِلٍ قُطِعَتْ أَيْدِيهِمَا بيده قَوَدًا وَهَذَا أَشْبَهُ بِالْقِيَاسِ إنْ كان يَجُوزُ أَنْ يُقْتَلَ أثنان بِوَاحِدٍ فَلِمَ لَا تُقْطَعُ يَدَانِ بِيَدٍ وَالْيَدُ أَقَلُّ من النَّفْسِ وإذا جَازَ الْكَثِيرُ فَلِمَ لَا يَجُوزُ الْقَلِيلُ وَهُمْ يُخَالِفُونَ عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه في الشَّاهِدَيْنِ إذَا تَعَمَّدَا وَيَقُولُونَ لَا تُقْطَعُ أَيْدِيهِمَا بِيَدٍ وَلَا تُقْطَعُ يَدَانِ بِيَدٍ وَهُمْ يَقُولُونَ يُقْتَلُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ وَلَا تُقْطَعُ يَدَانِ بِيَدٍ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا رَجُلٌ عن رَجُلٍ عن عَلِيِّ بن عبد الْأَعْلَى عن أبيه عن أبي جحيفة ( ( ( حنيفة ) ) ) أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه أتى بِصَبِيٍّ قد سَرَقَ بَيْضَةً فَشَكَّ في احْتِلَامِهِ فَأَمَرَ بِهِ فَقُطِعَتْ بُطُونُ أَنَامِلِهِ وَلَيْسُوا وَلَا أَحَدٌ عَلِمْتُهُ يقول بهذا يَقُولُونَ ليس على الصَّبِيِّ حَدٌّ حتى يَحْتَلِمَ
____________________

(7/181)


أو يَبْلُغَ خَمْسَ عَشْرَةَ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن مَهْدِيٍّ عن حَمَّادِ بن زَيْدٍ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قَطَعَ من شَطْرِ الْقَدَمِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا هُشَيْمٌ عن مُغِيرَةَ عن الشَّعْبِيِّ أَنَّ عَلِيًّا كان يَقْطَعُ الرَّجُلَ من الْقَدَمِ وَيَدَعُ الْعَقِبَ يَعْتَمِدُ عليه وَلَيْسُوا وَلَا أَحَدٌ عَلِمْنَاهُ يقول بهذا الْقَوْلِ بَلْ يَقُولُونَ تُقْطَعُ الرِّجْلُ من الْكَعْبِ الذي فيه الْمِفْصَلُ بين السَّاقِ وَالْقَدَمِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا أبو بَكْرِ بن عَيَّاشٍ عن بن حُصَيْنٍ عن سُوَيْد بن غَفَلَةَ أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه أتى بِزَنَادِقَةٍ فَخَرَجَ بِهِمْ إلَى السُّوقِ فَحَفَرَ لهم حُفَرًا فَقَتَلَهُمْ ثُمَّ رَمَى بِهِمْ في الْحُفَرِ فَحَرَّقَهُمْ بِالنَّارِ وَهُمْ يُخَالِفُونَ هذا فَيَقُولُونَ لَا يُحَرِّقُ بِالنَّارِ أَحَدٌ أَمَّا نَحْنُ فَرَوَيْنَا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ نهى أَنْ يُعَذِّبَ أَحَدٌ بِعَذَابِ اللَّهِ فَقُلْنَا بِهِ وَلَا نُحَرِّقُ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا بن عُلَيَّةَ عن سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عن أبي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ أَنَّ رَجُلًا تَنَصَّرَ بَعْدَ إسْلَامِهِ فأتى بِهِ إلَى عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه فَجَعَلَ يَعْرِضُ عليه فقال لَا أَدْرِي ما تَقُولُ غير أَنَّهُ يَشْهَدُ أَنَّ الْمَسِيحَ بن اللَّهِ فَوَثَبَ إلَيْهِ عَلِيٌّ رضي اللَّهُ تعالي عنه فَوَطِئَهُ وَأَمَرَ الناس أَنْ يطؤوه ( ( ( يطئوه ) ) ) ثُمَّ قال كُفُّوا فَكُفُّوا عنه فإذا هو قد مَاتَ وَهُمْ لَا يَأْخُذُونَ بهذا يَقُولُونَ لَا يَقْتُلُ الْإِمَامُ أَحَدًا بِهَذِهِ الْقِتْلَةِ وَلَا يَقْتُلُ إلَّا بِالسَّيْفِ أبو بَكْرِ بن عَيَّاشٍ عن عَاصِمٍ عن أبي الْمُغِيرَةِ في قَوْمٍ دَخَلُوا على امْرَأَةٍ في دَارِ قَوْمٍ فَخَرَجَ إلَيْهِمْ بَعْضُ أَهْلِ الدَّارِ فَقَتَلُوهُمْ فَأَصْبَحُوا وقد جَاءَتْ عَشَائِرُهُمْ إلَى عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه فَرَفَعُوهُمْ إلَيْهِ فقال عَلِيٌّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وما جَمَعَ هَؤُلَاءِ في دَارٍ وَاحِدَةٍ لَيْلًا وقال بيده فَقَلَّبَهَا ظَهْرًا لِبَطْنٍ ثُمَّ قال لُصُوصٌ قَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا قُومُوا فَقَدْ أَهْدَرْت دِمَاءَهُمْ فقال الْحَسَنُ أنا أَضْمَنُ هذه الدِّمَاءَ فقال أنت أَعْلَمُ بِنَفْسِك وَلَيْسُوا يَقُولُونَ بهذا أَمَّا نَحْنُ فَنَرْوِي عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ مع امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَقَتَلَهُ فَسُئِلَ عَلِيٌّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه فقال إنْ لم يَأْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَلْيُعْطِ بِرُمَّتِهِ أخبرنا بِذَلِكَ مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن بن الْمُسَيِّبِ وَبِهَذَا نَقُولُ نَحْنُ وَهُمْ إلَّا أَنَّهُمْ يَقُولُونَ في اللِّصِّ يَدْخُلُ دَارَ رَجُلٍ فَيَقْتُلُهُ يَنْظُرُ إلَى الْمَقْتُولِ فَإِنْ لم يَكُنْ يُعْرَفُ بِاللُّصُوصِيَّةِ قُتِلَ الْقَاتِلُ وَإِنْ كان يُعْرَفُ بِاللُّصُوصِيَّةِ دُرِئَ عن الْقَاتِلِ الْقَتْلُ وَكَانَتْ عليه الدِّيَةُ وَهَذَا خِلَافُ ما رَوَوْا عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه بن مَهْدِيٍّ عن سُفْيَانَ عن الشَّيْبَانِيِّ عن بَعْضِ أَصْحَابِهِ أَنَّ رَجُلًا أتى عَلِيًّا رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه بِرَجُلٍ فقال إنَّ هذا يَزْعُمُ أَنَّهُ احْتَلَمَ على أُمِّ الْآخَرِ فقال أَقِمْهُ في الشَّمْسِ وَاضْرِبْ ظِلَّهُ وَلَيْسُوا يَقُولُونَ بهذا ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال حدثنا يَزِيدُ بن هَارُونَ عن حَمَّادِ بن سَلَمَةَ عن أبي بِشْرٍ عن شُبَيْبِ بن أبي رَوْحٍ أَنَّ رَجُلًا كان تَوَاعَدَ جَارِيَةً له مَكَانًا في خَلَاءٍ فَعَلِمْت جَارِيَةٌ بِذَلِكَ فَأَتَتْهُ فَحَسِبَهَا جَارِيَتَهُ فَوَطِئَهَا ثُمَّ عَلِمَ فَأَتَى عُمَرَ فقال ائْتِ عَلِيًّا فَسَأَلَ عَلِيًّا رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه فقال أَرَى أَنْ تَضْرِبَ الْحَدَّ في خَلَاءٍ وَتُعْتِقَ رَقَبَةً وعلي الْمَرْأَةِ الْحَدُّ وَلَيْسُوا يَقُولُونَ بهذا يَقُولُونَ يُدْرَأُ عنه الْحَدُّ بِالشُّبْهَةِ فَأَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ في الْمَرْأَةِ تُحَدُّ كما رَوَوْا عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه لِأَنَّهَا زَنَتْ وَهِيَ تَعْلَمُ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن مَهْدِيٍّ عن سُفْيَانَ عن سَلَمَةَ بن كُهَيْلٍ عن حُجِّيَّةَ بن عَدِيٍّ قال كُنْت عِنْدَ عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فقالت إنَّ زَوْجِي وَقَعَ على جَارِيَتِي فقال إنْ تَكُونِي صَادِقَةً نَرْجُمْهُ وَإِنْ تَكُونِي كَاذِبَةً نَجْلِدْكِ وَبِهَذَا نَأْخُذُ لِأَنَّ زِنَاهُ بِجَارِيَةِ امْرَأَتِهِ كَزِنَاهُ بِغَيْرِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُعْذَرُ بِالْجَهَالَةِ وَيَقُولُ كُنْت أَرَى أنها لي حَلَالٌ وَهُمْ يُخَالِفُونَ هذا وَيَدْرَءُونَ عنه الْحَدَّ كان جَاهِلًا أو عَالِمًا وَعَنْ عَمْرِو بن شُعَيْبٍ قال رَأَيْت رَجُلًا يستقى على بِئْرٍ قد قُطِعَتْ يَدُهُ وَتُرِكَتْ إبْهَامُهُ فَقُلْت من قَطَعَك فقال عَلِيٌّ وَهُمْ يُخَالِفُونَ هذا وَيَقُولُونَ تُقْطَعُ من مَفْصِلِ الْكَفِّ ويروي ذلك عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن عُلَيَّةَ عن سَعِيدِ بن عبد اللَّهِ عن حُصَيْنِ بن الْمُنْذِرِ أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه جَلَدَ الْوَلِيدَ في الْخَمْرِ أَرْبَعِينَ وَهُمْ يُخَالِفُونَ
____________________

(7/182)


هذا وَيَقُولُونَ يُجْلَدُ ثَمَانِينَ وَنَحْنُ نَرْوِي عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّهُ جَلَدَ الْوَلِيدَ بِالْمَدِينَةِ بِسَوْطٍ له طَرَفَانِ أَرْبَعِينَ فَذَلِكَ ثَمَانُونَ وَبِهِ نَقُولُ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بِذَلِكَ سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن مُحَمَّدِ بن عَلِيٍّ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا رَجُلٌ عن بن أبي ذِئْبٍ عن الْقَاسِمِ بن الْوَلِيدِ عن يَزِيدَ أُرَاهُ بن مَذْكُورٍ أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه رَجَمَ لُوطِيًّا وَبِهَذَا نَأْخُذُ نَرْجُمُ اللُّوطِيَّ مُحْصَنًا كان أو غير مُحْصَنٍ وَهَذَا قَوْلُ بن عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بن الْمُسَيِّبِ يقول السُّنَّةُ أَنْ يُرْجَمَ اللُّوطِيُّ أَحْصَنَ أو لم يُحْصِنْ رَجَعَ الشَّافِعِيُّ فقال لَا يُرْجَمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قد أَحْصَنَ وَعِكْرِمَةُ يَرْوِيهِ عن بن عَبَّاسٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَصَاحِبُهُمْ يقول ليس على اللُّوطِيِّ حَدٌّ وَلَوْ تَلَوَّطَ وهو مُحْرِمٌ لم يَفْسُدْ إحْرَامُهُ وَلَا غُسْلَ عليه ما لم يُمْنِ وقد خَالَفَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فقال اللُّوطِيُّ مِثْلُ الزَّانِي يُرْجَمُ إنْ أَحْصَنَ وَيُجْلَدُ إنْ لم يُحْصِنْ وَلَا يَكُونُ اللُّوطِيُّ أَشَدَّ حَالًا من الزَّانِي وقد بَيَّنَ اللَّهُ عز وجل فَرْقًا بَيْنَهُمَا فَأَبَاحَ جِمَاعَ النِّسَاءِ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا النِّكَاحُ وَالْآخَرُ مِلْكُ الْيَمِينِ وَحَرَّمَ هذا من كل الْوُجُوهِ فَمِنْ أَيْنَ يَشْتَبِهَانِ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا الْأَعْمَشُ عن الْقَاسِمِ بن عبد الرحمن عن أبيه قال جاء رَجُلٌ إلَى عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه فقال إنِّي سَرَقْت فَطَرَدَهُ ثُمَّ قال إنِّي سَرَقْت فَقَطَعَ يَدَهُ وقال إنَّك شَهِدْت على نَفْسِك مَرَّتَيْنِ وَهُمْ يُخَالِفُونَ هذا وَيَقُولُونَ حتى يَقُولَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَإِنَّمَا تَرَكْنَا نَحْنُ أَنْ نَقُولَ الِاعْتِرَافُ بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ أُنَيْسًا الْأَسْلَمِيَّ أَنْ يَغْدُوَ علي امْرَأَةٍ فَإِنْ اعْتَرَفَتْ رَجَمَهَا ولم يَقُلْ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَلَوْ كان الْإِقْرَارُ يُشْبِهُ الشَّهَادَةَ كان لو أَقَرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ثُمَّ رَجَعَ بَطَلَ عنه الْحَدُّ وَهُمْ يَقُولُونَ في الزنى لَا يُحَدُّ الزَّانِي حتى يُقِرَّ أَرْبَعًا قِيَاسًا على الشَّهَادَاتِ وَيُخَالِفُونَ ما رَوَوْا عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وَيَقُولُونَ في السَّرِقَةِ إقْرَارُهُ مَرَّةً وَأَكْثَرَ سَوَاءٌ وَيُخَالِفُونَ ما رَوَوْا عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه وَرَوَيْنَا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَيَدَّعُونَ الْقِيَاسَ فيه وَكِيعٌ عن سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عن سِمَاكٍ عن قَابُوسَ بن مُخَارِقٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بن أبي بَكْرٍ كَتَبَ إلَى عَلِيٍّ يَسْأَلُهُ عن مُسْلِمٍ زَنَى بِنَصْرَانِيَّةٍ فَكَتَبَ إلَيْهِ أَنْ أَقِمْ الْحَدَّ على الْمُسْلِمِ وَادْفَعْ النَّصْرَانِيَّةَ إلَى أَهْلِ دِينِهَا وَهُمْ يَقُولُونَ أَيْضًا يُقَامُ الْحَدُّ على النَّصْرَانِيَّةِ وَيُخَالِفُونَ هذا الحديث يَزِيدُ بن هَارُونَ عن أَيُّوبَ عن قَتَادَةَ عن خِلَاسٍ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه في حُرَّيْنِ بَاعَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَقَطَعَهُمَا على جميعا وَهُمْ يُخَالِفُونَ هذا وَيُنْكِرُونَ الْقَوْلَ فيه أبو بَكْرِ بن عَيَّاشٍ قال حدثني أبو حُصَيْنٍ عن عَامِرٍ الْكَاهِلِيِّ قال كُنْت عِنْدَ عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه إذْ أتى بِرَجُلٍ فقال ما شَأْنُ هذا فَقَالُوا يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَجَدْنَاهُ تَحْتَ فِرَاشِ امْرَأَةٍ فقال لقد وَجَدْتُمُوهُ على نَتِنٍ فَانْطَلَقُوا بِهِ إلَى نَتِنٍ مِثْلِهِ فَمَرِّغُوهُ فيه فَمَرَّغُوهُ في عَذِرَةٍ وَخَلَّى سَبِيلَهُ وَهُمْ يُخَالِفُونَ هذا وَيَقُولُونَ يُضْرَبُ وَيُرْسَلُ وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْمُفْتِينَ لَا يَخْتَلِفُونَ في ذلك سُفْيَانُ عن مُطَرِّفٍ عن الشَّعْبِيِّ عن بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ كان يقول لَا نَرَى علي الذي يُصِيبُ وَلِيدَةَ امْرَأَتِهِ حَدًّا وَلَا عُقْرًا رَجُلٌ عن شُعْبَةَ عن مَنْصُورٍ عن رِبْعِيِّ بن خِرَاشٍ عن عبد اللَّهِ أَنَّ رَجُلًا أَتَاهُ فذكر له أَنَّهُ أَصَابَ جَارِيَةَ امْرَأَتِهِ فقال اسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَلَا تَعُدْ وَهُمْ يُخَالِفُونَ هذا وَيَقُولُونَ يُعَزَّرُ وَأَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ إنْ كان من أَهْلِ الْجَهَالَةِ وقال قد كُنْت أَرَى أنها حَلَالٌ لي فَإِنَّا نَدْرَأُ عنه الْحَدَّ وَعَزَّرْنَاهُ وَإِنْ كان عَالِمًا حَدَدْنَاهُ حَدَّ الزَّانِي بن مَهْدِيٍّ عن سُفْيَانَ عن عِيسَى بن أبي عَزَّةَ عن الشَّعْبِيِّ عن بن مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَطَعَ سَارِقًا في قِيمَةِ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَنَحْنُ نَأْخُذُ بهذا إلَّا أَنَّا نَقْطَعُ في رُبْعِ دِينَارٍ وَخَمْسَةِ دَرَاهِمَ في عَهْدِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَكْثَرَ من رُبْعِ دِينَارٍ وَهُمْ يُخَالِفُونَ هذا وَيَقُولُونَ لَا قَطْعَ في أَقَلَّ من عَشَرَةِ دَرَاهِمَ رَجُلٌ عن شُعْبَةَ عن الْأَعْمَشِ عن الْقَاسِمِ بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد اللَّهِ أَنَّهُ وَجَدَ امْرَأَةً مع رَجُلٍ في لِحَافِهَا على فِرَاشِهَا فَضَرَبَهُ خَمْسِينَ فَذَهَبُوا فَشَكَوْا ذلك إلَى عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه فقال لِمَ فَعَلْت ذلك قال
____________________

(7/183)


لِأَنِّي أَرَى ذلك قال وأنا أَرَى ذلك وَأَصْحَابُنَا يَذْهَبُونَ إلَى أَنَّهُ يَبْلُغُ بِالتَّعْزِيرِ هذا وَأَكْثَرَ منه إلَى ما دُونَ الثَّمَانِينَ بِقَدْرِ الذُّنُوبِ وَهُمْ يَقُولُونَ لَا يُبْلَغْ بِالتَّعْزِيرِ في شَيْءٍ أَرْبَعِينَ فَيُخَالِفُونَ ما رَوَوْا عن عُمَرَ وبن مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ عنهما يَزِيدُ بن هَارُونَ عن بن أبي عَرُوبَةَ عن حَمَّادٍ عن إبْرَاهِيمَ عن عبد اللَّهِ في أُمِّ الْوَلَدِ تزنى بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهَا تُجْلَدُ وَتُنْفَى وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بهذا يَقُولُونَ لَا يُنْفَى أَحَدٌ زَانٍ وَلَا غَيْرُهُ وَنَحْنُ نَقُولُ يُنْفَى الزَّانِي بِسُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وما روى عن أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ وَأُبَيِّ بن كَعْبٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَعُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ كلهم قد رَأَوْا النَّفْيَ جَرِيرٌ عن مَنْصُورٍ عن زَيْدِ بن وَهْبٍ أَنْ عَبْدَ اللَّهِ دخل الْمَسْجِدَ وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ فَرَكَعَ ثُمَّ دَبَّ رَاكِعًا بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرٍو عن أبي عُبَيْدَةَ عن رَجُلٍ عن مُجَالِدٍ عن الشَّعْبِيِّ عن عَمِّهِ قَيْسِ بن عَبْدٍ عن عبد اللَّهِ مثله وَهَكَذَا نَقُولُ نَحْنُ وقد فَعَلَ هذا زَيْدُ بن ثَابِتٍ وَهُمْ يَنْهَوْنَ عن هذا وَيُخَالِفُونَهُ بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن أبي عُبَيْدَةَ قال كان عبد اللَّهِ يصلى الصُّبْحَ نَحْوًا من صَلَاةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ يَعْنِي بن الزُّبَيْرِ وكان بن الزُّبَيْرِ يُغَلِّسُ رَجُلٌ عن شُعْبَةَ عن سَلَمَةَ بن كُهَيْلٍ عن أبي عَمْرٍو الشيباني ( ( ( والشيباني ) ) ) قال كان عبد اللَّهِ يُصَلِّي بِنَا الصُّبْحَ بِسَوَادٍ أو قال بِغَلَسٍ فَيَقْرَأُ بِسُورَتَيْنِ وَبِهَذَا جَاءَتْ السُّنَّةُ وهو قَوْلُنَا وَهُمْ يُخَالِفُونَهُ وَيَقُولُونَ بَلْ يُسْفِرُ وَاَلَّذِي أَخَذْنَا بِهِ أَنَّ سُفْيَانَ أخبرنا عن الزُّهْرِيِّ عن عُرْوَةَ عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها قالت كان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يُصَلِّي الصُّبْحَ فَتَنْصَرِفُ النِّسَاءُ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ ما يَعْرِفْنَ من الْغَلَسِ مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن عَمْرَةَ عن عَائِشَةَ مثله بن عُلَيَّةَ عن عَوْفٍ عن سَيَّارِ بن سَلَمَةَ أبي الْمِنْهَالِ عن أبي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَصِفُ صَلَاةَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال كان يُصَلِّي الصُّبْحَ ثُمَّ يَنْصَرِفُ وما يَعْرِفُ الرَّجُلُ مِنَّا جَلِيسَهُ وكان يَقْرَأُ بِالسِّتِّينَ إلَى الْمِائَةِ بن إدْرِيسَ عن الْحَسَنِ بن عُبَيْدِ اللَّهِ عن إبْرَاهِيمَ عن عَلْقَمَةَ عن عبد اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم صلى الظُّهْرَ خَمْسًا فَقِيلَ له زِيدَ في الصَّلَاةِ أو قالوا صَلَّيْت خَمْسًا فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ رَجُلٌ عن شُعْبَةَ عن الْحَكَمِ عن إبْرَاهِيمَ عن عَلْقَمَةَ عن عبد اللَّهِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مثله وَبِهَذَا نَأْخُذُ وهو يُوَافِقُ ما رَوَيْنَا عن أبي هُرَيْرَةَ وبن عُمَرَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ وَهُمْ لَا يَأْخُذُونَ بهذا وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ إنْ لم يَكُنْ جَلَسَ في الرَّابِعَةِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ أبو مُعَاوِيَةَ وَحَفْصٌ عن الْأَعْمَشِ عن إبْرَاهِيمَ عن عَلْقَمَةَ عن عبد اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى اللَّهُ عليه وسلم تَكَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ السَّهْوَ بَعْدَ السَّلَامِ فَسُئِلَ فلما اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ قد سَهَا سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ وَنَحْنُ نَأْخُذُ بهذا مَالِكٌ عن دَاوُد بن الْحُصَيْنِ عن أبي سُفْيَانَ مولى بن أبي أَحْمَدَ عن أبي هُرَيْرَةَ عن أبي أُسَامَةَ عن عُبَيْدِ اللَّهِ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ بن عُلَيَّةَ وَهُشَيْمٌ عن خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عن أبي قِلَابَةَ عن أبي الْمُهَلَّبِ عن عِمْرَانَ بن الْحُصَيْنِ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال أبو هُرَيْرَةَ وبن عُمَرَ في رَكْعَتَيْنِ وقال عِمْرَانُ في ثَلَاثٍ فقال له ذُو الْيَدَيْنِ أَقَصَرْت الصَّلَاةَ أَمْ نَسِيت فقال كُلُّ ذلك لم يَكُنْ ثُمَّ أَقْبَلَ على الناس فقال أَكَمَا يقول ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالُوا نعم فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَأَتَمَّ ما بقى من صَلَاتِهِ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ وَهُمْ يُخَالِفُونَ هذا كُلَّهُ وَيَقُولُونَ لَا يُسْجَدُ لِلسَّهْوِ بَعْدَ الْكَلَامِ رَجُلٌ عن الْأَعْمَشِ عن عُمَارَةَ بن عُمَيْرٍ عن عبد الرحمن بن يَزِيدَ عن عبد اللَّهِ قال ما رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم صلى صَلَاةً قَطُّ إلَّا لِوَقْتِهَا إلَّا بِالْمُزْدَلِفَةِ فإنه جَمَعَ بين الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَصَلَّى الصُّبْحَ يَوْمَئِذٍ قبل وَقْتِهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ كان صَلَّاهَا بَعْدَ الْفَجْرِ لم يَقُلْ قبل وَقْتِهَا وَلَقَالَ في وَقْتِهَا الْأَوَّلِ بن مَهْدِيٍّ عن شُعْبَةَ عن أبي إِسْحَاقَ عن عبد الرحمن بن يَزِيدَ قال كان عبد اللَّهِ يصلى الصُّبْحَ بِجَمْعٍ وَلَوْ أَنَّ مُتَسَحِّرًا تَسَحَّرَ لَجَازَ ذلك ( قال الشَّافِعِيُّ ) ولم يَخْتَلِفْ أَحَدٌ في أَنْ لَا يصلى أَحَدٌ الصُّبْحَ غَدَاةَ جَمْعٍ وَلَا في غَيْرِهَا إلَّا بَعْدَ الْفَجْرِ وَهُمْ
____________________

(7/184)


يُخَالِفُونَهُ أَيْضًا في قَوْلِهِ إنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَجْمَعْ إلَّا بين الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فَيَزْعُمُونَ أَنَّ الْإِمَامَ يَجْمَعُ بين الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ وَكَذَلِكَ نَقُولُهُ نَحْنُ لِلسُّنَّةِ التي جَاءَتْ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وقد رَوَى ذلك حَاتِمُ بن إسْمَاعِيلَ عن جَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ عن أبيه عن جَابِرٍ قال فَرَاحَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يوم عَرَفَةَ حين زَالَتْ الشَّمْسُ فَخَطَبَ ثُمَّ صلى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ مَعًا وَرَوَيْنَا أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم جَمَعَ بين الصَّلَاتَيْنِ في غَيْرِ ذلك الْمَوْطِنِ مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ قال كان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا عَجِلَ بِهِ السَّيْرُ يَجْمَعُ بين الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ مَالِكٌ عن أبي الزُّبَيْرِ عن أبي الطُّفَيْلِ عن مُعَاذِ بن جَبَلٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يَجْمَعُ بين الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ في سَفَرِهِ إلَى تَبُوكَ أخبرنا اللَّيْثُ عن عُقَيْلِ بن خَالِدٍ عن الزُّهْرِيِّ عن أَنَسِ بن مَالِكٍ قال كان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا ارْتَحَلَ قبل أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ حتى يَدْخُلَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَنْزِلُ فَيُصَلِّيهِمَا مَعًا أخبرنا أبو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عن بن عَجْلَانَ عن حُسَيْنِ بن عبد اللَّهِ عن كُرَيْبٍ مولى بن عَبَّاسٍ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قال أَلَا أُخْبِرُكُمْ عن صَلَاةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في السَّفَرِ كان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ وهو في الْمَنْزِلِ جَمَعَ بين الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ في وَقْتِ الظُّهْرِ وإذا ارْتَحَلَ قبل الزَّوَالِ أَخَّرَ الظُّهْرَ حتى يُصَلِّيَهَا في وَقْتِ الْعَصْرِ وَهَذِهِ مَوَاطِنُ قد جَمَعَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فيها غير عَشِيَّةِ عَرَفَةَ وَلَيْلَةَ جَمْعٍ بن عُلَيَّةَ عن أَيُّوبَ عن مُحَمَّدِ بن عَجْلَانَ أَنَّ بن مَسْعُودٍ كان يَقْرَأُ في الْآخِرَتَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَبِهَذَا نَقُولُ وَلَا يَجْزِيهِ إلَّا أَنْ يَقْرَأَهَا فَإِنْ نسى أَعَادَ وَهُمْ يَقُولُونَ إنْ شَاءَ قَرَأَ وَإِنْ شَاءَ لم يَقْرَأْ وَإِنْ شَاءَ سَبَّحَ محمد بن عُبَيْدٍ عن مُحَمَّدِ بن إِسْحَاقَ عن عبد الرحمن بن الْأَسْوَدِ عن أبيه أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ صلى بِهِ وَبِعَلْقَمَةَ فَأَقَامَ أَحَدَهُمَا عن يَمِينِهِ وَالْآخَرَ عن يَسَارِهِ وقال هَكَذَا كان يَفْعَلُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَيْسُوا يَقُولُونَ بهذا وَنَحْنُ مَعَهُمْ يَكُونَانِ خَلْفَ الْإِمَامِ فَأَمَّا نَحْنُ فَنَأْخُذُ بِحَدِيثِ مَالِكٍ عن إِسْحَاقَ بن عبد اللَّهِ عن أَنَسٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال قُومُوا لِأُصَلِّيَ لَكُمْ فَقُمْت إلَى حَصِيرٍ فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ فَقَامَ عليه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَصَفَفْت أنا وَالْيَتِيمُ وَرَاءَهُ وَالْعَجُوزُ من وَرَائِنَا فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عبد اللَّهِ عن أبيه قال دَخَلْت علي عُمَرَ بِالْهَاجِرَةِ فَوَجَدْتُهُ يُسَبِّحُ فَقُمْت وَرَاءَهُ فَقَرَّبَنِي حتى جَعَلَنِي حِذَاءَهُ عن يَمِينِهِ فلما جاء يَرْفَأُ تَأَخَّرْت فَصَفَفْنَا وَرَاءَهُ أخبرنا الْأَعْمَشُ عن إبْرَاهِيمَ عن عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ قَالَا دَخَلْنَا على عبد اللَّهِ في دَارِهِ فَصَلَّى بِنَا فلما رَكَعَ طَبَقَ بين كَفَّيْهِ فَجَعَلَهُمَا بين فَخِذَيْهِ فلما انْصَرَفَ قال كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى اخْتِلَافِ أَصَابِعِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بين فَخِذَيْهِ وَأَقَامَ أَحَدَنَا عن يَمِينِهِ وَالْآخَرَ عن يَسَارِهِ وَلَيْسُوا يَقُولُونَ بهذا وَلَا نَحْنُ أَمَّا نَحْنُ فَنَأْخُذُ بِحَدِيثٍ رَوَاهُ يحيى الْقَطَّانُ عن عبد الْحَمِيدِ بن جَعْفَرٍ قال حدثني محمد بن عَمْرِو بن عَطَاءٍ عن أبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُ سَمِعَهُ في عِدَّةٍ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَحَدُهُمْ أبو قَتَادَةَ يقول كان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا رَكَعَ وَضَعَ يَدَيْهِ على رُكْبَتَيْهِ أخبرنا بن عُلَيَّةَ عن مُحَمَّدِ بن إِسْحَاقَ قال حدثني عَلِيُّ بن يحيى بن خَلَّادٍ الزُّرَقِيُّ عن أبيه عن عَمِّهِ رِفَاعَةَ عن رَافِعٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لِرَجُلٍ إذَا رَكَعْت فَضَعْ يَدَيْك على رُكْبَتَيْك أخبرنا شُعْبَةُ عن عَمْرِو بن مُرَّةَ عن عبد اللَّهِ بن سَلَمَةَ قال صلى عبد اللَّهِ بِأَصْحَابِهِ الْجُمُعَةَ ضُحًى وقال خَشِيت الْحَرَّ عَلَيْكُمْ وَلَيْسُوا يَقُولُونَ بهذا وَلَا يقول بِهِ أَحَدٌ صلى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وأبو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَالْأَئِمَّةُ بَعْدُ في كل جُمُعَةٍ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ أخبرنا يحيى بن عَبَّادٍ عن شُعْبَةَ عن إبْرَاهِيمَ بن مُهَاجِرٍ عن إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عن الْأَسْوَدِ عن عبد اللَّهِ أَنَّهُ كان يُوتِرُ بِخَمْسٍ أو سَبْعٍ سُفْيَانُ عن الْأَعْمَشِ عن إبْرَاهِيمَ عن عبد اللَّهِ أَنَّهُ كان يَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ ثَلَاثًا وِتْرٌ
____________________

(7/185)


وَلَكِنْ خَمْسًا أو سَبْعًا وَلَيْسُوا يَقُولُونَ بهذا يَقُولُونَ صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى إلَّا الْوِتْرَ فَإِنَّهَا ثَلَاثٌ مُتَّصِلَاتٌ لَا يُصَلَّى الْوِتْرُ أَكْثَرَ من ثَلَاثٍ وَأَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ بِالسُّنَّةِ الثَّابِتَةِ أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بن دِينَارٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن صَلَاةِ اللَّيْلِ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فإذا خشى أحدكم الصُّبْحَ صلى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ له ما قد صلى أخبرنا سُفْيَانُ عن عبد اللَّهِ بن دِينَارٍ عن بن عُمَرَ مثله أخبرنا سُفْيَانُ عن الزُّهْرِيِّ عن سَالِمٍ عن أبيه قال سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فإذا خشى أحدكم الصُّبْحَ فَلْيُوتِرْ بِوَاحِدَةٍ سُفْيَانُ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن طَاوُسٍ عن بن عُمَرَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مثله هُشَيْمٌ وأبو مُعَاوِيَةَ وبن عُلَيَّةَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عن بن عَوْنٍ وَعَاصِمٍ عن بن سِيرِينَ عن يحيي بن الْجَزَّارِ أَظُنُّهُ عن عبد اللَّهِ أَنَّهُ صلى وَعَلَى بَطْنِهِ فَرْثٌ وَدَمٌ وَلَيْسُوا يَقُولُونَ بهذا يَقُولُونَ إذَا كان على بَطْنِهِ مِقْدَارُ الدِّرْهَمِ الْكَبِيرِ أَعَادَ الصَّلَاةَ وَإِنْ كان أَقَلَّ لم يُعِدْ ولم نَعْلَمْ أَحَدًا مِمَّنْ مَضَى قال إذَا كان الدَّمُ في الثَّوْبِ أو على الْجَسَدِ مِقْدَارَ الدِّرْهَمِ أَعَادَ الصَّلَاةَ وَإِنْ كان أَقَلَّ لم يُعِدْ أخبرنا هُشَيْمٌ عن حُصَيْنٍ عن خَارِجَةَ بن الصَّلْتِ أَنَّ بن مَسْعُودٍ رَكَعَ فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ فقال السَّلَامُ عَلَيْك يا أَبَا عبد الرحمن فقال عبد اللَّهِ صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فلما قَضَى صَلَاتَهُ قِيلَ له كَأَنَّ الرَّجُلَ رَاعَك قال أَجَلْ إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حتى تُتَّخَذَ الْمَسَاجِدُ طُرُقًا وَحَتَّى يُسَلِّمُ الرَّجُلُ على الرَّجُلِ لِلْمَعْرِفَةِ وَلَيْسُوا يَقُولُونَ بهذا وهو عِنْدَهُمْ نَقْضٌ لِلصَّلَاةِ إذَا تَكَلَّمَ بِمِثْلِ هذا حين يُرِيدُ بِهِ الْجَوَابَ وَهُمْ لَا يَرْوُونَ خِلَافَ هذا عن أَحَدٍ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وبن مَسْعُودٍ رَوَى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ نهى عن الْكَلَامِ في الصَّلَاةِ وَلَوْ كان هذا عِنْدَهُ من الْكَلَامِ الْمَنْهِيِّ عنه لم يَتَكَلَّمْ بِهِ أخبرنا يَزِيدُ بن هَارُونَ عن مُحَمَّدِ بن إِسْحَاقَ عن عبد الرحمن بن الْأَسْوَدِ عن أبيه قال رَأَيْت بن مَسْعُودٍ إذَا مَرَّ بين يَدَيْهِ رَجُلٌ وهو يُصَلِّي الْتَزَمَهُ حتى يَرُدَّهُ وَنَحْنُ نَقُولُ بهذا وهو يُوَافِقُ ما رَوَيْنَا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَهُمْ لَا يَأْخُذُونَ بِهِ وَأَحْسَبُهُمْ يَقُولُونَ إنَّ هذا يَنْقُضُ الصَّلَاةَ وَلَا يَرْوُونَ قَوْلَهُمْ هذا عن أَحَدٍ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَيَدَعُونَ قَوْلَ عبد اللَّهِ وهو مُوَافِقٌ السُّنَّةَ أخبرنا أبو مُعَاوِيَةَ عن الْأَعْمَشِ عن أبي إِسْحَاقَ عن أبي الْأَحْوَصِ عن عبد اللَّهِ قال إذَا أَدْرَكْت رَكْعَةً من الْجُمُعَةِ فَأَضِفْ إلَيْهَا أُخْرَى وإذا فَاتَك الرُّكُوعُ فَصَلِّ أَرْبَعًا وَبِهَذَا نَقُولُ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ مَعْنَى ما رَوَيْنَا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وقد خَالَفَ هذا بَعْضُهُمْ فَزَعَمَ أَنَّهُ إذَا لم يُدْرِكْ الْخُطْبَةَ صلى أَرْبَعًا رَجَعَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنْ قال مِثْلَ قَوْلِنَا وقال بَعْضُهُمْ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ في شَيْءٍ من الصَّلَاةِ وَإِنْ كان جَالِسًا صلى رَكْعَتَيْنِ فَخَالَفَ هذا الحديث وَاَلَّذِي قَبْلَهُ أخبرنا رَجُلٌ عن الْأَعْمَشِ عن الْمُسَيِّبِ بن رَافِعٍ عن عَامِرِ بن عَبْدَةَ قال قال عبد اللَّهِ هُيِّئَتْ عِظَامُ بن آدَمَ لِلسُّجُودِ فَاسْجُدُوا حتى بِالْمَرَافِقِ وَلَيْسُوا يَقُولُونَ بهذا وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا يقول بهذا فَأَمَّا نَحْنُ فَأَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عن دَاوُد بن قَيْسٍ عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عبد اللَّهِ بن أَقْرَمَ الْخُزَاعِيِّ عن أبيه قال رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالْقَاعِ من نَمِرَةَ سَاجِدًا فَرَأَيْت بَيَاضَ إبْطَيْهِ أخبرنا سُفْيَانُ قال أخبرنا عبد اللَّهِ بن أَخِي يَزِيدَ بن الْأَصَمِّ عن عَمِّهِ يَزِيدَ بن الْأَصَمِّ عن مَيْمُونَةَ أنها قالت كان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا سَجَدَ لو أَرَادَتْ بَهِيمَةٌ أَنْ تَمُرَّ من تَحْتِهِ لَمَرَّتْ مِمَّا يجافى أبو مُعَاوِيَةَ عن الْأَعْمَشِ عن إبْرَاهِيمَ قال خَبَطَ عبد اللَّهِ الْحَصَا بيده خَبْطَةً في الْمَسْجِدِ فقال لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ رَجُلٌ عن الشَّيْبَانِيِّ عن عبد الرحمن بن الْأَسْوَدِ عن عَمِّهِ عبد الرحمن بن يَزِيدَ عن عبد اللَّهِ نَحْوَهُ وَهَذَا عِنْدَهُمْ فِيمَا أَعْلَمُ كَلَامٌ في الصَّلَاةِ يَكْرَهُونَهُ وَأَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ كُلُّ شَيْءٍ من الْكَلَامِ خَاطَبْت بِهِ اللَّهَ عز وجل وَدَعَوْتَهُ بِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ سُفْيَانَ حدثنا عن الزُّهْرِيِّ عن سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ عن أبي هُرَيْرَةَ رضي اللَّهُ عنه أَنَّ
____________________

(7/186)


رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ من الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ من صَلَاةِ الصُّبْحِ قال اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بن الْوَلِيدِ وَسَلَمَةَ بن هِشَامٍ وَعَيَّاشَ بن أبي رَبِيعَةَ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّةَ اللَّهُمَّ اُشْدُدْ وَطْأَتَك على مُضَرَ وَاجْعَلْهَا عليهم سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ وَهُمْ يُخَالِفُونَ هذا كُلَّهُ وَيَقُولُونَ الْقُنُوتُ قبل الرُّكُوعِ بن مَهْدِيٍّ عن سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عن الْأَعْمَشِ عن عُمَارَةَ عن الْأَسْوَدِ قال كان عبد اللَّهِ لَا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ إلَّا في حَجٍّ أو عُمْرَةٍ وَهُمْ يُخَالِفُونَ هذا وَيَقُولُونَ تُقْصَرُ الصَّلَاةُ في كُلٍّ سَفَرٍ بَلَغَ ثَلَاثًا وَغَيْرُهُمْ يقول كُلُّ سَفَرٍ بَلَغَ لَيْلَتَيْنِ أخبرنا إِسْحَاقُ بن يُوسُفَ وَغَيْرُهُ عن مُحَمَّدِ بن قَيْسٍ عن عِمْرَانَ بن عُمَيْرٍ مولى بن مَسْعُودٍ عن أبيه قال سَافَرْت مع بن مَسْعُودٍ إلَى ضَيْعَةٍ بِالْقَادِسِيَّةِ فَقَصَرَ الصَّلَاةَ بِالنَّجَفِ وَلَيْسُوا وَلَا أَحَدٌ عَلِمْتُهُ من الْمُفْتِينَ يقول بهذا أَمَّا هُمْ فَيَقُولُونَ تُقْصَرُ الصَّلَاةُ في أَقَلِّ من مَسِيرَةِ ثَلَاثِ لَيَالٍ قَوَاصِدَ وَلَا أَعْلَمُهُمْ يَرْوُونَ هذا عن أَحَدٍ مِمَّنْ مَضَى مِمَّنْ قَوْلُهُ حُجَّةٌ بَلْ يَرْوُونَ عن حُذَيْفَةَ خِلَافَ قَوْلِهِمْ رَوَاهُ أبو مُعَاوِيَةَ عن الْأَعْمَشِ عن إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عن أبيه قال اسْتَأْذَنْت حُذَيْفَةَ من الْمَدَائِنِ فقال آذَنُ لَك على أَنْ لَا تَقْصُرَ حتى تَرْجِعَ وَهُمْ يُخَالِفُونَ هذا وَيَقُولُونَ يَقْصُرُ من الْكُوفَةِ إلَى الْمَدَائِنِ وَأَمَّا نَحْنُ فَنَأْخُذُ في الْقَصْرِ بِقَوْلِ بن عُمَرَ وبن عَبَّاسٍ تُقْصَرُ الصَّلَاةُ في مَسِيرَةِ أَرْبَعِ بُرْدٍ أخبرنا بِذَلِكَ بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن عَطَاءِ بن يَسَارٍ عن بن عَبَّاسٍ قال تُقْصَرُ الصَّلَاةُ إلَى عُسْفَانَ وَإِلَى الطَّائِفِ وَجُدَّةَ وَهَذَا كُلُّهُ من مَكَّةَ على أَرْبَعَةِ بُرْدٍ وَنَحْوٍ من ذلك أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن سَالِمٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ خَرَجَ إلَى ذَاتِ النصب ( ( ( النصيب ) ) ) فَقَصَرَ الصَّلَاةَ قال مَالِكٌ وَهِيَ أَرْبَعُ بُرْدٍ وَهُمْ يُخَالِفُونَ رِوَايَتَهُمْ عن حُذَيْفَةَ وبن مَسْعُودٍ وَرِوَايَتَنَا عن بن عَبَّاسٍ وبن عُمَرَ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ بن مَهْدِيٍّ عن سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عن قَيْسِ بن مُسْلِمٍ عن طَارِقِ بن شِهَابٍ قال قال عبد اللَّهِ لَا تُغِيرُوا بِسَوَادِكُمْ فَإِنَّمَا سَوَادُكُمْ من كُوفَتِكُمْ يَعْنِي لَا تَقْصُرُوا الصَّلَاةَ إلَى السَّوَادِ وَهُمْ يَقُولُونَ إنْ أَرَادَ من السَّوَادِ مَسِيرَةَ ثَلَاثٍ قَصَرَ إلَيْهِ الصَّلَاةَ وَهَذِهِ أَحَادِيثُ يَرْوُونَهَا في صَلَاةِ السَّفَرِ مُخْتَلِفَةً يُخَالِفُونَهَا كُلَّهَا بن مَهْدِيٍّ عن سُفْيَانَ عن أَشْعَثَ بن سُلَيْمٍ عن عبد اللَّهِ بن زِيَادٍ قال سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ يَقْرَأُ في الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَهَذَا عِنْدَنَا لَا يُوجِبُ سَهْوًا وَلَا نَرَى بَأْسًا إنْ تَعَمَّدَ الْجَهْرَ بِالْقِرَاءَةِ لِيُعْلِمَ من خَلْفَهُ أَنَّهُ يَقْرَأُ وَهُمْ يَكْرَهُونَ هذا يَكْرَهُونَ أَنْ يَجْهَرَ بِشَيْءٍ من الْقِرَاءَةِ في الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَيُوجِبُونَ السَّهْوَ على من فَعَلَهُ وَنَحْنُ نُوَافِقُ هذا وَهُمْ يُخَالِفُونَهُ بن مَهْدِيٍّ عن سُفْيَانَ عن أبي إِسْحَاقَ عن الْأَسْوَدِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ كان يُكَبِّرُ من صَلَاةِ الصُّبْحِ من يَوْمِ عَرَفَةَ إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ من يَوْمِ النَّحْرِ بن مَهْدِيٍّ عن سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عن غَيْلَانَ بن جَامِعٍ عن عَمْرِو بن مُرَّةَ عن أبي وَائِلٍ عن عبد اللَّهِ مثله وَلَيْسُوا يَقُولُونَ بهذا يَقُولُونَ يُكَبِّرُ من صَلَاةِ الصُّبْحِ يوم عَرَفَةَ إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ من آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَأَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ بِمَا روى عن بن عُمَرَ وبن عَبَّاسٍ يُكَبِّرُ من صَلَاةِ الظُّهْرِ من يَوْمِ النَّحْرِ إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ من آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَنَتْرُكُ قَوْلَ بن مَسْعُودٍ لِقَوْلِ بن عَبَّاسٍ وبن عُمَرَ وَأَمَّا هُمْ فَيُخَالِفُونَ قَوْلَ من سَمَّيْنَا وما رَوَوْا عن بن مَسْعُودٍ مَعًا وَاَلَّذِي قُلْنَا أَشْبَهُ الْأَقَاوِيلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِمَا يَعْرِفُ أَهْلُ الْعِلْمِ وَذَلِكَ أَنَّ لِلتَّلْبِيَةِ وَقْتًا تَنْقَضِي إلَيْهِ وَذَلِكَ يَوْمُ النَّحْرِ وَأَنَّ التَّكْبِيرَ إنَّمَا يَكُونُ خَلْفَ الصَّلَاةِ وَأَوَّلُ صَلَاةٍ تَكُونُ بَعْدَ انْقِضَاءِ التَّلْبِيَةِ يوم النَّحْرِ صَلَاةُ الظُّهْرِ وَآخِرُ صَلَاةٍ تَكُونُ بِمِنًى صَلَاةُ الصُّبْحِ من آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بن مَهْدِيٍّ عن سُفْيَانَ عن أبي إِسْحَاقَ عن سُلَيْمِ بن حَنْظَلَةَ قال قَرَأْت السَّجْدَةَ عِنْدَ عبد اللَّهِ فَنَظَرْت إلَيْهِ فقال أنت أَعْلَمُ فإذا سَجَدْت سَجَدْنَا وَبِهَذَا نَقُولُ لَيْسَتْ السَّجْدَةُ بِوَاجِبَةٍ على من قَرَأَ وَعَلَى من سمع وَأَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ يَسْجُدَ وإذا سَجَدَ الْقَارِئُ أَحْبَبْنَا لِلسَّامِعِ أَنْ يَسْجُدَ وقد رَوَيْنَا هذا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَعَنْ عُمَرَ وَرَوَوْا ذلك عن بن مَسْعُودٍ وَهُمْ يُخَالِفُونَ هذا وَيَزْعُمُونَ أنها وَاجِبَةٌ على السَّامِعِ أَنْ يَسْجُدَ وَإِنْ لم يَسْجُدْ الْإِمَامُ فَيُخَالِفُونَ رِوَايَتَهُمْ عن بن مَسْعُودٍ وَرِوَايَتَنَا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
____________________

(7/187)


وَعَنْ عُمَرَ بن عُيَيْنَةَ عن عَبْدَةَ عن زِرِّ بن حُبَيْشٍ عن بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ كان لَا يَسْجُدُ في ص وَيَقُولُ إنَّمَا هِيَ تَوْبَةُ نَبِيٍّ بن عُيَيْنَةَ عن أَيُّوبَ عن عِكْرِمَةَ عن بن عَبَّاسٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ سَجَدَهَا وَهُمْ يُخَالِفُونَ بن مَسْعُودٍ وَيَقُولُونَ هِيَ وَاجِبَةٌ بن عُلَيَّةَ عن دَاوُد بن أبي هِنْدَ عن الشَّعْبِيِّ عن عَلْقَمَةَ عن عبد اللَّهِ في الصَّلَاةِ على الْجَنَائِزِ لَا وَقْتَ وَلَا عَدَدَ رَجُلٌ عن شُعْبَةَ عن رَجُلٍ قال سَمِعْت زِرَّ بن حُبَيْشٍ يقول صلى عبد اللَّهِ على رَجُلٍ مَيِّتٍ فَكَبَّرَ عليه خَمْسًا وَنَحْنُ نَرْوِي عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ كَبَّرَ أَرْبَعًا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن سَعِيدٍ عن أبي هُرَيْرَةَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ كَبَّرَ على النَّجَاشِيِّ أَرْبَعًا ولم يُرْوَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قَطُّ أَنَّهُ كَبَّرَ على مَيِّتٍ إلَّا أَرْبَعًا وَهُمْ يَقُولُونَ قَوْلَنَا وَنَقُولُ التَّكْبِيرُ على الْجَنَائِزِ أَرْبَعًا أَرْبَعًا لَا يُزَادُ فيها وَلَا يُنْقَصُ فَخَالَفُوا بن مَسْعُودٍ وَقَالُوا في هذا بِرِوَايَتِنَا أخبرنا هُشَيْمٌ عن يَزِيدَ بن أبي زِيَادٍ عن أبي جُحَيْفَةَ عن عبد اللَّهِ أَنَّهُ كان إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ من الرُّكُوعِ قال اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ مِلْءَ السماوات وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ ما شِئْت من شَيْءٍ بَعْدُ وَنَحْنُ نَسْتَحِبُّ هذا وَنَقُولُ بِهِ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ ما روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَهُمْ يَكْرَهُونَ هذا كَرَاهَةً شَدِيدَةً أخبرنا إِسْحَاقُ بن يُوسُفَ الْأَزْرَقِ عن سُفْيَانَ عن أبي إِسْحَاقَ عن عَلْقَمَةَ عن عبد اللَّهِ قال صلى الْعَصْرَ قَدْرَ ما يَسِيرُ الرَّاكِبُ فَرْسَخَيْنِ وَهُمْ يَقُولُونَ تُؤَخَّرُ الْعَصْرُ قَدْرَ ما يَسِيرُ الرَّاكِبُ فَرْسَخًا فَيُخَالِفُونَ ما رَوَوْا ما لم يَدْخُلْ الشَّمْسَ صُفْرَةٌ وَأَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ يصلى الْعَصْرَ في أَوَّلِ وَقْتِهَا لِأَنَّا رَوَيْنَا أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يصلى الْعَصْرَ ثُمَّ يَذْهَبُ الذَّاهِبُ إلَى قُبَاءَ فَيَأْتِيهِمْ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ هُشَيْمٌ عن مَنْصُورٍ عن الْحَسَنِ عن رَجُلٍ من هُذَيْلٍ أَنَّ بن مَسْعُودٍ كان يَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ في الْجَنَائِزِ وَهُمْ يُخَالِفُونَ هذا وَلَا يقرؤون ( ( ( يقرءون ) ) ) على الْجَنَائِزِ وَأَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ بهذا نَقُولُ يَقْرَأُ الْإِمَامُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ أخبرنا بِذَلِكَ إبْرَاهِيمُ بن سَعْدٍ عن أبيه عن طَلْحَةَ بن عبد اللَّهِ بن عَوْفٍ قال صَلَّيْت خَلْفَ بن عَبَّاسٍ على جِنَازَةٍ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ وَجَهَرَ حتى أَسْمَعَنَا فلما فَرَغَ أَخَذْت بيده فَسَأَلْتُهُ عن ذلك فقال سُنَّةٌ وَحَقٌّ أخبرنا بن عُلَيَّةَ عن بن عَجْلَانَ عن سَعِيدِ بن أبي سَعِيدٍ قال سَمِعْت بن عَبَّاسٍ يَجْهَرُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ على الْجَنَائِزِ وَيَقُولُ إنَّمَا فَعَلْت لِتَعْلَمُوا أنها سُنَّةٌ أخبرنا إِسْحَاقُ بن يُوسُفَ عن سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عن أبي إِسْحَاقَ عن أبي الْأَحْوَصِ عن عبد اللَّهِ قال التَّكْبِيرُ تَحْرِيمُ الصَّلَاةِ وَانْقِضَاؤُهَا التَّسْلِيمُ وَلَيْسُوا يَقُولُونَ بهذا يَزْعُمُونَ أَنَّ من جَلَسَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ وَلَا شَيْءَ عليه وَأَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ تَحْرِيمُ الصَّلَاةِ التَّكْبِيرُ وَانْقِضَاؤُهَا التَّسْلِيمُ لِأَنَّهُ يُوَافِقُ ما رَوَيْنَا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عن عبد اللَّهِ بن مُحَمَّدِ بن عَقِيلٍ عن مُحَمَّدِ بن الْحَنَفِيَّةِ عن عَلِيٍّ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الْوُضُوءُ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ وَهَكَذَا نَقُولُ لَا يَخْرُجُ من الصَّلَاةِ حتى يُسَلِّمَ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم جَعَلَ حَدَّ الْخُرُوجِ من التَّسْلِيمِ فَكُلُّ حَدَثٍ كان يُفْسِدُ الصَّلَاةَ فِيمَا بين التَّكْبِيرِ إلَى التَّسْلِيمِ فَهُوَ يُفْسِدُهَا لِأَنَّ من الدُّخُولِ فيها إلَى الْخُرُوجِ منها صَلَاةٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ في صَلَاةٍ فَيَعْمَلَ ما يُفْسِدُهَا وَلَا تَفْسُدُ هُشَيْمٌ عن حُصَيْنٍ قال أخبرني الْهَيْثَمُ أَنَّهُ سمع بن مَسْعُودٍ يقول لَأَنْ أَجْلِسَ على الرَّضْفِ أَحَبُّ إلى من أَنْ أَتَرَبَّعَ في الصَّلَاةِ وَهُمْ يَقُولُونَ قِيَامُ صَلَاةِ الْجَالِسِ التَّرَبُّعُ وَنَحْنُ نَكْرَهُ ما يَكْرَهُ بن مَسْعُودٍ من تَرَبُّعِ الرَّجُلِ في الصَّلَاةِ وَهُمْ يُخَالِفُونَ بن مَسْعُودٍ وَيَسْتَحِبُّونَ التَّرَبُّعَ في الصَّلَاةِ أخبرنا أبو مُعَاوِيَةَ عن الْأَعْمَشِ عن إبْرَاهِيمَ عن عبد الرحمن بن يَزِيدَ قال صلى عُثْمَانُ بِمِنًى أَرْبَعًا فقال عبد اللَّهِ صَلَّيْت مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم رَكْعَتَيْنِ وَمَعَ أبي بَكْرٍ رَكْعَتَيْنِ وَمَعَ عُمَرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَفَرَّقَتْ بِكُمْ الطُّرُقُ قال الْأَعْمَشُ فَحَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بن قُرَّةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ صَلَّاهَا بَعْدُ أَرْبَعًا فَقِيلَ له عِبْت على عُثْمَانَ وَتُصَلِّي أَرْبَعًا قال الْخِلَافُ شَرٌّ وَهُمْ يَقُولُونَ لَا يَصْلُحُ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يصلى أَرْبَعًا فَإِنْ صلى أَرْبَعًا فلم يَجْلِسْ في
____________________

(7/188)


الثَّانِيَةِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ فَيَرْوُونَ عن عبد اللَّهِ أَنَّهُ فَعَلَ ما إنْ فَعَلَهُ أَحَدٌ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ أخبرنا حَفْصٌ عن الْأَعْمَشِ عن إبْرَاهِيمَ عن عبد الرحمن بن يَزِيدَ قال كان عبد اللَّهِ يَكْرَهُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ في أَقَلَّ من ثَلَاثٍ وَهُمْ يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يُقْرَأَ في أَقَلِّ من ثَلَاثٍ أخبرنا وَكِيعٌ عن سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عن أبي إِسْحَاقَ عن عبد الرحمن بن يَزِيدَ قال رَأَيْت عَبْدَ اللَّهِ يَحُكُّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ من الْمُصْحَفِ وَيَقُولُ لَا تَخْلِطُوا بِهِ ما ليس منه وَهُمْ يَرْوُونَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قَرَأَ بِهِمَا في صَلَاةِ الصُّبْحِ وَهُمَا مَكْتُوبَتَانِ في الْمُصْحَفِ الذي جُمِعَ على عَهْدِ أبي بَكْرٍ ثُمَّ كان عِنْدَ عُمَرَ ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ ثُمَّ جَمَعَ عُثْمَانُ عليه الناس وَهُمَا من كِتَابِ اللَّهِ عز وجل وأنا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهِمَا في صَلَاتِي أخبرنا بن مَهْدِيٍّ وَغَيْرُهُ عن سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عن أبي إِسْحَاقَ عن هُبَيْرَةَ بن ( 1 ) يَرِيمَ قال كان عبد اللَّهِ يُعْطِينَا الْعَطَاءَ في زِبْلِ صِغَارٍ ثُمَّ يَأْخُذُ منها زَكَاةً وَهُمْ يَقُولُونَ لَا زَكَاةَ في مَالٍ حتى يَحُولَ عليه الْحَوْلُ وَلَا نَأْخُذُ من الْعَطَاءِ وَنَحْنُ نَرْوِي عن أبي بَكْرٍ أَنَّهُ كان لَا يَأْخُذُ من الْعَطَاءِ زَكَاةً وَعَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَنَحْنُ نَقُولُ بِذَلِكَ أخبرنا بن عُلَيَّةَ وبن أبي زَائِدَةَ عن لَيْثٍ عن مُجَاهِدٍ عن بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ كان يقول لِوَلِيِّ الْيَتِيمِ أَحْصِ ما مَرَّ من السِّنِينَ فإذا دَفَعْت إلَيْهِ مَالَهُ قُلْت له قد أتى عليه كَذَا وَكَذَا فَإِنْ شَاءَ زَكَّى وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَلَوْ كان بن مَسْعُودٍ لَا يَرَى عليه زَكَاةً لم يَأْمُرْهُ بِالْإِحْصَاءِ لِأَنَّ من لم تَجِبْ عليه زَكَاةٌ لَا يُؤْمَرُ بِإِحْصَاءِ السِّنِينَ كما لَا يُؤْمَرُ الصَّبِيُّ بِإِحْصَاءِ سِنِيهِ في صِغَرِهِ لِلصَّلَاةِ وَلَكِنْ كان بن مَسْعُودٍ يَرَى عليه الزَّكَاةَ وكان لَا يَرَى أَنْ يُزَكِّيَهَا الْوَلِيُّ وكان يقول يَحْسِبُ الْوَلِيُّ السِّنِينَ التي وَجَبَتْ على الصَّبِيِّ فيها الزَّكَاةُ فإذا بَلَغَ الصَّبِيُّ وَدَفَعَ إلَيْهِ مَالَهُ أَعْلَمَهُ ذلك وَهُمْ يَقُولُونَ ليس في مَالِ الصَّبِيِّ زَكَاةٌ وَنَحْنُ نَقُولُ يزكى لِأَنَّا رَوَيْنَا ذلك عن عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَعَائِشَةَ وبن عُمَرَ وَرَوَيْنَا ذلك عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أخبرنا بِذَلِكَ عبد الْمَجِيدِ عن بن جُرَيْجٍ عن يُوسُفَ بن مَاهَكَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ابْتَغُوا في أَمْوَالِ الْيَتَامَى لِئَلَّا تُذْهِبَهَا أو تَسْتَهْلِكَهَا الصَّدَقَةُ - * بَابُ الصِّيَامِ - * أخبرنا بن مَهْدِيٍّ عن سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عن أبي إِسْحَاقَ عن عُبَيْدِ بن عُمَيْرٍ أَنَّ عَلِيًّا سُئِلَ عن الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ فقال ما يُرِيدُ إلي خُلُوفِ فَمِهَا وَلَيْسُوا يَقُولُونَ بهذا يَقُولُونَ لَا بَأْسَ بِقُبْلَةِ الصَّائِمِ أخبرنا إسْمَاعِيلُ بن أبي خَالِدٍ عن أبي السَّفَرِ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ صلى الصُّبْحَ ثُمَّ قال هذا حين يَتَبَيَّنُ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ من الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ وَلَيْسُوا وَلَا أَحَدٌ عَلِمْنَاهُ يقول بهذا إنَّمَا السُّحُورُ قبل طُلُوعِ الْفَجْرِ فإذا طَلَعَ الْفَجْرُ فَقَدْ حَرُمَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ على الصَّائِمِ أخبرنا رَجُلٌ عن الشَّيْبَانِيِّ عن أبي مَاوِيَّةَ أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه خَرَجَ يَسْتَسْقِي يوم عَاشُورَاءَ فقال من كان مِنْكُمْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صِيَامَهُ وَمَنْ كان مُفْطِرًا فَلَا يَأْكُلْ وَلَيْسُوا يَقُولُونَ بهذا يَقُولُونَ من أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلَا يَصُومُ أخبرنا رَجُلٌ عن شُعْبَةَ عن أبي إِسْحَاقَ عن عبد اللَّهِ بن مُرَّةَ عن الحرث عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ كَرِهَ صَوْمَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَهُمْ يَسْتَحِبُّونَ صَوْمَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَيُخَالِفُونَ عَلِيًّا رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أخبرنا رَجُلٌ عن شُعْبَةَ عن مَنْصُورٍ عن هِلَالِ بن يَسَافٍ عن عبد اللَّهِ أَنَّهُ كَرِهَ الْقُبْلَةَ لِلصَّائِمِ وَلَيْسُوا يَأْخُذُونَ بهذا وَأَمَّا نَحْنُ فَنَرْوِي عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قَبَّلَ وهو صَائِمٌ وَعَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ من أَصْحَابِهِ وَنَقُولُ لَا بَأْسَ أَنْ يُقَبِّلَ الصَّائِمُ أخبرنا بن مَهْدِيٍّ وَإِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ عن سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عن سَلَمَةَ بن كُهَيْلٍ عن الْمُسْتَوْرِدِ بن الْأَحْنَفِ قال جاء رَجُلٌ فَصَلَّى معه الظُّهْرَ فقال إنِّي ظَلِلْتُ الْيَوْمَ لَا صَائِمٌ وَلَا مُفْطِرٌ كُنْت أَتَقَاضَى غَرِيمًا لي فَمَاذَا تَرَى قال إنْ شِئْت صُمْت وَإِنْ شِئْت أَفْطَرْت أخبرنا رَجُلٌ بِشْرُ بن السَّرِيِّ وَغَيْرُهُ عن سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عن الْأَعْمَشِ عن طَلْحَةَ عن سَعْدِ بن عُبَيْدَةَ عن أبي عبد الرحمن أَنَّ حُذَيْفَةَ بَدَا له
____________________

(7/189)


بَعْدَ ما زَالَتْ الشَّمْسُ فَصَامَ وَهُمْ لَا يَرَوْنَ هذا وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ صَائِمًا حتى يَنْوِيَ الصَّوْمَ قبل الزَّوَالِ أخبرنا أبو مُعَاوِيَةَ عن الْأَعْمَشِ عن عُمَارَةَ عن عبد الرحمن بن يَزِيدَ عن عبد اللَّهِ قال أحدكم بِالْخِيَارِ ما لم يَأْكُلْ أو يَشْرَبْ وَأَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ الْمُتَطَوِّعُ بِالصَّوْمِ مَتَى شَاءَ نَوَى الصِّيَامَ فَأَمَّا من عليه صَوْمٌ وَاجِبٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يَنْوِيَهُ قبل الْفَجْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * بَابُ الْحَجِّ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا أبو مُعَاوِيَةَ عن الْأَعْمَشِ عن قَيْسِ بن مُسْلِمٍ عن طَارِقِ بن شِهَابٍ عن عبد اللَّهِ قال الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ليس فيها عُمْرَةٌ وَلَيْسُوا يَأْخُذُونَ بِذَلِكَ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَرَنَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ في أَشْهُرِ الْحَجِّ وَأَمَّا نَحْنُ فَرَوَيْنَا أَنَّ أَصْحَابَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الَّذِينَ خَرَجُوا معه في حَجَّتِهِ منهم من قَرَنَ الْحَجَّ مع الْعُمْرَةِ وَمِنْهُمْ من تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ وَمِنْهُمْ من أَفْرَدَ الْحَجَّ أخبرنا بِذَلِكَ مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن عُرْوَةَ عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ تعالى عنها قالت وَأَفْرَدَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْحَجَّ فَبِهَذَا قُلْنَا لَا بَأْسَ بِالْعُمْرَةِ في أَشْهُرِ الْحَجِّ وقد كان بن مَسْعُودٍ فِيمَنْ شَهِدَ تِلْكَ الْحَجَّةَ فِيمَا عَلِمْنَا أخبرنا بن مَهْدِيٍّ عن سُفْيَانَ عن إبْرَاهِيمَ بن عبد الْأَعْلَى عن سُوَيْد بن غَفَلَةَ قال قال لي عُمَرُ يا أَبَا أُمَيَّةَ حُجَّ وَاشْتَرِطْ فإن لَك ما شَرَطْت وَلِلَّهِ عَلَيْك ما اشْتَرَطْت وَهُمْ يُخَالِفُونَ هذا وَلَا يَرَوْنَ الشَّرْطَ شيئا وَأَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ يَشْتَرِطُ وَلَهُ الشَّرْطُ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ ما روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ أَمَرَ ضُبَاعَةَ بِنْتَ الزُّبَيْرِ بِالشَّرْطِ وما روى عن عَائِشَةَ أخبرنا سُفْيَانُ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ ضُبَاعَةَ بِنْتَ الزُّبَيْرِ فقال أَمَا تُرِيدِينَ الْحَجَّ فقالت إنِّي شَاكِيَةٌ فقال حُجِّي وَاشْتَرِطِي أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي أخبرنا سُفْيَانُ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه قال قالت لي عَائِشَةُ يا بن أُخْتِي هل تَسْتَثْنِي إذَا حَجَجْت قُلْت مَاذَا أَقُولُ قالت قُلْ اللَّهُمَّ الْحَجَّ أَرَدْت وَلَهُ عَمَدْت فَإِنْ يَسَّرْتَهُ فَهُوَ الْحَجُّ وَإِنْ حَبَسَنِي حَابِسٌ فَهِيَ عُمْرَةٌ أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن مَنْصُورٍ عن أبي وَائِلٍ عن مَسْرُوقٍ عن عبد اللَّهِ أَنَّهُ لَبَّى على الصَّفَا في عُمْرَةٍ بَعْدَ ما طَافَ بِالْبَيْتِ وَلَيْسُوا وَلَا أَحَدٌ من الناس عَلِمْنَاهُ يقول بهذا وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الناس عِنْدَنَا فَمِنْهُمْ من قال يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ في الْعُمْرَةِ إذَا دخل الْحَرَمَ وهو قَوْلُ بن عُمَرَ وَمِنْهُمْ من قال إذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ وهو قَوْلُ بن عَبَّاسٍ وَبِهَذَا نَقُولُ أخبرنا رَجُلٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ عن بن عَبَّاسٍ وَبِهِ يَقُولُونَ هُمْ أَيْضًا فَأَمَّا بَعْدَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ فَلَا يُلَبِّي أَحَدٌ أخبرنا بن مَهْدِيٍّ عن شُعْبَةَ عن أبي إِسْحَاقَ عن عبد الرحمن بن يَزِيدَ عن عبد اللَّهِ قال كانت تَلْبِيَةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَلَيْسُوا وَلَا أَحَدٌ عَلِمْنَاهُ يقول هذا فَخَالَفُوهُ لِأَنَّ تَلْبِيَةَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ الْمُسْلِمِينَ إلَى الْيَوْمِ زِيَادَةٌ على هذه التَّلْبِيَةِ وَالْمُلْكُ لَا شَرِيكَ لَك أخبرنا بن مَهْدِيٍّ عن سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عن أبي إِسْحَاقَ عن عبد الرحمن بن يَزِيدَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ تَنَفَّلَ بين الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ وَلَيْسُوا يَقُولُونَ بهذا بَلْ ثَبَتَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ صَلَّاهُمَا ولم يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شيئا أخبرنا الْوَلِيدُ بن مُسْلِمٍ عن بن أبي ذِئْبٍ عن الزُّهْرِيِّ عن سَالِمٍ عن أبيه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم جَمَعَ بين الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ ولم يَتَطَوَّعْ بَيْنَهُمَا وَلَا على أَثَرِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَبِهَذَا نَقُولُ أخبرنا بن عُلَيَّةَ عن أبي حَمْزَةَ مَيْمُونٍ عن إبْرَاهِيمَ عن الْأَسْوَدِ عن عبد اللَّهِ قال نُسُكَانِ أَحَبُّ إلى أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ مِنْهُمَا شُعْثٌ وَسَفَرٌ وَهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْقُرْآنَ أَفْضَلُ وَبِهِ يُفْتُونَ من اسْتَفْتَاهُمْ وَعَبْدُ اللَّهِ كان يَكْرَهُ الْقُرْآنَ أخبرنا سُفْيَانُ عن عبد الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عن أبي عُبَيْدَةَ عن عبد اللَّهِ أَنَّهُ حَكَمَ في الْيَرْبُوعِ جَفْرًا أو جَفْرَةً وَهُمْ يُخَالِفُونَهُ وَيَقُولُونَ نَحْكُمُ فيه بِقِيمَتِهِ في الْمَوْضِعِ الذي يُصَابُ فيه وَلَوْ يَبْلُغُ أَنْ يَكُونَ غير جَفْرَةٍ لم يُهْدِ إلَّا الثَّنْيَ فَصَاعِدًا ما يَكُونُ أُضْحِيَّةً فَيُخَالِفُونَهُ من وَجْهَيْنِ
____________________

(7/190)


وَلَا يَقُولُونَ عَلِمْتُهُ في قَوْلِهِمْ هذا بِقَوْلِ أَحَدٍ من السَّلَفِ وَأَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ بِهِ لِأَنَّهُ مِثْلُ ما رَوَيْنَا عن عُمَرَ وهو قَوْلُ عَوَامِّ فُقَهَائِنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * كِتَابُ اخْتِلَافِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رضي اللَّهُ عنهما - * أخبرنا أبو مُحَمَّدٍ الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ الْمُؤَذِّنُ صَاحِبُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال سَأَلْت الشَّافِعِيَّ بِأَيِّ شَيْءٍ تُثْبِتُ الْخَبَرَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال قد كَتَبْت هذه الْحُجَّةَ في كِتَابِ جِمَاعِ الْعِلْمِ فَقُلْت أَعِدَّ من هذا مَذْهَبَك وَلَا تُبَالِ أَنْ يَكُونَ فيه في هذا الْمَوْضِعِ فقال الشَّافِعِيُّ إذَا حَدَّثَ الثِّقَةُ عن الثِّقَةِ حتى يَنْتَهِيَ إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَهُوَ ثَابِتٌ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا نَتْرُكُ لِرَسُولِ اللَّهِ حَدِيثًا أَبَدًا إلَّا حَدِيثًا وُجِدَ عن رسول اللَّهِ حَدِيثٌ يُخَالِفُهُ وإذا اخْتَلَفَتْ الْأَحَادِيثُ عنه فَالِاخْتِلَافُ فيها وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ بها نَاسِخٌ وَمَنْسُوخٌ فَنَعْمَلَ بِالنَّاسِخِ وَنَتْرُكَ الْمَنْسُوخَ وَالْآخَرُ أَنْ تَخْتَلِفَ وَلَا دَلَالَةَ على أَيُّهَا النَّاسِخُ فَنَذْهَبُ إلَى أَثْبَتِ الرِّوَايَتَيْنِ فَإِنْ تَكَافَأَتَا ذَهَبْت إلَى أَشْبَهِ الْحَدِيثَيْنِ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ فِيمَا سِوَى ما اخْتَلَفَ فيه الْحَدِيثَانِ من سُنَّتِهِ وَلَا يَعْدُو حَدِيثَانِ اخْتَلَفَا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يُوجَدَ فِيهِمَا هذا أو غَيْرُهُ مِمَّا يَدُلُّ على الْأَثْبَتِ من الرِّوَايَةِ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فإذا كان الْحَدِيثُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا مُخَالِفَ له عنه وكان يُرْوَى عَمَّنْ دُونَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حَدِيثٌ يُوَافِقُهُ لم يَزِدْهُ قُوَّةً وَحَدِيثُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مُسْتَغْنٍ بِنَفْسِهِ وَإِنْ كان يروي عَمَّنْ دُونَ رسول اللَّهِ حَدِيثٌ يُخَالِفُهُ لم أَلْتَفِتْ إلَى ما خَالَفَهُ وَحَدِيثُ رسول اللَّهِ أَوْلَى أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ وَلَوْ عَلِمَ من رَوَى عنه خِلَافَ سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم سُنَّتَهُ اتَّبَعَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ أَفَيَذْهَبُ صَاحِبُنَا هذا الْمَذْهَبَ قال نعم في بَعْضِ الْعِلْمِ وَتَرَكَهُ في بَعْضٍ قُلْت فَاذْكُرْ ما ذَهَبَ إلَيْهِ صَاحِبُنَا من حديث النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مِمَّا لم يَرْوِ عن الْأَئِمَّةِ أبي بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ وَلَا عُثْمَانَ وَلَا عَلِيٍّ شيئا يُوَافِقُهُ فقال نعم سَأَذْكُرُ من ذلك إنْ شَاءَ اللَّهُ ما يَدُلُّ على ما وَصَفْت وَأَذْكُرُ أَيْضًا ما ذَهَبَ إلَيْهِ من حديث رسول اللَّهِ وَفِيهِ عن بَعْضِ الْأَئِمَّةِ ما يُخَالِفُهُ لِيَكُونَ أَثْبَتَ لِلْحُجَّةِ عَلَيْكُمْ في اخْتِلَافِ أَقَاوِيلِكُمْ فَتَسْتَغْنُونَ مَرَّةً بِالْحَدِيثِ عن النبي دُونَ غَيْرِهِ وَتَدَعُونَ له ما خَالَفَهُ ثُمَّ تَدَعُونَ الحديث مَرَّةً أُخْرَى بِغَيْرِ حَدِيثٍ يُخَالِفُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمِنْ ذلك أَنَّهُ أخبرنا مَالِكٌ عن زَيْدِ بن أَسْلَمَ عن عَطَاءِ بن يَسَارٍ عن عبد اللَّهِ بن عَبَّاسٍ قال وَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن عَمْرَةَ عن عَائِشَةَ كِلَاهُمَا قَالَا إنَّ الشَّمْسَ خَسَفَتْ فَصَلَّى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم رَكْعَتَيْنِ وَوَصَفَاهُمَا في كل رَكْعَةٍ رَكْعَتَيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَخَذْنَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ بِهِ وَخَالَفَنَا غَيْرُكُمْ من الناس فقال تصلى رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاةِ الناس وَرَوَى حَدِيثًا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مِثْلَ قَوْلِهِ وَخَالَفَنَا غَيْرُهُمْ من الناس فقال تصلى رَكْعَتَيْنِ في كل رَكْعَةٍ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ وَاحْتَجَّ عَلَيْنَا بِأَنَّ بن عَبَّاسٍ صلى في زَلْزَلَةٍ رَكْعَتَيْنِ في كل رَكْعَةٍ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ وَاحْتَجَّ عَلَيْنَا غَيْرُهُ بِأَنَّ عَلِيَّ بن أبي طَالِبٍ صلى رَكْعَتَيْنِ في كل رَكْعَةٍ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ أو خَمْسٌ وَكَانَتْ حُجَّتُنَا عليهم أَنَّ الحديث إذَا ثَبَتَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَكُنْ في أَحَدٍ بَعْدَهُ حُجَّةٌ لو جاء عنه شَيْءٌ يُخَالِفُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ عن زَيْدِ بن أَسْلَمَ عن عَطَاءِ بن يَسَارٍ وَعَنْ بسر ( ( ( يسر ) ) ) بن سَعِيدٍ وَعَنْ الْأَعْرَجِ يُحَدِّثُونَهُ عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من أَدْرَكَ رَكْعَةً من الصُّبْحِ قبل أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً من الْعَصْرِ قبل أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ فَقُلْنَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ بهذا وَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس فيه فقال هو مُدْرِكٌ الْعَصْرَ وَصَلَاتُهُ الصُّبْحَ فَائِتَةٌ من قِبَلِ أَنَّهُ خَرَجَ إلَى وَقْتٍ نهى فيه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن الصَّلَاةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَكَانَتْ حُجَّتُنَا عليه أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا نهي عَمَّا لَا يَلْزَمُ من الصَّلَوَاتِ وَهَذِهِ صَلَاةٌ لَازِمَةٌ قد بَيَّنَّهَا
____________________

