دعائي

قلت المدون تم بحمد الله وفضله ثم قلت: اللهم فكما ألهمت بإنشائه وأعنت على إنهائه فاجعله نافعاً في الدنيا وذخيرة صالحة في الأخرى واختم بالسعادة آجالنا وحقق بالزيادة آمالنا واقرن بالعافية غدونا وآصالنا واجعل إلى حصنك مصيرنا ومآلنا وتقبل بفضلك أعمالنا إنك مجيب الدعوات ومفيض الخيرات والحمد الله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم إلى يوم الدين اللهم لنا جميعا يا رب العالمين .وسبحان الله وبحمده  عدد خلقه وزنة عرشه  ورضا نفسه ومداد كلماته  } أقولها ما حييت وبعد موتي  والي يوم الحساب وارحم  واغفر اللهم لوالديَّ ومن مات من اخوتي واهلي والمؤمنين منذ خَلَقْتَ الخلق الي يوم الحساب آمين وفرِّجِ كربي وردَّ اليَّ عافيتي وارضي عني في الدارين  واعِنِّي علي أن اُنْفِقها في سبيلك يا ربي اللهم فرِّج كربي واكفني همي واكشف البأساء والضراء عني وعنا.. وردَّ إليَّ عافيتي وثبتني علي دينك الحق ولا تُزِغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب اللهم وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وتوفنا مع الأبرار وألِّفْ بين قلوبنا اجمعين.يا عزيز يا غفار ... اللهم واشفني شفاءاً لا يُغَادر سقما واعفو عني وعافني وارحمني وفرج كربي واكفني همي واعتقني مما أصابني من مكروه أنت تعلمه واعتقني من النار وقني عذاب القبر وعذاب جهنم وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال ومن المأثم والمغرم ومن غلبة الدين وقهر الرجال اللهم آمين /اللهم ربي اشرح لي صدري ويسر لي أمري وأحلل عُقَد لساني واغنني بك عمن سواك يارب . والحمد الله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم إلى يوم الدين آمين.

الجمعة، 19 أغسطس 2022

الاسراف والتبذير ل د.زيد بن محمد الرماني

 


الاسراف والتبذير للدكتور زيد بن محمد الرماني

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

الحمد لله، وكفى وصلاة وسلامًا على عبده المصطفى. وبعد:

فيسود عالم اليوم بكافة دوله، متقدمة كانت أو نامية، ظواهر استهلاكية عديدة، جعلت الإنسان المعاصر مجرد أداة استهلاكية لا همَّ له إلا أن يقتل نفسه جهدًا ليزيد دخله، ويحصل على ما يشتري من أدوات استهلاك مادية غير ضرورية، تفرضها على تفكيره وسائل الإعلام وفنون الإعلان ووكالات الدعاية، بزعم أنها مقاييس للمكانة الاجتماعية، ومصادر للهناء الفردي.

ولهذا نتناول في هذا الكتاب ظاهرة الإسراف والتبذير، كمظهر من مظاهر الواقع الاستهلاكي في العالم الإسلامي.

ونؤكد بداية أن هذا الموضوع لا زال بحاجة ماسة إلى مزيد من الأبحاث والدراسات لتغطية جوانبه المتعددة، تغطية كاملة، حيث يمثل هذا الموضوع، نقطة الارتكاز في السلوك الاستهلاكي لأفراد المجتمع.

وحسبي أني بذلت جهدي، وأسأل الله تعالى العفو عما كان من نقص أو قصور أو خطأ، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

المؤلف


مفهوم الإسراف والتبذير

المعنى اللغوي للإسراف هو مجاوزة الحد([1]) وقد ذكر القليوبي هذا المعنى اللغوي في تعريفه للإسراف، ولكن بعض العلماء خص استعمال الإسراف بالنفقة والأكل.

يقول الجرجاني في تعريفاته: الإسراف تجاوز الحد في النفقة. وقيل: أن يأكل الرجل ما لا يحل له، أو يأكل ما يحل له فوق الاعتدال ومقدار الحاجة. وقيل: الإسراف تجاوز الكمية، فهو جهل بمقادير الحقوق. وقيل: هو إنفاق المال الكثير في الغرض
الخسيس([2]).

ومما سبق نستطيع القول بأن الإسراف هو تجاوز الحد في كل فعل يفعله الإنسان أو قول، وإن كان في الإنفاق أشهر.

وكما يكون الإسراف في الشر يكون في الخير، كمن تصدق بجميع ماله كما في قوله تعالى: }وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ{([3]) [الأنعام: 141].

والإسراف: كما يكون من الغني، فقد يكون من الفقير أيضًا؛ لأنه أمر نسبي... والإسراف يكون تارة بالقدر، وتارة بالكيفية، ولهذا قال سفيان الثوري رحمه الله: ما أنفقت في غير طاعة الله فهو سرف، وإن كان قليلاً ([4])، وكذا قال ابن عباس رضي الله عنهما: «من أنفق درهمًا في غير حقه فهو سرف»([5]).

بين الإسراف والتبذير: التبذير هو تفريق المال وإنفاقه في السرف. قال تعالى: }وَلا تُبَذِّرْ{ [الإسراء: 26] وخصه بعضهم بإنفاق المال في المعاصر، وتفريقه في غير حق ([6]).

ويعرف بعض الفقهاء التبذير بأنه: عدم إحسان التصرف في المال، وصرفه فيما لا ينبغي، وأما صرف المال إلى وجوه البر فليس بتبذير، وصرفه في الأطعمة النفيسة التي لا تليق بحاله تبذير([7]).

وعلى هذا فالتبذير أخص من الإسراف، لأن التبذير يستعمل في إنفاق المال في السرف أو المعاصي، أو في غير حق، والإسراف أعم من ذلك، لأنه مجاوزة الحد، سواء أكان في الأموال أم في غيرها، كما يستعمل الإسراف في الإفراط في الكلام أو القتل أو غيرهما.

وقد فرق ابن عابدين بين الإسراف والتبذير من جهة أخرى، فقال: التبذير يستعمل في المشهور بمعنى الإسراف، والتحقيق أن بينهما فرقًا وهو أن الإسراف: صرف الشيء فيما ينبغي زائدًا على ما ينبغي، والتبذير: صرف الشيء فيما لا ينبغي([8]).

ومثله ما جاء في «أدب الدنيا والدين»: التبذير الجهل بمواقع الحقوق، والسرف الجهل بمقادير الحقوق([9])..

ويقول الراغب الأصفهاني: «إن التبذير في الحقيقة أقبح من الإسراف؛ لأن بجانبه حقًا مضيعًا، ولأنه يؤدي بصاحبه إلى أن يظلم غيره، ولهذا قيل: إن المبذر أقبح؛ لأنه جاهل بمقدار المال الذي هو سبب استبقاء الناس»([10]).

وعليه فإن الإسراف والتبذير بينهما علاقة عموم وخصوص، تخضع لقاعدة :إذا اجتمعا اتفقا، وإذا افترقا اختلفا.

*     *     *


أسباب الإسراف والتبذير

للإسراف والتبذير أسباب وبواعث توقع فيه، وتؤدي إليه، ونذكر منها ([11]).

1- جهل المسرف بتعاليم الدين الذي ينهى عن الإسراف بشتى صوره، فلو كان المسرف مطلعًا على القرآن الكريم والسنة النبوية لما اتصف الإسراف الذي نهي عنه }وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ{ [الأعراف: 31]. فعاقبة المسرف في الدنيا الحسرة والندامة }وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا{ [الإسراء: 29].

وفي الآخرة العقاب الأليم والعذاب الشديد }وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ * إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ{ [الواقعة: 41-45]، ومن نتيجة جهل المسرف بتعاليم الدين مجاوزة الحد في تناول المباحات، فإن هذا من شأنه أن يؤدي إلى السمنة وضخامة البدن وسيطرة الشهوات، وبالتالي الكسل والتراخي، مما يؤدي به إلا الإسراف.

