دعائي

قلت المدون تم بحمد الله وفضله ثم قلت: اللهم فكما ألهمت بإنشائه وأعنت على إنهائه فاجعله نافعاً في الدنيا وذخيرة صالحة في الأخرى واختم بالسعادة آجالنا وحقق بالزيادة آمالنا واقرن بالعافية غدونا وآصالنا واجعل إلى حصنك مصيرنا ومآلنا وتقبل بفضلك أعمالنا إنك مجيب الدعوات ومفيض الخيرات والحمد الله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم إلى يوم الدين اللهم لنا جميعا يا رب العالمين .وسبحان الله وبحمده  عدد خلقه وزنة عرشه  ورضا نفسه ومداد كلماته  } أقولها ما حييت وبعد موتي  والي يوم الحساب وارحم  واغفر اللهم لوالديَّ ومن مات من اخوتي واهلي والمؤمنين منذ خَلَقْتَ الخلق الي يوم الحساب آمين وفرِّجِ كربي وردَّ اليَّ عافيتي وارضي عني في الدارين  واعِنِّي علي أن اُنْفِقها في سبيلك يا ربي اللهم فرِّج كربي واكفني همي واكشف البأساء والضراء عني وعنا.. وردَّ إليَّ عافيتي وثبتني علي دينك الحق ولا تُزِغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب اللهم وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وتوفنا مع الأبرار وألِّفْ بين قلوبنا اجمعين.يا عزيز يا غفار ... اللهم واشفني شفاءاً لا يُغَادر سقما واعفو عني وعافني وارحمني وفرج كربي واكفني همي واعتقني مما أصابني من مكروه أنت تعلمه واعتقني من النار وقني عذاب القبر وعذاب جهنم وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال ومن المأثم والمغرم ومن غلبة الدين وقهر الرجال اللهم آمين /اللهم ربي اشرح لي صدري ويسر لي أمري وأحلل عُقَد لساني واغنني بك عمن سواك يارب . والحمد الله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم إلى يوم الدين آمين.

الجمعة، 19 أغسطس 2022

مجلد9.ومجلد 10..الأم للشافعي

  مجلد9.ومجلد 10..الأم للشافعي

 

9. الأم للشافعي
محمد بن إدريس الشافعي أبو عبد الله
سنة الولادة 150/ سنة الوفاة 204

- * الْحُكْمُ بين أَهْلِ الذِّمَّةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لم أَعْلَمْ مُخَالِفًا من أَهْلِ الْعِلْمِ بِالسِّيَرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَمَّا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ وَادَعَ يَهُودَ كَافَّةً على غَيْرِ جِزْيَةٍ وَأَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عز وجل { فَإِنْ جاؤوك ( ( ( جاءوك ) ) ) فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أو أَعْرِضْ عَنْهُمْ } إنَّمَا نَزَلَتْ في الْيَهُودِ الْمُوَادِعِينَ الَّذِينَ لم يُعْطُوا جِزْيَةً ولم يُقِرُّوا بِأَنْ يَجْرِي عليهم الْحُكْمُ وقال بَعْضٌ نَزَلَتْ في الْيَهُودِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ زَنَيَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَاَلَّذِي قالوا يُشْبِهُ ما قالوا لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمْ التَّوْرَاةُ فيها حُكْمُ اللَّهِ } وَقَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ } الْآيَةَ يَعْنِيَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ إنْ تَوَلَّوْا عن حُكْمِك بِغَيْرِ رِضَاهُمْ وَهَذَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ أتى حَاكِمًا غير مَقْهُورٍ على الْحُكْمِ وَاَلَّذِينَ حَاكَمُوا إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في امْرَأَةٍ منهم وَرَجُلٍ زَنَيَا مُوَادِعُونَ وكان في التَّوْرَاةِ الرَّجْمُ وَرَجَوْا أَنْ لَا يَكُونَ من حُكْمِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الرَّجْمُ فجاؤوا ( ( ( فجاءوا ) ) ) بهما ( ( ( بها ) ) ) فَرَجَمَهُمَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال وإذا وَادَعَ الْإِمَامُ قَوْمًا من أَهْلِ الشِّرْكِ ولم يَشْتَرِطْ أَنْ يُجْرِيَ عليهم الْحُكْمَ ثُمَّ جَاءُوهُ مُتَحَاكِمِينَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بين أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أو يَدَعَ الْحُكْمَ فَإِنْ اخْتَارَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ حَكَمَ بَيْنَهُمْ حُكْمَهُ بين الْمُسْلِمِينَ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَإِنْ حَكَمْت فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ } وَالْقِسْطُ حُكْمُ اللَّهِ عز وجل الذي أَنْزَلَهُ عليه صلى اللَّهُ عليه وسلم ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ الْخِيَارُ في أَحَدٍ من الْمُعَاهَدِينَ الَّذِينَ يَجْرِي عليهم الْحُكْمُ إذَا جَاءُوهُ في حَدِّ لله ( ( ( الله ) ) ) عز وجل وَعَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَهُ وَلَا يُفَارِقُونَ الْمُوَادِعِينَ إلَّا في هذا الْمَوْضِعِ ثُمَّ على الْإِمَامِ أَنْ يَحْكُمَ على الْمُوَادِعِينَ حُكْمَهُ على الْمُسْلِمِينَ إذَا جَاءُوهُ فَإِنْ امْتَنَعُوا بَعْدَ رِضَاهُمْ بِحُكْمِهِ حَارَبَهُمْ وَسَوَاءٌ في أَنَّ له الْخِيَارَ في الْمُوَادِعِينَ إذَا أَصَابُوا حد ( ( ( حدا ) ) ) الله ( ( ( لله ) ) ) أو حَدًّا فِيمَا بَيْنَهُمْ لِأَنَّ الْمُصَابَ منه الْحَدُّ لم يُسْلِمْ ولم يُقِرَّ بِأَنْ يجري عليه الْحُكْمُ - * الْحُكْمُ بين أَهْلِ الْجِزْيَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ عز وجل { حتى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَكَانَ الصَّغَارُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يُجْرِيَ عليهم حُكْمَ الْإِسْلَامِ وَأَذِنَ اللَّهُ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ منهم على أَنْ قد عَلِمَ شِرْكَهُمْ بِهِ وَاسْتِحْلَالَهُمْ لِمَحَارِمِهِ فَلَا يَكْشِفُوا عن شَيْءٍ مِمَّا اسْتَحَلُّوا بَيْنَهُمْ ما لم يَكُنْ ضَرَرًا على مُسْلِمٍ أو مُعَاهَدٍ أو مُسْتَأْمَنِ غَيْرِهِمْ وَإِنْ كان فيه ضَرَرٌ على أَحَدٍ من أَنْفُسِهِمْ لم يَطْلُبْهُ لم يَكْشِفُوا عنه فإذا أَبَى بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ ما فيه له عليه حَقٌّ فَأَتَى طَالِبُ الْحَقِّ إلَى الْإِمَامِ يَطْلُبُ حَقَّهُ فَحَقٌّ لَازِمٌ لِلْإِمَامِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَحْكُمَ له على من كان له عليه حَقٌّ منهم وَإِنْ لم يَأْتِهِ الْمَطْلُوبُ رَاضِيًا بِحُكْمِهِ وَكَذَلِكَ إنْ أَظْهَرَ السَّخْطَةَ لِحُكْمِهِ لِمَا وَصَفْت من قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَهُمْ صَاغِرُونَ } وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ دَارُ الْإِسْلَامِ دَارَ مُقَامٍ لِمَنْ يَمْتَنِعُ من الْحُكْمِ في حَالٍ وَيُقَالُ نَزَلَتْ وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَكَانَ ظَاهِرُ ما عَرَفْنَا أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ جَاءَتْ امْرَأَةُ رَجُلٍ منهم تَسْتَعْدِي عليه بِأَنَّهُ طَلَّقَهَا أو آلَى منها حَكَمْت عليه حُكْمِي على الْمُسْلِمِينَ فَأَلْزَمْته الطَّلَاقَ وَفَيْئِيَّةَ الْإِيلَاءِ فَإِنْ فَاءَ وَإِلَّا أَخَذْته بِأَنْ يُطَلِّقَ وَإِنْ قالت تَظَاهَرَ مِنِّي أَمَرْته أَنْ لَا يَقْرَبَهَا حتى يُكَفِّرَ وَلَا يُجْزِئُهُ في كَفَّارَةِ الظِّهَارِ إلَّا رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ وَكَذَلِكَ لَا يُجْزِئُهُ في الْقَتْلِ إلَّا رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ قال قَائِلٌ فَكَيْفَ يُكَفِّرُ الْكَافِرُ قِيلَ كما يُؤَدِّي الْوَاجِبَ وَإِنْ كان لَا يُؤْجَرُ على أَدَائِهِ من دِيَةٍ أو أَرْشِ جُرْحٍ أو غَيْرِهِ وَكَمَا يُحَدُّ وَإِنْ كان لَا يُكَفِّرُ عنه بِالْحَدِّ لَشِرْكِهِ فَإِنْ قال فَيُكَفِّرُ عنه خَطِيئَةَ الْحَدِّ قِيلَ فَإِنْ جَازَ أَنْ يُكَفِّرَ خَطِيئَةَ الْحَدِّ جَازَ أَنْ يُكَفِّرَ عنه خَطِيئَةَ الظِّهَارِ وَالْيَمِينِ وَإِنْ قِيلَ يُؤَدِّي وَيُؤْخَذُ منه
____________________

(4/210)


الْوَاجِبُ وَإِنْ لم يُؤْجَرْ وَإِنْ لم يُكَفِّرْ عنه قِيلَ وَكَذَلِكَ الظِّهَارُ وَالْأَيْمَانُ وَالرَّقَبَةُ في الْقَتْلِ فَإِنْ جَاءَنَا يُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَ لم نُزَوِّجْهُ إلَّا كما يُزَوَّجُ الْمُسْلِمُ بِرِضًا من الزَّوْجَةِ وَمَهْرٍ وَشُهُودِ عُدُولٍ من الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ جَاءَتْنَا امْرَأَةٌ قد نَكَحَهَا تُرِيدُ فَسَادَ نِكَاحِهَا بِأَنَّهُ نَكَحَهَا بِغَيْرِ شُهُودٍ مُسْلِمِينَ أو غَيْرِ وَلِيٍّ وما يُرَدُّ بِهِ نِكَاحُ الْمُسْلِمِ مِمَّا لَا حَقَّ فيه لِزَوْجٍ غَيْرِهِ لم يُرَدَّ نِكَاحُهُ إذَا كان اسْمُهُ عِنْدَهُمْ نِكَاحًا لِأَنَّ النِّكَاحَ مَاضٍ قبل حُكْمِنَا فَإِنْ قال قَائِلٌ من أَيْنَ قُلْت هذا قُلْت قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى في الْمُشْرِكِينَ بَعْدَ إسْلَامِهِمْ { اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ من الرِّبَا } وقال { وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رؤوس أَمْوَالِكُمْ } فلم يَأْمُرْهُمْ بِرَدِّ ما بَقِيَ من الرِّبَا وَأَمَرَهُمْ بِأَنْ لَا يَأْخُذُوا ما لم يَقْبِضُوا منه وَرَجَعُوا منه إلَى رؤوس أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفَذَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نِكَاحَ الْمُشْرِكِ بِمَا كان قبل حُكْمِهِ وَإِسْلَامِهِمْ وكان مُقْتَضِيًا وَرَدَّ ما جَاوَزَ أَرْبَعًا من النِّسَاءِ لِأَنَّهُنَّ بِوَاقٍ فَتَجَاوَزَ عَمَّا مَضَى كُلِّهِ في حُكْمِ اللَّهِ عز وجل وَحُكْمِ رَسُولِهِ وَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ذِمَّةٌ وَأَهْلُ هُدْنَةٍ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَنْكِحُونَ نِكَاحَهُمْ ولم يَأْمُرْهُمْ بِأَنْ يَنْكِحُوا غَيْرَهُ ولم نَعْلَمْهُ أَفْسَدَ لهم نِكَاحًا وَلَا مَنَعَ أَحَدًا منهم أَسْلَمَ امْرَأَتَهُ وأمرأته امرأة بِالْعَقْدِ الْمُتَقَدِّمِ في الشِّرْكِ بَلْ أَقَرَّهُمْ على ذلك النِّكَاحِ إذَا كان مَاضِيًا وَهُمْ مُشْرِكُونَ وَإِنْ كَانُوا مُعَاهَدِينَ وَمُهَادَنِينَ وَهَكَذَا إنْ جَاءَنَا رَجُلَانِ منهم قد تَبَايَعَا خَمْرًا ولم يتقابضاها أَبْطَلْنَا الْبَيْعَ وَإِنْ تَقَابَضَاهَا لم نَرُدَّهُ لِأَنَّهُ قد مَضَى وَإِنْ تَبَايَعَاهَا فَقَبَضَ الْمُشْتَرِي بَعْضًا ولم يَقْبِضْ بَعْضًا لم يَرُدَّ الْمَقْبُوضَ وَرَدَّ ما لم يَقْبِضْ وَهَكَذَا بُيُوعُ الرِّبَا كُلُّهَا وَلَوْ جَاءَتْنَا نَصْرَانِيَّةٌ قد نَكَحَهَا مُسْلِمٌ بِلَا وَلِيٍّ أو شُهُودٍ نَصَارَى أَفْسَدْنَا النِّكَاحَ لِأَنَّهُ ليس لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَبَدًا غير تَزْوِيجِ الْإِسْلَامِ فَنُنَفِّذُ له وَلَوْ جَاءَنَا نَصْرَانِيٌّ بَاعَ مُسْلِمًا خَمْرًا أو نَصْرَانِيٌّ ابْتَاعَ من مُسْلِمٍ خَمْرًا تَقَابَضَاهَا أو لم يتقابضاها أَبْطَلْنَاهَا بِكُلِّ حَالٍ وَرَدَدْنَا الْمَالَ إلَى الْمُشْتَرِي وَأَبْطَلْنَا ثَمَنَ الْخَمْرِ عنه إنْ كان الْمُسْلِمُ الْمُشْتَرِي لها لم يَمْلِكْ خَمْرًا وَإِنْ كان الْبَائِعُ لها لم يَكُنْ له أَنْ يَمْلِكَ ثَمَنَ خَمْرٍ وَلَا آمُرُ الذِّمِّيَّ أَنْ يَرُدَّ الْخَمْرَ على الْمُسْلِمِ وَأُهْرِيقَهَا على الذِّمِّيِّ إذَا كان مَلَكَهَا على الْمُسْلِمِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ كَمَالِهِ وَإِنْ كان الْمُسْلِمُ الْقَابِضُ لِلْخَمْرِ يَرُدُّ ثَمَنَ الْخَمْرِ على الْمُسْلِمِ وأهريقت الْخَمْرُ لِأَنِّي لَا أَقْضِي على مُسْلِمٍ أَنْ يَرُدَّ خَمْرًا وَيَجُوزُ أَنْ أُهْرِيقَهَا لِأَنَّ الذِّمِّيَّ عَصَى بِإِخْرَاجِهَا إلَى الْمُسْلِمِ مع مَعْصِيَتِهِ بِمِلْكِهَا وَأَخْرَجَهَا طَائِعًا فَأَدَّبْته بِإِهْرَاقِهَا لم أَكُنْ أُهْرِيقَهَا ولم يَأْذَنْ فيها إنَّمَا أُهْرِيقَهَا بَعْدَ ما أَذِنَ فيها بِالْبَيْعِ وَإِنْ جَاءَتْنَا امْرَأَةُ الذِّمِّيِّ قد نَكَحَتْهُ في بَقِيَّةٍ من عِدَّتِهَا من زَوْجٍ غَيْرِهِ فَرَّقْنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا لِحَقِّ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَلَيْسَ هذا كَفَسَادِ عُقْدَةٍ نجيرها ( ( ( نجيزها ) ) ) له إذَا كانت جَائِزَةً عِنْدَهُ لَا ضَرَرَ فيها على غَيْرِهِ وَلَا تَجُوزُ في الْإِسْلَامِ بِحَالٍ وَإِنْ طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَهُ فَسَخْنَا النِّكَاحَ وَجَعَلْنَا لها مَهْرَ مِثْلِهَا إنْ أَصَابَهَا ولم تَحِلَّ له حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ يُصِيبُهَا فإذا نَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ مُسْلِمًا أو ذِمِّيًّا فَأَصَابَهَا حَلَّ له نِكَاحُهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَتَبْطُلُ بَيْنَهُمْ الْبُيُوعُ التي تَبْطُلُ بين الْمُسْلِمِينَ كُلُّهَا فإذا مَضَتْ وَاسْتُهْلِكَتْ لم نُبْطِلْهَا إنَّمَا نُبْطِلُهَا ما كانت قَائِمَةً وَإِنْ جَاءَنَا عبد أَحَدِهِمْ قد أَعْتَقَهُ أَعْتَقْنَا عليه وَإِنْ كَاتَبَهُ كِتَابَةً جَائِزَةً عندنا ( ( ( عندما ) ) ) أَجَزْنَاهَا له أو أُمُّ وَلَدٍ يُرِيدُ بَيْعَهَا لم نَدَعْهُ يَبِيعُهَا في قَوْلِ من لَا يَبِيعُ أُمَّ الْوَلَدِ وَيَبِيعُهَا في قَوْلِ من يَبِيعُ أُمَّ الْوَلَدِ فإذا أَسْلَمَ عبد الذِّمِّيِّ بِيعَ عليه فَإِنْ أَعْتَقَهُ الذِّمِّيُّ أو وَهَبَهُ أو تَصَدَّقَ بِهِ وَأَقْبَضَهُ فَكُلُّ ذلك جَائِزٌ لِأَنَّهُ مَالِكُهُ وَوَلَاؤُهُ لِلذِّمِّيِّ لِأَنَّهُ الذي أَعْتَقَهُ وَلَا يَرِثُهُ إنْ مَاتَ بِالْوَلَاءِ لِاخْتِلَافِ الدِّينَيْنِ فَإِنْ أَسْلَمَ قبل أَنْ يَمُوتَ ثُمَّ مَاتَ وَرِثَهُ بِالْوَلَاءِ وَهَكَذَا أَمَتُهُ فَإِنْ أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِهِ عُزِلَ عنها وَأُخِذَ بِنَفَقَتِهَا وكان له أَنْ يُؤَاجِرَهَا فإذا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ وَإِنْ دَبَّرَ عَبْدًا له فَأَسْلَمَ الْعَبْدُ قبل مَوْتِ السَّيِّدِ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُبَاعَ عليه كما يُبَاعُ عَبْدُهُ لو قال له أنت حُرٌّ إذَا دَخَلْت الدَّارَ أو كان غَدٌ أو جاء شَهْرُ كَذَا وَالْآخَرُ لَا يُبَاعُ حتى يَمُوتَ فَيَعْتِقَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ السَّيِّدُ بَيْعَهُ فإذا شَاءَ جَازَ بَيْعُهُ وَإِنْ كَاتَبَ عَبْدَهُ فَأَسْلَمَ الْعَبْدُ قِيلَ لِلْمُكَاتَبِ إنْ شِئْت فَاتْرُكْ الْكِتَابَةَ وَتُبَاعُ وَإِنْ شِئْت فَأَنْتَ على الْكِتَابَةِ فإذا أَدَّيْت عَتَقْت وَمَتَى عَجَزْت أُبِعْتَ
____________________

(4/211)


وَهَكَذَا لو أَسْلَمَ الْعَبْدُ ثُمَّ كَاتَبَهُ سَيِّدُهُ النَّصْرَانِيُّ أو أَسْلَمَ ثُمَّ دَبَّرَ أو أَسْلَمَتْ أَمَتُهُ ثُمَّ وَطِئَهَا فَحَبِلَتْ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لهم في هذه الْحَالِ وَلَا حَدَّ عليه وَلَا عليها وإذا جَنَى النَّصْرَانِيُّ على النَّصْرَانِيِّ عَمْدًا فَالْمَجْنِيُّ عليه بِالْخِيَارِ بين الْقَوَدِ وَالْعَقْلِ إنْ كان جَنَى جِنَايَةً فيها الْقَوَدُ فإذا اخْتَارَ الْعَقْلَ فَهُوَ حَالٌّ في مَالِ الْجَانِي وَإِنْ كانت الْجِنَايَةُ خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي كما تَكُونُ على عَوَاقِلِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ لم يَكُنْ لِلْجَانِي عَاقِلَةٌ فَالْجِنَايَةُ في مَالِهِ دَيْنٌ يُتْبَعُ بها وَلَا يَعْقِلُ عنه النَّصَارَى وَلَا قَرَابَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ وَهُمْ لَا يَرِثُونَ وَلَا يَعْقِلُ الْمُسْلِمُونَ عنه وَهُمْ لَا يَأْخُذُونَ ما تَرَكَ إذَا مَاتَ مِيرَاثًا إنَّمَا يَأْخُذُونَهُ فَيْئًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَوُلَاةُ دِمَاءِ النَّصَارَى كَوُلَاةِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْنَهُمْ شَهَادَةٌ إلَّا شَهَادَةُ الْمُسْلِمِينَ وَيَجُوزُ إقْرَارُهُمْ بَيْنَهُمْ كما يَجُوزُ إقْرَارُ الْمُسْلِمِينَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ وَكُلُّ حَقٍّ بَيْنَهُمْ يُؤْخَذُ لِبَعْضِهِمْ من بَعْضٍ كما يُؤْخَذُ لِلْمُسْلِمِينَ بَعْضِهِمْ من بَعْضٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فاذا أَهَرَاقَ وَاحِدٌ منهم لِصَاحِبِهِ خَمْرًا أو قَتَلَ له خِنْزِيرًا أو حَرَقَ له مَيْتَةً أو خِنْزِيرًا أو جِلْدَ مَيْتَةٍ لم يُدْبَغْ لم يَضْمَنْ له في شَيْءٍ من ذلك شيئا لِأَنَّ هذا حَرَامٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْحَرَامِ ثَمَنٌ وَلَوْ كانت الْخَمْرُ في زِقٍّ فَخَرَقَهُ أو جر ( ( ( جرة ) ) ) فكسره ( ( ( فكسرها ) ) ) ضَمِنَ ما نَقَصَ الْجَرَّ أو الزق ( ( ( أحلفه ) ) ) ولم يَضْمَنْ الْخَمْرَ لِأَنَّهُ يَحِلُّ مِلْكُ الزِّقِّ وَالْجَرَّةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الزِّقُّ من مَيْتَةٍ لم يُدْبَغْ أو جِلْدِ خِنْزِيرٍ دُبِغَ أو لم يُدْبَغْ فَلَا يَكُونُ له ثَمَنٌ وَلَوْ كَسَرَ له صَلِيبًا من ذَهَبٍ لم يَكُنْ عليه شَيْءٌ وَلَوْ كَسَرَهُ من عُودٍ وكان الْعُودُ إذَا فُرِّقَ لم يَكُنْ صَلِيبًا يَصْلُحُ لِغَيْرِ الصَّلِيبِ فَعَلَيْهِ ما نَقَصَ الْكَسْرُ الْعُودَ وَكَذَلِكَ لو كَسَرَ له تِمْثَالًا من ذَهَبٍ أو خَشَبٍ يَعْبُدُهُ لم يَكُنْ عليه في الذَّهَبِ شَيْءٌ ولم يَكُنْ أَيْضًا في الْخَشَبِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْخَشَبُ مَوْصُولًا فإذا فُرِّقَ صَلُحَ لِغَيْرِ تِمْثَالٍ فَيَكُونَ عليه ما نَقَصَ كَسْرُ الْخَشَبِ لَا ما نَقَصَ قِيمَةَ الصَّنَمِ وَلَوْ كَسَرَ له طُنْبُورًا أو مِزْمَارًا أو كَبَرًا فَإِنْ كان في هذا شَيْءٌ يَصْلُحُ لِغَيْرِ الْمَلَاهِي فَعَلَيْهِ ما نَقَصَ الْكَسْرُ وَإِنْ لم يَكُنْ يَصْلُحُ إلَّا لِلْمَلَاهِي فَلَا شَيْءَ عليه وَهَكَذَا لو كَسَرَهَا نَصْرَانِيٌّ لِمُسْلِمٍ أو نَصْرَانِيٌّ أو يَهُودِيٌّ أو مُسْتَأْمَنٌ أو كَسَرَهَا مُسْلِمٌ لِوَاحِدٍ من هَؤُلَاءِ أَبْطَلْت ذلك كُلَّهُ قال وَلَوْ أَنَّ نَصْرَانِيًّا أَفْسَدَ لِنَصْرَانِيٍّ ما أَبْطَلَ عنه فَغَرِمَ الْمُفْسِدُ شيئا بِحُكْمِ حَاكِمِهِمْ أو شيء ( ( ( شيئا ) ) ) يَرَوْنَهُ حَقًّا يُلْزِمُهُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أو شيء ( ( ( شيئا ) ) ) تَطَوَّعَ له بِهِ وَضَمِنَهُ ولم يَقْبِضْهُ الْمَضْمُونُ له حتى جَاءَنَا الضَّامِنُ أَبْطَلْنَاهُ عنه لِأَنَّهُ لم يَقْبِضْ وَلَوْ لم يَأْتِنَا حتى يَدْفَعَ إلَيْهِ ثُمَّ سَأَلْنَا إبْطَالَهُ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا لَا نُبْطِلُهُ وَنَجْعَلُهُ كما مَضَى من بُيُوعِ الرِّبَا وَالْآخَرُ أَنْ نُبْطِلَهُ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّهُ أخذ منه على غَيْرِ بَيْعٍ إنَّمَا أُخِذَ بِسَبَبِ جِنَايَةٍ لَا قِيمَةَ لها وَلَوْ كان الذي غَرِمَ له ما أَبْطَلَ عنه في الْحُكْمِ مُسْلِمًا وَقَبَضَهُ منه ثُمَّ جَاءَنِي رَدَدْته على الْمُسْلِمِ كما لو أَرْبَى على مُسْلِمٍ أو أَرْبَى عليه مُسْلِمٌ وَتَقَابَضَا رَدَدْت ذلك بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ لو أَهَرَاقَ نَصْرَانِيٌّ لِمُسْلِمٍ خَمْرًا أو أَفْسَدَ له شيئا مِمَّا أَبْطَلَهُ عنه وَتَرَافَعَا إلَيَّ وَغَرِمَ له النَّصْرَانِيُّ قِيمَتَهُ مُتَطَوِّعًا أو بِحُكْمِ ذِمِّيٍّ أو بِأَمْرٍ رَآهُ النَّصْرَانِيُّ لَازِمًا له وَدَفَعَهُ إلَى الْمُسْلِمِ ثُمَّ جَاءَنِي أَبْطَلْته عنه وَرَدَدْت النَّصْرَانِيَّ بِهِ على الْمُسْلِمِ لِأَنَّهُ ليس لِمُسْلِمٍ قَبْضُ حَرَامٍ وما مَضَى من قَبْضِهِ الْحَرَامِ وَبَقِيَ سَوَاءٌ في أَنَّهُ يَرُدُّ عنه وَأَنَّهُ لَا يُقِرُّ على حَرَامٍ جَهِلَهُ وَلَا عَرَفَهُ بِحَالٍ وَيَجُوزُ لِلنَّصْرَانِيِّ أَنْ يُقَارِضَ الْمُسْلِمَ وَأَكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُقَارِضَ النَّصْرَانِيَّ أو يُشَارِكَهُ خَوْفَ الرِّبَا وَاسْتِحْلَالَ الْبُيُوعِ الْحَرَامِ وَإِنْ فَعَلَ لم أَفْسَخْ ذلك لِأَنَّهُ قد يَعْمَلُ بِالْحَلَالِ وَلَا أَكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ النَّصْرَانِيَّ وَأَكْرَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ النَّصْرَانِيُّ الْمُسْلِمَ وَلَا أَفْسَخُ الْإِجَارَةَ إذَا وَقَعَتْ وَأَكْرَهُ أَنْ يَبِيعَ الْمُسْلِمُ من النَّصْرَانِيِّ عَبْدًا مُسْلِمًا أو أَمَةً مُسْلِمَةً وَإِنْ بَاعَهُ لم يَبِنْ لي أَنْ أَفْسَخَ الْبَيْعَ وَجَبَرْتُ النَّصْرَانِيَّ على بَيْعِهِ مَكَانَهُ إلَى أَنْ يَعْتِقَهُ أو يَتَعَذَّرَ السُّوقُ عليه في مَوْضِعِهِ فَأُلْحِقُهُ بِالسُّوقِ وَيَتَأَنَّى بِهِ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ ثُمَّ أُجْبِرُهُ على بَيْعِهِ قال وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أن الْبَيْعَ مَفْسُوخٌ وَإِنْ بَاعَ مُسْلِمٌ من نَصْرَانِيٍّ مُصْحَفًا فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَ منه دَفْتَرًا فيه أَحَادِيثُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَإِنَّمَا فُرِّقَ بين هذا وَبَيْنَ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ أَنَّ الْعَبْدَ وَالْأَمَةَ قد يَعْتِقَانِ فَيَعْتِقَانِ
____________________

(4/212)


بِعِتْقِ النَّصْرَانِيِّ وَهَذَا مَالٌ لَا يَخْرُجُ من مِلْكِ مَالِكِهِ إلَّا إلَى مَالِكٍ غَيْرِهِ وَإِنْ بَاعَهُ دَفَاتِرَ فيها رَأْيٌ كَرِهْت ذلك له ولم أَفْسَخْ الْبَيْعَ وَإِنْ بَاعَهُ دَفَاتِرَ فيها شِعْرٌ أو نَحْوٌ لم أَكْرَهْ ذلك له ولم أَفْسَخْ الْبَيْعَ وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَهُ طِبًّا أو عِبَارَةَ رُؤْيَا وما أَشْبَهَهُمَا في كِتَابٍ قال وَلَوْ أَنَّ نَصْرَانِيًّا بَاعَ مُسْلِمًا مُصْحَفًا أو أَحَادِيثَ من أَحَادِيثِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أو عَبْدًا مُسْلِمًا لم أَفْسَخْ له الْبَيْعَ ولم أَكْرَهْهُ إلَّا أَنِّي أَكْرَهُ أَصْلَ مِلْكِ النَّصْرَانِيِّ فإذا أَوْصَى الْمُسْلِمُ لِلنَّصْرَانِيِّ بِمُصْحَفٍ أو دَفْتَرٍ فيه أَحَادِيثُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَبْطَلْت الْوَصِيَّةَ وَلَوْ أَوْصَى بها النَّصْرَانِيُّ لِمُسْلِمٍ لم أُبْطِلْهَا وَلَوْ أَوْصَى الْمُسْلِمُ لِلنَّصْرَانِيِّ بِعَبْدٍ مُسْلِمٍ فَمَنْ قال أَفْسَخُ بَيْعَ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ لو اشْتَرَاهُ النَّصْرَانِيُّ أَبْطَلَ الْوَصِيَّةَ وَمَنْ قال أُجْبِرُهُ على بَيْعِهِ أَجَازَ الْوَصِيَّةَ وَهَكَذَا هِبَةُ الْمُسْلِمِ لِلنَّصْرَانِيِّ وَالْيَهُودِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ في جَمِيعِ ما ذَكَرْت وَلَوْ أَوْصَى مُسْلِمٌ لِنَصْرَانِيٍّ بِعَبْدٍ نَصْرَانِيٍّ فَمَاتَ الْمُسْلِمُ ( 1 ) ثُمَّ أَسْلَمَ النَّصْرَانِيُّ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ في الْقَوْلَيْنِ مَعًا لِأَنَّهُ قد مَلَكَهُ بِمَوْتِ الْمُوصِي وهو نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ أَسْلَمَ فَيُبَاعُ عليه وَلَوْ أَسْلَمَ قبل مَوْتِهِ النَّصْرَانِيُّ كان كَوَصِيَّةٍ له بِعَبْدٍ مسلم لَا يَخْتَلِفَانِ فإذا أَوْصَى النَّصْرَانِيُّ بِأَكْثَرَ من ثُلُثِهِ فَجَاءَنَا وَرَثَتُهُ أَبْطَلْنَا ما جَاوَزَ الثُّلُثَ إنْ شَاءَ الْوَرَثَةُ كما نُبْطِلُهُ إنْ شَاءَ وَرَثَةُ الْمُسْلِمِ وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ أو بِشَيْءٍ منه يَبْنِي بِهِ كَنِيسَةً لِصَلَاةِ النصراني ( ( ( النصارى ) ) ) أو يَسْتَأْجِرُ بِهِ خَدَمًا لِلْكَنِيسَةِ أو يَعْمُرُ بِهِ الْكَنِيسَةَ أو يَسْتَصْبِحُ بِهِ فيها أو يَشْتَرِي بِهِ أَرْضًا فَتَكُونُ صَدَقَةً على الْكَنِيسَةِ وَتَعْمُرُ بها أو ما في هذا الْمَعْنَى كانت الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةً وَكَذَلِكَ لو أَوْصَى أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ خَمْرًا أو خَنَازِيرَ فَيَتَصَدَّقَ بها أو أَوْصَى بِخَنَازِيرِ له أو خَمْرٍ أَبْطَلْنَا الْوَصِيَّةَ في هذا كُلِّهِ وَلَوْ أَوْصَى أَنْ تبني كَنِيسَةٌ يَنْزِلُهَا مَارُّ الطَّرِيقِ أو وَقَفَهَا على قَوْمٍ يَسْكُنُونَهَا أو جَعَلَ كِرَاءَهَا لِلنَّصَارَى أو لِلْمَسَاكِينِ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ وَلَيْسَ في بُنْيَانِ الْكَنِيسَةِ مَعْصِيَةٌ إلَّا أَنْ تُتَّخَذَ لِمُصَلَّى النَّصَارَى الَّذِينَ اجْتِمَاعُهُمْ فيها على الشِّرْكِ وَأَكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَعْمَلَ بِنَاءً أو نِجَارَةً أو غَيْرَهُ في كَنَائِسِهِمْ التي لِصَلَوَاتِهِمْ وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يُعْطِيَ الرُّهْبَانَ وَالشَّمَامِسَةَ ثُلُثَهُ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّهُ قد تَجُوزُ الصَّدَقَةُ على هَؤُلَاءِ وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يَكْتُبَ بِثُلُثِهِ الْإِنْجِيلَ وَالتَّوْرَاةَ لِدَرْسٍ لم تَجُزْ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل قد ذَكَرَ تَبْدِيلَهُمْ منها فقال { للذين ( ( ( الذين ) ) ) يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا من عِنْدِ اللَّهِ } وقال { وَإِنَّ منهم لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ } قَرَأَ الرَّبِيعُ الْآيَةَ وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يَكْتُبَ بِهِ كُتُبَ طِبٍّ فَتَكُونُ صَدَقَةً جَازَتْ له الْوَصِيَّةُ وَلَوْ أَوْصَى أَنْ تُكْتَبَ بِهِ كُتُبُ سِحْرٍ لم يَجُزْ وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يَشْتَرِيَ بِثُلُثِهِ سِلَاحًا لِلْمُسْلِمِينَ جَازَ وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ سِلَاحًا لِلْعَدُوِّ من الْمُشْرِكِينَ لم يَجُزْ وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِبَعْضِ أَهْلِ الْحَرْبِ جَازَ لِأَنَّهُ لم يَحْرُمْ أَنْ يُعْطَوْا مَالًا وَكَذَلِكَ لو أَوْصَى أَنْ يُفْتَدَى منه أَسِيرٌ في أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ من أَهْلِ الْحَرْبِ قال وَمَنْ اسْتَعْدَى على ذِمِّيٍّ أو مُسْتَأْمَنٍ أَعْدَى عليه وَإِنْ لم يَرْضَ ذلك المستعدي عليه إذَا اسْتَعْدَى عليه في شَيْءٍ فيه حَقٌّ لِلْمُسْتَعْدِي وَإِنْ جَاءَنَا مُحْتَسِبٌ من الْمُسْلِمِينَ أو غَيْرِهِمْ يَذْكُرُ أَنَّ الذِّمِّيِّينَ يَعْمَلُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ أَعْمَالًا من رِبَاءٍ لم نَكْشِفْهُمْ عنها لِأَنَّ ما أَقْرَرْنَاهُمْ عليه من الشِّرْكِ أَعْظَمُ ما لم يَكُنْ لها طَالِبٌ يَسْتَحِقُّهَا وَكَذَلِكَ لَا يَكْشِفُونَ عَمَّا اسْتَحَلُّوا من نِكَاحِ الْمَحَارِمِ فَإِنْ جَاءَتْنَا مَحْرَمٌ لِلرَّجُلِ قد نَكَحَتْهُ فَسَخْنَا النِّكَاحَ فَإِنْ جَاءَتْنَا امْرَأَةٌ نَكَحَهَا على أَرْبَعٍ أَجْبَرْنَاهُ بِأَنْ يَخْتَارَ أَرْبَعًا وَيُفَارِقَ سَائِرَهُنَّ وَإِنْ لم تَأْتِنَا لم نَكْشِفْهُ عن ذلك فَإِنْ قال قَائِلٌ فَقَدْ كَتَبَ عُمَرُ يُفَرِّقُ بين كل ذِي مَحْرَمٍ من الْمَجُوسِ فَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يُفَرَّقَ إذَا طَلَبَتْ ذلك الْمَرْأَةُ أو وَلِيُّهَا أو طَلَبَهُ الزَّوْجُ لِيُسْقِطَ عنه مَهْرَهَا وَتَرْكُنَا لهم على الشِّرْكِ أَعْظَمُ من تَرْكِنَا لهم على نِكَاحِ ذَاتِ مَحْرَمٍ وَجَمْعُ أَكْثَرَ من أَرْبَعٍ ما لم يَأْتُونَا فَإِنْ جَاءَنَا منهم مَسْرُوقٌ بِسَارِقٍ قَطَعْنَاهُ له وَإِنْ جَاءَنَا منهم سَارِقٌ قد اسْتَعْبَدَهُ مَسْرُوقٌ بِحُكْمٍ له أَبْطَلْنَا الْعُبُودِيَّةَ عنه وَحَكَمْنَا عليه حُكْمَنَا على السَّارِقِ قال وَلِلنَّصْرَانِيِّ الشُّفْعَةُ على الْمُسْلِمِ وَلِلْمُسْلِمِ الشُّفْعَةُ عليه وَلَا يُمْنَعُ النَّصْرَانِيُّ أَنْ
____________________

(4/213)


يَشْتَرِيَ من مُسْلِمٍ مَاشِيَةً فيها صَدَقَةٌ وَلَا أَرْضَ زَرْعٍ وَلَا نَخْلًا وَإِنْ أَبْطَلَ ذلك الصَّدَقَةَ فيها كما لَا يُمْنَعُ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ أَنْ يَبِيعَ ذلك مُفَرَّقًا من جَمَاعَةٍ فَتَسْقُطَ فيه الصَّدَقَةُ قال وَلَا يَكُونُ لِذِمِّيٍّ أَنْ يحيى مَوَاتًا من بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ أَحْيَاهَا لم تَكُنْ له بِإِحْيَائِهَا وَقِيلَ له خُذْ عِمَارَتَهَا وَإِنْ كان ذلك فيها وَالْأَرْضُ لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ إحْيَاءَ الْمَوَاتِ فَضْلٌ من اللَّهِ تَعَالَى بَيَّنَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ لِمَنْ أَحْيَاهُ ولم يَكُنْ له قَبْلُ يُحْيِيهِ كَالْفَيْءِ وَإِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْفَيْءَ وَمِلْكَ ما لَا مَالِكَ له لِأَهْلِ دِينِهِ لَا لِغَيْرِهِمْ (1) * - * بَابٌ فِيمَنْ يَجِبُ قِتَالُهُ من أَهْلِ الْبَغْيِ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ ) قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَإِنْ طَائِفَتَانِ من الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فأصلحوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إحْدَاهُمَا على الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا التي تَبْغِي حتى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فذكر اللَّهُ عز وجل اقْتِتَالَ الطَّائِفَتَيْنِ وَالطَّائِفَتَانِ الْمُمْتَنِعَتَانِ الْجَمَاعَتَانِ كُلُّ وَاحِدَةٍ تَمْتَنِعُ أَشَدَّ الِامْتِنَاعِ أو أَضْعَفَ أذا لَزِمَهَا اسْمُ الِامْتِنَاعِ وَسَمَّاهُمْ اللَّهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَمَرَ بِالْإِصْلَاحِ بَيْنَهُمْ فَحَقٌّ على كل أَحَدٍ دُعَاءُ الْمُؤْمِنِينَ إذَا افْتَرَقُوا وَأَرَادُوا الْقِتَالَ أَنْ لَا يُقَاتِلُوا حتى يَدْعُوا إلَى الصُّلْحِ وَبِذَلِكَ قُلْت لَا يَبِيتُ أَهْلُ الْبَغْيِ قبل دُعَائِهِمْ لِأَنَّ على الْإِمَامِ الدُّعَاءَ كما أَمَرَ اللَّهُ عز وجل قبل الْقِتَالِ وَأَمَرَ اللَّهُ عز وجل بِقِتَالِ الْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ وَهِيَ مُسَمَّاةٌ بِاسْمِ الْإِيمَانِ حتى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ لم يَكُنْ لِأَحَدٍ قِتَالُهَا لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل إنَّمَا أَذِنَ في قِتَالِهَا في مُدَّةِ الِامْتِنَاعِ بِالْبَغْيِ إلَى أَنْ تَفِيءَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْفَيْءُ الرَّجْعَةُ عن الْقِتَالِ بِالْهَزِيمَةِ أو التَّوْبَةِ وَغَيْرِهَا وَأَيُّ حَالٍ تَرَكَ بها الْقِتَالَ فَقَدْ فَاءَ وَالْفَيْءُ بِالرُّجُوعِ عن الْقِتَالِ الرُّجُوعُ عن مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى ذَكَرَهُ إلَى طَاعَتِهِ في الْكَفِّ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عز وجل قال وقال أبو ذُؤَيْبٍ يُعَيِّرُ نَفَرًا من قَوْمِهِ انْهَزَمُوا عن رَجُلٍ من أَهْلِهِ في وَقْعَةٍ فَقُتِلَ % لَا يَنْسَأُ اللَّهُ مِنَّا مَعْشَرًا شَهِدُوا * % يوم الْأُمَيْلِحِ لَا غَابُوا وَلَا جُرِحُوا % عَقُّوا بِسَهْمٍ فلم يَشْعُرْ بِهِ أَحَدٌ * % ثُمَّ اسْتَفَاءُوا وَقَالُوا حَبَّذَا الْوَضَحُ % ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى إنْ فَاءُوا أَنْ يُصْلِحَ بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ ولم يذكر تِبَاعَةً في دَمٍ وَلَا مَالٍ وَإِنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الصُّلْحَ آخِرًا كما ذَكَرَ الْإِصْلَاحَ بَيْنَهُمْ أَوَّلًا قبل الْإِذْنِ بِقِتَالِهِمْ فَأَشْبَهَ هذا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ تَكُونَ التِّبَاعَاتُ في الْجِرَاحِ وَالدِّمَاءِ وما فَاتَ من الْأَمْوَالِ سَاقِطَةً بَيْنَهُمْ قال وقد يَحْتَمِلُ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل { فَإِنْ فَاءَتْ فَأُصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ } أَنْ يُصْلِحَ بَيْنَهُمْ بِالْحُكْمِ إذَا كَانُوا قد فَعَلُوا ما فيه حُكْمٌ فَيُعْطِي بَعْضَهُمْ من بَعْضٍ ما وَجَبَ له لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { بِالْعَدْلِ } والعدل أَخَذَ الْحَقَّ لِبَعْضِ الناس من بَعْضٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنَّمَا ذَهَبْنَا إلَى أَنَّ الْقَوَدَ سَاقِطٌ وَالْآيَةُ تَحْتَمِلُ الْمَعْنَيَيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مُطَرِّفُ بن مَازِنٍ عن مَعْمَرِ بن رَاشِدٍ عن الزُّهْرِيِّ قال أَدْرَكَتْ الْفِتْنَةَ الْأُولَى أَصْحَابُ رسول اللَّه صلى اللَّهُ عليه وسلم فَكَانَتْ فيها دِمَاءٌ وَأَمْوَالٌ فلم يُقْتَصَّ فيها من دَمٍ وَلَا مَالٍ وَلَا قُرْحٍ أُصِيبَ بِوَجْهِ التَّأْوِيلِ إلَّا أَنْ يُوجَدَ مَالُ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَيُدْفَعَ إلَى صَاحِبِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا كما قال الزُّهْرِيُّ عِنْدَنَا قد كانت في تِلْكَ الْفِتْنَةِ دِمَاءٌ يُعْرَفُ في بَعْضِهَا الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ وَأُتْلِفَتْ فيها أَمْوَالٌ ثُمَّ صَارَ الناس إلَى أَنْ سَكَنَتْ الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ وَجَرَى الْحُكْمُ عليهم فما عَلِمْته اقْتَصَّ أَحَدٌ من أَحَدٍ وَلَا غَرِمَ له مَالًا أَتْلَفَهُ وَلَا عَلِمْتُ الناس اخْتَلَفُوا في أَنْ ما حَوَوْا في الْبَغْيِ من مَالٍ فَوُجِدَ بِعَيْنِهِ فَصَاحِبُهُ أَحَقُّ بِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ
____________________
1- * كِتَابُ قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ وَأَهْلِ الرِّدَّةِ

(4/214)


عن الزُّهْرِيِّ عن طَلْحَةَ بن عبد اللَّهِ بن عَوْفٍ عن سَعِيدِ بن زَيْدِ بن عَمْرِو بن نُفَيْلٍ أَنْ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ( من قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَسُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم تَدُلُّ على أَنَّ لِلْمَرْءِ أَنْ يَمْنَعَ مَالَهُ وإذا مَنَعَهُ بِالْقِتَالِ دُونَهُ فَهُوَ إحْلَالٌ لِلْقِتَالِ وَالْقِتَالُ سَبَبُ الْإِتْلَافِ لِمَنْ يُقَاتِلُ في النَّفْسِ وما دُونَهَا قال وَلَا يَحْتَمِلُ قَوْلُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ( من قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ) إلَّا أَنْ يُقَاتِلَ دُونَهُ وَلَوْ ذَهَبَ رَجُلٌ إلَى أَنْ يَحْمِلَ هذا الْقَوْلَ على أَنْ يُقْتَلَ وَيُؤْخَذَ مَالُهُ كان اللَّفْظُ في الحديث من قُتِلَ وَأُخِذَ مَالُهُ أو قُتِلَ لِيُؤْخَذَ مَالُهُ وَلَا يُقَالُ له قُتِلَ دُونَ مَالِهِ وَمَنْ قُتِلَ بِلَا أَنْ يُقَاتِلَ فَلَا يَشُكُّ أَحَدٌ أَنَّهُ شَهِيدٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَهْلُ الرِّدَّةِ بَعْدَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ضَرْبَانِ منهم قَوْمٌ كفروا ( ( ( أغروا ) ) ) بَعْدَ الْإِسْلَامِ مِثْلُ طُلَيْحَةَ وَمُسَيْلِمَةَ وَالْعَنْسِيِّ وَأَصْحَابِهِمْ وَمِنْهُمْ قَوْمٌ تَمَسَّكُوا بِالْإِسْلَامِ وَمَنَعُوا الصَّدَقَاتِ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على ذلك وَالْعَامَّةُ تَقُولُ لهم أَهْلَ الرِّدَّةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ لِسَانٌ عَرَبِيٌّ فَالرِّدَّةُ الِارْتِدَادُ عَمَّا كَانُوا عليه بِالْكُفْرِ وَالِارْتِدَادُ بمنع ( ( ( يمنع ) ) ) الْحَقَّ قال وَمَنْ رَجَعَ عن شَيْءٍ جَازَ أَنْ يُقَالَ ارْتَدَّ عن كَذَا وَقَوْلُ عُمَرَ لِأَبِي بَكْرٍ أَلَيْسَ قد قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ الناس حتى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فإذا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ على اللَّهِ ) في قَوْلِ أبي بَكْرٍ ( هذا من حَقِّهَا لو مَنَعُونِي عَنَاقًا مِمَّا اعطوا رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَقَاتَلْتُهُمْ عليه ) مَعْرِفَةٌ مِنْهُمَا مَعًا بِأَنَّ مِمَّنْ قَاتَلُوا من هو علي التَّمَسُّكِ بِالْإِيمَانِ وَلَوْلَا ذلك ما شَكَّ عُمَرُ في قِتَالِهِمْ وَلَقَالَ أبو بَكْرٍ قد تَرَكُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَصَارُوا مُشْرِكِينَ وَذَلِكَ بَيِّنٌ في مُخَاطَبَتِهِمْ جُيُوشَ أبي بَكْرٍ وَأَشْعَارِ من قال الشِّعْرَ منهم وَمُخَاطَبَتِهِمْ لِأَبِي بَكْرٍ بَعْدَ الْإِسَارِ فقال شَاعِرُهُمْ % أَلَا أصبحينا ( ( ( أصبحنا ) ) ) قبل نَائِرَةِ الْفَجْرِ * % لَعَلَّ مَنَايَانَا قَرِيبٌ وما نَدْرِي % أَطَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ ما كان وَسَطَنَا * % فَيَا عَجَبًا ما بَالُ مِلْكِ أبي بَكْرٍ % فإن الذي يسألكمو فَمَنَعْتُمْ * % لَكَالتَّمْرِ أو أَحْلَى إلَيْهِمْ من التَّمْرِ % سَنَمْنَعُهُمْ ما كان فِينَا بَقِيَّةٌ * % كِرَامٌ على الْعَزَاءِ في سَاعَةِ الْعُسْرِ % وَقَالُوا لِأَبِي بَكْرٍ بَعْدَ الْإِسَارِ ما كَفَرْنَا بَعْدَ إيمَانِنَا وَلَكِنْ شَحِحْنَا على أَمْوَالِنَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقَوْلُ أبي بَكْرٍ لَا تُفَرِّقُوا بين ما جَمَعَ اللَّهُ يَعْنِي فِيمَا أَرَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّهُ مُجَاهِدُهُمْ على الصَّلَاةِ وَأَنَّ الزَّكَاةَ مِثْلُهَا وَلَعَلَّ مَذْهَبَهُ فيه أَنَّ اللَّهَ عز وجل يقول { وما أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ له الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ عليهم شَهَادَةَ الْحَقِّ وَالصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَأَنَّهُ مَتَى مَنَعَ فَرْضًا قد لَزِمَهُ لم يُتْرَكْ وَمَنْعَهُ حتى يُؤَدِّيَهُ أو يُقْتَلَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَسَارَ إلَيْهِمْ أبو بَكْرٍ بِنَفْسِهِ حتى لَقِيَ أَخَا بَنِي بَدْرٍ الْفَزَارِيّ فَقَاتَلَهُ معه عُمَرُ وَعَامَّةُ أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ أَمْضَى أبو بَكْرٍ خَالِدَ بن الْوَلِيدِ في قِتَالِ من ارْتَدَّ وَمَنْ مَنَعَ الزَّكَاةَ مَعًا فَقَاتَلَهُمْ بِعَوَامَّ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال فَفِي هذا الدَّلِيلُ على أَنْ من مَنَعَ ما فَرَضَ اللَّهُ عز وجل عليه فلم يَقْدِرْ الْإِمَامُ على أَخْذِهِ منه بِامْتِنَاعِهِ قَاتَلَهُ وَإِنْ أنى ( ( ( أتى ) ) ) الْقِتَالُ على نَفْسِهِ وفي هذا الْمَعْنَى كُلُّ حَقٍّ لِرَجُلٍ على رَجُلٍ مَنَعَهُ قال فإذا امْتَنَعَ رَجُلٌ من تَأْدِيَةِ حَقٍّ وَجَبَ عليه وَالسُّلْطَانُ يَقْدِرُ على أَخْذِهِ منه أَخَذَهُ ولم يَقْتُلْهُ وَذَلِكَ أَنْ يَقْتُلَ فَيَقْتُلَهُ أو يَسْرِقَ فَيَقْطَعَهُ أو يَمْنَعَ أَدَاءَ دَيْنٍ فَيُبَاعَ فيه مَالُهُ أو زَكَاةٍ فَتُؤْخَذَ منه فَإِنْ امْتَنَعَ دُونَ هذا أو شَيْءٍ منه بِجَمَاعَةٍ وكان إذَا قِيلَ له أَدِّ هذا قال لَا أُؤَدِّيه وَلَا أَبْدَؤُكُمْ بِقِتَالٍ إلَّا أَنْ تُقَاتِلُونِي قُوتِلَ عليه لِأَنَّ هذا إنَّمَا يُقَاتِلُ على ما مَنَعَ من حَقٍّ لَزِمَهُ وَهَكَذَا من مَنَعَ الصَّدَقَةَ مِمَّنْ نُسِبَ إلَى الرِّدَّةِ فَقَاتَلَهُمْ أبو بَكْرٍ بِأَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَانِعُ
____________________

(4/215)


الصَّدَقَةِ مُمْتَنِعٌ بِحَقٍّ نَاصِبٍ دُونَهُ فإذا لم يَخْتَلِفْ أَصْحَابُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في قِتَالِهِ فَالْبَاغِي يُقَاتِلُ الْإِمَامَ الْعَادِلَ في مِثْلِ هذا الْمَعْنَى في أَنَّهُ لَا يُعْطِي الْإِمَامَ الْعَادِلَ حَقًّا إذَا وَجَبَ عليه وَيَمْتَنِعُ من حُكْمِهِ وَيَزِيدُ على مَانِعِ الصَّدَقَةِ أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَحْكُمَ هو على الْإِمَامِ الْعَادِلِ وَيُقَاتِلَهُ فَيَحِلَّ قِتَالُهُ بِإِرَادَتِهِ قتال ( ( ( قتاله ) ) ) الْإِمَامَ قال وقد قَاتَلَ أَهْلُ الِامْتِنَاعِ بِالصَّدَقَةِ وَقُتِلُوا ثُمَّ قُهِرُوا فلم يُقِدْ منهم أَحَدًا من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَكِلَا هَذَيْنِ مُتَأَوِّلٌ أَمَّا أَهْلُ الِامْتِنَاعِ فَقَالُوا قد فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْنَا أَنْ نُؤَدِّيَهَا إلَى رَسُولِهِ كَأَنَّهُمْ ذَهَبُوا إلَى قَوْلِ اللَّهِ عز وجل لِرَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم خُذْ من أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَقَالُوا لَا نَعْلَمُهُ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُؤَدِّيَهَا إلَى غَيْرِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم واما أَهْلُ الْبَغْيِ فَشَهِدُوا على من بَغَوْا عليه بِالضَّلَالِ وَرَأَوْا أَنَّ جِهَادَهُ حَقٌّ فلم يَكُنْ على وَاحِدٍ من الْفَرِيقَيْنِ عِنْدَ تقضى الْحَرْبِ قِصَاصٌ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا وَاحِدًا قُتِلَ على التَّأْوِيلِ أو جَمَاعَةً غير مُمْتَنِعِينَ ثُمَّ كانت لهم بَعْدَ ذلك جَمَاعَةٌ مُمْتَنِعُونَ أو لم تَكُنْ كان عليهم الْقِصَاصُ في الْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ وَغَيْرِ ذلك كما يَكُونُ على غَيْرِ الْمُتَأَوِّلِينَ فقال لي قَائِلٌ فَلِمَ قُلْت في الطَّائِفَةِ الْمُمْتَنِعَةِ الناصبة ( ( ( الغاصبة ) ) ) الْمُتَأَوِّلَةِ تَقْتُلُ وَتُصِيبُ الْمَالَ أُزِيلُ عنها الْقِصَاصِ وَغُرْمَ الْمَالَ إذَا تَلِفَ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا تَأَوَّلَ فَقَتَلَ أو أَتْلَفَ مَالًا اقْتَصَصْت منه وَأَغْرَمْته الْمَالَ فَقُلْت له وَجَدْت اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يقول { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ في الْقَتْلِ } وقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فِيمَا يُحِلُّ دَمَ مُسْلِمٍ ( أو قَتْلِ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ ) وروى عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( من اعْتَبَطَ مُسْلِمًا بِقَتْلٍ فَهُوَ قَوَدُ يَدِهِ ) وَوَجَدْت اللَّهَ تَعَالَى قال { وَإِنْ طَائِفَتَانِ من الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إحْدَاهُمَا على الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا التي تَبْغِي حتى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } فذكر اللَّهُ عز وجل قِتَالَهُمْ ولم يذكر الْقِصَاصَ بَيْنَهُمَا فَأَثْبَتْنَا الْقِصَاصَ بين الْمُسْلِمِينَ على ما حَكَمَ اللَّهُ عز وجل في الْقِصَاصِ وَأَزَلْنَاهُ في الْمُتَأَوِّلِينَ الممتنعين ( ( ( الممتغين ) ) ) وَرَأَيْنَا أَنَّ الْمَعْنَى بِالْقِصَاصِ من الْمُسْلِمِينَ هو من لم يَكُنْ مُمْتَنِعًا مُتَأَوِّلًا فَأَمْضَيْنَا الْحُكْمَيْنِ على ما أَمْضَيَا عليه وَقُلْت له عَلِيُّ بن أبي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَهُ ولى قِتَالَ الْمُتَأَوِّلِينَ فلم يَقْصُصْ من دَمٍ وَلَا مَالٍ أُصِيبَ في التَّأْوِيلِ وَقَتَلَهُ بن مُلْجِمٍ مُتَأَوِّلًا فَأَمَرَ بِحَبْسِهِ وقال لِوَلَدِهِ إنْ قَتَلْتُمْ فَلَا تُمَثِّلُوا وَرَأَى له الْقَتْلَ وَقَتَلَهُ الْحَسَنُ بن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما وفي الناس بَقِيَّةٌ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَنْكَرَ قَتْلَهُ وَلَا عَابَهُ وَلَا خَالَفَهُ في أَنْ يُقْتَلَ إذْ لم يَكُنْ له جَمَاعَةٌ يَمْتَنِعُ بِمِثْلِهَا ولم يُقِدْ عَلِيٌّ وأبو بَكْرٍ قَبْلَهُ ولى من قَتَلَتْهُ الْجَمَاعَةُ الْمُمْتَنِعُ بِمِثْلِهَا على التَّأْوِيلِ كما وَصَفْنَا وَلَا على الْكُفْرِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْآيَةُ تَدُلُّ على أَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ قِتَالُهُمْ في حَالٍ وَلَيْسَ في ذلك إبَاحَةُ أَمْوَالِهِمْ وَلَا شَيْءٍ منها وَأَمَّا قُطَّاعُ الطَّرِيقِ وَمَنْ قَتَلَ على غَيْرِ تَأْوِيلٍ فَسَوَاءٌ جَمَاعَةً كَانُوا أو وُحْدَانًا يَقْتُلُونَ حَدًّا وَبِالْقِصَاصِ بِحُكْمِ اللَّهِ عز وجل في الْقَتَلَةِ وفي الْمُحَارَبِينَ - * بَابُ السِّيرَةِ في أَهْلِ الْبَغْيِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى روى عن جَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ عن أبيه عن جَدِّهِ عَلِيِّ بن الْحُسَيْنِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما قال دَخَلْت على مَرْوَانَ بن الْحَكَمِ فقال ما رَأَيْت أَحَدًا أَكْرَمَ غَلَبَةً من أَبِيك ما هو إلَّا أَنْ وَلِيَنَا يوم الْجَمَلِ فَنَادَى مُنَادِيهِ ( لَا يُقْتَلُ مُدْبِرٌ وَلَا يَذْفِفْ على جَرِيحٍ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَذَكَرْت هذا الحديث لِلدَّرَاوَرْدِيِّ فقال ما أَحْفَظُهُ يُرِيدُ يَعْجَبُ بِحِفْظِهِ هَكَذَا ذَكَرَهُ جَعْفَرٌ بهذا الْإِسْنَادِ * قال الدَّرَاوَرْدِيُّ أخبرنا جَعْفَرٌ عن أبيه أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان لَا يَأْخُذُ سَلَبًا وَأَنَّهُ كان يُبَاشِرُ الْقِتَالَ بِنَفْسِهِ وَأَنَّهُ كان لَا يَذْفِفْ على جَرِيحٍ وَلَا يَقْتُلُ مُدْبِرًا
____________________

(4/216)


( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدٍ عن جَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ عن أبيه أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قال في بن مُلْجِمٍ بَعْدَ ما ضَرَبَهُ ( أَطْعِمُوهُ وَاسْقُوهُ وَأَحْسِنُوا إسَارَهُ إنْ عِشْت فَأَنَا وَلِيُّ دَمِي أَعْفُو إنْ شِئْت وَإِنْ شِئْت اسْتَقَدْت وَإِنْ مِتُّ فَقَتَلْتُمُوهُ فَلَا تُمَثِّلُوا ) - * بَابُ الْحَالِ التي لَا يَحِلُّ فيها دِمَاءُ أَهْلِ الْبَغْيِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَنَّ قَوْمًا أَظْهَرُوا رَأْيَ الْخَوَارِجِ وَتَجَنَّبُوا جَمَاعَاتِ الناس وَكَفَّرُوهُمْ لم يَحْلِلْ بِذَلِكَ قِتَالُهُمْ لِأَنَّهُمْ على حُرْمَةِ الْإِيمَانِ لم يَصِيرُوا إلَى الْحَالِ التي أَمَرَ اللَّهُ عز وجل وجل بِقِتَالِهِمْ فيها بَلَغَنَا أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه بينا ( ( ( بينما ) ) ) هو يَخْطُبُ إذْ سمع تَحْكِيمًا من نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ ( لَا حَكَمَ إلَّا لله ( ( ( الله ) ) ) عز وجل ) فقال عَلِيٌّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه ( كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بها بَاطِلٌ لَكُمْ عَلَيْنَا ثَلَاثٌ لَا نَمْنَعَكُمْ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ تَذْكُرُوا فيها اسْمَ اللَّهِ وَلَا نَمْنَعُكُمْ الْفَيْءَ ما كانت أَيْدِيكُمْ مع أَيْدِينَا وَلَا نَبْدَؤُكُمْ بِقِتَالٍ ) ( قال الشافعى ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا عبد الرحمن بن الْحَسَنِ بن الْقَاسِمِ الْأَزْرَقِيُّ الْغَسَّانِيُّ عن أبيه أَنَّ عَدِيًّا كَتَبَ لِعُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ أَنَّ الْخَوَارِجَ عِنْدَنَا يَسُبُّونَك فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ بن عبد الْعَزِيزِ ( إنْ سَبُّونِي فَسُبُّوهُمْ أو اُعْفُوَا عَنْهُمْ وَإِنْ أَشْهَرُوا السِّلَاحَ فَأَشْهِرُوا عليهم وَإِنْ ضَرَبُوا فَاضْرِبُوهُمْ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهَذَا كُلِّهِ نَقُولُ وَلَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ بِطَعْنِهِمْ دِمَاؤُهُمْ وَلَا أَنْ يُمْنَعُوا الْفَيْءَ ما جَرَى عليهم حُكْمُ الْإِسْلَامِ وَكَانُوا أُسْوَتَهُمْ في جِهَادِ عَدُوِّهِمْ وَلَا يُحَالُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمَسَاجِدِ وَالْأَسْوَاقِ قال وَلَوْ شَهِدُوا شَهَادَةَ الْحَقِّ وَهُمْ مُظْهِرُونَ لِهَذَا قبل الِاعْتِقَادِ أو بَعْدَهُ وَكَانَتْ حَالُهُمْ في الْعَفَافِ وَالْعُقُولُ حَسَنَةٌ انبغى ( ( ( البغي ) ) ) لِلْقَاضِي أَنْ يُحْصِيَهُمْ بِأَنْ يَسْأَلَ عَنْهُمْ فَإِنْ كَانُوا يَسْتَحِلُّونَ في مَذَاهِبِهِمْ أَنْ يَشْهَدُوا لِمَنْ يَذْهَبُ مَذْهَبَهُمْ بِتَصْدِيقِهِ على ما لم يَسْمَعُوا ولم يُعَايِنُوا أو يَسْتَحِلُّوا أَنْ يَنَالُوا من أَمْوَالِ من خَالَفَهُمْ أو أَبْدَانِهِمْ شيئا يَجْعَلُونَ الشَّهَادَةَ بِالْبَاطِلِ ذَرِيعَةً إلَيْهِ لم تَجُزْ شَهَادَتُهُمْ وَإِنْ كَانُوا لَا يَسْتَحِلُّونَ ذلك جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ وَهَكَذَا من بَغَى من أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ فِيمَا يَجِبُ لهم وَعَلَيْهِمْ من أَخْذِ الْحَقَّ وَالْحُدُودِ وَالْأَحْكَامِ وَلَوْ أَصَابُوا في هذه الْحَالِ حَدًّا لِلَّهِ عز وجل أو لِلنَّاسِ دَمًا أو غَيْرَهُ ثُمَّ اعْتَقَدُوا وَنَصَبُوا إمَامًا وَامْتَنَعُوا ثُمَّ سَأَلُوا أَنْ يُؤْمِنُوا على أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُمْ ما أَصَابُوا قبل أَنْ يَعْتَقِدُوا أو شَيْءٌ منه لم يَكُنْ لِلْإِمَامِ أَنْ يُسْقِطَ عَنْهُمْ منه شيئا لِلَّهِ عز ذِكْرُهُ وَلَا لِلنَّاسِ وكان عليه أَخْذُهُمْ بِهِ كما يَكُونُ عليه أَخْذُ من أَحْدَثَ حَدًّا لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أو لِلنَّاسِ ثُمَّ هَرَبَ ولم يَتَأَوَّلْ وَيَمْتَنِعُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَنَّ قَوْمًا كَانُوا في مِصْرٍ أو صَحْرَاءَ فَسَفَكُوا الدِّمَاءَ وَأَخَذُوا الْأَمْوَالَ كان حُكْمُهُمْ كَحُكْمِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَسَوَاءٌ الْمُكَابَرَةُ في الْمِصْرِ أو الصَّحْرَاءِ وَلَوْ افْتَرَقَا كانت الْمُكَابَرَةُ في الْمِصْرِ أَعْظَمَهُمَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَلِكَ لو أَنَّ قَوْمًا كَابَرُوا فَقَتَلُوا ولم يَأْخُذُوا مَالًا أُقِيمَ عليهم الْحَقُّ في جَمِيعِ ما أَخَذُوا وَكَذَلِكَ لو امْتَنَعُوا فَأَصَابُوا دَمًا وَأَمْوَالًا على غَيْرِ التَّأْوِيلِ ثُمَّ قَدَرَ عليهم أَخَذَ منهم الْحَقَّ في الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَكُلِّ ما أَتَوْا من حَدٍّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَنَّ قَوْمًا مُتَأَوِّلِينَ كَثِيرًا كَانُوا أو قَلِيلًا اعْتَزَلُوا جَمَاعَةَ الناس فَكَانَ عليهم وَالٍ لِأَهْلِ الْعَدْلِ يُجْرِي حُكْمَهُ فَقَتَلُوهُ وَغَيْرَهُ قبل أَنْ يَنْصِبُوا إمَامًا وَيَعْتَقِدُوا وَيُظْهِرُوا حُكْمًا مُخَالِفًا لِحُكْمِهِ كان عليهم في ذلك الْقِصَاصُ وَهَكَذَا كان شَأْنُ الَّذِينَ اعْتَزَلُوا عَلِيًّا رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وَنَقَمُوا عليه الْحُكُومَةَ فَقَالُوا لَا نُسَاكِنُك في بَلَدٍ فَاسْتَعْمَلَ عليهم عَامِلًا فَسَمِعُوا له ما شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ قَتَلُوهُ فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ أَنْ ادْفَعُوا إلَيْنَا قَاتِلَهُ نَقْتُلْهُ بِهِ قالوا كُلُّنَا قَاتِلُهُ قال فَاسْتَسْلِمُوا نَحْكُمُ عَلَيْكُمْ قالوا لَا فَسَارَ إلَيْهِمْ فَقَاتَلَهُمْ فَأَصَابَ أَكْثَرَهُمْ قال وَكُلُّ ما أَصَابُوهُ في هذه الْحَالِ من حَدٍّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أو لِلنَّاسِ أُقِيمَ عليهم مَتَى قَدَرَ عليهم
____________________

(4/217)


وَلَيْسَ عليهم في هذه الْحَالِ أَنْ يَبْدَءُوا بِقِتَالٍ حتى يَمْتَنِعُوا من الْحُكْمِ وَيَنْتَصِبُوا قال وَهَكَذَا لو خَرَجَ رَجُلٌ أو رَجُلَانِ أو نَفَرٌ يَسِيرٌ قَلِيلُو الْعَدَدِ يُعْرَفُ أَنَّ مِثْلَهُمْ لَا يَمْتَنِعُ إذَا أُرِيدَ فَأَظْهَرُوا رَأْيَهُمْ وَنَابَذُوا إمَامَهُمْ الْعَادِلَ وَقَالُوا نَمْتَنِعُ من الْحُكْمِ فَأَصَابُوا دَمًا وَأَمْوَالًا وَحُدُودًا في هذه الْحَالِ مُتَأَوِّلِينَ ثُمَّ ظَهَرَ عليهم أُقِيمَتْ عليهم الْحُدُودُ وَأُخِذَتْ منهم الْحُقُوقُ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِلنَّاسِ في كل شَيْءٍ كما يُؤْخَذُ من غَيْرِ الْمُتَأَوِّلِينَ فَإِنْ كانت لِأَهْلِ الْبَغْيِ جَمَاعَةٌ تَكْثُرُ وَيَمْتَنِعُ مِثْلُهَا بِمَوْضِعِهَا الذي هِيَ بِهِ بَعْضُ الِامْتِنَاعِ حتى يُعْرَفَ أَنَّ مِثْلَهَا لَا يُنَالُ حتى تَكْثُرَ نِكَايَتُهُ وَاعْتَقَدَتْ وَنَصَبُوا إمَامًا وَأَظْهَرُوا حُكْمًا وَامْتَنَعُوا من حُكْمِ الْإِمَامِ الْعَادِلِ فَهَذِهِ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ التي تُفَارِقُ حُكْمَ من ذَكَرْنَا قَبْلَهَا فَيَنْبَغِي إذَا فَعَلُوا هذا أَنْ نَسْأَلَهُمْ ما نَقَمُوا فَإِنْ ذَكَرُوا مَظْلِمَةً بَيِّنَةً رُدَّتْ فَإِنْ لم يَذْكُرُوهَا بَيِّنَةً قِيلَ لهم عُودُوا لِمَا فَارَقْتُمْ من طَاعَةِ الْإِمَامِ الْعَادِلِ وَأَنْ تَكُونَ كَلِمَتُكُمْ وَكَلِمَةُ أَهْلِ دِينِ اللَّهِ على الْمُشْرِكِينَ وَاحِدَةً وَأَنْ لَا تَمْتَنِعُوا من الْحُكْمِ فَإِنْ فَعَلُوا قُبِلَ منهم وَإِنْ امْتَنَعُوا قِيلَ إنَّا مُؤْذِنُوكُمْ بِحَرْبٍ فَإِنْ لم يُجِيبُوا قُوتِلُوا وَلَا يُقَاتَلُونَ حتى يُدْعَوْا وَيُنَاظَرُوا إلَّا أَنْ يَمْتَنِعُوا من الْمُنَاظَرَةِ فَيُقَاتَلُوا قال وإذا امْتَنَعُوا من الْإِجَابَةِ وَحُكِمَ عليهم بِحُكْمٍ فلم يُسَلِّمُوا أو حَلَّتْ عليهم صَدَقَةٌ فَمَنَعُوهَا وَحَالُوا دُونَهَا وَقَالُوا لَا نَبْدَؤُكُمْ بِقِتَالٍ قُوتِلُوا حتى يُقِرُّوا بِالْحُكْمِ وَيَعُودُوا لِمَا امْتَنَعُوا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وما أَصَابُوا في هذه الْحَالِ على وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا ما أَصَابُوا من دَمٍ وَمَالٍ وَفَرْجٍ على التَّأْوِيلِ ثُمَّ ظَهَرَ عليهم بَعْدُ لم يَقُمْ عليهم منه شَيْءٌ إلَّا أَنْ يُوجَدَ مَالُ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَيُؤْخَذَ وَالْوَجْهُ الثَّانِي ما أَصَابُوا على غَيْرِ وَجْهِ التَّأْوِيلِ من حَدٍّ لِلَّهِ تَعَالَى أو لِلنَّاسِ ثُمَّ ظَهَرَ عليهم رَأَيْت أَنْ يُقَامَ عليهم كما يُقَامُ على غَيْرِهِمْ مِمَّنْ هَرَبَ من حَدٍّ أو أَصَابَهُ وهو في بِلَادٍ لَا وَالِيَ لها ثُمَّ جاء لها وَالٍ وَهَكَذَا غَيْرُهُمْ من أَهْلِ دَارٍ غَلَبُوا الْإِمَامَ عليها فَصَارَ لَا يَجْرِي له بها حُكْمٌ فَمَتَى قَدَرَ عليهم أُقِيمَتْ عليهم تِلْكَ الْحُدُودُ ولم يَسْقُطْ عَنْهُمْ ما أَصَابُوا بِالِامْتِنَاعِ وَلَا يَمْنَعُ الِامْتِنَاعُ حَقًّا يُقَامُ إنَّمَا يَمْنَعُهُ التَّأْوِيلُ وَالِامْتِنَاعُ مَعًا فَإِنْ قال قَائِلٌ فَأَنْتَ تُسْقِطُ ما أَصَابَ الْمُشْرِكُونَ من أَهْلِ الْحَرْبِ إذَا أَسْلَمُوا ( 1 ) فَكَذَلِكَ أُسْقِطَ عن حَرْبِيٍّ لو قَتَلَ مُسْلِمًا مُنْفَرِدًا ثُمَّ أَسْلَمَ وَأَقْتُلُ الْحَرْبِيَّ بَدِيئًا من غَيْرِ أَنْ يَقْتُلَ أَحَدًا وَلَيْسَ هذا الْحُكْمُ في الْمُتَأَوِّلِ في وَاحِدٍ من الْوَجْهَيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فإذا دعى أَهْلُ الْبَغْيِ فَامْتَنَعُوا من الْإِجَابَةِ فَقُوتِلُوا فَالسِّيرَةُ فِيهِمْ مُخَالِفَةٌ لِلسِّيرَةِ في أَهْلِ الشِّرْكِ وَذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ عز وجل حَرَّمَ ثُمَّ رَسُولَهُ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا بِمَا بَيَّنَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ثُمَّ رَسُولُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَإِنَّمَا أُبِيحَ قِتَالُ أَهْلِ الْبَغْيِ ما كَانُوا يُقَاتِلُونَ وَهُمْ لَا يَكُونُونَ مُقَاتِلِينَ أَبَدًا إلَّا مُقْبِلِينَ مُمْتَنِعِينَ مَرِيدِينَ فَمَتَى زَايَلُوا هذه الْمَعَانِي فَقَدْ خَرَجُوا من الْحَالِ التي أُبِيحَ بها قِتَالُهُمْ وَهُمْ لَا يَخْرُجُونَ منها أَبَدًا إلَّا إلَى أَنْ تَكُونَ دِمَاؤُهُمْ مُحَرَّمَةً كَهِيَ قَبْلُ يُحْدِثُونَ وَذَلِكَ بَيِّنٌ عِنْدِي في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { فَقَاتِلُوا التي تَبْغِي حتى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ولم يَسْتَثْنِ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى في الْفَيْئَةِ فَسَوَاءٌ كان لِلَّذِي فَاءَ فِئَةٌ أو لم تَكُنْ له فِئَةٌ فَمَتَى فَاءَ وَالْفَيْئَةُ الرُّجُوعُ حُرِّمَ دَمُهُ وَلَا يُقْتَلُ منهم مُدْبِرٌ أَبَدًا وَلَا أَسِيرٌ وَلَا جَرِيحٌ بِحَالٍ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ قد صَارُوا في غَيْرِ الْمَعْنَى الذي حَلَّتْ بِهِ دِمَاؤُهُمْ وَكَذَلِكَ لَا يُسْتَمْتَعُ من أَمْوَالِهِمْ بِدَابَّةٍ تُرْكَبُ وَلَا مَتَاعٍ وَلَا سِلَاحٍ يُقَاتَلُ بِهِ في حَرْبِهِمْ وَإِنْ كانت قَائِمَةً وَلَا بَعْدَ تَقَضِّيهَا وَلَا غَيْرِ ذلك من أَمْوَالِهِمْ وما صَارَ إلَيْهِمْ من دَابَّةٍ فَحَبَسُوهَا أو سِلَاحٍ فَعَلَيْهِمْ رَدُّهُ عليهم وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَمْوَالَ في الْقِتَالِ إنَّمَا تَحِلُّ من أَهْلِ الشِّرْكِ الَّذِينَ يَتَخَوَّلُونَ إذَا قَدَرَ عليهم فَأَمَّا من أَسْلَمَ فَحُدَّ في قَطْعِ الطَّرِيقِ وَالزِّنَا وَالْقَتْلِ فَهُوَ لَا يُؤْخَذُ مَالُهُ فَهُوَ إذَا
____________________

(4/218)


قُوتِلَ في الْبَغْيِ كان أَخَفَّ حَالًا لِأَنَّهُ إذَا رَجَعَ عن الْقِتَالِ لم يُقْتَلْ فَلَا يُسْتَمْتَعُ من مَالِهِ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ لَا جِنَايَةَ على مَالِهِ بِدَلَالَةٍ تُوجِبُ في مَالِهِ شيئا قال وَمَتَى أَلْقَى أَهْلُ الْبَغْيِ السِّلَاحَ لم يُقَاتَلُوا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قَاتَلَتْ الْمَرْأَةُ أو الْعَبْدُ مع أَهْلِ الْبَغْيِ وَالْغُلَامُ الْمُرَاهِقُ فَهُمْ مِثْلُهُمْ يُقَاتَلُونَ مُقْبِلِينَ وَيُتْرَكُونَ مُوَلِّينَ قال وَيَخْتَلِفُونَ في الْأُسَارَى فَلَوْ أُسِرَ الْبَالِغُ من الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ فَحُبِسَ لِيُبَايِعَ رَجَوْت أَنْ يَسَعَ وَلَا يُحْبَسَ مَمْلُوكٌ وَلَا غَيْرُ بَالِغٍ من الْأَحْرَارِ وَلَا امْرَأَةٌ لِتُبَايِعَ وَإِنَّمَا يُبَايِعُ النِّسَاءُ على الْإِسْلَامِ فَأَمَّا على الطَّاعَةِ فَهُنَّ لَا جِهَادَ عَلَيْهِنَّ وَكَيْفَ يُبَايِعْنَ وَالْبَيْعَةُ على الْمُسْلِمِينَ الْمَوْلُودِينَ في الْإِسْلَامِ إنَّمَا هِيَ على الْجِهَادِ وَأَمَّا إذَا انْقَضَتْ الْحَرْبُ فَلَا أَرَى أَنْ يُحْبَسَ أَسِيرُهُمْ وَلَوْ قال أَهْلُ الْبَغْيِ أَنْظِرُونَا نَنْظُرْ في أَمْرِنَا لم أَرَ بَأْسًا أَنْ يُنْظَرُوا قال وَلَوْ قالوا أَنْظِرُونَا مُدَّةً رَأَيْت أَنْ يَجْتَهِدَ الْإِمَامُ فيه فَإِنْ كان يَرْجُو فَيْئَتَهُمْ أَحْبَبْت الِاسْتِينَاءُ بِهِمْ وَإِنْ لم يَرْجُ ذلك فله جِهَادَهُمْ وَإِنْ كان يَخَافُ على الْفِئَةِ الْعَادِلَةِ الضَّعْفَ عَنْهُمْ رَجَوْتُ تَأْخِيرَهُمْ إلَى أَنْ يَرْجِعُوا أو تُمْكِنُهُ الْقُوَّةُ عليهم ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ سَأَلُوا أَنْ يُتْرَكُوا بِجُعْلٍ يُؤْخَذُ منهم لم يَنْبَغِ أَنْ يُؤْخَذَ من مُسْلِمٍ جَعْلٌ على تَرْكِ حَقٍّ قَبِلَهُ وَلَا يَتْرُكُ جِهَادَهُ لِيَرْجِعَ إلَى حَقٍّ مَنَعَهُ أو عن بَاطِلٍ رَكِبَهُ وَالْأَخْذُ منهم على هذا الْوَجْهِ في مَعْنَى الصَّغَارِ وَالذِّلَّةِ وَالصَّغَارُ لَا يَجْرِي على مُسْلِمٍ قال وَلَوْ سَأَلُوا أَنْ يُتْرَكُوا أَبَدًا مُمْتَنِعِينَ لم يَكُنْ ذلك لِلْإِمَامِ إذَا قوى على قِتَالِهِمْ وإذا تَحَصَّنُوا فَقَدْ قِيلَ يُقَاتَلُونَ بِالْمَجَانِيقِ وَالنِّيرَانِ وَغَيْرِهَا وَيَبِيتُونَ إنْ شَاءَ من يُقَاتِلُهُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وأنا أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَتَوَقَّى ذلك فِيهِمْ ما لم يَكُنْ بإلامام ضَرُورَةٌ إلَيْهِ وَالضَّرُورَةُ إلَيْهِ أَنْ يَكُونَ بِإِزَاءِ قَوْمٍ مُتَحَصِّنًا فَيَغْزُونَهُ أو يُحَرِّقُونَ عليه أو يَرْمُونَهُ بِمَجَانِيقَ أو عَرَّادَاتٍ أو يُحِيطُونَ بِهِ فَيَخَافُ الِاصْطِلَامَ على من معه فإذا كان هذا أو بَعْضُهُ رَجَوْت أَنْ يَسَعَهُ رَمْيُهُمْ بِالْمَنْجَنِيقِ وَالنَّارِ دَفْعًا عن نَفْسِهِ أو مُعَاقَبَةً بِمِثْلِ ما فَعَلَ بِهِ قال وَلَا يَجُوزُ لِأَهْلِ الْعَدْلِ عِنْدِي أَنْ يَسْتَعِينُوا على أَهْلِ الْبَغْيِ بِأَحَدٍ من الْمُشْرِكِينَ ذِمِّيٍّ وَلَا حَرْبِيٍّ وَلَوْ كان حُكْمَ الْمُسْلِمِينَ الظَّاهِرُ وَلَا أَجْعَلُ لِمَنْ خَالَفَ دِينَ اللَّهِ عز وجل الذَّرِيعَةَ إلَى قَتْلِ أَهْلِ دِينِ اللَّهِ قال وَلَا بَأْسَ إذَا كان حُكْمُ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرُ أَنْ يُسْتَعَانَ بِالْمُشْرِكِينَ على قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ تَحِلُّ دِمَاؤُهُمْ مُقْبِلِينَ وَمُدْبِرِينَ وَنِيَامًا وَكَيْفَمَا قَدَرَ عليهم إذَا بَلَغَتْهُمْ الدَّعْوَةُ وَأَهْلُ الْبَغْيِ إنَّمَا يَحِلُّ قِتَالُهُمْ دَفْعًا لهم عَمَّا أَرَادُوا من قِتَالٍ أو امْتِنَاعٍ من الْحُكْمِ فإذا فَارَقُوا تِلْكَ الْحَالَ حَرُمَتْ دِمَاؤُهُمْ قال وَلَا أُحِبُّ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ أَيْضًا بِأَحَدٍ يَسْتَحِلُّ قَتْلَهُمْ مُدْبِرِينَ وَجَرْحَى وَأَسْرَى من الْمُسْلِمِينَ فَيُسَلِّطَ عليهم من يَعْلَمُ أَنَّهُ يَعْمَلَ فِيهِمْ بِخِلَافِ الْحَقِّ وَهَكَذَا من وَلِيَ شيئا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُوَلَّاهُ وهو يَعْلَمُ أَنَّهُ يَعْمَلُ بِخِلَافِ الْحَقِّ فيه وَلَوْ كان الْمُسْلِمُونَ الَّذِينَ يَسْتَحِلُّونَ من أَهْلِ الْبَغْيِ ما وَصَفْت يُضْبَطُونَ بِقُوَّةِ الْإِمَامِ وَكَثْرَةِ من معه حتى لَا يَتَقَدَّمُوا على خِلَافِهِ وَإِنْ رَأَوْهُ حَقًّا لم أَرَ بَأْسًا أَنْ يُسْتَعَانَ بِهِمْ على أَهْلِ الْبَغْيِ على هذا الْمَعْنَى إذَا لم يُوجَدْ غَيْرُهُمْ يَكْفِي كِفَايَتَهُمْ وَكَانُوا أَجْزَأَ في قِتَالِهِمْ من غَيْرِهِمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ تَفَرَّقَ أَهْلُ الْبَغْيِ فَنَصَبَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ فَسَأَلَتْ الطَّائِفَتَانِ أو إحْدَاهُمَا إمَامَ أَهْلِ الْعَدْلِ مَعُونَتَهَا على الطَّائِفَةِ الْمُفَارِقَةِ لها بِلَا رُجُوعٍ إلَى جَمَاعَةِ أَهْلِ الْعَدْلِ وَكَانَتْ بِالْإِمَامِ وَمَنْ معه قُوَّةٌ على الِامْتِنَاعِ منهم لو أَجْمَعُوا عليه لم أَرَ أَنْ يُعِينَ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ على الْأُخْرَى وَذَلِكَ أَنَّ قِتَالَ إحْدَاهُمَا ليس بِأَوْجَبَ من قِتَالِ الْأُخْرَى وَأَنَّ قِتَالَهُ مع إحْدَاهُمَا كَالْأَمَانِ لِلَّتِي تُقَاتِلُ معه وَإِنْ كان الْإِمَامُ يَضْعُفُ فَذَلِكَ أَسْهَلُ في أَنْ يَجُوزَ مُعَاوَنَةُ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ على الْأُخْرَى فَإِنْ انْقَضَى حَرْبُ الْإِمَامِ الْأُخْرَى لم يَكُنْ له جِهَادُ التي أَعَانَ حتى يَدْعُوَهَا وَيُعْذِرَ إلَيْهَا فَإِنْ امْتَنَعَتْ من الرُّجُوعِ نَبَذَ إلَيْهَا ثُمَّ جَاهَدَهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا من أَهْلِ الْعَدْلِ قَتَلَ رَجُلًا من أَهْلِ الْعَدْلِ في شُغْلِ الْحَرْبِ وَعَسْكَرِ أَهْلِ الْعَدْلِ فقال أَخْطَأْت بِهِ ظَنَنْته من أَهْلِ الْبَغْيِ أُحْلِفَ وَضَمِنَ دِيَتَهُ وَلَوْ قال عَمَدْته أُقِيدُ منه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَذَلِكَ لو صَارَ إلَى أَهْلِ
____________________