(7/191)


وَأَخْبَرَ أَنَّهُ مُدْرِكٌ في الْحَالَيْنِ مَعًا أَفَرَأَيْتُمْ لو احْتَجَّ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ فقال كَيْفَ ثَبَتُّمْ حَدِيثَ أبي هُرَيْرَةَ وَحْدَهُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ولم يَرْوِهِ أَحَدٌ عَلِمْتُهُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم غير أبي هُرَيْرَةَ ولم تَرُدُّوهُ بِأَنَّ هذا لم يُرْوَ عن أبي بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ وَلَا عُثْمَانَ وَلَا عَلِيٍّ وَلَا أَحَدٍ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قُلْت ما كانت حُجَّتُنَا عليه إلَّا أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ الْحَدِيثُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم استغنى بِهِ عَمَّنْ سِوَاهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن أبي الزِّنَادِ عن الْأَعْرَجِ عن أبي هُرَيْرَةَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عن الصَّلَاةِ فإن شِدَّةَ الْحَرِّ من فَيْحِ جَهَنَّمَ فَأَخَذْنَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ بِهِ أَفَرَأَيْتُمْ إنْ قال لنا قَائِلٌ إنَّ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ لم يَحْدُثَا بَعْدُ ولم يَذْهَبَا بَعْدُ فلما لم يَأْتِ عن أبي بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ وَلَا عُثْمَانَ وَلَا عَلِيٍّ أَنَّهُمْ أُمِرُوا بِالْإِبْرَادِ ولم تَرْوُوهُ عن وَاحِدٍ منهم وكان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يَحُضُّ على أَوَّلِ الْوَقْتِ وَذَلِكَ في الْحَرِّ وَالْبَرْدِ سَوَاءٌ هل الْحُجَّةُ إلَّا ثُبُوتَ هذا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَنَّ حَضَّهُ على أَوَّلِ الْوَقْتِ لَا يَدْفَعُ أَمْرَهُ بِتَأْخِيرِ الظُّهْرِ في شِدَّةِ الْحَرَّةِ وَلَوْ لم يُرْوَ عن أَحَدٍ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم استغنى فيه بِالْخَبَرِ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن إِسْحَاقَ بن عبد اللَّهِ بن أبي طَلْحَةَ عن حَمِيدَةَ ابنة ( ( ( بنت ) ) ) عُبَيْدِ بن رِفَاعَةَ عن كَبْشَةَ بِنْتِ كَعْبِ بن مَالِكٍ عن أبي قَتَادَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى اللَّهُ عليه وسلم قال في الْهِرَّةِ إنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ قال فَأَخَذْنَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ بِهِ فَقُلْنَا لَا بَأْسَ بِالْوُضُوءِ بِفَضْلِ الْهِرَّةِ وَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس فَكَرِهَ الْوُضُوءَ بِفَضْلِهَا وَاحْتَجَّ بِأَنَّ بن عُمَرَ كَرِهَ الْوُضُوءَ بِفَضْلِهَا أَفَرَأَيْتُمْ إنْ قال لَكُمْ قَائِلٌ حَدِيثُ حَمِيدَةَ عن كَبْشَةَ لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ وَالْهِرَّةُ لم تَزَلْ عِنْدَ الناس بَعْدَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَنَحْنُ نُوهِنُهُ بِأَنْ لم يُرْوَ عن أبي بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ وَلَا عُثْمَانَ وَلَا عَلِيٍّ ما يُوَافِقُ ما روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَاحْتَجَّ أَيْضًا بِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إذَا شَرِبَ الْكَلْبُ من إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَالْكَلْبُ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَلَا الْهِرَّةُ فَلَا أَتَوَضَّأُ بِفَضْلِهَا فَهَلْ الْحُجَّةُ عليه إلَّا أَنَّ الْمَرْأَتَيْنِ إنْ كَانَتَا مَعْرُوفَتَيْنِ ثَبَتَ حَدِيثُهُمَا وَأَنَّ الْهِرَّ غَيْرُ الْكَلْبِ الْكَلْبُ نَجَسٌ مَأْمُورٌ بِغَسْلِ الْإِنَاءِ منه سَبْعًا وَلَا نَتَوَضَّأُ بِفَضْلِهِ وفي الْهِرَّةِ حَدِيثٌ أنها لَيْسَتْ بِنَجَسٍ فَنَتَوَضَّأُ بِفَضْلِهَا وَنَكْتَفِي بِالْخَبَرِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ بَعْدَهُ قال بِهِ وَلَا يَكُونُ في أَحَدٍ قال بِخِلَافِ ما روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم حُجَّةٌ وَلَا في أَنْ لم يُرْوَ إلَّا من وَجْهٍ وَاحِدٍ إذَا كان الْوَجْهُ مَعْرُوفًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن عبد اللَّهِ بن أبي بَكْرٍ عن عُرْوَةَ عن مَرْوَانَ عن بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ أنها سَمِعَتْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول إذَا مَسَّ أحدكم ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ فَقُلْنَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ بِهِ وَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس فقال لَا يُتَوَضَّأُ من مَسِّ الذَّكَرِ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثٍ رَوَاهُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يُوَافِقُ قَوْلَهُ فَكَانَتْ حُجَّتُنَا عليه أَنَّ حَدِيثَهُ مَجْهُولٌ لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ وَحَدِيثُنَا مَعْرُوفٌ وَاحْتَجَّ عَلَيْنَا بِأَنَّ حُذَيْفَةَ وَعَلِيَّ بن أبي طَالِبٍ وبن مَسْعُودٍ وبن عَبَّاسٍ وَعِمْرَانَ بن الْحُصَيْنِ وَعَمَّارَ بن يَاسِرٍ وَسَعْدَ بن أبي وَقَّاصٍ قالوا ليس في مَسِّ الذَّكَرِ وُضُوءٌ وَقَالُوا رَوَيْتُمْ عن سَعْدٍ قَوْلَكُمْ وَرَوَيْنَا عنه خِلَافَهُ وَرَوَيْتُمُوهُ عن بن عُمَرَ وَمَنْ رَوَيْنَاهُ عنه أَكْثَرُ لَا تَوَضَّئُونَ لو مَسِسْتُمْ أَنْجَسَ منه فَكَانَتْ حُجَّتُنَا أَنَّ ما ثَبَتَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَكُنْ في قَوْلِ أَحَدٍ خَالَفَهُ حُجَّةٌ على قَوْلِهِ فقال منهم قَائِلٌ أَفَلَا نَتَّهِمُ الرِّوَايَةَ عن رسول اللَّهِ إذَا جاء عن مِثْلِ من وَصَفْت وكان من مَسَّ ما هو أَنْجَسُ منه لَا يَجِبُ عليه عِنْدَكُمْ وُضُوءٌ فَقُلْت لَا يَجُوزُ لِعَالِمٍ في دِينِهِ أَنْ يَحْتَجَّ بِمَا يَرَى الْحُجَّةَ في غَيْرِهِ قال وَلِمَ لَا تَكُونُ الْحُجَّةُ فيه وَالْغَلَطُ يُمْكِنُ فِيمَنْ يروى فَقُلْت له أَرَأَيْت إنْ قال لَك قَائِلٌ أتهم جَمِيعَ ما رَوَيْت عَمَّنْ رَوَيْته عنه فَأَخَافُ غَلَطَ كل مُحْدِثٍ منهم عَمَّنْ حَدَّثَ عنه إذَا روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم خِلَافُهُ قال لَا يَجُوزُ أَنْ يُتَّهَمَ حَدِيثُ أَهْلِ الثِّقَةِ قُلْت فَهَلْ رَوَاهُ عن أَحَدٍ منهم إلَّا وَاحِدٌ عن وَاحِدٍ قال نعم قُلْت وَرَوَاهُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَاحِدٌ عن
____________________

(7/192)


وَاحِدٍ قال نعم قُلْت فَإِنَّنَا عَلِمْنَا أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قَالَهُ بِصِدْقِ الْمُحَدِّثِ عِنْدِي وَعَلِمْنَا أَنَّ من سَمَّيْنَا قَالَهُ بِحَدِيثِ الْوَاحِدِ عن الْوَاحِدِ قال نعم قُلْت وَعَلِمْنَا بِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قَالَهُ عَلِمْنَا بِأَنَّ من سَمَّيْنَا قَالَهُ قال نعم قُلْت فإذا اسْتَوَى الْعِلْمَانِ من خَبَرِ الصَّادِقِينَ أَيُّهُمَا كان أَوْلَى بِنَا أَنْ نَصِيرَ إلَيْهِ الخبر عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَوْلَى بِأَنْ نَأْخُذَ بِهِ أو الْخَبَرُ عَمَّنْ دُونَهُ قال بَلْ الْخَبَرُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنْ ثَبَتَ قُلْت ثُبُوتُهُمَا وَاحِدٌ قال فَالْخَبَرُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَوْلَى أَنْ يُصَارَ إلَيْهِ وَإِنْ أَدْخَلْتُمْ على الْمُخْبِرِينَ عنه أَنَّهُمْ يُمْكِنُ فِيهِمْ الْغَلَطُ دخل عَلَيْكُمْ في كل حَدِيثٍ روى مُخَالِفٌ الحديث الذي جاء عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَإِنْ قُلْتُمْ ثَبَتَ خَبَرُ الصَّادِقِينَ فما ثَبَتَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَوْلَى عِنْدَنَا أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن أبي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ عن أبي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بن وَاثِلَةَ عن مُعَاذِ بن جَبَلٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يَجْمَعُ بين الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ في سَفَرِهِ إلَى تَبُوكَ فَأَخَذْنَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ بِهِ وَخَالَفَنَا فيه غَيْرُنَا فَرُوِيَ عن بن مَسْعُودٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَجْمَعْ إلَّا بِالْمُزْدَلِفَةِ وروى عن عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ أَنَّ الْجَمْعَ بين الصَّلَاتَيْنِ إلَّا من عُذْرٍ من الْكَبَائِرِ فَكَانَتْ حُجَّتُنَا عليه أَنَّ بن مَسْعُودٍ وَإِنْ قال لم يَفْعَلْ فقال غَيْرُهُ فَعَلَ فَقَوْلُ من قال فَعَلَ أَوْلَى أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ لِأَنَّهُ شَاهِدٌ وَاَلَّذِي قال لم يَفْعَلْ غَيْرُ شَاهِدٍ وَلَيْسَ في قَوْلِ أَحَدٍ خَالَفَ ما روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم حُجَّةٌ لِمَا وَصَفْت من أَنَّا إذَا عَلِمْنَا أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال شيئا وَغَيْرُهُ قال غَيْرَهُ فَلَا يَشُكُّ مُسْلِمٌ في أَنَّ ما جاء عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كان أَوْلَى أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ وَإِنْ أَدْخَلْت أَنَّ الرِّجَالَ الْمُحَدِّثِينَ يُمْكِنُ فِيهِمْ الْغَلَطُ في حديث النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَدْخَلْنَا ذلك في حديث من رَوَى عنه ما يُخَالِفُ ما جاء عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وكان ذلك في حديث من رَوَى عن بَعْضِ أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمْكَنَ لِأَنَّهُ لَا يروى عن النبي عليه السَّلَامُ شيئا سَمَاعًا إلَّا أَصْحَابُهُ وَأَصْحَابُهُ خَيْرٌ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ وَعَامَّةُ من يروى عَمَّنْ دُونَهُ التَّابِعُونَ فَكَيْفَ يُتَّهَمُ حَدِيثُ الْأَفْضَلِ وَلَا يُتَّهَمُ حَدِيثُ الذي هو دُونَهُ وَلَسْنَا نَتَّهِمُ منهم وَاحِدًا وَلَكِنَّا نَقْبَلُهُمَا مَعًا وَالْحُجَّةُ فِيمَا قَالَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم دُونَ ما قال غَيْرُهُ وَلَا يُوهَنُ الْجَمْعُ في السَّفَرِ بِأَنْ يَقُولَ رَجُلٌ سَافَرَ أبو بَكْرٍ غَازِيًا وَحَاجًّا وَعُمَرُ حَاجًّا وَغَازِيًا وَعُثْمَانُ غَازِيًا وَحَاجًّا ولم يَثْبُتْ أَنَّ أَحَدًا منهم جَمَعَ في سَفَرٍ بَلْ يَكْتَفِي بِمَا جاء عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلَا يُوهِنُهُ أن لم يَحْفَظْ أَنَّهُ عَمِلَ بِهِ بَعْدَهُ وَلَا يَزِيدُهُ قُوَّةً أَنْ يَكُونَ عَمِلَ بِهِ بَعْدَهُ وَلَوْ خُولِفَ بَعْدَ ما أَوْهَنَهُ وَكَانَتْ الْحُجَّةُ فِيمَا روى عنه دُونَ ما خَالَفَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن دَاوُد بن الْحُصَيْنِ عن أبي سُفْيَانَ مولى بن أبي أَحْمَدَ عن أبي هُرَيْرَةَ قال صلى لنا رسول اللَّه صلى اللَّهُ عليه وسلم صَلَاةَ الْعَصْرِ فَسَلَّمَ من رَكْعَتَيْنِ فَقَامَ ذُو الْيَدَيْنِ فقال قَصَرْت الصَّلَاةَ أَمْ نَسِيت يا رَسُولَ اللَّهِ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كُلُّ ذلك لم يَكُنْ ثُمَّ أَقْبَلَ على الناس فقال أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالُوا نعم فَأَتَمَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ما بقى من الصَّلَاةِ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وهو جَالِسٌ فَقُلْنَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ بهذا وَخَالَفَنَا غَيْرُنَا فقال الْكَلَامُ في الصَّلَاةِ عَامِدًا يَقْطَعُهَا وَكَذَلِكَ يَقْطَعُهَا الْكَلَامُ وَإِنْ ظَنَّ المصلى أَنَّهُ قد أَكْمَلَ ثُمَّ تَكَلَّمَ وروى عن بن مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ من أَمْرِهِ ما شَاءَ وَإِنَّ مِمَّا أَحْدَثَ اللَّهُ أَنْ لَا تَكَلَّمُوا في الصَّلَاةِ فَقُلْنَا هذا لَا يُخَالِفُ حَدِيثَنَا نهى عن الْكَلَامِ عَامِدًا فَأَمَّا الْكَلَامُ سَاهِيًا فلم يَنْهَ عنه وَالدَّلِيلُ على ذلك أَنَّ حَدِيثَ بن مَسْعُودٍ بِمَكَّةَ قبل الْهِجْرَةِ وَحَدِيثَ أبي هُرَيْرَةَ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ حديث بن مَسْعُودٍ بِزَمَانٍ فلم نُوهِنْ نَحْنُ وَأَنْتُمْ هذا الحديث بِأَنْ لم يُرْوَ عن أبي بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ وَلَا عُثْمَانَ وَلَا عَلِيٍّ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مِثْلَ هذا وَلَا قالوا من فَعَلَ مِثْلَ هذا جَازَ له وَاكْتَفَيْنَا بِالْخَبَرِ لِمَا ثَبَتَ عن
____________________

(7/193)


رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ولم نَحْتَجَّ فيه إلَى أَنْ يَعْمَلَ بِهِ بَعْدَهُ غَيْرُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن عبد الرحمن الْأَعْرَجِ عن عبد اللَّهِ بن بُحَيْنَةَ قال صلى لنا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قام فلم يَجْلِسْ وَقَامَ الناس معه فلما قَضَى صَلَاتَهُ وَنَظَرْنَا تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وهو جَالِسٌ قبل التَّسْلِيمِ فَأَخَذْنَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ بهذا وَقُلْنَا وَقُلْتُمْ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ في النَّقْصِ من الصَّلَاةِ قبل التَّسْلِيمِ فَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس وقال تَسْجُدَانِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ وَاحْتَجَّ بِرِوَايَتِنَا فقال من احْتَجَّ عن مَالِكٍ سَجَدَهُمَا النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في الزِّيَادَةِ بَعْدَ السَّلَامِ فَسَجَدْتُهُمَا كَذَلِكَ وَسَجَدَهُمَا في النَّقْصِ قبل السَّلَامِ فَسَجَدْتُهُمَا كَذَلِكَ ولم نُوهِنْ هذا بِأَنْ لم يُرْوَ عن أَحَدٍ من الْأَئِمَّةِ فيه شَيْءٌ يُخَالِفُهُ وَلَا يُوَافِقُهُ وَاكْتَفَيْنَا بِحَدِيثِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن يَزِيدَ بن رُومَانَ عن صَالِحِ بن خَوَّاتٍ عَمَّنْ صلى مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يوم ذَاتِ الرِّقَاعِ صَلَاةَ الْخَوْفِ أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ معه وَطَائِفَةٌ وِجَاهَ الْعَدُوِّ فصلي بِاَلَّذِينَ معه رَكْعَةً ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا فَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ انْصَرَفُوا فَصَفُّوا وِجَاهَ الْعَدُوِّ وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَصَلَّى بِهِمْ الرَّكْعَةَ التي بَقِيَتْ من صَلَاتِهِ ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بَعْضُ أَصْحَابِنَا عن عبد اللَّهِ ( 1 ) بن عُمَرَ عن أَخِيهِ عُبَيْدِ اللَّهِ بن عُمَرَ عن الْقَاسِمِ عن صَالِحِ بن خَوَّاتٍ عن خَوَّاتِ بن جُبَيْرٍ عن النَّبِيّ صلى اللَّهُ عليه وسلم مِثْلَ مَعْنَاهُ فَأَخَذْنَا نَحْنُ وهو بهذا حتى حُكِيَ لنا عنه غَيْرُ ما عَرَضْنَا عليه وَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس فقال فيه بِخِلَافِ قَوْلِنَا فقال لَا تُصَلَّى صَلَاةُ الْخَوْفِ الْيَوْمَ فَكَانَتْ حُجَّتُنَا عليه ما ثَبَتَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وكان من حُجَّتِهِ أَنْ قال قد اخْتَلَفَتْ الْأَحَادِيثُ في صَلَاةِ الْخَوْفِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ولم نَعْلَمْ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ وَلَا عُثْمَانَ وَلَا ثَبَتَ عن عَلِيٍّ أَنَّ وَاحِدًا منهم صلى صَلَاةَ الْخَوْفِ وَلَا أَمَرُوا بها وَالصَّلَاةُ خَلْفَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْفَضْلِ لَيْسَتْ كَهِيَ خَلْفَ غَيْرِهِ وَبِأَنْ لم يُرْوَ عن خُلَفَائِهِ حَدِيثٌ يَثْبُتُ بِصَلَاتِهَا ولم يَزَالُوا مُحَارَبِينَ وَمُحَارِبًا في زَمَانِهِمْ فَهَذَا يَدُلُّ على أَنَّهُ كان لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم خَاصَّةً فَكَانَتْ حُجَّتُنَا عليه أنه إذَا ثَبَتَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَهُوَ عَامٌّ إلَّا بِدَلَالَةٍ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ شَيْءٌ من فِعْلِهِ خَاصًّا حتى تَأْتِيَنَا الدَّلَالَةُ من كِتَابٍ أو سُنَّةٍ أو إجْمَاعٍ أَنَّهُ خَاصٌّ وَإِلَّا اكْتَفَيْنَا بِالْحَدِيثِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عَمَّنْ بَعْدَهُ كما قُلْنَا فِيمَا قَبْلَهُ - * بَابُ ما جاء في الصَّدَقَاتِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكُ بن أَنَسٍ عن عَمْرِو بن يحيي الْمَازِنِيِّ عن أبيه عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ليس فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ فَأَخَذْنَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ بهذا وَخَالَفَنَا فيه بَعْضُ الناس فقال قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِنَبِيِّهِ عليه السَّلَامُ خُذْ من أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً وقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ لم يُخَصِّصْ اللَّهُ عز وجل مَالًا دُونَ مَالٍ ولم يُخَصِّصْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في هذا الحديث مَالًا دُونَ مَالٍ فَهَذَا الْحَدِيثُ يُوَافِقُ كِتَابَ اللَّهِ وَالْقِيَاسُ عليه وقال لَا يَكُونُ مَالٌ فيه صَدَقَةٌ وَآخَرُ لَا صَدَقَةَ فيه وَكُلُّ ما أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ من شَيْءٍ وَإِنْ حزمه بَقْلٍ فَفِيهِ الْعُشْرُ فَكَانَتْ حُجَّتُنَا عليه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمُبَيِّنُ عن اللَّهِ مَعْنَى ما أَرَادَ إذْ أَبَانَ ما يُؤْخَذُ منه من الْأَمْوَالِ دُونَ ما لم يَرِدْ وَالْحَدِيثُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ جُمْلَةً وَالْمُفَسِّرُ يَدُلُّ على الْجُمْلَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد سَمِعْت من يَحْتَجُّ عنه فيقول كَلَامًا يُرِيدُ بِهِ قد قام بِالْأَمْرِ بَعْدَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أبو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَأَخَذُوا الصَّدَقَاتِ
____________________

(7/194)


في الْبُلْدَانِ أَخْذًا عَامًّا وَزَمَانًا طَوِيلًا فما روى عَنْهُمْ وَلَا عن وَاحِدٍ منهم أَنَّهُ قال ليس فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ قال وَلِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم عُهُودٌ ما هذا في وَاحِدٍ منها وما رَوَاهُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا أبو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَكَانَتْ حُجَّتُنَا عليه أَنَّ الْمُحَدِّثَ بِهِ لَمَّا كان ثِقَةً اكتفى بِخَبَرِهِ ولم نَرُدَّهُ بِتَأْوِيلٍ وَلَا بِأَنَّهُ لم يَرْوِهِ غَيْرُهُ وَلَا بِأَنَّهُ لم يُرْوَ عن أَحَدٍ من الْأَئِمَّةِ مثله اكْتِفَاءً بِسُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَمَّا دُونَهَا وَبِأَنَّهَا إذَا كانت مَنْصُوصَةً بَيِّنَةً لم يَدْخُلْ عليها تَأْوِيلُ كِتَابٍ إذْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَعْلَمُ بِمَعْنَى الْكِتَابِ وَلَا تَأْوِيلُ حَدِيثٍ جُمْلَةً يَحْتَمِلُ أَنْ يُوَافِقَ قَوْلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمَنْصُوصَ وَيُخَالِفَهُ وكان إذَا احْتَمَلَ الْمَعْنَيَيْنِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا له وَلَا يَكُونَ مُخَالِفًا فيه ولم يُوهِنْهُ أَنْ لم يَرْوِهِ إلَّا وَاحِدٌ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا كان ثِقَةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من بَاعَ نَخْلًا قد أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ فَقُلْنَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ بهذا وَقُلْنَا في هذا دَلِيلٌ على أَنَّهُ من بَاعَ نَخْلًا لم تُؤَبَّرْ فَالثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي فَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس في هذا فقال إذَا قَضَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالثَّمَرَةِ إذَا أُبِّرَتْ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ عَلِمْنَاهُ إذَا أَبَّرَ فَقَدْ زَايَلَ أَنْ يَكُونَ مَغِيبًا في شَجَرِهِ لم يَظْهَرْ كما يَكُونُ الْحَمْلُ مَغِيبًا لم يَظْهَرْ وَكَذَلِكَ إذَا زَايَلَهَا وَإِنْ لم يُؤَبِّرْ فَهُوَ لِلْبَائِعِ وقال هَكَذَا تَقُولُونَ في الْأَمَةِ تُبَاعُ حَامِلًا حَمْلُهَا لِلْمُشْتَرِي فإذا فَارَقَهَا فَوَلَدُهَا لِلْبَائِعِ وَالثَّمَرُ إذَا خَرَجَ من النَّخْلَةِ فَقَدْ فَارَقَهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَكَانَتْ حُجَّتُنَا عليهم أَنْ قُلْنَا إنَّ الثمرة كانت خارجة من النخل فحكم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم حكما بعد الإبار دل على فرقة بين حكم حال الثَّمَرَةَ قبل الْإِبَارِ وَبَعْدَهُ اتَّبَعْنَا أَمْرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كما أَمَرَ بِهِ ولم نَجْعَلْ أَحَدَهُمَا قِيَاسًا على الْآخَرِ وَنُسَوِّي بَيْنَهُمَا إنْ ظَهَرَا فيها ولم نَقِسْهُمَا على وَلَدِ الْأَمَةِ وَلَا نَقِيسُ سُنَّةً على سُنَّةٍ وَلَكِنْ نمضى كُلَّ سُنَّةٍ على وَجْهِهَا ما وَجَدْنَا السَّبِيلَ إلَى إمْضَائِهَا ولم نُوهِنْ هذا الحديث بِقِيَاسٍ وَلَا شَيْءٍ مِمَّا وَصَفْت وَلَا بِأَنْ اجْتَمَعَ هذا فيه وَإِنْ لم يُرْوَ فيه عن أبي بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ وَلَا عُثْمَانَ وَلَا عَلِيٍّ قَوْلٌ وَلَا حُكْمٌ وَلَا أَمْرٌ يُوَافِقُهُ وَاسْتَغْنَيْنَا بِالْخَبَرِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فيه عَمَّا سِوَاهُ - * بَابٌ في بَيْعِ الثِّمَارِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن بَيْعِ الثِّمَارِ حتى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا نهى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عن أَنَسِ بن مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن بَيْعِ الثِّمَارِ حتى تُزْهِيَ فَقِيلَ يا رَسُولَ اللَّهِ وما تُزْهِي قال حتى تَحْمَرَّ وقال أَرَأَيْت إذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَأْخُذُ أحدكم مَالَ أَخِيهِ قال فَأَخَذْنَا بهذا الحديث نَحْنُ وَأَنْتُمْ وَقُلْنَا قَوْلُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يَدُلُّ على مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ بُدُوَّ صَلَاحِهَا الْحُمْرَةُ وَمِثْلُهَا الصُّفْرَةُ وإن قَوْلَهُ إذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَأْخُذُ أحدكم مَالَ أَخِيهِ أَنَّهُ إنَّمَا يُمْنَعُ من الثَّمَرَةِ ما يُتْرَكُ إلَى مُدَّةٍ يَكُونُ في مِثْلِهَا التَّلَفُ فَقُلْنَا كُلُّ من ابْتَاعَ ثَمَرَةً قد بَدَا صَلَاحُهَا فَلَهُ تَرْكُهَا حتى تَجِدَّ وَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس في هذا فقال من اشْتَرَى ثَمَرَةً قد بَدَا صَلَاحُهَا لم يَكُنْ له تَرْكُهَا وَذَلِكَ أَنَّ مِلْكَ النَّخْلِ وَالْمَاءِ الذي بِهِ صَلَاحُ النَّخْلِ لِلْبَائِعِ يستبقى نَخْلَهُ وَمَاءَهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَهُ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ حِصَّةَ الثَّمَرَةِ من الثَّمَنِ من حِصَّةِ الْإِجَارَةِ فَكَانَتْ حُجَّتُنَا عليه أَنَّ قَوْلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَأْخُذُ أحدكم مَالَ أَخِيهِ يَدُلُّ على أَنَّهُ إنَّمَا يَمْنَعُ ما يَتْرُكُ لَا ما يَكُونُ على مُشْتَرِيهِ أَنْ يَقْطِفَهُ مَكَانَهُ وَرَأَيْنَا أَنَّ من خَالَفَنَا فيه قد تَرَكَ السُّنَّةَ وَتَرَكَ ما تَدُلُّ عليه السُّنَّةُ لو احْتَجَّ عَلَيْنَا بِأَنَّهُ لم يُرْوَ عن أبي بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ وَلَا عُثْمَانَ وَلَا عَلِيٍّ قَوْلٌ وَلَا قَضَاءٌ يُوَافِقُ هذا اسْتَغْنَيْنَا بِالْخَبَرِ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَمَّا سِوَاهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن عبد اللَّهِ بن يَزِيدَ
____________________

(7/195)


مولى الْأَسْوَدِ بن سُفْيَانَ أَنَّ زَيْدًا أَبَا عَيَّاشٍ أخبره عن سَعْدِ بن أبي وَقَّاصٍ أخبره عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ نهى عن بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن الْمُزَابَنَةِ وَالْمُزَابَنَةُ بَيْعُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا وَبَيْعُ الْكَرْمِ بِالزَّبِيبِ كَيْلًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ عن زَيْدِ بن ثَابِتٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَرْخَصَ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ أَنْ يَبِيعَهَا بِخَرْصِهَا قال فَأَخَذْنَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ بِالْأَحَادِيثِ كُلِّهَا حين وَجَدْنَا لها كُلِّهَا مَخْرَجًا فَقُلْنَا الْمُزَابَنَةُ بَيْعُ الْجُزَافِ كُلِّهِ بِشَيْءٍ من صِنْفِهِ كَيْلًا وَالرُّطَبِ بِالتَّمْرِ إذَا كان الرُّطَبُ يُنْقَصُ شَيْءٌ وَاحِدٌ مُتَفَاضِلٌ أو مَجْهُولٌ فَقَدْ حُرِّمَ أَنْ يُبَاعَ إلَّا مُسْتَوِيًا وَذَلِكَ إذَا كان مَوْضُوعًا بِالْأَرْضِ وَأَحْلَلْنَا بَيْعَ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا تَمْرًا وَهِيَ دَاخِلَةٌ في مَعْنَى الْمُزَابَنَةِ وَالرُّطَبِ بِالتَّمْرِ إذَا كان لَهُمَا وَجْهٌ مَعًا وَخَالَفَنَا في هذا بَعْضُ الناس فلم يُجِزْ بَيْعَ الْعَرَايَا وَرَدَّهَا بِالْحَدِيثَيْنِ وقال روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم حَدِيثَانِ مُخْتَلِفَانِ فَأَخَذْنَا بِأَحَدِهِمَا وكان الذي أَخَذْنَا بِهِ أَشْبَهَ بِسُنَّتِهِ في النَّهْيِ عن التَّمْرِ بِالتَّمْرِ إلَّا كَيْلًا بِكَيْلٍ فَرَأَيْنَا لنا الْحُجَّةَ ثَابِتَةً بِمَا قُلْنَا على من خَالَفَنَا إذَا وَجَدْنَا لِلْحَدِيثَيْنِ وَجْهًا نُمْضِيهِمَا فيه مَعًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي فإذا كانت لنا حُجَّةٌ كانت عَلَيْكُمْ في الْحَدِيثَيْنِ يَكُونَانِ هَكَذَا فَتَنْسُبُهُمَا إلَى الِاخْتِلَافِ وقد يُوجَدُ لَهُمَا وَجْهٌ يَمْضِيَانِ فيه مَعًا فلم نَدَعْهُ بِمَا وَصَفْنَا من حُجَّةِ غَيْرِنَا بِحَدِيثِنَا وَلَا بِأَنْ لم يُرْوَ عن أبي بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ وَلَا عُثْمَانَ وَلَا عَلِيٍّ وَاسْتَغْنَيْنَا بِالْخَبَرِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن زَيْدِ بن أَسْلَمَ عن عَطَاءِ بن يَسَارٍ عن أبي رَافِعٍ مولي النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال اسْتَسْلَفَ رسول اللَّه صلى اللَّهُ عليه وسلم من رَجُلٍ بِكْرًا فَجَاءَتْهُ إبِلٌ فقال أبو رَافِعٍ فَأَمَرَنِي رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ أقضى الرَّجُلَ بِكْرَهُ فَقُلْت لم أَجِدْ في الْإِبِلِ إلَّا جَمَلًا خِيَارًا رُبَاعِيًّا فقال أَعْطِهِ إيَّاهُ فإن خِيَارَ الناس أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً فَأَخَذْنَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ بهذا وَقُلْنَا لَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَسْلِفَ الْحَيَوَانَ إلَّا الْوَلَائِدَ وَأَنْ يُسَلِّفَ في الْحَيَوَانِ كُلِّهِ قِيَاسًا على هذا وَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس في هذا لَا يَسْتَسْلِفُ الْحَيَوَانَ وَلَا يُسَلِّفَ فيه وروى عن بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَرِهَ السَّلَفَ فيه وَعَنْ غَيْرِهِ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فلم نَرَ في وَاحِدٍ دُونَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم حُجَّةً مع قَوْلِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( قال الرَّبِيعُ ) مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ في هذا الذي نهى عنه هَا هُنَا قَرْضُ الْأَمَةِ خَاصَّةً ( 1 ) لِأَنَّ له أَخْذَهَا منه فَأَمَّا الْعَبْدُ فَيَجُوزُ وقال هذا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - * بَابٌ في الْأَقْضِيَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن جَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ عن أبيه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَخَذْنَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ بِهِ وَإِنَّمَا أَخَذْنَا نَحْنُ بِهِ من قِبَلِ أَنَّا رَوَيْنَاهُ من حديث الْمَكِّيِّينَ مُتَّصِلًا صَحِيحًا وَخَالَفَنَا فيه بَعْضُ الناس فما احْتَجَّ في شَيْءٍ منه قَطُّ عَلِمْتُهُ أَكْثَرَ من حُجَجِهِ فيه وفي ثَلَاثِ مَسَائِلَ معه فَزَعَمَ أَنَّ الْقُرْآنَ يَدُلُّ على أَنْ لَا يَجُوزَ أَقَلُّ من شَاهِدَيْنِ أو شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَزَعَمَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال وَالْيَمِينُ على الْمُدَّعَى عليه وَقَالَهُ عُمَرُ فَكَانَ هذا دَلَالَةً على أَنْ لَا تَجُوزَ يَمِينٌ إلَّا على الْمُدَّعَى عليه وَلَا يَحْلِفُ مُدَّعٍ وَاحْتَجَّ بِابْنِ شِهَابٍ وَعَطَاءٍ وَعُرْوَةَ وَهُمَا رَجُلَا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ في زَمَانِهِمَا أَنْكَرَاهُ غَايَةَ النُّكَرَة وَاحْتَجَّ بِأَنْ لم يُحْفَظْ عن أبي بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ وَلَا عُثْمَانَ فيه شَيْءٌ يُوَافِقُهُ وَلَا عن عَلِيٍّ من وَجْهٍ يَصِحُّ عِنْدَهُ وَلَا عن وَاحِدٍ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من وَجْهٍ يَصِحُّ وَلَا عن بن الْمُسَيِّبِ وَلَا الْقَاسِمِ وَلَا أَكْثَرِ التَّابِعِينَ وَبِأَنَّا أَحَلَفْنَا
____________________

(7/196)


في الْمَالِ ولم نُحَلِّفْ في غَيْرِهِ وَأَنَّ رَبِيعَةَ بن أبي عبد الرحمن قال إنَّمَا أَخَذْنَا بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ أَنَّا وَجَدْنَاهُ في كُتُبِ سَعْدٍ وقال تَأْخُذُونَ بِيَمِينٍ وَشَاهِدٍ بِأَنْ وَجَدْتُمُوهُمَا في كِتَابٍ وَتَرُدُّونَ الْأَحَادِيثَ الْقَائِمَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَكَانَتْ حُجَّتِي عليه أَنْ قُلْت الرِّوَايَةُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثَابِتَةٌ وما ثَبَتَ عن رسول اللَّهِ لم يُوهِنْهُ أَنْ لَا يُوجَدَ عِنْدَ غَيْرِهِ ولم يُتَأَوَّلْ معه قُرْآنٌ ولم يَدْفَعْهُ أَنْ أَنْكَرَهُ عُرْوَةُ وبن شِهَابٍ وَعَطَاءٌ لِأَنَّهُ ليس في الْإِنْكَارِ حُجَّةٌ إنَّمَا الْحُجَّةُ في الْخَبَرِ لَا في الْإِنْكَارِ وَرَأَيْنَا هذا لنا حُجَّةً ثَابِتَةً فإذا كان مِثْلُ هذا يَكُونُ لنا حُجَّةٌ فَعَلَيْك مِثْلُهُ وَأَحْرَى وَأَوْلَى أَنْ لَا يُوجَدَ عليه ما يُوهِنُهُ منه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا مَالِكٌ عن هَاشِمِ بن هَاشِمِ بن عُتْبَةَ بن أبي وَقَّاصٍ عن عبد اللَّهِ بن نِسْطَاسٍ عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من حَلَفَ على مِنْبَرِي هذا بِيَمِينٍ آثِمَةٍ تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ من النَّارِ فَأَخَذْنَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ بهذا الحديث وَقُلْنَا فيه دَلَالَةٌ على أَنَّ امرءا لَا يَحْلِفُ على مِنْبَرِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا مَجْبُورًا على الْيَمِينِ لَا مُتَطَوِّعًا بها وَإِنَّمَا يَجْبُرُ الناس على الْأَيْمَانِ الْحُكَّامُ وَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس في هذا وَاحْتَجَّ فيه بِأَنْ قال هَاشِمُ بن هَاشِمٍ ليس بِالْمَشْهُورِ بِالْحِفْظِ وَعَبْدُ اللَّهِ بن نِسْطَاسٍ ليس بِالْمَعْرُوفِ وَلَوْ احْتَجَجْنَا عَلَيْكُمْ بِمِثْلِ هذا رَدَدْتُمُوهُ وَلَيْسَ فيه أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَحَلَفَ على الْمِنْبَرِ وقد يَتَطَوَّعُ الرَّجُلُ فَيَحْلِفُ على الْمِنْبَرِ كما يَتَطَوَّعُ فَيَحْلِفُ بِطَلَاقٍ وَعَتَاقٍ ولم يُسْتَحْلَفْ ولم ( ( ( لم ) ) ) تَحْفَظُوا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا غَيْرِهِ أَنَّهُ أَحَلَفَ أَحَدًا على مِنْبَرٍ في غُرْمٍ وَلَا غَيْرِهِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَاعَنَ بين الزَّوْجَيْنِ فحكى اللِّعَانُ ولم يُحْكَ أَنَّهُ كان على مِنْبَرِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وقال أورأيت أَهْلَ الْبُلْدَانِ أَيُجْلَبُونَ إلَى الْمَدِينَةِ أو يَحْلِفُونَ بِبُلْدَانِهِمْ فَكَيْفَ تَكُونُ الْأَيْمَانُ على الناس مُخْتَلِفَةً فلم نَرَ له في هذا حُجَّةً وَقُلْنَا قَوْلُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم على ظَاهِرِهِ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ أَحَدٌ على مِنْبَرٍ إلَّا مَجْبُورًا كما وَصَفْنَا - * كِتَابُ الْعِتْقِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من أَعْتَقَ شِرْكًا له في عَبْدٍ فَكَانَ له مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ عليه قِيمَةَ الْعَدْلِ فأعطى شُرَكَاؤُهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ عليه الْعَبْدُ وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ منه ما عَتَقَ فَأَخَذْنَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ بهذا الحديث وَأَبْطَلْنَا بِهِ الِاسْتِسْعَاءَ وَشَرَكْنَا الرِّقَّ وَالْحُرِّيَّةَ في الْعَبْدِ إذَا كان الْمُعْتِقُ لِلْعَبْدِ مُفْلِسًا وَخَالَفَنَا فيه بَعْضُ الناس وَوَهَّنَهُ بِأَنْ قال رَوَاهُ سَالِمٌ عن بن عُمَرَ فلم يَقُلْ فيه وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ منه ما عَتَقَ وَرَوَاهُ أَيُّوبُ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ وقال أَيُّوبُ وَرُبَّمَا قال نَافِعٌ وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ منه ما عَتَقَ وَرُبَّمَا لم يَقُلْ وَأَكْثَرُ ظَنِّي أَنَّهُ شَيْءٌ كان يَقُولُهُ نَافِعٌ بِرَأْيِهِ وَوَهَّنَهُ بِأَنْ قال حَدِيثٌ رَوَاهُ بن عُمَرَ وَحْدَهُ وقد روى عن أبي هُرَيْرَةَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم خِلَافُهُ وَعَنْ غَيْرِ أبي هُرَيْرَةَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فيه الِاسْتِسْعَاءُ وَوَهَّنَهُ بِأَنْ قال لم يُرْوَ عن أبي بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ وَلَا عُثْمَانَ وَلَا عَلِيٍّ ما يُوَافِقُهُ بَلْ رَوَيْنَا عن عُمَرَ خِلَافَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَكَانَتْ حُجَّتُنَا عليه أَنَّ سَالِمًا وَإِنْ لم يَرْوِهِ فَنَافِعٌ ثِقَةٌ وَلَيْسَ في قَوْلِ أَيُّوبَ رُبَّمَا قَالَهُ وَرُبَّمَا لم يَقُلْهُ إذَا قَالَهُ عنه غَيْرُهُ حُجَّةٌ وما روى عن أبي هُرَيْرَةَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مُخْتَلَفٌ فيه فَالْحُفَّاظُ يروونه ( ( ( يرونه ) ) ) لَا يُخَالِفُ حَدِيثَنَا وَغَيْرُهُمْ يروونه ( ( ( يرونه ) ) ) يُخَالِفُ حَدِيثَنَا وَلَوْ خَالَفَهُ كان حَدِيثُنَا أَثْبَتَ منه وَالْحَدِيثُ الذي ذَكَرَهُ يُخَالِفُ حَدِيثَنَا لَا يَثْبُتُ وَلَا يَرْوِيهِ الْحُفَّاظُ يُخَالِفُ حَدِيثَنَا وإذا كانت لنا الْحُجَّةُ بهذا على من خَالَفَنَا فَهَكَذَا يَنْبَغِي لنا أَنْ نُلْزِمَ أَنْفُسَنَا في الحديث كُلِّهِ وَأَنْ نستغنى بِخَبَرِ الصَّادِقِينَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَإِنْ لم يَأْتِ عن أَحَدٍ من خُلَفَائِهِ ما يُوَافِقُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَدْخَلُوا عَلَيْنَا فيه أَنَّ عَبْدًا يَكُونُ نِصْفُهُ حُرًّا وَنِصْفُهُ عَبْدًا فَلَا يَكُونُ له بِالْحُرِّيَّةِ أَنْ يَرِثَ وَلَا يُوَرِّثَ وَتَكُونُ حُقُوقُ الْحُرِّيَّةِ كُلُّهَا فيه مُعَطَّلَةً إلَّا أَنَّهُ يَتْرُكُ لِنَفْسِهِ يَوْمًا ثُمَّ يَكْسِبُ في يَوْمِهِ فَيُمْنَعُ أَنْ يَهَبَ مَالَهُ
____________________

(7/197)


فَقُلْنَا لَا نَتْرُكُ الحديث عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِأَنْ يَدْخُلَهُ من الْقِيَاسِ ما وَصَفْتَ وَلَا أَكْثَرُ وَلَا مَوْضِعَ لِلْقِيَاسِ مع السُّنَّةِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ قد فَهِمْت ما كَتَبْت مِمَّا أَخَذْت وَأَخَذْنَا بِهِ من حديث رسول اللَّهِ وَوَجَدْت فيها ما وَصَفْت من أَنَّا ثَبَتْنَا أَحَادِيثَ كَثِيرَةً لم تَأْتِ إلَّا من وَجْهٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَ فيه عن أَحَدٍ من خُلَفَائِهِ شَيْءٌ يُوَافِقُهُ وَلَا يُخَالِفُهُ وَوَجَدْنَا فيه ما نُثْبِتُهُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَفِيهِ عن بَعْضِ خُلَفَائِهِ شَيْءٌ يُخَالِفُهُ فَذَهَبْنَا إلَى الحديث عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَتَرَكْنَا ما خَالَفَهُ ( 1 ) في الْقَسَامَةِ وقد رَوَيْنَا عن عُمَرَ في الْقَسَامَةِ خِلَافَ ما رَوَيْنَا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ صِرْنَا إلَى حديث النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَكَذَلِكَ رَوَيْنَا عن عُمَرَ في الضِّرْسِ وَغَيْرِهَا وَذَهَبْنَا إلَى حديث النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم دُونَ ما رَوَيْنَا عن عُمَرَ وَعَنْ بن عُمَرَ في أَشْيَاءَ وَغَيْرِهِمَا من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قُلْت لِلشَّافِعِيِّ أَفَتُبَيِّنُ لي أَنَّا رَوَيْنَا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم شيئا ثُمَّ تَرَكْنَاهُ لِغَيْرِهِ فقال كَثِيرٌ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فما حُجَّةُ فِعْلِ هذا فقال قد جَهَدْت أَنْ أَجِدَ لَكُمْ شيئا يَكُونُ عِنْدِي أو عِنْدَ أَحَدٍ من أَهْلِ الْعِلْمِ حُجَّةً يُعْذَرُ بها فلم أَجِدْهُ وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ رَوَيْتُمْ عَنْهُمْ ما أَخَذْتُمْ من حديث رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَثَّقْتُمُوهُمْ وَاَلَّذِينَ رَوَيْتُمْ عَنْهُمْ ما تَرَكْتُمْ من حديث رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلَا يَجُوزُ لَكُمْ أَنْ تَقُولُوا هُمْ مُتَّهَمُونَ فَإِنْ قُلْتُمْ قد يَغْلَطُونَ فَقَدْ يَجُوزُ لِغَيْرِكُمْ أَنْ يَقُولَ لَا نَأْخُذُ من أَهْلِ الْغَلَطِ وَإِنْ قُلْتُمْ يَغْلَطُونَ في بَعْضٍ وَيَحْفَظُونَ في بَعْضٍ جَازَ لِغَيْرِكُمْ أَنْ يَقُولَ إنَّمَا يَدُلُّ على غَلَطِ الْمُحَدِّثِ أَنْ يُخَالِفَهُ غَيْرُهُ مِمَّنْ هو أَحْفَظُ منه أو أَكْثَرُ منه فَإِنْ قُلْتُمْ فيه لَا يُخَالِفُ بِهِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ صَاحِبَهُ غَلِطَ مَرَّةً وَحَفِظَ جَازَ عَلَيْك أَنْ يُقَالَ غَلِطَ حَيْثُ زَعَمْت أَنَّهُ حَفِظَ وَحَفِظَ حيث ( ( ( حين ) ) ) زَعَمْت أَنَّهُ غَلِطَ وَجَازَ عَلَيْك وَعَلَى غَيْرِك أَنْ يُقَالَ كُلُّهُ يَحْتَمِلُ الْغَلَطَ فَنَدَعُهُ وَنَطْلُبُ الْعِلْمَ من حديث غَيْرِهِمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا لَا يُوجَدُ إلَّا من حديث أَهْلِ الصِّدْقِ وَلَا يَجُوزُ فيه إلَّا أَنْ يُقْبَلَ فَلَا يُتْرَكُ شَيْءٌ روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا بِمَا روى عن النبي نَفْسِهِ وَبِالنَّاسِ الْحَاجَةُ إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِمَا أَلْزَمَهُمْ اللَّهُ من اتِّبَاعِ أَمْرِهِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَاذْكُرْ مِمَّا روى شيئا فقال الشَّافِعِيُّ لَا أَرَبَ لي في ذِكْرِهِ وَإِنْ سَأَلْتَنِي عن قَوْلِي لِأُوَضِّحَ الْحُجَّةَ فِيمَا جبيتك أنت نَفْسُك في قَوْلِك وقد أَعْطَيْتُك جُمْلَةً تُغْنِيك إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا تَدَعْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حَدِيثًا أَبَدًا إلَّا أَنْ يأتى عن رسول اللَّهِ خِلَافُهُ فَتَفْعَلَ فيه بِمَا قُلْت لَك في الْأَحَادِيثِ إذَا اخْتَلَفَتْ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَلَسْت أُرِيدُ مَسْأَلَتَك ما كَرِهْت من ذِكْرِ أَحَدٍ وَلَكِنِّي أَسْأَلُك في أَمْرٍ أُحِبُّ أَنْ تُوَضِّحَ لي فيه الْحُجَّةَ قال فَسَلْ - * بَابُ صَلَاةِ الْإِمَامِ إذَا كان مَرِيضًا بِالْمَأْمُومِينَ جَالِسًا وَصَلَاتُهُمْ خَلْفَهُ قِيَامًا - * سَأَلْت الشَّافِعِيَّ هل للامام أَنْ يَؤُمَّ الناس جَالِسًا وَكَيْفَ يُصَلُّونَ وَرَاءَهُ أَيُصَلُّونَ قُعُودًا أو قِيَامًا فقال يَأْمُرُ من يَقُومُ فيصلى بِهِمْ أَحَبُّ إلى وَإِنْ أَمَّهُمْ جَالِسًا وَصَلَّوْا خَلْفَهُ قِيَامًا كان صَلَاتُهُمْ وَصَلَاتُهُ مُجْزِيَةً عَنْهُمْ مَعًا وكان كُلٌّ صلى فَرْضَهُ كما يصلى الْإِمَامُ إذَا كان صَحِيحًا قَائِمًا ويصلى خَلْفَهُ من لم يَقْدِرْ على الْقِيَامِ جَالِسًا فَيَكُونُ كُلٌّ صلى فَرْضَهُ وَإِنَّمَا اخْتَرْت أَنْ يُوَكِّلَ الْإِمَامُ إذَا مَرِضَ رَجُلًا صَحِيحًا يصلى بِالنَّاسِ قَائِمًا أَنَّ مَرَضَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان أَيَّامًا كَثِيرَةً وإنا لم نَعْلَمْهُ صلى بِالنَّاسِ جَالِسًا في مَرَضِهِ إلَّا مَرَّةً لم يُصَلِّ بِهِمْ بَعْدَهَا عَلِمْتُهُ حتى لقى اللَّهَ فَدَلَّ ذلك على أَنَّ التَّوْكِيلَ بِهِمْ وَالصَّلَاةَ قَاعِدًا جَائِزَانِ عِنْدَهُ مَعًا وكان صَلَاتُهُمْ مع غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ أَكْثَرَ منه فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَهَلْ حَفِظْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم صلى جَالِسًا وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا فَأَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ اُقْعُدُوا ثُمَّ أَمَرَهُمْ حين فَرَغَ من الصَّلَاةِ إذَا صلي الْإِمَامُ قَاعِدًا أَنْ يُصَلُّوا قُعُودًا أَجْمَعُونَ فقال نعم ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ
____________________

(7/198)


عن أَنَسِ بن مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَكِبَ فَرَسًا فَصُرِعَ عنه فَجُحِشَ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ فَصَلَّى في بَيْتِهِ قَاعِدًا وَصَلَّى خَلْفَهُ قَوْمٌ قِيَامًا فَأَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ اجْلِسُوا إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فإذا صلى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن هِشَامٍ يَعْنِي بن عُرْوَةَ عن أبيه عن عَائِشَةَ قالت صلى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في بَيْتِهِ وهو شَاكٍ فَصَلَّى جَالِسًا وَصَلَّى خَلْفَهُ قَوْمٌ قِيَامًا فَأَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ اجْلِسُوا فلما انْصَرَفَ قال إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فإذا رَكَعَ فَارْكَعُوا وإذا رَفَعَ فَارْفَعُوا وإذا صلى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَقَدْ رَوَيْت هذا فَكَيْفَ لم تَأْخُذْ بِهِ فقال هذا مَنْسُوخٌ بِفِعْلِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَقُلْت وما نَسَخَهُ فقال الْحَدِيثُ الذي ذَكَرْت لَك يَدُلُّك على أَنَّ هذا كان في صَرْعَةٍ صُرِعَهَا رسول اللَّه صلى اللَّهُ عليه وسلم فَقُلْت فما نَسَخَهُ فقال صلى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالنَّاسِ في مَرَضِهِ الذي مَاتَ فيه جَالِسًا وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامًا لم يَأْمُرْهُمْ بِجُلُوسٍ ولم يَجْلِسُوا وَلَوْلَا أَنَّهُ مَنْسُوخٌ صَارُوا إلَى الْجُلُوسِ بِمُتَقَدِّمِ أَمْرِهِ إيَّاهُمْ بِالْجُلُوسِ وَلَوْ ذَهَبَ ذلك عليهم لَأَمَرَهُمْ بِالْجُلُوسِ وقد صلى أبو بَكْرٍ إلَى جَنْبِهِ بِصَلَاتِهِ قَائِمًا وَمَرَضُهُ الذي مَاتَ فيه آخِرُ فِعْلِهِ وَبَعْدَ سَقَطْته لِأَنَّهُ لم يَرْكَبْ في مَرَضِهِ الذي مَاتَ فيه حتى قَبَضَهُ اللَّهُ بِأَبِي هو وَأُمِّي قُلْت فَاذْكُرْ الحديث الذي رَوَيْتَهُ في هذا فقال أخبرنا مَالِكٌ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم خَرَجَ في مَرَضِهِ فَأَتَى أَبَا بَكْرٍ وهو قَائِمٌ يصلى بِالنَّاسِ فَاسْتَأْخَرَ أبو بَكْرٍ فَأَشَارَ إلَيْهِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ كما أنت فَجَلَسَ رسول اللَّهِ إلَى جَنْبِ إبي بَكْرٍ وكان أبو بَكْرٍ يصلى بِصَلَاةِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وكان الناس يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أبي بَكْرٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا الثِّقَةُ عن حَمَّادِ بن سَلَمَةَ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه عن عَائِشَةَ بِمِثْلِ مَعْنَاهُ لَا يُخَالِفُهُ وَأَوْضَحَ منه قال وَصَلَّى أبو بَكْرٍ إلَى جَنْبِهِ قَائِمًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا الثِّقَةُ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن بن أبي مُلَيْكَةَ عن عُبَيْدِ بن عُمَيْرٍ قال أَخْبَرَتْنِي الثِّقَةُ كَأَنَّهُ يَعْنِي عَائِشَةَ ثُمَّ ذَكَرَ صَلَاةَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وأبو بَكْرٍ إلَى جَانِبِهِ بِمِثْلِ مَعْنَى حديث هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه قال وروى عن إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عن الْأَسْوَدِ بن يَزِيدَ عن عَائِشَةَ بِمِثْلِ مَعْنَى حديث هِشَامٍ وَعُبَيْدِ بن عُمَيْرٍ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَقُولُ لَا يصلى أَحَدٌ بِالنَّاسِ جَالِسًا وَنَحْتَجُّ بِأَنَّا رَوَيْنَا عن رَبِيعَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ صلى بِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ كان هذا ثَابِتًا فَلَيْسَ فيه خِلَافٌ لِمَا أَخَذْنَا بِهِ وَلَا ما تَرَكْنَا من هذه الْأَحَادِيثِ قُلْت وَلِمَ قال قد مَرِضَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَيَّامًا وَلَيَالِيَ لم يَبْلُغْنَا أَنَّهُ صلي بِالنَّاسِ إلَّا صَلَاةً وَاحِدَةً وكان أبو بَكْرٍ يصلى بِالنَّاسِ في أَيَّامِهِ تِلْكَ وَصَلَاةُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالنَّاسِ مَرَّةً لَا تَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ صلى أبو بَكْرٍ غير تِلْكَ الصَّلَاةِ بِالنَّاسِ مَرَّةً وَمَرَّاتٍ وَكَذَلِكَ لو صلى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم خَلْفَ أبي بَكْرٍ مَرَّةً وَمَرَّاتٍ لم يَمْنَعْ ذلك أَنْ يَكُونَ صلى خَلْفَهُ أبو بَكْرٍ أُخْرَى كما كان أبو بَكْرٍ يصلى خَلْفَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَكْثَرَ عُمْرِهِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَقَدْ ذَهَبْنَا إلَى تَوْهِينِ حديث هِشَامِ بن عُرْوَةَ بِحَدِيثِ رَبِيعَةَ قال فَإِنَّمَا ذَهَبْتُمْ إلَيْهِ لِجَهَالَتِكُمْ بِالْحَدِيثِ وَالْحُجَجِ حَدِيثُ رَبِيعَةَ مُرْسَلٌ لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ وَنَحْنُ لم نُثْبِتْ حَدِيثَ هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه حتى أَسْنَدَهُ هِشَامُ بن عُرْوَةَ عن أبيه عن عَائِشَةَ وَالْأَسْوَدُ عن عَائِشَةَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَوَافَقَهُ عُبَيْدُ بن عُمَيْرٍ فَكَيْفَ احْتَجَجْتُمْ بِمَا لَا يَثْبُتُ من الحديث على ما ثَبَتَ وهو إذَا ثَبَتَ حتى يَكُونَ أَثْبَتَ حَدِيثٍ يَكُونُ كما وَصَفْت لَا يُخَالِفُ حَدِيثَ عُرْوَةَ وَلَا أَنَسٍ وَلَا موافقة وَلَا بِمَعْنًى فَيُوهِنُ حَدِيثَنَا وَهَذَا مِنْكُمْ جَهَالَةٌ بِالْحَدِيثِ وَبِالْحُجَّةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أو رَأَيْت إذْ جَهِلْتُمْ الحديث وَالْحُجَّةَ فَلَوْ كان حَدِيثُ هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه في صَلَاةِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِأَبِي بَكْرٍ غير ثَابِتٍ فَيَكُونُ نَاسِخًا لِحَدِيثِ أَنَسٍ وَعَائِشَةَ عن النبي يأمره ( ( ( بأمره ) ) ) إذَا صلى جَالِسًا يصلى من خَلْفَهُ جُلُوسًا أَمَا كُنْتُمْ خَالَفْتُمْ حَدِيثَيْنِ ثَابِتَيْنِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَى غَيْرِ
____________________

(7/199)


حَدِيثٍ ثَابِتٍ عنه وهو لَا يَحِلُّ خِلَافُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا إلَى حَدِيثٍ عنه يَنْسَخُ حَدِيثَهُ الذي خَالَفَهُ إلَيْهِ أو يَكُونُ أَثْبَتَ منه فَلَوْ لم يَثْبُتْ حَدِيثُ هِشَامٍ حتى يَكُونَ نَاسِخًا لِلْحَدِيثَيْنِ لَزِمَكُمْ أَنْ تَأْمُرُوا من صلى خَلْفَ الْإِمَامِ قَائِمًا أَنْ يَجْلِسَ إذَا جَلَسَ كما رَوَى أَنَسٌ وَعَائِشَةُ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَهُ وَإِنْ كان حَدِيثُ هِشَامٍ نَاسِخًا فَقَدْ خَالَفْتُمْ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ إلَى قَوْلِ أَنْفُسِكُمْ وَخِلَافُ السُّنَّةِ ضَيِّقٌ على كل مُسْلِمٍ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَهَلْ خَالَفَك في هذا غَيْرُنَا فقال نعم بَعْضُ الناس رَوَى عن جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عن الشَّعْبِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا يُؤَمَّ أَحَدٌ بَعْدِي جَالِسًا قُلْت فما كانت حُجَّتُك عليه فقال الشَّافِعِيُّ قد عَلِمَ الذي احْتَجَّ بهذا أَنْ لَيْسَتْ فيه حُجَّةٌ وَأَنَّ هذا حَدِيثٌ لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ بِحَالٍ على شَيْءٍ وَلَوْ لم يُخَالِفْهُ غَيْرُهُ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنْ قُلْت لم يَعْمَلْ بهذا أَحَدٌ بَعْدَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال الشَّافِعِيُّ قد بَيَّنَّا لَك قبل هذا ما نَرَى أَنَّا وَأَنْتُمْ نُثْبِتُ الحديث عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَإِنْ لم يُعْمَلْ بِهِ بَعْدَهُ اسْتَغْنَاهُ بِالْخَبَرِ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَمَّا سِوَاهُ فَلَا حَاجَةَ لنا بِإِعَادَتِهِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَهَلْ قال قَوْلَك هذا أَحَدٌ من الْمَشْرِقِيِّينَ فقال نعم أبو حَنِيفَةَ يقول فيه بِقَوْلِنَا وَيُخَالِفُهُ صَاحِبَاهُ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ أَفَرَأَيْت حَدِيثَهُمْ عِنْدَهُمْ في هذا يَثْبُتُ فقال لَا فَقُلْت فَلِمَ يَحْتَجُّونَ بِهِ قال اللَّهُ أَعْلَمُ فَأَمَّا الذي احْتَجَّ بِهِ علينا ( ( ( عليها ) ) ) فَسَأَلْنَاهُ عنه فقال لَا يَثْبُتُ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ وَلِأَنَّهُ عن رَجُلٍ يَرْغَبُ الناس عن الرِّوَايَةِ عنه فَقُلْت فَهَذَا سُوءُ نصفه ( قال ( ( ( فقال ) ) ) الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَجَلْ وَأَنْتُمْ أَسْوَأُ منه نصفه حين لَا تَعْتَدُّونَ بِحَدِيثِهِمْ الذي هو ثَابِتٌ عِنْدَهُمْ وَتُخَالِفُونَ ما رَوَيْتُمْ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا مُخَالِفَ له عنه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * بَابُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ في الصَّلَاةِ - * قال سَأَلْت الشَّافِعِيَّ أَيْنَ تُرْفَعُ الْأَيْدِي في الصَّلَاةِ قال يَرْفَعُ المصلى يَدَيْهِ في أَوَّلِ رَكْعَةٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَفِيمَا سِوَاهَا من الصَّلَاةِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حين يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ مع تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَيَفْعَلُ ذلك عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ قَوْلِهِ سمع اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حين يَرْفَعُ رَأْسَهُ من الرُّكُوعِ وَلَا تَكْبِيرَةَ لِلِافْتِتَاحِ إلَّا في الأولى ( ( ( الأول ) ) ) وفي كل رَكْعَةٍ تَكْبِيرُ رُكُوعٍ وَقَوْلُ سمع اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ عِنْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ من الرُّكُوعِ فَيَرْفَعُ يَدَيْهِ في هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ في كل صَلَاةٍ وَالْحُجَّةُ في هذا أَنَّ مَالِكًا أخبرنا عن بن شِهَابٍ عن سَالِمٍ عن أبيه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وإذا رَفَعَ رَأْسَهُ من الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ وكان لَا يَفْعَلُ ذلك في السُّجُودِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا سُفْيَانُ عن الزُّهْرِيِّ عن سَالِمِ بن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ عن أبيه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ وإذا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ وإذا أَرَادَ رَفَعَ رَأْسَهُ من الرُّكُوعِ وَلَا يَرْفَعُ في السُّجُودِ قال وَرَوَى هذا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِضْعَةَ عَشْرَ رَجُلًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا سُفْيَانُ عن عَاصِمِ بن كُلَيْبٍ عن أبيه عن وَائِلِ بن حُجْرٍ قال رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ وَحِينَ يُرِيدُ أَنْ يَرْكَعَ وإذا رَفَعَ من الرُّكُوعِ قال ثُمَّ قَدِمْت عليهم في الشِّتَاءِ فَرَأَيْتهمْ يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ في الْبَرَانِسِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كان إذَا ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وإذا رَفَعَ رَأْسَهُ من الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا دُونَ ذلك فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَقُولُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حين يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ ثُمَّ لَا يَعُودُ لِرَفْعِهِمَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَنْتُمْ إذًا تَتْرُكُونَ ما رَوَى مَالِكٌ عن رسول اللَّهِ ثُمَّ عن بن عُمَرَ فَكَيْفَ جَازَ لَكُمْ لو لم تَعْلَمُوا عِلْمًا إلَّا أَنْ تَكُونُوا رَوَيْتُمْ رَفْعَ الْيَدَيْنِ في الصَّلَاةِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مَرَّتَيْنِ أو ثَلَاثًا وَعَنْ
____________________

(7/200)


بن عُمَرَ مَرَّتَيْنِ فَاتَّبَعْتُمْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في إحْدَاهُمَا وَتَرَكْتُمْ اتِّبَاعَهُ في الْأُخْرَى وَلَوْ جَازَ أَنْ يَتْبَعَ أَحَدٌ أَمْرَيْهِ دُونَ الْآخَرِ جَازَ لِرَجُلٍ أَنْ يَتْبَعَ أَمْرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم حَيْثُ تَرَكْتُمُوهُ وَيَتْرُكُهُ حَيْثُ اتَّبَعْتُمُوهُ وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ عَلِمَهُ من الْمُسْلِمِينَ عِنْدِي أَنْ يَتْرُكَهُ إلَّا نَاسِيًا أو سَاهِيًا فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فما مَعْنَى رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الرُّكُوعِ فقال مِثْلُ مَعْنَى رَفْعِهِمَا عِنْدَ الِافْتِتَاحِ تَعْظِيمًا لِلَّهِ وَسُنَّةً مُتَّبَعَةً يُرْجَى فيها ثَوَابُ اللَّهِ وَمِثْلُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ على الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَغَيْرِهِمَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَرَأَيْت إذَا كُنْتُمْ تَرْوُونَ عن بن عُمَرَ شيئا فَتَتَّخِذُونَهُ أَصْلًا يُبْنَى عليه فَوَجَدْتُمْ بن عُمَرَ يَفْعَلُ شيئا في الصَّلَاةِ فَتَرَكْتُمُوهُ عليه وهو مُوَافِقٌ ما روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَفَيَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَ ما وَصَفْتُمْ من اتِّخَاذِ قَوْلِ بن عُمَرَ مُنْفَرِدًا حُجَّةً ثُمَّ تَتْرُكُونَ معه سُنَّةَ رسول اللَّهِ لَا مُخَالِفَ له من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا غَيْرِهِمْ مِمَّنْ تَثْبُتُ رِوَايَتُهُ من جَهِلَ هذا انْبَغَى أَنْ لَا يَجُوزَ له أَنْ يَتَكَلَّمَ فِيمَا هو أَدَقُّ من الْعِلْمِ قُلْت فَهَلْ خَالَفَك في هذا غَيْرُنَا قال نعم بَعْضُ الْمَشْرِقِيِّينَ وَخَالَفُوكُمْ فَقَالُوا يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ أُذُنَيْهِ في ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ فَقُلْت هل رَوَوْا فيه شيئا قال نعم ما لَا نُثْبِتُ نَحْنُ وَلَا أَنْتُمْ وَلَا أَهْلُ الحديث منهم مثله وَأَهْلُ الحديث من أَهْلِ الْمَشْرِقِ يَذْهَبُونَ مَذْهَبَنَا في رَفْعِ الْأَيْدِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ في الصَّلَاةِ فَتُخَالِفُهُمْ مع خِلَافِكُمْ السُّنَّةَ وَأَمْرَ الْعَامَّةِ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم - * بَابُ الْجَهْرِ بِآمِينَ - * سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عن الْإِمَامِ إذَا قال غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عليهم وَلَا الضَّالِّينَ هل يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِآمِينَ قال نعم وَيَرْفَعُ بها من خَلْفَهُ أَصْوَاتَهُمْ فَقُلْت وما الْحُجَّةُ فِيمَا قُلْت من هذا فقال أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن بن الْمُسَيِّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بن عبد الرحمن أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا فإنه من وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ من ذَنْبِهِ قال بن شِهَابٍ وكان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول آمِينَ قال وفي قَوْلِ رسول اللَّهِ إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا دَلَالَةٌ على أَنَّهُ أَمَرَ الْإِمَامَ أَنْ يَجْهَرَ بِآمِينَ لِأَنَّ من خَلْفَهُ لَا يَعْرِفُ وَقْتَ تَأْمِينِهِ إلَّا بِأَنْ يَسْمَعَ تَأْمِينَهُ ثُمَّ بَيَّنَهُ بن شِهَابٍ فقال كان رسول اللَّهِ يقول آمِينَ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَكْرَهُ للامام أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِآمِينَ فقال هذا خِلَافُ ما رَوَى صَاحِبُنَا وَصَاحِبُكُمْ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَوْ لم يَكُنْ عِنْدَنَا وَعِنْدَكُمْ عِلْمٌ إلَّا هذا الحديث الذي ذَكَرْنَا عن مَالِكٍ انْبَغَى أَنْ نَسْتَدِلَّ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يَجْهَرُ بِآمِينَ وَأَنَّهُ أَمَرَ الْإِمَامَ أَنْ يَجْهَرَ بها فَكَيْفَ ولم يَزَلْ أَهْلُ الْعِلْمِ عليه وَرَوَى وَائِلُ بن حُجْرٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يقول آمِينَ يَجْهَرُ بها صَوْتُهُ وَيَحْكِي مَطَّهُ إيَّاهَا وكان أبو هُرَيْرَةَ يقول للامام لَا تَسْبِقْنِي بأمين وكان يُؤْذَنُ له ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ قال كُنْت أَسْمَعُ الْأَئِمَّةَ بن الزُّبَيْرِ وَمَنْ بَعْدَهُ يَقُولُونَ آمِينَ وَمَنْ خَلْفَهُمْ آمِينَ حتى إنَّ لِلْمَسْجِدِ لَلُجَّةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَأَيْتُك في مَسْأَلَةِ إمَامَةِ الْقَاعِدِ وَمَسْأَلَةِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ في الصَّلَاةِ وَمَسْأَلَةِ قَوْلِ الْإِمَامِ آمِينَ خَرَجْت من السُّنَّةِ وَالْآثَارِ وَوَافَقْت مُنْفَرِدًا من بَعْضِ الْمَشْرِقِيِّينَ الَّذِينَ تَرْغَبُ فِيمَا يَظْهَرُ عن أَقَاوِيلِهِمْ
____________________

(7/201)


- * بَابُ سُجُودِ الْقُرْآن - * سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عن السُّجُودِ في { إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ } فقال فيها سَجْدَةٌ فَقُلْت وما الْحُجَّةُ أَنَّ فيها سَجْدَةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن عبد اللَّهِ بن يَزِيدَ مولى الْأَسْوَدِ بن سُفْيَانَ عن أبي سَلَمَةَ بن عبد الرحمن أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَرَأَ لهم { إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ } فَسَجَدَ فيها فلما انْصَرَفَ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم سَجَدَ فيها ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن الْأَعْرَجِ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ قَرَأَ { وَالنَّجْمِ إذَا هَوَى } فَسَجَدَ فيها ثُمَّ قام فَقَرَأَ بِسُورَةٍ أُخْرَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا عن مَالِكٍ أَنَّ عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ أَمَرَ مُحَمَّدَ بن مُسْلِمٍ أَنْ يَأْمُرَ الْقُرَّاءَ أَنْ يَسْجُدُوا في { إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ } وَسَأَلْت الشَّافِعِيَّ عن السُّجُودِ في سُورَةِ الْحَجِّ فقال فيها سَجْدَتَانِ فَقُلْت وما الْحُجَّةُ في ذلك قال أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ أَنَّ بن عُمَرَ سَجَدَ في سُورَةِ الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن رَجُلٍ من أَهْلِ مِصْرَ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ سَجَدَ في سُورَةِ الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ قال إنَّ هذه السُّورَةَ فَضُلَتْ بِسَجْدَتَيْنِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَقُولُ اجْتَمَعَ الناس على أَنَّ سُجُودَ الْقُرْآنِ إحْدَى عَشْرَةَ سَجْدَةً ليس في الْمُفَصَّلِ منها شَيْءٌ فقال الشَّافِعِيُّ إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَقُولُوا اجْتَمَعَ الناس إلَّا لِمَا إذَا لقى أَهْلَ الْعِلْمِ فَقِيلَ لهم اجْتَمَعَ الناس على ما قُلْتُمْ أنهم اجْتَمَعُوا عليه قالوا نعم وكان أَقَلَّ قَوْلِهِمْ لَك أَنْ يَقُولُوا لَا نَعْلَمُ من أَهْلِ الْعِلْمِ مُخَالِفًا فِيمَا قُلْتُمْ اجْتَمَعَ الناس عليه فأما أَنْ تَقُولُوا اجْتَمَعَ الناس وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ مَعَكُمْ يَقُولُونَ ما اجْتَمَعَ الناس على ما زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ اجْتَمَعُوا عليه فَأَمْرَانِ أَسَأْتُمْ النَّظَرَ بِهِمَا لِأَنْفُسِكُمْ في التَّحَفُّظِ في الحديث وَأَنْ تَجْعَلُوا السَّبِيلَ لِمَنْ سمع قَوْلَكُمْ اجْتَمَعَ الناس إلَى رَدِّ قَوْلِكُمْ وَلَا سِيَّمَا إذْ كُنْتُمْ إنَّمَا أَنْتُمْ مُعْتَضِدُونَ على عِلْمِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِيَّاهُ وَكُنْتُمْ تَرْوُونَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ سَجَدَ في { إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ } وَأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ سَجَدَ فيها ثُمَّ تَرْوُونَ عن عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ أَنَّهُ أَمَرَ من يَأْمُرُ الْقُرَّاءَ أَنْ يَسْجُدُوا فيها ( قال ) وَأَنْتُمْ تَجْعَلُونَ قَوْلَ عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ أَصْلًا من أُصُولِ الْعِلْمِ فَتَقُولُونَ كان لَا يَحْلِفُ الرَّجُلُ لِلْمُدَّعَى عليه إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ فَتَرَكْتُمْ قَوْلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْبَيِّنَةُ على المدعى وَالْيَمِينُ على الْمُدَّعَى عليه لِقَوْلِ عُمَرَ ثُمَّ تَجِدُونَ عُمَرَ يَأْمُرُ بِالسُّجُودِ في { إذَا السَّمَاءِ انْشَقَّتْ } وَمَعَهُ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَرَأْيُ أبي هُرَيْرَةَ فَتَتْرُكُونَهُ ولم تُسَمُّوا أَحَدًا خَالَفَ هذا وَهَذَا عِنْدَكُمْ الْعِلْمُ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في زَمَانِهِ ثُمَّ أبو هُرَيْرَةَ في الصَّحَابَةِ ثُمَّ عُمَرُ بن عبد الْعَزِيزِ في التَّابِعِينَ وَالْعَمَلُ يَكُونُ عِنْدَكُمْ بِقَوْلِ عُمَرَ وَحْدَهُ وَأَقَلُّ ما يُؤْخَذُ عَلَيْكُمْ في هذا أَنْ يُقَالَ كَيْفَ زَعَمْتُمْ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ سَجَدَ في { إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ } وَأَنَّ عُمَرَ أَمَرَ بِالسُّجُودِ فيها وَأَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ سَجَدَ في { النَّجْمِ } ثُمَّ زَعَمْتُمْ أَنَّ الناس اجْتَمَعُوا أَنْ لَا سُجُودَ في الْمُفَصَّلِ وَهَذَا من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ وَهَذَا من عُلَمَاءِ التَّابِعِينَ فَيُقَالُ قَوْلُكُمْ اجْتَمَعَ الناس لِمَا تَحْكُونَ فيه غير ما قُلْتُمْ بَيِّنٌ في قَوْلِكُمْ أَنْ ليس كما قُلْتُمْ ثُمَّ رَوَيْتُمْ عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ أَنَّهُ سَجَدَ في { النَّجْمِ } ثُمَّ لَا تَرْوُونَ عن غَيْرِهِ خِلَافَهُ ثُمَّ رَوَيْتُمْ عن عُمَرَ وبن عُمَرَ أَنَّهُمَا سَجَدَا في سُورَةِ الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ وَتَقُولُونَ ليس فيها إلَّا وَاحِدَةٌ وَتَزْعُمُونَ أَنَّ الناس أَجْمَعُوا أَنْ ليس فيها إلَّا وَاحِدَةٌ ثُمَّ تَقُولُونَ أَجْمَعَ الناس وَأَنْتُمْ تَرْوُونَ خِلَافَ ما تَقُولُونَ وَهَذَا لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ بِأَنْ يَجْهَلَهُ وَلَا يَرْضَى أَحَدٌ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا عليه لِمَا فيه مِمَّا لَا يَخْفَى على أَحَدٍ يَعْقِلُ إذَا سَمِعَهُ أَرَأَيْت إذَا قِيلَ لَكُمْ أَيُّ الناس أَجْمَعَ على أَنْ لَا سُجُودَ في الْمُفَصَّلِ وَأَنْتُمْ تَرْوُونَ عن أَئِمَّةِ الناس السُّجُودَ فيه وَلَا تَرْوُونَ عن غَيْرِهِمْ خِلَافَهُمْ أَلَيْسَ تَقُولُونَ أَجْمَعَ الناس أَنَّ في الْمُفَصَّلِ سُجُودًا أَوْلَى بِكُمْ من أَنْ تَقُولُوا أَجْمَعَ الناس أَنْ لَا سُجُودَ في الْمُفَصَّلِ فَإِنْ قُلْتُمْ لَا يَجُوزُ إذَا لم نَعْلَمْهُمْ أَجْمَعُوا أَنْ نَقُولَ أَجْمَعُوا فَقَدْ قُلْتُمْ أَجْمَعُوا ولم تَرْوُوا عن وَاحِدٍ من الْأَئِمَّةِ قَوْلَكُمْ وَلَا أَدْرِي من الناس عِنْدَكُمْ أَخَلْقٌ كَانُوا لم يُسَمَّ وَاحِدٌ منهم وما ذَهَبْنَا بِالْحُجَّةِ عَلَيْكُمْ
____________________