جاء عن عمر بن الخطاب t قوله: «إياكم والبطنة في الطعام والشراب، فإنهما مفسدة للجسد، مورثة للسقم، مكسلة عن الصلاة، وعليكم بالقصد فيهما، فإنه أصلح للجسد، وأبعد من السرف...»([12]).

2- النشأة الأولى: فقد يكون السبب في الإسراف إنما هو النشأة الأولى، أي الحياة الأولى([13])، ذلك أن الفرد قد ينشأ في أسرة حالها الإسراف والبذخ، فما يكون منه سوى الاقتداء والتأسى.

ولعلنا بهذا ندرك شيئًا من أسرار دعوة الإسلام وتأكيده على ضرورة اتصاف الزوجين والتزامهما بشرع الله وهديه. قال تعالى: }وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ{
[النور: 32]..

وفي حديث أبي هريرة t أن النبي r قال: «تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك»([14]).

3- الغفلة عن طبيعة الحياة الدنيا وما ينبغي أن تكون: فقد يكون السبب في الإسراف إنما هو الغفلة عن طبيعة الحياة الدنيا وما ينبغي أن تكون عليها، ذلك أن طبيعة الحياة الدنيا أنها لا تثبت ولا تستقر على حال واحدة. والواجب يقتضي أن نضع النعمة في موضعها، وندخر ما يفيض عن حاجتنا الضرورية اليوم من مال وصحة إلى وقت آخر.

4- السعة بعد الضيق: وقد يكون الإسراف سببه السعة بعد الضيق، أو اليسر بعد العسر، ذلك أن كثيرًا من الناس قد يعيشون في ضيق أو حرمان أو شدة أو عسر، فإذا هم صابرون محتسبون، وقد يحدث أن تتبدل الأحوال فتكون السعة بعد الضيق، أو اليسر بعد العسر، وحينئذ يصعب على هذا الصنف من الناس التوسط أو الاعتدال؛ فينقلب على النقيض تمامًا، فيكون الإسراف والتبذير.

5- صحبة المسرفين: وقد يكون السبب في الإسراف إنما هو صحبة المسرفين ومخالطتهم، ذلك أن الإنسان غالبًا ما يتخلق بأخلاق صاحبه وخليله، إذ إن المرء كما قال r: «على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل»([15]).

6- حب الظهور والتباهي ([16]): وقد يكون الإسراف سببه حب الشهرة والتباهي أمام الناس رياء وسمعة والتعالي عليهم، فيظهر لهم أنه سخي وجواد، فينال ثناءهم ومدحهم، لذا ينفق أمواله في كل حين وبأي حال، ولا يهمه أنه أضاع أمواله وارتكب ما حرم الله.

7- المحاكاة والتقليد: وقد يكون سبب الإسراف محاكاة الآخرين وتقليدهم حتى لا يوصف بالبخل، فينفق أمواله كيفما كان من غير تبصر أو نظر في العاقبة التي سينتهي إليها ([17]).

8- الغفلة عن الآثار المترتبة على الإسراف والتبذير: وقد يكون السبب في الإسراف والتبذير إنما هو الغفلة عن الآثار المترتبة عليهما، ذلك أن للإسراف آثارًا ضارة، وللتبذير عواقب مهلكة، ولقد عرف من طبيعة الإنسان أنه غالبًا ما يفعل الشيء أو تركه إذا كان على ذكر من آثاره وعواقبه، أما إذا غفل عن هذه الآثار، فإن سلوكه يختل..

وقد تبين من خلال دراسة ميدانية ([18]) عن المشكلات الاقتصادية التي تواجه الشباب أن معظم التعبيرات الحرة من أفراد عينة البحث كانت تعبر عن التبذير والسراف في غير مكانه بنسبة 2.8% ومن نماذج تعبيراتهم الحرة: إنني مبذر أذهب إلى المحل وأنا لا أحدد ما سأشتري، «عدم التوازن في النفقات وعدم تنظيم الصرف»، «أحيانًا أضع مالاً في غير مكانه الصحيح»، «عدم قدرتي على حفظ نفسي من صرف المال»، هذه التعبيرات تبرز حاجة الشباب خاصة إلى المنهج الإسلامي في معالجة ظاهرة الإسراف والتبذير، بحيث يتم إنفاق المال في كل ما هو شرعي وغير ضار.

*     *     *

نماذج من الإسراف والتبذير

يذكر الإمام محمد بن الحسن الشيباني رحمه الله صورًا من الإسراف فيقول: من الإسراف الأكل فوق الشبع، ومن الإسراف الاستكثار من المباحات والألوان، ومن الإسراف أن يضع على المائدة من ألوان الطعام فوق ما يحتاج إليه للأكل، ومن الإسراف أن يأكل وسط الخبز ويدع حواشيه، أو يأكل ما انتفخ من الخبز كما يفعله بعض الجهال يزعمون أن ذلك ألذ، ومن الإسراف التمسح بالخبز عند الفراغ من الطعام من غير أن يأكل ما يتمسح به، ومن الإسراف إذا سقط من يده لقمة أن يتركها.. ثم يقول رحمه الله: وأمر اللباس نظير الأكل في جميع ما ذكرناه([19]).

ويذكر أبو الحسن الماوردي رحمه الله نماذج من التبذير فيقول: من التبذير أن ينفق ماله فيما لا يجدي عليه نفعًا في دنياه، ولا يكسبه أجرًا في أخراه، بل يكسبه في دنياه ذمًا، ويحمل إلى آخرته إثمًا كإنفاق في المحرمات وشرب الخمر وإتيان الفواحش، وإعطائه السفهاء من المغنين والملهين والمساخر والمضحكين، ومن التبذير أن يشغل المال بفضول الدور التي لا يحتاج إليها وعساه لا يسكنها أو يبنيها لأعدائه، ولخراب الدهر الذي هو قاتله وسالبه، ومن التبذير أن يجعل المال في الفرش الوثيرة والأواني الكثيرة الفضية والذهبية التي تقل أيامه ولا تتسع للارتفاق بها...([20]).

ثم يقول: وكل ما أنفقه الإنسان مما يكسبه عند الله أجرًأ ويرفع له منزلة، أو يكسب عند العقلاء وأهل التمييز حمدًا فهو جود وليس بتبذير وإن عظم وكثر. وكل ما أنفقه في معصية الله التي تكسبه عند الله إثمًا وعند العقلاء ذمًا فهو تبذير وإن قل ونزر([21]).

وليس واقع العالم الإسلامي ببعيد عن هذه النماذج وتلك الصور([22])، ونذكر فيما يلي نماذج أخرى من التبذير والتبديد، وأشكالاً من الإسراف والسفه، وألوانًا من الهدر والضياع، نتيجة السلوك الاستهلاكي غير الرشيد في واقع العالم الإسلامي، من ذلك([23]):

1- الخمور والمخدرات والدخان: هذه صنوف استهلاكية ضارة من شأن الإنفاق عليها أن يستنفد جانبًا من القوة الشرائية العامة، هذا الجانب يعد ضياعًا، بمعنى أنه كان سينصرف على الضروريات لو لم يصرف عليها.

ونجد العالم الإسلامي يستهلك موادًا مخدرة بمئات الملايين من الدولارات ([24])، وقد أوضحت الدراسات التي شاركت فيها منظمة الصحة العالمية أنه في الوقت الذي بدأ فيه التدخين يقل في بعض أجزاء العالم المتقدم بفضل الله تعالى ثم زيادة الوعي الصحي في هذه البلدان، فإنه من المؤسف أن تعاطي التبغ مثلاً ازداد في البلدان النامية ومنها العالم الإسلامي، وبلغت نسبة الزيادة في آسيا 30%، أما في أفريقيا فقد زادت نسبة تعاطي التبغ بدرجة كبيرة بلغت 170%([25]).

وفي دراسة أخرى أعدها أحد الباحثين وأوضح فيها أن حجم الأموال التي تنفق على عمليات الاتجار بالمخدرات في الوطن العربي تجاوز مبلغ 50مليار دولار سنويًّا ([26]).