(4/219)


الْعَدْلِ بَعْضُ أَهْلِ الْبَغْيِ تَائِبًا مُجَاهِدًا أَهْلَ الْبَغْيِ أو تَارِكًا لِلْحَرْبِ وَإِنْ لم يُجَاهِدْ أَهْلَ الْبَغْيِ فَقَتَلَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعَدْلِ وقال قد عَرَفْته بِالْبَغْيِ وَكُنْت أَرَاهُ إنَّمَا صَارَ إلَيْنَا لِيَنَالَ من بَعْضِنَا غِرَّةً فَقَتَلْته أُحْلِفَ على ذلك وَضَمِنَ دِيَتَهُ وَإِنْ لم يَدَّعِ هذه الشُّبْهَةَ أُقِيدُ منه لِأَنَّهُ إذَا صَارَ إلَى أَهْلِ الْعَدْلِ فَحُكْمُهُ حُكْمُهُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ رَجَعَ نَفَرٌ من أَهْلِ الْبَغْيِ عن رَأْيِهِمْ وَأَمَّنَهُمْ السُّلْطَانُ فَقَتَلَ رَجُلًا منهم رَجُلٌ فَادَّعَى مَعْرِفَتَهُمْ أَنَّهُمْ من أَهْلِ الْبَغْيِ وَجَهَالَتُهُ بِأَمَانِ السُّلْطَانِ لهم وَرُجُوعُهُمْ عن رَأْيِهِمْ دُرِئَ عنه الْقَوَدُ وَأُلْزِمَ الدِّيَةَ بَعْدَ ما يَحْلِفُ على ما ادَّعَى من ذلك وَإِنْ أتى ذلك عَامِدًا أَقِيدَ بِمَا نَالَ من دَمٍ وَجُرْحٍ يُسْتَطَاعُ فيه الْقِصَاصُ وكان عليه الْأَرْشُ فِيمَا لَا يُسْتَطَاعُ فيه الْقِصَاصُ من الْجِرَاحِ قال وَلَوْ أَنَّ تُجَّارًا في عَسْكَرِ أَهْلِ الْبَغْيِ أو أَهْلِ مَدِينَةٍ غَلَبَ عليها أَهْلُ الْبَغْيِ أو أَسْرَى من الْمُسْلِمِينَ كَانُوا في أَيْدِيهِمْ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ غَيْرُ دَاخِلٍ مع أَهْلِ الْبَغْيِ بِرَأْيٍ وَلَا مَعُونَةٍ قَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أو أتى حَدًّا لِلَّهِ أو لِلنَّاسِ عَارِفًا بِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ عليه ثُمَّ قَدَرَ على إقَامَتِهِ عليه أُقِيم عليه ذلك كُلُّهُ وَكَذَلِكَ لو كَانُوا في بِلَادِ الْحَرْبِ فَأَتَوْا ذلك عَالَمِينَ بِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ وَغَيْرَ مُكْرَهِينَ على إتْيَانِهِ أُقِيمَ عليهم كُلُّ حَدٍّ لِلَّهِ عز وجل وَلِلنَّاسِ وَكَذَلِكَ لو تَلَصَّصُوا فَكَانُوا بِطَرَفٍ مُمْتَنِعِينَ لَا يَجْرِي عليهم حُكْمٌ أو لَا يَتَلَصَّصُونَ وَلَا مُتَأَوِّلِينَ إلَّا أَنَّهُمْ لَا تَجْرِي عليهم الْأَحْكَامُ وَكَانُوا مِمَّنْ قَامَتْ عليهم الْحُجَّةُ بِالْعِلْمِ مع الْإِسْلَامِ ثُمَّ قَدَرَ عليهم أُقِيمَتْ عليهم الْحُقُوقُ - * حُكْمُ أَهْلِ الْبَغْيِ في الْأَمْوَالِ وَغَيْرِهَا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ظَهَرَ أَهْلُ الْبَغْيِ على بَلَدٍ من بُلْدَانِ الْمُسْلِمِينَ فَأَقَامَ إمَامُهُمْ على أَحَدٍ حَدًّا لِلَّهِ أو لِلنَّاسِ فَأَصَابَ في إقَامَتِهِ أو أَخَذَ صَدَقَاتِ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَوْفَى ما عليهم أو زاد ( ( ( زاده ) ) ) مع أَخْذِهِ ما عليهم ما ليس عليهم ثُمَّ ظَهَرَ أَهْلُ الْعَدْلِ عليهم لم يَعُودُوا على من حَدَّهُ إمَامُ أَهْلِ الْبَغْيِ بِحَدٍّ وَلَا على من أَخَذُوا صَدَقَتَهُ بِصَدَقَةٍ عامه ذلك فَإِنْ كانت وَجَبَتْ عليهم صَدَقَةٌ فَأَخَذُوا بَعْضَهَا اسْتَوْفَى إمَامُ أَهْلِ الْعَدْلِ ما بَقِيَ منها وَحَسَبَ لهم ما أَخَذَ أَهْلُ الْبَغْيِ منها قال وَكَذَلِكَ من مَرَّ بِهِمْ فَأَخَذُوا ذلك منه قال وَإِنْ أَرَادَ إمَامُ أَهْلِ الْعَدْلِ أَخْذَ الصَّدَقَةِ منهم فَادَّعَوْا أَنَّ إمَامَ أَهْلِ الْبَغْيِ أَخَذَهَا منهم فَهُمْ أُمَنَاءُ على صَدَقَاتِهِمْ وَإِنْ ارْتَابَ بِأَحَدٍ منهم أَحْلَفَهُ فإذا حَلَفَ لم تُعَدَّ عليه الصَّدَقَةُ وَكَذَلِكَ ما أَخَذُوا من خَرَاجِ الْأَرْضِ وَجِزْيَةِ الرِّقَابِ لم يُعَدَّ على من أَخَذُوهُ منه لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ ظَاهِرُ حُكْمِهِمْ في الْمَوْضِعِ الذي أَخَذُوا ذلك فيه ما عليهم من خَرَاجٍ وَجِزْيَةِ رَقَبَةٍ وَحَقٍّ لَزِمَ في مَالٍ أو غَيْرِهِ قال وَلَوْ اسْتَقْضَى إمَامُ أَهْلِ الْبَغْيِ رَجُلًا كان عليه أَنْ يُقَوِّمَ بِمَا يُقَوِّمُ بِهِ الْقَاضِي من أَخْذِ الْحَقِّ لِبَعْضِ الناس من بَعْضٍ في الْحُدُودِ وَغَيْرِهَا إذَا جَعَلَ ذلك إلَيْهِ وَلَوْ ظَهَرَ أَهْلُ الْعَدْلِ على أَهْلِ الْبَغْيِ لم يَرْدُدْ من قَضَاءِ قَاضِي أَهْلِ الْبَغْيِ إلَّا ما يُرَدُّ من قَضَاءِ الْقُضَاةِ غَيْرُهُ وَذَلِكَ خِلَافُ الْكِتَابِ أو السُّنَّةِ أو إجْمَاعِ الناس أو ما هو في مَعْنَى هذا أو عَمَدَ الْحَيْفَ بِرَدِّ شَهَادَةِ أَهْلِ الْعَدْلِ في الْحِينِ الذي يَرُدُّهَا فيه أو إجَازَةِ شَهَادَةِ غَيْرِ الْعَدْلِ في الْحِينِ الذي يُجِيزُهَا فيه وَلَوْ كَتَبَ قَاضِي أَهْلِ الْبَغْيِ إلَى قَاضِي أَهْلِ الْعَدْلِ بِحَقٍّ ثَبَتَ عِنْدَهُ لِرَجُلٍ على آخَرَ من غَيْرِ أَهْلِ الْبَغْيِ فَالْأَغْلَبُ من هذا خَوْفُ أَنْ يَكُونَ يَرُدَّ شَهَادَةَ أَهْلِ الْعَدْلِ بِخِلَافِ رَأْيِهِ وَيَقْبَلُ شَهَادَةَ من لَا عَدْلَ له بِمُوَافَقَتِهِ وَمِنْهُمْ من هو مَخُوفٌ أَنْ يَكُونَ يَسْتَحِلُّ بَعْضَ أَخْذِ أَمْوَالِ الناس بِمَا أَمْكَنَهُ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يَقْبَلَ كِتَابَهُ وَكِتَابُهُ ليس بِحُكْمٍ نَفَذَ منه فَلَا يَكُونُ لِلْقَاضِي رَدُّهُ إلَّا بِجَوْرٍ تَبَيَّنَ له وَلَوْ كَانُوا مَأْمُونِينَ على ما وَصَفْنَا بِرَاءٍ من كل خَصْلَةٍ منه وَكَتَبَ من بِلَادٍ نَائِيَةٍ يَهْلِكُ حَقُّ الْمَشْهُودِ له إنْ رَدَّ كِتَابَهُ فَقَبِلَ الْقَاضِي كِتَابَهُ كان لِذَلِكَ وَجْهٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وكان كِتَابُ قَاضِيهِمْ إذَا كان كما وَصَفْت في فَوْتِ الْحَقِّ إنْ رَدَّ شَبِيهًا بِحُكْمِهِ قال وَمَنْ شَهِدَ من أَهْلِ الْبَغْيِ عِنْدَ قَاضٍ من أَهْلِ الْعَدْلِ في الْحَالِ التي يَكُونُ فيها مُحَارِبًا أو مِمَّنْ يَرَى رَأْيَهُمْ في غَيْرِ مُحَارَبَةٍ فَإِنْ كان يُعْرَفُ
____________________

(4/220)


بِاسْتِحْلَالِ بَعْضِ ما وَصَفْت من أَنْ يَشْهَدَ لِمَنْ وَافَقَهُ بِالتَّصْدِيقِ له على ما لم يُعَايِنْ ولم يَسْمَعْ أو بِاسْتِحْلَالٍ لِمَالِ الْمَشْهُودِ عليه أو دَمِهِ أو غَيْرِ ذلك من الْوُجُوهِ التي يَطْلُبُ بها الذَّرِيعَةَ إلَى مَنْفَعَةِ الْمَشْهُودِ له أو نِكَايَةِ الْمَشْهُودِ عليه اسْتِحْلَالًا لم تَجُزْ شَهَادَتُهُ في شَيْءٍ وَإِنْ قَلَّ وَمَنْ كان من هذا بَرِيئًا منهم وَمِنْ غَيْرِهِمْ عَدْلًا جَازَتْ شَهَادَتُهُ قال وَلَوْ وَقَعَ لِرَجُلٍ في عَسْكَرِ أَهْلِ الْبَغْيِ على رَجُلٍ في عَسْكَرِ أَهْلِ الْعَدْلِ حَقٌّ في دَمِ نَفْسٍ أو جُرْحٍ أو مَالٍ وَجَبَ على قَاضِي أَهْلِ الْعَدْلِ الْأَخْذُ له بِهِ لَا يَخْتَلِفُ هو وَغَيْرُهُ فِيمَا يُؤْخَذُ لِبَعْضِهِمْ من بَعْضٍ من الْحَقِّ في الْمَوَارِيثِ وَغَيْرِهَا وَكَذَلِكَ حَقٌّ على قَاضِي أَهْلِ الْبَغْيِ أَنْ يَأْخُذَ من الْبَاغِي لِغَيْرِ الْبَاغِي من الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ حَقَّهُ وَلَوْ امْتَنَعَ قَاضِي أَهْلِ الْبَغْيِ من أَخْذِ الْحَقِّ منهم لِمَنْ خَالَفَهُمْ كان بِذَلِكَ عِنْدَنَا ظَالِمًا ولم يَكُنْ لِقَاضِي أَهْلِ الْعَدْلِ أَنْ يَمْنَعَ أَهْلَ الْبَغْيِ حُقُوقَهُمْ قِبَلَ أَهْلِ الْعَدْلِ بِمَنْعِ قَاضِيهِمْ الْحَقَّ منهم قال وَكَذَلِكَ أَيْضًا يَأْخُذُ من أَهْلِ الْعَدْلِ الْحَقَّ لِأَهْلِ الْحَرْبِ وَالذِّمَّةِ وَإِنْ مَنَعَ أَهْلُ الْحَرْبِ الْحَقَّ يَقَعُ عليهم وَأَحَقُّ الناس بِالصَّبْرِ لِلْحَقِّ أَهْلُ السُّنَّةِ من أَهْلِ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ مَنْعُ رَئِيسِ الْمُشْرِكِينَ حَقًّا قِبَلَ من بِحَضْرَتِهِ لِمُسْلِمٍ بِاَلَّذِي يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَمْنَعَ حَرْبِيًّا مُسْتَأْمَنًا حَقَّهُ لِأَنَّهُ ليس بِاَلَّذِي ظَلَمَهُ فَيُحْبَسُ له مِثْلُ ما أَخَذَ منه وَلَا يَمْنَعُ رَجُلًا حَقًّا بِظُلْمِ غَيْرِهِ وَبِهَذَا يَأْخُذُ الشَّافِعِيُّ قال وَلَوْ ظَهَرَ أَهْلُ الْبَغْيِ على مِصْرٍ فَوَلَّوْا قَضَاءَهُ رَجُلًا من أهله ( ( ( أهل ) ) ) مَعْرُوفًا بِخِلَافِ رأى أَهْلِ الْبَغْيِ فَكَتَبَ إلَى قَاضٍ غَيْرِهِ نُظِرَ فَإِنْ كان الْقَاضِي عَدْلًا وَسَمَّى شُهُودًا شَهِدُوا عِنْدَهُ يُعَرِّفُهُمْ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بِنَفْسِهِ أو يُعَرِّفُهُمْ أَهْلُ الْعَدَالَةِ بِالْعَدْلِ وَخِلَافُ أَهْلِ الْبَغْيِ قبل الْكِتَابِ فَإِنْ لم يَعْرِفُوا فَكِتَابُهُ كما وَصَفْت من كِتَابِ قَاضِي أَهْلِ الْبَغْيِ قال وإذا غَزَا أَهْلُ الْبَغْيِ الْمُشْرِكِينَ مع أَهْلِ الْعَدْلِ وَالْتَقُوا في بِلَادِهِمْ فَاجْتَمَعُوا ثُمَّ قَاتَلُوا مَعًا فَإِنْ كان لِكُلِّ وَاحِدٍ من الطَّائِفَتَيْنِ إمَامٌ فَأَهْلُ الْبَغْيِ كَأَهْلِ الْعَدْلِ جَمَاعَتُهُمْ كَجَمَاعَتِهِمْ وَوَاحِدُهُمْ مِثْلُ وَاحِدِهِمْ في كل شَيْءٍ ليس الْخُمُسُ قال فَإِنْ أَمَّنَ أَحَدُهُمْ عَبْدًا كان أو حُرًّا أو امْرَأَةً منهم جَازَ الْأَمَانُ وَإِنْ قَتَلَ أَحَدٌ منهم في الْإِقْبَالِ كان له السَّلَبُ وَإِنْ كان أَهْلُ الْبَغْيِ في عَسْكَرٍ رِدْءًا لِأَهْلِ الْعَدْلِ فَسَرَّى أَهْلُ الْعَدْلِ فَأَصَابُوا غَنَائِمَ أو كان أَهْلُ الْعَدْلِ رِدْءًا فَسَرَّى أَهْلُ الْبَغْيِ فَأَصَابُوا غَنَائِمَ شَرِكَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ من الطَّائِفَتَيْنِ صَاحِبَتَهَا لَا يَفْتَرِقُونَ في حَالٍ إلَّا أَنَّهُمْ إذَا دَفَعُوا الْخُمُسَ من الْغَنِيمَةِ كان إمَامُ أَهْلِ الْعَدْلِ أَوْلَى بِهِ لِأَنَّهُ لِقَوْمٍ مُفْتَرِقِينَ في الْبُلْدَانِ يُؤَدِّيهِ إلَيْهِمْ لِأَنَّ حُكْمَهُ جَارٍ عليهم دُونَ حُكْمِ إمَامِ أَهْلِ الْبَغْيِ وَأَنَّهُ لَا يَسْتَحِلُّ حَبْسَهُ اسْتِحْلَالَ الْبَاغِي قال وَلَوْ وَادَعَ أَهْلُ الْبَغْيِ قَوْمًا من الْمُشْرِكِينَ لم يَكُنْ لِأَحَدٍ من الْمُسْلِمِينَ غَزْوُهُمْ فَإِنْ غَزَاهُمْ فَأَصَابَ لهم شيئا رَدَّهُ عليهم وَلَوْ غَزَا أَهْلُ الْبَغْيِ قَوْمًا قد وَادَعَهُمْ إمَامُ الْمُسْلِمِينَ فَسَبَاهُمْ أَهْلُ الْبَغْيِ فَإِنْ ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ على أَهْلِ الْبَغْيِ اسْتَخْرَجُوا ذلك من أَيْدِيهِمْ وَرَدُّوهُ على أَهْلِهِ الْمُشْرِكِينَ قال وَلَا يَحِلُّ شِرَاءُ أَحَدٍ من ذلك السَّبْيِ وَإِنْ اشْتَرَى فَشِرَاؤُهُ مَرْدُودٌ قال وَلَوْ اسْتَعَانَ أَهْلُ الْبَغْيِ بِأَهْلِ الْحَرْبِ على قِتَالِ أَهْلِ الْعَدْلِ وقد كان أَهْلُ الْعَدْلِ وَادَعُوا أَهْلَ الْحَرْبِ فإنه حَلَالٌ لِأَهْلِ الْعَدْلِ قِتَالُ أَهْلِ الْحَرْبِ وَسَبْيُهُمْ وَلَيْسَ كَيْنُونَتُهُمْ مع أَهْلِ الْبَغْيِ بِأَمَانٍ إنَّمَا يَكُونُ لهم الْأَمَانُ على الْكَفِّ فَأَمَّا على قِتَالِ أَهْلِ الْعَدْلِ فَلَوْ كان لهم إمان فَقَاتَلُوا أَهْلَ الْعَدْلِ كان نَقْضًا له وقد قِيلَ لو اسْتَعَانَ أَهْلُ الْبَغْيِ بِقَوْمٍ من أَهْلِ الذِّمَّةِ على قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ لم يَكُنْ هذا نَقْضًا لِلْعَهْدِ لِأَنَّهُمْ مع طَائِفَةٍ من الْمُسْلِمِينَ وَأَرَى إنْ كَانُوا مُكْرَهِينَ أو ذَكَرُوا جَهَالَةً فَقَالُوا كنا نَرَى عَلَيْنَا إذَا حَمَلَتْنَا طَائِفَةٌ من الْمُسْلِمِينَ على طَائِفَةٍ من الْمُسْلِمِينَ أُخْرَى أنها إنَّمَا تَحْمِلُنَا على من يَحِلُّ دَمُهُ في الْإِسْلَامِ مِثْلُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ أو قالوا لم نَعْلَمُ أَنَّ من حَمَلُونَا على قِتَالِهِ مُسْلِمًا لم يَكُنْ هذا نَقْضًا لِعَهْدِهِمْ وَيُؤْخَذُونَ بِكُلِّ ما أَصَابُوا من أَهْلِ الْعَدْلِ من دَمٍ وَمَالٍ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِالْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ أَمَرَ اللَّهُ بِالْإِصْلَاحِ بَيْنَهُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَنَتَقَدَّمُ إلَيْهِمْ وَنُجَدِّدُ عليهم شَرْطًا بِأَنَّهُمْ إنْ خرجوا ( ( ( درجوا ) ) ) إلَى مِثْلِ هذا اُسْتُحِلَّ قَتْلُهُمْ وَأَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ قال فَإِنْ أتى أَحَدٌ من أَهْلِ الْبَغْيِ تَائِبًا
____________________

(4/221)


لم يُقْتَصَّ منه لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ مُحَرَّمُ الدَّمِ وإذا قَاتَلَ أَهْلُ الذِّمَّةِ مع أَهْلِ الْعَدْلِ أَهْلَ الْحَرْبِ لم يُعْطَوْا سَلَبًا وَلَا خُمُسًا وَلَا سَهْمًا وَإِنَّمَا يُرْضَخُ لهم وَلَوْ رَهَنَ أَهْلُ الْبَغْيِ نَفَرًا منهم عِنْدَ أَهْلِ الْعَدْلِ وَرَهَنَهُمْ أَهْلُ الْعَدْلِ رَهْنًا وَقَالُوا احْبِسُوا رَهْنَنَا حتى نَدْفَعَ إلَيْكُمْ رَهْنَكُمْ وَتَوَادَعُوا على ذلك إلَى مُدَّةٍ جَعَلُوهَا بَيْنَهُمْ فَعَدَا أَهْلُ الْبَغْيِ على رَهْنِ أَهْلِ الْعَدْلِ فَقَتَلُوهُمْ لم يَكُنْ لِأَهْلِ الْعَدْلِ أَنْ يَقْتُلُوا رَهْنَ أَهْلِ الْبَغْيِ الَّذِينَ عِنْدَهُمْ وَلَا ان يَحْبِسُوهُمْ إذَا أَثْبَتُوا أَنْ قد قُتِلَ أَصْحَابُهُمْ لِأَنَّ أَصْحَابَهُمْ لَا يَدْفَعُونَ إلَيْهِمْ أَبَدًا وَلَا يُقْتَلُ الرَّهْنُ بِجِنَايَةِ غَيْرِهِمْ وَإِنْ كان رَهْنُ أَهْلِ الْبَغْيِ بِلَا رَهْنٍ من أَهْلِ الْعَدْلِ وَوَادَعُوهُمْ إلَى مُدَّةٍ فَجَاءَتْ تِلْكَ الْمُدَّةُ وقد غَدَرَ أهل الْبَغْيُ لم يَكُنْ لهم حَبْسُ الرَّهْنِ بِغَدْرِ غَيْرِهِمْ قال وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْعَدْلِ أَمَّنُوا رَجُلًا من أَهْلِ الْبَغْيِ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ جَاهِلٌ كان فيه الدِّيَةُ وإذا قَتَلَ الْعَدْلِيُّ الْبَاغِيَّ عَامِدًا وَالْقَاتِلُ وَارِثُ الْمَقْتُولِ أو قَتَلَ الْبَاغِي الْعَدْلِيَّ وهو وَارِثُهُ لم أَرَ ان يَتَوَارَثَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَيَرِثُهُمَا مَعًا وَرَثَتُهُمَا غَيْرُ الْقَاتِلَيْنِ وإذا قُتِلَ أَهْلُ الْبَغْيِ في مَعْرَكَةٍ وَغَيْرِهَا صلي عليهم لِأَنَّ الصَّلَاةَ سُنَّةٌ في الْمُسْلِمِينَ إلَّا من قَتَلَهُ الْمُشْرِكُونَ في الْمَعْرَكَةِ فإنه لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عليه وَأَمَّا أَهْلُ الْبَغْيِ إذَا قُتِلُوا في الْمَعْرَكَةِ فَإِنَّهُمْ يُغَسَّلُونَ وَيُصَلَّى عليهم وَيُصْنَعُ بِهِمْ ما يُصْنَعُ بِالْمَوْتَى وَلَا يُبْعَثُ بِرُءُوسِهِمْ إلَى مَوْضِعٍ وَلَا يُصْلَبُونَ وَلَا يُمْنَعُونَ الدَّفْنَ وإذا قَتَلَ أَهْلَ الْعَدْلِ أَهْلُ الْبَغْيِ في الْمَعْرَكَةِ فَفِيهِمْ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُدْفَنُوا بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ وَالثِّيَابِ التي قُتِلُوا فيها إنْ شاؤوا لِأَنَّهُمْ شُهَدَاءُ وَلَا يُصَلَّى عليهم وَيُصْنَعُ بِهِمْ كما يُصْنَعُ بِمَنْ قَتَلَهُ الْمُشْرِكُونَ لِأَنَّهُمْ مَقْتُولُونَ في الْمَعْرَكَةِ وَشُهَدَاءُ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنْ يُصَلَّى عليهم لِأَنَّ أَصْلَ الْحُكْمِ في الْمُسْلِمِينَ الصَّلَاةُ على الموتي إلَّا حَيْثُ تَرَكَهَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَإِنَّمَا تَرَكَهَا فِيمَنْ قَتَلَهُ الْمُشْرِكُونَ في الْمَعْرَكَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالصِّبْيَانُ وَالنِّسَاءُ من أَهْلِ الْبَغْيِ إذَا قُتِلُوا مَعَهُمْ فَهُمْ في الصَّلَاةِ عليهم مِثْلُ الرِّجَالِ الْبَالِغِينَ قال وَأَكْرَهُ لِلْعَدْلِيِّ أَنْ يَعْمِدَ قَتْلَ ذِي رَحِمِهِ من أَهْلِ الْبَغْيِ وَلَوْ كَفَّ عن قَتْلِ أبيه أو ذِي رَحِمِهِ أو أَخِيهِ من أَهْلِ الشِّرْكِ لم أَكْرَهْ ذلك له بَلْ أُحِبُّهُ وَذَلِكَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كَفَّ أَبَا حُذَيْفَةَ بن عُتْبَةَ عن قَتْلِ أبيه وَأَبَا بَكْرٍ يوم أُحُدٍ عن قَتْلِ أبيه وإذا قَتَلَتْ الْجَمَاعَةُ الْمُمْتَنِعَةُ من أَهْلِ الْقِبْلَةِ غَيْرِ الْمُتَأَوِّلَةِ أو أَخَذَتْ الْمَالَ فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَهَذَا مَكْتُوبٌ في كِتَابِ قَطْعِ الطَّرِيقِ * وإذا ارْتَدَّ قَوْمٌ عن الْإِسْلَامِ فَاجْتَمَعُوا وَقَاتَلُوا فَقُتِلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ أَهْلِ الْحَرْبِ من الْمُشْرِكِينَ وإذا تَابُوا لم يُتْبَعُوا بِدَمٍ وَلَا مَالٍ فَإِنْ قال قَائِلٌ لِمَ لَا يُتْبَعُونَ قِيلَ هَؤُلَاءِ صَارُوا مُحَارَبِينَ حَلَالَ الْأَمْوَالِ وَالدِّمَاءِ وما أَصَابَ الْمُحَارِبُونَ لم يُقْتَصَّ منهم وما أُصِيبَ لهم لم يُرَدَّ عليهم وقد قَتَلَ طُلَيْحَةُ عُكَاشَةَ بن مُحْصِنٍ وَثَابِتَ بن أفرم ( ( ( أقرم ) ) ) ثُمَّ أَسْلَمَ هو فلم يَضْمَنْ عَقْلًا وَلَا قَوَدًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْحَدُّ في الْمُكَابَرَةِ في الْمِصْرِ وَالصَّحْرَاءِ سَوَاءٌ وَلَعَلَّ الْمُحَارِبَ في الْمِصْرِ أَعْظَمُ ذَنْبًا ( قال الرَّبِيعُ ) وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ يُقَادُ منهم إذَا ارْتَدُّوا وَحَارَبُوا فَقَتَلُوا من قِبَلِ أَنَّ الشِّرْكَ إنْ لم يَزِدْهُمْ شَرًّا لم يَزِدْهُمْ خَيْرًا بِأَنْ يَمْنَعَ الْقَوَدَ منهم ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْبَغْيِ ظَهَرُوا على مَدِينَةٍ فَأَرَادَ قَوْمٌ غَيْرُهُمْ من أَهْلِ الْبَغْيِ قِتَالَهُمْ لم أَرَ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مَعَهُمْ فَإِنْ قالوا نُقَاتِلُكُمْ مَعًا وَسِعَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ قِتَالُهُمْ دَفْعًا لهم عن أَنْفُسِهِمْ وَعِيَالِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَكَانُوا في مَعْنَى من قُتِلَ دُونَ نَفْسِهِ وَمَالِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ سَبَى الْمُشْرِكُونَ أَهْلَ الْبَغْيِ وَكَانَتْ بِالْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ على قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ لم يَسَعْ الْمُسْلِمِينَ الْكَفُّ عن قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ حتى يَسْتَنْقِذُوا أَهْلَ الْبَغْيِ وَلَوْ غَزَا الْمُسْلِمُونَ فَمَاتَ عَامِلُهُمْ فَغَزَوْا مَعًا أو مُتَفَرِّقِينَ وَكُلُّ وَاحِدٍ منهم ردء ( ( ( رد ) ) ) لِصَاحِبِهِ شَرِكَ كُلُّ وَاحِدٍ منهم صَاحِبَهُ في الْغَنِيمَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال لي قَائِلٌ فما تَقُولُ فِيمَنْ أَرَادَ مَالَ رَجُلٍ أو دَمَهُ أو حُرْمَتَهُ قلت له فَلَهُ دَفْعُهُ عنه قال فَإِنْ لم يَكُنْ يُدْفَعُ عنه إلَّا بِقِتَالٍ قُلْت فَيُقَاتِلُهُ
____________________

(4/222)


قال وَإِنْ أتى الْقِتَالُ على نَفْسِهِ قُلْت نعم إذَا لم يَقْدِرْ على دَفْعِهِ إلَّا بِذَلِكَ قال وما مَعْنَى يَقْدِرُ على دَفْعِهِ بِغَيْرِ ذلك قُلْت أَنْ يَكُونَ فَارِسًا وَالْعَارِضُ له رَاجِلٌ فَيُمْعِنَ على الْفَرَسِ أو يَكُونَ مُتَحَصِّنًا فَيُغْلِقَ الْحِصْنَ السَّاعَةَ فَيَمْضِيَ عنه وَإِنْ أَبَى إلَّا حَصْرَهُ وَقِتَالَهُ قَاتَلَهُ أَيْضًا قال أَفَلَيْسَ قد ذَكَرَ حَمَّادٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن أبي أُمَامَةَ بن سَهْلِ بن حُنَيْفٍ أَنَّ عُثْمَانَ بن عَفَّانَ قال قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ كُفْرٌ بَعْدَ إيمَانٍ أو زِنًا بَعْدَ إحْصَانٍ أو قَتْلُ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ ) فَقُلْت له حَدِيثَ عُثْمَانَ كما حَدَّثَ بِهِ وَقَوْلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( لَا يَحِلُّ دَمُ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ ) كما قال وَهَذَا كَلَامٌ عَرَبِيٌّ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا أتى وَاحِدَةً من ثَلَاثٍ حَلَّ دَمُهُ كما قال فَكَانَ رَجُلٌ زنا ( ( ( زنى ) ) ) ثُمَّ تَرَكَ الزنى وَتَابَ منه أو هَرَبَ من الْمَوْضِعِ الذي زَنَى فيه فَقُدِرَ عليه قُتِلَ رَجْمًا وَلَوْ قَتَلَ مُسْلِمًا عَامِدًا ثُمَّ تَرَكَ الْقَتْلَ فَتَابَ وَهَرَبَ فقدر عليه قَتْلٌ قَوَدًا وإذا كَفَرَ فَتَابَ زَالَ عنه اسْمُ الْكُفْرِ وَهَذَانِ لَا يُفَارِقُهُمَا اسْمُ الزنى وَالْقَتْلِ وَلَوْ تَابَا وَهَرَبَا فَيُقْتَلَانِ بالإسم اللَّازِمِ لَهُمَا وَالْكَافِرُ بَعْدَ إيمَانِهِ لو هَرَبَ ولم يَتْرُكْ الْقَوْلَ بِالْكُفْرِ بَعْدَ ما أَظْهَرَهُ قُتِلَ إلَّا أَنَّهُ إذَا تَابَ من الْكُفْرِ وَعَادَ إلَى الْإِسْلَامِ حَقَنَ دَمَهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَسْقُطُ عنه إذَا رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ اسْمُ الْكُفْرِ فَلَا يُقْتَلُ وقد عَادَ مُسْلِمًا وَمَتَى لَزِمَهُ اسْمُ الْكُفْرِ فَهُوَ كَالزَّانِي وَالْقَاتِلِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْبَاغِي خَارِجٌ من أَنْ يُقَالَ له حَلَالُ الدَّمِ مُطْلَقًا غَيْرُ مُسْتَثْنًى فيه وَإِنَّمَا يُقَالُ إذَا بَغَى وَامْتَنَعَ أو قَاتَلَ مع أَهْلِ الِامْتِنَاعِ قُوتِلَ دَفْعًا عن أَنْ يُقْتَلَ أو مُنَازَعَةً لِيَرْجِعَ أو يَدْفَعَ حَقًّا إنْ مَنَعَهُ فَإِنْ أتى القتال على نَفْسِهِ فَلَا عَقْلَ فيه وَلَا قَوَدَ فَإِنَّا أَبَحْنَا قِتَالَهُ وَلَوْ ولي عن الْقِتَالِ أو اعْتَزَلَ أو جُرِحَ أو أُسِرَ أو كان مَرِيضًا لَا قِتَالَ بِهِ لم يُقْتَلْ في شَيْءٍ من هذه الْحَالَاتِ وَلَا يُقَالُ لِلْبَاغِي وَحَالُهُ هَكَذَا حَلَالُ الدَّمِ وَلَوْ حَلَّ دَمُهُ ما حُقِنَ بِالتَّوْلِيَةِ وَالْإِسَارِ وَالْجُرْحِ وَعَزْلِهِ الْقِتَالَ وَلَا يُحْقَنُ دَمُ الْكَافِرِ حتى يُسْلِمَ وَحَالُهُ ما وَصَفْت قَبْلَهُ من حَالِ من أَرَادَ دَمَ رَجُلٍ أو مَالَهُ - * الْخِلَافُ في قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَضَرَنِي بَعْضُ الناس الذي حَكَيْت حُجَّتَهُ بِحَدِيثِ عُثْمَانَ فَكَلَّمَنِي بِمَا وَصَفْتُ وَحَكَيْت له جُمْلَةَ ما ذَكَرْتَ في قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ فقال هذا كما قُلْت وما عَلِمْتُ أَحَدًا احْتَجَّ في هذا بِشَبِيهِ بِمَا احْتَجَجْتَ بِهِ وَلَقَدْ خَالَفَك أَصْحَابُنَا منه في مَوَاضِعَ قلت وما هِيَ قال قالوا إذَا كانت لِلْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ فِئَةٌ تَرْجِعُ إلَيْهَا وَانْهَزَمُوا قُتِلُوا مُنْهَزِمِينَ وَذُفِّفَ عليهم جَرْحَى وَقُتِلُوا أَسْرَى فَإِنْ كانت حَرْبُهُمْ قَائِمَةً فَأُسِرَ منهم أَسِيرٌ قُتِلَ أَسِيرُهُمْ وَذُفِّفَ على جَرْحَاهُمْ فَأَمَّا إذَا لم يَكُنْ لِأَهْلِ الْبَغْيِ فِئَةٌ وَانْهَزَمَ عَسْكَرُهُمْ فَلَا يَحِلُّ أَنْ يُقْتَلَ مُدْبِرُهُمْ وَلَا أَسِيرُهُمْ وَلَا يُذَفَّفُ على جَرْحَاهُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقُلْتَ له إذَا زَعَمْتَ أَنَّ ما احْتَجَجْنَا بِهِ حُجَّةٌ فَكَيْفَ رَغِبْت عن الْأَمْرِ الذي فيه الْحُجَّةُ أَقُلْت بهذا خَبَرًا أو قِيَاسًا قال بَلْ قُلْت بِهِ خَبَرًا قُلْت وما الْخَبَرُ قال إنَّ عَلِيَّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قال يوم الْجَمَلِ لَا يُقْتَلُ مُدْبِرٌ وَلَا يُذَفَّفُ على جَرِيحٍ فَكَانَ ذلك عِنْدَنَا على أَنَّهُ ليس لِأَهْلِ الْجَمَلِ فِئَةٌ يَرْجِعُونَ إلَيْهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقُلْت له أَفَرَوَيْت عن عَلِيٍّ أَنَّهُ قال لو كانت لهم فِئَةٌ يَرْجِعُونَ إلَيْهَا قَتَلْنَا مُدْبِرَهُمْ وَأَسِيرَهُمْ وَجَرِيحَهُمْ فَتَسْتَدِلُّ بِاخْتِلَافِ حُكْمِهِ على اخْتِلَافِ السِّيرَةِ في الطَّائِفَتَيْنِ عِنْدَهُ قال لَا وَلَكِنَّهُ عِنْدِي على هذا الْمَعْنَى قُلْت أَفَبِدَلَالَةٍ فَأَوْجَدْنَاهَا فقال فَكَيْفَ يَجُوزُ قَتْلُهُمْ مُقْبِلِينَ وَلَا يَجُوزُ مُدْبِرِينَ قُلْت بِمَا قُلْنَا من أَنَّ اللَّهَ عز وجل إنَّمَا أَذِنَ بِقِتَالِهِمْ إذَا كَانُوا بَاغِينَ قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { فَقَاتِلُوا التي تَبْغِي حتى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ } وَإِنَّمَا يُقَاتَلُ من يُقَاتِلُ فَأَمَّا من لَا يُقَاتِلُ فَإِنَّمَا يُقَالُ اُقْتُلُوهُ لَا فَقَاتِلُوهُ وَلَوْ كان فِيمَا احْتَجَجْت بِهِ من
____________________

(4/223)


هذا حُجَّةٌ كانت عَلَيْك لِأَنَّك تَقُولُ لَا تَقْتُلُونَ مُدْبِرًا وَلَا أَسِيرًا وَلَا جَرِيحًا إذَا انْهَزَمَ عَسْكَرُهُمْ ولم تَكُنْ لهم فِئَةٌ قال قُلْته اتِّبَاعًا لِعَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ قُلْت فَقَدْ خَالَفْت عَلِيَّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه في مِثْلِ ما اتَّبَعْته فيه وَقُلْت أَرَأَيْت إنْ احْتَجَّ عَلَيْك أَحَدٌ بِمِثْلِ حُجَّتِك وقال نَقْتُلُهُمْ بِكُلِّ حَالٍ وَإِنْ انْهَزَمَ عَسْكَرُهُمْ لِأَنَّ عَلِيًّا قد يَكُونُ تَرَكَ قَتْلَهُمْ على وَجْهِ الْمَنِّ لَا على وَجْهِ التَّحْرِيمِ قال ليس ذلك له وَإِنْ احْتَمَلَ ذلك الْحَدِيثُ لِأَنَّهُ ليس في الحديث دَلَالَةٌ عليه قُلْت وَلَا لَك لِأَنَّهُ ليس في حديث عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وَلَا يَحْتَمِلُهُ دَلَالَةً على قَتْلِ من كانت له فِئَةٌ مُوَلِّيًا وَأَسِيرًا وجريحا ( قال ) وَقُلْت وما أَلْفَيْته من هذا الْمَعْنَى ما هو إلَّا وَاحِدٌ من مَعْنَيَيْنِ أما ما قُلْنَا بالإستدلال بِحُكْمِ اللَّهِ عز وجل وَفِعْلِ من يقتدي بِهِ من السَّلَفِ فإن أَبَا بَكْرٍ قد أَسَرَ غير وَاحِدٍ مِمَّنْ مَنَعَ الصَّدَقَةَ فما ضَرَبَهُ وَلَا قَتَلَهُ وَعَلِيٌّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قد أَسَرَ وَقَدَرَ على من امْتَنَعَ فما ضَرَبَهُ وَلَا قَتَلَهُ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهُمْ إلَى هذا يُحِلُّ دِمَاءَهُمْ فَيُقْتَلُونَ في كل حَالٍ كانت لهم فِئَةٌ أو لم تَكُنْ قال لَا يُقْتَلُونَ في هذه الْحَالِ قُلْت أَجَلٌ وَلَا في الْحَالِ التي أَبَحْت دِمَاءَهُمْ فيها وقد كان مُعَاوِيَةُ بِالشَّامِ فَكَانَ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لهم فِئَةٌ كَانُوا كَثِيرًا وَانْصَرَفَ بَعْضُهُمْ قبل بَعْضٍ فَكَانُوا يَحْتَمِلُونَ أَنْ تَكُونَ الْفِئَةُ الْمُنْصَرِفَةُ أَوَّلًا فِئَةً لِلْفِئَةِ الْمُنْصَرِفَةِ آخِرًا وقد كانت في الْمُسْلِمِينَ هَزِيمَةٌ يوم أُحُدٍ وَثَبَتَ رسول اللَّه صلى اللَّهُ عليه وسلم وَطَائِفَةٌ بِالشِّعْبِ فَكَانَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فِئَةً لِمَنْ انْحَازَ إلَيْهِ وَهُمْ في مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وقد يَكُونُ لِلْقَوْمِ فِئَةٌ فَيَنْهَزِمُونَ وَلَا يُرِيدُونَهَا وَلَا يُرِيدُونَ الْعَوْدَةَ لِلْقِتَالِ وَلَا يَكُونُ لهم فِئَةٌ فَيَنْهَزِمُونَ يُرِيدُونَ الرُّجُوعَ لِلْقِتَالِ وقد وَجَدْت الْقَوْمَ يُرِيدُونَ الْقِتَالَ وَيَشْحَذُونَ السِّلَاحَ فنزعم ( ( ( فتزعم ) ) ) نَحْنُ وَأَنْتَ أَنَّهُ ليس لنا قِتَالُهُمْ ما لم يَنْصِبُوا إمَامًا وَيَسِيرُوا وَنَحْنُ نَخَافُهُمْ على الْإِيقَاع بِنَا فَكَيْفَ أَبَحْت قِتَالَهُمْ بِإِرَادَةِ غَيْرِهِمْ الْقِتَالَ أو بِتَرْكِ غَيْرِهِمْ الْهَزِيمَةَ وقد انْهَزَمُوا هُمْ وَجُرِحُوا وَأُسِرُوا وَلَا تُبِيحُ قِتَالَهُمْ بِإِرَادَتِهِمْ الْقِتَالَ وَقُلْت له لو لم يَكُنْ عَلَيْك في هذا حُجَّةٌ إلَّا فِعْلُ عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ وَقَوْلُهُ كُنْت مَحْجُوجًا بِفِعْلِ عَلِيٍّ وَقَوْلِهِ قال وما ذَاكَ قُلْت أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن أبي فَاخِتَةَ أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أتى بِأَسِيرٍ يوم صِفِّينَ فقال لَا تَقْتُلْنِي صَبْرًا فقال عَلِيٌّ ( لَا أَقْتُلُك صَبْرًا إنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ) فَخَلَّى سَبِيلَهُ ثُمَّ قال أَفِيك خَيْرٌ أَيُبَايِعُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْحَرْبُ يوم صِفِّينَ قَائِمَةٌ وَمُعَاوِيَةُ يُقَاتِلُ جَادًّا في أَيَّامِهِ كُلِّهَا مُنْتَصِفًا أو مُسْتَعْلِيًا وَعَلِيٌّ يقول لِأَسِيرٍ من أَصْحَابِ مُعَاوِيَةَ لَا أَقْتُلُك صَبْرًا إنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ وَأَنْتَ تَأْمُرُ بِقَتْلِ مِثْلِهِ قال فَلَعَلَّهُ مَنَّ عليه قُلْت هو يقول إنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ قال يقول إنِّي أَخَافُ اللَّهَ فَأَطْلُبُ الْأَجْرَ بِالْمَنِّ عَلَيْك قُلْت أَفَيَجُوزُ إذْ قال لَا يُقْتَلُ مُدْبِرٌ وَلَا يُذَفَّفُ على جَرِيحٍ لِمَنْ لَا فِئَةَ له مِثْلُ حُجَّتِك قال لَا لِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ في الحديث عليه قُلْت وَلَا دَلَالَةَ في حديث أبي فَاخِتَةَ على ما قُلْت وَفِيهِ الدَّلَالَةُ على خِلَافِك لِأَنَّهُ لو قَالَهُ رَجَاءَ الْأَجْرِ قال إنِّي لَأَرْجُو اللَّهَ وَاسْمُ الرَّجَاءِ بِمَنْ تَرَكَ شيئا مُبَاحًا له أَوْلَى من اسْمِ الْخَوْفِ وَاسْمُ الْخَوْفِ بِمَنْ تَرَكَ شيئا خَوْفَ الْمَأْثَمِ أَوْلَى وَإِنْ احْتَمَلَ اللِّسَانُ الْمَعْنَيَيْنِ قال فإن أَصْحَابَنَا يَقُولُونَ قَوْلَك لَا نَسْتَمْتِعُ من أَمْوَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ بِشَيْءٍ إلَّا في حَالٍ وَاحِدَةٍ قُلْت وما تِلْكَ الْحَالُ قال إذَا كانت الْحَرْبُ قَائِمَةً اُسْتُمْتِعَ بِدَوَابِّهِمْ وَسِلَاحِهِمْ فإذا انْقَضَتْ الْحَرْبُ رُدَّ ذلك عليهم وَعَلَى وَرَثَتِهِمْ قُلْت أَفَرَأَيْت إنْ عَارَضَنَا وَإِيَّاكَ مُعَارِضٌ يَسْتَحِلُّ مَالَ من اُسْتُحِلَّ دَمُهُ من أَهْلِ الْقِبْلَةِ فقال الدَّمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى أَعْظَمُ حُرْمَةً من الْمَالِ فإذا حَلَّ الدَّمُ كان الْمَالُ له تَبَعًا هل الْحُجَّةُ عليه إلَّا أَنْ يُقَالَ هذا في رِجَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ الَّذِينَ خَالَفُوا دِينَ اللَّهِ عز وجل هَكَذَا وَتَحِلُّ أَمْوَالُهُمْ أَيْضًا بِمَا لَا تَحِلُّ بِهِ دِمَاؤُهُمْ وَذَلِكَ أن يُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ فَيُسْتَرَقُّونَ وَتُؤْخَذُ أَمْوَالُهُمْ ونساؤهم وذراريهم ولا تحل دماؤهم وَالْحُكْمُ في أَهْلِ الْقِبْلَةِ مُبَايِنٌ لِهَذَا قد يَحِلُّ دَمُ الزَّانِي منهم وَالْقَاتِلُ وَلَا يَحِلُّ من مَالِهِمَا شَيْءٌ وَذَلِكَ لِجِنَايَتِهِمَا وَلَا جِنَايَةَ على أَمْوَالِهِمَا
____________________

(4/224)


وَالْبَاغِي أَخَفُّ حَالًا مِنْهُمَا لِأَنَّهُ يُقَالُ لِلزَّانِي الْمُحْصَنِ وَالْقَاتِلِ هذا مُبَاحُ الدَّمِ مُطْلَقًا لَا اسْتِثْنَاءَ فيه وَلَا يُقَالُ لِلْبَاغِي مُبَاحُ الدَّمِ إنَّمَا يُقَالُ على الْبَاغِي ان يُمْنَعَ من الْبَغْيِ فَإِنْ قَدَرَ على مَنْعِهِ منه بِالْكَلَامِ أو كان بَاغِيًا غير مُمْتَنِعٍ مُقَاتِلٍ لم يَحِلَّ قِتَالُهُ وَإِنْ يُقَاتِلْ فلم يَخْلُصْ إلَى دَمِهِ حتى يَصِيرَ في غَيْرِ مَعْنَى قِتَالٍ بِتَوْلِيَةٍ أو أَنْ يَصِيرَ جَرِيحًا أو مُلْقِيًا لِلسِّلَاحِ أو أَسِيرًا لم يَحِلَّ دَمُهُ فقال هذا الذي إذَا كان هَكَذَا حُرِّمَ أو مِثْلُ حَالِ الزَّانِي وَالْقَاتِلُ مُحَرَّمُ الْمَالِ قال ما الْحُجَّةُ عليه إلَّا هذا وما فَوْقَ هذا حُجَّةٌ فَقُلْت هل الذي حَمِدْت حُجَّةً عَلَيْك قال إنِّي إنَّمَا آخُذُهُ لِأَنَّهُ أَقْوَى لي وَأَوْهَنُ لهم ما كَانُوا يُقَاتِلُونَ فَقُلْت فَهَلْ يَعْدُو ما أَخَذْت من أَمْوَالِهِمْ أَنْ تَأْخُذَ مَالَ قَتِيلٍ قد صَارَ مِلْكُهُ لِطِفْلٍ أو كَبِيرٍ لم يُقَاتِلْك قَطُّ فَتَقْوَى بِمَالِ غَائِبٍ عَنْك غَيْرِ بَاغٍ على بَاغٍ يُقَاتِلُك غَيْرُهُ أو مَالِ جَرِيحٍ أو أَسِيرٍ أو مُوَلٍّ قد صَارُوا في غَيْرِ مَعْنَى أَهْلِ الْبَغْيِ الَّذِينَ يَحِلُّ قِتَالُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ أو مَالُ رَجُلٍ يُقَاتِلُك يَحِلُّ لَك دَفْعُهُ وَإِنْ أتى الدَّفْعُ على نَفْسِهِ وَلَا جِنَايَةَ على مَالِهِ أو رَأَيْت لو سَبَى أَهْلُ الْبَغْيِ قَوْمًا من الْمُسْلِمِينَ أَنَأْخُذُ من أَمْوَالِهِمْ ما نَسْتَعِينُ بِهِ على قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ لِنَسْتَنْقِذَهُمْ فَنُعْطِيَهُمْ بِاسْتِنْقَاذِهِمْ خَيْرًا مِمَّا نَسْتَمْتِعُ بِهِ من أَمْوَالِهِمْ قال لَا قُلْت وَقَلِيلُ الِاسْتِمْتَاعِ بِأَمْوَالِ الناس مُحَرَّمٌ قال نعم قُلْت فما أَحَلَّ لَك الِاسْتِمْتَاعَ بِأَمْوَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ حتى تَنْقَضِيَ الْحَرْبُ ثُمَّ اسْتَمْتَعْت بِالْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ دُونَ الطَّعَامِ وَالثِّيَابِ وَالْمَالُ غَيْرُهُمَا قال فما فيه قِيَاسٌ وما الْقِيَاسُ فيه إلَّا ما قُلْت وَلَكِنِّي قُلْته خَبَرًا قُلْت وما الْخَبَرُ قال بَلَغَنَا ان عَلِيًّا رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه غَنِمَ ما في عَسْكَرِ من قَاتَلَهُ فَقُلْت له قد رَوَيْتُمْ أَنَّ عَلِيًّا عَرَّفَ وَرَثَةَ أَهْلِ النَّهْرَوَانِ حتى تَغَيُّبَ قِدْرٍ أو مِرْجَلٍ أَفَسَارَ على عَلِيٍّ بِسِيرَتَيْنِ إحْدَاهُمَا غَنِمَ وَالْأُخْرَى لم يَغْنَمْ فيها قال لَا وَلَكِنَّ أَحَدَ الْحَدِيثَيْنِ وَهْمٌ قُلْت فَأَيُّهُمَا الْوَهْمُ قال ما تَقُولُ أنت قُلْت ما أَعْرِفُ مِنْهُمَا وَاحِدًا ثَابِتًا عنه فَإِنْ عَرَفْت الثَّابِتَ فَقُلْ بِمَا يَثْبُتُ عنه قال مَالُهُ أَنْ يَغْنَمَ أَمْوَالَهُمْ قُلْت الآن أَمْوَالَهُمْ مُحَبَّةٌ قال نعم فَقُلْت فَقَدْ خَالَفْت الْحَدِيثَيْنِ عنه وَأَنْتَ لَا تَغْنَمُ وقد زَعَمْت أَنَّهُ غَنِمَ وَلَا تَتْرُكُ وقد زَعَمْت أَنَّهُ تَرَكَ قال إنَّمَا اسْتَمْتَعَ بها في حَالٍ قُلْت فَالْمَحْظُورُ يُسْتَمْتَعُ بِهِ فِيمَا سِوَى هذا قال لَا قُلْت أَفَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شيآن ( ( ( شيئان ) ) ) مَحْظُورَانِ فَيُسْتَمْتَعُ بِأَحَدِهِمَا وَيَحْرُمُ الِاسْتِمْتَاعُ بِالْآخَرِ بِلَا خَبَرٍ قال لَا قُلْت فَقَدْ أَجَزْته ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقُلْت له أَرَأَيْت لو وَجَدْت لهم دَنَانِيرَ أو دَرَاهِمَ تُقَوِّيَك عليهم أنأخذها ( ( ( أتأخذها ) ) ) قال لَا قُلْت فَقَدْ تَرَكْت ما هو أَشَدُّ لَك عليهم تَقْوِيَةً من السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ في بَعْضِ الْحَالَاتِ قال فإن صَاحِبَنَا يَزْعُمُ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي على قَتْلَى أَهْلِ الْبَغْيِ فَقُلْت له وَلِمَ وَصَاحِبُك يُصَلِّي على من قَتَلَهُ في حَدٍّ وَالْمَقْتُولُ في حَدٍّ يَجِبُ على صَاحِبِك قَتْلُهُ وَلَا يَحِلُّ له تَرْكُهُ وَالْبَاغِي يَحْرُمُ على صَاحِبِك قَتْلُهُ مُوَلِّيًا وَرَاجِعًا عن الْبَغْيِ فإذا تَرَكَ صَاحِبُك الصَّلَاةَ على أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ كان من لَا يَحِلُّ له إلَّا قَتْلُهُ أَوْلَى أَنْ يَتْرُكَ الصَّلَاةَ عليه قال كَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّ ذلك عُقُوبَةٌ ليتنكل غَيْرُهُ عن مِثْلِ ما صَنَعَ قُلْت أو يُعَاقِبُهُ صَاحِبُك بِمَا لَا يَسَعُهُ أَنْ يُعَاقِبَهُ بِهِ فإذا كان ذلك جَائِزًا فَلْيَصْلُبْهُ أو لِيُحَرِّقْهُ فَهُوَ أَشَدُّ في الْعُقُوبَةِ من تَرْكِ الصَّلَاةِ عليه أو يَجُزَّ رَأْسَهُ فَيَبْعَثْ بِهِ قال لَا يَفْعَلُ بِهِ من هذا شيئا قُلْت وَهَلْ يُبَالِي من قَاتَلَك على أَنَّك كَافِرٌ أَنْ لَا تُصَلِّيَ عليه وهو يَرَى صَلَاتَك لَا تُقَرِّبُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَقُلْت وصاحبك ( ( ( صاحبك ) ) ) لو غَنِمَ مَالَ الْبَاغِي كان أَبْلَغَ في تَنْكِيلِ الناس حتى لَا يَصْنَعُوا مِثْلَ ما صَنَعَ الْبَاغِي قال ما يُنَكِّلُ أَحَدٌ بِمَا ليس له أَنْ يُنَكِّلَ بِهِ قُلْت فَقَدْ فَعَلْت وَقُلْتُ له أَتَمْنَعُ الْبَاغِيَ أَنْ تُجُوِّزَ شَهَادَتُهُ أو يُنَاكِحَ أو يُوَارِثُ أو شيئا مِمَّا يحوز ( ( ( يجوز ) ) ) لِأَهْلِ الاسلام قال لَا قُلْت قال فَكَيْفَ مَنَعْته الصَّلَاةَ وَحْدَهَا أَبِخَبَرٍ لَا قُلْت فَإِنْ قال لَك قَائِلٌ أُصَلِّي عليه وَأَمْنَعُهُ أَنْ يُنَاكِحَ أو يُوَارِثُ قال ليس له أَنْ يَمْنَعَهُ شيئا مِمَّا لَا يَمْنَعُهُ الْمُسْلِمَ إلَّا بِخَبَرٍ قُلْت فَقَدْ مَنَعَهُ الصَّلَاةَ بِلَا خَبَرٍ وقال إذَا قَتَلَ الْعَادِلُ أَخَاهُ وَأَخُوهُ بَاغٍ وَرِثَهُ لِأَنَّ له قَتْلَهُ وإذا قَتَلَهُ أَخُوهُ لم يَرِثْهُ لِأَنَّهُ ليس له قَتْلُهُ فَقُلْت له فَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ من قَتَلَ أَخَاهُ عَمْدًا لم يَرِثْ من مَالِهِ وَلَا من ديته ( ( ( دينه ) ) ) إنْ أَخَذْت منه شيئا وَمَنْ قَتَلَهُ خَطَأً وَرِثَ من مَالِهِ ولم يَرِثْ من دِيَتِهِ شيئا لِأَنَّهُ لَا يُتَّهَمُ على أَنْ
____________________

(4/225)


يَكُونَ قَتَلَهُ لِيَرِثَ مَالَهُ وَرَوَى هذا عَمْرُو بن شُعَيْبٍ يَرْفَعُهُ فَقُلْت حَدِيثُ عَمْرِو بن شُعَيْبٍ ضَعِيفٌ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ وَقُلْت إنَّمَا قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( ليس لِقَاتِلٍ شَيْءٌ ) هذا على من لَزِمَهُ اسْمُ الْقَتْلِ أَيُّمَا كان تَعَمَّدَ الْقَتْلَ أو مَرْفُوعًا عنه الْإِثْمُ بِأَنْ عَمَدَ غَرَضًا فَأَصَابَ إنْسَانًا فَكَيْفَ لم يَقُلْ بهذا في الْقَتِيلِ من أَهْلِ الْبَغْيِ وَالْعَدْلِ فيقول كُلُّ من يَلْزَمُهُ اسْمُ قَاتِلٍ فَلَا يَرِثُ كما احْتَجَجْت عَلَيْنَا وَأَنْتَ أَيْضًا تُسَوِّي بَيْنَهُمَا في الْقَتْلِ فَتَقُولُ لَا أُقِيدُ وَاحِدًا مِنْهُمَا من صَاحِبِهِ وَإِنْ كان أَحَدُهُمَا ظَالِمًا لِأَنَّ كُلًّا مُتَأَوِّلٌ قال فإن صَاحِبَنَا قال نُقَاتِلُ أَهْلَ الْبَغْيِ وَلَا يُدْعَوْنَ لِأَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ ما يُدْعَوْنَ إلَيْهِ وقال حُجَّتُنَا فيه أَنَّ من بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ من أَهْلِ الْحَرْبِ جَازَ أَنْ يُقَاتَلَ وَلَا يدعي فَقُلْت له لو قَاسَ غَيْرُك أَهْلَ الْبَغْيِ بِأَهْلِ الْحَرْبِ كُنْت شَبِيهًا بِالْخُرُوجِ إلَى الْإِسْرَافِ في تَضْعِيفِهِ كما رَأَيْتُك تَفْعَلُ في أَقَلَّ من هذا قال وما الْفَرْقُ بَيْنَهُمْ قُلْت أَرَأَيْت أَهْلَ الْبَغْيِ إذَا أَظْهَرُوا إرَادَةَ الْخُرُوجِ عَلَيْنَا وَالْبَرَاءَةَ مِنَّا وَاعْتَزَلُوا جَمَاعَتَنَا أنقتلهم ( ( ( أتقتلهم ) ) ) في هذه الْحَالِ قال لَا فَقُلْت وَلَا نَأْخُذُ لهم مَالًا وَلَا نَسْبِي لهم ذُرِّيَّةً قال لَا قُلْت أَفَرَأَيْت أَهْلَ الْحَرْبِ إذَا كَانُوا في دِيَارِهِمْ لَا يَهُمُّونَ بِنَا وَلَا يُعَرِّضُونَ بِذِكْرِنَا أَهْلَ قُوَّةٍ على حَرْبِنَا فَتَرَكُوهَا أو ضَعُفَ عنها فلم يَذْكُرُوهَا أَيَحِلُّ لنا أَنْ نُقَاتِلَهُمْ نِيَامًا كَانُوا أو مُوَلِّينَ وَمَرْضَى وَنَأْخُذَ ما قَدَرْنَا عليه من مَالٍ وَسَبْيِ نِسَائِهِمْ وَأَطْفَالِهِمْ وَرِجَالِهِمْ قال نعم قُلْت وما يَحِلُّ منهم مُقَاتِلِينَ مُقْبِلِينَ وَمُدْبِرِينَ مِثْلُ ما يَحِلُّ منهم تَارِكِينَ لِلْحَرْبِ غَافِلِينَ قال نعم قُلْت وَأَهْلُ الْبَغْيِ مُقْبِلِينَ يُقَاتَلُونَ وَيُتْرَكُونَ مُوَلِّينَ فَلَا يُؤْخَذُ لهم مَالٌ قال نعم قُلْت أَفَتَرَاهُمْ يُشْبِهُونَهُمْ قال أنهم لَيُفَارِقُونَهُمْ في بَعْضِ الْأُمُورِ قُلْت بَلْ في أَكْثَرِهَا أو كُلِّهَا قال فما مَعْنَى دَعْوَتِهِمْ قُلْت قد يَطْلُبُونَ الْأَمْرَ بِبَعْضِ الْخَوْفِ وَالْإِرْعَادِ فَيَجْتَمِعُونَ وَيَعْتَقِدُونَ وَيَسْأَلُونَ عَزْلَ الْعَامِلِ وَيَذْكُرُونَ جَوْرَهُ أو رَدَّ مَظْلِمَتِهِ أو ما أَشْبَهَ هذا فَيُنَاظِرُونَ فَإِنْ كان ما طَلَبُوا حَقًّا أُعْطُوهُ وَإِنْ كان بَاطِلًا أُقِيمَتْ الْحُجَّةُ عليهم فيه فَإِنْ تَفَرَّقُوا قبل هذا تَفَرُّقًا لَا يَعُودُونَ له فَذَاكَ وَإِنْ أَبَوْا إلَّا الْقِتَالَ قُوتِلُوا وقد اجْتَمَعُوا في زَمَانِ عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ فَكَلَّمَهُمْ فَتَفَرَّقُوا بِلَا حَرْبٍ وَقُلْت له وإذا كَانُوا عِنْدَنَا وَعِنْدَك إذَا قَاتَلُوا فَأَكْثَرُوا الْقَتْلَ ثُمَّ وَلَّوْا لم يُقْتَلُوا مُوَلِّينَ لِحُرْمَةِ الْإِسْلَامِ مع عِظَمِ الْجِنَايَةِ فَكَيْفَ تُبَيِّتُهُمْ فَتَقْتُلُهُمْ قبل قِتَالِهِمْ وَدَعْوَتِهِمْ وقد يُمْكِنُ فِيهِمْ الرُّجُوعُ بِلَا سَفْكِ دَمٍ وَلَا مُؤْنَةٍ أَكْثَرَ من الْكَلَامِ وَرَدِّ مَظْلِمَةٍ إنْ كانت يَجِبُ على الْإِمَامِ رَدُّهَا إذَا عَلِمَهَا قبل أَنْ يُسْأَلَهَا - * الْأَمَانُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال بَعْضُ الناس يَجُوزُ أَمَانُ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ وَالرَّجُلِ الْمُسْلِمِ لِأَهْلِ الْحَرْبِ فَأَمَّا الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ فَإِنْ أَمَّنَ أَهْلَ بَغْيٍ أو حَرْبٍ وكان يُقَاتِلُ أَجَزْنَا أَمَانَهُ كما نُجِيزُ أَمَانَ الْحُرِّ وَإِنْ كان لَا يُقَاتِلُ لم نُجِزْ أَمَانَهُ فَقُلْت له لِمَ فَرَّقْت بين الْعَبْدِ يُقَاتِلُ وَلَا يُقَاتِلُ فقال قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( الْمُسْلِمُونَ يَدٌ على من سِوَاهُمْ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ ) فَقُلْت له هذه الْحُجَّةُ عَلَيْك قال وَمِنْ أَيْنَ قُلْت إنْ زَعَمْت أَنَّ قَوْلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ ) على الْأَحْرَارِ دُونَ الْمَمَالِيكِ فَقَدْ زَعَمْت أَنَّ الْمَمْلُوكَ يُؤَمِّنُ وهو خَارِجٌ من الحديث قال ما هو بخارج ( ( ( خارج ) ) ) من الحديث وَإِنَّهُ لَيَلْزَمُهُ اسْمُ الْإِيمَانِ فَقُلْت له فَإِنْ كان دَاخِلًا في الحديث فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَمَانُهُ إذَا لم يُقَاتِلْ قال إنَّمَا يُؤَمِّنُ الْمُقَاتِلِينَ مُقَاتِلٌ قُلْت وَرَأَيْت ذلك اسْتِثْنَاءً في الحديث أو وَجَدْت عليه دَلَالَةً منه قال كان الْعَقْلُ يَدُلُّ على هذا قُلْت ليس كما تَقُولُ الْحَدِيثُ وَالْعَقْلُ مَعًا يَدُلَّانِ على أَنَّهُ يَجُوزُ أَمَانُ الْمُؤْمِنِ بِالْإِيمَانِ لَا بِالْقِتَالِ وَلَوْ كان كما قُلْتَ كُنْتَ قد خَالَفْت أَصْلَ مَذْهَبِك قال وَمِنْ أَيْنَ قُلْت زَعَمْت أَنَّ الْمَرْأَةَ تُؤَمِّنُ فَيَجُوزُ أَمَانُهَا وَالزَّمِنُ لَا يُقَاتِلُ يُؤَمِّنُ فَيَجُوزُ أَمَانُهُ وكان يَلْزَمُك في هَذَيْنِ على أَصْلِ ما ذَهَبْت إلَيْهِ أَنْ لَا يَجُوزُ أَمَانُهُمَا لِأَنَّهُمَا لَا يُقَاتِلَانِ قال فَإِنِّي أَتْرُكُ هذا كُلَّهُ
____________________

(4/226)


فَأَقُولُ إنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَمَّا قال ( تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ ) فَدِيَةُ الْعَبْدِ أَقَلُّ من دِيَةِ الْحُرِّ فَلَيْسَ بِكُفْءٍ بِدَمِهِ لِدَمِهِ فَقُلْت له الْقَوْلُ الذي صِرْت إلَيْهِ أَبْعَدُ من الصَّوَابِ من الْقَوْلِ الذي بَانَ لَك تَنَاقُضُ قَوْلِك فيه قال وَمِنْ أَيْنَ قُلْت أَتَنْظُرُ في قَوْلِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ ) إلَى الْقَوَدِ أَمْ إلَى الدِّيَةِ قال إلَى الدِّيَةِ قُلْت فَدِيَةُ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ وَأَنْتَ تُجِيزُ أَمَانَهَا وَدِيَةُ بَعْضِ الْعَبِيدِ عِنْدَك أَكْثَرُ من دِيَةِ الْمَرْأَةِ فَلَا تُجِيزُ أَمَانَهُ وقد يَكُونُ الْعَبْدُ لَا يُقَاتِلُ أَكْثَرَ دِيَةً من الْعَبْدِ يُقَاتِلُ وَلَا تُجِيزُ أَمَانَهُ وَيَكُونُ الْعَبْدُ يُقَاتِلُ عن مِائَةِ دِرْهَمٍ فَتُجِيزُ أَمَانَهُ فَقَدْ تَرَكْت أَصْلَ مَذْهَبِك في إجَازَةِ أَمَانِ الْعَبْدِ الْمُقَاتِلِ يسوي ( ( ( يساوي ) ) ) مِائَةَ دِرْهَمٍ وفي الْمَرْأَةِ قال فَإِنْ قُلْت إنَّمَا عَنَى ( تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ ) في الْقَوَدِ قُلْت فَقُلْهُ قال فَقَدْ قلته قُلْت فَأَنْتَ تُقِيدُ بِالْعَبْدِ الذي لَا يسوي ( ( ( يساوي ) ) ) عَشَرَةَ دَنَانِيرَ الْحُرَّ دِيَتُهُ أَلْفُ دِينَارٍ كان الْعَبْدُ مِمَّنْ يُحْسِنُ قِتَالًا أو لَا يُحْسِنُهُ قال إنِّي لَأَفْعَلُ وما هذا على الْقَوَدِ قُلْت أَجَلْ وَلَا على الدِّيَةِ وَلَا على الْقِتَالِ وَلَوْ كان على شَيْءٍ من ذلك كُنْت قد تَرَكْته كُلَّهُ قال فَعَلَامَ هو قُلْت على اسْمِ الْإِيمَانِ قال وإذا أَسَرَ أَهْلُ الْبَغْيِ أَهْلَ الْعَدْلِ وكان أَهْلُ الْعَدْلِ فِيهِمْ تُجَّارٌ فَقَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أو اسْتَهْلَكَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ مَالًا لم يُقْتَصَّ لِبَعْضِهِمْ من بَعْضٍ ولم يَلْزَمْ بَعْضَهُمْ لِبَعْضٍ في ذلك شَيْءٌ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَجْرِي عليهم وَكَذَلِكَ إنْ كَانُوا في دَارِ حَرْبٍ فَقُلْت له أَتَعْنِي أَنَّهُمْ في حَالِ شُبْهَةٍ بِجُهَّالِهِمْ وَتَنَحِّيهِمْ عن أَهْلِ الْعِلْمِ وَجَهَالَةِ من هُمْ بين ظَهْرَانَيْهِ من ( ( ( ممن ) ) ) أَهْلُ بَغْيٍ أو مُشْرِكِينَ قال لَا وَلَوْ كَانُوا فُقَهَاءَ يَعْرِفُونَ أَنَّ ما أَتَوْا وما هو دُونَهُ مُحَرَّمٌ أَسْقَطْت ذلك عَنْهُمْ في الْحُكْمِ لِأَنَّ الدَّارَ لَا يَجْرِي عليها الْحُكْمُ فَقُلْت له إنَّمَا يَحْتَمِلُ قَوْلُك لَا يَجْرِي عليها الْحُكْم مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَقُولَ ليس على أَهْلِهَا أَنْ يُعْطُوا أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ عليهم جَارِيًا وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنْ يَغْلِبَ أَهْلُهَا عليها فيمنعونها ( ( ( فيمنعوها ) ) ) من الْحُكْمِ في الْوَقْتِ الذي يُصِيبُ فيه هَؤُلَاءِ الْحُدُودِ فَأَيَّهُمَا عَنَيْت قال أَمَّا الْمَعْنَى الْأَوَّلُ فَلَا أَقُولُ بِهِ على أَهْلِهَا أَنْ يَصِيرُوا إلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَيَسْتَسْلِمُوا لِلْحُكْمِ وَهُمْ بِمَنْعِهِ ظَالِمُونَ مسلمين ( ( ( مسلمون ) ) ) كَانُوا أو مُشْرِكِينَ وَلَكِنْ إذَا مَنَعُوا دَارَهُمْ من أَنْ يَكُونَ عليها طَاعَةٌ يَجْرِي فيها الْحُكْمُ كَانُوا قبل الْمَنْعِ مُطِيعِينَ يَجْرِي عليهم الْحُكْمُ أو لم يَكُونُوا مُطِيعِينَ قَبْلَهُ فَأَصَابَ الْمُسْلِمُونَ في هذه الدَّارِ حُدُودًا بَيْنَهُمْ أو لِلَّهِ لم تُؤْخَذْ منهم الْحُدُودُ وَلَا الْحُقُوقُ بِالْحُكْمِ وَعَلَيْهِمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ عز وجل تَأْدِيَتُهَا فَقُلْت له نَحْنُ وَأَنْتَ تُزْعَمُ أَنَّ الْقَوْلَ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ خَبَرًا أو قِيَاسًا مَعْقُولًا فَأَخْبِرْنَا في أَيِّ الْمَعْنَيَيْنِ قَوْلُك قال قَوْلِي قِيَاسٌ لَا خَبَرٌ قُلْنَا فَعَلَامَ قِسْتَهُ قال على أَهْلِ دَارِ الْمُحَارَبِينَ يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ثُمَّ يَظْهَرُ عليهم فَلَا نُقِيدُ منهم قُلْت أَتَعْنِي من الْمُشْرِكِينَ قال نعم فَقُلْت له أَهْلُ الدَّارِ من الْمُشْرِكِينَ يُخَالِفُونَ التُّجَّارَ وَالْأُسَارَى فِيهِمْ في الْمَعْنَى الذي ذَهَبْت إلَيْهِ خِلَافًا بَيِّنًا قال فَأَوْجَدَنِيهِ قُلْت أَرَأَيْت الْمُشْرِكِينَ الْمُحَارَبِينَ لو سَبَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا ثُمَّ أَسْلَمُوا أَتَدَعُ السَّابِيَ يَتَخَوَّلُ الْمَسْبِيَّ مَوْقُوفًا له قال نعم قُلْت فَلَوْ فَعَلَ ذلك الْأُسَارَى أو التُّجَّارُ ثُمَّ ظَهَرْنَا عليهم قال فَلَا يَكُونُ لهم أَنْ يَسْتَرِقَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا قُلْت أَفَرَأَيْت أَهْلَ الْحَرْبِ لو غَزَوْنَا فَقَتَلُوا فِينَا ثُمَّ رَجَعُوا إلَى دَارِهِمْ فَأَسْلَمُوا أو أَسْلَمُوا قبل الرُّجُوعِ أَيَكُونُ على الْقَاتِلِ منهم قَوَدٌ قال لَا قُلْت فَلَوْ فَعَلَ ذلك الْأُسَارَى أو التُّجَّارُ غير مُكْرَهِينَ وَلَا مُشْتَبَهٍ عليهم قال يُقْتَلُونَ قُلْت أَفَرَأَيْت الْمُسْلِمِينَ أَيَسَعُهُمْ أَنْ يَقْصِدُوا قَصْدَ الْأُسَارَى وَالتُّجَّارِ من الْمُسْلِمِينَ بِبِلَادِ الْحَرْبِ فَيَقْتُلُونَهُمْ قال لَا بَلْ مُحَرَّمٌ عليهم قُلْت أَفَيَسَعُهُمْ ذلك في أَهْلِ الْحَرْبِ قال نعم قُلْت أَرَأَيْت الْأُسَارَى وَالتُّجَّارَ لو تَرَكُوا صَلَوَاتٍ ثُمَّ خَرَجُوا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَيَكُونُ عليهم قَضَاؤُهَا أو زَكَاةً كان عليهم أَدَاؤُهَا قال نعم قُلْت وَلَا يَحِلُّ لهم في دَارِ الْحَرْبِ إلَّا ما يَحِلُّ في دَارِ الاسلام قال نعم قُلْت فَإِنْ كانت الدَّارُ لَا تُغَيِّرُ مِمَّا أَحَلَّ اللَّهُ لهم وَحَرَّمَ عليهم شيئا فكيف ( ( ( فيكون ) ) ) أَسْقَطْت عَنْهُمْ حَقَّ اللَّهِ عز وجل وَحَقَّ الْآدَمِيِّينَ الذي أَوْجَبَهُ اللَّهُ عز وجل فِيمَا أَتَوْا في الدَّارِ التي لَا تُغَيِّرُ عِنْدَك شيئا ثُمَّ قُلْت وَلَا يَحِلُّ لهم حَبْسُ حَقٍّ قِبَلَهُمْ في دَمٍ وَلَا غَيْرِهِ وما كان لَا يَحِلُّ لهم حَبْسُهُ كان على السُّلْطَانِ اسْتِخْرَاجُهُ منهم عِنْدَك في غَيْرِ هذا
____________________

(4/227)


الْمَوْضِعِ فقال فَإِنِّي أَقِيسُهُمْ على أَهْلِ الْبَغْيِ الَّذِينَ أَبْطَلَ ما أَصَابُوا إذَا كان الْحُكْمُ لَا يَجْرِي عليهم قُلْت وَلَوْ قِسْتَهُمْ بِأَهْلِ الْبَغْيِ كُنْت قد أَخْطَأْت الْقِيَاسَ قال وَأَيْنَ قُلْت أنت تَزْعُمُ أَنَّ أَهْلَ الْبَغْيِ ما لم يَنْصِبُوا إمَامًا وَيُظْهِرُوا حُكْمَهُمْ يُقَادُ منهم في كل ما أَصَابُوا وَتُقَامُ عليهم الْحُدُودُ وَالْأُسَارَى وَالتُّجَّارُ لَا إمَامَ لهم وَلَا امْتِنَاعَ فَلَوْ قِسْتَهُمْ بِأَهْلِ الْبَغْيِ كان الذي نقيم ( ( ( تقيم ) ) ) عليه الْحُدُودَ من أَهْلِ الْبَغْيِ أَشْبَهُ بِهِمْ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ بِنَفْسِهِ وَهُمْ غَيْرُ مُمْتَنِعِينَ بِأَنْفُسِهِمْ وَأَهْلُ الْبَغْيِ عِنْدَك إذَا قَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِلَا شُبْهَةٍ ثُمَّ ظَهَرَتْ عليهم أَقَدْتهمْ وَأَخَذْت لِبَعْضِهِمْ من بَعْضٍ ما ذَهَبَ لهم من مَالٍ فقال وَلَكِنَّ الدَّارَ مَمْنُوعَةٌ من أَنْ يجري عليها الْحُكْمُ بِغَيْرِهِمْ فَإِنَّمَا مَنَعْتَهُمْ بِأَنَّ الدَّارَ لَا يجري عليها الْحُكْمُ فَقُلْت له فَأَنْتَ إنْ قِسْتَهُمْ بِأَهْلِ الْحَرْبِ وَالْبَغْيِ مُخْطِئٌ وَإِنَّمَا كان يَنْبَغِي أَنْ تَبْتَدِئَ بِاَلَّذِي رَجَعْت إلَيْهِ قال فَيَدْخُلُ عَلَيَّ في الذي رَجَعْت إلَيْهِ شَيْءٌ قُلْت نعم قال وما هو قُلْت أَرَأَيْت الْجَمَاعَةَ من أَهْلِ الْقِبْلَةِ يُحَارِبُونَ فَيَمْتَنِعُونَ في مَدِينَةٍ أو صَحْرَاءَ فَيَقْطَعُونَ الطَّرِيقَ وَيَسْفِكُونَ الدِّمَاءَ وَيَأْخُذُونَ الْأَمْوَالَ وَيَأْتُونَ الْحُدُودَ قال يُقَامُ هذا كُلُّهُ عليهم قُلْت وَلِمَ وقد مَنَعُوا هُمْ بِأَنْفُسِهِمْ دَارَهُمْ وَمَوَاضِعَهُمْ حتى صَارُوا لَا تَجْرِي الْأَحْكَامُ عليهم وَإِنْ كُنْت إنَّمَا ذَهَبْت إلَى أَنَّهُ أَسْقَطَ الْحُكْمَ عن الْمُسْلِمِينَ امْتِنَاعُ الدَّارِ فَهَؤُلَاءِ مَنَعُوا الدَّارَ بِأَنْفُسِهِمْ من أَنْ يجري عليها حُكْمٌ وقد أَجْرَيْت عليهم الْحُكْمَ فَلِمَ أَجْرَيْته على قَوْمٍ في دَارٍ مَمْنُوعَةٍ من الْقَوْمِ وَأَسْقَطْته عن آخَرِينَ وَإِنْ كُنْت قُلْت يَسْقُطُ عن أَهْلِ الْبَغْيِ فَأُولَئِكَ قَوْمٌ مُتَأَوِّلُونَ مع الْمَنْعِيَّةِ مُشْبَهٌ عليهم يَرَوْنَ أَنَّ ما صَنَعُوا مُبَاحٌ لهم وَالْأُسَارَى وَالتُّجَّارُ الَّذِينَ أَسْقَطْت عَنْهُمْ الْحُدُودَ يَرَوْنَ ذلك مُحَرَّمًا عليهم قال فَإِنَّمَا قُلْت هذا في الْمُحَارِبِينَ من أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَكَمَ عليهم أَنْ يُقْتَلُوا أو يُصَلَّبُوا أو تَقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ من خِلَافٍ قُلْت له أَفَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ عليهم إنْ كَانُوا غير مُمْتَنِعِينَ قال نعم وَيُحْتَمَلُ وقل ( ( ( وكل ) ) ) شَيْءٍ إلَّا وهو يُحْتَمَلُ وَلَكِنْ ليس في الْآيَةِ دَلَالَةٌ عليه وَالْآيَةُ على ظَاهِرِهَا حتى تَأْتِيَ دَلَالَةٌ على بَاطِنٍ دُونَ ظَاهِرٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قُلْت له وَمَنْ قال بِبَاطِنٍ دُونَ ظَاهِرٍ بِلَا دَلَالَةٍ له في الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ أو الْإِجْمَاعِ مُخَالِفٌ لِلْآيَةِ قال نعم فَقُلْت له فَأَنْتَ إذًا تُخَالِفُ آيَاتٍ من كِتَابِ اللَّهِ عز وجل قال وَأَيْنَ قُلْت قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا } وقال اللَّهُ تَعَالَى { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } وقال عز ذِكْرُهُ { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } فَزَعَمْت في هذا وَغَيْرِهِ أَنَّك تَطْرَحُهُ عن الْأُسَارَى وَالتُّجَّارِ بِأَنْ يَكُونُوا في دَارٍ مُمْتَنِعَةٍ ولم تَجِدْ دَلَالَةً على هذا في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل وَلَا في سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا إجْمَاعٍ فَتُزِيلُ ذلك عَنْهُمْ بِلَا دَلَالَةٍ وَتَخُصُّهُمْ بِذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِمْ وقال بَعْضُ الناس لَا يَنْبَغِي لِقَاضِي أَهْلِ الْبَغْيِ أَنْ يَحْكُمَ في الدِّمَاءِ وَالْحُدُودِ وَحُقُوقِ الناس وإذا ظَهَرَ الْإِمَامُ على الْبَلَدِ الذي فيه قَاضٍ لِأَهْلِ الْبَغْيِ لم يَرُدَّ من حُكْمِهِ إلَّا ما يَرُدُّ من حُكْمِ غَيْرِهِ من قُضَاةِ غَيْرِ أَهْلِ الْبَغْيِ وَإِنْ حَكَمَ على غَيْرِ أَهْلِ الْبَغْيِ فَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُجِيزَ كِتَابَهُ خَوْفَ اسْتِحْلَالِهِ أَمْوَالَ الناس بِمَا لَا يَحِلُّ له ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان غير مَأْمُونٍ بِرَأْيِهِ على اسْتِحْلَالِ ما لَا يَحِلُّ له من مَالِ امْرِئٍ أو دَمِهِ لم يَحِلَّ قَبُولُ كِتَابِهِ وَلَا إنْفَاذُ حُكْمِهِ وَحُكْمُهُ أَكْثَرُ من كِتَابِهِ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُنَفَّذَ حُكْمُهُ وهو الْأَكْثَرُ وَيُرَدَّ كِتَابُهُ وهو الْأَقَلُّ وقال من خَالَفَنَا إذَا قَتَلَ الْعَادِلُ أَبَاهُ وَرِثَهُ وإذا قَتَلَ الْبَاغِي أباه لم يَرِثْهُ وَخَالَفَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فقال هُمَا سَوَاءٌ يَتَوَارَثَانِ لِأَنَّهُمَا مُتَأَوِّلَانِ وَخَالَفَهُ آخَرُ فقال لَا يَتَوَارَثَانِ لِأَنَّهُمَا قَاتِلَانِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى والذي ( ( ( الذي ) ) ) هو أَشْبَهُ بِمَعْنَى الحديث أَنَّهُمَا سَوَاءٌ لَا يَتَوَارَثَانِ وَيَرِثُهُمَا غَيْرُهُمَا من وَرَثَتِهِمَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال من خَالَفَنَا يَسْتَعِينُ الْإِمَامُ على أَهْلِ الْبَغْيِ بِالْمُشْرِكِينَ إذَا كان حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ ظَاهِرًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقُلْت له إنَّ اللَّهَ عز وجل أَعَزَّ بِالْإِسْلَامِ أَهْلَهُ فَخَوَّلَهُمْ من خَالَفَهُمْ بِخِلَافِ دِينِهِ فَجَعَلَهُمْ صِنْفَيْنِ صِنْفًا مَرْقُوقِينَ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَصِنْفًا مَأْخُوذًا من أَمْوَالِهِمْ ما فيه لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ الْمَنْفَعَةُ صَغَارًا غير مَأْجُورِينَ عليه وَمَنَعَهُمْ من أَنْ يَنَالُوا نِكَاحَ مُسْلِمَةٍ وَأَبَاحَ
____________________

(4/228)