(7/202)


إلَّا من قَوْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وما جَعَلْنَا الْإِجْمَاعَ إلَّا إجْمَاعَهُمْ فَأَحْسِنُوا النَّظَرَ لِأَنْفُسِكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَقُولُوا أَجْمَعَ الناس بِالْمَدِينَةِ حتى لَا يَكُونَ بِالْمَدِينَةِ مُخَالِفٌ من أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَكِنْ قُولُوا فِيمَا اخْتَلَفُوا فيه اخْتَرْنَا كَذَا وَلَا تَدَّعُوا الْإِجْمَاعَ فَتَدَّعُوا ما يُوجَدُ على أَلْسِنَتِكُمْ خِلَافُهُ فما أَعْلَمُهُ يُؤْخَذُ على أَحَدٍ نُسِبَ إلَى عِلْمٍ أَقْبَحَ من هذا قُلْت لِلشَّافِعِيِّ أَرَأَيْت إنْ كان قَوْلِي اجْتَمَعَ الناس عليه أعنى من رَضِيت من أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَإِنْ كَانُوا مُخْتَلِفِينَ فقال الشَّافِعِيُّ أَفَرَأَيْتُمْ إنْ قال من يُخَالِفُكُمْ وَيَذْهَبُ إلَى قَوْلِ من خَالَفَ قَوْلَ من أَخَذْت بِقَوْلِهِ أَجْمَعَ الناس أَيَكُونُ صَادِقًا فَإِنْ كان صَادِقًا وكان بِالْمَدِينَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ يُخَالِفُكُمَا أَجْمَعَ الناس على قَوْلٍ فَإِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ مَعًا بِالتَّأْوِيلِ فَبِالْمَدِينَةِ إجْمَاعٌ من ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ مُخْتَلِفَةٍ وَإِنْ قُلْتُمْ الْإِجْمَاعُ هو ضِدُّ الْخِلَافِ فَلَا يُقَالُ إجْمَاعٌ إلَّا لِمَا لَا خِلَافَ فيه بِالْمَدِينَةِ قُلْت هذا الصِّدْقُ الْمَحْضُ فَلَا تُفَارِقْهُ وَلَا تَدَّعُوا الْإِجْمَاعَ أَبَدًا إلَّا فِيمَا لَا يُوجَدُ بِالْمَدِينَةِ فيه اخْتِلَافٌ وهو لَا يُوجَدُ بِالْمَدِينَةِ إلَّا وُجِدَ بِجَمِيعِ الْبُلْدَانِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مُتَّفِقِينَ فيه لم يُخَالِفْ أَهْلُ الْبُلْدَانِ أَهْلَ الْمَدِينَةِ إلَّا ما اخْتَلَفَ فيه أَهْلُ الْمَدِينَةِ بَيْنَهُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَاجْعَلْ ما وَصَفْنَا علي هذا الْبَابِ كَافِيًا لَك دَالًّا على ما سِوَاهُ إذَا أَرَدْت أَنْ تَقُولَ أَجْمَعَ الناس فَإِنْ كَانُوا لم يَخْتَلِفُوا فيه فَقُلْهُ وَإِنْ كَانُوا اخْتَلَفُوا فيه فَلَا تَقُلْهُ فإن الصِّدْقَ في غَيْرِهِ - * بَابُ الصَّلَاةِ في الْكَعْبَةِ - * وَسَأَلْت الشَّافِعِيَّ عن الرَّجُلِ يُصَلِّي في الْكَعْبَةِ الْمَكْتُوبَةَ فقال يصلى فيها الْمَكْتُوبَةَ وَالنَّافِلَةَ وإذا صلى الرَّجُلُ وَحْدَهُ فَلَا مَوْضِعَ يصلى فيه أَفْضَلُ من الْكَعْبَةِ فَقُلْت أَفَيُصَلِّي فَوْقَ ظَهْرِهَا فقال إنْ كان بقى فَوْقَ ظَهْرِهَا من الْبِنَاءِ شَيْءٌ يَكُونُ سُتْرَةً صلى فَوْقَ ظَهْرِهَا الْمَكْتُوبَةَ وَالنَّافِلَةَ وَإِنْ لم يَكُنْ بقى عليه بِنَاءٌ يَسْتُرُ المصلى لم يُصَلِّ إلَى غَيْرِ شَيْءٍ من الْبَيْتِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فما الْحُجَّةُ فِيمَا ذَكَرْت فقال أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ عن بِلَالٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم صلى في الْكَعْبَةِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَهَلْ خَالَفَك في هذا غَيْرُك فقال نعم دخل أُسَامَةُ وَبِلَالٌ وَعُثْمَانُ بن طَلْحَةَ فقال أُسَامَةُ نَظَرَ فإذا هو إذَا صلى في الْبَيْتِ في نَاحِيَةٍ تَرَكَ شيئا من الْبَيْتِ لِظَهْرِهِ فَكَرِهَ أَنْ يَدَعَ شيئا من الْبَيْتِ لِظَهْرِهِ فَكَبَّرَ في نَوَاحِي الْبَيْتِ ولم يُصَلِّ فقال قَوْمٌ لَا تَصْلُحُ الصَّلَاةُ في الْكَعْبَةِ بهذا الحديث وَهَذِهِ الْعِلَّةِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فما حُجَّتُك عليهم فقال قال بِلَالٌ صلى وكان من قال صلى شَاهِدًا وَمَنْ قال لم يُصَلِّ ليس بِشَاهِدٍ فَأَخَذْنَا بِقَوْلِ بِلَالٍ وَكَانَتْ الْحُجَّةُ الثَّابِتَةُ عِنْدَنَا أَنَّ المصلى خَارِجًا من الْبَيْتِ إنَّمَا يَسْتَقْبِلُ منه مَوْضِعَ مُتَوَجَّهِهِ لَا كُلَّ جُدْرَانِهِ فَكَذَلِكَ الذي في بَطْنِهِ يَسْتَقْبِلُ مَوْضِعَ مُتَوَجَّهِهِ لَا كُلَّ جُدْرَانِهِ وَمَنْ كان الْبَيْتُ مُشْتَمِلًا عليه فَكَانَ يَسْتَقْبِلُ مَوْضِعَ مُتَوَجَّهِهِ كما يَسْتَقْبِلُ الْخَارِجُ منه مَوْضِعَ مُتَوَجَّهِهِ كان في هذا الْمَوْضِعِ أَفْضَلَ من مَوْضِعِ الْخَارِجِ منه أَيْنَ كان فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَقُولُ يصلى فيه النَّافِلَةَ وَلَا يُصَلِّي فيه الْمَكْتُوبَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هذا الْقَوْلُ غَايَةٌ في الْجَهْلِ إنْ كان كما قال من خَالَفَنَا لَا تُصَلَّى فيه النَّافِلَةُ وَلَا تُصَلَّى فيه الْمَكْتُوبَةُ وَإِنْ كان كما رَوَيْتُمْ فإن النَّافِلَةَ في الْأَرْضِ لَا تَصْلُحُ إلَّا حَيْثُ تَصْلُحُ الْمَكْتُوبَةُ وَالْمَكْتُوبَةُ إلَّا حَيْثُ تَصْلُحُ النَّافِلَةُ أو رَأَيْت الْمَوَاضِعَ التي صلى فيها رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم النَّوَافِلَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَبِالْمُحَصِّبِ ولم يُصَلِّ هُنَالِكَ مَكْتُوبَةً أَيَحْرُمُ أَنْ يصلى هُنَالِكَ مَكْتُوبَةً وإن صَلَاتَهُ النَّافِلَةَ في مَوْضِعٍ من الْأَرْضِ تَدُلُّ على أَنَّ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ تَجُوزُ فيه
____________________

(7/203)


- * بَابُ ما جاء في الْوِتْرِ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ - * سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عن الْوِتْرِ أَيَجُوزُ أَنْ يُوتِرَ الرَّجُلُ بِوَاحِدَةٍ ليس قَبْلَهَا شَيْءٌ قال نعم وَاَلَّذِي أَخْتَارُ أَنْ أُصَلِّيَ عَشْرَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ أُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فما الْحُجَّةُ في أَنْ يَجُوزَ بِوَاحِدَةٍ فقال الْحُجَّةُ فيه السُّنَّةُ وَالْآثَارُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بن دِينَارٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فإذا خشى أحدكم الصُّبْحَ صلى رَكْعَةً تُوتِرُ له ما قد صلى ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن عُرْوَةَ عن عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يصلى بِاللَّيْلِ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُوتِرُ منها بِوَاحِدَةٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ أَنَّ سَعْدَ بن أبي وَقَّاصٍ كان يُوتِرُ بِرَكْعَةٍ أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ أَنَّ بن عُمَرَ كان يُسَلِّمُ من الرَّكْعَةِ وَالرَّكْعَتَيْنِ من الْوِتْرِ حتى يَأْمُرَ بِبَعْضِ حَاجَتِهِ قال وكان عُثْمَانُ يحيى اللَّيْلَ بِرَكْعَةٍ هِيَ وِتْرُهُ وَأَوْتَرَ مُعَاوِيَةُ بِوَاحِدَةٍ فقال بن عَبَّاسٍ أَصَابَ بِهِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَقُولُ لَا نُحِبُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُوتِرَ بِأَقَلَّ من ثَلَاثٍ وَيُسَلِّمُ بين الرَّكْعَةِ وَالرَّكْعَتَيْنِ من الْوِتْرِ فقال الشَّافِعِيُّ لَسْت أَعْرِفُ لِمَا تَقُولُ وَجْهًا وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ إنْ كُنْتُمْ ذَهَبْتُمْ إلَى أَنَّكُمْ تَكْرَهُونَ أَنْ يصلى رَكْعَةً مُنْفَرِدَةً فَأَنْتُمْ إذَا صلى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَهَا ثُمَّ سَلَّمَ تَأْمُرُونَهُ بِإِفْرَادِ الرَّكْعَةِ لِأَنَّ من سَلَّمَ من الصَّلَاةِ فَقَدْ فَصَلَهَا مِمَّا بَعْدَهَا أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ يُصَلِّي النَّافِلَةَ رَكَعَاتٍ فَيُسَلِّمُ في كل رَكْعَتَيْنِ فَيَكُونُ كُلُّ رَكْعَتَيْنِ يُسَلِّمُ مِنْهُمَا مُنْقَطِعَتَيْنِ من الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا وَبَعْدَهُمَا وَأَنَّ السَّلَامَ أَفْضَلُ لِلْفَصْلِ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لو فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ فَقَضَاهُنَّ في مَقَامٍ يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِسَلَامٍ كانت كُلُّ صَلَاةٍ غير الصَّلَاةِ التي قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا لِخُرُوجِهِ من كل صَلَاةٍ بِالسَّلَامِ فَإِنْ كان إنَّمَا أَرَدْتُمْ أَنَّكُمْ كَرِهْتُمْ أَنْ يصلى وَاحِدَةً لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم صلى أَكْثَرَ منها فَإِنَّمَا نَسْتَحِبُّ أَنْ يصلى إحْدَى عشر ( ( ( عشرة ) ) ) رَكْعَةً يُوتِرُ منها بِوَاحِدَةٍ وَإِنْ كان أَرَدْتُمْ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَأَقَلُّ مَثْنَى أَرْبَعُ فَصَاعِدًا وَوَاحِدَةٌ غَيْرُ مَثْنَى وقد أَمَرَ بِوَاحِدَةٍ في الْوِتْرِ كما أَمَرَ بِمَثْنَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وقد أخبرنا عبد الْمَجِيدِ عن بن جُرَيْجٍ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه عن عَائِشَةَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يُوتِرُ بِخَمْسِ رَكَعَاتٍ لَا يَجْلِسُ وَلَا يُسَلِّمُ إلَّا في الْآخِرَةِ مِنْهُنَّ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فما مَعْنَى هذا قال هذه نَافِلَةٌ يَسَعُ أَنْ نُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ وَأَكْثَرَ وَنَخْتَارُ ما وَصَفْت من غَيْرِ أَنْ نُضَيِّقَ غَيْرَهُ وَقَوْلُكُمْ وَاَللَّهُ يَغْفِرُ لنا وَلَكُمْ لَا يُوَافِقُ سُنَّةً وَلَا أَثَرًا وَلَا قِيَاسًا وَلَا مَعْقُولًا قَوْلُكُمْ خَارِجٌ من كل شَيْءٍ من هذا وَأَقَاوِيلُ الناس إمَّا أَنْ يَقُولُوا لَا يُوتِرُ إلَّا بِثَلَاثٍ كما قال بَعْضُ الْمَشْرِقِيِّينَ وَلَا يُسَلِّمُ في وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ لِئَلَّا يَكُونَ الْوِتْرُ وَاحِدَةً ( 1 ) وَأَنْتُمْ تَأْمُرُونَ بِالسَّلَامِ فيها فإذا أَمَرْتُمْ بِهِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ وَإِنْ قُلْتُمْ كَرِهْنَاهُ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يُوتِرْ بِوَاحِدَةٍ ليس قَبْلَهَا شَيْءٌ فلم يُوتِرْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِثَلَاثٍ ليس قَبْلَهُنَّ شَيْءٌ وقد اسْتَحْسَنْتُمْ أَنْ تُوتِرُوا بِثَلَاثٍ - * بَابُ الْقِرَاءَةِ في الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ - * سَأَلْت الشَّافِعِيَّ بِأَيِّ شَيْءٍ تُحِبُّ أَنْ يُقْرَأَ في الْعِيدَيْنِ فقال بِ { ق } وَ { اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ } وَسَأَلْتُهُ بِأَيِّ شَيْءٍ تَسْتَحِبُّ أَنْ يُقْرَأَ في الْجُمُعَةِ فقال في الرَّكْعَةِ الْأُولَى بِالْجُمُعَةِ وَأَخْتَار في الثَّانِيَةِ { إذَا جَاءَك الْمُنَافِقُونَ } وَلَوْ قَرَأَ { هل أَتَاك حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ } أو { سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى } كان حَسَنًا لِأَنَّهُ قد رُوِيَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قَرَأَهَا كُلَّهَا فَقُلْت وما الْحُجَّةُ في ذلك فقال إبْرَاهِيمُ وَغَيْرُهُ عن جَعْفَرٍ عن أبيه عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن أبي رَافِعٍ عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قَرَأَ في أثر سُورَةِ الْجُمُعَةِ { إذَا جَاءَك الْمُنَافِقُونَ } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ عن ضَمْرَةَ بن سَعِيدٍ الْمَازِنِيِّ عن
____________________

(7/204)


عُبَيْدِ اللَّهِ بن عبد اللَّهِ بن عُتْبَةَ أَنَّ الضَّحَّاكَ بن قَيْسٍ سَأَلَ النُّعْمَانَ بن بَشِيرٍ ما كان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يَقْرَأُ يوم الْجُمُعَةِ على أثر سُورَةِ الْجُمُعَةِ فقال كان يَقْرَأُ بِ { هل أَتَاك حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن ضَمْرَةَ بن سَعِيدٍ الْمَازِنِيِّ عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عبد اللَّهِ بن عُتْبَةَ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ سَأَلَ أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ مَاذَا كان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يَقْرَأُ بِهِ في الْأَضْحَى وَالْفِطْرِ فقال كان يَقْرَأُ بِ { ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ } وَ { اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ } فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا لَا نُبَالِي بِأَيِّ سُورَةٍ قَرَأَ فقال وَلِمَ لَا تُبَالُونَ وَهَذِهِ رِوَايَتُكُمْ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَقُلْت لِأَنَّهُ يُجْزِيهِ فقال أو رَأَيْتُمْ إذْ أُمِرْنَا بِالْغُسْلِ للاهلال وَالصَّلَاةِ في الْمُعَرَّسِ وَغَيْرِ ذلك اقْتِدَاءً بِأَمْرِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لو قال قَائِلٌ لَا نَسْتَحِبُّهُ أو لَا نُبَالِي أَنْ لَا نَفْعَلَهُ لِأَنَّهُ ليس بِوَاجِبٍ هل الْحُجَّةُ عليه إلَّا كَهِيَ عَلَيْكُمْ أو رَأَيْتُمْ إذَا اسْتَحْبَبْنَا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَالْوِتْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَأَنْ يُطِيلَ في الصُّبْحِ وَالظُّهْرِ وَيُخَفِّفَ في الْمَغْرِبِ لو قال قَائِلٌ لَا أُبَالِي أَنْ لَا أَفْعَلَ من هذا شيئا هل الْحُجَّةُ عليه إلَّا أَنْ تَقُولَ قَوْلُكُمْ لَا أُبَالِي جَهَالَةٌ وَتَرْكٌ لِلسُّنَّةِ يَنْبَغِي أَنْ تَسْتَحِبُّوا ما صَنَعَ رسول اللَّهِ بِكُلِّ حَالٍ - * بَابُ الْجَمْعِ بين الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن أبي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ عن سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ عن بن عَبَّاسٍ قال صلى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جميعا وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جميعا في غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ قال مَالِكٌ أَرَى ذلك في مَطَرٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَزَعَمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم جَمَعَ بِالْمَدِينَةِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ ولم يَكُنْ له وَجْهٌ عِنْدَكُمْ إلَّا أَنَّ ذلك في مَطَرٍ ثُمَّ زَعَمْتُمْ أَنْتُمْ أَنَّكُمْ تَجْمَعُونَ بين الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ وَكُلِّ بَلَدٍ جَامِعٍ وَلَا تَجْمَعُونَ بين الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ في الْمَطَرِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنَّمَا ذَهَبَ الناس في هذا مَذَاهِبَ فَمِنْهُمْ من قال جَمَعَ بِالْمَدِينَةِ تَوْسِعَةً على أُمَّتِهِ لِئَلَّا يُحْرَجَ منهم أَحَدٌ إنْ جَمَعَ بِحَالٍ وليس ( ( ( ليس ) ) ) لِأَحَدٍ أَنْ يَتَأَوَّلَ في الحديث ما ليس فيه وَقَالَتْ فِرْقَةٌ نُوهِنُ هذا لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَقَّتَ الْمَوَاقِيتَ في الصَّلَاةِ فَكَانَ هذا خِلَافًا لِمَا رَوَوْا من أَمْرِ الْمَوَاقِيتِ فَرَدُّوا أَنْ يَجْمَعَ أَحَدٌ في الْحَضَرِ في مَطَرٍ أو غَيْرِهِ وَامْتَنَعُوا من تَثْبِيتِهِ وَقَالُوا خَالَفَهُ ما هو أَقْوَى منه وَقَالُوا لو ثَبَتْنَاهُ لَزِمَنَا مِثْلُ قَوْلِ من قال يُجْمَعُ لِأَنَّهُ ليس في الحديث ذِكْرُ مَطَرٍ وَلَا غَيْرِهِ بَلْ قال من حَمَلَ الحديث أَرَادَ أَنْ لَا تُحْرَجَ أُمَّتُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَذَهَبْتُمْ وَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَكُمْ الْمَذْهَبَ الذي وَصَفْت من الِاحْتِجَاجِ في الْجَمْعِ في الْمَطَرِ وَرَأَى أَنَّ وَجْهَ الحديث هو الْجَمْعُ في الْمَطَرِ ثُمَّ خَالَفْتُمُوهُ في الْجَمْعِ في الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ في الْمَطَرِ أَرَأَيْتُمْ إنْ قال لَكُمْ قَائِلٌ بَلْ نَجْمَعُ بين الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ في الْمَطَرِ وَلَا نَجْمَعُ بين الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ في الْمَطَرِ هل الْحُجَّةُ عليه إلَّا أَنَّ الحديث إذَا كانت فيه الْحُجَّةُ لم يَجُزْ أَنْ يُؤْخَذَ بِبَعْضِهِ دُونَ بَعْضٍ فَكَذَلِكَ هِيَ على من قال يُجْمَعُ بين الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَلَا يُجْمَعُ بين الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَقَلَّمَا نَجِدُ لَكُمْ قَوْلًا يَصِحُّ وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ أَرَأَيْتُمْ إذَا رَوَيْتُمْ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ جَمَعَ بين الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فَاحْتَجَجْتُمْ على من خَالَفَكُمْ بهذا الحديث في الْجَمْعِ بين الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ هل تَعُدُّونَ أَنْ يَكُونَ لَكُمْ بهذا حُجَّةٌ فَإِنْ كانت لَكُمْ بِهِ حُجَّةٌ فَعَلَيْكُمْ فيه حُجَّةٌ في تَرْكِكُمْ الْجَمْعَ بين الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَإِنْ لم تَكُنْ لَكُمْ بهذا حُجَّةٌ على من خَالَفَكُمْ فَلَا تَجْمَعُوا بين ظُهْرٍ وَلَا عَصْرٍ وَلَا مَغْرِبٍ وَلَا عِشَاءٍ لَا يَجُوزُ غَيْرُ هذا وَأَنْتُمْ خَارِجُونَ من الحديث وَمِنْ مَعَانِي مَذَاهِبِ أَهْلِ الْعِلْمِ كُلِّهَا وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ أو رَأَيْتُمْ إذْ رَوَيْتُمْ الْجَمْعَ في السَّفَرِ لو قال قَائِلٌ كما قُلْتُمْ أَجْمَعُ بين الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْأَحَادِيثِ جَاءَتْ فيه وَلَا أَجْمَعُ بين الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ لِأَنَّهُمَا في النَّهَارِ وَاللَّيْلِ أَهْوَلُ من النَّهَارِ هل الْحُجَّةُ عليه إلَّا أَنَّ الْجَمْعَ رُخْصَةٌ فيها فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُمْنَعَ أَحَدٌ من بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ فَكَذَلِكَ هِيَ عَلَيْكُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
____________________

(7/205)


- * بَابُ إعَادَةِ الْمَكْتُوبَةِ مع الْإِمَامِ - * سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عن الرَّجُلِ يُصَلِّي في بَيْتِهِ ثُمَّ يُدْرِكُ الصَّلَاةَ مع الْإِمَامِ قال يصلى معه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن زَيْدِ بن أَسْلَمَ عن رَجُلٍ من بَنِي الدِّيلِ يُقَالُ له بُسْرُ بن مِحْجَنٍ عن أبيه أَنَّهُ كان في مَجْلِسٍ مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأُذِّنَ بِالصَّلَاةِ فَقَامَ رسول اللَّهِ فَصَلَّى وَمِحْجَنٌ في مَجْلِسِهِ فقال له رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ما مَنَعَك أَنْ تُصَلِّيَ مع الناس أَلَسْت بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ قال بَلَى يا رَسُولَ اللَّهِ وَلَكِنِّي قد صَلَّيْت في أَهْلِي فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا جِئْت فَصَلِّ مع الناس وَإِنْ كُنْت قد صَلَّيْت ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كان يقول من صلى الْمَغْرِبَ أو الصُّبْحَ ثُمَّ أَدْرَكَهُمَا مع الْإِمَامِ فَلَا يعدلهما ( ( ( يعدهما ) ) ) فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَقُولُ يُعِيدُ كُلَّ صَلَاةٍ إلَّا الْمَغْرِبَ فإنه إذَا أَعَادَ لها صَارَتْ شَفْعًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد رَوَيْتُمْ الحديث عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَخُصَّ فيه صَلَاةً دُونَ صَلَاةٍ فلم يَحْتَمِلْ الْحَدِيثُ إلَّا وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا وهو أَظْهَرُهُمَا أَنْ يُعِيدَ كُلَّ صَلَاةٍ بِطَاعَةِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَسَعَةُ اللَّهِ أَنْ يُوفِيَهُ أَجْرَ الْجَمَاعَةِ وَالِانْفِرَادِ وقد رَوَى مَالِكٌ عن بن عُمَرَ وبن الْمُسَيِّبِ أَنَّهُمَا أَمَرَا من صلى في بَيْتِهِ أَنْ يَعُودَ لِصَلَاتِهِ مع الْإِمَامِ وقال السَّائِلُ أَيَّتَهُمَا أَجْعَلُ صَلَاتِي فقال أو ذلك إلَيْك إنَّمَا ذلك إلَى اللَّهِ وروى عن أبي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ أَمَرَ بِذَلِكَ وقال من فَعَلَ ذلك فَلَهُ سَهْمُ جَمْعٍ أو مِثْلُ سَهْمِ جَمْعٍ وَإِنَّمَا قُلْنَا بهذا لِمَا وَصَفْنَا من أَنَّ حَدِيثَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم جُمْلَةٌ وَأَنَّهُ بَلَغَنَا أَنَّ الصَّلَاةَ التي أَمَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الرَّجُلَيْنِ أَنْ يَعُودَا لها صَلَاةُ الصُّبْحِ أو يقول رَجُلٌ إنْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ أو الصُّبْحَ لم يُعِدْ لَهُمَا لِأَنَّهُ لَا نَافِلَةَ بَعْدَ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَهَكَذَا قال بَعْضُ الْمَشْرِقِيِّينَ وَأَمَّا ما قُلْتُمْ فَخِلَافُ حديث النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من الْوَجْهَيْنِ وَخِلَافُ بن عُمَرَ وبن الْمُسَيِّبِ وَأَيْنَ الْعَمَلُ وَقَوْلُكُمْ إذَا أَعَادَ الْمَغْرِبَ صَارَتْ شَفْعًا فَكَيْفَ تَصِيرُ شَفْعًا وقد فَصَلَ بَيْنَهُمَا بِسَلَامٍ أَتَرَى الْعَصْرَ حين صَلَّيْت بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ شَفْعًا أو الْعَصْرَ وِتْرًا أو تَرَى كَذَلِكَ الْعِشَاءَ إذَا صَلَّيْت بَعْدَ الْمَغْرِبِ أو تَرَى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ أو قبل الْمَغْرِبِ تَصِيرَانِ وِتْرًا بِأَنَّ الْمَغْرِبَ قَبْلَهُمَا أو بَعْدَهُمَا أَمْ كُلُّ صَلَاةٍ فُصِلَتْ بِسَلَامٍ مُفَارِقَةٌ لِلصَّلَاةِ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا وَلَوْ كُنْتُمْ قُلْتُمْ يَعُودُ لِلْمَغْرِبِ وَيَشْفَعُهَا بِرَكْعَةٍ فَيَكُونُ تَطَوُّعٌ بِأَرْبَعٍ كان مَذْهَبًا فَأَمَّا ما قُلْتُمْ فَلَيْسَ له وَجْهٌ - * بَابُ الْقِرَاءَةِ في الْمَغْرِبِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن مُحَمَّدِ بن جُبَيْرٍ بن مُطْعِمٍ عن أبيه قال سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَرَأَ بِالطُّورِ في الْمَغْرِبِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عبد اللَّهِ بن عُتْبَةَ عن بن عَبَّاسٍ عن أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الحرث سَمِعَتْهُ يَقْرَأُ { وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا } فقالت يا بُنَيَّ لقد ذَكَّرْتنِي بِقِرَاءَتِك هذه السُّورَةَ أنها لَآخِرُ ما سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَقْرَأُ بها في الْمَغْرِبِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَكْرَهُ أَنْ يَقْرَأَ في الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ وَالْمُرْسَلَاتِ وَنَقُولُ يَقْرَأُ بِأَقْصَرَ مِنْهُمَا فقال وَكَيْفَ تَكْرَهُونَ ما رَوَيْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَعَلَهُ ألأمر رَوَيْتُمْ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يُخَالِفُهُ فَاخْتَرْتُمْ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ على الْأُخْرَى أو رَأَيْتُمْ لو لم أَسْتَدِلَّ على ضَعْفِ مَذْهَبِكُمْ في كل شَيْءٍ إلَّا أَنَّكُمْ تَرْوُونَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم شيئا ثُمَّ تَقُولُونَ نَكْرَهُهُ ولم تَرْوُوا غَيْرَهُ فَأَقُولُ إنَّكُمْ اخْتَرْتُمْ غَيْرَهُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا أَعْلَمُ إلَّا أَنَّ أَحْسَنَ حَالِكُمْ أَنَّكُمْ قليلوا ( ( ( قليلو ) ) ) الْعِلْمِ ضُعَفَاءُ الْمَذْهَبِ
____________________

(7/206)


- * بَابُ الْقِرَاءَةِ في الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ - * سَأَلْت الشَّافِعِيَّ أَتَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ أُمَّ الْقُرْآنِ في الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ تُسِرُّ فقال الشَّافِعِيُّ أُحِبُّ ذلك وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عليه فَقُلْت وما الْحُجَّةُ فيه فقال أخبرنا مَالِكٌ عن أبي عُبَيْدٍ مولى سُلَيْمَانَ بن عبد الْمَلِكِ أَنَّ عُبَادَةَ بن نَسِيٍّ أخبره أَنَّهُ سمع قَيْسَ بن الحرث يقول أخبرني عبد اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ أَنَّهُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ في خِلَافَةِ أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَصَلَّى وَرَاءَ أبي بَكْرٍ الْمَغْرِبَ فَقَرَأَ في الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ من قِصَارِ الْمُفَصَّلِ ثُمَّ قام في الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ فَدَنَوْت منه حتى إنَّ ثِيَابِي لَتَكَادُ أن تَمَسُّ ثِيَابَهُ فَسَمِعْتُهُ قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَبِهَذِهِ الْآيَةِ { رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لنا من لَدُنْكَ رَحْمَةً إنَّك أنت الْوَهَّابُ } فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَكْرَهُ هذه وَنَقُولُ ليس عليه الْعَمَلُ لَا يَقْرَأُ على أثر أُمِّ الْقُرْآنِ في الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ بِشَيْءٍ فقال الشَّافِعِيُّ وقال سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ لَمَّا سمع عُمَرُ بن عبد الْعَزِيزِ بهذا عن أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قال إنْ كُنْت لعلي غَيْرِ هذا حتى سَمِعْت بهذا فَأَخَذْت بِهِ قال فَهَلْ تَرَكْتُمْ لِلْعَمَلِ عَمَلَ أبي بَكْرٍ وبن عُمَرَ وَعُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن عبد اللَّهِ أَنَّهُ كان إذَا صلى وَحْدَهُ يَقْرَأُ في الْأَرْبَعِ جميعا في كل رَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَبِسُورَةٍ من الْقُرْآنِ قال وكان يَقْرَأُ أَحْيَانَا بِالسُّورَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ في الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ في صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نُخَالِفُ هذا كُلَّهُ وَنَقُولُ لَا يُزَادُ في الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ على أُمِّ الْقُرْآنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) هذا خِلَافُ أبي بَكْرٍ وبن عُمَرَ من رِوَايَتِكُمْ وَخِلَافُ عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ من رِوَايَةِ سُفْيَانَ وَقَوْلُكُمْ لَا يَجْمَعُ السُّورَتَيْنِ في الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ هو خِلَافُ بن عُمَرَ من رِوَايَتِكُمْ وَخِلَافُ عُمَرَ من رِوَايَتِكُمْ لِأَنَّكُمْ أَخْبَرْتُمْ أَنَّ عُمَرَ قَرَأَ بِالنَّجْمِ فَسَجَدَ فيها ثُمَّ قام فَقَرَأَ بِسُورَةٍ أُخْرَى وَخِلَافُ غَيْرِهِمَا من رِوَايَةِ غَيْرِكُمْ فَأَيْنَ الْعَمَلُ ما نَرَاكُمْ رَوَيْتُمْ في الْقِرَاءَةِ في الصَّلَاةِ في هذا الْبَابِ شيئا إلَّا خَالَفْتُمُوهُ فَمَنْ اتَّبَعْتُمْ ما أُرَاكُمْ قُلْتُمْ بمعني نَعْرِفُهُ إذَا كُنْتُمْ تَرْوُونَ عن أَحَدٍ الشَّيْءَ مَرَّةً فَتَبْنُونَ عليه أَيَسَعُكُمْ أَنْ تخلفوهم ( ( ( تخالفوهم ) ) ) مجتمعين ( ( ( مجمعين ) ) ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه أَنَّ أَبَا بَكْرٍ صلى الصُّبْحَ فَقَرَأَ فيها بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ في الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَاهُمَا فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ إنَّا نُخَالِفُ هذا نَقُولُ يَقْرَأُ في الصُّبْحِ بِأَقَلَّ من هذا لِأَنَّ هذا تَثْقِيلٌ على الناس ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ أَنَّهُ سمع عَبْدَ اللَّهِ بن عَامِرِ بن رَبِيعَةَ يقول صَلَّيْنَا وَرَاءَ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ الصُّبْحَ فَقَرَأَ فيها بِسُورَةِ يُوسُفَ وَسُورَةِ الْحَجِّ قِرَاءَةً بَطِيئَةً فَقُلْت وَاَللَّهِ لقد كان إذًا يَقُومَ حين يَطْلُعُ الْفَجْرُ قال أَجَلْ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَقُولُ لَا يَقْرَأُ في الصُّبْحِ بهذا وَلَا بِقَدْرِ نِصْفِ هذا لِأَنَّهُ تَثْقِيلٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ وَرَبِيعَةَ بن أبي عبد الرحمن أن الْفُرَافِصَةُ بن عُمَيْرٍ الْحَنَفِيِّ قال ما أَخَذْت سُورَةَ يُوسُفَ إلَّا من قِرَاءَةِ عُثْمَانَ بن عَفَّانَ إيَّاهَا في الصُّبْحِ من كَثْرَةِ ما كان يُرَدِّدُهَا فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَقُولُ لَا يَقْرَأُ بهذا هذا تَثْقِيلٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كان يَقْرَأُ في الصُّبْحِ في السَّفَرِ بِالْعَشْرِ الْأُوَلِ من المفصل ( ( ( الفصل ) ) ) في كل رَكْعَةٍ سُورَةٌ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَقُولُ لَا يَقْرَأُ بهذا في السَّفَرِ هذا تَثْقِيلٌ قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَدْ خَالَفْتُمْ في الْقِرَاءَةِ في الصَّلَاةِ كُلَّ ما رَوَيْتُمْ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ أبي بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرَ ثُمَّ عُثْمَانَ ثُمَّ بن عُمَرَ ولم تَرْوُوا شيئا يُخَالِفُ ما خَالَفْتُمْ عن أَحَدٍ عَلِمْتُهُ من الناس فَأَيْنَ الْعَمَلُ خَالَفْتُمُوهُمْ من جِهَتَيْنِ من جِهَةِ التَّثْقِيلِ وَجِهَةِ التَّخْفِيفِ وقد خَالَفْتُمْ بَعْدَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم جَمِيعَ ما رَوَيْتُمْ عن الْأَئِمَّةِ بِالْمَدِينَةِ بِلَا رِوَايَةٍ رَوَيْتُمُوهَا عن أَحَدٍ منهم هذا مِمَّا يُبَيِّنُ ضَعْفَ مَذْهَبِكُمْ إذْ رَوَيْتُمْ هذا ثُمَّ خَالَفْتُمُوهُ ولم يَكُنْ عِنْدَكُمْ فيه حُجَّةٌ فَقَدْ خَالَفْتُمْ الْأَئِمَّةَ وَالْعَمَلَ وفي هذا دَلِيلٌ على أَنَّكُمْ لم تَجِدُوا من خَلْقِ اللَّهِ خَلْقًا قَطُّ يروى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وبن عُمَرَ في الْقِرَاءَةِ في الصَّلَاةِ وَلَا في أَمْرٍ وَاحِدٍ شيئا
____________________

(7/207)


ثُمَّ يُخَالِفُهُ غَيْرُكُمْ وَأَنَّهُ لَا خَلْقَ أَشَدُّ خِلَافًا لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْكُمْ ثُمَّ خِلَافُكُمْ ما رَوَيْتُمْ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الذي فَرَضَ اللَّهُ طَاعَتَهُ وما رَوَيْتُمْ عن الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ لَا تَجِدُونَ مِثْلَهُمْ فَلَوْ قال لَكُمْ قَائِلٌ أَنْتُمْ أَشَدُّ الناس مُعَانَدَةً لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَجَدَ السَّبِيلَ إلَى أَنْ يَقُولَ ذلك لَكُمْ على لِسَانِكُمْ لَا تَقْدِرُونَ على دَفْعِهِ عَنْكُمْ ثُمَّ الْحُجَّةُ عَلَيْكُمْ في خِلَافِكُمْ أَعْظَمُ منها على غَيْرِكُمْ لِأَنَّكُمْ ادَّعَيْتُمْ الْقِيَامَ بِعِلْمِهِمْ وَاتِّبَاعِهِمْ دُونَ غَيْرِكُمْ ثُمَّ خَالَفْتُمُوهُمْ بِأَكْثَرَ مِمَّا خَالَفَهُمْ بِهِ من لم يَدَّعِ من اتِّبَاعِهِمْ ما ادَّعَيْتُمْ فَلَئِنْ كان هذا خَفِيَ عَلَيْكُمْ من أَنْفُسِكُمْ إنَّ فِيكُمْ لَغَفْلَةً ما يَجُوزُ لَكُمْ مَعَهَا أَنْ تُفْتُوا خَلْقًا وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَأُرَاكُمْ قد تَكَلَّفْتُمْ الْفُتْيَا وَتَطَاوَلْتُمْ على غَيْرِكُمْ مِمَّنْ هو أَقْصَد وَأَحْسَنُ مَذْهَبًا مِنْكُمْ - * بَابُ الْمُسْتَحَاضَةِ - * سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عن الْمُسْتَحَاضَةِ يُطْبِقُ عليها الدَّمُ دَهْرَهَا فقال إنَّ الِاسْتِحَاضَةَ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ تُسْتَحَاضَ الْمَرْأَةُ فَيَكُونُ دَمُهَا مُشْتَبِهًا لَا يَنْفَصِلُ إمَّا ثَخِينٌ كُلُّهُ وَإِمَّا رَقِيقٌ كُلُّهُ وإذا كان هَكَذَا نَظَرْت عَدَدَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ التي كانت تَحِيضُهُنَّ من الشَّهْرِ قبل أَنْ يُصِيبَهَا الذي أَصَابَهَا فَتَرَكَتْ الصَّلَاةَ فِيهِنَّ إنْ كانت تَحِيضُ خَمْسًا من أَوَّلِ الشَّهْرِ تَرَكَتْ الصَّلَاةَ خَمْسًا من أَوَّلِهِ ثُمَّ اغْتَسَلَتْ عِنْدَ مُضِيِّ أَيَّامِ حَيْضِهَا كما تَغْتَسِلُ الْحَائِضُ عِنْدَ طُهْرِهَا ثُمَّ تَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَتُصَلِّي وَلَيْسَ عليها أَنْ تُعِيدَ الْغُسْلَ مَرَّةً أُخْرَى وَلَوْ اغْتَسَلَتْ من طُهْرٍ إلَى طُهْرٍ كان أَحَبَّ إلى وَلَيْسَ ذلك بِوَاجِبٍ عليها عِنْدِي وَالْمُسْتَحَاضَةُ الثَّانِيَةُ الْمَرْأَةُ لَا تَرَى الطُّهْرَ فَيَكُونُ لها أَيَّامٌ من الشَّهْرِ وَدَمُهَا أَحْمَرُ إلَى السَّوَادِ مُحْتَدِمٌ ثُمَّ يَصِيرُ بَعْدَ تِلْكَ الْأَيَّامِ رَقِيقًا إلَى الصُّفْرَةِ غير مُحْتَدِمٍ فَأَيَّامُ حَيْضِ هذه أَيَّامُ احْتِدَامِ دَمِهَا وَسَوَادِهِ وَكَثْرَتِهِ فإذا مَضَتْ اغْتَسَلَتْ كَغُسْلِهَا لو طَهُرَتْ من الْحَيْضَةِ وَتَوَضَّأَتْ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَصَلَّتْ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ وما الْحُجَّةُ فِيمَا ذَكَرْتَهُ من هذا فقال الشَّافِعِيُّ أخبرنا مَالِكٌ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه عن عَائِشَةَ أنها قالت قالت فَاطِمَةُ بِنْتُ أبي حُبَيْشٍ يا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي لَا أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا ذلك عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ فإذا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلَاةَ فإذا هَبَّ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي الدَّمَ عَنْك وَصَلِّي ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ عن أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ امْرَأَةً كانت تُهْرَاقُ الدَّمَ على عَهْدِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَاسْتَفْتَتْ لها أُمُّ سَلَمَةَ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال لِتَنْظُرْ عِدَّةَ اللَّيَالِيِ وَالْأَيَّامِ التي كانت تَحِيضُهُنَّ من الشَّهْرِ قبل أَنْ يُصِيبَهَا الذي أَصَابَهَا فَلْتَتْرُكْ الصَّلَاةَ قَدْرَ ذلك من الشَّهْرِ فإذا خَلَّفَتْ ذلك فَلْتَغْتَسِلْ ثُمَّ لِتَسْتَثْفِرْ بِثَوْبٍ ثُمَّ لِتُصَلِّي قال فَدَلَّ جَوَابُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على ما وَصَفْت من انْفِرَاقِ حَالِ الْمُسْتَحَاضَتَيْنِ وفي قَوْلِهِ دَلِيلٌ على أَنَّهُ ليس لِلْحَائِضِ أَنْ تَسْتَظْهِرَ بِطَرْفَةِ عَيْنٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ أَمَرَ إحْدَاهُمَا إذَا ذَهَبَتْ مُدَّةُ الْحَيْضِ أَنْ تَغْسِلَ عنها الدَّمَ وَتُصَلِّيَ وَأَمَرَ الْأُخْرَى أَنْ تَرَبَّصَ عَدَدَ اللَّيَالِيِ وَالْأَيَّامِ التي كانت تَحِيضُهُنَّ ثُمَّ تَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ وَالْحَدِيثَانِ جميعا يَنْفِيَانِ الِاسْتِظْهَارَ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَقُولُ تَسْتَظْهِرُ الْحَائِضُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي وَنَقُولُ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَحَدِيثَاكُمْ اللَّذَانِ تَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِمَا عن رسول اللَّهِ يُخَالِفَانِ الِاسْتِظْهَارَ وَالِاسْتِظْهَارُ خَارِجٌ من السُّنَّةِ وَالْآثَارِ وَالْمَعْقُولِ وَالْقِيَاسِ وَأَقَاوِيلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ فَقُلْت وَمِنْ أَيْنَ فقال الشَّافِعِيُّ أَرَأَيْتُمْ اسْتِظْهَارَهَا أمن أَيَّامِ حَيْضِهَا أَمْ أَيَّامِ طُهْرِهَا فَقُلْت هِيَ من أَيَّامِ حَيْضِهَا فقال فَأَسْمَعُكُمْ عَمَدْتُمْ إلَى امْرَأَةٍ كانت أَيَّامَ حَيْضِهَا خَمْسًا فَطَبَقَ عليها الدَّمُ فَقُلْتُمْ نَجْعَلُهَا ثَمَانِيًا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَهَا إذَا مَضَتْ أَيَّامُ حَيْضِهَا قبل الِاسْتِحَاضَةِ أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ وَجَعَلْتُمْ لها وَقْتًا غير وَقْتِهَا الذي كانت تَعْرِفُ فَأَمَرْتُمُوهَا أَنْ تَدَعَ الصَّلَاةَ في الْأَيَّامِ التي أَمَرَهَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ تُصَلِّيَ فيها قال أَفَرَأَيْتُمْ إنْ قال لَكُمْ قَائِلٌ لَا يَعْرِفُ السُّنَّةَ تَسْتَظْهِرُ بِسَاعَةٍ أو يَوْمٍ أو يَوْمَيْنِ أو تَسْتَظْهِرُ بِعَشَرَةِ
____________________

(7/208)


أَيَّامٍ أو سِتٍّ أو سَبْعٍ بِأَيِّ شَيْءٍ أَنْتُمْ أَوْلَى بِالصَّوَابِ من أَحَدٍ إنْ قال بِبَعْضِ هذا الْقَوْلِ هل يَصْلُحُ أَنْ يُوَقَّتَ الْعَدَدُ إلَّا بِخَبَرٍ عن رسول اللَّهِ أو إجْمَاعٍ من الْمُسْلِمِينَ وَلَقَدْ وَقَّتُّمُوهُ بِخِلَافِ ما رَوَيْتُمْ عن رسول اللَّهِ وَأَكْثَرِ أَقَاوِيلِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ قُلْتُمْ فيه قَوْلًا مُتَنَاقِضًا فَزَعَمْتُمْ أَنَّ أَيَّامَ حَيْضِهَا إنْ كانت ثَلَاثًا اسْتَظْهَرَتْ بِمِثْلِ أَيَّامِ حَيْضِهَا وَذَلِكَ ثَلَاثٌ وَإِنْ كانت أَيَّامُ حَيْضِهَا اثنى عَشَرَ اسْتَظْهَرَتْ بِمِثْلِ رُبْعِ أَيَّامِ حَيْضِهَا وَذَلِكَ ثَلَاثٌ وَإِنْ كانت أَيَّامُ حَيْضِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ لم تَسْتَظْهِرْ بِشَيْءٍ وَإِنْ كانت أَرْبَعَةَ عَشَرَ اسْتَظْهَرَتْ بِيَوْمٍ وَإِنْ كانت ثَلَاثَةَ عَشَرَ اسْتَظْهَرَتْ بِيَوْمَيْنِ فَجَعَلْتُمْ الِاسْتِظْهَارَ مَرَّةً ثَلَاثًا وَمَرَّةً يَوْمَيْنِ وَمَرَّةً يَوْمًا وَمَرَّةً لَا شَيْءَ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَهَلْ رَوَيْتُمْ في الْمُسْتَحَاضَةِ عن صَاحِبِنَا شيئا غير هذا فقال نعم شيئا عن سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ وَشَيْئًا عن عُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي أخبرنا مَالِكٌ عن سَمِيٍّ مولى أبي بَكْرٍ أَنَّ الْقَعْقَاعَ بن حَكِيمٍ وَزَيْدَ بن أَسْلَمَ أَرْسَلَاهُ إلَى سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ لِيَسْأَلَهُ كَيْفَ تَغْتَسِلُ الْمُسْتَحَاضَةُ فقال تَغْتَسِلُ من طُهْرٍ إلَى طُهْرٍ وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ فَإِنْ غَلَبَهَا الدَّمُ اسْتَثْفَرَتْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه أَنَّهُ قال ليس على الْمُسْتَحَاضَةِ إلَّا أَنْ تَغْتَسِلَ غُسْلًا وَاحِدًا ثُمَّ تَتَوَضَّأَ بَعْدَ ذلك لِكُلِّ صَلَاةٍ قال مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا على حديث هِشَامِ بن عُرْوَةَ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَقُولُ بِقَوْلِ عُرْوَةَ وَنَدَعُ قَوْلَ بن الْمُسَيِّبِ فقال الشَّافِعِيُّ أَمَّا قَوْلُ بن الْمُسَيِّبِ فَتَرَكْتُمُوهُ كُلَّهُ ثُمَّ ادَّعَيْتُمْ قَوْلَ عُرْوَةَ وَأَنْتُمْ تُخَالِفُونَهُ في بَعْضِهِ فَقُلْت وَأَيْنَ قال قال عُرْوَةُ تَغْتَسِلُ غُسْلًا وَاحِدًا يَعْنِي كما تَغْتَسِلُ الْمُتَطَهِّرَةُ وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ يَعْنِي توضأ ( ( ( توضؤا ) ) ) من الدَّمِ لِلصَّلَاةِ لَا تَغْتَسِلُ من الدَّمِ إنَّمَا ألقى عنها الْغُسْلُ بَعْدَ الْغُسْلِ الْأَوَّلِ وَالْغُسْلُ إنَّمَا يَكُونُ من الدَّمِ وَجَعَلَ عليها الْوُضُوءَ ثُمَّ زَعَمْتُمْ أَنَّهُ لَا وُضُوءَ عليها فَخَالَفْتُمْ الْأَحَادِيثَ التي رَوَاهَا صَاحِبُنَا وَصَاحِبُكُمْ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وبن الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةَ وَأَنْتُمْ تَدَّعُونَ أَنَّكُمْ تَتَّبِعُونَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ وقد خَالَفْتُمْ ما رَوَى صَاحِبُنَا عَنْهُمْ كُلَّهُ إنَّهُ لَبَيِّنٌ في قَوْلِكُمْ أَنَّهُ ليس أَحَدٌ أَتْرَكَ على أَهْلِ الْمَدِينَةِ لِجَمِيعِ أَقَاوِيلِهِمْ مِنْكُمْ مع ما تَبَيَّنَ في غَيْرِهِ ثُمَّ ما أَعْلَمُكُمْ ذَهَبْتُمْ إلَى قَوْلِ أَهْلِ بَلَدٍ غَيْرِهِمْ فإذا انْسَلَخْتُمْ من قَوْلِهِمْ وَقَوْلِ أَهْلِ الْبُلْدَانِ وَمِمَّا رَوَيْتُمْ وَرَوَى غَيْرُكُمْ وَالْقِيَاسُ وَالْمَعْقُولُ فَأَيُّ مَوْضِعٍ تَكُونُونَ بِهِ عُلَمَاءَ وَأَنْتُمْ تُخْطِئُونَ مِثْلَ هذا وَتُخَالِفُونَ فيه أَكْثَرَ الناس - * بَابُ الْكَلْبِ يَلَغُ في الْإِنَاءِ أو غَيْرِهِ - * سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عن الْكَلْبِ يَلَغُ في الْإِنَاءِ في الْمَاءِ لَا يَكُونُ فيه قُلَّتَانِ أو في اللَّبَنِ أو الْمَرَقِ قال يُهْرَاقُ الْمَاءُ وَاللَّبَنُ وَالْمَرَقُ وَلَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَيُغْسَلُ الْإِنَاءُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وما مَسَّ ذلك الْمَاءُ وَاللَّبَنُ من ثَوْبٍ وَجَبَ غَسْلُهُ لِأَنَّهُ نَجِسٌ فَقُلْت وما الْحُجَّةُ في ذلك فقال أخبرنا مَالِكٌ عن أبي الزِّنَادِ عن الْأَعْرَجِ عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إذَا شَرِبَ الْكَلْبُ في إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَكَانَ بَيِّنًا في سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا كان الْكَلْبُ يَشْرَبُ الْمَاءَ في الْإِنَاءِ فَيُنَجِّسُ الْإِنَاءَ حتى يَجِبَ غَسْلُهُ سَبْعًا أَنَّهُ إنَّمَا يَنْجُسُ بِمُمَاسَّةِ الْمَاءِ إيَّاهُ فَكَانَ الْمَاءُ أَوْلَى بِالنَّجَاسَةِ من الْإِنَاءِ الذي إنَّمَا نَجُسَ بِمُمَاسَّتِهِ وكان الْمَاءُ الذي هو طَهُورٌ إذَا نَجُسَ فَاللَّبَنُ وَالْمَرَقُ الذي ليس بِطَهُورٍ أَوْلَى أَنْ يَنْجُسَ بِمَا نَجَّسَ الْمَاءَ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَزْعُمُ أَنَّ الْكَلْبَ إذَا شَرِبَ في الْإِنَاءِ فيه اللَّبَنُ بِالْبَادِيَةِ شُرِبَ اللَّبَنُ وَغُسِلَ الْإِنَاءُ سَبْعًا لِأَنَّ الْكِلَابَ لم تَزَلْ بِالْبَادِيَةِ فقال الشَّافِعِيُّ هذا الْكَلَامُ الْمُحَالُ أَيَعْدُو الْكَلْبُ أَنْ يَكُونَ يُنَجِّسُ ما يَشْرَبُ منه وَلَا يَحِلُّ شُرْبُ النَّجَسِ وَلَا أَكْلُهُ أو لَا يُنَجِّسُهُ فَلَا يُغْسَلُ الْإِنَاءُ منه وَلَا يَكُونُ بِالْبَادِيَةِ فَرْضٌ من النَّجَاسَةِ إلَّا وَبِالْقَرْيَةِ مِثْلُهُ وَهَذَا خِلَافُ السُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ وَالْمَعْقُولِ وَالْعِلَّةِ الضَّعِيفَةِ وَأَرَى قَوْلَكُمْ لم تَزَلْ الْكِلَابُ بِالْبَادِيَةِ حُجَّةً
____________________

(7/209)


عَلَيْكُمْ فإذا سَنَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يُغْسَلَ الْإِنَاءُ من شُرْبِ الْكَلْبِ سَبْعًا وَالْكِلَابُ في الْبَادِيَةِ في زَمَانِهِ وَقَبْلَهُ وَبَعْدَهُ إلَى الْيَوْمِ فَهَلْ زَعَمْتُمْ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ ذلك على أَهْلِ الْقَرْيَةِ دُونَ أَهْلِ الْبَادِيَةِ أو أَهْلِ الْبَادِيَةِ دُونَ أَهْلِ الْقَرْيَةِ أو زَعَمَ لَكُمْ ذلك أَحَدٌ من أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ أو فَرَّقَ اللَّهُ بين ما يَنْجُسُ بِالْبَادِيَةِ وَالْقَرْيَةِ أَوَرَأَيْت أَهْلَ الْبَادِيَةِ هل زَعَمُوا لَكُمْ أَنَّهُمْ يُلْقُونَ أَلْبَانَهُمْ لِلْكِلَابِ ما تَكُونُ الْكِلَابُ مع أَهْلِ الْبَادِيَةِ إلَّا لَيْلًا لِأَنَّهَا تَسْرَحُ مع مَوَاشِيهِمْ وَلَهُمْ أَشَحُّ على أَلْبَانِهِمْ وَأَشَدُّ لها إبْقَاءً من أَنْ يُخَلُّوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْكِلَابِ وَهَلْ قال لَكُمْ أَحَدٌ من أَهْلِ الْبَادِيَةِ ليس يَتَنَجَّسُ بِالْكَلْبِ وَهُمْ أَشَدُّ تَحَفُّظًا من غَيْرِهِمْ أو مِثْلِهِمْ أو لو قَالَهُ لَكُمْ منهم قَائِلٌ أَيُؤْخَذُ الْفِقْهُ من أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَإِنْ اعْتَلَلْتُمْ بِأَنَّ الْكِلَابَ مع أَهْلِ الْبَادِيَةِ أَفَرَأَيْتُمْ إنْ اعْتَلَّ عَلَيْكُمْ مِثْلُكُمْ من أَهْلِ الْغَبَاوَةِ بِأَنْ يَقُولَ الْفَأْرُ وَالْوَزَغَانِ وَاللُّحَكَاءُ وَالدَّوَابُّ لِأَهْلِ الْقَرْيَةِ أَلْزَمُ من الْكِلَابِ لِأَهْلِ الْبَادِيَةِ وَأَهْلُ الْقَرْيَةِ أَقَلُّ امْتِنَاعًا من الْفَأْرِ وَدَوَابِّ الْبُيُوتِ من أَهْلِ الْبَادِيَةِ من الْكِلَابِ فإذا مَاتَتْ فَأْرَةٌ أو دَابَّةٌ في مَاءِ رَجُلٍ قَلِيلٍ أو زَيْتِهِ أو لَبَنِهِ أو مَرَقِهِ لم تُنَجِّسْهُ هل الْحُجَّةُ عليه إلَّا أَنْ يُقَالَ الذي يُنَجِّسُ في الْحَالِ التي يُنَجِّسُ فيها يُنَجَّسُ ما وَقَعَ فيه كان كَثِيرًا بِقَرْيَةٍ أو بَادِيَةٍ أو قَلِيلًا فَكَذَلِكَ الْكِلَابُ بِالْبَادِيَةِ وَالْفَأْرُ وَالدَّوَابُّ بِالْقَرْيَةِ أَوْلَى أَنْ لَا تُنَجِّسَ إنْ كان فِيمَا ذَكَرْتُمْ حُجَّةٌ وما عَلِمْت أَحَدًا رَوَى عنه من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا التَّابِعِينَ أَنَّهُ قال فيه إلَّا بِمِثْلِ قَوْلِنَا إلَّا أَنَّ من أَهْلِ زَمَانِنَا من قال يُغْسَلُ الْإِنَاءُ من الْكَلْبِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَكُلُّهُمْ قال يَنْجُسُ جَمِيعُ ما يَشْرَبُ منه الْكَلْبُ من مَاءٍ وَلَبَنٍ وَمَرَقٍ وَغَيْرِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنَّ مِمَّنْ تَكَلَّمَ في الْعِلْمِ من يَخْتَالُ فيه فَيُشْبِهُ وَاَلَّذِي رَأَيْتُكُمْ تَخْتَالُونَهُ لَا شُبْهَةَ فيه وَلَا مُؤْنَةَ على من سَمِعَهُ في أَنَّهُ خَطَأٌ إنَّمَا يَكْفِي سَامِعُ قَوْلِكُمْ أَنْ يَسْمَعَهُ فَيَعْلَمُ أَنَّهُ خَطَأٌ لَا يَنْكَشِفُ بتكلف ( ( ( يتكلف ) ) ) وَلَا بِقِيَاسٍ يَأْتِي بِهِ فَإِنْ ذَهَبْتُمْ إلَى أن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ إذَا مَاتَتْ الْفَأْرَةُ في السَّمْنِ الْجَامِدِ أَنْ تُطْرَحَ وما حَوْلَهَا فَدَلَّ ذلك على نَجَاسَتِهَا فَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ النَّجَاسَةَ تَكُونُ من الْفَأْرَةِ وَهِيَ في الْبُيُوتِ وَإِنَّمَا قال في الْفَأْرَةِ قَوْلًا عَامًّا وفي الْكَلْبِ قَوْلًا عَامًّا فَإِنْ ذَهَبْتُمْ إلَى أَنَّ الْفَأْرَةَ تُنَجِّسُ على أَهْلِ الْقَرْيَةِ وَلَا تُنَجِّسُ على أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَقَدْ سَوَّيْتُمْ بين قَوْلَيْكُمْ وَزِدْتُمْ في الْخَطَأِ وَإِنْ قُلْتُمْ إنَّ ما لم يُسَمَّ من الدَّوَابِّ غَيْرُ الْفَأْرَةِ وَالْكَلْبِ لَا يُنَجِّسُ فَاجْعَلْ الْوَزَغَ لَا يُنَجِّسُ لِأَنَّهُ لم يُذْكَرْ فأما أَنْ تَقُولُوا الْوَزَغُ يُنَجِّسُ وَلَا خبر ( ( ( خير ) ) ) فيه قِيَاسًا وَتَزْعُمُونَ أَنَّ الْكَلْبَ يُنَجِّسُ مَرَّةً وَلَا يُنَجِّسُ أُخْرَى فَلَا يَجُوزُ هذا الْقَوْلُ - * بَابُ ما جاء في الْجَنَائِزِ - * سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عن الصَّلَاةِ على الْمَيِّتِ الْغَائِبِ وَعَلَى الْقَبْرِ فقال أَسْتَحِبُّهَا فَقُلْت له وما الْحُجَّةُ فيها قال أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ عن أبي هُرَيْرَةَ قال نَعَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِلنَّاسِ النَّجَاشِيَّ الْيَوْمَ الذي مَاتَ فيه وَخَرَجَ بِهِمْ إلَى الْمُصَلَّى فَصَفَّ وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن أبي أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم صلى على قَبْرِ مِسْكِينَةٍ تُوُفِّيَتْ من اللَّيْلِ قال وقد رَوَى عَطَاءٌ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم صلى على قَوْمٍ بِبَلَدٍ آخَرَ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ نَحْنُ نَكْرَهُ الصَّلَاةَ على مَيِّتٍ غَائِبٍ وَعَلَى الْقَبْرِ فقال فَقَدْ رَوَيْتُمْ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الصَّلَاةَ على النَّجَاشِيِّ وهو غَائِبٌ وَرَوَيْتُمْ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ صلى على مَيِّتٍ وهو في الْقَبْرِ غَائِبٌ فَكَيْفَ كَرِهْتُمْ ما فَعَلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَقَدْ حُفِظَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِإِسْنَادٍ مَوْصُولٍ من وُجُوهٍ أَنَّهُ صلى على قُبُورٍ وَصَلَّتْ عَائِشَةُ على قَبْرِ أَخِيهَا وَغَيْرِ وَاحِدٍ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من حديث الثِّقَاتِ غَيْرِ مَالِكٍ وَإِنَّمَا الصَّلَاةُ دُعَاءٌ لِلْمَيِّتِ وهو إذَا كان مُلَفَّفًا بَيْنَنَا يصلى عليه فَإِنَّمَا نَدْعُو بِالصَّلَاةِ بِوَجْهِ عِلْمِنَا فَكَيْفَ لَا نَدْعُو له غَائِبًا وهو في الْقَبْرِ بِذَلِكَ الْوَجْهِ
____________________

(7/210)


- * بَابُ الصَّلَاةِ على الْمَيِّتِ في الْمَسْجِدِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن أبي النَّضْرِ مولى عُمَرَ بن عُبَيْدِ اللَّهِ عن عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أنها قالت ما صلى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على سُهَيْلِ بن بَيْضَاءَ إلَّا في الْمَسْجِدِ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَكْرَهُ الصَّلَاةَ على الْمَيِّتِ في الْمَسْجِدِ فقال أَرَوَيْتُمْ هذا أَنَّهُ صلى على عُمَرَ في الْمَسْجِدِ فَكَيْفَ كَرِهْتُمْ الْأَمْرَ فيه وقد ذَكَرَهُ صَاحِبُكُمْ أَذَكَرَ حَدِيثًا خَالَفَهُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَاخْتَرْتُمْ أَحَدَ الْحَدِيثَيْنِ على الْآخَرِ فَقُلْت ما ذَكَرَ فيه شيئا عَلِمْنَاهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ تَدَعُوا ما رَوَيْتُمْ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَعَنْ أَصْحَابِ النبي أَنَّهُمْ فَعَلُوهُ بِعُمَرَ وَهَذَا عِنْدَكُمْ عَمَلٌ مُجْتَمَعٌ عليه لِأَنَّا لَا نَرَى من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَحَدًا حضرموت عُمَرَ فَتَخَلَّفَ عن جِنَازَتِهِ فَتَرَكْتُمْ هذا بِغَيْرِ شَيْءٍ رَوَيْتُمُوهُ وَكَيْفَ أَجَزْتُمْ أَنْ يَنَامَ في الْمَسْجِدِ وَيَمُرَّ فيه الْجُنُبُ طَرِيقًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلَّى فيه على مَيِّتٍ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) مَاتَ سَعِيدٌ فَخَرَجَ أبو يَعْقُوبَ الْبُوَيْطِيُّ وَخَرَجْنَا معه فَصَفَّ بِنَا وَكَبَّرَ أَرْبَعًا وَصَلَّيْنَا عليه وكان أبو يَعْقُوبَ الْإِمَامَ فَأَنْكَرَ الناس ذلك عَلَيْنَا وما بَالَيْنَا - * بَابٌ في فَوْتِ الْحَجِّ - * سَأَلْت الشَّافِعِيَّ هل يَحُجُّ أَحَدٌ عن أَحَدٍ قال نعم يَحُجُّ عَمَّنْ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَثْبُتَ على الْمَرْكَبِ وَالْمَيِّتِ قُلْت وما الْحُجَّةُ قال أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ الْفَضْلَ بن الْعَبَّاسِ كان رَدِيفَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ من خَثْعَمَ فقالت يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ في الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أبي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ علي الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عنه قال نعم وَذَلِكَ في حِجَّةِ الْوَدَاعِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن أَيُّوبَ عن بن سِيرِينَ أَنَّ رَجُلًا جَعَلَ على نَفْسِهِ أَنْ لَا يَبْلُغَ أَحَدٌ من وَلَدِهِ الْحَلْبَ فَيَحْلُبُ فَيَشْرَبُ وَيَسْقِيهِ إلَّا حَجَّ وَحَجَّ بِهِ معه فَبَلَغَ رَجُلٌ من وَلَدِهِ الذي قال الشَّيْخُ وقد كَبُرَ الشَّيْخُ فَجَاءَ ابْنُهُ إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ فقال إنَّ أبي قد كَبُرَ وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَحُجَّ أَفَأَحُجُّ عنه فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نعم قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَذَكَرَ مَالِكٌ أو غَيْرُهُ عن أَيُّوبَ عن بن سِيرِينَ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا أتى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُمِّيَ عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ نُرَكِّبَهَا على الْبَعِيرِ وَإِنْ رَبَطْتُهَا خِفْت أَنْ تَمُوتَ أَفَأَحُجُّ عنها قال نعم فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَقُولُ ليس على هذا الْعَمَلِ فقال خَالَفْتُمْ ما رَوَيْتُمْ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من رِوَايَتِكُمْ وَمِنْ رِوَايَةِ غَيْرِكُمْ عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ يروى هذا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وبن الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مِثْلَ مَعْنَى هذه الْأَحَادِيثِ وَعَلِيٌّ وبن عَبَّاسٍ وبن الْمُسَيِّبِ وبن شِهَابٍ وَرَبِيعَةُ بِالْمَدِينَةِ يُفْتُونَ بِأَنْ يَحُجَّ الرَّجُلُ عن الرَّجُلِ وَهَذَا أَشْبَهُ شَيْءٍ يَكُونُ مِثْلُهُ عِنْدَكُمْ عَمَلًا فَتُخَالِفُونَهُ كُلَّهُ لِغَيْرِ قَوْلِ أَحَدٍ من خَلْقِ اللَّهِ عَلِمْتُهُ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَجَمِيعُ من عَدَا أَهْلِ الْمَدِينَةِ من أَهْلِ مَكَّةَ وَالْمَشْرِقِ وَالْيَمَنِ من أَهْلِ الْفِقْهِ يُفْتُونَ بِأَنْ يَحُجَّ الرَّجُلُ عن الرَّجُلِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فإن من حُجَّةِ بَعْضِ من قال هذا الْقَوْلَ أَنَّهُ قال أنه روى عن بن عُمَرَ لَا يَصُومُ أَحَدٌ عن أَحَدٍ وَلَا يصلى أَحَدٌ عن أَحَدٍ فَجَعَلَ الْحَجَّ في مَعْنَى الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ فقال الشَّافِعِيُّ وَهَذَا قَوْلٌ الضَّعْفُ فيه بَيِّنٌ من كل وَجْهٍ قال أَرَأَيْتُمْ لو قال بن عُمَرَ لَا يَحُجُّ أَحَدٌ عن أَحَدٍ وقد أَمَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَحَدًا أَنْ يَحُجَّ عن أَحَدٍ كان في قَوْلِ أَحَدٍ حُجَّةٌ مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَنْتُمْ تَتْرُكُونَ قَوْلَ بن عُمَرَ لِرَأْيِ أَنْفُسِكُمْ وَلِرَأْيِ مِثْلِكُمْ وَلِرَأْيِ بَعْضِ التَّابِعِينَ فَتَجْعَلُونَهُ لَا حُجَّةَ في قَوْلِهِ إذَا شِئْتُمْ لِأَنَّكُمْ لو كُنْتُمْ تَرَوْنَ في قَوْلِهِ حُجَّةً لم تُخَالِفُوهُ لِرَأْيِ أَنْفُسِكُمْ ثُمَّ
____________________

(7/211)


تُقِيمُونَ قَوْلَهُ مَقَامًا تَرُدُّونَ بِهِ السُّنَّةَ وَالْآثَارَ ثُمَّ تَدَعُونَ في قَوْلِهِ ما ليس فيه من النَّهْيِ عن الْحَجِّ قِيَاسًا وما لِلْحَجِّ وَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ هذا شَرِيعَةٌ وَهَذَا شَرِيعَةٌ فَإِنْ قُلْتُمْ قد يَشْتَبِهَانِ لِأَنَّهُ عَمَلٌ على الْبَدَنِ أَفَرَأَيْتُمْ إنْ قال لَكُمْ قَائِلٌ أَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ الْحَجَّ في مَعْنَى الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وقد أَمَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم امْرَأَةً أَنْ تَحُجَّ عن أَبِيهَا فَأَنَا آمُرُ الرَّجُلَ أَنْ يصلى عن الرَّجُلِ وَيَصُومَ عنه هل الْحُجَّةُ عليه إلَّا أَنَّهُ لَا تُقَاسُ شَرِيعَةٌ على شَرِيعَةٍ فَكَذَلِكَ الْحُجَّةُ عَلَيْكُمْ أَوَرَأَيْتُمْ ما فَرَّقَتْ بَيْنَهُ السُّنَّةُ مِمَّا هو أَشَدُّ تَقَارُبًا منها فَكَيْفَ فَرَّقْتُمْ بَيْنَهُ فَإِنْ قُلْتُمْ ما هو قُلْت نهي النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عن بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَنَهَى عن الْمُزَابَنَةِ وَأَجَازَ بَيْعَ الْعَرَايَا وَهِيَ دَاخِلَةٌ في الْمُزَابَنَةِ وَدَاخِلَةٌ في بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ لو لم يُجِزْهَا فلما أَجَازَهَا فَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا بِالسُّنَّةِ وَقُلْنَا تَجُوزُ الْعَرَايَا وَهِيَ رُطَبٌ بِتَمْرٍ وَكِيلٌ بِجُزَافٍ وَلَا يَجُوزُ ذلك إذَا وَضَعَ بِالْأَرْضِ فَكَانَ التَّمْرُ وَالرُّطَبُ في الْأَرْضِ مَعًا فَهَذَا أَوْلَى أَنْ لَا يُفَرَّقَ بَيْنَهُ بِأَنَّهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ ( 1 ) بَعْضُهُ حَلَالٌ بِمَا أَحَلَّهُ بِهِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَبَعْضُهُ مَنْهِيٌّ عنه بِمَا نهى عنه رسول اللَّهِ وقد خَالَفَ هذا بَعْضُ الْمَشْرِقِيِّينَ فَرَأَيْنَا لنا عليهم بهذا حُجَّةً فَالْحُجَّةُ عَلَيْكُمْ بِنَصِّهِ أَنْ يَحُجَّ أَحَدٌ عن أَحَدٍ وَأَنْتُمْ تَرْوُونَهُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا تَرْوُونَ عن أَحَدٍ من أَصْحَابِهِ خِلَافَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَكَيْفَ تَقِيسُونَهُ بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ أَفَرَأَيْتُمْ إذَا كُنْتُمْ تُجِيزُونَ أَنْ يَحُجَّ أَحَدٌ عن أَحَدٍ إذا ( ( ( إذ ) ) ) أَوْصَى بِذَلِكَ فَخَالَفْتُمْ ما قُلْتُمْ من أَنْ لَا يَحُجَّ أَحَدٌ عن أَحَدٍ وَأَجَزْتُمْ مِثْلَ ما رَدَدْتُمْ فيه السُّنَّةَ أَفَيَجُوزُ لو أَوْصَى أَنْ يُصَلَّى عنه أو يُصَامَ عنه فَإِنْ أَجَزْتُمُوهُ فَقَدْ دَخَلْتُمْ فِيمَا كَرِهْتُمْ من أَنْ يَكُونَ عَمَلٌ آخَرُ لِغَيْرِهِ وَإِنْ لم تُجِيزُوهُ فَقَدْ فَرَّقْتُمْ بين الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * بَابُ الْحِجَامَةِ لِلْمُحْرِمِ - * سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عن الْحِجَامَةِ لِلْمُحْرِمِ فقال يَحْتَجِمُ وَلَا يَحْلِقُ شَعْرًا وَيَحْتَجِمُ من غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَقُلْت وما الْحُجَّةُ فقال أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم احْتَجَمَ وهو مُحْرِمٌ وهو يَوْمَئِذٍ بلحى جَمَلٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ أَحَدُهُمَا أو كِلَاهُمَا عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم احْتَجَمَ وهو مُحْرِمٌ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَقُولُ لَا يَحْتَجِمُ الْمُحْرِمُ إلَّا من ضَرُورَةٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كان يقول لَا يَحْتَجِمُ الْمُحْرِمُ إلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إلَيْهِ مِمَّا لَا بُدَّ له منه وقال مَالِكٌ مِثْلَ ذلك قال الشَّافِعِيُّ ما رَوَى مَالِكٌ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ لم يُذْكَرْ في حِجَامَةِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم هو وَلَا غَيْرُهُ ضَرُورَةً أَوْلَى بِنَا من الذي رَوَاهُ عن بن عُمَرَ وَلَعَلَّ بن عُمَرَ كَرِهَ ذلك ولم يُحَرِّمْهُ وَلَعَلَّ بن عُمَرَ أَنْ لَا يَكُونَ سمع هذا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَوْ سَمِعَهُ ما خَالَفَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ فقال بِرَأْيِهِ فَكَيْفَ إذَا سَمِعْت هذا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قُلْت بِخِلَافِ ما سَمِعْت عنه لِقَوْلِ بن عُمَرَ وَأَنْتُمْ لم تُثْبِتُوا أَنَّ بن عُمَرَ كَرِهَهُ لِلنَّاسِ قد يَتَوَقَّى الْمَرْءُ في نَفْسِهِ ما لَا يَكْرَهُ لِغَيْرِهِ وَأَنْتُمْ تَتْرُكُونَ قَوْلَ بن عُمَرَ لِرَأْيِ أَنْفُسِكُمْ أَفَرَأَيْتُمْ إنْ كَرِهْتُمْ الْحِجَامَةَ إلَّا من ضَرُورَةٍ أَتَعْدُو الْحِجَامَةُ من أَنْ تَكُونَ مُبَاحَةً له كما يُبَاحُ له الِاغْتِسَالُ وَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ فَلَا يُبَالِي كَيْفَ احْتَجَمَ إذَا لم يَقْطَعْ الشَّعْرَ أو تَكُونَ مَحْظُورَةً عليه كَحَلَّاقِ الشَّعْرِ وَغَيْرِهِ فَاَلَّذِي لَا يَجُوزُ له إلَّا لِضَرُورَةٍ فَهُوَ إذَا فَعَلَهُ بِحَلْقِ الشَّعْرِ أو فَعَلَ ذلك من ضَرُورَةٍ افتدي فَيَنْبَغِي أَنْ تَقُولُوا إذَا احْتَجَمَ من ضَرُورَةٍ أَنْ يَفْتَدِيَ وَإِلَّا فَأَنْتُمْ تُخَالِفُونَ ما جاء عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَتَقُولُونَ في الْحِجَامَةِ قَوْلًا مُتَنَاقِضًا
____________________