2- الإفراط في الطعام: إن الإنسان إذا أكثر من الطعام لم يستطع له هضمًا، حيث يصاب بالتخمة وعسر الهضم، وقد يحدث أن تصاب المعدة بالاتساع والتمدد نتيجة الإفراط في تناول الطعام، فيفقد المرء شهيته للأكل وإن تناول طعامًا لم يستطع له هضمًا، فقد يصاب نتيجة لذلك بالإسهال أو الإمساك، كما أن الإسراف في الطعام يؤدي إلى البدانة ومن ثم يتعرض الإنسان لأمراض القلب وارتفاع الضغط وأمراض الكلى والسكر.

ولا تقتصر مشكلة الإسراف في الطعام على استهلاكه، بل تمتد لتشمل بعض السلوكيات المرتبطة به، وفي هذا الصدد تشير بعض الدراسات التي أجريت في الكويت أن ما يلقى ويتلف من مواد غذائية، ويوضع في صناديق القمامة كبير إلى الحد الذي قد تبلغ نسبته في بعض الحالات 45% من حجم القمامة.

وفي مدينة الرياض أظهرت دراسة أعدتها أمانة مدينة الرياض عن نفايات المدينة أن كمية النفايات اليومية لكل فرد من نفايات المواد الغذائية تبلغ 1060جرامًا، والملاحظ في دول الخليج العربي أن كمية المواد الغذائية التي تلقى في القمامة كبيرة جدًّا بالمقارنة مع غيرها من دول العالم ([27]).

3- الإعلان والعادات الشرائية الخاطئة: من أهم مظاهر الضياع في الاستهلاك، الخسارة الاقتصادية الناجمة عن الجهل والخرافة في شراء الضروريات. فالعادات الشرائية تميل لأن تكون ثابتة مهما كانت خاطئة، وغالبًا ما يقوم استهلاك الفرد على أساس عشوائي مرتجل لا على أساس رشيد، إذ هو يستند على عادات شرائية غالبًا ما تكون خاطئة، ويستمر الفرد في أدائها؛ لأنه وجدها هكذا أو بدافع التقليد للآخرين.

ومن أوضح الأمثلة للعادات الشرائية الخاطئة: أن الناس يشترون التفاح للونه الأحمر ليس لقيمته الغذائية، كما يفضلون الخبز الأبيض والأرز المقشور على الخبز الأسمر والأرز غير المقشور، وهما الأفضل من الوجهة الغذائية.

فإذا أمكننا بأية طريقة تعليم المستهلك الأصناف التي تعطي قيمة غذائية قصوى أقل نفقة لاقتصدنا الكثير من العمل الإنتاجي، وهذا ما تناوله بالتفصيل هنري هاراب ([28]) في كتابه «تعليم المستهلك». ويعد الإعلان مسئولا إلى حد كبير عن تكوين مثل هذه العادات الشرائية الخاطئة.

فقد يعمد المعلنون إلى تشكيك الناس في سلع قديمة أو سلع جديدة في حوزتهم لم تَبْلَ أو تستنفد بعد، لينصرفوا عنها إلى شراء سلع جديدة، وهذا أيضًا يمثل ضياعًا في الموارد الاستهلاكية.

ومن خلال الدراسات والتحقيقات ([29]) التي أجريت تبين أن الإعلانات التجارية تمارس دورًا كبيرًا في خداع المستهلك، وفي دفعه إلى المزيد من الشراء لأشياء كثيرة لا حاجة به إليها فعلاً، وهذا هو الإسراف بعينه، بل وتمارس الإعلانات دورًا في تغليب البواعث الوجدانية كالتقاليد وحب التميز والزهو والطموح والدهشة وما إلى ذلك من خلجات النفس التي تسعى الإعلانات لإثارتها في الإنسان.

4- جنون الأزياء وتعدد أنماط المنتجات: إن تغيرات الأزياء والنماذج المتعددة إن هي إلا تقلبات مفتعلة لحمل المستهلكين على الشراء، مع أنها لا تعكس رغباتهم، وقد تتنافر مع أذواقهم إلى حد كبير. وهم إذ يقبلون عليها فإنما يفعلون ذلك تحت تأثير الحملات الإعلانية الواسعة النطاق التي تولد في نفوسهم شعورًا بأنهم يكونون متأخرين إذا لم يقبلوا عليها.

وتبدو هذه الظاهرة بوضوح في أزياء النساء، كما امتدت أيضًا إلى السيارات وأجهزة المذياع والتلفزيون والأثاث وبعض السلع التموينية([30]): إذ أصبح الأغنياء يغيرون هذه الأشياء سنويًا ليواكبوا الطراز الحديث.

والمستهلك قد يترك بعض السلع قبل أن يحصل على الفائدة المرجو منها، أو قبل أن تصبح غير صالحة للاستعمال. وهذا ما يعبر عنه اقتصاديًا بنقص في جملة الإشباع العام، وهو لا شك من أبرز نواحي الضياع في النظام الاقتصادي.

5- المبالغة ففي الإنفاق العسكري: وهو من أهم مظاهر الضياع في الموارد الاستهلاكية؛ وذلك لاستنفاده لجانب كبير من ميزانيات الدول، كان سيعود على الجميع بالنفع الكثير لو أنفق على المشروعات والخدمات العامة لرفع مستوى المعيشة.

وإن كان هذا الإنفاق العسكري قد يتمخض عنه اكتشاف فن إنتاجي يفيد في القطاع المدني خاصة في الدول النامية، كما أننا مطالبون بالاستعداد العسكري استجابة لقوله تعالى: }وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ{ [الأنفال: 60].

غير أن من السمات الرئيسة للدول النامية ومنها الدول الإسلامية وجود العديد من بنود الإنفاق الحكومي التي تتسم بالضخامة والتبذير والضياع، ولا تتحقق التنمية إلا بضغط بنود الاستهلاك الحكومي التي تتسم بالإسراف والتبذير([31]).

إن الإنفاق العسكري المتصاعد يعني ضمنًا افتقارًا عامًّا إلى الاقتناع بإبقاء حجم القوات والترسانات العسكرية عند حجم ثابت، ناهيك عن تخفيضه.

وثمة تناقض آخر بين الطلب المتزايد على الموارد من أجل التنمية والمخصصات المتزايدة لتلك الموارد للأغراض العسكرية.

وأستعرض فيما يلي بعضًا من المتناقضات الواقعة بين الأولويات العسكرية والاجتماعية والبيئة ومن ذلك:

1- أنفق برنامج الأمم المتحدة للبيئة وعلى مدى عشر سنوات 450 مليون دولار، أي ما يعادل أقل من خمس ساعات من الإنفاق العسكري العالمي.

2- بلغ إجمالي قيمة المساعدات الانمائية الرسمية السنوية المقدمة إلى البلدات النامية 35 مليار دولار، أي ما يعادل 15 يومًا من الإنفاق العسكري العالمي.

3- يمكن استخدام (6-7) ساعات من الإنفاق العسكري العالمي (700 مليون دولار) للقضاء على الملاريا، ذلك المرض القاتل الذي يفتك بأرواح مليون طفل سنويًا.

4- يعادل يوم واحد من حرب الكويت 1991 1.5مليار دولار برنامج عالمي مدته خمسة أعوام لتحصين الأطفال ضد ستة أمراض قاتلة، والحيلولة دون وفاة مليون طفل سنويًا.

والجدول التالي رقم (1) يبين حجم الإنفاق العسكري وأثره على محاولات التعليم والصحة وغيرها من الخدمات:


حجم الإنفاق العسكري في الوطن العربي

الإنفاق العسكري % إلى الناتج الوطني

الإنفاق العسكري % إلى الصحة والتعليم

واردات أسلحة بالمليون دولار

صافي المساعدات للتنمية % إلى الإنفاق العسكري

أفراد القوات المسلحة إلى المعلمين %

5.4

12

177

108

198

مصدر الجدول: برنامج الأمم المتحدة الإنمائي - تقرير عن التنمية البشرية في العالم 1990م، نيويورك، جدول (18).