نِسَاءَ حَرَائِرِ أَهْلِ الْكِتَابِ لِلْمُسْلِمِينَ ثُمَّ زَعَمْت أَنْ لَا يَذْبَحَ النُّسُكَ إذَا كان تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ أَحَدٌ من أَهْلِ الْكِتَابِ فَكَيْفَ أَجَزْت أَنْ تَجْعَلَ الْمُشْرِكَ في مَنْزِلَةٍ يَنَالُ بها مُسْلِمًا حتى يَسْفِكَ بها دَمَهُ وَأَنْتَ تَمْنَعُهُ من أَنْ تُسَلِّطَهُ على شَاتِه التي يَتَقَرَّبُ بها إلَى رَبِّهِ قال حُكْمُ الْإِسْلَامِ هو الظَّاهِرُ قُلْت وَالْمُشْرِكُ هو الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ قد مَضَى عنه الْحُكْمُ وَصَيَّرْتَ حَتْفَهُ بِيَدَيْ من خَالَفَ دِينَ اللَّهِ عز وجل وَلَعَلَّهُ يَقْتُلُهُ بِعَدَاوَةِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ في الْحَالِ التي لَا تَسْتَحِلُّ أنت فيها قَتْلَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقُلْت له أَرَأَيْت قَاضِيًا إنْ اسْتَقْضَى تَحْتَ يَدِهِ قَاضِيًا هل يُوَلِّي ذِمِّيًّا مَأْمُونًا أَنْ يَقْضِيَ في حُزْمَةِ بَقْلٍ وهو يَسْمَعُ قَضَاءَهُ فَإِنْ أَخْطَأَ الْحَقَّ رَدَّهُ قال لَا قُلْت وَلِمَ وَحُكْمُ الْقَاضِي الظَّاهِرُ قال وَإِنْ فَإِنْ عَظِيمًا أَنْ يَنْفُذَ على مُسْلِمٍ شَيْءٌ بِقَوْلِ ذِمِّيٍّ قُلْت إنَّهُ بِأَمْرِ مُسْلِمٍ قال وَإِنْ كان كَذَلِكَ فَالذِّمِّيُّ مَوْضِعُ حَاكِمٍ فَقُلْت له أَفَتَجِدُ الذِّمِّيَّ في قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ قَاتِلًا في الْمَوْضِعِ الذي لَا يَصِلُ الْإِمَامُ إلَى أَنْ يَأْمُرَهُ بِقَتْلٍ إنْ رَآهُ وَلَا كَفَّ قال إنَّ هذا كما وَصَفْت وَلَكِنَّ أَصْحَابُنَا احْتَجُّوا بِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم اسْتَعَانَ بِالْمُشْرِكِينَ على الْمُشْرِكِينَ قُلْت وَنَحْنُ نَقُولُ لَك اسْتَعِنْ بِالْمُشْرِكِينَ على الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّهُ ليس في الْمُشْرِكِينَ عِزٌّ مُحَرَّمٌ أَنْ نُذِلَّهُ وَلَا حُرْمَةٌ حُرِّمَتْ إلَّا أَنْ نَسْتَبْقِيَهَا كما يَكُونُ في أَهْلِ دِينِ اللَّهِ عز وجل وَلَوْ جَازَ أَنْ يُسْتَعَانَ بِهِمْ على قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ في الْحَرْبِ كان أَنْ يَمْضُوا حُكْمًا في حُزْمَةِ بَقْلٍ أَجْوَزْ وَقُلْت له ما أَبْعَدَ ما بين أَقَاوِيلِك قال في أَيِّ شَيْءٍ قُلْت أنت تَزْعُمُ أَنَّ الْمُسْلِمَ وَالذِّمِّيَّ إذَا تَدَاعَيَا وَلَذَا جَعَلْت الْوَلَدَ لِلْمُسْلِمِ وَحُجَّتُهُمَا فيه وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ أَوْلَى بِالْوَلَدِ قبل أَنْ يَصِفَ الْوَلَدَ الْإِسْلَامُ وَزَعَمْتَ أَنَّ أَحَدَ الْأَبَوَيْنِ إذَا أَسْلَمَ كان الْوَلَدُ مع أَيِّهِمَا أَسْلَمَ تعزيزا ( ( ( تعزيرا ) ) ) لِلْإِسْلَامِ فَأَنْتَ في هذه الْمَسْأَلَةِ تَقُولُ هذا وفي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا تُسَلِّطُ الْمُشْرِكِينَ على قَتْلِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ (1) * أخبرنا الرَّبِيعُ بن سلمان ( ( ( سليمان ) ) ) قال أخبرنا محمد بن إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال جِمَاعُ ما يَحِلُّ أَنْ يَأْخُذَهُ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ ثَلَاثَةُ وُجُوهٍ أَحَدُهَا ما وَجَبَ على الناس في أَمْوَالِهِمْ مِمَّا ليس لهم دَفْعُهُ من جِنَايَاتِهِمْ وَجِنَايَاتِ من يَعْقِلُونَ عنه وما وَجَبَ عليهم بِالزَّكَاةِ وَالنُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ وما أَشْبَهَ ذلك وما أَوْجَبُوا على أَنْفُسِهِمْ مِمَّا أَخَذُوا بِهِ الْعِوَضَ من الْبُيُوعِ وَالْإِجَارَاتِ وَالْهِبَاتِ لِلثَّوَابِ وما في مَعْنَاهُ وما أَعْطَوْا مُتَطَوِّعِينَ من أَمْوَالِهِمْ الْتِمَاسَ وَاحِدٍ من وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا طَلَبُ ثَوَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْآخَرُ طَلَبُ الِاسْتِحْمَادِ مِمَّنْ أَعْطَوْهُ إيَّاهُ وَكِلَاهُمَا مَعْرُوفٌ حَسَنٌ وَنَحْنُ نَرْجُو عليه الثَّوَابَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ ما أَعْطَى الناس من أَمْوَالِهِمْ من غَيْرِ هذه الْوُجُوهِ وما في مَعْنَاهَا وَاحِدٌ من وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا حَقٌّ وَالْآخَرُ بَاطِلٌ فما أَعْطَوْا من الْبَاطِلِ غَيْرُ جَائِزٍ لهم وَلَا لِمَنْ أَعْطَوْهُ وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل { وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ } فَالْحَقُّ من هذا الْوَجْهِ الذي هو خَارِجٌ من هذه الْوُجُوهِ التي وَصَفْت يَدُلُّ على الْحَقِّ في نَفْسِهِ وَعَلَى الْبَاطِلِ فِيمَا خَالَفَهُ وَأَصْلُ ذِكْرِهِ في الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْآثَارِ قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيمَا نَدَبَ إلَيْهِ أَهْلَ دِينِهِ { وَأَعِدُّوا لهم ما اسْتَطَعْتُمْ من قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ } فَزَعَمَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالتَّفْسِيرِ أَنَّ الْقُوَّةَ هِيَ الرَّمْيُ وقال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وما أَفَاءَ اللَّهُ على رَسُولِهِ منهم فما أَوَجَفْتُمْ عليه من خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا بن أبي فُدَيْكٍ عن بن أبي ذِئْبٍ عن نَافِعِ بن أبي نَافِعٍ عن أبي هُرَيْرَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ( لَا سَبَقَ إلَّا في نَصْلٍ أو حَافِرٍ أو خُفٍّ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَخْبَرَنِي بن أبي فُدَيْكٍ عن بن أبي ذِئْبٍ عن عَبَّادِ بن أبي صَالِحٍ عن أبيه عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ( لَا سَبَقَ إلَّا في حَافِرٍ أو خُفٍّ ) قال وَأَخْبَرَنَا بن أبي فُدَيْكٍ عن بن أبي ذِئْبٍ عن بن شِهَابٍ قال مَضَتْ السُّنَّةُ في النَّصْلِ وَالْإِبِلِ وَالْخَيْلِ وَالدَّوَابِّ
____________________
1- * كِتَابُ السَّبْقِ وَالنِّضَالِ

(4/229)


حَلَالٌ قال وَأَخْبَرَنَا مَالِكُ بن أَنَسٍ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم سَابَقَ بين الْخَيْلِ التي قد أُضْمِرَتْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( لَا سَبَقَ إلَّا في خُفٍّ أو حَافِرٍ أو نَصْلٍ ) يَجْمَعُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّ كُلَّ نَصْلٍ رُمِيَ بِهِ من سَهْمٍ أو نُشَّابَةٍ أو ما يَنْكَأُ الْعَدُوُّ نِكَايَتَهُمَا وَكُلَّ حَافِرٍ من خَيْلٍ وَحَمِيرٍ وَبِغَالٍ وَكُلَّ خُفٍّ من إبِلٍ بُخْتٍ أو عِرَابٍ دَاخِلٌ في هذا الْمَعْنَى الذي يَحِلُّ فيه السَّبَقُ وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنَّهُ يَحْرُمُ أَنْ يَكُونَ السَّبَقُ إلَّا في هذا وَهَذَا دَاخِلٌ في مَعْنَى ما نَدَبَ اللَّهُ عز وجل إلَيْهِ وَحَمِدَ عليه أَهْلَ دِينِهِ من الْإِعْدَادِ لِعَدُوِّهِ الْقُوَّةَ وَرِبَاطَ الْخَيْلِ وَالْآيَةُ الْأُخْرَى فما أَوَجَفْتُمْ عليه من خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ لِأَنَّ هذه الرِّكَابَ لَمَّا كان السَّبَقُ عليها يُرَغِّبُ أَهْلَهَا في اتِّخَاذِهَا لِآمَالِهِمْ إدْرَاكَ السَّبَقِ فيها وَالْغَنِيمَةِ عليها كانت من الْعَطَايَا الْجَائِزَةِ بِمَا وَصَفْتهَا فالإستباق فيها حَلَالٌ وَفِيمَا سِوَاهَا مُحَرَّمٌ فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا سَابَقَ رَجُلًا على أَنْ يَتَسَابَقَا على أَقْدَامِهِمَا أو سَابَقَهُ على أَنْ يَعْدُوَ إلَى رَأْسِ جَبَلٍ أو على أَنْ يَعْدُوَ فَيَسْبِقَ طَائِرًا أو على أَنْ يُصِيبَ ما في يَدَيْهِ أو على أَنْ يُمْسِكَ في يَدِهِ شيئا فَيَقُولَ له ارْكِنْ فَيَرْكَنُ فَيُصِيبُهُ أو على أَنْ يَقُومَ على قَدَمَيْهِ سَاعَةً أو أَكْثَرَ منها أو على أَنْ يُصَارِعَ رَجُلًا أو على أَنْ يُدَاحِيَ رَجُلًا بِالْحِجَارَةِ فَيَغْلِبَهُ كان هذا كُلُّهُ غير جَائِزٍ من قِبَلِ أَنَّهُ خَارِجٌ من مَعَانِي الْحَقِّ الذي حَمِدَ اللَّهُ عليه وَخَصَّتْهُ السُّنَّةُ بِمَا يَحِلُّ فيه السَّبَقُ وَدَاخِلٌ في مَعْنَى ما حَظَرَتْهُ السُّنَّةُ إذْ نَفَتْ السُّنَّةُ أَنْ يَكُونَ السَّبَقُ إلَّا في خُفٍّ أو نَصْلٍ أو حَافِرٍ وَدَاخِلٍ في مَعْنَى أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ لِأَنَّهُ ليس مِمَّا أَخَذَ الْمُعْطِي عليه عِوَضًا وَلَا لَزِمَهُ بِأَصْلِ حَقٍّ وَلَا أَعْطَاهُ طَلَبًا لِثَوَابِ اللَّهِ عز وجل وَلَا لِمَحْمَدَةِ صَاحِبِهِ بَلْ صَاحِبُهُ يَأْخُذُهُ غير حَامِدٍ له وهو غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ له فَعَلَى هذا عَطَايَا الناس وَقِيَاسُهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْأَسْبَاقُ ثَلَاثَةٌ سَبَقٌ يُعْطِيه الْوَالِي أو الرَّجُلُ غَيْرُ الْوَالِي من ماله مُتَطَوِّعًا بِهِ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يُسَبِّقَ بين الْخَيْلِ من غَايَةٍ إلَى غَايَةٍ فَيَجْعَلَ لِلسَّابِقِ شيئا مَعْلُومًا وَإِنْ شَاءَ جَعَلَ لِلْمُصَلِّي وَالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ وَاَلَّذِي يَلِيهِ بِقَدْرِ ما رأى ( ( ( أرى ) ) ) فما جَعَلَ لهم كان لهم على ما جَعَلَ لهم وكان مَأْجُورًا عليه أَنْ يُؤَدِّيَ فيه وَحَلَالًا لِمَنْ أَخَذَهُ وَهَذَا وَجْهٌ لَيْسَتْ فيه عِلَّةٌ وَالثَّانِي يَجْمَعُ وَجْهَيْنِ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلَانِ يُرِيدَانِ يَسْتَبِقَانِ بِفَرَسَيْهِمَا وَلَا يُرِيدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَسْبِقَ صَاحِبَهُ وَيُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَا سَبَقَيْنِ من عِنْدِهِمَا وَهَذَا لَا يَجُوزُ حتى يُدْخِلَا بَيْنَهُمَا مُحَلِّلًا وَالْمُحَلِّلُ فَارِسٌ أو أَكْثَرُ من فَارِسٍ وَلَا يَجُوزُ الْمُحَلِّلُ حتى يَكُونَ كُفُؤًا لِلْفَارِسَيْنِ لَا يَأْمَنَانِ أَنْ يَسْبِقَهُمَا فإذا كان بَيْنَهُمَا مُحَلِّلٌ أو أَكْثَرُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُخْرِجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ما تَرَاضَيَا عليه مِائَةً مِائَةً أو أَكْثَرَ أو أَقَلَّ وَيَتَوَاضَعَانِهَا على يَدَيْ من يَثِقَانِ بِهِ أو يَضْمَنَانِهَا وَيَجْرِي بَيْنَهُمَا الْمُحَلِّلُ فَإِنْ سَبَقَهُمَا الْمُحَلِّلُ كان ما أَخْرَجَا جميعا له وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا الْمُحَلِّلَ أَحْرَزَ السَّابِقُ مَالَهُ وَأَخَذَ مَالَ صَاحِبِهِ وَإِنْ أَتَيَا مُسْتَوِيَيْنِ لم يَأْخُذْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا من صَاحِبِهِ شيئا وَأَقَلُّ السَّبَقِ أَنْ يَفُوتَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بِالْهَادِي أو بَعْضِهِ أو بِالْكَتَدِ أو بَعْضِهِ ( قال الرَّبِيعُ ) الْهَادِي عُنُقُ الْفَرَسِ وَالْكَتَدُ كَتِفُ الْفَرَسِ وَالْمُصَلِّي هو الثَّانِي وَالْمُحَلِّلُ هو الذي يَرْمِي معى وَمَعَك وَيَكُونُ كُفُؤًا لِلْفَارِسَيْنِ فَإِنْ سَبَقَنَا الْمُحَلِّلُ أَخَذَ مِنَّا جميعا وَإِنْ سَبَقْنَاهُ لم نَأْخُذْ منه شيئا لِأَنَّهُ مُحَلِّلٌ وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُنَا صَاحِبَهُ وَسَبَقَهُ الْمُحَلِّلُ أَخَذَ الْمُحَلِّلُ منه السَّبَقَ ولم يَأْخُذْ مِنِّي لِأَنِّي قد أَخَذْت سَبَقِي ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان هذا في الِاثْنَيْنِ هَكَذَا فَسَوَاءٌ لو كَانُوا مِائَةً أَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ منهم مِثْلَ ما يُخْرِجُ صَاحِبُهُ وَأَدْخَلُوا بَيْنَهُمْ مُحَلِّلًا إنْ سَبَقَ كان له جَمِيعُ ذلك وَإِنْ سُبِقَ لم يَكُنْ عليه شَيْءٌ وَإِنَّمَا قُلْنَا هذا لِأَنَّ أَصْلَ السُّنَّةِ في السَّبَقِ أَنْ يَكُونَ بين الْخَيْلِ وما يَجْرِي فَإِنْ سَبَقَ غَنِمَ وَإِنْ سُبِقَ لم يَغْرَمْ وَهَكَذَا هذا في الرَّمْيِ وَالثَّالِثُ أَنْ يَسْبِقَ أَحَدُ الْفَارِسَيْنِ صَاحِبَهُ فَيَكُونَ السَّبَقُ منه دُونَ صَاحِبِهِ فَإِنْ سَبَقَهُ صَاحِبُهُ كان له السَّبَقُ وَإِنْ سَبَقَ صَاحِبُهُ لم يَغْرَمْ صَاحِبُهُ شيئا وَأَحْرَزَ هو مَالَهُ وَسَوَاءٌ لو أَدْخَلَ معه عَشَرَةً هَكَذَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْرِيَ الرَّجُلُ مع الرَّجُلِ يُخْرِجُ كُلُّ وَاحِدٍ منها سَبَقًا وَيُدْخِلَانِ بَيْنَهُمَا مُحَلِّلًا إلَّا وَالْغَايَةُ التي يَجْرِيَانِ منها وَالْغَايَةُ التي يَنْتَهِيَانِ إلَيْهَا وَاحِدَةٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْفَصِلَ أَحَدُهُمَا عن الْآخَرِ بِخُطْوَةٍ وَاحِدَةٍ
____________________

(4/230)


- * ما ذُكِرَ في النِّضَالِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَالنِّضَالُ فِيمَا بين الِاثْنَيْنِ يَسْبِقُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَالثَّالِثُ بَيْنَهُمَا الْمُحَلِّلُ كَهُوَ في الْخَيْلِ لَا يَخْتَلِفَانِ في الْأَصْلِ فَيَجُوزُ في كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا ما جَازَ في الْآخَرِ وَيَرِدُ فِيهِمَا ما يَرِدُ في الْآخَرِ ثُمَّ يَتَفَرَّعَانِ فإذا اخْتَلَفَتْ عِلَلُهُمَا اخْتَلَفَا وإذا سَبَقَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ الْآخَرَ على أَنْ يَجْعَلَا بَيْنَهُمَا قَرَعًا مَعْرُوفًا خَوَاسِقَ ( 1 ) أو حَوَابِي فَهُوَ جَائِزٌ إذَا سَمَّيَا الْغَرَضَ الذي يَرْمِيَانِهِ وَجَائِزٌ أَنْ يَتَشَارَطَا ذلك مُحَاطَّةٌ أو مُبَادَرَةً فإذا تَشَارَطَاهُ مُحَاطَّةٌ فَكُلَّمَا أَصَابَ أَحَدُهُمَا بِعَدَدٍ وَأَصَابَ الْآخَرُ بمثله سَقَطَ كُلُّ وَاحِدٍ من الْعَدَدَيْنِ وَاسْتَأْنَفَا عَدَدًا كَأَنَّهُمَا أَصَابَا بِعَشَرَةِ أَسْهُمٍ عَشَرَةً سَقَطَتْ الْعَشَرَةُ بِالْعَشَرَةِ وَلَا شَيْءَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا على صَاحِبِهِ وَلَا يَعْتَدُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على صَاحِبِهِ إلَّا بِالْفَضْلِ من إصَابَتِهِ على إصَابَةِ صَاحِبِهِ وَهَذَا من حِينِ يَبْتَدِئَانِ السَّبْقَ إلَى أَنْ يَفْرُغَا منه وَسَوَاءٌ كان لِأَحَدِهِمَا فَضْلُ عِشْرِينَ سَهْمًا ثُمَّ أَصَابَ معه صَاحِبُهُ بِسَهْمٍ حُطَّ منها ( ( ( منهما ) ) ) سهما ( ( ( سهم ) ) ) ثُمَّ كُلَّمَا أَصَابَ حَطَّهُ حتى يَخْلُصَ له فَضْلُ الْعَدَدِ الذي شَرَطَ فَيَنْضُلَهُ وَإِنْ وَقَفَ وَقَرَعَ بَيْنَهُمَا من عِشْرِينَ خَاسِقًا وَلَهُ فَضْلُ تِسْعَةَ عَشْرَ فَأَصَابَ بِسَهْمٍ وَقَّفْنَا الْمَفْلُوجَ وَأَمَرْنَا الْآخَرَ بِالرَّمْيِ حتى ينفد ( ( ( ينفذ ) ) ) ما في أَيْدِيهِمَا في رَشْقِهَا فَإِنْ حَطَّهُ الْمَفْلُوجُ عليه بَطَلَ فَلْجُهُ وَإِنْ أَنْفَدَ ما في يَدَيْهِ وَلِلْآخِرِ في ذلك الرَّشْقِ عِشْرُونَ لم يُكَلَّفْ أَنْ يَرْمِيَ معه وكان قد فَلَجَ عليه وَإِنْ تَشَارَطَا أَنَّ الْقَرَعَ بَيْنَهُمَا حَوَابٍ كان الْحَابِي قُرْعَةً وَالْخَاسِقُ قُرْعَتَيْنِ وَيَتَقَايَسَانِ إذَا أَخْطَآ في الْوَجْهِ مَعًا فَإِنْ كان أَحَدُهُمَا أَقْرَبَ من صَاحِبِهِ بِسَهْمٍ فَأَكْثَرُ عَدَدِ ذلك عليه وَإِنْ كان أَقْرَبَ منه بِسَهْمٍ ثُمَّ الْآخَرُ أَقْرَبُ بِأَسْهُمٍ بَطَلَتْ أَسْهُمُهُ بالسهم الذي هو أَقْرَبُ بِهِ لَا يُعَدُّ الْقُرْبُ لِوَاحِدٍ وَلَا أَكْثَرَ وَثُمَّ وَاحِدٌ أَقْرَبُ منه وَكَذَلِكَ لو كان أَحَدُهُمَا أَقْرَبَ بِسَهْمٍ حَسَبْنَاهُ له وَالْآخَرُ أَقْرَبَ بِخَمْسَةٍ أَسْهُمٍ بَعْدَ ذلك السَّهْمِ لم نَحْسُبْهَا له إنَّمَا نَحْسُبُ له الْأَقْرَبَ فَأَيُّهُمَا كان أَقْرَبَ بِوَاحِدٍ حَسَبْنَاهُ له وَإِنْ كان أَقْرَبَ بِأَكْثَرَ وَإِنْ كان أَقْرَبَ بِوَاحِدٍ ثُمَّ الْآخَرُ بَعْدَهُ أَقْرَبُ بِوَاحِدٍ ثُمَّ الْأَوَّلُ الذي هو أَقْرَبُهُمَا أَقْرَبُ بِخَمْسَةِ أَسْهُمٍ لم يُحْسَبْ له من الْخَمْسَةِ من قِبَلِ أَنَّ لِمُنَاضِلِهِ سَهْمًا أَقْرَبَ منها وَإِنْ كان أَقْرَبَ بِأَسْهُمٍ فَأَصَابَ صَاحِبُهُ بَطَلَ الْقُرْبُ لِأَنَّ الْمُصِيبَ أَوْلَى من الْقَرِيبِ إنَّمَا يُحْسَبُ الْقَرِيبُ لِقُرْبِهِ من الْمُصِيبِ وَلَكِنْ إنْ أَصَابَ أَحَدُهُمَا وَأَخْلَى الْآخَرُ حُسِبَ لِلْمُصِيبِ صَوَابُهُ ثُمَّ نَظَرَ في حوابيهما فَإِنْ كان الذي لم يُصِبْ أَقْرَبَ بَطَلَ قُرْبُهُ بِمُصِيبِ مُنَاضِلِهِ فَإِنْ كان الْمُصِيبُ أَقْرَبَ حُسِبَ له من نَبْلِهِ ما كان أَقْرَبَ مع مُصِيبِهِ لِأَنَّا إذَا حَسَبْنَا له ما قَرُبَ من نَبْلِهِ مع غَيْرِ مُصِيبِهِ كانت مَحْسُوبَةً مع مُصِيبِهِ وقد رأيت من أَهْلِ الرَّمْيِ من يَزْعُمُ أَنَّهُمْ إنَّمَا يَتَقَايَسُونَ في الْقُرْبِ إلَى مَوْضِعِ الْعَظْمِ وَمَوْضِعُ الْعَظْمِ وَسَطُ الشَّنِّ بالأرض ( ( ( والأرض ) ) ) وَلَسْتُ أَرَى هذا يَسْتَقِيمُ في الْقِيَاسِ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَتَقَارَبُوا إلَى الشَّنِّ من قِبَلِ أَنَّ الشَّنَّ مَوْضِعُ الصَّوَابِ وقد رأيت منهم من يُقَايِسُ بين النَّبْلِ في الْوَجْهِ والعواضد يَمِينًا وَشِمَالًا ما لم يُجَاوِزْ الْهَدَفَ فإذا جَاوَزَ الْهَدَفَ أو الشَّنَّ أو كان مَنْصُوبًا أَلْغَوْهَا فلم يُقَايِسُوا بها ما كان عَضُدًا أو كان في الْوَجْهِ وَلَا يَجُوزُ هذا في الْقِيَاسُ فَالْقِيَاسُ أَنْ يُقَاسَ بِهِ خَارِجًا أو سَاقِطًا أو عَاضِدًا أو كان في الْوَجْهِ وَهَذَا في الْمُبَادَرَةِ مِثْلُهُ في الْمُحَاطَّةِ لَا يَخْتَلِفَانِ وَالْمُبَادَرَةُ أَنْ يُسَمِّيَا قُرَعًا ثُمَّ يُحْسَبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَوَابُهُ إنْ تَشَارَطُوا الصَّوَابَ وحوابيه إنْ تَشَارَطُوا الحوابي مع الصَّوَابِ ثُمَّ أَيُّهُمَا سَبَقَ إلَى ذلك الْعَدَدِ كان له النضل ( ( ( الفضل ) ) ) ( قال الرَّبِيعُ الْحَابِي الذي يُصِيبُ الْهَدَفَ وَلَا يُصِيبُ الشَّنَّ ) فإذا تَقَايَسَا بالحوابي فَاسْتَوَى حَابَيَاهُمَا تباطلا في ذلك الْوَجْهِ فلم يَتَعَادَّا لِأَنَّا إنَّمَا نُعَاد من كل
____________________

(4/231)


وَاحِدٍ مِنْهُمَا ما كان أَقْرَبَ بِهِ وَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِأَقْرَبَ من صَاحِبِهِ وإذا سَبَقَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ على أَنْ يَرْمِيَ معه أو سَبَقَ رَجُلٌ بين رَجُلَيْنِ فَقَدْ رأيت من الرُّمَاةِ من يقول صَاحِبُ السَّبَقِ أَوْلَى أَنْ يَبْدَأ وَالْمُسْبَقُ يُبْدِئُ أَيَّهُمَا شَاءَ وَلَا يَجُوزُ في الْقِيَاسِ أَنْ يَتَشَارَطَا أَيُّهُمَا يَبْدَأُ فَإِنْ لم يَفْعَلَا اقْتَرَعَا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَرْمِيَا إلَّا عن شَرْطٍ وإذا بَدَأَ أَحَدُهُمَا من وَجْهٍ بَدَأَ الْآخَرُ من الْوَجْهِ الذي يَلِيهِ وَيَرْمِي الْبَادِئُ بِسَهْمٍ ثُمَّ الْآخَرُ بِسَهْمٍ حتى يَنْفَدَ نَبْلُهُمَا وإذا عَرِقَ أَحَدُهُمَا فَخَرَجَ السَّهْمُ من يَدِهِ فلم يَبْلُغْ الْغَرَضَ كان له أَنْ يَعُودَ فَيَرْمِيَ بِهِ من قِبَلِ الْعَارِضِ فيه وَكَذَلِكَ لو زَهَقَ من قِبَلِ الْعَارِضِ فيه أَعَادَهُ فَرَمَى بِهِ وَكَذَلِكَ لو انْقَطَعَ وَتَرُهُ فلم يَبْلُغْ أو انْكَسَرَ قَوْسُهُ فلم يَبْلُغْ كان له أَنْ يُعِيدَهُ وَكَذَلِكَ لو أَرْسَلَهُ فَعَرَضَ دُونَهُ دَابَّةٌ أو إنْسَانٌ فَأَصَابَهُمَا كان له أَنْ يُعِيدَهُ في هذه الْحَالَاتِ كُلِّهَا وَكَذَلِكَ لو اضْطَرَبَتْ بِهِ يَدَاهُ أو عَرَضَ له في يَدَيْهِ ما لَا يَمْضِي معه السَّهْمُ كان له أَنْ يَعُودَ فَأَمَّا إنْ جَازَ وَأَخْطَأَ الْقَصْدَ فَرَمَى فَأَصَابَ الناس أو أَجَازَ من وَرَائِهِمْ فَهَذَا سُوءُ رمى منه ليس بِعَارِضٍ غَلَبَ عليه وَلَيْسَ له أَنْ يُعِيدَهُ وإذا كان رَمْيُهُمَا مُبَادَرَةً فَبَدَأَ أَحَدُهُمَا فَبَلَغَ تِسْعَةَ عَشْرَ من عِشْرِينَ رَمَى صَاحِبُهُ بِالسَّهْمِ الذي يُرَاسَلُهُ بِهِ ثُمَّ رَمَى الْبَادِئُ فَإِنْ أَصَابَ بِسَهْمِهِ ذلك فَلَجَ عليه ولم يَرْمِ الْآخَرُ بِالسَّهْمِ لِأَنَّ أَصْلَ السَّبَقِ مُبَادَرَةٌ وَالْمُبَادَرَةُ أَنْ يَفُوتَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَلَيْسَتْ كَالْمُحَاطَةِ وإذا تَشَارَطَا الخواسق فَلَا يُحْسَبْ لِرَجُلٍ خَاسِقٌ حتى يَخْرِقَ الْجِلْدَ وَيَكُونَ مُتَعَلِّقًا مثله وَإِنْ تَشَارَطَا الْمُصِيبَ فَلَوْ أَصَابَ الشَّنَّ ولم يَخْرِقْهُ حُسِبَ له لِأَنَّهُ مُصِيبٌ وإذا تَشَارَطَا الخواسق وَالشَّنُّ مُلْصَقٌ بِهَدَفٍ فَأَصَابَ ثُمَّ رَجَعَ ولم يَثْبُتْ فَزَعَمَ الرَّامِي أَنَّهُ خَسَقَ ثُمَّ رَجَعَ لِغِلَظٍ لَقِيَهُ من حَصَاةٍ أو غَيْرِهَا وَزَعَمَ الْمُصَابُ عليه أَنَّهُ لم يَخْسِقْ وَأَنَّهُ إنَّمَا قَرَعَ ثُمَّ رَجَعَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ فَيُؤْخَذَ بها وَكَذَلِكَ إنْ كان الشَّنُّ بَالِيًا فيه خُرُوقٌ فَأَصَابَ مَوْضِعَ الْخُرُوقِ فَغَابَ في الْهَدَفِ فَهُوَ مُصِيبٌ وَإِنْ لم يَغِبْ في الْهَدَفِ ولم يَسْتَمْسِكْ بِشَيْءٍ من الشَّنِّ ثُمَّ اخْتَلَفَا فيه فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُصَابِ عليه مع يَمِينه فَإِنْ أَصَابَ طَرَفًا من الشَّنِّ فَخَرَمَهُ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يُحْسَبُ له خَاسِقًا إذَا كان شَرْطُهُمَا الخواسق إلَّا أَنْ يَكُونَ بَقِيَ عليه من الشَّنِّ طَغْيَةٌ أو خَيْطٌ أو جِلْدٌ أو شَيْءٌ من الشَّنِّ يُحِيطُ بِالسَّهْمِ فَيَكُونُ يُسَمَّى بِذَلِكَ خَاسِقًا لِأَنَّ الْخَاسِقَ ما كان ثَابِتًا في الشَّنِّ وَقَلِيلُ ثُبُوتِهِ وَكَثِيرُهُ سَوَاءٌ وَلَا يَعْرِفُ الناس إذَا وَجَّهُوا بِأَنْ يُقَالَ هذا خَاسِقٌ إلَّا أَنَّ الْخَاسِقَ ما أَحَاطَ بِهِ الْمَخْسُوقُ فيه وَيُقَالُ لِلْآخَرِ خَارِمٌ لَا خَاسِقٌ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنْ يَكُونَ الْخَاسِقُ قد يَقَعَ بالإسم على ما أَوْهَى الصَّحِيحَ فَخَرَقَهُ فإذا خَرَقَ منه شيئا قَلَّ أو كَثُرَ بِبَعْضِ الفصل ( ( ( النصل ) ) ) فَهُوَ خَاسِقٌ لِأَنَّ الْخَسْقَ الثَّقْبُ وَهَذَا قد ثَقَبَ وَإِنْ خَرَمَ وَإِنْ كان السَّهْمُ ثَابِتًا في الْهَدَفِ وَعَلَيْهِ جِلْدَةٌ من الشَّنِّ أو طَغْيَةٌ لَيْسَتْ بِمُحِيطَةٍ فقال الرَّامِي خَرَقَ هذه الْجِلْدَةَ فَانْخَرَمَتْ أو هذه الطَّغْيَةُ فَانْخَرَمَتْ وقال الْمَخْسُوقُ عليه إنَّمَا وَقَعَ في الْهَدَفِ مُتَغَلْغِلًا تَحْتَ هذه الْجِلْدَةِ أو الطَّغْيَةِ اللَّتَيْنِ هُمَا طَائِرَتَانِ عَمَّا سِوَاهُمَا من الشَّنِّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ وَلَا يُحْسَبُ هذا خَاسِقًا بِحَالٍ في وَاحِدٍ من الْقَوْلَيْنِ وَلَوْ كان في الشَّنِّ خَرْقٌ فَأَثْبَتَ السَّهْمَ في الْخَرْقِ ثُمَّ ثَبَتَ في الْهَدَفِ كان خَاسِقًا لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ في الْهَدَفِ فَالشَّنُّ أَضْعَفُ منه وَلَوْ كان الشَّنُّ مَنْصُوبًا فَرَمَى فَأَصَابَ ثُمَّ مَرَقَ السَّهْمُ فلم يَثْبُتْ كان عِنْدِي خَاسِقًا وَمِنْ الرُّمَاةِ من لَا يَعُدَّهُ إذَا لم يَثْبُتْ وَلَوْ اخْتَلَفَا فيه فقال الرَّامِي أَصَابَ وَمَارَ فَخَرَجَ وقال المرمي عليه لم يُصِبْ أو أَصَابَ حَرْفَ الشَّنِّ بِالْقِدْحِ ثُمَّ مَضَى كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ مع يَمِينِهِ وَلَوْ أَصَابَ الْأَرْضَ ثُمَّ ازْدَلَفَ فَخَرَقَ الشَّنَّ فَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرُّمَاةُ فَمِنْهُمْ من أثبته ( ( ( أنبته ) ) ) خَاسِقًا وقال بِالرَّمْيَةِ أَصَابَ وَإِنْ عَرَضَ له دُونَهَا شَيْءٌ فَقَدْ مَضَى بِالنَّزْعَةِ التي أَرْسَلَ بها وَمِنْهُمْ من زَعَمَ أَنَّ هذا لَا يُحْسَبُ له لِأَنَّهُ اسْتَحْدَثَ بِضَرْبَتِهِ الْأَرْضَ شيئا أَحْمَاهُ فَهُوَ غَيْرُ رَمْيِ الرَّامِي وَلَوْ أَصَابَ وهو
____________________

(4/232)


مُزْدَلِفٌ فلم يَخْسِقْ وَشَرْطُهُمْ الخواسق لم يُحْسَبْ في وَاحِدٍ من الْقَوْلَيْنِ خَاسِقًا وَلَوْ كان شَرْطُهُمَا الْمُصِيبَ حُسِبَ في قَوْلِ من يَحْسُبُ الْمُزْدَلِفَ وَسَقَطَ في قَوْلِ من يُسْقِطُهُ ( قال الرَّبِيعُ ) الْمُزْدَلِفُ الذي يُصِيبُ الْأَرْضَ ثُمَّ يَرْتَفِعُ من الْأَرْضِ فَيُصِيبُ الشَّنَّ وَلَوْ كان شَرْطُهُمْ الْمُصِيبَ فَأَصَابَ السَّهْمُ حين تَفَلَّتَ غير مُزْدَلَفِ الشَّنِّ بِقِدْحِهِ دُونَ نَصْلِهِ لم يُحْسَبْ لِأَنَّ الصَّوَابَ إنَّمَا هو بِالنَّصْلِ دُونَ الْقِدْحِ وَلَوْ أَرْسَلَهُ مُفَارِقًا لِلشَّنِّ فَهَبَّتْ رِيحٌ فَصَرَفَتْهُ فَأَصَابَ حُسِبَ له مُصِيبًا وَكَذَلِكَ لو صَرَفْته عن الشَّنِّ وقد أَرْسَلَهُ مُصِيبًا وَكَذَلِكَ لو أَسْرَعْت بِهِ وهو يَرَاهُ قَاصِرًا فَأَصَابَ حُسِبَ مُصِيبًا وَلَوْ أَسْرَعْت بِهِ وهو يَرَاهُ مُصِيبًا فَأَخْطَأَ كان مُخْطِئًا وَلَا حُكْمَ لِلرِّيحِ يُبْطِلُ شيئا وَلَا يَحِقُّهُ لَيْسَتْ كَالْأَرْضِ وَلَا كَالدَّابَّةِ يُصِيبُهَا ثُمَّ يَزْدَلِفُ عنها فَيُصِيبُ وَلَوْ كان دُونَ الشَّنِّ شَيْءٌ ما كان دَابَّةً أو ثَوْبًا أو شيئا غَيْرَهُ فَأَصَابَهُ فَهَتَكَهُ ثُمَّ مَرَّ بِحَمْوَتِهِ حتى يُصِيبَ الشَّنَّ حُسِبَ في هذه الْحَالَةِ لِأَنَّ إصَابَتَهُ وَهَتْكَهُ لم يُحْدِثْ له قُوَّةً غير النَّزْعِ إنَّمَا أَحْدَثَ فيه ضَعْفًا وَلَوْ رَمَى وَالشَّنُّ مَنْصُوبٌ فَطَرَحَتْ الرِّيحُ الشَّنَّ أو أَزَالَهُ إنْسَانٌ قبل يَقَعُ سَهْمَهُ كان له أَنْ يَعُودَ فَيَرْمِيَ بِذَلِكَ السَّهْمَ لِأَنَّ الرَّمْيَةَ زَالَتْ وَكَذَلِكَ لو زَالَ الشَّنُّ عن مَوْضِعِهِ بِرِيحٍ أو إزَالَةِ إنْسَانٍ بَعْدَ ما أَرْسَلَ السَّهْمَ فَأَصَابَ الشَّنَّ حَيْثُ زَالَ لم يُحْسَبْ له وَلَكِنَّهُ لو أُزِيلَ فَتَرَاضَيَا أَنْ يَرْمِيَاهُ حَيْثُ أُزِيلَ حُسِبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَوَابُهُ وَلَوْ أَصَابَ الشَّنَّ ثُمَّ سَقَطَ فَانْكَسَرَ سَهْمُهُ أو خَرَجَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ حُسِبَ له خَاسِقًا لِأَنَّهُ قد ثَبَتَ وَهَذَا كَنَزْعِ الْإِنْسَانِ إيَّاهُ بَعْدَ ما يُصِيبُ وَلَوْ تَشَارَطَا أَنَّ الصَّوَابَ إنَّمَا هو في الشَّنِّ خَاصَّةً فَكَانَ لِلشَّنِّ وَتَرٌ يُعَلَّقُ بِهِ أو جَرِيدٌ يَقُومُ عليه فَأَثْبَتَ السَّهْمَ في الْوَتَرِ أو في الْجَرِيدِ لم يُحْسَبْ ذلك له لِأَنَّ هذا وَإِنْ كان مِمَّا يَصْلُحُ بِهِ الشَّنُّ فَهُوَ غَيْرُ الشَّنِّ وَلَوْ لم يَتَشَارَطَا فَأَثْبَتَ في الْجَرِيدِ أو في الْوَتَرِ كان فِيهِمَا قُولَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ اسْمَ الشَّنِّ وَالصَّوَابُ لَا يَقَع على الْمِعْلَاقِ لِأَنَّهُ يُزَايِلُ الشَّنَّ فَلَا يَضُرُّ بِهِ وَإِنَّمَا يُتَّخَذُ لِيُرْبَطَ بِهِ كما يُتَّخَذُ الْجِدَارُ لِيُسْنَدَ إلَيْهِ وقد يُزَايِلُهُ فَتَكُونُ مُزَايَلَتُهُ غير إخْرَابٍ له وَيُحْسَبُ ما ثَبَتَ في الْجَرِيدِ إذَا كان الْجَرِيدُ مَخِيطًا عليه لِأَنَّ إخْرَاجَ الْجَرِيدِ لَا يَكُونُ إلَّا بِضَرَرٍ على الشَّنِّ وَيُحْسَبُ ما ثُبِّتَ في عُرَى الشَّنِّ الْمَخْرُوزَةِ عليه وَالْعَلَّاقَةُ مُخَالِفَةٌ لِهَذَا وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنْ يُحْسَبَ أَيْضًا ما يُثَبَّتُ في الْعَلَّاقَةِ من الخواسق لِأَنَّهَا تَزُولُ بِزَوَالِهِ في حَالِهَا تِلْكَ قال وَلَا بَأْسَ أَنْ يُنَاضِلَ أَهْلُ النُّشَّابِ أَهْلَ الْعَرَبِيَّةِ وَأَهْلَ الْحُسْبَانِ لِأَنَّ كُلَّهَا نَبْلٌ وَكَذَلِكَ القسى الدُّودانِيَّةُ وَالْهِنْدِيَّةُ وَكُلُّ قَوْسٍ يُرْمَى عنها بِسَهْمٍ ذِي نَصْلٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَنَاضَلَ رَجُلَانِ على أَنَّ في يَدِ أَحَدِهِمَا من النَّبْلِ أَكْثَرَ مِمَّا في يَدِ الْآخَرِ وَلَا على أَنَّهُ إذَا خَسَقَ أَحَدُهُمَا حُسِبَ خَاسِقُهُ خَاسِقَيْنِ وَخَاسِقُ الْآخَرِ خاسقا وَلَا على أَنَّ لِأَحَدِهِمَا خَاسِقًا ثَابِتًا لم يَرْمِ بِهِ يُحْسَبُ مع خواسقه وَلَا على أَنَّهُ يُطْرَحُ من خَوَاسِقُ أَحَدِهِمَا خَاسِقٌ وَلَا على أَنَّ أَحَدَهُمَا يَرْمِي من عَرْضٍ وَالْآخَرَ من أَقْرَبَ منه وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْمِيَا إلَّا من عَرْضٍ وَاحِدٍ وَبِعَدَدِ نَبْلٍ وَاحِدٍ وَأَنْ يَسْتَبِقَا إلَى عَدَدِ قُرَعٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا أُسَابِقُك على أَنْ آتِيَ بِوَاحِدٍ وَعِشْرِينَ خَاسِقًا فَأَكُونُ نَاضِلًا إنْ لم تَأْتِ بِعِشْرِينَ وَلَا تَكُونُ نَاضِلًا إنْ جِئْت بِعِشْرِينَ قبل أَنْ آتِيَ بِوَاحِدٍ وَعِشْرِينَ حتى يَكُونَا مُسْتَوِيَيْنِ مَعًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ أَحَدُهُمَا على الْآخَرِ أَنْ لَا يَرْمِيَ إلَّا بِنَبْلٍ بِأَعْيَانِهَا إنْ تَغَيَّرَتْ لم يُبَدِّلْهَا وَلَا إنْ أَنْفَذَ سَهْمًا أَنْ لَا يُبَدِّلَهُ وَلَا على أَنْ يَرْمِيَ بِقَوْسٍ بِعَيْنِهَا لَا يُبَدِّلُهَا وَلَكِنْ يَكُونُ ذلك إلَى الرَّامِي يُبَدِّلُ ما شَاءَ من نَبْلِهِ وَقَوْسِهِ ما كان عَدَدُ النَّبْلِ وَالْغَرَضِ وَالْقَرَعِ وَاحِدًا وَإِنْ انْتَضَلَا فَانْكَسَرَتْ نَبْلُ أَحَدِهِمَا أو قَوْسُهُ أُبْدِلَ نَبْلًا وَقَوْسًا وَإِنْ انْقَطَعَ وَتَرُهُ أُبْدِلَ وَتَرًا مَكَانَ وَتَرِهِ وَمِنْ الرُّمَاةِ من زَعَمَ أَنَّ الْمُسْبَقَ إذَا سَمَّى قُرَعًا يَسْتَبِقَانِ إلَيْهِ أو يتحاطانه فَكَانَا على السَّوَاءِ أو بَيْنَهُمَا زِيَادَةُ سَهْمٍ كان لِلْمُسْبَقِ أَنْ يَزِيدَ في عَدَدِ الْقُرَعِ ما شَاءَ وَمِنْهُمْ من زَعَمَ أَنَّهُ ليس له أَنْ يَزِيدَ في عَدَدِ الْقُرَعِ ما لم يَكُونَا سَوَاءً وَمِنْهُمْ من زَعَمَ أَنَّهُمَا إذَا رَمَيَا على عَدَدِ قُرَعٍ لم يَكُنْ لِلْمُسْبَقِ أَنْ يَزِيدَ فيه بِغَيْرِ رِضَا الْمُسْبَقِ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُجْعَلَ خَاسِقٌ في السَّوَادِ بِخَاسِقَيْنِ في الْبَيَاضِ إلَّا أَنْ يَتَشَارَطَا أَنَّ
____________________

(4/233)


الجواسق ( ( ( الخواسق ) ) ) لَا تَكُونُ إلَّا في السَّوَادِ فَيَكُونُ بَيَاضُ الشَّنِّ كَالْهَدَفِ لَا يُحْسَبُ خَاسِقًا وَإِنَّمَا يُحْسَبُ حَابِيًا وَلَا خَيْرَ في أَنْ يُسَمِّيَا قُرَعًا مَعْلُومًا فَلَا يَبْلُغَانِهِ وَيَقُولُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ إنْ أَصَبْت بهذا السَّهْمِ الذي في يَدِك فَقَدْ نَضَلْت إلَّا أَنْ يَتَنَاقَضَا السَّبَقَ الْأَوَّلَ ثُمَّ يَجْعَلَ له جُعْلًا مَعْرُوفًا على أَنْ يُصِيبَ بِسَهْمٍ وَلَا بَأْسَ على الِابْتِدَاءِ أَنْ يَقِفَ عليه فَيَقُولَ إنْ أَصَبْت بِسَهْمٍ فَلَكَ كَذَا وَإِنْ أَصَبْت بِأَسْهُمٍ فَلَكَ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ أَصَابَ بها فَذَلِكَ له وَإِنْ لم يُصِبْ بها فَلَا شَيْءَ له لِأَنَّ هذا سَبَقٌ على غَيْرِ نِضَالٍ وَلَكِنْ لو قال له ارْمِ عَشَرَةَ أَرْشَاقٍ فَنَاضِلِ الْخَطَأَ بِالصَّوَابِ فَإِنْ كان صَوَابُك أَكْثَرَ فَلَكَ سَبَقُ كَذَا لم يَكُنْ في هذا خَيْرٌ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يُنَاضِلَ نَفْسَهُ وإذا رَمَى بِسَهْمٍ فَانْكَسَرَ فَأَصَابَ النَّصْلَ حُسِبَ خَاسِقًا وَإِنْ سَقَطَ الشِّقُّ الذي فيه النَّصْلُ دُونَ الشَّنِّ وَأَصَابَ بِالْقِدْحِ الذي لَا نَصْلَ فيه لم يُحْسَبْ وَلَوْ انْقَطَعَ بِاثْنَيْنِ فَأَصَابَ بِهِمَا مَعًا حُسِبَ له الذي فيه النَّصْلُ وَأُلْغِيَ عنه الْآخَرُ وَلَوْ كان في الشَّنِّ نَبْلٌ فَأَصَابَ بِسَهْمِهِ فَوْقَ سَهْمٍ من النَّبْلِ ولم يَمْضِ سَهْمُهُ إلَى الشَّنِّ لم يُحْسَبْ له لِأَنَّهُ لم يُصِبْ الشَّنَّ وَأُعِيد عليه فَرَمَى بِهِ لِأَنَّهُ قد عَرَضَ له دُونَ الشَّنِّ عَارِضٌ كما تَعْرِضُ له الدَّابَّةُ فَيُصِيبُهَا فَيُعَادُ عليه وإذا سَبَقَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ على أَنْ يَرْمِيَ معه فَرَمَى معه ثُمَّ أَرَادَ الْمُسْبَقُ أَنْ يَجْلِسَ فَلَا يَرْمِي معه وَلِلْمُسْبَقِ فَضْلٌ أو لَا فَضْلَ له أو عليه فَضْلٌ فَسَوَاءٌ لِأَنَّهُ قد يَكُونُ عليه الْفَضْلُ ثُمَّ يَنْضُلُ وَيَكُونُ له الْفَضْلُ ثُمَّ يَنْضُلُ وَالرُّمَاةُ يَخْتَلِفُونَ في ذلك فَمِنْهُمْ من يَجْعَلُ له أَنْ يَجْلِسَ ما لم يَنْضُلْ وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُول هو شَيْءٌ إنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ بِغَيْرِ غَايَةٍ تُعْرَفُ وقد لَا يَسْتَحِقُّهُ وَيَكُونُ مَنْضُولًا وَلَيْسَ بِإِجَارَةٍ فَيَكُونُ له حِصَّتُهُ مِمَّا عَمِلَ وَمِنْهُمْ من يقول ليس له أَنْ يَجْلِسَ بِهِ إلَّا من عُذْرٍ وَأَحْسَبُ الْعُذْرَ عِنْدَهُمْ أَنْ يَمُوتَ أو يَمْرَضَ الْمَرَضَ الذي يَضُرُّ بِالرَّمْيِ أو يُصِيبُهُ بَعْضَ ذلك في إحْدَى يَدَيْهِ أو بَصَرِهِ وَيَنْبَغِي إذَا قالوا له هذا أَنْ يَقُولُوا فَمَتَى تَرَاضَيَا على أَصْلِ الرَّمْيِ الْأَوَّلِ فَلَا يَجُوزُ في وَاحِدٍ من الْقَوْلَيْنِ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُسْبَقَ أَنَّ الْمُسْبَقَ إذَا جَلَسَ بِهِ كان السَّبَقُ له بِهِ لِأَنَّ السَّبَقَ على النَّضْلِ وَالنَّضْلُ غَيْرُ الْجُلُوسِ وَهَذَانِ شَرْطَانِ وَكَذَلِكَ لو سَبَقَهُ ولم يَشْتَرِطْ هذا عليه ثُمَّ شَرَطَ هذا بَعْدَ السَّبَقِ سَقَطَ الشَّرْطُ وَلَا خَيْرَ في أَنْ يَقُولَ له أَرْمِي مَعَك بِلَا عَدَدِ قُرَعٍ يَسْتَبِقَانِ إلَيْهِ أو يتحاطانه وَلَا خَيْرَ في أَنْ يَسْبِقَهُ على أَنَّهُمَا إذَا تفالجا أَعَادَ عليه وَإِنْ سَبَقَهُ وَنِيَّتُهُمَا أَنْ يُعِيدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على صَاحِبِهِ فَالسَّبَقُ غَيْرُ فَاسِدٍ وَأَكْرَهَ لَهُمَا النِّيَّةُ إنَّمَا أَنْظُرُ في كل شَيْءٍ إلَى ظَاهِرِ الْعَقْدِ فإذا كان صَحِيحًا أَجَزْته في الْحُكْمِ وَإِنْ كانت فيه نِيَّةٌ لو شُرِطَتْ أَفْسَدَتْ الْعَقْدَ لم أُفْسِدْهُ بِالنِّيَّةِ لِأَنَّ النِّيَّةَ حَدِيثُ نَفْسٍ وقد وَضَعَ اللَّهُ عن الناس حَدِيثَ أَنْفُسِهِمْ وَكَتَبَ عليهم ما قالوا وما عَمِلُوا وإذا سَبَقَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ الْآخَرَ على أَنْ لَا يَرْمِيَ معه إلَّا بِنَبْلٍ مَعْرُوفٍ أو قَوْسٍ مَعْرُوفَةٍ فَلَا خَيْرَ في ذلك حتى يَكُونَ السَّبَقُ مُطْلَقًا من قِبَلِ أَنَّ الْقَوْسَ قد تَنْكَسِرُ وَتَعْتَلُّ فَيَفْسُدُ عنها الرَّمْيُ فَإِنْ تَشَارَطَا على هذا فَالشَّرْطُ يُبْطِلُ السَّبَقَ بَيْنَهُمَا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَرْمِيَ النَّاشِبُ مع صَاحِبِ الْعَرَبِيَّةِ وَإِنْ سَابَقَهُ على أَنْ يَرْمِيَ معه بِالْعَرَبِيَّةِ رَمَى بِأَيِّ قَوْسٍ شَاءَ من الْعَرَبِيَّةِ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَرْمِيَ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ من الْفَارِسِيَّةِ لم يَكُنْ له ذلك لِأَنَّ مَعْرُوفًا أَنَّ الصَّوَابَ عن الْفَارِسِيَّةِ أَكْثَرَ منه عن الْعَرَبِيَّةِ وَكَذَلِكَ كُلُّ قَوْسٍ اخْتَلَفَتْ وَإِنَّمَا فَرَّقْنَا بين أَنْ لَا نُجِيزَ أَنْ يَشْتَرِطَ الرَّجُلُ على الرَّجُلِ أَنْ لَا يَرْمِيَ إلَّا بِقَوْسٍ وَاحِدَةٍ أو نَبْلٍ وَأَجَزْنَا ذلك في الْفَرَسِ إنْ سَابَقَهُ بِفَرَسٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ الْعَمَلَ في السَّبَقِ في الرَّمْيِ إنَّمَا هو لِلرَّامِي وَالْقَوْسُ وَالنَّبْلُ أَدَاةٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَمْنَعَ الرَّمْيَ بِمِثْلِ الْقَوْسِ وَالنَّبْلِ الذي شَرَطَ أَنْ يرمى بها فَيُدْخِلَ عليه الضَّرَرَ بِمَنْعِ ما هو أَرْفَقُ بِهِ من أَدَاتِهِ التي تُصْلِحُ رَمْيَهُ وَالْفَرَسُ نَفْسُهُ هو الْجَارِي الْمُسْبِقُ وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يُبَدِّلَهُ صَاحِبُهُ وَإِنَّمَا فَارِسُهُ أَدَاةٌ فَوْقَهُ وَلَكِنَّهُ لو شَرَطَ عليه أَنْ لَا يُجَرِّيَهُ إلَّا إنْسَانٌ بِعَيْنِهِ لم يَجُزْ ذلك وَلَوْ أَجَزْنَا أَنْ يُرَاهِنَ رَجُلٌ رَجُلًا بِفَرَسٍ بِعَيْنِهِ فَيَأْتِيَ بِغَيْرِهِ أَجَزْنَا أَنْ يَسْبِقَ رَجُلٌ رَجُلًا ثُمَّ يُبَدِّلُ مَكَانَهُ رَجُلًا يُنَاضِلُهُ وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ السَّبَقُ إلَّا على رَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَلَا يُبَدِّلُهُ بِغَيْرِهِ وإذا كان عن فَرَسٍ
____________________

(4/234)


بِعَيْنِهِ فَلَا يُبَدَّلُ غَيْرُهُ وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يُمْنَعَ الرَّجُلُ أَنْ يَرْمِيَ بِأَيِّ نَبْلٍ أو قَوْسٍ شَاءَ إذَا كانت من صِنْفِ الْقَوْسِ التي سَابَقَ عليها وَلَا أَرَى أَنْ يَمْنَعَ صَاحِبُ الْفَرَسِ أَنْ يُحْمَلَ على فَرَسِهِ من شَاءَ لِأَنَّ الْفَارِسَ كَالْأَدَاةِ لِلْفَرَسِ وَالْقَوْسُ وَالنَّبْلُ كَالْأَدَاةِ لِلرَّامِي وَلَا خَيْرَ في ان يَشْتَرِطَ الْمُتَنَاضَلَانِ أَحَدُهُمَا على صَاحِبِهِ وَلَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على صَاحِبِهِ أَنْ لَا يَأْكُلَ لَحْمًا حتى يَفْرُغَ من السَّبَقِ وَلَا أَنْ يَفْتَرِشَ فِرَاشًا وَكَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَقُولَ الْمُتَسَابِقَانِ بِالْفَرَسِ لَا يَعْلِفُ حتى يَفْرُغَ يَوْمًا وَلَا يَوْمَيْنِ لِأَنَّ هذا شَرْطُ تَحْرِيمِ الْمُبَاحِ وَالضَّرَرُ على الْمَشْرُوطِ عليه وَلَيْسَ من النِّضَالِ الْمُبَاحِ وإذا نهى الرَّجُلُ أَنْ يُحَرِّمَ على نَفْسِهِ ما أَحَلَّ اللَّهُ له لِغَيْرِ تَقَرُّبٍ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِصَوْمٍ كان أن يَشْرِطُ ذلك عليه غَيْرُهُ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَنْهِيًّا عنه وَلَا خَيْرَ في أَنْ يَشْتَرِطَ الرَّجُلُ على الرَّجُلِ أَنْ يَرْمِيَ معه بِقُرَعٍ مَعْلُومٍ على أَنْ لِلْمُسْبِقِ أَنْ يُعْطِيَهُ ما شَاءَ النَّاضِلُ أو ما شَاءَ الْمَنْضُولُ وَلَا خَيْرَ في ذلك حتى يَكُونَ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ مِمَّا يَحِلُّ في الْبَيْعِ وَالْإِجَارَاتِ وَلَوْ سَبَقَهُ شيئا مَعْلُومًا على أَنَّهُ إنْ نَضَلَهُ دَفَعَهُ إلَيْهِ وكان له عليه أَنْ لَا يَرْمِيَ أَبَدًا أو إلَى مُدَّةٍ من الْمَدَدِ لم يَجُزْ لِأَنَّهُ يَشْتَرِطُ عليه أَنْ يَمْتَنِعَ من الْمُبَاحِ له وَلَوْ سَبَقَهُ دِينَارًا على أَنَّهُ إنْ نَضَلَهُ كان ذلك الدِّينَارُ له وكان له عليه أَنْ يُعْطِيَهُ صَاعَ حِنْطَةٍ بَعْدَ شَهْرٍ كان هذا سَبَقًا جَائِزًا إذَا كان ذلك كُلُّهُ من مَالِ الْمَنْضُولِ وَلَكِنَّهُ لو سَبَقَهُ دِينَارًا على أَنَّهُ إنْ نَضَلَهُ أَعْطَاهُ الْمَنْضُولُ دِينَارَهُ وَأَعْطَى النَّاضِلُ الْمَنْضُولَ مُدَّ حِنْطَةٍ أو دِرْهَمًا أو أَكْثَرَ أو أَقَلَّ لم يَكُنْ هذا جَائِزًا من قِبَلِ أَنَّ الْعَقْدَ قد وَقَعَ منه على شَيْئَيْنِ شَيْءٌ يُخْرِجُهُ الْمَنْضُولُ جَائِزًا في السُّنَّةِ لِلنَّاضِلِ وَشَيْءُ يُخْرِجُهُ النَّاضِلُ فَيَفْسُدُ من قِبَلِ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَتَرَاهَنَا على النِّضَالِ لَا مُحَلِّلَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ التَّرَاهُنَ من الْقِمَارِ وَلَا يَصْلُحُ لِأَنَّ شَرْطَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ الْمُدَّ ليس بِبَيْعٍ وَلَا سَبَقٍ فَيَفْسُدَ من كل وَجْهٍ وَلَوْ كان على لَك دِينَارٌ فَسَبَقْتَنِي دِينَارًا فَنَضَلْتُك فَإِنْ كان دِينَارُك حَالًّا فَلَكَ أَنْ تُقَاصَّنِي وَإِنْ كان إلَى أَجَلٍ فَعَلَيْك أَنْ تُعْطِيَنِي الدِّينَارَ وَعَلَيَّ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ أَنْ أُعْطِيَك دِينَارَك وَلَوْ سَبَقَهُ دِينَارًا فَنَضَلَهُ إيَّاهُ ثُمَّ أَفْلَسَ كان أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ لِأَنَّهُ حَلَّ في مَالِهِ بِحَقٍّ أَجَازَتْهُ السُّنَّةُ فَهُوَ كَالْبُيُوعِ وَالْإِجَارَاتِ وَلَوْ سَبَقَ رَجُلٌ رَجُلًا دِينَارًا إلَّا دِرْهَمًا أو دِينَارًا إلَّا مُدًّا من حِنْطَةٍ كان السَّبَقُ غير جَائِزٍ لِأَنَّهُ قد يَسْتَحِقُّ الدِّينَارَ وَحِصَّةُ الدِّرْهَمِ من الدِّينَارِ عَشْرٌ وَلَعَلَّ حِصَّتَهُ يوم سَبَقَهُ نِصْفُ عُشْرِهِ وَكَذَلِكَ الْمُدُّ من الْحِنْطَةِ وَغَيْرِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ أَسْبِقَك وَلَا أَنْ أَشْتَرِيَ مِنْك وَلَا أَنْ أَسْتَأْجِرَ مِنْك إلَى أَجَلٍ بِشَيْءٍ إلَّا شيئا يُسْتَثْنَى منه لَا من غَيْرِهِ وَلَا أَنْ أَسْبِقَك بِمُدِّ تَمْرٍ إلَّا رُبْعَ حِنْطَةٍ وَلَا دِرْهَمَ إلَّا عَشَرَةُ أَفْلُسٍ وَلَكِنْ إنْ اسْتَثْنَيْت شيئا من الشَّيْءِ الذي سبقتكه ( ( ( سبقته ) ) ) فَلَا بَأْسَ إذَا سَبَقْتُك دِينَارًا إلَّا سُدُسًا فَإِنَّمَا سَبَقْتُك خَمْسَةَ أَسْدَاسِ دِينَارٍ وَإِنْ سَبَقْتُك صَاعًا إلَّا مُدًّا فَإِنَّمَا سَبَقْتُك ثَلَاثَةَ أَمْدَادٍ فَعَلَى هذا الْبَابُ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ قال وَلَا خَيْرَ في أَنْ أَسْبِقَك دِينَارًا على أَنَّك إنْ نضلتنيه أَطْعَمْت بِهِ أَحَدًا بِعَيْنِهِ وَلَا بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَلَا تَصَدَّقْت بِهِ على الْمَسَاكِينِ كما لَا يَجُوزُ أَنْ أَبِيعَك شيئا بِدِينَارٍ على أَنْ تَفْعَلَ هذا فيه وَلَا يَجُوزُ إذَا مَلَّكْتُك شيئا إلَّا أَنْ يَكُونَ مِلْكُك فيه تَامًّا تَفْعَلُ فيه ما شِئْت دُونِي وإذا اخْتَلَفَ الْمُتَنَاضِلَانِ من حَيْثُ يُرْسِلَانِ وَهُمَا يَرْمِيَانِ في الْمِائَتَيْنِ يَعْنِي ذِرَاعًا فَإِنْ كان أَهْلُ الرَّمْيِ يَعْلَمُونَ أَنَّ من رَمَى في هَدَفٍ يُقَدَّمُ أَمَامَ الْهَدَفِ الذي يَرْمِي من عِنْدِهِ ذِرَاعًا أو أَكْثَرَ حُمِلَ على ذلك إلَّا أَنْ يَتَشَارَطَا في الْأَصْلِ أَنْ يَرْمِيَا من مَوْضِعٍ بِعَيْنِهِ فَيَكُونَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَرْمِيَا من مَوْضِعِ شَرْطِهِمَا وَإِنْ تَشَارَطَا أَنْ يَرْمِيَا في شَيْئَيْنِ مَوْضُوعِينَ أو شَيْئَيْنِ يَرَيَانِهِمَا أو يَذْكُرَانِ سَيْرَهُمَا فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يُعَلِّقَ ما تَشَارَطَا على أَنْ يَضَعَاهُ أو يَضَعَ ما تَشَارَطَا على أَنْ يُعَلِّقَاهُ أو يُبَدَّلَ الشَّنُّ بِشَنٍّ اكبر أو أَصْغَرَ منه فَلَا يَجُوزُ له وَيُحْمَلُ على أَنْ يَرْمِيَ على شَرْطِهِ وإذا سَبَقَهُ ولم يُسَمِّ الْغَرَضَ فَأَكْرَهُ السَّبَقَ حتى يَسْبِقَهُ على غَرَضٍ مَعْلُومٍ وإذا سَبَقَهُ على غَرَضٍ مَعْلُومٍ كَرِهْت أَنْ يَرْفَعَهُ أو يَخْفِضَهُ دُونَهُ وقد أَجَازَ الرُّمَاةُ لِلْمُسْبَقِ أَنْ يَرْفَعَ الْمُسْبِقَ وَيَخْفِضَهُ فَيَرْمِيَ معه رَشْقًا وَأَكْثَرَ في الْمِائَتَيْنِ وَرَشْقًا وَأَكْثَرَ في الْخَمْسِينَ وَالْمِائَتَيْنِ وَرَشْقًا وَأَكْثَرَ في
____________________

(4/235)


الثلثمائة ( ( ( الثلاثمائة ) ) ) وَمَنْ أَجَازَ هذا أَجَازَ له أَنْ يَرْمِيَ بِهِ في الرُّقْعَةِ وفي أَكْثَرَ من ثَلَاثِمِائَةٍ وَمَنْ أَجَازَ هذا أَجَازَ له أَنْ يُبَدِّلَ الشَّنَّ وَجَعَلَ هذا كُلَّهُ إلَى الْمُسْبَقِ ما لم يَكُونَا تَشَارَطَا شَرْطًا وَيَدْخُلُ عليه إذَا كَانَا رَمَيَا أَوَّلَ يَوْمٍ بِعَشَرَةٍ أَنْ يَكُونَ لِلْمُسْبَقِ أَنْ يَزِيدَ في عَدَدِ النَّبْلِ وَيُنْقِصَ منها إذَا اسْتَوَيَا في حَالٍ أَبَدًا جَعَلُوا ذلك إلَيْهِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَشَارَطَا أَنْ يَرْمِيَا أَرْشَاقًا مَعْلُومَةً كُلُّ يَوْمٍ من أَوَّلِ النَّهَارِ أو آخِرِهِ وَلَا يَتَفَرَّقَانِ حتى يَفْرُغَا منها إلَّا من عُذْرٍ بِمَرَضٍ لِأَحَدِهِمَا أو حَائِلٍ يَحُولُ دُونَ الرَّمْيِ وَالْمَطَرِ عُذْرٌ لِأَنَّهُ قد يُفْسِدُ النَّبْلَ وَالْقِسِيَّ وَيَقْطَعُ الْأَوْتَارَ وَلَا يَكُونُ الْحَرُّ عُذْرًا لِأَنَّ الْحَرَّ كَائِنٌ كَالشَّمْسِ وَلَا الرِّيحُ الْخَفِيفَةُ وَإِنْ كانت قد تَصْرِفُ النَّبْلَ بَعْضَ الصَّرْفِ وَلَكِنْ إنْ كانت الرِّيحُ عَاصِفًا كان لِأَيِّهِمَا شَاءَ أَنْ يُمْسِكَ عن الرَّمْيِ حتى تَسْكُنَ أو تَخِفَّ وَإِنْ غَرَبَتْ لَهُمَا الشَّمْسُ قبل أَنْ يَفْرُغَا من أَرْشَاقِهِمَا التي تَشَارَطَا لم يَكُنْ عَلَيْهِمَا أَنْ يَرْمِيَا في اللَّيْلِ وَإِنْ انْكَسَرَتْ قَوْسُ أَحَدِهِمَا أو نَبْلُهُ أَبْدَلَ مَكَانَ الْقَوْسِ وَالنَّبْلِ وَالْوَتَرِ مَتَى قَدَرَ عليه فَإِنْ لم يَقْدِرْ على بَدْلِ الْقَوْسِ وَلَا الْوَتَرِ فَهَذَا عُذْرٌ وَكَذَلِكَ إنْ ذَهَبَتْ نَبْلُهُ كُلُّهَا فلم يَقْدِرْ على بَدَلِهَا فَإِنْ ذَهَبَ بَعْضُ نَبْلِهِ ولم يَقْدِرْ على بَدَلِهِ قِيلَ لِصَاحِبِهِ إنْ شِئْت فَاتْرُكْهُ حتى يَجِدَ الْبَدَلَ وَإِنْ شِئْت فَارْمِ معه بِعَدَدِ ما بَقِيَ في يَدَيْهِ من النَّبْلِ وَإِنْ شِئْت فَارْدُدْ عليه مِمَّا رَمَى بِهِ من نَبْلِهِ ما يُعِيدُ الرَّمْيَ بِهِ حتى يُكْمِلَ الْعَدَدَ وإذا رَمَوْا اثْنَيْنِ وَاثْنَيْنِ وَأَكْثَرَ من الْعَدَدِ فَاعْتَلَّ وَاحِدٌ من الْحِزْبَيْنِ عِلَّةً ظَاهِرَةً قِيلَ لِلْحِزْبِ الَّذِينَ يُنَاضِلُونَهُ إنْ اصْطَلَحْتُمْ على أَنْ تُجْلِسُوا مَكَانَهُ رَجُلًا من كان فَذَلِكَ وَإِنْ تَشَاحَحْتُمْ لم نجبركم ( ( ( نخبركم ) ) ) على ذلك وَإِنْ رضي أَحَدُ الْحِزْبَيْنِ ولم يَرْضَ الْآخَرُ لم يُجْبَرْ الَّذِينَ لم يَرْضَوْا وإذا اخْتَلَفَ الْمُتَنَاضِلَانِ في مَوْضِعِ شَنٍّ مُعَلَّقٍ فَأَرَادَ الْمُسْبَقُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بِهِ عَيْنَ الشَّمْسِ لم يَكُنْ ذلك له إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُسْبِقُ كما لو أَرَادَ أَنْ يَرْمِيَ بِهِ في اللَّيْلِ أو الْمَطَرِ لم يُجْبَرْ على ذلك الْمُسْبِقُ وَعَيْنُ الشَّمْسِ تَمْنَعُ الْبَصَرَ من السَّهْمِ كما تَمْنَعُهُ الظُّلْمَةُ ( قال الرَّبِيعُ ) الْمُسْبِقُ أَبَدًا هو الذي يَغْرَمُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ اخْتَلَفَا في الْإِرْسَالِ فَكَانَ أَحَدُهُمَا يُطَوِّلُ بِالْإِرْسَالِ إلتماس أَنْ تَبْرُدَ يَدُ الرَّامِي أو يَنْسَى صَنِيعَهُ في السَّهْمِ الذي رَمَى بِهِ فَأَصَابَ أو أَخْطَأَ فَيَلْزَمُ طَرِيقَ الصَّوَابِ وَيُسْتَعْتَبُ من طَرِيقِ الْخَطَأِ أو قال هو لم أَنْوِ هذا وَهَذَا يَدْخُلُ على الرَّامِي لم يَكُنْ ذلك له وَقِيلَ له ارْمِ كما يَرْمِي الناس لَا مُعَجِّلًا عن أَنْ تَثْبُتَ في مَقَامِك وفي إرْسَالِك وَنَزْعِك وَلَا مُبْطِئًا لِغَيْرِ هذا لإدخال ( ( ( الإدخال ) ) ) الْحَبْسِ على صَاحِبِك وَكَذَلِكَ لو اخْتَلَفَا في الذي يُوَطِّنُ له فَكَانَ يُرِيدُ الْحَبْسَ أو قال لَا أُرِيدُهُ وَالْمُوَطِّنُ يُطِيلُ الْكَلَامَ قِيلَ للموطن ( ( ( للمواطن ) ) ) وَطِّنْ له بِأَقَلِّ ما يَفْهَمُ بِهِ ولا تطل وَلَا تَعْجَلْ عن أَقَلِّ ما يَفْهَمُ بِهِ وَلَوْ حَضَرَهُمَا من يَحْبِسُهُمَا أو أَحَدُهُمَا أو يلغط ( ( ( يغلط ) ) ) فَيَكُونُ ذلك مُضِرًّا بِهِمَا أو بِأَحَدِهِمَا نُهُوا عن ذلك ( قال الرَّبِيعُ ) الْمُوَطِّنُ الذي يَكُونُ عِنْدَ الْهَدَفِ فإذا رَمَى الرَّامِي قال دُونَ ذَا قَلِيلٌ أَرْفَعُ من ذَا قَلِيلٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اخْتَلَفَ الرَّامِيَانِ في الْمَوْقِفِ فَخَرَجَتْ قُرْعَةُ أَحَدِهِمَا على أَنْ يَبْدَأَ فَبَدَأَ من عَرْضٍ وَقَفَ حَيْثُ شَاءَ من الْمُقَامِ ثُمَّ كان لِلْآخَرِ من الْعَرْضِ الْآخَرِ الذي بَدَأَ منه أَنْ يَقِفَ حَيْثُ شَاءَ من الْمُقَامِ وإذا سَبَقَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ سَبَقًا مَعْلُومًا فَنَضَلَهُ الْمُسْبِقُ كان السَّبَقُ في ذِمَّةِ الْمَنْضُولِ حَالًّا يَأْخُذُهُ بِهِ كما يَأْخُذُ بِالدَّيْنِ فَإِنْ أَرَادَ النَّاضِلُ أَنْ يُسَلِّفَهُ الْمَنْضُولُ أو يَشْتَرِيَ بِهِ النَّاضِلُ ما شَاءَ فَلَا بَأْسَ وهو مُتَطَوِّعٌ بِإِطْعَامِهِ إياء ( ( ( إياه ) ) ) وما نَضَلَهُ فَلَهُ أَنْ يُحْرِزَهُ ويتموله وَيَمْنَعَهُ منه وَمِنْ غَيْرِهِ وهو عِنْدِي كَرَجُلٍ كان له على رَجُلٍ دِينَارٌ فَأَسْلَفَهُ الدِّينَارَ وَرَدَّهُ عليه أو أَطْعَمَهُ بِهِ فَعَلَيْهِ دِينَارٌ كما هو وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ أَحَدٍ رَأَيْته مِمَّنْ يُبْصِرُ الرَّمْيَ أَنْ يَسْبِقَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ على أَنْ يَرْمِيَ بِعَشْرٍ وَيَجْعَلَ الْقُرَعَ من تِسْعٍ وَمِنْهُمْ من يَذْهَبُ إلَى أَنْ لَا يَجُوزَ أَنْ يُجْعَلَ الْقُرَعُ من عَشْرٍ وَلَا يُجِيزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقُرَعُ لَا يؤتى بِهِ بِحَالٍ إلَّا في أَكْثَرَ من رَشْقٍ فإذا كان لَا يؤتى بِهِ إلَّا بِأَكْثَرَ من الرَّشْقِ فَسَوَاءٌ قَلَّ ذلك أو كَثُرَ فَهُوَ جَائِزٌ فإذا أَصَابَ الرَّجُلُ بِالسَّهْمِ فَخَسَقَ وَثَبَتَ قَلِيلًا ثُمَّ سَقَطَ بِأَيِّ وَجْهٍ سَقَطَ بِهِ حُسِبَ لِصَاحِبِهِ وَلَوْ وَقَفَ
____________________

(4/236)


رَجُلٌ على أَنْ يَفْلُجَ فَرَمَى بِسَهْمٍ فقال إنْ أَصَبْت فَقَدْ فَلَجْت وَإِنْ لم أُصِبْ ( 1 ) فَالْفَلْجُ لَكُمْ وقال له صَاحِبُهُ إنْ أَصَبْت بهذا السَّهْمِ فَلَكَ بِهِ الْفُلُوجُ وَإِنْ لم يَكُنْ يَبْلُغْهُ بِهِ إذَا أَصَابَهُ وَإِنْ أَخْطَأْت بِهِ فَقَدْ أَنَضَلْتَنِي نَفْسَك فَهَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ لَا يَجُوزُ وَهُمَا على أَصْلِ رَمْيِهِمَا لَا يَفْلُجُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا على صَاحِبِهِ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ الْفُلُوجَ وَلَوْ طَابَتْ نَفْسُ الْمُسْبَقِ أَنْ يُسْلِمَ له السَّبَقَ من غَيْرِ ان يَبْلُغَهُ كان هذا شيئا تَطَوَّعَ بِهِ من مَالِهِ كما وَهَبَ له وإذا كَانُوا في السَّبَقِ اثْنَيْنِ وَاثْنَيْنِ وَأَكْثَرَ فَبَدَأَ رَجُلَانِ فَانْقَطَعَ أَوْتَارُهُمَا أو وَتَرُ أَحَدِهِمَا كان له أَنْ يَقِفَ من بَقِيَ حتى يُرَكِّبَ وَتَرًا وَيُنْفِدَ نَبْلَهُ وقد رَأَيْت من يقول هذا إذَا رجى ( ( ( رجا ) ) ) أَنْ يتفالجا وَيَقُولُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُمَا والحزب ( ( ( والحرب ) ) ) كُلُّهُ لَا يتفالجون لو أَصَابُوا بِمَا في أَيْدِيهِمْ لِأَنَّهُمْ لم يُقَارِبُوا عَدَدَ الْغَايَةِ التي بَيْنَهُمْ يَرْمِي من بَقِيَ ثُمَّ يُتِمُّ هَذَانِ وإذا اقْتَسَمُوا ثَلَاثَةً وَثَلَاثَةً فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْتَرِعُوا وَلْيَقْتَسِمُوا قِسْمًا مَعْرُوفًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ أَخْتَار على أَنْ أَسْبِقَ وَلَا يَخْتَارُ على أَنْ يَسْبِقَ وَلَا أَنْ يَقْتَرِعَا فَأَيُّهُمَا خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ سَبَقَهُ صَاحِبُهُ وَلَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَقْتَسِمَا قَسْمًا مَعْرُوفًا وَيَسْبِقُ أَيُّهَا شَاءَ مُتَطَوِّعًا لَا مُخَاطَرَةً بِالْقُرْعَةِ وَلَا بِغَيْرِهَا ( 2 ) من أَنْ يَقُولَ أَرْمِي أنا وَأَنْتَ هذا الْوَجْهُ فَأَيُّنَا أَفْضَلَ على صَاحِبِهِ سَبَقَهُ الْمَفْضُولُ وَالسَّبَقُ على من بَذَلَهُ دُونَ حِزْبِهِ إلَّا أَنْ يُدْخِلَ حِزْبُهُ أَنْفُسَهُمْ معه في ضَمَانِ السَّبَقِ أو يَأْمُرُوهُ أَنْ يَسْبِقَ عَنْهُمْ فَيَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ منهم حِصَّتُهُ على قَدْرِ عَدَدِ الرِّجَالِ لَا على قَدْرِ جَوْدَةِ الرَّمْيِ وإذا قال الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ إنْ أَصَبْت بهذا السَّهْمِ فَلَكَ سَبَقٌ فَهَذَا جَائِزٌ وَلَيْسَ هذا من وَجْهِ النِّضَالِ فَإِنْ قال إنْ أَخْطَأْت بهذا السَّهْمِ فَلَكَ سَبَقٌ لم يَكُنْ ذلك له وَإِنْ حَضَرَ الْغَرِيبُ أَهْلُ الْغَرَضِ فَقَسَمُوهُ فقال من معه كنا نَرَاهُ رَامِيًا وَلَسْنَا نَرَاهُ رَامِيًا أو قال أَهْلُ الحزب ( ( ( الحرب ) ) ) الَّذِينَ يَرْمِي عليهم كنا نَرَاهُ غير رَامٍ وهو الْآنَ رَامٍ لم يَكُنْ لهم من إخْرَاجِهِ إلَّا ما لهم من إخْرَاجِ من عَرَفُوا رَمْيَهُ مِمَّنْ قَسَمُوهُ وَهُمْ يَعْرِفُونَهُ بِالرَّمْيِ فَسَقَطَ أو بِغَيْرِ الرَّمْيِ فَوَافَقَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ سَبَقَ فُلَانًا دِينَارَيْنِ على أَنِّي شَرِيكٌ في الدِّينَارَيْنِ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بِأَنْ يَهَبَ له أَحَدُهُمَا أو كِلَيْهِمَا بَعْدَ ما يَنْضُلُ وَكَذَلِكَ لو تَطَارَدَ ثَلَاثَةٌ فَأَخْرَجَ اثْنَانِ سَبَقَيْنِ وَأَدْخَلَا مُحَلِّلًا لم يَجُزْ أَنْ يَجْعَلَ رَجُلًا لَا يَرْمِي عليه نِصْفَ سَبَقِ أَحَدِهِمَا على أَنَّ له نِصْفَ الْفَضْلِ إنْ أَحْرَزَ على صَاحِبِهِ وإذا سَبَقَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ على أَنَّ له أَنْ يَبْدَأَ عليه رِشْقَيْنِ فَأَكْثَرَ لم يَجُزْ ذلك له وَذَلِكَ أنا إذَا أَعْطَيْنَاهُ ذلك أَعْطَيْنَاهُ فَضْلَ سَهْمٍ أو أَكْثَرَ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لو رَمَيَا بِعَشْرٍ ثُمَّ ابْتَدَأَ الذي بَدَأَ كان لو فَلَجَ بِذَلِكَ السَّهْمِ الْحَادِيَ عَشْرَ كنا أَعْطَيْنَاهُ أَنْ يَرْمِيَ بِسَهْمٍ يَكُونُ في ذلك الْوَقْتِ فَضْلًا على مُرَاسِلِهِ عن غَيْرِ مُرَاسَلَةٍ وَإِنَّمَا نُجِيزُ هذا له إذَا تكافئا ( ( ( تكافأ ) ) ) فَكَانَ أَحَدُهُمَا يَبْدَأُ في وَجْهٍ وَالْآخَرُ في آخَرَ وإذا سَبَقَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَجَائِزٌ أَنْ يُعْطِيَهُ السَّبَقَ مَوْضُوعًا على يَدَيْهِ أو رَهْنًا بِهِ أو حَمِيلًا أو رَهْنًا وَحَمِيلًا أو يَأْمَنَهُ كُلُّ ذلك جَائِزٌ وإذا رَمَيَا إلَى خَمْسِينَ مُبَادَرَةً فَأَفْضَلُ أَحَدُهُمَا على صَاحِبِهِ خَمْسًا أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ فقال الذي أَفْضَلَ عليه اطْرَحْ فَضْلَك على أَنْ أُعْطِيَك بِهِ شيئا لم يَجُزْ وَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُتَفَاسَخَا هذا السَّبَقَ بِرِضَاهُمَا وَيَتَسَابَقَانِ سَبَقًا آخَرَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في الصَّلَاةِ في الْمَضْرَبَةِ وَالْأَصَابِعِ إذَا كان جِلْدُهُمَا ذَكِيًّا مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أو مَدْبُوغًا من جِلْدِ ما لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ ما عَدَا جِلْدَ كَلْبٍ أو خِنْزِيرٍ فإن ذلك لَا يطهر ( ( ( يظهر ) ) ) بِالدَّبَّاغِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فَإِنْ صلى الرَّجُلُ والمضربة ( ( ( والضربة ) ) ) وَالْأَصَابِعُ عليه فَصَلَاتُهُ مُجْزِئَةٌ عنه غير أَنِّي أَكْرَهُهُ لِمَعْنًى وَاحِدٍ إنِّي آمُرُهُ أَنْ يُفْضِيَ بِبُطُونِ كَفَّيْهِ إلَى الْأَرْضِ وإذا كانت عليه الْمَضْرَبَةِ وَالْأَصَابِعُ مَنَعَتَاهُ أَنْ يفضي ( ( ( يقضي ) ) ) بِجَمِيعِ بُطُونِ كَفِيهِ لَا مَعْنَى غير ذلك وَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ مُتَنَكِّبًا الْقَوْسَ
____________________

(4/237)