(7/212)


- * بَابُ ما يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ من الدَّوَابِّ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال خَمْسٌ من الدَّوَابِّ ليس على الْمُحْرِمِ في قَتْلِهِنَّ جُنَاحٌ الْغُرَابُ وَالْحَدَأَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهَذَا نَأْخُذُ وهو عِنْدَنَا جَوَابٌ على الْمَسْأَلَةِ فَكُلُّ ما جُمِعَ من الْوَحْشِ أَنْ يَكُونَ غير مُبَاحِ اللَّحْمِ في الْإِحْلَالِ وَأَنْ يَكُونَ مُضِرًّا قَتَلَهُ الْمُحْرِمَ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا أَمَرَ الْمُحْرِمَ أَنْ يَقْتُلَ الْفَأْرَةَ وَالْغُرَابَ وَالْحَدَأَةَ مع ضَعْفِ ضُرِّهَا إذْ كانت مِمَّا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ كان ما جَمَعَ أَنْ لَا يُؤْكَلَ لَحْمُهُ وَضُرُّهُ أَكْثَرُ من ضُرِّهَا أَوْلَى أَنْ يَكُونَ قَتْلُهُ مُبَاحًا في الْإِحْرَامِ قُلْت قد قال مَالِكٌ لَا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ من الطَّيْرِ ما ضَرَّ إلَّا ما سمى وقال بَعْضُ أَصْحَابِهِ كان قَوْلُ النبي صلى الله عليه وسلم خَمْسٌ من الدَّوَابِّ ليس على الْمُحْرِمِ في قَتْلِهِمْ جُنَاحٌ يَدُلُّ على أَنْ ما سِوَاهُنَّ على الْمُحْرِمِ في قَتْلِهِ جُنَاحٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أَفَرَأَيْتُمْ الْحَيَّةَ أَسُمِّيَتْ فَقَدْ زَعَمَ مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ أَنَّ عُمَرَ أَمَرَ بِقَتْلِ الْحَيَّاتِ في الْحَرَمِ قُلْت فَيَرَاهَا كَلْبًا عَقُورًا قال أو تعرف الْعَرَبُ أَنَّ الْحَيَّةَ كَلْبٌ عَقُورٌ إنَّمَا الْكَلْبُ عِنْدَهَا السَّبُعُ وَالْكِلَابُ التي خَلَقَهَا اللَّهُ مُتَقَارِبَةٌ كَخَلْقِ الْكَلْبِ فَإِنْ قُلْتُمْ إنَّهَا قد تَضُرُّ فَتُقْتَلُ قِيلَ غير مُكَابِرَةٍ كما زَعَمَ صَاحِبُكُمْ أَنَّ الْكَلْبَ الْعَقُورَ ما عَدَا على الناس فَأَخَافَهُمْ وَهِيَ لَا تَعْدُو مُكَابَرَةً وَإِنْ ذَهَبْتُمْ إلَى أنها تَضُرُّ هَكَذَا فَقَدْ أَمَرَ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ أَنْ يُقْتَلَ الزُّنْبُورُ في الْإِحْرَامِ وَالزُّنْبُورُ إنَّمَا هو كَالنَّحْلَةِ فَكَيْفَ لم تَأْمُرُوا بِقَتْلِ الزُّنْبُورِ وقد أَمَرَ بِهِ عُمَرُ وَأَمَرْتُمْ بِقَتْلِ الْحَيَّةِ إذْ أَمَرَ بها عُمَرُ ما أَسْمَعُكُمْ تَأْخُذُونَ من الْأَحَادِيثِ إلَّا ما هَوَيْتُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقُلْتُمْ يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ الْفَأْرَةَ الصَّغِيرَةَ وَلَا يَقْتُلُ الْغُرَابَ الصَّغِيرَ وإذا قُلْتُمْ هذا فَقَدْ أَبَاحَهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَمَنَعْتُمُوهُ فَإِنْ قُلْتُمْ إنَّمَا أَبَاحَ قَتْلَهُ علي مَعْنَى أَنَّهُ يَضُرُّ وَالصَّغِيرُ لَا يَضُرُّ في حَالِهِ تِلْكَ فَالْفَأْرَةُ الصَّغِيرَةُ لَا تَضُرُّ في حَالِهَا تِلْكَ فَلَا بُدَّ أَنْ تُخَالِفُوا النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْغُرَابِ الصَّغِيرِ وَالْفَأْرَةِ الصَّغِيرَةِ وَهَذَا حُجَّةٌ عَلَيْكُمْ إذ ( ( ( أزعمتم ) ) ) زعمتم أَنَّ الْغُرَابَ يُقْتَلُ لِمَعْنَى ضَرَرِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ تُقْتَلُ الْعُقَابُ لِأَنَّهَا أَضُرُّ منه فَإِنْ قال لَا بَلْ الْحَدِيثُ جُمْلَةً لَا لمعنى ( ( ( المعنى ) ) ) قِيلَ فَلِمَ لَا يُقْتَلُ الْغُرَابُ الصَّغِيرُ لِأَنَّهُ غُرَابٌ سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عَمَّنْ حَلَقَ قبل أَنْ يَنْحَرَ أو نَحَرَ قبل أَنْ يرمى قال يَفْعَلُ وَلَا فِدْيَةَ وَلَا حَرَجَ وَكَذَلِكَ كُلُّ ما كان يَعْمَلُ في ذلك الْيَوْمِ فَقَدَّمَ منه شيئا قبل شَيْءٍ نَاسِيًا أو جَاهِلًا عَمِلَ ما يَبْقَى عليه وَلَا حَرَجَ فَقُلْت وما الْحُجَّةُ في ذلك فقال أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن عِيسَى بن طَلْحَةَ بن عُبَيْدِ اللَّهِ عن عبد ( ( ( عبيد ) ) ) اللَّهِ بن عَمْرِو بن الْعَاصِ قال وَقَفَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في حَجَّةِ الْوَدَاعِ لِلنَّاسِ بِمِنًى يَسْأَلُونَهُ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فقال يا رَسُولَ اللَّهِ لم أَشْعُرْ فَحَلَقْت قبل أَنْ أَذْبَحَ قال أذبح وَلَا حَرَجَ فَجَاءَ رَجُلٌ فقال يا رَسُولَ اللَّهِ لم أَشْعُرْ فَنَحَرْت قبل أَنْ أَرْمِيَ فقال ارْمِ وَلَا حَرَجَ فما سُئِلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن شَيْءٍ قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ إلَّا قال افْعَلْ وَلَا حَرَجَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ - * بَابُ الشَّرِكَةِ في الْبَدَنَةِ - * سَأَلْت الشَّافِعِيَّ هل يَشْتَرِي السَّبْعَةُ جَزُورًا فَيَنْحَرُونَهَا عن هدى إحْصَارٍ أو تَمَتُّعٍ قال نعم قُلْت وما الْحُجَّةُ في ذلك فقال أخبرنا مَالِكٌ عن أبي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ عن جَابِرٍ قال نَحَرْنَا مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عن سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عن سَبْعَةٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا نَحَرُوا مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ بَدَنَةً عن سَبْعَةٍ وَبَقَرَةً عن سَبْعَةٍ وَالْعِلْمُ يُحِيطُ أَنَّهُمْ من أَهْلِ بُيُوتَاتٍ شَتَّى لَا من أَهْلِ بَيْتٍ
____________________

(7/213)


وَاحِدٍ فَتُجْزِئُ الْبَدَنَةُ وَالْبَقَرَةُ عن سَبْعَةٍ مُتَمَتِّعِينَ وَمَحْصُورِينَ وَعَنْ كل سَبْعَةٍ وَجَبَتْ على كل وَاحِدٍ منهم شَاةٌ إذَا لم يَجِدُوا شَاةً وَسَوَاءٌ اشْتَرَوْهَا وَأَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ منهم حِصَّتَهُ من ثَمَنِهَا أو مَلَكُوهَا بِأَيِّ وَجْهٍ ما كان مِلْكٌ وَمَنْ زَعَمَ أنها تُجْزِئُ عن سَبْعَةٍ لو وُهِبَتْ لهم أو مَلَكُوهَا بِوَجْهٍ غَيْرِ الشِّرَاءِ كانت الْمُشْتَرَاةُ أَوْلَى أَنْ تُجْزِئَ عَنْهُمْ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَقُولُ لَا تُذْبَحُ الْبَدَنَةُ إلَّا عن وَاحِدٍ وَلَا الْبَقَرَةُ وَإِنَّمَا يَذْبَحُهَا الرَّجُلُ عن نَفْسِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ فأما أَنْ يُخْرِجَ كُلُّ إنْسَانٍ منهم حِصَّتَهُ من ثَمَنِهَا وَيَكُونُ له حِصَّةٌ من لَحْمِهَا فَلَا وَإِنَّمَا سَمِعْنَا لَا يَشْتَرِكُ في الْبَدَنَةِ في النُّسُكِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وقد يَجُوزُ أن يُقَالُ لَا يُشْتَرَكُ في النُّسُكِ أَنْ يُوجِبَ الرَّجُلُ النَّسِيكَةَ ثُمَّ يُشْرِكُ فيها غَيْرَهُ وَلَيْسَ في هذا لِأَحَدٍ حُجَّةٌ لِأَنَّهُ كَلَامٌ عَرَبِيٌّ وَلَا حُجَّةَ مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَهَذَا فِعْلُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ أهل ( ( ( وأهل ) ) ) الْحُدَيْبِيَةِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هذا الْعَمَلُ عِنْدَكُمْ لَا تُخَالِفُونَهُ لِأَنَّهُ فِعْلُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ من أَصْحَابِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ عن عَمْرٍو عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ قال كنا يوم الْحُدَيْبِيَةِ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ وقال لنا النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْتُمْ الْيَوْمَ خَيْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ قال جَابِرٌ لو كُنْت أُبْصِرُ لَأَرَيْتُكُمْ مَوْضِعَ الشَّجَرَةِ وَأَنْتُمْ تَجْعَلُونَ قَوْلَ الْوَاحِدِ وَفِعْلَهُ حُجَّةً في بَعْضِ الْأَشْيَاءِ فإذا وَجَدْتُمْ السُّنَّةَ وَفِعْلَ أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَهُوَ أَوْجَبُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَجْعَلُوهُ حُجَّةً - * بَابُ التَّمَتُّعِ في الْحَجِّ - * سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عن التَّمَتُّعِ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فقال حَسَنٌ غَيْرُ مَكْرُوهٍ وقد فُعِلَ ذلك بِأَمْرِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الْإِفْرَادَ لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَفْرَدَ غير كَرَاهِيَةٍ لِلتَّمَتُّعِ وَلَا يَجُوزُ إذَا كان فُعِلَ التَّمَتُّعُ بِأَمْرِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ وما الْحُجَّةُ فِيمَا ذَكَرْت قال الْأَحَادِيثُ الثَّابِتَةُ من غَيْرِ وَجْهٍ وقد حدثنا مَالِكٌ بَعْضَهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن مُحَمَّدِ بن عبد اللَّهِ بن الحرث بن نَوْفَلٍ أَنَّهُ سمع سَعْدَ بن أبي وَقَّاصٍ وَالضَّحَّاكَ بن قَيْسٍ عَامَ حَجِّ مُعَاوِيَةَ بن أبي سُفْيَانَ وَهُمَا يَتَذَاكَرَانِ التَّمَتُّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فقال الضَّحَّاكُ لَا يَصْنَعُ ذلك إلَّا من جَهِلَ أَمْرَ اللَّهِ فقال سَعْدٌ بِئْسَمَا قُلْت يا بن أَخِي فقال الضَّحَّاكُ فإن عُمَرَ قد نهى عن ذلك فقال سَعْدٌ قد صَنَعَهَا رسول اللَّهِ وَصَنَعْنَاهَا معه فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ قد قال مَالِكٌ قَوْلُ الضَّحَّاكِ أَحَبُّ إلى من قَوْلِ سَعْدٍ وَعُمَرُ أَعْلَمُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من سَعْدٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) عُمَرُ وَسَعْدٌ عَالِمَانِ بِرَسُولِ اللَّه وما قال عُمَرُ عن رسول اللَّه شيئا يُخَالِفُ ما قال سَعْدٌ إنَّمَا رَوَى مَالِكٌ عن عُمَرَ أَنَّهُ قال افْصِلُوا بين حَجِّكُمْ وَعُمْرَتِكُمْ فإنه أَتَمُّ لِحَجِّ أَحَدِكُمْ وَعُمْرَتِهِ أَنْ يَعْتَمِرَ في غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ ولم يُرْوَ عنه أَنَّهُ نهى عن الْعُمْرَةِ في أَشْهُرِ الْحَجِّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن عُرْوَةَ عن عَائِشَةَ أنها قالت خَرَجْنَا مع رسول اللَّهِ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَمِنَّا من أَهَلَّ بِحَجٍّ وَمِنَّا من أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا من جَمَعَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَكُنْت مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ عن حَفْصَةَ أنها قالت لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم ما شَأْنُ الناس حَلُّوا ولم تَحِلَّ أنت من عُمْرَتِك قال إنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلَّدْت هديى فَلَا أَحِلُّ حتى أَنْحَرَ هديى ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن صَدَقَةَ بن يَسَارٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ قال لَأَنْ أَعْتَمِرَ قبل الْحَجِّ وأهدى أَحَبُّ إلَيَّ من أَنْ أَعْتَمِرَ بَعْدَ الْحَجِّ في ذِي الْحِجَّةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي فَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ من حديث مَالِكٍ مُوَافِقَانِ ما قال سَعْدٌ من أَنَّهُ عَمِلَ بِالْعُمْرَةِ مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في أَشْهُرِ الْحَجِّ فَكَيْفَ جَازَ لَكُمْ وَأَنْتُمْ تَرَوْنَ هذا أَنْ تَكْرَهُوا الْعُمْرَةَ فيه وأنتم ( ( ( وأن ) ) ) تثبتون ( ( ( تثبتوا ) ) ) عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فِيمَا وَصَفْت وَادَّعَيْتُمْ من خِلَافِ عُمَرَ وَسَعْدٍ وَعُمَرُ لم يُخَالِفْ سَعْدًا عن
____________________

(7/214)


النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا اخْتَارَ شيئا غير مُخَالِفٍ لِمَا جاء عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وقد تَتْرُكُونَ أَنْتُمْ علي عُمَرَ اخْتِيَارَهُ وَحُكْمَهُ الذي هو أَكْثَرُ من الِاخْتِيَارِ لِمَا جاء عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ تَتْرُكُونَهُ لِمَا جاء عن رَجُلٍ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ تَتْرُكُونَهُ لِقَوْلِكُمْ فإذا جَازَ لَكُمْ هذا فَكَيْفَ يَجُوزُ لَكُمْ أَنْ تَحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ على السُّنَّةِ وَأَنَّكُمْ تَدَّعُونَ أَنَّهُ خَالَفَهَا وهو لَا يُخَالِفُهَا وما رَوَيْتُمْ عنه يَدُلُّ على أَنَّهُ لَا يُخَالِفُهَا فَادَّعَيْتُمْ خِلَافَ ما رَوَيْتُمْ وَتُخَالِفُونَ اخْتِيَارَهُ - * بَابُ الطِّيبِ لِلْمُحْرِمِ - * سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عن الطِّيبِ قبل الْإِحْرَامِ بِمَا يَبْقَى رِيحُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَبَعْدَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ وَالْحِلَاقِ قبل الْإِفَاضَةِ فقال جَائِزٌ وَأُحِبُّهُ وَلَا أَكْرَهُهُ لِثُبُوتِ السُّنَّةِ فيه عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْأَخْبَارِ عن غَيْرِ وَاحِدٍ من أَصْحَابِهِ فَقُلْت وما الْحُجَّةُ فيه فقال أخبرنا مَالِكٌ عن عبد الرحمن بن الْقَاسِمِ عن أبيه عن عَائِشَةَ أنها قالت كُنْت أُطَيِّبَ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِإِحْرَامِهِ قبل أَنْ يُحْرِمَ وَلِحِلِّهِ قبل أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَكْرَهُ الطِّيبَ لِلْمُحْرِمِ وَنَكْرَهُ الطِّيبَ قبل الْإِحْرَامِ وَبَعْدَ الْإِحْلَالِ قبل أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَنَرْوِي ذلك عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ فقال الشَّافِعِيُّ إنِّي أَرَاكُمْ لَا تَدْرُونَ ما تَقُولُونَ فَقُلْت وَمِنْ أَيْنَ فقال أَرَأَيْتُمْ نَحْنُ وَأَنْتُمْ بِأَيِّ شَيْءٍ عَرَفْنَا أَنَّ عُمَرَ قَالَهُ أَلَيْسَ إنَّمَا عَرَفْنَا بِأَنَّ بن عُمَرَ رَوَاهُ عن عُمَرَ فَقُلْت بَلَى فقال وَعَرَفْنَا أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم تَطَيَّبَ بِخَبَرِ عَائِشَةَ فَقُلْت بَلَى قال وَكِلَاهُمَا صَادِقٌ فَقُلْت نعم فإذا عَلِمْنَا بِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم تَطَيَّبَ وَأَنَّ عُمَرَ نهى عن الطِّيبِ عِلْمًا وَاحِدًا هو خَبَرُ الصَّادِقِينَ عنهما مَعًا فَلَا أَحْسَبُ أَحَدًا من أَهْلِ الْعِلْمِ يَقْدِرُ أَنْ يَتْرُكَ ما جاء عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِغَيْرِهِ فَإِنْ جَازَ أَنْ يُتَّهَمَ الْغَلَطُ على بَعْضِ من بَيْنَنَا وَبَيْنَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مِمَّنْ حدثنا جَازَ مِثْلُ ذلك على من بَيْنَنَا وَبَيْنَ عُمَرَ مِمَّنْ حدثنا بَلْ من رَوَى عن عَائِشَةَ تَطَيُّبَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَكْثَرَ مِمَّنْ رَوَى عن بن عُمَرَ نهى عُمَرَ عن الطِّيبِ رَوَى عن عَائِشَةَ سَالِمٌ وَالْقَاسِمُ وَعُرْوَةُ وَالْأَسْوَدُ بن يَزِيدَ وَغَيْرُهُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَرَاكُمْ إذَا أَصَبْتُمْ لم تَعْقِلُوا من أَيْنَ أَصَبْتُمْ وإذا أَخْطَأْتُمْ لم تَعْرِفُوا سُنَّةً تَذْهَبُونَ إلَيْهَا فَتُعْذَرُوا بِأَنْ تَكُونُوا ذَهَبْتُمْ إلَى مَذْهَبٍ بَلْ أَرَاكُمْ إنَّمَا تُرْسِلُونَ ما جاء على أَلْسِنَتِكُمْ عن غَيْرِ مَعْرِفَةٍ إنَّمَا كان يَنْبَغِي أَنْ تَقُولُوا من كَرِهَ الطِّيبَ لِلْمُحْرِمِ إنَّمَا نهي عن الطِّيبِ أَنَّهُ حَضَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالْجِعْرَانَةِ حين سَأَلَهُ أَعْرَابِيٌّ أَحْرَمَ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ وحلوق ( ( ( وخلوق ) ) ) فَأَمَرَهُ بِنَزْعِ الْجُبَّةِ وَغَسْلِ الصُّفْرَةِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ أَفَتَرَى لنا بهذا حُجَّةً أو إنَّمَا هذا شُبْهَةٌ وما الْحُجَّةُ على من قال هذا قال إنْ كان قَالَهُ بهذا فَقَدْ ذَهَبَ عليه أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم تَطَيَّبَ فقال بِمَا حَضَرَ وَتَطَيَّبَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في حَجَّةِ الْإِسْلَامِ سَنَةَ عَشْرٍ وَأَمَرَ الْأَعْرَابِيَّ قبل ذلك بِسَنَتَيْنِ في سَنَةِ ثَمَانٍ فَلَوْ كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ كان إبَاحَتُهُ التَّطَيُّبَ نَاسِخًا لِمَنْعِهِ وَلَيْسَا بِمُخْتَلِفَيْنِ إنَّمَا نهي النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا بن عُلَيَّةَ عن عبد الْعَزِيزِ بن صُهَيْبٍ عن أَنَسِ بن مَالِكٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَمَرَ الرَّجُلَ أَنْ يَغْسِلَ الزَّعْفَرَانَ عنه وقد تَطَيَّبَ سَعْدُ بن أبي وَقَّاصٍ وبن عَبَّاسٍ للاحرام وَكَانَتْ الْغَالِيَةُ تَرَى في مَفَارِقِ بن عَبَّاسٍ مِثْلَ الرَّبِّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن عمرو ( ( ( عمر ) ) ) بن دِينَارٍ عن سَالِمِ بن عبد اللَّهِ قال قال عُمَرُ من رَمَى الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ ما حُرِّمَ عليه إلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ وقال سَالِمٌ قالت عَائِشَةُ طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِيَدَيَّ وَسُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَحَقُّ أَنْ تُتَّبَعَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الصَّالِحُونَ من أَهْلِ الْعِلْمِ فَأَمَّا ما تَذْهَبُونَ إلَيْهِ من تَرْكِ
____________________

(7/215)


السُّنَّةِ لِغَيْرِهَا وَتَرْكِ ذلك الْغَيْرِ لِرَأْيِ أَنْفُسِكُمْ فَالْعِلْمُ إذًا إلَيْكُمْ تَأْتُونَ منه ما شِئْتُمْ وَتَدَعُونَ منه ما شِئْتُمْ تَأْخُذُونَ بِلَا تَبَصُّرٍ لِمَا تَقُولُونَ وَلَا حُسْنَ رَوِيَّةٍ فيه أَرَأَيْتُمْ إذَا خَالَفْتُمْ السُّنَّةَ هل عَرَفْتُمْ ما قُلْتُمْ كَرِهْتُمْ الطِّيبَ قبل الْإِحْرَامِ لِأَنَّهُ يَبْقَى بَعْدَ الْإِحْرَامِ وقد كان الطِّيبُ حَلَالًا فإذا كَرِهْتُمُوهُ إذَا كان يَبْقَى بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَلَا وَجْهَ لِقَوْلِكُمْ إلَّا أَنْ تَقُولُوا وَجَدْنَاهُ إذَا كان مُحْرِمًا مَمْنُوعًا أَنْ يَبْتَدِئَ طِيبًا فإذا تَطَيَّبَ قبل أَنْ يُحْرِمَ فما يَبْقَى كان كَابْتِدَاءِ الطِّيبِ في الْإِحْرَامِ قُلْت فَأَنْتُمْ تُجِيزُونَ بِأَنْ يَدَّهِنَ الْمُحْرِمُ بِمَا يبقى لِينَهُ وَذَهَابَهُ الشَّعَثَ وَيُرَجِّلَ الشَّعْرَ قال وما هو قُلْت ما لَا طِيبَ فيه مِثْلُ الزَّيْتِ وَالشَّيْرَقِ وَغَيْرِهِ قال هذا لَا يَصْلُحُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَبْتَدِئَ الِادِّهَانَ بِهِ وَلَوْ فَعَلَ وَجَبَتْ عليه كَفَّارَةُ الْمُتَطَيِّبِ عِنْدَنَا وَعِنْدَكُمْ وَإِنَّمَا كان يَنْبَغِي أَنْ تَقُولُوا لَا يَدَّهِنُ بِشَيْءٍ يبقى في رَأْسِهِ لينه سَاعَةً أو تُجِيزُوا الطِّيبَ إذَا كان قبل الْإِحْرَامِ وَلَوْ لم يَكُنْ في هذا سُنَّةٌ تُتَّبَعُ انْبَغَى أَنْ لَا يُقَالَ إلَّا وَاحِدٌ من هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ - * بَابٌ في الْعُمْرَى - * قال سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عَمَّنْ أَعْمَرَ عمري له وَلِعَقِبِهِ فقال هِيَ لِلَّذِي يُعْطَاهَا لَا تَرْجِعُ إلَى الذي أَعْطَاهَا فَقُلْت وما الْحُجَّةُ فقال السُّنَّةُ الثَّابِتَةُ من حديث الناس وَحَدِيثِ مَالِكٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن أبي سَلَمَةَ بن عبد الرحمن عن جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إيما رَجُلٌ أَعْمَرَ عمري له وَلِعَقِبِهِ فَإِنَّمَا هِيَ لِلَّذِي يُعْطَاهَا لَا تَرْجِعُ إلَى الذي أعطى لأنه أَعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فيه الْمَوَارِيثُ قال وَبِهَا نَأْخُذُ وَيَأْخُذُ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ في جَمِيعِ الْأَمْصَارِ بِغَيْرِ الْمَدِينَةِ وَأَكَابِرُ أَهْلِ الْعِلْمِ وقد رَوَى هذا مع جَابِرِ بن عبد اللَّهِ زَيْدُ بن ثَابِتٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نُخَالِفُ هذا فقال أتخالونه ( ( ( أتخافونه ) ) ) وَأَنْتُمْ تَرْوُونَهُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَقُلْت إنَّ حُجَّتَنَا فيه أَنَّ مَالِكًا قال أخبرنا يحيى بن سَعِيدٍ عن عبد الرحمن بن الْقَاسِمِ أَنَّهُ سمع مَكْحُولًا الدِّمَشْقِيَّ يَسْأَلُ الْقَاسِمَ بن مُحَمَّدٍ عن العمري وما يقول الناس فيها فقال له الْقَاسِمُ ما أَدْرَكْت الناس إلَّا وَهُمْ على شُرُوطِهِمْ في أَمْوَالِهِمْ وَفِيمَا أَعْطَوْا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ما أَجَابَهُ الْقَاسِمُ عن العمري بِشَيْءٍ وما أخبره إلَّا أَنَّ الناس على شُرُوطِهِمْ فَإِنْ ذَهَبَ إلَى أَنْ يَقُولَ العمري من الْمَالِ وَالشَّرْطُ فيها جَائِزٌ فَقَدْ شَرَطَ الناس في أَمْوَالِهِمْ شُرُوطًا لَا تَجُوزُ لهم فَإِنْ قال قَائِلٌ وما هِيَ قِيلَ الرَّجُلُ يَشْتَرِي الْعَبْدَ على أَنْ يُعْتِقَهُ وَالْوَلَاءُ لِلْبَائِعِ فَيُعْتِقُهُ فَهُوَ حُرٌّ وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ فَإِنْ قال السُّنَّةُ تَدُلُّ على إبْطَالِ هذا الشَّرْطِ قُلْنَا وَالسُّنَّةُ تَدُلُّ على إبْطَالِ الشَّرْطِ في العمري فَلِمَ أَخَذْت بِالسُّنَّةِ مَرَّةً وَتَرَكْتهَا مَرَّةً قَوْلُ الْقَاسِمِ لو كان قَصَدَ بِهِ قَصَدَ العمري فقال إنَّهُمْ على شُرُوطِهِمْ فيها لم يَكُنْ في هذا ما يَرُدُّ بِهِ الحديث عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَإِنْ قال قَائِلٌ وَلِمَ قِيلَ نَحْنُ لَا نَعْلَمُ أَنَّ الْقَاسِمَ قال هذا إلَّا بِخَبَرِ يحيى عن عبد الرحمن عنه وَكَذَلِكَ عَلِمْنَا قَوْلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في العمري بِخَبَرِ بن شِهَابٍ عن أبي سَلَمَةَ عن جَابِرٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَغَيْرِهِ فإذا قَبِلْنَا خَبَرَ الصَّادِقِينَ فَمَنْ رَوَى هذا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَرْجَحُ مِمَّنْ رَوَى هذا عن الْقَاسِمِ لَا يَشُكُّ عَالِمٌ أَنَّ ما ثَبَتَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَوْلَى أَنْ يُقَالَ بِهِ مِمَّا قَالَهُ أُنَاسٌ بَعْدَهُ قد يُمْكِنُ أَنْ لَا يَكُونُوا سَمِعُوا من رسول اللَّهِ وَلَا بَلَغَهُمْ عنه شَيْءٌ وَأَنَّهُمْ لِنَاسٍ لَا نَعْرِفُهُمْ فَإِنْ قال قَائِلٌ لَا يقول الْقَاسِمُ قال الناس إلَّا لِجَمَاعَةٍ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ أو من أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يَجْهَلُونَ لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم سُنَّةً وَلَا يَجْمَعُونَ أَبَدًا من جِهَةِ الرَّأْيِ وَلَا يَجْمَعُونَ إلَّا من جِهَةِ السُّنَّةِ قِيلَ له أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن الْقَاسِمِ بن مُحَمَّدٍ أَنَّ رَجُلًا كانت عِنْدَهُ وَلِيدَةٌ لِقَوْمٍ فقال لِأَهْلِهَا شَأْنُكُمْ بها فَرَأَى الناس أنها تَطْلِيقَةٌ وَأَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أنها ثَلَاثَةٌ فإذا قِيلَ لَكُمْ تَتْرُكُونَ قَوْلَ الْقَاسِمِ وَالنَّاسِ إنَّهَا تَطْلِيقَةٌ قُلْتُمْ لَا نَدْرِي من الناس الَّذِينَ يروى هذا عَنْهُمْ الْقَاسِمُ فَإِنْ لم يَكُنْ قَوْلُ الْقَاسِمِ وَالنَّاسِ حُجَّةً
____________________

(7/216)


عَلَيْكُمْ في رَأْيِ أَنْفُسِكُمْ لَهُوَ عن أَنْ يَكُونَ علي رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حُجَّةً أَبْعَدُ وَلَئِنْ كان حُجَّةً لَعَلَّهُ أَخْطَأْتُمْ بِخِلَافِكُمْ إيَّاهُ بِرَأْيِكُمْ وَإِنَّا لَنَحْفَظُ عن بن عُمَرَ في العمري مِثْلَ قَوْلِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا سُفْيَانُ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ وَحُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ عن حَبِيبِ بن أبي ثَابِتٍ قال كُنْت عِنْدَ بن عُمَرَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ من أَهْلِ الْبَادِيَةِ فقال إنِّي وَهَبْت لِابْنِي نَاقَةً حَيَاتَهُ وَإِنَّهَا تَنَاتَجَتْ إبِلًا فقال بن عُمَرَ هِيَ له حَيَاتَهُ وَمَوْتَهُ فقال إنِّي تَصَدَّقْت عليه بها قال ذلك أَبْعَدُ لَك منها ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن بن أبي نَجِيحٍ عن حَبِيبِ بن أبي ثَابِتٍ مثله إلَّا أَنَّهُ قال أَضْنَتْ وَاضْطَرَبَتْ يَعْنِي كَبُرَتْ وَاضْطَرَبَتْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ عن عَمْرٍو عن سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ أَنَّ طَارِقًا قَضَى بِالْمَدِينَةِ بالعمري عن قَوْلِ جَابِرِ بن عبد اللَّهِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ عن عمرو ( ( ( عمرة ) ) ) عن طَاوُسٍ عن حُجْرٍ الْمَدَرِيِّ عن زَيْدِ بن ثَابِتٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال العمري لِلْوَارِثِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءِ بن أبي رَبَاحٍ عن جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا تَعْمُرُوا وَلَا تَرْقُبُوا فَمَنْ أَعْمَرَ شيئا أو أَرْقَبَهُ فَسَبِيلُهُ سَبِيلُ الْمِيرَاثِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا سُفْيَانُ عن أَيُّوبَ عن بن سِيرِينَ قال حَضَرْت شُرَيْحًا قَضَى لِأَعْمَى بالعمري فقال له الْأَعْمَى يا أَبَا أُمَيَّةَ بِمَا قَضَيْت لي فقال له شُرَيْحٌ لَسْت أنا قَضَيْت لَك وَلَكِنْ مُحَمَّدٌ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى لَك مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً قال من ( ( ( ومن ) ) ) أَعْمَرَ شيئا حَيَاتَهُ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ إذَا مَاتَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَتَتْرُكُونَ ما وَصَفْت من العمري مع ثُبُوتِهِ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَقَوْلِ زَيْدِ بن ثَابِتٍ وَجَابِرِ بن عبد اللَّهِ وبن عُمَرَ وَسُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ وَعُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ وَهَذَا عِنْدَكُمْ عُمِلَ بَعْدَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِتَوَهُّمٍ في قَوْلِ الْقَاسِمِ وَأَنْتُمْ تَجِدُونَ في قَوْلِ الْقَاسِمِ أَفْتَى في رَجُلٍ قال لِأَمَةِ قَوْمٍ شَأْنُكُمْ بها فَرَأَى الناس أنها تَطْلِيقَةٌ ثُمَّ تُخَالِفُونَهُ بِرَأْيِكُمْ وما رَوَى الْقَاسِمُ عن الناس وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * بَابُ ما جاء في الْعَقِيقَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن مُحَمَّدِ بن إبْرَاهِيمَ بن الحرث التَّيْمِيِّ قال تُسْتَحَبُّ الْعَقِيقَةُ وَلَوْ بِعُصْفُورٍ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَقُولُ ليس عليه الْعَمَلُ وَلَا نَلْتَفِتُ إلَى قَوْلِ تُسْتَحَبُّ قال قد يُمْكِنُ أَنْ لَا يَكُونَ اسْتَحَبَّهَا إلَّا أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْمَدِينَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا الثَّقَفِيُّ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ أَنَّ الناس كَانُوا يَقْضُونَ في الْمَجُوسِ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى إذَا أُصِيبُوا يُقْضَى لهم بِقَدْرِ ما يَعْقِلُهُمْ قَوْمُهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ قُلْت فَإِنَّا نَقُولُ في الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ وَلَا نَلْتَفِتُ إلَى رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ إنَّ الناس ( قال الشَّافِعِيُّ ) سُلَيْمَانُ مِثْلُ الْقَاسِمِ في السِّنِّ أو أَسَنُّ منه فَإِنْ كانت لَكُمْ حُجَّةٌ بِقَوْلِ الْقَاسِمِ الناس فَهِيَ عَلَيْكُمْ بِقَوْلِ سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ أَلْزَمُ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ قَوْلٌ - * بَابٌ في الْحَرْبِيِّ يُسْلِمُ - * سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ عن الْمُشْرِكِينَ الْوَثَنِيِّينَ الْحَرْبِيِّينَ يُسْلِمُ الزَّوْجُ قبل الْمَرْأَةِ أو الْمَرْأَةُ قبل الزَّوْجِ أَقَامَ الْمُسْلِمُ مِنْهُمَا في دَارِ الْإِسْلَامِ أو خَرَجَ فقال ذلك كُلُّهُ سَوَاءٌ وَلَا يَحِلُّ لِلزَّوْجِ إصَابَتُهَا ( 3 ) وَلَا له أَنْ يُصِيبَهَا إذَا كان واحدا ( ( ( واحد ) ) ) مِنْهُمَا مُسْلِمًا وَنَظَرْتُهُمَا انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ فَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّةُ الْمَرْأَةِ قبل أَنْ يُسْلِمَ الزَّوْجُ انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ وَلَوْ كان
____________________

(7/217)


الزَّوْجُ الْمُسْلِمُ فَانْقَضَتْ عِدَّةُ الْمَرْأَةِ قبل أَنْ تُسْلِمَ هِيَ انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا لَا اخْتِلَافَ بين الزَّوْجِ وَالْمَرْأَةِ في ذلك فَقُلْت له عَلَامَ اعْتَمَدْت في هذا فقال على ما لَا أَعْلَمُ من أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي في هذا اخْتِلَافًا من أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَسْلَمَ قبل امْرَأَتِهِ وَأَنَّ امْرَأَةَ صَفْوَانَ وَعِكْرِمَةَ أَسْلَمَتَا قَبْلَهُمَا ثُمَّ اسْتَقَرُّوا على النِّكَاحِ وَذَلِكَ أَنَّ آخِرَهُمْ إسْلَامًا أَسْلَمَ قبل انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْمَرْأَةِ وَفِيهِ أَحَادِيثُ لَا يَحْضُرنِي ذِكْرُهَا وقد حَضَرَنِي منها حَدِيثٌ مُرْسَلٌ وَذَلِكَ أَنَّ مَالِكًا أخبرنا عن بن شِهَابٍ أَنَّ صَفْوَانَ بن أُمَيَّةَ هَرَبَ من الْإِسْلَامِ ثُمَّ أتي النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَشَهِدَ حُنَيْنًا وَالطَّائِفَ مُشْرِكًا وَامْرَأَتُهُ مُسْلِمَةٌ وَاسْتَقَرَّا على النِّكَاحِ قال بن شِهَابٍ فَكَانَ بين إسْلَامِ صَفْوَانَ وَامْرَأَتِهِ نَحْوٌ من شَهْرٍ فَقُلْت له أَرَأَيْت إنْ قُلْت مِثْلَ إذَا أَسْلَمَتْ قبل زَوْجِهَا خَرَجَتْ من الدَّارِ أو لم تَخْرُجْ ثُمَّ أَسْلَمَ الزَّوْجُ فَهُمَا علي النِّكَاحِ ما لم تَنْقَضِ الْعِدَّةُ وإذا أَسْلَمَ الزَّوْجُ قبل الْمَرْأَةِ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا إذَا عَرَضَ عليها الْإِسْلَامَ فلم تُسْلِمْ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يقول { وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } قال الشَّافِعِيُّ إذًا يَدْخُلُ عَلَيْكُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ خِلَافُ التَّأْوِيلِ وَالْأَحَادِيثِ وَالْقِيَاسِ وما الْقَوْلُ في رَجُلٍ يُسْلِمُ قبل امْرَأَتِهِ وَالْمَرْأَةِ قبل زَوْجِهَا إلَّا وَاحِدٌ من قَوْلَيْنِ أَنْتُمْ قَوْمٌ لم تَعْرِفُوا فيه الْأَحَادِيثَ أو عَرَفْتُمُوهَا فَرَدَدْتُمُوهَا بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ فإذا تَأَوَّلْتُمْ قَوْلَ اللَّهِ { وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } لم تَعْدُوا أَنْ تَكُونُوا أَرَدْتُمْ بِقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ الزَّوْجُ انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا مَكَانَهُ وَأَنْتُمْ لم تَقُولُوا بهذا وَزَعَمْتُمْ أَنَّ الْعِصْمَةَ إنَّمَا تنقطع ( ( ( تقطع ) ) ) بَيْنَهُمَا إذَا عَرَضَ على الزَّوْجَةِ الْإِسْلَامَ فَأَبَتْ وقد يَعْرِضُ عليها الْإِسْلَامَ من سَاعَتِهَا وَيَعْرِضُ عليها بَعْدَ سَنَةٍ وَأَكْثَرَ فَلَيْسَ هذا بِظَاهِرِ الْآيَةِ ولم تَقُولُوا في هذا بِخَبَرٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ بِغَيْرِ ظَاهِرِ الْآيَةِ إلَّا بِخَبَرٍ لَازِمٍ فَقُلْت فَإِنْ قُلْت يَعْرِضُ عليها الْإِسْلَامَ من سَاعَتِهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) أَفَلَيْسَ يُقِيمُ بَعْدَ إسْلَامِهِ قبل يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا أو رَأَيْتُمْ إنْ كانت غَائِبَةً عن مَوْضِعِ إسْلَامِهِ أو بَكْمَاءَ لَا تُكَلَّمُ أو مُغْمًى عليها فَإِنْ قُلْتُمْ تَطْلُقُ فَقَدْ تَرَكْتُمْ الْعَرْضَ وَإِنْ قُلْتُمْ يَنْتَظِرُ بها فَقَدْ أَقَامَتْ في حِبَالِهِ وَهِيَ كَافِرَةٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْآيَةُ في الْمُمْتَحِنَةِ مِثْلُهَا قال اللَّهُ تَعَالَى { فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لهم وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } فَسَوَّى بَيْنَهُمَا وَكَيْفَ فَرَّقْتُمْ بَيْنَهُمَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) هذه الْآيَةُ في مَعْنَى تِلْكَ لَا تَعْدُو هَاتَانِ الْآيَتَانِ أَنْ تَكُونَا تَدُلَّانِ على أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ دِينَا الزَّوْجَيْنِ فَكَانَ لَا يَحِلُّ لِلزَّوْجِ جِمَاعُ زَوْجَتِهِ لِاخْتِلَافِ الدِّينَيْنِ فَقَدْ انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا أو يَكُونَ لَا يَحِلُّ له في تِلْكَ الْحَالِ وَيَتِمُّ انْقِطَاعُ الْعِصْمَةِ إنْ جَاءَتْ عليها مُدَّةٌ ولم يُسْلِمُ الْمُتَخَلِّفُ عن الْإِسْلَامِ مِنْهُمَا فَإِنْ كان هذا الْمَعْنَى لم يَصْلُحْ أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ إلَّا بِخَبَرٍ يَلْزَمُ لِأَنَّ رَجُلًا لو قال مُدَّتُهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ أو يَوْمٌ لم يَجُزْ هذا من قِبَلِ الرَّأْيِ إنَّمَا يَجُوزُ من جِهَةِ الْأَخْبَارِ اللَّازِمَةِ فلما سَنَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في امْرَأَةِ أبي سُفْيَانَ وكان أبو سُفْيَانَ قد أَسْلَمَ هو وَامْرَأَتُهُ هِنْدُ مُقِيمَةٌ بِمَكَّةَ وَهِيَ دَارُ حَرْبٍ لم تُسْلِمْ وَأَمَرَتْ بِقَتْلِهِ ثُمَّ أَسْلَمَتْ بَعْدَ أَيَّامِ فَاسْتَقَرَّا على النِّكَاحِ وَهَرَبَ عِكْرِمَةُ بن أبي جَهْلٍ وَصَفْوَانُ بن أُمَيَّةَ من الْإِسْلَامِ وَأَسْلَمَتْ زَوْجَتَاهُمَا ثُمَّ أَسْلَمَا فَاسْتَقَرَّا على النِّكَاحِ وكان بن شِهَابٍ حَمَلَ أَحَدَ الْحَدِيثَيْنِ أو هُمَا مَعًا فذكر فيه تَوْقِيتَ الْعِدَّةِ دَلَّ ذلك علي انْقِطَاعِ الْعِصْمَةِ بين الزَّوْجَيْنِ إنْ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ قبل أَنْ يُسْلِمَ الْمُتَخَلِّفُ عن الْإِسْلَامِ مِنْهُمَا لَا أَنَّ انْقِطَاعَ الْعِصْمَةِ هو أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا وَيَكُونُ الْفَرْجُ مَمْنُوعًا حين يُسْلِمُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقِيلَ لِبَعْضِ من يَذْهَبُ إلَى التَّفْرِيقِ بين الزَّوْجِ يُسْلِمُ قبل الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةُ تُسْلِمُ قبل الزَّوْجِ أَتَجْهَلُونَ امْرَأَةَ أبي سُفْيَانَ قالوا لَا وَلَكِنْ كان الذي بين إسْلَامِهِمَا يَسِيرًا قِيلَ أَمَا عَلِمْتُمْ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ قد أَسْلَمَ وقد أَقَامَتْ هِنْدُ على الْكُفْرِ ثُمَّ أَسْلَمَتْ فاستقرا ( ( ( فاستقر ) ) ) على النِّكَاحِ قال بَلَى قِيلَ أو ليس بَقِيَتْ عُقْدَتُهُ عليها وقد أَسْلَمَ قَبْلَهَا قال بَلَى قِيلَ فَلَوْ كان مَعْنَى الْآيَةِ { وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } على أَنَّهُ مَتَى أَسْلَمَ حَرُمَتْ كُنْتُمْ قد خَالَفْتُمْ الْآيَةَ وَقَوْلُكُمْ وَعَلِمْتُمْ أَنَّ السُّنَّةَ في هِنْدَ على غَيْرِ ما قُلْتُمْ وإذا كان ! 2 < ولا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الكوافر > 2 !
____________________

(7/218)


الْكَوَافِرِ جَاءَتْ عليهم مُدَّةٌ لم تُسْلِمْ فيها فَالْمُدَّةُ لَا تَجُوزُ إلَّا بِخَبَرٍ يَلْزَمُ مِثْلُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَنْتُمْ إذَا قُلْتُمْ لَا يُفْسَخُ بَيْنَهُمَا حتى يَعْرِضَ عليها الْإِسْلَامَ فَتَأْبَاهُ فإذا عَرَضَ عليها الْإِسْلَامَ فَأَبَتْهُ انْفَسَخَ النِّكَاحُ قِيلَ فإذا كانت بِبِلَادٍ نَائِيَةٍ فإذا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا انْفَسَخَ النِّكَاحُ وَإِنْ لم يَعْرِضْ عليها الْإِسْلَامَ وَهَذَا خَارِجٌ من الْوَجْهَيْنِ وَالْمَعْقُولُ إنْ كان يَقْطَعُ الْعِصْمَةَ أَنْ يُسْلِمَ الزَّوْجُ قَبْلَهَا انْبَغَى أَنْ نُخْرِجَهَا من يَدِهِ قبل عَرْضِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ كان ذلك بِمُدَّةٍ فَالْمُدَّةُ التي نَذْهَبُ إلَيْهَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ الْعِدَّةُ - * بَابٌ في أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ - * سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عن أَهْلِ الدَّارِ من أَهْلِ الْحَرْبِ يَقْتَسِمُونَ الدار ( ( ( الدور ) ) ) وَيَمْلِكُ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ على ذلك الْقِسْمِ وَيُسْلِمُونَ ثُمَّ يُرِيدُ بَعْضُهُمْ أَنْ يَنْقُضَ ذلك الْقِسْمَ وَيَقْسِمَهُ على قِسْمِ الْإِسْلَامِ فقال ليس ذلك له قُلْت ما الْحُجَّةُ في ذلك قال الِاسْتِدْلَال بِمَعْنَى الْإِجْمَاعِ وَالسُّنَّةِ قُلْت وَأَيْنَ ذلك قال أَرَأَيْت أَهْلَ دَارِ الْحَرْبِ إذَا سبي بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَغَصَبَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَقَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ثُمَّ أَسْلَمُوا أَهْدَرْت الدِّمَاءَ وَأَقْرَرْت الْأَرِقَّاءَ في يَدَيْ من أَسْلَمُوا وَهُمْ رَقِيقٌ لهم وَالْأَمْوَالُ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهَا عليهم قبل الْإِسْلَامِ فإذا مَلَكُوا بِقِسْمِ الْجَاهِلِيَّةِ فما ذلك الْمِلْكُ بِأَحَقَّ وَأَوْلَى أَنْ يَثْبُتَ لِمَنْ مَلَكَهُ من مِلْكِ الْغَصْبِ وَالِاسْتِرْقَاقِ لِمَنْ كان حرا ( ( ( جرا ) ) ) مع أَنَّهُ أخبرنا مَالِكٌ عن ثَوْرِ بن يَزِيدَ الدِّيلِيِّ أَنَّهُ قال بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إيما دَارٍ أو أَرْضٍ قُسِمَتْ في الْجَاهِلِيَّةِ فَهِيَ على قَسْمِ الْجَاهِلِيَّةِ وَأَيُّمَا دَارٍ أو أَرْضٍ أَدْرَكَهَا الْإِسْلَامُ لم تُقْسَمْ فَهِيَ على قَسْمِ الْإِسْلَامِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) نَحْنُ نَرْوِي فيه حَدِيثًا أَثْبَتَ من هذا بِمِثْلِ مَعْنَاهُ - * بَابُ الْبُيُوعِ - * سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عن الرَّجُلِ يَأْتِي بِذَهَبٍ إلَى دَارِ الضَّرْبِ فَيُعْطِيهَا الضَّرَّابَ بِدَنَانِيرَ مَضْرُوبَةٍ وَيَزِيدُهُ على وَزْنِهَا قال هذا الرِّبَا بِعَيْنِهِ الْمُعَجَّلُ قُلْت وما الْحُجَّةُ قال أخبرنا مَالِكٌ عن موسي بن أبي تَمِيمٍ عن سَعِيدِ بن يَسَارٍ عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ قال لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا على بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا على بَعْضٍ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَزْعُمُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بهذا قال فَهَذَا الذي نهى عنه النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِعَيْنِهِ فَكَيْفَ أَجَزْتُمُوهُ قال هذا من ضَرْبِ قَوْلِكُمْ في اللَّحْمِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُبَاعَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ بِغَيْرِ وَزْنٍ بِالْبَادِيَةِ وَحَيْثُ ليس مَوَازِينُ فَإِنْ كان اللَّحْمُ من الطَّعَامِ الذي نهى عنه إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ فَقَدْ أَجَزْتُمُوهُ وَإِنْ لم يَكُنْ منه فَلِمَ تُحَرِّمُونَهُ في الْقَرْيَةِ وَتُجِيزُونَهُ في الْبَادِيَةِ وَأَنْتُمْ لَا تُجِيزُونَ بِالْبَادِيَةِ تَمْرًا بِتَمْرٍ إلَّا مِثْلَا بِمِثْلٍ وَإِنْ لم يَكُنْ في الْبَادِيَةِ مِكْيَالٌ وَأَجَزْتُمْ هذا في الْخُبْزِ أَنْ يُبَاعَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ بِغَيْرِ وَزْنٍ إذَا تَحَرَّى في الْقَرْيَةِ وَالْبَادِيَةِ وفي الْبَيْضِ وما أَشْبَهَهُ - * بَابُ مَتَى يَجِبُ الْبَيْعُ - * سَأَلْت الشَّافِعِيَّ مَتَى يَجِبُ الْبَيْعُ حتى لَا يَكُونَ لِلْبَائِعِ نَقْضُهُ وَلَا لِلْمُشْتَرِي نَقْضُهُ إلَّا من عَيْبٍ قال إذَا تَفَرَّقَ الْمُتَبَايِعَانِ بَعْدَ عُقْدَةِ الْبَيْعِ من الْمَقَامِ الذي تَبَايَعَا فيه فَقُلْت وما الْحُجَّةُ في ذلك قال أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ على صَاحِبِهِ ما لم يَتَفَرَّقَا إلَّا ببيع ( ( ( بيع ) ) ) الْخِيَارِ فَقُلْت له فَإِنَّا نَقُولُ
____________________

(7/219)


ليس لِذَلِكَ عِنْدَنَا حَدٌّ مَعْرُوفٌ وَلَا أَمْرٌ مَعْمُولٌ بِهِ فيه ( قال الشَّافِعِيُّ ) الْحَدِيثُ بَيِّنٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلٍ وَلَكِنِّي أَحْسِبُكُمْ الْتَمَسْتُمْ الْعُذْرَ من الْخُرُوجِ منه بِتَجَاهُلٍ كَيْفَ وَجْهُ الحديث وَأَيُّ شَيْءٍ فيه يَخْفَى عليه قد زَعَمْتُمْ أَنَّ عُمَرَ قال لِمَالِكِ بن أَوْسٍ حين اصْطَرَفَ من طَلْحَةَ بن عُبَيْدِ اللَّهِ بِمِائَةِ دِينَارٍ فقال له طَلْحَةُ أَنْظِرْنِي حتى يَأْتِيَ خَازِنِي من الْغَابَةِ فقال لَا وَاَللَّهِ لَا تُفَارِقُهُ حتى تَقْبِضَ منه فَزَعَمْتُمْ أَنَّ الْفِرَاقَ فِرَاقُ الْأَبَدَانِ فَكَيْفَ لم تَعْلَمُوا أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ ما لم يَتَفَرَّقَا أَنَّ الْفِرَاقَ فِرَاقُ الْأَبْدَانِ فَإِنْ قُلْتُمْ ليس هذا أَرَدْنَا إنَّمَا أَرَدْنَا أَنْ يَكُونَ عُمِلَ بِهِ بَعْدَهُ فَابْنُ عُمَرَ الذي سَمِعَهُ من النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كان إذَا ابْتَاعَ الشَّيْءَ يُعْجِبُهُ أَنْ يَجِبَ له فَارَقَ صَاحِبَهُ فَمَشَى قَلِيلًا ثُمَّ رَجَعَ أخبرنا بِذَلِكَ سُفْيَانُ عن بن جُرَيْجٍ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ وقد خَالَفْتُمْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وبن عُمَرَ جميعا - * بَابُ بَيْعِ الْبَرْنَامَجِ - * سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عن بَيْعِ السَّاجِ الْمُدْرَجِ وَالْقِبْطِيَّةِ وَبَيْعِ الْأَعْدَالِ على الْبَرْنَامَجِ على أَنَّهُ وَاجِبٌ بِصِفَةٍ أو غَيْرِ صِفَةٍ قال لَا يَجُوزُ من هذا شَيْءٌ إلَّا لِمُشْتَرِيهِ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ قُلْت وما الْحُجَّةُ في ذلك قال أخبرنا مَالِكٌ عن مُحَمَّدِ بن يحيى بن حِبَّانَ وَعَنْ أبي الزِّنَادِ عن الْأَعْرَجِ عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَقُولُ في السَّاجِ الْمُدْرَجِ وَالْقِبْطِيِّ الْمُدْرَجِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا لِأَنَّهُمَا في مَعْنَى الْمُلَامَسَةِ وَنَزْعُمُ أَنَّ بَيْعَ الْأَعْدَالِ على الْبَرْنَامَجِ يَجُوزُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَالْأَعْدَالُ التي لَا تُرَى أُدْخِلَ في مَعْنَى الْغَرَرِ الْمُحَرَّمِ من الْقِبْطِيَّةِ وَالسَّاجِ يُرَى بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ وَلِأَنَّهُ لَا يُرَى من الْأَعْدَالِ شَيْءٌ وَأَنَّ الصَّفْقَةَ تَقَعُ منها على ثِيَابٍ مُخْتَلِفَةٍ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ إنَّمَا نُفَرِّقُ بين ذلك لِأَنَّ الناس أَجَازُوهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ما عَلِمْت أَحَدًا يقتدى بِهِ في الْعَلَمِ أَجَازَهُ فَإِنْ قُلْتُمْ إنَّمَا أَجَزْنَاهُ على الصفة ( ( ( الصفقة ) ) ) فَبُيُوعُ الصفات ( ( ( الصفقات ) ) ) لَا تَجُوزُ إلَّا مَضْمُونَةً على صَاحِبِهَا بِصِفَةٍ يَكُونُ عليه أَنْ يَأْتِيَ بها بِكُلِّ حَالٍ وَلَيْسَ هَكَذَا بَيْعُ الْبَرْنَامَجِ أَرَأَيْت لو هَلَكَ الْمَبِيعُ أَيَكُونُ على بَائِعِهِ أَنْ يَأْتِيَ بِصِفَةِ مِثْلِهِ فَإِنْ قُلْتُمْ لَا فَهَذَا لَا بَيْعُ عَيْنٍ وَلَا بَيْعُ صِفَةٍ - * بَابُ بَيْعِ الثَّمَرِ - * سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عن بَيْعِ الثَّمَرِ حتى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ فقال أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن بَيْعِ الثَّمَرِ حتى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ نهى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا نَأْخُذُ وَفِيهِ دَلَائِلُ بَيِّنَةٌ منها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذْ نهى عن بَيْعِ الثَّمَرِ حتى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ قال وَصَلَاحُهُ أَنْ تَرَى فيه الْحُمْرَةَ أو الصُّفْرَةَ لِأَنَّ الْآفَةَ قد تَأْتِي عليه أو على بَعْضِهِ قبل بُلُوغِهِ أو يَجِدُ بُسْرًا وهو في الْحَالِ التي نهى عنها ظَاهِرٌ يَرَاهُ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي كما كَانَا يَرَيَانِهِ إذَا رُئِيَتْ فيه الْحُمْرَةُ بِمَا وَصَفْنَا من مَعْنَى أَنَّ الْآفَةَ رُبَّمَا كانت فَقَطَعَتْهُ أو نَقَصَتْهُ كانت كُلُّ ثَمَرَةٍ مثله لَا يَحِلُّ أَنْ تُبَاعَ أَبَدًا حتى تزهي وَتُنْضَجَ منها ذلك وَبِهَذَا قُلْنَا وقد قُلْتُمْ بِالْجُمْلَةِ وَقُلْنَا لَا يَحِلُّ بَيْعُ الْقِثَّاءِ وَلَا الْخِرْبِزِ وَإِنْ ظَهَرَ وَعَظُمَ حتى يُرَى فيه النُّضْجُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقُلْنَا فإذا لم يَحِلَّ بَيْعُ الْقِثَّاءِ وَالْخِرْبِزِ حتى يُرَى فيه النُّضْجُ كان بَيْعُ ما لم يَخْرُجْ من الْقِثَّاءِ وَالْخِرْبِزِ أَحْرَمَ لِأَنَّهُ لم يَبْدُ صَلَاحُهُ ولم يُخْلَقْ وَلَا يدري لَعَلَّهُ لَا يَكُونُ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَقُولُ إذَا ظَهَرَ شَيْءٌ من الْقِثَّاءِ حَلَّ أَنْ تُبَاعَ ثَمَرَتُهُ تِلْكَ وما خَلَقَ من الْقِثَّاءِ ما نَبَتَ أَصْلُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن بَيْعِ الثَّمَرِ حتى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ فَلِمَ أَجَزْتُمْ بَيْعَ شَيْءٍ لم يُخْلَقْ بَعْدُ وَنَهَى رسول اللَّهِ
____________________

(7/220)


صلى اللَّهُ عليه وسلم عن بَيْعِ السِّنِينَ وَبَيْعُ السِّنِينَ بَيْعُ الثَّمَرِ سِنِينَ فَإِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّهُ يَجُوزُ في النَّخْلِ إذَا طَابَتْ الْعَامَ أَنَّ ثَمَرَتَهُ قَابِلًا فَقَدْ خَالَفْتُمْ ما روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّ بَيْعَ ثَمَرَةٍ لم تَأْتِ لَا يَحِلُّ فَكَذَلِكَ كان يَنْبَغِي أَنْ تَقُولُوا في الْقِثَّاءِ وَالْخِرْبِزِ سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عن الْقِثَّاءِ وَالْخِرْبِزِ وَالْفُجْلِ يشتري أَيَكُونُ لِمُشْتَرِيهِ أَنْ يَبِيعَهُ قبل أَنْ يَقْبِضَهُ فقال لَا وَلَا يُبَاعُ شَيْءٌ منه بِشَيْءٍ منه مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ وما الْحُجَّةُ في ذلك فقال أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَقُولُ كما قُلْت لَا يُبَاعُ حتى يُقْبَضَ وَلَا بَأْسَ بِالْفَضْلِ في بَعْضِهَا على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فيه نَسِيئَةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هذا خِلَافُ السُّنَّةِ في بَعْضِ الْقَوْلِ قُلْت وَمِنْ أَيْنَ قال زَعَمْتُمْ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ حتي يُقْبَضَ وَزَعَمْتُمْ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ نَسِيئَةً وَهَذَا في حُكْمِ الطَّعَامِ من التَّمْرِ وَالْحِنْطَةِ ثُمَّ زَعَمْتُمْ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْفَضْلِ في بَعْضِهَا على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَهَذَا خِلَافُ حُكْمِ الطَّعَامِ وَهَذَا قَوْلٌ لَا يُقْبَلُ من أَحَدٍ من الناس إمَّا أَنْ تَكُونَ خَارِجَةً من الطَّعَامِ فَلَا بَأْسَ عِنْدَكُمْ أَنْ تُبَاعَ قبل أَنْ تُقْبَضَ وَيُبَاعَ منها وَاحِدٌ بِعَشَرَةٍ من صِنْفِهِ نَسِيئَةً أو تَكُونَ طَعَامًا فَلَا يَجُوزُ الْفَضْلُ في الصِّنْفِ منها على الْآخَرِ من صِنْفِهِ يَدًا بِيَدٍ - * بَابُ ما جاء في ثَمَنِ الْكَلْبِ - * سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عن الرَّجُلِ يَقْتُلُ الْكَلْبَ لِلرَّجُلِ فقال ليس عليه غُرْمٌ فَقُلْت وما الْحُجَّةُ في ذلك فقال أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن أبي بَكْرِ بن عبد الرحمن بن الحرث بن هِشَامٍ عن أبي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغْيِ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ قال مَالِكٌ وَإِنَّمَا أَكْرَهُ بَيْعَ الْكِلَابِ الضَّوَارِي وَغَيْرِ الضَّوَارِي لنهى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عن ثَمَنِ الْكَلْبِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) نَحْنُ نُجِيزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَّخِذَ الْكِلَابَ الضَّوَارِيَ وَلَا نُجِيزُ له أَنْ يَبِيعَهَا لِنَهْيِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وإذا حَرَّمْنَا ثَمَنَهَا في الْحَالِ التي يَحِلُّ اتِّخَاذُهَا فيه اتِّبَاعًا لِأَمْرِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَحِلَّ أَنْ يَكُونَ لها ثَمَنٌ بِحَالٍ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَقُولُ لو قَتَلَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ كَلْبًا غَرِمَ له ثَمَنَهُ فقال الشَّافِعِيُّ هذا خِلَافُ حديث رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْقِيَاسُ عليه وَخِلَافُ أَصْلِ قَوْلِكُمْ كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ تُغَرِّمُوهُ ثَمَنَهُ في الْحَالِ التي تَفُوتُ فيها نَفْسُهُ وَأَنْتُمْ لَا تَجْعَلُونَ له ثَمَنًا في الْحَالِ التي يَحِلُّ أَنْ يُنْتَفَعَ بِهِ فيها فَإِنْ قال قَائِلٌ فإن من الْمَشْرِقِيِّينَ من زَعَمَ أَنَّهُ إذَا قَتَلَ فَفِيهِ ثَمَنُهُ وَيُرْوَى فيه أثرا ( ( ( أثر ) ) ) فَأُولَئِكَ يُجِيزُونَ بَيْعَهُ حَيًّا وَيَرُدُّونَ الحديث الذي في النَّهْيِ عن ثَمَنِهِ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ الْكَلْبَ سِلْعَةٌ من السِّلَعِ يَحِلُّ ثَمَنُهُ كما يَحِلُّ ثَمَنُ الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ وَإِنْ لم يُؤْكَلْ لَحْمُهُمَا لِلْمَنْفَعَةِ فِيهِمَا وَيَقُولُونَ لو زَعَمْنَا أَنَّ ثَمَنَهُ لَا يَحِلُّ زَعَمْنَا أَنَّهُ لَا شَيْءَ على من قَتَلَهُ وَيَقُولُونَ أَشْبَاهًا لِهَذَا كَثِيرَةً فَيَزْعُمُونَ أَنَّ مَاشِيَةً لِرَجُلٍ لو مَاتَتْ كان له أَنْ يَسْلُخَ جُلُودَهَا فَيَدْبُغَهَا فإذا دُبِغَتْ حَلَّ بَيْعُهَا وَلَوْ اسْتَهْلَكَهَا رَجُلٌ قبل الدَّبَّاغِ لم يَضْمَنْ لِصَاحِبِهَا شيئا لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ ثَمَنُهَا حتى تُدْبَغَ وَيَقُولُونَ في الْمُسْلِمِ يَرِثُ الْخَمْرَ أو تُوهَبُ له لَا تَحِلُّ له إلَّا بِأَنْ يُفْسِدَهَا فَيَجْعَلَهَا خَلًّا فإذا صَارَتْ خَلًّا حَلَّ ثَمَنُهَا وَلَوْ اسْتَهْلَكَهَا مُسْتَهْلِكٌ وَهِيَ خَمْرٌ أو بَعْدَ ما أُفْسِدْت وَقَبْلَ أَنْ تَصِيرَ خَلًّا لم يَضْمَنْ ثَمَنَهَا في تِلْكَ الْحَالِ لِأَنَّ أَصْلَهَا مُحَرَّمٌ ولم تَصِرْ خَلًّا لِأَنَّهُمْ يَعْقِلُونَ ما يَقُولُونَ وَإِنَّمَا صَارُوا مَحْجُوجِينَ بِخِلَافِ الحديث الذي ثَبَتْنَاهُ نَحْنُ وَأَنْتُمْ من أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن ثَمَنِ الْكَلْبِ وَهُمْ لَا يُثْبِتُونَهُ وَأَنْتُمْ مَحْجُوجُونَ بِأَنَّكُمْ لم تَتَّبِعُوهُ وَأَنْتُمْ تُثْبِتُونَهُ وَلَا تَجْعَلُونَ لِلْكَلْبِ ثَمَنًا إذَا كان حَيًّا وَتَجْعَلُونَ فيه ثَمَنًا إذَا كان مَيِّتًا أو رَأَيْتُمْ لو قال لَكُمْ قَائِلٌ لَا أَجْعَلُ له ثَمَنًا إذَا قُتِلَ لِأَنَّهُ قد ذَهَبَتْ مَنْفَعَتُهُ وَأُجِيزَ أَنْ يُبَاعَ حَيًّا ما كانت الْمَنْفَعَةُ فيه وكان حَلَالًا أَنْ يُتَّخَذَ هل الْحُجَّةُ عليه إلَّا أَنْ يُقَالَ ما كان له مَالِكٌ وكان له ثَمَنٌ في حَيَاتِهِ كان له ثَمَنٌ وما لم يَكُنْ له ثَمَنٌ في إحْدَى الْحَالَيْنِ لم يَكُنْ له ثَمَنٌ في الْأُخْرَى
____________________

(7/221)


- * بَابُ في الزَّكَاةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا مَالِكُ بن أَنَسٍ عن عَمْرِو بن يحيى عن أبيه عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ليس فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ قال وَبِهَذَا نَقُولُ وَتَقُولُونَ في الْجُمْلَةِ ثُمَّ خَالَفْتُمُوهُ في مَعَانٍ وقد زَعَمْتُمْ وَزَعَمْنَا أَنْ لَا يُضَمَّ صِنْفُ طَعَامٍ إلَى غَيْرِهِ لِأَنَّا إذَا ضَمَمْنَاهَا فَقَدْ أَخَذْنَا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فإن في حديث النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ما يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ في خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ حتى تَكُونَ من صِنْفٍ وَاحِدٍ ثُمَّ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ تَضُمُّونَ الْحِنْطَةَ وَالسُّلْتَ وَالشَّعِيرَ مَعًا لِأَنَّ سَعْدًا لم يُجِزْ الْحِنْطَةَ بِالشَّعِيرِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِيعُوا الْحِنْطَةَ بِالشَّعِيرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ ولم يَقُلْ في السُّلْتِ شيئا عَلِمْتُهُ وَالسُّلْتُ غَيْرُ الْحِنْطَةِ وَالتَّمْرُ من الزَّبِيبِ أَقْرَبُ من السُّلْتِ من الْحِنْطَةِ وَأَنْتُمْ لَا تَضُمُّونَ أَحَدَهُمَا إلَى الْآخَرِ وَزَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ تَضُمُّونَ الْقُطْنِيَّةَ كُلَّهَا بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ وَتَزْعُمُونَ أَنَّ حُجَّتَكُمْ فيها أَنَّ عُمَرَ أَخَذَ من الْقُطْنِيَّةِ الْعُشْرَ وَنَحْنُ وَأَنْتُمْ نَأْخُذُ من الْقُطْنِيَّةِ وَالْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ وَالْعُشُورِ أَفَيُضَمُّ بَعْضُ ذلك إلَى بَعْضٍ وَأَخَذَ عُمَرُ من الْحِنْطَةِ وَالزَّبِيبِ نِصْفَ الْعُشْرِ أَفَيُضَمُّ الزَّبِيبُ إلَى الْحِنْطَةِ إنَّ هذا لِإِحَالَةٍ عَمَّا جاء عن عُمَرَ وَخِلَافُهُ هذا قَوْلٌ مُتَنَاقِضٌ أَنْتُمْ تُحِلُّونَ التَّفَاضُلَ إذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ فَكَيْفَ حَلَّ لَكُمْ أَنْ تَضُمُّوهَا وَهِيَ عِنْدَكُمْ مُخْتَلِفَةٌ وَكَيْفَ جَازَ لَكُمْ أَنْ يَحِلَّ فيها التَّفَاضُلُ وَهِيَ عِنْدَكُمْ طَعَامٌ من صِنْفٍ وَاحِدٍ ما أَعْلَمُ قَوْلَكُمْ في الْقُطْنِيَّةِ وَالسُّلْتِ وَالشَّعِيرِ إلَّا خِلَافًا لَلسُّنَّةِ وَالْآثَارِ وَالْقِيَاسِ - * بَابُ النِّكَاحِ بولى - * سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عن النِّكَاحِ فقال كُلُّ نِكَاحٍ بِغَيْرِ وَلِيٍّ فَهُوَ بَاطِلٌ فَقُلْت وما الْحُجَّةُ في ذلك قال أَحَادِيثُ ثَابِتَةٌ فَأَمَّا من حديث مَالِكٍ فإن مَالِكًا أخبرنا عن عبد اللَّهِ بن الْفَضْلِ عن نَافِعِ بن جُبَيْرٍ عن بن عَبَّاسٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا من وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ في نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ بن الْمُسَيِّبِ كان يقول قال عُمَرُ بن الْخَطَّابِ لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ إلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهَا أو ذِي الرَّأْيِ من أَهْلِهَا أو السُّلْطَانِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَثَبَتُّمْ هذا وَقُلْتُمْ لَا يَجُوزُ نِكَاحٌ إلَّا بِوَلِيٍّ وَنَحْنُ نَقُولُ فيه بِأَحَادِيثَ من أَحَادِيثِ الناس أَثْبَتَ من أَحَادِيثِهِ وَأَبْيَنَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ وَعَبْدُ الْمَجِيدِ عن بن جُرَيْجٍ عن سُلَيْمَانَ بن مُوسَى عن بن شِهَابٍ عن عُرْوَةَ عن عَائِشَةَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال أَيُّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ثَلَاثًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مُسْلِمٌ وَسَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عِكْرِمَةَ قال جَمَعَ الطَّرِيقُ رَكْبًا فِيهِمْ امْرَأَةٌ ثَيِّبٌ فَجَعَلَتْ أَمْرَهَا بِيَدِ رَجُلٍ فَزَوَّجَهَا رَجُلًا فَجَلَدَ عُمَرُ النَّاكِحَ وَالْمُنْكِحَ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مُسْلِمٌ عن بن خُثَيْمٍ عن سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ عن بن عَبَّاسٍ قال لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ مُرْشِدٍ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا قَوْلُ الْعَامَّةِ بِالْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ نَحْنُ نَقُولُ في الدَّنِيَّةِ لَا بَأْسَ بِأَنْ تُنْكَحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَنَفْسَخُهُ في الشَّرِيفَةِ فقال الشَّافِعِيُّ عُدْتُمْ لِمَا سَدَدْتُمْ من أَمْرِ الْأَوْلِيَاءِ فَنَقَضْتُمُوهُ فقلتم ( ( ( قلتم ) ) ) لَا بَأْسَ أَنْ تُنْكَحُ الدَّنِيَّةُ بِغَيْرِ وَلِيٍّ فَأَمَّا الشَّرِيفَةُ فَلَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) السُّنَّةُ وَالْآثَارُ على كل امْرَأَةٍ فَمَنْ أَمَرَكُمْ أَنْ تَخُصُّوا الشَّرِيفَةَ بِالْحِيَاطَةِ لها وَاتِّبَاعِ الحديث فيها وَتُخَالِفُونَ الحديث عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَعَمَّنْ بَعْدَهُ في الدَّنِيَّةِ أَرَأَيْتُمْ لو قال لَكُمْ قَائِلٌ بَلْ لَا أُجِيزُ نِكَاحَ الدَّنِيَّةِ إلَّا بِوَلِيٍّ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ من أَنْ تُدَلِّسَ بِالنِّكَاحِ وَتَصِيرَ إلَى الْمَكْرُوهِ من الشَّرِيفَةِ التي تَسْتَحْيِي على شَرَفِهَا وَتَخَافُ من يَمْنَعُهَا أَمَا كان أَقْرَبَ إلَى أَنْ يَكُونَ أَصَابَ مِنْكُمْ فإن الْخَطَأَ في هذا الْقَوْلِ لَأَبْيَنُ من أَنْ يُحْتَاجُ ألي تبيينه ( ( ( تبينه ) ) ) بِأَكْثَرَ من حِكَايَتِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) النِّسَاءُ مُحَرَّمَاتُ الْفُرُوجِ إلَّا بِمَا أُبِيحَتْ بِهِ الْفُرُوجُ من النِّكَاحِ بِالْأَوْلِيَاءِ وَالشُّهُودِ وَالرِّضَا
____________________

(7/222)