يبين الجدول أن الإنفاق العسكري منسوبًا إلى الناتج الوطني قد ارتفع من 5.4% عام 1960م إلى 12% عام 1986م، وأنه يعتبر من أعلى نسب الإنفاق بمعايير أخرى كالإنفاق على الصحة والتعليم أو الخدمات الاجتماعية الأخرى، وأن أفراد القوات المسلحة يبلغون ضعف عدد المعلمين تقريبًا. ومن ثم فإن تخفيض الإنفاق العسكري أو ترشيده أو تكامله بين الأقطار العربية سوف يتيح موارد إضافية لمجالات التنمية البشرية ومن أهمها قطاع التربية والتعليم.


الآثار المترتبة على الإسراف والتبذير

لا شك أن هناك العديد من النتائج والآثار السيئة المترتبة على شيوع ظاهرة الإسراف والتبذير، ومن ذلك ([32]):

1- الإسراف خطر على العقيدة: الإسراف يرفع مستوى معيشة الفرد والأسرة رفعًا كاذبًا يفوق الدخل الحقيقي المستمر، ثم لا تكاد المكاسب الجانبية تزول ولا يبقى سوى الدخل الحقيقي، حتى يلجأ كثير من المسرفين إلى طرق شريفة وغير شريفة لاستمرار التدفق النقدي وتحقيق المستوى العالي من الإنفاق الذي اعتادوه؛ فتمتد اليد بشكل أو بآخر، فيقعوا تحت وطأة الكسب الحرام، ذلك أن المسرف قد تضيق به أو تنتهي به موارده، فيضطر تلبية وحفاظًا على حياة الترف والنعيم التي ألفها إلى الوقوع في الكسب الحرام، وقد جاء في الحديث: «كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به»([33]).

2- الإسراف نوع من التسرع والتهور: الإسراف نوع من التهور والتسرع وعدم التبصر بعواقب الأمور، وقد يكون دليلاً على الاستهتار وعدم الحكمة في تحمل المسئولية، وكل ذلك يؤدي إلى وخيم العواقب وسيئ النتائج، فهو يقتل حيوية الأمة ويدي بها إلى البوار والفساد، ويملأ القلوب حقدًا وضغينة، ويقضي على حياة الأمن والاستقرار، كما أن فيه كسرًا لنفوس الفقراء وبطرًا لأهل الغنى ([34]).

3- الإسراف ودواعي الشر والإثم: فالسرف داع إلى أنواع كثيرة من الشر؛ لأنه يحرك الجوارح إلى المعاصي، ويشغلها عن الطاعات، كما أنه يحرك الغرائز الساكنة أو الكامنة في هذه النفس، وحينئذ لا يؤمن على الفرد من الوقوع في الإثم والمعصية. فالشيطان أعظم ما يتحكم في الإنسان إذا ملأ بطنه من الطعام، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «ما ملأ آدمي وعاءً شرًا من بطن، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محال، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه»([35]).

4- الإسراف وتأثير على البيئة: يعد الإسراف سببًا رئيسًا من أسباب تدهور البيئة واستنزاف مواردها. وهو وإن كان متعدد الصور والأساليب، إلا أنه يؤدي بشكل عام إلى نتيجة واحدة: إهلاك الحرث والنسل، وتدمير التوازن البيئي ([36]).

5- الترف والدعوة إلى النعومة والليونة: يؤدي الترف إلى النعومة والليونة، التي تدفع الناس إلى الرذائل، وتقعد بهم عن الجهاد والتضحية، وفي ذلك أعظم الخطر على الأمة.

6- التبذير والهوى: التبذير مما يأمر به الهوى وينهى عنه العقل، وأحسن الأدب في هذا تأديب الحق سبحانه حين قال: }وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا{ [الإسراف: 26].

فالإنسان قد يعطى رزق شهر في يوم، فإذا بذر فيه بقي شهرًا يعاني البلاء، وإذا دبر منه عاش شهرًا طيب النفس.

7- عدم الرعاية والاهتمام بالآخرين: ذلك أن الإنسان لا يراعي الآخرين ولا يهتم بهم غالبًا، إلا إذا أضناه التعب وغصته الحاجة، كما أثر عن يوسف u لما سُئل: لا نراك تشبع أبدًا؟ قال: أخاف إن شبعت أن أنس الجياع([37])، والمسرف مغمور بالنعمة من كل جانب، فأنى له أن يفكر أو يهتم بالآخرين.


الإسراف والتبذير في واقع الناس

إن موضوع الطعام والشراب في تاريخ الأمة المسلمة قديم وعريض، فأصوله تستمد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، كما أن كتب الفقه، والرقائق، والمواعظ، والزهديات، والأخلاق تفرد أبوابًا للطعام والشراب، تنهى عن المحرمات، وتأمر باتباع الآداب الشرعية.

أما اليوم فقد أصبح الطعام والشراب في حياة أغلب الناس نهمًا وشرهًا، وإسرافًا وتبذيرًا، ولذة وغاية. تهدر في صناعة الأطعمة والأشربة الأموال، وتنصب الموائد المفتوحة في البيوت والمطاعم، ويجرى السباق في إقامة الحفلات والمناسبات الباذخة.

وانزلق عامة الناس إلى مساوئ التقليد الأعمى للأمم المادية المترفة، واتسمت حياة الكثيرين بالتكلف والإسراف في ولائمهم وأعيادهم وحياتهم حتى أصبحت أعيادنا مظاهر باهظة الثمن، ورمضاناتنا في كل عام موسمًا للسرف والترف، بدلاً من أن يكون عبادة وتهجدًا.

فتحول الغذاء إلى خطر رهيب، وارتفعت صيحات التحذير من مستقبل ينذر بالأخطار، وباتت الحاجة ماسة للأمن الاجتماعي والاقتصادي والغذائي، وترشيد الإنفاق والاستهلاك.

إن الإنسان كائن حي، يقوم بوظائف مهمة: عبادة الله، ثم إعمار الأرض وإقامة مبادئ العدل والخير. وهذا يجعله بحاجة إلى الطعام، كي ينمو ويعيش ويتحرك ويعمل، ويحتاج إلى الماء، إذ لا يستطيع الإنسان البقاء حيًّا لمدة طويلة بلا ماء.

فاستجابة الكائن البشري لغريزة الطعام والشراب أمر فطري. كما أن المحافظة على القوام الغذائي المتنوع والمتوازن مع التوسط والاعتدال يمنح الإنسان في مراحل عمره جسمًا قويًّا، وصحة دائمة، وعمرًا مباركًا ومديدًا.

إذ لا يكفي الإنسان في طعامه وشرابه أن يتناول نوعًا واحدًا، فلا بد من توافر الاحتياجات الأساسية مثل: الماء، والسكريات، والبروتينات، والشحوم، والدهون، والفيتامينات، وبعض العناصر المعدنية.

إن الإنسان إذا أكل ما يسد به جوعه، وشرب ما يسكن به ظمأه، فإن هذا مطلوب عقلاً، ومندوب إليه شرعًا، لما فيه من حفظ النفس وصيانة الحواس.

يقول محيي الدين مستو في كتابه «الطعام والشراب بين الاعتدال والإسراف»([38]): إذا كانت التخمة تمرض وتميت، فإن الحرمان يمرض النفس ويفتر عن العبادة، أما الوسطية فإنها تنشط النفس وتظهر روحانيتها. فاعتدال توسط بين التبذير والإسراف، وبين البخل والإنفاق الزائد عن الحلال في المأكل والمشرب.

وقد حدث رسول الهدى u على الاعتدال وحض على التقلل من الطعام والشراب، فقال عليه الصلاة والسلام: «الكافر يأكل في سبعة أمعاء، والمؤمن يأكل في معي واحد»
[رواه مسلم].

قال حاتم الطائي ذامًا كثرة الأكل:

فإنك إن أعطيت بطنك سُؤله

 

 

 

 

وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا






إن الاعتدال - إذن - هو التوسط بين الجوع والتخمة، بالتقليل من كمية الطعام والشراب، دون أن ينقص عن حاجة البدن والعمل، وفي ذلك فوائد جمة منها: صحة الجسم، وقوة الحفظ، وقلة النوم، وخفة النفس. قال بعض الحكماء: أكبر الدواء تقدير الغذاء.