وَالْقَرْنَ إلَّا أَنْ يكونا ( ( ( يكون ) ) ) يَتَحَرَّكَانِ عليه حَرَكَةً تَشْغَلُهُ فَأَكْرَهُ ذلك له وَإِنْ صلى أَجْزَأَهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْبِقَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ على أَنْ يَرْمِيَ معه وَيَخْتَارُ الْمُسْبِقُ ثَلَاثَةً وَلَا يُسَمِّيهِمْ لِلْمُسْبَقِ وَلَا الْمُسْبِقُ ثَلَاثَةً وَلَا يُسَمِّيهِمْ لِلْمُسْبِقِ قال وَلَا يَجُوزُ السَّبَقُ حتى يَعْرِفَ كُلُّ وَاحِدٍ من الْمُتَنَاضَلِينَ من يَرْمِي معه وَعَلَيْهِ بِأَنْ يَكُون حَاضِرًا يَرَاهُ أو غَائِبًا يَعْرِفُهُ وإذا كان الْقَوْمُ الْمُتَنَاضِلُونَ ثَلَاثَةً وَثَلَاثَةً أو أَكْثَرَ كان لِمَنْ له الْإِرْسَالُ وَحِزْبُهُ وَلِمُنَاضِلِيهِمْ أَنْ يُقَدِّمُوا أَيَّهُمْ شاؤوا كما شاؤوا وَيُقَدِّمُ الْآخَرُونَ كَذَلِكَ وَلَوْ عَقَدُوا السَّبَقَ على أَنَّ فُلَانًا يَكُونُ مُقَدَّمًا وَفُلَانٌ معه وَفُلَانٌ ثَانٍ وَفُلَانٌ معه كان السَّبَقُ مَفْسُوخًا وَلَا يَجُوزُ حتى يَكُونَ الْقَوْمُ يُقَدِّمُونَ من رَأَوْا تَقْدِيمَهُ وإذا كان الْبَدْءُ لِأَحَدٍ الْمُتَنَاضِلِينَ فَبَدَأَ الْمُبْدَأُ عليه فَأَصَابَ أو أَخْطَأَ رُدَّ ذلك السَّهْمُ خَاصَّةً وَإِنْ لم يَعْلَمَا حتى يَفْرُغَا من رَمْيِهِمَا رُدَّ عليه السَّهْمُ الْأَوَّلُ فَرَمَى بِهِ فَإِنْ كان أَصَابَ بِهِ بَطَلَ عنه وَإِنْ كان أَخْطَأَ بِهِ رَمَى بِهِ فَإِنْ أَصَابَ بِهِ حُسِبَ له لِأَنَّهُ رَمَى بِهِ في الْبَدْءِ وَلَيْسَ له الرَّمْيُ بِهِ فَلَا يَنْفَعُهُ مُصِيبًا كان أو مُخْطِئًا إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا بِهِ (1) * أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال الْحُكْمُ في قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ حُكْمَانِ فَمَنْ غَزَا منهم أَهْلَ الْأَوْثَانِ وَمَنْ عَبَدَ ما اسْتَحْسَنَ من غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ من كَانُوا فَلَيْسَ له أَنْ يَأْخُذَ منهم الْجِزْيَةَ وَيُقَاتِلُهُمْ إذَا قوى عليهم حتى يَقْتُلَهُمْ أو يُسْلِمُوا وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { فإذا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ } الْآيَتَيْنِ وَلِقَوْلِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ الناس حتى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فإذا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ على اللَّهِ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ كان من أَهْلِ الْكِتَابِ من الْمُشْرِكِينَ الْمُحَارَبِينَ قُوتِلُوا حتيى ( ( ( حتى ) ) ) يُسْلِمُوا أو يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ فإذا أَعْطَوْهَا لم يَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ قَتْلُهُمْ وَلَا إكْرَاهُهُمْ على غَيْرِ دِينِهِمْ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ } الْآيَةَ وإذا قُوتِلَ أَهْلُ الْأَوْثَانِ وَأَهْلُ الْكِتَابِ قُتِلُوا وَسُبِيَتْ ذَرَارِيُّهُمْ وَمَنْ لم يَبْلُغْ الْحُلُمَ وَالْمَحِيضَ منهم وَنِسَاؤُهُمْ الْبَوَالِغُ وَغَيْرُ البوالغ ثُمَّ كَانُوا جميعا فَيْئًا يُرْفَعُ منهم الْخُمُسُ وَيُقَسَّمُ الْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسِ على من أَوْجَفَ عليهم بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ فَإِنْ أَثْخَنُوا فِيهِمْ وَقَهَرُوا من قَاتَلُوهُ منهم حتى تَغَلَّبُوا على بِلَادِهِمْ قُسِّمَتْ الدُّورُ وَالْأَرَضُونَ قَسْمَ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ لَا يَخْتَلِفُ ذلك تُخَمَّسُ وَتَكُونُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا لِمَنْ حَضَرَ وإذا أُسِرَ الْبَالِغُونَ من الرِّجَالِ فَالْإِمَامُ فِيهِمْ بِالْخِيَارِ بين أَنْ يَقْتُلَهُمْ إنْ لم يُسْلِمَ أَهْلُ الْأَوْثَانِ أو يُعْطِ الْجِزْيَةَ أَهْلَ الْكِتَابِ أو يَمُنُّ عليهم أو يُفَادِيَهُمْ بِمَالٍ يَأْخُذُهُ منهم أو بِأَسْرَى من الْمُسْلِمِينَ يُطْلِقُونَ لهم أو يَسْتَرِقُّهُمْ فَإِنْ اسْتَرَقَّهُمْ أو أَخَذَ منهم مَالًا فَسَبِيلُهُ سَبِيلُ الْغَنِيمَةِ يُخَمَّسُ وَيَكُونُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لِأَهْلِ الْغَنِيمَةِ فَإِنْ قال قَائِلٌ كَيْفَ حَكَمْت في الْمَالِ وَالْوِلْدَانِ وَالنِّسَاءِ حُكْمًا وَاحِدًا وَحَكَمْت في الرِّجَالِ أَحْكَامًا مُتَفَرِّقَةً قِيلَ ظَهَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على قُرَيْظَةَ وَخَيْبَرَ فَقَسَّمَ عَقَارَهُمَا من الْأَرَضِينَ وَالنَّخْلِ قِسْمَةَ الْأَمْوَالِ وَسَبَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وِلْدَانَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهَوَازِنَ وَنِسَاءَهُمْ فَقَسَّمَهُمْ قِسْمَةَ الْأَمْوَالِ وَأَسَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَهْلَ بَدْرٍ فَمِنْهُمْ من مَنَّ عليه بِلَا شَيْءٍ أَخَذَهُ منه وَمِنْهُمْ من أَخَذَ منه فِدْيَةً وَمِنْهُمْ من قَتَلَهُ وكان الْمَقْتُولَانِ بَعْدَ الْإِسَارِ يوم بَدْرٍ عُقْبَةَ بن أبي مُعَيْطٍ وَالنَّضْرَ بن الحرث وكان من الْمَمْنُونِ عليهم بِلَا فِدْيَةٍ أبو عَزَّةَ الْجُمَحِيُّ تَرَكَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِبَنَاتِهِ وَأَخَذَ عليه عَهْدًا أَنْ لَا يُقَاتِلَهُ فَأَخْفَرَهُ وَقَاتَلَهُ يوم أُحُدٍ فَدَعَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ لَا يَفْلِتَ فما أُسِرَ من الْمُشْرِكِينَ رَجُلًا غَيْرَهُ فقال يا محمد اُمْنُنْ عَلَيَّ وَدَعْنِي لِبَنَاتِي وَأُعْطِيك عَهْدًا أَنْ لَا أَعُودَ لِقِتَالِك فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( لَا تَمْسَحْ
____________________
1- * كِتَابُ الْحُكْمِ في قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ وَمَسْأَلَةُ مَالِ الْحَرْبِيِّ

(4/238)


على عَارِضَيْك بِمَكَّةَ تَقُولُ قد خَدَعْت مُحَمَّدًا مَرَّتَيْنِ ) فَأَمَرَ بِهِ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ ثُمَّ أَسَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَامَةَ بن أَثَالٍ الْحَنَفِيَّ بَعْدُ فَمَنَّ عليه ثُمَّ عَادَ ثُمَامَةُ بن أَثَالٍ فَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ * أخبرنا الثَّقَفِيُّ عن أَيُّوبَ عن أبي قِلَابَةَ عن أبي الْمُهَلَّبِ عن عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَدَى رَجُلًا من الْمُسْلِمِينَ بِرَجُلَيْنِ من الْمُشْرِكِينَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ من الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَعْمِدَ قَتْلَ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن قَتْلِهِمْ أخبرنا سُفْيَانُ عن الزُّهْرِيِّ عن بن كَعْبِ بن مَالِكٍ عن عَمِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى الَّذِينَ بَعَثَ إلَى بن أبي الْحَقِيقِ عن قَتْلِ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) لَا يَعْمِدُونَ بِقَتْلٍ وَلِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَشُنُّوا عليهم الْغَارَةَ لَيْلًا وَنَهَارًا فَإِنْ أَصَابُوا من النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ أَحَدًا لم يَكُنْ فيه عَقْلٌ وَلَا قَوَدٌ وَلَا كَفَّارَةٌ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على هذا قِيلَ أخبرنا سُفْيَانُ عن الزُّهْرِيِّ عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عبد اللَّهِ بن عُتْبَةَ عن بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما عن الصَّعْبِ بن جَثَّامَةَ اللَّيْثِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم سئل عن أَهْلِ الدَّارِ من الْمُشْرِكِينَ يَبِيتُونَ فَيُصَابُ من نِسَائِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( هُمْ منهم ) وَرُبَّمَا قال سُفْيَانُ في الحديث ( هُمْ من آبَائِهِمْ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ قال قائل قَوْلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( هُمْ من آبَائِهِمْ ) قِيلَ لَا عَقْلَ وَلَا قَوَدَ وَلَا كَفَّارَةَ فَإِنْ قال فَلِمَ لَا يَعْمِدُونَ بِالْقَتْلِ قِيلَ لِنَهْيِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يَعْمِدُوا بِهِ فَإِنْ قال فَلَعَلَّ الْحَدِيثَيْنِ مُخْتَلِفَانِ قِيلَ لَا وَلَكِنْ مَعْنَاهُمَا ما وَصَفْت فَإِنْ قال ما دَلَّ على ما قُلْت قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إذَا لم يَنْهَ عن الْإِغَارَةِ لَيْلًا فَالْعِلْمُ يُحِيطُ أَنَّ الْقَتْلَ قد يَقَعُ على الْوِلْدَانِ وَعَلَى النِّسَاءِ فَإِنْ قال فَهَلْ أَغَارَ على قَوْمٍ بِبَلَدٍ غَارَيْنِ لَيْلًا أو نَهَارًا قِيلَ نعم أَخْبَرْنَا عُمَرُ بن حَبِيبٍ عن عبد اللَّهِ بن عَوْنٍ أَنَّ نَافِعًا مولى بن عُمَرَ كَتَبَ إلَيْهِ يُخْبِرُهُ أَنَّ بن عُمَرَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما أخبره أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَغَارَ على بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونِ في نِعَمِهِمْ بالمريسيع فَقَتَلَ الْمُقَاتِلَةَ وَسَبَى الذُّرِّيَّةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وفي أَمْرِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَصْحَابَهُ بِقَتْلِ بن أبي الْحَقِيقِ غَارًّا دَلَالَةٌ على أَنَّ الْغَارَّ يُقْتَلُ وَكَذَلِكَ أَمَرَ بِقَتْلِ كَعْبِ بن الْأَشْرَفِ فَقُتِلَ غَارًّا فَإِنْ قال قَائِلٌ فَقَدْ قال أَنَسٌ كان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا نَزَلَ بِقَوْمٍ لَيْلًا لم يُغِرْ حتى يُصْبِحَ قِيلَ له إذَا كان مَوْجُودًا في سُنَّتِهِ أَنَّهُ أَمَرَ بِمَا وَصَفْنَا من قَتْلِ الْغَارِّينَ وَأَغَارَ على الْغَارِّينَ ولم يَنْهَ في حديث الصَّعْبِ عن الْبَيَاتِ دَلَّ ذلك على أَنَّ حَدِيثَ أَنَسٍ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَلَكِنَّهُ قد يَتْرُكُ الْغَارَةَ لَيْلًا لَأَنْ يَعْرِفَ الرَّجُلُ من يُقَاتِلُ أو أَنْ لَا يَقْتُلَ الناس بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ من الْمُشْرِكِينَ فَلَا يَقْتُلُونَ بين الْحِصْنِ وَلَا في الْآكَامِ حَيْثُ لَا يُبْصِرُونَ من قِبَلَهُمْ لَا على مَعْنَى أَنَّهُ حَرُمَ ذلك وَفِيمَا وَصَفْنَا من هذا كُلِّهِ ما يَدُلُّ على أَنَّ الدُّعَاءَ لِلْمُشْرِكِينَ إلَى الْإِسْلَامِ أو إلَى الْجِزْيَةِ إنَّمَا هو وَاجِبٌ لِمَنْ تَبْلُغُهُ الدَّعْوَةُ فَأَمَّا من بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ فَلِلْمُسْلِمِينَ قَتْلُهُ قبل أَنْ يُدْعَى وَإِنْ دَعَوْهُ فَذَلِكَ لهم من قِبَلِ أَنَّهُمْ إذَا كان لهم تَرْكُ قِتَالِهِ بِمُدَّةٍ تَطُولُ فَتَرْكُ قِتَالِهِ إلَى أَنْ يدعي أَقْرَبُ فَأَمَّا من لم تَبْلُغْهُ دَعْوَةُ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَاتِلُوا حتى يُدْعَوْا إلَى الْإِيمَانِ إنْ كَانُوا من غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ أو إلَى الْإِيمَانِ أو إعْطَاءِ الْجِزْيَةِ إنْ كَانُوا من أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا لم تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ الْيَوْمَ إلَّا أَنْ يَكُونَ من وَرَاءِ عَدُوِّنَا الَّذِينَ يُقَاتِلُونَا أُمَّةً من الْمُشْرِكِينَ فَلَعَلَّ أُولَئِكَ أَنْ لَا تَكُونَ الدَّعْوَةُ بَلَغَتْهُمْ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَكُونُوا خَلْفَ الرُّومِ أو التُّرْكِ ( 1 ) أو الْخَزَرِ أُمَّةً لَا نَعْرِفُهُمْ فَإِنْ قَتَلَ أَحَدٌ من الْمُسْلِمِينَ أَحَدًا من الْمُشْرِكِينَ لم تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ وَدَاهُ إنْ كان نَصْرَانِيًّا أو يَهُودِيًّا دِيَةَ نَصْرَانِيٍّ أو يَهُودِيٍّ وَإِنْ كان وَثَنِيًّا أو مَجُوسِيًّا دِيَةَ الْمَجُوسِيِّ وَإِنَّمَا تَرَكْنَا قَتْلَ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ بِالْخَبَرِ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِمَّنْ يُقَاتِلُ فَإِنْ قَاتَلَ النِّسَاءَ أو من لم يَبْلُغْ الْحُلُمَ لم يَتَوَقَّ ضَرْبَهُمْ
____________________

(4/239)


بِالسِّلَاحِ وَذَلِكَ أَنَّ ذلك إذَا لم يَتَوَقَّ من الْمُسْلِمِ إذَا أَرَادَ دَمَ الْمُسْلِمِ كان ذلك من نِسَاءِ الْمُشْرِكِينَ وَمَنْ لم يَبْلُغْ الْحُلُمَ منهم أَوْلَى أَنْ لَا يَتَوَقَّى وَكَانُوا قد زَايَلُوا الْحَالَ التي نهى عن قَتْلِهِمْ فيها وإذا أُسِرُوا أو هَرَبُوا أو جُرِحُوا وَكَانُوا مِمَّنْ لَا يُقَاتِلُ فَلَا يُقْتَلُونَ لِأَنَّهُمْ قد زَايَلُوا الْحَالَ التي أُبِيحَتْ فيها دِمَاؤُهُمْ وَعَادُوا إلَى أَصْلِ حُكْمِهِمْ بِأَنَّهُمْ مَمْنُوعِينَ بِأَنْ يَقْصِدَ قَصْدَهُمْ بِالْقَتْلِ وَيَتْرُكَ قَتْلَ الرُّهْبَانِ وَسَوَاءٌ رُهْبَانُ الصَّوَامِعِ وَرُهْبَانُ الدِّيَارَاتِ والصحارى وَكُلُّ من يَحْبِسُ نَفْسَهُ بِالتَّرَهُّبِ تَرَكْنَا قَتْلَهُ اتِّبَاعًا لِأَبِي بَكْرٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كان لنا أَنْ نَدَعَ قَتْلَ الرِّجَالِ الْمُقَاتِلِينَ بَعْدَ الْمَقْدِرَةِ وَقَتْلَ الرِّجَالِ في بَعْضِ الْحَالَاتِ لم نَكُنْ آثِمِينَ بِتَرْكِ الرُّهْبَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّمَا قُلْنَا هذا تَبَعًا لَا قِيَاسًا وَلَوْ أَنَّا زَعَمْنَا انا تَرَكْنَا قَتْلَ الرُّهْبَانِ لِأَنَّهُمْ في مَعْنَى من لَا يُقَاتِلُ تَرَكْنَا قَتْلَ الْمَرْضَى حين نُغِيرُ عليهم وَالرُّهْبَانَ وَأَهْلَ الْجُبْنَ وَالْأَحْرَارَ وَالْعَبِيدَ وَأَهْلَ الصِّنَاعَاتِ الَّذِينَ لَا يُقَاتِلُونَ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على أَنَّهُ يُقْتَلُ من لَا قِتَالَ منه من الْمُشْرِكِينَ قِيلَ قَتَلَ أَصْحَابُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يوم حُنَيْنٍ دُرَيْدَ بن الصِّمَّةِ وهو في شِجَارٍ مَطْرُوحٍ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُثْبِتَ جَالِسًا وكان قد بَلَغَ نَحْوًا من خَمْسِينَ وَمِائَةِ سَنَةٍ فلم يَعِبْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَتْلَهُ ولم أَعْلَمْ أَحَدًا من الْمُسْلِمِينَ عَابَ أَنْ نَقْتُلَ من رِجَالِ الْمُشْرِكِينَ من عَدَا الرُّهْبَانَ وَلَوْ جَازَ أَنْ يُعَابَ قَتْلُ من عَدَا الرُّهْبَانَ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ لَا يُقَاتِلُونَ لم يُقْتَلْ الْأَسِيرُ وَلَا الْجَرِيحُ الْمُثْبَتُ وقد ذُفِّفَ على الْجَرْحَى بِحَضْرَةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم منهم أبو جَهْلِ بن هِشَامٍ ذَفَّفَ عليه بن مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُ وإذا لم يَكُنْ في تَرْكِ قَتْلِ الرَّاهِبِ حُجَّةٌ إلَّا ما وَصَفْنَا غَنِمْنَا كُلَّ مَالٍ له في صَوْمَعَتِهِ وَغَيْرِ صَوْمَعَتِهِ ولم نَدَعْ له منه شيئا لِأَنَّهُ لَا خبر ( ( ( خير ) ) ) في أَنْ يُتْرَكَ ذلك له فَيُتْبَعَ وَتُسْبَى أَوْلَادُ الرُّهْبَانِ وَنِسَاؤُهُمْ إنْ كَانُوا غير مُتَرَهَّبِينَ وَالْأَصْلُ في ذلك أَنَّ اللَّهَ عز وجل أَبَاحَ أَمْوَالَ الْمُشْرِكِينَ فَإِنْ قِيلَ فَلِمَ لَا تَمْنَعُ مَالَهُ قِيلَ كما لَا أَمْنَعُ مَالَ الْمَوْلُودِ وَالْمَرْأَةِ وَأَمْنَعُ دِمَاءَهُمَا وَأُحِبُّ لو تَرَهَّبَ النِّسَاءُ تَرْكَهُنَّ كما أَتْرُكُ الرِّجَالَ فَإِنْ تَرَهَّبَ عَبْدٌ من الْمُشْرِكِينَ أو أَمَةٌ سَبَيْتهمَا من قِبَلِ أَنَّ السَّيِّدَ لو أَسْلَمَ قَضَيْت له أَنْ يَسْتَرِقَّهُمَا وَيَمْنَعَهُمَا التَّرَهُّبَ لِأَنَّ الْمَمَالِيكَ لَا يَمْلِكُونَ من أَنْفُسِهِمْ ما يَمْلِكُ الْأَحْرَارُ فَإِنْ قال قَائِلٌ وما الْفَرْقُ بين الْمَمَالِيكِ وَالْأَحْرَارِ قِيلَ لَا يُمْنَعُ حُرٌّ من غَزْوٍ وَلَا حَجٍّ وَلَا تَشَاغُلٍ بِبِرٍّ عن صَنْعَتِهِ بَلْ يُحْمَدُ على ذلك وَيَكُونُ الْحَجُّ وَالْغَزْوُ لَازِمِينَ له في بَعْضِ الْحَالَاتِ وَلِمَالِكِ الْعَبْدِ مَنْعُهُ من ذلك وَلَيْسَ يَلْزَمُ الْعَبْدَ من هذا شَيْءٌ - * الْخِلَافُ فِيمَنْ تُؤْخَذُ منه الْجِزْيَةُ وَمَنْ لَا تُؤْخَذُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْمَجُوسِ وَالصَّابِئُونَ وَالسَّامِرَةُ أَهْلُ كِتَابٍ فَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس فقال أَمَّا الصَّابِئُونَ وَالسَّامِرَةُ فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُمَا صِنْفَانِ من الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَأَمَّا الْمَجُوسُ فَلَا أَعْلَمُ أَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ وفي الحديث ما يَدُلُّ على أَنَّهُمْ غَيْرُ أَهْلِ كِتَابِ لِقَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ ) وَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَا يَنْكِحُونَ نِسَاءَهُمْ وَلَا يَأْكُلُونَ ذَبَائِحَهُمْ ( 1 ) فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُمْ إذَا أُبِيحَ أَنْ تُؤْخَذَ منهم الْجِزْيَةُ فَكُلُّ مُشْرِكٍ عَابِدِ وَثَنٍ أو غَيْرِهِ فَحَرَامٌ إذَا أَعْطَى الْجِزْيَةَ أَنْ لاتقبل منه وَحَالُهُمْ حَالُ أَهْلِ الْكِتَابِ في أَنْ تُؤْخَذَ منهم الْجِزْيَةُ وَتُحْقَنَ دِمَاؤُهُمْ بها إلَّا الْعَرَبَ خَاصَّةً فَلَا يُقْبَلُ منهم إلَّا الْإِسْلَامُ أو السَّيْفُ وقال لي بَعْضُ من يَذْهَبُ هذا الْمَذْهَبَ ما حُجَّتُك في أَنْ حَكَمْت في الْمَجُوسِ حُكْمَ أَهْلِ الْكِتَابِ ولم تَحْكُمْ بِذَلِكَ في غَيْرِ الْمَجُوسِ فَقُلْت الْحُجَّةُ أَنَّ سُفْيَانَ أخبرنا عن أبي سَعِيدٍ عن نَصْرِ بن عَاصِمٍ أَنَّ عَلِيَّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه سئل عن الْمَجُوسِ فقال ( كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ ) فما قَوْلُهُ ( سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ ) قُلْت كَلَامٌ عَرَبِيٌّ
____________________

(4/240)


وَالْكِتَابَانِ الْمَعْرُوفَانِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَلِلَّهِ كُتُبٌ سِوَاهُمَا قال وما دَلَّ على ما قُلْت قُلْت قال اللَّهُ عز وجل { أَمْ لم يُنَبَّأْ بِمَا في صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الذي وَفَّى } فَالتَّوْرَاةُ كِتَابُ مُوسَى وَالْإِنْجِيلُ كِتَابُ عِيسَى وَالصُّحُفُ كِتَابُ إبْرَاهِيمِ ما لم تَعْرِفْهُ الْعَامَّةُ من الْعَرَبِ حتى أَنْزَلَ اللَّهُ وقال الله عز وجل { وَلَقَدْ كَتَبْنَا في الزَّبُورِ من بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ } قال فما مَعْنَى قَوْلِهِ ( سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ ) قُلْنَا في أَنْ تُؤْخَذَ منهم الْجِزْيَةُ قال فما دَلَّ على أَنَّهُ كَلَامٌ خَاصٌّ قُلْنَا لو كان عَامًّا أَكَلْنَا ذَبَائِحَهُمْ وَنَكَحْنَا نِسَاءَهُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقال فَفِي الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ تُؤْخَذُ منهم الْجِزْيَةُ حُكْمٌ وَاحِدٌ أو حُكْمَانِ قِيلَ بَلْ حُكْمَانِ قال وَهَلْ يُشْبِهُ هذا شَيْءٌ قُلْنَا نعم حَكَمَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِيمَنْ قُتِلَ من أَهْلِ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِمْ قال فَإِنَّا نَزْعُمُ أَنَّ غير الْمَجُوسِ مِمَّنْ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ وَلَا نِسَاؤُهُ قِيَاسًا على الْمَجُوسِ قُلْنَا فَأَيْنَ ذَهَبْت عن قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } إلَى { فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ } وقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ الناس حتى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ) فَإِنْ زَعَمْت أنها وَالْحَدِيثَ مَنْسُوخَانِ بِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { حتى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ } وَبِقَوْلِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ ) قُلْنَا فَإِذْ زَعَمْت ذلك دخل عَلَيْك أَنْ تَكُونَ الْعَرَبُ مِمَّنْ يُعْطُونَ الْجِزْيَةَ وَإِنْ لم يَكُونُوا أَهْلَ كِتَابٍ قال فَإِنْ قُلْت لَا يَصْلُحُ أَنْ تعطى الْعَرَبُ الْجِزْيَةُ قُلْنَا أو لَيْسُوا دَاخِلِينَ في اسْمِ الشِّرْكِ قال بَلَى وَلَكِنْ لم أَعْلَمْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَخَذَ منهم جِزْيَةً قُلْنَا أَفَعَلِمْت أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَخَذَ جِزْيَةً من غَيْرِ كِتَابِيٍّ أو مَجُوسِيٍّ قال لَا قُلْنَا فَكَيْفَ جَعَلْت غير الْكِتَابِيِّينَ من الْمُشْرِكِينَ قِيَاسًا على الْمَجُوسِ أَرَأَيْتَ لو قال لَك قَائِلٌ بَلْ آخُذُهَا من الْعَرَبِ دُونَ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ ليس من أَهْلِ الْكِتَابِ ما تَقُولُ له قال أَفَتَزْعُمُ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَخَذَهَا من عَرَبِيٍّ قُلْنَا نعم وَأَهْلُ الْإِسْلَامِ يأخذونها ( ( ( يأخذوها ) ) ) حتى السَّاعَةِ من الْعَرَبِ قد صَالَحَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أُكَيْدِرَ الْغَسَّانِيَّ في غَزْوَةِ تَبُوكَ وَصَالَحَ أَهْلَ نَجْرَانَ وَالْيَمَنِ وَمِنْهُمْ عَرَبٌ وَعَجَمٌ وَصَالَحَ عُمَرُ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ وَبَنِي نُمَيْرٍ إذْ كَانُوا كلهم يَدِينُونَ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَهُمْ تُؤْخَذُ منهم الْجِزْيَةُ إلَى الْيَوْمِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ جَازَ أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ إحْدَى الْآيَتَيْنِ وَالْحَدِيثَيْنِ نَاسِخٌ لِلْآخَرِ جَازَ أَنْ يُقَالَ الْأَمْرُ بِأَنْ تُؤْخَذَ الْجِزْيَةُ من أَهْلِ الْكِتَابِ في الْقُرْآنِ وَمِنْ الْمَجُوسِ في السُّنَّةِ مَنْسُوخٌ بِأَمْرِ اللَّهِ عز وجل أَنْ نُقَاتِلَ الْمُشْرِكِينَ حتى يُسْلِمُوا وَقَوْلِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ الناس حتى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ) وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا نَاسِخٌ إلَّا بِخَبَرٍ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَيَمْضِيَانِ جميعا على وُجُوهِهِمَا ما كان إلَى إمْضَائِهِمَا سَبِيلٌ بِمَا وَصَفْنَا وَذَلِكَ إمْضَاءُ حُكْمِ اللَّهِ عز وجل وَحُكْمِ رَسُولِهِ مَعًا وَقَوْلُك خَارِجٌ من ذلك في بَعْضِ الْأُمُورِ دُونَ بَعْضٍ قال فقال لي أَفَعَلَيَّ أَيَّ شَيْءٍ الْجِزْيَةُ قُلْنَا على الْأَدْيَانِ لَا على الْأَنْسَابِ وَلَوَدِدْنَا أَنَّ الذي قُلْت على ما قُلْت إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ سَخَطٌ وما رَأَيْنَا اللَّهَ عز وجل فَرَّقَ بين عَرَبِيٍّ وَلَا عَجَمِيٍّ في شِرْكٍ وَلَا إيمَانٍ وَلَا الْمُسْلِمُونَ أَنَّا لَنَقْتُلُ كُلًّا بِالشِّرْكِ وَنَحْقِنُ دَمَ كل بِالْإِسْلَامِ وَنَحْكُمُ على كُلٍّ بِالْحُدُودِ فِيمَا أَصَابُوا وَغَيْرَهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ على رِجَالٍ من الْعَدُوِّ فَأَسَرُوهُمْ فَأَسْلَمُوا بَعْدَ الْإِسَارِ فَهُمْ مَرْقُوقُونَ لَا تَحِلُّ دِمَاؤُهُمْ وَأَيُّ حَالٍ أَسْلَمُوا فيها قبل الْإِسَارِ حَقَنُوا دِمَاءَهُمْ وَأَحْرَزُوا أَمْوَالَهُمْ إلَّا ما حَوَوْا قبل أَنْ يُسْلِمُوا وَكَانُوا أَحْرَارًا ولم يُسْبَ من ذَرَارِيِّهِمْ أَحَدٌ صَغِيرٌ فَأَمَّا نِسَاؤُهُمْ وَأَبْنَاؤُهُمْ الْبَالِغُونَ فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ أَنْفُسِهِمْ في الْقَتْلِ وَالسَّبْيِ لَا حُكْمُ الْأَبِ وَالزَّوْجِ وَكَذَلِكَ إنْ أَسْلَمُوا وقد حُصِرُوا في مَدِينَةٍ أو بَيْتٍ أو أَحَاطَتْ بِهِمْ الْخَيْلُ أو غَرِقُوا في الْبَحْرِ فَكَانُوا لَا يَمْتَنِعُونَ مِمَّنْ أَرَادَ أَخْذُهُمْ أو وَقَعُوا في نَارٍ أو بِئْرٍ وَخَرَجُوا وَكَانُوا غير مُمْتَنِعِينَ كَانُوا بهذا كُلِّهِ مَحْقُونِي الدِّمَاءِ مَمْنُوعِينَ من أَنْ يُسْبَوْا وَلَكِنْ لو سُبُوا فَرُبِطُوا أو سُجِنُوا غير مَرْبُوطِينَ أو صَارُوا إلَى الإستسلام
____________________

(4/241)


فَأَمَرَ بِهِمْ الْحَاكِمُ قَوْمًا يَحْفَظُونَهُمْ فَأَسْلَمُوا حُقِنَتْ دِمَاؤُهُمْ وَجَرَى السَّبْيُ عليهم فَإِنْ قال ما فَرْقٌ بين هذه الْحَالِ وَبَيْنَ الْمُحَاطِ بِهِمْ في صَحْرَاءَ أو بَيْتٍ أو مَدِينَةٍ قِيلَ قد يَمْتَنِعُ أُولَئِكَ حتى يَغْلِبُوا من أَحَاطَ بِهِمْ أو يَأْتِيَهُمْ الْمَدَدُ أو يَتَفَرَّقُونَ عَنْهُمْ فَيَهْرُبُوا وَلَيْسَ من كان بِهَذِهِ الْحَالِ مِمَّنْ يَقَعُ عليه اسْمُ السَّبْيِ إنَّمَا يَقَعُ عليه اسْمُ السَّبْيِ إذَا حَوَى غير مُمْتَنِعٍ وَلَوْ أُسِرَ جَمَاعَةٌ من الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَعَانَ بِهِمْ الْمُشْرِكُونَ على مُشْرِكِينَ مِثْلِهِمْ لِيُقَاتِلُوهُمْ فَقَدْ قِيلَ يُقَاتِلُونَهُمْ وَقِيلَ قَاتَلَ الزُّبَيْرُ وَأَصْحَابٌ له بِبِلَادِ الْحَبَشَةِ مُشْرِكِينَ عن مُشْرِكِينَ وَمَنْ قال هذا الْقَوْلَ قال وما يَحْرُمُ من الْقِتَالِ مَعَهُمْ وَدِمَاءُ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ مُبَاحَةٌ بِالشِّرْكِ وَلَوْ قال قَائِلٌ قِتَالُهُمْ حَرَامٌ لِمَعَانٍ منها أَنَّ وَاجِبًا على من ظَهَرَ من الْمُسْلِمِينَ على الْمُشْرِكِينَ فَغَنِمَ فَالْخُمُسُ لِأَهْلِ الْخُمُسِ وَهُمْ مُتَفَرِّقُونَ في الْبُلْدَانِ وَهَذَا لَا يَجِدُ السَّبِيلَ إلَى أَنْ يَكُونَ الْخُمُسُ مِمَّا غَنِمَ لِأَهْلِ الْخُمُسِ لِيُؤَدِّيَهُ إلَى الْإِمَامِ فَيُفَرِّقَهُ وَوَاجِبٌ عليهم ان قَاتَلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ فَأَعْطَوْا الْجِزْيَةَ أَنْ يَحْقِنُوا دِمَاءَهُمْ وَهَذَا إنْ أَعْطَوْا الْجِزْيَةَ لم يَقْدِرْ على أَنْ يَمْنَعَهُمْ حتى يَحْقِنُوا دِمَاءَهُمْ كان مَذْهَبًا وَإِنْ لم يَسْتَكْرِهُوهُمْ على قِتَالِهِمْ كان أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يُقَاتِلُوا وَلَا نَعْلَمُ خَبَرَ الزُّبَيْرِ يَثْبُت وَلَوْ ثَبَتَ كان النَّجَاشِيُّ مُسْلِمًا كان آمَنَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَصَلَّى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عليه وإذا غَزَا الْمُسْلِمُونَ بِلَادَ الْحَرْبِ فَسَرَتْ سَرِيَّةٌ كَثِيرَةٌ أو قَلِيلَةٌ بِإِذْنِ الْإِمَامِ أو غَيْرِ إذْنِهِ فَسَوَاءٌ وَلَكِنِّي أَسْتَحِبُّ أَنْ لَا يَخْرُجُوا إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ لِخِصَالٍ منها أَنَّ الْإِمَامَ يُغْنِي عن الْمَسْأَلَةِ وَيَأْتِيهِ من الْخَبَرِ ما لَا تَعْرِفُهُ الْعَامَّةُ فَيَقْدَمُ بِالسَّرِيَّةِ حَيْثُ يَرْجُو قُوَّتَهَا وَيَكُفُّهَا حَيْثُ يَخَافُ هَلَكَتَهَا وَإِنْ أَجْمَعَ لِأَمْرِ الناس أَنْ يَكُونَ ذلك بِأَمْرِ الْإِمَامِ وَإِنَّ ذلك أَبْعَدُ من الضَّيْعَةِ لِأَنَّهُمْ قد يَسِيرُونَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَيَرْحَلُ وَلَا يُقِيمُ عليهم فَيُتْلِفُونَ إذَا انْفَرَدُوا في بِلَادِ الْعَدُوِّ وَيَسِيرُونَ وَلَا يَعْلَمُ فَيَرَى الْإِمَامُ الْغَارَّةَ في نَاحِيَتِهِمْ فَلَا يُعِينُهُمْ وَلَوْ عَلِمَ مَكَانَهُمْ أَعَانَهُمْ وأما أَنْ يَكُونَ ذلك يَحْرُمُ عليهم فَلَا أَعْلَمُهُ يَحْرُمُ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ذَكَرَ الْجَنَّةَ فقال له رَجُلٌ من الْأَنْصَارِ إنْ قُتِلْت صَابِرًا مُحْتَسِبًا قال ( فَلَكَ الْجَنَّةُ ) قال فَانْغَمَسَ في جَمَاعَةِ الْعَدُوِّ فَقَتَلُوهُ وَأَلْقَى رَجُلٌ من الْأَنْصَارِ دِرْعًا كانت عليه حين ذَكَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْجَنَّةَ ثُمَّ انْغَمَسَ في الْعَدُوِّ فَقَتَلُوهُ بين يَدَيْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَنَّ رَجُلًا من الْأَنْصَارِ تَخَلَّفَ عن أَصْحَابِهِ بِبِئْرِ مَعُونَةَ فَرَأَى الطَّيْرَ عُكُوفًا على مُقْتَلَةِ أَصْحَابِهِ فقال لِعَمْرِو بن أُمَيَّةَ سَأَتَقَدَّمُ إلَى هَؤُلَاءِ الْعَدُوِّ فَيَقْتُلُونِي وَلَا أَتَخَلَّفُ عن مَشْهَدٍ قُتِلَ فيه أَصْحَابُنَا فَفَعَلَ فَقُتِلَ فَرَجَعَ عَمْرُو بن أُمَيَّةَ فذكر ذلك لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال فيه قَوْلًا حَسَنًا وَيُقَالُ فقال لِعَمْرٍو فَهَلَّا تَقَدَّمْت فَقَاتَلْت حتى تُقْتَلَ فإذا حَلَّ الرَّجُلُ الْمُنْفَرِدُ أَنْ يَتَقَدَّمَ على الْجَمَاعَةِ الْأَغْلَبُ عِنْدَهُ وَعِنْدَ من رَآهُ أنها سَتَقْتُلُهُ بين يَدَيْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قد رَآهُ حَيْثُ لَا يَرَى وَلَا يَأْمَنُ كان هذا أَكْثَرَ مِمَّا في انْفِرَادِ الرَّجُلِ وَالرِّجَالُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمْ الْأَدْبَارَ } الْآيَةَ وقال { يا أَيُّهَا النبي حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ على الْقِتَالِ } إلَى قَوْلِهِ { وَاَللَّهُ مع الصَّابِرِينَ } أخبرنا سُفْيَانُ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما ( 1 ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا كما قال بن عَبَّاسٍ وَمُسْتَغْنٍ بِالتَّنْزِيلِ عن التَّأْوِيلِ لَمَّا كَتَبَ اللَّهُ عز وجل من أَنْ لَا يَفِرَّ الْعِشْرُونَ من الْمِائَتَيْنِ فَكَانَ هذا الْوَاحِدُ من الْعَشَرَةِ ثُمَّ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَصَيَّرَ الْأَمْرَ إلَى ان لَا تَفِرُّ الْمِائَةُ من الْمِائَتَيْنِ وَذَلِكَ أَنْ لَا يَفِرَّ الرَّجُلُ من الرَّجُلَيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أَخْبَرْنَا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن بن أبي نَجِيحٍ عن بن عَبَّاسٍ قال من فَرَّ من ثَلَاثَةٍ فلم يَفِرَّ وَمَنْ فَرَّ من اثْنَيْنِ فَقَدْ فَرَّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا مِثْلُ مَعْنَى قَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَقَوْلِ بن عَبَّاسٍ وَقَوْلِنَا وَهَؤُلَاءِ الْخَارِجُونَ من السَّخَطِ إنْ فَرُّوا من
____________________

(4/242)


أَكْثَرَ منهم حتى يَكُونَ الْوَاحِدُ فَرَّ من ثَلَاثَةٍ فَصَاعِدًا فِيمَا نرى ( ( ( ترى ) ) ) وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ الفارين ( ( ( بالفارين ) ) ) بِكُلِّ حَالٍ أَمَّا الَّذِينَ يَجِبُ عليهم السَّخَطُ فإذا فَرَّ الْوَاحِدُ من اثْنَيْنِ فَأَقَلُّ إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أو مُتَحَيِّزًا وَالْمُتَحَرِّفُ له يَمِينًا وَشِمَالًا وَمُدْبِرًا وَنِيَّتُهُ الْعَوْدَةُ لِلْقِتَالِ وَالْفَارُّ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ من الْمُسْلِمِينَ قُلْت أو كَثُرَتْ كانت بِحَضْرَتِهِ أو مُنْتَئِيَةً عنه سَوَاءٌ إنَّمَا يَصِيرُ الْأَمْرُ في ذلك إلَى نِيَّةِ الْمُتَحَرِّفِ وَالْمُتَحَيِّزُ فَإِنْ كان اللَّهُ عز وجل يَعْلَمُ أنه إنَّمَا تَحَرَّفَ لِيَعُودَ لِلْقِتَالِ أو تَحَيَّزَ لِذَلِكَ فَهُوَ الذي اسْتَثْنَى اللَّهُ فَأَخْرَجَهُ من سَخَطِهِ في التَّحَرُّفِ وَالتَّحَيُّزِ وَإِنْ كان لِغَيْرِ هذا الْمَعْنَى خِفْت عليه إلَّا أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنْ يَكُونَ قد بَاءَ بِسَخَطٍ من اللَّهِ وإذا تَحَرَّفَ إلَى الْفِئَةِ فَلَيْسَ عليه أَنْ يَنْفَرِدَ إلَى الْعَدُوِّ فَيُقَاتِلَهُمْ وَحْدَهُ وَلَوْ كان ذلك الْآنَ لم يَكُنْ له أَوَّلًا أَنْ يَتَحَرَّفَ وَلَا بَأْسَ بِالْمُبَارَزَةِ وقد بَارَزَ يوم بَدْرٍ عُبَيْدَةُ بن الحرث وَحَمْزَةُ بن عبد الْمُطَّلِبِ وَعَلِيٌّ بِأَمْرِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَبَارَزَ محمد بن مَسْلَمَةَ مُرَحِّبًا يوم خَيْبَرَ بِأَمْرِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَبَارَزَ يَوْمَئِذٍ الزُّبَيْرَ بن الْعَوَّامِ يَاسِرًا وَبَارِز يَوْم الْخَنْدَقِ عَلِيُّ بن أبي طَالِبٍ عَمْرَو بن عبد وُدٍّ وإذا بَارَزَ الرَّجُلُ من الْمُشْرِكِينَ بِغَيْرِ أَنْ يَدْعُوَ أو يُدْعَى إلَى الْمُبَارَزَةِ فَبَرَزَ له رَجُلٌ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُعِينَهُ عليه غَيْرُهُ لِأَنَّهُمْ لم يُعْطُوهُ أَنْ لَا يُقَاتِلَهُ إلَّا وَاحِدٌ ولم يَسْأَلْهُمْ ذلك وَلَا شَيْءَ يَدُلُّ على أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُقَاتِلَهُ وَاحِدٌ فَقَدْ تَبَارَزَ عُبَيْدَةُ وَعُتْبَةُ فَضَرَبَ عُبَيْدَةُ عُتْبَةَ فَأَرْخَى عَاتِقَهُ الْأَيْسَرَ وَضَرَبَهُ عَتَبَة فَقَطَعَ رِجْلَهُ وَأَعَانَ حَمْزَةُ وَعَلِيٌّ فَقَتَلَا عُتْبَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَّا إنْ دَعَا مُسْلِمٌ مُشْرِكًا أو مُشْرِكٌ مُسْلِمًا إلَى أَنْ يُبَارِزَهُ فقال له لَا يُقَاتِلُك غَيْرِي أو لم يَقُلْ له ذلك إلَّا أَنَّهُ يَعْرِفُ أَنَّ الدُّعَاءَ إلَى مُبَارَزَةِ الْوَاحِدِ كُلٌّ من الْفَرِيقَيْنِ مَعًا سِوَى الْمُبَارِزَيْنِ أَحْبَبْت أَنْ يَكُفَّ عن أَنْ يَحْمِلَ عليه غَيْرُهُ فَإِنْ وَلَّى عنه الْمُسْلِمُ أو جَرَحَهُ ( 1 ) فَأَثْخَنَهُ فَحَمَلَ عليه بَعْدَ تَبَارُزِهِمَا فَلَهُمْ أَنْ يَقْتُلُوهُ إنْ قَدَرُوا على ذلك لِأَنَّ قِتَالَهُمَا قد انْقَضَى وَلَا أَمَانَ له عليهم إلَّا أَنْ يَكُونَ شَرَطَ أَنَّهُ آمَنَ منهم حتى يَرْجِعَ إلَى مَخْرَجِهِ من الصَّفِّ فَلَا يَكُونُ لهم قَتْلُهُ حتى يَرْجِعَ إلَى مَأْمَنِهِ وَلَوْ شَرَطُوا ذلك له فَخَافُوهُ على الْمُسْلِمِ أو يُجْرَحُ الْمُسْلِمُ فَلَهُمْ أَنْ يَسْتَنْقِذُوا الْمُسْلِمَ منه بِلَا أَنْ يَقْتُلُوهُ فَإِنْ امْتَنَعَ أَنْ يُخَلِّيَهُمْ وَإِنْقَاذَ صَاحِبِهِمْ وَعَرَضَ دُونَهُ لِيُقَاتِلَهُمْ قَاتَلُوهُ لِأَنَّهُ نَقَضَ أَمَانَ نَفْسِهِ وَلَوْ عَرَضَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فقال أنا مِنْكُمْ في أَمَانٍ قالوا نعم إنْ خَلَّيْتنَا وَصَاحِبَنَا فَإِنْ لم تَفْعَلْ تَقَدَّمْنَا لِأَخْذِ صَاحِبِنَا فَإِنْ قَاتَلْتنَا قَاتَلْنَاك وَكُنْت أنت نَقَضْت أَمَانَك فَإِنْ قال قَائِلٌ وَكَيْفَ لَا يُعَانُ الرَّجُلُ المبارز ( ( ( البارز ) ) ) على الْمُشْرِكِ قَاهِرًا له قِيلَ إنَّ مَعُونَةَ حَمْزَةَ وَعَلِيٍّ على عُتْبَةَ إنَّمَا كانت بَعْدَ أَنْ لم يَكُنْ في عبيدة قِتَالٌ ولم يَكُنْ منهم لِعُتْبَةَ أَمَانٌ يَكُفُّونَ بِهِ عنه فَإِنْ تَشَارَطَا الْأَمَانَ فَأَعَانَ الْمُشْرِكُونَ صَاحِبَهُمْ كان لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُعِينُوا صَاحِبَهُمْ وَيَقْتُلُوا من أَعَانَ عليه الْمُبَارِزِ له وَلَا يَقْتُلُوا الْمُبَارِزَ ما لم يَكُنْ هو اسْتَنْجَدَهُمْ عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا تَحَصَّنَ الْعَدُوُّ في جَبَلٍ أو حِصْنٍ أو خَنْدَقٍ أو بِحَسَكٍ أو بِمَا يُتَحَصَّنُ بِهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَرْمُوا بِالْمَجَانِيقِ وَالْعَرَّادَاتِ وَالنِّيرَانِ وَالْعَقَارِبِ وَالْحَيَّاتِ وَكُلُّ ما يَكْرَهُونَهُ وَأَنْ يَبْثُقُوا عليهم الْمَاءَ لِيُغْرِقُوهُمْ أو يُوحِلُوهُمْ فيه وَسَوَاءٌ كان مَعَهُمْ الْأَطْفَالُ وَالنِّسَاءُ وَالرُّهْبَانُ أو لم يَكُونُوا لِأَنَّ الدَّارَ غَيْرُ مَمْنُوعَةٍ بِإِسْلَامٍ وَلَا عَهْدٍ وَكَذَلِكَ لَا بَأْسَ أَنْ يُحَرِّقُوا شَجَرَهُمْ الْمُثْمِرَ وَغَيْرَ الْمُثْمِرِ وَيُخَرِّبُوا عَامِرَهُمْ وَكُلَّ ما لَا رُوحَ فيه من أَمْوَالِهِمْ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما الْحُجَّةُ فِيمَا وَصَفْت وَفِيهِمْ الوالدان ( ( ( الولدان ) ) ) وَالنِّسَاءُ المنهي عن قَتْلِهِمْ قِيلَ الْحُجَّةُ فيه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نَصَبَ على أَهْلِ الطَّائِفِ مَنْجَنِيقًا أو عَرَّادَةً وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ فِيهِمْ النِّسَاءَ وَالْوِلْدَانَ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَطَعَ أَمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ وَحَرَّقَهَا * أخبرنا أبو ضَمْرَةَ أَنَسُ بن عِيَاضٍ عن مُوسَى بن عُقْبَةَ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه
____________________

(4/243)


وسلم حَرَّقَ أَمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن سَعْدٍ عن بن شِهَابٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حَرَّقَ أَمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ فقال قَائِلٌ % وَهَانَ على سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ % حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ % ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ قال قَائِلٌ فَقَدْ نهى بَعْدَ التَّحْرِيقِ في أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إنَّمَا نهى عنه أَنَّ اللَّهَ عز وجل وَعَدَهُ بها فَكَانَ تَحْرِيقُهُ إذْهَابًا منه لِعَيْنِ مَالِهِ وَذَلِكَ في بَعْضِ الْأَحَادِيثِ مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْمَغَازِي فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ حَرَّقَ أو قَطَّعَ بَعْدَ ذلك قِيلَ نعم قَطَّعَ بِخَيْبَرَ وَهِيَ بَعْدَ بَنِي النَّضِيرِ وَبِالطَّائِفِ وَهِيَ آخِرُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا لَقِيَ فيها قِتَالًا فَإِنْ قال قَائِلٌ كَيْفَ أَجَزْت الرَّمْيَ بِالْمَنْجَنِيقِ وَبِالنَّارِ على جَمَاعَةِ الْمُشْرِكِينَ فِيهِمْ الْوِلْدَانُ وَالنِّسَاءُ وَهُمْ مَنْهِيٌّ عن قَتْلِهِمْ قِيلَ أَجَزْنَا بِمَا وَصَفْنَا وَبِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم شَنَّ الْغَارَةَ على بَنِي الْمُصْطَلِقِ غَارِّينَ وَأَمَرَ بِالْبَيَاتِ وَبِالتَّحْرِيقِ وَالْعِلْمُ يُحِيطُ أَنَّ فِيهِمْ الْوِلْدَانَ وَالنِّسَاءَ وَذَلِكَ أَنَّ الدَّارَ دَارُ شِرْكٍ غَيْرِ مَمْنُوعَةٍ وَإِنَّمَا نهى أَنْ تُقْصَدَ النِّسَاءُ وَالْوِلْدَانُ بِالْقَتْلِ إذَا كان قَاتِلُهُمْ يَعْرِفُهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ لِلْخَبَرِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم سَبَاهُمْ فَجَعَلَهُمْ مَالًا وقد كَتَبَ هذا قبل هذا فَإِنْ كان في الدَّارِ أُسَارَى من الْمُسْلِمِينَ أو تُجَّارٌ مُسْتَأْمَنُونَ كَرِهْت النُّصْبَ عليهم بِمَا يَعُمُّ من التَّحْرِيقِ وَالتَّغْرِيقِ وما أَشْبَهَهُ غَيْرُ مُحَرَّمٍ له تَحْرِيمًا بَيِّنًا وَذَلِكَ أَنَّ الدَّارَ إذَا كانت مُبَاحَةً فَلَا يُبَيِّنُ أَنْ تَحْرُمَ بِأَنْ يَكُونَ فيها مُسْلِمٌ يَحْرُمُ دَمُهُ وَإِنَّمَا كَرِهْت ذلك احْتِيَاطًا وَلِأَنَّ مُبَاحًا لنا لو لم يَكُنْ فيها مُسْلِمٌ أَنْ نجاوزها ( ( ( تجاوزها ) ) ) فَلَا نُقَاتِلُهَا وَإِنْ قَاتَلْنَاهَا قَاتَلْنَاهَا بِغَيْرِ ما يَعُمُّ من التَّحْرِيقِ وَالتَّغْرِيقِ وَلَكِنْ لو الْتَحَمَ الْمُسْلِمُونَ أو بَعْضُهُمْ ( 1 ) فَكَانَ الذي يَرَوْنَ أَنَّهُ يَنْكَأُ من التحمهم يُغْرِقُوهُ أو يُحَرِّقُوهُ كان ذلك رَأَيْت لهم أَنْ يَفْعَلُوا ذلك ولم أَكْرَهْهُ لهم بِأَنَّهُمْ مَأْجُورُونَ أَجْرَيْنِ أَحَدُهُمَا الدَّفْعُ عن أَنْفُسِهِمْ وَالْآخَرُ نِكَايَةُ عَدُوِّهِمْ غير مُلْتَحِمِينَ فَتَتَرَّسُوا بِأَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ فَقَدْ قِيلَ لَا يَتَوَقَّوْنَ وَيُضْرَبُ الْمُتَتَرِّسُ منهم وَلَا يَعْمِدُ الطِّفْلُ وقد قِيلَ يُكَفُّ عن الْمُتَتَرِّسِ بِهِ وَلَوْ تَتَرَّسُوا بِمُسْلِمٍ رَأَيْت أَنْ يُكَفَّ عَمَّنْ تَتَرَّسُوا بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُونَ مُلْتَحِمِينَ فَلَا يَكُفُّ عن الْمُتَتَرِّسِ وَيُضْرَبُ الْمُشْرِكُ وَيَتَوَقَّى الْمُسْلِمُ جَهْدَهُ فَإِنْ أَصَابَ في شَيْءٍ من هذه الْحَالَاتِ مُسْلِمًا أَعْتَقَ رَقَبَةً وإذا حَاصَرْنَا الْمُشْرِكِينَ فَظَفِرْنَا لهم بِخَيْلٍ أَحْرَزْنَاهَا أو بنابها عَنْهُمْ فَرَجَعَتْ عَلَيْنَا واستلحمنا وَهِيَ في أَيْدِينَا أو خِفْنَا الدَّرْكَ وَهِيَ في أَيْدِينَا وَلَا حَاجَةَ لنا بِرُكُوبِهَا إنَّمَا نُرِيدُ غَنِيمَتَهَا أو بِنَا حَاجَةٌ إلَى رُكُوبِهَا أو كانت مَعَهَا مَاشِيَةٌ ما كانت أو نَحْلٌ أو ذُو رُوحٍ من أَمْوَالِهِمْ مِمَّا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ اتِّخَاذُهُ لِمَأْكَلَةٍ فَلَا يَجُوزُ عُقْرُ شَيْءٍ منها وَلَا قَتْلُهُ بِشَيْءٍ من الْوُجُوهِ إلَّا أَنْ نَذْبَحَهُ كما قال أبو بَكْرٍ ( لَا تَعْقِرُوا شَاةً وَلَا بَعِيرًا إلَّا لِمَأْكَلَةٍ وَلَا تُغْرِقَنَّ نَخْلًا وَلَا تُحَرِّقَنَّهُ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ فَقَدْ قال أبو بَكْرٍ ( وَلَا تَقْطَعَنَّ شَجَرًا مُثْمِرًا فَقَطَعْته ) قِيلَ فَإِنَّا قَطَعْنَاهُ بِالسُّنَّةِ وَاتِّبَاعِ ما جاء عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وكان أَوْلَى بِي وَبِالْمُسْلِمِينَ ولم أَجِدْ لِأَبِي بَكْرٍ في ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ مُخَالِفًا من كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا مِثْلِهِ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فِيمَا حَفِظْت فَلَوْ لم يَكُنْ فيه إلَّا اتِّبَاعُ أبي بَكْرٍ كانت في اتِّبَاعِهِ حُجَّةٌ مع أَنَّ السُّنَّةَ تَدُلُّ على مِثْلِ ما قال أبو بَكْرٍ في ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ من أَمْوَالِهِمْ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما السُّنَّةُ قُلْنَا أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن صُهَيْبٍ مولى بَنِي عَامِرٍ عن عبد اللَّهِ بن عَمْرِو بن الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ( من قَتَلَ عُصْفُورًا فما فَوْقَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا سَأَلَهُ اللَّهُ عز وجل عن قَتْلِهِ ) قِيلَ يا رَسُولَ اللَّهِ وما حَقُّهَا قال ( أَنْ يَذْبَحَهَا فَيَأْكُلَهَا وَلَا يَقْطَعُ رَأْسَهَا ) وقد نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن الْمَصْبُورَة وَوَجَدْت اللَّهَ عز وجل أَبَاحَ قَتْلَ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ من الْمَأْكُولِ بِوَاحِدٍ من مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ تُذَكَّى فَتُؤْكَلَ إذَا قَدَرَ
____________________

(4/244)


عليها والآخر أن تُذَكَّى بِالرَّمْيِ إذَا لم يَقْدِرْ عليها ولم أَجِدْهُ أَبَاحَ قَتْلَهَا لِغَيْرِ مَنْفَعَةٍ وَقَتْلُهَا لِغَيْرِ هذا الْوَجْهِ عِنْدِي مَحْظُورٌ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَفِي ذلك نِكَايَتُهُمْ وَتَوْهِينٌ وَغَيْظٌ قُلْنَا وقد يُغَاظُونَ بِمَا يَحِلُّ فَنَفْعَلُهُ وَبِمَا لَا يَحِلُّ فَنَتْرُكُهُ فَإِنْ قال وَمِثْلُ ما يُغَاظُونَ بِهِ فَنَتْرُكُهُ قُلْنَا قَتْلُ نِسَائِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ فَهُمْ لو أَدْرَكُونَا وَهُمْ في أَيْدِينَا لم نَقْتُلْهُمْ وَكَذَلِكَ لو كان إلَى جَنْبِنَا رُهْبَانٌ يَغِيظُهُمْ قَتْلُهُمْ لم نَقْتُلْهُمْ وَلَكِنْ إنْ قَاتَلُوا فُرْسَانًا لم نَرَ بَأْسًا إذَا كنا نَجِدُ السَّبِيلَ إلَى قَتْلِهِمْ بِأَرْجَالِهِمْ أَنْ نَعْقِرَ بِهِمْ كما نَرْمِيهِمْ بِالْمَجَانِيقِ وَإِنْ أَصَابَ ذلك غَيْرُهُمْ وقد عَقَرَ حَنْظَلَةُ بن الرَّاهِبِ بِأَبِي سُفْيَانَ بن حَرْبٍ يوم أُحُدٍ فانكسعت ( ( ( فانعكست ) ) ) بِهِ فَرَسُهُ فَسَقَطَ عنها فَجَلَسَ على صَدْرِهِ لِيَذْبَحَهُ فَرَآهُ بن شَعُوبٍ فَرَجَعَ إلَيْهِ يَعْدُو كَأَنَّهُ سَبْعٌ فَقَتَلَهُ وَاسْتَنْقَذَ أَبَا سُفْيَانَ من تَحْتِهِ فقال أبو سُفْيَانَ بَعْدَ ذلك شِعْرًا % فَلَوْ شِئْت نَجَتْنِي كُمَيْتَ رَجِيلَةٍ * % ولم أَحْمِلْ النَّعْمَاءَ لِابْنِ شَعُوبِ % وما زَالَ مَهْرِي مَزْجَرَ الْكَلْبِ منهم * % لَدُنْ غَدْوَةٍ حتى دَنَتْ لِغُرُوبِ % أُقَاتِلُهُمْ طُرًّا وَأَدْعُو لِغَالِبٍ * % وَأَدْفَعُهُمْ عَنِّي بِرُكْنٍ صَلِيبِ % ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ قال قَائِلٌ ما الْفَرْقُ بين الْعَقْرِ بِهِمْ وَعَقْرِ بَهَائِمِهِمْ قِيلَ الْعَقْرُ بِهِمْ يَجْمَعُ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا دَفْعٌ عن الْعَاقِرِ الْمُسْلِمِ وَلِأَنَّ الْفَرَسَ أَدَاةٌ عليه يُقْبِلُ بِقُوَّتِهِ وَيَحْمِلُ عليه فَيَقْتُلُهُ وَالْآخَرُ يَصِلُ بِهِ إلَى قَتْلِ الْمُشْرِكِ وَالدَّوَابِّ تُوجِفُ أو يَخَافُ طَلَبَ الْعَدُوِّ لها إذَا قُتِلَتْ لَيْسَتْ في وَاحِدٍ من هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ لَا أَنَّ قَتْلَهَا مَنْعُ الْعَدُوِّ لِلطَّلَبِ وَلَا أَنْ يَصِلَ الْمُسْلِمُ من قَتْلِ الْمُشْرِكِ إلَى ما لم يَكُنْ يَصِلُ إلَيْهِ قبل قَتْلِهَا وإذا أَسَرَ الْمُسْلِمُونَ الْمُشْرِكِينَ فَأَرَادُوا قَتْلَهُمْ قَتَلُوهُمْ بِضَرْبِ الْأَعْنَاقِ ولم يُجَاوِزُوا ذلك إلَى أَنْ يُمَثِّلُوا بِقَطْعِ يَدٍ وَلَا رِجْلٍ وَلَا عُضْوٍ وَلَا مِفْصَلٍ وَلَا بَقَرِ بَطْنٍ وَلَا تَحْرِيقٍ وَلَا تَغْرِيقٍ وَلَا شَيْءٍ يَعْدُو ما وَصَفْت لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن الْمُثْلَةِ وَقَتْلِ من قُتِلَ كما وَصَفْت فَإِنْ قال قَائِلٌ قد قَطَعَ أَيْدِي الَّذِينَ اسْتَاقُوا لِقَاحَهُ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ فإن أَنَسَ بن مَالِكٍ وَرَجُلًا رَوَيَا هذا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ رَوَيَا فيه أو أَحَدُهُمَا أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَخْطُبْ بَعْدَ ذلك خُطْبَةً إلَّا أَمَرَ بِالصَّدَقَةِ وَنَهَى عن الْمُثْلَةِ أخبرنا سُفْيَانُ عن بن أبي نَجِيحٍ أَنَّ هَبَّارَ بن الْأَسْوَدِ كان قد أَصَابَ زَيْنَبَ بِنْتِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِشَيْءٍ فَبَعَثَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم سَرِيَّةً فقال ( إنْ ظَفِرْتُمْ بِهَبَّارِ بن الْأَسْوَدِ فَاجْعَلُوهُ بين حُزْمَتَيْنِ من حَطَبٍ ثُمَّ أَحْرَقُوهُ ) ثُمَّ قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( سُبْحَانَ اللَّهِ ما يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُعَذِّبَ بِعَذَابِ اللَّهِ عز وجل إنْ ظَفِرْتُمْ بِهِ فَاقْطَعُوا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وكان عَلِيُّ بن حُسَيْنٍ يُنْكِرُ حَدِيثَ أَنَسٍ في أَصْحَابِ اللِّقَاحِ * أخبرنا بن أبي يحيى عن جَعْفَرٍ عن أبيه عن عَلِيِّ بن حُسَيْنٍ قال وَاَللَّهِ ما سَمَلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَيْنًا وَلَا زَادَ أَهْلَ اللِّقَاحِ على قَطْعِ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلِهِمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في الْأُسَارَى من الْمُسْلِمِينَ في بِلَادِ الْحَرْبِ يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أو يَجْرَحُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أو يَغْصِبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ثُمَّ يَصِيرُونَ إلَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ إنَّ الْحُدُودَ تُقَامُ عليهم إذَا صَارُوا إلَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَمْنَعُ الدَّارُ حُكْمَ اللَّهِ عز وجل وَيُؤَدُّونَ كُلَّ زَكَاةٍ وَجَبَتْ عليهم لَا تَضَعُ الدَّارُ عَنْهُمْ شيئا من الْفَرَائِضِ وَلَكِنَّهُمْ لو كَانُوا من الْمُشْرِكِينَ فَأَسْلَمُوا ولم يَعْرِفُوا الْأَحْكَامَ فنال ( ( ( وأصاب ) ) ) بَعْضِهِمْ من بَعْضٍ شيئا بِجِرَاحٍ أو قَتْلٍ دَرَأْنَا عَنْهُمْ الْحَدَّ بِالْجَهَالَةِ وَأَلْزَمْنَاهُمْ الدِّيَةَ في أَمْوَالِهِمْ وَأَخَذْنَا منهم في أَمْوَالِهِمْ كُلَّ ما أَصَابَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ وَكَذَلِكَ لو زَنَى رَجُلٌ منهم بِامْرَأَةٍ وهو لَا يَعْلَمُ أَنَّ الزنى مُحَرَّمٌ دَرَأْنَا عنه الْحَدَّ بِأَنَّ الْحُجَّةَ لم تَقُمْ وَتُطْرَحُ عنه حُقُوقُ اللَّهِ وَيَلْزَمُهُ حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ وَلَوْ كانت الْمَرْأَةُ مُسْلِمَةً أُسِرَتْ أو اُسْتُؤْمِنَتْ مِمَّنْ قد قَامَتْ عليهم الْحُجَّةُ
____________________

(4/245)


فامكنته من نَفْسِهَا حدت ( ( ( حدث ) ) ) ولم يَكُنْ لها مَهْرٌ ولم يَكُنْ عليه حَدٌّ وَلَوْ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِنِكَاحِ الْمُشْرِكِينَ فَسَخْنَا النِّكَاحَ وَأَلْحَقْنَا بِهِ الْوَلَدَ وَدَرَأْنَا عنه الْحَدَّ وَجَعَلْنَا لها الْمَهْرَ وَلَوْ سَرَقَ بَعْضُهُمْ من بَعْضٍ شيئا دَرَأْنَا عنه الْقَطْعَ وَأَلْزَمْنَاهُ الْغَرَامَةَ وَلَوْ أَرْبَى بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ رَدَدْنَا الرِّبَا بَيْنَهُمْ لِأَنَّ هذا من حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ وقال في الْقَوْمِ من الْمُسْلِمِينَ يَنْصِبُونَ الْمَجَانِيقَ على الْمُشْرِكِينَ فَيَرْجِعُ عليهم حَجَرُ الْمَنْجَنِيقِ فَيَقْتُلُ بَعْضَهُمْ فَهَذَا قَتْلُ خَطَأٍ فَدِيَةُ الْمَقْتُولِينَ على عَوَاقِلِ الْقَاتِلِينَ قَدْرَ حِصَّةِ الْمَقْتُولِينَ كَأَنَّهُ جَرَّ حبل الْمَنْجَنِيقَ عَشَرَةٌ فَرَجَعَ الْحَجَرُ على خَمْسَةٍ منهم فَقَتَلَهُمْ فَأَنْصَافُ دِيَاتِهِمْ على عَوَاقِلِ الْقَاتِلِينَ لِأَنَّهُمْ قَتَلُوا بِفِعْلِهِمْ وَفِعْلِ غَيْرِهِمْ وَلَا يُؤَدُّونَ حِصَّتَهُمْ من فِعْلِهِمْ فَهُمْ قَتَلُوا أَنْفُسَهُمْ مع غَيْرِهِمْ وَلَوْ رَجَعَ حَجَرُ الْمَنْجَنِيقِ على رَجُلٍ لم يَجُرَّهُ كان قَرِيبًا من الْمَنْجَنِيقِ أو بَعِيدًا مُعِينًا لِأَهْلِ الْمَنْجَنِيقِ بِغَيْرِ الْجَرِّ أو غَيْرِ مُعِينٍ لهم كانت دِيَتُهُ على عَوَاقِلِ الْجَارِّينَ كُلِّهِمْ وَلَوْ كان فِيهِمْ رَجُلٌ يُمْسِكُ لهم من الْحِبَالِ التي يَجُرُّونَهَا بِشَيْءٍ وَلَا يَجُرُّ مَعَهُمْ في إمْسَاكِهِ لهم لم يَلْزَمْهُ وَلَا عَاقِلَتَهُ شَيْءٌ من قِبَلِ أَنَّا لم نُدَّ إلَّا بِفِعْلِ الْقَتْلِ فَأَمَّا بِفِعْلِ الصَّلَاحِ فَلَا وَلَوْ رَجَعَ عليهم الْحَجَرُ فَقَتَلَهُمْ كُلَّهُمْ أو سَقَطَ الْمَنْجَنِيقُ عليهم من جَرِّهِمْ فَقَتَلَ كُلَّهُمْ وَهُمْ عَشَرَةٌ وُدُوا كلهم وَرُفِعَ عن عَوَاقِلِ من يَدِيهِمْ عُشْرُ دِيَةِ كل وَاحِدٍ منهم لِأَنَّهُ قُتِلَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ وَفِعْلِ تِسْعَةٍ معه فَيُرْفَعُ عنه حِصَّةُ فِعْلِ نَفْسِهِ وَيُؤْخَذُ له حِصَّةُ فِعْلِ غَيْرِهِ ثُمَّ هَكَذَا كُلُّ وَاحِدٍ وَلَوْ رَمَى رَجُلٌ بِعَرَّادَةٍ أو بِغَيْرِهَا أو ضَرَبَ بِسَيْفٍ فَرَجَعَتْ الرَّمْيَةُ عليه كَأَنَّهَا أَصَابَتْ جِدَارًا ثُمَّ رَجَعَتْ إلَيْهِ أو ضَرَبَ بِسَيْفٍ شيئا فَرَجَعَ عليه السَّيْفُ فَلَا دِيَةَ له لِأَنَّهُ جَنَى على نَفْسِهِ وَلَا يَضْمَنُ لِنَفْسِهِ شيئا وَلَوْ رَمَى في بِلَادِ الْحَرْبِ فَأَصَابَ مُسْلِمًا مُسْتَأْمَنًا أو أَسِيرًا أو كَافِرًا أَسْلَمَ فلم يَقْصِدْ قَصْدَهُ بِالرَّمْيَةِ ولم يَرَهُ فَعَلَيْهِ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ وَلَا دِيَةَ له وَإِنْ رَآهُ وَعَرَفَ مَكَانَهُ وَرَمَى وهو مُضْطَرٌّ إلَى الرَّمْيِ فَقَتَلَهُ فَعَلَيْهِ دِيَةٌ وَكَفَّارَةٌ وَإِنْ كان عَمْدُهُ وهو يَعْرِفُهُ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ إذَا رَمَاهُ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا خَطَأٍ وَعَمْدٍ قَتَلَهُ فَإِنْ تَتَرَّسَ بِهِ مُشْرِكٌ وهو يَعْلَمُهُ مُسْلِمًا وقد الْتَحَمَ فَرَأَى أَنَّهُ لَا يُنَجِّيهِ إلَّا ضَرْبُهُ الْمُسْلِمَ فَضَرَبَهُ يُرِيدُ قَتْلَ الْمُشْرِكِ فَإِنْ أَصَابَهُ دَرَأْنَا عنه الْقِصَاصَ وَجَعَلْنَا عليه الدِّيَةَ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كان في بِلَادِ الْمُشْرِكِينَ أو صَفِّهِمْ فَأَمَّا إذَا انْفَرَجَ عن الْمُشْرِكِينَ فَكَانَ بين صَفِّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ فَذَلِكَ مَوْضِعٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فيه الْمُسْلِمُ وَالْمُشْرِكُ فَإِنْ قَتَلَ رَجُلٌ رَجُلًا وقال ظَنَنْته مُشْرِكًا فَوَجَدْته مُسْلِمًا فَهَذَا من الْخَطَأِ وَفِيهِ الْعَقْلُ فَإِنْ اتَّهَمَهُ أَوْلِيَاؤُهُ أُحْلِفَ لهم ما عَلِمَهُ مُسْلِمًا فَقَتَلَهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ كَيْفَ أَبْطَلْت دِيَةَ مُسْلِمٍ أُصِيبَ بِبِلَادِ الْمُشْرِكِينَ بِرَمْيٍ أو غَارَةٍ لَا يُعْمَدُ فيها بِقَتْلٍ قِيلَ قال اللَّهُ عز وجل { وما كان لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إلَّا خَطَأً } إلَى قَوْلِهِ { مُتَتَابِعَيْنِ } فذكر اللَّهُ عز وجل في الْمُؤْمِنِ يُقْتَلُ خَطَأً وَالذِّمِّيِّ يُقْتَلُ خَطَأً الدِّيَةُ في كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَدَلَّ ذلك على أَنَّ هَذَيْنِ مَقْتُولَانِ في بِلَادِ الْإِسْلَامِ الْمَمْنُوعَةِ لَا بِلَادِ الْحَرْبِ الْمُبَاحَةِ وَذَكَرَ من حُكْمِهِمَا حُكْمَ الْمُؤْمِنِ من عَدُوٍّ لنا يُقْتَلُ فَجَعَلَ فيه تَحْرِيرَ رَقَبَةٍ فلم تَحْتَمِلْ الْآيَةُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ ( فَإِنْ كان من قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ يَعْنِي في قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ ) وَذَلِكَ أنها نَزَلَتْ وَكُلُّ مُسْلِمٍ فَهُوَ من قَوْمٍ عَدُوٍّ لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ مُسْلِمِي الْعَرَبِ هُمْ من قَوْمٍ عَدُوٍّ لِلْمُسْلِمِينَ وَكَذَلِكَ مسلموا ( ( ( مسلمو ) ) ) الْعَجَمِ وَلَوْ كانت على أَنْ لَا يَكُونَ دِيَةٌ في مُسْلِمٍ خَرَجَ إلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ من جَمَاعَةِ الْمُشْرِكِينَ هُمْ عَدُوٌّ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ لَلَزِمَ من قال هذا الْقَوْلَ أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ من أَسْلَمَ من قَوْمٍ مُشْرِكِينَ فَخَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَقُتِلَ كانت فيه تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ولم تَكُنْ فيه دِيَةٌ وَهَذَا خِلَافُ حُكْمِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا مَعْنَى الْآيَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى على ما قُلْنَا وقد سَمِعْت بَعْضَ من أَرْضَى من أَهْلِ الْعِلْمِ يقول ذلك فَالْفَرْقُ بين الْقَتْلَيْنِ أَنْ يُقْتَلَ الْمُسْلِمُ في دَارِ الْإِسْلَامِ غَيْرُ مَعْمُودٍ بِالْقَتْلِ فَيَكُونُ فيه دِيَةٌ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ أو يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِبِلَادِ الْحَرْبِ التي لَا إسْلَامَ فيها ظَاهِرٌ غَيْرُ مَعْمُودٍ بِالْقَتْلِ فَفِي ذلك تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ وَلَا دِيَةَ
____________________

(4/246)


- * مَسْأَلَةُ مَالِ الْحَرْبِيِّ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا دخل الذِّمِّيُّ أو الْمُسْلِمُ دَارَ الْحَرْبِ مُسْتَأْمَنًا فَخَرَجَ بِمَالٍ من مَالِهِمْ يَشْتَرِي لهم شيئا فَأَمَّا مع الْمُسْلِمِ فَلَا نَعْرِضُ له وَيُرَدُّ إلَى أَهْلِهِ من أَهْلِ الْحَرْبِ لِأَنَّ أَقَلَّ ما فيه أَنْ يَكُونَ خُرُوجُ الْمُسْلِمِ بِهِ أَمَانًا لِلْكَافِرِ فيه وَأَمَّا مع الذِّمِّيِّ ( قال الرَّبِيعُ ) فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّا نَغْنَمُهُ لِأَنَّهُ لَا تَكُونُ كَيْنُونَتُهُ معه أَمَانًا له مِنَّا لِأَنَّهُ إنَّمَا روى ( الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ ) فَلَا يَكُونُ ما مع الذِّمِّيِّ من أَمْوَالِهِمْ ( 1 ) أَمَانًا لِأَمْوَالِهِمْ وَإِنْ ظَنَّ الْحَرْبِيُّ الذي بَعَثَ بِمَالِهِ معه أَنَّ ذلك أَمَانٌ له كما لو دخل حَرْبِيٌّ بِتِجَارَةٍ إلَيْنَا بِلَا أَمَانٍ مِنَّا كان لنا أَنْ نَسْبِيَهُ وَنَأْخُذَ مَالَهُ وَلَا يَكُونُ ظَنُّهُ بِأَنَّهُ إذَا دخل تَاجِرًا أَنَّ ذلك أَمَانٌ له وَلِمَالِهِ بِاَلَّذِي يُزِيلُ عنه حُكْمًا وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّا لَا نَغْنَمُ ما مع الذِّمِّيِّ من مَالِ الْحَرْبِيِّ لِأَنَّهُ لَمَّا كان عَلَيْنَا أَنْ لَا نَعْرِضَ لِلذِّمِّيِّ في مَالِهِ كان ما معه من مَالِ غَيْرِهِ له أَمَانٌ مِثْلُ مَالِهِ كما لو أَنَّ حَرْبِيًّا دخل إلَيْنَا بِأَمَانٍ وكان معه مَالٌ لِنَفْسِهِ وَمَالٌ لِغَيْرِهِ من أَهْلِ الْحَرْبِ لم نَعْرِضْ له في مَالِهِ لِمَا تَقَدَّمَ له من الْأَمَانِ وَلَا في الْمَالِ الذي معه لِغَيْرِهِ فَهَكَذَا لَمَّا كان لِلذِّمِّيِّ أَمَانٌ مُتَقَدِّمٌ لم يُتَعَرَّضْ له في مَالِهِ وَلَا في الْمَالِ الذي معه لِغَيْرِهِ مِثْلُ هذا سَوَاءٌ وَاَللَّهَ نَسْأَلُ التَّوْفِيقَ بِرَحْمَتِهِ وكان آخِرُ الْقَوْلَيْنِ أَشْبَهَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - * الْأُسَارَى وَالْغُلُولُ - * أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال إذَا أُسِرَ الْمُسْلِمُ فَكَانَ في بِلَادِ الْحَرْبِ أَسِيرًا مُوثَقًا أو مَحْبُوسًا أو مُخْلًى في مَوْضِعٍ يَرَى أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ على الْبَرَاحِ منه أو مَوْضِعِ غَيْرِهِ ولم يُؤَمِّنُوهُ ولم يَأْخُذُوا عليه أَنَّهُمْ أَمَّنُوا منه فَلَهُ أَخْذُ ما قَدَرَ عليه من وِلْدَانِهِمْ وَنِسَائِهِمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ أَمَّنُوهُ أو بَعْضُهُمْ وَأَدْخَلُوهُ في بِلَادِهِمْ بِمَعْرُوفٍ عِنْدَهُمْ في أَمَانِهِمْ إيَّاهُ وَهُمْ قَادِرُونَ عليه فإنه يَلْزَمُهُ لهم أَنْ يَكُونُوا منه آمِنِينَ وَإِنْ لم يَقُلْ ذلك إلَّا أَنْ يَقُولُوا قد أَمَّنَاك وَلَا أَمَانَ لنا عَلَيْك لِأَنَّا لَا نَطْلُبُ مِنْك أَمَانًا فإذا قالوا هذا هَكَذَا كان الْقَوْلُ فيه كَالْقَوْلِ في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى يَحِلُّ له اغْتِيَالُهُمْ وَالذَّهَابُ بِأَمْوَالِهِمْ وَإِفْسَادُهَا وَالذَّهَابُ بِنَفْسِهِ فَإِنْ أَمَّنُوهُ وَخَلَّوْهُ وَشَرَطُوا عليه أَنْ لَا يَبْرَحَ بِلَادَهُمْ أو بَلَدًا سَمَّوْهُ وَأَخَذُوا عليه أَمَانًا أو لم يَأْخُذُوا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَهْرُبُ وقال بَعْضُهُمْ ليس له أَنْ يَهْرُبَ وقال وإذا أَسَرَ الْعَدُوُّ الرَّجُلَ من الْمُسْلِمِينَ فَخَلَّوْا سَبِيلَهُ وَأَمَّنُوهُ وَوَلَّوْهُ من ضَيَاعِهِمْ أو لم يُوَلُّوهُ فَأَمَانُهُمْ إيَّاهُ أَمَانٌ لهم منه فَلَيْسَ له أَنْ يَغْتَالَهُمْ وَلَا يَخُونَهُمْ وَأَمَّا الْهَرَبُ بِنَفْسِهِ فَلَهُ الْهَرَبُ فَإِنْ أَدْرَكَ لِيُؤْخَذَ فَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ عن نَفْسِهِ وَإِنْ قَتَلَ الذي أَدْرَكَهُ لِأَنَّ طَلَبَهُ غَيْرُ الْأَمَانِ فَيَقْتُلَهُ إنْ شَاءَ وَيَأْخُذُ مَالَهُ ما لم يَرْجِعْ عن طَلَبِهِ فاذا أَسَرَ الْمُشْرِكُونَ الْمُسْلِمَ فَخَلَّوْهُ على فِدَاءٍ يَدْفَعُهُ إلَى وَقْتٍ وَأَخَذُوا عليه إنْ لم يَدْفَعْ الْفِدَاءَ أَنْ يَعُودَ في إسَارِهِمْ فَلَا يَنْبَغِي له أَنْ يَعُودَ في إسَارِهِمْ وَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَدَعَهُ إنْ أَرَادَ الْعَوْدَةَ فَإِنْ كَانُوا امْتَنَعُوا من تَخْلِيَتِهِ إلَّا على مَالٍ يُعْطِيهُمُوهُ فَلَا يُعْطِيهِمْ منه شيئا لِأَنَّهُ مَالٌ أَكْرَهُوهُ على أَخْذِهِ منه بِغَيْرِ حَقٍّ وَإِنْ كان أَعْطَاهُمُوهُ على شَيْءٍ يَأْخُذُهُ منهم لم يحل ( ( ( يحق ) ) ) له إلَّا أَدَاؤُهُ بِكُلِّ حَالٍ وَهَكَذَا لو صَالَحَهُمْ مُبْتَدِئًا على شَيْءٍ انْبَغَى له أَنْ يُؤَدِّيَهُ إلَيْهِمْ إنَّمَا أَطْرَحُ عليهم ما اُسْتُكْرِهَ عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في أَسِيرٍ في أَيْدِي الْعَدُوِّ وَأَرْسَلُوا معه رُسُلًا لِيُعْطِيَهُمْ فِدَاءً أو أَرْسَلُوهُ بِعَهْدٍ أَنْ يُعْطِيَهُمْ فِدَاءً سَمَّاهُ لهم وَشَرَطُوا عليه إنْ لم يَدْفَعْهُ إلَى رَسُولِهِمْ أو يُرْسِلَ بِهِ إلَيْهِمْ أَنْ يَعُودَ في إسَارِهِمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) يُرْوَى عن أبي هُرَيْرَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُمْ قالوا لَا يَعُودُ في إسَارِهِمْ وَيَفِي لهم بِالْمَالِ وقال بَعْضُهُمْ إنْ أَرَادَ الْعَوْدَةَ
____________________

(4/247)


مَنَعَهُ السُّلْطَانُ الْعَوْدَةَ وقال بن هُرْمُزَ يُحْبَسُ لهم بِالْمَالِ وقال بَعْضُهُمْ يَفِي لهم وَلَا يَحْبِسُونَهُ وَلَا يَكُونُ كَدُيُونِ الناس وروى عن الْأَوْزَاعِيِّ وَالزُّهْرِيِّ يَعُودُ في إسَارِهِمْ إنْ لم يُعْطِهِمْ الْمَالَ وروى ذلك عن رَبِيعَةَ وَعَنْ بن هُرْمُزَ خِلَافُ ما روى عنه في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ الْأَوْزَاعِيِّ وَمَنْ قال قَوْلَهُ فَإِنَّمَا يَحْتَجُّ فِيمَا أَرَاهُ بِمَا روى عن بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يروي أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم صَالَحَ أَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ أَنْ يَرُدَّ من جَاءَهُ بَعْدَ الصُّلْحِ مُسْلِمًا فَجَاءَهُ أبو جُنْدَلٍ فَرَدَّهُ إلَى أبيه وأبو بَصِيرٍ فَرَدَّهُ فَقَتَلَ أبو بَصِيرٍ الْمَرْدُودَ معه ثُمَّ جاء إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال قد وَفَّيْتُ لهم وَنَجَّانِي اللَّهُ منهم فلم يَرُدَّهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ولم يَعِبْ ذلك عليه وَتَرَكَهُ فَكَانَ بِطَرِيقِ الشَّامِ يَقْطَعُ على كل مَالِ قُرَيْشٍ حتى سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يَضُمَّهُ إلَيْهِ لِمَا نَالُوهُ من أَذَاهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَذَا حَدِيثٌ قد رَوَاهُ أَهْلُ الْمَغَازِي كما وَصَفْت وَلَا يَحْضُرنِي ذِكْرُ إسْنَادِهِ فَأَعْرِفُ ثُبُوتَهُ من غَيْرِهِ قال وإذا كان الْمُسْلِمُونَ أُسَارَى أو مُسْتَأْمَنِينَ أو رُسُلًا في دَارِ الْحَرْبِ فَقَتَلَ بَعْضُهُمْ بعضا ( ( ( بعضهم ) ) ) أو قَذَفَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أو زَنَوْا بِغَيْرِ حَرْبِيَّةٍ فَعَلَيْهِمْ في هذا كُلِّهِ الْحُكْمُ كما يَكُونُ عليهم وَلَوْ فَعَلُوهُ في بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا يَسْقُطُ عَنْهُمْ لو زَنَى أَحَدُهُمْ بِحَرْبِيَّةٍ إذَا ادَّعَى الشُّبْهَةَ وَلَا تُسْقِطُ دَارُ الْحَرْبِ عَنْهُمْ فَرْضًا كما لَا تُسْقِطُ عَنْهُمْ صَوْمًا وَلَا صَلَاةً وَلَا زَكَاةً فَالْحُدُودُ فَرْضٌ عليهم وإذا أَصَابَ الرَّجُلُ حَدًّا وهو مُحَاصِرٌ لِلْعَدُوِّ أُقِيمَ عليه الْحَدُّ وَلَا يَمْنَعُنَا الْخَوْفُ عليه من اللُّحُوقِ بِالْمُشْرِكِينَ أَنْ نُقِيمَ حَدَّ اللَّهِ تَعَالَى وَلَوْ فَعَلْنَا تَوَقِّيًا أَنْ يَغْضَبَ ما أَقَمْنَا عليه الْحَدَّ أَبَدًا لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ من أَيِّ مَوْضِعٍ أَنْ يَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَيُعَطَّلَ عنه حُكْمُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ثُمَّ حُكْمُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قد أَقَامَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْحَدَّ بِالْمَدِينَةِ وَالشِّرْكُ قَرِيبٌ منها وَفِيهَا شِرْكٌ كَثِيرٌ مُوَادِعُونَ وَضَرَبَ الشَّارِبَ بِحُنَيْنٍ وَالشِّرْكُ قَرِيبٌ منه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا دخل الرَّجُلُ بِلَادَ الْحَرْبِ فَوَجَدَ في أَيْدِيهِمْ أَسِيرًا أو أُسَارَى رِجَالًا وَنِسَاءً من الْمُسْلِمِينَ فَاشْتَرَاهُمْ وَأَخْرَجَهُمْ من بِلَادِ الْحَرْبِ فَأَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ عليهم بِمَا أَعْطَى فِيهِمْ لم يَكُنْ ذلك له وكان مُتَطَوِّعًا بِالشِّرَاءِ وَزَائِدًا أَنْ اشْتَرَى ما ليس يُبَاعُ من الْأَحْرَارِ فَإِنْ كان بِأَمْرِهِمْ اشْتَرَاهُمْ رَجَعَ عليهم بِمَا أَعْطَى فِيهِمْ من قِبَلِ أَنَّهُ أَعْطَى بِأَمْرِهِمْ وإذا أُسِرَتْ الْمَرْأَةُ فَنَكَحَهَا بَعْضُ أَهْلِ الْحَرْبِ أو وَطِئَهَا بِلَا نِكَاحٍ ثُمَّ ظَهَرَ عليها الْمُسْلِمُونَ لم تُسْتَرَقَّ هِيَ وَلَا أَوْلَادُهَا لِأَنَّ أَوْلَادَهَا مُسْلِمُونَ بِإِسْلَامِهَا فَإِنْ كان لها زَوْجٌ في دَارِ الْإِسْلَامِ لم يَلْحَقْ بِهِ هذا الْوَلَدُ وَلَحِقُوا بِالنِّكَاحِ الْمُشْرِكَ وَإِنْ كان نِكَاحُهُ فَاسِدًا لِأَنَّهُ نِكَاحُ شُبْهَةٍ وإذا أُسِرَ الْمُسْلِمُ فَكَانَ في دَارِ الْحَرْبِ فَلَا تُنْكَحُ امراته إلَّا بَعْدَ يَقِينِ وَفَاتِهِ عَرَفَ مَكَانَهُ أو خَفِيَ مَكَانُهُ وَكَذَلِكَ لَا يُقَسَّمُ مِيرَاثُهُ وما صَنَعَ الْأَسِيرُ من الْمُسْلِمِينَ في دَارِ الْحَرْبِ أو في دَارِ الْإِسْلَامِ أو الْمَسْجُونُ وهو صَحِيحٌ في مَالِهِ غَيْرُ مُكْرَهٍ عليه فَهُوَ جَائِزٌ من بَيْعٍ وَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ وَغَيْرِ ذلك - * الْمُسْتَأْمَنُ في دَارِ الْحَرْبِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا دخل قَوْمٌ من الْمُسْلِمِينَ بِلَادَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَالْعَدُوُّ منهم آمِنُونَ إلَى أَنْ يُفَارِقُوهُمْ أو يَبْلُغُوا مُدَّةَ أَمَانِهِمْ وَلَيْسَ لهم ظُلْمُهُمْ وَلَا خِيَانَتُهُمْ وَإِنْ أَسَرَ الْعَدُوُّ أَطْفَالَ الْمُسْلِمِينَ وَنِسَاءَهُمْ لم أَكُنْ أُحِبُّ لهم الْغَدْرَ بِالْعَدُوِّ وَلَكِنْ أُحِبُّ لهم لو سَأَلُوهُمْ أَنْ يَرُدُّوا إلَيْهِمْ الْأَمَانَ وَيَنْبِذُوا إلَيْهِمْ فإذا فَعَلُوا قَاتَلُوهُمْ عن أَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ وَنِسَائِهِمْ
____________________