وَلَا فَرْقَ بين ما يَحْرُمُ مِنْهُنَّ وَعَلَيْهِنَّ في شَرِيفَةٍ وَلَا وَضِيعَةٍ وَحَقُّ اللَّهِ عَلَيْهِنَّ وَفِيهِنَّ كُلِّهِنَّ وَاحِدٌ لَا يَحِلُّ لواحدة ( ( ( لواحد ) ) ) مِنْهُنَّ وَلَا يَحْرُمُ منها إلَّا بِمَا حُلَّ لِلْأُخْرَى وَحُرِّمَ منها - * بَابُ ما جاء في الصَّدَاقِ - * سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عن أَقَلِّ ما يَجُوزُ من الصَّدَاقِ فقال الصَّدَاقُ ثَمَنٌ من الْأَثْمَانِ فما تَرَاضَى بِهِ الْأَهْلُونَ في الصَّدَاقِ مِمَّا له قِيمَةٌ فَهُوَ جَائِزٌ كما ما تَرَاضَى بِهِ الْمُتَبَايِعَانِ مِمَّا له قِيمَةٌ جَازَ قُلْت وما الْحُجَّةُ في ذلك قال السُّنَّةُ الثَّابِتَةُ وَالْقِيَاسُ وَالْمَعْقُولُ وَالْآثَارُ فَأَمَّا من حديث مَالِكٍ فَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ عن أبي حَازِمٍ عن سَهْلِ بن سَعْدٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا من حَدِيدٍ فقال لَا أَجِدُ فَزَوَّجَهُ إيَّاهَا بِمَا معه من الْقُرْآنِ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَقُولُ لَا يَكُونُ صَدَاقٌ أَقَلَّ من رُبْعِ دِينَارٍ وَنَحْتَجُّ فيه أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يقول { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ من قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وقد فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ } وقال { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } فَأَيَّ شَيْءٍ يُعْطِيهَا لو أَصْدَقَهَا دِرْهَمًا قُلْنَا نِصْفَ دِرْهَمٍ وَكَذَلِكَ لو أَصْدَقَهَا أَقَلَّ من دِرْهَمٍ كان لها نِصْفُهُ قُلْت فَهَذَا قَلِيلٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) هذا شَيْءٌ خَالَفْتُمْ فيه السُّنَّةَ وَالْعَمَلَ وَالْآثَارَ بِالْمَدِينَةِ ولم يَقُلْهُ أَحَدٌ قَبْلَكُمْ بِالْمَدِينَةِ عَلِمْنَاهُ وَعُمَرُ بن الْخَطَّابِ يقول ثَلَاثُ قَبَضَاتِ زَبِيبٍ مَهْرٌ وَسَعِيدُ بن الْمُسَيِّبِ يقول لو أَصْدَقَهَا سَوْطًا فما فَوْقَهُ جَازَ وَرَبِيعَةُ بن أبي عبد الرحمن يُجِيزُ النِّكَاحَ على نِصْفِ دِرْهَمٍ وَأَقَلَّ وَإِنَّمَا تَعَلَّمْتُمْ هذا فِيمَا نَرَى من أبي حَنِيفَةَ ثُمَّ أَخْطَأْتُمْ قَوْلُهُ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قال لَا يَكُونُ الصَّدَاقُ أَقَلَّ مِمَّا تقطع ( ( ( نقطع ) ) ) فيه الْيَدَ وَذَلِكَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَقِيلَ لِبَعْضِ من يَذْهَبُ مَذْهَبَ أبي حَنِيفَةَ أو خَالَفْتُمْ ما رَوَيْنَا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَمَنْ بَعْدَهُ فَإِلَى قَوْلِ من ذَهَبْتُمْ فَرَوَى عن عَلِيٍّ فيه شيئا لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ لو لم يُخَالِفْهُ غَيْرُهُ لَا يَكُونُ مَهْرٌ أَقَلَّ من عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَأَنْتُمْ خَالَفْتُمُوهُ فَقُلْتُمْ يَكُونُ الصَّدَاقُ رُبْعَ دِينَارٍ قال وقال بَعْضُ أَصْحَابِ أبي حَنِيفَةَ إنَّا اسْتَقْبَحْنَا أَنْ يُبَاحَ الْفَرْجُ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ قُلْنَا أَفَرَأَيْت إنْ اشْتَرَى رَجُلٌ جَارِيَةً بِدِرْهَمٍ يَحِلُّ له فَرْجُهَا قالوا نعم قُلْنَا فَقَدْ أَبَحْتُمْ فَرْجًا وَزِيَادَةَ رَقَبَةٍ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ فَجَعَلْتُمُوهَا تُمْلَكُ رَقَبَتُهَا وَيُبَاحُ فَرْجُهَا بِدِرْهَمٍ وَأَقَلَّ وَزَعَمْتُمْ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ فَرْجُهَا مَنْكُوحَةً إلَّا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ أو رَأَيْت عَشَرَةَ دَرَاهِمَ لِسَوْدَاءَ فَقِيرَةٍ يَنْكِحُهَا شَرِيفٌ أَلَيْسَتْ بِأَكْثَرَ لِقَدْرِهَا من عَشَرَةِ دَرَاهِمَ لِشَرِيفَةٍ غَنِيَّةٍ نَكَحَهَا دَنِيءٌ فَقِيرٌ أو رَأَيْتُمْ وَحِينَ ذَهَبْتُمْ إلَى ما تُقْطَعُ فيه الْيَدُ فَجَعَلْتُمْ الصَّدَاقَ قِيَاسًا عليه أَلَيْسَ الصَّدَاقُ بِالصَّدَاقِ أَشْبَهُ منه بِالْقَطْعِ فَقَالُوا الصَّدَاقُ خَبَرٌ وَالْقَطْعُ خَبَرٌ لَا أَنَّ أَحَدَهُمَا قِيَاسٌ على الْآخَرِ وَلَكِنَّهُمَا اتَّفَقَا على الْعَدَدِ هذا تُقْطَعُ فيه الْيَدُ وَهَذَا يَجُوزُ مَهْرًا فَلَوْ قال رَجُلٌ لَا يَجُوزُ صَدَاقٌ أَقَلُّ من خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ لِأَنَّ ذلك صَدَاقُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَصَدَاقُ بَنَاتِهِ أَلَا يَكُونُ أَقْرَبَ مِنْكُمْ أو قال رَجُلٌ لَا يَحِلُّ أَنْ يَكُونَ الصَّدَاقُ أَقَلَّ من مِائَتَيْ دِرْهَمٍ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ في أَقَلَّ من مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَلَا يَكُونُ أَقْرَبَ إلَى الصَّوَابِ مِنْكُمْ وَإِنْ كان كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا غير مُصِيبٍ وإذا كان لَا يَنْبَغِي هذا وما قُلْتُمْ فَلَا يَنْبَغِي فيه إلَّا اتِّبَاعُ السُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ أَرَأَيْتُمْ إنْ كان الرَّجُلُ يُصْدِقُ الْمَرْأَةَ صَدَاقَ مِثْلِهَا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَيَجُوزُ وَلَا يَكُونُ له رَدُّهُ وَيُصْدِقُ الْمَرْأَةَ عَشَرَةً وَصَدَاقُ مِثْلِهَا آلَافٌ فَيَجُوزُ وَلَا يَكُونُ لها رَدُّ ذلك كما تَكُونُ الْبُيُوعُ يَجُوزُ فيها التَّغَابُنُ بِرِضَا الْمُتَبَايِعَيْنِ فَلِمَ يَكُون هَكَذَا فِيمَا فَوْقَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَلَا يَكُونُ هَكَذَا فِيمَا دُونَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ قَضَى في الْمَرْأَةِ يَتَزَوَّجُهَا الرَّجُلُ أَنَّهُ إذَا أُرْخِيَتْ السُّتُورُ فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ أَنَّ زَيْدَ بن ثَابِتٍ قال إذَا دخل الرَّجُلُ بِامْرَأَتِهِ فَأُرْخِيَتْ عَلَيْهِمَا السُّتُورُ فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) ليس إرْخَاءُ السُّتُورِ يُوجِبُ الصَّدَاقَ عِنْدِي لِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ من قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ } وَلَا نُوجِبُ الصَّدَاقَ إلَّا بِالْمَسِيسِ قال وَكَذَا روى عن بن عَبَّاسٍ وَشُرَيْحٍ وهو مَعْنَى الْقُرْآنِ
____________________

(7/223)


- * بَابٌ في الرَّضَاعِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن عُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ سَهْلَةَ ابْنَة سُهَيْلٍ أَنْ تُرْضِعَ سَالِمًا خَمْسَ رَضَعَاتٍ فَيَحْرُمُ بِهِنَّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن عبد اللَّهِ بن أبي بَكْرِ بن مُحَمَّدِ بن عَمْرِو بن حَزْمٍ عن عَمْرَةَ عن عَائِشَةَ أنها قالت كان فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ في الْقُرْآنِ < عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ > ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فتوفى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَهُنَّ مِمَّا يُقْرَأُ من الْقُرْآنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ أَنَّ سَالِمَ بن عبد اللَّهِ أخبره أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَرْسَلَتْ بِهِ وهو يُرْضَعُ إلَى أُخْتِهَا أُمِّ كُلْثُومٍ فَأَرْضَعَتْهُ ثَلَاثَ رَضَعَاتٍ ثُمَّ مَرِضَتْ فلم تُرْضِعْهُ غير ثَلَاثِ رَضَعَاتٍ فلم يَكُنْ يَدْخُلْ على عَائِشَةَ من أَجْلِ أَنَّ أُمَّ كُلْثُومٍ لم تُكْمِلْ له عَشْرَ رَضَعَاتٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن صَفِيَّةَ بِنْتِ أبي عُبَيْدٍ أنها أَخْبَرَتْهُ أَنَّ حَفْصَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَرْسَلَتْ بِعَاصِمِ بن عبد اللَّهِ بن سَعْدٍ إلَى أُخْتِهَا فَاطِمَةَ بِنْتِ عُمَرَ تُرْضِعُهُ عَشْرَ رَضَعَاتٍ لَيَدْخُلَ عليها وهو صَغِيرٌ يَرْضَعُ فَفَعَلَتْ فَكَانَ يَدْخُلُ عليها ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَرَوَيْتُمْ عن عَائِشَةَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ كِتَابًا أَنْ يَحْرُمُ من الرَّضَاعِ بِعَشْرِ رَضَعَاتٍ ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ وَأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم توفى وَهِيَ مِمَّا يَقْرَأُ من الْقُرْآنِ وروى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ أَمَرَ بِأَنْ يُرْضَعَ سَالِمٌ خَمْسَ رَضَعَاتٍ يَحْرُمُ بِهِنَّ وَرَوَيْتُمْ عن عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ أُمَّيْ الْمُؤْمِنِينَ مِثْلَ ما رَوَتْ عَائِشَةُ وَخَالَفْتُمُوهُ وَرَوَيْتُمْ عن بن الْمُسَيِّبِ أَنَّ الْمَصَّةَ الْوَاحِدَةَ تُحَرِّمُ فَتَرَكْتُمْ رِوَايَةَ عَائِشَةَ وَرَأْيَهَا وَرَأْيَ حَفْصَةَ بِقَوْلِ بن الْمُسَيِّبِ وَأَنْتُمْ تَتْرُكُونَ على سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ رَأْيَهُ بِرَأْيِ أَنْفُسِكُمْ مع أَنَّهُ رُوِيَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مِثْلُ ما رَوَتْ عَائِشَةُ وبن الزُّبَيْرِ وَوَافَقَ ذلك رَأْيَ أبي هُرَيْرَةَ وَهَكَذَا يَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ يَكُونَ عِنْدَكُمْ الْعَمَلُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا أَنَسُ بن عِيَاضٍ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه عن عبد اللَّهِ بن الزُّبَيْرِ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ أَسَمِعَ بن الزُّبَيْرِ من النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال نعم وَحَفِظَهُ عنه وكان يوم توفى النبي بن تِسْعِ سِنِينَ - * بَابُ ما جاء في الْوَلَاءِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه عن عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن عبد اللَّهِ بن دِينَارٍ عن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي وَبِهَذَا أَقُولُ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ إنَّا نَقُولُ في السَّائِبَةِ وَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ وفي النَّصْرَانِيِّ يُعْتِقُ الْمُسْلِمَ وَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَتَقُولُونَ في الرَّجُلِ يُسْلِمُ على يَدَيْ الرَّجُلِ أو يَلْتَقِطُهُ أو يُوَالِيه لَا يَكُونُ لِوَاحِدٍ من هَؤُلَاءِ وَلَاءٌ لِأَنَّ وَاحِدًا من هَؤُلَاءِ لم يُعْتِقْ وَالْعِتْقُ يَقُومُ مَقَامَ النَّسَبِ ثُمَّ تَعُودُونَ فَتَخْرُجُونَ من الْحَدِيثَيْنِ وَأَصْلِ قَوْلِكُمْ فَتَقُولُونَ إذَا أَعْتَقَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ سَائِبَةً لم يَكُنْ له وَلَاؤُهُ وإذا أَعْتَقَ الذِّمِّيُّ عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ لم يَكُنْ له وَلَاؤُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَعْدُو الْمُعْتَقُ عَبْدَهُ سَائِبَةً وَالنَّصْرَانِيُّ يُعْتِقُ عَبْدَهُ مُسْلِمًا أَنْ يَكُونَا مَالِكَيْنِ يَجُوزُ عِتْقُهُمَا فَقَدْ قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ فَمَنْ قال لَا وَلَاءَ لِهَذَيْنِ فَقَدْ خَالَفَ ما جاء عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَخْرَجَ الْوَلَاءَ من الْمُعْتَقِ الذي جَعَلَهُ له رسول اللَّهِ أو يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا في حُكْمِ من لَا يَجُوزُ له الْعِتْقُ إذَا كَانَا لَا يَثْبُتُ لَهُمَا الْوَلَاءُ فإذا أَعْتَقَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ سَائِبَةً أو النَّصْرَانِيُّ عَبْدَهُ مُسْلِمًا لم يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا حُرًّا لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُمَا الْوَلَاءُ وَأَنْتُمْ وَاَللَّهُ يُعَافِينَا وَإِيَّاكُمْ
____________________

(7/224)


لَا تَعْرِفُونَ ما تَتْرُكُونَ وَلَا ما تَأْخُذُونَ فَقَدْ تَرَكْتُمْ على عُمَرَ أَنَّهُ قال لِلَّذِي الْتَقَطَ الْمَنْبُوذَ وَلَاؤُهُ لَك وَتَرَكْتُمْ على مَيْمُونَةَ زَوْجِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وبن عَبَّاسٍ أنها وَهَبَتْهُ وَلَاءَ سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ وَتَرَكْتُمْ حَدِيثَ عبد الْعَزِيزِ بن عُمَرَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في الرَّجُلِ يُسْلِمُ على يَدَيْ الرَّجُلِ له وَلَاؤُهُ وَقُلْتُمْ الْوَلَاءُ لَا يَكُونُ إلَّا لِمُعْتِقٍ وَلَا يَزُولُ بِهِبَةٍ وَلَا شَرْطٍ عن مُعْتِقٍ ثُمَّ زَعَمْتُمْ في السَّائِبَةِ وَلَهُ مُعْتِقٌ وفي النَّصْرَانِيِّ يُعْتِقُ الْمُسْلِمَ وهو مُعْتَقٌ أَنْ لَا وَلَاءَ لَهُمَا فَلَوْ أَخَذْتُمْ ما أَصَبْتُمْ فيه بِتَبَصُّرٍ كان السَّائِبَةُ وَالنَّصْرَانِيُّ أَوْلَى أَنْ تَقُولُوا وَلَاءُ السَّائِبَةِ لِمَنْ أَعْتَقَهُ وَالْمُسْلِمُ لِلنَّصْرَانِيِّ إذَا أَعْتَقَهُ وقد فَرَّقْتُمْ بَيْنَهُمَا كان ما خَالَفْتُمُوهُ لِمَا خَالَفَ حَدِيثَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ أَوْلَى أَنْ تَتَّبِعُوهُ لِأَنَّ فيه آثَارًا مِمَّا لَا أَثَرَ فيه - * بَابُ الْإِفْطَارِ في شَهْرِ رَمَضَانَ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن حُمَيْدِ بن عبد الرحمن عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا أَفْطَرَ في رَمَضَانَ فَأَمَرَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يُكَفِّرَ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ أو صِيَامِ شَهْرَيْنِ أو إطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا فقال إنِّي لَا أَجِدُ فَأَتَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِعَرَقٍ فقال له خُذْ هذا فَتَصَدَّقْ بِهِ فقال يا رَسُولَ اللَّهِ ما أَجِدُ أَحْوَجَ مِنِّي فَضَحِكَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حتى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قال كُلْهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن عَطَاءٍ الخرساني ( ( ( الخراساني ) ) ) عن سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ أَنَّ أَعْرَابِيًّا جاء إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال أَصَبْت أَهْلِي في رَمَضَانَ وأنا صَائِمٌ فقال رسول اللَّهِ هل تَسْتَطِيعُ أَنْ تُعْتِقَ رَقَبَةً قال لَا قال فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُهْدِيَ بَدَنَةً قال لَا قال فَاجْلِسْ فَأُتِيَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِعَرَقٍ فَأَعْطَاهُ إيَّاهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ بهذا نَقُولُ يُعْتِقُ رَقَبَةً لَا يُجْزِيهِ غَيْرُهَا إذَا وَجَدَهَا وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ وَزَعَمْتُمْ أَنَّ أَحَبَّ إلَيْكُمْ أَنْ لَا تُكَفِّرُوا إلَّا بِإِطْعَامٍ يا سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ كَيْفَ تَرْوُونَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم شيئا تُخَالِفُونَهُ وَلَا تُخَالِفُونَ إلَى قَوْلِ أَحَدٍ من خَلْقِ اللَّهِ ما رَأَيْنَا أَحَدًا قَطُّ في شَرْقٍ وَلَا غَرْبٍ قَبْلَكُمْ وَلَا بَلَغَنَا عنه أَنَّهُ قال مِثْلَ هذا وما لِأَحَدٍ خِلَافُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم - * بَابٌ في اللُّقَطَةِ - * سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عَمَّنْ وَجَدَ لُقَطَةً فقال يُعَرِّفُهَا سَنَةً ثُمَّ يَأْكُلُهَا إنْ شَاءَ مُوسِرًا كان أو مُعْسِرًا فإذا جاء صَاحِبُهَا ضَمِنَهَا له فَقُلْت له وما الْحُجَّةُ في ذلك قال السُّنَّةُ الثَّابِتَةُ وروي هذا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أُبَيّ بن كَعْبٍ وَأَمَرَهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِأَكْلِهَا وَأُبَيُّ من مَيَاسِيرِ الناس يَوْمَئِذٍ وَقَبْلُ وَبَعْدُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكُ بن أَنَسٍ عن رَبِيعَةَ بن أبي عبد الرحمن عن يَزِيدَ مولى الْمُنْبَعِثِ عن زَيْدِ بن خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قال جاء رَجُلٌ إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَسَأَلَهُ عن اللُّقَطَةِ فقال أعرف عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً فَإِنْ جاء صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَشَأْنُك بها ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن أَيُّوبَ بن موسي عن مُعَاوِيَةَ بن عبد اللَّهِ بن بَدْرٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ أَبَاهُ أخبره أَنَّهُ نَزَلَ مَنْزِلَ قَوْمٍ بِطَرِيقِ الشَّامِ فَوَجَدَ صُرَّةً فيها ثَمَانُونَ دِينَارًا فَذَكَر ذلك لِعُمَرَ بن الْخَطَّابِ فقال له عُمَرُ عَرِّفْهَا على أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ وَاذْكُرْهَا لِمَنْ يَقْدَمُ من الشَّامِ سَنَةً فإذا مَضَتْ السَّنَةُ فَشَأْنُك بها ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَرَوَيْتُمْ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ عن عُمَرَ أَنَّهُ أَبَاحَ بَعْدَ سَنَةٍ أَكْلَ اللُّقَطَةِ ثُمَّ خَالَفْتُمْ ذلك وَقُلْتُمْ نَكْرَهُ أَكْلَ
____________________

(7/225)


اللُّقَطَةِ ( 1 ) لِلْغَنِيِّ وَالْمِسْكَيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ لُقَطَةً فَجَاءَ إلَى عبد اللَّهِ بن عُمَرَ فقال إنِّي وَجَدْت لُقَطَةً فَمَاذَا تَرَى فقال له بن عُمَرَ عَرِّفْهَا قال قد فَعَلْت قال زِدْ قال قد فَعَلْت قال لَا آمُرُك أَنْ تَأْكُلَهَا وَلَوْ شِئْت لم تَأْخُذْهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَابْنُ عُمَرَ لم يُوَقِّتْ في التَّعْرِيفِ وَقْتًا وَأَنْتُمْ توقنون ( ( ( توقتون ) ) ) في التَّعْرِيفِ سَنَةً وبن عُمَرَ كَرِهَ لِلَّذِي وَجَدَ اللُّقَطَةَ أَكْلَهَا غَنِيًّا كان أو فَقِيرًا وَأَنْتُمْ ليس هَكَذَا تَقُولُونَ وبن عُمَرَ كَرِهَ له أَخْذَهَا وبن عُمَرَ كَرِهَ له أَنْ يَتَصَدَّقَ بها وَأَنْتُمْ لَا تَكْرَهُونَ له أَخْذَهَا بَلْ تَسْتَحِبُّونَهُ وَتَقُولُونَ لو تَرَكَهَا ضَاعَتْ - * بَابُ الْمَسْحِ على الْخُفَّيْنِ - * سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عن الْمَسْحِ على الْخُفَّيْنِ فقال يَمْسَحُ الْمُسَافِرُ وَالْمُقِيمُ إذَا لَبِسَا على كَمَالِ الطَّهَارَةِ فَقُلْت وما الْحُجَّةُ قال السُّنَّةُ الثَّابِتَةُ وقد أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن عَبَّادِ بن زِيَادٍ وهو من وَلَدِ الْمُغِيرَةِ بن شُعْبَةَ عن الْمُغِيرَةِ بن شُعْبَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ذَهَبَ لِحَاجَتِهِ في غَزْوَةِ تَبُوكَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ على الْخُفَّيْنِ وَصَلَّى ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بن دِينَارٍ أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بن عُمَرَ قَدِمَ الْكُوفَةَ على سَعْدِ بن أبي وَقَّاصٍ وهو أَمِيرُهَا فَرَآهُ يَمْسَحُ على الْخُفَّيْنِ فَأَنْكَرَ ذلك عليه عبد اللَّهِ بن عُمَرَ فقال له سَعْدٌ خَلِّ أَبَاك فَسَأَلَهُ فقال له عُمَرُ إذَا أَدْخَلْت رِجْلَيْك في الْخُفَّيْنِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ فَامْسَحْ عَلَيْهِمَا قال بن عُمَرَ وَإِنْ جاء أَحَدُنَا من الْغَائِطِ قال وَإِنْ جاء أحدكم من الْغَائِطِ أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ أَنَّ بن عُمَرَ بَالَ في السُّوقِ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ على خُفَّيْهِ ثُمَّ صلى ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن سَعِيدِ بن عبد الرحمن بن رُقَيْشٍ قال رَأَيْت أَنَسَ بن مَالِكٍ أتى قُبَاءَ فَبَالَ وَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ على الْخُفَّيْنِ ثُمَّ صلى ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَخَالَفْتُمْ ما رَوَى صَاحِبُكُمْ عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ وَسَعْدِ بن أبي وَقَّاصٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بن عُمَرَ وَأَنَسِ بن مَالِكٍ وَعُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ وبن شِهَابٍ فَقُلْتُمْ لَا يَمْسَحُ الْمُقِيمُ وقد أخبرنا مَالِكٌ عن هِشَامٍ أَنَّهُ رَأَى أَبَاهُ يَمْسَحُ على الْخُفَّيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ قال يَضَعُ الذي يَمْسَحُ على الْخُفَّيْنِ يَدًا من فَوْقِ الْخُفَّيْنِ وَيَدًا من تَحْتِ الْخُفَّيْنِ ثُمَّ يَمْسَحُ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَكْرَهُ الْمَسْحَ في الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ قال هذا خِلَافُ ما رَوَيْتُمْ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَخِلَافُ الْعَمَلِ من أَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ بَعْدَهُمْ فَكَيْفَ تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ تَذْهَبُونَ إلَى الْعَمَلِ وَالسُّنَّةِ جميعا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن بن الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لِلْيَهُودِ حين افْتَتَحَ خَيْبَرَ أُقِرُّكُمْ ما أَقَرَّكُمْ اللَّهُ على أَنَّ الثَّمَرَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ فَكَانَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَبْعَثُ بن رَوَاحَةَ فَيَخْرُصُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ ثُمَّ يقول إنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ وَإِنْ شِئْتُمْ فَلِي - * بَابُ ما جاء في الْجِهَادِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن عُمَرَ بن كَثِيرِ بن أَفْلَحَ عن أبي مُحَمَّدٍ مولى أبي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ عن أبي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ قال خَرَجْنَا مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَامَ حُنَيْنٍ فلما الْتَقَيْنَا كانت لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ فَرَأَيْت رَجُلًا من الْمُشْرِكِينَ قد عَلَا رَجُلًا من الْمُسْلِمِينَ قال فَاسْتَدَرْت له حتى أَتَيْتُهُ من وَرَائِهِ فَضَرَبْتُهُ على حَبْلِ عَاتِقِهِ ضَرْبَةً فَأَقْبَلَ على فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْت منها رِيحَ الْمَوْتِ ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَأَرْسَلَنِي فَلَحِقْت عُمَرَ بن الْخَطَّابِ فَقُلْت له ما بَالُ الناس فقال أَمْرُ اللَّهِ ثُمَّ إنَّ الناس رَجَعُوا فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من قَتَلَ قَتِيلًا له عليه بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ فَقُمْت فَقُلْت من يَشْهَدُ لي ثُمَّ جَلَسْت ثُمَّ قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من قَتَلَ قَتِيلًا له عليه بَيِّنَةٌ
____________________

(7/226)


في الثَّالِثَةِ فَقُمْت فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ما لك يا أَبَا قَتَادَةَ فَاقْتَصَصْت عليه الْقِصَّةَ فقال رَجُلٌ صَدَقَ يا رَسُولَ اللَّهِ وَسَلَبُ ذلك الْقَتِيلِ عِنْدِي فَأَرْضِهِ منه فقال أبو بَكْرٍ لَاهَا اللَّهِ إذًا لَا يَعْمِدُ إلَى أَسَدٍ من أُسْدٍ يُقَاتِلُ عن اللَّهِ فَيُعْطِيك سَلَبَهُ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم صَدَقَ فَأَعْطِهِ إيَّاهُ قال أبو قَتَادَةَ فَأَعْطَانِيهِ فَبِعْتُ الدِّرْعَ فَابْتَعْت بِهِ مَخْرَفًا في بَنِي سَلِمَةَ فإنه لَأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ في الْإِسْلَامِ قال مَالِكٌ الْمَخْرَفُ النَّخِيلُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا نَقُولُ السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ في الْإِقْبَالِ وَلَيْسَ للامام أَنْ يَمْنَعَهُ بِحَالٍ لِأَنَّ إعْطَاءَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم السَّلَبَ حُكْمٌ منه وقد أَعْطَى رسول اللَّهِ السَّلَبَ يوم حُنَيْنٍ وَأَعْطَاهُ بِبَدْرٍ وَأَعْطَاهُ في غَيْرِ مَوْطِنٍ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَقُولُ إنَّمَا ذلك على الِاجْتِهَادِ من الْإِمَامِ فقال تَدَعُونَ ما روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وهو يَدُلُّ على أَنَّ هذا حُكْمٌ من النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِلْقَاتِلِ فَكَيْفَ ذَهَبْتُمْ إلَى أَنَّهُ ليس بِحُكْمٍ أو رَأَيْتُمْ ما روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من أَنَّهُ أَعْطَى من حَضَرَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ فَلَوْ قال قَائِلٌ هذا من الْإِمَامِ على الِاجْتِهَادِ هل كانت الْحُجَّةُ عليه إلَّا أَنْ يُقَالَ إعْطَاءُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم على الْعَامِّ وَالْحُكْمِ حتى تَأْتِي دَلَالَةٌ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِأَنَّ قَوْلَهُ خَاصٌّ فَيَتْبَعُ قَوْلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَمَّا أَنْ يَتَحَكَّمَ مُتَحَكِّمٌ فيدعى أَنَّ قَوْلَيْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَحَدُهُمَا حُكْمٌ وَالْآخَرُ اجْتِهَادٌ بِلَا دَلَالَةٍ فَإِنْ جَازَ هذا خَرَجَتْ السُّنَنُ من أَيْدِي الناس فَإِنْ قُلْتُمْ لم يَبْلُغْنَا أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال هذا إلَّا يوم حُنَيْنٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ لم يَقُلْهُ إلَّا يوم حُنَيْنٍ أو آخَرَ غَزْوَةٍ غَزَاهَا أو أَوْلَى لَكَانَ أَوْلَى ما أخذ بِهِ وَالْقَوْلُ الْوَاحِدُ منه يَلْزَمُ لُزُومَ الْأَقَاوِيلِ مع أَنَّهُ قد قال وَأَعْطَاهُ بِبَدْرٍ وَحُنَيْنٍ وَغَيْرِهِمَا وَقَوْلُكُمْ ذلك من الْإِمَامِ على الِاجْتِهَادِ فَإِنْ لم يَكُنْ لِلْقَاتِلِ وكان لِمَنْ حَضَرَ فَكَيْفَ كان له أَنْ يَجْتَهِدَ مَرَّةً فَيُعْطِيَهُ وَيَجْتَهِدَ أُخْرَى فَيُعْطِيَهُ غَيْرَهُ وَأَيُّ شَيْءٍ يَجْتَهِدُ إذَا تَرَكَ السُّنَّةَ إنَّمَا الِاجْتِهَادُ قِيَاسٌ على السُّنَّةِ فإذا لَزِمَ الِاجْتِهَادُ له صَارَ تَبَعًا لِلسُّنَّةِ وَكَانَتْ السُّنَّةُ أَلْزَمَ له أو كان يَجُوزُ له في هذا شَيْءٌ إلَّا ما سَنَّ رسول اللَّهِ أو أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عليه أو كان قِيَاسًا عليه فَقُلْت فَهَلْ خَالَفَك في هذا غَيْرُنَا فقال نعم بَعْضُ الناس قُلْت فما احْتَجَّ بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال إذَا قال الْإِمَامُ قبل لِقَاءِ الْعَدُوِّ من قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ فَهُوَ له وَإِنْ لم يَقُلْهُ فَالسَّلَبُ من الْغَنِيمَةِ بين من حَضَرَ الْوَقْعَةَ إذَا أَخَذَ خَمْسَةً فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فما كانت حُجَّتُك قال الْحَدِيثُ الذي رَوَيْنَا أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قَالَهُ بَعْدَ تقضى حَرْبِ حُنَيْنٍ لَا قبل الْوَقْعَةِ فَقُلْت قد خَالَفَ الحديث ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَنْتُمْ قد خَالَفْتُمُوهُ فَإِنْ كان له عُذْرٌ بِخِلَافِهِ فَهُوَ أَقْرَبُ لِلْعُذْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ قُلْتُمْ تَأَوَّلَهُ فَكَيْفَ جَازَ له أَنْ يُتَأَوَّلَ فيقول فَلَعَلَّ النبي إنَّمَا أَعْطَاهُ إيَّاهُ من قِبَلِ أَنَّهُ قال ذلك قبل الْوَقْعَةِ فَإِنْ قُلْت هذا تَأْوِيلٌ قِيلَ وَاَلَّذِي قُلْت تَأْوِيلٌ أَبْعَدُ منه وَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ ما رَأَيْت ما وَصَفْت لَك أَنَّا أَخَذْنَا بِهِ من الحديث الْمَرْوِيِّ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَهُوَ أَصَحُّ رِجَالًا وَأَثْبَتُ عِنْدَ أَهْلِ الحديث أو ما سَأَلْنَاك عنه مِمَّا كنا نَتْرُكُهُ من حديث رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قبل نَلْقَاك ( قال الشَّافِعِيُّ ) عَقْلٌ فِيمَا زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ تَتْرُكُونَ من حديث النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ما هو أَثْبَتُ من الْأَكْثَرِ مِمَّا كُنْتُمْ تَأْخُذُونَ بِهِ وَأَوْلَى فَفِي ما تَرَكْتُمْ مِثْلُ ما أَخَذْتُمْ بِهِ وَاَلَّذِي أَخَذْتُمْ بِهِ ما لَا يُثْبِتُهُ أَهْلُ الحديث فَقُلْت مِثْلُ مَاذَا فقال مِثْلُ أَحَادِيثَ أَرْسَلَهَا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من حديث عَمْرِو بن شُعَيْبٍ وَغَيْرِهِ وَمِثْلُ أَحَادِيثَ مُنْقَطِعَةٍ فَقُلْت فَكَيْفَ أَخَذْت بها قال ما أَخَذْت بها إلَّا لِثُبُوتِهَا من غَيْرِ وَجْهٍ من رِوَايَتِكُمْ وَرِوَايَةِ أَهْلِ الصِّدْقِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ أَرْجُو أَنْ أَكُونَ قد فَهِمْت ما ذَكَرْت من الحديث وَصِرْت إلَى ما أُمِرْت بِهِ وَرَأَيْت الرُّشْدَ فِيمَا دُعِيتُ إلَيْهِ وَعَلِمْت أَنَّ بِالْعِبَادِ كما قُلْت الْحَاجَةَ إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَرَأَيْت في مَذَاهِبِنَا ما وَصَفْت من تَنَاقُضِهَا وَاَللَّهَ أَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ وأنا أَسْأَلُك عَمَّا رَوَيْنَا في كِتَابِنَا الذي قَدَّمْنَا على الْكُتُبِ عن أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَسَلْ منه عَمَّا حَضَرَك وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ لِمَا يَرْضَى وَعَصَمَنَا
____________________

(7/227)


وَإِيَّاكَ بِالتَّقْوَى وَجَعَلْنَا نُرِيدُهُ بِمَا نَقُولُ وَنَصْمُتُ عنه إنَّهُ على ذلك قَادِرٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا مَالِكٌ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه أَنَّ أَبَا بَكْرٍ صلى الصُّبْحَ فَقَرَأَ فيها بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ في الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَاهُمَا فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَكْرَهُ للامام أَنْ يَقْرَأَ بِقَرِيبٍ من هذا لِأَنَّ هذا يَثْقُلُ قال أَفَرَأَيْت إنْ قال لَكُمْ قَائِلٌ أبو بَكْرٍ يَقْرَأُ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ في الصُّبْحِ في رِوَايَتِكُمْ في الرَّكْعَتَيْنِ مَعًا وَأَقَلُّ أَمْرِهِ أَنَّهُ قَسَّمَهَا في الرَّكْعَتَيْنِ وَأَنَّك تَكْرَهُ هذا فَكَيْفَ رَغِبْت عن قِرَاءَةِ أبي بَكْرٍ وَأَصْحَابُهُ مُتَوَافِرُونَ صلى اللَّهُ عليه وسلم وأبو بَكْرٍ من الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ بِالْوَضْعِ الذي هو بِهِ وقد أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن بن شِهَابٍ عن أَنَسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ صلى بِالنَّاسِ الصُّبْحَ فَقَرَأَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ فقال له عُمَرُ كَرَبَتْ الشَّمْسُ أَنْ تَطْلُعَ فقال لو طَلَعَتْ لم تَجِدْنَا غَافِلِينَ وَرَوَيْت عن عُمَرَ وَعُثْمَانَ تَطْوِيلَ الْقِرَاءَةِ وَكَرِهْتُهَا كُلَّهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن أبي عُبَيْدٍ مولى سُلَيْمَانَ بن عبد الْمَلِكِ أَنَّ عُبَادَةَ بن نَسِيٍّ أخبره أَنَّهُ سمع قَيْسًا يقول أخبرني أبو عبد اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ أَنَّهُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ في خِلَافَةِ أبي بَكْرٍ فَصَلَّى وَرَاءَ أبي بَكْرٍ الْمَغْرِبَ فَقَرَأَ في الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ سُورَةٍ من قِصَارِ الْمُفَصَّلِ ثُمَّ قام في الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ قد ( ( ( فدنوت ) ) ) دنوت منه حتى إنَّ ثِيَابِي لَتَكَادُ أَنْ تَمَسَّ ثِيَابَهُ فَسَمِعْتُهُ قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَهَذِهِ الْآيَةِ { رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إذْ هَدَيْتَنَا } الْآيَةَ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَكْرَهُ الْقِرَاءَةَ في الرَّكْعَتَيْنِ الآخرتين ( ( ( الأخيرتين ) ) ) وَالرَّكْعَةِ الْأُخْرَى بِشَيْءٍ غَيْرِ أُمِّ الْقُرْآنِ فَهَلْ تَسْتَحِبُّهُ أنت فقال نعم وقال لي الشَّافِعِيُّ فَكَيْفَ تَكْرَهُونَهُ وقد رَوَيْتُمُوهُ عن أبي بَكْرٍ وَرَوَى بن عُيَيْنَةَ عن عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ أَنَّهُ حين بَلَغَهُ عن أبي بَكْرٍ أَخَذَ بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وقد أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كان يَقْرَأُ في الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ وَيَجْمَعُ الْأَحْيَانَ السُّوَرَ في الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَهَذَا أَيْضًا مِمَّا نَكْرَهُهُ فقال أَرَوَيْتُمْ عن بن عُمَرَ عن عُمَرَ أَنَّهُ قَرَأَ بِالنَّجْمِ فَسَجَدَ فيها ثُمَّ قام فَقَرَأَ سُورَةً أُخْرَى فَكَيْفَ كَرِهْتُمْ هذا وَخَالَفْتُمُوهُمَا مَعًا فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ أَتَسْتَحِبُّ أنت هذا قال نعم وَأَفْعَلُهُ - * بَابٌ ما جاء في الرُّقْيَةِ - * سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عن الرُّقْيَةِ فقال لَا بَأْسَ أَنْ يرقى الرَّجُلُ بِكِتَابِ اللَّهِ وما يَعْرِفُ من ذِكْرِ اللَّهِ قُلْت أيرقى أَهْلُ الْكِتَابِ الْمُسْلِمِينَ فقال نعم إذَا رَقُوا بِمَا يُعْرَفُ من كِتَابِ اللَّهِ أو ذِكْرِ اللَّهِ فَقُلْت وما الْحُجَّةُ في ذلك قال غَيْرُ حُجَّةٍ فَأَمَّا رِوَايَةُ صَاحِبِنَا وَصَاحِبِك فإن مَالِكًا أخبرنا عن يحيى بن سَعِيدٍ عن عَمْرَةَ بِنْتِ عبد الرحمن أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دخل على عَائِشَةَ وَهِيَ تَشْتَكِي وَيَهُودِيَّةٌ تَرْقِيهَا فقال أبو بَكْرٍ أرقيها بِكِتَابِ اللَّهِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَكْرَهُ رُقْيَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فقال وَلِمَ وَأَنْتُمْ تَرْوُونَ هذا عن أبي بَكْرٍ وَلَا أَعْلَمُكُمْ تَرْوُونَ عن غَيْرِهِ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم خِلَافَهُ وقد أَحَلَّ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ طَعَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَنِسَاءَهُمْ وَأَحْسِبُ الرُّقْيَةَ إذَا رَقُوا بِكِتَابِ اللَّهِ مِثْلَ هذا أو أَخَفَّ - * بَابٌ في الْجِهَادِ - * سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ عن الْقَوْمِ يَدْخُلُونَ بِلَادَ الْحَرْبِ أَيُخَرِّبُونَ الْعَامِرَ وَيَقْطَعُونَ الشَّجَرَ الْمُثْمِرَ وَيُحَرِّقُونَهُ وَالنَّخْلَ وَالْبَهَائِمَ أو يُكْرَهُ ذلك كُلُّهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَمَّا كُلُّ ما لَا رُوحَ فيه من شَجَرٍ مُثْمِرٍ وَبِنَاءٍ عَامِرٍ وَغَيْرِهِ فَيُخَرِّبُونَهُ وَيَهْدِمُونَهُ وَيَقْطَعُونَهُ وَأَمَّا ذَوَاتُ الْأَرْوَاحِ فَلَا يُقْتَلُ منها شَيْءٌ إلَّا ما كان يَحِلُّ بِالذَّبْحِ لِيُؤْكَلَ فَقُلْت له وما الْحُجَّةُ في ذلك وقد كَرِهَ أبو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ أَنْ يُخَرِّبَ عَامِرًا أو يَقْطَعَ مُثْمِرًا أو يُحَرِّقَ نَخْلًا أو يَعْقِرَ شَاةً أو بَعِيرًا إلَّا لِمَأْكَلَةٍ
____________________

(7/228)


وَأَنْتَ أَخْبَرْتَنَا بِذَلِكَ عن مَالِكٍ عن يحيى بن سَعِيدٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ أَوْصَى يَزِيدَ بن أبي سُفْيَانَ حين بَعَثَهُ إلَى الشَّامِ فقال الشَّافِعِيُّ هذا من حديث مَالِكٍ مُنْقَطِعٌ وقد يَعْرِفُهُ أَهْلُ الشَّامِ بِإِسْنَادٍ أَحْسَنَ من هذا فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ وقد رَوَى أَصْحَابُنَا سِوَى هذا عن أبي بَكْرٍ فَبِأَيِّ شَيْءٍ تُخَالِفُهُ أنت فقال بِالثَّابِتِ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ حَرَقَ أَمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَطَعَ وَهَدَمَ لهم وَحَرَقَ وَقَطَعَ بِخَيْبَرَ ثُمَّ قَطَعَ بِالطَّائِفِ وَهِيَ آخِرُ غَزَاةٍ غَزَاهَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَقَاتَلَ بها فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَكَيْفَ كَرِهْت عَقْرَ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ وَتَحْرِيقَهَا إلَّا لِتُؤْكَلَ فقال بِالسُّنَّةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من قَتَلَ عُصْفُورًا بِغَيْرِ حَقِّهَا حُوسِبَ بها قِيلَ وما حَقُّهَا قال يَذْبَحُهَا فَيَأْكُلُهَا وَلَا يَقْطَعُ رَأْسَهَا فَيُلْقِيهِ فَرَأَيْت إبَاحَةَ قَتْلِ الْبَهَائِمِ الْمَأْكُولَةِ غَيْرِ الْعَدُوِّ منها في الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إنَّمَا هو أَنْ تُصَادَ فَتُؤْكَلَ أو تُذْبَحَ فَتُؤْكَلَ وقد نهى عن تَعْذِيبِ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ ( 1 ) فقال فَإِنَّا نَقُولُ شَبِيهًا بِمَا قُلْت قُلْت قد خَالَفْتُمْ ما رَوَيْتُمْ عن أبي بَكْرٍ فَقَدْ خَالَفْتُمُوهُ بِمَا وَصَفْت فما أَعْرَفُ ما ذَهَبَ إلَيْهِ الذي اتَّبَعْنَاهُ فَقُلْت إنْ كان خَالَفَهُ لِمَا وَصَفْت مِمَّا روى عن أبي بَكْرٍ لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّهُ ليس لِأَحَدٍ أَنْ يُخَالِفَ ما روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ أَبَدًا يَتْرُكَ مَرَّةً حَدِيثَ رسول اللَّهِ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ ثُمَّ يَتْرُكُ قَوْلَ ذلك الْوَاحِدِ لِرَأْيِ نَفْسِهِ فَالْعَمَلُ إذًا إلَيْهِ يَفْعَلُ فيه ما شَاءَ وَلَيْسَ ذلك لِأَحَدٍ من أَهْلِ دَهْرِنَا سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ عن الرَّجُلِ يُقِرُّ بِوَطْءِ أَمَتِهِ فَتَأْتِي بِوَلَدٍ فَيُنْكِرُهُ فيقول قد كُنْت أَعْزِلُ عنها ولم أَكُنْ أَحْبِسُهَا في بَيْتِي فقال يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ إذَا أَقَرَّ بِالْوَطْءِ ولم يَدَّعِ اسْتِبْرَاءً بَعْدَ الْوَطْءِ وَلَا أَلْتَفِتُ إلَى قَوْلِهِ كُنْت أَعْزِلُ عنها لِأَنَّهَا قد تَحْبَلُ وهو يَعْزِلُ وَلَا إلَى تَضْيِيعِهِ إيَّاهَا بِتَرْكِ التَّحْصِينِ لها وَإِنَّ من أَصْحَابِنَا لَمَنْ يُرِيهِ الْقَافَةَ مع قَوْلِهِ فَقُلْت فما الْحُجَّةُ فِيمَا ذَكَرْت قال أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن سَالِمِ بن عبد اللَّهِ عن أبيه أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ قال ما بَالُ رِجَالٍ يَطَئُونَ وَلَائِدَهُمْ ثُمَّ يَعْزِلُونَ لَا تَأْتِينِي وَلِيدَةٌ يَعْتَرِفُ سَيِّدُهَا أَنْ قد أَلَمَّ بها إلَّا أَلْحَقْتُ بِهِ وَلَدَهَا فَاعْزِلُوا بَعْدُ أو أتركوا فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ صَاحِبُنَا يقول لَا نُلْحِقُ وَلَدَ الْأَمَةِ وَإِنْ أَقَرَّ بِالْوَطْءِ بِحَالٍ حتى يدعى الْوَلَدَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن صَفِيَّةَ عن عُمَرَ في إرْسَالِ الْوَلَائِدِ يُوطَأْنَ بِمِثْلِ مَعْنَى حديث بن شِهَابٍ عن سَالِمٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَهَذِهِ رِوَايَةُ صَاحِبِنَا وَصَاحِبِكُمْ عن عُمَرَ من وَجْهَيْنِ وَرَوَاهُ غَيْرُهُ عنه ولم تَرْوُوا أَنَّ أَحَدًا خَالَفَهُ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا التَّابِعِينَ فَكَيْفَ جَازَ أَنْ يُتْرَكَ ما روى عن عُمَرَ لَا إلَى قَوْلِ أَحَدٍ من أَصْحَابِهِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَهَلْ خَالَفَك في هذا غَيْرُنَا قال نعم بَعْضُ الْمَشْرِقِيِّينَ قُلْت فما كانت حُجَّتُهُمْ قال كانت حُجَّتُهُمْ أَنْ قالوا انْتَفَى عُمَرُ من وَلَدِ جَارِيَةٍ له وَانْتَفَى زَيْدُ بن ثَابِتٍ من وَلَدِ جَارِيَتِهِ وانتفي بن عَبَّاسٍ من وَلَدِ جَارِيَةٍ له فَقُلْت فما حُجَّتُك عليهم فقال أَمَّا عُمَرُ فروى عنه أَنَّهُ أَنْكَرَ حَمْلَ جَارِيَةٍ له فَأَقَرَّتْ بِالْمَكْرُوهِ وَأَمَّا زَيْدٌ وبن عَبَّاسٍ فَإِنَّمَا أَنْكَرَا إنْ كَانَا فَعَلَا أَنَّ وَلَدَ جَارِيَتَيْنِ عُرِفَا أَنْ ليس مِنْهُمَا فَحَلَالٌ لَهُمَا فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لَهُمَا في الْأَمَةِ وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لِزَوْجِ الْحُرَّةِ إذَا عَلِمَ أنها حَبِلَتْ من زِنًا أَنْ يَدْفَعَ وَلَدَهَا وَلَا يُلْحِقُ بِنَفْسِهِ من ليس منه وَإِنَّمَا قلت هذا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ كما تَعْلَمُ الْمَرْأَةُ أَنَّ زَوْجَهَا قد طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَلَا يَنْبَغِي لها إلَّا الِامْتِنَاعُ منه بِجَهْدِهَا وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُحَلِّفَهَا ثُمَّ يَرُدَّهَا فَالْحُكْمُ غَيْرُ ما بين الْعَبْدِ وَبَيْنَ اللَّهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَكَانَتْ حُجَّتُنَا عليهم من قَوْلِهِمْ أَنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّ وَلَدَ الْأَمَةِ لَا يَلْحَقُ إلَّا بِدَعْوَةٍ حَادِثَةٍ وَأَنَّ لِلرَّجُلِ بعد ما يُحْصِنُ الْأَمَةَ وَتَلِدُ منه أَوْلَادًا يُقِرُّ بِهِمْ أَنْ يَنْفِيَ بَعْدَهُمْ وَلَدًا أو يُقِرَّ بِآخَرَ بَعْدَهُ وَإِنَّمَا جَعَلُوا له النَّفْيَ أَنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّهُ لَا يُلْحَقُ وَلَدُ الْأَمَةِ بِحَالٍ إلَّا بِدَعْوَةٍ حَادِثَةٍ ثُمَّ قالوا إنْ أَقَرَّ بِوَلَدِ جَارِيَةٍ ثُمَّ حَدَثَ بَعْدُ أَوْلَادٌ ثُمَّ مَاتَ ولم يَدَّعِهِمْ ولم يَنْفِهِمْ لَحِقُوا بِهِ وكان الذي اعْتَدُّوا في هذا أَنْ قالوا الْقِيَاسُ أَنْ لَا يُلْحَقُ
____________________

(7/229)


وَلَكِنَّا اسْتَحْسَنَّا ( قال الشَّافِعِيُّ ) إذَا تَرَكُوا الْقِيَاسَ فَجَازَ لهم فَقَدْ كان لِغَيْرِهِمْ تَرْكُ الْقِيَاسِ حَيْثُ قَاسُوا وَالْقِيَاسُ حَيْثُ تَرَكُوا وَتَرْكُ الْقِيَاسِ عِنْدَنَا لَا يَجُوزُ وما يَجُوزُ في وَلَدِ الْأَمَةِ إلَّا وَاحِدٌ من قَوْلَيْنِ إمَّا قَوْلُنَا وَإِمَّا لَا يَلْحَقُ بِهِ إلَّا بِدَعْوَةٍ فَيَكُونُ لو حَصَّنَ سُرِّيَّةً وَأَقَرَّ بِوَلَدِهَا ثُمَّ وَلَدَتْ بَعْدُ عَشَرَةً عِنْدَهُ ثُمَّ مَاتَ ولم تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِاعْتِرَافٍ بِهِمْ نُفُوا مَعًا عنه - * بَابٌ فِيمَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا - * سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عَمَّنْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا فقال إذَا لم يَكُنْ لِلْمَوَاتِ مَالِكٌ فَمَنْ أَحْيَا من أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ له دُونَ غَيْرِهِ وَلَا أُبَالِي أَعْطَاهُ إيَّاهُ السُّلْطَانُ أو لم يُعْطِهِ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَعْطَاهُ وَإِعْطَاءُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَحَقُّ أَنْ يَتِمَّ لِمَنْ أَعْطَاهُ من عَطَاءِ السُّلْطَانِ فَقُلْت فما الْحُجَّةُ فِيمَا قُلْت قال ما رَوَاهُ مَالِكٌ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَعَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن هِشَامٍ عن أبيه أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ له وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن سَالِمٍ عن أبيه أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ قال من أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ له ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَخْبَرَنَا سُفْيَانُ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ غَيْرِ هذا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مِثْلَ مَعْنَاهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا نَأْخُذُ وَعَطِيَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا أنها له أَكْثَرُ له من عَطِيَّةِ الْوَالِي فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَكْرَهُ أَنْ يُحْيِيَ الرَّجُلُ أَرْضًا مَيِّتَةً إلَّا بِإِذْنِ الْوَالِي ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَكَيْفَ خَالَفْتُمْ ما رَوَيْتُمْ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَعُمَرَ وَهَذَا عِنْدَكُمْ سُنَّةٌ وَعَمَلٌ بَعْدَهُمَا وَأَثْبَتُّمْ لِلْوَالِي أَنْ يُعْطِيَ وَلَيْسَ لِلْوَالِي أَنْ يُعْطِيَ أَحَدًا ما ليس له وَلَا يَمْنَعَهُ مَالَهُ وَلَا على أَحَدٍ حَرَجٌ أَنْ يَأْخُذَ مَالَهُ وإذا أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَقَدْ أَخَذَ مَالَهُ وَلَا دَافِعَ عنها فَيُقَالُ لِلرَّجُلِ فِيمَا لَا دَافِعَ عنه وَلَهُ أَخْذُهُ لَا تَأْخُذْ إلَّا بِإِذْنِ سُلْطَانٍ فَإِنْ قال قَائِلٌ ( 1 ) لِلرَّجُلِ فِيمَا لَا بُدَّ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَكْشِفَ أَمْرَهُ فَهُوَ لَا يَكْشِفُ إلَّا وهو معه خَصْمٌ وَالظَّاهِرُ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَا مَالِكَ لها فإذا أَعْطَاهَا رَجُلًا ثُمَّ جَاءَهُ من يَسْتَحِقُّهَا دُونَهُ رَدَّهَا إلَى مُسْتَحِقِّهَا وَكَذَلِكَ لو أَخَذَهَا وَأَحْيَاهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَا أَثْبَتُّمْ لِلسُّلْطَانِ فيها مَعْنًى إنَّمَا كان له مَعْنًى لو كان إذَا أَعْطَاهُ لم يَكُنْ لِأَحَدٍ اسْتَحَقَّهَا أَخْذُهَا من يَدَيْهِ فَأَمَّا ما كان لِأَحَدٍ لو اسْتَحَقَّهَا بَعْدَ إعْطَاءِ السُّلْطَانِ إيَّاهَا أَخْذُهَا من يَدَيْهِ فَلَا مَعْنَى له إلَّا بِمَعْنَى أَخْذِ الرَّجُلِ إيَّاهَا لِنَفْسِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا التَّحَكُّمُ في الْعِلْمِ تَدَّعُونَ ما تَرْوُونَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَعُمَرَ لَا يُخَالِفُهُمَا أَحَدٌ عَلِمْنَاهُ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِرَأْيِكُمْ وَتُضَيِّقُونَ على غَيْرِكُمْ أَوْسَعَ من هذا فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَهَلْ خَالَفَك في هذا غَيْرُنَا فقال ما عَلِمْت أَحَدًا من الناس خَالَفَ في هذا غَيْرَكُمْ وَغَيْرَ من رَوَيْتُمْ هذا عنه إلَّا أَبَا حَنِيفَةَ فَإِنِّي أَرَاكُمْ سَمِعْتُمْ قَوْلَهُ فَقُلْتُمْ بِهِ وَلَقَدْ خَالَفَهُ أبو يُوسُفَ فقال فيه مِثْلَ قَوْلِنَا وَعَابَ قَوْلَ أبي حَنِيفَةَ بِخِلَافِ السُّنَّةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمِمَّا في معني ما خَالَفْتُمْ فيه ما رَوَيْتُمْ فيه عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَعَمَّنْ بَعْدَهُ لَا مُخَالِفَ له أَنَّ مَالِكًا أخبرنا عن عَمْرِو بن يحيى الْمَازِنِيِّ عن أبيه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ قال ثُمَّ أَتْبَعَهُ في كِتَابِهِ حَدِيثًا كَأَنَّهُ يَرَى أَنَّهُ تَفْسِيرُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن الْأَعْرَجِ عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا يَمْنَعُ أحدكم جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خشبه في جِدَارِهِ قال ثُمَّ يقول أبو هُرَيْرَةَ مَالِي أَرَاكُمْ عنها مُعْرِضِينَ وَاَللَّهِ لَأَرْمِيَنَّ بها بين أَكْتَافِكُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) ثُمَّ أَتْبَعَهُمَا حَدِيثَيْنِ لِعُمَرَ كَأَنَّهُ يَرَاهُمَا من صِنْفِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن عَمْرِو بن يحيى الْمَازِنِيِّ عن أبيه أَنَّ الضَّحَّاكَ بن خَلِيفَةَ سَاقَ خَلِيجًا له من الْعَرِيضِ فَأَرَادَ أَنْ يَمُرَّ بِهِ في أَرْضٍ لِمُحَمَّدِ بن مَسْلَمَةَ فَأَبَى مُحَمَّدٌ فَكَلَّمَ فيه الضَّحَّاكُ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ فَدَعَا بِمُحَمَّدِ بن مَسْلَمَةَ وَأَمَرَهُ أَنْ يخلى سَبِيلَهُ فقال
____________________

(7/230)


بن مَسْلَمَةَ لَا فقال عُمَرُ لِمَ تَمْنَعُ أَخَاك ما يَنْفَعُهُ وهو لَك نَافِعٌ تُشْرِبُ بِهِ أَوَّلًا وَآخِرًا وَلَا يَضُرُّك فقال مُحَمَّدٌ لَا فقال عُمَرُ وَاَللَّهِ لَيَمُرَّنَّ بِهِ وَلَوْ على بَطْنِك ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن عَمْرِو بن يحيى الْمَازِنِيِّ عن أبيه أَنَّهُ كان في حَائِطِ جَدِّهِ رَبِيعٌ لِعَبْدِ الرحمن بن عَوْفٍ فَأَرَادَ عبد الرحمن أَنْ يُحَوِّلَهُ إلَى نَاحِيَةٍ من الْحَائِطِ هِيَ أَقْرَبُ إلَى أَرْضِهِ فَمَنَعَهُ صَاحِبُ الْحَائِطِ فَكَلَّمَ عبد الرحمن عُمَرَ فَقَضَى عُمَرُ أَنْ يَمُرَّ بِهِ فَمَرَّ بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَرَوَيْتُمْ في هذا الْكِتَابِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم حَدِيثًا صَحِيحًا ثَابِتًا وَحَدِيثَيْنِ عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ ثُمَّ خَالَفْتُمُوهَا كُلَّهَا فَقُلْتُمْ في كل وَاحِدٍ منها لَا يُقْضَى بها على الناس وَلَيْسَ عليها الْعَمَلُ ولم تَرْوُوا عن أَحَدٍ من الناس عَلِمْتُهُ خِلَافَهَا وَلَا خِلَافَ وَاحِدٍ منها فَعَمَلُ من تعنى تُخَالِفُ بِهِ سُنَّةَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذلك الْعَمَلُ مَرْدُودًا عِنْدَنَا وَتُخَالِفُ عُمَرُ مع السُّنَّةِ لِأَنَّهُ يُضَيِّقُ خِلَافَ عُمَرَ وَحْدَهُ فإذا كانت معه السُّنَّةُ كان خِلَافُهُ أَضْيَقَ مع أَنَّك أَحَلْت على الْعَمَلِ وما عَرَفْنَا ما تُرِيدُ بِالْعَمَلِ إلَى يَوْمِنَا هذا وما أَرَانَا نَعْرِفُهُ ما بَقِينَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * بَابٌ في الْأَقْضِيَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه عن يحيى بن عبد الرحمن بن حَاطِبٍ أَنَّ رَقِيقًا لِحَاطِبٍ سَرَقُوا نَاقَةً لِرَجُلٍ من مُزَيْنَةَ فَانْتَحَرُوهَا فَرَفَعَ ذلك إلَى عُمَرَ بن الْخَطَّابِ فَأَمَرَ كَثِيرَ بن الصَّلْتِ أَنْ يَقْطَعَ أَيْدِيَهُمْ ثُمَّ قال عُمَرُ إنِّي أَرَاك تُجِيعُهُمْ وَاَللَّهِ لَأُغَرِّمَنَّكَ غُرْمًا يَشُقُّ عَلَيْك ثُمَّ قال لِلْمَزْنِيِّ كَمْ ثَمَنَ نَاقَتِك قال أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ قال عُمَرُ أَعْطِهِ ثَمَانَمِائَةٍ قال مَالِكٌ في كِتَابِهِ ليس عليه الْعَمَلُ وَلَا تُضَعَّفُ عليهم الْغَرَامَةُ وَلَا يُقْضَى بها على مَوْلَاهُمْ وَهِيَ في رِقَابِهِمْ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ صَاحِبِ النَّاقَةِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ بِمَا قال مَالِكٌ نَقُولُ وَلَا نَأْخُذُ بهذا الحديث ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ عن عُمَرَ يَقْضِي بِهِ بِالْمَدِينَةِ بين الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ( 1 ) فَإِنْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ لَازِمٌ لنا فَتَدَعُونَ لِقَوْلِ عُمَرَ السُّنَّةَ وَالْآثَارَ لِأَنَّ حُكْمَهُ عِنْدَكُمْ حُكْمٌ مَشْهُورٌ ظَاهِرٌ لَا يَكُونُ إلَّا عن مَشُورَةٍ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ فإذا حَكَمَ كان حُكْمُهُ عِنْدَكُمْ قَوْلَهُمْ أو قَوْلَ الْأَكْثَرِ منهم فَإِنْ كان كما تَقُولُونَ فَقَدْ حَكَمَ بين أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِقَوْلِهِ في نَاقَةِ الْمُزَنِيِّ وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ حُكْمُهُ بِالْمَدِينَةِ كَالْإِجْمَاعِ من عَامَّتِهِمْ فَإِنْ كان قَضَاءُ عُمَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ عِنْدَكُمْ كما تَقُولُونَ فَقَدْ خَالَفْتُمُوهُ في هذا وَغَيْرِهِ وَإِنْ لم يَكُنْ كما تَقُولُونَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَظْهَرَ مِنْكُمْ خِلَافُ ما تَقُولُونَ أَنْتُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَرْوُونَ عن أَحَدٍ أَنَّهُ خَالَفَهُ فَتُخَالِفُونَ بِغَيْرِ شَيْءٍ رَوَيْتُمُوهُ عن غَيْرِهِ وَلَا أَسْمَعُكُمْ إلَّا وَضَعْتُمْ أَنْفُسَكُمْ مَوْضِعًا تَرُدُّونَ وَتَقْبَلُونَ ما شِئْتُمْ على غَيْرِ مَعْنًى وَلَا حُجَّةٍ فَإِنْ كان يَجُوزُ أَنْ يُعْمَلَ بِخِلَافِ قَضَاءِ عُمَرَ فَكَيْفَ لم تُجِيزُوا لِغَيْرِكُمْ ما أَجَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَكَيْفَ أَنْكَرْنَا وَأَنْكَرْتُمْ على من خَالَفَ قَوْلَ عُمَرَ وَالْوَاحِدَ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في غَيْرِ هذا - * بَابٌ في الْأَمَةِ تَغُرُّ بِنَفْسِهَا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ أو عُثْمَانَ قَضَى أَحَدُهُمَا في أَمَةٍ غَرَّتْ بِنَفْسِهَا رَجُلًا فَذَكَرَتْ أنها حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا فَقَضَى أَنْ يفدى وَلَدَهُ بِمِثْلِهِمْ قال مَالِكٌ وَذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى الْقِيمَةِ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَنَحْنُ نَقُولُ بِقَوْلِ مَالِكٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَرَوَيْتُمْ هذا عن عُمَرَ أو عُثْمَانَ ثُمَّ خَالَفْتُمْ أَيَّهُمَا قَالَهُ ولم نَعْلَمْكُمْ رَوَيْتُمْ عن أَحَدٍ من الناس خِلَافَهُ وَلَا تركة بِعَمَلٍ وَلَا إجْمَاعٍ ادَّعَاهُ فَلِمَ تَرَكْتُمْ هذا ولم تَرْوُوا عن أَحَدٍ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
____________________

(7/231)


خِلَافَهُ أَرَأَيْتُمْ إذْ اتَّبَعْتُمْ عُمَرَ في أَنَّ في الضَّبُعِ كَبْشًا وفي الْغَزَالِ عَنْزًا وَقِيمَتُهُمَا تُخَالِفُ قِيمَةَ الضَّبُعِ وَالْغَزَالِ فَقُلْتُمْ الْبَدَنُ قَرِيبٌ من الْبَدَنِ فَكَيْفَ لم تَتَّبِعُوا قَوْلَ عُمَرَ أو عُثْمَانَ في مِثْلِهِمْ في الْبَدَنِ كما جَعَلْتُمْ الْمِثْلَ في هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ بِالْبَدَنِ - * بَابٌ الْقَضَاءُ في الْمَنْبُوذِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن سِنِينَ أبي جَمِيلَةَ رَجُلٍ من بَنِي سُلَيْمٍ أَنَّهُ وَجَدَ مَنْبُوذًا في زَمَانِ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ فَجَاءَ بِهِ إلَى عُمَرَ فقال ما حَمَلَك على أَخْذِ هذه النَّسَمَةِ قال وَجَدْتُهَا ضَائِعَةً فَأَخَذْتُهَا فقال له عَرِيفُهُ يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ فقال أَكَذَلِكَ قال نعم فقال عُمَرُ اذْهَبْ فَهُوَ حُرٌّ وَلَك وَلَاؤُهُ وَعَلَيْنَا نَفَقَتُهُ قال مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عليه عِنْدَنَا في الْمَنْبُوذِ أَنَّهُ حُرٌّ وَأَنَّ وَلَاءَهُ لِلْمُسْلِمِينَ فَقُلْت للشافعى فَبِقَوْلِ مَالِكٌ نَأْخُذُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) تَرَكْتُمْ ما روى عن عُمَرَ في الْمَنْبُوذِ فَإِنْ كُنْتُمْ تَرَكْتُمُوهُ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ فَزَعَمْتُمْ أَنَّ في ذلك دَلِيلًا على أَنْ لَا يَكُونَ الْوَلَاءُ إلَّا لِمَنْ أَعْتَقَ وَلَا يَزُولُ عن مُعْتَقٍ فَقَدْ خَالَفْتُمْ عُمَرَ اسْتِدْلَالًا بِالسُّنَّةِ ثُمَّ خَالَفْتُمْ السُّنَّةَ فَزَعَمْتُمْ أَنَّ السَّائِبَةَ لَا يَكُونُ وَلَاؤُهُ لِلَّذِي أَعْتَقَهُ وهو مُعْتَقٌ فَخَالَفْتُمُوهُمَا جميعا وَخَالَفْتُمْ السُّنَّةَ في النَّصْرَانِيِّ يُعْتِقُ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ فَزَعَمْتُمْ أَنْ لَا وَلَاءَ له وهو مُعْتِقٌ وَخَالَفْتُمْ السُّنَّةَ في الْمَنْبُوذِ إذْ كان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَهَذَا نَفْيٌ أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ إلَّا لِمُعْتِقٍ وَالْمَنْبُوذُ غَيْرُ مُعْتَقٍ فَلَا وَلَاءَ له فَمَنْ أَجْمَعَ على تَرْكِ السُّنَّةِ وَالْخِلَافِ لِعُمَرَ فياليت شِعْرِي من هَؤُلَاءِ الْمُجْتَمِعُونَ الَّذِينَ لَا يُسْمَعُونَ فَإِنَّا لَا نَعْرِفُهُمْ وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ ولم يُكَلِّفْ اللَّهُ أَحَدًا أَنْ يَأْخُذَ دِينَهُ عَمَّنْ لَا يَعْرِفُهُ وَلَوْ كَلَّفَهُ أَفَيَجُوزُ له أَنْ يَقْبَلَ عَمَّنْ لَا يَعْرِفُ إنَّ هذه لَغَفْلَةٌ طَوِيلَةٌ وَلَا أَعْرِفُ أَحَدًا يُؤْخَذُ عنه الْعِلْمُ يُؤْخَذُ عليه مِثْلُ هذا في قَوْلِهِ وَأَجِدُهُ يَتْرُكُ ما يُرْوَى في اللَّقِيطِ عن عُمَرَ لِلسُّنَّةِ وَيَدَعُ السُّنَّةَ فيه وفي مَوْضِعٍ آخَرَ في السَّائِبَةِ وَالنَّصْرَانِيِّ يُعْتِقُ الْمُسْلِمَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وقد خَالَفَنَا بَعْضُ الناس في هذا فَكَانَ قَوْلُهُ أَسَدَّ تَوْجِيهًا من قَوْلِكُمْ قالوا نَتَّبِعُ ما جاء عن عُمَرَ في اللَّقِيطِ لِأَنَّهُ قد يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ خِلَافًا لِلسُّنَّةِ وَأَنْ تَكُونَ السُّنَّةُ في الْمُعْتِقِ من لَا وَلَاءَ له وَيُجْعَلَ وَلَاءُ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ على يَدَيْ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ بِحَدِيثِ عبد الْعَزِيزِ بن عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وقال في السَّائِبَةِ وَالنَّصْرَانِيِّ يُعْتِقُ الْمُسْلِمَ قَوْلَنَا فَزَعَمْنَا أَنَّ عليهم حُجَّةً بِأَنَّ قَوْلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ أَنْ لَا يَكُونَ الْوَلَاءُ إلَّا لِمُعْتِقٍ وَلَا يَزُولُ عن مُعْتِقٍ فَإِنْ كانت لنا عليهم بِذَلِكَ حُجَّةٌ فَهِيَ عَلَيْكُمْ أَبْيَنُ لِأَنَّكُمْ خَالَفْتُمُوهُ حَيْثُ يَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ تُوَافِقُوهُ وَوَافَقْتُمُوهُ حَيْثُ كانت لَكُمْ شُبْهَةٌ لو خَالَفْتُمُوهُ - * بَابُ الْقَضَاءِ في الْهِبَاتِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكُ بن أَنَسٍ عن دَاوُد بن الْحُصَيْنِ عن أبي غَطَفَانَ بن طَرِيفٍ الْمُرِّيَّ عن مَرْوَانَ بن الْحَكَمِ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ قال من وَهَبَ هِبَةً لِصِلَةِ رَحِمٍ أو على وَجْهِ صَدَقَةٍ فإنه لَا يَرْجِعُ فيها وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً يَرَى أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ الثَّوَابَ فَهُوَ على هِبَتِهِ يَرْجِعُ فيها إنْ لم يَرْضَ منها وقال مَالِكٌ إنَّ الْهِبَةَ إذَا تَغَيَّرَتْ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ له لِلثَّوَابِ بِزِيَادَةٍ أو نُقْصَانٍ فإن على الْمَوْهُوبِ له أَنْ يُعْطِيَ الْوَاهِبَ قِيمَتَهَا يوم قَبَضَهَا فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَقُولُ بِقَوْلِ صَاحِبِنَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقَدْ ذَهَبَ عُمَرُ في الْهِبَةِ يُرَادُ ثَوَابُهَا إنَّ الْوَاهِبَ على هِبَتِهِ إنْ لم يَرْضَ منها أَنَّ لِلْوَاهِبِ الْخِيَارَ حتى يَرْضَى من هِبَتِهِ وَلَوْ أَعْطَى أَضْعَافَهَا في مَذْهَبِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كان له أَنْ يَرْجِعَ فيها وَلَوْ تَغَيَّرَتْ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ له بِزِيَادَةٍ
____________________

(7/232)


كان له أَخْذُهَا وكان كَالرَّجُلِ يَبِيعُ الشَّيْءَ وَلَهُ فيه الْخِيَارُ عَبْدًا أو أَمَةً فَيَزِيدُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَيَخْتَارُ الْبَائِعُ نَقْضَ الْبَيْعِ فَيَكُونُ له نَقْضُهُ وَإِنْ زَادَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ أو الْأَمَةُ الْمَبِيعَةُ وَكَثُرَتْ زِيَادَتُهُ وَمَذْهَبُكُمْ خِلَافُ ما رَوَيْتُمْ عن عُمَرَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ أَنَّ عَبْدًا كان يَقُومُ على رَقِيقِ الْخُمْسِ وَأَنَّهُ اسْتَكْرَهَ جَارِيَةً من ذلك الرَّقِيقِ فَوَقَعَ بها فَجَلَدَهُ عُمَرُ وَنَفَاهُ ولم يَجْلِدْ الْوَلِيدَةَ لِأَنَّهُ اسْتَكْرَهَهَا قال مَالِكٌ لَا تُنْفَى الْعَبِيدُ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ نَحْنُ لَا نَنْفِي الْعَبِيدَ قال وَلِمَ ولم تَرْوُوا عن أَحَدٍ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا التَّابِعِينَ عَلِمْتُهُ خِلَافَ ما رَوَيْتُمْ عن عُمَرَ أَفَيَجُوزُ لِأَحَدٍ يَعْقِلُ شيئا من الْفِقْهِ أَنْ يَتْرُكَ قَوْلَ عُمَرَ وَلَا يَعْلَمُ له مُخَالِفًا من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِرَأْيِ نَفْسِهِ أو مِثْلِهِ وَيَجْعَلُهُ مَرَّةً أُخْرَى حُجَّةً على السُّنَّةِ وَحُجَّةً فِيمَا لَيْسَتْ فيه سُنَّةٌ وهو إذَا كان مَرَّةً حُجَّةً كان كَذَلِكَ أُخْرَى فَإِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ إلَى من سمع قَوْلَهُ يَقْبَلُ منه مَرَّةً وَيَتْرُكُ أُخْرَى جَازَ لِغَيْرِكُمْ تَرْكُهُ حَيْثُ أَخَذْتُمْ بِهِ وَأَخْذُهُ حَيْثُ تَرَكْتُمُوهُ فلم يَقُمْ الناس من الْعِلْمِ على شَيْءٍ تَعْرِفُونَهُ وَهَذَا لَا يَسَعُ أَحَدًا عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن السَّائِبِ بن يَزِيدَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بن عَمْرٍو الْحَضْرَمِيَّ جاء بِغُلَامٍ له إلَى عُمَرَ بن الْخَطَّابِ فقال له اقْطَعْ يَدَ هذا فإنه سَرَقَ فقال له عُمَرُ وَمَاذَا سَرَقَ قال سَرَقَ مِرْآةً لِامْرَأَتِي ثَمَنُهَا سِتُّونَ دِرْهَمًا فقال عُمَرُ أَرْسِلْهُ فَلَيْسَ عليه قَطْعٌ خَادِمُكُمْ سَرَقَ مَتَاعَكُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) بهذا نَأْخُذُ لِأَنَّ الْعَبْدَ مِلْكٌ لِسَيِّدِهِ أَخَذَ من مِلْكِهِ فَلَا يَقْطَعُ مَالِكٌ من سَرَقَ من مِلْكِ من كان معه في بَيْتِهِ يَأْمَنُهُ أو كان خَارِجًا فَكَذَلِكَ لَا يُقْطَعُ من سَرَقَ من مِلْكِ امْرَأَتِهِ بِحَالٍ بِخُلْطَةِ امْرَأَتِهِ زَوْجَهَا وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ لِأَنَّهُ لم يَسْأَلْهُ أَتَأْمَنُونَهُ أو لَا تَأْمَنُونَهُ قال وَهَذَا مِمَّا خَالَفْتُمْ فيه عُمَرَ لَا مُخَالِفَ له عَلِمْنَاهُ فَقُلْتُمْ بِقَطْعِ الْعَبْدِ فِيمَا سَرَقَ لِامْرَأَةِ سَيِّدِهِ إنْ كان لَا يَكُونُ مَعَهُمْ في مَنْزِلٍ يَأْمَنُونَهُ - * بَابٌ في إرْخَاءِ السُّتُورِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن بن الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ قَضَى في الْمَرْأَةِ يَتَزَوَّجُهَا الرَّجُلُ أنها إذَا أُرْخِيَتْ السُّتُورُ فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ أَنَّ زَيْدَ بن ثَابِتٍ قال إذَا دخل بِامْرَأَتِهِ فَأُرْخِيَتْ السُّتُورُ فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَرُوِيَ عن بن عَبَّاسٍ وَشُرَيْحٍ أَنْ لَا صَدَاقَ إلَّا بِالْمَسِيسِ وَاحْتَجَّا أو أَحَدُهُمَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ من قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ } قال بهذا نَاسٌ من أَهْلِ الْفِقْهِ فَقَالُوا لَا يُلْتَفَتُ إلَى الْإِغْلَاقِ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْمَهْرُ كَامِلًا بِالْمَسِيسِ وَالْقَوْلُ في الْمَسِيسِ قَوْلُ الزَّوْجِ وقال غَيْرُهُمْ يَجِبُ الْمَهْرُ بِإِغْلَاقِ الْبَابِ وَإِرْخَاءِ السُّتُورِ وروى ذلك عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ وَأَنَّ عُمَرَ قال ما ذَنْبُهُنَّ إنْ جاء الْعَجْزُ من قِبَلِكُمْ فَخَالَفْتُمْ ما قال بن عَبَّاسٍ وَشُرَيْحٌ وما ذَهَبَا إلَيْهِ من تَأْوِيلِ الْآيَتَيْنِ وَهُمَا قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ من قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ } وَقَوْلُهُ { ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ من قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فما لكم عَلَيْهِنَّ من عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا } وَخَالَفْتُمْ ما رَوَيْتُمْ عن عُمَرَ وَزَيْدٍ وَذَلِكَ أَنَّ نِصْفَ الْمَهْرِ يَجِبُ بِالْعَقْدِ وَنِصْفَهُ الثَّانِي بِالدُّخُولِ وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا الذي لَا وَجْهَ له غَيْرُهُ أنها إذَا خَلَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهَا وَاخْتَلَى بها فَهُوَ كَالْقَبْضِ في الْبُيُوعِ فَقَدْ وَجَبَ نِصْفُ الْمَهْرِ الْآخَرِ ولم يَذْهَبَا إلَى مَسِيسٍ وَعُمَرُ يُدَيِّنُ ثُمَّ يَقْضِي بِالْمَهْرِ وَإِنْ لم يَدَّعِ الْمَسِيسَ لِقَوْلِهِ ما ذَنْبُهُنَّ إنْ كان الْعَجْزُ من قِبَلِكُمْ ثُمَّ زَعَمْتُمْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْمَهْرُ بِالْغَلْقِ وَالْإِرْخَاءِ إذَا لم تَدَّعِ الْمَرْأَةُ جِمَاعًا وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالْجِمَاعِ ثُمَّ عُدْتُمْ فَأَبْطَلْتُمْ الْجِمَاعَ وَدَعْوَى الْجِمَاعِ فَقُلْتُمْ إذَا كان اسْتَمْتَعَ بها سَنَةً حتى تبلي ثِيَابُهَا وَجَبَ الْمَهْرُ وَمَنْ حَدَّ لَكُمْ سَنَةً وَمَنْ حَدَّ لَكُمْ إبْلَاءَ الثِّيَابِ وَإِنْ بَلِيَتْ الثِّيَابُ قبل السَّنَةِ فَكَيْفَ لم يَجِبْ الْمَهْرُ أَرَأَيْت إنْ قال إنْسَانٌ إذَا اسْتَمْتَعَ بها يَوْمًا وقال آخَرُ يَوْمَيْنِ وقال آخَرُ شَهْرًا وقال آخَرُ عَشْرَ سِنِينَ
____________________