وفي المقابل، فإن الإقبال على الطعام بشرهٍ زائد، يجعل الأغذية عند النهميين المسرفين هدفًا وغاية، يبذلون من أجلها الأموال الباهظة، ويمضون أوقاتًا طويلة في الأسواق، يشترون ألوان الأطعمة. وهؤلاء الذين جعلوا همهم بطونهم، وأهدافهم ملذاتهم وشهواتهم، يضنون بأموالهم عن مساعدة بائس أو إعانة فقير، فنتج عن ذلك بطون جائعة وأموال ضائعة.

إن الإسراف والتبذير والترف والمباهاة سلوكيات استهلاكية خطيرة دخلت مع الأسف حياة الناس، وشملت معظم جوانب الحياة المختلفة، فهناك التنويع في الأطعمة والأشربة في الدعوات العامة والمناسبات وولائم الأعراس التي تكلف أموالاً طائلة، وهناك الموائد المفتوحة المشتملة على أصناف عديدة، لقاء مبالغ محددة عن كل شخص، وهناك الولائم المخصصة في حالات الوفاة والمآتم.

فيا عجبًا من مجتمع يقيم الأفراح والولائم والمجتمعات المسلمة تعاني من الأحزاب والمآتم، وقديمًا قال علي بن أبي طالب t كلمته المشهورة: ما جاع فقير إلا بما تمتع غني، وورد عن القاضي عياض رحمه الله قوله: إن كثرة الأكل والشرب دليل على النهم والحرص والشره وغلبة الشهوة، وهي مسبب لمضار الدنيا والآخرة، وجالب لأدواء الجسد وخثار النفس أي فتورها.

إن الإسراف في تناول الطعام والشراب يؤدي إلى اختزانها في الجسم، وتحولها إلى لحم وشحم وبدانة وبطنة، تقعد بالإنسان عن كثير من أعمال ونشاطاته. وقديمًا قيل: البطنة تذهب الفطنة.

وقد ورد عن عمر بن الخطاب t قولته المشهورة وحكمته المأثورة: إياكم والبطنة، فإنها مكسلة عن الصلاة، مؤذية للجسم، وعليكم بالقصد في قوتكم، فإنه أبعد عن الأشر، وأصح للبدن، وأقوى على العبادة، وإن امرأً لن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه.

ومن طريف القول ما أجاب به مسلمة بن عبد الملك ملك الروم، حين سئل: ما تعدون الأحمق فيكم؟ قال مسلمة: الذي يملأ بطنه من كل ما وجد.

وكان فرقد رحمه الله يقول لأصحابه ناصحًا: إذا أكلتم فشدوا الأزر على أوساطكم، وصغروا اللقم، وشددوا المضغ، ومصوا الماء مصًّا، ولا يحل أحدكم إزاره فيتسع معاه، وليأكل كل واحد من بين يديه.

وقد أجمعت الأطباء على أن رأس الداء إدخال الطعام على الطعام، وقالوا: أكثر العلل إنما يتولد من فضول وزوائد الطعام.

إن مراتب الطعام والشراب (الغذاء) كما قسم ذلك ابن قيم الجوزية رحمه الله في كتابه «الطب النبوي»([39]) مراتب ثلاثة: مرتبة الحاجة، ثم مرتبة الكفاية، وأخيرًا مرتبة الفضلة.

وللأسف، ففي رمضان تزداد مصروفات الأسر لمجابهة الشراهة الاستهلاكية ونهم التسوق والإنفاق المرتفع، حتى أصبح مألوفًا في أمسيات شهر رمضان كثرة حالات الإسعاف بسبب الإسراف والتخمة.

ذات يوم أوقف الفاروق عمر بن الخطاب t ابنه عبد الله (وقيل: جابر بن عبد الله) y وسأله: إلى أين أنت ذاهب؟ فقال عبد الله: للسوق. فقال الفاروق له: لماذا؟! فأجاب: لأشتري لحمًا، وبرر ذلك الشراء، بأنه اشتهى لحمًا فخرج للسوق ليشتري بعضًا منه، فقال له الفاروق: أكلما اشتهيت شيئًا اشتريته.

إنها حكمة اقتصادية خالدة، وقاعدة استهلاكية رشيدة خاصة ونحن نشهد في أيامنا هذه سباقًا محمومًا يترافق معه أساليب تسويقية جديدة، وأساليب إعلانية مثيرة، ووسائل إعلامية جذابة، ودعايات كثيفة من أجل الشراء والمزيد منه.

وقد تبين من خلال تحقيقات عديدة أن شريحة واسعة من الناس تشتري ما لا تحتاج، وتستهلك من المنتجات والسلع أكثر من اللازم.

يقول وليام بن: إن ما ننفقه على أغراض الزينة الزائفة يكفي لكساء جميع العراة في العالم.

وهكذا أصبحت حياتنا المترفة تملأ البطون بما لذ وطاب، وتغذي الأرواح بأشياء فارغة وفاسدة، فكم هو سخف الإنسان الذي يتظاهر دومًا بالذكاء والمعرفة.

ويقول سمايل: إن الحياة السهلة المترفة لا تدرب الرجال على بذل الجهد أو مواجهة الصعاب، ولا توقظ فيهم تلك المقدرة اللازمة للجهد الفعال في الحياة.

بعض الرجال يعتبر اهتمام النساء الزائد بالموضات وبضرورة التجاوب معها بأنه انعكاس لعدم تحليهن بقدر كاف من المعقولية في التفكير.

ويقول علي غلوم: الشائع بيننا أن المرأة أكثر إسرافًا من الرجل، سواء في ملبسها أو إنفاقها، ولكن هناك من الرجال من هم أكثر إسرافًا في أموالهم وسلوكهم ومقتنياتهم، فالأمر نسبي ويرتبط بحجم ما يتوفر لدى الفرد من مغريات نحو الإسراف.

وتقول صباح المالكي في معرض حديثها عن الإسراف: من أسباب الإسراف حاجة المرأة لتملك بعض الأشياء التي ترى أنها في حاجة إليها لتجميل منزلها، أو لإضفاء البهجة على الأسرة والأبناء بوجه خاص من ألعاب وملابس واحتياجات.

وتؤدي الأنانية والنفعية الشخصية في كثير من الأسر والمجتمعات إلى الإسراف في استغلال مصادر الدخل.

ومن ثم ظهر على الساحة هوس تسوقي غريب وإدمان شرائي كبير، وحمى استهلاكية عجيبة، يؤجج ذلك كله إعلانات مثيرة، ودعايات جذابة، ومسابقات مغرية، وحوافز مشجعة.

وأكثر الإعلانات أثرًا هي تلك التي يمكن إعادتها بصيغات متعددة، وفي أماكن يمكن رؤيتها من قبل أعداد كبيرة من الناس كبرامج التلفزيون المحببة للمشاهدين والصحف والأسواق المركزية.

تقول فوزية خليل في معرض مشاركتها في تحقيق حول «هوس التسوق عند المرأة»: إن هوس التسوق عادة ما يكون انفعاليًا، ويمثل عند المرأة طريق تعويض عن معاناة عاطفية، أو نتيجة حرمان أو قلق أو تعاسة زوجية أو قلة حنان، وقد يكون هذا الهوس التسوقي عند النساء أكثر شيوعًا.

وفي التحقيق نفسه تقول بدرية المطيري: هناك من النساء من يشترين أغراضًا ليست ضرورية ولا في حدود إمكانياتهن، ويدفعن بالرجال إلى دفع الكثير من أجل إرضاء رغباتهم الجنونية.