(4/248)


- * ما يَجُوزُ لِلْأَسِيرِ في مَالِهِ إذَا أَرَادَ الْوَصِيَّةَ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَجُوزُ لِلْأَسِيرِ في بِلَادِ الْعَدُوِّ ما صَنَعَ في مَالِهِ في بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ قَدِمَ لِيَقْتُلَ ما لم يَنَلْهُ منه ضَرْبٌ يَكُونُ مَرَضًا وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ بَيْن الصَّفَّيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بَعْضُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عن مُحَمَّدِ بن عبد اللَّهِ عن الزُّهْرِيِّ أَنَّ مَسْرُوقًا قَدِمَ بين يَدَيْ عبد اللَّهِ بن زَمْعَةَ يوم الْحَرَّةِ لِيَضْرِبَ عُنُقَهُ فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ ولم يَدْخُلْ بها فَسَأَلُوا أَهْلَ الْعِلْمِ فَقَالُوا لها نِصْفُ الصَّدَاقِ وَلَا مِيرَاثَ لها ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه أَنَّ عَامَّةَ صَدَقَاتِ الزُّبَيْرِ تَصَدَّقَ بها وَفَعَلَ أُمُورًا وهو وَاقِفٌ على ظَهْرِ فَرَسِهِ يوم الْجَمَلِ وروى عن عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ عَطِيَّةُ الْحُبْلَى جَائِزَةٌ حتى تَجْلِسَ بين الْقَوَابِلَ وَبِهَذَا كُلُّهُ نَقُولُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَعَطِيَّةُ رَاكِبِ الْبَحْرِ جَائِزَةٌ ما لم يَصِلْ إلَى الْغَرَقِ أو شِبْهِ الْغَرَقِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وقال الْقَاسِمُ بن مُحَمَّدٍ وبن الْمُسَيِّبِ عَطِيَّةُ الْحَامِلِ جَائِزَةٌ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وما وَصَفْت من قَوْلِ من سَمَّيْت وَغَيْرِهِمْ من أَهْلِ الْمَدِينَةِ وقد روى عن بن أبي ذِئْبٍ أَنَّهُ قال عَطِيَّةُ الْحَامِلِ من الثُّلُثِ وَعَطِيَّةُ الْأَسِيرِ من الثُّلُثِ وَرَوَى ذلك عن الزُّهْرِيِّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَيْسَ يَجُوزُ إلَّا وَاحِدٌ من هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ثُمَّ قال قَائِلٌ في الْحُبْلَى عَطِيَّتُهَا جَائِزَةٌ حتى تُتِمَّ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَتَأَوَّلَ قَوْلَ اللَّهِ عز وجل { حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فلما أَثْقَلَتْ } وَلَيْسَ في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { فلما أَثْقَلَتْ } دَلَالَةٌ على مَرَضٍ وَلَوْ كانت فيه دَلَالَةٌ على مَرَضٍ يُغَيِّرُ الْحُكْمَ ( 1 ) قد يَكُونُ مَرَضًا غير ثَقِيلٍ وَثَقِيلًا وَحُكْمُهُ في أَنْ لَا يَجُوزَ له في مَالِهِ إلَّا الثُّلُثُ سَوَاءٌ وَلَوْ كان ذلك فيه كان الْإِثْقَالُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حُضُورُ الْوِلَادِ حين تَجْلِسُ بين الْقَوَابِلِ لِأَنَّ ذلك الْوَقْتَ الذي يَخْشَيَانِ فيه قَضَاءَ اللَّهِ عز وجل وَيَسْأَلَانِهِ أَنْ يُؤْتِيَهُمَا صَالِحًا فَإِنْ قال قد يَدْعُوَانِ اللَّهَ قَبْلُ قِيلَ نعم مع أَوَّلِ الْحَمْلِ وَوَسَطِهِ وَآخِرِهِ وَقَبْلِهِ وَالْحُبْلَى في اول حَمْلِهَا أَشْبَهُ بِالْمَرَضِ منها بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِلتَّغَيُّرِ وَالْكَسَلِ وَالنَّوْمِ وَالضَّعْفِ وَلَهِيَ في شَهْرِهَا أَخَفُّ منها في شَهْرِ الْبَدْءِ من حَمْلِهَا وما في هذا إلَّا أَنَّ الْحَبَلَ سُرُورٌ ليس بِمَرَضٍ حتى تَحْضُرَ الْحَالُ الْمَخُوفَةُ للولاد ( ( ( للأولاد ) ) ) أو يَكُونَ تَغَيُّرُهَا بِالْحَبَلِ مَرَضًا كُلُّهُ من أَوَّلِهِ إلَى آخره ( ( ( آخر ) ) ) فَيَكُونُ ما قال بن أبي ذِئْبٍ فَأَمَّا غَيْرُ هذا لَا يَجُوزُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَوَهَّمَهُ - * الْمُسْلِمُ يَدُلُّ الْمُشْرِكِينَ على عَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ - * قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ أَرَأَيْت الْمُسْلِمَ يَكْتُبُ إلَى الْمُشْرِكِينَ من أَهْلِ الْحَرْبِ بِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ يُرِيدُونَ غَزْوَهُمْ أو بِالْعَوْرَةِ من عَوْرَاتِهِمْ هل يُحِلُّ ذلك دَمَهُ وَيَكُونُ في ذلك دَلَالَةٌ على مُمَالَأَةِ الْمُشْرِكِينَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَحِلُّ دَمُ من ثَبَتَتْ له حُرْمَةُ الْإِسْلَامِ إلَّا أَنْ يَقْتُلَ أو يَزْنِيَ بَعْدَ إحْصَانٍ أو يَكْفُرَ كُفْرًا بَيِّنًا بَعْدَ إيمَانٍ ثُمَّ يَثْبُتُ على الْكُفْرِ وَلَيْسَ الدَّلَالَةُ على عَوْرَةِ مُسْلِمٍ وَلَا تَأْيِيدُ كَافِرٍ بِأَنْ يُحَذِّرَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يُرِيدُونَ منه غِرَّة لِيُحَذَّرَهَا أو يَتَقَدَّمَ في نِكَايَةِ الْمُسْلِمِينَ بِكُفْرٍ بَيِّنٍ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ أَقَلْت هذا خبرا ( ( ( خير ) ) ) أَمْ قِيَاسًا قال قُلْتُهُ بِمَا لَا يَسَعُ مُسْلِمًا عَلِمَهُ عِنْدِي أَنْ يُخَالِفَهُ بِالسُّنَّةِ الْمَنْصُوصَةِ بَعْدَ الِاسْتِدْلَالِ بِالْكِتَابِ فَقِيلَ لِلشَّافِعِيِّ فاذكر ( ( ( فذكر ) ) ) السُّنَّةِ فيه قال أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن الْحَسَنِ بن مُحَمَّدٍ عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن أبي رَافِعٍ قال سَمِعْت عَلِيًّا يقول بَعَثَنَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أنا وَالْمِقْدَادُ وَالزُّبَيْرُ فقال انْطَلِقُوا حتى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فإن بها ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ فَخَرَجْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا فإذا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ فَقُلْنَا لها أَخْرِجِي الْكِتَابَ فقالت ما مَعِي كِتَابٌ فَقُلْنَا لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أو لَتُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ فَأَخْرَجَتْهُ من عِقَاصِهَا فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
____________________

(4/249)


فإذا فيه ( من حَاطِبِ بن أبي بَلْتَعَةَ إلَى نَاسٍ من الْمُشْرِكِينَ مِمَّنْ بِمَكَّةَ ) يُخْبِرُ بِبَعْضِ أَمْرِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ( ما هذا يا حَاطِبُ ) قال لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ يا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي كُنْت امرءا مُلْصَقًا في قُرَيْشٍ ولم أَكُنْ من أَنْفُسِهَا وكان من مَعَك من الْمُهَاجِرِينَ لهم قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بها قَرَابَاتِهِمْ ولم يَكُنْ لي بِمَكَّةَ قَرَابَةٌ فَأَحْبَبْت إذْ فَاتَنِي ذلك أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا وَاَللَّهِ ما فَعَلْتُهُ شَكًّا في دِينِي وَلَا رِضًا بالكفر بَعْدَ الْإِسْلَامِ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( إنَّهُ قد صَدَقَ ) فقال عُمَرُ يا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَ هذا الْمُنَافِقِ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( إنَّهُ قد شَهِدَ بَدْرًا وما يُدْرِيَك لَعَلَّ اللَّهَ عز وجل قد اطَّلَعَ على أَهْلِ بَدْرٍ فقال اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْت لَكُمْ ) قال فَنَزَلَتْ ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في هذا الحديث مع ما وَصَفْنَا لَك طَرْحُ الْحُكْمِ بِاسْتِعْمَالِ الظُّنُونِ لِأَنَّهُ لَمَّا كان الْكِتَابُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ما قال حَاطِبٌ كما قال من أَنَّهُ لم يَفْعَلْهُ شَاكًّا في الْإِسْلَامِ وَأَنَّهُ فَعَلَهُ لِيَمْنَعَ أَهْلَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ زَلَّةً لَا رَغْبَةً عن الْإِسْلَامِ وَاحْتَمَلَ الْمَعْنَى الْأَقْبَحَ كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيمَا اُحْتُمِلَ فِعْلُهُ وَحُكْمُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فيه بِأَنْ لم يَقْتُلْهُ ولم يَسْتَعْمِلْ عليه الْأَغْلَبَ وَلَا أَحَدٌ أتى في مِثْلِ هذا أَعْظَمُ في الظَّاهِرِ من هذا ( ( ( هذه ) ) ) لِأَنَّ أَمْرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مُبَايِنٌ في عَظَمَتِهِ لِجَمِيعِ الْآدَمِيِّينَ بَعْدَهُ فإذا كان من خَابَرَ الْمُشْرِكِينَ بِأَمْرِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَرَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يُرِيدُ غِرَّتَهُمْ فَصَدَّقَهُ ما عَابَ عليه الْأَغْلَبَ مِمَّا يَقَعُ في النُّفُوسِ فَيَكُونُ لِذَلِكَ مَقْبُولًا كان من بَعْدِهِ في أَقَلَّ من حَالِهِ وَأَوْلَى أَنْ يَقْبَلَ منه مِثْلَ ما قَبِلَ منه قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ أَفَرَأَيْت إنْ قال قَائِلٌ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال قد صَدَقَ إنَّمَا تَرَكَهُ لِمَعْرِفَتِهِ بِصِدْقِهِ لَا بِأَنَّ فِعْلَهُ كان يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَغَيْرَهُ فَيُقَالُ له قد عَلِمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ الْمُنَافِقِينَ كَاذِبُونَ وَحَقَنَ دِمَاءَهُمْ بِالظَّاهِرِ فَلَوْ كان حُكْمُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في حَاطِبٍ بِالْعِلْمِ بِصِدْقِهِ كان حُكْمُهُ على الْمُنَافِقِينَ الْقَتْلَ بِالْعِلْمِ بِكَذِبِهِمْ وَلَكِنَّهُ إنَّمَا حَكَمَ في كُلٍّ بِالظَّاهِرِ وَتَوَلَّى اللَّهُ عز وجل منهم السَّرَائِرَ وَلِئَلَّا يَكُونَ لِحَاكِمٍ بَعْدَهُ أَنْ يَدَعَ حُكْمًا له مِثْلَ ما وَصَفْت من عِلَلِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَكُلُّ ما حَكَمَ بِهِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَهُوَ عَامٌّ حتى يَأْتِيَ عنه دَلَالَةً على أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ خَاصًّا أو عن جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ لَا يُمْكِنُ فِيهِمْ أَنْ يجهلوا ( ( ( يجعلوا ) ) ) له سُنَّةً أو يَكُونُ ذلك مَوْجُودًا في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل قُلْت لِلشَّافِعِيِّ أَفَتَأْمُرُ الْإِمَامَ إذَا وَجَدَ مِثْلَ هذا بِعُقُوبَةِ من فَعَلَهُ أَمْ تَرْكُهُ كما تَرَكَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال الشَّافِعِيُّ إنَّ الْعُقُوبَاتِ غَيْرُ الْحُدُودِ فَأَمَّا الْحُدُودُ فَلَا تُعَطَّلُ بِحَالٍ وَأَمَّا الْعُقُوبَاتُ فَلِلْإِمَامِ تَرْكُهَا على الِاجْتِهَادِ وقد روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال ( تَجَافَوْا لِذَوِي الْهَيْئَاتِ ) وقد قِيلَ في الحديث ( ما لم يَكُنْ حَدٌّ ) فإذا كان هذا من الرَّجُلِ ذِي الْهَيْئَةِ بِجَهَالَةٍ كما كان هذا من حَاطِبٍ بِجَهَالَةٍ وكان غير مُتَّهَمٍ أَحْبَبْت أَنْ يَتَجَافَى له وإذا كان من غَيْرِ ذِي الْهَيْئَةِ كان لِلْإِمَامِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ تَعْزِيرُهُ وقد كان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في أَوَّلِ الْإِسْلَامِ يُرَدِّدُ الْمُعْتَرِفَ بالزنى ( 1 ) فَتَرَكَ ذلك من أَمْرِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِجَهَالَتِهِ يَعْنِي الْمُعْتَرِفُ بِمَا عليه وقد تَرَكَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عُقُوبَةَ من غَلَّ في سَبِيلِ اللَّهِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ أَرَأَيْت الذي يَكْتُبُ بِعَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ أو يُخْبِرُ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ أَرَادُوا بِالْعَدُوِّ شيئا لِيَحْذَرُوهُ من الْمُسْتَأْمَنِ وَالْمُوَادِعِ أو يَمْضِي إلَى بِلَادِ الْعَدُوِّ مُخْبِرًا عَنْهُمْ قال يُعَزَّرُ هَؤُلَاءِ وَيُحْبَسُونَ عُقُوبَةً وَلَيْسَ هذا بِنَقْضٍ لِلْعَهْدِ يُحِلُّ سَبْيَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَدِمَاءَهُمْ وإذا صَارَ منهم وَاحِدٌ إلَى بِلَادِ الْعَدُوِّ فَقَالُوا لم نَرَ بهذا نَقْضًا لِلْعَهْدِ فَلَيْسَ بِنَقْضٍ لِلْعَهْدِ وَيُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ أَرَأَيْت الرُّهْبَانَ إذَا دَلُّوا على عَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ قال يُعَاقَبُونَ وَيَنْزِلُونَ من الصَّوَامِعِ وَيَكُونُ من عُقُوبَتِهِمْ إخْرَاجُهُمْ من أَرْضِ الْإِسْلَامِ فَيُخَيَّرُونَ بين أَنْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ وَيُقِيمُوا بِدَارِ الْإِسْلَامِ أو يُتْرَكُوا يَرْجِعُونَ فَإِنْ عَادُوا أَوْدَعَهُمْ السَّجْنَ وَعَاقَبَهُمْ مع السَّجْنِ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ أَفَرَأَيْت إنْ أَعَانُوهُمْ بِالسِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ أو الْمَالِ أَهُوَ
____________________

(4/250)


كَدَلَالَتِهِمْ على عَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ قال إنْ كُنْت تُرِيدُ في أَنَّ هذا لَا يُحِلُّ دِمَاءَهُمْ فَنَعَمْ وَبَعْضُ هذا أَعْظَمُ من بَعْضٍ وَيُعَاقَبُونَ بِمَا وَصَفْت أو أَكْثَرُ وَلَا يَبْلُغُ بِهِمْ قَتْلٌ وَلَا حَدٌّ وَلَا سَبْيٌ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فما الذي يُحِلُّ دِمَاءَهُمْ قال إنْ قَاتَلَ أَحَدٌ من غَيْرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ رَاهِبٌ أو ذِمِّيٌّ أو مُسْتَأْمَنٌ مع أَهْلِ الْحَرْبِ حَلَّ قَتْلُهُ وَسِبَاؤُهُ وَسَبْيُ ذُرِّيَّتِهِ وَأَخْذُ مَالِهِ فَأَمَّا ما دُونَ الْقِتَالِ فَيُعَاقَبُونَ بِمَا وَصَفْت وَلَا يُقْتَلُونَ وَلَا تُغْنَمُ أَمْوَالُهُمْ وَلَا يُسْبَوْنَ - * الْغُلُولُ - * قُلْت لِلشَّافِعِيِّ أَفَرَأَيْت الْمُسْلِمَ الْحُرَّ أو الْعَبْدَ الْغَازِيَ أو الذِّمِّيَّ أو الْمُسْتَأْمَنَ يَغُلُّونَ من الْغَنَائِمِ شيئا قبل أَنْ تُقَسَّمَ فقال لَا يُقْطَعُ وَيَغْرَمُ كُلُّ وَاحِدٍ من هَؤُلَاءِ قِيمَةَ ما سَرَقَ إنْ هَلَكَ الذي أَخَذَهُ قبل أَنْ يُؤَدِّيَهُ وَإِنْ كان الْقَوْمُ جَهَلَةً عُلِّمُوا ولم يُعَاقَبُوا فَإِنْ عَادُوا عُوقِبُوا فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ أَفَيُرَجَّلُ عن دَابَّتِهِ وَيُحْرَقُ سَرْجُهُ أو يُحْرَقُ مَتَاعُهُ فقال لَا يُعَاقَبُ رَجُلٌ في مَالِهِ وَإِنَّمَا يُعَاقَبُ في بَدَنِهِ وَإِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ الْحُدُودَ على الْأَبَدَانِ وَكَذَلِكَ الْعُقُوبَاتُ فَأَمَّا على الْأَمْوَالِ فَلَا عُقُوبَةَ عليها ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَلِيلُ الْغُلُولِ وَكَثِيرُهُ مُحَرَّمٌ قُلْت فما الْحُجَّةُ قال أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ وبن عَجْلَانَ كِلَاهُمَا عن عَمْرِو بن شُعَيْبٍ ( 1 ) وَأَخْبَرَنَا الثَّقَفِيُّ عن حُمَيْدٍ عن أَنَسٍ قال حَاصَرْنَا ( تُسْتَرَ ) فَنَزَلَ الْهُرْمُزَانُ على حُكْمِ عُمَرَ فَقَدِمْت بِهِ على عُمَرَ فلما انْتَهَيْنَا إلَيْهِ قال له عُمَرُ تَكَلَّمْ قال كَلَامُ حَيٍّ أو كَلَامُ مَيِّتٍ قال تَكَلَّمَ لَا بَأْسَ قال ( إنَّا وَإِيَّاكُمْ مَعَاشِرَ الْعَرَبِ ما خَلَّى اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كنا نَتَعَبَّدُكُمْ وَنَقْتُلُكُمْ وَنَغْصِبُكُمْ فلما كان اللَّهُ عز وجل مَعَكُمْ لم يَكُنْ لنا بِكُمْ يَدَانِ ) فقال عُمَرُ ما تَقُولُ فَقُلْت يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ تَرَكْت بَعْدِي عَدُوًّا كَثِيرًا وَشَوْكَةً شَدِيدَةً فَإِنْ تَقْتُلْهُ يَيْأَسْ الْقَوْمُ من الْحَيَاةِ وَيَكُونُ أَشَدَّ لِشَوْكَتِهِمْ فقال عُمَرُ أَسْتَحْيِي قَاتِلَ الْبَرَاءِ بن مَالِكٍ ومجزأة بن ثَوْرٍ فلما خَشِيت أَنْ يَقْتُلَهُ قُلْت ليس إلَى قَتْلِهِ سَبِيلٌ قد قُلْت له تَكَلَّمْ لَا بَأْسَ فقال عُمَرُ ارْتَشَيْت وَأَصَبْت منه فَقُلْت وَاَللَّهِ ما ارْتَشَيْت وَلَا أَصَبْت منه قال لِتَأْتِينِي على ما شَهِدْت بِهِ بِغَيْرِك أو لَأَبْدَأَنَّ بِعُقُوبَتِك قال فَخَرَجْت فَلَقِيتُ الزُّبَيْرَ بن الْعَوَّامِ فَشَهِدَ مَعِي وَأَمْسَكَ عُمَرُ وَأَسْلَمَ وَفَرَضَ له ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَبُولُ من قَبِلَ من الْهُرْمُزَانِ أَنْ يَنْزِلَ على حُكْمِ عُمَرَ يُوَافِقُ سُنَّةَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فإن رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَبِلَ من بَنِي قُرَيْظَةَ حين حَصَرَهُمْ وَجَهِدَ بِهِمْ الْحَرْبُ أَنْ يَنْزِلُوا على حُكْمِ سَعْدِ بن مُعَاذٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْبَلَ الْإِمَامُ من أَهْلِ الْحِصْنِ ( 2 ) عَقْلَهُ وَنَظَرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَذَلِكَ أَنَّ السُّنَّةَ دَلَّتْ على أَنَّ قَبُولَ الْإِمَامِ إنَّمَا كان لِمَنْ وَصَفْت من أَهْلِ الْقَنَاعَةِ وَالثِّقَةِ فَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ عِنْدِي أَنْ يَقْبَلَ خِلَافَهُمْ من غَيْرِ أَهْلِ الْقَنَاعَةِ وَالثِّقَةِ وَالْعَقْلِ فَيَكُونُ قَبِلَ خِلَافَ ما قَبِلُوا منه وَلَوْ فَعَلَ كان قد تَرَكَ النَّظَرَ ولم يَكُنْ له عُذْرٌ فَإِنْ قال قَائِلٌ وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَنْزِلَ على حُكْمِ من لَعَلَّهُ لَا يَدْرِي ما يَصْنَعُ قِيلَ لَمَّا كان اللَّهُ عز وجل أَذِنَ بِالْمَنِّ وَالْفِدَاءِ في الْأُسَارَى من الْمُشْرِكِينَ وَسَنَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ذلك لِمَا بَعْدَ الْحُكْمِ أَبَدًا أَنْ يَمُنَّ أو يُفَادِيَ أو يَقْتُلَ أو يَسْتَرِقَّ فَأَيُّ ذلك فَعَلَ فَقَدْ جاء بِهِ كِتَابُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ثُمَّ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد وَصَفْنَا أَنَّ لِلْإِمَامِ في الْأَسَارَى الْخِيَارُ في غَيْرِ هذا الْكِتَابِ وَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ على النَّظَرِ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ فَيَقْتُلُ إنْ كان ذلك أَوْهَنُ للعدو وَأَطْفَأُ لِلْحَرْبِ وَيَدْعُ إنْ كان ذلك أَشَدَّ لِنَشْرِ الْحَرْبِ وَأَطْلَبَ لِلْعَدُوِّ على نَحْوِ ما أَشَارَ بِهِ أَنَسٌ على عُمَرَ وَمَتَى سَبَقَ من الْإِمَامِ قَوْلٌ فيه أَمَانٌ ثُمَّ نَدِمَ عليه لم يَكُنْ له نَقْضُ الْأَمَانِ بعد ما سَبَقَ منه وَكَذَلِكَ كُلُّ قَوْلٍ يُشْبِهُ الْأَمَانَ مِثْلُ قَوْلِ عُمَرَ ( تَكَلَّمْ لَا بَأْسَ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا قَوَدَ على قَاتِلِ أَحَدٍ بِعَيْنِهِ لِأَنَّ الْهُرْمُزَانَ قَاتَلَ الْبَرَاءَ بن مَالِكٍ وَمَجْزَأَةَ بن ثَوْرٍ فلم يَرَ عليه عُمَرُ قَوَدًا وَقَوْلُ عُمَرَ في هذا
____________________

(4/251)


مُوَافِقٌ سُنَّةَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قد جَاءَهُ قَاتِلُ حَمْزَةَ مُسْلِمًا فلم يَقْتُلْهُ بِهِ قَوَدًا وَجَاءَهُ بَشَرٌ كَثِيرٌ كلهم قَاتِلٌ مَعْرُوفٌ بِعَيْنِهِ فلم يَرَ عليه قَوَدًا وَقَوْلُ عُمَرَ ( لِتَأْتِينِي بِمَنْ يَشْهَدُ على ذلك أو لَأَبْدَأَنَّ بِعُقُوبَتِك ) يَحْتَمِلُ أَنْ لم يذكر ما قال لِلْهُرْمُزَانِ ( 1 ) من أَنْ لَا تُقْبَلُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ احْتِيَاطًا كما احْتَاطَ في الْأَخْبَارِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ في يَدَيْهِ فَجَعَلَ الشَّاهِدَ غَيْرَهُ لِأَنَّهُ دَافِعٌ عَمَّنْ هو بِيَدَيْهِ وَأَشْبَهَ ذلك عِنْدَنَا أَنْ يَكُونَ احْتِيَاطًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا الثَّقَفِيُّ عن حُمَيْدٍ عن مُوسَى بن أَنَسٍ عن أَنَسِ بن مَالِكٍ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه سَأَلَهُ ( إذَا حَاصَرْتُمْ الْمَدِينَةَ كَيْفَ تَصْنَعُونَ ) قال نَبْعَثُ الرَّجُلَ إلَى الْمَدِينَةِ وَنَصْنَعُ له هَنَةً من جُلُودٍ قال ( أَرَأَيْت إنْ رمى بِحَجَرٍ ) قال إذًا يُقْتَلُ قال فَلَا تَفْعَلُوا فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بيده ما يَسُرّنِي أَنْ تَفْتَحُوا مَدِينَةً فيها أَرْبَعَةُ آلَافِ مُقَاتِلٍ بِتَضْيِيعِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ما قال عُمَرُ بن الْخَطَّابِ من هذا احْتِيَاطٌ وَحُسْنُ نَظَرٍ لِلْمُسْلِمِينَ وَإِنِّي أَسْتَحِبُّ لِلْإِمَامِ وَلِجَمِيعِ الْعُمَّالِ وَلِلنَّاسِ كُلِّهِمْ أَنْ لَا يَكُونُوا مُعْتَرِضِينَ لِمِثْلِ هذا وَلَا لِغَيْرِهِ مِمَّا الْأَغْلَبُ عليه منه التَّلَفُ وَلَيْسَ هذا بِمُحَرَّمٍ على من تعرضه ( ( ( عرضه ) ) ) وَالْمُبَارَزَةُ لَيْسَتْ هَكَذَا لِأَنَّ الْمُبَارَزَةَ إنَّمَا يَبْرُزُ لِوَاحِدٍ فَلَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ مُخَاطِرٌ إنَّمَا الْمُخَاطِرُ الْمُتَقَدِّمُ على جَمَاعَةِ أَهْلِ الْحِصْنِ فيرمي أو على الْجَمَاعَةِ وَحْدَهُ الْأَغْلَبُ أَنْ لَا يَدَانِ له بِهِمْ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على أَنْ لَا بَأْسَ بِالتَّقَدُّمِ على الْجَمَاعَةِ قِيلَ بَلَغَنَا أَنَّ رَجُلًا قال يا رَسُولَ اللَّهِ إلَامَ يَضْحَكُ اللَّهُ من عَبْدِهِ قال ( غَمْسُهُ يَدَهُ في الْعَدُوِّ حَاسِرًا ) فَأَلْقَى دِرْعًا كانت عليه وَحَمَلَ حَاسِرًا حتى قُتِلَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالِاخْتِيَارُ أَنْ يَتَحَرَّزَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن يَزِيدَ بن خُصَيْفَةَ عن السَّائِبِ بن يَزِيدَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ظَاهَرَ يوم أُحُدٍ بين دِرْعَيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا الثَّقَفِيُّ عن حُمَيْدٍ عن أَنَسٍ قال سَارَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَى خَيْبَرَ فَانْتَهَى إلَيْهَا لَيْلًا وكان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا طَرَقَ قَوْمًا لَيْلًا لم يُغِرْ عليهم حتى يُصْبِحَ فَإِنْ سمع أَذَانًا أَمْسَكَ وَإِنْ لم يَكُونُوا يُصَلُّونَ أَغَارَ عليهم حين يُصْبِحُ فلما أَصْبَحَ رَكِبَ وَرَكِبَ معه الْمُسْلِمُونَ وَخَرَجَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ وَمَعَهُمْ مَكَاتِلُهُمْ وَمَسَاحِيهُمْ فلما رَأَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قالوا مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرَ إنَّا إذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ ) قال أَنَسٌ وَإِنِّي لَرَدِيفُ أبي طَلْحَةَ وَإِنَّ قَدَمِي لَتَمَسُّ قَدَمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( قال الشَّافِعِيُّ ) وفي رِوَايَةِ أَنَسٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كان لَا يُغِيرُ حتى يُصْبِحَ ليس بِتَحْرِيمٍ لِلْإِغَارَةِ لَيْلًا وَنَهَارًا وَلَا غَارِّينَ في حَالٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَلَكِنَّهُ على أَنْ يَكُونَ يُبْصِرُ من معه كَيْفَ يُغِيرُونَ احْتِيَاطًا من أَنْ يُؤْتَوْا من كَمِينٍ أو حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ وقد تَخْتَلِطُ الْحَرْبُ إذَا أَغَارُوا لَيْلًا فَيَقْتُلُ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ بَعْضًا وقد أَصَابَهُمْ ( 2 ) ذلك في قَتْلِ بن عَتِيكٍ فَقَطَعُوا رِجْلَ أَحَدِهِمْ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على أَنَّ هذا من فِعْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ليس بِتَحْرِيمٍ أَنْ يُغِيرَ أَحَدٌ لَيْلًا قِيلَ قد أَمَرَ بِالْغَارَةِ على غَيْرِ وَاحِدٍ من الْيَهُودِ فَقَتَلُوهُ - * الْفِدَاءُ بِالْأُسَارَى - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا الثَّقَفِيُّ عن أَيُّوبَ عن أبي قِلَابَةَ عن أبي الْمُهَلَّبِ عن عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ قال أَسَرَ أَصْحَابُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَجُلًا من بَنِي عَقِيلٍ فَأَوْثَقُوهُ وَطَرَحُوهُ في الْحَرَّةِ فَمَرَّ بِهِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَنَحْنُ معه أو قال أتى عليه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وهو على حِمَارٍ وَتَحْتَهُ قَطِيفَةٌ فَنَادَاهُ يا محمد يا محمد
____________________

(4/252)


فَأَتَاهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال ( ما شَأْنك ) قال فبم ( ( ( فيم ) ) ) أُخِذْت وَفِيمَ أَخَذْت سَابِقَةَ الْحَاجِّ قال ( أُخِذْت بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكُمْ ثَقِيفٍ ) وَكَانَتْ ثَقِيفٌ قد أَسَرَتْ رَجُلَيْنِ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَتَرَكَهُ وَمَضَى فَنَادَاهُ يا محمد يا محمد فَرَحِمَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَرَجَعَ إلَيْهِ فقال ( ما شَأْنُك ) قال إنِّي مُسْلِمٌ فقال ( لو قُلْتهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَك أَفْلَحْت كُلَّ الْفَلَاحِ ) قال فَتَرَكَهُ وَمَضَى فَنَادَاهُ يا محمد يا محمد فَرَجَعَ إلَيْهِ فقال إنِّي جَائِعٌ فَأَطْعِمْنِي قال وَأَحْسَبُهُ قال وَإِنِّي عَطْشَانُ فَاسْقِنِي قال هذه حَاجَتُك فَفَدَاهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ أَسَرَتْهُمَا ثَقِيفٌ وَأَخَذَ نَاقَتَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( أُخِذْت بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكُمْ ثَقِيفٍ ) إنَّمَا هو أَنَّ الْمَأْخُوذَ مُشْرِكٌ مُبَاحُ الدَّمِ وَالْمَالِ لِشِرْكِهِ من جَمِيعِ جِهَاتِهِ وَالْعَفْوُ عنه مُبَاحٌ فلما كان هَكَذَا لم يُنْكِرْ أَنْ يَقُولَ أُخِذْت أَيْ حُبِسْت بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكُمْ ثَقِيفٌ وَيَحْبِسُهُ بِذَلِكَ لِيَصِيرَ إلَى أَنْ يُخَلُّوا من أَرَادَ وَيَصِيرُوا إلَى ما أَرَادَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وقد غَلِطَ بهذا بَعْضُ من يُشَدِّدُ الْوِلَايَةَ فقال يُؤْخَذُ الْوَلِيُّ من الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا مُشْرِكٌ يَحِلُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِكُلِّ جِهَةٍ وقد قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِرَجُلَيْنِ مُسْلِمَيْنِ ( هذا ابْنُك ) قال نعم قال ( أَمَّا إنَّهُ لَا يَجْنِي عَلَيْك وَلَا تَجْنِي عليه وَقَضَى اللَّهُ عز وجل أَنْ لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) وَلَمَّا كان حَبْسُ هذا حَلَالًا بِغَيْرِ جِنَايَةِ غَيْرِهِ وَإِرْسَالُهُ مُبَاحًا كان جَائِزًا أَنْ يُحْبَسَ بِجِنَايَةِ غَيْرِهِ لِاسْتِحْقَاقِهِ ذلك بِنَفْسِهِ ويخلي تَطَوُّعًا إذَا نَالَ بِهِ بَعْضَ ما يُحِبُّ حَابِسُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَسْلَمَ هذا الْأَسِيرُ فَرَأَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ أَسْلَمَ لَا بِنِيَّةٍ فقال ( لو قُلْتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ نَفْسَك أَفْلَحْت كُلَّ الْفَلَاحِ ) وَحَقَنَ بِإِسْلَامِهِ دَمَهُ ولم يُخْلِهِ بِالْإِسْلَامِ إذْ كان بَعْدَ إسَارِهِ وَهَكَذَا من أُسِرَ من الْمُشْرِكِينَ فَأَسْلَمَ حَقَنَ له إسْلَامُهُ دَمَهُ ولم يُخْرِجْهُ إسْلَامُهُ من الرِّقِّ إنْ رَأَى الْإِمَامُ اسْتِرْقَاقَهُ اسْتِدْلَالًا بِمَا وَصَفْنَا من الحديث عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَفِعْلِهِ بِالرَّجُلَيْنِ ( 1 ) بَعْدَ إسلامه ( ( ( إسلامهما ) ) ) بالرجلين فَهَذَا أنه أَثْبَتَ عليه الرِّقَّ بَعْدَ إسْلَامِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا رَدٌّ لِقَوْلِ مُجَاهِدٍ لِأَنَّ سُفْيَانَ أخبرنا عن بن أبي نَجِيحٍ عن مُجَاهِدٍ قال إذَا أَسْلَمَ أَهْلُ الْعَنْوَةِ فَهُمْ أَحْرَارٌ وَأَمْوَالُهُمْ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَتَرَكْنَا هذا اسْتِدْلَالًا بِالْخَبَرِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا فَادَاهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِرَجُلَيْنِ من أَصْحَابِهِ فَإِنَّمَا فَادَاهُ بِهِمَا أَنَّهُ فَكَّ الرِّقَّ عنه بِأَنْ خَلَّوْا صَاحِبَيْهِ وفي هذا دَلَالَةٌ على أَنْ لَا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَ الْمُسْلِمُونَ الْمُشْرِكِينَ من يَجْرِي عليه الرِّقُّ وَإِنْ أَسْلَمَ إذَا كان من يَدْفَعُونَ إلَيْهِمْ من الْمُسْلِمِينَ لَا يَسْتَرْقِ وَهَذَا الْعُقَيْلِيِّ لَا يُسْتَرَقُّ لِمَوْضِعِهِ فِيهِمْ وَإِنْ خَرَجَ من بِلَادِ الْإِسْلَامِ إلَى بِلَادِ الشِّرْكِ وفي هذا دَلَالَةٌ على أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَخْرُجَ الْمُسْلِمُ من بِلَادِ الْإِسْلَامِ إلَى بِلَادِ الشِّرْكِ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا فَدَى صَاحِبَيْهِ بالعقيل ( ( ( فالعقيلي ) ) ) بَعْدَ إسْلَامِهِ وَبِلَادُهُ بِلَادُ شِرْكٍ فَفِي ذلك دَلَالَةٌ على ما وَصَفْت ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِدَاءُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم هذا بالعقيلي وَرَدُّهُ إلَى بَلَدِهِ وَهِيَ أَرْضُ كُفْرٍ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُمْ لَا يَضُرُّونَهُ وَلَا يَجْتَرِئُونَ عليه لِقَدْرِهِ فِيهِمْ وَشَرَفِهِ عِنْدَهُمْ وَلَوْ أَسْلَمَ رَجُلٌ لم يُرَدَّ إلَى قَوْمٍ يَقُومُونَ عليه أَنْ يَضُرُّوهُ إلَّا في مِثْلِ حَالِ الْعُقَيْلِيِّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَفِدَاؤُهُ بالعقيلي والعقيلي لَا يُسْتَرَقُّ خِلَافُ أَنْ يُفْدَى بِمَنْ يُسْتَرَقُّ من الْمُسْلِمِينَ قال وَلَا بَأْسَ أَنْ يُفْدَى بِمَنْ يُسْتَرَقُّ من الْمُشْرِكِينَ الْبَالِغِينَ الْمُسْلِمِينَ وإذا جَازَ أَنْ يُفْدَى بِمِنْ يُسْتَرَقُّ جَازَ أَنْ يَبِيعَ الْمُسْلِمُونَ الْمُشْرِكِينَ الْبَالِغِينَ من الْمُشْرِكِينَ
____________________

(4/253)


- * الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ يَأْبَقُ إلَى أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ - * سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عن الْعَدُوِّ يَأْبَقُ إلَيْهِمْ الْعَبْدُ أو يَشْرُدُ الْبَعِيرُ أو يُغِيرُونَ فَيَنَالُونَهُمَا أو يَمْلِكُونَهُمَا أَسْهُمًا قال لَا فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فما تَقُولُ فِيهِمَا إذَا ظَهَرَ عليهم الْمُسْلِمُونَ فَجَاءَ أَصْحَابُهُمَا قبل أَنْ يُقْتَسَمَا فقال هُمَا لِصَاحِبِهِمَا فَقُلْت أَرَأَيْت إنْ وَقَعَا في الْمَقَاسِمِ فقال اخْتَلَفَ فِيهِمَا الْمُفْتُونَ فَمِنْهُمْ من قال هُمَا قبل الْمَقَاسِمِ وَبَعْدَهَا سَوَاءٌ لِصَاحِبِهِمَا وَمِنْهُمْ من قال هُمَا لِصَاحِبِهِمَا قبل الْمَقَاسِمِ فإذا وَقَعَتْ الْمَقَاسِمِ وَصَارَا في سَهْمِ رَجُلٍ فَلَا سَبِيلَ إلَيْهِمَا وَمِنْهُمْ من قال صَاحِبُهُمَا أَحَقُّ بِهِمَا ما لم يُقْسَمَا فإذا قُسِمَا فَصَاحِبُهُمَا أَحَقُّ بِهِمَا بِالْقِيمَةِ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ فما اخْتَرْت من هذا قال أنا أَسْتَخِيرُ اللَّهَ عز وجل فيه قُلْت فَمَعَ أَيِّ الْقَوْلَيْنِ الْآثَارُ وَالْقِيَاسُ ( 1 ) فقال دَلَالَةُ السُّنَّةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَاذْكُرْ السُّنَّةَ فقال أخبرنا الثَّقَفِيُّ عن أَيُّوبَ عن أبي قِلَابَةَ عن عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ قال سُبِيَتْ امْرَأَةٌ من الْأَنْصَارِ وَكَانَتْ النَّاقَةُ قد أُصِيبَتْ قَبِلَهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَأَنَّهُ يَعْنِي نَاقَةَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِأَنَّ آخِرَ حَدِيثِهِ يَدُلُّ على ذلك قال عِمْرَانُ بن حُصَيْنٍ فَكَانَتْ تَكُونُ فِيهِمْ وَكَانُوا يَجِيئُونَ بِالنَّعَمِ إلَيْهِمْ فَانْفَلَتَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ من الْوَثَاقِ فَأَتَتْ الْإِبِلَ فَجَعَلَتْ كُلَّمَا أَتَتْ بَعِيرًا منها فَمَسَّتْهُ رَغَا فَتَرَكَتْهُ حتى أَتَتْ تِلْكَ النَّاقَةَ فَمَسَّتْهَا فلم تَرْغُ وَهِيَ نَاقَةٌ هَدَرَةٌ فَقَعَدَتْ في عَجُزِهَا ثُمَّ صَاحَتْ بها فَانْطَلَقَتْ وَطُلِبَتْ من لَيْلَتِهَا فلم يُقْدَرْ عليها فَجَعَلَتْ لِلَّهِ عليها إنْ اللَّهُ أَنْجَاهَا عليها لَتَنْحَرَنَّهَا فلما قَدِمَتْ الْمَدِينَةَ عَرَفُوا النَّاقَةَ وَقَالُوا نَاقَةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقالت إنَّهَا قد جَعَلَتْ لِلَّهِ تَعَالَى عليها لَتَنْحَرَنَّهَا فَقَالُوا وَاَللَّهِ لَا تَنْحَرِيهَا حتى نُؤْذِنَ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَتَوْهُ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ فُلَانَةَ قد جَاءَتْ على نَاقَتِك وَأَنَّهَا قد جَعَلَتْ لِلَّهِ عليها إنْ نَجَّاهَا اللَّهُ عليها لَتَنْحَرَنَّهَا فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( لبئسما جَزَتْهَا إنْ أَنْجَاهَا اللَّهُ عليها لَتَنْحَرَنَّهَا لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ في مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِيمَا لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ أو قال بن آدَمَ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ على أَنَّ الْعَدُوَّ قد أَحْرَزَ نَاقَةَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَنَّ الْأَنْصَارِيَّةَ انْفَلَتَتْ من إسَارِهِمْ عليها بَعْدَ إحرازهموها وَرَأَتْ أنها لها فَأَخْبَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أنها قد نَذَرَتْ فِيمَا لَا تَمْلِكُ وَلَا نَذْرَ لها وَأَخَذَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نَاقَتَهُ وَلَوْ كان الْمُشْرِكُونَ يَمْلِكُونَ على الْمُسْلِمِينَ لم يَعُدَّ أَخْذَ الْأَنْصَارِيَّةِ النَّاقَةَ أَنْ تَكُونَ ملكتها ( ( ( ملكها ) ) ) بِأَنَّهَا أَخَذَتْهَا وَلَا خُمُسَ فيها لِأَنَّهَا لم تُوجِفْ عليها وقد قال بهذا غَيْرُنَا وَلَسْنَا نَقُولُ بِهِ أو تَكُونُ مَلَكَتْ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا وَخُمُسُهَا لِأَهْلِ الْخُمُسِ أو تَكُونُ من الْفَيْءِ الذي لم يُوجَفْ عليه بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ فَيَكُونُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَخُمُسُهَا لِأَهْلِ الْخُمُسِ وَلَا أَحْفَظُ قَوْلًا لِأَحَدٍ أَنْ يَتَوَهَّمَهُ في هذا غير أَحَدِ هذه الثَّلَاثَةِ الْأَقَاوِيلِ قال فلما أَخَذَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نَاقَتَهُ دَلَّ هذا على أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَا يَمْلِكُونَ شيئا على الْمُسْلِمِينَ وإذا لم يَمْلِكْ الْمُشْرِكُونَ على الْمُسْلِمِينَ ما أَوْجَفُوا عليه بِخَيْلِهِمْ فَأَحْرَزُوهُ في دِيَارِهِمْ أَشْبَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْمُسْلِمُونَ عَنْهُمْ ما لم يَمْلِكُوا هُمْ لِأَنْفُسِهِمْ قبل قَسْمِ الْغَنِيمَةِ وَلَا بَعْدَهُ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ كان هذا ثَابِتًا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَكَيْفَ اُخْتُلِفَ فيه فقال قد يَذْهَبُ بَعْضُ السُّنَنِ على بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَوْ عَلِمَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قال بها قُلْت لِلشَّافِعِيِّ أَفَرَأَيْت من لَقِيت مِمَّنْ سمع هذا كَيْفَ تَرَكَهُ فقال لم يَدَعْهُ كُلَّهُ ولم يَأْخُذْ بِهِ كُلَّهُ فَقُلْت فَكَيْفَ كان هذا قال الله ( ( ( والله ) ) ) تَعَالَى أَعْلَمُ وَلَا يَجُوزُ هذا لِأَحَدٍ فَقُلْت فَهَلْ ذَهَبَ فيه إلَى شَيْءٍ فقال كَلَّمَنِي بَعْضُ من ذَهَبَ هذا الْمَذْهَبَ فقال ( 2 ) وَهَكَذَا يقول فيه الْمَقَاسِمُ فَيَصِيرُ عبد رَجُلٍ في سَهْمِ رَجُلٍ فَيَكُونُ مَفْرُوزًا من حَقِّهِ ويتفرق ( ( ( وبتفرق ) ) ) الْجَيْشِ فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَتْبَعُهُ بِسَهْمِهِ
____________________

(4/254)


فَيَنْقَلِبُ لَا سَهْمَ له فَقُلْت له أَفَرَأَيْت لو وَقَعَ في سَهْمِهِ حُرٌّ أو أُمُّ وَلَدٍ لِرَجُلٍ قال يَخْرُجُ من يَدِهِ وَيُعَوَّضُ من بَيْتِ الْمَالِ فَقُلْت له وَإِنْ لم يَسْتَحِقَّ الْحُرُّ الْحُرِّيَّةَ وَلَا مَالِكُ أُمِّ الْوَلَدِ إلَّا بَعْدَ تَفَرُّقِ الْجَيْشِ قال نعم وَيُعَوَّضُ من بَيْتِ الْمَالِ فَقُلْت له وما يَدْخُلُ على من قال هذا الْقَوْلَ في عبد الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ يَخْرُجُ من يَدَيْ من صَارَ سَهْمُهُ وَيُعَوَّضُ منه قِيمَتُهُ فقال من أَيْنَ يُعَوَّضُ قُلْت من الْخُمُسِ خَاصَّةً قال وَمِنْ أَيِّ الْخُمُسِ قُلْت سَهْمُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فإنه كان يَضَعُهُ في الْأَنْفَالِ وَمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فقال لي قَائِلٌ تَوَلَّ الْجَوَابَ عَمَّنْ قال صَاحِبُ الْمَالِ أَحَقُّ بِهِ قبل الْمَقَاسِمِ وَبَعْدَهُ قُلْت فَاسْأَلْ فقال ما حُجَّتُك فيه قُلْت ما وَصَفْت من السُّنَّةِ في حديث عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ وَالْخَبَرُ عن جَمَاعَةٍ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَنَّ السُّنَّةَ إذَا دَلَّتْ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَا يَمْلِكُونَ على الْمُسْلِمِينَ شيئا بِحَالٍ لم يَجُزْ أَنْ يَمْلِكُوا عليهم بِحَالٍ أُخْرَى إلَّا بِسُنَّةٍ مِثْلِهَا فقال وَمِنْ أَيْنَ قُلْت إنِّي إذَا أَعْطَيْت أَنَّ مَالِكَ الْعَبْدِ إذَا وَجَدَ عَبْدَهُ ( 1 ) قبل ما يُحْرِزُهُ الْعَدُوُّ ثُمَّ يُحْرِزُهُ الْمُسْلِمُونَ على الْعَدُوِّ قبل أَنْ يَقْسِمَهُ الْمُسْلِمُونَ فَقَدْ أَعْطَيْت أَنَّ الْعَدُوَّ لم يَمْلِكُوهُ مِلْكًا يَتِمُّ لهم وَلَوْ مَلَكُوهُ مِلْكًا يَتِمُّ لهم لم يَكُنْ الْعَبْدُ لِسَيِّدِهِ إذَا مَلَكَهُ الموجفون عليه من الْمُسْلِمِينَ قبل الْقَسْمِ وَلَا بَعْدَهُ أَرَأَيْت لو كان أَسْرُهُمْ إيَّاهُ وَغَلَبَتُهُمْ عليه كَبَيْعِ مَوْلَاهُ له منهم أو هِبَتِهِ إيَّاهُ ثُمَّ أَوْجَفَ عليه أَلَّا يَكُونَ لِلْمُوجِفِينَ قال بَلَى قُلْت أَفَتَعْدُو غَلَبَةُ الْعَدُوِّ عليه أَنْ تَكُونَ مِلْكًا فَيَكُونُ كَمَالٍ لهم سَوَاءٌ مِمَّا وُهِبَ لهم أو اشْتَرَوْهُ أو تَكُونُ غَصْبًا لَا يَمْلِكُونَهُ عليه فإذا كانت السُّنَّةُ وَالْآثَارُ وَالْإِجْمَاعُ تَدُلُّ على أَنَّهُ كَالْغَصْبِ قبل أَنْ يُقْسَمَ فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بعد ما يُقْسَمُ أَلَا تَرَى أَنَّ مُسْلِمًا مُتَأَوِّلًا أو غير مُتَأَوِّلٍ لو أَوْجَفَ على عَبْدٍ ثُمَّ أُخِذَ من يَدِ من قَهَرَهُ عليه كان لِمَالِكِهِ الْأَوَّلِ فإذا لم يَمْلِكْ مُسْلِمٌ على مُسْلِمٍ بِغَصْبٍ كان الْمُشْرِكُ أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ مَالِكًا مع أَنَّك لم تَجْعَلْ الْمُشْرِكَ مَالِكًا وَلَا غير مَالِكٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقال إنَّ هذا لَيَدْخُلُهُ وَلَكِنَّا قُلْنَا فيه بِالْأَثَرِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَرَأَيْت إنْ قال لَك قَائِلٌ هذه السُّنَّةُ وَالْأَثَرُ تُجَامِعُ ما قُلْنَا وهو الْقِيَاسُ وَالْمَعْقُولُ فَكَيْفَ صِرْت إلَى أَنْ تَأْخُذَ بِشَيْءٍ دُونَ السُّنَّةِ وَتَدَعَ السُّنَّةَ وَشَيْءٍ من الْأَثَرِ أَقَلَّ من الْآثَارِ وتدع الْأَكْثَرَ فما حُجَّتُك فيه قال إنَّا قد قُلْنَا بِالسُّنَّةِ وَالْآثَارِ التي ذَهَبَتْ إلَيْهَا ولم يَكُنْ فيها بَيَانُ أَنَّ ذلك بَعْدَ الْقِسْمَةِ كَهُوَ قَبْلَهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قُلْت له أَمَا فيها بَيَانُ أَنَّ الْعَدُوَّ لو مَلَكُوا على الْمُسْلِمِينَ ما أَحْرَزُوا من أَمْوَالِهِمْ مِلْكًا تَامًّا كان ذلك لِمَنْ مَلَكَ من الْمُسْلِمِينَ على الْمُشْرِكِينَ دُونَ مَالِكِهِ الْأَوَّلِ قال بَلَى قُلْت أَوَّلًا يَكُونُ مَمْلُوكًا لِمَالِكِهِ الْأَوَّلِ بِكُلِّ حَالٍ أو لِلْعَدُوِّ إذَا أَحْرَزُوهُ فقال إنَّ هذا لَيُدْخِلُ ذلك وَلَكِنْ صِرْنَا إلَى الْأَثَرِ وَتَرَكْنَا الْقِيَاسَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقُلْت له فَهَذِهِ السُّنَّةُ وَالْآثَارُ وَالْقِيَاسُ عليها فقال قد يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ قبل ما يُقْسَمُ ( 2 ) حُكْمُهُ بَعْدَ ما يُقْسَمُ حُكْمُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقُلْت له أَمَا في قِيَاسٍ أو عَقْلٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هذا لو كان إلَّا بِالْأَثَرِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَإِنْ لم يُرْوَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فيه شَيْءٌ ويروي عَمَّنْ دُونَهُ فَلَيْسَ في أَحَدٍ مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم حُجَّةٌ قال أَفَيَحْتَمِلُ من رَوَى عنه قَوْلُنَا من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يَكُونَ ذَهَبَ عليه هذا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَقُلْت أَفَيَحْتَمِلُ عِنْدَك فقال نعم فَقُلْت فما مَسْأَلَتُك عن أَمْرٍ تَعْلَمُ أَنْ لَا مَسْأَلَةَ فيه قال فَأَوْجِدْنِي مِثْلَ هذا فَقُلْت نعم وَأَبْيَنُ قال مِثْلُ مَاذَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) قَضَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في السِّنِّ بِخَمْسٍ وَقَضَى عُمَرُ في الضِّرْسِ بِبَعِيرٍ فَكَانَ يَحْتَمِلُ لِذَاهِبٍ لو ذَهَبَ مَذْهَبَ
____________________

(4/255)


عُمَرَ أَنْ يَقُولَ السِّنُّ ما أَقْبَلَ وَالضِّرْسُ ما أَكَلَ عليه ثُمَّ يَكُونُ هذا وَجْهًا مُحْتَمَلًا يَصِحُّ الْمَذْهَبُ فيه فلما كانت السِّنُّ دَاخِلَةً في مَعْنَى الْأَسْنَانِ في حَالٍ فَإِنْ بَايَنَتْهَا بِاسْمٍ مُنْفَرِدٍ دُونَهَا كما تَبَايَنَ الْأَسْنَانُ بِأَسْمَاءٍ تُعْرَفُ بها صِرْنَا وَأَنْتَ إلَى ما روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم جُمْلَةً وَجَعَلْنَا الْأَعَمَّ أَوْلَى بِقَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من الْأَخَصِّ وَإِنْ احْتَمَلَ الْأَخَصَّ من حُكْمِ كَثِيرٍ غَيْرِ هذا نَقُولُ فيه نَحْنُ وَأَنْتَ بِمِثْلِ هذا قال هذا في هذا وَغَيْرِهِ كما تَقُولُ قُلْت فما أَحْرَزَ الْمُشْرِكُونَ ثُمَّ أُحْرِزَ عَنْهُمْ فَكَانَ لِمَالِكِهِ قبل الْقَسْمِ ولم يَأْتِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ ليس له بَعْدَ الْقَسْمِ أَثَرٌ غَيْرُ هذا فَأَحْرَى لَا يَحْتَمِلُ مَعْنًى إلَّا أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَا يُحْرِزُونَ على الْمُسْلِمِينَ شيئا قال فَإِنَّا نَأْخُذُ قَوْلَنَا من غَيْرِ هذا الْوَجْهِ إذَا دخل من هذا الْوَجْهِ فنأخذه ( ( ( فأخذه ) ) ) من أَنَّا رَوَيْنَا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( من أَسْلَمَ على شَيْءٍ فَهُوَ له ) وَرَوَيْنَا عنه أَنَّ الْمُغِيرَةَ أَسْلَمَ على مَالِ قَوْمٍ قد قَتَلَهُمْ وَأَخْفَاهُ فَكَانَ له ( قال الشَّافِعِيُّ ) أَرَأَيْت ما رَوَيْت عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من أَنَّهُ ( من أَسْلَمَ على شَيْءٍ فَهُوَ له ) أَيَثْبُتُ قال هو من حَدِيثِكُمْ قُلْت نعم مُنْقَطِعٌ وَنَحْنُ نُكَلِّمُك على تَثْبِيتِهِ فَنَقُولُ لَك أَرَأَيْت إنْ كان ثَابِتًا أَهُوَ عَامٌّ أو خَاصٌّ قال فَإِنْ قُلْت هو عَامٌّ قُلْت إذَا نَقُولُ لَك أَرَأَيْت عَدُوًّا أَحْرَزَ حُرًّا أو أُمَّ وَلَدٍ أو مُكَاتَبًا أو مُدَبَّرًا أو عَبْدًا مَرْهُونًا فَأَسْلَمَ عليهم قال لَا يَكُونُ له حُرٌّ وَلَا أُمُّ وَلَدٍ وَلَا شَيْءَ لَا يَجُوزُ مِلْكُهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقُلْت له فَتَرَكْت قَوْلَك إنَّهُ عَامٌّ قال نعم وَأَقُولُ من أَسْلَمَ على شَيْءٍ يَجُوزُ مِلْكُهُ لِمَالِكِهِ الذي غَصَبَهُ عليه قُلْنَا فَأُمُّ الْوَلَدِ يَجُوزُ مِلْكُهَا لِمَالِكِهَا إلَى أَنْ يَمُوتَ أَفَتَجْعَلُ لِلْعَدُوِّ مِلْكَهَا إلَى مَوْتِ سَيِّدِهَا قال لَا لِأَنَّ فَرْجَهَا لَا يَحِلُّ لهم قُلْت إنْ أَحْلَلْت مِلْكَ رَقَبَتِهَا بِالْغَصْبِ حين تُقِيمُ الْغَاصِبَ مَقَامَ سَيِّدِهَا إنَّك لَشَبِيهٌ أَنْ تُحِلَّ فَرْجَهَا أو مِلْكَهَا وَإِنْ مَنَعْت فَرْجَهَا أو رَأَيْت إنْ جَعَلْت الحديث خَاصًّا وَأَخْرَجْتَهُ من الْعُمُومِ أَيَجُوزُ لَك فيه أَنْ تَقُولَ فيه بِالْخَاصِّ بِغَيْرِ دَلَالَةٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقال فَأَسْتَدِلُّ بِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ على أَنَّ الْمُغِيرَةَ مَلَكَ ما يَجُوزُ له تَمَلُّكُهُ فَأَسْلَمَ عليه فلم يُخْرِجْهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من يَدِهِ ولم ( ( ( لم ) ) ) يُخَمِّسْهُ قال فَقُلْت له الَّذِينَ قتل ( ( ( قتلوا ) ) ) الْمُغِيرَةَ مُشْرِكُونَ فَإِنْ زَعَمْت أَنَّ حُكْمَ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ حُكْمُ أَمْوَالِ الْمُشْرِكِينَ كَلَّمْنَاك على ذلك قال ما حُكْمُ أَمْوَالِ الْمُشْرِكِينَ حُكْمُ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنَّهُ لَيَدْخُلُ على هذا الْقَوْلِ ما وَصَفْت فَهَلْ تَجِدُ إنْ ثَبَتَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أقال ( ( ( أنه ) ) ) من أَسْلَمَ على شَيْءٍ فَهُوَ له مَخْرَجًا صَحِيحًا لَا يَدْخُلُ فيه شَيْءٌ مِثْلُ ما دخل هذا الْقَوْلُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقُلْت له نعم من أَسْلَمَ على شَيْءٍ يَجُوزُ له مِلْكُهُ فَهُوَ له فقال هذا جُمْلَةٌ فَأَبِنْهُ فَقُلْت له إنْ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَعَزَّ أَهْلَ دِينِهِ ( 1 ) إلَّا بِحَقِّهَا فَهِيَ من غَيْرِ أَهْلِ دِينِهِ أَوْلَى أَنْ تَكُونَ مَمْنُوعَةً أو أَقْوَى على مَنْعِهَا فإذا كان الْمُسْلِمُ لو قَهَرَ مُسْلِمًا على عَبْدٍ ثُمَّ وَرِثَ عن الْقَاهِرِ أو غَلَبَهُ عليه مُتَأَوِّلٌ أو لِصٌّ أَخَذَهُ الْمَقْهُورُ عليه بِأَصْلِ مِلْكِهِ الْأَوَّلِ وكان لَا يَمْلِكُهُ مُسْلِمٌ بِغَصْبٍ فَالْكَافِرُ أَوْلَى أَنْ لَا يَمْلِكَهُ بِغَصْبٍ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ خَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ أَنْفُسَ الْكَافِرِينَ الْمُحَارِبِينَ وَأَمْوَالَهُمْ فَيُشْبِهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ الْمُشْرِكُونَ إنْ كَانُوا إذَا قَدَرُوا عليهم وَأَمْوَالِهِمْ خَوْلًا لِأَهْلِ دِينِ اللَّهِ عز وجل أَنْ لَا يَكُونَ لهم أَنْ يتخولوا ( ( ( يتحولوا ) ) ) من أَمْوَالِ أَهْلِ دِينِ اللَّهِ شيئا يُقْدَرُ على إخْرَاجِهِ من أَيْدِيهِمْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُتَخَوِّلُ مُتَخَوِّلًا على مِمَّنْ يَتَخَوَّلُهُ إذَا قَدَرَ عليه قال فما الذي يُسْلِمُونَ عليه فَيَكُونُ لهم فَقُلْت ما غَصَبَهُ بَعْضُ الْمُشْرِكِينَ بَعْضًا ثُمَّ أَسْلَمَ عليه الْغَاصِبُ كان له كما أَخْذُهُ الْمُغِيرَةُ من أَمْوَالِ الْمُشْرِكِينَ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ الْغَاصِبِينَ وَالْمَغْصُوبِينَ لم يَكُونُوا مَمْنُوعِي الْأَمْوَالِ بِدَيْنِ اللَّهِ عز وجل فلما أَخَذَهَا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أو سبا ( ( ( سبى ) ) ) بَعْضُهُمْ بَعْضًا ثُمَّ أَسْلَمَ السَّابِي الْآخِذُ لِلْمَالِ كان له ما أَسْلَمَ عليه لِأَنَّهُ أَسْلَمَ على ما لو ابْتَدَأَ أَخْذَهُ في الْإِسْلَامِ كان له ولم يَكُنْ له أَنْ يَبْتَدِئَ في الْإِسْلَامِ أَخْذَ شَيْءٍ لِمُسْلِمٍ فقال
____________________

(4/256)


لي أَرَأَيْت من قال هذا الْقَوْلَ كَيْفَ زَعَمَ في الْمُشْرِكِينَ إذَا أَخَذُوا لِمُسْلِمٍ عَبْدًا أو مَالًا غَيْرَهُ أو أَمَتَهُ أو أَمَّ وَلَدِهِ أو مُدَبَّرَهُ أو مُكَاتَبَهُ أو مَرْهُونَهُ أو أَمَةً جَانِيَةً أو غير ذلك ثُمَّ أَحْرَزَهَا الْمُسْلِمُونَ فَقُلْت هذا يَكُونُ كُلُّهُ لِمَالِكِهِ على الْمِلْكِ الْأَوَّلِ وَبِالْحَالِ الْأَوَّلِ قبل أَنْ يُحْرِزَهَا الْعَدُوُّ وَتَكُونُ أُمُّ الْوَلَدِ أُمَّ وَلَدٍ وَإِنْ مَاتَ سَيِّدُهَا عَتَقَتْ بِمَوْتِهِ في بِلَادِ الْحَرْبِ أو بَعْدُ وَالْمُدَبَّرَةُ مُدَبَّرَةً ما لم يَرْجِعْ فيها سَيِّدُهَا وَالْعَبْدُ الْجَانِي وَالْأَمَةُ الْجَانِيَةُ جَانِيَيْنِ في رِقَابِهِمَا الْجِنَايَةُ لَا يُغَيِّرُ السِّبَاءُ مِنْهُمَا شيئا وَكَذَلِكَ الرَّهْنُ وَغَيْرُهُ قال أَفَرَأَيْت إنْ أَحْرَزَ هذا الْمُشْرِكُونَ ثُمَّ أَحْرَزَهُ عليهم مُشْرِكُونَ غَيْرُهُمْ ثُمَّ أَحْرَزَهُ الْمُسْلِمُونَ ثُمَّ أَحْرَزَهُ الْمُشْرِكُونَ عليهم قُلْت كَيْفَ كان هذا وَتَطَاوَلَ فَهَذَا قَوْلٌ لَا يَدْخُلُ بِحَالٍ هو على الْمِلْكِ الْأَوَّلِ وَكُلُّ حَادِثٍ فيه بَعْدَهُ لَا يُبْطِلُهُ وَيُدْفَعُونَ إلَى مَالِكِيهِمْ الْأَوَّلِينَ الْمُسْلِمِينَ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَجِبْ على هذا الْقَوْلِ أَرَأَيْت إنْ أَحْرَزَ الْعَدُوُّ جَارِيَةَ رَجُلٍ فَوَطِئَهَا الْمُحْرِزُ لها فَوَلَدَتْ ثُمَّ ظَهَرَ عليها الْمُسْلِمُونَ فقال هِيَ وَأَوْلَادُهَا لِمَالِكِهَا فَقُلْت فَإِنْ أَسْلَمُوا عليها قال تُدْفَعُ الْجَارِيَةُ إلَى مَالِكِهَا وَيَأْخُذُ مِمَّنْ وَطِئَهَا عَقْرُهَا وَقِيمَةُ أَوْلَادِهَا يوم سَقَطُوا ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا حَاتِمٌ عن جَعْفَرٍ عن أبيه عن يَزِيدَ بن هُرْمُزَ أَنَّ نَجْدَةَ كَتَبَ إلَى بن عَبَّاسٍ يَسْأَلْهُ عن خِلَالٍ فقال بن عَبَّاسٍ إنَّ نَاسًا يَقُولُونَ إنَّ بن عَبَّاسٍ يُكَاتِبُ الْحَرُورِيَّةَ وَلَوْلَا أَنِّي أَخَافُ أَنْ أَكْتُمَ عِلْمًا لم أَكْتُبْ إلَيْهِ فَكَتَبَ نَجْدَةُ إلَيْهِ أَمَّا بَعْدُ فأخبرني ( ( ( أخبرني ) ) ) هل كان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَغْزُو بِالنِّسَاءِ وَهَلْ كان يَضْرِبُ لَهُنَّ بِسَهْمٍ وَهَلْ كان يَقْتُلُ الصِّبْيَانَ وَمَتَى يَنْقَضِي يُتْمُ الْيَتِيمِ وَعَنْ الْخُمُسِ لِمَنْ هو فَكَتَبَ إلَيْهِ بن عَبَّاسٍ ( إنَّك كَتَبْت تَسْأَلُنِي هل كان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَغْزُو بِالنِّسَاءِ وقد كان يَغْزُو بِهِنَّ فَيُدَاوِينَ الْمَرْضَى وَيَحْذِينَ من الْغَنِيمَةِ وَأَمَّا السَّهْمُ فلم يَضْرِبْ لَهُنَّ بِسَهْمٍ وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَقْتُلْ الْوِلْدَانَ فَلَا تَقْتُلْهُمْ إلَّا أَنْ تَكُونَ تَعْلَمَ منهم ما عَلِمَ الْخَضِرُ من الصَّبِيِّ الذي قَتَلَهُ فَتُمَيِّزَ بين الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ فَتَقْتُلَ الْكَافِرَ وَتَدَعَ الْمُؤْمِنَ وَكَتَبْت مَتَى يَنْقَضِي يُتْمُ الْيَتِيمِ وَلَعَمْرِي إنَّ الرَّجُلَ لَتَشِيبُ لِحْيَتُهُ وَإِنَّهُ لَضَعِيفُ الْأَخْذِ ضَعِيفُ الْإِعْطَاءِ فإذا أَخَذَ لِنَفْسِهِ من صَالِحِ ما يَأْخُذُ الناس فَقَدْ ذَهَبَ عنه الْيُتْمُ وَكَتَبْت تَسْأَلُنِي عن الْخُمُسِ وَإِنَّا كنا نَقُولُ هو لنا فَأَبَى ذلك عَلَيْنَا قَوْمُنَا فَصَبْرِنَا عليه ) * سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عن الْمُسْلِمِينَ إذَا غَزَوْا أَهْلَ الْحَرْبِ هل يُكْرَهُ لهم أَنْ يَقْطَعُوا الشَّجَرَ الْمُثْمِرَ وَيُخَرِّبُوا مَنَازِلَهُمْ وَمَدَائِنَهُمْ وَيُغْرِقُوهَا وَيُحَرِّقُوهَا وَيُخَرِّبُوا ما قَدَرُوا عليه من ثِمَارِهِمْ وَشَجَرِهِمْ وَتُؤْخَذُ أَمْتِعَتُهُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) كُلُّ ما كان مِمَّا يَمْلِكُوا لَا رُوحَ له فَإِتْلَافُهُ مُبَاحٌ بِكُلِّ وَجْهٍ وَكُلُّ ما زَعَمْت أَنَّهُ مُبَاحٌ فَحَلَالٌ لِلْمُسْلِمِينَ فِعْلُهُ وَغَيْرُ مُحَرَّمٍ عليهم تَرْكُهُ وَأُحِبُّ إذَا غَزَا الْمُسْلِمُونَ بِلَادَ الْحَرْبِ وَكَانَتْ غُزَاتُهُمْ غَارَةً أو كان عَدُوُّهُمْ كَثِيرًا وَمُتَحَصِّنًا مُمْتَنِعًا لَا يُغْلَبُ عليهم أَنْ تَصِيرَ دَارُهُمْ دَارَ الْإِسْلَامِ وَلَا دَارَ عَهْدٍ يَجْرِي عليها الْحُكْمُ أَنْ يَقْطَعُوا وَيُحَرِّقُوا وَيُخَرِّبُوا ما قَدَرُوا عليه من ثِمَارِهِمْ وَشَجَرِهِمْ وَيُؤْخَذُ مَتَاعُهُمْ وما كان يُحْمَلُ من خَفِيفِ مَتَاعِهِمْ فَقَدَرُوا عليه اخْتَرْت أَنْ يَغْنَمُوهُ وما لم يَقْدِرُوا عليه حَرَّقُوهُ وَغَرَّقُوهُ وإذا كان الْأَغْلَبُ عليهم أنها سَتَصِيرُ دَارَ الْإِسْلَامِ أو دَارَ عَهْدٍ يَجْرِي عليهم الْحُكْمُ اخْتَرْت لهم الْكَفَّ عن أَمْوَالِهِمْ لِيَغْنَمُوهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَحْرُمُ عليهم تَحْرِيقُهَا وَلَا تَخْرِيبُهَا حتى يَصِيرُوا مُسْلِمِينَ أو ذِمَّةً أو يَصِيرَ منها في أَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِمَّا يُحْمَلُ فَيُنْقَلُ فَلَا يَحِلُّ تَحْرِيقُ ذلك لِأَنَّهُ صَارَ لِلْمُسْلِمِينَ وَيُحَرِّقُوا ما سِوَاهُ مِمَّا لَا يُحْمَلُ وَإِنَّمَا زَعَمْت أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ تَحْرِيقُ شَجَرِهِمْ وَعَامِرِهِمْ وَإِنْ طَمِعَ بِهِمْ لِأَنَّهُ قد يَطْمَعُ بِالْقَوْمِ ثُمَّ يَكُونُ الْأَمْرُ على غَيْرِ ما عليه الطَّمَعُ وَإِنَّهَا حُرِّقَتْ ولم يُحْرِزْهَا الْمُسْلِمُونَ وَإِنَّمَا زَعَمْت أَنَّ لهم الْكَفَّ عن تَحْرِيقِهَا لِأَنَّ هَكَذَا أَصْلُ الْمُبَاحِ وقد حَرَّقَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم على قَوْمٍ ولم يُحَرِّقْ على آخَرِينَ وَإِنْ حَمَلَ الْمُسْلِمُونَ شيئا من أَمْوَالِهِمْ فلم يَقْتَسِمُوهُ حتى أَدْرَكَهُمْ عَدُوٌّ وَخَافُوا غَلَبَتَهُمْ عليه فَلَا بَأْسَ أَنْ يُحَرِّقُوهُ بِأَنْ أَجْمَعُوا على ذلك وَكَذَلِكَ لو اقْتَسَمُوهُ لم أَرَ بَأْسًا على أَحَدٍ صَارَ في يَدِهِ أَنْ يُحَرِّقَهُ وَإِنْ كَانُوا يَرْجُونَ مَنْعَهُ لم أُحِبَّ أَنْ يُعَجِّلُوا
____________________

(4/257)


بِتَحْرِيقِهِ وَالْبَيْضُ ما لم يَكُنْ فيه فِرَاخٌ من غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ ( 1 ) بِمَعْنَى الْكُفَّارِ وما ذَبَحُوا من ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ حتى زَايَلَهُ الرُّوحُ بِمَنْزِلَةِ ما لَا رُوحَ له فَيُحْرَقُ كُلُّهُ إنْ أَدْرَكَهُمْ الْعَدُوُّ في بِلَادِ الْمُشْرِكِينَ على ما وَصَفْت إنْ شاؤوا ذلك وَإِنْ شاؤوا تَرَكُوهُ فَأَمَّا ذَوَاتُ الْأَرْوَاحِ من الْخَيْلِ وَالْبَقَرِ وَالنَّحْلِ وَغَيْرِهَا فَلَا تُحْرَقُ وَلَا تُعْقَرُ وَلَا تُغْرَقُ إلَّا بِمَا يَحِلُّ بِهِ ذَبْحُهَا أو في مَوْضِعِ ضَرُورَةٍ ( 2 ) فَقُلْت كِتَابُ اللَّهِ عز وجل ثُمَّ سُنَّةُ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى في بَنِي النَّضِيرِ حين حَارَبَهُمْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم هو الذي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا من أَهْلِ الْكِتَابِ قَرَأَ إلَى يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَوَصَفَ إخْرَابَهُمْ مَنَازِلَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَإِخْرَابَ الْمُؤْمِنِينَ بُيُوتَهُمْ وَوَصَفَهُ إيَّاهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ كَالرِّضَا بِهِ وَأَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِقَطْعِ نَخْلٍ من أَلْوَانِ نَخْلِهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رِضًا بِمَا صَنَعُوا من قَطْعِ نَخِيلِهِمْ ما قَطَعْتُمْ من لِينَةٍ أو تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً على أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ فَرَضِيَ الْقَطْعَ وَأَبَاحَ التَّرْكَ فَالْقَطْعُ وَالتَّرْكُ مَوْجُودَانِ في الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَطَعَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَتَرَكَ وَقَطَعَ نَخْلَ غَيْرِهِمْ وَتَرَكَ وَمِمَّنْ غَزَا من لم يَقْطَعْ نَخْلَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا أَنَسُ بن عِيَاضٍ عن مُوسَى بن عُقْبَةَ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَطَعَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن سَعْدِ بن إبْرَاهِيمَ عن بن شِهَابٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حَرَّقَ أَمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ فقال قَائِلٌ % وَهَانَ على سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ * % حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ % فَإِنْ قال قَائِلٌ وَلَعَلَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم حَرَّقَ مَالَ بَنِي النَّضِيرِ ثُمَّ تَرَكَ قِيلَ على مَعْنَى ما أَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل وقد قَطَعَ وَحَرَّقَ بِخَيْبَرَ وَهِيَ بَعْدَ النَّضِيرِ وَحَرَّقَ بِالطَّائِفِ وَهِيَ آخِرُ غُزَاةٍ قَاتَلَ بها وَأَمَرَ أُسَامَةَ بن زَيْدٍ أَنْ يُحَرِّقَ على أَهْلِ أُبْنَى ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا بَعْضُ أَصْحَابِنَا عن عبد اللَّهِ بن جَعْفَرٍ الْأَزْهَرِيِّ قال سَمِعْت بن شِهَابٍ يحدث عن عُرْوَةَ عن أُسَامَة بن زَيْدٍ قال أَمَرَنِي رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ أَغْزُوَ صَبَاحًا على أَهْلِ أُبْنَى وَأُحَرِّقَ - * الْخِلَافُ في التَّحْرِيقِ - * قُلْت لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهَلْ خَالَفَ ما قُلْت في هذا أَحَدٌ فقال نعم بَعْضُ إخْوَانِنَا من مُفْتِي الشَّامِيِّينَ فَقُلْت إلَى أَيِّ شَيْءٍ ذَهَبُوا قال إلَى أَنَّهُمْ رَوَوْا عن أبي بَكْرٍ أَنَّهُ نهى أَنْ يُخَرَّبَ عَامِرٌ وَأَنْ يُقْطَعَ شَجَرٌ مُثْمِرٌ فيها فِيمَا نهى عنه قُلْت فما الْحُجَّةِ عليه قال ما وَصَفْت من الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَقُلْت عَلَامَ تَعُدُّ نَهْيَ أبي بَكْرٍ عن ذلك فقال اللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَمَّا الظَّنُّ بِهِ فإنه سمع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يَذْكُرُ فَتْحَ الشَّامِ فَكَانَ على يَقِينٍ منه فَأَمَرَ بِتَرْكِ تَخْرِيبِ الْعَامِرِ وَقَطْعِ الْمُثْمِرِ لِيَكُونَ لِلْمُسْلِمِينَ لَا لِأَنَّهُ رَآهُ مُحَرَّمًا لِأَنَّهُ قد حَضَرَ مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم تَحْرِيقَهُ بِالنَّضِيرِ وَخَيْبَرَ وَالطَّائِفِ فَلَعَلَّهُمْ أَنْزَلُوهُ على غَيْرِ ما أَنْزَلَهُ عليه وَالْحُجَّةُ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل في صَنِيعِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال وَكُلُّ شَيْءٍ في وَصِيَّةِ أبي بَكْرٍ سِوَى هذا فبه ( ( ( فيه ) ) ) نَأْخُذُ - * ذَوَاتُ الْأَرْوَاحِ - * قُلْت لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَفَرَأَيْت ما ظَفِرَ الْمُسْلِمُونَ بِهِ من ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ من أَمْوَالِ الْمُشْرِكِينَ من الْخَيْلِ وَالنَّحْلِ وَغَيْرِهَا من الْمَاشِيَةِ فَقَدَرُوا على إتْلَافِهِ قبل أَنْ يَغْنَمُوهُ أو غَنِمُوهُ فَأَدْرَكَهُمْ الْعَدُوُّ فَخَافُوا أَنْ يَسْتَنْقِذُوهُ منهم
____________________

(4/258)


وَيَقْوَوْا بِهِ على الْمُسْلِمِينَ أَيَجُوزُ لهم إتْلَافُهُ بِذَبْحٍ أو عَقْرٍ أو تَحْرِيقٍ أو تَغْرِيقٍ في شَيْءٍ من الْأَحْوَالِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَحِلُّ عِنْدِي أَنْ يَقْصِدَ قَصْدَهُ بِشَيْءٍ يُتْلِفُهُ إذَا كان لَا رَاكِبَ عليه فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ وَلِمَ قُلْت وَإِنَّمَا هو مَالٌ من أَمْوَالِهِمْ لَا يُقْصَدُ قَصْدُهُ بِالتَّلَفِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) لِفِرَاقِهِ ما سِوَاهُ من الْمَالِ لِأَنَّهُ ذُو رُوحٍ يَأْلَمُ بِالْعَذَابِ وَلَا ذَنْبَ له وَلَيْسَ كما لَا رُوحَ له يَأْلَمُ بِالْعَذَابِ من أَمْوَالِهِمْ وقد نهى عن ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ أَنْ يُقْتَلَ ما قُدِرَ عليه منها إلَّا بِالذَّبْحِ لِتُؤْكَلَ وما امْتَنَعَ بِمَا نِيلَ من السِّلَاحِ لِتُؤْكَلَ وما كان منها عَدَاءً وَضَارًّا لِلضَّرُورَةِ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ اُذْكُرْ ما وَصَفْت فقال أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن صُهَيْبٍ مولى عبد اللَّهِ بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ( من قَتَلَ عُصْفُورًا فما فَوْقَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا سَأَلَهُ اللَّهُ عز وجل عن قَتْلِهَا ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فلما كان قَتْلُ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ من الْبَهَائِمِ مَحْظُورًا إلَّا بِمَا وَصَفْت كان عَقْرُ الْخَيْلِ وَالدَّوَابِّ التي لَا رُكْبَانَ عليها من الْمُشْرِكِينَ دَاخِلًا في مَعْنَى الْحَظْرِ خَارِجًا من مَعْنَى الْمُبَاحِ فلم يَجُزْ عِنْدِي أَنْ تَعْقِرَ ذَوَاتَ الْأَرْوَاحِ إلَّا على ما وَصَفْت فَإِنْ قال قَائِلٌ فَفِي ذلك غَيْظُ الْمُشْرِكِينَ وَقَطْعٌ لِبَعْضِ قُوَّتِهِمْ قِيلَ له إنَّمَا يُنَالُ من غَيْظِ الْمُشْرِكِينَ بِمَا كان غير مَمْنُوعٍ من أَنْ يُنَالَ فَأَمَّا الْمَمْنُوعُ فَلَا يُغَاظُ أَحَدٌ بِأَنْ يَأْتِيَ الْغَائِظُ له ما نهى عن إتْيَانِهِ أَلَا تَرَى أَنَّا لو سَبَيْنَا نِسَاءَهُمْ وَوِلْدَانَهُمْ فَأَدْرَكُونَا فلم نَشُكَّ في اسْتِنْفَاذِهِمْ إيَّاهُمْ مِنَّا لم يَجُزْ لنا قَتْلُهُمْ وَقَتْلُهُمْ أَغْيَظُ لهم وَأَنْكَى من قَتْلِ دَوَابِّهِمْ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَقَدْ روى أَنَّ جَعْفَرَ بن أبي طَالِبٍ عَقَرَ عِنْدَ الْحَرْبِ فَلَا أَحْفَظُ ذلك من وَجْهٍ يَثْبُتُ على الِانْفِرَادِ وَلَا أَعْلَمُهُ مَشْهُورًا عِنْدَ عَوَامِّ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَفَرَأَيْت الْفَارِسَ من الْمُشْرِكِينَ أَلِلْمُسْلِمِ أَنْ يَعْقِرَهُ قال نعم إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ هذه مَنْزِلَةٌ يَجِدُ السَّبِيلُ بها إلَى قَتْلِ من أُمِرَ بِقَتْلِهِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَاذْكُرْ ما يُشْبِهُ هذا قِيلَ يَكُونُ له أَنْ يَرْمِيَ الْمُشْرِكَ بِالنَّبْلِ وَالنَّارِ وَالْمَنْجَنِيقِ فإذا صَارَ أَسِيرًا في يَدَيْهِ لم يَكُنْ له أَنْ يَفْعَلَ ذلك بِهِ وكان له قَتْلُهُ بِالسَّيْفِ وَكَذَلِكَ له أَنْ يَرْمِيَ الصَّيْدَ فَيَقْتُلَهُ فإذا صَارَ في يَدَيْهِ لم يَقْتُلْهُ إلَّا بالذكاة ( ( ( بالذكاء ) ) ) التي هِيَ أَخَفُّ عليه وقد أُبِيحَ له دَمُ الْمُشْرِكِ بِالْمَنْجَنِيقِ وَإِنْ أَصَابَ ذلك بَعْضَ من مَعَهُمْ مِمَّنْ هو مَحْظُورُ الدَّمِ لِلْمَرْءِ في دَفْعِهِ عن نَفْسِهِ عَدُوَّهُ أَكْثَرَ من هذا فَإِنْ قال فَهَلْ في هذا خَبَرٌ قِيلَ نعم عَقَرَ حَنْظَلَةُ بن الرَّاهِبِ بِأَبِي سُفْيَانَ بن حَرْبٍ يوم أُحُدٍ فَرَسَهُ فانكسعت ( ( ( فانعكست ) ) ) بِهِ وَصُرِعَ عنها فَجَلَسَ حَنْظَلَةُ على صَدْرِهِ وَعَطَفَ بن شُعُوبٍ على حَنْظَلَةَ فَقَتَلَهُ وَذَلِكَ بين يَدَيْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فلم نَعْلَمْ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْكَرَ ذلك عليه وَلَا نَهَاهُ وَلَا نهى غَيْرَهُ عن مِثْلِ هذا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَكِنَّهُ إذَا صَارَ إلَى أَنْ يُفَارِقَهُ فَارِسُهُ لم يَكُنْ له عَقْرُهُ في تِلْكَ الْحَالِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَكَذَلِكَ لو كانت عليه امْرَأَةٌ أو صَبِيٌّ لَا يُقَاتِلُ لم يَعْقِرْ إنَّمَا يَعْقِرُ لِمَعْنَى أَنْ يُوَصِّلَ إلَى فَارِسِهِ لِيُقْتَلَ أو لِيُؤْسَرَ قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ فَهَلْ سَمِعْت في هذا حَدِيثًا عَمَّنْ بَعْدَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال إنَّمَا الْغَايَةُ أَنْ يُوجَدَ على شَيْءٍ دَلَالَةٌ من كِتَابٍ أو سُنَّةٍ وقد وَصَفْت لَك بَعْضَ ما حَضَرَنِي من ذلك فَلَا يَزِيدُهُ شَيْءٌ وَافَقَهُ قُوَّةً وَلَا يُوهِنُهُ شَيْءٌ خَالَفَهُ وقد بَلَغَنَا عن أبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ أَنَّهُ أَوْصَى ابْنَهُ لَا يَعْقِرُ جَسَدًا وَعَنْ عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ أَنَّهُ نهى عن عَقْرِ الدَّابَّةِ إذَا هِيَ قَامَتْ وَعَنْ قَبِيصَةَ أَنَّ فَرَسًا قام عليه بِأَرْضِ الرُّومِ فَتَرَكَهُ وَنَهَى عن عَقْرِهِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَخْبَرَنَا من سمع هِشَامَ بن الْغَازِي يَرْوِي عن مَكْحُولٍ أَنَّهُ سَأَلَهُ عنه فَنَهَاهُ وقال إنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن الْمُثْلَةِ قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ أفرايت ما أَدْرَكَ مَعَهُمْ من أَمْوَالِ الْمُشْرِكِينَ من ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ قال لَا تَعْقِرُوا منه شيئا إلَّا أَنْ تَذْبَحُوهُ لِتَأْكُلُوا كما وَصَفْت بِدَلَالَةِ السُّنَّةِ وَأَمَّا ما فَارَقَ ذَوَاتَ الْأَرْوَاحِ فَيَصْنَعُونَ فِيمَا خَافُوا أَنْ يُسْتَنْقَذَ من أَيْدِيهِمْ فيه ما شاؤوا من تَحْرِيقٍ وَكَسْرٍ وَتَغْرِيقٍ وَغَيْرِهِ قُلْت أو يَدَعُونَ أَوْلَادَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَدَوَابَّهُمْ فقال نعم إذَا لم يَقْدِرُوا على اسْتِنْقَاذِهِمْ منهم فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ أَفَرَأَيْت إنْ كان السَّبْيُ وَالْمَتَاعُ قُسِّمَ قال كُلُّ رَجُلٍ صَارَ له من ذلك شَيْءٌ فَهُوَ مُسَلَّطٌ على مَالِهِ وَيَدَعُ ذَوَاتَ الْأَرْوَاحِ إنْ لم يَقْوَ على سَوْقِهَا وَعَلَى مَنْعِهَا وَيَصْنَعُ
____________________