(7/233)


أو ثَلَاثِينَ سَنَةً ما الْحُجَّةُ فيه إلَّا أَنْ يُقَالَ هذا تَوْقِيتٌ لم يُوَقِّتْهُ عُمَرُ وَلَا زَيْدٌ وَهُمَا اللَّذَانِ انْتَهَيْنَا إلَى قَوْلِهِمَا وَلَا يُوَقَّتُ إلَّا بِخَبَرٍ يَلْزَمُ فَهَكَذَا أَنْتُمْ فما أَعْرِفُ لِمَا تَقُولُونَ من هذا إلَّا أَنَّهُ خُرُوجٌ من جَمِيعِ أَقَاوِيلِ أَهْلِ الْعِلْمِ في الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ وما عَلِمْت أَحَدًا سَبَقَكُمْ بِهِ فَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ فَإِنْ قُلْتُمْ إنَّمَا يُؤَجَّلُ الْعِنِّينُ سَنَةً فَهَذَا ليس بِعِنِّينٍ وَالْعِنِّينُ عِنْدَكُمْ إنَّمَا يُؤَجَّلُ سَنَةً من يَوْمِ تُرَافِعُهُ امْرَأَتُهُ إلَى السُّلْطَانِ وَلَوْ أَقَامَ مَعَهَا قبل ذلك دَهْرًا - * بَابٌ في الْقَسَامَةِ وَالْعَقْلِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ وَعِرَاكِ بن مَالِكٍ أَنَّ رَجُلًا من بَنِي سَعْدِ بن لَيْثٍ أَجْرَى فَرَسًا فوطيء ( ( ( فوطئ ) ) ) على أُصْبُعِ رَجُلٍ من جُهَيْنَةَ فَنَزَا منها فَمَاتَ فقال عُمَرُ بن الْخَطَّابِ لِلَّذِينَ ادَّعَى عليهم أَتَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ خَمْسِينَ يَمِينًا ما مَاتَ منها فَأَبَوْا وَتَحَرَّجُوا من الْأَيْمَانِ فقال للاخرين احْلِفُوا أَنْتُمْ فَأَبَوْا فَقَضَى عُمَرُ بن الْخَطَّابِ بِشَطْرِ الدِّيَةِ على السَّعْدِيِّينَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَخَالَفْتُمْ في هذا الْحُكْمِ كُلِّهِ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ فَقُلْتُمْ يَبْدَأُ الْمُدَّعُونَ بَلْ زَعَمْتُمْ أَنَّهُ إذَا لم يَحْلِفْ وَاحِدٌ من الْفَرِيقَيْنِ فَلَيْسَ فيه شَطْرُ دِيَةٍ وَلَا أَقَلُّ وَلَا أَكْثَرُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ كُنْتُمْ ذَهَبْتُمْ إلَى ما ذَهَبْنَا إلَيْهِ من أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بَدَأَ الْمُدَّعِينَ فلما لم يَحْلِفُوا رَدَّ الْأَيْمَانَ على الْمُدَّعَى عليهم فلما لم يَقْبَلْ الْمُدَّعُونَ أَيْمَانَهُمْ لم يَجْعَلْ لهم عليهم شيئا فَإِلَى هذا ذَهَبْنَا وَهَكَذَا يَجِبُ عَلَيْكُمْ في كل أَمْرٍ وَجَدْتُمْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فيه سُنَّةً أَنْ تَصِيرُوا إلَى سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دُونَ ما خَالَفَهَا من الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا وما كان شَيْءٌ من الْأَشْيَاءِ أَوْلَى أَنْ تَأْخُذُوا فيه بِحُكْمِ عُمَرَ من هذا لِأَنَّ الْحُكْمَ في هذا أَشْهَرُ من غَيْرِهِ وَأَنَّهُ قد كان يُمْكِنُكُمْ أَنْ تَقُولُوا هذا دَمُ خَطَأٍ وَاَلَّذِي حَكَمَ فيه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم دَمُ عَمْدٍ فَنَتَّبِعُ ما حَكَمَ بِهِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كما حَكَمَ في الْعَمْدِ وما حَكَمَ بِهِ عُمَرُ كما حَكَمَ في الْخَطَأِ وَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا خِلَافَ الْآخَرِ فَإِنْ صِرْتُمْ إلَى أَنْ تَقُولُوا إنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ إنَّهُمَا قَسَامَةٌ فَنَصِيرُ إلَى قَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَنَجْعَلُ الْخَطَأَ قِيَاسًا على الْعَمْدِ فما كان لَا يَتَوَجَّهُ من حَدِيثٍ يُخَالِفُ ما جاء عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا على خِلَافِهِ أَوْلَى أَنْ تَصِيرُوا فيه إلَى حُكْمِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَخْتَلِفَ أَقَاوِيلُكُمْ - * بَابُ الْقَضَاءِ في الضِّرْسِ وَالتَّرْقُوَةِ وَالضِّلْعِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن زَيْدِ بن أَسْلَمَ عن مُسْلِمِ بن جُنْدَبٍ عن أَسْلَمَ مولى عُمَرَ بن الْخَطَّابِ أَنَّ عُمَرَ قَضَى في الضِّرْسِ بِجَمَلٍ وفي التَّرْقُوَةِ بِجَمَلٍ وفي الضِّلَعِ بِجَمَلٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ أَنَّهُ سمع سَعِيدَ بن الْمُسَيِّبِ يقول قَضَى عُمَرُ في الْأَضْرَاسِ بِبَعِيرٍ بَعِيرٍ وَقَضَى مُعَاوِيَةُ في الْأَضْرَاسِ بِخَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ خَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ قال سَعِيدُ بن الْمُسَيِّبِ فَالدِّيَةُ تَنْقُصُ في قَضَاءِ عُمَرَ وَتَزِيدُ في قَضَاءِ مُعَاوِيَةَ فَلَوْ كُنْت أنا لَجَعَلْت في الْأَضْرَاسِ بَعِيرَيْنِ بَعِيرَيْنِ فَتِلْكَ الدِّيَةُ سَوَاءٌ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَقُولُ في الْأَضْرَاسِ خَمْسٌ خَمْسٌ وَنَزْعُمُ أَنَّهُ ليس في التَّرْقُوَةِ وفي الضِّلْعِ حُكْمٌ مَعْرُوفٌ وَإِنَّمَا فيها حُكُومَةٌ بِاجْتِهَادٍ قال فَقَدْ خَالَفْتُمْ حَدِيثَ زَيْدِ بن أَسْلَمَ عن عُمَرَ كُلَّهُ فَقُلْتُمْ في الْأَضْرَاسِ خَمْسٌ خَمْسٌ وَهَكَذَا نَقُولُ لِمَا جاء عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في السِّنِّ خَمْسٌ كانت الضِّرْسُ سِنًّا قال فَهَذَا كما قُلْنَا في الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا وقد يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال في السِّنِّ خَمْسٌ مِمَّا أَقْبَلَ من الْفَمِ مِمَّا اسْمُهُ سِنٌّ فإذا كانت لنا وَلَكُمْ حُجَّةٌ بِأَنْ نَقُولَ الضِّرْسُ سِنٌّ وَنَذْهَبَ إلَى حديث النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فيها وَنُخَالِفَ غَيْرَهُ لِظَاهِرِ حديث النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وأن تَوَجَّهَ لِغَيْرِهِ أَنْ لَا يَكُونَ خِلَافَ قَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَهَكَذَا يَنْبَغِي لنا أَنْ لَا نَتْرُكَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم شيئا أَبَدًا لِقَوْلِ غَيْرِهِ فَأَمَّا أَنْ تَتْرُكُوا
____________________

(7/234)


قَوْلَ عُمَرَ لِقَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مَرَّةً وَتَتْرُكُوا قَوْلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِقَوْلِ عُمَرَ مَرَّةً فَهَذَا ما لَا يَجْهَلُ عَالِمٌ أَنَّهُ ليس لِأَحَدٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ قال وَخَالَفْتُمْ عُمَرَ في التَّرْقُوَةِ وَالضِّلْعِ فَقُلْتُمْ ليس فِيهِمَا شَيْءٌ مُوَقَّتٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وأنا أَقُولُ بِقَوْلِ عُمَرَ فِيهِمَا مَعًا لِأَنَّهُ لم يُخَالِفْهُ وَاحِدٌ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فِيمَا علمته ( ( ( علمت ) ) ) فلم أَرَ أَنْ أَذْهَبَ إلَى رَأْيِي وَأُخَالِفَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَرَوَى مَالِكٌ عن سَعِيدٍ أَنَّهُ رَوَى عن عُمَرَ في الْأَضْرَاسِ بَعِيرٌ بَعِيرٌ وَعَنْ مُعَاوِيَةَ خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ وقال فِيهِمَا بَعِيرَيْنِ بَعِيرَيْنِ فإذا كان سَعِيدٌ يَعْرِفُ عن عُمَرَ شيئا ثُمَّ يُخَالِفُهُ ولم يَذْهَبْ أَيْضًا إلَى ما ذَهَبْنَا إلَيْهِ من الحديث وَكُنْتُمْ تُخَالِفُونَ عُمَرَ ثُمَّ تُخَالِفُونَ سَعِيدًا فَأَيْنَ ما تَدَّعُونَ أَنَّ سَعِيدًا إذَا قال قَوْلًا لم يَقُلْ بِهِ إلَّا عن عِلْمٍ وَتَحْتَجُّونَ بِقَوْلِهِ في شَيْءٍ وَهَا أَنْتُمْ تُخَالِفُونَهُ في هذا وَغَيْرِهِ فَأَيْنَ ما زَعَمْتُمْ من أَنَّ الْعِلْمَ بِالْمَدِينَةِ كَالْوِرَاثَةِ لَا يَخْتَلِفُونَ فيه وَحِكَايَتُهُمْ إذَا حَكَوْا وَحَكَيْتُمْ عَنْهُمْ اخْتِلَافًا فَكَذَلِكَ حِكَايَةُ غَيْرِكُمْ في أَكْثَرِ الْأَشْيَاءِ إنَّمَا الْإِجْمَاعُ عِنْدَهُمْ فِيمَا يُوجَدُ الْإِجْمَاعُ فيه عِنْدَ غَيْرِهِمْ وإن أَوْلَى عِلْمِ الناس بَعْدَ الصَّلَاةِ أَنْ يَكُونَ عليه إجْمَاعٌ بِالْمَدِينَةِ الدِّيَاتُ لِأَنَّ بن طَاوُسٍ قال عن أبيه ما قَضَى بِهِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من عَقْلٍ وَصَدَقَاتٍ فَإِنَّمَا نَزَلَ بِهِ الْوَحْيُ وَعُمَرُ من الْإِسْلَامِ بِمَوْضِعِهِ الذي هو بِهِ من الناس فَقَدْ خَالَفْتُمُوهُ في الدِّيَاتِ وَخَالَفْتُمْ بن الْمُسَيِّبِ بَعْدَهُ فيها وَلَا أَرَى دَعْوَاكُمْ الْمَوْرُوثَ كما ادَّعَيْتُمْ وما أَرَاكُمْ قَبِلْتُمْ عن عُمَرَ هذا وما أَجِدُكُمْ تَقْبَلُونَ الْعِلْمَ إلَّا عن أَنْفُسِكُمْ - * بَابٌ في النِّكَاحِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي أخبرنا مَالِكٌ عن أبي الزُّبَيْرِ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ أتى بِنِكَاحٍ لم يَشْهَدْ عليه إلَّا رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فقال هذا نِكَاحُ السِّرِّ وَلَا أُجِيزُهُ وَلَوْ كُنْت تَقَدَّمْت فيه لَرَجَمْت ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد خَالَفْتُمْ هذا وَقُلْتُمْ النِّكَاحُ مَفْسُوخٌ وَلَا حَدَّ عليه فَخَالَفْتُمْ عُمَرَ وَعُمَرُ لو تَقَدَّمَ فيه لَرَجَمَ يعنى لو أَعْلَمْت الناس أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ بِشَاهِدٍ وَامْرَأَةٍ حتى يَعْرِفُوا ذلك لَرَجَمْت فيه من فَعَلَهُ بَعْدَ تَقَدُّمِي - * بَابُ ما جاء في الْمُتْعَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن عُرْوَةَ أَنَّ خَوْلَةَ بِنْتَ حَكِيمٍ دَخَلَتْ على عُمَرَ بن الْخَطَّابِ فقالت إنَّ رَبِيعَةَ بن أُمَيَّةَ اسْتَمْتَعَ بِامْرَأَةٍ مُوَلَّدَةٍ فَحَمَلَتْ منه فَخَرَجَ عُمَرُ يَجُرُّ رِدَاءَهُ فَزَعًا وقال هذه الْمُتْعَةُ وَلَوْ كُنْت تَقَدَّمْت فيها لَرَجَمْت ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُشْبِهُ قَوْلَهُ في الْأَوَّلِ وَمَذْهَبُ عُمَرَ في هذا أَنَّ الْمُتْعَةَ إذَا كانت مُحَرَّمَةً عِنْدَهُ وكان الناس يَفْعَلُونَهَا مُسْتَحِلِّينَ أو جَاهِلِينَ وهو اسْمُ نِكَاحٍ فَيَدْرَأُ عَنْهُمْ بِالِاسْتِحْلَالِ أَنَّهُ لو كان تَقَدَّمَ فيها حتى يُعْلِمَهُمْ أَنَّ حُكْمَهُ أنها مُحَرَّمَةٌ فَفَعَلُوهَا رَجَمَهُمْ وَحَمَلَهُمْ على حُكْمِهِ وَإِنْ كَانُوا يَسْتَحِلُّونَ منها ما حُرِّمَ كما قال يَسْتَحِلُّ قَوْمٌ الدِّينَارَ بِالدِّينَارَيْنِ يَدًا بِيَدٍ فَيَفْسَخُهُ عليهم من يَرَاهُ حَرَامًا فَخَالَفْتُمْ عُمَرَ في الْمَسْأَلَتَيْنِ مَعًا وَقُلْتُمْ لَا حَدَّ على من نَكَحَ بِشَاهِدٍ وَامْرَأَةٍ وَلَا من نَكَحَ نِكَاحَ مُتْعَةٍ كما زَعَمْت فِيهِمَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قال قال عُمَرُ بن الْخَطَّابِ أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَبِهَا جُنُونٌ أو جُذَامٌ أو بَرَصٌ فَمَسَّهَا فَلَهَا صَدَاقُهَا كَامِلًا وَذَلِكَ لِزَوْجِهَا غُرْمٌ على وَلِيِّهَا قال مَالِكٌ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذلك لِزَوْجِهَا غُرْمًا على وَلِيِّهَا إذَا كان الذي أَنْكَحَهَا هو أَبُوهَا أو أَخُوهَا أو من يَرَى أَنَّهُ يَعْلَمُ ذلك منها وَإِلَّا فَلَيْسَ عليه غُرْمٌ وَتَرُدُّ الْمَرْأَةُ ما أَخَذَتْ من صَدَاقِ نَفْسِهَا وَيَتْرُكُ لها قَدْرَ ما اسْتَحَلَّهَا بِهِ إذَا مَسَّهَا فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَقُولُ بِقَوْلِ مَالِكٍ وَسَأَلْت عن قَوْلِهِ في ذلك فقال إنَّمَا حَكَمَ عُمَرُ أَنَّ لها الْمَهْرَ بِالْمَسِيسِ وَأَنَّ الْمَهْرَ على وَلِيِّهَا لِأَنَّهُ غَارٌّ وَالْغَارُّ عَلِمَ أو لم يَعْلَمْ يَغْرَمُ أَرَأَيْت رَجُلًا بَاعَ عَبْدًا ولم يَعْلَمْ أَنَّهُ حُرٌّ أَلَيْسَ
____________________

(7/235)


يَرْجِعُ عليه بِقِيمَتِهِ أو بَاعَ مَتَاعًا لِنَفْسِهِ أو لِغَيْرِهِ فَاسْتُحِقَّ أو فَسَدَ الْبَيْعُ أو كان لِمُشْتَرِيهِ الْخِيَارُ فَاخْتَارَ رَدَّهُ أَلَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ ما غَرِمَ على من غَرَّهُ عَلِمَ أو لم يَعْلَمْ قال وَرَوَيْتُمْ الحديث عن عُمَرَ وَخَالَفْتُمُوهُ فيه بِمَا وَصَفْته فَلَوْ ذَهَبْتُمْ فيه إلَى أَمْرٍ يُعْقَلُ فَقُلْتُمْ إذَا كان الصَّدَاقُ ثَمَنًا لِلْمَسِيسِ لم يَرْجِعْ بِهِ الزَّوْجُ عليها وَلَا على وَلِيٍّ لِأَنَّهُ قد أَخَذَ الْمَسِيسَ كما ذَهَبَ بَعْضُ الْمَشْرِقِيِّينَ إلَى هذا كان مَذْهَبًا فَأَمَّا ما ذَهَبْتُمْ إلَيْهِ فَلَيْسَ بِمَذْهَبٍ وهو خِلَافُ عُمَرَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ أنه كُتِبَ إلَى عُمَرَ بن الْخَطَّابِ من الْعِرَاقِ في رَجُلٍ قال لِامْرَأَتِهِ حَبْلُك على غَارِبِك فَكَتَبَ عُمَرُ إلَى عَامِلِهِ أَنْ مُرْهُ يُوَافِينِي في الْمَوْسِمِ فَبَيْنَا عُمَرُ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ إذْ لَقِيَهُ الرَّجُلُ فَسَلَّمَ عليه فقال من أنت فقال أنا الذي أَمَرْتَ أَنْ أُجْلَبَ عَلَيْك فقال عُمَرُ أَنْشُدُك بِرَبِّ هذه الْبَنِيَّةِ هل أَرَدْت بِقَوْلِك حَبْلُك على غَارِبِك الطَّلَاقَ فقال الرَّجُلُ لو اسْتَحْلَفْتنِي في غَيْرِ هذا الْمَكَانِ ما صَدَقْتُك أَرَدْت الْفِرَاقَ فقال عُمَرُ هو ما أَرَدْت ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَبِهَذَا نَقُولُ وَفِيهِ دَلَالَةٌ على أَنَّ كُلَّ كَلَامٍ أَشْبَهَ الطَّلَاقَ لم نَحْكُمْ بِهِ طَلَاقًا حتى يُسْأَلَ قَائِلُهُ فَإِنْ كان أَرَادَ طَلَاقًا فَهُوَ طَلَاقٌ وَإِنْ لم يُرِدْ طَلَاقًا لم يَكُنْ طَلَاقًا ولم نَسْتَعْمِلْ الْأَغْلَبَ من الْكَلَامِ على رَجُلٍ احْتَمَلَ غير الْأَغْلَبِ فَخَالَفْتُمْ عُمَرَ في هذا فَزَعَمْتُمْ أَنَّهُ طَلَاقٌ وَأَنَّهُ لَا يُسْأَلُ عَمَّا أَرَادَ - * بَابٌ في الْمَفْقُودِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ قال أَيُّمَا امْرَأَةٍ فَقَدَتْ زَوْجَهَا فلم تَدْرِ أَيْنَ هو فَإِنَّهَا تَنْتَظِرُ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ تَنْتَظِرُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا قال وَالْحَدِيثُ الثَّابِتُ عن عُمَرَ وَعُثْمَانَ في امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ مِثْلُ ما رَوَى مَالِكٌ عن بن الْمُسَيِّبِ عن عُمَرَ وَزِيَادَةٌ فإذا تَزَوَّجَتْ فَقَدِمَ زَوْجُهَا قبل أَنْ يَدْخُلَ بها زَوْجُهَا الْآخِرُ كان أَحَقَّ بها فَإِنْ دخل بها زَوْجُهَا الْآخِرُ فَالْأَوَّلُ الْمَفْقُودُ بِالْخِيَارِ بين امْرَأَتِهِ وَالْمَهْرِ وَمَنْ قال بِقَوْلِهِ في الْمَفْقُودِ قال بهذا كُلِّهِ اتِّبَاعًا لِقَوْلِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَأَنْتُمْ تُخَالِفُونَ ما روى عن عُمَرَ وَعُثْمَانَ مَعًا فَتَزْعُمُونَ أنها إذَا نَكَحَتْ لم يَكُنْ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ فيها خِيَارٌ هِيَ من الْآخِرِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فإن صَاحِبَنَا قال أَدْرَكْت من يُنْكِرُ ما قال بَعْضُ الناس عن عُمَرَ فقال الشَّافِعِيُّ قد رَأَيْنَا من يُنْكِرُ قَضِيَّةَ عُمَرَ كُلَّهَا في الْمَفْقُودِ وَيَقُولُ هذا لَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ من قَضَاءِ عُمَرَ فَهَلْ كانت الْحُجَّةُ عليه إلَّا أَنَّ الثِّقَاتِ إذَا حَمَلُوا ذلك عن عُمَرَ لم يُتَّهَمُوا فَكَذَلِكَ الْحُجَّةُ عَلَيْك وَكَيْفَ جَازَ أَنْ يَرْوِيَ الثِّقَاتُ عن عُمَرَ حَدِيثًا وَاحِدًا فَتَأْخُذَ بِبَعْضِهِ وَتَدَعَ بَعْضًا أَرَأَيْت إنْ قال لَك قَائِلٌ آخُذُ بِاَلَّذِي تَرَكْت منه وَأَتْرُكُ الذي أَخَذْت بِهِ هل الْحُجَّةُ عليه إلَّا أَنْ يُقَالَ من جَعَلَ قَوْلَهُ غَايَةً يَنْتَهِي إلَيْهَا أَخَذَ بِقَوْلِهِ كما قال فَأَمَّا قَوْلُك فَإِنَّمَا جَعَلْت الْغَايَةَ في نَفْسِك لَا فِيمَنْ رَوَى عنه الثِّقَاتُ فَهَكَذَا الْحُجَّةُ عَلَيْك لِأَنَّك تَرَكْت بَعْضَ قَضِيَّةِ عُمَرَ وَأَخَذْت بِبَعْضِهَا ( قال الرَّبِيعُ ) لَا تَتَزَوَّجُ امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ حتى يأتى يَقِينُ مَوْتِهِ لِأَنَّ اللَّهَ قال { وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا } فَجَعَلَ على المتوفي عِدَّةً وَكَذَلِكَ جَعَلَ على الْمُطَلَّقَةِ عِدَّةً لم يُبِحْهَا إلَّا بِمَوْتٍ أو طَلَاقٍ وَهِيَ مَعْنَى حديث النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إذْ قال إنَّ الشَّيْطَانَ يَنْقُرُ عِنْدَ عَجُزِ أَحَدِكُمْ حتى يُخَيِّلَ إلَيْهِ أَنَّهُ قد أَحْدَثَ فَلَا يَنْصَرِفْ أحدكم حتى يَسْمَعَ صَوْتًا أو يَجِدَ رِيحًا فَأَخْبَرَ أَنَّهُ إذَا كان على يَقِينٍ من الطَّهَارَةِ فَلَا تَزُولُ الطَّهَارَةُ إلَّا بِيَقِينِ الْحَدَثِ وَكَذَلِكَ هذه الْمَرْأَةُ لها زَوْجٌ بِيَقِينٍ فَلَا يَزُولُ قَيْدُ نِكَاحِهَا بِالشَّكِّ وَلَا يَزُولُ إلَّا بِيَقِينٍ وَهَذَا قَوْلُ عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ - * بَابٌ في الزَّكَاةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ أَنَّ أَهْل الشَّامِ قالوا لِأَبِي عُبَيْدَةَ بن الْجَرَّاحِ خُذْ مِنَّا من خَيْلِنَا وَمِنْ رَقِيقِنَا صَدَقَةً فَأَبَى ثُمَّ كَتَبَ إلَى عُمَرَ فَأَبَى ثُمَّ كَلَّمُوهُ أَيْضًا فَكَتَبَ إلَى عُمَرَ
____________________

(7/236)


فَكَتَبَ إلَيْهِ إنْ أَحَبُّوا فَخُذْهَا منهم وَارْدُدْهَا عليهم قال مَالِكٌ يَعْنِي رُدَّهَا إلَى فُقَرَائِهِمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن الزُّهْرِيِّ عن السَّائِبِ بن يَزِيدَ أَنَّ عُمَرَ أَمَرَ أَنْ يُؤْخَذَ في الْفَرَسِ شاتين ( ( ( شاتان ) ) ) أو عَشَرَةٌ أو عشرين ( ( ( عشرون ) ) ) دِرْهَمًا فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَقُولُ لَا تُؤْخَذُ في الْخَيْلِ صَدَقَةٌ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ليس على الْمُسْلِمِ في عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقَدْ رَوَيْتُمْ وَرَوَى غَيْرُكُمْ عن عُمَرَ هذا فَإِنْ كُنْتُمْ تَرَكْتُمُوهُ لِشَيْءٍ رَوَيْتُمُوهُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم جُمْلَةً فَهَكَذَا فَاصْنَعُوا في كل من رَوَى عن أَحَدٍ شيئا يُخَالِفُ ما جاء عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فيه وأنكم لَتُخَالِفُونَ ما جاء عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فِيمَا هو أَبْيَنُ من هذا وَتَعْمَلُونَ فيه بِأَنَّ الرَّجُلَ من أَصْحَابِهِ لَا يقول قَوْلًا يُخَالِفُهُ وَتَقُولُونَ لَا يَخْفَى على الرَّجُلِ من أَصْحَابِهِ قَوْلُهُ ثُمَّ يأتى مَوْضِعٌ آخَرُ فَيَخْتَلِفُ كَلَامُكُمْ وَلَوْ شَاءَ رَجُلٌ قال قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ليس على مُسْلِمٍ في عَبْدِهِ وَفَرَسِهِ صَدَقَةٌ إذَا كان فَرَسُهُ مَرْبُوطًا له مَطِيَّةً فَأَمَّا خَيْلٌ تَتَنَاتَجُ فَنَأْخُذُ منها كما أَخَذَ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ فَقَدْ ذَهَبَ هذا الْمَذْهَبَ بَعْضُ الْمُفْتِينَ وَلَوْ ذَهَبْتُمْ هذا الْمَذْهَبَ لَكَانَ له وَجْهٌ يُحْتَمَلُ فَإِنْ لم تَقُولُوا وَصِرْتُمْ إلَى اتِّبَاعِ ما جاء عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم جُمْلَةً وَجُمْلَةُ كل شَيْءٍ عليه فَهَكَذَا فَاصْنَعُوا في كل شَيْءٍ وَلَا تَخْتَلِفُ أَقَاوِيلُكُمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ - * بَابٌ في الصَّلَاةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن مُحَمَّدِ بن إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عن أبي سَلَمَةَ بن عبد الرحمن أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ صلى بِالنَّاسِ الْمَغْرِبَ فلم يَقْرَأْ فيها فلما انْصَرَفَ قِيلَ له ما قَرَأَتْ قال فَكَيْفَ كان الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ قالوا حَسَنًا قال فَلَا بَأْسَ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَقُولُ من نسى الْقِرَاءَةَ في الصَّلَاةِ أَعَادَ الصَّلَاةَ وَلَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ إلَّا بِقِرَاءَةٍ قال فَقَدْ رَوَيْتُمْ هذا عن عُمَرَ وَصَلَاتُهُ بِالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فَزَعَمْتُمْ أَنَّهُ لم يَرَ إذَا كان الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ حَسَنًا بَأْسًا وَلَا تَجِدُونَ عنه شيئا أَحْرَى أَنْ يَكُونَ إجْمَاعًا منه وَمِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ عليه عَادَةً من هذا إذَا كان عِلْمُ الصَّلَاةِ ظَاهِرًا فَكَيْفَ خَالَفْتُمُوهُ فَإِنْ كُنْتُمْ إنَّمَا ذَهَبْتُمْ إلَى أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ فينبغى أَنْ تَذْهَبُوا في كل شَيْءٍ هذا الْمَذْهَبَ فإذا جاء شَيْءٌ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لم تَدَعُوهُ لِشَيْءٍ إنْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ كما قُلْتُمْ ها هنا وَهَذَا مَوْضِعٌ لَكُمْ فيه شُهُودٌ لِأَنَّهُ شُبْهَةٌ لو ذَهَبْتُمْ إلَيْهِ بِأَنْ تَقُولُوا لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ لِمَنْ كان ذَاكِرًا وَالنِّسْيَانُ مَوْضُوعٌ كما أَنَّ نِسْيَانَ الْكَلَامِ عِنْدَكُمْ مَوْضُوعٌ في الصَّلَاةِ فإذا أَمْكَنَكُمْ أَنْ تَقُولُوا هذا في الصَّلَاةِ فلم تَقُولُوهُ وَصِرْتُمْ إلَى جُمْلَةِ ما روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَتَرَكْتُمْ ما رَوَيْتُمْ عن عُمَرَ وَمَنْ خَلْفَهُ من الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ لِجُمْلَةِ حديث النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَكَيْفَ لم تَصْنَعُوا هذا فِيمَا جاء عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مَنْصُوصًا بَيِّنًا لَا يَحْتَمِلُ ما خَالَفَهُ مِثْلَ ما احْتَمَلَ هذا من التَّأْوِيلِ بِالنِّسْيَانِ - * بَابٌ في قَتْلِ الدَّوَابِّ التي لَا جَزَاءَ فيها في الْحَجِّ - * سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ عن قَتْلِ الْقُرَادِ وَالْحَلَمَةِ في الْإِحْرَامِ فقال لَا بَأْسَ بِقَتْلِهِ وَلَا فِدْيَةَ فيه وَإِنَّمَا يفدى الْمُحْرِمُ ما قَتَلَ مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَقُلْت له ما الْحُجَّةُ فيه فقال أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن مُحَمَّدِ بن إبْرَاهِيمَ بن الحرث التميمي ( ( ( التيمي ) ) ) عن رَبِيعَةَ بن عبد اللَّهِ أَنَّهُ رَأَى عُمَرَ يُقَرِّدُ بَعِيرًا له في طِينٍ بِالسُّقْيَا فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فإن صَاحِبَنَا يقول لَا يَنْزِعُ الْحَرَامُ قُرَادًا وَلَا حَلَمَةً
____________________

(7/237)


وَيَحْتَجُّ بِأَنَّ بن عُمَرَ كَرِهَ أَنْ يَنْزِعُ الْمُحْرِمُ قُرَادًا أو حلمه من بَعِيرٍ قال وَكَيْفَ تَرَكْتُمْ قَوْلَ عُمَرَ وهو يُوَافِقُ السُّنَّةَ بِقَوْلِ بن عُمَرَ وَمَعَ عُمَرَ بن عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ فَإِنْ كُنْتُمْ ذَهَبْتُمْ إلَى التَّقْلِيدِ فَلِعُمَرَ بِمَكَانِهِ من الْإِسْلَامِ وَفَضْلِ عِلْمِهِ وَمَعَهُ بن عَبَّاسٍ وَمُوَافَقَةُ السُّنَّةِ أَوْلَى أَنْ تُقَلِّدُوهُ ( قال ) وقد تَتْرُكُونَ قَوْلَ بن عُمَرَ لِرَأْيِ أَنْفُسِكُمْ وَلِرَأْيِ غَيْرِ بن عُمَرَ فإذا تَرَكْتُمْ ما روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من طِيبِ الْمُحْرِمِ لِقَوْلِ عُمَرَ وَتَرَكْتُمْ على عُمَرَ تَقْرِيدَ الْبَعِيرِ لِقَوْلِ بن عُمَرَ وعلي بن عُمَرَ فِيمَا لَا يُحْصَى لِرَأْيِ أَنْفُسِكُمْ فَالْعِلْمُ إلَيْكُمْ عِنْدَ أَنْفُسِكُمْ صَارَ فَلَا تَتَّبِعُونَ منه إلَّا ما شِئْتُمْ وَلَا تَقْبَلُونَ إلَّا ما هَوَيْتُمْ وَهَذَا لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَحَدٍ من أَهْلِ الْعِلْمِ فإذا زَعَمْتُمْ أَنَّ بن عُمَرَ يُخَالِفُ عُمَرَ في هذا وَغَيْرِهِ فَكَيْفَ زَعَمْتُمْ أَنَّ الْفُقَهَاءَ بِالْمَدِينَةِ لَا يَخْتَلِفُونَ وَأَنْتُمْ تَرْوُونَ عَنْهُمْ الِاخْتِلَافَ وَغَيْرُكُمْ يَرْوِيهِ عَنْهُمْ في أَكْثَرِ خَاصِّ الْفِقْهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ قال لَا يَصْدُرَنَّ أَحَدٌ من الْحَاجِّ حتى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ فإن آخِرَ النُّسُكِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ قال مَالِكٌ وَذَلِكَ فِيمَا نَرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { ثُمَّ مَحِلُّهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ } فَمَحِلُّ الشَّعَائِرِ وَانْقِضَاؤُهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رَدَّ رَجُلًا من مَرِّ الظَّهْرَانِ لم يَكُنْ وَدَّعَ الْبَيْتَ ( قال ) وقال مَالِكٌ من جَهِلَ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ لم يَكُنْ عليه شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا فَيَرْجِعَ فَلَا أَنْتُمْ عَذَرْتُمُوهُ بِالْجَهَالَةِ فَلَا تَرُدُّونَهُ من قَرِيبٍ وَلَا بَعِيدٍ وَلَا أَنْتُمْ اتَّبَعْتُمْ قَوْلَ عُمَرَ وما تَأَوَّلَ صَاحِبُكُمْ من الْقُرْآنِ أَنَّ الْوَدَاعَ من نُسُكِهِ فَيَجْعَلُ عليه دَمًا وهو قَوْلُ بن عَبَّاسٍ من نسى من نُسُكِهِ شيئا فَلْيُهْرِقْ دَمًا وهو يقول في مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ بِقَوْلِ بن عَبَّاسٍ وَحْدَهُ من نسى من نُسُكِهِ شيئا فَلْيُهْرِقْ دَمًا ثُمَّ تَتْرُكُونَهُ حَيْثُ شِئْتُمْ وَتَدْعُونَهُ وَمَعَهُ عُمَرُ وما تَأَوَّلْتُمْ من الْقُرْآنِ - * بَابُ ما جاء في الصَّيْدِ - * سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ عَمَّنْ قَتَلَ من الصَّيْدِ شيئا وهو مُحْرِمٌ فقال من قَتَلَ من دَوَابِّ الصَّيْدِ شيئا جَزَاهُ بمثله من النَّعَمِ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يقول { فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ من النَّعَمِ } وَالْمِثْلُ لَا يَكُونُ إلَّا لِدَوَابِّ الصَّيْدِ فَأَمَّا الطَّيْرُ فَلَا مِثْلَ له وَمِثْلُهُ قِيمَتُهُ إلَّا أَنَّ في حَمَامِ مَكَّةَ اتِّبَاعًا للاثار شَاةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ أَنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ حدثه عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ قَضَى في الضَّبُعِ بِكَبْشٍ وفي الْغَزَالِ بِعَنْزٍ وفي الْأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ وفي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نُخَالِفُ ما رَوَيْنَا عن عُمَرَ في الْأَرْنَبِ وَالْيَرْبُوعِ فنقول ( ( ( فيقول ) ) ) لَا يُفْدَيَانِ بِجَفْرَةٍ وَلَا بِعَنَاقٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) هذا الْجَهْلُ الْبَيِّنُ وَخِلَافُ كِتَابِ اللَّهِ عِنْدَنَا وَأَمْرِ عُمَرَ وَأَمْرِ عُثْمَانَ بن عَفَّانَ وبن مَسْعُودٍ وَهُمْ أَعْلَمُ بِمَعَانِي كِتَابِ اللَّهِ مِنْكُمْ مع أَنَّهُ ليس في تَنْزِيلِ الْكِتَابِ شَيْءٌ يَحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلٍ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إذْ حَكَمَ في الصَّيْدِ بمثله من النَّعَمِ فَلَيْسَ يُعْدَمُ الْمِثْلُ أَبَدًا فما له مِثْلٌ من النَّعَمِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الصَّيْدِ إذَا قَتَلَ بِأَيِّ النَّعَمِ كان أَقْرَبَ بها شَبَهًا في الْبَدَنِ فَدَى بِهِ وَهَذَا إذَا كان كَذَا فَدَى الْكَبِيرَ بِالْكَبِيرِ وَالصَّغِيرَ بِالصَّغِيرِ أو يَكُونُ الْمِثْلُ الْقِيمَةَ كما قال بَعْضُ الْمَشْرِقِيِّينَ وَقَوْلُكُمْ لَا الْقِيمَةُ وَلَا الْمِثْلُ من الْبَدَنِ بَلْ هو خَارِجٌ مِنْهُمَا مع خُرُوجِهِ مِمَّا وَصَفْنَا من الْآثَارِ وَتَزْعُمُونَ في كل ما كان فيه ثَنِيَّةٌ فَصَاعِدًا أَنَّهُ مِثْلُ النَّعَمِ فَتَرْفَعُونَ وَتَخْفِضُونَ فإذا جاء ما دُونَ ثَنِيَّةٍ قُلْتُمْ مِثْلٌ من الْقِيمَةِ وَهَذَا قَوْلٌ لَا يُقْبَلُ من أَحَدٍ لو لم يُخَالِفْ الْآثَارَ فَكَيْفَ وقد خَالَفَهَا وَكُلُّ ما فَدَى فَإِنَّمَا الْقَدْرُ قِيمَتُهُ وَالْقِيمَةُ تَكُونُ قَلِيلَةً وَكَثِيرَةً وَأَقَاوِيلُكُمْ فيها مُتَنَاقِضَةٌ فَكَيْفَ تُجَاوِزُ الثَّنِيَّةُ التي تَجُوزُ ضَحِيَّةً في الْبَقَرَةِ فَتَفْدِيهَا وَيَكُونُ يَصِيدُ صَيْدًا صَغِيرًا دُونَ الثَّنِيَّةِ فَلَا تفدية بِصَغِيرٍ دُونَ الثَّنِيَّةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَتَصِيرُونَ إلَى قَوْلِ عُمَرَ في النَّهْيِ عن الطِّيبِ قبل الْإِحْرَامِ
____________________

(7/238)


وَتَتْرُكُونَ فيه ما رَوَى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَتَصِيرُونَ إلَى تَرْكِ قَوْلِهِ في كَثِيرٍ وَتَدَعُونَ لِقَوْلِهِ ما وَصَفْت من سُنَنٍ تَرْوُونَهَا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ تُخَالِفُونَ عُمَرَ وَلَا مُخَالِفَ له من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا التَّابِعِينَ بَلْ معه من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عُثْمَانُ وبن مَسْعُودٍ وَمِنْ التَّابِعِينَ عَطَاءٌ وَأَصْحَابُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد جَهَدْت أَنْ أَجِدَ أَحَدًا يُخْبِرُنِي إلَى أَيِّ شَيْءٍ ذَهَبْتُمْ في تَرْكِكُمْ ما رَوَيْتُمْ عن عُمَرَ في الْيَرْبُوعِ وَالْأَرْنَبِ فما وَجَدْت أَحَدًا يَزِيدُنِي على أَنَّ بن عُمَرَ قال الضَّحَايَا وَالْبُدْنُ الثني ( ( ( والثني ) ) ) فما فَوْقَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَنْتُمْ أَيْضًا تُخَالِفُونَ في هذا لِأَنَّ قَوْلَ بن عُمَرَ لَا يَعْدُو أَنْ يَكُونَ لَا يُجِيزُ من الضَّحَايَا وَالْبُدْنِ إلَّا الثَّنِيَّ فما فَوْقَهُ فَإِنْ كان هذا فَأَنْتُمْ تُجِيزُونَ الْجَذَعَةَ من الضَّأْنِ ضَحِيَّةً وَإِنْ كان قَوْلُ بن عُمَرَ أَنَّ الثَّنِيَّ فما فَوْقَهُ وَفَاءٌ وَلَا يَسَعُ ذلك ما دُونَهُ أَنْ يَكُونَ ضَحِيَّةً فَقَدْ تَأَوَّلْتُمْ قَوْلَ بن عُمَرَ على غَيْرِ وَجْهِهِ وَضَيَّقْتُمْ على غَيْرِكُمْ ما دَخَلْتُمْ في مِثْلِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد أَخْطَأَ من جَعَلَ الصَّيْدَ من مَعْنَى الضَّحَايَا وَالْبُدْنِ بِسَبِيلِ ما نَجِدُ أَحَدًا مِنْكُمْ يُعْرَفُ عنه في هذا شَيْءٌ يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْكِيَهُ لِضَعْفِ مَذْهَبِكُمْ بِهِ وَخُرُوجِهِ من مَعْنَى الْقُرْآنِ وَالْأَثَرِ عن عُمَرَ وَعُثْمَانَ وبن مَسْعُودٍ وَالْقِيَاسِ وَالْمَعْقُولِ ثُمَّ تَنَاقُضِهِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَجَزَاءُ الصَّيْدِ ضَحَايَا قُلْنَا مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ ضَحَايَا جَزَاءِ الصَّيْدِ بَدَلٌ من الصَّيْدِ ( 1 ) وَالْبَدَلُ يَكُونُ منه ما يَكُونُ بَقَرَةً مثله فَأَرْفَعُ وَأُخْفِضُ منها تَمْرَةً وَالتَّمْرَتَيْنِ وَذَلِكَ أَنَّ من جَزَاءِ الصَّيْدِ ما يَكُونُ بِتَمْرَةٍ وَمِنْهُ ما يَكُونُ بِبَدَنَةٍ وَمِنْهُ ما يَكُونُ بين ذلك فَإِنْ قال قَائِلٌ فما فَرَّقَ بين جَزَاءِ الصَّيْدِ وَالضَّحَايَا وَالْبُدْنِ قِيلَ أَرَأَيْت الضَّحَايَا أَيَكُونُ على أَحَدٍ فيها أَكْثَرُ من شَاةٍ فَإِنْ قال لَا قِيلَ أَفَرَأَيْت الْبُدْنَ أَلَيْسَتْ تَطَوُّعًا أو نَذْرًا أو شيئا وَجَبَ بِإِفْسَادِ حَجٍّ فَإِنْ قال بَلَى قِيلَ أَفَرَأَيْت جَزَاءَ الصَّيْدِ أَلَيْسَ إنَّمَا هو غُرْمٌ وَغَرِمَهُ من قَتَلَهُ بِأَنَّهُ مُحَرَّمُ الْقَتْلِ في تِلْكَ الْحَالِ وَحَكَمَ اللَّهُ بِهِ عليه هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ لِلْمَسَاكِينِ الْحَاضِرِي الْكَعْبَةَ فَإِنْ قال بَلَى قِيلَ فَكَمَا تَحْكُمُ لِمَالِكِ الصَّيْدِ على رَجُلٍ لو قَتَلَهُ بِالْبُدْنِ منه فَإِنْ قال نعم قِيلَ فإذا قَتَلَ نَعَامَةً كانت فيها بَدَنَةٌ أو بَقَرَةَ وَحْشٍ كانت فيها شَاةٌ فَإِنْ قال نعم قِيلَ أَفَتَرَى هذا كَالْأَضَاحِيِّ أو كَالْهَدْيِ التَّطَوُّعِ أو الْبُدْنِ أو إفْسَادِ الْحَجِّ فَإِنْ قال قد يَفْتَرِقَانِ قِيلَ أَلَيْسَ إذَا أُصِيبَتْ نَعَامَةٌ كانت فيها بَدَنَةٌ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ الْأَشْيَاءِ من الْمِثْلِ وَكَذَلِكَ الْبَقَرُ وَالْغَزَالُ فَإِنْ قال نعم قِيلَ فإذا كان هذا بَدَلًا لِشَيْءٍ أَتْلَفَ فَكَانَ على أَنْ أُغَرِّمَ أَكْثَرَ من الضَّحِيَّةِ فيه لِمَ لَا يَكُونُ لي أَنْ أُعْطِيَ دُونَ الضَّحِيَّةِ فيه وَأَنْتَ قد تَجْعَلُ ذلك لي فَتَجْعَلُ في الْجَرَادَةِ تَمْرَةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال فَإِنَّمَا أَجْعَلُ عَلَيْك الْقِيمَةَ إذَا كانت الْقِيمَةُ دُونَ ما يَكُونُ ضَحِيَّةً قِيلَ فَمَنْ قال لَك إنَّ شيئا يَكُونُ بَدَلًا من شَيْءٍ فَتَجْعَلُ على من قَتَلَهُ الْمِثْلَ ما كان ضَحِيَّةً فَأَعْلَى وَلَا تَجْعَلُ الضَّحِيَّةَ تُجْزِي فِيمَا قَتَلَ منه مِمَّا هو أَعْلَى منها وإذا كان شَيْءٌ دُونَ الضَّحِيَّةِ لم تَطْرَحْهُ عَنِّي بَلْ تَجْعَلُهُ على بِمِثْلٍ من الثَّمَنِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ ضَحِيَّةً فَهُوَ في قَوْلِك ليس من مَعَانِي الضَّحَايَا فَإِنْ قال أَفَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هذا نَاقِصًا وَضَحِيَّةً قِيلَ نعم فَكَمَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَمْرَةٌ وَقَبْضَةٌ من طَعَامٍ وَدِرْهَمٌ وَدِرْهَمَانِ هَدْيًا وَلَوْ لم يَجُزْ كُنْت قد أَخْطَأْت إذْ زَعَمْت أَنَّهُ إذَا أَصَبْت صَيْدًا مَرِيضًا أو أَعْوَرَ أو مَنْقُوصًا قُوِّمَ على فى مِثْلِ تِلْكَ الْحَالِ نَاقِصًا ولم تَقُلْ يُقَوَّمُ على وَافِيًا فَمَثَّلْت الصَّيْدَ الصَّغِيرَ مَرَّةً بِالْإِنْسَانِ الحر ( ( ( الحي ) ) ) يُقْتَلُ مَنْقُوصًا فَيَكُونُ فيه دِيَةٌ تَامَّةٌ وَزَعَمْت أُخْرَى أَنَّهُ إذَا قَوَّمَ الصَّيْدَ الْمَقْتُولَ قَوَّمَهُ مَنْقُوصًا وَهَذَا قَوْلٌ يَخْتَلِفُ إنْ كان قِيَاسًا على الْإِنْسَانِ الْحُرِّ فَلَا يُفَرَّقُ بين قِيمَتِهِ مَنْقُوصًا وَصَغِيرًا وَكَبِيرًا لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُقْتَلُ مَرِيضًا وَمَنْقُوصًا كَهَيْئَتِهِ صَحِيحًا وَافِرًا وَإِنْ كان قِيَاسًا على الْمَالِ يُتْلَفُ فَيُقَوِّمُهُ بِالْحَالِ التي أُتْلِفَ فيها لَا بِغَيْرِهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ قال ما مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ هَدْيًا قُلْت الْهَدْيُ شَيْءٌ فَصَلْتُهُ من مَالِكٍ إلَى
____________________

(7/239)


من أُمِرْت بِفَصْلِهِ إلَيْهِ كَالْهَدِيَّةِ تَخْرُجُهَا من مَالِك إلَى غَيْرِك فَيَقَعُ اسْمُ الهدى على تَمْرَةٍ وَبَعِيرٍ وما بَيْنَهُمَا من كل ثمر ( ( ( ثمرة ) ) ) وَمَأْكُولٍ يَقَعُ عليه اسْمُ الْهَدِيَّةِ على ما قَلَّ وَكَثُرَ فَإِنْ قال أَفَيَجُوزُ أَنْ تُذْبَحَ صَغِيرَةٌ من الْغَنَمِ فَتَتَصَدَّقَ بها قُلْت نعم كما يَجُوزُ أَنْ تَتَصَدَّقَ بِتَمْرَةٍ وَالْهَدْيُ غَيْرُ الضَّحِيَّةِ وَالضَّحِيَّةُ غَيْرُ الهدى الهدى بَدَلٌ وَالْبَدَلُ يَقُومُ مَقَامَ ما أُتْلِفَ وَالضَّحِيَّةُ لَيْسَتْ بَدَلًا من شَيْءٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد قال هذا مع عُمَرَ بن الْخَطَّابِ عُثْمَانُ بن عَفَّانَ وبن مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُمَا فَخَالَفْتُمْ إلَى غَيْرِ قَوْلٍ آخَرَ مِثْلِهِمْ وَلَا من سَلَفَ من الْأَئِمَّةِ عَلِمْته ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ عن عبد الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عن أبي عُبَيْدَةَ بن عبد اللَّهِ بن مَسْعُودٍ أَنَّ مُحْرِمًا أَلْقَى جُوَالِقًا فَأَصَابَ يَرْبُوعًا فَقَتَلَهُ فَقَضَى فيه بن مَسْعُودٍ بِجَفْرَةٍ مُجْفِرَةٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن بن أبي نَجِيحٍ عن مُجَاهِدٍ أَنَّ بن مَسْعُودٍ حَكَمَ في الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ أو جَفْرَةٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ عن مُطَرِّفٍ عن أبي السَّفَرِ أَنَّ عُثْمَانَ قَضَى في أُمِّ حُيَيْنٍ بِحُلَّانٍ من الْغَنَمِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ عن مُخَارِقٍ عن طَارِقٍ قال خَرَجْنَا حَجِيجًا فَأَوْطَأَ رَجُلٌ مِنَّا يُقَالُ له أَرْبَدُ ضَبًّا فَفَزَرَ ظَهْرَهُ فَقَدِمْنَا على عُمَرَ فَسَأَلَهُ أَرْبَدُ فقال عُمَرُ اُحْكُمْ فيه فقال أنت خَيْرٌ مِنِّي يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَعْلَمُ فقال له عُمَرُ إنَّمَا أَمَرْتُك أَنْ تَحْكُمَ فيه ولم آمُرْكَ أَنْ تُزَكِّيَنِي فقال أَرْبَدُ أَرَى فيه جَدْيًا قد جَمَعَ الْمَاءَ وَالشَّجَرَ فقال عُمَرُ فَذَاكَ فيه ( قال الشَّافِعِيُّ ) لَا أَعْلَمُ مَذْهَبًا أَضْعَفُ من مَذْهَبِكُمْ رَوَيْتُمْ عن عُمَرَ تُؤَجَّلُ امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ ثُمَّ تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ وَتَنْكِحُ وروي الْمَشْرِقِيُّونَ عن عَلِيٍّ لِتَصْبِرْ حتى يَأْتِيَهَا يَقِينُ مَوْتِهِ وَجَعَلَ اللَّهُ عِدَّةَ الْوَفَاةِ على الْمَرْأَةِ يُتَوَفَّى عنها زَوْجُهَا فقال الْمَشْرِقِيُّونَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَعْتَدَّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ إلَّا من جَعَلَ اللَّهُ ذلك عليها ولم يَجْعَلْ اللَّهُ ذلك إلَّا على التي توفى عنها زَوْجُهَا يَقِينًا فَقُلْتُمْ عُمَرُ أَعْلَمُ بِمَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ فإذا قِيلَ لَكُمْ وعلى عَالِمٌ بِكِتَابِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ لَا تَقْسِمُونَ مَالَ الْمَفْقُودِ على وَرَثَتِهِ وَلَا تَحْكُمُونَ عليه بِحُكْمِ الْوَفَاةِ حتى تَعْلَمُوا أَنَّهُ مَاتَ بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ على مَوْتِهِ فَكَيْفَ حَكَمْتُمْ عليه حُكْمَ الْوَفَاةِ في امْرَأَتِهِ فَقَطْ قُلْتُمْ لَا يُقَالُ لِمَا روى عن عُمَرَ لِمَ وَلَا كَيْفَ وَلَا يُتَأَوَّلُ معه الْقُرْآنُ ثُمَّ وَجَدْتُمْ عُمَرَ يقول في الصَّيْدِ بِمَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ وَمَعَ عُمَرَ عُثْمَانُ وبن مَسْعُودٍ وَعَطَاءٌ وَغَيْرُهُمْ فَخَالَفْتُمُوهُمْ لَا مُخَالِفَ لهم من الناس إلَّا أَنْفُسُكُمْ لِقَوْلٍ مُتَنَاقِضٍ ضَعِيفٍ وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ قال من أَصَابَ وَلَدَ ظَبْيٍ صَغِيرًا فَدَاهُ بِوَلَدِ شَاةٍ مِثْلِهِ وَإِنْ أَصَابَ صَيْدًا أَعْوَرَ فَدَاهُ بِأَعْوَرَ مِثْلِهِ أو مَنْقُوصًا فَدَاهُ بِمَنْقُوصٍ مِثْلِهِ أو مَرِيضًا فَدَاهُ بِمَرِيضٍ وَأَحَبُّ إلى لو فَدَاهُ بِوَافٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن عبد الْمَلِكِ بن قُرَيْرٍ عن مُحَمَّدِ بن سِيرِينَ أَنَّ رَجُلًا جاء إلَى عُمَرَ بن الْخَطَّابِ فقال إنِّي أَجْرَيْت أنا وَصَاحِبِي فَرَسَيْنِ نَسْتَبِقُ إلَى ثُغْرَةِ ثَنِيَّةَ فَأَصَبْنَا ظَبْيًا وَنَحْنُ مُحْرِمَانِ فَمَاذَا تَرَى فقال عُمَرُ لِرَجُلٍ إلَى جَنْبِهِ تعال ( ( ( تعالى ) ) ) نَحْكُمُ أنا وَأَنْتَ فَحَكَمَا عليه بِعَنْزٍ وَذَكَرَ في الحديث أَنَّ عُمَرَ قال هذا عبد الرحمن بن عَوْفٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا الثَّقَفِيُّ عن أَيُّوبَ عن بن سِيرِينَ عن شُرَيْحٍ أَنَّهُ قال لو كان مَعِي حَاكِمٌ لَحَكَمْت في الثَّعْلَبِ بِجَدْيٍ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ فإن صَاحِبَنَا يقول إنَّ الرَّجُلَيْنِ إذَا أَصَابَا ظَبْيًا حُكِمَ عَلَيْهِمَا بِعَنْزَيْنِ وَبِهَذَا نَقُولُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِ عُمَرَ وَعَبْدِ الرحمن بن عَوْفٍ في رِوَايَتِكُمْ وبن عُمَرَ في رِوَايَةِ غَيْرِكُمْ إلَى قَوْلِ غَيْرِ أَحَدٍ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فإذا جَازَ لَكُمْ أَنْ تُخَالِفُوهُمْ فَكَيْفَ تَجْعَلُونَ قَوْلَ الْوَاحِدِ منهم حُجَّةً على السُّنَّةِ وَلَا تَجْعَلُونَهُ حُجَّةً على أَنْفُسِكُمْ قال ثُمَّ أَرَدْتُمْ أَنْ تَقِيسُوا فَأَخْطَأْتُمْ الْقِيَاسَ فَلَوْ لم تَكُونُوا خَالَفْتُمْ أَحَدًا كُنْتُمْ قد أَخْطَأْتُمْ الْقِيَاسَ قِسْتُمْ بِالرَّجُلَيْنِ يَقْتُلَانِ النَّفْسَ فَيَكُونُ على كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفَّارَةُ عِتْقِ رَقَبَةٍ وفي النَّفْسِ شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا بَدَلٌ وَالْبَدَلُ كَالثَّمَنِ وهو الدِّيَةُ في الْحُرِّ وَالثَّمَنُ في الْعَبْدِ وَالْأَبْدَالُ لَا يُزَادُ فيها عِنْدَنَا وَعِنْدَكُمْ لو أَنَّ مِائَةَ رَجُلٍ قَتَلُوا رَجُلًا حُرًّا أو عَبْدًا لم يَغْرَمُوا إلَّا دِيَةً أو قِيمَةً فَإِنْ قال قَائِلٌ فَالظَّبْيُ يُقْتَلُ بِالْقِيمَةِ وَالدِّيَةِ أَشْبَهُ أَمْ الْكَفَّارَةِ قِيلَ بِالْقِيمَةِ وَالدِّيَةِ فَإِنْ قال وَمِنْ أَيْنَ قِيلَ تُفْدَى النَّعَامَةُ بِبَدَنَةٍ وَالْجَرَادَةُ بِتَمْرَةٍ وَهَذَا مِثْلُ
____________________

(7/240)


قِيمَةِ الْعَبْدِ الْمُرْتَفِعِ وَالْمُنْخَفِضِ وَالْكَفَّارَةُ شَيْءٌ لَا يُزَادُ فيها وَلَا يُنْقَصُ منها إنْ كان طَعَامًا أو كِسْوَةً أو عِتْقًا وَقَوْلُ عُمَرَ وَعَبْدِ الرحمن مَعْنَى الْقُرْآنِ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ يقول { فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ من النَّعَمِ } فَجَعَلَ فيه الْمِثْلَ فَمَنْ جَعَلَ فيه مِثْلَيْنِ فَقَدْ خَالَفَ قَوْلَ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ لَا تَمْتَنِعُونَ من رَدِّ قَوْلِ عُمَرَ لِرَأْيِ أَنْفُسِكُمْ وَمَعَهُ عبد الرحمن بن عَوْفٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ في نَفَرٍ أَصَابُوا صَيْدًا قال عليهم كُلِّهِمْ جَزَاءٌ وَاحِدٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا الثِّقَةُ عن حَمَّادِ بن سَلَمَةَ عن عَمَّارٍ مولى بنى هَاشِمٍ قال سُئِلَ بن عَبَّاسٍ عن نَفَرٍ أَصَابُوا صَيْدًا قال عليهم جَزَاءٌ قِيلَ على كل وَاحِدٍ منهم جَزَاءٌ قال إنَّهُ لَمُغَرَّرٌ بِكُمْ بَلْ عَلَيْكُمْ كُلِّكُمْ جَزَاءٌ وَاحِدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * بَابُ الْأَمَانِ لِأَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى أخبرنا مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ كَتَبَ إلَى عَامِلِ جَيْشٍ كان بَعَثَهُ أَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ يَطْلُبُ الْعِلْجَ حتى إذَا أَسْنَدَ في الْجَبَلِ وَامْتَنَعَ قال له الرَّجُلُ مُتَرَّس يقول لَا تَخَفْ فإذا أَدْرَكَهُ قَتَلَهُ وَإِنِّي وَاَلَّذِي نَفْسِي بيده لَا يَبْلُغُنِي أَنَّ أَحَدًا فَعَلَ ذلك إلَّا ضَرَبْت عُنُقَهُ قال مَالِكٌ وَلَيْسَ هذا بِالْأَمْرِ الْمُجْتَمَعِ عليه وَلَا يُقْتَلُ بِهِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَقُولُ بِقَوْلِ مَالِكٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) قد خَالَفْتُمْ ما رَوَيْتُمْ عن عُمَرَ ولم تَرْوُوا عن أَحَدٍ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم خِلَافَهُ عَلِمْنَاهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ ليس هذا بِالْأَمْرِ الْمُجْتَمَعِ عليه فَلَيْسَ في مِثْلِ هذا اجْتِمَاعٌ وهو لَا يَرْوِي شيئا يُخَالِفُهُ وَلَا يُوَافِقُهُ فَأَيْنَ الْإِجْمَاعُ فِيمَا لَا رِوَايَةَ فيه فَإِنْ كان ذَهَبَ إلَى أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَهَذَا كَافِرٌ لَزِمَهُ إذَا جاء شَيْءٌ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يَتْرُكَ كُلَّ ما خَالَفَهُ أَمَّا أَنْ يَتْرُكَ ما جاء عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مَرَّةً وَيَلْزَمُهُ أُخْرَى فَهَذَا لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ - * بَابٌ ما روي مَالِكٌ عن عُثْمَانَ بن عَفَّانَ وَخَالَفَهُ في تَخْمِيرِ الْمُحْرِمِ وَجْهَهُ - * سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ أَيُخَمِّرُ الْمُحْرِمُ وَجْهَهُ فقال نعم وَلَا يُخَمِّرُ رَأْسَهُ وَسَأَلْتُهُ عن الْمُحْرِمِ يُصْطَادُ من أَجَلِهِ الصَّيْدُ قال لَا يَأْكُلُهُ فَإِنْ أَكَلَهُ فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا فِدْيَةَ عليه فَقُلْت وما الْحُجَّةُ فقال أخبرنا مَالِكٌ عن عبد اللَّهِ بن أبي بَكْرٍ عن عبد اللَّهِ بن عَامِرِ بن رَبِيعَةَ قال رَأَيْت عُثْمَانَ بن عَفَّانَ بِالْعَرْجِ في يَوْمٍ صَائِفٍ وهو مُحْرِمٌ وقد غَطَّى وَجْهَهُ بِقَطِيفَةِ أُرْجُوَانٍ ثُمَّ أتى بِلَحْمِ صَيْدٍ فقال لِأَصْحَابِهِ كُلُوا فَقَالُوا أَلَا تَأْكُلُ أنت قال إنِّي لَسْت كَهَيْئَتِكُمْ إنَّمَا صِيدَ من أَجْلِي فَقُلْت إنَّا نَكْرَهُ تَخْمِيرَ الْوَجْهِ لِلْمُحْرِمِ وَيَكْرَهُهُ صَاحِبُنَا وَيَرْوِي فيه عن بن عُمَرَ أَنَّهُ قال ما فَوْقَ الذَّقَنِ من الرَّأْسِ فَلَا يُخَمِّرُهُ الْمُحْرِمُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا سُفْيَانُ عن عبد الرحمن بن الْقَاسِمِ عن أبيه أَنَّ عُثْمَانَ بن عَفَّانَ وَزَيْدَ بن ثَابِتٍ وَمَرْوَانَ كَانُوا يُخَمِّرُونَ وُجُوهَهُمْ وَهُمْ مُحْرِمُونَ فَإِنْ كُنْت ذَهَبْت إلَى أَنَّ عُثْمَانَ وبن عُمَرَ اخْتَلَفَا في تَخْمِيرِ الْوَجْهِ فَكَيْفَ أَخَذْت بِقَوْلِ بن عُمَرَ دُونَ قَوْلِ عُثْمَانَ وَمَعَ عُثْمَانَ زَيْدُ بن ثَابِتٍ وَمَرْوَانُ وما هو أَقْوَى من هذا كُلِّهِ قُلْت وما هو قال أَمَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِمَيِّتٍ مَاتَ مُحْرِمًا أَنْ يُكْشَفَ عن رَأْسِهِ دُونَ وَجْهِهِ وَلَا يَقْرَبُ طِيبًا وَيُكَفَّنُ في ثَوْبَيْهِ اللَّذَيْنِ مَاتَ فِيهِمَا فَدَلَّتْ السُّنَّةُ على أَنَّ لِلْمُحْرِمِ تَخْمِيرَ وَجْهِهِ وَعُثْمَانُ وَزَيْدٌ رَجُلَانِ وبن عُمَرَ وَاحِدٌ وَمَعَهُمَا مَرْوَانُ فَكَانَ يَنْبَغِي عِنْدَك أَنْ يَكُونَ هذا أَشْبَهَ بِالْعَمَلِ وَبِدَلَالَةِ السُّنَّةِ وَعُثْمَانُ الْخَلِيفَةُ وَزَيْدٌ ثُمَّ مَرْوَانُ بَعْدَهُمَا وقد اخْتَلَفَ عُثْمَانُ وبن عُمَرَ في الْعَبْدِ يُبَاعُ وَيَتَبَرَّأُ صَاحِبُهُ من الْعَيْبِ فَقَضَى عُثْمَانُ على بن عُمَرَ أَنْ يَحْلِفَ ما كان بِهِ دَاءٌ عَلِمَهُ وقد رأي بن عُمَرَ أَنَّ التَّبَرُّؤَ يُبَرِّئُهُ مِمَّا عَلِمَ لم يَعْلَمْ فَاخْتَرْت قَوْلَ بن عُمَرَ وَسَمِعْت من أَصْحَابِك من يقول عُثْمَانُ الْخَلِيفَةُ ( 1 ) عن قَضَاهُ بين الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ كَأَنَّهُ قَوْلُ عَامَّتِهِمْ وَقَوْلُهُ بهذا كُلِّهِ أَوْلَى أَنْ يُتَّبَعَ من بن عُمَرَ فَعُثْمَانُ إذْ كان معه ما وَصَفْت
____________________

(7/241)


في تَخْمِيرِ الْمُحْرِمِ وَجْهَهُ من دَلَالَةِ السُّنَّةِ وَمِنْ قَوْلِ زَيْدٍ وَمَرْوَانَ أَوْلَى أَنْ يُصَارَ إلَى قَوْلِهِ مع أَنَّهُ قَوْلُ عَامَّةِ الْمُفْتِينَ بِالْبُلْدَانِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَقُولُ ما فَوْقَ الذَّقَنِ من الرَّأْسِ قال الشَّافِعِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ من شَأْنِك الصَّمْتُ حين تَسْمَعُ كَلَامَ الناس حتى تَعْرِفَ منه فَإِنِّي أَرَاك تُكْثِرُ أَنْ تَكَلَّمَ بِغَيْرِ رَوِيَّةٍ فَقُلْت وما ذلك فقال وما تَعْنِي بِقَوْلِك وما فَوْقَ الذَّقَنِ من الرَّأْسِ أَتَعْنِي أَنَّ حكمة حُكْمُ الرَّأْسِ في الْإِحْرَامِ فَقُلْت نعم فقال أَفَتُخَمِّرُ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ ما فَوْقَ ذَقَنِهَا فإن لِلْمُحْرِمَةِ أَنْ تُخَمِّرَ رَأْسَهَا فَقُلْت لَا قال أَفَيَجِبُ على الرَّجُلِ إذَا لَبَّدَ رَأْسَهُ حَلْقُهُ أو تَقْصِيرُهُ فَقُلْت نعم قال أَفَيَجِبُ عليه أَنْ يَأْخُذَ من شَعْرِ ما فَوْقَ الذَّقَنِ من وَجْهِهِ فَقُلْت لَا فقال لي الشَّافِعِيُّ وَفَرَّقَ اللَّهُ بين حُكْمِ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ فقال اغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ فَعَلِمْنَا أَنَّ الْوَجْهَ ما دُونَ الرَّأْسِ وَأَنَّ الذَّقَنَ من الْوَجْهِ وقال امْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ فَكَانَ الرَّأْسُ غير الْوَجْهِ فَقُلْت نعم قال وَقَوْلُك لَا كَرَاهَةَ لِتَخْمِيرِ الْوَجْهِ بِكَمَالِهِ وَلَا إبَاحَةَ تَخْمِيرِهِ بِكَمَالِهِ أَنَّهُ يَجِبُ على من وَضَعَ نَفْسَهُ مُعَلِّمًا أَنْ يَبْدَأَ فَيُعَرِّفَ ما يقول قبل أَنْ يَقُولَهُ وَلَا يَنْطِقَ بِمَا لَا يَعْلَمُ وَهَذِهِ سَبِيلٌ لَا أَرَاك تَعْرِفُهَا فَاتَّقِ اللَّهَ وأمسك عن أَنْ تَقُولَ بِغَيْرِ عِلْمٍ ولم أَرَ من أَدَبِ من ذَهَبَ مَذْهَبَك إلَّا أَنْ يَقُولَ الْقَوْلَ ثُمَّ يَصْمُتُ وَذَلِكَ أَنَّهُ قال فِيمَا نَرَى يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَصْنَعُ شيئا بِمُنَاظَرَةِ غَيْرِهِ إلَّا بِمَا أَنْ صَمَتَ أَمْثَلُ بِهِ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَمِنْ أَيْنَ قُلْت أَيُّ صَيْدٍ صِيدَ من أَجْلِ مُحْرِمٍ فَأَكَلَ منه لم يَغْرَمْ فيه فقال لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إنَّمَا أَوْجَبَ غُرْمَهُ على من قَتَلَهُ فقال عز وجل { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ من النَّعَمِ } فلما كان الْقَتْلُ غير مُحَرَّمٍ لم يَكُنْ على الْمُحْرِمِ فِيمَا جَنَى غَيْرُهُ فِدْيَةٌ كما لو قَتَلَ من أَجْلِهِ مُسْلِمًا لم يَكُنْ على الْمَقْتُولِ من أَجْلِهِ عَقْلٌ وَلَا كَفَّارَةٌ وَلَا قَوَدٌ فإن اللَّهَ قَضَى أَنْ لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى قال وَلَمَّا كان الصَّيْدُ مَقْتُولًا فَأَمْسَكَ الْمُحْرِمُ عن أَكْلِهِ وَمِنْ أَجْلِهِ صِيدَ لم يَكُنْ عليه فيه فِدْيَةٌ بِأَنْ صِيدَ من أَجْلِهِ لم يَجُزْ أَنْ يَكُونَ صَيْدًا مَقْتُولًا لَا فِدْيَةَ فيه حين قُتِلَ وَيَأْكُلُهُ بَشَرٌ لَا فِدْيَةَ عليهم فإذا أَكَلَهُ وَاحِدٌ فَدَاهُ وَإِنَّمَا نَقْطَعُ الْفِدْيَةَ فيه بِالْقَتْلِ فإذا كان الْقَتْلُ وَلَا فِدْيَةَ لم يَجُزْ أَنْ تَكُونَ فِدْيَةً لِأَنَّهُ لم يَحْدُثْ بَعْدَهَا قَتْلًا يُوجِبُ فِدْيَةً قُلْت إنَّ الْأَكْلَ غَيْرُ جَائِزٍ لِلْمُحْرِمِ وَإِنَّمَا أَمَرْتُهُ بِالْفِدْيَةِ لِذَلِكَ قال وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَكْلُ مَيْتَةٍ وَلَا شُرْبُ خَمْرٍ وَلَا مُحَرَّمٍ وَلَا فِدْيَةَ عليه في شَيْءٍ من هذا وهو آثِمٌ بِالْأَكْلِ وَالْفِدْيَةُ في الصَّيْدِ إنَّمَا تَكُونُ بِالْقَتْلِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَهَلْ خَالَفَك في هذا غَيْرُنَا فقال ما عَلِمْت أَحَدًا غَيْرَكُمْ زَعَمَ أَنَّ من أَكَلَ لَحْمَ صَيْدٍ صِيدَ من أَجْلِهِ فَدَاهُ بَلْ عَلِمْت أَنَّ من الْمَشْرِقِيِّينَ من قال له أَنْ يَأْكُلَهُ لِأَنَّهُ مَالٌ لِغَيْرِهِ أَطْعَمَهُ إيَّاهُ وَلَوْلَا اتِّبَاعُ الحديث فيه لَكَانَ الْقَوْلُ عِنْدَنَا قَوْلَهُ وَلَكِنَّهُ خَالَفَ الحديث فَخَالَفْنَاهُ فَإِنْ كانت لنا عليه حُجَّةٌ بِخِلَافِ بَعْضِ الحديث فَهِيَ لنا عَلَيْك بِخِلَافِك بَعْضَهُ وهو يَعْرِفُ ما يقول وَإِنْ زَلَّ عِنْدَنَا وَلَسْتُمْ وَاَللَّهُ يُعَافِينَا وَإِيَّاكُمْ تَعْرِفُونَ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُونَ أَرَأَيْت لو أَنَّ رَجُلًا أَعْطَى رَجُلًا سِلَاحًا لِيُقَوِّيَهُ على قَتْلِ حُرٍّ أو عَبْدٍ فَقَتَلَهُ المعطي كان على الْمُعْطِي عَقْلٌ أو قَوَدٌ قال لَا وَلَكِنَّهُ مُسِيءٌ آثِمٌ بِتَقْوِيَةِ الْقَاتِلِ قُلْت وَكَذَلِكَ لو قَتَلَهُ وَلَا عِلْمَ له بِجِنَايَةٍ على قَتْلِهِ وَرَضِيَهُ قال نعم ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَفَلَا تَرَى هذا أَوْلَى أَنْ يَكُونَ عليه عَقْلٌ أو قَوَدٌ أو كَفَّارَةٌ مِمَّنْ قُتِلَ من أَجْلِهِ صَيْدٌ لَا يَعْلَمُهُ فَأَكَلَهُ فإذا قُلْت إنَّمَا جُعِلَ الْعَقْلُ وَالْقَوَدُ بِالْقَتْلِ فَهَذَا غَيْرُ قَاتِلٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ قال كان الرَّجُلُ يُضَحِّي بِالشَّاةِ الْوَاحِدَةِ عنه وَعَنْ أَهْلِهِ ثُمَّ تباهي الناس فَصَارَتْ مُبَاهَاةً - * بَابٌ ما جاء في خِلَافِ عَائِشَةَ في لَغْوِ الْيَمِينِ - * فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ ما لَغْوُ الْيَمِينِ قال اللَّهُ أَعْلَمُ أَمَّا الذي نَذْهَبُ إلَيْهِ فَهُوَ ما قالت عَائِشَةُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه عن عَائِشَةَ أنها قالت لَغْوُ الْيَمِينِ قَوْلُ الإنسان لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ وما الْحُجَّةُ فِيمَا قُلْت قال اللَّهُ أَعْلَمُ اللَّغْوُ في لِسَانِ الْعَرَبِ الْكَلَامُ غَيْرُ الْمَعْقُودِ عليه وَجِمَاعُ اللَّغْوِ يَكُونُ الْخَطَأَ
____________________

(7/242)