ومن أهم نتائج تحقيق أجري حول «الإعلانات التجارية والإسراف»: الإعلانات تدفع المرأة للشراء والمزيد منه، كما أن المرأة تشتري السلعة عادة على سبيل التجريب نتيجة الإعلان عنها، والمسابقات العددية تغري الأطفال بالشراء بكثافة، ووصل التحقيق إلى نتيجة مهمة: الإعلانات التجارية مسئولة إلى حد كبير في دفع الناس إلى الإسراف وخاصة المرأة، جريًا وراء التفاخر والمباهاة، أو حبًّا للاستطلاع، أو رغبة في التقليد.

إن عادة التقليديين الناس لا تقتصر على قطر من الأقطار أو جنس من الأجناس، بل إنها عادة عالمية يصعب تغييرها.

إن النفس البشرية نفس لا تشبع، وفي الوقت نفسه لا تقنع، فهي طلعة لكل نوع، متشوفة لكل شكل، فضولية لكل لون.

نعوذ بالله من عين لا تدمع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تقنع، ومن بطن لا يشبع، ومن دعاء لا يستجاب له.

والتخمة، السمنة، السرف، التبذير، الترف، التبديد، الاستنزاف، تلال النفايات، القمامة، الثنائيات الاجتماعية، الترهل، اللامبالاة، كفر النعمة.. ما هذه إلا بعض آثار، لا شك أنها تتولد من السلوك الشرائي غير المنضبط، ومن الإدمان الاستهلاكي غير المتزن، ومن الإنفاق البذخي غير الرشيد.

إن صناديق القمامة تشهد أكياسًا من الزبالة وألوانًا من النفايات المنزلية أشبه بالتلال نتيجة الاستهلاك المنزلي الشره، وصدق من قال: إن الاستهلاك هو طوفان التلوث القادم.

فإذا أضفنا إلى ما سبق شيوع أخلاقيات الأنا والحسد والجشع، والمباهاة، والتقليد، وكسر قلوب الفقراء والمساكين والمحتاجين، واختلال الميزانيات الأسرية والاستدانة... فإن هذا كله يستلزم أن نقف في وجه الوحش الاستهلاكي، والغول الشرائي، والإدمان الإنفاقي، والهوس التسوقي من أجل أن نغلق وبشكل نهائي الملف الأسود للاستهلاك في كل بيت، وعند كل أسرة، وداخل كل مجتمع، وفي أي دولة.

إننا لو جمعنا كل ما ينفق على الأمور التافهة في صندوق موحد، ثم أنفق هذا على إزالة أسباب المأساة من حياة الكثيرين، لصلحت الأرض وطاب العيش فيها، وإذا تمثلت أعمالنا بالتدبير وحسن التصرف فإننا نستطيع التخلص من النقيضين وهما الإفراط في الإنفاق والاستهلاك، وحالات العوز والفقر، إذ يمكن للأول سد حاجات الثاني، بحيث يقترب النقيضان إلى معدل معقول.

معالجة ظاهرة الإسراف والتبذير

إن الاعتدال هو جوهر الإسلام في كل الأنشطة البشرية، فالإسلام ينهى عن التقتير كما ينهى عن الإسراف وعن استهلاك حبًّا في الظهور.

وقد حدد القرآن الكريم والسنة النبوية استهلاك المسلم بما لا يوصف بالإسراف والتبذير، بحيث تتناول الخريطة الاستهلاكية على مستوى الأفراد (المأكل، والمشرب، والملبس، والمسكن، والزينة، ووسائل التنقل، وتكاليف الزواج، وأجور العمال...)، وبحيث تنضبط بمنهج رسول الله r القدوة الحسنة.

ومن ثم فينبغي على المسلم الالتزام داخل هذه الخريطة الاستهلاكية بما يلي:

1- الناحية الاقتصادية لا تملك المؤمن بل يواجهها بعقيدته وبخلقه.

2- الاستهلاك في حدود الوسط والاعتدال.

3- تجنب الفخر والخيلاء.

4- الابتعاد عن الحرام.

5- ترشيد وتنظيم الاستهلاك.

6- تناول المنتجات الاستهلاكية وادخارها عند اليسر والرخاء.

كما أن المستهلك المسلم يتحرك داخل مناطق استهلاكية محددة شرعًا، تتراوح ما بين الإباحة والحرمة.

أولاً: منطقة القوام (الوسطية والاعتدال): وهي منطقة مباحة، إذ هي وسط بين الإسراف والتقتير، ووسط بين الزينة والورع، وأكثر الناس لا يأخذ بها، إذ هم يميلون غالبًا إلى الزينة، ويتجاوز بعضهم إلى الترف والسرف والتبذير. وأصل هذه المنطقة قوله تعالى: }وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا{ [الفرقان: 67].

وقوله u: «كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا من غير إسراف ولا مخيلة» [حديث حسن أخرجه أحمد والنسائي].

ثانيًا: منطقة الزينة (الطيبات وإظهار الغنى): وهي منطقة مباحة. يقول تعالى: }وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ{ [الضحى: 11]. ويقول رسول الله r: «إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده» [حديث حسن، أخرجه الترمذي]. ومن هذه المنطقة التحدث بالنعم والرفاهية، على ألا يخرج المستهلك المسلم إلى منطقة الترف المنهي عنه.

ثالثًا: منطقة الورع (التقشف والزهد): وهي منطقة مباحة، ورغم أنها منطقة محمودة، بيد أن الذين يستطيعون المكث فيها قلة من الناس. ويأتي على رأس هذه المنطقة الأنبياء عليهم السلام، والزهاد الأوائل، وقليل من المتأخرين. إذ في هذه المنطقة كثير من التضحية بالدنيا ومباهجها، وإيثار الآخرين على النفس، ولو تيسر ذلك لأمكن حل المشكلات الاقتصادية. وأصل هذه المنطقة قوله تعالى: }وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ{
[الحشر: 9].

رابعًا: منطقة التقتير (البخل والشح): وهي منطقة محرمة، فالبخيل عدو لله وعدو لنفسه وعدو لكل ما ينفع الناس، حتى لو وصلت به الحال إلى الزهد الأعمي وحرمان نفسه من الضروريات، وأصل هذه المنطقة قوله تعالى: }وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ{ [محمد: 38]. وقوله u: «إياكم والشح، فإنما هلك من كان قبلكم بالشح، أمرهم بالبخل، فبخلوا، وأمرهم بالفجور ففجروا» (حديث صحيح على شرط مسلم كما عند الحاكم في المستدرك، وأخرجه أبو داود).

خامسًا: منطقة الإسراف (التبذير والترف): وهي منطقة محرمة. قال تعالى: }وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ{ [الأنعام: 141]. وقال عز وجل: }وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ{ [الإسراء: 26، 27]. وقال رسول الله r: «إن من شرار أمتي الذين غذوا بالنعيم، الذين يطلبون ألوان الطعام وألوان الثياب، فيتشدقون بالكلام». [حديث صحيح، أخرجه أحمد والحاكم).

والتبذير أشد من الإسراف، فهو مغالاة وتجاوز للحد المعروف، وتوسع في الإنفاق المحرم على المعاصي والشهوات المنكرة.

كما أن الترف أشد من التبذير إذ يتوسع المرء المترف في ملاذ الدنيا وشهواتها.

وإذا انتشر الترف في الأمة أودى بها إلى الفناء. ومن هذه المنطقة إضاعة المال. والرسول الكريم r نهى عن إضاعة المال، كما روى ذلك الشيخان.

وانسجامًا مع أسلوب ومنطقة الاعتدال، والقوام، وبعدًا عن أسلوب ومنطقة الإسراف والتبذير، وضع الإسلام قيودًا نوعية وكمية، وقعد قواعد حاكمة للعملية الاستهلاكية. ومن ذلك:

(1) النهي عن حياة الترف: والترف هو المبالغة في التنعم، والمترف هو المتنعم المتوسع في ملاذ الدنيا وشهواتها. والإسلام لا يحبذ الترف بل يعده سلوكًا غير سوي، وسببًا في نزول العذاب وهلاك الأمم ودمارها، ومؤشرًا على الابتعاد عن الطريق القويم، وعلامة على تخلخل كيان المجتمع واهتزازه، قال تعالى: }وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا{ [الإسراء: 16].