(4/259)


في غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ ما شَاءَ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ أَفَرَأَيْت الْإِمَامَ إذَا أَحْرَزَ ما يُحْمَلُ من الْمَتَاعِ فَحَرَّقَهُ في بِلَادِ الشِّرْكِ وهو يُقَاتِلُ أو حَرَّقَهُ عِنْدَ إدْرَاكِ الْمُشْرِكِينَ له وَخَوَّفَهُ أَنْ يَسْتَنْقِذُوهُ قبل أَنْ يُقْسَمَ وبعد ما قُسِمَ فقال كُلُّ ذلك في الْحُكْمِ سَوَاءٌ إنْ أَحْرَقَهُ بِإِذْنِ من معه حَلَّ له ولم يَضْمَنْ لهم سِوَاهُ وَيُعْزَلُ الْخُمُسُ لِأَهْلِهِ فَإِنْ سَلَّمَ بِهِ دَفَعَهُ إلَيْهِمْ خَاصَّةً وَإِنْ لم يُسَلِّمْ بِهِ لم يَكُنْ عليه شَيْءٌ وَمَتَى حَرَّقَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ ضَمِنَهُ لهم إنْ شاؤوا وَكَذَلِكَ رَجُلٌ من الْمُسْلِمِينَ إنْ حَرَّقَهُ يَضْمَنُ ما حَرَّقَ منه إنْ حَرَّقَهُ بَعْدَ أَنْ يَحُوزَهُ الْمُسْلِمُونَ فَأَمَّا إذَا أَحْرَقَهُ قبل أَنْ يُحْرِزَ فَلَا ضَمَانَ عليه - * السَّبْيُ يُقْتَلُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا أُسِرَ الْمُشْرِكُونَ فَصَارُوا في يَدِ الْإِمَامِ فَفِيهِمْ حُكْمَانِ أَمَّا الرِّجَالُ الْبَالِغُونَ فَلِلْإِمَامِ إنْ شَاءَ أَنْ يَقْتُلَهُمْ أو بَعْضَهُمْ أو يَمُنَّ عليهم أو على بَعْضِهِمْ وَلَا ضَمَانَ عليه فِيمَا صَنَعَ من ذلك أَسَرَتْهُمْ الْعَامَّةُ أو أَحَدٌ أو نَزَلُوا على حُكْمِهِمْ أو وَالٍ هو أَسَرَهُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَنْبَغِي له أَنْ يَقْتُلَهُمْ إلَّا على النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ من تَقْوِيَةِ دِينِ اللَّهِ عز وجل وَتَوْهِينِ عَدُوِّهِ وَغَيْظِهِمْ وَقَتْلِهِمْ بِكُلِّ حَالٍ مُبَاحٍ وَلَا يَنْبَغِي له ان يَمُنَّ عليهم إلَّا بِأَنْ يَكُونَ يَرَى له سَبَبًا مِمَّنْ مَنَّ عليه يَرْجُو إسْلَامَهُ أو كَفَّهُ الْمُشْرِكِينَ أو تَخْذِيلَهُمْ عن الْمُسْلِمِينَ أو تَرْهِيبَهُمْ بِأَيِّ وَجْهٍ ما كان وَإِنْ فَعَلَ على غَيْرِ هذا الْمَعْنَى كُرِهْتُ له وَلَا يَضْمَنُ شيئا وَكَذَلِكَ له أَنْ يفادى بِهِمْ الْمُسْلِمِينَ إذَا كان له الْمَنُّ بِلَا مُفَادَاةٍ فَالْمُفَادَاةُ أَوْلَى أَنْ تَكُونَ له ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَنْ أُرِقَّ منهم أو أُخِذَ منه فِدْيَةٌ فَهُوَ كَالْمَالِ الذي غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ وَيُخَمَّسُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَدُونَ الْبَالِغِينَ من الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إذَا أُسِرُوا بِأَيِّ وَجْهٍ ما كان الْإِسَارُ فَهُمْ كَالْمَتَاعِ الْمَغْنُومِ ليس له تَرْكُ أَحَدٍ منهم وَلَا قَتْلُهُ فَإِنْ فَعَلَ كان ضَامِنًا لِقِيمَتِهِ وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ من الْجُنْدِ إنْ فَعَلَ كان ضَامِنًا لِقِيمَةِ ما اسْتَهْلَكَ منهم وَأَتْلَفَ - * سِيَرُ الْوَاقِدِيِّ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال أَصْلُ فَرْضِ الْجِهَادِ وَالْحُدُودِ على الْبَالِغِينَ من الرِّجَالِ وَالْفَرَائِضِ على البوالغ من النِّسَاءِ من الْمُسْلِمِينَ في الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ من مَوْضِعَيْنِ فَأَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى { وإذا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمْ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كما اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ من قَبْلِهِمْ } فَأَخْبَرَ أَنَّ عليهم إذَا بَلَغُوا الِاسْتِئْذَانَ فَرْضًا كما كان على من قَبْلَهُمْ من الْبَالِغِينَ وَقَوْلُهُ عز وجل { وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حتى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ منهم رُشْدًا } وكان بُلُوغُ النِّكَاحِ اسْتِكْمَالَ خَمْسَ عَشَرَةَ وَأَقَلَّ فَمَنْ بَلَغَ النِّكَاحَ اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشَرَةَ أو قَبْلَهَا ثَبَتَ عليه الْفَرْضُ كُلُّهُ وَالْحُدُودُ وَمَنْ أَبْطَأَ عنه بُلُوغُ النِّكَاحِ فَالسِّنُّ التي يَلْزَمُهُ بها الْفَرَائِضُ من الْحُدُودِ وغيرها ( ( ( وغيرهما ) ) ) اسْتِكْمَالُ خَمْسَ عَشَرَةَ وَالْأَصْلُ فيه من السُّنَّةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَدَّ عَبْدَ اللَّهِ بن عُمَرَ عن الْجِهَادِ وهو بن أَرْبَعَ عَشَرَةَ سَنَةً وَأَجَازَهُ وهو بن خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً وَعَبْدُ اللَّهِ وابو عبد اللَّهِ طَالِبَانِ لَأَنْ يَكُونَ عبد اللَّهِ مُجَاهِدًا في الْحَالَيْنِ فَأَجَازَهُ إذَا بَلَغَ أَنْ تَجِبَ عليه الْفَرَائِضُ وَرَدَّهُ إذَا لم يَبْلُغْهَا وَفَعَلَ ذلك مع بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا منهم زَيْدُ بن ثَابِتٍ وَرَافِعُ بن خَدِيجٍ وَغَيْرُهُمْ فَمَنْ لم يَسْتَكْمِلْ خَمْسَ عَشَرَةَ ولم يَحْتَلِمْ قَبْلَهَا فَلَا جِهَادَ وَلَا حَدَّ عليه في شَيْءٍ من الْحُدُودِ وَسَوَاءٌ كان جَسِيمًا شَدِيدًا مُقَارِبًا لَخَمْسَ عَشَرَةَ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اسْتِكْمَالِهَا إلَّا يَوْمًا أو ضَعِيفًا ( 1 ) مُودِيًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اسْتِكْمَالِهَا سَنَةٌ أو سَنَتَانِ لِأَنَّهُ لَا يُحَدُّ على الْخَلْقِ
____________________

(4/260)


إلَّا كتاب ( ( ( بكتاب ) ) ) أو سُنَّةٍ فَأَمَّا إدْخَالُ الْغَفْلَةِ مَعَهُمَا فَالْغَفْلَةُ مَرْدُودَةٌ إذَا لم تَكُنْ خِلَافَهُمَا فَكَيْفَ إذَا كانت بِخِلَافِهِمَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَحَدُّ الْبُلُوغِ في أَهْلِ الشِّرْكِ الَّذِينَ يُقْتَلُ بَالِغُهُمْ وَيُتْرَكُ غَيْرُ بَالِغِهِمْ أَنْ يُنْبِتُوا الشَّعْرَ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ في الْحَالِ التي يُقْتَلُونَ فيها مُدَافِعُونَ لِلْبُلُوغِ لِئَلَّا يُقْتَلُوا وَغَيْرُ مَشْهُودٍ عليهم فَلَوْ شَهِدَ عليهم أَهْلُ الشِّرْكِ لم يَكُونُوا مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ وَأَهْلُ الْإِسْلَامِ يَشْهَدُونَ بِالْبُلُوغِ على من بَلَغَ فَيُصَدَّقُونَ بِالْبُلُوغِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ من خَبَرٍ سِوَى الْفَرْقِ بين الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ في حَدِّ الْبُلُوغِ قِيلَ نعم كَشَفَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَنِي قُرَيْظَةَ حين قَتَلَ مُقَاتِلَتِهِمْ وَسَبَى ذَرَارِيِّهِمْ فَكَانَ من سُنَّتِهِ أَنْ لَا يُقْتَلَ إلَّا رَجُلٌ بَالِغٌ فَمَنْ كان أَنْبَتَ قَتَلَهُ وَمَنْ لم يَكُنْ أَنْبَتَ سَبَاهُ فإذا غَزَا الْبَالِغُ فَحَضَرَ الْقِتَالَ فَسَهْمُهُ ثَابِتٌ وإذا حَضَرَ من دُونَ الْبُلُوغِ فَلَا سَهْمَ له فَيُرْضَخُ له وَلِلْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ يَحْضُرُونَ الْغَنِيمَةَ وَلَا يُسْهَمُ لهم وَيُرْضَخُ أَيْضًا لِلْمُشْرِكِ يُقَاتِلُ مَعَهُمْ وَلَا يُسْهَمُ له - * الِاسْتِعَانَةُ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ على قِتَالِ الْعَدُوِّ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الذي رَوَى مَالِكٌ كما رَوَى رَدَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مُشْرِكًا أو مُشْرِكِينَ في غُزَاةِ بَدْرٍ وَأَبَى أَنْ يَسْتَعِينَ إلَّا بِمُسْلِمٍ ثُمَّ أستعان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَعْدَ بَدْرٍ بِسَنَتَيْنِ في غُزَاةِ خَيْبَرَ بِعَدَدٍ من يَهُودِ بَنِي قَيْنُقَاعِ كَانُوا أَشِدَّاءَ وَاسْتَعَانَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في غُزَاةِ حُنَيْنٍ سَنَةَ ثَمَانٍ بِصَفْوَانَ بن أُمَيَّةَ وهو مُشْرِكٌ فَالرَّدُّ الْأَوَّلُ إنْ كان لِأَنَّ له الْخِيَارُ أَنْ يَسْتَعِينَ ( 1 ) بِمُسْلِمٍ أو يَرُدَّهُ كما يَكُونُ له رَدُّ الْمُسْلِمِ من مَعْنَى يَخَافُهُ منه أو لِشِدَّةٍ بِهِ فَلَيْسَ وَاحِدٌ من الْحَدِيثَيْنِ مُخَالِفًا لِلْآخَرِ وَإِنْ كان رَدَّهُ لِأَنَّهُ لم يَرَ أَنْ يَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ فَقَدْ نَسَخَهُ ما بَعْدَهُ من اسْتِعَانَتِهِ بِمُشْرِكِينَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُسْتَعَانَ بِالْمُشْرِكِينَ على قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ إذَا خَرَجُوا طَوْعًا وَيُرْضَخُ لهم وَلَا يُسْهَمُ لهم ولم يَثْبُتْ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ أَسْهَمَ لهم وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتْرُكَ الْعَبِيدَ من الْمُسْلِمِينَ بِلَا سَهْمٍ وَغَيْرِ الْبَالِغِينَ وَإِنْ قَاتَلُوا وَالنِّسَاءِ وَإِنْ قَاتَلْنَ لِتَقْصِيرِ هَؤُلَاءِ عن الرَّجُلِيَّةُ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْبُلُوغِ وَالْإِسْلَامِ وَيُسْهَمُ لِلْمُشْرِكِ وَفِيهِ التَّقْصِيرُ الْأَكْثَرُ من التَّقْصِيرِ عن الْإِسْلَامِ وَهَذَا قَوْلُ من حَفِظْت عنه وَإِنْ أُكْرِهَ أَهْلُ الذِّمَّةِ على أَنْ يَغْزُوا فَلَهُمْ أَجْرُ مِثْلِهِمْ في مِثْلِ مَخْرَجِهِمْ من أَهْلِهِمْ إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ الْحَرْبُ وَإِرْسَالُهُمْ إيَّاهُمْ وَأَحَبُّ إلَيَّ إذَا غَزَا بِهِمْ لو اُسْتُؤْجِرُوا - * الرَّجُلُ يُسْلِمُ في دَارِ الْحَرْبِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ من أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ كان مُشْرِكًا أو مُسْتَأْمَنًا فِيهِمْ أو أَسِيرًا في أَيْدِيهِمْ سَوَاءٌ ذلك كُلُّهُ فإذا خَرَجَ إلَى الْمُسْلِمِينَ بعد ما غَنِمُوا فَلَا يُسْهَمُ له وَهَكَذَا من جَاءَهُمْ من الْمُسْلِمِينَ مَدَدًا وَإِنْ بَقِيَ من الْحَرْبِ شَيْءٌ شَهِدَهَا هذا الْمُسْلِمُ الْخَارِجُ أو الجيش شَرِكُوهُمْ في الْغَنِيمَةِ لِأَنَّهَا لم تُحْرَزْ إلَّا بَعْدَ تقضى الْحَرْبِ وقال عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه ( الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ ) فَإِنْ حَضَرَ وَاحِدٌ من هَؤُلَاءِ فَارِسًا أُسْهِمَ له سَهْمُ فَارِسٍ وَإِنْ حَضَرَ رَاجِلًا أُسْهِمَ له سَهْمُ رَاجِلٍ فَإِنْ قَاتَلَ التُّجَّارُ مع الْمُسْلِمِينَ أُسْهِمَ لهم سهم فَرَسَانِ إنْ كَانُوا فُرْسَانًا وَسَهْمُ رجالة إنْ كَانُوا رَجَّالَةً - * في السَّرِيَّةِ تَأْخُذُ الْعَلَفَ وَالطَّعَامَ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ من الْجَيْشِ أَنْ يَأْخُذَ شيئا دُونَ الْجَيْشِ مِمَّا يَتَمَوَّلُهُ الْعَدُوُّ إلَّا الطَّعَامَ خَاصَّةً وَالطَّعَامُ كُلُّهُ سَوَاءٌ وفي مَعْنَاهُ الشَّرَابُ كُلُّهُ فَمَنْ قَدَرَ منهم على شَيْءٍ له أَنْ يَأْكُلَهُ أو يُشْرِبَهُ وَيَعْلِفَهُ وَيُطْعِمَهُ
____________________

(4/261)


غَيْرَهُ وَيَسْقِيَهُ وَيَعْلِفَ له وَلَيْسَ له أَنْ يَبِيعَهُ وإذا بَاعَهُ رَدَّ ثَمَنَهُ في الْمَغْنَمِ وَيَأْكُلُهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ وما كان حَلَالًا من مَأْكُولٍ أو مَشْرُوبٍ فَلَا مَعْنَى لِلْإِمَامِ فيه وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - * في الرَّجُلِ يُقْرِضُ الرَّجُلَ الطَّعَامَ أو الْعَلَفَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَقْرَضَ الرَّجُلُ رَجُلًا طَعَامًا أو عَلَفًا في بِلَادِ الْعَدُوِّ رَدَّهُ فَإِنْ خَرَجَ من بِلَادِ الْعَدُوِّ لم يَكُنْ له رَدُّهُ عليه لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ له في بِلَادِ الْعَدُوِّ في أَكْلِهِ وَغَيْرُ مَأْذُونٍ له إنْ فَارَقَ بِلَادَ الْعَدُوِّ في أَكْلِهِ وَيَرُدُّهُ الْمُسْتَقْرِضُ على الْإِمَامِ - * الرَّجُلُ يُخْرِجُ الشَّيْءَ من الطَّعَامِ أو الْعَلَفِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ فَضَلَ في يَدَيْهِ شَيْءٌ من الطَّعَامِ قَلَّ أو كَثُرَ فَخَرَجَ بِهِ من دَارِ الْعَدُوِّ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لم يَكُنْ له أَنْ يَبِيعَهُ وَلَا يَأْكُلَهُ وكان عليه أَنْ يَرُدَّهُ إلَى الْإِمَامِ فَيَكُونُ في الْمَغْنَمِ فان لم يَفْعَلْ حتى يَتَفَرَّقَ الْجَيْشُ فَلَا يُخْرِجُهُ منه إن يَتَصَدَّقَ بِهِ وَلَا بأضعافه كما لَا يُخْرِجُهُ من حَقٍّ وَاحِدٍ وَلَا جَمَاعَةَ إلَّا تَأْدِيَتَهُ إلَيْهِمْ فَإِنْ قال لَا أَجِدُهُمْ فَهُوَ يَجِدُ الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ الذي عليه تَفْرِيقُهُ فِيهِمْ وَلَا أَعْرِفُ لِقَوْلِ من قال يَتَصَدَّقُ بِهِ وَجْهًا فَإِنْ كان ليس له مالا فَلَيْسَ له الصَّدَقَةُ بِمَالِ غَيْرِهِ فَإِنْ قال لَا أَعْرِفُهُمْ قِيلَ وَلَكِنْ تَعْرِفُ الْوَالِي الذي يَقُومُ بِهِ عليهم وَلَوْ لم تَعْرِفْهُمْ وَلَا وَالِيهِمْ ما أَخْرَجَك فِيمَا بَيْنَك وَبَيْنَ اللَّهِ إلَّا أَدَاءُ قَلِيلِ ما لهم وَكَثِيرُهُ عليهم - * الْحُجَّةُ في الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ في دَارِ الْحَرْبِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ قال قَائِلٌ كَيْفَ أَجَزْت لِبَعْضِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ وَيَعْلِفَ مِمَّا أَصَابَ في دَارِ الْحَرْبِ ولم تَجُزْ له أَنْ يَأْكُلَ بَعْدَ فِرَاقِهِ إيَّاهَا قِيلَ إنَّ الْغُلُولَ حَرَامٌ وما كان في بِلَادِ الْحَرْبِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ منه شيئا دُونَ أَحَدٍ حَضَرَهُ فَهُمْ فيه شَرْعٌ سَوَاءٌ على ما قُسِمَ لهم فَلَوْ أَخَذَ إبْرَةً أو خَيْطًا كان مُحَرَّمًا وقد قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( أَدُّوا الْخَيْطَ وَالْمِخْيَطَ فإن الْغُلُولَ عَارٌ وَشَنَارٌ وَنَارٌ يوم الْقِيَامَةِ ) فَكَانَ الطَّعَامُ دَاخِلًا في مَعْنَى أَمْوَالِ الْمُشْرِكِينَ وَأَكْثَرُ من الْخَيْطِ وَالْمِخْيَطِ وَالْفَلْسِ وَالْخَرَزَةِ التي لَا يَحِلُّ أَخْذُهَا لِأَحَدٍ دُونَ أَحَدٍ فلما أَذِنَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الطَّعَامِ في بِلَادِ الْحَرْبِ كان الْإِذْنُ فيه خَاصًّا خَارِجًا من الْجُمْلَةِ ( 1 ) التي اسْتَثْنَى فلم يَجُزْ أَنْ نُجِيزَ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْكُلَ إلَّا حَيْثُ أَمَرَهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالْأَكْلِ وهو بِبِلَادِ الْحَرْبِ خَاصَّةً فإذا زَايَلَهَا لم يَكُنْ بِأَحَقَّ بِمَا أَخَذَ من الطَّعَامِ من غَيْرِهِ كما لَا يَكُونُ بِأَحَقَّ بِمِخْيَطٍ لو أَخَذَهُ من غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ ما أَحَلَّ من مُحَرَّمٍ في مَعْنَى لَا يَحِلُّ إلَّا في ذلك الْمَعْنَى خَاصَّةً فإذا زَايَلَ ذلك الْمَعْنَى عَادَ إلَى أَصْلِ التَّحْرِيمِ مَثَلًا الْمَيْتَةُ الْمُحَرَّمَةُ في الْأَصْلِ الْمُحَلَّةِ لِلْمُضْطَرِّ فإذا زَايَلَتْ الضَّرُورَةَ عَادَتْ إلَى أَصْلِ التَّحْرِيمِ مع أَنَّهُ يُرْوَى من حديث بَعْضِ الناس مِثْلُ ما قُلْت من أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَذِنَ لهم أَنْ يَأْكُلُوا في بِلَادِ الْعَدُوِّ وَلَا يَخْرُجُوا بِشَيْءٍ من الطَّعَامِ فَإِنْ كان مِثْلُ هذا ثَبَتَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلَا حُجَّةَ لِأَحَدٍ معه وَإِنْ كان لَا يَثْبُتُ لِأَنَّ في رِجَالِهِ من يَجْهَلُ وَكَذَلِكَ في رِجَالِ من روى عنه إحْلَالُهُ من يُجْهَلُ
____________________

(4/262)


- * بَيْعُ الطَّعَامِ في دَارِ الْحَرْبِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا تَبَايَعَ رَجُلَانِ طَعَامًا بِطَعَامٍ في بِلَادِ الْعَدُوِّ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَ مُبَاحًا بِمُبَاحٍ فَأَكَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ما صَارَ إلَيْهِ ما لم يَخْرُجْ فإذا خَرَجَ رَدَّ الْفَضْلَ فإذا جَازَ له أَنْ يَأْخُذَ طَعَامًا فَيُطْعِمَهُ غَيْرَهُ لِأَنَّهُ قد كان يَحِلُّ لِغَيْرِهِ أَنْ يَأْخُذَ كما أَخَذَ فَيَأْكُلَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُبَايِعَهُ بِهِ - * الرَّجُلُ يَكُونُ معه الطَّعَامُ في دَارِ الْحَرْبِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا فَضَلَ في يَدَيْ رَجُلٍ طَعَامٌ بِبِلَادِ الْعَدُوِّ بَعْدَ تقضى الْحَرْبِ وَدَخَلَ رَجُلٌ لم يُشْرِكْهُمْ في الْغَنِيمَةِ فَبَايَعَهُ لم يَجُزْ له بَيْعُهُ لِأَنَّهُ أَعْطَى من ليس له أَكْلُهُ وَالْبَيْعُ مَرْدُودٌ فَإِنْ فَاتَ رَدَّ قِيمَتَهُ إلَى الْإِمَامِ ولم يَكُنْ له حَبْسُهَا وَلَا إخْرَاجُهَا من يَدَيْهِ إلَى من ليس له أَكْلُهَا وكان كَإِخْرَاجِهِ إيَّاهَا من بِلَادِ الْعَدُوِّ إلَى الْمَوْضِعِ الذي ليس له أَكْلُهَا فيه - * ذَبْحُ الْبَهَائِمِ من أَجْلِ جُلُودِهَا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَحَبُّ إلَيَّ إذَا كَانُوا غير مُتَفَاوِتِينَ وَلَا خَائِفِينَ من أَنْ يُدْرَكُوا في بِلَادِ الْعَدُوِّ وَلَا مُضْطَرِّينَ أَنْ لَا يَذْبَحُوا شَاةً وَلَا بَعِيرًا وَلَا بَقَرَةً إلَّا لِمَأْكَلِهِ وَلَا يَذْبَحُوا لِنَعْلٍ وَلَا شِرَاكٍ وَلَا سِقَاءٍ يَتَّخِذُونَهَا من جُلُودِهَا وَلَوْ فَعَلُوا كان مِمَّا أَكْرَهُ ولم أُجِزْ لهم اتِّخَاذَ شَيْءٍ من جُلُودِهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَجُلُودُ الْبَهَائِمِ التي يَمْلِكُهَا الْعَدُوُّ كَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَذِنَ لهم في الْأَكْلِ من لُحُومِهَا ولم يُؤْذَنْ لهم في ادِّخَارِ جُلُودِهَا وَأَسْقِيَتِهَا وَعَلَيْهِمْ رَدُّهُ إلَى الْمَغْنَمِ وإذا كانت الرُّخْصَةُ في الطَّعَامِ خَاصَّةً فَلَا رُخْصَةَ في جِلْدِ شَيْءٍ من الْمَاشِيَةِ وَلَا ظَرْفَ فيه طَعَامٌ لِأَنَّ الظَّرْفَ غَيْرُ الطَّعَامِ وَالْجِلْدَ غَيْرُ اللَّحْمِ فَيُرَدُّ الظَّرْفُ وَالْجِلْدُ وَالْوِكَاءُ فَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَإِنْ انْتَفَعَ بِهِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ حتى يَرُدَّهُ وما نَقَصَهُ الِانْتِفَاعُ وَأَجْرُ مِثْلِهِ إنْ كان لِمِثْلِهِ أَجْرٌ - * كُتُبُ الْأَعَاجِمِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وما وُجِدَ من كُتُبِهِمْ فَهُوَ مَغْنَمٌ كُلُّهُ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَدْعُوَ من يُتَرْجِمُهُ فَإِنْ كان عِلْمًا من طِبٍّ أو غَيْرِهِ لا مَكْرُوهَ فيه بَاعَهُ كما يَبِيعُ ما سِوَاهُ من الْمَغَانِمِ وَإِنْ كان كِتَابَ شِرْكٍ شَقُّوا الْكِتَابَ وَانْتَفَعُوا بِأَوْعِيَتِهِ وَأَدَاتِهِ فَبَاعَهَا وَلَا وَجْهَ لِتَحْرِيقِهِ وَلَا دَفْنِهِ قبل أَنْ يَعْلَمَ ما هو - * تَوْقِيحُ الدَّوَابِّ من دُهْنِ الْعَدُوِّ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يُوَقِّحُ الرَّجُلُ دَابَّتَهُ وَلَا يُدْهِنُ أَشَاعِرَهَا من أَدْهَانِ الْعَدُوِّ لِأَنَّ هذا غَيْرُ مَأْذُونٍ له بِهِ من الْأَكْلِ وَإِنْ فَعَلَ رَدَّ قِيمَتَهُ - * زُقَاقُ الْخَمْرِ وَالْخَوَابِي - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ على بِلَادِ الْحَرْبِ حتى تَصِيرَ دَارَ الْإِسْلَامِ أو ذِمَّةٍ يَجْرِي عليها الْحُكْمُ فَأَصَابُوا فيها خَمْرًا في خَوَابٍ أو زُقَاقٍ أهراقوا الْخَمْرَ وَانْتَفَعُوا بِالزُّقَاقِ وَالْخَوَابِي وَطَهَّرُوهَا ولم يَكْسِرُوهَا لِأَنَّ كَسْرَهَا فَسَادٌ وإذا لم يَظْهَرُوا عليها وكان ظَفَرُهُمْ بها ظَفَرَ غَارَةٍ لَا ظَفَرَ أَنْ يَجْرِيَ بها حُكْمٌ أهراقوا الْخَمْرَ من الزُّقَاقِ
____________________

(4/263)


وَالْخَوَابِي فَإِنْ اسْتَطَاعُوا حَمْلَهَا أو حَمْلَ ما خَفَّ منها حَمَلُوهُ مَغْنَمًا وَإِنْ لم يَسْتَطِيعُوا أَحْرَقُوهُ وَكَسَرُوهُ إذَا سَارُوا وإذا ظَفِرُوا بِالْكُشُوثِ في الْحَالَيْنِ انْتَفَعُوا بِهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ ما ظَهَرُوا عليه غَيْرُ مُحَرَّمٍ وَلَيْسَ الْكَشُوثُ وَإِنْ كان غير مُحَرَّمٍ وَإِنْ كان يُطْرَحُ في السُّكَّرِ إذَا كان حَلَالًا بِأَوْلَى أَنْ يُحَرَّمَ من الزَّبِيبِ وَالْعَسَلِ اللَّذَيْنِ يُعْمَلُ مِنْهُمَا الْمُحَرَّمُ وَلَا يُحَرَّقُ هذا وَلَا هذا لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُحَرَّمَيْنِ - * إحْلَالُ ما يَمْلِكُهُ الْعَدُوُّ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا دخل الْقَوْمُ بِلَادَ الْعَدُوِّ فَأَصَابُوا منها شيئا سِوَى الطَّعَامِ فَأَصْلُ ما يُصِيبُونَهُ سِوَى الطَّعَامِ شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا مَحْظُورٌ أَخْذُهُ غُلُولٌ وَالْآخَرُ مُبَاحٌ لِمَنْ أَخَذَهُ فَأَصْلُ مَعْرِفَةِ الْمُبَاحِ منه أَنْ يُنْظَرَ إلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ فما كان فيها مُبَاحًا من شَجَرٍ ليس يَمْلِكُهُ الْآدَمِيُّ أو صَيْدٌ من بَرٍّ أو بَحْرٍ فَأَخَذَ مثله في بِلَادِ الْعَدُوِّ فَهُوَ مُبَاحٌ لِمَنْ أَخَذَهُ يَدْخُلُ في ذلك الْقَوْسُ يَقْطَعُهَا الرَّجُلُ من الصَّحْرَاءِ أو الْجَبَلُ وَالْقَدَحُ يَنْحِتُهُ وما شَاءَ من الْخَشَبِ وما شَاءَ من الْحِجَارَةِ الْبِرَامِ وَغَيْرِهَا إذَا كانت غير مَمْلُوكَةٍ مُحْرَزَةٍ فَكُلُّ ما أُصِيبَ من هذه فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ لِأَنَّ أَصْلَهُ مُبَاحٌ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَكُلُّ ما مَلَكَهُ الْقَوْمُ فَأَحْرَزُوهُ في مَنَازِلِهِمْ فَهُوَ مَمْنُوعٌ مِثْلُ حَجَرٍ نَقَلُوهُ إلَى مَنَازِلِهِمْ أو عُودٍ أو غَيْرِهِ أو صَيْدٍ فَأَخْذُ هذا غُلُولٌ - * الْبَازِي الْمُعَلَّمُ وَالصَّيْدُ الْمُقَرَّطُ وَالْمُقَلَّدُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَخَذَ الرَّجُلُ بَازِيًا مُعَلَّمًا فَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا مَمْلُوكًا وَيَرُدُّهُ في المغنم ( ( ( الغنم ) ) ) وَهَكَذَا إنْ أَخَذَ صَيْدًا مُقَلَّدًا أو مُقَرَّطًا أو مَوْسُومًا فَكُلُّ هذا قد عُلِمَ أَنَّهُ قد كان له مَالِكٌ وَهَكَذَا إنْ وَجَدَ في الصَّحْرَاءِ وَتَدًا مَنْحُوتًا أو قَدَحًا مَنْحُوتًا كان النَّحْتُ دَلِيلًا على أَنَّهُ مَمْلُوكٌ فَيُعَرَّفُ فَإِنْ عَرَفَهُ الْمُسْلِمُونَ فَهُوَ لهم وَإِنْ لم يَعْرِفُوهُ فَهُوَ مَغْنَمٌ لِأَنَّهُ في بِلَادِ الْعَدُوِّ - * في الْهِرِّ وَالصَّقْرِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وما وَجَدْنَا من أَمْوَالِ الْعَدُوِّ من كل شَيْءٍ له ثَمَنٌ من هِرٍّ أو صَقْرٍ فَهُوَ مَغْنَمٌ وما أُصِيبَ من الْكِلَابِ فَهُوَ مَغْنَمٌ إنْ أَرَادَهُ أَحَدٌ لِصَيْدٍ أو مَاشِيَةٍ أو زَرْعٍ وَإِنْ لم يَكُنْ في الْجَيْشِ أَحَدٌ يُرِيدُهُ لِذَلِكَ لم يَكُنْ لهم حَبْسُهُ لِأَنَّ من اقْتَنَاهُ لِغَيْرِ هذا كان آثِمًا وَرَأَيْت لِصَاحِبِ الْجَيْشِ أَنْ يُخْرِجَهُ فَيُعْطِيَهُ أَهْلَ الْأَخْمَاسِ من الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُمْ إنْ أَرَادَهُ أَحَدٌ منهم لِزَرْعٍ أو مَاشِيَةٍ أو صَيْدٍ فَإِنْ لم يَرُدَّهُ قَتَلَهُ أو خَلَّاهُ وَلَا يَكُونُ له بَيْعُهُ وما أَصَابَ من الْخَنَازِيرِ فَإِنْ كانت تَعْدُو إذَا كَبِرَتْ أمرته ( ( ( يقتلها ) ) ) بقتلها كُلَّهَا وَلَا تَدْخُلُ مَغْنَمًا بِحَالٍ وَلَا تُتْرَكُ وَهُنَّ عَوَادٍ إذَا قَدَرَ على قَتْلِهَا فَإِنْ عَجَّلَ بِهِ مَسِيرٌ خَلَّاهَا ولم يَكُنْ تَرْكُ قَتْلِهَا بِأَكْثَرَ من تَرْكِ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ لو كَانُوا بِإِزَائِهِ - * في الْأَدْوِيَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الطَّعَامُ مُبَاحٌ أَنْ يُؤْكَلَ في بِلَادِ الْعَدُوِّ وَكَذَلِكَ الشَّرَابُ وَإِنَّمَا ذَهَبْنَا إلَى ما يَكُونُ مَأْكُولًا مُغْنِيًا من جُوعٍ وَعَطَشٍ وَيَكُونُ قُوتًا في بَعْضِ أَحْوَالِهِ فَأَمَّا الْأَدْوِيَةُ كُلُّهَا فَلَيْسَتْ من حِسَابِ الطَّعَامِ الْمَأْذُونِ وَكَذَلِكَ الزَّنْجَبِيلُ وهو مربب ( ( ( مريب ) ) ) وَغَيْرُ مربب ( ( ( مريب ) ) ) إنَّمَا هو من حِسَابِ الْأَدْوِيَةِ وَأَمَّا الْأَلَايَا فَطَعَامٌ يُؤْكَلُ فما كان من حِسَابِ الطَّعَامِ فَلِصَاحِبِهِ أَكْلُهُ لَا يُخْرِجُهُ من بِلَادِ الْعَدُوِّ وما كان من حِسَابِ الدَّوَاءِ فَلَيْسَ له أَخْذُهُ في بِلَادِ الْعَدُوِّ وَلَا غَيْرِهَا
____________________

(4/264)


- * الحربي يسلم وعنده أكثر من أربع نسوة - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَسْلَمَ الرَّجُلُ الْحَرْبِيُّ وَثَنِيًّا كان أو كِتَابِيًّا وَعِنْدَهُ أَكْثَرُ من أَرْبَعِ نِسْوَةٍ نَكَحَهُنَّ في عَقْدَةٍ أو عِقَدٍ مُتَفَرِّقَةٍ أو دخل بِهِنَّ كُلِّهِنَّ أو دخل بِبَعْضِهِنَّ دُونَ بَعْضٍ أو فِيهِنَّ أُخْتَانِ أو كُلُّهُنَّ غَيْرُ أُخْتٍ لِلْأُخْرَى قِيلَ له أَمْسِكْ أَرْبَعًا أَيَّتُهُنَّ شِئْت ليس في الْأَرْبَعِ أُخْتَانِ تَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَلَا يُنْظَرُ في ذلك إلَى نِكَاحِهِ أَيَّةَ كانت قَبْلُ وَبِهَذَا مَضَتْ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا الثِّقَةُ وَأَحْسَبُهُ بن عُلَيَّةَ عن مَعْمَرٍ عن بن شِهَابٍ عن سَالِمٍ عن أبيه أَنَّ غَيْلَانَ بن سَلَمَةَ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ فقال له رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ أَنَّ رَجُلًا من ثَقِيفٍ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ فقال له رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ ) ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرني من سمع بن أبي الزِّنَادِ يقول أخبرني عبد الْمَجِيدِ بن سُهَيْلِ بن عبد الرحمن بن عَوْفٍ عن عَوْفِ بن الحرث عن نَوْفَلِ بن مُعَاوِيَةَ الدَّيْلَمِيِّ قال أَسْلَمْت وَعِنْدِي خَمْسُ نِسْوَةٍ فقال لي رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( أَمْسِكْ أَرْبَعًا أَيَّتُهُنَّ شِئْت وَفَارِقْ الْأُخْرَى ) فَعَمَدْت إلَى أَقْدَمِهِنَّ صُحْبَةً عَجُوزٌ عَاقِرٌ مَعِي مُنْذُ سِتِّينَ سَنَةً فَطَلَّقْتُهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس في هذا فقال إذَا أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ أَكْثَرُ من أَرْبَعِ نِسْوَةٍ فَإِنْ كان نَكَحَهُنَّ في عَقْدَةٍ فَارَقَهُنَّ كُلَّهُنَّ وَإِنْ كان نَكَحَ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ في عِقَدٍ مُتَفَرِّقَةٍ فِيهِنَّ أُخْتَانِ أَمْسَكَ الْأُولَى وَفَارَقَ التي نَكَحَ بَعْدَهَا وَإِنْ كان نَكَحَهُنَّ في عِقَدٍ مُتَفَرِّقَةٍ أَمْسَكَ الْأَرْبَعَ الْأَوَائِلَ وَفَارَقَ اللَّوَاتِي بَعْدَهُنَّ وقال أنظر في هذا إلَى كل ما لو ابْتَدَأَهُ في الْإِسْلَامِ جَازَ له فَأَجْعَلُهُ إذَا ابْتَدَأَهُ في الشِّرْكِ جَائِزًا له وإذا كان إذَا ابْتَدَأَهُ في الْإِسْلَامِ لم يَجُزْ له جَعَلْتُهُ إذَا ابْتَدَأَهُ في الشِّرْكِ غير جَائِزٍ له ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقُلْت لِبَعْضِ من يقول هذا الْقَوْلَ لو لم يَكُنْ عَلَيْك حُجَّةٌ إلَّا أَصْلَ الْقَوْلِ الذي ذَهَبْت إلَيْهِ كُنْت مَحْجُوجًا بِهِ قال وَمِنْ أَيْنَ قُلْت أَرَأَيْت أَهْلَ الْأَوْثَانِ لو ابْتَدَأَ رَجُلٌ نِكَاحًا في الْإِسْلَامِ بولي ( ( ( لولي ) ) ) منهم وَشُهُودٌ منهم أَيَجُوزُ نِكَاحُهُ قال لَا قُلْت أَفَرَأَيْت أَحْسَنَ حَالِ نِكَاحٍ كان لِأَهْلِ الْأَوْثَانِ قَطُّ أَلَيْسَ أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ بِوَلِيٍّ منهم وَشُهُودٍ منهم قال بَلَى قُلْت فَكَانَ يَلْزَمُك في أَصْلِ قَوْلِك أَنْ يَكُونَ نِكَاحُهُنَّ كُلُّهُنَّ بَاطِلًا لِأَنَّ أَحْسَنَ شَيْءٍ كان منه عِنْدَك لَا يَجُوزُ في الْإِسْلَامِ مع انهم قد كَانُوا يَنْكِحُونَ في الْعِدَّةِ وَبِغَيْرِ شُهُودٍ قال فَقَدْ أَجَازَ الْمُسْلِمُونَ لهم نِكَاحَهُمْ قُلْنَا اتِّبَاعًا لِأَمْرِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَنْتَ لم تَتَّبِعْ فيه أَمْرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذْ كان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حَكَمَ في نِكَاحِهِنَّ حُكْمًا جَمَعَ أُمُورًا فَكَيْفَ خَالَفْت بَعْضَهَا وَوَافَقْت بَعْضَهَا قال فَأَيْنَ ما خَالَفْت منها قُلْت مَوْجُودٌ على لِسَانِك لو لم يَكُنْ فيه خَبَرٌ غَيْرُهُ قال وَأَيْنَ قُلْت إذْ زَعَمْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَفَا لهم عن الْعَقْدِ الْفَاسِدِ في الشِّرْكِ حتى أَقَامَهُ مَقَامَ الصَّحِيحِ في الْإِسْلَامِ فَكَيْفَ لم تُعْفِهِ لهم فَتَقُولَ بِمَا قُلْنَا قال وَأَيْنَ عَفَا لهم عن النِّكَاحِ الْفَاسِدِ قُلْت نِكَاحُ أَهْلِ الْأَوْثَانِ كُلُّهُ قال فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ فَاسِدٌ لو اُبْتُدِئَ في الْإِسْلَامِ وَلَكِنْ اتَّبَعْت فيه الْخَبَرَ قُلْنَا فإذا كان مَوْجُودًا في الْخَبَرِ أَنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ في الشِّرْكِ كَالْعَقْدِ في الْإِسْلَامِ كَيْفَ لم تَقُلْ فيه بِقَوْلِنَا تَزْعُمُ ان الْعُقُودَ كُلَّهَا فَاسِدَةٌ وَلَكِنَّهَا مَاضِيَةٌ فَهِيَ مَعْفُوَّةٌ وما أَدْرَكَ الْإِسْلَامُ من النِّسَاءِ وهو بَاقٍ فَهُوَ غَيْرُ مَعْفُوِّ الْعَدَدِ فيه فَنَقُولُ أَصْلُ الْعَقْدِ كُلِّهِ فَاسِدٌ مَعْفُوٌّ عنه وَغَيْرُ مَعْفُوٍّ عَمَّا زَادَ من الْعَدَدِ فاترك ما زَادَ على أَرْبَعٍ وَالتَّرْكُ إلَيْك وَأَمْسِكْ أَرْبَعًا قال فَهَلْ تَجِدُ على هذا دَلَالَةً غير الْخَبَرِ مِمَّا نجامعك ( ( ( تجامعك ) ) ) عليه قُلْت نعم قال اللَّهُ عز وجل { اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ من الرِّبَا إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } إلَى { تُظْلَمُونَ } فَعَفَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَمَّا قَبَضُوا من الرِّبَا فلم يَأْمُرْهُمْ بِرَدِّهِ وَأَبْطَلَ ما أَدْرَكَ حُكْمَ الْإِسْلَامِ من الرِّبَا ما لم يَقْبِضُوهُ فَأَمَرَهُمْ بِتَرْكِهِ وَرَدَّهُمْ إلَى رؤوس أَمْوَالِهِمْ التي كانت حَلَالًا لهم فَجَمَعَ حُكْمَ اللَّهِ ثُمَّ حُكْمَ رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
____________________

(4/265)


في الرِّبَا أن عَفَا عما فَاتَ وَأَبْطَلَ ما أَدْرَكَ الْإِسْلَامُ فَكَذَلِكَ حُكْمُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في النِّكَاحِ كانت الْعُقْدَةُ فيه ثَابِتَةً فَعَفَاهَا وَأَكْثَرُ من أَرْبَعِ نِسْوَةٍ مُدْرِكَاتٍ في الْإِسْلَامِ فلم يَعْفُهُنَّ وَأَنْتَ لم تَقُلْ بِأَصْلِ ما قُلْت وَلَا الْقِيَاسُ على حُكْمِ اللَّهِ وَلَا الْخَبَرُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وكان قَوْلُك خَارِجًا من هذا كُلِّهِ وَمِنْ الْمَعْقُولِ قال أَفَرَأَيْت لو تَرَكْت حَدِيثَ نَوْفَلِ بن مُعَاوِيَةَ وَحَدِيثَ بن الدَّيْلَمِيِّ اللَّذَيْنِ فِيهِمَا الْبَيَانُ لِقَوْلِك وَخِلَافُ قَوْلِنَا وَاقْتَصَرْت على حديث الزُّهْرِيِّ أَيَكُونُ فيه دَلَالَةٌ على قَوْلِك وَخِلَافُ قَوْلِنَا قُلْنَا نعم قال وَأَيْنَ قُلْت إذَا كَانُوا مُبْتَدِئِينَ في الْإِسْلَامِ لَا يَعْرِفُونَ بِابْتِدَائِهِ حَلَالًا وَلَا حَرَامًا من نِكَاحٍ وَلَا غَيْرِهِ فَعَلَّمَهُمْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ لَا يُمْسِكُوا أَكْثَرَ من أَرْبَعٍ دَلَّ الْمَعْقُولُ على أَنَّهُ لو كان أَمَرَهُمْ أَنْ يُمْسِكُوا الْأَوَائِلَ كان ذلك فِيمَا يُعْلِمُهُمْ لِأَنَّ كُلًّا نِكَاحٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَلِيلًا ثُمَّ هو أَوْلَى ثُمَّ أَحْرَى مع أَنَّ حَدِيثَ نَوْفَلِ بن مُعَاوِيَةَ ثَبَتَ قاطع ( ( ( قاطعا ) ) ) لِمَوْضِعِ الِاحْتِجَاجِ وَالشُّبْهَةِ - * الْحَرْبِيُّ يُصَدِّقُ امْرَأَتَهُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَصْلُ نِكَاحِ الْحَرْبِيِّ كُلِّهِ فَاسِدٌ سَوَاءٌ كان بِشُهُودٍ أو بِغَيْرِ شُهُودٍ وَلَوْ تَزَوَّجَ الْحَرْبِيُّ حَرْبِيَّةً على حَرَامٍ من خَمْرٍ أو خِنْزِيرٍ فَقَبَضَتْهُ ثُمَّ أَسْلَمَا لم يَكُنْ لها عليه مَهْرٌ وَلَوْ أَسْلَمَا ولم تَقْبِضْهُ كان لها عليه مَهْرُ مِثْلِهَا وَلَوْ تَزَوَّجَهَا على حُرٍّ مُسْلِمٍ أو مُكَاتَبٍ لِمُسْلِمٍ أو أُمِّ وَلَدٍ لِمُسْلِمٍ أو عَبْدٍ لِمُسْلِمٍ ثُمَّ أَسْلَمَا وقد قَبَضَتْ أو لم تَقْبِضْ لم يَكُنْ لها سَبِيلٌ على وَاحِدٍ منهم كان الْحُرُّ حُرًّا وَمَنْ بَقِيَ مَمْلُوكًا لِمَالِكِهِ الْأَوَّلِ وَالْمُكَاتَبُ مُكَاتَبٌ لِمَالِكِهِ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا في هذا كُلِّهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُوَفِّقُ - * كَرَاهِيَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ الْحَرْبِيَّاتِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَحَلَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى نِسَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَأَحَلَّ طَعَامَهُمْ فَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ إلَى أَنَّ طَعَامَهُمْ ذَبَائِحُهُمْ فَكَانَ هذا على الْكِتَابِيِّينَ مُحَارَبِينَ كَانُوا أو ذِمَّةً لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِمْ قَصْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ فَنِكَاحُ نِسَائِهِمْ حَلَالٌ لَا يَخْتَلِفُ في ذلك أَهْلُ الْحَرْبِ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ كما لو كان عِنْدَنَا مُسْتَأْمَنٌ غَيْرُ كِتَابِيٍّ وكان عِنْدَنَا ذِمَّةٌ مَجُوسٌ فلم تُحَلَّلْ نِسَاؤُهُمْ إنَّمَا رَأَيْنَا الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ فِيهِمْ على أَنْ يَكُنَّ كِتَابِيَّاتٍ من أَهْلِ الْكِتَابِ الْمَشْهُورِ من أَهْلِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَهُمْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَيَحْلُلْنَ وَلَوْ كُنَّ يَحْلُلْنَ في الصُّلْحِ وَالذِّمَّةِ وَيَحْرُمْنَ من الْمُحَارَبَةِ حَلَّ الْمَجُوسِيَّاتُ وَالْوَثَنِيَّاتُ إذَا كُنَّ مُسْتَأْمَنَاتٍ غير إنا نَخْتَارُ لِلْمَرْءِ أَنْ لَا يَنْكِحَ حَرْبِيَّةً خَوْفًا على وَلَدِهِ أَنْ يُسْتَرَقَّ وَيُكْرَهُ له أَنْ لو كانت مُسْلِمَةً بين ظَهْرَانَيْ أَهْلِ الْحَرْبِ أَنْ يَنْكِحَهَا خَوْفًا على وَلَدِهِ أَنْ يَسْتَرِقُوا أو يُفْتَنُوا فَأَمَّا تَحْرِيمُ ذلك فَلَيْسَ بِمُحَرَّمٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - * من أَسْلَمَ على شَيْءٍ غَصَبَهُ أو لم يَغْصِبْهُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى رَوَى بن أبي مُلَيْكَةَ مُرْسَلًا أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ( من أَسْلَمَ على شَيْءٍ فَهُوَ له ) وكان مَعْنَى ذلك من أَسْلَمَ على شَيْءٍ يَجُوزُ له مِلْكُهُ فَهُوَ له وَذَلِكَ كُلُّ ما كان جَائِزًا لِلْمُسْلِمِ من الْمُشْرِكِينَ أَسْلَمَ عليه مِمَّا أَخَذَهُ من مَالِ مُشْرِكٍ لَا ذِمَّةَ له فَإِنْ غَصَبَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مَالًا أو اسْتَرَقَّ منهم حُرًّا فلم يَزَلْ في يَدِهِ مَوْقُوفًا حتى أَسْلَمَ عليه فَهُوَ له وَكَذَلِكَ ما أَصَابَ من أَمْوَالِهِمْ فَأَسْلَمَ عليها فَهِيَ له وهو إذَا أَسْلَمَ وقد مَضَى ذلك منه في الْجَاهِلِيَّةِ كَالْمُسْلِمِينَ يوجفون على أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ فَيَكُونُ لهم أَنْ يَسْبُوهُمْ فَيَسْتَرِقُّوهُمْ وَيَغْنَمُوا أَمْوَالَهُمْ فيتمولونها إلَّا أَنَّهُ لَا خُمُسَ عليهم من أَجْلِ أَنَّهُ أَخَذَهُ وهو مُشْرِكٌ فَهُوَ له كُلُّهُ وَمَنْ أَخَذَ من الْمُشْرِكِينَ من أَحَدٍ من الْمُسْلِمِينَ حُرًّا
____________________

(4/266)


أو عَبْدًا أو أُمَّ وَلَدٍ أو مَالًا فَأَحْرَزَهُ عليه ثُمَّ أَسْلَمَ عليه فَلَيْسَ له منه شَيْءٌ وَكَذَلِكَ لو أَوْجَفَ الْمُسْلِمُونَ عليه في يَدَيْ من أَخَذَهُ كان عليهم رَدُّ ذلك كُلِّهِ بِلَا قِيمَةٍ قبل الْقَسْمِ وَبَعْدَهُ لَا يَخْتَلِفُ ذلك وَالدَّلَالَةُ عليه من الْكِتَابِ وَكَذَلِكَ دَلَّتْ السُّنَّةُ وَكَذَلِكَ يَدُلُّ الْعَقْلُ وَالْإِجْمَاعُ في مَوْضِعٍ وَإِنْ تَفَرَّقَ في آخَرَ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل أَوْرَثَ الْمُسْلِمِينَ أَمْوَالَهُمْ وَدِيَارَهُمْ فَجَعَلَهَا غُنْمًا لهم وَخَوَلًا لِإِعْزَازِ أَهْلِ دِينِهِ وَإِذْلَالِ من حَارَبَهُ سِوَى أَهْلِ دِينِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُونَ إذَا قَدَرُوا على أَهْلِ الْحَرْبِ تَخَوَّلُوهُمْ وَتَمَوَّلُوا أَمْوَالَهُمْ ثُمَّ يَكُونُ أَهْلُ الْحَرْبِ يَحُوزُونَ على الْإِسْلَامِ شيئا فَيَكُونُ لهم أَنْ يَتَخَوَّلُوهُ أَبَدًا فَإِنْ قال قَائِلٌ فَأَيْنَ السُّنَّةُ التي دَلَّتْ على ما ذَكَرْت قِيلَ أخبرنا عبد الْوَهَّابِ بن عبد الْمَجِيدِ عن أَيُّوبَ عن أبي قِلَابَةَ عن أبي الْمُهَلَّبِ عن عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ أَسَرُوا امْرَأَةً من الْأَنْصَارِ وَأَحْرَزُوا نَاقَةً لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَانْفَلَتَتْ الْأَنْصَارِيَّةُ من الْإِسَارِ فَرَكِبَتْ نَاقَةَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فنجت عليها فَأَرَادَتْ نَحْرَهَا حين وَرَدَتْ الْمَدِينَةَ وَقَالَتْ إنِّي نَذَرْت لَئِنْ أَنْجَانِي اللَّهُ عليها لَأَنْحَرَنَّهَا فَمَنَعُوهَا حتى يَذْكُرُوا ذلك لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَذَكَرُوهُ له فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( لَا نَذْرَ في مَعْصِيَةٍ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ بن آدَمَ ) وَأَخَذَ نَاقَتَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَلَوْ كان الْمُشْرِكُونَ إذَا أَحْرَزُوا شيئا كان لهم لانتفى أَنْ تَكُونَ النَّاقَةُ إلَّا لِلْأَنْصَارِيَّةِ كُلُّهَا لِأَنَّهَا أَحْرَزَتْهَا عن الْمُشْرِكِينَ أو يَكُونُ لها أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا وَتَكُونُ مَخْمُوسَةً وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَرَ لها منها شيئا وكان يَرَاهَا على أَصْلِ مِلْكِهِ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا يُخَالِفُ في أَنَّ الْمُشْرِكِينَ إذَا أَحْرَزُوا عَبْدًا لِرَجُلٍ أو مَالًا له فَأَدْرَكَهُ قد أَوْجَفَ الْمُسْلِمُونَ عليه قبل الْمَقَاسِمِ أَنْ يَكُونَ له بِلَا قِيمَةٍ ثُمَّ اخْتَلَفُوا بعد ما يَقَعُ في الْمَقَاسِمِ فقال منهم قَائِلٌ مِثْلَ ما قُلْت هو أَحَقُّ بِهِ وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُعَوِّضَ من صَارَ في سَهْمِهِ مِثْلَ قِيمَتِهِ من خُمُسُ الْخُمْسِ وهو سَهْمُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَهَذَا الْقَوْلُ يُوَافِقُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَالْإِجْمَاعَ ثُمَّ قال غَيْرُنَا يَكُونُ إذَا وَقَعَ في الْمَقَاسِمِ أَحَقَّ بِهِ إنْ شَاءَ بِالْقِيمَةِ وقال غَيْرُهُمْ لَا سَبِيلَ إلَيْهِ إذَا وَقَعَ في الْمَقَاسِمِ وَإِجْمَاعُهُمْ على أَنَّهُ لِمَالِكِهِ بَعْدَ إحْرَازِ الْعَدُوِّ له وَإِحْرَازِ الْمُسْلِمِينَ عن الْعَدُوِّ له حُجَّةٌ عليهم في أَنَّهُ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْقَسْمِ وإذا كَانُوا لو أَحْرَزَهُ مُسْلِمُونَ مُتَأَوِّلِينَ أو غير مُتَأَوِّلِينَ فَقَدَرُوا عليه بِأَيِّ وَجْهٍ ما كان رَدُّوهُ على صَاحِبِهِ كان الْمُشْرِكُونَ أَنْ لَا يَكُونَ لهم عليهم سَبِيلٌ أَوْلَى بِهِمْ وما يَعْدُوا الحديث لو كان ثَابِتًا أَنْ يَكُونَ من أَسْلَمَ على شَيْءٍ فَهُوَ له فَيَكُونَ عَامًّا فَيَكُونُ مَالُ الْمُسْلِمِ وَالْمُشْرِكِ سَوَاءٌ إذَا أَحْرَزَهُ الْعَدُوُّ فَمَنْ قال هذا لَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ لو أَسْلَمُوا على حُرٍّ مُسْلِمٍ كان لهم أَنْ يَسْتَرِقُّوهُ أو يَكُونَ خَاصًّا فَيَكُونَ كما قُلْنَا بِالدَّلَائِلِ التي وَصَفْنَا وَلَوْ كان إحْرَازُ الْمُشْرِكِينَ لِمَا أَحْرَزُوا من أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ يَصِيرُ ذلك مِلْكًا لهم لو أَسْلَمُوا عليه ما جَازَ إذَا ما أَحْرَزَ الْمُسْلِمُونَ ما أَحْرَزَ الْمُشْرِكُونَ أَنْ يَأْخُذَهُ مَالِكُهُ من الْمُسْلِمِينَ بِقِيمَةٍ وَلَا بِغَيْرِ قِيمَةٍ قبل الْقَسْمِ وَلَا بَعْدَهُ وَكَمَا لَا يَجُوزُ فِيمَا سِوَى ذلك من أَمْوَالِهِمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا الثِّقَةُ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ عَبْدًا له أَبَقَ وَفَرَسًا له عَارٍ فَأَحْرَزَهُ الْمُشْرِكُونَ ثُمَّ أَحْرَزَهُ عليهم الْمُسْلِمُونَ فَرُدَّا عليه بِلَا قِيمَةٍ فَلَوْ أَحْرَزَ الْمُشْرِكُونَ امْرَأَةَ رَجُلٍ أو أُمَّ وَلَدِهِ أو مُدَبَّرَةً أو جَارِيَةً غير مُدَبَّرَةٍ فلم يَصِلْ إلَى أَخْذِهَا وَوَصَلَ إلَى وَطْئِهَا لم يُحْرَمْ عليه أَنْ يَطَأَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ لِأَنَّهُنَّ على أَصْلِ مِلْكِهِ وَالِاخْتِيَارُ له أَنْ لَا يَطَأَ مِنْهُنَّ وَاحِدَةً خَوْفَ الْوَلَدِ أَنْ يُسْتَرَقَّ وَكَرَاهِيَةَ أَنْ يُشْرِكَهُ في بُضْعِهَا غَيْرُهُ
____________________

(4/267)


- * الْمُسْلِمُ يَدْخُلُ دَارَ الْحَرْبِ فَيَجِدُ امْرَأَتَهُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا دخل رَجُلٌ مسلم دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَوَجَدَ امْرَأَتَهُ أو امْرَأَةَ غَيْرِهِ أو مَالَهُ أو مَالَ غَيْرِهِ من الْمُسْلِمِينَ أو أَهْلَ الذِّمَّةِ مِمَّا غَصَبَهُ الْمُشْرِكُونَ كان له أَنْ يَخْرُجَ بِهِ من قِبَلِ أَنَّهُ ليس بِمِلْكٍ لِلْعَدُوِّ وَلَوْ أَسْلَمُوا عليه لم يَكُنْ لهم فَلَيْسَ بِخِيَانَةٍ كما لو قَدَرَ على مُسْلِمٍ غَصَبَ شيئا فَأَخَذَهُ بِلَا عِلْمِ الْمُسْلِمِ فَأَدَّاهُ إلَى صَاحِبِهِ لم يَكُنْ خَانَ إنَّمَا الْخِيَانَةُ أَخَذَ ما لَا يَحِلُّ له أَخْذُهُ وَلَكِنَّهُ لو قَدَرَ على شَيْءٍ من أَمْوَالِهِمْ لم يَحِلَّ له أَنْ يَأْخُذَ منه شيئا قَلَّ أو كَثُرَ لِأَنَّهُ إذَا كان منهم في أَمَانٍ فَهُمْ منه في مِثْلِهِ وَلِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ له في أَمَانِهِمْ إلَّا ما يَحِلُّ له من أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ لِأَنَّ الْمَالَ مَمْنُوعٌ بِوُجُوهٍ أَوَّلُهَا إسْلَامُ صَاحِبِهِ وَالثَّانِي مَالُ من له ذِمَّةٌ وَالثَّالِثُ مَالُ من له أَمَانٌ إلَى مُدَّةِ أَمَانِهِ وهو كَأَهْلِ الذِّمَّةِ فِيمَا يُمْنَعُ من مَالِهِ إلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ - * الذِّمِّيَّةُ تُسْلِمُ تَحْتَ الذِّمِّيِّ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَسْلَمَتْ الذِّمِّيَّةُ تَحْتَ الذِّمِّيِّ حَامِلًا كانت لها النَّفَقَةُ حتى تَضَعَ حَمْلَهَا فَإِنْ أَرْضَعَتْهُ فَلَهَا أَجْرُ الرَّضَاعِ وَهِيَ كَالْمَبْتُوتَةِ الْمُسْلِمَةِ الْحَامِلِ أو أَوْلَى بِالنَّفَقَةِ منها وإذا كان بين الْمُشْرِكِينَ وَلَدٌ فَأَيُّ الْأَبَوَيْنِ أَسْلَمَ فَكُلُّ من لم يَبْلُغْ من الْوَلَدِ تَبَعٌ لِلْمُسْلِمِ يصلي عليه إذَا مَاتَ وَيُورَثُ من الْمُسْلِمِ وَيَرِثُهُ الْمُسْلِمُ وَإِنْ كان الْأَبَوَانِ مَمْلُوكَيْنِ لِمُشْرِكٍ فَأَسْلَمَ أَحَدُهُمَا تَبِعَ الْمُسْلِمَ الْوَلَدَانِ الذين ( ( ( اللذان ) ) ) لم يَبْلُغُوا لِأَنَّ حُكْمَهُمْ حُكْمُ الْإِسْلَامِ لَا يَجُوزُ عِنْدِي إلَّا هذا الْقَوْلُ ما كان الْأَوْلَادُ صِغَارًا وَكَانُوا تَبَعًا لِغَيْرِهِمْ لَا يُشْرَكُ دِينُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ ( 1 ) في دِينٍ إلَّا كان الْإِسْلَامُ أَوْلَى بِهِ أو قَوْلُ ثَانٍ أَنَّهُمْ إذَا وُلِدُوا على الشِّرْكِ كَانُوا عليه حتى يُعْرِبُوا عن أَنْفُسِهِمْ فَلَوْ أَسْلَمَ أَبُوهُمْ لم يَكُنْ حُكْمُ وَاحِدٍ منهم حُكْمَ مُسْلِمٍ وَلَسْت أَقُولُ هذا وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا يقول بِهِ من أَهْلِ الْعِلْمِ فَأَمَّا أَنْ يُقَالَ الْوَلَدُ لِلْأَبِ فأين حَظُّ الْأُمِّ منه وَلَوْ اتَّبَعَ الْأُمَّ دُونَ الْأَبِ كما يَتْبَعُهَا في الْعِتْقِ وَالرِّقِّ كان أَوْلَى أَنْ يَغْلَطَ إلَيْهِ من أَنْ يُقَالَ هو لِلْأَبِ وَإِنْ كان الدِّينُ ليس من مَعْنَى الرِّقِّ وَلَكِنَّهُ من الْمَعْنَى الذي وَصَفْت من أَنَّ الْإِسْلَامَ إذَا شَارَكَ غَيْرَهُ في الدِّينِ وَالْمِلْكِ كان الْإِسْلَامُ أَوْلَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - * بَابُ النَّصْرَانِيَّةِ تُسْلِمُ بعد ما يَدْخُلُ بها زَوْجُهَا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في النَّصْرَانِيَّةِ تَكُونُ عِنْدَ النَّصْرَانِيِّ فَتُسْلِمُ بعد ما يَدْخُلُ بها لها الْمَهْرُ فَإِنْ كانت قَبَضَتْهُ وَإِلَّا أَخَذَتْهُ بَعْدَ إسْلَامِهَا أَسْلَمَ أو لم يُسْلِمْ فَإِنْ لم يَكُنْ دخل بها حتى أَسْلَمَتْ قَبَضَتْ منه مَهْرًا أو لم تَقْبِضْهُ فَسَوَاءٌ وَلَا يَعْدُو أَنْ يَكُونَ لها نِصْفُ الْمَهْرِ لِأَنَّهُ لو أَسْلَمَ كان أَحَقَّ بها أو لَا يَكُونُ لها شَيْءٌ لِأَنَّ فَسْخَ النِّكَاحِ جاء من قِبَلِهَا فإذا كان هذا فَعَلَيْهَا رَدُّ شَيْءٍ إنْ كانت أَخَذَتْهُ له كما لو أَخَذَتْ منه شيئا عِوَضًا من شَيْءٍ كَالثَّمَنِ لِلسِّلْعَةِ فَفَاتَتْ السِّلْعَةُ كان عليها رَدُّ الثَّمَنِ فَأَمَّا لها ( ( ( مالها ) ) ) ما أَخَذَتْ وَلَا تَأْخُذُ شيئا إنْ لم تَكُنْ أَخَذَتْ فَلَا يُشْبِهُ هذا من الْعِلْمِ شيئا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ - * النَّصْرَانِيَّةُ تَحْتَ الْمُسْلِمِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت النَّصْرَانِيَّةُ عِنْدَ الْمُسْلِمِ فَطَهُرَتْ من الْحَيْضَةِ جُبِرَتْ على الْغُسْلِ منها فَإِنْ امْتَنَعَتْ أُدِّبَتْ حتى تَفْعَلَ لِأَنَّهَا تَمْنَعُهُ الْجِمَاعَ في الْوَقْتِ الذي يَحِلُّ له وقد قال اللَّهُ عز وجل { ولا تَقْرَبُوهُنَّ حتى يَطْهُرْنَ }
____________________

(4/268)


فَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ أَنَّهُ حتى يَطْهُرْنَ من الْحَيْضِ قال اللَّهُ تَعَالَى { فإذا تَطَهَّرْنَ } يَعْنِي بِالْمَاءِ { فَأْتُوهُنَّ من حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ } فلما كان مَمْنُوعًا من أَنْ يَأْتِيَ زَوْجَتَهُ إلَّا بِأَنْ تَطْهُرَ من الْحَيْضَةِ وَتَطْهُرَ بِالْمَاءِ فَيَجْتَمِعُ فيها الْمَعْنَيَانِ كان بَيِّنًا أَنْ نُجْبَرَ النَّصْرَانِيَّةُ على الْغُسْلِ من الْحَيْضَةِ لِئَلَّا يُمْنَعَ الْجِمَاعَ فَأَمَّا الْغُسْلُ من الْجَنَابَةِ فَهُوَ مُبَاحٌ له أَنْ يُجَامِعَهَا جُنُبًا فَتُؤْمَرُ بِهِ كما تُؤْمَرُ بِالْغُسْلِ من الْوَسَخِ وَالدُّخَانِ وما غَيَّرَ رِيحَهَا وَلَا يَبِينُ لي أَنْ تُضْرَبَ عليه لو امْتَنَعَتْ منه لِأَنَّهُ غُسْلُ تَنْظِيفٍ لها - * نِكَاحُ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَحَلَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَرَائِرَ الْمُؤْمِنَاتِ وَاسْتَثْنَى في إمَاءِ الْمُؤْمِنَاتِ أَنْ يُحَلِّلَهُنَّ بِأَنْ يَجْمَعَ نَاكِحُهُنَّ أَنْ لَا يَجِدَ طَوْلًا لِحُرَّةٍ وَأَنْ يَخَافَ الْعَنَتَ في تَرْكِ نِكَاحِهِنَّ فَزَعَمْنَا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ نِكَاحُ أَمَةٍ مُسْلِمَةٍ حتى يَجْمَعَ نَاكِحُهَا الشَّرْطَيْنِ اللَّذَيْنِ أَبَاحَ اللَّهُ نِكَاحَهَا بِهِمَا وَذَلِكَ أَنَّ أَصْلَ ما نَذْهَبُ إلَيْهِ إذَا كان الشَّيْءُ مُبَاحًا بِشَرْطِ أَنْ يُبَاحَ بِهِ فَلَا يُبَاحُ إذَا لم يَكُنْ الشَّرْطُ كما قُلْنَا في الْمَيِّتَةِ تُبَاحُ لِلْمُضْطَرِّ وَلَا تُبَاحُ لِغَيْرِهِ وفي الْمَسْحِ على الْخُفَّيْنِ يُبَاحُ لِمَنْ لَبِسَهُمَا كَامِلَ الطَّهَارَةِ ما لم يُحْدِثْ وَلَا يُبَاحُ لِغَيْرِهِ وفي صَلَاةِ الْخَوْفِ يُبَاحُ لِلْخَائِفِ أَنْ يُخَالِفَ بها الصَّلَوَاتِ من غَيْرِ الْخَوْفِ وَلَا تُبَاحُ لِغَيْرِهِ وقال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حتى يُؤْمِنَّ } فَأَطْلَقَ التَّحْرِيمُ تَحْرِيمًا بِأَمْرٍ وَقَعَ عليه اسْمُ الشِّرْكِ قال { وَالْمُحْصَنَاتُ من الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ من قَبْلِكُمْ } وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْهُنَّ الْحَرَائِرُ فَأَطْلَقْنَا من اسْتَثْنَى اللَّهُ إحْلَالَهُ وَهُنَّ الْحَرَائِرُ من أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْحَرَائِرُ غَيْرُ الْإِمَاءِ ( 1 ) كما قُلْنَا لَا يَحِلُّ نِكَاحُ مُشْرِكَةٍ غَيْرِ كِتَابِيَّةٍ وقال غَيْرُنَا كَذَلِكَ كان يَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ وَغَيْرُ حُرَّةٍ حتى يَجْتَمِعَ فيها أَنْ تَكُونَ حُرَّةً كِتَابِيَّةً فإذا كان نِكَاحُ إمَاءِ الْمُؤْمِنِينَ مَمْنُوعًا إلَّا بِشَرْطَيْنِ كان فيه الدَّلَالَةُ على أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ غَيْرِ إمَاءِ الْمُؤْمِنِينَ مع الدَّلَالَةِ الْأُولَى فَإِمَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ مُحَرَّمَاتٌ من الْوَجْهَيْنِ في دَلَالَةِ الْقُرْآنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - * إيلَاءُ النَّصْرَانِيِّ وَظِهَارُهُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا آلَى النَّصْرَانِيُّ من امْرَأَتِهِ فَتَحَاكَمَا إلَيْنَا بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ حَكَمْنَا عليه حُكْمَنَا على الْمُسْلِمِ في أَنْ يَفِيءَ أو يُطَلِّقَ وَنَأْمُرُهُ إذَا فَاءَ بِالْكَفَّارَةِ وَلَا نُجْبِرُهُ عليها لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ عنه بِالشِّرْكِ من حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى شَيْءٌ وَإِنْ كان غير مَقْبُولٍ منه حتى يُؤْمِنَ فاذا تَظَاهَرَ من امْرَأَتِهِ فَرَافَعَتْهُ وَرَضِيَا بِالْحُكْمِ فَلَيْسَ في الظِّهَارِ طَلَاقٌ فَنَحْكُمُ عليه وَإِنَّمَا فيه كَفَّارَةٌ فَنَأْمُرُهُ بها وَلَا نُجْبِرُهُ عليها كما قُلْنَا في يَمِينِ الْإِيلَاءِ - * في النَّصْرَانِيِّ يَقْذِفُ امْرَأَتَهُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قَذَفَ النَّصْرَانِيُّ امْرَأَتَهُ فَرَافَعَتْهُ وَرَضِيَا بِالْحُكْمِ لَاعَنَّا بَيْنَهُمَا وَفَرَّقْنَا وَنَفَيْنَا الْوَلَدَ كما نَصْنَعُ بِالْمُسْلِمِ وَلَوْ فَعَلَ وَتَرَافَعَا فَأَبَى أَنْ يَلْتَعِنَ عَزَّرْنَاهُ ولم نَحُدَّهُ لِأَنَّهُ ليس على من قَذَفَ نَصْرَانِيَّةً حَدٌّ وَأَقْرَرْنَاهَا معه لِأَنَّا لَا نُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا إلَّا بِالْتِعَانِهِ - * فِيمَنْ يَقَعُ على جَارِيَةٍ من الْمَغْنَمِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا وَقَعَ الرَّجُلُ من الْمُسْلِمِينَ قد شَهِدَ الْحَرْبَ على جَارِيَةٍ من الرَّقِيقِ قبل أَنْ يُقَسَّمَ فَإِنْ لم تَحْمِلْ أُخِذَ منه عُقْرُهَا وَرُدَّتْ إلَى الْمَغْنَمِ فَإِنْ كان من أَهْلِ الْجَهَالَةِ نُهِيَ وَإِنْ كان من أَهْلِ الْعِلْمِ عُزِّرَ
____________________

(4/269)


وَلَا حَدَّ من قِبَلِ الشُّبْهَةِ في أَنَّهُ يَمْلِكُ منها شيئا وَإِنْ أَحْصَى الْمَغْنَمَ فَعَرَفَ قَدْرَ مِلْكِهِ منها مع جَمَاعَةِ أَهْلِ الْمَغْنَمِ وَقَعَ عنه من الْمَهْرِ بِحِصَّتِهِ وَإِنْ حَمَلَتْ فَهَكَذَا وَتَقُومُ عليه وَتَكُونُ أُمَّ وَلَدِهِ وإذا كان الزنى بِعَيْنِهِ فَلَا مَهْرَ فيه لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن مَهْرِ الْبَغِيِّ وَالْبَغِيُّ هِيَ التي تُمَكِّنُ من نَفْسِهَا فَتَكُونُ وَاَلَّذِي زَنَى بها زَانِيَيْنِ مَحْدُودَيْنِ فإذا كانت مَغْصُوبَةً فَهِيَ غَيْرُ زَانِيَةٍ مَحْدُودَةٍ فَلَهَا الْمَهْرُ وَعَلَى الزَّانِي بها الْحَدُّ - * الْمُسْلِمُونَ يوجفون على الْعَدُوِّ فَيُصِيبُونَ سَبْيًا فِيهِمْ قَرَابَةٌ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَوْجَفَ الْمُسْلِمُونَ على الْعَدُوِّ فَكَانَ فِيهِمْ وَلَدٌ لِمُسْلِمٍ مَمْلُوكٍ لِلْعَدُوِّ أو كان فِيهِمْ وَلَدٌ لِمُسْلِمٍ لم يَزَلْ من أَهْلِ الْحَرْبِ وقد شَهِدَ ابْنِهِ الْحَرْبَ فَصَارَ له الْحَظُّ في أبيه أو ابْنُهُ منهم لم يُعْتَقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عليه حتى يَقْسِمُوا فإذا صَارَ أَحَدُهُمَا أو كِلَاهُمَا في حَظِّهِ عَتَقَ وَإِنْ لم يَكُنْ لم يَعْتِقُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَأَنْتَ تَقُولُ إذَا مَلَكَ أَبَاهُ أو وَلَدَهُ عَتَقَ عليه فَإِنَّمَا أَقُولُ ذلك إذَا اُجْتُلِبَ هو في مِلْكِهِ بِأَنْ يَشْتَرِيَهُ أو يَتَّهِبَهُ أو يَزْعُمَ أَنَّهُ وُهِبَ له أو أَوْصَى له بِهِ لم أَعْتِقْهُ عليه حتى يَقْبَلَهُ وكان له رَدُّ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ فَهُوَ إذَا أَوْجَفَ عليه فَلَهُ تَرْكُ حَقِّهِ من الْغَنِيمَةِ وَلَا يُعْتَقُ حتى يَصِيرَ في مِلْكِهِ بِقِسْمٍ أو شِرَاءٍ وَلَا يُشْبِهُ هذا الْجَارِيَةَ يَطَؤُهَا وَلَهُ فيها حَقٌّ من قِبَلِ أَنَّا نَدْرَأُ الْحَدَّ بِالشُّبْهَةِ وَلَا نُثْبِتُ الْمِلْكَ بِالشُّبْهَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - * الْمَرْأَةُ تُسْبَى مع زَوْجِهَا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَكَمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في نِسَاءِ أَهْلِ الْحَرْبِ من أَهْلِ الْأَوْثَانِ حُكْمَيْنِ فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَاَللَّائِي سُبِينَ فَاسْتُؤْمِنَّ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ فَقَسَّمَهُنَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَنَهَى من صِرْنَ إلَيْهِ أَنْ يَطَأَ حَائِلًا حتى تَحِيضَ أو حَامِلًا حتى تَضَعَ وَذَلِكَ في سَبْيِ أَوْطَاسٍ وَدَلَّ ذلك على أَنَّ بِالسَّبَاءِ نَفْسِهِ انْقِطَاعَ الْعِصْمَةِ بين الزَّوْجَيْنِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَأْمُرُ بِوَطْءِ ذَاتِ زَوْجٍ بَعْدَ حَيْضَةٍ إلَّا وَذَلِكَ قَطْعُ الْعِصْمَةِ وقد ذَكَرَ بن مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عز وجل { وَالْمُحْصَنَاتُ من النِّسَاءِ إلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ أللاتي مَلَكْتُمُوهُنَّ بِالسَّبْيِ ولم يَكُنْ اسْتِيمَاؤُهُنَّ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ بِأَكْثَرَ من قَطْعِ الْعِصْمَةِ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ أَزْوَاجِهِنَّ وَسَوَاءٌ أُسِرْنَ مع أَزْوَاجِهِنَّ أو قبل أَزْوَاجِهِنَّ أو بَعْدَ أو كُنَّ في دَارِ الْإِسْلَامِ أو دَارِ الْحَرْبِ لَا تَقَعُ الْعِصْمَةُ إلَّا ما كان بِالسِّبَاءِ الذي كُنَّ بِهِ مُسْتَأْمَيَاتٍ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وقد سَبَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم رِجَالًا من هَوَازِنَ فما عَلِمْنَاهُ سَأَلَ عن أَزْوَاجِ الْمَسْبِيَّاتِ أُسْبُوا مَعَهُنَّ أو قَبْلَهُنَّ أو بَعْدَهُنَّ أو لم يُسْبَوْا وَلَوْ كان في أَزْوَاجِهِنَّ مَعْنًى لسأل ( ( ( يسأل ) ) ) عَنْهُنَّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَّا قَوْلُ من قال خَلَّاهُنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَرَجَعْنَ إلَى أَزْوَاجِهِنَّ فَإِنْ كان الْمُشْرِكُونَ اسْتَحَلُّوا شيئا من نِسَائِهِمْ فَلَا حُجَّةَ بِالْمُشْرِكِ وَإِنْ كَانُوا أَسْلَمُوا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُنَّ يَرْجِعْنَ إلَى أَزْوَاجِهِنَّ إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ من أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قد أَبَاحَهُنَّ لِمَالِكِيهِنَّ وهو لَا يُبِيحُهُنَّ وَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ عَلَيْهِنَّ وَلَا يُبِيحُهُنَّ إلَّا بَعْدَ انْقِطَاعِ النِّكَاحِ وإذا انْقَطَعَ النِّكَاحُ فَلَا بُدَّ من تَجْدِيدِ النِّكَاحِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - * الْمَرْأَةُ تُسْلِمُ قبل زَوْجِهَا وَالزَّوْجُ قبل الْمَرْأَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى سَنَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في اللَّائِي أَسْلَمْنَ ولم يُسْبَيْنَ قبل أَزْوَاجِهِنَّ وَبَعْدَهُمْ سُنَّةً وَاحِدَةً وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ وَحَكِيمَ بن حِزَامٍ أَسْلَمَا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ وَالنَّبِيُّ صلى اللَّهُ عليه وسلم ظَاهِرٌ عليه وَمَكَّةُ دَارُ كُفْرٍ وَبِهَا أَزْوَاجُهُمَا وَرَجَعَ أبو سُفْيَانَ أَمَامَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مُسْلِمًا وَهِنْدُ ابنة ( ( ( بنت ) ) ) عُتْبَةَ مُشْرِكَةً فَأَخَذَتْ بِلِحْيَتِهِ وَقَالَتْ اُقْتُلُوا هذا الشَّيْخَ الضَّالَّ وَأَقَامَتْ على الشِّرْكِ حتى أَسْلَمَتْ بَعْدَ الْفَتْحِ بِأَيَّامٍ فَأَقَرَّهَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على النِّكَاحِ وَذَلِكَ أَنَّ عِدَّتَهَا لم تَنْقَضِ وَصَارَتْ مَكَّةُ دَارَ الْإِسْلَامِ وَأَسْلَمَتْ امْرَأَةُ صَفْوَانَ بن أُمَيَّةَ وَامْرَأَةُ
____________________

(4/270)