( قال الشَّافِعِيُّ ) فَخَالَفْتُمُوهُ وَزَعَمْتُمْ أَنَّ اللَّغْوَ حَلِفُ الْإِنْسَانِ على الشَّيْءِ يَسْتَيْقِنُ أَنَّهُ كما حَلَفَ عليه ثُمَّ يُوجَدُ على خِلَافِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا ضِدُّ اللَّغْوِ هذا هو الْإِثْبَاتُ في الْيَمِينِ يَقْصِدُهَا يَحْلِفُ لَا يَفْعَلُهُ يَمْنَعُهُ السَّبَبُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ } ما عَقَّدْتُمْ ما عَقَّدْتُمْ بِهِ عَقْدَ الْأَيْمَانِ عليه وَلَوْ احْتَمَلَ اللِّسَانُ ما ذَهَبْتُمْ إلَيْهِ ما مَنَعَ احْتِمَالَهُ ما ذَهَبَتْ إلَيْهِ عَائِشَةُ وَكَانَتْ أَوْلَى أَنْ تُتَّبَعَ مِنْكُمْ لِأَنَّهَا أَعْلَمُ بِاللِّسَانِ مِنْكُمْ مع عِلْمِهَا بِالْفِقْهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن الْقَاسِمِ بن مُحَمَّدٍ عن عَائِشَةَ التَّشَهُّدُ قال فَخَالَفْتُمُوهَا فيه إلَى قَوْلِ عُمَرَ - * بَابٌ في بَيْعِ الْمُدَبَّرِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن أبي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بن عبد الرحمن عن أُمِّهِ عَمْرَةَ أَنَّ عَائِشَةَ دَبَّرَتْ جَارِيَةً لها فَسَحَرَتْهَا فَاعْتَرَفَتْ بِالسِّحْرِ فَأَمَرَتْ بها عَائِشَةُ أَنْ تُبَاعَ من الْأَعْرَابِ مِمَّنْ يُسِيءُ مَلَكَتَهَا فَبِيعَتْ قال فَخَالَفْتُمُوهَا فَقُلْتُمْ لَا يُبَاعُ مُدَبَّرٌ وَلَا مُدَبَّرَةٌ وَنَحْنُ نَقُولُ بِقَوْلِ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا - * بَابٌ ما جاء في لُبْسِ الْخَزِّ - * فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فما تَقُولُ في لُبْسِ الْخَزِّ قال لَا بَأْسَ بِهِ إلَّا أَنْ يَدَعَهُ رَجُلٌ لِيَأْخُذَ بِأَقْصَدَ منه فَأَمَّا لِأَنَّ لُبْسَ الْخَزِّ حَرَامٌ فَلَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا مَالِكٌ عن هِشَامٍ عن أبيه عن عَائِشَةَ أنها كَسَتْ عَبْدَ اللَّهِ بن الزُّبَيْرِ مُطْرَفَ خَزٍّ كانت تَلْبَسُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَرَوَيْنَا أَنَّ الْقَاسِمَ دخل عليها في غَدَاةٍ باردة ( ( ( بادرة ) ) ) وَعَلَيْهِ مُطْرَفُ خَزٍّ فَأَلْقَاهُ عليها فلم تُنْكِرْهُ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَكْرَهُ لُبْسَ الْخَزِّ فقال أَوَمَا رَوَيْتُمْ هذا عن عَائِشَةَ فَقُلْت بَلَى فقال لِأَيِّ شَيْءٍ خَالَفْتُمُوهَا وَمَعَهَا بَشَرٌ لَا يَرَوْنَ بِهِ بَأْسًا فلم يَزَلْ الْقَاسِمُ يَلْبَسُهُ حتى بِيعَ في مِيرَاثِهِ فِيمَا بَلَغَنَا فإذا شِئْتُمْ جَعَلْتُمْ قَوْلَ الْقَاسِمِ حُجَّةً وإذا شِئْتُمْ تَرَكْتُمْ ذلك على عَائِشَةَ وَالْقَاسِمِ وَمَنْ شِئْتُمْ وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ - * بَابُ خِلَافِ بن عَبَّاسٍ في الْبُيُوعِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكُ بن أَنَسٍ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن الْقَاسِمِ بن مُحَمَّدٍ قال سَمِعْت بن عَبَّاسٍ وَرَجُلٌ يَسْأَلُهُ عن رَجُلٍ سَلَفَ في سَبَائِبَ فَأَرَادَ أَنْ يَبِيعَهَا فقال بن عَبَّاسٍ تِلْكَ الْوَرِقُ بِالْوَرِقِ وَكَرِهَ ذلك قال مَالِكٌ وَذَلِكَ فِيمَا نَرَى لِأَنَّهُ أَرَادَ بَيْعَهَا من صَاحِبِهِ الذي اشْتَرَاهَا منه بِأَكْثَرَ من الثَّمَنِ الذي ابْتَاعَهَا بِهِ وَلَوْ بَاعَهَا من غَيْرِ الذي اشْتَرَاهَا منه لم يَكُنْ بِبَيْعِهِ بَأْسٌ وَقُلْتُمْ بِهِ وَلَيْسَ هذا قَوْلَ بن عَبَّاسٍ وَلَا تَأْوِيلَ حَدِيثٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا سُفْيَانُ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن طَاوُسٍ عن بن عَبَّاسٍ قال أَمَّا الذي نهى عنه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَهُوَ الطَّعَامُ أَنْ يُبَاعَ حتى يُقْبَضَ قال بن عَبَّاسٍ بِرَأْيِهِ وَلَا أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ إلَّا مثله ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِقَوْلِ بن عَبَّاسٍ نَأْخُذُ لِأَنَّهُ إذَا بَاعَ شيئا اشْتَرَاهُ قبل أَنْ يَقْبِضَهُ فَقَدْ بَاعَ مَضْمُونًا له على غَيْرِهِ وَأَصْلُ الْبَيْعِ لم يَبْرَأْ إلَيْهِ منه وَأَكَلَ رِبْحَ ما لم يَضْمَنْ وَخَالَفْتُمُوهُ فَأَجَزْتُمْ بَيْعَ ما لم يُقْبَضْ سِوَى الطَّعَامِ من غَيْرِ صَاحِبِهِ الذي اُتُّبِعَ بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا أَعْلَمُ بين صَاحِبِهِ الذي اُبْتِيعَ منه وَغَيْرِهِ فَرْقًا لَئِنْ لم يَكُنْ ذلك فَهَلْ الْحُجَّةُ عليه إلَّا أَنْ يُقَالَ مَخْرَجُ قَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عَامٌّ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ خَاصًّا فَكَيْفَ نهى عنه بن عَبَّاسٍ وَأَنْتُمْ لَا تَرْوُونَ خِلَافَ هذا عن أَحَدٍ عَلِمْتُهُ وَعَنْ بن عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةً جَعَلَتْ على نَفْسِهَا مَشْيًا إلَى مَسْجِدِ قُبَاءَ فَمَاتَتْ قبل أَنْ تَقْضِيَ فَأَمَرَ ابْنَتَهَا أَنْ تَمْشِيَ عنها
____________________

(7/243)


فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَقُولُ لَا يَمْشِي أَحَدٌ عن أَحَدٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أَحْسِبُ بن عَبَّاسٍ إنَّمَا ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْمَشْيَ إلَى قُبَاءَ نُسُكٌ فَأَمَرَهَا أَنْ تَنْسُكَ عنها وَكَيْفَ خَالَفْتُمُوهُ وَلَا أَعْلَمُكُمْ رَوَيْتُمْ عن أَحَدِ أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم خِلَافَهُ - * بَابٌ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن أبي الزُّبَيْرِ عن عَطَاءِ بن أبي رَبَاحٍ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عن رَجُلٍ وَقَعَ على أَهْلِهِ وهو مُحْرِمٌ وهو بِمِنًى قبل أَنْ يُفِيضَ فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْحَرَ بَدَنَةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا نَأْخُذُ قال مَالِكٌ عليه عُمْرَةٌ وَبَدَنَةٌ وَحَجَّةٌ تَامَّةٌ وَرَوَاهُ عن رَبِيعَةَ فَتَرَكَ قَوْلَ بن عَبَّاسٍ بِخَبَرِ رَبِيعَةَ وَرَوَاهُ عن ثَوْرِ بن يَزِيدَ عن عِكْرِمَةَ يَظُنُّهُ عن بن عَبَّاسٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وهو سيء ( ( ( سيئ ) ) ) الْقَوْلِ في عِكْرِمَةَ لَا يَرَى لِأَحَدٍ أَنْ يَقْبَلَ حَدِيثَهُ وهو يَرْوِي سُفْيَانُ عن عَطَاءٍ عن بن عَبَّاسٍ خِلَافَهُ وَعَطَاءٌ ثِقَةٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَ الناس قال وَالْعَجَبُ له أَنْ يَقُولَ في عِكْرِمَةَ ما يقول ثُمَّ يَحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ من عِلْمِهِ يُوَافِقُ قَوْلَهُ وَيُسَمِّيهِ مَرَّةً وَيَرْوِي عنه ظَنًّا وَيَسْكُتُ عنه مَرَّةً فَيَرْوِي عن ثَوْرِ بن يَزِيدَ عن بن عَبَّاسٍ في الرَّضَاعِ وَذَبَائِحِ نَصَارَى الْعَرَبِ وَغَيْرِهِ وَسَكَتَ عن عِكْرِمَةَ وَإِنَّمَا حَدَّثَ بِهِ ثَوْرٌ عن عِكْرِمَةَ وَهَذَا من الْأُمُورِ التي يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَتَحَفَّظُوا منها فَيَأْخُذُ بِقَوْلِ بن عَبَّاسٍ من نسى من نُسُكِهِ شيئا أو تَرَكَهُ فَلْيُهْرِقْ دَمًا فَيَقِيسُ عليه ما شَاءَ اللَّهُ من الْكَثْرَةِ وَيَتْرُكُ قَوْلَهُ في غَيْرِ هذا مَنْصُوصًا لِغَيْرِ مَعْنًى هل رَأَى أَحَدًا قَطُّ تَمَّ حجة يَعْمَلُ في الْحَجِّ بِشَيْءٍ ما لَا يَنْبَغِي له فَقَضَاهُ بِعُمْرَةٍ فَكَيْفَ يَعْتَمِرُ عِنْدَهُ وهو في بَقِيَّةٍ من حَجِّهِ فَإِنْ قُلْتُمْ نُعَمِّرُهُ بَعْدَ الْحَجِّ فَكَيْفَ يَكُونُ حَجٌّ قد خَرَجَ منه كُلِّهِ وَقَضَى عنه حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وقد خَرَجَ من إحْرَامِهِ في الْحَجِّ ثُمَّ نَقُولُ أَحْرِمْ بِعُمْرَةٍ عن حَجٍّ ما عَلِمْت أَحَدًا من مُفْتِي الْأَمْصَارِ قال هذا قبل رَبِيعَةَ إلَّا ما روى عن عِكْرِمَةَ وَهَذَا من قَوْلِ رَبِيعَةَ عَفَا اللَّهُ عَنَّا وَعَنْهُ من ( ( ( ومن ) ) ) ضَرْبِ من أَفْطَرَ يَوْمًا من رَمَضَانَ قَضَى بِاثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا وَمَنْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ وهو صَائِمٌ اعْتَكَفَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وما أَشْبَهَ هذا من أَقَاوِيلَ كان يَقُولُهَا قال وَالْعَجَبُ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَسْتَوْحِشُونَ من التَّرْكِ على رَبِيعَةَ ما هو أَحْسَنُ من هذا فَكَيْفَ تَتْبَعُونَهُ فيه - * بَابُ خِلَافِ زَيْدِ بن ثَابِتٍ في الطَّلَاقِ - * سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عن الرَّجُلِ يُمَلِّكُ امْرَأَتَهُ أَمْرَهَا فَتُطَلِّقُ نَفْسَهَا ثَلَاثًا فقال الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فَإِنْ قال إنَّمَا مَلَّكْتُهَا أَمْرَهَا في وَاحِدَةٍ لَا في ثَلَاثٍ كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَهِيَ وَاحِدَةٌ وهو أَحَقُّ بها فَقُلْت له ما الْحُجَّةُ في ذلك قال أخبرنا مَالِكٌ عن سَعِيدِ بن سُلَيْمَانَ بن زَيْدِ بن ثَابِتٍ عن خَارِجَةَ بن زَيْدِ بن ثَابِتٍ أَنَّهُ أخبره أَنَّهُ كان جَالِسًا عِنْدَ زَيْدِ بن ثَابِتٍ فَأَتَاهُ محمد بن أبي عَتِيقٍ وَعَيْنَاهُ تَدْمَعَانِ فقال له زَيْدٌ ما شَأْنُك فقال مَلَّكْت امْرَأَتِي أَمْرَهَا فَفَارَقَتْنِي فقال له زَيْدٌ ارْتَجِعْهَا إنْ شِئْت فَإِنَّمَا هِيَ وَاحِدَةٌ وَأَنْتَ أَحَقُّ بها فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَقُولُ هِيَ ثَلَاثٌ إلَّا أَنْ يُنَاكِرَهَا وَرُوِيَ شَبِيهًا بِذَلِكَ عن بن عُمَرَ وَمَرْوَانَ بن الْحَكَمِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) ما أَرَاكُمْ تُبَالُونَ من خَالَفْتُمْ فَإِنْ ذَهَبْتُمْ إلَى قَوْلِ بن عُمَرَ وَمَرْوَانَ دُونَ قَوْلِ زَيْدٍ فَبِأَيِّ وَجْهٍ ذَهَبْتُمْ إلَيْهِ فَهَلْ يَعْدُو الْمُمَلِّكُ امْرَأَتَهُ أَمْرَهَا إذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا أَنْ يَكُونَ أَصْلُ التَّمْلِيكِ إخْرَاجَ جَمِيعِ ما في يَدِهِ من طَلَاقِهَا إلَيْهَا فإذا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا لَزِمَهُ ولم تَنْفَعْهُ مُنَاكَرَتُهَا أو لَا يَكُونُ إخْرَاجَ جَمِيعِهِ فَيَكُونَ مُحْتَمِلًا لِإِخْرَاجِ الْجَمِيعِ وَالْبَعْضِ فَيَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فيه وإذا كان الْقَوْلُ قَوْلَ الزَّوْجِ فَلَوْ مَلَّكَهَا وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا لم يَكُنْ لها أَنْ تُطَلِّقَ إلَّا وَاحِدَةً وَأَسْمَعُكُمْ إذَا اخْتَرْتُمْ وَاَللَّهُ يَغْفِرُ لنا وَلَكُمْ لَا تَعْرِفُونَ كَيْفَ مَوْضِعُ الِاخْتِيَارِ وما مَوْضِعُ الْمُنَاكَرَةِ فيه إلَّا ما وَصَفْت وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
____________________

(7/244)


- * بَابٌ في عَيْنِ الْأَعْوَرِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن بُكَيْرِ بن الْأَشَجِّ عن سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ أَنَّ زَيْدَ بن ثَابِتٍ قَضَى في الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ إذَا أُطْفِئَتْ أو قال بُخِقَتْ بِمِائَةِ دِينَارٍ قال مَالِكٌ ليس بهذا الْعَمَلُ إنَّمَا فيها الِاجْتِهَادُ لَا شَيْءٌ مُؤَقَّتٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ أَنَّ أَنَسَ بن مَالِكٍ كَبِرَ حتى لَا يَقْدِرُ على الصِّيَامِ فَكَانَ يفتدى وَخَالَفَهُ مَالِكٌ فقال ليس عليه بِوَاجِبٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن رَبِيعَةَ عن أبي بَكْرِ بن حَزْمٍ أَنَّهُ كان يصلى في قَمِيصٍ فَقُلْت إنَّا نَكْرَهُ هذا فقال كَيْفَ كَرِهْتُمْ ما اسْتَحَبَّ أبو بَكْرٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مالك عن ربيعة أن القاسم يعنى بن محمد كان يبيع ثمر حائطه ويستثنى منه ( قال الشافعي ) أخبرنا مَالِكٌ عن أبي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بن عبد الرحمن عن عَمْرَةَ بِنْتِ عبد الرحمن أنها كانت تَبِيعُ ثِمَارَهَا وَتَسْتَثْنِي منها ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن يحيي بن سَعِيدٍ عن الْقَاسِمِ بن مُحَمَّدٍ أَنَّ رَجُلًا كانت عِنْدَهُ وَلِيدَةُ قَوْمٍ فقال لِأَهْلِهَا شَأْنَكُمْ بها فرأي الناس أنها تَطْلِيقَةٌ قال مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عليه عِنْدَنَا أَنَّ الرَّجُلَ إذَا بَاعَ ثَمَرَ حَائِطٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يستثنى منه ما بَيْنَهُ وَبَيْنَ ثُلُثِ الثَّمَرِ لَا يُجَاوِزُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أَيْضًا يروي عن الْقَاسِمِ وَعَمْرَةَ الِاسْتِثْنَاءُ ولم يُرْوَ عنهما حَدُّ الِاسْتِثْنَاءِ وَلَوْ جَازَ أَنْ يَسْتَثْنِيَ منه سَهْمًا من أَلْفِ سَهْمٍ لَيَجُوزُ تِسْعَةُ أَعْشَارِهِ وَأَكْثَرُ وَلَا أَدْرِي من اجْتَمَعَ لَكُمْ على هذا وَاَلَّذِي يُرْوَى خِلَافُ ما يقول ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ وَاقِعًا على شَيْءٍ والمستثني خَارِجٌ من الْبَيْعِ وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ أَبِيعُك ثَمَرَ حَائِطِي إلَّا كَذَا وَكَذَا نَخْلَةً فَيَكُونُ النِّصْفُ خَارِجًا من الْبَيْعِ أو أَبِيعُك ثَمَرَهُ إلَّا نِصْفَهُ أو إلَّا ثُلُثَهُ فَيَكُونُ ما اسْتَثْنَى خَارِجًا من الْبِيَعِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن رَبِيعَةَ أَنَّ رَجُلًا أتى الْقَاسِمَ فقال إنِّي أَفَضْت وَأَفَضْت مَعِي بِأَهْلِي فَعَدَلْت إلَى شِعْبٍ فَذَهَبْت لِأَدْنُوَ منها فقالت امْرَأَتِي لم أُقَصِّرْ من شَعْرِ رَأْسِي بَعْدُ فَأَخَذْت من شَعْرِ رَأْسِهَا بِأَسْنَانِي ثُمَّ وَقَعْت بها قال فَضَحِكَ الْقَاسِمُ ثُمَّ قال فَمُرْهَا فَلْتَأْخُذْ من رَأْسِهَا بِالْجَلَمَيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا كما قال الْقَاسِمُ إذَا قَصَّرَ من رَأْسِهَا بِأَسْنَانِهِ أَجْزَأَ عنها من الْجَلَمَيْنِ قال مَالِكٌ يُهْرِيقُ دَمًا وَخَالَفَ الْقَاسِمَ لِقَوْلِ نَفْسِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ الرحمن بن الْقَاسِمِ من أَيْنَ الْقَاسِمُ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قال من حَيْثُ تَيَسَّرَ قال مَالِكٌ لَا أُحِبُّ أَنْ يَرْمِيَهَا إلَّا من بَطْنِ الْمَسِيلِ ولم يَرْوِ فيها خِلَافًا عن أَحَدٍ - * بَابُ خِلَافِ عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ في عُشُورِ أَهْلِ الذِّمَّةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن زُرَيْقِ بن حَيَّانَ وكان زُرَيْقٌ على جَوَازِ مِصْرَ في زَمَانِ الْوَلِيدِ وَسُلَيْمَانَ وَعُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ فذكر أَنَّ عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ كَتَبَ إلَيْهِ أَنْ اُنْظُرْ من مَرَّ بِك من الْمُسْلِمِينَ فَخُذْ مِمَّا ظَهَرَ من أَمْوَالِهِمْ مِمَّا يُدِيرُونَ لِلتِّجَارَاتِ من كل أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارًا فما نَقَصَ فَبِحِسَابِ ذلك حتى يَبْلُغَ عِشْرِينَ دِينَارًا فَإِنْ نَقَصَ من عِشْرِينَ دِينَارًا ثُلُثُ دِينَارٍ فَدَعْهَا وَلَا تَأْخُذْ منها شيئا وَمَنْ مَرَّ بِك من أَهْلِ الذِّمَّةِ فَخُذْ مِمَّا يُدِيرُونَ من التِّجَارَاتِ من أَمْوَالِهِمْ من كل عِشْرِينَ دِينَارًا دِينَارًا فما نَقَصَ فَبِحِسَابِ ذلك حتى يَبْلُغَ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ فَإِنْ نَقَصَتْ ثُلُثَ دِينَارٍ فَدَعْهَا وَلَا تَأْخُذْ منها شيئا وَاكْتُبْ لهم بِمَا تَأْخُذُ منهم كِتَابًا إلَى مِثْلِهِ من الْحَوْلِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِقَوْلِ عُمَرُ نَأْخُذُ لَا يُؤْخَذُ منهم إلَّا مَرَّةً في الْحَوْلِ وَخَالَفْتُمُوهُ إنْ اخْتَلَفُوا في السَّنَةِ مِرَارًا وَخَالَفْتُمْ عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ في عِشْرِينَ دِينَارًا إنْ نَقَصَ ثُلُثُ دِينَارٍ فَأَخْبَرْت عنه أَنَّهُ قال إنْ جَازَتْ جَوَازَ الْوَازِنَةِ أُخِذَتْ منه الزَّكَاةُ وَلَوْ نَقَصْت أَكْثَرَ وَإِنْ لم تَجُزْ جَوَازَ الْوَازِنَةِ وَهِيَ تَنْقُصُ ثُلُثَ دِينَارٍ أو أَكْثَرَ أو أَقَلَّ لم يُؤْخَذْ منها
____________________

(7/245)


زَكَاةٌ وَزَعَمْتُمْ أَنَّ الدَّرَاهِمَ إنْ نَقَصَتْ عن مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَهِيَ تَجُوزُ جَوَازَ الْوَازِنَةِ أُخِذَتْ منها الزَّكَاةُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) لَسْنَا نَقُولُ بهذا إذَا قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ليس فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ فَهُوَ كما قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلَوْ نَقَصَتْ حَبَّةً لم يَكُنْ فيها صَدَقَةٌ لِأَنَّ ذلك دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ وَأَنْتُمْ لم تَقُولُوا بِحَدِيثِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الذي رُوِيَ ليس فِيمَا دُونِ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ وهو سُنَّةٌ وَلَا بِقَوْلِ عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ بن شِهَابٍ عن الزَّيْتُونِ فقال فيه الْعُشْرُ وَخَالَفَهُ مَالِكٌ فقال لَا يُؤْخَذُ الْعُشْرُ إلَّا من زَيْتِهِ وَجَوَابُ بن شِهَابٍ على حَبِّهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ أَنَّ عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ كَتَبَ إنَّمَا الصَّدَقَةُ في الْعَيْنِ وَالْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ قال مَالِكٌ لَا صَدَقَةَ إلَّا في عَيْنٍ أو حَرْثٍ أو مَاشِيَةٍ وقال مَالِكٌ في الْعَرْضِ الذي يُدَارُ صَدَقَةٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدًا يَعْنِي بن الْمُسَيِّبِ وَسُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ سُئِلَا هل في الشُّفْعَةِ سُنَّةٌ فَقَالَا جميعا نعم الشُّفْعَةُ في الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ وَلَا تَكُونُ الشُّفْعَةُ إلَّا بين الْقَوْمِ الشُّرَكَاءِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا نَأْخُذُ وَتَأْخُذُونَ في الْجُمْلَةِ وفي هذا يَعْنِي أَنْ تَكُونَ الشُّفْعَةُ إلَّا فِيمَا كانت له أَرْضٌ فإنه يَقْسِمُ وقد روي مَالِكٌ عن عُثْمَانَ أَنَّهُ قال لَا شُفْعَةَ في بِئْرٍ وَلَا فَحْلِ نَخْلٍ وقال مَالِكٌ لَا شُفْعَةَ في طَرِيقٍ وَلَا عَرْصَةِ دَارٍ وَإِنْ صَلُحَ فيها الْقَسْمُ وقال فِيمَنْ اشْتَرَى شِقْصًا من دَارٍ أو حَيَوَانٍ أو عَرْضٍ الشُّفْعَةُ في الشِّقْصِ بِقَدْرِ ما يُصِيبُهُ من الثَّمَنِ ثُمَّ خَالَفْتُمْ مَعْنَى هذا في الْمُكَاتَبِ فَجَعَلْتُمْ نُجُومَهُ تُبَاعُ وَجَعَلْتُمُوهُ أَحَقَّ بِمَا يُبَاعُ منه بِالشُّفْعَةِ - * بَابُ خِلَافِ سَعِيدٍ وَأَبِي بَكْرٍ في الْإِيلَاءِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن سَعِيدٍ يَعْنِي بن الْمُسَيِّبِ وَأَبِي بَكْرِ بن عبد الرحمن أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ في الرَّجُلِ يُولِي من امْرَأَتِهِ إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ وَلِزَوْجِهَا عليها الرَّجْعَةُ ما كانت في الْعِدَّةِ وقال مَالِكٌ إنَّ مَرْوَانَ كان يَقْضِي في الرَّجُلِ إذَا آلَى من امْرَأَتِهِ أنها إذَا مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ وَلَهُ عليها الرَّجْعَةُ ما كانت في الْعِدَّةِ قال مَالِكٌ وَعَلَى ذلك رَأْيُ بن شِهَابٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ سُئِلَ عن الْمَرْأَةِ يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا في بَيْتٍ بِكِرَاءٍ على من الْكِرَاءُ فقال سَعِيدٌ على زَوْجِهَا قال فَإِنْ لم يَكُنْ عِنْدَ زَوْجِهَا قال فَعَلَى الْأَمِيرِ - * بَابٌ في سُجُودِ الْقُرْآنِ - * سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عن السُّجُودِ في سُورَةِ الْحَجِّ فقال فيها سَجْدَتَانِ فَقُلْت وما الْحُجَّةُ في ذلك فقال أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ أَنَّ رَجُلًا من أَهْلِ مِصْرَ أخبره أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ سَجَدَ في سُورَةِ الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ قال إنَّ هذه السُّورَةَ فُضِّلَتْ بِسَجْدَتَيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن سَعْدٍ عن الزُّهْرِيِّ عن عبد اللَّهِ بن ثَعْلَبَةَ بن صَغِيرٍ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ صلى بِهِمْ بِالْجَابِيَةِ بِسُورَةِ الْحَجِّ فَسَجَدَ فيها سَجْدَتَيْنِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا لَا نَسْجُدُ فيها إلَّا سَجْدَةً وَاحِدَةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقَدْ خَالَفْتُمْ ما رَوَيْتُمْ عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ وَعَبْدِ اللَّهِ بن عُمَرَ مَعًا إلَى غَيْرِ قَوْلِ أَحَدٍ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَكَيْفَ تَتَّخِذُونَ قَوْلَ عُمَرَ وَحْدَهُ حُجَّةً وبن عُمَرَ وَحْدَهُ حُجَّةً حتى تَرُدُّوا بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّنَّةَ وَتَبْنُونَ عَلَيْهِمَا عَدَدًا من الْفِقْهِ ثُمَّ تَخْرُجُونَ من قَوْلِهِمَا لِرَأْيِ أَنْفُسِكُمْ هل تَعْلَمُونَ يُسْتَدْرَكُ على أَحَدٍ قَوْلٌ الْعَوْرَةُ فيه أَبْيَنُ منها فِيمَا وَصَفْت من أَقَاوِيلِكُمْ وَسَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ عَمَّا رَوَى صَاحِبُنَا وَحْدَهُ في الْمُحَصَّبِ فقال أخبرنا مَالِكٌ عن بن عُمَرَ قال كان يصلى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِالْمُحَصَّبِ ثُمَّ يَدْخُلُ مكه من اللَّيْلِ فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ
____________________

(7/246)


نَحْنُ نَقُولُ لَا يَنْبَغِي لِعَالِمٍ أَنْ يَفْعَلَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) ما على الْعَالِمِ من النُّسُكِ ما ليس على غَيْرِهِ قُلْت هو الْعَالِمُ وَالْجَاهِلُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ تَرَكَاهُ قُلْت لَا فِدْيَةَ على وَاحِدٍ مِنْهُمَا قال وَلَكِنَّكُمْ من أَصْلِ مَذْهَبِكُمْ أَنَّ من تَرَكَ من نُسُكِهِ شيئا أَهْرَاقَ دَمًا فَإِنْ كان نُسُكًا فَقَدْ تَرَكْتُمْ أَصْلَ قَوْلِكُمْ وَإِنْ كان مَنْزِلَ سَفَرٍ لَا مَنْزِلَ نُسُكٍ فَلَا تَأْمُرُ عَالِمًا وَلَا جَاهِلًا أَنْ يَنْزِلَهُ - * بَابُ غُسْلِ الْجَنَابَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كان إذَا اغْتَسَلَ من الْجَنَابَةِ نَضَحَ في عَيْنَيْهِ الْمَاءَ قال مَالِكٌ ليس عليه الْعَمَلُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) هذا مما تَرَكْتُمْ على بن عُمَرَ ولم تَرْوُوا عن أَحَدٍ خِلَافَهُ فإذا وَسِعَكُمْ التَّرْكُ على بن عُمَرَ لِغَيْرِ قَوْلِ مِثْلِهِ لم يَجُزْ لَكُمْ أَنْ تَقُولُوا قَوْلُهُ حُجَّةٌ على مِثْلِهِ وَأَنْتُمْ تَدَّعُونَ عليه لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ جَازَ لَكُمْ أَنْ تَحْتَجُّوا بِهِ على مِثْلِهِ لم يَجُزْ تَرْكُهُ لِأَنْفُسِكُمْ - * بَابٌ في الرُّعَافِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كان إذَا رَعَفَ انْصَرَفَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ رَجَعَ ولم يَتَكَلَّمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَمَالِكٌ رَوَى عن بن الْمُسَيِّبِ وبن عَبَّاسٍ مثله ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا عبد الْمَجِيدِ بن عبد الْعَزِيزِ عن بن جُرَيْجٍ عن الزُّهْرِيِّ عن سَالِمٍ عن أبيه أَنَّهُ كان يقول من أَصَابَهُ رُعَافٌ أو من وَجَدَ رُعَافًا أو مَذْيًا أو قَيْئًا انْصَرَفَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ رَجَعَ فَبَنَى وقال الْمِسْوَرُ بن مَخْرَمَةَ يَسْتَأْنِفُ ثُمَّ زَعَمْتُمْ أَنَّهُ إنَّمَا يَغْسِلُ الدَّمَ وعبيدالله بن عُمَرَ يَرْوِي عن نَافِعٍ أَنَّهُ كان يَنْصَرِفُ فَيَغْسِلُ الدَّمَ وَيَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ وَالْوُضُوءُ في الظَّاهِرِ في رِوَايَتِكُمْ إنَّمَا هو وُضُوءُ الصَّلَاةِ وَهَذَا يُشْبِهُ التَّرْكَ لِمَا رَوَيْتُمْ عن بن عُمَرَ وبن عَبَّاسٍ وبن الْمُسَيِّبِ في رِوَايَةِ غَيْرِكُمْ أَنَّهُ يَبْنِي في الْمَذْيِ وَزَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ لَا تَبْنُونَ في الْمَذْيِ - * بَابُ الْغُسْلِ بِفَضْلِ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كان يقول لَا بَأْسَ بِفَضْلِ الْمَرْأَةِ ما لم تَكُنْ حَائِضًا أو جُنُبًا قال مَالِكٌ لَا بَأْسَ أَنْ يَغْتَسِلَ بِفَضْلِ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ أنت تَقُولُ بِقَوْلِ مَالِكٍ قال نعم وَلَسْت أَرَى قَوْلَ أَحَدٍ مع قَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم حُجَّةً إنَّمَا تَرَكْتُهُ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يَغْتَسِلُ وَعَائِشَةُ فإذا اغْتَسَلَا مَعًا كان كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَغْتَسِلُ بِفَضْلِ صَاحِبِهِ وَأَنْتُمْ تَجْعَلُونَ قَوْلَ بن عُمَرَ حُجَّةً على السُّنَّةِ وَتَجْعَلُونَ سُنَّةً أُخْرَى حُجَّةً عليه إنْ كُنْتُمْ تَرَكْتُمُوهُ على بن عُمَرَ فَلَعَلَّكُمْ لَا تَكُونُونَ تَرَكْتُمُوهُ عليه إلَّا بِشَيْءٍ عَرَفْتُمُوهُ - * بَابُ التَّيَمُّمِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ أَنَّهُ أَقْبَلَ هو وبن عُمَرَ من الْجُرْفِ حتى إذَا كَانُوا بِالْمِرْبَدِ نَزَلَ فَتَيَمَّمَ صَعِيدًا فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثُمَّ صلى ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ عن بن عَجْلَانَ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ تَيَمَّمَ بِمِرْبَدِ الْغَنَمِ وَصَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ دخل الْمَدِينَةَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ فلم يُعِدْ الْعَصْرَ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَقُولُ إذَا كان الْمُسَافِرُ يَطْمَعُ بِالْمَاءِ فَلَا يَتَيَمَّمُ إلَّا في آخَرِ الْوَقْتِ فَإِنْ تَيَمَّمَ قبل آخَرِ الْوَقْتِ وَصَلَّى ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ قبل ذَهَابِ الْوَقْتِ تَوَضَّأَ وَأَعَادَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هذا خِلَافُ قَوْلِ بن عُمَرَ الْمِرْبَدُ بِطَرَفِ الْمَدِينَةِ وقد تَيَمَّمَ بِهِ بن عُمَرَ وَدَخَلَ
____________________

(7/247)


وَعَلَيْهِ من الْوَقْتِ شَيْءٌ صَالِحٌ فلم يُعِدْ الصَّلَاةَ فَكَيْفَ خَالَفْتُمُوهُ في الْأَمْرَيْنِ مَعًا وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا مثله قال بِخِلَافِهِ فَلَوْ قُلْتُمْ بِقَوْلِهِ ثُمَّ خَالَفَهُ غَيْرُكُمْ كُنْتُمْ شَبِيهًا أَنْ تَقُولُوا تُخَالِفُ بن عُمَرَ لِغَيْرِ قَوْلِ مِثْلِهِ ثُمَّ تُخَالِفُهُ أَيْضًا في الصَّلَاةِ وبن عُمَرَ إلي أَنْ يصلى ما ليس عليه أَقْرَبُ منه إلَى أَنْ يَدَعَ صَلَاةً عليه - * بَابُ الْوِتْرِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ قال كُنْت مع بن عُمَرَ بِمَكَّةَ وَالسَّمَاءُ مُتَغَيِّمَةٌ فخشى بن عُمَرَ الصُّبْحَ فَأَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ ثُمَّ أنكشف الْغَيْمُ فرأي عليه لَيْلًا فَشَفَعَ بِوَاحِدَةٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَنْتُمْ تُخَالِفُونَ بن عُمَرَ من هذا في مَوْضِعَيْنِ فَتَقُولُونَ لَا يُوتَرُ بِوَاحِدَةٍ وَمَنْ أَوْتَرَ لَا يَشْفَعُ وِتْرَهُ وَلَا أَعْلَمُكُمْ تَحْفَظُونَ عن أَحَدٍ أَنَّهُ قال لَا يَشْفَعُ وِتْرَهُ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ ما تَقُولُ أنت في هذا قال بِقَوْلِ بن عُمَرَ أَنَّهُ يُوتِرُ بِرَكْعَةٍ قُلْت أَفَتَقُولُ يَشْفَعُ وِتْرَهُ فقال لَا فَقُلْت وما حُجَّتُك فيه قال رَوَيْنَا عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَرِهَ لِابْنِ عُمَرَ أَنْ يَشْفَعَ وِتْرَهُ وقال إذَا أَوْتَرْت فَاشْفَعْ من آخِرِهِ وَلَا تُعِدْ وِتْرًا وَلَا تَشْفَعْهُ وَأَنْتُمْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ لَا تَقْبَلُونَ إلَّا حَدِيثَ صَاحِبِكُمْ وَلَيْسَ من حديث صَاحِبِكُمْ خِلَافُ بن عُمَرَ - * بَابُ الصَّلَاةِ بِمِنًى وَالنَّافِلَةِ في السَّفَرِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كان يصلى وَرَاءَ الْإِمَامِ بِمِنًى أَرْبَعًا فإذا صلى لِنَفْسِهِ صلى رَكْعَتَيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) هذا يَدُلُّ على أَنَّ الْإِمَامَ إذا ( ( ( إذ ) ) ) كان من أَهْلِ مَكَّةَ صلى بِمِنًى أَرْبَعًا لانه لَا يَحْتَمِلُ إلَّا هذا أو يَكُونُ الْإِمَامُ من غَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ يُتِمُّ بِمِنًى لِأَنَّ الْإِمَامَ في زَمَانِ بن عُمَرَ من بَنِي أُمَيَّةَ وقد أَتَمُّوا بِإِتْمَامِ عُثْمَانَ قال وَهَذَا يَدُلُّ على أَنَّ الْمُسَافِرَ لو أَتَمَّ بِقَوْمٍ لم تَفْسُدْ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ بن عُمَرَ لِأَنَّ صَلَاتَهُ لو كانت تَفْسُدُ لم يُصَلِّ معه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا نَقُولُ وَأَنْتُمْ تُخَالِفُونَ ما رَوَيْتُمْ عن بن عُمَرَ لِغَيْرِ رَأْيِ أَحَدٍ رَوَيْتُمُوهُ يُخَالِفُ بن عُمَرَ بَلْ مع بن عُمَرَ فيه غَيْرُهُ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يُوَافِقُهُ وَتُخَالِفُونَهُ بن مَسْعُودٍ عَابَ إتْمَامَ الصَّلَاةِ بِمِنًى ثُمَّ قام فَأَتَمَّهَا فَقِيلَ له في ذلك فقال الْخِلَافُ شَرٌّ وَلَوْ كان ذلك يُفْسِدُ صَلَاتَهُ لم يُتِمَّ وَخَالَفَ فيه وَلَكِنَّهُ رَآهُ وَاسِعًا فَأَتَمَّ وَإِنْ كان الْفَضْلُ عِنْدَهُ في الْقَصْرِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ لم يَكُنْ يُصَلِّي مع الْفَرِيضَةِ في السَّفَرِ شيئا قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا إلَّا من جَوْفِ اللَّيْلِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَعْرُوفٌ عن بن عُمَرَ عَيْبُ النَّافِلَةِ في النَّهَارِ في السَّفَرِ قال مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِالنَّافِلَةِ في السَّفَرِ نَهَارًا قال فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَقُولُ بِقَوْلِ صَاحِبِنَا فقال الشَّافِعِيُّ كَيْفَ خَالَفْتُمْ بن عُمَرَ وَاسْتَحْبَبْتُمْ ما كَرِهَ ولم أَعْلَمْكُمْ تَحْفَظُونَ فيه شيئا يُخَالِفُ هذا يَدُلُّ على أَنَّ أحتجاجكم بِقَوْلِ بن عُمَرَ اسْتِتَارٌ من الناس لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُخَالِفَ الْحُجَّةَ عِنْدَهُ - * بَابُ الْقُنُوتِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ أَنَّ بن عُمَرَ كان لَا يَقْنُتُ في شَيْءٍ من الصَّلَوَاتِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَنْتُمْ تَرَوْنَ الْقُنُوتَ في الصُّبْحِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ أَظُنُّهُ عن أبيه ( الشَّكُّ من الرَّبِيعِ ) أَنَّهُ كان لَا يَقْنُتُ في شَيْءٍ من الصَّلَاةِ وَلَا في الْوِتْرِ إلَّا أَنَّهُ كان يَقْنُتُ في صَلَاةِ الْفَجْرِ قبل أَنْ يَرْكَعَ الرَّكْعَةَ الْآخِرَةَ إذَا قَضَى قِرَاءَتَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَنْتُمْ تُخَالِفُونَ عُرْوَةَ فَتَقُولُونَ يَقْنُتُ بَعْدَ الرُّكُوعِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَأَنْتَ تقنت ( ( ( تيقنت ) ) ) في الصُّبْحِ بَعْدَ الرُّكُوعِ فقال نعم لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قَنَتَ ثُمَّ أبو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ عُثْمَانُ قُلْت فَقَدْ وَافَقْنَاكَ قال أَجَلْ من حَيْثُ لَا تَعْلَمُونَ وَمُوَافَقَتُكُمْ في هذا حُجَّةٌ عَلَيْكُمْ في غَيْرِهِ فَقُلْت من أَيْنَ قال أَنْتُمْ تَتْرُكُونَ الحديث عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
____________________

(7/248)


في الْحَجِّ عن الرَّجُلِ بِقِيَاسٍ على قَوْلِ بن عُمَرَ وَتَقُولُونَ لَا يَجْهَلُ بن عُمَرَ قَوْلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ قد يَذْهَبُ على بن عُمَرَ بَعْضُ السُّنَنِ وَيَذْهَبُ عليه حِفْظُ ما شَاهَدَ منها فقال الشَّافِعِيُّ أَوَيَخْفَى عليه الْقُنُوتُ وَالنَّبِيُّ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَقْنُتُ عُمْرَهُ وأبو بَكْرٍ أو يَذْهَبُ عليه حِفْظُهُ فَقُلْت نعم ( قال الشَّافِعِيُّ ) أَقَاوِيلُكُمْ مُخْتَلِفَةٌ كَيْفَ نَجِدُكُمْ تَرْوُونَ عنه إنْكَارَ الْقُنُوتِ ويروى غَيْرُكُمْ من الْمَدَنِيِّينَ الْقُنُوتَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَخُلَفَائِهِ فَهَذَا يُبْطِلُ أَنَّ الْعَمَلَ كما تَقُولُ في كل أَمْرٍ وَيُبْطِلُ قَوْلَكُمْ لَا يَخْفَى على بن عُمَرَ سُنَّةٌ وإذا جَازَ عليه أَنْ يَنْسَى أو يَذْهَبَ عليه ما شَاهَدَ كان أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ امْرَأَةً أَنْ تَحُجَّ عن أَبِيهَا من الْعِلْمِ من هذا أَوْلَى أَنْ يَذْهَبَ عليه وَلَا يُجْعَلُ قَوْلُهُ حُجَّةً على السُّنَّةِ وَأَنَّهَا عَلَيْك في رَدِّ الحديث زَعَمْت أَنْ يَكُونَ لَا يَذْهَبُ على بن عُمَرَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ في التَّشَهُّدِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَخَالَفْتُهُ إلَى قَوْلِ عُمَرَ فإذا كان التَّشَهُّدُ وهو من الصَّلَاةِ وَعِلْمُ الْعَامَّةِ مُخْتَلِفٌ فيه بِالْمَدِينَةِ تُخَالِفُ فيه بن عُمَرَ وَعُمَرَ وَعَائِشَةَ فَأَيْنَ الِاجْتِمَاعُ وَالْعَمَلُ ما كان يَنْبَغِي لِشَيْءٍ أَنْ يَكُونَ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مُجْتَمَعًا عليه من التَّشَهُّدِ وما رَوَى فيه مَالِكٌ صَاحِبُك إلَّا ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ مُخْتَلِفَةٍ كُلِّهَا حديثا ( ( ( حديثان ) ) ) منها يُخَالِفَانِ ( 3 ) فيها عُمَرَ وَعُمَرُ يُعَلِّمُهُمْ التَّشَهُّدَ على الْمِنْبَرِ ثُمَّ تُخَالِفُ فيها ابْنَهُ وَعَائِشَةَ فَكَيْفَ إذَا ادَّعَى أَنْ يَكُونَ الْحَاكِمُ إذَا حَكَمَ ثُمَّ قال أو عَمِلَ أُجْمِعَ عليه بِالْمَدِينَةِ وما يَجُوزُ ادِّعَاءُ الْإِجْمَاعِ إلَّا بِخَبَرٍ وَلَوْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ يُجِيزُهُ كانت الْأَحَادِيثُ رَدًّا لِإِجَازَتِهِ - * بَابُ الصَّلَاةِ قبل الْفِطْرِ وَبَعْدَهُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ أَنَّ بن عُمَرَ لم يَكُنْ يصلى يوم الْفِطْرِ قبل الصَّلَاةِ وَلَا بَعْدَهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه أَنَّهُ كان يصلى يوم الْفِطْرِ قبل الصَّلَاةِ وَبَعْدَهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن عبد الرحمن بن الْقَاسِمِ أَنَّ أَبَاهُ كان يُصَلِّي قبل أَنْ يَغْدُوَ إلَى الْمُصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَاَلَّذِي يروي الِاخْتِلَافُ فَأَيْنَ الْإِجْمَاعُ إذَا كَانُوا يَخْتَلِفُونَ في مِثْلِ هذا من الصَّلَاةِ وما تَقُولُونَ أَنْتُمْ قالوا لَا نَرَى بَأْسًا أَنْ يصلى قبل الصَّلَاةِ وَبَعْدَهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا خَالَفْتُمْ بن عُمَرَ وإذا جَازَ خِلَافُ بن عُمَرَ في هذا لِقَوْلِ الرَّجُلِ من التَّابِعِينَ أَيَجُوزُ لِغَيْرِكُمْ خِلَافُهُ لِقَوْلِ رَجُلٍ من التَّابِعِينَ أو تُضَيِّقُونَ على غَيْرِكُمْ ما تُوَسِّعُونَ على أَنْفُسِكُمْ فَتَكُونُونَ غير مُنْصِفِينَ وَيَكُونُ هذا غير مَقْبُولٍ من أَحَدٍ وَيَجُوزُ أَنْ تَدَعَ على بن عُمَرَ لِرَجُلٍ من التَّابِعِينَ وَلِرَأْيِ صَاحِبِك وَتَجْعَلُ قَوْلَ بن عُمَرَ حُجَّةً على السُّنَّةِ في مَوْضِعٍ آخَرَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ في صَلَاةِ الْخَوْفِ بِشَيْءٍ خَالَفْتُمُوهُ فيه وَمَالِكٌ يقول لَا أَرَاهُ حَكَى إلَّا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وبن أبي ذِئْبٍ يَرْوِيهِ عن الزُّهْرِيِّ عن سَالِمٍ عن بن عُمَرَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يَشُكُّ فيه ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا تَرَكْتُمْ علي بن عُمَرَ رَأْيَهُ وَرِوَايَتَهُ في صَلَاةِ الْخَوْفِ بِحَدِيثِ يَزِيدَ بن رُومَانَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَكَيْفَ تَتْرُكُونَ حَدِيثًا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَثْبَتَ من حديث يَزِيدَ بن رُومَانَ لِرَأْيِ بن عُمَرَ ثُمَّ تَدَعُونَ حَدِيثَ يَزِيدَ بن رُومَانَ لِقَوْلِ سَهْلِ بن أبي حَثْمَةَ فَتَدَعُونَ السُّنَّةَ لِقَوْلِ سَهْلٍ فما أَعْرِفُ لَكُمْ في الْعِلْمِ مَذْهَبًا يَصِحُّ وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ - * بَابُ نَوْمِ الْجَالِسِ وَالْمُضْطَجِعِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ أَنَّ بن عُمَرَ كان يَنَامُ وهو قَاعِدٌ ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا نَقُولُ وَإِنْ طَالَ ذلك لَا فَرْقَ بين طَوِيلِهِ وَقَصِيرِهِ إذَا كان جَالِسًا مُسْتَوِيًا على الْأَرْضِ وَنَقُولُ إذَا كان مُضْطَجِعًا
____________________

(7/249)


أَعَادَ الْوُضُوءَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا الثِّقَةُ عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عُمَرَ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ قال من نَامَ مُضْطَجِعًا وَجَبَ عليه الْوُضُوءُ وَمَنْ نَامَ جَالِسًا فَلَا وُضُوءَ عليه فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَقُولُ إنْ نَامَ قَلِيلًا قَاعِدًا لم يُنْتَقَضْ وُضُوءُهُ وَإِنْ تَطَاوَلَ ذلك تَوَضَّأَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَجُوزُ في النَّوْمِ قَاعِدًا إلَّا أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُضْطَجِعِ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ سَوَاءٌ أو خَارِجًا من ذلك الْحُكْمِ فَلَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ قَلِيلُهُ وَلَا كَثِيرُهُ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَقُولُ إنْ نَامَ قَلِيلًا قَاعِدًا لم يُنْتَقَضْ وُضُوءُهُ وَإِنْ تَطَاوَلَ ذلك تَوَضَّأَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَهَذَا خِلَافُ بن عُمَرَ وَخِلَافُ غَيْرِهِ وَالْخُرُوجُ من أَقَاوِيلِ الناس قَوْلُ بن عُمَرَ كما حَكَى مَالِكٌ وهو لَا يَرَى في النَّوْمِ قَاعِدًا وُضُوءًا وَقَوْلُ الْحَسَنِ من خَالَطَ النَّوْمُ قَلْبَهُ جَالِسًا وَغَيْرَ جَالِسٍ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَقَوْلُكُمْ خَارِجٌ مِنْهُمَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ بَالَ في السُّوقِ فَتَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ دخل الْمَسْجِدَ فَدَعَا لِلْجِنَازَةِ فَمَسَحَ على خُفَّيْهِ ثُمَّ صلى قُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَقُولُ لَا يَجُوزُ هذا إنَّمَا يمسح ( ( ( يسمح ) ) ) بِحَضْرَةِ ذلك وَمَنْ صَنَعَ مِثْلَ هذا اسْتَأْنَفَ فقال الشَّافِعِيُّ إنِّي لَأَرَى خِلَافَ بن عُمَرَ عَلَيْكُمْ خَفِيفًا لِرَأْيِ أَنْفُسِكُمْ لَا بَلْ لَا نَعْلَمُكُمْ تَرْوُونَ في هذا عن أَحَدٍ شيئا يُخَالِفُ قَوْلَ بن عُمَرَ وَإِنْ جَازَ زَلَلُ بن عُمَرَ عِنْدَكُمْ وَإِنَّمَا زَعَمْتُمْ أَنَّ الْحُجَّةَ في قَوْلِ أَنْفُسِكُمْ فَلِمَ تَكَلَّفْتُمْ الرِّوَايَةَ عن غَيْرِكُمْ وقد جَعَلْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِالْخِيَارِ تَقْبَلُونَ ما شِئْتُمْ بِلَا حُجَّةٍ - * بَابُ إسْرَاعِ الْمَشْيِ إلَى الصَّلَاةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ سمع الْإِقَامَةَ وهو بِالْبَقِيعِ فَأَسْرَعَ الْمَشْيَ إلَى الْمَسْجِدِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَرِهْتُمْ زَعَمْتُمْ إسْرَاعَ الْمَشْيِ إلَى الْمَسْجِدِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ نَحْنُ نَكْرَهُ الْإِسْرَاعَ إلَى الْمَسْجِدِ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ كُنْتُمْ كَرِهْتُمُوهُ لِقَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا أَتَيْتُمْ الصَّلَاةَ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ وَائْتُوهَا تَمْشُونَ وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ فَقَدْ أَصَبْتُمْ وَهَكَذَا يَنْبَغِي لَكُمْ في كل أَمْرٍ لِرَسُولِ اللَّهِ فيه سُنَّةٌ فَأَمَّا أَنَّ قِيَاسَ قَوْلِ بن عُمَرَ وَيُخْطِئُ الْقِيَاسُ عليه حُجَّةٌ على أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ امْرَأَةً تَحُجُّ عن أَبِيهَا وَرَجُلًا يَحُجُّ عن أبيه فقال لَا يَحُجُّ أَحَدٌ عن أَحَدٍ لِأَنَّ بن عُمَرَ قال لَا يُصَلِّي أَحَدٌ عن أَحَدٍ فَكَيْفَ يَجُوزُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَدَعَ ما يروي عن رسول اللَّهِ إلَى ما يروي عن غَيْرِهِ ثُمَّ يَدَعُهُ لِقِيَاسٍ يُخْطِئُ فيه وهو هُنَا يُصِيبُ في تَرْكِ ما روى عن بن عُمَرَ إذْ روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم خِلَافُهُ ثُمَّ يَزِيدُ فَيَخْرُجُ إلَى خِلَافِ بن عُمَرَ معه سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في غَيْرِ هذا الْمَوْضِعِ - * بَابُ رَفْعِ الْأَيْدِي في التَّكْبِيرِ - * سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ عن رَفْعِ الْأَيْدِي في الصَّلَاةِ فقال يَرْفَعُ الْمُصَلِّي يَدَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وإذا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ وإذا رَفَعَ رَأْسَهُ من الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ وَلَا يَفْعَلُ ذلك في السُّجُودِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فما الْحُجَّةُ في ذلك فقال أخبرنا هذا بن عُيَيْنَةَ عن الزُّهْرِيِّ عن سَالِمٍ عن أبيه عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مِثْلَ قَوْلِنَا فَقُلْت فَإِنَّا نَقُولُ يَرْفَعُ في الِابْتِدَاءِ ثُمَّ لَا يَعُودُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ أَنَّ بن عُمَرَ كان إذَا ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وإذا رَفَعَ من الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ وهو يَرَى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ كان إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وإذا رَفَعَ رَأْسَهُ من الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ ثُمَّ خَالَفْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وبن عُمَرَ فَقُلْتُمْ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَّا في ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ وقد رَوَيْتُمْ عنهما أَنَّهُمَا رَفَعَا في الِابْتِدَاءِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ من الرُّكُوعِ
____________________

(7/250)


( قال الشَّافِعِيُّ ) أَفَيَجُوزُ لِعَالِمٍ أَنْ يَتْرُكَ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وبن عُمَرَ لِرَأْيِ نَفْسِهِ أو على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِرَأْيِ بن عُمَرَ ثُمَّ الْقِيَاسُ على قَوْلِ بن عُمَرَ ثُمَّ يَأْتِي مَوْضِعٌ آخَرُ وَيُصِيبُ فيه يَتْرُكُ على بن عُمَرَ لِمَا روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَكَيْفَ لم يَنْهَهُ بَعْضُ هذا عن بَعْضٍ أَرَأَيْت إنْ جَازَ له أَنْ يَرْوِيَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ رَفَعَ يَدَيْهِ في الصَّلَاةِ مَرَّتَيْنِ أو ثَلَاثًا وَعَنْ بن عُمَرَ فيه اثْنَتَيْنِ وَيَأْخُذُ بِوَاحِدَةٍ وَيَتْرُكُ وَاحِدَةً أَيَجُوزُ لِغَيْرِهِ تَرْكُ الذي أَخَذَ بِهِ وَأَخْذُ الذي تَرَكَ أو يَجُوزُ لِغَيْرِهِ تَرْكُهُ عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) لَا يَجُوزُ له وَلَا لِغَيْرِهِ تَرْكُ ما روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فإن صَاحِبَنَا قال ما مَعْنَى رَفْعِ الْأَيْدِي ( قال الشَّافِعِيُّ ) هذه الْحُجَّةُ غَايَةٌ من الْجَهْلِ مَعْنَاهُ تَعْظِيمُ اللَّهِ وَاتِّبَاعُ السُّنَّةِ مَعْنَى الرَّفْعِ في الْأَوَّلِ مَعْنَى الرَّفْعِ الذي خَالَفَ فيه النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عِنْدَ الرُّكُوعِ وَبَعْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ من الرُّكُوعِ ثُمَّ خَالَفْتُمْ فيه رِوَايَتَكُمْ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وبن عُمَرَ مَعًا لِغَيْرِ قَوْلِ وَاحِدٍ روى عنه رَفْعُ الْأَيْدِي في الصَّلَاةِ تَثْبُتُ رِوَايَتُهُ يروى ذلك عن رسول اللَّهِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ أو أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا ويروي عن أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من غَيْرِ وَجْهٍ فَقَدْ تَرَكَ السُّنَّةَ - * بَابُ وَضْعِ الْأَيْدِي في السُّجُودِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كان إذَا سَجَدَ يَضَعُ كَفَّيْهِ على الذي يَضَعُ عليه وَجْهَهُ قال وَلَقَدْ رَأَيْته في يَوْمٍ شَدِيدِ الْبَرْدِ يُخْرِجُ يَدَيْهِ من تَحْتِ بُرْنُسٍ له ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا نَأْخُذُ وَهَذَا يُشْبِهُ سُنَّةَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ عن بن طَاوُسٍ عن أبيه عن بن عَبَّاسٍ قال أَمَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يُسْجَدَ على سَبْعٍ فذكر منها كَفَّيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَفَعَلَ في هذا بِمَا أَمَرَ بِهِ فَفَعَلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَفْضَى بيده إلَى الْأَرْضِ وَإِنْ كان الْبَرْدُ شَدِيدًا كما يفضى بِجَبْهَتِهِ إلَى الْأَرْضِ فَإِنْ كان فَبِهَذَا كُلِّهِ نَقُولُ وَخَالَفْتُمْ هذا عن بن عُمَرَ حَيْثُ وَافَقَ سُنَّةَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَقُلْتُمْ لَا يفضى بِيَدَيْهِ إلَى الْأَرْضِ في حَرٍّ وَلَا بَرْدٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ - * بَابٌ من الصِّيَامِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ أَنَّ بن عُمَرَ سُئِلَ عن الْمَرْأَةِ الْحَامِلِ إذَا خَافَتْ على وَلَدِهَا فقال تُفْطِرُ وَتُطْعِمُ مَكَانَ كل يَوْمٍ مِسْكِينًا مُدًّا من حِنْطَةٍ قال مَالِكٌ وَأَهْلُ الْعِلْمِ يَرَوْنَ عليها من ذلك الْقَضَاءَ قال مَالِكٌ عليها الْقَضَاءُ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل يقول { فَمَنْ كان مِنْكُمْ مَرِيضًا أو على سَفَرٍ فَعِدَّةٌ من أَيَّامٍ أُخَرَ } قال الشَّافِعِيُّ وإذا كان له أَنْ يُخَالِفَ بن عُمَرَ لِقَوْلِ الْقَاسِمِ وَيَتَأَوَّلَ في خِلَافِ بن عُمَرَ الْقُرْآنَ وَلَا يُقَلِّدَهُ فَيَقُولَ هذا أَعْلَمُ بِالْقُرْآنِ مِنَّا وَمَذْهَبُ بن عُمَرَ يَتَوَجَّهُ لِأَنَّ الْحَامِلَ لَيْسَتْ بِمَرِيضَةٍ الْمَرِيضُ يَخَافُ على نَفْسِهِ وَالْحَامِلُ خَافَتْ على غَيْرِهَا لَا على نَفْسِهَا فَكَيْفَ يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُ بن عُمَرَ في مَوْضِعٍ حُجَّةً ثُمَّ الْقِيَاسُ على قَوْلِهِ حُجَّةٌ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَيُخْطِئُ الْقِيَاسُ فيقول حين قال بن عُمَرَ لَا يُصَلِّي أَحَدٌ عن أَحَدٍ لَا يَحُجُّ أَحَدٌ عن أَحَدٍ قِيَاسًا على قَوْلِ بن عُمَرَ وَتَرَكَ قَوْلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم له ( 1 ) وَكَيْفَ جَازَ أَنْ يَتْرُكَ من اسْتَقَاءَ في رَمَضَانَ فقال عليه
____________________

(7/251)


الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ عليه وَمَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَا قَضَاءَ عليه وَلَا كَفَّارَةَ فَقُلْت وما الْحُجَّةُ في ذلك فقال أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ قال من اسْتَقَاءَ وهو صَائِمٌ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَمَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَيْسَ عليه الْقَضَاءُ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَقُولُ ذلك من اسْتَقَاءَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) فما رَوَيْتُمْ من هذا عن عُمَرَ أَنَّهُ أَفْطَرَ وهو يَرَى الشَّمْسَ غَرَبَتْ ثُمَّ طَلَعَتْ الشمس فقال الْخَطْبُ يَسِيرٌ وقد اجْتَهَدْنَا يعنى قَضَاءَ يَوْمٍ مَكَانَ يَوْمٍ الْحُجَّةُ لنا عَلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ إنْ وَافَقْتُمُوهُمَا في هذا الموضع ( ( ( الموضوع ) ) ) تُخَالِفُونَهُمَا فِيمَا هو مِثْلُ مَعْنَاهُ قال فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ وما هذا الْمَوْضِعُ الذي نُخَالِفُهُمَا في مِثْلِ مَعْنَاهُ فقال رَوَيْنَا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ أَمَرَ رَجُلًا جَامَعَ امْرَأَتَهُ نَهَارًا في رَمَضَانَ أَنْ يُعْتِقَ أو يَصُومَ أو يَتَصَدَّقَ لَا يُجْزِيهِ إلَّا بَعْدَ أَنْ لَا يَجِدَ عِتْقًا وَلَا يَسْتَطِيعَ الصَّوْمَ فَقُلْتُمْ لَا يُعْتِقُ وَلَا يَصُومُ وَيَتَصَدَّقُ فَخَالَفْتُمُوهُ في اثْنَتَيْنِ وَوَافَقْتُمُوهُ في وَاحِدَةٍ ثُمَّ زَعَمْتُمْ أَنَّ من أَفْطَرَ بِغَيْرِ جِمَاعٍ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَمَنْ اسْتَقَاءَ أو أَفْطَرَ وهو يَرَى أَنَّ اللَّيْلَ قد جاء فَلِمَ كَانَا عِنْدَكُمْ مُفْطِرَيْنِ ثُمَّ زَعَمْتُمْ أَنْ ليس عَلَيْهِمَا كَفَّارَةٌ بِالْإِجْمَاعِ فلم تُحْسِنُوا الِاتِّبَاعَ وَلَا الْقِيَاسَ وَاَللَّهُ يَغْفِرُ لنا وَلَكُمْ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَكَيْفَ كان يَكُونُ الْقِيَاسُ على ما روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْمُجَامِعِ نَهَارًا فقال ما قُلْنَا من أَنْ لَا يُقَاسَ عليه شَيْءٌ غَيْرُهُ وَذَلِكَ أَنَّا لَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَ في أَنْ لَا كَفَّارَةَ على من تَقَيَّأَ وَلَا من أَكَلَ بَعْدَ الْفَجْرِ وهو يَرَى الْفَجْرَ لم يَطْلُعْ وَلَا قبل تَغِيبُ الشَّمْسُ وهو يَرَى أَنَّ الشَّمْسَ غَرَبَتْ ولم يَجُزْ أَنْ يُجْمِعَ الناس على خِلَافِ قَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَيْسَ يَجُوزُ فيه إلَّا ما قُلْنَا من أَنْ لَا كَفَّارَةَ إلَّا في الْجِمَاعِ اسْتِدْلَالًا بِمَا وَصَفْت من الْأَمْرِ الذي لَا أَعْلَمُ فيه مُخَالِفًا وَأَنْ أَنْظُرَ فَأَيُّ حَالٍ جَعَلْت فيها الصَّائِمَ مُفْطِرًا يَجِبُ عليه الْقَضَاءُ جَعَلْت عليه الْكَفَّارَةَ فَأَقُولُ ذلك في الْمُحْتَقِنِ وَالْمُسْتَعِطِ وَالْمُزْدَرِدِ الْحَصَى وَالْمُفْطِرِ قبل تَغِيبُ الشَّمْسُ وَالْمُتَسَحِّرِ بَعْدَ الْفَجْرِ وهو يَرَى أَنَّ الْفَجْرَ لم يَطْلُعْ وَالْمُسْتَقِيءِ وَغَيْرِهِ وَيَلْزَمُك في الْآكِلِ النَّاسِي أَنْ يَكُونَ عليه كَفَّارَةٌ لِأَنَّك تَجْعَلُ ذلك فِطْرًا له وَأَنْتَ تَتْرُكُ الحديث نَفْسَهُ ثُمَّ تدعى فيه الْقِيَاسَ ثُمَّ لَا تَقُومُ من الْقِيَاسِ على شَيْءٍ تَعْرِفُهُ - * بَابٌ في الْحَجِّ - * قال سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ هل يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ من غَيْرِ جَنَابَةٍ فقال نعم وَالْمَاءُ يَزِيدُهُ شَعَثًا وقال الْحُجَّةُ فيه أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم غَسَلَ رَأْسَهُ ثُمَّ غَسَلَهُ عُمَرُ قُلْت كَيْفَ ذَكَرَ مَالِكٌ عن بن عُمَرَ قال أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كان لَا يَغْسِلُ رَأْسَهُ وهو مُحْرِمٌ إلَّا من الِاحْتِلَامِ قال وَنَحْنُ وَمَالِكٌ لَا نَرَى بَأْسًا أَنْ يَغْسِلَ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ في غَيْرِ احْتِلَامٍ وَيُرْوَى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ اغْتَسَلَ وهو مُحْرِمٌ قُلْت فَهَكَذَا نَقُولُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا تُرِكَ قَوْلُ بن عُمَرَ لِمَا روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَعُمَرَ فَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَتْرُكُوا عليه لِكُلِّ ما روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم خِلَافُهُ وإذا وُجِدَ في الرِّوَايَةِ عن بن عُمَرَ ما يُخَالِفُ ما يُرْوَى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَعُمَرَ فَيَنْبَغِي في مَرَّةٍ أُخْرَى أَنْ لَا تُنْكِرُوا أَنْ يَذْهَبَ على بن عُمَرَ لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم سُنَّةٌ وقد يَذْهَبُ عليه وَعَلَى غَيْرِهِ السُّنَنُ وَلَوْ عَلِمَهَا ما خَالَفَهَا وَلَا رَغِبَ عنها إنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَا تَغْفُلْ في الْعِلْمِ وَتَخْتَلِفْ أَقَاوِيلُك فيه بِلَا حُجَّةٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ أَنَّ بن عُمَرَ كان يَكْرَهُ لُبْسَ الْمِنْطَقَةِ لِلْمُحْرِمِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فإنه يُخَالِفُ بن عُمَرَ وَيَقُولُ بِقَوْلِ بن الْمُسَيِّبِ فقال الشَّافِعِيُّ إنَّ من اسْتَجَازَ خِلَافَ بن عُمَرَ ولم يُرْوَ خِلَافُهُ إلَّا عن بن الْمُسَيِّبِ حَقِيقٌ أَنْ لَا يُخَالِفَ سُنَّةَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِقَوْلِ بن عُمَرَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كان يقول ما اسْتَيْسَرَ من الهدى بَعِيرٌ أو بَقَرَةٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَنَحْنُ وَأَنْتَ نَقُولُ ما اسْتَيْسَرَ من الهدى شَاةٌ وترويه ( ( ( ويرويه ) ) ) عن بن عَبَّاسٍ وإذا جَازَ لنا أَنْ نَتْرُكَ على بن عُمَرَ لِابْنِ عَبَّاسٍ كان التَّرْكُ
____________________

(7/252)


عليه لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَاجِبًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ كان إذَا أَفْطَرَ من رَمَضَانَ وهو يُرِيدُ الْحَجَّ لم يَأْخُذْ من رَأْسِهِ وَلَا من لِحْيَتِهِ شيئا حتى يَحُجَّ قال مَالِكٌ ليس يَضِيقُ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ من رَأْسِهِ قبل أَنْ يَحُجَّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ عن نَافِعٍ أَنَّ بن عُمَرَ كان إذَا حَلَقَ في حَجٍّ أو عُمْرَةٍ أَخَذَ من لِحْيَتِهِ وَشَارِبِهِ قُلْت فَإِنَّا نَقُولُ ليس على أَحَدٍ الْأَخْذُ من لِحْيَتِهِ وَشَارِبِهِ إنَّمَا النُّسُكُ في الرَّأْسِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا مِمَّا تَرَكْتُمْ عليه بِغَيْرِ رِوَايَةٍ عن غَيْرِهِ عِنْدَكُمْ عَلِمْتُهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ أَنَّ بن عُمَرَ كان إذَا خَرَجَ حَاجًّا أو مُعْتَمِرًا قَصَرَ الصَّلَاةَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ قُلْت فَإِنَّا نَقُولُ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ إذَا جَاوَزَ الْبُيُوتَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَهَذَا مِمَّا تَرَكْتُمْ على بن عُمَرَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن مُحَمَّدِ بن أبي بَكْرٍ الثَّقَفِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ أَنَسَ بن مَالِكٍ وَهُمَا غَادِيَانِ من مِنًى إلَى عَرَفَةَ كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ في هذا الْيَوْمِ مع رسول اللَّهِ قال كان يُهِلُّ الْمُهِلُّ مِنَّا فَلَا يُنْكِرُ عليه وَيُكَبِّرُ الْمُكَبِّرُ مِنَّا فَلَا يُنْكِرُ عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ أَنَّ بن عُمَرَ قال كُلُّ ذلك قد رَأَيْت الناس يَفْعَلُونَهُ وَأَمَّا نَحْنُ فَنُكَبِّرُ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَقُولُ يُلَبِّي حتى تَزُولَ الشَّمْسُ وَيُلَبِّي وهو غَادٍ من مِنًى إلَى عَرَفَةَ وَلَا يُكَبِّرُ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ من يَوْمِ عَرَفَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَهَذَا خِلَافُ ما رَوَى صَاحِبُكُمْ عن بن عُمَرَ من اخْتِيَارِ التَّكْبِيرِ وَكَرَاهَتُكُمْ التَّكْبِيرَ مع خِلَافِ بن عُمَرَ خِلَافُ ما زَعَمْتُمْ أَنَّهُ كان يَصْنَعُ مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلَا يُنْكِرُ عليه فَقَدْ كَانُوا يَخْتَلِفُونَ في النُّسُكِ وَبَعْدَهُ فَكَيْفَ ادَّعَيْت الْإِجْمَاعَ في كل أَمْرٍ وَأَنْتَ تَرْوِي الِاخْتِلَافَ في النُّسُكِ زَمَانَ النبي وَبَعْدَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَتَرْوِي الِاخْتِلَافَ في الصَّوْمِ مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَبَعْدَهُ فَتَقُولُ عن أَنَسٍ سَافَرْنَا مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فلم يَعِبْ الصُّيَّامُ على الْمُفْطِرِينَ وَلَا الْمُفْطِرُونَ على الصَّائِمِينَ وقد اخْتَلَفَ بَعْضُ أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بَعْدَهُ في غَيْرِ شَيْءٍ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ فما تَقُولُ أنت فيه فقال أَقُولُ إنَّ هذا خَيْرٌ وَأَمْرٌ يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ الْأَمْرُ فيه وَالِاخْتِلَافُ وَاسِعٌ وَلَيْسَ الْإِجْمَاعُ كما ادَّعَيْتُمْ إذَا كان بِالْمَدِينَةِ إجْمَاعٌ فَهُوَ بِالْبُلْدَانِ وإذا كان بها اخْتِلَافٌ اخْتَلَفَ الْبُلْدَانُ فَأَمَّا حَيْثُ تَدَّعُونَ الْإِجْمَاعَ فَلَيْسَ بِمَوْجُودٍ قال وَسَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ عن الْعُمْرَةِ في أَشْهُرِ الْحَجِّ فقال حَسَنَةٌ أَسْتَحْسِنُهَا وَهِيَ أَحَبُّ منها بَعْدَ الْحَجِّ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ } وَلِقَوْلِ رسول اللَّهِ دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ في الْحَجِّ وَلِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ أَصْحَابَهُ من لم يَكُنْ معه هدى أَنْ يَجْعَلَ إحْرَامَهُ عُمْرَةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن صَدَقَةَ بن يَسَارٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ قال وَاَللَّهِ لَأَنْ أَعْتَمِرَ قبل أَنْ أَحُجَّ وَأُهْدِي أَحَبُّ إلى من أَنْ أَعْتَمِرَ بَعْدَ الْحَجِّ في ذِي الْحِجَّةِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَكْرَهُ الْعُمْرَةَ قبل الْحَجِّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقَدْ كَرِهْتُمْ ما رَوَيْتُمْ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ أَحَبَّهُ منها وما رَوَيْتُمْ عن عَائِشَةَ أنها قالت خَرَجْنَا مع رسول اللَّهِ فَمِنَّا من أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا من جَمَعَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَمِنَّا من أَهَلَّ بِحَجٍّ فَلِمَ كَرِهْتُمْ ما روى أَنَّهُ فُعِلَ مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وما بن عُمَرَ اسْتَحْسَنَهُ وما أَذِنَ اللَّهُ فيه من التَّمَتُّعِ إنَّ هذا لَسُوءُ الِاخْتِيَارِ وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ - * بَابُ الْإِهْلَالِ من دُونِ الْمِيقَاتِ - * قال سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ عن الْإِهْلَالِ من دُونِ الْمِيقَاتِ فقال حَسَنٌ قُلْت له وما الْحُجَّةُ فيه قال أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ أَهَلَّ من إيلْيَاءُ وإذا كان بن عُمَرَ رَوَى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ وَقَّتَ الْمَوَاقِيتَ وَأَهَلَّ من إيلْيَاءُ وَإِنَّمَا رَوَى عَطَاءٌ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ لَمَّا وَقَّتَ الْمَوَاقِيتَ قال يَسْتَمْتِعُ الرَّجُلُ من أَهْلِهِ وَثِيَابِهِ حتى يَأْتِيَ مِيقَاتُهُ فَدَلَّ هذا على أَنَّهُ لم يُحْظَرْ أَنْ يُحْرِمَ من وَرَائِهِ وَلَكِنَّهُ أَمَرَ أَنْ لَا يُجَاوِزَهُ حَاجٌّ وَلَا مُعْتَمِرٌ إلَّا بِإِحْرَامٍ
____________________

(7/253)


( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال قُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَكْرَهُ أَنْ يُهِلَّ أَحَدٌ من وَرَاءِ الْمِيقَاتِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَيْفَ كَرِهْتُمْ ما اخْتَارَ بن عُمَرَ لِنَفْسِهِ وَقَالَهُ معه عَلِيُّ بن أبي طَالِبٍ وَعُمَرُ بن الْخَطَّابِ في رَجُلٍ من أَهْلِ الْعِرَاقِ إتْمَامُ الْعُمْرَةِ أَنْ تُحْرِمَ من دُوَيْرَةِ أَهْلِك ما أَعْلَمُهُ يُؤْخَذُ على أَحَدٍ أَكْثَرُ مِمَّا يُؤْخَذُ عَلَيْكُمْ من خِلَافِ ما رَوَيْت وَرَوَى غَيْرُك عن السَّلَفِ - * بَابٌ في الْغُدُوِّ من مِنًى إلَى عَرَفَةَ - * قال سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ عن الْغُدُوِّ من مِنًى إلَى عَرَفَةَ يوم عَرَفَةَ فقال ليس فيه ضِيقٌ وَاَلَّذِي أَخْتَارُ أَنْ يَغْدُوَ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كان يَغْدُو من مِنًى إلَى عرفه إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ قال فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَكْرَهُ هذا وَنَقُولُ يَغْدُو من مِنًى إذَا صلى الصُّبْحَ قبل أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَكَيْفَ لم تَتَّبِعُوا بن عُمَرَ وقد حَجَّ مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَخُلَفَائِهِ وكان الْحَجُّ خَاصَّةً مِمَّا يُنْسَبُ بن عُمَرَ عِنْدَهُمْ إلَى الْعِلْمِ بِهِ وقد روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من وَجْهٍ آخَرَ أَنَّهُ غَدَا من مِنًى حين طَلَعَتْ الشَّمْسُ وقال محمد بن عَلِيٍّ السُّنَّةُ أَنْ يَغْدُوَ الْإِمَامُ من مِنًى إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَعَمَّنْ رَوَيْتُمْ كَرَاهِيَةَ هذا - * بَابُ قَطْعِ التَّلْبِيَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كان يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ في الْحَجِّ إذَا انْتَهَى إلَى الْحَرَمِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ أَنَّ بن عُمَرَ حَجَّ في الْفِتْنَةِ فَأَهَلَّ ثُمَّ نَظَرَ فقال ما أَمْرُهُمَا إلَّا وَاحِدٌ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قد أَوْجَبْت الْحَجَّ مع الْعُمْرَةِ وَنَحْنُ لَا نَرَى بهذا بَأْسًا فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَكْرَهُ أَنْ يُقْرَنَ الْحَجُّ مع الْعُمْرَةِ فقال الشَّافِعِيُّ فَكَيْفَ كَرِهْتُمْ غير مَكْرُوهٍ وَخَالَفْتُمْ من لَا يَنْبَغِي لَكُمْ خِلَافُهُ وما نَرَاكُمْ تُبَالُونَ من خَالَفْتُمْ إذَا شِئْتُمْ - * بَابُ النِّكَاحِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ بن عَبَّاسٍ وبن عُمَرَ سُئِلَا عن رَجُلٍ كانت تَحْتَهُ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ فَأَرَادَ أَنْ يَنْكِحَ عليها أَمَةً فَكَرِهَا أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن بن الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ كان يقول لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ على الْحُرَّةِ فَإِنْ أَطَاعَتْ فَلَهَا الثُّلُثَانِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا مِمَّا تَرَكْتُمْ بِغَيْرِ رِوَايَةٍ عن غَيْرِهِ عِنْدَكُمْ عَلِمْتُهَا فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَكْرَهُ ان يَنْكِحَ أَحَدٌ أَمَةً وهو يَجِدُ طَوْلًا لِحُرَّةٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقَدْ خَالَفْتُمْ ما رَوَيْتُمْ عن بن عَبَّاسٍ وبن عُمَرَ لِأَنَّهُمَا لم يَكْرَهَا في رِوَايَتِكُمْ إلَّا الْجَمْعَ بين الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ لَا أَنَّهُمَا كَرِهَا ما كَرِهْتُمْ وَهَكَذَا خَالَفْتُمْ ما رَوَيْتُمْ عن بن الْمُسَيِّبِ وَهَلْ رَوَيْتُمْ في قَوْلِكُمْ شيئا عن أَحَدٍ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِخِلَافِهِ فَقُلْت ما عَلِمْت فقال فَكَيْفَ اسْتَجَزْتُمْ خِلَافَ من شِئْتُمْ لِقَوْلِ أَنْفُسِكُمْ - * بَابُ التَّمْلِيكِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ أَنَّ بن عُمَرَ كان يقول إذَا مَلَّكَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَالْقَضَاءُ ما قَضَتْ إلَّا أَنْ يُنَاكِرَهَا الرَّجُلُ فَيَقُولَ لها لم أُرِدْ إلَّا تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً فَيَحْلِفُ على ذلك وَيَكُونُ أَمْلَكَ بها ما كانت في عِدَّتِهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن سَعِيدِ بن سُلَيْمَانَ بن زَيْدِ بن ثَابِتٍ عن خَارِجَةَ بن زَيْدٍ أَنَّهُ أخبره أَنَّهُ كان
____________________