(2) النهي عن الإسراف والتبذير والسفه: والإسراف - كما بينا - هو تجاوز القصد والاعتدال في الإنفاق، وهو ما دون الترف. أما التبذير فيعني إنفاق المال وتفريقه إسرافًا في غير ما ينبغي.

والسفه ضد الرشد، وقد نهى الشرع عن الإسراف والتبذير لما ينطوي عليهما من تبديد غير واع لموارد الفرد والمجتمع.

(3) الأمر بالاعتدال في الإنفاق: بحيث يكون المسلم متوازنًا بين مصالح الدين والدنيا، والروح والمادة. فالنهي عن الترف والإسراف والتبذير لا يعني الدعوة إلى البخل والشح والتقتير، إنما يعني الدعوة إلى الاعتدال، لما لذلك من آثار إيجابية على الفرد والمجتمع، فإذا كان البخل يقود إلى نقص الميل للاستهلاك، فإن الترف والإسراف يقودان إلى تبديد الموارد وإتلافها، وكلاهما آفة.

(4) الابتعاد عن استهلاك المنتجات المحرمة والضارة: ويعني هذا أن تكون المنتجات من الطيبات المتصفة بالحسن والنقاء والطهارة، فقد أحل الله الطيبات وحرم الخبائث. والقاعدة الفقهية تقول: لا ضرر ولا ضرار.

(5) عدم المباهاة والخيلاء: إذ الإسلام ينظر إلى الإنفاق الاستهلاكي باعتباره قوام المجتمعات، ومن الواجبات الاجتماعية، ومن ثم فينبغي أن يحذر المسلم من أن يداخل إنفاقه مباهاة أو خيلاء. قال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى{ [البقرة: 264].

وقال رسول الله r: «لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر ثوبه خيلاء» [متفق عليه].

(6) تذليل النفس البشرية بالجوع: لتضييق مجاري الشيطان، فالنفس البشرية إذا شبعت تحركت وجالت وطافت على أبواب الشهوات، وإذا جاعت سكنت وخشعت وذلت.

وقد ورد عن جمع من العلماء والفقهاء([40]) أن في الجوع فوائد جمة، ومن ذلك:

أ- صفاء القلب ونفاذ البصيرة.

ب- زوال البطر والأشر.

ج- تذكر بلاء الله وعذابه.

د- كسر شهوات المعاصي.

هـ- المواظبة على العبادة.

و- الإيثار والتصدق بالفضل.

(7) التوبة الاقتصادية: وذلك على حسن الإنتاج والكسب، وحسن الاستهلاك والإنفاق وحسن التوزيع. وفي هذا المقام يمكن أن نستأنس بما كان رسول الله r يربي أصحابه عليه، ومن ذلك:

أ- التربية على أن الغنى غنى النفس: جاء في حديث أبي ذر t، قول رسول الله r له: «أترى كثرة المال هو الغنى؟» قال أبو ذر: نعم، «وترى قلة المال هو الفقر؟» قال أبو ذر: نعم، فقال رسول الله r: «إنما الغنى غنى القلب، والفقر فقر القلب» [حديث صحيح]. ومعنى ذلك عدم تقبل المال من كل سبيل، وعدم إنفاقه في كل سبيل وبأي مقدار.

ب- التربية على العمل وكسب العيش: جاء في حديث أبي سعيد الخدري t قال: إن ناسًا من الأنصار سألوا رسول الله r فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى نفد ما عنده، فقال: «ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم، من يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله» [رواه البخاري]. ومعنى ذلك أن الوسائل النفسية المهمة: التعفف، والاستغناء، والصبر.

أما الوسيلة المادية فهي العمل، كما في حديث: «لئن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها فيكف بها وجهه؛ خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه» [رواه البخاري]. ولهذا كان أهل مكة يعملون في التجارة في مكة، وبالزراعة في المدينة.

جـ- التربية على الاعتماد الذاتي والاكتفاء بالدخل الشخصي: جاء في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قول رسول الله r: «فراش للرجل وفراش لامرأته، والثالث للضيف، والرابع للشيطان» [رواه مسلم] ومعنى ذلك تقليل المصروفات، حتى لا يحتاج المرء إلى الاستدانة من الآخرين، وليكتفي ذاتيًّا بما عنده.

د- التربية على العطاء، جاء في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قول رسول الله: «اليد العليا خير من اليد السفلى، واليد العليا المنفقة والسفلى السائلة» [رواه مسلم]. ومعنى ذلك رفع المستوى الاقتصادي للمجتمع، بحيث يكثر فيه المعطون، ويقل فيه الآخذون.

هذه أهم معالم التربية الاقتصادية التي نشأ رسول الله r أصحابه عليها، ورباهم على الأخذ بها، ودعاهم إلى سلوكها، فآتت ثمارها على الصحابة رضوان الله عليهم، وعلى المجتمع المسلم، وكان لها صداها في مجال الدعوة إلى الإسلام.

وحري بنا نحن أن نقتدي برسولنا r ونتمثل تلك المعالم التربوية سلوكًا واقعيًّا وعمليًّا.

إن على المسلمين أن يحجموا عن أي نمط سلوكي يدمر هذه القيم والمعالم والآداب، فأي نفقة بنية التباهي أو إظهار الأبهة أو الخيلاء، لابد وأن يكون من شأنها توسيع الحقوق الاجتماعية بين الأغنياء والفقراء في المجتمع المسلم الواحد.

إن نمط الإنفاق السليم والمتفق مع الآداب الشرعية هو ذلك الذي يحكي البساطة والتواضع والاعتدال، ولا يعني ذلك عزوف المسلمين عن الاستفادة من دخلهم، أو من الموارد التي امتن الله ها عليهم، لسد حاجاتهم أو عن تزويد أنفسهم بأسباب الراحة.

لكن الإسلام يتطلب إعطاء الاستهلاك جدوى وجودة أعظم، كما يأمر بتجنب أسلوب الحياة القائم على الغرور والخداع، لإشباع الميل الشديد إلى تقليد الآخرين.

إن المنافسة غير الصحية على رموز الأبهة والمصحوبة بعدد من العادات، ولا سيما بمناسبات الزواج، إنما تؤدي إلى الإنفاق المفرط الذي يتم تمويله إما بتعطيل استثمار ما سبق إدخاره أو بمنع ادخار المستقبل، ولا تلبث العدوى أن تصيب كل المناخ الاجتماعي.

إن المسلم مطالب بالاعتدال والتوازن والابتعاد عن كل مظاهر الفساد والترف والإسراف والتبذير، آفات المجتمعات.

هذا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الرسول الأمين. 

الفهرس

----

المقدمة 5

مفهوم الإسراف والتبذير   6

أسباب الإسراف والتبذير  9

نماذج من الإسراف والتبذير  13

حجم الإنفاق العسكري في الوطن العربي 21

الآثار المترتبة على الإسراف والتبذير 22

الإسراف والتبذير في واقع الناس   25

معالجة ظاهرة الإسراف والتبذير 33

الفهرس 41



([1]) ينظر: ابن منظور - لسان العرب ج (11/48)، والفيروزآبادي - القاموس المحيط ج (4/156).

([2]) ينظر: القليوبي - حاشية منهاج الطالبين، دار إحياء الكتب العربية، عيسى الحلبي، ج (3/248)، وابن عابدين - حاشية رد المحتار،ج (5/484) والجرجاني - التعريفات ص(38).

([3]) ينظر: تفسير القرطبي ج (7/110)، وابن قدامة المغني ج(2/706).

([4]) الراغب الأصفهاني - المفردات في غريب القرآن ص (230).

([5]) القرطبي - الجامع لأحكام القرآن، دار الكتاب العربي، القاهرة، (1987م)،
ج (13/72).

([6]) ينظر: ابن منظور، لسان العرب، ج (4/50).

([7]) ينظر: النووي، تحرير ألفاظ التنبيه، تحقيق: عبد الغني الدقر، دار القلم، دمشق (1408هـ)، ص(200).