عِكْرِمَةَ بن أبي جَهْلٍ وَأَقَامَتَا بِمَكَّةَ مُسْلِمَتَيْنِ في دَارِ الْإِسْلَامِ وَهَرَبَ زَوْجَاهُمَا مُشْرِكَيْنِ نَاحِيَةَ الْيَمَنِ إلَى دَارِ الشِّرْكِ ثُمَّ رَجَعَا فَأَسْلَمَ عِكْرِمَةُ بن أبي جَهْلٍ ولم يُسْلِمْ صَفْوَانُ حتى شَهِدَ حُنَيْنًا كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ فَأَقَرَّهُمَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على نِكَاحِهِمَا وَذَلِكَ أَنَّ عِدَّتَهُمَا لم تَنْقَضِ وفي هذا حُجَّةٌ على من فَرَّقَ بين الْمَرْأَةِ تُسْلِمُ قبل الرَّجُلِ وَالرَّجُلُ يُسْلِمُ قبل الْمَرْأَةِ وقد فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بَعْضُ أَهْلِ نَاحِيَتِنَا فَزَعَمَ في الْمَرْأَةِ تُسْلِمُ قبل الرَّجُلِ ما زَعَمْنَا وَزَعَمَ في الرَّجُلِ يُسْلِمُ قبل الْمَرْأَةِ خِلَافَ ما زَعَمْنَا وَأَنَّهَا تَبِينُ منه إلَّا أَنْ يَتَقَارَبَ إسْلَامُهُ وَهَذَا خِلَافُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْعَقْلِ وَالْقِيَاسِ وَلَوْ جَازَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ في الْمَرْأَةُ تُسْلِمُ قبل الرَّجُلِ قد انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْمُسْلِمَةَ لَا تَحِلُّ لِمُشْرِكٍ بِحَالٍ وَالْمَرْأَةُ الْمُشْرِكَةُ قد تَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ بِحَالٍ وَهِيَ أَنْ تَكُونَ كِتَابِيَّةً فَشَدَّدَ في الذي يَنْبَغِي أَنْ يُهَوِّنَ فيه وَهَوَّنَ في الذي يَنْبَغِي أَنْ يُشَدِّدَ فيه لو كان يَنْبَغِي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ قال رَجُلٌ ما السُّنَّةُ التي تَدُلُّ على ما قُلْت دُونَ ما قال فما وَصَفْنَا قبل هذا وَإِنْ قال فما الْكِتَابُ قِيلَ قال اللَّهُ عز وجل { فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لهم وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } فَلَا يَجُوزُ في هذه الْآيَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ اخْتِلَافُ الدِّينَيْنِ يَقْطَعُ الْعِصْمَةَ سَاعَةَ اخْتَلَفَا أو يَكُونَ يَقْطَعُ الْعِصْمَةَ بَيْنَهُمَا اخْتِلَافُ الدِّينَيْنِ وَالثُّبُوتُ على الِاخْتِلَافِ إلَى مُدَّةٍ وَالْمُدَّةُ لَا تَجُوزُ إلَّا بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَقَدْ دَلَّتْ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على ما وَصَفْنَا وَجَمَعَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بين الْمُسْلِمَةِ قبل زَوْجِهَا وَالْمُسْلِمِ قبل امْرَأَتِهِ فَحَكَمَ فِيهِمَا حُكْمًا وَاحِدًا فَكَيْفَ جَازَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَجَمَعَ اللَّهُ عز وجل بَيْنَهُمَا فقال { لَا هُنَّ حِلٌّ لهم وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } فَإِنْ قال قَائِلٌ فَإِنَّمَا ذَهَبْنَا إلَى قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } فَهِيَ كَالْآيَةِ قَبْلَهَا لَا تَعْدُو أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ سَاعَةَ يُسْلِمُ قبل امْرَأَتِهِ تَنْقَطِعُ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ وَهِيَ كَافِرَةٌ أولا تَكُونَ الْعِصْمَةُ تَنْقَطِعُ بَيْنَهُمَا إلَّا إلَى مُدَّةٍ فَقَدْ دَلَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على الْمُدَّةِ وَقَوْلُ من حَكَيْنَا قَوْلَهُ لَا قَطْعَ لِلْعِصْمَةِ بَيْنَهُمَا إلَّا بإلاسلام حين كان متأول ( ( ( متأولا ) ) ) فَكَانَ وَإِنْ خَالَفَ قَوْلُهُ السُّنَّةَ قد ذَهَبَ إلَى ما تَأَوَّلَ وَلَا جَعَلَ لَهُمَا الْمُدَّةَ التي دَلَّتْ عليها السُّنَّةُ بَلْ خَرَجَ من الْقَوْلَيْنِ وَأَحْدَثَ مُدَّةً لَا يَعْرِفُهَا آدَمِيٌّ في الْأَرْضِ فقال إذَا تَقَارَبَ فإذا جَازَ له أَنْ يَقُولَ إذَا تَقَارَبَ قال إنْسَانٌ التَّقَارُبُ بِقَدْرِ النَّفْسِ أو قَدْرِ السَّاعَةِ أو قَدْرِ بَعْضِ الْيَوْمِ أو قَدْرِ السُّنَّةِ لِأَنَّ هذا كُلَّهُ قَرِيبٌ وَإِنَّمَا يَحُدُّ مِثْلَ هذا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَمَّا أَنْ يَحُدَّ هذا بِالرَّأْيِ وَالْغَفْلَةِ فَهَذَا ما لَا يَجُوزُ مع الرَّأْيِ وَالْيَقَظَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - * الْحَرْبِيُّ يَخْرُجُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَسْلَمَ الزَّوْجُ قبل الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةُ في دَارِ الْحَرْبِ وَخَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لم يَنْكِحْ أُخْتَهَا حتى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ امْرَأَتِهِ ولم تُسْلِمْ فَتَبِينَ منه فَلَهُ نِكَاحُ أُخْتِهَا وأربع سِوَاهَا - * من قُوتِلَ من الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ وَمَنْ يَجْرِي عليه الرِّقُّ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا قُوتِلَ أَهْلُ الْحَرْبِ من الْعَجَمِ جَرَى السِّبَاءُ على ذَرَارِيِّهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَرِجَالِهِمْ لَا اخْتِلَافَ في ذلك وإذا قُوتِلُوا وَهُمْ من الْعَرَبِ فَقَدْ سبا ( ( ( سبى ) ) ) رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهَوَازِنَ وَقَبَائِلَ من الْعَرَبِ وَأَجْرَى عليهم الرِّقَّ حتى مَنَّ عليهم بَعْدُ فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي فَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَمَّا أَطْلَقَ سبى ( ( ( بني ) ) ) هَوَازِنَ قال لو كان تَامًّا على أَحَدٍ من الْعَرَبِ سبى لتم ( ( ( تم ) ) ) على هَؤُلَاءِ وَلَكِنَّهُ إسَارٌ وَفِدَاءٌ فَمَنْ أَثْبَتَ هذا الحديث زعم ( ( ( عم ) ) ) أَنَّ الرِّقَّ لَا يَجْرِي على عَرَبِيٍّ بِحَالٍ وَهَذَا قَوْلُ الزُّهْرِيِّ وَسَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ وَالشَّعْبِيِّ ويروي عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ
____________________

(4/271)


وَعُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ ( قال الشافعي ( ( ( والشافعي ) ) ) ) أخبرنا سُفْيَانُ عن يحيى بن يحيى الْغَسَّانِيِّ عن عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ قال وَأَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عن الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قال لَا يُسْتَرَقُّ عَرَبِيٌّ ( قال الرَّبِيعُ ) قال الشَّافِعِيُّ وَلَوْلَا أَنَّا نَأْثَمُ بِالتَّمَنِّي لَتَمَنَّيْنَا أَنْ يَكُونَ هذا هَكَذَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بن أبي ذِئْبٍ عن الزُّهْرِيِّ عن بن الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قال في الْمَوْلَى يَنْكِحُ الْأَمَةَ يُسْتَرَقُّ وَلَدُهُ وفي الْعَرَبِيِّ يَنْكِحُهَا لَا يُسْتَرَقُّ وَلَدُهُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُمْ ( قال الرَّبِيعُ ) رَأَى الشَّافِعِيُّ أَنْ يَأْخُذَ منهم الْجِزْيَةَ وَوَلَدُهُمْ رفيق ( ( ( رقيق ) ) ) مِمَّنْ دَانَ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ قبل نُزُولِ الْفُرْقَانِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ لم يُثْبِتْ هذا الحديث عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْعَرَبَ وَالْعَجَمِ سَوَاءٌ وَأَنَّهُ يَجْرِي عليهم الرِّقُّ حَيْثُ جَرَى على الْعَجَمِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) في الْحَرْبِيِّ يَخْرُجُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مُسْتَأْمَنًا وَامْرَأَتُهُ في دَارِ الْحَرْبِ على دِينِهِ لَا تَنْقَطِعُ بَيْنَهُمَا الْعِصْمَةُ إنَّمَا تَنْقَطِعُ بَيْنَهُمَا الْعِصْمَةُ بِاخْتِلَافِ الدِّينَيْنِ فأما ( ( ( أما ) ) ) وَالدِّينُ وَاحِدٌ فَلَا تَنْقَطِعُ بَيْنَهُمَا الْعِصْمَةُ أَرَأَيْت لو أَنَّ مُسْلِمًا أُسِرَ وَامْرَأَتُهُ أو دخل دَارَ الْحَرْبِ مُسْتَأْمَنًا وَامْرَأَتُهُ أو أَسْلَمَ هو وَامْرَأَتُهُ في دَارِ الْحَرْبِ فَقَدَرَ على الْخُرُوجِ ولم تَقْدِرْ امْرَأَتُهُ أَتَنْقَطِعُ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا وَهُمَا على دِينٍ وَاحِدٍ لَا تَنْقَطِعُ الْعِصْمَةُ إلَّا بِاخْتِلَافِ الدِّينَيْنِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) أَيُّ الزَّوْجَيْنِ أَسْلَمَ فَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ قبل أَنْ يُسْلِمَ الْآخَرُ مِنْهُمَا فَقَدْ انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا وهو فَسْخٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ وإذا طَلَّقَ النَّصْرَانِيُّ الذِّمِّيُّ امْرَأَتَهُ النَّصْرَانِيَّةَ ثَلَاثًا ثُمَّ أَسْلَمَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ولم تَحِلَّ له حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَكَذَلِكَ لو كان حَرْبِيًّا من قِبَلِ أَنَّا إذَا أَثْبَتِنَا له عَقْدَ النِّكَاحِ فَجَعَلْنَا حُكْمَهُ فيه كَحُكْمِ الْمُسْلِمِ لَزِمَنَا أَنْ نَجْعَلَ حُكْمَهُ حُكْمَ الْمُسْلِمِ فِيمَا يَفْسَخُ عَقْدَ النِّكَاحِ وَفَسْخُ عَقْدِ النِّكَاحِ التَّحْرِيمُ بِالطَّلَاقِ - * الْمُسْلِمُ يُطَلِّقُ النَّصْرَانِيَّةَ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا طَلَّقَ الْمُسْلِمُ امْرَأَتَهُ النَّصْرَانِيَّةَ ثَلَاثًا فَنَكَحَهَا نَصْرَانِيٌّ أو عَبْدٌ فَأَصَابَهَا حَلَّتْ له إذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ من هَذَيْنِ زَوْجٌ وَإِنَّمَا قال اللَّهُ عز وجل { حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } فَقَدْ نَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ وإذا جَازَ لنا أَنْ نَزْعُمَ أَنَّ النَّصْرَانِيَّ يَنْكِحُ النَّصْرَانِيَّةَ فَيُحْصِنُهَا حتى نرجمها ( ( ( ترجمها ) ) ) لو زَنَتْ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا فَقَدْ زَعَمْنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم جعل نِكَاحَهُ يُحْصِنُهَا فَكَيْفَ يَذْهَبُ عَلَيْنَا أَنْ يَكُونَ لَا يُحِلُّهَا وهو يُحْصِنُهَا - * وَطْءُ الْمَجُوسِيَّةِ إذَا سُبِيَتْ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا سبى الْمَجُوسِيُّ وَأَهْلُ الْأَوْثَانِ لم تُوطَأْ مِنْهُنَّ امْرَأَةٌ بَالِغٌ حتى تُسْلِمَ وَإِنْ سبى مِنْهُنَّ صِبْيَاتٌ فَمَنْ كان مِنْهُنَّ مع أَحَدِ أَبَوَيْهِ ولم يُسْلِمْ فَلَا تُوطَأُ لِأَنَّ دِينَهَا دِينُ أَبِيهَا وَأُمِّهَا وَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُ أَبَوَيْهَا وَهِيَ صَبِيَّةٌ وُطِئَتْ فإذا سُبِيَتْ مُنْفَرِدَةً لَيْسَتْ مع أَحَدِ أَبَوَيْهَا وُطِئَتْ لِأَنَّا نَحْكُمُ لها بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ وَنُجْبِرُهَا عليه ما لم تَكُنْ بَالِغًا مُشْرِكَةً أو صَغِيرَةً مع أَحَدِ أَبَوَيْهَا مُشْرِكًا فإذا حَكَمْنَا لهم بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ لم يَكُنْ لِتَحْرِيمِ فَرْجِهَا مَعْنًى - * ذَبِيحَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَنِكَاحُ نِسَائِهِمْ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) من دَانَ دِينَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى من الصَّابِئِينَ وَالسَّامِرَةِ أُكِلَتْ ذَبِيحَتُهُ وَحَلَّ نِسَاؤُهُ وقد رُوِيَ عن عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إلَيْهِ فِيهِمْ أو في أَحَدِهِمْ فَكَتَبَ بِمِثْلِ ما قُلْنَا فإذا كَانُوا يَعْرِفُونَ بِالْيَهُودِيَّةِ أو النَّصْرَانِيَّةِ فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ
____________________

(4/272)


النَّصَارَى فِرَقٌ فَلَا يَجُوزُ إذَا جَمَعَتْ النَّصْرَانِيَّةُ بَيْنَهُمْ أَنْ نزعم ( ( ( تزعم ) ) ) أَنَّ بَعْضَهُمْ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ وَنِسَاؤُهُ وَبَعْضُهُمْ تَحْرُمُ إلَّا بِخَبَرٍ يَلْزَمُ مِثْلُهُ ولم نَعْلَمْ في هذا خَبَرًا فَمَنْ جَمَعَهُ الْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّةُ فَحُكْمُهُ حُكْمٌ وَاحِدٌ وقال لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ الْمَجُوسِيِّ وَإِنْ سَمَّى اللَّهَ عليها - * الرَّجُلُ تُؤْسَرُ جَارِيَتُهُ أو تُغْصَبُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اُغْتُصِبَتْ جَارِيَةُ الرَّجُلِ أُمَّ وَلَدٍ كانت أو غير أُمِّ وَلَدٍ وَأَحْرَزَهَا الْمُشْرِكُونَ أو غَيْرُهُمْ فَصَارَتْ إلَيْهِ لم يَكُنْ عليه اسْتِبْرَاءٌ في شَيْءٍ من هذه الْحَالَاتِ لِأَنَّهَا لم تُمْلَكْ عليه كما لَا يَكُونُ عليه اسْتِبْرَاءٌ لو غَابَتْ عنه فلم يَدْرِ لَعَلَّهَا فَجَرَتْ أو فَجَرَ بها وَالِاخْتِيَارُ له في هذا كُلِّهِ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا حتى يَسْتَبْرِئَهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ جَارِيَةً من الْمَغْنَمِ أو وَقَعَتْ في سَهْمِهِ أو من سُوقِ الْمُسْلِمِينَ لم يُقَبِّلْهَا ولم يُبَاشِرْهَا ولم يَتَلَذَّذْ منها بِشَيْءٍ حتى يَسْتَبْرِئَهَا - * الرَّجُلُ يَشْتَرِي الْجَارِيَةَ وَهِيَ حَائِضٌ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا مَلَكَ الرَّجُلُ جَارِيَةً بِشِرَاءٍ أو غَيْرِهِ وَهِيَ في أَوَّلِ حَيْضَتِهَا أو وَسَطِهَا أو آخِرِهَا لم تَكُنْ هذه الْحَيْضَةُ اسْتِبْرَاءً كما لَا تَكُونُ من الْعِدَّةِ في قَوْلِ من قال الْعِدَّةُ الْحَيْضُ وَلَا قَوْلُ من قال الْعِدَّةُ الطُّهْرُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ أَمَامَهَا طُهْرٌ وَيَجْزِيَهَا حَيْضَةً وَاحِدَةً وإذا ارْتَابَتْ الْمُسْتَبْرَأَةُ لم تُوطَأْ حتى تَذْهَبَ الرِّيبَةُ وَلَا وَقْتَ في ذلك إلَّا ذَهَابُ الرِّيبَةِ وَإِنْ كانت مُشْتَرَاةً لم تُرَدَّ بهذا وَأُرِيهَا النِّسَاءُ فَإِنْ قُلْنَ هذا حَمْلٌ أو دَاءٌ رُدَّتْ - * عِدَّةُ الْأَمَةِ التي لَا تَحِيضُ - * ( قال الشافعى ) اخْتَلَفَ الناس في اسْتِبْرَاءِ الْأَمَةِ التي لَا تَحِيضُ من صِغَرٍ أو كِبَرٍ فقال بَعْضُهُمْ شَهْرٌ قِيَاسًا على الْحَيْضَةِ وقال بَعْضُهُمْ شَهْرٌ وَنِصْفٌ وَلَيْسَ لِهَذَا وَجْهٌ وهو إمَّا أَنْ يَكُونَ شَهْرًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ما ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا من ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ ( قال الشَّافِعِيُّ ) اسْتِبْرَاءُ الْأَمَةِ شَهْرٌ إذَا كانت مِمَّنْ لَا تَحِيضُ قِيَاسًا على حَيْضَةٍ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل أَقَامَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ مَقَامَ ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ فَلِكُلِّ حَيْضَةٍ شَهْرٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَضَى فيه أَثَرٌ بِخِلَافِهِ يُثْبِتُ مثله فَالْأَثَرُ أَوْلَى أَنْ يُتَّبَعَ - * من مَلَكَ الْأُخْتَيْنِ فَأَرَادَ وَطْأَهُمَا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا مَلَكَ الرَّجُلُ الْأُخْتَيْنِ بِأَيِّ وَجْهٍ ما كان فَلَهُ أَنْ يَطَأَ أَيَّتَهُمَا شَاءَ وإذا وطىء إحْدَاهُمَا لم يَجُزْ له وَطْءُ الْأُخْرَى حتى يَحْرُمَ عليه فَرْجُ التي وطىء بِأَيِّ وَجْهٍ ما حَرَّمَ من نِكَاحٍ أو عَتَاقَةٍ أو كِتَابَةٍ فإذا كان ذلك فَوَطِئَ الْأُخْرَى ثُمَّ عَجَزَتْ الْمُكَاتَبَةُ أو طَلُقَتْ ثَبَتَ على وَطْءِ التي وطىء بَعْدَهَا ولم يَكُنْ له أَنْ يَطَأَ الْعَاجِزَةَ وَلَا الْمُطَلَّقَةَ فَتَكُونُ في هذه الْحَالِ وَأُخْتُهَا في الْحَالَةِ الْأُولَى - * وَطْءُ الْأُمِّ بَعْدَ الْبِنْتِ من مِلْكِ الْيَمِينِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَحِلُّ وَطْءُ الْأُمِّ بَعْدَ الْبِنْتِ وَلَا الْبِنْتِ بَعْدَ الْأُمِّ من مِلْكِ الْيَمِينِ وَلَا يَحِلُّ وَطْءُ الْمَمْلُوكَاتِ بِشَيْءٍ لَا يَحِلُّ من وَطْءِ الْحَرَائِرِ مِثْلُهُ إلَّا أَنَّهُنَّ يُخَالِفْنَ الْحَرَائِرَ في مَعْنَيَيْنِ فَيَكُونُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَمْلِكَ الْأُمَّ
____________________

(4/273)


وَوَلَدَهَا وَلَا يَكُونُ له أَنْ يَنْكِحَ الْأُمَّ وَابْنَتَهَا وَيَجْمَعُ بين الْأُخْتَيْنِ من الْمِلْكِ وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا من النِّكَاحِ وَيَطَأُ من الْوَلَائِدِ ما شَاءَ بِالْمِلْكِ في ( ( ( وفي ) ) ) وَقْتٍ وَاحِدٍ وَلَا يَكُونُ له أَنْ يَجْمَعَ بين أَكْثَرَ من أَرْبَعٍ بِالنِّكَاحِ - * التَّفْرِيقُ بين ذَوِي الْمَحَارِمِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا مَلَكَ الرَّجُلُ أَهْلَ الْبَيْتِ لم يُفَرِّقْ بين الْأُمِّ وَوَلَدِهَا حتى يَبْلُغَ الْوَلَدُ سَبْعًا أو ثَمَانِ سِنِينَ فإذا بَلَغَ ذلك جَازَ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ قال قَائِلٌ فَمِنْ أَيْنَ وَقَّتَ سَبْعًا أو ثَمَانِ سِنِينَ قِيلَ رَوَيْنَا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ خَيَّرَ غُلَامًا بين أَبَوَيْهِ وَعَنْ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه وَالْغُلَامُ غَيْرُ بَالِغٍ عِنْدَنَا وَعَنْ عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّهُ خَيَّرَ غُلَامًا بين أُمِّهِ وَعَمِّهِ وكان في الحديث عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وَالْغُلَامُ بن سَبْعٍ أو ثَمَانِ سِنِينَ ثُمَّ نَظَرَ إلَى أَخٍ له أَصْغَرَ منه فقال وَهَذَا لو بَلَغَ مَبْلَغَ هذا خَيَّرْنَاهُ فَجَعَلْنَا هذا حَدًّا لِاسْتِغْنَاءِ الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ وَأَنَّهُ أَوَّلُ مُدَّةٍ يَكُونُ لَهُمَا في أَنْفُسِهِمَا قَوْلٌ وَكَذَلِكَ وَلَدُ الْوَلَدِ من كَانُوا فَأَمَّا الْأَخَوَانِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ قال قَائِلٌ فَكَيْفَ فَرَّقْتُمْ بين الْأَخَوَيْنِ ولم تُفَرِّقُوا بين الْوَلَدِ وَأُمِّهِ قِيلَ السُّنَّةُ في الْأُمِّ وَوَلَدِهَا وَوَجَدْت حَالَ الْوَلَدِ من الْوَالِدِ مُخَالِفًا حَالَ الْأَخِ من أَخِيهِ وَوَجَدْتَنِي أَجْبُرُ الْوَلَدَ على نَفَقَةِ الْوَالِدِ وَالْوَالِدَ على نَفَقَةِ الْوَلَدِ في الْحِينِ الذي لَا غِنَى لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عن صَاحِبِهِ ولم أَجِدُنِي أَجْبُرُ الْأَخَ على نَفَقَةِ أَخِيهِ - * الذِّمِّيُّ يَشْتَرِي الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اشْتَرَى الذِّمِّيُّ عَبْدًا مُسْلِمًا فَالشِّرَاءُ جَائِزٌ وَأُجْبِرُهُ على بَيْعِهِ وَإِنَّمَا مَنَعَنِي من أَنْ أَجْعَلَ الشِّرَاءَ فيه بَاطِلًا أَنَّهُ لو أَسْلَمَ عِنْدَهُ جَبَرْتُهُ على بَيْعِهِ وَلَوْ أَعْتَقَهُ أو وهبة لِمُسْلِمٍ أو تَصَدَّقَ بِهِ عليه أو مَاتَ وَلَا وَارِثَ له قَبَضَ عنه وَجَازَ فيه الْعِتْقُ في حَيَاتِهِ وَالصَّدَقَةُ وَالْهِبَةُ وَلَا يَكُونُ هذا إلَّا لِمَنْ يَكُونُ مِلْكُهُ ثَابِتًا مُدَّةً من الْمُدَدِ وَإِنْ كُنْت لَا أُثْبِتُهُ على الْأَبَدِ كما أُثْبِتُ مِلْكَ الْمُسْلِمِ وإذا كان لِلذِّمِّيِّ مَمْلُوكَانِ امْرَأَةٌ وَرَجُلٌ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فَأَيُّهُمَا أَسْلَمَ جَبَرْت السَّيِّدَ على بَيْعِ الْمُسْلِمِ مِنْهُمَا وَالْوَلَدُ الصِّغَارُ لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ بِإِسْلَامِ أَيِّ الْأَبَوَيْنِ أَسْلَمَ - * الْحَرْبِيُّ يَدْخُلُ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا دخل الْحَرْبِيُّ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ وَمَعَهُ مَمْلُوكَةٌ أو مَمْلُوكٌ فَأَسْلَمَا أو أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا جبرته ( ( ( أجبرته ) ) ) على بَيْعِهِمَا أو بَيْعِ الْمُسْلِمِ مِنْهُمَا وَدَفَعْت إلَيْهِ ثَمَنَهُمَا وَلَيْسَ له أَمَانٌ يعطى بِهِ أَنْ يَمْلِكَ مُسْلِمًا وَأَمَانُ الذِّمِّيِّ الْمُعَاهَدِ أَكْثَرُ من أَمَانِهِ وأنا أُجْبِرُهُ على بَيْعِ من أَسْلَمَ من مَمَالِيكِهِ - * الْعَبْدُ الذي يَكُونُ بين الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ فَيُسْلِمُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان الْعَبْدُ الْكَافِرُ بين مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ وَأَسْلَمَ جَبَرْت الْكَافِرَ على بَيْعِ نَصِيبِهِ فيه وجبريه ( ( ( وجبرته ) ) ) على بَيْعِ كُلِّهِ أَكْثَرَ من جبريه ( ( ( جبرته ) ) ) على بَيْعِ نَصِيبِهِ وإذا حَاصَرَ الْمُسْلِمُونَ الْمُشْرِكِينَ فَاسْتَأْمَنَ رَجُلٌ من الْمُشْرِكِينَ لِجَمَاعَةٍ بِأَعْيَانِهِمْ كان لهم الْأَمَانُ ولم يَكُنْ الْأَمَانُ لِغَيْرِهِمْ وَكَذَلِكَ لو اسْتَأْمَنَ لِعَدَدٍ كان الْأَمَانُ لِأُولَئِكَ الْعَدَدِ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِمْ وَهَكَذَا إنْ قال تُؤَمِّنُ لي مِائَةَ رَجُلٍ وَأُخْلِي بَيْنَك وَبَيْنَ الْبَقِيَّةِ كان الْأَمَانُ في الْمِائَةِ الرَّجُلِ إلَيْهِ فَمَنْ سَمَّى فَهُوَ آمِنٌ ( 1 ) وَمَنْ لم يُسْتَثْنَ فَلَيْسَ بِآمِنٍ وَهَكَذَا إنْ قال تُؤَمِّنُ لي أَهْلَ الْحِصْنِ على أَنْ أَدْفَعَ إلَيْك مِائَةً منهم فَلَا بَأْسَ وَالْمِائَةُ
____________________

(4/274)


رَقِيقٌ كَانُوا من حَرْبِهِمْ أو رَقِيقِهِمْ من قِبَلِ أَنِّي إذَا قَدَرْت عليهم كَانُوا جميعا رَقِيقًا فلما كُنْت قَادِرًا على بَعْضِهِمْ كَانُوا رَقِيقًا وكان من أَمَّنْت غير رَقِيقٍ وَلَيْسَ هذا بِنَقْضٍ لِلْعَهْدِ وَلَا رُجُوعَ في صُلْحٍ إنَّمَا هذا صُلْحٌ على شَرْطٍ فَمَنْ أَدْخَلَهُ الْمُسْتَأْمِنُ في الْأَمَانِ فَهُوَ دَاخِلٌ فيه وَمَنْ أَخْرَجَهُ منه مِمَّنْ لم أُعْطِهِ الْأَمَانَ فَهُوَ خَارِجٌ منه حُكْمُهُ حُكْمُ مُشْرِكٍ يَجْرِي عليه الرِّقُّ إذَا قَدَرَ عليه - * الْأَسِيرُ يُؤْخَذُ عليه الْعَهْدُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا أُسِرَ الْمُسْلِمُ فَأَحْلَفَهُ الْمُشْرِكُونَ أَنْ يَثْبُتَ في بِلَادِهِمْ وَلَا يَخْرُجُ منها على أَنْ يُخْلُوهُ فَمَتَى قَدَرَ على الْخُرُوجِ منها فَلْيَخْرُجْ لِأَنَّ يَمِينَهُ يَمِينُ مُكْرَهٍ وَلَا سَبِيلَ لهم على حَبْسِهِ وَلَيْسَ بِظَالِمٍ لهم بِخُرُوجِهِ من أَيْدِيهِمْ وَلَعَلَّهُ ليس بِوَاسِعٍ أَنْ يُقِيمَ مَعَهُمْ إذَا قَدَرَ على التَّنَحِّي عَنْهُمْ وَلَكِنَّهُ ليس له أَنْ يَغْتَالَهُمْ في أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ لِأَنَّهُمْ إذَا أَمَّنُوهُ فَهُمْ في أَمَانٍ منه وَلَا نَعْرِفُ شيئا يُرْوَى خِلَافَ هذا وَلَوْ كان أَعْطَاهُمْ الْيَمِينَ وهو مُطْلَقٌ لم يَكُنْ له الْخُرُوجُ إذَا كان غير مُكْرَهٍ إلَّا بِأَنْ يَلْزَمَهُ الْحِنْثُ وكان له أَنْ يَخْرُجَ وَيَحْنَثَ لِأَنَّهُ حَلَفَ غير مُكْرَهٍ وَإِنَّمَا ألغينا ( ( ( ألغيا ) ) ) عنه الْحِنْثَ في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ كان مُكْرَهًا - * الْأَسِيرُ يَأْمَنُهُ الْعَدُوُّ على أَمْوَالِهِمْ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَسَرَ الْعَدُوُّ الرَّجُلَ من الْمُسْلِمِينَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ وَأَمَّنُوهُ وَوَلَّوْهُ ضِيَاعَهُمْ أو لم يُوَلُّوهُ فَأَمَانُهُمْ إيَّاهُ أَمَانٌ لهم منه وَلَيْسَ له أَنْ يَغْتَالَهُمْ وَلَا يَخُونَهُمْ وَأَمَّا الْهَرَبُ بِنَفْسِهِ فَلَهُ الْهَرَبُ وَإِنْ أُدْرِكَ لِيُؤْخَذَ فَلَهُ أَنْ يُدَافِعَ عن نَفْسِهِ وَإِنْ قَتَلَ الذي أَدْرَكَهُ لِأَنَّ طَلَبَهُ لِيُؤْخَذَ إحْدَاثٌ من الطَّالِبِ غير الْأَمَانِ فَيَقْتُلُهُ إنْ شَاءَ وَيَأْخُذُ مَالَهُ ما لم يَرْجِعْ عن طَلَبِهِ - * الْأَسِيرُ يُرْسِلُهُ الْمُشْرِكُونَ على أَنْ يَبْعَثَ إلَيْهِمْ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَسَرَ الْمُشْرِكُونَ الْمُسْلِمَ فَخَلُّوهُ على فِدَاءٍ يَدْفَعُهُ إلَيْهِمْ إلَى وَقْتٍ وَأَخَذُوا عليه إنْ لم يَدْفَعْ الْفِدَاءَ أَنْ يَعُودَ في إسَارِهِمْ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَعُودَ في إسَارِهِمْ وَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَعُودَ أَنْ يَدَعَهُ وَالْعَوْدَةَ وإذا كَانُوا امْتَنَعُوا من تَخْلِيَتِهِ إلَّا على مَالٍ يُعْطِيهُمُوهُ فَلَا يُعْطِيهِمْ منه شيئا لِأَنَّهُ مَالٌ أَكْرَهُوهُ على أَخْذِهِ منه بِغَيْرِ حَقٍّ فَإِنْ كان أَعْطَاهُمُوهُ على شَيْءٍ فَأَخَذَهُ منهم لم يَحِلَّ له إلَّا أَدَاؤُهُ إلَيْهِمْ بِكُلِّ حَالٍ وَهَكَذَا لو صَالَحَهُمْ مُبْتَدِئًا على شَيْءٍ انْبَغَى له أَنْ يُؤَدِّيهِ إلَيْهِمْ إنَّمَا أَطْرَحُ عنه ما استكره ( ( ( استنكره ) ) ) عليه - * الْمُسْلِمُونَ يَدْخُلُونَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَيَرَوْنَ قَوْمًا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا دخل جَمَاعَةٌ من الْمُسْلِمِينَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فسبي أَهْلُ الْحَرْبِ قَوْمًا من الْمُسْلِمِينَ لم يَكُنْ لِلْمُسْتَأْمَنَيْنِ قِتَالُ أَهْلِ الْحَرْبِ عَنْهُمْ حتى يَنْبِذُوا إلَيْهِمْ فإذا نَبَذُوا إلَيْهِمْ فَحَذَّرُوهُمْ وَانْقَطَعَ الْأَمَانُ بَيْنَهُمْ كان لهم قِتَالُهُمْ فَأَمَّا ما كَانُوا في مُدَّةِ الْأَمَانِ فَلَيْسَ لهم قِتَالُهُمْ - * الرَّجُلُ يَدْخُلُ دَارَ الْحَرْبِ فَتُوهَبُ له الْجَارِيَةُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا دخل الرَّجُلُ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَوُهِبَتْ له جَارِيَةٌ أو غُلَامٌ أو مَتَاعٌ لِمُسْلِمٍ قد أَحْرَزَهُ عليه أَهْلُ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَ بِهِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَعَرَفَهُ صَاحِبُهُ وَأَثْبَتَ عليه بَيِّنَةً أو أَقَرَّ له الذي هو في يَدَيْهِ بِدَعْوَاهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ بِلَا عِوَضٍ يَأْخُذُهُ منه وَيُجْبِرُهُ السُّلْطَانُ على دَفْعِهِ
____________________

(4/275)


- * الرَّجُلُ يَرْهَنُ الْجَارِيَةَ ثُمَّ يَسْبِيهَا الْعَدُوُّ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا رَهَنَ الرَّجُلُ جَارِيَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَذَلِكَ قِيمَتُهَا ثُمَّ سَبَاهَا الْعَدُوُّ ثُمَّ أَخَذَهَا صَاحِبُهَا الرَّاهِنُ بِثَمَنٍ أو غَيْرِ ثَمَنٍ فَهِيَ على الرَّهْنِ كما كانت لَا يُخْرِجُهَا السِّبَاءُ من الرَّهْنِ وَلَوْ وُجِدَتْ في يَدَيْ رَجُلٍ من الْمُسْلِمِينَ أُخْرِجَتْ من يَدَيْهِ إلَى مِلْكِ مَالِكِهَا الذي سُبِيَتْ عنه وَكَانَتْ على الرَّهْنِ وإذا سَبَى الْمُشْرِكُونَ الْحُرَّةَ وَالْمُدَبَّرَةَ وَالْمُكَاتَبَةَ وَأُمَّ الْوَلَدِ وَالْعَبْدَ وَأَخَذُوا الْمَالَ فَكُلُّهُ سَوَاءٌ مَتَى ظَهَرَ عليه الْمُسْلِمُونَ قبل الْمَقَاسِمِ أو بَعْدَهَا أُخْرِجَ من يَدَيْ من هو في يَدَيْهِ وَكَانَتْ الْحُرَّةُ حُرَّةً وَالْمُكَاتَبَةُ مُكَاتَبَةً وَالْمُدَبَّرَةُ مُدَبَّرَةً وَالْأَمَةُ أَمَةً وَالْعَبْدُ عَبْدًا وَأُمُّ الْوَلَدِ أُمَّ وَلَدٍ وَالْمَتَاعُ على حَالِهِ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَا يَمْلِكُونَ على الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ مَلَكُوهُ عليهم مَلَكَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ مَلَكُوا الْحُرَّةَ وَالْمُكَاتَبَةَ وَأُمَّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةَ كما يَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا ثُمَّ يُسْلِمُونَ فَيُقِرُّ المسبى خَوْلًا لِلسَّابِي - * الْمُدَبَّرَةُ تُسْبَى فَتُوطَأُ ثُمَّ تَلِدُ ثُمَّ يَقْدِرُ عليها صَاحِبُهَا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا سَبَى الْمُشْرِكُونَ الْمُدَبَّرَةَ فَوَطِئَهَا رَجُلٌ منهم فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا ثُمَّ سُبِيَتْ وَأَوْلَادُهَا رُدَّتْ إلَى مَالِكِهَا الذي دبرها ( ( ( دبر ) ) ) وَأَوْلَادَهَا كما تُرَدُّ الْمَمْلُوكَةُ غير مُدَبَّرَةٍ وَلَا يُبْطِلُ السَّبَاءُ تَدْبِيرَهَا وَلَا يُبْطِلُهُ إلَّا أَنْ يَرْجِعَ فيه الْمُدَبَّرُ فَإِنْ مَاتَ الْمُدَبَّرُ قبل أَنْ يُحْرِزَهَا الْمُسْلِمُونَ فَهِيَ حُرَّةٌ وَأَوْلَادُهَا في قَوْلِ من أَعْتَقَ وَلَدَ الْمُدَبَّرَةِ بِعِتْقِهَا وَوَلَاؤُهَا لِلَّذِي دَبَّرَهَا وَوَلَاءُ وَلَدِهَا الَّذِينَ أُعْتِقُوا بِعِتْقِهَا فَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَهُمْ أَوْلَادًا فَوَلَاؤُهُمْ لِمَوَالِي أَبِيهِمْ وقال في الْمُكَاتَبَةِ كما قال في الْمُدَبَّرَةِ إلَّا أَنَّ الْمُكَاتَبَةَ لَا تُعْتَقُ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا إنَّمَا تعتق ( ( ( عتق ) ) ) بِالْأَدَاءِ - * الْمُكَاتَبَةُ تُسْبَى فَتُوطَأُ فَتَلِدُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا وَلَدَتْ الْمُكَاتَبَةُ أَوْلَادًا في دَارِ الْحَرْبِ وَهِيَ مَسْبِيَّةٌ ثُمَّ أَدَّتْ فَعَتَقَتْ عَتَقَ وَلَدُهَا بِعِتْقِهَا في قَوْلٍ يُعْتَقُ وَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ بِعِتْقِ أُمِّهِ وَإِنْ عَجَزَتْ رَقَّتْ وَرَقَّ وَلَدُهَا - * أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ تُسْلِمُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَأَخَذَ بِنَفَقَتِهَا وَأُمِرَتْ أَنْ تَعْمَلَ له في مَوْضِعِهَا ما يَعْمَلُ مِثْلُهَا لِمِثْلِهِ فَإِنْ مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ وَإِنْ أَسْلَمَ خلى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَلَا يَجُوزُ فيها ما ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ الناس من أَنْ تُعْتَقَ وَتَسْعَى في قِيمَتِهَا من قِبَلِ أنها إنْ كان الْإِسْلَامُ يُعْتِقُهَا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عليها سِعَايَةٌ وَإِنْ كان الْإِسْلَامُ لَا يُعْتِقُهَا فما سَبَبُ عِتْقِهَا وما سَبَبُ سِعَايَتِهَا ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْعِتْقُ لو كان من قِبَلِ سَيِّدِهَا وَأَعْتَقَ منها سَهْمًا من مِائَةِ سَهْمٍ عَتَقَتْ كُلُّهَا ولم يَكُنْ الْعِتْقُ من قِبَلِ سَيِّدِهَا وَلَا من قِبَلِ شَرِيكٍ له فَإِنْ قال من قِبَلِ نَفْسِهَا فَهِيَ لَا تَقْدِرُ على أَنْ تُعْتِقَ نَفْسَهَا فَإِنْ قال منهم قَائِلٌ وَهَلْ ثَبَتَ الرِّقُّ لِكَافِرٍ على مُسْلِمٍ قِيلَ أنت تُثْبِتُهُ قال وَأَيْنَ قلت زَعَمْت أَنَّ عَبْدَ الْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ فَأَعْتَقَهُ الْكَافِرُ أو بَاعَهُ أو وَهَبَهُ أو تَصَدَّقَ بِهِ أَجَزْت هذا كُلَّهُ فيه وَلَوْ كان الْإِسْلَامُ يُزِيلُ مِلْكَهُ عنه ما جَازَ له من هذا شَيْءٌ وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ لِلْكَافِرِ أَنْ يَشْتَرِيَ الْمُؤْمِنَ ثُمَّ يَكُونُ عليه بَيْعُهُ وَيَكُونُ لِمُشْتَرِيهِ أَنْ يَرُدَّهُ على مِلْكِ الْكَافِرِ بِالْعَيْبِ ثُمَّ تَقُولُ لِلْكَافِرِ بِعْهُ فَإِنْ زَعَمْت أَنَّك تُجْبِرُهُ على بَيْعِهِ قِيلَ فَقُلْ هذا في مُدَبَّرِهِ وَمُكَاتَبِهِ فَإِنْ قُلْت لَا قِيلَ فَكَذَا قُلْ في أُمِّ وَلَدِهِ ليس الْإِسْلَامُ بِعِتْقٍ لها وَلَا أَجِدُ السَّبِيلَ إلَى بَيْعِهَا لِمَا سَبَقَ فيها وَلَا يَجُوزُ قَوْلُ من قال أَعْتَقَهَا وَلَا سِعَايَةَ عليها من قِبَلِ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ الْأَمَةَ لم تَلِدْ إذَا أَسْلَمَتْ وَهِيَ لِنَصْرَانِيٍّ
____________________

(4/276)


وَلَا الْعَبْدَ وَيَقُولُ آمُرُهُ بِبَيْعِهِمَا وَالرَّجُلُ لَا يَكُونُ عُهْدَةُ الْبَيْعِ عليه إلَّا فِيمَا يَمْلِكُ وهو يُجِيزُ الْعِتْقَ وَالْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ وَهَذَا لَا يَجُوزُ إلَّا لِمَالِكٍ فَإِنْ قال لَا أَجِدُهُ يَمْلِكُ من أُمِّ الْوَلَدِ إلَّا الْوَطْءَ فَقَدْ حَرَّمَ عليه الْوَطْءَ فَهُوَ يَمْلِكُ الرَّجُلَ من أُمِّ وَلَدِهِ أَنْ يَأْخُذَ مَالَهَا وَكَسْبَهَا وَالْجِنَايَةُ عليها وَيَسْتَعِمَّهَا وَتَمُوتُ فَيَصِيرُ إلَيْهِ ما حَوَتْ وَهَذَا كُلُّهُ غَيْرُ وَطْئِهَا وَلَوْ كان إذَا حَرَّمَ عليه الْفَرْجَ عَتَقَتْ أُمُّ الْوَلَدِ كان لو زَوَّجَ مَالِكٌ أُمَّ وَلَدِهِ أو كَاتَبَهَا انْبَغَى أَنْ يُعْتِقَهَا عليه من قِبَلِ أَنَّهُ قد حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ فَرْجِهَا وَحَوْلٌ بين الرَّجُلِ وَبَيْنَ الْفَرْجِ بِسَبَبٍ لَا يَمْنَعُ شيئا غَيْرَهُ وقد قال قَائِلٌ تَسْعَى في نِصْفِ قِيمَتِهَا كَأَنَّهُ جَعَلَ نِصْفَهَا حُرًّا بِالْوَلَدِ وَنِصْفَهَا مَمْلُوكًا إلَى أَنْ يَمُوتَ السَّيِّدُ وَلَا أَعْرِفُ لِلْوَلَدِ حِصَّةً من الْعِتْقِ مُتَبَعِّضَةً ( 1 ) وَلَوْ كانت حُرَّةً كُلَّهَا من قِبَلِ أَنَّ الْوَلَدَ من السَّيِّدِ وهو لو أَعْتَقَ السَّيِّدُ منها سَهْمًا من أَلْفِ سَهْمٍ جَعَلَهَا حُرَّةً كُلَّهَا فَلَا أَعْرِفُ لِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ وَجْهًا وإذا دخل الْحَرْبِيُّ بِعَبْدِهِ أو أَمَتِهِ دَارَ الْإِسْلَامِ مُسْتَأْمَنًا فَأَسْلَمَا جُبِرَ على بَيْعِهِمَا ولم يُتْرَكْ يَخْرُجُ بِهِمَا - * الْأَسِيرُ لَا تُنْكَحُ امْرَأَتُهُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أُسِرَ الْمُسْلِمُ فَكَانَ في دَارِ الْحَرْبِ فَلَا تُنْكَحُ امْرَأَتُهُ إلَّا بَعْدَ تَيَقُّنِ وَفَاتِهِ عُرِفَ مَكَانُهُ أو خَفِيَ مَكَانُهُ وَكَذَلِكَ لَا يُقَسَّمُ مِيرَاثُهُ - * ما يَجُوزُ لِلْأَسِيرِ في مَالِهِ وما لَا يَجُوزُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وما صَنَعَ الْأَسِيرُ من الْمُسْلِمِينَ في دَارِ الْحَرْبِ أو دَارِ الْإِسْلَامِ أو الْمَسْجُونِ وهو صَحِيحٌ في مَالِهِ غَيْرُ مُكْرَهٍ عليه فَهُوَ جَائِزٌ من بَيْعٍ وَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ وَغَيْرِ ذلك فَهُوَ جَائِزٌ لَا نُبْطِلُ على وَاحِدٍ منهم إلَّا ما نُبْطِلُ على الصَّحِيحِ الْمُطْلَقِ فَإِنْ كان مَرِيضًا فَهُوَ كَالْمَرِيضِ في حُكْمِهِ وَهَكَذَا ما صَنَعَ الرَّجُلُ في الْحَرْبِ عِنْدَ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ وَقَبْلَ ذلك ما لم يُجْرَحْ وَهَكَذَا ما صَنَعَ إذَا قَدِمَ لِيَقْتُلَ فِيمَا من قَتْلُهُ فيه بُدٌّ وَفِيمَا يَجِدُ قَاتِلُهُ السَّبِيلَ إلَى تَرْكِهِ مِثْلُ الْقَتْلِ في الْقِصَاصِ الذي يَكُونُ لِصَاحِبِهِ عَفْوُهُ وَمِثْلُ قَتْلِ عصبته ( ( ( عصبة ) ) ) الْقَاتِلِ الذي قد تَتْرُكُهُ وأما ( ( ( وما ) ) ) إذَا قَدِمَ لِيُرْجَمَ في الزنى فَلَا يَجُوزُ له في مَالِهِ إلَّا الثُّلُثَ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى تَرْكِهِ وَالْحَامِلُ يَجُوزُ ما صَنَعَتْ في مَالِهَا ما لم يَحْدُثْ لها مَرَضٌ مع حَمْلِهَا أو يَضْرِبُهَا الطَّلْقُ فإن ذلك مَرَضٌ مَخُوفٌ فَأَمَّا ما قبل ذلك فما صَنَعْت فيه فَهُوَ جَائِزٌ وَهَكَذَا الرَّجُلُ في السَّفِينَةِ في الْمَوْضِعِ الْمَخُوفِ من الْغَرَقِ وَغَيْرِ الْمَخُوفِ لِأَنَّ النَّجَاةَ قد تَكُونُ في الْمَخُوفِ وَالْهَلَاكُ قد يَكُونُ في غَيْرِهِ وَلَا وَجْهَ لِقَوْلِ من قال تجوز ( ( ( نجوز ) ) ) عَطِيَّةَ الْحَامِلِ حتى تَسْتَكْمِلَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ تَكُونُ كَالْمَرِيضِ في عَطِيَّتِهَا بَعْدَ السِّتَّةِ عِنْدِي وَلَا لِمَا تَأَوَّلَ من قَوْلِ اللَّهِ عز وجل حَمَلَتْ { حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فلما أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا } وَلَيْسَ في هذا دَلَالَةٌ على حَدِّ الْإِثْقَالِ مَتَى هو أَهُوَ التَّاسِعُ أو الثَّامِنُ أو السَّابِعُ أو السَّادِسُ أو الْخَامِسُ أو الرَّابِعُ أو الثَّالِثُ حتى يَتَبَيَّنَ وَمَنْ ادَّعَى هذا بِوَقْتٍ لم يَجُزْ له إلَّا بِخَبَرٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْإِثْقَالُ الْمَخُوفُ إلَّا حين تَجْلِسُ بين الْقَوَابِلِ فَإِنْ قِيلَ هِيَ بَعْدَ سِتَّةٍ مَخَافَةً لها قبل سِتَّةٍ فَكَذَلِكَ هِيَ بَعْدَ شَهْرٍ مُخَالِفَةً لها قبل الشَّهْرِ بَعْدَ الشَّهْرَيْنِ وفي كل يَوْمٍ زَادَتْ فيه أَنْ يَكْبُرَ وَلَدُهَا وَتَقْرَبَ من وَضْعِ حَمْلِهَا وَلَيْسَ إلَّا ما قُلْنَا أو أَنْ يَقُولَ رَجُلٌ الْحَمْلُ كُلُّهُ مَرَضٌ وَلَا يُفَرَّقُ بين أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ فَإِنْ قال هذا فَهُوَ مَعْرُوفٌ في الْإِثْقَالِ وَغَيْرِ الْإِثْقَالِ فَالْمَرَضُ الثَّقِيلُ وَالْمَرَضُ الْخَفِيفُ عِنْدَهُ وَعِنْدَ الناس في الْعَطِيَّةِ سَوَاءٌ وَلَا فَرْقَ في الْحُكْمِ بين الْمَرِيضِ الْمَخُوفِ عليه الدَّنَفُ وَبَيْنَ الْمَرِيضِ الْخَفِيفِ الْمَرَضِ فِيمَا أَعْطَيَا وَوَهَبَا وقد يُقَالُ لِهَذَا ثَقِيلٌ وَلِهَذَا خَفِيفٌ وما أَعْلَمُ الْحَامِلَ بَعْدَ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ إلَّا أَثْقَلَ وَأَسْوَأَ حَالًا وَأَكْثَرَ قَيْئًا وَامْتِنَاعًا من الطَّعَامِ
____________________

(4/277)


وَأَشْبَهَ بِالْمَرِيضِ منها بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَكَيْفَ تَجُوزُ عَطِيَّتُهَا في الْوَقْتِ الذي هِيَ فيه أقرب ( ( ( قرب ) ) ) من الْمَرَضِ وَتُرَدُّ عَطِيَّتُهَا في الْوَقْتِ الذي هِيَ فيه أَقْرَبُ إلَى الصِّحَّةِ فَإِنْ قال هذا وَقْتٌ يَكُونُ فيه الْوَلَدُ تَامًّا لو خَرَجَ فَخُرُوجُهُ تَامًّا أَشْبَهُ لِسَلَامَةِ أمة من خُرُوجِهِ لو خَرَجَ سَقْطًا وَالْحُكْمُ إنَّمَا هو لِأُمِّهِ ليس له وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * الْحَرْبِيُّ يَدْخُلُ بِأَمَانٍ وَلَهُ مَالٌ في دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ يُسْلِمُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا دخل الْحَرْبِيُّ بِلَادَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ وَخَلَّفَ في دَارِ الْحَرْبِ أَمْوَالًا وَوَدَائِعَ في يَدِ مُسْلِمٍ وَيَدَيْ حَرْبِيٍّ وَيَدَيْ وَكِيلٍ له ثُمَّ أَسْلَمَ فَلَا سَبِيلَ عليه وَلَا على مَالِهِ وَلَا على وَلَدِهِ الصِّغَارِ ما كان له عَقَارٌ أو غَيْرُهُ وَهَكَذَا لو أَسْلَمَ في بِلَادِ الْحَرْبِ وَخَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لَا سَبِيلَ على مَالِ مُسْلِمٍ حَيْثُ كان أَسْلَمَ ابْنَا شُعْبَةَ القرظيان وَرَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مُحَاصِرٌ بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَحْرَزَ لَهُمَا إسْلَامَهُمَا أَنْفُسِهِمَا وَأَمْوَالَهُمَا دُورًا كانت أو عَقَارًا أو غَيْرَهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَالُ الْمُسْلِمِ مَغْنُومًا بِحَالٍ فَأَمَّا وَلَدُهُ الْكِبَارُ وَزَوْجَتُهُ فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ أَنْفُسِهِمْ يَجْرِي عليهم ما يَجْرِي على أَهْلِ الْحَرْبِ من الْقَتْلِ وَالسِّبَاءِ وَإِنْ سُبِيَتْ امْرَأَتُهُ حَامِلًا منه لم يَكُنْ إلَى إرْقَاقِ ذِي بَطْنِهَا سَبِيلٌ من قِبَلِ أَنَّهُ إذَا خَرَجَ فَهُوَ مُسْلِمٌ بِإِسْلَامِ أبيه وَلَا يَجْرِي السِّبَاءُ على مُسْلِمٍ - * الْحَرْبِيُّ يَدْخُلُ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ فَأَوْدَعَ مَالَهُ ثُمَّ رَجَعَ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا داخل ( ( ( دخل ) ) ) الْحَرْبِيُّ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ فَأَوْدَعَ وَبَاعَ وَتَرَكَ مَالًا ثُمَّ رَجَعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَقُتِلَ بها فَدَيْنُهُ وَوَدَائِعُهُ وما كان له من مَالٍ مَغْنُومٍ عنه لَا فَرْقَ بين الدَّيْنِ والوديعة ( ( ( الوديعة ) ) ) وإذا قَدِمَ الْحَرْبِيُّ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ فَمَاتَ فَالْأَمَانُ لِنَفْسِهِ وَمَالِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ من مَالِهِ شَيْءٌ وَعَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَرُدَّهُ إلَى وَرَثَتِهِ حَيْثُ كَانُوا وَلَا يُقْبَلُ إنْ لم تَعْرِفَ وَرَثَتُهُ شَهَادَةَ أَحَدٍ غَيْرٍ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَجُوزُ في هذه الْحَالِ وَلَا في غَيْرِهَا شَهَادَةُ أَحَدٍ خَالَفَ دِينَ الْإِسْلَامِ لِقَوْلٍ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } وَقَوْلُهُ { مِمَّنْ تَرْضَوْنَ من الشُّهَدَاءِ } وَهَذَا مَكْتُوبٌ في كِتَابِ الشَّهَادَاتِ - * في الْحَرْبِيِّ يَعْتِقُ عَبْدَهُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَعْتَقَ الْحَرْبِيُّ عَبْدَهُ في دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَا إلَيْنَا ولم يُحْدِثْ له قَهْرًا في بِلَادِ الْحَرْبِ يَسْتَعْبِدُهُ بِهِ فَأَرَادَ اسْتِعْبَادَهُ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ لم يَكُنْ له أَنْ يَسْتَعْبِدَهُ مُسْلِمًا كان الْعَبْدُ أو كَافِرًا أو مُسْلِمًا كان السَّيِّدُ أو كَافِرًا وَلَوْ أَحْدَثَ له قَهْرًا بِبِلَادِ الْحَرْبِ أو لِحُرٍّ مِثْلِهِ ولم يَعْتِقْهُ حتى خَرَجَ إلَيْنَا بِأَمَانٍ كان عَبْدًا له قال وَإِنْ كانت الْأَرْضُ الْمُفْتَتَحَةُ من أَهْلِ الشِّرْكِ بِلَادَ عَنْوَةٍ أو صُلْحٍ تُخْلَى منه أَهْلُهُ إلَى الْمُسْلِمِينَ على شَيْءٍ أَخَذُوهُ منهم أمان ( ( ( بأمان ) ) ) أو غَيْرِهِ فَهِيَ مَمْلُوكَةٌ كما يُمْلَكُ الْفَيْءُ وَالْغَنِيمَةُ وَإِنْ تَرَكَهَا أَهْلُهَا الَّذِينَ كانت لهم مِمَّنْ أَوْجَفَ عليها أو غَيْرِهِمْ فَوَقَفَهَا السُّلْطَانُ على الْمُسْلِمِينَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَكَارَى الرَّجُلُ منها الْأَرْضَ لِيَزْرَعَهَا وَعَلَيْهِ ما تَكَارَاهَا بِهِ وَالْعُشْرُ كما يَكُونُ عليه ما تُكَارَى بِهِ أَرْضُ الْمُسْلِمِ وَالْعُشْرِ - * الصُّلْحُ على الْجِزْيَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا أَعْرِفُ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم صَالَحَ أَحَدًا من أَهْلِ الْجِزْيَةِ على شَيْءٍ إلَّا ما أَصِفُ صَالَحَ أَهْلَ أَيْلَةَ على ثلاثمائة دِينَارٍ وكان عَدَدُهُمْ ثلاثمائة رَجُلٍ وَصَالَحَ نَصْرَانِيًّا بِمَكَّةَ يُقَالُ له مَوْهَبٌ على دِينَارٍ
____________________

(4/278)


وَصَالَحَ ذِمَّةَ الْيَمَنِ على دِينَارٍ دِينَارٍ وَجَعَلَهُ على الْمُحْتَلِمِينَ من أَهْلِ الْيَمَنِ وَأَحْسَبُ كَذَلِكَ جَعَلَهُ في كل مَوْضِعٍ وَإِنْ لم يُحْكَ في الْخَبَرِ كما حكى خَبَرُ الْيَمَنِ ثُمَّ صَالَحَ أَهْلَ نَجْرَانَ على حُلَلٍ يُؤَدُّونَهَا فَدَلَّ صُلْحُهُ إيَّاهُمْ على غَيْرِ الدَّنَانِيرِ على أَنَّهُ يَجُوزُ ما صَالَحُوا عليه وَصَالَحَ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تعالى عنه أَهْلَ الشَّامِ على أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ وَرَوَى عنه بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ أَنَّهُ صَالَحَ الْمُوسِرَ من ذِمَّتِهِمْ على ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَالْوَسَطَ على أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ وَاَلَّذِي دُونَهُ على اثنى عَشَرَ دِرْهَمًا وَلَا بَأْسَ بِمَا صَالَحَ عليه أَهْلَ الذِّمَّةِ وَإِنْ كان أَكْثَرَ من هذا إذَا كان الْعَقْدُ على شَيْءٍ مُسَمًّى بِعَيْنِهِ وَإِنْ كان أَضْعَافَ هذا وإذا انعقد ( ( ( عقد ) ) ) لهم الْعَقْدَ على شَيْءٍ مُسَمًّى لم يَجُزْ عِنْدِي أَنْ يُزَادَ على أَحَدٍ منهم فيه بَالِغًا يُسْرُهُ ما بَلَغَ وَإِنْ صَالَحُوا على ضِيَافَةٍ مع الْجِزْيَةِ فَلَا بَأْسَ وَكَذَلِكَ لو صَالَحُوا على مَكِيلَةِ طَعَامٍ كان ذلك كما يُصَالِحُونَ عليه من الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَلَا تَكُونُ الْجِزْيَةُ إلَّا في كل سَنَةٍ مَرَّةً وَلَوْ حَاصَرْنَا أَهْلَ مَدِينَةٍ من أَهْلِ الْكِتَابِ فَعَرَضُوا عَلَيْنَا أَنْ يُعْطُونَا الْجِزْيَةَ لم يَكُنْ لنا قِتَالُهُمْ إذَا أَعْطُونَاهَا وَأَنْ يَجْرِيَ عليهم حُكْمُنَا وَإِنْ قالوا نُعْطِيكُمُوهَا وَلَا يَجْرِي عَلَيْنَا حُكْمُكُمْ لِمَ لم يَلْزَمْنَا أَنْ نَقْبَلَهَا منهم لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل قال { حتى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } فلم أَسْمَعْ مُخَالِفًا في أَنَّ الصَّغَارَ أَنْ يَعْلُوَ حُكْمُ الْإِسْلَامِ على حُكْمِ الشِّرْكِ وَيَجْرِي عليهم وَلَنَا أَنْ نَأْخُذَ منهم مُتَطَوِّعِينَ وَعَلَى النَّظَرِ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ وَإِنْ لم يَجْرِ عليهم الْحُكْمُ كما يَكُونُ لنا تَرْكُ قِتَالِهِمْ وَلَوْ عَرَضُوا عَلَيْنَا أَنْ يُعْطُونَا الْجِزْيَةَ وَيَجْرِي عليهم الْحُكْمُ فَاخْتَلَفْنَا نَحْنُ وَهُمْ في الْجِزْيَةِ فَقُلْنَا لَا نَقْبَلُ إلَّا كَذَا وَقَالُوا لَا نُعْطِيكُمْ إلَّا كَذَا رَأَيْت وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَلْزَمَنَا أَنْ نَقْبَلَ منهم دِينَارًا دِينَارًا لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قد أَخَذَهُ من نَصْرَانِيٍّ بِمَكَّةَ مَقْهُورٍ وَمِنْ ذِمَّةِ الْيَمَنِ وَهُمْ مَقْهُورُونَ ولم يَلْزَمْنَا أَنْ نَأْخُذَ منهم أَقَلَّ منه وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ لِأَنَّا لم نَجِدُ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا أَحَدًا من الْأَئِمَّةِ أَخَذَ منهم أَقَلَّ منه وَاثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا في زَمَانِ عُمَرَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كانت دِينَارًا فَإِنْ كان أَخَذَهَا فَهِيَ دِينَارٌ وَهِيَ أَقَلُّ ما أُخِذَ وَنَزْدَادُ منهم ما لم نَعْقِدْ لهم شيئا مِمَّا قَدَرْنَا عليه وَإِنْ كتب ( ( ( كنت ) ) ) في الْعَقْدِ لهم أَنْ يُخَفِّفَ عَمَّنْ افْتَقَرَ منهم إلَى أَنْ يَجِدَ كان ذلك جَائِزًا وَإِنْ لم يَكُنْ في الْعُقْدَةَ كان ذلك لَازِمًا لهم وَالْبَالِغُونَ منهم في ذلك سَوَاءٌ الزَّمِنُ وَغَيْرُ الزَّمِنِ فَإِنْ أَعْوَزَ أَحَدُهُمْ بِجِزْيَتِهِ فَهِيَ دَيْنٌ عليه يُؤْخَذُ منه مَتَى قَدَرَ عليها وَإِنْ غَابَ سِنِينَ ثُمَّ رَجَعَ أُخِذَتْ منه لِتِلْكَ السِّنِينَ إذَا كانت غَيْبَتُهُ في بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَالْحَقُّ لَا يُوضَعُ عن شَيْخٍ وَلَا مُقْعَدٍ وَلَوْ حَالَ عليه حَوْلٌ أو أَحْوَالٌ ولم تُؤْخَذْ منه ثُمَّ أَسْلَمَ أُخِذَتْ منه لِأَنَّهَا كانت لَزِمَتْهُ في حَالِ شِرْكِهِ فَلَا يَضَعُ الْإِسْلَامُ عنه دَيْنًا لَزِمَهُ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَجَبَ عليه ليس لِلْإِمَامِ تَرْكُهُ قَبْلَهُ كما لم يَكُنْ له تَرْكُهُ قَبْلَهُ في حَالِ شِرْكِهِ - * فَتْحُ السَّوَادِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَسْت أَعْرِفُ ما أَقُولُ في أَرْضِ السَّوَادِ إلَّا ظَنًّا مَقْرُونًا إلَى عِلْمٍ وَذَلِكَ أَنِّي وَجَدْت أَصَحَّ حَدِيثٍ يَرْوِيهِ الْكُوفِيُّونَ عِنْدَهُمْ في السَّوَادِ ليس فيه بَيَانٌ وَوَجَدْت أَحَادِيثَ من أَحَادِيثِهِمْ تُخَالِفُهُ منها أَنَّهُمْ يَقُولُونَ السَّوَادُ صُلْحٌ وَيَقُولُونَ السَّوَادُ عَنْوَةٌ وَيَقُولُونَ بَعْضُ السَّوَادِ صُلْحٌ وَبَعْضُهُ عَنْوَةٌ وَيَقُولُونَ إنَّ جَرِيرَ بن عبد اللَّهِ الْبَجَلِيَّ وَهَذَا أَثْبَتُ حَدِيثٍ عِنْدَهُمْ فيه * أخبرنا الثِّقَةُ عن بن أبي خَالِدٍ عن قَيْسِ بن أبي حَازِمٍ عن جَرِيرِ بن عبد اللَّهِ قال كانت بَجِيلَةُ رُبْعُ الناس فَقُسِمَ لهم رُبْعُ السَّوَادِ فَاسْتَغَلُّوهُ ثَلَاثَ أو أَرْبَعَ سِنِينَ أنا شَكَكْت ثُمَّ قَدِمْت على عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وَمَعِي فُلَانَةُ ابْنَةُ فُلَانٍ امْرَأَةٌ منهم لَا يَحْضُرُنِي ذِكْرُ اسْمِهَا فقال عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه لَوْلَا أَنِّي قَاسِمٌ مسؤول ( ( ( مسئول ) ) ) لَتَرَكْتُكُمْ على ما قُسِمَ لَكُمْ وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ تَرُدُّوا على الناس ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وكان في حَدِيثِهِ ( وعاضني من حَقِّي فيه نَيِّفًا وَثَمَانِينَ دِينَارًا ) وكان في حَدِيثِهِ فقالت فُلَانَةُ قد شهدا ( ( ( شهد ) ) ) أبي الْقَادِسِيَّةَ وَثَبَتَ سَهْمُهُ وَلَا أُسَلِّمُهُ حتى تُعْطِيَنِي كَذَا أو تُعْطِيَنِي
____________________

(4/279)


كَذَا فَأَعْطَاهَا إيَّاهُ قال وفي هذا الحديث دَلَالَةٌ إذْ أَعْطَى جَرِيرًا الْبَجَلِيَّ عِوَضًا من سَهْمِهِ وَالْمَرْأَةَ عِوَضًا من سَهْمِ أَبِيهَا أَنَّهُ اسْتَطَابَ أَنْفُسَ الَّذِينَ أَوْجَفُوا عليه فَتَرَكُوا حُقُوقَهُمْ منه فَجَعَلَهُ وَقْفًا لِلْمُسْلِمِينَ وَهَذَا حَلَالٌ لِلْإِمَامِ لو افْتَتَحَ الْيَوْمَ أَرْضًا عَنْوَةً فَأَحْصَى من افْتَتَحَهَا وَطَابُوا نَفْسًا عن حُقُوقِهِمْ منها أَنْ يَجْعَلَهَا الْإِمَامُ وَقْفًا وَحُقُوقُهُمْ منها إلَّا الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسِ ويوفى أَهْلَ الْخُمْسِ حُقُوقَهُمْ إلَّا أَنْ يَدَعَ الْبَالِغُونَ منهم حُقُوقَهُمْ فَيَكُونُ ذلك لهم وَالْحُكْمُ في الْأَرْضِ كَالْحُكْمِ في الْمَالِ وقد سَبَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم هَوَازِنَ وَقَسَّمَ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسَ بين الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ جَاءَتْهُ وُفُودُ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ فَسَأَلُوهُ أَنْ يَمُنَّ عليهم بِأَنْ يُعْطِيَهُمْ ما أُخِذَ منهم فَخَيَّرَهُمْ بين الْأَمْوَالِ وَالسَّبْيِ فَقَالُوا خَيَّرْتَنَا بين أَحْسَابِنَا وَأَمْوَالِنَا فَنَخْتَارُ أَحْسَابَنَا فَتَرَكَ لهم رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حَقَّهُ وَحَقَّ أَهْلِ بَيْتِهِ فَسَمِعَ بِذَلِكَ الْمُهَاجِرُونَ فَتَرَكُوا له حُقُوقَهُمْ فَسَمِعَ بِذَلِكَ الْأَنْصَارُ فَتَرَكُوا له حُقُوقَهُمْ ثُمَّ بَقِيَ قَوْمٌ من الْمُهَاجِرِينَ الْآخَرِينَ وَالْفَتْحِيِّينَ فَأَمَرَ فَعَرَفَ على كل عَشَرَةٍ وَاحِدًا ثُمَّ قال ائْتُونِي بِطِيبِ أَنْفُسِ من بَقِيَ فَمَنْ كَرِهَ فَلَهُ عَلَيَّ كَذَا وَكَذَا من الْإِبِلِ إلَى وَقْتِ كَذَا فجاءوه ( ( ( فجاؤه ) ) ) بِطِيبِ أَنْفُسِهِمْ إلَّا الْأَقْرَعَ بن حَابِسٍ وَعُتَيْبَةَ بن بَدْرٍ فَإِنَّهُمَا أَبَيَا لِيُعَيِّرَا هَوَازِنَ فلم يُكْرِهْهُمَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على ذلك حتى كَانَا هُمَا تَرَكَا بَعْدُ بِأَنْ خُدِعَ عُتَيْبَةَ عن حَقِّهِ وسلم لهم رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حَقَّ من طَابَ نَفْسًا عن حَقِّهِ وَهَذَا أَوْلَى الْأُمُورِ بِعُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه تَعَالَى عِنْدَنَا في السَّوَادِ وَفُتُوحِهِ إنْ كانت عَنْوَةً فَهُوَ كما وَصَفْت ظَنَّ عليه دَلَالَةَ يَقِينٍ وَإِنَّمَا مَنَعْنَا أَنْ نَجْعَلَهُ يقينا بِالدَّلَالَةِ أَنَّ الحديث الذي فيه تَنَاقُضٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَسَمَ إلَّا عن أَمْرِ عُمَرَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه لِكِبَرِ قَدْرِهِ وَلَوْ تَفَوَّتَ عليه فيه ما انْبَغَى أَنْ يَغِيبَ عنه قسمة ثَلَاثَ سِنِينَ وَلَوْ كان الْقَسْمُ ليس لِمَنْ قَسَمَ له ما كان لهم منه عِوَضٌ وَلَكَانَ عليهم أَنْ تُؤْخَذَ منهم الْغَلَّةُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ كَيْفَ كان ولم أَجِدْ فيه حَدِيثًا يُثْبِتُ إنَّمَا أَجِدُهَا مُتَنَاقِضَةً وَاَلَّذِي هو أَوْلَى بِعُمَرَ عِنْدِي الذي وَصَفْت فَكُلُّ بَلَدٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً فَأَرْضُهَا وَدَارُهَا كَدَنَانِيرِهَا وَدَرَاهِمِهَا وَهَكَذَا صَنَعَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في خَيْبَرَ وَبَنِي قُرَيْظَةَ فَلِمَنْ أَوْجَفَ عليها أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ وَالْخُمْسُ لِأَهْلِهِ من الْأَرْضِ وَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ فَمَنْ طَابَ نَفْسًا عن حَقِّهِ فَجَائِزٌ لِلْإِمَامِ حَلَالٌ نَظَرًا لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَجْعَلَهُ وَقْفًا على الْمُسْلِمِينَ تُقْسَمُ غَلَّتُهُ فِيهِمْ على أَهْلِ الْخَرَاجِ وَالصَّدَقَةِ وَحَيْثُ يَرَى الْإِمَامُ منهم وَمَنْ لم يَطِبْ عنه نَفْسًا فَهُوَ أَحَقُّ بِحَقِّهِ وَأَيُّمَا أَرْضٍ فُتِحَتْ صُلْحًا على أَنَّ أَرْضَهَا لِأَهْلِهَا وَيُؤَدُّونَ عنها خَرَاجًا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَخْذُهَا من أَيْدِي أَهْلِهَا وَعَلَيْهِمْ فيها الْخَرَاجُ وما أُخِذَ من خَرَاجِهَا فَهُوَ لِأَهْلِ الْفَيْءِ دُونَ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ لِأَنَّهُ فَيْءٌ من مَالِ مُشْرِكٍ وَإِنَّمَا فُرِّقَ بين هذا وَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَنَّ ذلك وَإِنْ كان من مُشْرِكٍ فَقَدْ مَلَكَ الْمُسْلِمُونَ رَقَبَةَ الْأَرْضِ فيه فَلَيْسَ بِحَرَامٍ أَنْ يَأْخُذَهُ صَاحِبُ صَدَقَةٍ وَلَا صَاحِبُ فَيْءٍ وَلَا غَنِيٌّ وَلَا فَقِيرٌ لِأَنَّهُ كَالصَّدَقَةِ الْمَوْقُوفَةِ يَأْخُذُهَا من وُقِفَتْ عليه من غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ وإذا كانت الْأَرْضُ صُلْحًا فَإِنَّهَا لِأَهْلِهَا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَهَا منهم الْمُسْلِمُونَ بِكِرَاءٍ وَيَزْرَعُونَهَا كما نَسْتَأْجِرُ منهم إبِلَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ وَرَقِيقَهُمْ وما يَجُوزُ لهم إجَارَتُهُ منهم وما دُفِعَ إلَيْهِمْ أو إلَى السُّلْطَانِ بِوَكَالَتِهِمْ فَلَيْسَ بِصَغَارٍ عليهم إنَّمَا هو دَيْنٌ عليه يُؤَدِّيهِ وَالْحَدِيثُ الذي يُرْوَى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يَنْبَغِي لِمُسْلِمٍ أَنْ يُؤَدِّيَ خَرَاجًا وَلَا لِمُشْرِكٍ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إنَّمَا هو خَرَاجُ الْجِزْيَةِ وَلَوْ كان خَرَاجُ الْكِرَاءِ ما حَلَّ له أَنْ يَتَكَارَى من مُسْلِمٍ وَلَا كَافِرٍ شيئا وَلَكِنَّهُ خَرَاجُ الْجِزْيَةِ وَخَرَاجُ الْأَرْضِ إنَّمَا هو كِرَاءٌ لَا مُحَرَّمٌ عليه وإذا كان الْعَبْدُ النَّصْرَانِيُّ فَأَعْتَقَهُ وهو على النَّصْرَانِيَّةِ فَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ وإذا كان الْعَبْدُ النَّصْرَانِيُّ لِمُسْلِمٍ فَأَعْتَقَهُ الْمُسْلِمُ فَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ إنَّمَا نَأْخُذُ الْجِزْيَةَ بِالدَّيْنِ وَالنَّصْرَانِيُّ مِمَّنْ عليه الْجِزْيَةُ وَلَا يَنْفَعُهُ أَنْ يَكُونَ مَوْلَاهُ مُسْلِمًا كما لَا يَنْفَعُهُ أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ وَأُمُّهُ مُسْلِمَيْنِ
____________________

(4/280)


- * في الذِّمِّيِّ إذَا اتَّجَرَ في غَيْرِ بَلَدِهِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا اتَّجَرَ الذِّمِّيُّ في بِلَادِ الْإِسْلَامِ إلَى أُفُقٍ من الْآفَاقِ في السَّنَةِ مِرَارًا لم يُؤْخَذْ منه إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً كما لَا تُؤْخَذُ منه الْجِزْيَةُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وقد ذُكِرَ عن عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ أَمَرَ فِيمَا ظَهَرَ من أَمْوَالِهِمْ وَأَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُؤْخَذَ منهم شَيْءٌ وَقْتَهُ وَأَمَرَ أَنْ يُكْتَبَ لهم بَرَاءَةٌ إلَى مِثْلِهِ من الْحَوْلِ وَلَوْلَا أَنَّ عُمَرَ أَخَذَهُ منهم ما أَخَذْنَا منهم فَهُوَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَخْذُهُ إيَّاهُ منهم على أَصْلِ صُلْحٍ أَنَّهُمْ إذَا اتَّجَرُوا أَخَذَ منهم ولم يَبْلُغْنَا أَنَّهُ أَخَذَ من أَحَدٍ في سَنَةٍ مَرَّتَيْنِ وَلَا أَكْثَرَ فلما كانت الْجِزْيَةُ في كل سَنَةٍ مَرَّةً كان يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هذا عِنْدَنَا في كل سَنَةٍ مَرَّةً إلَّا أَنْ يَكُونُوا صُولِحُوا عِنْدَ الْفَتْحِ على أَكْثَرَ من ذلك فَيَكُونُ لنا أَنْ نَأْخُذَ منهم ما صُولِحُوا عليه وَلَسْنَا نَعْلَمُهُمْ صُولِحُوا على أَكْثَرَ وَيُؤْخَذُ منهم كما أَخَذَ عُمَرُ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه من الْمُسْلِمِينَ رُبْعَ الْعُشْرِ وَمِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ نِصْفَ الْعُشْرِ وَمِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ الْعُشْرَ اتِّبَاعًا له على ما أَخَذَهُ لَا نُخَالِفُهُ - * نَصَارَى الْعَرَبِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذ ( ( ( وإذا ) ) ) صَالَحَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أُكَيْدِرَ الْغَسَّانِيَّ وكان نَصْرَانِيًّا عَرَبِيًّا على الْجِزْيَةِ وَصَالَحَ نَصَارَى نَجْرَانَ على الْجِزْيَةِ وَفِيهِمْ عَرَبٌ وَعَجَمٌ وَصَالَحَ ذِمَّةَ الْيَمَنِ على الْجِزْيَةِ وَفِيهِمْ عَرَبٌ وَعَجَمٌ وَاخْتَلَفَتْ الْأَخْبَارُ عن عُمَرَ في نَصَارَى الْعَرَبِ من تَنُوخِ وَبَهْرَاءَ وَبَنِي تَغْلِبَ فَرَوَى عنه أَنَّهُ صَالَحَهُمْ على أَنْ تُضَاعَفَ عليهم الصَّدَقَةُ وَلَا يُكْرَهُوا على غَيْرِ دِينِهِمْ وَلَا يَصْبُغُوا أَوْلَادَهُمْ في النَّصْرَانِيَّةِ وَعَلَّمَنَا أَنَّهُ كان يَأْخُذُ جِزْيَتَهُمْ نِعَمًا ثُمَّ رَوَى أَنَّهُ قال بَعْدَ ما نَصَارَى الْعَرَبِ بِأَهْلِ كِتَابٍ أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدٍ عن عبد اللَّهِ بن دِينَارٍ عن سَعْدٍ الْفُلْجَة أو ابْنِهِ عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قال ما نَصَارَى الْعَرَبِ بِأَهْلِ كِتَابٍ وما تَحِلُّ لنا ذَبَائِحُهُمْ وما أنا بِتَارِكِهِمْ حتى يُسْلِمُوا أو أَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَرَى لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَ منهم الْجِزْيَةَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَخَذَهَا من النَّصَارَى من الْعَرَبِ كما وَصَفْت وَأَمَّا ذَبَائِحُهُمْ فَلَا أُحِبُّ أَكْلَهَا خَبَرًا عن عُمَرَ وَعَنْ عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ وقد نَأْخُذُ الْجِزْيَةَ من الْمَجُوسِ وَلَا نَأْكُلُ ذَبَائِحَهُمْ فَلَوْ كان من حَلَّ لنا أَخْذُ الْجِزْيَةِ منه حَلَّ لنا أَكْلُ ذَبِيحَتِهِ أَكَلْنَا ذَبِيحَةَ الْمَجُوسِ وَلَا نُنْكِرُ إذَا كان في أَهْلِ الْكِتَابِ حُكْمَانِ وكان أَحَدُ صِنْفَيْهِمْ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ وَنِسَاؤُهُ وَالصِّنْفُ الثَّانِي من الْمَجُوسِ لَا تَحِلُّ لنا ذَبِيحَتُهُ وَلَا نِسَاؤُهُ وَالْجِزْيَةُ تَحِلُّ مِنْهُمَا مَعًا أَنْ يَكُونَ هَكَذَا في نَصَارَى الْعَرَبِ فَيَحِلُّ أَخْذُ الْجِزْيَةِ منهم وَلَا تَحِلُّ ذَبَائِحُهُمْ وَاَلَّذِي يُرْوَى من حديث بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما في إحْلَالِ ذَبَائِحِهِمْ إنَّمَا هو من حديث عِكْرِمَةَ أَخْبَرَنِيهِ بن الدَّرَاوَرْدِيِّ وبن أبي يحيى عن ثَوْرٍ الدَّيْلَمِيِّ عن عِكْرِمَةَ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ سئل عن ذَبَائِحِ نَصَارَى الْعَرَبِ فقال قَوْلًا حَكْئًا هو إحْلَالُهَا وَتَلَا وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فإنه منهم وَلَكِنَّ صَاحِبَنَا سَكَتَ عن اسْمِ عِكْرِمَةَ وَثَوْرٌ لم يَلْقَ بن عَبَّاسٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * الصَّدَقَةُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا سُفْيَانُ عن أبي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عن رَجُلٍ أَنَّ عُمَرَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه صَالَحَ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ على أَنْ لَا يصبغوا ( ( ( يصبغوه ) ) ) أَبْنَاءَهُمْ وَلَا يُكْرَهُوا على غَيْرِ دِينِهِمْ وَأَنْ تُضَاعَفَ عليهم الصَّدَقَةُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا حَفِظَ أَهْلُ الْمَغَازِي وَسَاقُوهُ أَحْسَنَ من هذا السِّيَاقِ فَقَالُوا رَامَهُمْ على الْجِزْيَةِ فَقَالُوا نَحْنُ عَرَبٌ وَلَا نُؤَدِّي ما تُؤَدِّي الْعَجَمُ وَلَكِنْ خُذْ مِنَّا كما يَأْخُذُ بَعْضُكُمْ من بَعْضٍ يَعْنُونَ الصَّدَقَةَ فقال عُمَرُ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه لَا هذا فَرْضٌ على الْمُسْلِمِينَ
____________________

(4/281)


فَقَالُوا فَزِدْ ما شِئْت بهذا الِاسْمِ لَا بِاسْمِ الْجِزْيَةِ فَفَعَلَ فَتَرَاضَى هو وَهُمْ على أَنْ ضَعَّفَ عليهم الصَّدَقَةَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا أَعْلَمُهُ فَرَضَ على أَحَدٍ من نَصَارَى الْعَرَبِ وَلَا يَهُودِهَا الَّذِينَ صَالَحَ وَاَلَّذِينَ صَالَحَ بِنَاحِيَةِ الشَّامِ وَالْجَزِيرَةِ إلَّا هذا الْفَرْضَ فَأَرَى إذَا عَقَدَ لهم هذا أَنْ يُؤْخَذَ منهم عليه وَأَرَى لِلْإِمَامِ في كل دَهْرٍ إنْ امْتَنَعُوا أَنْ يَقْتَصِرَ عليهم بِمَا قُبِلَ منهم فَإِنْ قَبِلُوا أَخَذَهُ وَإِنْ امْتَنَعُوا جَاهَدَهُمْ عليه وقد وَضَعَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْجِزْيَةَ على أَهْلِ الْيَمَنِ دِينَارًا على كل حَالِمٍ وَالْحَالِمُ الْمُحْتَلِمُ وَكَذَلِكَ يُؤْخَذُ منهم وَفِيهِمْ عَرَبٌ وَصَالَحَ نَصَارَى نَجْرَانَ على كِسْوَةٍ تُؤْخَذُ منهم وَكَذَلِكَ تُؤْخَذُ منهم وفي هذا دَلَالَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنْ تُؤْخَذَ الْجِزْيَةُ على ما صَالَحُوا عليه وَالْأُخْرَى أَنَّهُ ليس لِمَا صَالَحُوا عليه وَقْتٌ إلَّا ما تَرَاضَوْا عليه كَائِنًا ما كان وإذا ضُعِّفَتْ عليهم الصَّدَقَةُ فَانْظُرْ إلَى مَوَاشِيهِمْ وَأَطْعِمَتِهِمْ وَذَهَبِهِمْ وَوَرِقِهِمْ وما أَصَابُوا من مَعَادِنِ بِلَادِهِمْ وَرِكَازِهَا كُلُّ ما أَخَذْت فيه من مُسْلِمٍ خَمْسًا فَخُذْ منهم خَمْسِينَ وَعُشْرًا فَخُذْ منهم عِشْرِينَ وَنِصْفَ عُشْرٍ فَخُذْ منهم عُشْرًا وَرُبْعَ عُشْرٍ فَخُذْ منهم نِصْفَ عُشْرٍ وَعَدَدًا من الْمَاشِيَةِ فَخُذْ منهم ضِعْفَ ذلك الْعَدَدِ ثُمَّ هَكَذَا صَدَقَاتُهُمْ لَا تَخْتَلِفُ وَلَا تُؤْخَذُ منهم من أَمْوَالِهِمْ حتى يَكُونَ لِأَحَدِهِمْ من الصنف ( ( ( النصف ) ) ) من الْمَالِ ما لو كان لِمُسْلِمٍ وَجَبَ فيه الزَّكَاةُ فإذا كان ذلك ضَعَّفَ عليهم الزَّكَاةَ وقد رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَضَعَ الْجِزْيَةَ عن النِّسَاءِ وَالصِّغَارِ لِأَنَّهُ إذَا قال خُذْ من كل حَالِمٍ دِينَارًا فَقَدْ دَلَّ على أَنَّهُ وَضَعَ عَمَّنْ دُونَ الْحَالِمِ وَدَلَّ على أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ من النِّسَاءِ ( 1 ) وَلَا يُؤْخَذُ من نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ مَعَهُمْ من الْعَرَبِ لِأَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ ذلك منهم على الصَّدَقَةِ وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ منهم على الْجِزْيَةِ وَإِنْ نحى عَنْهُمْ من اسْمِهَا وَلَا يُكْرَهُونَ على دِينٍ غَيْرِ دِينِهِمْ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَخَذَ الْجِزْيَةَ من أُكَيْدِرَ دُومَةَ وهو عَرَبِيٌّ وَأَخَذَهَا من عَرَبِ الْيَمَنِ وَنَجْرَانَ وَأَخَذَهَا الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ منهم وَأَخَذَهَا منهم على أَنْ لَا يَأْكُلُوا ذَبَائِحَهُمْ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا من أَهْلِ الْكِتَابِ أخبرنا الثِّقَةُ سُفْيَانُ أو عبد الْوَهَّابِ أو هُمَا عن أَيُّوبَ عن مُحَمَّدِ بن سِيرِينَ عن عُبَيْدَة السَّلْمَانِيِّ قال قال عَلِيٌّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه ( لَا تَأْكُلُوا ذَبَائِحَ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ فَإِنَّهُمْ لم يَتَمَسَّكُوا من نَصْرَانِيَّتِهِمْ أو من دِينِهِمْ إلَّا بِشُرْبِ الْخَمْرِ ) [ شَكَّ الشَّافِعِيُّ ] ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنَّمَا تَرَكْنَا أَنْ نُجْبِرَهُمْ على الْإِسْلَامِ أو نَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَخَذَ الْجِزْيَةَ من نَصَارَى الْعَرَبِ وَأَنَّ عُثْمَانَ وَعُمَرَ وَعَلِيًّا قد أَقَرُّوهُمْ وَإِنْ كان عُمَرُ قد قال هَكَذَا وَكَذَلِكَ لَا يَحِلُّ لنا نِكَاحُ نِسَائِهِمْ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إنَّمَا أَحَلَّ لنا من أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ عليهم نَزَلَ وَجَمِيعُ ما أُخِذَ من ذِمِّيٍّ عَرَبِيٍّ وَغَيْرِهِ فَمَسْلَكُهُ مَسْلَكُ الْفَيْءِ قال ( ( ( وقال ) ) ) وما تجر ( ( ( اتجر ) ) ) بِهِ نَصَارَى الْعَرَبِ وَأَهْلُ ذِمَّتِهِمْ فَإِنْ كَانُوا يَهُودًا فَسَوَاءٌ تُضَاعَفُ عليهم فيه الصَّدَقَةُ وما تجر ( ( ( اتجر ) ) ) بِهِ نَصَارَى بَنِي إسْرَائِيلَ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقَدْ رَوَى عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه فِيهِمْ أَنَّهُ أَخَذَ منهم في بَعْضِ تِجَارَاتِهِمْ الْعُشْرَ وفي بَعْضِهَا نِصْفَ الْعُشْرِ وَهَذَا عِنْدَنَا من عُمَرَ أَنَّهُ صَالَحَهُمْ عليه كما صَالَحَهُمْ على الْجِزْيَةِ الْمُسَمَّاةِ وَلَسْت أَعْرِفُ الَّذِينَ صَالَحَهُمْ على ذلك من الَّذِينَ لم يُصَالِحْهُمْ فَعَلَى إمَامِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُفَرِّقَ الْكُتُبَ في الْآفَاقِ وَيَحْكِيَ لهم ما صَنَعَ عُمَرُ فإنه لَا يَدْرِي من صَنَعَ بِهِ ذلك منهم دُونَ غَيْرِهِ فَإِنْ رَضُوا بِهِ أَخَذَهُ منهم وَإِنْ لم يَرْضَوْا بِهِ جَدَّدَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ صُلْحًا فيه كما يُجَدَّدُ فِيمَنْ ابْتَدَأَ صُلْحَهُ مِمَّنْ دخل في الْجِزْيَةِ الْيَوْمَ وَإِنْ صَالَحُوا على أَنْ يُؤَدُّوا في كل سَنَةٍ مَرَّةً من غَيْرِ بُلْدَانِهِمْ فَكَذَلِكَ وَإِنْ صَالَحُوا أَنْ نَأْخُذَ منهم كُلَّمَا اخْتَلَفُوا وَإِنْ اخْتَلَفُوا في السَّنَةِ مِرَارًا فَذَلِكَ وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لِإِمَامِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُجَدِّدَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ في الضِّيَافَةِ صُلْحًا فإنه روى عن عُمَرَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّهُ جَعَلَ عليهم ضِيَافَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وروى عنه أَنَّهُ جَعَلَ ضِيَافَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فإذا جَدَّدَ عليهم الصُّلْحَ في الضِّيَافَةِ جَدَّدَ بِأَمْرٍ بين أَنْ يُضِيفَ الرَّجُلَ الْمُوسِرَ كَذَا وَالْوَسَطَ كَذَا وَلَا يُضَيِّفُ الْفَقِيرَ وَلَا الصَّبِيَّ وَلَا الْمَرْأَةَ وَإِنْ
____________________