(7/254)


جَالِسًا عِنْدَ زَيْدِ بن ثَابِتٍ فَأَتَاهُ محمد بن أبي عَتِيقٍ وَعَيْنَاهُ تَدْمَعَانِ فقال له زَيْدٌ ما شَأْنُك قال مَلَّكْت امْرَأَتِي أَمْرَهَا فَفَارَقَتْنِي فقال له زَيْدٌ ما حَمَلَك على ذلك فقال له الْقَدْرُ فقال له زَيْدٌ ارْتَجِعْهَا إنْ شِئْت وَإِنَّمَا هِيَ وَاحِدَةٌ وَأَنْتَ أَمْلَكُ بها ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن عبد الرحمن بن الْقَاسِمِ عن أبيه الْقَاسِمِ بن مُحَمَّدٍ أَنَّ رَجُلًا من ثَقِيفٍ مَلَّكَ امْرَأَتَهُ أَمْرَهَا فقالت أنت الطَّلَاقُ فَسَكَتَ ثُمَّ قالت أنت الطَّلَاقُ فقال بِفِيك الْحَجَرُ فقالت أنت الطَّلَاقُ فقال بِفِيك الْحَجَرُ فَاخْتَصَمَا إلي مَرْوَانَ بن الْحَكَمِ فَاسْتَحْلَفَهُ ما مَلَّكَهَا إلَّا وَاحِدَةً وَرَدَّهَا إلَيْهِ قال عبد الرحمن فَكَانَ الْقَاسِمُ يُعْجِبُهُ هذا الْقَضَاءُ وَيَرَاهُ أَحْسَنَ ما سمع في ذلك قُلْت لِلشَّافِعِيِّ إنَّا نَقُولُ في الْمُخَيَّرَةِ إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا هِيَ ثَلَاثٌ وفي التي يُجْعَلُ أَمْرُهَا بِيَدِهَا أو تَمْلِكُ أَمْرَهَا أَيَّمَا تَمَلُّكٍ الْقَضَاءُ ما قَضَتْ إلَّا أَنْ يُنَاكِرَهَا زَوْجُهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) هذا خِلَافُ ما رَوَيْتُمْ عن زَيْدِ بن ثَابِتٍ وَخِلَافُ ما رَوَى غَيْرُكُمْ عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ وبن مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمَا فَأَجْعَلُك اخْتَرْت قَوْلَ بن عُمَرَ على قَوْلِ من خَالَفَهُ في الْمُمَلَّكَةِ فَإِلَى قَوْلِ من ذَهَبْتَ في الْمُخَيَّرَةِ وَعَمَّنْ تَقُولُ أَنَّ اختارى وَأَمْرُك بِيَدِك سَوَاءٌ وَأَنْتَ لَا نَعْلَمُك رَوَيْت في الْمُخَيَّرَةِ عن وَاحِدٍ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَوْلًا يُوَافِقُ قَوْلَك فَإِنْ رَوَيْت في هذا اخْتِلَافًا عن أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَكَيْفَ ادَّعَيْت الْإِجْمَاعَ وإذا حَكَيْت فَأَكْثَرُ ما تحكى الِاخْتِلَافُ - * بَابُ الْمُتْعَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كان يقول لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةٌ إلَّا التي تُطَلِّقُ وقد فَرَضَ لها الصَّدَاقَ ولم تُمَسَّ فَحَسْبُهَا ما فَرَضَ لها ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن الْقَاسِمِ بن مُحَمَّدٍ مثله ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ أَنَّهُ كان يقول لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةٌ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَقُولُ خِلَافَ قَوْلِ بن شِهَابٍ لِقَوْلِ بن عُمَرَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَبِقَوْلِ بن عُمَرَ قُلْتُمْ وَأَنْتُمْ تُخَالِفُونَهُ قال فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ وَأَيْنَ قال زَعَمْتُمْ أَنَّ بن عُمَرَ قال لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةٌ إلَّا التي فُرِضَ لها ولم تُمَسَّ فَحَسْبُهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ وَهَذَا يُوَافِقُ الْقُرْآنَ فيه وَقَوْلُهُ فِيمَنْ سِوَاهَا من الْمُطَلَّقَاتِ أَنَّ لها مُتْعَةً يُوَافِقُ الْقُرْآنَ لِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ ما لم تَمَسُّوهُنَّ أو تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ } وقال اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ { وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ } قُلْت فَإِنَّمَا ذَهَبْنَا إلَى أَنَّ هذا إنَّمَا هو لِمَنْ ابْتَدَأَ الزَّوْجُ طَلَاقَهُ فيها أَرَأَيْت الْمُخْتَلِعَةَ وَالْمُمَلَّكَةَ فإن هَاتَيْنِ طَلَّقَتَا أَنْفُسَهُمَا قال أَلَيْسَ الزَّوْجُ مَلَّكَهَا ذلك وَمَلَّكَهُ التي حَلَفَ أَنْ لَا تَخْرُجَ فَخَرَجَتْ وَمَلَّكَهُ رَجُلًا يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ فَرَّقْت بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ الْمُطَلَّقَاتِ في الْمُتْعَةِ ثُمَّ فَرَّقْت بين أَنْفُسِهِنَّ وَكُلُّهُنَّ طَلَّقَهَا غَيْرُ الزَّوْجِ إلَّا أَنَّ ابْتِدَاءَ الطَّلَاقِ الذي بِهِ كان من الزَّوْجِ فَإِنْ قُلْت لِأَنَّ اللَّهَ إنَّمَا ذَكَرَ الْمُطَلَّقَاتِ وَالْمُطَلَّقَاتُ الْمَرْأَةُ يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا فَإِنْ اخْتَلَعَتْ عِنْدَك فَلَيْسَ الزَّوْجُ هو الْمُطَلِّقَ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ قبل الطَّلَاقِ شيئا لَزِمَك أَنْ تُخَالِفَ مَعْنَى الْقُرْآنِ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل يقول { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } فَإِنْ زَعَمْتَ أَنَّ الْمُمَلَّكَةَ وَالْمُخْتَلِعَةَ وَمَنْ سَمَّيْنَا من النِّسَاءِ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ مُطَلَّقَاتٌ لِأَنَّ الطَّلَاقَ جاء من الزَّوْجِ إذَا قَبِلَ الْخُلْعَ وَجَعَلَ إلَيْهِنَّ الطَّلَاقَ وَإِلَى غَيْرِهِنَّ فَطَلَّقَهُنَّ فَهُوَ الْمُطَلِّقُ وَعَلَيْهِ يَحْرُمْنَ فَكَذَلِكَ الْمُخْتَلِعَاتُ وَمَنْ سَمَّيْنَا مِنْهُنَّ مُطَلَّقَاتٌ لَهُنَّ الْمُتْعَةُ في كِتَابِ اللَّهِ ثُمَّ قَوْلِ بن عُمَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
____________________

(7/255)


- * بَابُ الْخَلِيَّةِ وَالْبَرِّيَّةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ قال في الْخَلِيَّةِ وَالْبَرِيَّةِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) مَذْهَبُ بن عُمَرَ فيه وَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَهُ أَنَّ الْخَلِيَّةَ وَالْبَرِيَّةَ تَقُومُ مَقَامَ قَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَلَا يَنْوِيهِ شيئا من ذلك وَمَنْ قال لِمَدْخُولٍ بها وَغَيْرِ مَدْخُولٍ بها أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَقَعَتْ عليه عِنْدَنَا وَعِنْدَ عَامَّةِ الْمُفْتِينَ وَعِنْدَكُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) لنا قد خَالَفْتُمْ بن عُمَرَ في بَعْضِ هذا الْقَوْلِ وَوَافَقْتُمُوهُ في بَعْضٍ فَقُلْتُمْ الْخَلِيَّةُ وَالْبَرِيَّةُ ثَلَاثٌ في الْمَدْخُولِ بها فَلَا يَدِينُ وَيَدِينُ في التي لم يَدْخُلْ بها ثَلَاثًا أَرَادَ أو وَاحِدَةً فَلَا أَنْتُمْ قُلْتُمْ كما قال بن عُمَرَ وَمَنْ قال قَوْلَهُ فيقول لَا أَلْتَفِتُ أَنْ يَدِينَ الْمُطَلِّقُ وَأَسْتَعْمِلُ عليها الْأَغْلَبَ وَلَا أَنْتُمْ ذَهَبْتُمْ إذْ كان الْكَلَامُ منه يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ إلَى أَنْ يُجْعَلَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مع يَمِينِهِ وَلَكِنَّكُمْ خَالَفْتُمْ هذا مَعًا في مَعْنًى وَوَافَقْتُمُوهُ مَعًا في مَعْنًى وما لِلنَّاسِ فيها قَوْلٌ إلَّا قد خَرَجْتُمْ منه إنَّمَا قال الناس قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أن قال بَعْضُهُمْ قَوْلَ بن عُمَرَ أُولَئِكَ اسْتَعْمَلُوا الْأَغْلَبَ فَجَعَلُوا الْخَلِيَّةَ وَالْبَرِيَّةَ وَالْبَتَّةَ ثَلَاثًا كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَآخَرُونَ قالوا بِقَوْلِ عُمَرَ في الْبَتَّةِ يَدِينُ فَإِنْ أَرَادَ ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ وَإِنْ أَرَادَ وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ وَآخَرُونَ ذَهَبُوا إلَى أَنَّ الْكَلِمَةَ احْتَمَلَتْ مَعْنَيَيْنِ فَجَعَلُوا عليه الْأَقَلَّ فَجَعَلُوا الْخَلِيَّةَ وَالْبَرِيَّةَ وَاحِدَةً إذَا أَرَادَ بها الطَّلَاقَ وَقَوْلُكُمْ خَارِجٌ من هذا مُخَالِفٌ لِمَا رَوَيْتُمْ وَجَمِيعِ الْآثَارِ في بَعْضِهِ وَزِدْتُمْ قَوْلًا ثَالِثًا هو دَاخِلٌ في أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وهو أَنْ يُمَلِّكَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أَمْرَهَا فَرَوَيْتُمْ عن بن عُمَرَ الْقَضَاءَ ما قَضَتْ إلَّا أَنْ يُنَاكِرَهَا ثُمَّ زَعَمْتُمْ أَنَّهُ إنْ مَلَّكَ امْرَأَتَهُ أَمْرَهَا وَهِيَ مَدْخُولٌ بها فَهَكَذَا وَإِنْ كانت غير مَدْخُولٍ بها نَوَيْتُمُوهُ وَالْبَتَّةُ لَيْسَتْ مَذْهَبَكُمْ إنَّمَا الْبَتَّةُ مَذْهَبُ من لَا يُوقِعُ عليها الطَّلَاقَ إذَا احْتَمَلَ الْكَلَامُ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ إلَّا بِإِرَادَةِ الطَّلَاقِ كما رَوَيْنَا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ عُمَرَ وَغَيْرِهِمَا - * بَابٌ في بَيْعِ الْحَيَوَانِ - * قد سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عن بَيْعِ الْحَيَوَانِ فقال لَا رِبًا في الْحَيَوَانِ يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً وَلَا يَعْدُو الرِّبَا في زِيَادَةِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَالْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ فَقُلْت وما الْحُجَّةُ فيه فقال فيه حَدِيثٌ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ثَابِتٌ وَعَنْ بن عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ من رِوَايَةِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَمِنْ حديث مَالِكٍ أَحَادِيثُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ اشْتَرَى رَاحِلَةً بِأَرْبَعَةِ أَبْعِرَةٍ مَضْمُونَةٍ عليه بِالرَّبَذَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن صَالِحِ بن كَيْسَانَ عن الْحَسَنِ بن مُحَمَّدِ بن عَلِيٍّ أَنَّ عَلِيًّا بَاعَ جَمَلًا له يُقَالُ له عُصَيْفِير بِعِشْرِينَ بَعِيرًا إلَى أَجَلٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن بن الْمُسَيِّبِ كان يقول لَا رِبًا في الْحَيَوَانِ وَإِنَّمَا نهى من الْحَيَوَانِ عن ثَلَاثٍ الْمَضَامِينُ وَالْمَلَاقِيحُ وَحَبَلُ الْحَبَلَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ بن شِهَابٍ عن بَيْعِ الْحَيَوَانِ اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ إلَى أَجَلٍ قال لَا بَأْسَ بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا كُلِّهِ نَقُولُ وَخَالَفْتُمْ هذا كُلَّهُ وَمِثْلُ هذا يَكُونُ عِنْدَكُمْ الْعَمَلُ لِأَنَّكُمْ رَوَيْتُمْ عن رَجُلَيْنِ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَرَجُلَيْنِ من التَّابِعِينَ أَحَدُهُمَا أَسَنُّ من الْآخَرِ وَقُلْتُمْ لَا يَجُوزُ الْبَعِيرُ بِالْبَعِيرَيْنِ إلَّا أَنْ تَخْتَلِفَ رِحْلَتُهُمَا وَنَجَابَتُهُمَا فَيَجُوزَ فَإِنْ أَرَدْتُمْ بها قِيَاسًا على التَّمْرِ بِالتَّمْرِ فَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ إلَّا كَيْلًا بِكَيْلٍ وَلَوْ كان أَحَدُ التَّمْرَيْنِ خَيْرًا من الْآخَرِ وَلَا يَصْلُحُ شَيْءٌ من الطَّعَامِ بِشَيْءٍ من الطَّعَامِ نَسِيئَةً وَأَنْتُمْ تُجِيزُونَ بَعْضَ الْحَيَوَانِ بِبَعْضٍ نَسِيئَةً فلم تَتَّبِعُوا فيه من رَوَيْتُمْ عنه إجَازَتَهُ مِمَّنْ سَمَّيْت ولم تَجْعَلُوهُ قِيَاسًا على غَيْرِهِ وَقُلْتُمْ فيه قَوْلًا مُتَنَاقِضًا خَارِجًا من السُّنَّةِ وَالْآثَارِ وَالْقِيَاسِ وَالْمَعْقُولِ لَعَمْرِي إنْ حَرُمَ الْبَعِيرُ بِالْبَعِيرَيْنِ مِثْلِهِ في الرِّحْلَةِ وَالنَّجَابَةِ ما يَعْدُو أَنْ يَحْرُمَ خَبَرًا وَالْخَبَرُ يَدُلُّ على إحْلَالِهِ
____________________

(7/256)


وقد خَالَفْتُمُوهُ وَلَوْ حَرَّمْتُمُوهُ قِيَاسًا على ما الزِّيَادَةُ في بَعْضِهِ على بَعْضِ الرِّبَا لقد خَالَفْتُمْ الْقِيَاسَ وَأَجَزْتُمْ الْبَعِيرَ بِالْبَعِيرَيْنِ مِثْلِهِ وَزِيَادَةِ دَرَاهِمَ وَلَيْسَ يَجُوزُ التَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَزِيَادَةِ دَرَاهِمَ وَلَا شَيْءٍ من الْأَشْيَاءِ وما عَلِمْت أَحَدًا من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال قَوْلَكُمْ وَإِنَّ عَامَّةَ الْمُفْتِينَ بِمَكَّةَ وَالْأَمْصَارِ لَعَلَى خِلَافِ قَوْلِكُمْ وَإِنَّ قَوْلَكُمْ لَخَارِجٌ من الْآثَارِ يُخَالِفُهَا كُلَّهَا ما رَوَيْتُمْ منها وَرَوَى غَيْرُكُمْ خَارِجٌ من الْقِيَاسِ وَالْمَعْقُولِ فَكَيْفَ جَازَ لِأَحَدٍ قَوْلٌ يُسْتَدْرَكُ فيه ما وَصَفْت ثُمَّ لَا يُسْتَدْرَكُ في قَلِيلٍ من قَوْلِهِ بَلْ في كَثِيرٍ وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن عُرْوَةَ بن أُذَيْنَةَ قال خَرَجْت مع جَدَّةٍ لي عليها مَشْيٌ إلَى بَيْتِ اللَّهِ حتى إذَا كانت بِبَعْضِ الطَّرِيقِ عَجَزَتْ فَسَأَلْت عَبْدَ اللَّهَ بن عُمَرَ فقال عبد اللَّهِ مُرْهَا فَلْتَرْكَبْ ثُمَّ لِتَمْشِ من حَيْثُ عَجَزَتْ قال مَالِكٌ وَعَلَيْهَا الهدى ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ أَنَّهُ قال كان عَلَيَّ مَشْيٌ فَأَصَابَتْنِي خَاصِرَةٌ فَرَكِبْت حتى أَتَيْت مَكَّةَ فَسَأَلْت عَطَاءَ بن أبي رَبَاحٍ وَغَيْرَهُ فَقَالُوا عَلَيْك هدى فلما قَدِمْت الْمَدِينَةَ سَأَلْت فَأَمَرُونِي أَنْ أَمْشِيَ من حَيْثُ عَجَزْت فَمَشَيْت مَرَّةً أُخْرَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَرَوَيْتُمْ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ أَمَرَهَا أَنْ تَمْشِيَ وَرَوَيْتُمْ ذلك عَمَّنْ سَأَلَ بِالْمَدِينَةِ ولم تَرْوُوا عَنْهُمْ أَنَّهُمْ أَمَرُوهَا بِهَدْيٍ فَخَالَفْتُمْ في أَمْرِهَا بهدى وَهَذَا عِنْدَكُمْ إجْمَاعٌ بِالْمَدِينَةِ وَرَوَيْتُمْ أَنَّ عَطَاءً وَغَيْرَهُ أَمَرُوهُ بِهَدْيٍ ولم يَأْمُرُوهُ بِمَشْيٍ فَخَالَفَ في رِوَايَةِ نَفْسِهِ عَطَاءً وبن عُمَرَ وَالْمَدَنِيِّينَ وَلَا أَدْرِي أَيْنَ الْعَمَلُ الذي تَدَّعُونَ من قَوْلِكُمْ وَلَا أَيْنَ الْإِجْمَاعُ منه هذا خِلَافُهُمَا فِيمَا رَوَيْتُمْ وَخِلَافُ رِوَايَةِ غَيْرِكُمْ عن بن عُمَرَ وَغَيْرِهِ وما يَجُوزُ من هذا إلَّا وَاحِدٌ من قَوْلَيْنِ إمَّا قَوْلُ بن عُمَرَ يَمْشِي ما رَكِبَ حتى يَكُونَ بِالْمَشْيِ كُلِّهِ وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ عليه عَوْدَةٌ لِأَنَّهُ قد جاء بِحَجٍّ أو عُمْرَةٍ وَعَلَيْهِ هدى مَكَانَ رُكُوبِهِ وَإِمَّا أَنْ يَمْشِيَ ويهدى فَقَدْ كَلَّفَهُ الْأَمْرَيْنِ مَعًا وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عليه أَحَدُهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * بَابُ الْكَفَّارَاتِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ قال من حَلَفَ على يَمِينٍ فَوَكَّدَهَا فَعَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَخَالَفْتُمْ بن عُمَرَ فَقُلْتُمْ التَّوْكِيدُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ يُجْزِيهِ فيه إطْعَامُ عَشْرَةِ مَسَاكِينَ نَرَاكُمْ تَسْتَوْحِشُونَ من خِلَافِ بن عُمَرَ بِحَالٍ وما نَعْرِفُ لَكُمْ مَذْهَبًا غير أَنَّا رَأَيْنَاكُمْ إذَا وَافَقْتُمْ قَوْلَ بن عُمَرَ أو غَيْرِهِ من الصَّحَابَةِ أو من بَعْدَهُمْ من التَّابِعِينَ قُلْتُمْ هُمْ أَشَدُّ تَقَدُّمًا في الْعِلْمِ وَأَحْدَثُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ عَهْدًا فَأَحْرَى أَنْ لَا نَقُولَ إلَّا بِمَا يَعْمَلُونَ وَأَئِمَّتُنَا الْمُقْتَدَى بِهِمْ فَكَيْفَ تُخَالِفُونَهُمْ وَعَظَّمْتُمْ خِلَافَهُمْ غَايَةَ التَّعْظِيمِ وَلَعَلَّ من خَالَفَهُمْ مِمَّنْ عِبْتُمْ عليه خِلَافَ من وَافَقَكُمْ منه أَنْ يَكُونَ خِلَافَهُ لِأَنَّ من رَوَاهُ عن مِثْلِهِمْ لم تَعْرِفُوهُ لِضِيقٍ علمكم ( ( ( عليكم ) ) ) ثُمَّ تُخَالِفُونَهُمْ لِغَيْرِ قَوْلِ أَحَدٍ من الناس مِثْلِهِمْ وَلَا يَسْمَعُ رِوَايَتَكُمْ وَتَتْرُكُونَ ما شِئْتُمْ لِغَيْرِ حُجَّةٍ فِيمَا أَخَذْتُمْ وَلَا ما تَرَكْتُمْ وما صَنَعْتُمْ من هذا غَيْرُ جَائِزٍ لِغَيْرِكُمْ عِنْدَكُمْ وَكَذَلِكَ هو غَيْرُ جَائِزٍ لَكُمْ عِنْدَ أَحَدٍ من الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ إذَا لم يُجِزْ لمن يُخَالِفُ بَعْضَ الْأَثَرِ فَيُحْسِنُ الِاحْتِجَاجَ وَالْقِيَاسَ كان أَنْ يَكُونَ لَكُمْ إذَا كُنْتُمْ لَا تُحْسِنُونَ عِنْدَ الناس حُجَّةً وَلَا قِيَاسًا أَبْعَدَ قُلْتُمْ إنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ وَصَدَقَةَ الطَّعَامِ وَجَمِيعَ الْكَفَّارَاتِ بِمُدِّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا كَفَّارَةَ الظِّهَارِ فَإِنَّهَا بِمُدِّ هِشَامٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما عَلِمْته قال هذا الْقَوْلَ قَبْلَكُمْ أَحَدٌ من الناس وما أَدْرِي إلَى أَيِّ شَيْءٍ ذَهَبْتُمْ إلَى عِظَمِ ذَنْبِ الْمُتَظَاهِرِ فَالْقَاتِلُ أَعْظَمُ من الْمُتَظَاهِرِ ذَنْبًا فَكَيْفَ رَأَيْتُمْ أَنَّ كَفَّارَةَ الْقَاتِلِ بِمُدِّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَكَفَّارَةَ الْمُتَظَاهِرِ بِمُدِّ هِشَامٍ وَمَنْ شَرَعَ لَكُمْ مُدَّ هِشَامٍ وقد أَنْزَلَ اللَّهُ الْكَفَّارَاتِ على رَسُولِهِ قبل أَنْ يُولَدَ أبو هِشَامٍ فَكَيْفَ تَرَى الْمُسْلِمِينَ كَفَّرُوا في زَمَانِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قبل أَنْ يَكُونَ مُدُّ
____________________

(7/257)


هِشَامٍ فَإِنْ زَعَمْت أَنَّهُمْ كَفَّرُوا بِمُدِّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَخَذُوا بِهِ الصَّدَقَاتِ وَأَخْرَجُوا بِهِ الزَّكَاةَ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل أَنْزَلَ الْكَفَّارَاتِ فَقَدْ أَبَانَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كَمْ قَدْرِ كَيْلِهَا كما ابان ذلك في زَكَاةِ الْفِطْرِ وفي الصَّدَقَاتِ فَكَيْفَ أَخَذْتُمْ مُدَّ هِشَامٍ وهو غَيْرُ ما أَبَانَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِلنَّاسِ وَكَفَّرَ بِهِ السَّلَفُ إلَى أَنْ كان لِهِشَامٍ مُدٌّ وَإِنْ زَعَمْت أَنَّ ذلك غَيْرُ مَعْرُوفٍ فَمَنْ عَرَّفَهُمْ أَنَّ الْكَفَّارَةَ بِمُدِّ هِشَامٍ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْكَفَّارَاتِ مُخْتَلِفَةٌ أَرَأَيْت لو قال قَائِلٌ كُلُّ كَفَّارَةٍ بِمُدِّ هِشَامٍ إلَّا كَفَّارَةَ الظِّهَارِ فَإِنَّمَا بِمُدِّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم هل الْحُجَّةُ عليه إلَّا أَنْ نَقُولَ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا إلَّا كِتَابٌ أو سُنَّةٌ أو إجْمَاعٌ أو خَبَرٌ لَازِمٌ فقلت ( ( ( فقال ) ) ) لِلشَّافِعِيِّ فَهَلْ خَالَفَك في أَنَّ الْكَفَّارَاتِ بِمُدِّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَحَدٌ فقال مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ زَعْمُنَا أَنَّ مُسْلِمًا قَطُّ غَيْرَكُمْ قال إنَّ شيئا من الْكَفَّارَاتِ بِمُدِّ غَيْرِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال فما شَيْءٌ يَقُولُهُ بَعْضُ الْمَشْرِقِيِّينَ قُلْت قَوْلٌ مُتَوَجِّهٌ وَإِنْ خَالَفْنَاهُ قال وما هو قُلْت قالوا الْكَفَّارَاتُ بِمُدِّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يُطْعِمُ الْمِسْكِينَ مُدَّيْنِ مُدَّيْنِ قِيَاسًا على أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ كَعْبَ بن عُجْرَةَ أَنْ يُطْعِمَ في فِدْيَةِ الْأَذَى كُلَّ مِسْكِينٍ مُدَّيْنِ مُدَّيْنِ ولم تَبْلُغْ جَهَالَتُهُمْ وَلَا جَهَالَةُ أَحَدٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ كَفَّارَةً بِغَيْرِ مُدِّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَلَعَلَّ مُدَّ هِشَامٍ مُدَّانِ بِمُدِّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال الشَّافِعِيُّ لَا هو مُدٌّ وَثُلُثٌ أو مُدٌّ وَنِصْفٌ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ أَفَتَعْرِفُ لِقَوْلِنَا وَجْهًا فقال لَا وَجْهَ لَكُمْ يُعْذَرُ أَحَدٌ من الْعَالَمِينَ بِأَنْ يَقُولَ مثله وَلَا يُفَرِّقُ مُسْلِمٌ غَيْرُكُمْ بين مَكِيلَةِ الْكَفَّارَاتِ إلَّا أَنَّا نَقُولُ هِيَ مُدٌّ مُدٌّ بِمُدِّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِكُلِّ مِسْكِينٍ وقال بَعْضُ الْمَشْرِقِيِّينَ مُدَّانِ مُدَّانِ فَأَمَّا أَنْ يُفَرِّقَ أَحَدٌ بين مَكِيلَةِ شَيْءٍ من الْكَفَّارَاتِ فَلَا - * بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كان يَبْعَثُ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ إلَى الذي تُجْمَعُ عِنْدَهُ قبل الْفِطْرِ بِيَوْمَيْنِ أو ثَلَاثَةٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) هذا حَسَنٌ وَأَسْتَحْسِنُهُ لِمَنْ فَعَلَهُ وَالْحُجَّةُ بِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم تَسَلَّفَ صَدَقَةَ الْعَبَّاسِ قبل أَنْ تَحِلَّ وبقول ( ( ( ويقول ) ) ) بن عُمَرَ وَغَيْرُهُ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَكْرَهُ لِأَحَدٍ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاةَ الْفِطْرِ إلَّا مع الْغُدُوِّ يوم الْفِطْرِ وَذَلِكَ حين يَحِلُّ بَعْدَ الْفَجْرِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) قد خَالَفْتُمْ بن عُمَرَ في رِوَايَتِكُمْ وما رَوَى غَيْرُكُمْ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ تَسَلَّفَ صدقه الْعَبَّاسِ بن عبد الْمُطَّلِبِ قبل مَحِلِّهَا لِغَيْرِ قَوْلِ وَاحِدٍ عَلِمْتُكُمْ رَوَيْتُمُوهُ عنه من أَصْحَابِ النبى صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا التَّابِعِينَ فَلَسْت أَدْرِي لِأَيِّ مَعْنًى تَحْمِلُونَ ما حَمَلْتُمْ من الحديث إنْ كُنْتُمْ حَمَلْتُمُوهُ لِتُعْلِمُوا الناس أَنَّكُمْ قد عَرَفْتُمُوهُ فَخَالَفْتُمُوهُ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ فَقَدْ وَقَعْتُمْ بِاَلَّذِي أَرَدْتُمْ وَأَظْهَرْتُمْ لِلنَّاسِ خِلَافَ السَّلَفِ وَإِنْ كُنْتُمْ حَمَلْتُمُوهُ لِتَأْخُذُوا بِهِ فَقَدْ أَخْطَأْتُمْ ما تَرَكْتُمْ منه وما تَرَكْتُمْ منه كَثِيرٌ في قَلِيلِ ما رَوَيْتُمْ وَإِنْ كانت الْحُجَّةُ عِنْدَكُمْ لَيْسَتْ في الحديث فَلِمَ تَكَلَّفْتُمْ رِوَايَتَهُ وَاحْتَجَجْتُمْ بِمَا وَافَقْتُمْ منه على من خَالَفَهُ ما تَخْرُجُونَ من قِلَّةِ النَّصَفَةِ وَالْخَطَأِ فِيمَا صَحَّ إذْ تَرَكْتُمْ مثله وَأَخَذْتُمْ بمثله وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مَرَّةً حُجَّةً وَمَرَّةً غير حُجَّةٍ - * بَابٌ في قَطْعِ الْعَبْدِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ عَبْدًا له سَرَقَ وهو آبِقٌ فَأَبَى سَعِيدُ بن الْعَاصِ أَنْ يَقْطَعَهُ فَأَمَرَ بِهِ بن عُمَرَ فَقُطِعَتْ يَدُهُ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَقُولُ لَا يَقْطَعُ السَّيِّدُ يَدَ عَبْدِهِ إذَا أَبَى السُّلْطَانُ يَقْطَعُهُ فقال الشَّافِعِيُّ قد كان سَعِيدُ بن الْعَاصِ من صَالِحِي وُلَاةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فلما لم يَرَ أَنْ يُقْطَعَ الْآبِقُ أَمَرَ بن عُمَرَ بِقَطْعِهِ وفي هذا دَلِيلٌ على أَنَّ وُلَاةَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ كَانُوا يَقْضُونَ بِآرَائِهِمْ وَيُخَالِفُونَ فُقَهَاءَهُمْ وَأَنَّ فُقَهَاءَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ كَانُوا يَخْتَلِفُونَ
____________________

(7/258)


فَيَأْخُذُ أُمَرَاؤُهُمْ بِرَأْيِ بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ وَهَذَا أَيْضًا الْعَمَلُ لِأَنَّكُمْ كُنْتُمْ تُوهِمُونَ أَنَّ قَضَاءَ من هو أَسْوَأُ حَالًا من سَعِيدٍ وَمِثْلُهُ لَا يقضى إلَّا بِقَوْلِ الْفُقَهَاءِ وَأَنَّ فُقَهَاءَهُمْ زَعَمْتُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ وَلَيْسَ هو كما تَوَهَّمْتُمْ في قَوْلِ فُقَهَائِهِمْ وَلَا قَضَاءِ أُمَرَائِهِمْ وقد خَالَفْتُمْ رَأْيَ سَعِيدٍ وهو الْوَالِي وبن عُمَرَ وهو الْمُفْتِي فَأَيْنَ الْعَمَلُ إنْ كان الْعَمَلُ فِيمَا عَمِلَ بِهِ الْوَالِي فَسَعِيدٌ لم يَكُنْ يَرَى قَطْعَ الْآبِقِ وَأَنْتُمْ تَرَوْنَ قَطْعَهُ وَإِنْ كان الْعَمَلُ في قَوْلِ بن عُمَرَ فَقَدْ قَطَعَهُ وَأَنْتُمْ تَرَوْنَ أَنْ ليس لنا أَنْ نَقْطَعَهُ وما دَرَيْنَا ما مَعْنَى قَوْلِكُمْ الْعَمَلُ وَلَا تَدْرُونَ فِيمَا خَبَرُنَا وما وَجَدْنَا لَكُمْ منه مَخْرَجًا إلَّا أَنْ تَكُونُوا سَمَّيْتُمْ أَقَاوِيلَكُمْ الْعَمَلَ وَالْإِجْمَاعَ فَتَقُولُونَ على هذا الْعَمَلُ وَعَلَى هذا الْإِجْمَاعُ تَعْنُونَ أَقَاوِيلَكُمْ وَأَمَّا غَيْرُ هذا فَلَا مَخْرَجَ لِقَوْلِكُمْ فيه عَمَلٌ وَلَا إجْمَاعٌ لِأَنَّ ما نَجِدُ عِنْدَكُمْ من رِوَايَتِكُمْ وَرِوَايَةِ غَيْرِكُمْ اخْتِلَافٌ لَا إجْمَاعُ الناس مَعَكُمْ فيه لَا يُخَالِفُونَكُمْ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ قد فَهِمْت ما ذَكَرْت أَنَّا لم نَصِرْ إلَى الْأَخْذِ بِهِ من الحديث عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْآثَارِ عن أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وما تَرَكْنَا من الْآثَارِ عن التَّابِعِينَ بِالْمَدِينَةِ من رِوَايَةِ صَاحِبِنَا نَفْسِهِ وَتَرَكْنَا مِمَّا رَوَى وَخَالَفْنَا فيه فَهَلْ تَجِدُ فِيمَا رَوَى غَيْرُنَا شيئا تَرَكْنَاهُ قال نعم أَكْثَرُ من هذا في رِوَايَةِ صَاحِبِكُمْ لِغَيْرِ قَلِيلٍ فَقُلْت له فلنا ( ( ( قلنا ) ) ) عِلْمٌ نُدْخِلُهُ مع عِلْمِ الْمَدَنِيِّينَ قال أَيُّ عِلْمٍ هو قُلْت عِلْمُ الْمِصْرِيِّينَ وَعِلْمُ غَيْرِ صَاحِبِنَا من الْمَدَنِيِّينَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلِمَ أَدْخَلْتُمْ عِلْمَ الْمِصْرِيِّينَ دُونَ عِلْمِ غَيْرِهِمْ مع عِلْمِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَقُلْت أَدْخَلْت منه ما أَخَذُوا عن أَهْلِ الْمَدِينَةِ قال وَمِنْ ذلك عِلْمُ خَالِدِ بن أبي عِمْرَانَ قُلْت نعم ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقَدْ وَجَدْتُك تَرْوِي عن خَالِدِ بن أبي عِمْرَانَ أَنَّهُ سَأَلَ سَالِمَ بن عبد اللَّهِ وَالْقَاسِمَ بن مُحَمَّدٍ وَسُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ فَنَظَرْت فِيمَا ثَبَتَ أنت عن هَؤُلَاءِ النَّفَرِ فَرَأَيْت فيه أَقَاوِيلَ تُخَالِفُهَا وَوَجَدْتُك تَرْوِي عن بن شِهَابٍ وَرَبِيعَةَ وَيَحْيَى بن سَعِيدٍ فَوَجَدْتُك تُخَالِفُهُمْ وَلَسْت أَدْرِي من تَبِعْتُمْ إذَا كُنْت تَرْوِي أنت وَغَيْرُك عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَشْيَاءَ تُخَالِفُهَا ثُمَّ عَمَّنْ رَوَيْت عنه هذا من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ عن التَّابِعِينَ ثُمَّ عَمَّنْ بَعْدَهُمْ فَقَدْ أَوْسَعْت الْقُرُونَ الْخَالِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ خِلَافًا وَوَضَعْت نَفْسَك بِمَوْضِعِ أَنْ لَا تَقْبَلَ إلَّا إذَا شِئْت وَأَنْتَ تَعِيبُ على غَيْرِك ما هو أَقَلُّ من هذا وَعِنْدَ من عِبْت عليه عَقْلٌ صَحِيحٌ وَمَعْرِفَةٌ يَحْتَجُّ بها عَمَّا يقول ولم نَرَ ذلك عِنْدَك وَاَللَّهُ يَغْفِرُ لنا وَلَك قال وَيَدْخُلُ عَلَيْك من هذا خَصْلَتَانِ فَإِنْ كان عِلْمُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إجْمَاعًا كُلُّهُ أو الْأَكْثَرُ منه فَقَدْ خَالَفْتُهُ لَا بَلْ قد خَالَفْت أَعْلَامَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ من كل قَرْنٍ في بَعْضِ أَقَاوِيلِهِمْ وَإِنْ كان في عِلْمِهِمْ افْتِرَاقٌ فَلِمَ ادَّعَيْت لهم الْإِجْمَاعَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وما حَفِظْت لَك مَذْهَبًا وَاحِدًا في شَيْءٍ من الْعِلْمِ اسْتَقَامَ لَك فيه قَوْلٌ وَلَا حَفِظْت أَنَّك ادَّعَيْت الْحُجَّةَ في شَيْءٍ إلَّا تَرَكْتهَا في مِثْلِ الذي ادَّعَيْتهَا فيه وَزَعَمْت أَنَّك تُثْبِتُ السُّنَّةَ من وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَجِدَ الْأَئِمَّةَ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قالوا بِمَا يُوَافِقُهَا وَالْآخَرُ أَنْ لَا تَجِدَ الناس اخْتَلَفُوا فيها وَتَرُدُّهَا إنْ لم تَجِدْ لِلْأَئِمَّةِ فيها قَوْلًا وَتَجِدْ الناس اخْتَلَفُوا فيها ثُمَّ تُثْبِتُ تَحْرِيمَ كل ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ وَالْيَمِينَ مع الشَّاهِدِ وَالْقَسَامَةَ وَغَيْرَ ذلك مِمَّا ذَكَرْنَا هذا كُلُّهُ لَا تَرْوِي فيه عن أَحَدٍ من الْأَئِمَّةِ شيئا يُوَافِقُهُ بَلْ أنت تَرْوِي في الْقَسَامَةِ عن عُمَرَ خِلَافَ حَدِيثِك عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَتَرْوِي فيها عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم خِلَافَ حَدِيثِك الذي أَخَذْت بِهِ وَيُخَالِفُك فيها سَعِيدُ بن الْمُسَيِّبِ بِرَأْيِهِ وَرِوَايَتِهِ وَيُخَالِفُك فيها كَثِيرٌ من أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَيَرُدُّهَا عَلَيْك أَهْلُ الْبُلْدَانِ رَدًّا عَنِيفًا وَكَذَلِكَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْبُلْدَانِ رَدُّوا عَلَيْك الْيَمِينَ مع الشَّاهِدِ وَيَدَّعُونَ فيها أنها تُخَالِفُ الْقُرْآنَ وَيَرُدُّهَا عَلَيْك بِالْمَدِينَةِ عُرْوَةُ وَالزُّهْرِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَبِمَكَّةَ عَطَاءٌ وَغَيْرُهُ وَيَرُدُّ كُلَّ ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ عَائِشَةُ وبن عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمَا ثُمَّ رَدَدْت أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم تَطَيَّبَ للاحرام وَبِمِنًى قبل الطَّوَافِ بن أبي وَقَّاصٍ وبن عَبَّاسٍ كما تَطَيَّبَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَعَلَى هذا أَكْثَرُ الْمُفْتِينَ بِالْبُلْدَانِ فَتَتْرُكُ هذا لَأَنْ رَوَيْت أَنَّ عُمَرَ كَرِهَ ذلك وَلَا يَجُوزُ لِعَالِمٍ أَنْ يَدَعَ قَوْلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
____________________

(7/259)


لِقَوْلِ أَحَدٍ سِوَاهُ فَإِنْ قُلْت قد يُمْكِنُ الْغَلَطُ فِيمَنْ رَوَى هذا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَهَكَذَا يُمْكِنُ الْغَلَطُ فِيمَنْ رَوَى ما رَوَيْت عن عُمَرَ فَإِنْ جَعَلْتَ الرِّوَايَتَيْنِ ثَابِتَتَيْنِ مَعًا فما روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَوْلَى أَنْ يُقَالَ بِهِ وَإِنْ أَدْخَلْت التُّهْمَةَ على الرَّاوِيَيْنِ مَعًا فَلَا تَدَعْ الرِّوَايَةَ عن أَحَدٍ أَخَذْت عنه وَأَنْتَ تَتَّهِمُهُ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ أَفَيَجُوزُ أَنْ تُتَّهَمَ الرِّوَايَةُ قال لَا إلَّا أَنْ يُرْوَى حَدِيثَانِ عن رَجُلٍ وَاحِدٍ مُخْتَلِفَانِ فَذَهَبَ إلَى أَحَدِهِمَا فَأَمَّا رِوَايَةٌ عن وَاحِدٍ لَا مُعَارِضَ لها فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُتَّهَمَ وَلَوْ جَازَ أَنْ تُتَّهَمَ لم يَجُزْ أَنْ نَحْتَجَّ بِحَدِيثِ الْمُتَّهَمِينَ بِغَيْرِ مُعَارِضٍ رِوَايَتَهُ فَأَمَّا أَنْ يروى رَجُلٌ عن رَجُلٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم شيئا ويروى آخَرُ عن رَجُلٍ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم شيئا يُخَالِفُهُ فَلَيْسَ هذه مُعَارَضَةٌ هذه رِوَايَةٌ عن رَجُلٍ وَهَذِهِ عن آخَرَ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ صَاحِبِهِ ثُمَّ لم تَثْبُتْ على ما وَصَفْت من مَذْهَبِك حتى تَرَكْت قَوْلَ عُمَرَ في الْمَنْبُوذِ هو حُرٌّ وَلَك وَلَاؤُهُ وَعَلَيْنَا نَفَقَتُهُ فَقُلْت لَا يَكُونُ لِلَّذِي الْتَقَطَهُ وَلَاؤُهُ وَلَا أَحْسِبُ حُجَّةً لَك في هذا إلَّا أَنْ تَقُولَ قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَهَذَا غَيْرُ مُعْتِقٍ وَرَوَيْت عن عُمَرَ أَنَّهُ بَدَأَ في الْقَسَامَةِ الْمُدَّعَى عليهم فَأَبَوْا فَرَدَّهَا على الْمُدَّعِينَ فَأَبَوْا الْأَيْمَانَ فَأَغْرَمَ الْمُدَّعَى عليهم نِصْفَ الدِّيَةِ فَخَالَفْتُهُ أنت فَقُلْت يَبْدَأُ الْمُدَّعُونَ وَلَا نُغَرِّمُ الْمُدَّعَى عليهم إذَا لم يَحْلِفْ من أَنَّهُ بَدَأَ الْمُدَّعِينَ ولم يَجْعَلْ على المدعي عليهم غَرَامَةً حين لم يَقْبَلْ الْمُدَّعُونَ أَيْمَانَهُمْ وَرَوَيْت عن عُمَرَ أَنَّهُ قال في الْمُؤَمِّنِ يُؤَمِّنُ الْعِلْجَ ثُمَّ يَقْتُلُهُ لَا يَبْلُغُنِي أَنَّ أَحَدًا فَعَلَ ذلك إلَّا قَتَلْتُهُ فَخَالَفْتُهُ وَقُلْت لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ مع ما وَصَفْنَا مِمَّا تَرَكْت على عُمَرَ وَالرَّجُلِ من الصَّحَابَةِ ثُمَّ تَتَخَلَّصُ إلَى أَنْ تَتْرُكَ عليه لِرَأْيِ نَفْسِك وَلَا يَجُوزُ إذَا كانت السُّنَّةُ حُجَّةً على قَوْلِ من تَرَكَهَا أَنْ لَا يُوَافِقَهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ كَذَلِكَ أَبَدًا وَلَا يَجُوزُ هذا الْقَوْلُ الْمُخْتَلِطُ الْمُتَنَاقِضُ وَرَوَيْت عن عُمَرَ في الضِّرْسِ جَمَلٌ وَعَنْ بن الْمُسَيِّبِ في الضِّرْسِ جَمَلَانِ ثُمَّ تَرَكْت عَلَيْهِمَا مَعًا قَوْلَهُمَا وَلَا أَعْلَمُ لَك حُجَّةً في هذا أَقْوَى من أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال في السِّنِّ خَمْسٌ وَأَنَّ الضِّرْسَ قد يُسَمَّى سِنًّا ثُمَّ صِرْت إلَى أَنْ رَوَيْت أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ امْرَأَةً أَنْ تَحُجَّ عن أَبِيهَا وَهَذَا قَوْلُ على بن أبي طَالِبٍ وبن عَبَّاسٍ وبن الْمُسَيِّبِ وَرَبِيعَةَ وَكُلِّ من عَرَفْت قَوْلَهُ من كل أَهْلِ بَلَدٍ غَيْرِ أَصْحَابِك لَا أَعْلَمُهُمْ يَخْتَلِفُونَ فيه فَتَرَكْتُهُ لِقِيَاسٍ زَعَمْت على قَوْلِ بن عُمَرَ لَا يصلى أَحَدٌ عن أَحَدٍ وَلَا يَصُومُ أَحَدٌ عن أَحَدٍ فَقُلْت وَالْحَجُّ يُشْبِهُهُمَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَوَيْت عن بن عُمَرَ أَنَّهُ سمع الْإِقَامَةَ فَأَسْرَعَ الْمَشْيَ إلَى الْمَسْجِدِ فَتَرَكْتُهُ عليه لَا أَعْلَمُ لَك حُجَّةً في تَرْكِهِ عليه إلَّا أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ وَائْتُوهَا تَمْشُونَ وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ وَرَوَيْت عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كان يَنْضَحُ في عَيْنَيْهِ الْمَاءَ إذَا اغْتَسَلَ من الْجَنَابَةِ وَخَالَفْته ولم تَرْوِ عن أَحَدٍ من الناس خِلَافَهُ وَرَوَيْت عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كان يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ من الرُّكُوعِ وَرَوَيْت عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مثله ثُمَّ خَالَفْته وهو يُوَافِقُ سُنَّةَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِغَيْرِ قَوْلِ أَحَدٍ من الناس رَوَيْته عنه وَرَوَيْت عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كان إذَا سَجَدَ يَضَعُ كَفَّيْهِ على الذي يَضَعُ عليه وَجْهَهُ حتى يُخْرِجَهُمَا في شِدَّةِ الْبَرْدِ وتروى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يُسْجَدَ على سَبْعٍ فيها الْكَفَّانِ فَخَالَفْت بن عُمَرَ فِيمَا يُوَافِقُ فيه النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فإذا كُنْت تُخَالِفُ ما رَوَيْت عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في الطِّيبِ لِلْمُحْرِمِ لِقَوْلِ عُمَرَ وما رَوَيْت عن عُمَرَ في تَقْرِيدِ الْبَعِيرِ وهو مُحْرِمٌ لِقَوْلِ بن عُمَرَ وما رَوَيْت عن بن عُمَرَ فِيمَا وَصَفْنَا وَغَيْرِهِ لِقَوْلِ نَفْسِك فَلَا أَسْمَعُ الْعِلْمَ إذًا إلَّا عِلْمَك وَلَا أَعْلَمُك تَدْرِي لِأَيِّ شَيْءٍ تَحْمِلُ الحديث إذَا كُنْت تَأْخُذُ منه ما شِئْت وَتَتْرُكُ منه ما شِئْت وَرَوَيْت عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ولم تَعْتَمِدُوا على أَمْرٍ تَعْرِفُونَهُ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ إنَّمَا ذَهَبْنَا إلَى أَنْ نُثْبِتَ ما اجْتَمَعَ عليه أَهْلُ الْمَدِينَةِ دُونَ الْبُلْدَانِ كُلِّهَا فقال الشَّافِعِيُّ هذه طَرِيقُ الَّذِينَ أَبْطَلُوا الْأَحَادِيثَ كُلَّهَا وَقَالُوا نَأْخُذُ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا أَنَّهُمْ ادَّعَوْا إجْمَاعَ الناس وَادَّعَيْتُمْ أَنْتُمْ إجْمَاعَ بَلَدٍ
____________________

(7/260)


هُمْ يَخْتَلِفُونَ على لِسَانِكُمْ وَاَلَّذِي يَدْخُلُ عليهم يَدْخُلُ عَلَيْك مَعَهُمْ لَلصَّمْتُ كان أَوْلَى بِكُمْ من هذا الْقَوْلِ قُلْت ولم قال لِأَنَّهُ كَلَامٌ تُرْسِلُونَهُ لَا بِمَعْرِفَةٍ فإذا سُئِلْتُمْ عنه لم تَقِفُوا منه على شَيْءٍ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَقْبَلَهُ أَرَأَيْتُمْ إذَا سُئِلْتُمْ من الَّذِينَ اجْتَمَعُوا بِالْمَدِينَةِ أَهُمْ الَّذِينَ ثَبَتَ لهم الْحَدِيثُ وَثَبَتَ لهم ما اجْتَمَعُوا عليه وَإِنْ لم يَكُنْ فيه حَدِيثٌ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَإِنْ قُلْتُمْ نعم قُلْت يَدْخُلُ عَلَيْكُمْ في هذا أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لو كان لهم إجْمَاعٌ لم تَكُونُوا وَصَلْتُمْ إلَى الْخَبَرِ عَنْهُمْ إلَّا من جِهَةِ خَبَرِ الِانْفِرَادِ الذي رَدَدْتُمْ مثله في الْخَبَرِ عن رسول اللَّهِ فَإِنْ ثَبَتَ خَبَرُ الِانْفِرَادِ فما ثَبَتَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَحَقُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ وَالْآخَرُ أَنَّكُمْ لَا تَحْفَظُونَ في قَوْلِ وَاحِدٍ غَيْرِكُمْ شيئا مُتَّفَقًا فَكَيْفَ تُسَمُّونَ إجْمَاعًا لَا تَجِدُونَ فيه عن غَيْرِكُمْ قَوْلًا وَاحِدًا وَكَيْفَ تَقُولُونَ أَجْمَعَ أَصْحَابُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَهُمْ مُخْتَلِفُونَ على لِسَانِكُمْ وَعِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ فَإِنْ قُلْتُمْ إنَّا ذَهَبْنَا إلَى أَنَّ إجْمَاعَهُمْ أَنْ يَحْكُمَ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ أبو بَكْرٍ أو عُمَرُ أو عُثْمَانُ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ بِالْمَدِينَةِ بِحُكْمٍ أو يَقُولَ الْقَوْلَ فقال الشَّافِعِيُّ إنَّهُ قد احْتَجَّ لَكُمْ بَعْضُ الْمَشْرِقِيِّينَ بِأَنْ قال ما قُلْتُمْ وكان حُكْمُ الْحَاكِمِ وَقَوْلُ الْقَائِلِ من الْأَئِمَّةِ لَا يَكُونُ بِالْمَدِينَةِ إلَّا عِلْمًا ظَاهِرًا غير مُسْتَتِرٍ وَهُمْ يُجْمِعُونَ أَنَّهُمْ أَعْلَمُ الناس بِسُنَنِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَطْلَبُ الناس لِمَا ذَهَبَ عِلْمُهُ عَنْهُمْ منها يَسْأَلُونَ عنها على الْمِنْبَرِ وعلي الْمَوَاسِمِ وفي الْمَسَاجِدِ وفي عوام ( ( ( عرام ) ) ) الناس وَيَبْتَدِئُونَ فَيُخْبِرُونَ بِمَا لم يُسْأَلُوا عنه فَيَقْبَلُونَ مِمَّنْ أَخْبَرَهُمْ ما أَخْبَرَهُمْ إذَا ثَبَتَ لهم فإذا حَكَمَ أَحَدُهُمْ الْحُكْمَ لم نجوز ( ( ( تجوز ) ) ) أَنْ يَكُونَ حَكَمَ بِهِ إلَّا وهو مُوَافِقٌ سُنَّةَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَغَيْرُ مُخَالِفٍ لها فَإِنْ جاء حَدِيثٌ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَخَالَفَهُ من وُجْهَةِ الِانْفِرَادِ اُتُّهِمَ لِمَا وَصَفْت فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ هذا الْمَعْنَى الذي ذَهَبْنَا إلَيْهِ بِأَيِّ شَيْءٍ احْتَجَجْت عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) أَوَّلُ ما نَحْتَجُّ بِهِ عَلَيْكُمْ من هذا أَنَّكُمْ لَا تَعْرِفُونَ حُكْمَ الْحَاكِمِ منهم وَلَا قَوْلَ الْقَائِلِ إلَّا بِخَبَرِ الِانْفِرَادِ الذي رَدَدْتُمْ مثله إذَا روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْفَرْضُ من اللَّهِ وما روى عَمَّنْ دُونَهُ لَا يَحِلُّ مَحَلَّ قَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَبَدًا فَكَيْفَ أَجَزْتُمْ خَبَرَ الِانْفِرَادِ عن بَعْضِ أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَرَدَدْتُمُوهُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فما رَدَّ عَلَيْك فقال ما كان عِنْدَهُ في هذا شَيْءٌ أَكْثَرُ من الْخُرُوجِ منه وأنا أَعْلَمُ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ فَهَلْ عِنْدَكُمْ في هذا حُجَّةٌ فَقُلْت ما يَحْضُرُنِي قال فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ وما حُجَّتُك عليه سِوَى هذا فقال الشَّافِعِيُّ قد أَوْجَدْتُكُمْ أَنَّ عُمَرَ مع فَضْلِ عِلْمِهِ وَصُحْبَتِهِ وَطُولِ عُمْرِهِ وَكَثْرَةِ مَسْأَلَتِهِ وَتَقْوَاهُ قد حَكَمَ أَحْكَامًا بَلَغَهُ بَعْضُهَا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم شَيْءٌ فَرَجَعَ عن حُكْمِهِ إلَى ما بَلَغَهُ عن رسول اللَّهِ وَرَجَعَ الناس عن بَعْضِ حُكْمِهِ بَعْدَهُ إلَى ما بَلَغَهُمْ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فإنه قد يَعْزُبُ عن الْكَثِيرِ الصُّحْبَةِ الشَّيْءُ من الْعِلْمِ يَحْفَظُهُ الْأَقَلُّ عِلْمًا وَصُحْبَةً منه فَلَا يَمْنَعُهُ ذلك من قَبُولِهِ وَاكْتَفَيْت من تَرْدِيدِ هذا بِمَا وَصَفْت في كِتَابِ هذا وَكِتَابِ جِمَاعِ الْعِلْمِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ لم يَكُنْ هذا هَكَذَا ما كان على الْأَرْضِ أَحَدٌ أَعْلَمُهُ أَتْرَكَ لِمَا زَعَمَ أَنَّ الصَّوَابَ فيه مِنْكُمْ قُلْت فَكَيْفَ قال قد تَرَكْتُمْ على عُمَرَ بن الْخَطَّابِ من رِوَايَتِكُمْ منها ما تَرَكْتُمُوهُ وَزَعَمْتُمْ لِأَنَّ الحديث عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم جاء يُخَالِفُهُ وَمِنْهَا ما تَرَكْتُمُوهُ لِأَنَّ بن عُمَرَ خَالَفَهُ وَمِنْهَا ما تَرَكْتُمُوهُ لِرَأْيِ أَنْفُسِكُمْ لَا يُخَالِفُ عُمَرَ فيه أَحَدٌ يُحْفَظُ عنه فَلَوْ كان حُكْمُ الْحَاكِمِ وَقَوْلُهُ يَقُومُ الْمَقَامَ الذي قُلْت كُنْت خَارِجًا منه فِيمَا وَصَفْنَا وَفِيمَا رَوَى الثِّقَاتُ عن عُمَرَ أَنَّكُمْ لَتُخَالِفُونَ عنه إكثر من مِائَةِ قَوْلٍ منها ما هو لِرَأْيِ أَنْفُسِكُمْ وَمِثْلِكُمْ وَحَفِظْت إنك تَرْوِي عن أبي بَكْرٍ سِتَّةَ أَقَاوِيلَ تَرَكْتُمْ عليه منها خَمْسَةً اثْنَيْنِ في الْقِرَاءَةِ في الصَّلَاةِ وَأُخْرَى في نَهْيِهِ عن عَقْرِ الشَّجَرِ وَتَخْرِيبِ الْعَامِرِ وَعَقْرِ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ إلَّا لِمَأْكَلَةٍ وَحَفِظْت أَنَّك تَرَكْتَ على عُثْمَانَ أَنَّهُ كان يُخَمِّرُ وَجْهَهُ وهو مُحْرِمٌ من رِوَايَتِكُمْ وَغَيْرِ ذلك وما تَرَكْت عليهم من رِوَايَةِ الثِّقَاتِ من أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَضْعَافَ ما تَرَكْتُمْ عليهم من رِوَايَتِكُمْ
____________________

(7/261)


لِغَفْلَةٍ وَلِقِلَّةِ رِوَايَتِكُمْ وَكَثْرَةِ رِوَايَتِهِمْ فَإِنْ ذَهَبْتُمْ إلَى غَيْرِهِمْ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فلم تَرْوُوا عن أَحَدٍ قَطُّ شيئا عَلِمْتُهُ إلَّا تَرَكْتُمْ بَعْضَ ما رَوَيْتُمْ وَإِنْ ذَهَبْتُمْ إلَى التَّابِعِينَ فَقَدْ خَالَفْتُمْ كَثِيرًا من أَقَاوِيلِهِمْ وَإِنْ ذَهَبْتُمْ إلَى تَابِعِي التَّابِعِينَ فَقَدْ خَالَفْتُمْ أَقَاوِيلَهُمْ مِمَّا رَوَيْتُمْ وَرَوَى غَيْرُكُمْ ما كَتَبْنَا منه في هذا الْكِتَابِ شيئا يَدُلُّ على ما رَوَيْتُمْ وما تَرَكْنَا من رِوَايَةِ غَيْرِكُمْ أَضْعَافُ ما كَتَبْنَا فَإِنْ أَنْصَفْتُمْ بِأَقَاوِيلِكُمْ فَلَا تَشُكُّوا في أَنَّكُمْ لم تَذْهَبُوا مَذْهَبًا عَلِمْنَاهُ إلَّا فَارَقْتُمُوهُ فإن ( ( ( كأن ) ) ) كانت حُجَّتُكُمْ لَازِمَةً فَحَالُكُمْ بِفِرَاقِهَا غَيْرُ مَحْمُودَةٍ وَإِنْ كانت غير لَازِمَةٍ دخل عَلَيْكُمْ فِرَاقُهَا وَالضَّعْفُ في الْحُجَّةِ بِمَا لَا يَلْزَمُ قال فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَقَدْ سَمِعْتُك تَحْكِي أَنَّ بَعْضَ الْمَشْرِقِيِّينَ قام بِحُجَّتِنَا فِيمَا ذَكَرْنَا من الْإِجْمَاعِ فَأُحِبُّ أَنْ تَحْكِيَ لي ما قُلْت وقال لَك فقال لي الشَّافِعِيُّ فِيمَا حَكَيْت الْكِفَايَةُ مِمَّا لم أَحْكِ وما تَصْنَعُ بِمَا لم تَقُلْهُ أنت في حُجَّتِك فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ قد ذَكَرْت الذي قام بِالْعُذْرِ في بَعْضِ تَرْكِ الحديث وَوَصَفْت أَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَى الْبَصْرَةِ فقال لي الشَّافِعِيُّ هو كما ذَكَرْت وقد جاء منه على ما لم تَأْتِ عليه لِنَفْسِك وَلَوْ لم أَرَ في مَذْهَبِهِ شيئا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ فَقُلْت فَاذْكُرْ منه ما حَضَرَك ( قال الشَّافِعِيُّ ) قُلْت له أَرَأَيْت الْفَرْضَ عَلَيْنَا وَعَلَى من قَبْلَنَا في اتِّبَاعِ سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَلَيْسَ وَاحِدًا قال بَلَى فَقُلْت إذَا كان أبو بَكْرٍ خَلِيفَةَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْعَامِلَ بَعْدَهُ فَوَرَدَ عليه خَبَرٌ وَاحِدٌ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وأبو بَكْرٍ لَا مُدَّةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يُمْكِنُهُ فيها أَنْ يَعْمَلَ بِالْخَبَرِ فَلَا يَتْرُكَ ما تَقُولُ فيه قال أَقُولُ أنه يَقْبَلُهُ وَيَعْمَلُ بِهِ فَقُلْت قد ثَبَتَ إذًا بِالْخَبَرِ ولم يَتَقَدَّمْهُ عَمَلٌ من أَحَدٍ بَعْدُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يُثْبِتُهُ لِأَنَّهُ لم يَكُنْ بَيْنَهُمَا إمَامٌ فَيَعْمَلُ بِالْخَبَرِ وَلَا يَدَعُهُ وهو مُخَالِفٌ في هذا حَالَ من بَعْدَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقُلْت أَرَأَيْت إذَا جاء الْخَبَرُ في آخَرِ عُمْرِهِ وَلَا يَعْمَلُ بِهِ وَلَا بِمَا يُخَالِفُهُ في أَوَّلِ عُمْرِهِ وقد عَاشَ أَكْثَرَ من سَنَةٍ يَعْمَلُ فما تَقُولُ فيه قال يَقْبَلُهُ فَقُلْت فَقَدْ قَبِلَ خَبَرًا لم يَتَقَدَّمْهُ عَمَلٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) لو أَجَبْت إلَى النَّصَفَةِ على أَصْلِ قَوْلِك يَلْزَمُك أَنْ لَا يَكُونَ على الناس الْعَمَلُ بِمَا جاء عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا بِأَنْ يَعْمَلَ بِهِ من بَعْدَهُ أو يَتْرُكَ الْعَمَلَ لِأَنَّهُ إذَا كان للامام الْأَوَّلِ أَنْ يَدَعَهُ لم يَعْمَلْ بِهِ كان جَمِيعُ من بَعْدَهُ من الْأَئِمَّةِ في مِثْلِ حَالِهِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَبْتَدِئَ الْعَمَلَ بِهِ الْإِمَامُ الْأَوَّلُ أو الثَّانِي أو من بَعْدَهُ قال فَلَا أَقُولُ هذا ( قال الشَّافِعِيُّ ) فما تَقُولُ في عُمَرَ وأبو بَكْرٍ إمَامٌ قَبْلَهُ إذَا وَرَدَ عليه خَبَرُ الْوَاحِدِ لم يَعْمَلْ بِهِ أبو بَكْرٍ ولم يُخَالِفْهُ قال يَقْبَلُهُ قُلْت أَيَقْبَلُهُ ولم يَعْمَلْ بِهِ أبو بَكْرٍ قال نعم وَلِمَ يُخَالِفْهُ قُلْت أَفَيَثْبُتُ ولم يَتَقَدَّمْهُ عَمَلٌ قال نعم قُلْت وَهَكَذَا عُمَرُ فى آخَرِ خِلَافَتِهِ وَأَوَّلِهَا قال نعم قُلْت وَهَكَذَا عُثْمَانُ قال نعم قُلْت زَعَمْت أَنَّ الْخَبَرَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يَلْزَمُ ولم يَتَقَدَّمْهُ عَمَلٌ قَبْلَهُ وقد ولى الْأَئِمَّةُ ولم يَعْمَلُوا بِهِ ولم يَدَعُوهُ قال فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم سُنَّةٌ إلَّا عَمِلَ بها الْأَئِمَّةُ بَعْدَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقُلْت له وقد حُفِظَ عن النبى صلى اللَّهُ عليه وسلم أَشْيَاءُ لَا يُحْفَظُ عن أَحَدٍ من خُلَفَائِهِ فيها شَيْءٌ فقال نعم سُنَنٌ كَثِيرَةٌ وَلَكِنْ من أَيْنَ تَرَى ذلك ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقُلْت اسْتَغْنَى فيها بالخبر ( ( ( فالخبر ) ) ) عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَمَّنْ بَعْدَهُ وَذَلِكَ أَنَّ بِالْخَلْقِ الْحَاجَةَ إلَى الْخَبَرِ عنه وَأَنَّ عليهم اتِّبَاعَهُ وَلَعَلَّ منها ما لم يَرِدْ على من بَعْدَهُ قال فَمَثِّلْ لي ما عَلِمْت أَنَّهُ وَرَدَ على من بَعْدَهُ من خُلَفَائِهِ فلم يُحْكَ عنه فيه شَيْءٌ قُلْت قَوْلُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ليس فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ لَا أَشُكُّ أَنْ قد وَرَدَ على جَمِيعِ خُلَفَائِهِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا الْقَائِمِينَ بِأَخْذِ الْعُشْرِ من الناس ولم يُحْفَظْ عن وَاحِدٍ منهم فيها شَيْءٌ قال صَدَقْت هذا بَيِّنٌ قُلْت وَلَهُ أَمْثَالٌ كَثِيرَةٌ قد كَتَبْنَاهَا في غَيْرِ هذا الْمَوْضِعِ فَقُلْت إذَا كان يَرِدُ عَلَيْنَا الْخَبَرُ عن بَعْضِ خُلَفَائِهِ وَيَرِدُ عَلَيْنَا الْخَبَرُ عنه يُخَالِفُهُ فَنَصِيرَ إلَى الْخَبَرِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِأَنَّ لِكُلٍّ غَايَةً وَغَايَةُ الْعِلْمِ كِتَابُ اللَّهِ عز وجل وَسُنَّةُ رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَتَعْلَمُ أَنَّ السُّنَّةَ ما كانت مَوْجُودَةً مُسْتَغْنًى بها
____________________

(7/262)


عن غَيْرِهَا قال نعم وقد سَمِعْتُك ذَكَرْت ما لَا أَجْهَلُ من أَنَّهُ قد يَرِدُ عن غَيْرِ وَاحِدٍ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْقَوْلُ يَقُولُهُ تُوجَدُ السُّنَّةُ بِخِلَافِهِ فَإِنْ وجدها رجع إليها وإن وَجَدَهَا من بَعْدَهُ صَارَ إلَيْهَا فَهَذَا يَدُلُّ على ما ذَكَرْت من اسْتِغْنَاءِ السُّنَّةِ عَمَّا سِوَاهَا وَبِالْمَدِينَةِ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نَحْوٌ من ثَلَاثِينَ أَلْفَ رَجُلٍ إنْ لم يَزِيدُوا لَعَلَّك لَا تَرْوِي عَنْهُمْ قَوْلًا وَاحِدًا عن سِتَّةٍ نعم إنَّمَا تَرْوِي الْقَوْلَ عن الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ وَالْأَرْبَعَةِ مُتَفَرِّقِينَ فيه أو مُجْتَمِعِينَ وَالْأَكْثَرُ التَّفَرُّقُ فَأَيْنَ الْإِجْمَاعُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ قُلْت له ضَعْ لِقَوْلِك إذَا كان الْأَكْثَرَ مِثَالًا قال نعم كَأَنَّ خَمْسَةَ نَفَرٍ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قالوا قَوْلًا مُتَّفِقِينَ عليه وقال ثَلَاثَةٌ قَوْلًا مُخَالِفًا لِقَوْلِهِمْ فَالْأَكْثَرُ أَوْلَى أَنْ يُتَّبَعَ فَقُلْت هذا قَلَّمَا يُوجَدُ وَإِنْ وُجِدَ أَيَجُوزُ أَنْ تَعُدَّهُ إجْمَاعًا وقد تَفَرَّقُوا مُوَافَقَةً قال نعم على مَعْنَى أَنَّ الْأَكْثَرَ مُجْتَمِعُونَ قُلْت فإذا كان أَصْحَابُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من الْعَدَدِ على ما وَصَفْت فَهَلْ فِيمَنْ لم تَرْوُوا عنه من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم دَلَالَةُ مُوَافَقَةِ الْأَكْثَرِ فَيَكُونُونَ أَكْثَرَ بِعَدَدِهِمْ ومن وافقهم ( ( ( موافقتهم ) ) ) أو مُوَافَقَةِ الثَّلَاثَةِ الْأَقَلِّينَ فَيَكُونُ الْأَقَلُّونَ الْأَكْثَرِينَ بِمَنْ وَافَقَهُمْ لَا تَدْرِي لَعَلَّهُمْ مُتَفَرِّقُونَ وَلَا تَدْرِي أَيْنَ الْأَقَلُّ وَأَصْحَابُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كلهم مِمَّنْ له أَنْ يَقُولَ في الْعِلْمِ قال ما أَدْرِي كَيْفَ قَوْلُهُمْ لو قالوا وَإِنَّ لهم أَنْ يَقُولُوا قُلْت وَالصِّدْقُ فيه أَبَدًا أَنْ لَا يَقُولَ أَحَدٌ شيئا لم يَقُلْهُ أَحَدٌ أَنَّهُ قَالَهُ وَلَوْ قُلْت وَافَقُوا بَعْضَهُمْ قال غَيْرُك بَلْ خَالَفُوهُ قال وَلَا ليس الصِّدْقُ أَنْ تَقُولَ وَافَقُوا وَلَا خَالَفُوا بِالصَّمْتِ قُلْت هذا الصِّدْقُ قُلْت فَتَرَى ادِّعَاءَ الْإِجْمَاعِ يَصِحُّ لِمَنْ ادَّعَاهُ في شَيْءٍ من خَاصِّ الْعِلْمِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقُلْت له فَهَكَذَا التَّابِعُونَ بَعْدَهُمْ وَتَابِعُو التَّابِعِينَ وقال وَكَيْفَ تَقُولُ أنت قُلْت ما عَلِمْت بِالْمَدِينَةِ وَلَا بِأُفُقٍ من آفَاقِ الدُّنْيَا أَحَدًا من أَهْلِ الْعِلْمِ ادَّعَى طَرِيقَ الْإِجْمَاعِ ( 1 ) إلَّا بِالْفَرْضِ وَخَاصٍّ من الْعِلْمِ إلَّا حدثنا ذلك الذي فيه إجْمَاعٌ يُوجَدُ فيه الْإِجْمَاعُ بِكُلِّ بَلَدٍ وَلَقَدْ ادَّعَاهُ بَعْضُ أَصْحَابِ الْمَشْرِقِيِّينَ فَأَنْكَرَ عليه جَمِيعُ من سمع قَوْلَهُ من أَهْلِ الْعِلْمِ دَعْوَاهُ الْإِجْمَاعَ حَيْثُ ادَّعَاهُ وَقَالُوا أَوَمَنْ قال ذلك منهم لو أَنَّ شيئا روى عن نَفَرٍ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ عن نَفَرٍ من التَّابِعِينَ فلم يُرْوَ عن مِثْلِهِمْ خِلَافُهُمْ وَلَا مُوَافَقَتُهُمْ ما دَلَّ على إجْمَاعِ من لم يُرْوَ عنه منهم لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مُجْتَمِعُونَ أَمْ مُفْتَرِقُونَ لو قالوا وَسَمِعْت بَعْضَهُمْ يقول لو كان بَيْنَنَا من السَّلَفِ مِائَةُ رَجُلٍ وَأَجْمَعَ منهم عَشَرَةٌ على قَوْلٍ أَيَجُوزُ أَنْ ندعى أَنَّ التِّسْعِينَ مُجْتَمِعُونَ مَعَهُمْ وقد نَجِدُهُمْ يَخْتَلِفُونَ في بَعْضِ الْأُمُورِ وَلَوْ جَازَ لنا إذَا قال لنا قَائِلٌ شيئا أَخَذْنَا بِهِ لم نَحْفَظْ عن غَيْرِهِ قَوْلًا يُخَالِفُهُ وَلَا يُوَافِقُهُ أَنْ ندعى مُوَافَقَتَهُ جَازَ لِغَيْرِنَا مِمَّنْ خَالَفَنَا أَنْ يدعى مُوَافَقَتَهُ له وَمُخَالَفَتَهُ لنا وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُدَّعَى على أَحَدٍ فِيمَا لم يَقُلْ فيه شَيْءٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى فقال لي فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ تَقُولَ إجْمَاعًا قُلْت يَصِحُّ في الْفَرْضِ الذي لَا يَسَعُ جَهْلُهُ من الصَّلَوَاتِ وَالزَّكَاةِ وَتَحْرِيمِ الْحَرَامِ وَأَمَّا عِلْمُ الْخَاصَّةِ في الْأَحْكَامِ الذي لَا يَضِيرُ جَهْلُهُ على الْعَوَامّ وَاَلَّذِي إنَّمَا عِلْمُهُ عِنْدَ الْخَوَاصِّ من سَبِيلِ خَبَرِ الْخَوَاصِّ وَقَلِيلٌ ما يُوجَدُ من هذا فَنَقُولُ فيه وَاحِدًا من قَوْلَيْنِ نَقُولُ لَا نَعْلَمُهُمْ اخْتَلَفُوا فِيمَا لَا نَعْلَمُهُمْ اخْتَلَفُوا فيه وَنَقُولُ فِيمَا اخْتَلَفُوا فيه اخْتَلَفُوا وَاجْتَهَدُوا فَأَخَذْنَا أَشْبَهَ أَقَاوِيلِهِمْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِنْ لم يُوجَدْ عليه دَلَالَةٌ من وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقَلَّمَا يَكُونُ إلَّا أَنْ يُوجَدَ أو أَحْسَنُهَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ في ابْتِدَاءِ التَّصَرُّفِ وَالْمُعَقِّبِ وَيَصِحُّ إذَا اخْتَلَفُوا كما وَصَفْت أَنْ نَقُولَ روى هذا الْقَوْلُ عن نَفَرٍ اخْتَلَفُوا فيه فَذَهَبْنَا إلَى قَوْلِ ثَلَاثَةٍ دُونَ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعَةٍ دُونَ ثَلَاثَةٍ وَلَا نَقُولُ هذا إجْمَاعٌ فإن الْإِجْمَاعَ قَضَاءٌ على من لم يَقُلْ مِمَّنْ لَا نَدْرِي ما يقول لو قال وَادِّعَاءُ رِوَايَةِ الْإِجْمَاعِ وقد يُوجَدُ مُخَالِفٌ فِيمَا ادَّعَى فيه الْإِجْمَاعَ ==

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حدود المجاز في بلاغة العرب وانعكاس التمادي في تجاوزه علي اخطاء الفقهاء وسوء سلوكيات الناس

  ➎ ضحي الإيمان الجمعة، 4 يونيو 2021 قواعد مهمة في المجاز والحقيقة وبيان كيف زوروا معاني الحق الثابت حتي قي فاتل نفسه قلت المدون ...