([8]) ابن عابدين - حاشية رد المحتار ج (5/484).

([9]) أبو الحسن الماوردي - أدب الدنيا والدين، تحقيق مصطفى السقا، دار الكتب العلمية، بيروت، (1398هـ) ص (187).

([10]) الراغب الأصفهاني - الذريعة إلى مكارم الشريعة، مكتبة الكليات الأزهرية - القاهرة، (1393هـ) ص(216).

([11]) ينظر: السيد محمد نوح «الإسراف أسبابه وآثاره وعلاجه» مجلة الاقتصاد الإسلامي، بنك دبي الإسلامي، دبي ع(50) محرم (1406هـ)، ص(17-25)، ورفعت أحمد الغامدي - «أسباب الإسراف ومضاره وموقف الإسلام منه» مجلة الرابطة مكة ع(281)، ذو الحجة (1408هـ) ص(38).

([12]) ينظر: ابن مفلح المقدسي - الآداب الشرعية والمنح المرعية، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض، (1391هـ)، ج (3/201).

([13]) جريدة الجزيرة «أين التربية الاقتصادية؟» «لا تعودوهم على الإسراف»، حوار ع(7046)، (9/7/1412هـ) ص(9).

([14]) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، البخاري - صحيح البخاري، المكتبة الإسلامية، تركيا، توزيع مكتبة العلم، جدة (1981م)، ج(7/9).

([15]) أخرجه أبو داود، والترمذي وقال: حديث حسن غريب، وأحمد والحاكم وال: صحيح، ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني، ينظر: الألباني، صحيح الجامع الصغير وزيادته الفتح الكبير رقم (3539).

([16]) جريدة المدينة «الإسراف والتبذير في المناسبات»، تحقيق، ع(8979)، (9/6/1412هـ) ص(2).

([17]) مجلة الدعوة «الإسراف والتبذير من المسئول»، تحقيق ع(1250)، (27،12/1410هـ) ص(20-23).

([18]) وليد شلاش شبير، مشكلات الشباب، مؤسسة الرسالة، بيروت (1409هـ)، ص(280).

([19]) محمد بن الحسن الشيباني، الكسب، ص(79-83).

([20]) أبو الحسن الماوردي، نصيحة الملوك، تحقيق خضر محمد خضر، مكتبة الفلاح، الكويت (1403هـ) ص(36).

([21]) أبو الحسن الماوردي - نصيحة الملوك. ص(36).

([22]) ينظر" مجلة المقتطف «تبذير الشرق وتدبير الغرب»، بيروت (1976م) ع(5) ص(110-112)، و ع(6) ص(1280131)، ومجلة الدعوة «المبذرون»، تحقيق ع(1030) (15/6/1406هـ) ص(14-20)، ومجلة لواء الإسلام «الإسراف في الأفراح والمآتم» ع(10) جمادى الآخرة (1377هـ) ص(652-653).

([23]) ينظر: عبد الغني سعيد - نحو الرشد الاقتصادي، ص(174-182). ود. نادر فرجاني - هدر الإمكانية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت (1985م)، ص(49-79)، ومحمد عبد القادر الفقي «الإسراف وتأثيره على البيئة»، مجلة منار الإسلام، الإمارات ع(8)، شعبان (1409هـ)، ص(38-65).

([24]) ينظر: لؤلؤة صالح آل علي - الوقاية الصحية على ضوء الكتاب والسنة، دار ابن القيم، الدمام (1409هـ)، ص(489/541/591)، وجريدة الندوة «المخدرات الخطر القاتل: العالم العربي يستهلك مواد مخدرة بمئات الملايين من الدولارات»، تحقيق ع(9164، 16/8/1409هـ)، ص(11).

([25]) مجلة النور «الاستعمار السجائري»، تحقيق الكويت، ع(72)، صفر (1410هـ)، ص(6-10).

([26]) مجلة الاقتصاد الإسلامي «50 مليار دولار سنويًا تنفق في الوطن العربي على المخدرات»، دبي ع(131)، شوال (1412هـ، ص(18).

([27]) محمد عبد القادر الفقي - «الإسراف وتأثيره على البيئة»، ص(55، 56).

([28]) H.Harrap-The Education of the consumer, Mc Graw-Hill, New york, 1950, p. 60-86

([29]) ينظر: د. نعيم أبو جمعة «الخداع الإعلاني وأثره على المستهلك في دولة الكويت»، مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية، جامعة الكويت، الكويت ع(50)، شعبان (1407هـ) ص(15-73)، وجريدة اليوم «الإعلانات التجارية والإسراف» تحقيق ع(6832) (25/8/1421هـ)، ص(11).

([30]) ينظر: ياسر عبد الحميد الخطيب - سيكولوجية المستهلك السعودي وتصرفاته الشرائية وأثر ذلك على السياسات التسويقية في قطاع السيارات، رسالة دكتوراه مقدمة لقسم إدارة الأعمال، كلية التجارة، جامعة القاهرة، 1402هـ، ص(310-340)، غير منشورة، و د.صديق محمد عفيفي «تأثير اعتبارات الموضة على سلوك المستهلك دراسة ميدانية في مدينة القاهرة»، مجلة المحاسبة والإدارة والتأمين، كلية التجارة، جامعة القاهرة، القاهرة ع(21)، (1974م) ص(184-194).

([31]) ينظر: د. زغلول النجار، قضية التخلف العلمي والتقني في العالم الإسلامي المعاصر، كتاب الأمة (20) رئاسة المحاكم الشرعية والشئون الدينية، قطر (14090هـ) ص(66)، وسيد خليل «مواكب الإسراف الحكومي مستمرة»، تحقيق، مجلة لواء الإسلام، القاهرة، ع(8)، ربيع الآخر (1410هـ) ص(18-21). ود. محمد شوقي الفنجري «الإنفاق العسكري وتجارة الموت»، جريدة الشرق الأوسط، الرياض، ع(3087)، (15/9/1407هـ)، ص(14).

([32]) السيد محمد نوح «الإسراف أسبابه وآثاره وعلاجه»، ص(17-27)، مجلة الاقتصاد الإسلامي دبي، العدد (50)، محرم (1406هـ)، وعبد الله الجعيثن «الإسراف وخطره على العقيدة»؛ مجلة الدعوة، الرياض، (1128)، (20/6/1408هـ)، ص(24)، ومجلة البيان «عواقب التبذير»، لندن ع(13)، ذو الحجة 01408هـ)، ص(407).

([33]) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، ج(1/37).

([34]) د. حمد الجنيدل - نظرية التملك في الإسلام، مؤسسة الرسالة، بيروت (1403هـ) ص(81).

([35]) رواه الترمذي في الزهد، باب ما جاء في كراهية الأكل رقم (2381)، وقال: هذا حديث حسن صحيح، ورواه أيضًا ابن حبان وابن ماجه والحاكم وصححه الذهبي. ينظر: ابن الأثير، جامع الأصول في أحاديث الرسول، تحقيق عبد القادر الأرناؤوط، مكتبة الحلواني، بيروت (1391هـ)، ج(7/410).

([36]) محمد عبد القادر الفقي - «الإسراف وتأثيره على البيئة»، ص(51).

([37]) أورد هذا الأثر: محمد قره علي - سنابل الزمن، مؤسسة نوفل، بيروت، (1986م)، ص(264).

([38]) محيي الدين مستو - الطعام والشراب، ص(27).

([39]) ابن قيم الجوزية - الطب النبوي، ص(56).

([40]) ينظر: الجوع - ابن أبي الدنيا، ص(20-60)، إحياء علوم الدين، أبو حامد الغزالي، ج(3/91-130).

=

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حدود المجاز في بلاغة العرب وانعكاس التمادي في تجاوزه علي اخطاء الفقهاء وسوء سلوكيات الناس

  ➎ ضحي الإيمان الجمعة، 4 يونيو 2021 قواعد مهمة في المجاز والحقيقة وبيان كيف زوروا معاني الحق الثابت حتي قي فاتل نفسه قلت المدون ...