(4/282)


كَانَا غَنِيَّيْنِ لِأَنَّهُ لَا تُؤْخَذُ منهم الْجِزْيَةُ وَالضِّيَافَةُ صِنْفٌ منها وسمي أَنْ يُطْعِمُوهُمْ خُبْزَ كَذَا بِأُدْمِ كَذَا وَيَعْلِفُوا دَوَابَّهُمْ من التِّبْنِ كَذَا وَمِنْ الشَّعِيرِ كَذَا حتى يَعْرِفَ الرَّجُلُ عَدَدَ ما عليه إذَا نَزَلَ بِهِ ليس أَنْ يَنْزِلَ بِهِ الْعَسَاكِرُ فَيُكَلَّفُ ضِيَافَتُهُمْ وَلَا يَحْتَمِلُهَا وَهِيَ مُجْحِفَةٌ بِهِ وَكَذَلِكَ يُسَمِّي أَنْ يَنْزِلَهُمْ من مَنَازِلِهِمْ الْكَنَائِسَ أو فُضُولَ مَنَازِلِهِمْ أو هُمَا مَعًا ( قال الشافعى ) حَيْثُمَا زَرَعَ النَّصْرَانِيُّ من نَصَارَى الْعَرَبِ ضُعِّفَ عليه الصَّدَقَةُ كما وَصَفْت وَحَيْثُمَا زَرَعَ النَّصْرَانِيُّ الْإِسْرَائِيلِيُّ لم يَكُنْ عليه في زَرْعِهِ شَيْءٌ وَإِنَّمَا الْخَرَاجُ كِرَاءُ الْأَرْضِ كما لو تَكَارَى أَرْضًا من رَجُلٍ فَزَرَعَهَا أَدَّى الْكِرَاءَ وَالْعُشْرَ وَالنَّصْرَانِيُّ من نَصَارَى الْعَرَبِ إذَا زَرَعَ الْخَرَاجَ ضَعَّفْت عليه الْعُشْرَ وَأَخَذْت منه الْخَرَاجَ وإذا قَدِمَ الْمُسْتَأْمَنُ من أَرْضِ الْحَرْبِ فَكَانَ على النَّصْرَانِيَّةِ أو الْمَجُوسِيَّةِ أو الْيَهُودِيَّةِ فَنَكَحَ وَزَرَعَ فَلَا خَرَاجَ عليه وَيُقَالُ له إنْ أَرَدْت الْمُقَامَ فَصَالِحْنَا على أَنْ تؤدى الْجِزْيَةَ وَجِزْيَتُهُ على ما صَالَحَ عليه وَإِنْ أَبَى الصُّلْحَ أُخْرِجَ وَإِنْ غَفَلَ عنه سَنَةً أو سِنِينَ فَلَا خَرَاجَ عليه وَلَا يَجِبُ عليه الْخَرَاجُ إلَّا بِصُلْحِهِ وَنَمْنَعُهُ الزَّرْعَ إلَّا بِأَنْ يُؤَدِّيَ عنه ما صَالَحَ عليه وَإِنْ غَفَلَ حتى يَصْرِمَهُ لم يُؤْخَذْ منه شَيْءٌ وَإِنْ كان الْمُسْتَأْمَنُ وَثَنِيًّا لم يُتْرَكْ حتى يُقِيمَ في دَارِ الْإِسْلَامِ سَنَةً ولم تُؤْخَذْ منه جِزْيَةٌ وَإِنْ غَفَلَ عنه حتى زَرَعَ سَنَةً أو أَكْثَرَ دَفَعَ إلَيْهِ وَأَخْرَجَ وَإِنْ كانت الْمَرْأَةُ مُسْتَأْمَنَةً فَتَزَوَّجَتْ في بِلَادِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَرَادَتْ الرُّجُوعَ إلَى بِلَادِ الْحَرْبِ فَذَلِكَ إلَى زَوْجِهَا إنْ شَاءَ أَنْ يَدَعَهَا تَرَكَهَا وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَحْبِسَهَا حَبَسْنَاهَا له بِسُلْطَانِ الزَّوْجِ على حَبْسِ امْرَأَتِهِ لَا بغير ( ( ( يغير ) ) ) ذلك وَمَتَى طَلَّقَهَا أو مَاتَ عنها فَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ فَإِنْ كان لها منه وَلَدٌ فَلَيْسَ لها أَنْ تُخْرِجَ أَوْلَادَهُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ ذِمَّتَهُمْ ذِمَّةُ أَبِيهِمْ وَلَهَا أَنْ تَخْرُجَ بِنَفْسِهَا وإذا أَبَقَ الْعَبْدُ إلَى بِلَادِ الْعَدُوِّ ثُمَّ ظَهَرَ عليهم أو أَغَارَ الْعَدُوُّ على بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَسَبَوْا عَبِيدًا وَظَهَرَ عليهم الْمُسْلِمُونَ فَاقْتَسَمُوا الْعَبِيدَ أو لم يَقْتَسِمُوا فَسَادَتُهُمْ أَحَقُّ بِهِمْ بِلَا قِيمَةٍ وَلَا يَكُونُ الْعَدُوُّ يَمْلِكُونَ على مُسْلِمٍ شيئا إذَا لم يَمْلِكْ المسلم على الْمُسْلِمُ بِالْغَلَبَةِ فَالْمُشْرِكُ الذي هو خَوَلٌ لِلْمُسْلِمِ إذَا قَدَرَ عليه أَوْلَى أَنْ لَا يَمْلِكَ على مُسْلِمٍ وَلَا يَعْدُو الْمُشْرِكُونَ فِيمَا غَلَبُوا عليه أَنْ يَكُونُوا مَالِكِينَ لهم كَمِلْكِهِمْ لِأَمْوَالِهِمْ فإذا كان هذا هَكَذَا مَلَكُوا الْحُرَّ وَأُمَّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَ وما سِوَى ذلك من الرَّقِيقِ وَالْأَمْوَالِ ثُمَّ لم يَكُنْ لِسَيِّدٍ وَاحِدٍ من هَؤُلَاءِ أَنْ يَأْخُذَهُ قبل الْقِسْمَةِ بِلَا قِيمَةٍ وَلَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ بِقِيمَةٍ كما لَا يَكُونُ له أَنْ يَأْخُذَ سَائِرَ أَمْوَالِ الْعَدُوِّ أو لَا يَكُونُ مِلْكُ الْعَدُوِّ مِلْكًا فَيَكُونُ كُلُّ امْرِئٍ على أَصْلِ مِلْكِهِ وَمَنْ قال لَا يَمْلِكُ الْعَدُوُّ الْحُرَّ وَلَا الْمُكَاتَبَ وَلَا أُمَّ الْوَلَدِ وَلَا الْمُدَبَّرَةَ وهو يَمْلِكُ ما سِوَاهُنَّ فَهُوَ يَتَحَكَّمُ ثُمَّ يَزْعُمُ أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ مِلْكًا مُحَالًا فيقول يَمْلِكُونَهُ وَإِنْ ظَهَرَ عليهم الْمُسْلِمُونَ فَأَدْرَكَهُ سَيِّدُهُ قبل الْقَسْمِ فَهُوَ له بِلَا شَيْءٍ وَإِنْ كان بَعْدَ الْقَسْمِ فَهُوَ له إنْ شَاءَ بِالْقِيمَةِ فَهَؤُلَاءِ ملكوه ولا مَلَكُوهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ فِيمَا ذَكَرْت حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَهُ قِيلَ لَا إلَّا شَيْءٌ يُرْوَى لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ عِنْدَ أَهْلِ الحديث عن عُمَرَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه فَإِنْ قال فَهَلْ لَك حُجَّةٌ بِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ بِحَالٍ قُلْنَا الْمَعْقُولُ فيه ما وَصَفْنَا وَإِنَّمَا الْحُجَّةُ على من خَالَفَنَا وَلَنَا فيه حُجَّةٌ بِمَا لَا يَنْبَغِي خِلَافُهُ من سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الثَّابِتَةِ وهو يروي عن أبي بَكْرٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أخبرنا سُفْيَانُ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ عن أَيُّوبَ عن أبي قِلَابَةَ عن أبي الْمُهَلَّبِ عن عُمْرَانَ بن حُصَيْنٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّ قَوْمًا أَغَارُوا فَأَصَابُوا امْرَأَةً من الْأَنْصَارِ وَنَاقَةً لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ وَالنَّاقَةُ عِنْدَهُمْ ثُمَّ انْفَلَتَتْ الْمَرْأَةُ فَرَكِبَتْ النَّاقَةَ فَأَتَتْ الْمَدِينَةَ فَعُرِفَتْ نَاقَةُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقالت ( إنِّي نَذَرْت لَئِنْ نَجَّانِي اللَّهُ عليها لَأَنْحَرَنَّهَا ) فَمَنَعُوهَا أَنْ تَنْحَرَهَا حتى يَذْكُرُوا ذلك لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال ( بِئْسَمَا جَزَيْتِهَا أن نَجَّاك اللَّهُ عليها ثُمَّ تَنْحَرِيهَا لَا نَذْرَ في مَعْصِيَةٍ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ بن آدَمَ ) وَقَالَا مَعًا أو أَحَدُهُمَا في الحديث وَأَخَذَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نَاقَتَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقَدْ أَخَذَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نَاقَتَهُ بعد ما أَحْرَزَهَا الْمُشْرِكُونَ وَأَحْرَزَتْهَا الْأَنْصَارِيَّةُ على الْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانت الْأَنْصَارِيَّةُ أَحْرَزَتْ عليهم شيئا ليس لِمَالِكٍ كان لها في قَوْلِنَا أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ وَخُمْسُهُ لِأَهْلِ الْخُمْسِ وفي قَوْلِ غَيْرِنَا كان لها ما أَحْرَزَتْ
____________________

(4/283)


لَا خُمْسَ فيه وقد أَخْبَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أنها لَا تَمْلِكُ مَالَهُ وَأَخَذَ مَالَهُ بِلَا قِيمَةٍ أخبرنا الثِّقَةُ عن مَخْرَمَةَ بن بُكَيْرٍ عن أبيه لَا أَحْفَظُ عَمَّنْ رَوَاهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي اللَّهُ عنه قال فِيمَا أَحْرَزَ الْعَدُوُّ من أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ مِمَّا غَلَبُوا عليه أو أَبَقَ إلَيْهِمْ ثُمَّ أَحْرَزَهُ الْمُسْلِمُونَ مَالِكُوهُ أَحَقُّ بِهِ قبل الْقَسْمِ وَبَعْدَهُ فَإِنْ اُقْتُسِمَ فَلِصَاحِبِهِ أَخْذُهُ من يَدَيْ من صَارَ في سَهْمِهِ وَعُوِّضَ الذي صَارَ في سَهْمِهِ قِيمَتَهُ من خُمْسِ الْخُمْسِ وَهَكَذَا حُرٌّ إنْ اُقْتُسِمَ ثُمَّ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ على حُرِّيَّتِهِ - * في الْأَمَانِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( الْمُسْلِمُونَ يَدٌ على من سِوَاهُمْ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ ) قال فإذا أَمَّنَ مُسْلِمٌ بَالِغٌ حُرٌّ أو عَبْدٌ يُقَاتِلُ أو لَا يُقَاتِلُ أو امْرَأَةٌ فَالْأَمَانُ جَائِزٌ وإذا أَمَّنَ من دُونَ الْبَالِغِينَ وَالْمَعْتُوهِ قَاتَلُوا أو لم يُقَاتِلُوا لم نُجِزْ أَمَانَهُمْ وَكَذَلِكَ إنْ أَمَّنَ ذِمِّيٌّ قَاتَلَ أو لم يُقَاتِلْ لم نُجِزْ أَمَانَهُ وَإِنْ أَمَّنَ وَاحِدٌ من هَؤُلَاءِ فَخَرَجُوا إلَيْنَا بِأَمَانٍ فَعَلَيْنَا رَدُّهُمْ إلَى مَأْمَنِهِمْ وَلَا نَعْرِضُ لهم في مَالٍ وَلَا نَفْسٍ من قِبَلِ أَنَّهُمْ لَيْسُوا يُفَرِّقُونَ بين من في عَسْكَرِنَا مِمَّنْ يَجُوزُ أَمَانُهُ وَلَا يَجُوزُ وَنَنْبِذُ إلَيْهِمْ فَنُقَاتِلُهُمْ وإذا أَشَارَ إلَيْهِمْ الْمُسْلِمُ بِشَيْءٍ يَرَوْنَهُ أَمَانًا فقال أَمَّنْتُهُمْ بِالْإِشَارَةِ فَهُوَ أَمَانٌ فَإِنْ قال لم أُؤَمِّنْهُمْ بها فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَإِنْ مَاتَ قبل أَنْ يَقُولَ شيئا فَلَيْسُوا بِآمَنِينَ إلَّا أَنْ يُجَدِّدَ لهم الْوَالِي أَمَانًا وَعَلَى الْوَالِي إذَا مَاتَ قبل أَنْ يُبَيِّنَ أو قال وهو حَيٌّ لم أُؤَمِّنْهُمْ أَنْ يَرُدَّهُمْ إلَى مَأْمَنِهِمْ وَيَنْبِذَ إلَيْهِمْ قال اللَّهُ تَعَالَى { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ } وقال اللَّهُ عز وجل في غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ { وَقَاتِلُوهُمْ حتى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ } فَحَقَنَ اللَّهُ دِمَاءَ من لم يَدِنْ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ من الْمُشْرِكِينَ بِالْإِيمَانِ لَا غَيْرِهِ وَحَقَنَ دِمَاءَ من دَانَ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالْإِيمَانِ أو إعْطَاءِ الْجِزْيَةِ عن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ وَالصَّغَارُ أَنْ يَجْرِيَ عليهم الْحُكْمُ لَا أَعْرِفُ منهم خَارِجًا من هذا من الرِّجَالِ وَقَتَلَ يوم حُنَيْنٍ دُرَيْدُ بن الصِّمَّةِ بن مِائَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً في شِجَارٍ لَا يَسْتَطِيعُ الْجُلُوسَ فَذُكِرَ ذلك لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم فلم يُنْكِرْ قَتْلَهُ وَلَا أَعْرِفُ في الرُّهْبَانِ خِلَافٌ أَنْ يُسْلِمُوا أو يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ أو يُقْتَلُوا وَرُهْبَانُ الدِّيَارَاتِ وَالصَّوَامِعِ وَالْمَسَاكِنِ سَوَاءٌ وَلَا أَعْرِفُ يُثْبِتُ عن أبي بَكْرٍ رضي اللَّهُ عنه خِلَافَ هذا وَلَوْ كان يَثْبُتُ لَكَانَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُمْ بِالْجَدِّ على قِتَالِ من يُقَاتِلُهُمْ وَأَنْ لَا يَتَشَاغَلُوا بِالْمُقَامِ على صَوَامِعِ هَؤُلَاءِ كما يُؤْمَرُونَ أَنْ لَا يُقِيمُوا على الْحُصُونِ وَأَنْ يَسِيحُوا لِأَنَّهَا تَشْغَلُهُمْ ( 1 ) وَأَنْ يَسِيحُوا لِأَنَّ ذلك أَنْكَى لِلْعَدُوِّ وَلَيْسَ أَنَّ قِتَالَ أَهْلِ الْحُصُونِ مُحَرَّمٌ عليهم وَذَلِكَ أَنَّ مُبَاحًا لهم أَنْ يُتْرَكُوا ( 2 ) وَلَا يُقْتَلُوا كان التَّشَاغُلُ بِقِتَالِ من يُقَاتِلُهُمْ أَوْلَى بِهِمْ وَكَمَا يُرْوَى عنه أَنَّهُ نهى عن قَطْعِ الشَّجَرِ الْمُثْمِرِ وَلَعَلَّهُ لَا يَرَى بَأْسًا بِقَطْعِ الشَّجَرِ الْمُثْمِرِ لِأَنَّهُ قد حَضَرَ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَقْطَعُ الشَّجَرَ الْمُثْمِرَ على بَنِي النَّضِيرِ وَأَهْلِ خَيْبَرَ وَالطَّائِفِ وَحَضَرَهُ يَتْرُكُ وَعَلِمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وقد وَعَدَ بِفَتْحِ الشَّامِ فَأَمَرَهُمْ بِتَرْكِ قَطْعِهِ لِتَبْقَى لهم مَنْفَعَتُهُ إذْ كان وَاسِعًا لهم تَرْكُ قَطْعِهِ وَتُسْبَى نِسَاءُ الدِّيَارَاتِ وَصِبْيَانِهِمْ وَتُؤْخَذُ أَمْوَالُهُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيُقْتَلُ الْفَلَّاحُونَ وَالْأُجَرَاءُ وَالشُّيُوخُ الْكِبَارُ حتى يُسْلِمُوا أو يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ
____________________

(4/284)


- * الْمُسْلِمُ أو الْحَرْبِيُّ يَدْفَعُ إلَيْهِ الْحَرْبِيُّ مَالًا وَدِيعَةً - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ عنه وَأَمْوَالُ أَهْلِ الْحَرْبِ مَالَانِ فَمَالٌ يُغْصَبُونَ عليه وَيُتَمَوَّلُ عليهم فَسَوَاءٌ من غَصَبَهُ عليهم من مُسْلِمٍ أو حَرْبِيٍّ منهم أو من غَيْرِهِمْ وإذا أَسْلَمُوا مَعًا أو بَعْضُهُمْ قبل بَعْضٍ لم يَكُنْ على الْغَاصِبِ لهم أَنْ يَرُدَّ عليهم من ذلك شيئا لِأَنَّ أَمْوَالَهُمْ كانت مُبَاحَةً غير مَمْنُوعَةٍ بِإِسْلَامِهِمْ وَلَا ذِمَّتِهِمْ وَلَا أَمَانَ لهم وَلَا لِأَمْوَالِهِمْ من خَاصٍّ وَلَا عَامٍّ وَمَالٌ له أَمَانٌ وما كان من الْمَالِ له أَمَانٌ فَلَيْسَ لِلَّذِي أَمَّنَ صَاحِبَهُ عليه أَنْ يَأْخُذَهُ منه بِحَالٍ وَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا من أَهْلِ الْحَرْبِ أَوْدَعَ مُسْلِمًا أو حَرْبِيًّا في دَارِ الْحَرْبِ أو في بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَدِيعَةً وَأَبْضَعَ منه بِضَاعَةً فَخَرَجَ الْمُسْلِمُ من بِلَادِ الْحَرْبِ إلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ أو الْحَرْبِيُّ فَأَسْلَمَ كان عَلَيْهِمَا مَعًا أَنْ يُؤَدِّيَا إلَى الْحَرْبِيِّ مَالَهُ كما يَكُونُ عَلَيْنَا لو أَمَّنَّاهُ على مَالِهِ أَنْ لَا نَعْرِضَ لِمَالِهِ والوديعة ( ( ( الوديعة ) ) ) إذَا أُودِعْنَا أو أُبْضِعَ مَعَنَا فَذَلِكَ أَمَانٌ منه لنا وَمِثْلُ أَمَانِهِ على مَالِهِ أو أَكْثَرُ وَهَكَذَا الدَّيْنُ - * في الْأَمَةِ يَسْبِيهَا الْعَدُوُّ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في الْأَمَةِ لِلْمُسْلِمِ يَسْبِيهَا الْعَدُوُّ فَيَطَؤُهَا رَجُلٌ منهم فَتَلِدُ له أَوْلَادًا وَيُولَدُ لِأَوْلَادِهَا أَوْلَادٌ فيتناتجون ثُمَّ يَظْهَرُ عليهم الْمُسْلِمُونَ فإنه يَأْخُذُهَا سَيِّدُهَا وَأَوْلَادَهَا الَّذِينَ وَلَدَتْهُمْ من الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَنَنْظُرُ إلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهَا فَنَأْخُذُ بَنِي بَنَاتِهَا وَلَا نَأْخُذُ بَنِي بَنِيهَا من قِبَلِ أَنَّ الرِّقَّ إنَّمَا يَكُونُ بِالْأُمِّ لَا بِالْأَبِ كما يَنْكِحُ الْحُرُّ الْأَمَةَ فَيَكُونُ وَلَدُهُ رَقِيقًا وَكَمَا يَنْكِحُ الْعَبْدُ الْحُرَّةَ فَيَكُونُ وَلَدُهُ كلهم أَحْرَارًا - * في الْعِلْجِ يَدُلُّ على الْقَلْعَةِ على أَنَّ له جَارِيَةً سَمَّاهَا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ عنه في عِلْجٍ دَلَّ قَوْمًا من الْمُسْلِمِينَ على قَلْعَةٍ على أَنْ يُعْطُوهُ جَارِيَةً سَمَّاهَا فلما انْتَهَوْا إلَى الْقَلْعَةِ صَالَحَ صَاحِبُ الْقَلْعَةِ على أَنْ يَفْتَحَهَا لهم وَيُخَلُّوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ فَفَعَلَ فإذا أَهْلُهُ تِلْكَ الْجَارِيَةُ فَأَرَى أَنْ يُقَالَ لِلدَّلِيلِ إنْ رَضِيت الْعِوَضَ عَوَّضْنَاك قِيمَتَهَا وَإِنْ لم تَرْضَ الْعِوَضَ فَقَدْ أَعْطَيْنَا ما صَالَحْنَاك عليه غَيْرَك فَإِنْ رضي الْعِوَضَ أُعْطِيهِ وَتَمَّ الصُّلْحُ وَإِنْ لم يَرْضَ الْعِوَضَ قِيلَ لِصَاحِبِ الْقَلْعَةِ قد صَالَحْنَا هذا على شَيْءٍ صَالَحْنَاك عليه بِجَهَالَةٍ مِنَّا بِهِ فَإِنْ سَلَّمْت إلَيْهِ عَوَّضْنَاك منه وَإِنْ لم تُسَلِّمْهُ إلَيْهِ نَبَذْنَا إلَيْك وَقَاتَلْنَاك وَإِنْ كانت الْجَارِيَةُ قد أَسْلَمَتْ قبل أَنْ يُظْفَرَ بها فَلَا سَبِيلَ إلَيْهَا ويعطي قِيمَتَهَا وَإِنْ مَاتَتْ عُوِّضَ منها بِالْقِيمَةِ وَلَا يَبِينُ في الْمَوْتِ كما يَبِينُ إذَا أَسْلَمَتْ - * في الْأَسِيرِ يُكْرَهُ على الْكُفْرِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في الْأَسِيرِ يُكْرَهُ على الْكُفْرِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ لَا تَبِينُ منه امْرَأَتُهُ وَإِنْ تَكَلَّمَ بِالشِّرْكِ وَلَا يَحْرُمُ مِيرَاثُهُ من الْمُسْلِمِينَ وَلَا يُحْرَمُونَ مِيرَاثَهُمْ منه إذَا عَلِمَ أَنَّهُ إنَّمَا قال ذلك مُكْرَهًا وَعِلْمُهُمْ ذلك أَنْ يَقُولَ قبل قَوْلِهِ أو مع قَوْلِهِ أو بَعْدَ قَوْلِهِ إنِّي إنَّمَا قُلْت ذلك مُكْرَهًا وَكَذَلِكَ ما أَكْرَهُوا عليه من غَيْرِ ضُرِّ أَحَدٍ من أَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ أو دُخُولِ كَنِيسَةٍ فَفَعَلَ وَسِعَهُ ذلك وَأَكْرَهُ له أَنْ يَشْرَبَ الْخَمْرَ لِأَنَّهَا تَمْنَعُهُ من الصَّلَاةِ وَمَعْرِفَةِ اللَّهِ إذَا سَكِرَ وَلَا يُبَيِّنُ أَنَّ ذلك مُحَرَّمٌ عليه وإذا وُضِعَ عنه الشِّرْكُ بِالْكُرْهِ وُضِعَ عنه ما دُونَهُ مِمَّا لَا يَضُرُّ أَحَدًا وَلَوْ أَكْرَهُوهُ على أَنْ يَقْتُلَ مُسْلِمًا لم يَكُنْ له أَنْ يَقْتُلَهُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ عنه في رَجُلٍ أُسِرَ فَتَنَصَّرَ وَلَهُ امْرَأَةٌ فَمَرَّ بِهِ قَوْمٌ من الْمُسْلِمِينَ فَأَشْرَفَ عليهم وهو في الْحِصْنِ فقال إنَّمَا تَنَصَّرْت بِلِسَانِي وأنا أُصَلِّي إذَا خَلَوْت فَهَذَا مُكْرَهٌ وَلَا تَبِينُ منه امْرَأَتُهُ
____________________

(4/285)


- * النَّصْرَانِيُّ يُسْلِمُ في وَسَطِ السَّنَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ قبل حُلُولِ وَقْتِ الْجِزْيَةِ سَقَطَتْ عنه وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ حُلُولِهَا فَهِيَ عليه ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ عنه كُلُّ من خَالَفَ الْإِسْلَامَ من أَهْلِ الصَّوَامِعِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ دَانَ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلَا بُدَّ من السَّيْفِ أو الْجِزْيَةِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ كُلُّ شَيْءٍ بِيعَ وَفِيهِ فِضَّةٌ مِثْلُ السَّيْفِ وَالْمِنْطَقَةِ وَالْقَدَحِ وَالْخَاتَمِ وَالسَّرْجِ فَلَا يُبَاعُ حتى تُخْلَعَ الْفِضَّةُ فَتُبَاعُ الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَيُبَاعُ السَّيْفُ على حِدَةٍ وَيُبَاعُ ما كان عليه من فِضَّةٍ بِالذَّهَبِ وَلَا يُبَاعُ بِالْفِضَّةِ - * الزَّكَاةُ في الْحِلْيَةِ من السَّيْفِ وَغَيْرِهِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ عنه الْخَاتَمُ يَكُونُ لِلرَّجُلِ من فِضَّةٍ وَالْحِلْيَةُ لِلسَّيْفِ لَا زَكَاةَ عليه في وَاحِدٍ مِنْهُمَا في قَوْلِ من رَأَى أَنْ لَا زَكَاةَ في الْحُلِيِّ وَإِنْ كانت الْحِلْيَةُ لِمُصْحَفٍ أو كان الْخَاتَمُ لِرَجُلٍ من ذَهَبٍ لم تَسْقُطْ عنه الزَّكَاةُ وَلَوْلَا أَنَّهُ رَوَى أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم تَخَتَّمَ بِخَاتَمِ فِضَّةٍ وَأَنَّهُ كان في سَيْفِهِ حِلْيَةُ فِضَّةٍ ما جَازَ أَنْ يَتْرُكَ الزَّكَاةَ فيه من رَأَى أَنْ لَا زَكَاةَ في الْحُلِيِّ لِأَنَّ الْحُلِيَّ لِلنِّسَاءِ لَا لِلرِّجَالِ - * الْعَبْدُ يَأْبَقُ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَبَقَ الْعَبْدُ إلَى بِلَادِ الْعَدُوِّ كَافِرًا كان أو مُسْلِمًا سَوَاءٌ لِأَنَّهُ على مِلْكِ سَيِّدِهِ وَأَنَّهُ لِسَيِّدِهِ قبل الْمَقَاسِمِ وَبَعْدَهَا وَإِنْ كان مُسْلِمًا فَارْتَدَّ فَكَذَلِكَ غير أَنَّهُ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ - * في السَّبْيِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ عنه وإذا سبى النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ وَالْوِلْدَانُ ثُمَّ أُخْرِجُوا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الرِّجَالِ من أَهْلِ الْحَرْبِ وَأَهْلِ الصُّلْحِ وَالْمُسْلِمِينَ قد فَادَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْأَسْرَى فَرَجَعُوا إلَى مَكَّةَ وَهُمْ كَانُوا عَدُوَّهُ وَقَاتَلُوهُ بَعْدَ فَدَائِهِمْ وَمَنَّ عليهم وَقَاتَلُوهُ بَعْدَ الْمَنِّ عليهم وَفَدَى رَجُلًا بِرَجُلَيْنِ فَكَذَلِكَ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ السَّبْيِ البوالغ من أَهْلِ الْحَرْبِ وَالصُّلْحِ وَمَنْ كان من الْوِلْدَانِ مع أَحَدِ أَبَوَيْهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُبَاعَ من أَهْلِ الْحَرْبِ وَالصُّلْحِ وَلَا يُصَلَّى عليه إنْ مَاتَ قد بَاعَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم سبى بَنِي قُرَيْظَةَ من أَهْلِ الْحَرْبِ وَالصُّلْحِ فَبَعَثَ بِهِمْ أَثْلَاثًا ثُلُثًا إلَى نَجْدٍ وَثُلُثًا إلَى تِهَامَةَ وَهَؤُلَاءِ مُشْرِكُونَ أَهْلُ أَوْثَانٍ وَثُلُثًا إلَى الشَّامِ وَأُولَئِكَ مُشْرِكُونَ فِيهِمْ الْوَثَنِيُّ وَغَيْرُ الْوَثَنِيِّ وَفِيهِمْ الْوِلْدَانُ مع أُمَّهَاتِهِمْ ولم أَعْلَمْ منهم أَحَدًا كان خَلِيًّا من أُمِّهِ فإذا كان مَوْلُودٌ خَلِيًّا من أُمِّهِ لم أَرَ أَنْ يُبَاعَ إلَّا من مُسْلِمٍ وَسَوَاءٌ كان السَّبْيُ من أَهْلِ الْكِتَابِ أو من غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ لِأَنَّ بَنِي قُرَيْظَةَ كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ وَمَنْ وَصَفْت أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مَنَّ عليهم كَانُوا من أَهْلِ الْأَوْثَانِ وقد مَنَّ على بَعْضِ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ فلم يُقْتَلْ وَقُتِلَ أَعْمَى من بَنِي قُرَيْظَةَ بَعْدَ الْإِسَارِ وَهَذَا يَدُلُّ على قَتْلِ من لَا يُقَاتِلُ من الرِّجَالِ الْبَالِغِينَ إذَا أَبَى الْإِسْلَامَ أو الْجِزْيَةَ قال وَيُقْتَلُ الْأَسِيرُ بَعْدَ وَضْعِ الْحَرْبِ أَوْزَارَهَا وقد قَتَلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بَعْدَ انْقِطَاعِ الْحَرْبِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ من قَتَلَ في ذلك الْأَسْرِ وَكَذَلِكَ يُقْتَلُ كُلُّ مُشْرِكٍ بَالِغٍ إذَا أَبَى الْإِسْلَامَ أو الْجِزْيَةَ وإذا دَعَا الْإِمَامُ الْأَسِيرَ إلَى الْإِسْلَامِ فَحَسَنٌ وَإِنْ لم يَدْعُهُ وَقَتَلَهُ فَلَا بَأْسَ وإذا قَتَلَ الرَّجُلُ الْأَسِيرَ قبل بُلُوغِ الْإِمَامِ وَبَعْدَهُ في دَارِ الْحَرْبِ وَبَعْدَ الْخُرُوجِ منها بِغَيْرِ أَمْرِ الْإِمَامِ فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا غرم ( ( ( عزم ) ) ) عليه من قِبَلِ أَنَّهُ لَمَّا كان لِلْإِمَامِ أَنْ يُرْسِلَهُ وَيَقْتُلَهُ ويفادى بِهِ كان
____________________

(4/286)


حُكْمُهُ غير حُكْمِ الْأَمْوَالِ التي ليس لِلْإِمَامِ إلَّا إعْطَاؤُهَا من أَوْجَفَ عليها وَلَكِنَّهُ لو قَتَلَ طِفْلًا أو امْرَأَةً عُوقِبَ وَغَرِمَ أَثْمَانَهُمَا وَلَوْ اسْتَهْلَكَ مَالًا غَرِمَ ثَمَنَهُ وإذا سِيقَ السَّبْيُ فَأَبْطَئُوا أَوْجَفُوا وَلَا مَحْمَلَ لهم بِحَالٍ فَإِنْ شاؤوا قَتَلُوا الرِّجَالَ وَإِنْ شاؤوا تَرَكُوهُمْ وَكَذَلِكَ إنْ خِيفُوا وَلَيْسَ لهم قَتْلُ النِّسَاءِ وَلَا الْوِلْدَانِ بِحَالٍ وَلَا قَتْلُ شَيْءٍ من الْبَهَائِمِ إلَّا ذَبْحًا لِمَأْكَلِهِ لَا غَيْرِهِ لَا فَرَسَ وَلَا غَيْرَهُ فَإِنْ اتَّهَمَ الْإِمَامُ الذي يَسُوقُ السَّبْيَ أَحَلَفَهُ وَلَا شَيْءَ عليه وإذا جَنَتْ الْجَارِيَةُ من السَّبْيِ جِنَايَةً لم يَكُنْ لِلْإِمَامِ أَنْ يَمْنَعَهَا من الْمَجْنِيِّ عليه وَلَا يَفْدِيهَا من مَالِ الْجَيْشِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَهَا بِالْجِنَايَةِ فَإِنْ كان ثَمَنُهَا أَقَلَّ من الْجِنَايَةِ أو مِثْلُهَا دَفَعَهُ إلَى الْمَجْنِيِّ عليه وَإِنْ كان أَكْثَرَ فَلَيْسَتْ له الزِّيَادَةُ على أَرْشِ جِنَايَتِهِ وَالزِّيَادَةُ لِأَهْلِ الْعَسْكَرِ وَإِنْ كان مَعَهَا مَوْلُودٌ صَغِيرٌ وَوَلَدَتْ بعد ما جَنَتْ وَقَبِلَ تُبَاعَ بِيعَتْ وَمَوْلُودُهَا وَقُسِمَ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا فما أَصَابَهَا كان لِلْمَجْنِيِّ عليه كما وَصَفْت وما أَصَابَ وَلَدَهَا فَلِجَمَاعَةِ الْجَيْشِ لِأَنَّهُ ليس لِلْجَانِي قال وَالْبَيْعُ في أَرْضِ الْحَرْبِ جَائِزٌ فَمَنْ اشْتَرَى شيئا من الْمَغْنَمِ ثُمَّ خَرَجَ فَلَقِيَهُ الْعَدُوُّ فَأَخَذُوهُ منه فَلَا شَيْءَ له وكان يَنْبَغِي لِلْوَالِي أَنْ يَبْعَثَ مع الناس من يَحُوطُهُمْ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُجَزِّئُ في الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ الْمَوْلُودُ على الْإِسْلَامِ الصَّغِيرُ وَوَلَدُ الزنى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * الْعَدُوُّ يُغَلِّقُونَ الْحُصُونَ على النِّسَاءِ وَالْأَطْفَالِ وَالْأَسْرَى هل تُرْمَى الْحُصُونُ بِالْمَنْجَنِيقِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه إذَا كان في حِصْنِ الْمُشْرِكِينَ نِسَاءٌ وَأَطْفَالٌ وَأَسْرَى مُسْلِمُونَ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُنْصَبَ الْمَنْجَنِيقُ على الْحِصْنِ دُونَ الْبُيُوتِ التي فيها السَّاكِنُ إلَّا أَنْ يَلْتَحِمَ الْمُسْلِمُونَ قَرِيبًا من الْحِصْنِ فَلَا بَأْسَ أَنْ تُرْمَى بُيُوتُهُ وَجُدْرَانُهُ فإذا كان في الْحِصْنِ مُقَاتِلَةٌ مُحَصَّنُونَ رُمِيَتْ الْبُيُوتُ وَالْحُصُونُ وإذا تَتَرَّسُوا بِالصِّبْيَانِ الْمُسْلِمِينَ أو غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمُونَ مُلْتَحِمُونَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَعْمِدُوا الْمُقَاتِلَةَ دُونَ الْمُسْلِمِينَ وَالصِّبْيَانِ وَإِنْ كَانُوا غير مُلْتَحِمِينَ أَحْبَبْت له الْكَفَّ عَنْهُمْ حتى يُمْكِنُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوهُمْ غير مُتَتَرِّسِينَ وَهَكَذَا إنْ أَبْرَزُوهُمْ فَقَالُوا إنْ رَمَيْتُمُونَا وَقَاتَلْتُمُونَا قَاتَلْنَاهُمْ وَالنِّفْطُ وَالنَّارُ مِثْلُ الْمَنْجَنِيقِ وَكَذَلِكَ الْمَاءُ وَالدُّخَانُ - * في قَطْعِ الشَّجَرِ ( 1 ) وَحَرْقِ الْمَنَازِلِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا بَأْسَ بِقَطْعِ الشَّجَرِ الْمُثْمِرِ وَتَخْرِيبِ الْعَامِرِ وَتَحْرِيقِهِ من بِلَادِ الْعَدُوِّ وَكَذَلِكَ لَا بَأْسَ بِتَحْرِيقِ ما قَدَرَ لهم عليه من مَالٍ وَطَعَامٍ لَا رُوحَ فيه لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حَرَّقَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَأَهْلِ خَيْبَرَ وَأَهْلِ الطَّائِفِ وَقَطَعَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل في بَنِي النَّضِيرِ { ما قَطَعْتُمْ من لِينَةٍ أو تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً على أُصُولِهَا } الْآيَةُ فَأَمَّا ما له رُوحٌ فإنه يَأْلَمُ مِمَّا أَصَابَهُ فَقَتْلُهُ مُحَرَّمٌ إلَّا بِأَنْ يُذْبَحَ فَيُؤْكَلَ وَلَا يَحِلُّ قَتْلُهُ لِمُغَايَظَةِ الْعَدُوِّ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ( من قَتَلَ عُصْفُورًا فما فَوْقَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا سَأَلَهُ اللَّهُ عنها ) قِيلَ وما حَقُّهَا يا رَسُولَ اللَّهِ قال ( يَذْبَحُهَا فَيَأْكُلَهَا وَلَا يَقْطَعَ رَأْسَهَا فَيَرْمِيَ بِهِ ) وَلَا يُحَرِّقُ نَحْلًا وَلَا يُغْرِقُ لِأَنَّهُ له رُوحٌ وإذا كان الْمُسْلِمُونَ أَسْرَى أو مُسْتَأْمَنِينَ في دَارِ الْحَرْبِ فَقَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أو قَذَفَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أو زَنَوْا بِغَيْرِ حَرْبِيَّةٍ فَعَلَيْهِمْ في هذا كُلِّهِ الْحُكْمُ كما يَكُونُ عليهم لو فَعَلُوهُ في بِلَادِ الْإِسْلَامِ إنَّمَا يَسْقُطُ عَنْهُمْ لو زَنَى أَحَدُهُمْ بِحَرْبِيَّةٍ إذَا أدعى الشُّبْهَةَ وَلَا تُسْقِطُ دَارُ الْحَرْبِ عَنْهُمْ فَرْضًا كما لَا تُسْقِطُ عَنْهُمْ صَوْمًا وَلَا صَلَاةً وَلَا زَكَاةً
____________________

(4/287)


وَالْحُدُودُ فَرْضٌ عليهم كما هذه فَرْضٌ عليهم قال وإذا أَصَابَ الرَّجُلُ حَدًّا وهو مُحَاصِرٌ لِلْعَدُوِّ أُقِيمَ عليه الْحَدُّ وَلَا يَمْنَعُنَا الْخَوْفُ عليه من اللُّحُوقِ بِالْمُشْرِكِينَ أَنْ نُقِيمَ عليه حَدًّا لِلَّهِ عز وجل فَلَوْ فَعَلْنَا تَوَقِّيًا أَنْ يَغْضَبَ ما أَقَمْنَا الْحَدَّ عليه أَبَدًا لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ من كل مَوْضِعٍ أَنْ يَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَالْعِلَّةُ أَنْ يَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَيُعَطَّلَ عنه الْحَدُّ إبْطَالًا لِحُكْمِ اللَّهِ عز وجل ثُمَّ حَكَمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِعِلَّةِ جَهَالَةٍ وَغَيًّا قد أَقَامَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْحَدَّ بِالْمَدِينَةِ وَالشِّرْكُ قَرِيبٌ منها وَفِيهَا شِرْكٌ كَثِيرٌ مُوَادِعُونَ وَضَرَبَ الشَّارِبَ بِحُنَيْنٍ وَالشِّرْكُ قَرِيبٌ منه وإذا أَصَابَ الْمُسْلِمُ نَفْسَهُ بِجُرْحٍ خَطَأً فَلَا يَكُونُ له عَقْلٌ على نَفْسِهِ وَلَا على عَاقِلَتِهِ وَلَا يَضْمَنُ الْمَرْءُ ما جَنَى على نَفْسِهِ وقد يُرْوَى أَنَّ رَجُلًا من الْمُسْلِمِينَ ضَرَبَ رَجُلًا من الْمُشْرِكِينَ في غُزَاةٍ أَظُنُّهَا خَيْبَرَ بِسَيْفٍ فَرَجَعَ السَّيْفُ عليه فَأَصَابَهُ فَرُفِعَ ذلك إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فلم يَجْعَلْ له النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في ذلك عَقْلًا وإذا نَصَبَ الْقَوْمُ الْمَنْجَنِيقَ فَرَمَوْا بها فَرَجَعَ الْحَجَرُ على أَحَدِهِمْ فَقَتَلَهُ فَدِيَتُهُ على عَوَاقِلِ الَّذِينَ رَمَوْا بِالْمَنْجَنِيقِ فَإِنْ كان مِمَّنْ رَمَى بِهِ مَعَهُمْ رُفِعَتْ حِصَّتُهُ من الدِّيَةِ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونُوا عَشَرَةً هو عَاشِرُهُمْ فَجِنَايَةُ الْعَشْرِ على نَفْسِهِ مَرْفُوعَةٌ عن نَفْسِهِ وَعَاقِلَتِهِ وَلَا يَضْمَنُ هو وَلَا عَاقِلَتُهُ عَمَّا جَنَى على نَفْسِهِ وَعَلَى عَوَاقِلِهِمْ تِسْعَةُ أَعْشَارِ دِيَتِهِ وَعَلَى الرَّامِينَ الْكَفَّارَةُ وَلَا يَكُونُ كَفَّارَةٌ وَلَا عَقْلٌ على من سَدَّدَهُمْ وَأَرْشَدَهُمْ وَأَمَرَهُمْ حَيْثُ يَرْمُونَ لِأَنَّهُ ليس بِفَاعِلٍ شيئا إنَّمَا تَكُونُ الْكَفَّارَةُ وَالدِّيَةُ على الَّذِينَ كان بِفِعْلِهِمْ الْقَتْلُ وَتَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ كُلَّ شَيْءٍ كان من الْخَطَأِ وَلَوْ كان دِرْهَمًا أو أَقَلَّ منه إذَا حَمَلَتْ الْأَكْثَرَ حَمَلَتْ الْأَقَلَّ وقد قَضَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم على الْعَاقِلَةِ بِدِيَةِ الْجَنِينِ وإذا دخل الْمُسْلِمُ دَارَ الْحَرْبِ مُسْتَأْمَنًا فادان دَيْنًا من أَهْلِ الْحَرْبِ ثُمَّ جَاءَهُ الْحَرْبِيُّ الذي أَدَانَهُ مُسْتَأْمَنًا قَضَيْت عليه بِدَيْنِهِ كما أَقْضِي بِهِ لِلْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ في دَارِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْحُكْمَ جَارٍ على الْمُسْلِمِ حَيْثُ كان لَا نُزِيلُ الْحَقَّ عنه بِأَنْ يَكُونَ بِمَوْضِعٍ من الْمَوَاضِعِ كما لَا تَزُولُ عنه الصَّلَاةُ أَنْ يَكُونَ بِدَارِ الشِّرْكِ فَإِنْ قال رَجُلٌ الصَّلَاةُ فَرْضٌ فَكَذَلِكَ أَدَاءُ الدَّيْنِ فَرْضٌ وَلَوْ كان الْمُتَدَايِنَانِ حَرْبِيَّيْنِ فَاسْتَأْمَنَّا ثُمَّ تُطَالَبَا ذلك الدَّيْنَ فَإِنْ رَضِيَا حُكْمَنَا فَلَيْسَ عَلَيْنَا أَنْ نَقْضِيَ لَهُمَا بِالدَّيْنِ حتى نَعْلَمَ أَنَّهُ من حَلَالٍ فإذا عَلِمْنَا أَنَّهُ من حَلَالٍ قَضَيْنَا لَهُمَا بِهِ وَكَذَلِكَ لو أَسْلَمَا فَعَلِمْنَا أَنَّهُ حَلَالٍ قَضَيْنَا لَهُمَا بِهِ إذَا كان كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مقرى ( ( ( مقرا ) ) ) لِصَاحِبِهِ بِالْحَقِّ لَا غَاصِبَ له عليه فَإِنْ كان غَصَبَهُ عليه في دَارِ الْحَرْبِ لم أُتْبِعْهُ بِشَيْءٍ لِأَنِّي أُهْدِرُ عَنْهُمْ ما تغاصبوا بِهِ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على أَنَّك تَقْضِي له بِهِ إذَا لم يَغْصِبْهُ قِيلَ له أربى ( ( ( أبى ) ) ) أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ في الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ من الرِّبَا إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } وقال في سِيَاقِ الْآيَةِ { وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رؤوس أَمْوَالِكُمْ } فلم يُبْطِلْ عَنْهُمْ رؤوس أَمْوَالِهِمْ إذَا لم يَتَقَابَضُوا وقد كَانُوا مُقِرِّينَ بها وَمُسْتَيْقِنِينَ في الْفَضْلِ فيها فَأَهْدَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لهم ما أَصَابُوا من دَمٍ أو مَالٍ لِأَنَّهُ كان على وَجْهِ الْغَصْبِ لَا على وَجْهِ الْإِقْرَارِ بِهِ وإذا أَحْصَنَ الذِّمِّيَّانِ ثُمَّ زَنَيَا ثُمَّ تَحَاكَمَا إلَيْنَا رَجَمْنَاهُمَا وَكَذَلِكَ لو أَسْلَمَا بَعْدَ إحْصَانِهِمَا ثُمَّ زَنَيَا مُسْلِمَيْنِ رَجَمْنَاهُمَا إذَا عَدَدْنَا إحْصَانَهُمَا وَهُمَا مُشْرِكَانِ إحْصَانًا نَرْجُمُهُمَا بِهِ فَهُوَ إحْصَانٌ بَعْدَ إسْلَامِهِمَا وَلَا يَكُونُ إحْصَانًا مَرَّةً وَسَاقِطًا أُخْرَى وَالْحَدُّ على الْمُسْلِمِ أَوْجَبُ منه على الذِّمِّيِّ وإذا أَتَيَا جميعا فرضى أَحَدُهُمَا ولم يَرْضَ الْآخَرُ حَكَمْنَا على الرَّاضِي بِحُكْمِنَا وَأَيُّ رَجُلٍ أَصَابَ زَوْجَةً صَحِيحَةَ النِّكَاحِ حُرَّةً ذِمِّيَّةً أو أَمَةً مُسْلِمَةً وهو حُرٌّ بَالِغٌ فَهُوَ مُحْصَنٌ وَكَذَلِكَ الْحُرَّةُ الْمُسْلِمَةُ يُصِيبُهَا الْمُسْلِمُ وَكَذَلِكَ الْحُرَّةُ الذِّمِّيَّةُ يُصِيبُهَا الزَّوْجُ الْمُسْلِمُ أو الذِّمِّيُّ إنَّمَا الْإِحْصَانُ الْجِمَاعُ بِالنِّكَاحِ لَا غَيْرِهِ فَمَتَى وَجَدْنَا جِمَاعًا بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ فَهُوَ إحْصَانٌ لِلْحُرِّ مِنْهُمَا وإذا دخل الرَّجُلُ دَارَ الْحَرْبِ فَوَجَدَ في أَيْدِيهِمْ أَسْرَى رِجَالًا وَنِسَاءً من الْمُسْلِمِينَ فَاشْتَرَاهُمْ وَأَخْرَجَهُمْ من دَارِ الْحَرْبِ وَأَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ عليهم بِمَا أَعْطَى لم يَكُنْ ذلك له وكان مُتَطَوِّعًا بِالشِّرَاءِ لِمَا ليس يُبَاعُ من الْأَحْرَارِ فَإِنْ كَانُوا أَمَرُوهُ بِشِرَائِهِمْ رَجَعَ عليهم بِمَا أَعْطَى فِيهِمْ من
____________________

(4/288)


قِبَلِ أَنَّهُ أَعْطَى بِأَمْرِهِمْ وَكَذَلِكَ قال بَعْضُ الناس ثُمَّ رَجَعَ فَنَقَضَ قَوْلَهُ فَزَعَمَ أَنَّ رَجُلًا لو دخل بِلَادَ الْحَرْبِ وفي أَيْدِيهِمْ عَبْدٌ لِرَجُلٍ اشْتَرَاهُ بِغَيْرِ أَمْرِ الرَّجُلِ وَلَا الْعَبْدِ كان له إلَّا أَنْ يَشَاءَ سَيِّدُ الْعَبْدِ أَنْ يُعْطِيَهُ ثَمَنَهُ وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ إذَا زَعَمَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ غَيْرُ مَأْمُورٍ مُتَطَوِّعٍ لَزِمَهُ أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ هذا الْعَبْدَ لِسَيِّدِهِ وَلَا يَرْجِعُ على سَيِّدِهِ بِشَيْءٍ من ثَمَنِهِ وَهَكَذَا نَقُولُ في الْعَبْدِ كما نَقُولُ في الْحُرِّ لَا يَخْتَلِفَانِ وَإِنَّمَا غَلِطَ فيه من قِبَلِ أَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ يَمْلِكُونَ على الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ مَالِكٌ من مَالِكٍ وَيَدْخُلُ عليه في هذا الْمَوْضِعِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ عليه رَدُّهُ إلَى سَيِّدِهِ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ مَالِكٌ من مَالِكٍ وَكَذَلِكَ لو كان الذِّمِّيُّ اشْتَرَاهُ وإذا أُسِرَتْ الْمُسْلِمَةُ فَنَكَحَهَا بَعْضُ أَهْلِ الْحَرْبِ أو وَطِئَهَا بِلَا نِكَاحٍ ثُمَّ ظَهَرَ عليها الْمُسْلِمُونَ لم تُسْتَرَقَّ هِيَ وَلَا وَلَدُهَا لِأَنَّ أَوْلَادَهَا مُسْلِمُونَ بِإِسْلَامِهَا فَإِنْ كان لها زَوْجٌ في دَارِ الْإِسْلَامِ لم يَلْحَقْ بِهِ هذا الْوَلَدُ وَلَحِقَ بِالنَّاكِحِ الْمُشْرِكِ وَإِنْ كان نِكَاحُهُ فَاسِدًا لِأَنَّهُ نِكَاحُ شُبْهَةٍ وإذا دخل الْمُسْتَأْمَنُ بِلَادَ الْإِسْلَامِ فَقَتَلَهُ مُسْلِمٌ عَمْدًا فَلَا قَوَدَ عليه وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ في مَالِهِ وَدِيَتِهِ فَإِنْ كان يَهُودِيًّا أو نَصْرَانِيًّا فَثُلُثُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ وَإِنْ كان مَجُوسِيًّا أو وَثَنِيًّا فَهُوَ كَالْمَجُوسِيِّ فَثَمَانُمِائَةِ دِرْهَمٍ في مَالِهِ حَالَّةً فَإِنْ قَتَلَهُ خَطَأً فَدِيَتُهُ على عَاقِلَتِهِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ في مَالِهِ * أخبرنا فُضَيْلُ بن عِيَاضٍ عن مَنْصُورٍ عن ثَابِتٍ الْحَدَّادِ عن سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه قَضَى في الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ أربعة آلاف أَرْبَعَةَ آلَافٍ وفي الْمَجُوسِيِّ ثَمَانُمِائَةِ دِرْهَمٍ أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن صَدَقَةَ بن يَسَارٍ قال أُرْسِلْنَا إلَى سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ نَسْأَلُهُ عن دِيَةِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ قال قَضَى فيه عُثْمَانُ بن عَفَّانَ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ فَإِنْ كان مع هذا الْمُسْتَأْمَنِ الْمَقْتُولِ مَالٌ رُدَّ إلَى وَرَثَتِهِ كما يُرَدُّ مَالُ الْمُعَاهَدِ إلَى وَرَثَتِهِ إذَا كان الدَّمُ مَمْنُوعًا بِالْإِسْلَامِ وَالْأَمَانِ فَالْمَالُ مَمْنُوعٌ بِذَلِكَ وإذا دخل الْمُسْلِمُ أو الذِّمِّيُّ دَارَ الْحَرْبِ مُسْتَأْمَنًا فَخَرَجَ بِمَالٍ من مَالِهِمْ يَشْتَرِي لهم بِهِ شيئا فَأَمَّا ما مع الْمُسْلِمِينَ فَلَا نَعْرِضُ له وَيُرَدُّ على أَهْلِهِ من أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ أَقَلَّ ما فيه أَنْ يَكُونَ خُرُوجُ الْمُسْلِمِ بِهِ أَمَانًا لِلْكَافِرِ فيه ( 1 ) وإذا اسْتَأْمَنَ الْعَبْدُ من الْمُشْرِكِينَ على أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا وَيُعْتَقَ فَذَلِكَ لِلْإِمَامِ أَمَّنَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في حِصَارِ ثَقِيفٍ من نَزَلَ إلَيْهِ من عَبْدٍ فَأَسْلَمَ فَشَرَطَ لهم أَنَّهُمْ أَحْرَارٌ فَنَزَلَ إلَيْهِ خَمْسَةَ عَشَرَ عَبْدًا من عَبِيدِ ثَقِيفٍ فَأَعْتَقَهُمْ ثُمَّ جاء سَادَتُهُمْ بَعْدَهُمْ مُسْلِمِينَ فَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يَرُدَّهُمْ إلَيْهِمْ فقال هُمْ أَحْرَارٌ لَا سَبِيلَ عليهم ولم يَرُدَّهُمْ وإذا وُجِدَ الرَّجُلُ من أَهْلِ الْحَرْبِ على قَارِعَةِ الطَّرِيقِ بِغَيْرِ سِلَاحٍ وقال جِئْت رَسُولًا مُبَلِّغًا قُبِلَ منه ولم نَعْرِضْ له فَإِنْ اُرْتِيبَ بِهِ أُحْلِفَ فإذا حَلَفَ تُرِكَ وَهَكَذَا لو كان معه سِلَاحٌ وكان مُنْفَرِدًا ليس في جَمَاعَةٍ يَمْتَنِعُ مِثْلُهَا لِأَنَّ حَالَهُمَا جميعا يُشْبِهُ ما ادَّعَيَا وَمَنْ ادَّعَى شيئا يُشْبِهُ ما قال لَا يُعْرَفُ بِغَيْرِهِ كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ مع يَمِينِهِ وإذا أتى الرَّجُلُ من أَهْلِ الشِّرْكِ بِغَيْرِ عَقْدٍ عَقَدَ له الْمُسْلِمُونَ فَأَرَادَ الْمُقَامَ مَعَهُمْ فهذه ( ( ( فبهذه ) ) ) الدَّارِ لَا تَصْلُحُ إلَّا لِمُؤْمِنٍ أو معطى جِزْيَةٍ فَإِنْ كان من أَهْلِ الْكِتَابِ قِيلَ له إنْ أَرَدْت الْمُقَامَ فَأَدِّ الْجِزْيَةَ وَإِنْ لم تُرِدْهُ فَارْجِعْ إلَى مَأْمَنِك فَإِنْ اسْتَنْظَرَ فَأَحَبُّ إلى أَنْ لَا يُنْظَرَ إلَّا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ من قِبَلِ أَنَّ اللَّهَ عز وجل جَعَلَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَسِيحُوا في الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَأَكْثَرَ ما يَجْعَلُ له أَنْ لَا يَبْلُغَ بِهِ الْحَوْلَ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ في الْحَوْلِ فَلَا يُقِيمُ في دَارِ الْإِسْلَامِ مَقَامَ من يُؤَدِّي الْجِزْيَةَ وَلَا يُؤَدِّيهَا وَإِنْ كان من أَهْلِ الْأَوْثَانِ فَلَا تُؤْخَذُ منه الْجِزْيَةُ بِحَالٍ عَرَبِيًّا كان أو أَعْجَمِيًّا وَلَا ينظر ( ( ( ينظرا ) ) ) إلَّا كَإِنْظَارِ هذا وَذَلِكَ دُونَ الْحَوْلِ وإذا دخل قَوْمٌ من الْمُشْرِكِينَ بِتِجَارَةٍ ظَاهِرِينَ فَلَا سَبِيلَ عليهم لِأَنَّ حَالَ هَؤُلَاءِ حَالُ من لم يَزَلْ يُؤَمِّنُ من التُّجَّارِ وإذا دخل الْحَرْبِيُّ دَارَ الْإِسْلَامِ مُشْرِكًا ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلُ يُؤْخَذُ فَلَا سَبِيلَ عليه وَلَا على مَالِهِ وَلَوْ كان جَمَاعَةٌ من أَهْلِ الْحَرْبِ فَفَعَلُوا هذا كان هذا هَكَذَا وَلَوْ قَاتَلُوا ثُمَّ أُسِرُوا فَأَسْلَمُوا بَعْدَ الْإِسَارِ فَهُمْ فَيْءٌ
____________________

(4/289)


وَأَمْوَالُهُمْ وَلَا سَبِيلَ على دِمَائِهِمْ لِلْإِسْلَامِ فإذا كان هذا بِبِلَادِ الْحَرْبِ فَأَسْلَمَ رَجُلٌ في أَيِّ حَالٍ ما أَسْلَمَ فيها قبل أَنْ يُؤْسَرَ أَحْرَزَ له إسْلَامُهُ دَمَهُ ولم يَكُنْ عليه رِقٌّ وَهَكَذَا إنْ صلى فَالصَّلَاةُ من الْإِيمَانِ أَمْسَكَ عنه فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ مُؤَمَّنٌ فَقَدْ أَحْرَزَ مَالَهُ وَنَفْسَهُ وَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَلَاتَهُ وَأَنَّهُ على غَيْرِ الْإِيمَانِ كان فَيْئًا إنْ شَاءَ الْإِمَامُ قَتَلَهُ وَحُكْمُهُ حُكْمُ أَسْرَى الْمُشْرِكِينَ - * الْحَرْبِيُّ إذَا لَجَأَ إلَى الْحَرَمِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ عنه وَلَوْ أَنَّ قَوْمًا من أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ لَجَئُوا إلَى الْحَرَمِ فَكَانُوا مُمْتَنِعِينَ فيه أُخِذُوا كما يُؤْخَذُونَ في غَيْرِ الْحَرَمِ فَنَحْكُمُ فِيهِمْ من الْقَتْلِ وَغَيْرِهِ كما نَحْكُمُ فِيمَنْ كان في غَيْرِ الْحَرَمِ فَإِنْ قال قَائِلٌ وَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّ الْحَرَمَ لَا يَمْنَعُهُمْ وقد قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في مَكَّةَ ( هِيَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ لم تَحْلُلْ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي ولم تَحْلُلْ لي إلَّا سَاعَةً من نَهَارٍ ) وهي ( ( ( وهل ) ) ) سَاعَتُهَا هذه مُحَرَّمَةٌ قِيلَ إنَّمَا مَعْنَى ذلك وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أنها لم تَحْلُلْ أَنْ يَنْصَبَّ عليها الْحَرْبُ حتى تَكُونَ كَغَيْرِهَا فَإِنْ قال ما دَلَّ على ما وَصَفْت قِيلَ أَمَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عِنْدَمَا قُتِلَ عَاصِمُ بن ثَابِتٍ وَخُبَيْبٌ ( 1 ) وبن حَسَّانَ بِقَتْلِ أبي سُفْيَانَ في دَارِهِ بِمَكَّةَ غِيلَةً إنْ قُدِرَ عليه وَهَذَا في الْوَقْتِ الذي كانت فيه مُحَرَّمَةً فَدَلَّ على أنها لَا تَمْنَعُ أَحَدًا من شَيْءٍ وَجَبَ عليه وَأَنَّهَا إنَّمَا يُمْنَعُ أَنْ يَنْصَبَّ عليها الْحَرْبُ كما يَنْصَبُّ على غَيْرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * الْحَرْبِيُّ يَدْخُلُ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ وَيَشْتَرِي عَبْدًا مُسْلِمًا - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا دخل الْحَرْبِيُّ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ فَاشْتَرَى عَبْدًا مُسْلِمًا فَلَا يَجُوزُ فيه إلَّا وَاحِدٌ من قَوْلَيْنِ أَنْ يَكُونَ الشِّرَاءُ مَفْسُوخًا وَأَنْ يَكُونَ على مِلْكِ صاحبه ( ( ( صاحب ) ) ) الْأَوَّلِ أو يَكُونَ الشِّرَاءُ جَائِزًا وَعَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَهُ فَإِنْ لم يَظْهَرْ عليه حتى يَهْرُبَ بِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ أَسْلَمَ عليه فَهُوَ له إنْ بَاعَهُ أو وَهَبَهُ فَبَيْعُهُ وَهِبَتُهُ جَائِزَةٌ وَلَا يَكُونُ حُرًّا بِإِدْخَالِهِ إيَّاهُ دَارَ الْحَرْبِ وَلَا يُعْتَقُ بِالْإِسْلَامِ إلَّا في مَوْضِعٍ وهو أَنْ يَخْرُجَ من بِلَادِ الْحَرْبِ مُسْلِمًا كما أَعْتَقَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من خَرَجَ من حِصْنِ ثَقِيفٍ مُسْلِمًا فَإِنْ قال قَائِلٌ أَفَرَأَيْت إنْ ذَهَبْنَا إلَى أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا أَعْتَقَهُمْ بِالْإِسْلَامِ دُونَ الْخُرُوجِ من بِلَادِ الْحَرْبِ قِيلَ له قد جاء النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عَبْدٌ مُسْلِمٌ ثُمَّ جَاءَهُ سَيِّدُهُ يَطْلُبُهُ فَاشْتَرَاهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم منه بِعَبْدَيْنِ وَلَوْ كان ذلك يُعْتِقُهُ لم يَشْتَرِ منه حُرًّا ولم يُعْتِقْهُ هو بَعْدُ وَلَكِنَّهُ أَسْلَمَ غير خَارِجٍ من بِلَادٍ مَنْصُوبٍ عليها حَرْبٌ - * عبد الْحَرْبِيِّ يُسْلِمُ في بِلَادِ الْحَرْبِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ عنه وَلَوْ أَسْلَمَ عبد الْحَرْبِيِّ في دَارِ الْحَرْبِ ولم يَخْرُجْ منها حتى ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عليها كان رَقِيقًا مَحْقُونَ الدَّمِ بِالْإِسْلَامِ - * الْغُلَامُ يُسْلِمُ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رضي اللَّهُ عنه وإذا أَسْلَمَ الْغُلَامُ الْعَاقِلُ قبل أَنْ يَحْتَلِمَ أو يَبْلُغَ خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً وهو الذِّمِّيُّ وَوَصْفُ الْإِسْلَامِ كان أَحَبَّ إلَيَّ أَنْ يَبِيعَهُ وَأَنْ يُبَاعَ عليه وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُبَاعَ عليه حتى يَصِفَ الإسلام ( ( ( والإسلام ) ) ) بَعْدَ الْحُلُمِ أو
____________________

(4/290)


بَعْدَ اسْتِكْمَالِ خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً فَيَكُونُ في السِّنِّ التي لو أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ بَعْدَهَا قُتِلَ وَإِنَّمَا قُلْت أَحَبَّ إلَيَّ أَنْ يُبَاعَ عليه قِيَاسًا على من أَسْلَمَ من عَبِيدِهِ ( 1 ) أُجْبِرُهُ على بَيْعِهِ وهو لم يَصِفْ الْإِسْلَامَ وَإِنَّمَا جَعَلْتُهُ مُسْلِمًا بِحُكْمِ غَيْرِهِ فَكَأَنَّهُ إذَا وَصَفَ الْإِسْلَامَ وهو يَعْقِلُهُ في مِثْلِ ذلك الْمَعْنَى أو أَكْثَرَ منه وَإِنْ كان قد يُخَالِفُهُ فَيَحْتَمِلُ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ قِيَاسًا كان صَحِيحًا وَهَذَا قِيَاسٌ فيه شُبْهَةٌ - * في الْمُرْتَدِّ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحْمَةُ اللَّهُ عليه وإذا ارْتَدَّ الرَّجُلُ عن الْإِسْلَامِ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أو هَرَبَ فلم يَدْرِ أَيْنَ هو أو خَرِسَ أو عَتِهَ أَوْقَفْنَا مَالَهُ فلم نَقْضِ فيه بِشَيْءٍ وَإِنْ لم يُسْلِمْ قبل انْقِضَاءِ عِدَّةِ امْرَأَتِهِ بَانَتْ منه وَأَوْقَفْنَا أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَمُدَبَّرِيهِ وَجَمِيعَ مَالِهِ وَبِعْنَا من رَقِيقِهِ ما لَا يُرَدُّ عليه وما كان بَيْعُهُ نَظَرًا له ولم يَحْلُلْ من دُيُونِهِ الْمُؤَجَّلَةِ شَيْءٌ فَإِنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ دَفَعْنَا إلَيْهِ مَالَهُ كما كان بيده قبل ما صَنَعَ فَإِنْ مَاتَ أو قتل قبل الْإِسْلَامِ فَمَالُهُ فَيْءٌ يُخَمَّسُ فَتَكُونُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لِلْمُسْلِمِينَ وَخُمُسُهُ لِأَهْلِ الْخُمْسِ فَإِنْ زَعَمَ بَعْضُ وَرَثَتِهِ أَنَّهُ قد أَسْلَمَ قبل أَنْ يَمُوتَ كُلِّفَ الْبَيِّنَةَ فَإِنْ جاء بها أعطى مَالُهُ وَرَثَتَهُ من الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ لم يَأْتِ بها وقد عَلِمْت منه الرِّدَّةَ فَمَالُهُ فَيْءٌ وَإِنْ قَدِمَ لِيُقْتَلَ فَشَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَقَتَلَهُ بَعْضُ الْوُلَاةِ الَّذِينَ لَا يَرَوْنَ أَنْ يُسْتَتَابَ بَعْضُ الْمُرْتَدِّينَ فَمِيرَاثُهُ لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ وَعَلَى قَاتِلِهِ الْكَفَّارَةُ وَالدِّيَةُ وَلَوْلَا الشُّبْهَةُ لَكَانَ عليه الْقَوَدُ وقد خَالَفَنَا في هذا بَعْضُ الناس وقد كَتَبْنَاهُ في كِتَابِ الْمُرْتَدِّ وإذا عَرَضَتْ الْجَمَاعَةُ لِقَوْمٍ من مَارَّةِ الطَّرِيقِ وَكَابَرُوهُمْ بِالسِّلَاحِ فَإِنْ قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ قُتِلُوا وَصُلِّبُوا وَإِنْ قَتَلُوا ولم يَأْخُذُوا مَالًا قَتِّلُوا ولم يُصَلَّبُوا وإذا أَخَذُوا الْمَالَ ولم يَقْتُلُوا قُطِعَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ من خِلَافٍ وَإِنْ لم يَقْتُلُوا ولم يَأْخُذُوا الْمَالَ نُفُوا من الْأَرْضِ وَنَفْيُهُمْ أَنْ يُطْلَبُوا فَيُنْفَوْا من بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ فإذا ظُفِرَ بِهِمْ أُقِيمَتْ عليهم أَيْ هذه الْحُدُودِ كان حَدُّهُمْ وَلَا يَقْطَعُونَ حتى يَبْلُغَ قَدْرُ ما أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ منهم رُبْعَ دِينَارٍ فَإِنْ تَابُوا من قَبْلِ أَنْ يُقْدَرَ عليهم سَقَطَ عَنْهُمْ ما لِلَّهِ من هذه الْحُدُودِ وَلَزِمَهُمْ ما لِلنَّاسِ من مَالٍ أو جُرْحٍ أو نَفْسٍ حتى يَكُونُوا يَأْخُذُونَهُ أو يَدَعُونَهُ فَإِنْ كانت منهم جَمَاعَةٌ رِدْءًا لهم حَيْثُ لَا يَسْمَعُونَ الصَّوْتَ أو يَسْمَعُونَهُ عُزِّرُوا ولم يُصْنَعْ بِهِمْ شَيْءٌ من هذه الْحُدُودِ وَلَا يُحَدُّ مِمَّنْ حَضَرَ الْمَعْرَكَةَ إلَّا من فَعَلَ هذا لِأَنَّ الْحَدَّ إنَّمَا هو بِالْفِعْلِ لَا بِالْحُضُورِ وَلَا التَّقْوِيَةِ وَسَوَاءٌ كان هذا الْفِعْلُ في قَرْيَةٍ أو صَحْرَاءَ وَلَوْ أَعْطَاهُمْ السُّلْطَانُ أَمَانًا على ما أَصَابُوا ( 2 ) كان ما أَعْطَاهُمْ عليه الْأَمَانُ من حُقُوقِ الناس بَاطِلًا وَلَزِمَهُ أَنْ يَأْخُذَ لهم حُقُوقَهُمْ إلَّا أَنْ يَدَعُوهَا وَلَوْ فَعَلُوا غير مُرْتَدِّينَ عن الْإِسْلَامِ ثُمَّ ارْتَدُّوا عن الْإِسْلَامِ بَعْدَ فِعْلِهِمْ ثُمَّ تَابُوا أُقِيمَتْ عليهم تِلْكَ الْحُدُودُ لِأَنَّهُمْ فَعَلُوهَا وَهُمْ مِمَّنْ تَلْزَمُهُمْ تِلْكَ الْحُدُودُ وَلَوْ كَانُوا ارْتَدُّوا عن الْإِسْلَامِ قبل فِعْلِ هذا ثُمَّ فَعَلُوهُ مُرْتَدِّينَ ثُمَّ تَابُوا لم نُقِمْ عليهم شيئا من هذا لِأَنَّهُمْ فَعَلُوهُ وَهُمْ مُشْرِكُونَ مُمْتَنِعُونَ قد ارْتَدَّ طُلَيْحَةُ فَقَتَلَ ثَابِتَ بن أَفْرَمَ وَعُكَاشَة بن مُحْصِنٍ بيده ثُمَّ أَسْلَمَ فلم يُقَدْ منه ولم يَعْقِلْ لِأَنَّهُ فَعَلَ ذلك في حَالِ الشِّرْكِ وَلَا تَبَاعَةَ عليه في الْحُكْمِ إلَّا أَنْ يُوجَدَ مَالُ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ في يَدَيْهِ فَيُؤْخَذُ منه وَلَوْ كَانُوا ارْتَدُّوا ثُمَّ فَعَلُوا هذا ثُمَّ تَابُوا ثُمَّ فَعَلُوا مثله أُقِيمَتْ عليهم الْحُدُودُ في الْفِعْلِ الذي فَعَلُوهُ وَهُمْ مُسْلِمُونَ ولم تُقَمْ عليهم في الْفِعْلِ الذي فَعَلُوهُ وَهُمْ مُشْرِكُونَ ( قال ) وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ في مَوْضِعٍ آخَرَ إذَا ارْتَدَّ عن الْإِسْلَامِ ثُمَّ قَتَلَ مُسْلِمًا مُمْتَنِعًا وَغَيْرَ مُمْتَنِعٍ قُتِلَ بِهِ وَإِنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ بِالرِّدَّةِ إنْ لم تَزِدْهُ شَرًّا لم تَزِدْهُ خَيْرًا فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ ( قال الرَّبِيعُ ) قِيَاسُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ إذَا سَرَقَ الْعَبْدُ من الْمَغْنَمِ فَبَلَغَتْ سَرِقَتُهُ تَمَامَ سَهْمِ
____________________

(4/291)


حُرٍّ وَأَكْثَرَ فَكَانَ رُبْعَ دِينَارٍ وَأَكْثَرَ أَنَّهُ يُقْطَعُ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ بِالرَّضْخِ لِلْعَبْدِ سَهْمَ رَجُلٍ فإذا بَلَغَ سَهْمَ رَجُلٍ وَاَلَّذِي بَلَغَهُ بَعْدَ سَهْمِ رَجُلٍ رُبْعَ دِينَارٍ أو أَكْثَرَ من السَّهْمِ بِرُبْعٍ قُطِعَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ارْتَدَّ الْعَبْدُ عن الْإِسْلَامِ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ أَمَّنَهُ الْإِمَامُ على أَنْ لَا يَرُدَّهُ إلَى سَيِّدِهِ فَأَمَانُهُ بَاطِلٌ وَعَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى سَيِّدِهِ فَلَوْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ بَعْدَ وُصُولِهِ إلَيْهِ فَمَاتَ في يَدَيْهِ ضَمِنَ لِسَيِّدِهِ قِيمَتَهُ وكان كَالْغَاصِبِ وَإِنْ لم يَمُتْ كان لِسَيِّدِهِ عليه أُجْرَتُهُ في الْمُدَّةِ التي حَبَسَهُ عنه فيها وإذا ضَرَبَ الرَّجُلُ بِالسَّيْفِ ضَرْبَةً يَكُونُ في مِثْلِهَا قِصَاصٌ اُقْتُصَّ منه وَإِنْ لم يَكُنْ فيها قِصَاصٌ فَعَلَيْهِ الْأَرْشُ وَلَا تُقْطَعُ يَدُ أَحَدٍ إلَّا السَّارِقُ وقد ضَرَبَ صَفْوَانُ بن الْمُعَطَّلِ حَسَّانَ بن ثَابِتٍ بِالسَّيْفِ ضَرْبًا شَدِيدًا على عَهْدِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فلم يُقْطَعْ صَفْوَانُ وَعَفَا حَسَّانُ بَعْدَ أَنْ بَرَأَ فلم يُعَاقِبْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم صَفْوَانَ وَهَذَا يَدُلُّ أَنْ لَا عُقُوبَةَ على من كان عليه قِصَاصٌ فعفى عنه في دَمٍ وَلَا جُرْحٍ وَإِلَى الْوَالِي قَتْلُ من قَتَلَ على الْمُحَارِبَةِ لَا يَنْتَظِرُ بِهِ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ وقد قال بَعْضُ أَصْحَابِنَا ذلك قال وَمِثْلُهُ الرَّجُلُ يَقْتُلُ الرَّجُلَ من غَيْرِ نَائِرَةٍ وَاحْتَجَّ لهم بَعْضُ من يَذْهَبُ مَذَاهِبَهُمْ بِأَمْرِ الْمُحَدَّرِ بن زِيَادٍ وَلَوْ كان حَدِيثُهُ مِمَّا نُثْبِتُهُ قُلْنَا بِهِ فَإِنْ ثَبَتَ فَهُوَ كما قالوا وَلَا أَعْرِفُهُ إلَى يَوْمِي هذا ثَابِتًا وَإِنْ لم يَثْبُتْ فَكُلُّ مَقْتُولٍ قَتَلَهُ غَيْرُ الْمُحَارِبِ فَالْقَتْلُ فيه إلَى وَلِيِّ الْمَقْتُولِ من قِبَلِ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا يقول { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا } وقال عز وجل { فَمَنْ عُفِيَ له من أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ } فَبَيَّنَ في حُكْمِ اللَّهِ عز وجل أَنَّهُ جَعَلَ الْعَفْوَ أو الْقَتْلَ إلَى وَلِيِّ الدَّمِ دُونَ السُّلْطَانِ إلَّا في الْمُحَارِبِ فإنه قد حَكَمَ في الْمُحَارِبِينَ أَنْ يُقْتَلُوا أو يُصَلَّبُوا فَجَعَلَ ذلك حُكْمًا مُطْلَقًا لم يذكر فيه أَوْلِيَاءَ الدَّمِ وإذا كان مِمَّنْ قَطَعَ الطَّرِيقَ من أَخَذَ الْمَالَ ولم يَقْتُلْ وكان أَقْطَعَ الْيَدِ الْيُمْنَى وَالرَّجُلِ الْيُسْرَى قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى وَرِجْلُهُ الْيُمْنَى وَالْحُكْمُ الأول ( ( ( الأولى ) ) ) في يَدِهِ الْيُمْنَى وَرِجْلِهِ الْيُسْرَى ما بَقِيَ مِنْهُمَا شَيْءٌ لَا يَتَحَوَّلُ إلَى غَيْرِهِمَا فإذا لم يَبْقَ مِنْهُمَا شَيْءٌ يَكُونُ فيه حُكْمُ تَحَوُّلِ الْحُكْمِ إلَى الطَّرَفَيْنِ الْآخَرَيْنِ فَكَانَ فِيهِمَا وَلَا نَقْطَعُ قُطَّاعَ الطَّرِيقِ إلَّا فِيمَا تُقْطَعُ فيه السُّرَّاقُ وَذَلِكَ رُبْعُ دِينَارٍ يَأْخُذُهُ كُلُّ وَاحِدٍ منهم فَصَاعِدًا أو قِيمَتُهُ وَقَطْعُ الطَّرِيقِ بِالْعَصَا وَالرَّمْيِ بِالْحِجَارَةِ مِثْلُهُ بِالسِّلَاحِ من الْحَدِيدِ وإذا عَرَضَ اللُّصُوصُ لِقَوْمٍ فَلَا حَدَّ إلَّا في فِعْلٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَفْعَالُهُمْ فَحُدُودُهُمْ بِقَدْرِ أَفْعَالِهِمْ من قَتَلَ منهم وَأَخَذَ الْمَالَ قُتِلَ وَصُلِّبَ وَمَنْ قَتَلَ منهم ولم يَأْخُذْ مَالًا قُتِلَ ولم يُصَلَّبْ وَمَنْ أَخَذَ الْمَالَ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى من خِلَافٍ وَمَنْ كَثُرَ جَمَاعَتُهُمْ ولم يَفْعَلْ شيئا من هذا قَاسَمَهُمْ ما أَصَابُوا أو لم يُقَاسِمْهُمْ عُزِّرَ وَحُبِسَ وَلَيْسَ لِأَوْلِيَاءِ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ عَفْوٌ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ حَدَّهُمْ بِالْقَتْلِ أو الْقَتْلِ وَالصَّلْبِ أو الْقَطْعِ ولم يذكر الْأَوْلِيَاءَ كما ذَكَرَهُمْ في الْقِصَاصِ في الْآيَتَيْنِ فقال عز وجل { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا } وقال في الْخَطَأِ { ودية ( ( ( فدية ) ) ) مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ إلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا } وَذَكَرَ الْقِصَاصَ في الْقَتْلَى ثُمَّ قال عز وجل { فَمَنْ عُفِيَ له من أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ } فذكر في الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ أَهْلَ الدَّمِ ولم يَذْكُرْهُمْ في الْمُحَارِبَةِ فَدَلَّ على أَنَّ حُكْمَ قَتْلِ الْمُحَارِبِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ قَتْلِ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) كُلُّ ما اسْتَهْلَكَ الْمُحَارَبُ أو السَّارِقُ من أَمْوَالِ الناس فَوُجِدَ بِعَيْنِهِ أُخِذَ وَإِنْ لم يُوجَدْ بِعَيْنِهِ فَهُوَ دَيْنٌ عليه يُتْبَعُ بِهِ قال وَإِنْ تَابَ الْمُحَارِبُونَ من قَبْلِ أَنْ نَقْدِرَ عليهم سَقَطَ عَنْهُمْ ما لِلَّهِ عز وجل من الْحَدِّ وَلَزِمَهُمْ ما لِلنَّاسِ من حَقٍّ فَمَنْ قَتَلَ منهم دُفِعَ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ فَإِنْ شَاءَ عَفَا وَإِنْ شَاءَ قَتَلَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ حَالًّا من مَالِ الْقَاتِلِ وَمَنْ جَرَحَ منهم جُرْحًا فيه قِصَاصٌ فالمجروح ( ( ( فالجروح ) ) ) بين خِيرَتَيْنِ إنْ أَحَبَّ فَلَهُ الْقِصَاصُ وَإِنْ أَحَبَّ فَلَهُ عَقْلُ الْجُرُوحِ فَإِنْ كان فِيهِمْ عَبْدٌ فَأَصَابَ دَمًا عَمْدًا فَوَلِيُّ الدَّمِ بِالْخِيَارِ بين أَنْ يَقْتُلَهُ أو يُبَاعَ له فَتُؤَدَّى إلَيْهِ دِيَةُ قتيله ( ( ( قتله ) ) ) إنْ كان حُرًّا وَإِنْ كان عَبْدًا فَقِيمَةُ قَتِيلِهِ فَإِنْ فَضَلَ من ثَمَنِهِ شَيْءٌ رُدَّ إلَى مَالِكِهِ فَإِنْ عَجَزَ عن الدِّيَةِ لم يَضْمَنْ مَالِكُهُ شيئا وَإِنْ كان كَفَافًا لِلدِّيَةِ فَهُوَ لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ مَالِكُ الْعَبْدِ إذَا عفى ( ( ( عفا ) ) ) له عن الْقِصَاصِ
____________________

(4/292)


أَنْ يَتَطَوَّعَ بِدِيَةِ الذي قَتَلَهُ عَبْدُهُ أو قِيمَتَهُ وإذا كانت في الْمُحَارَبِينَ امْرَأَةٌ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الرِّجَالِ لِأَنِّي وَجَدْت أَحْكَامَ اللَّهِ عز وجل على الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ في الْحُدُودِ وَاحِدَةً قال اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } وقال { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } ولم يَخْتَلِفْ الْمُسْلِمُونَ في أَنْ تُقْتَلَ الْمَرْأَةُ إذَا قَتَلَتْ وإذا أَحْدَثَ الْمُسْلِمُ حَدَثًا في دَارِ الْإِسْلَامِ فَكَانَ مُقِيمًا بها مُمْتَنِعًا أو مُسْتَخْفِيًا أو لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَسَأَلَ الْأَمَانَ على إحْدَاثِهِ فَإِنْ كان فيها حُقُوقٌ لِلْمُسْلِمِينَ لم يَنْبَغِ لِلْإِمَامِ أَنْ يُؤَمِّنَهُ عليها وَلَوْ أَمَّنَهُ عليها فَجَاءَ طَالِبُهَا وَجَبَ عليه أَنْ يَأْخُذَهُ بها وَإِنْ كان ارْتَدَّ عن الْإِسْلَامِ فَأَحْدَثَ بَعْدَ الرِّدَّةِ ثُمَّ اسْتَأْمَنَ أو جاء مُؤْمِنًا سَقَطَ عنه جَمِيعَ ما أَحْدَثَ في الرِّدَّةِ وَالِامْتِنَاعِ قد ارْتَدَّ طُلَيْحَةُ عن الْإِسْلَامِ وَثَنِيًّا وَقَتَلَ ثَابِتُ بن أَفْرَمَ وَعُكَاشَة بن مُحْصِنٍ ثُمَّ أَسْلَمَ فلم يُقَدْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ولم يُؤْخَذْ منه عَقْلٌ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ عز وجل نَبِيَّهُ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فقال { وَإِنْ أَحَدٌ من الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَك فَأَجِرْهُ حتى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ } ولم أَعْلَمْ أمر بِذَلِكَ في أَحَدٍ من أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فلم لَا تَجْعَلُ ذلك في أَهْلِ الْإِسْلَامِ الْمُمْتَنِعِينَ كما تَجْعَلُهُ في الْمُشْرِكِينَ الْمُمْتَنِعِينَ قِيلَ لَمَّا وَصَفْنَا من سُقُوطِ ما أَصَابَ الْمُشْرِكُ في شِرْكِهِ وَامْتِنَاعِهِ من دَمٍ أو مَالٍ عنه وَثُبُوتُ ما أَصَابَ الْمُسْلِمُ في امْتِنَاعِهِ مع إسْلَامِهِ فإن الْحُدُودَ إنَّمَا هِيَ على الْمُؤْمِنِينَ لَا على الْمُشْرِكِينَ وَوَجَدْت اللَّهَ عز وجل حَدَّ الْمُحَارِبِينَ وَهُمْ مُمْتَنِعُونَ كما حَدَّ غَيْرَهُمْ وَزَادَهُمْ في الْحَدِّ بِزِيَادَةِ ذَنْبِهِمْ ولم يُسْقِطْ عَنْهُمْ بِعِظَمِ الذَّنْبِ شيئا كما أَسْقَطَ عن الْمُشْرِكِينَ وإذا أَبَقَ الْعَبْدُ من سَيِّدِهِ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ اسْتَأْمَنَ الْإِمَامَ على أَنْ لَا يَرُدَّهُ على سَيِّدِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ على سَيِّدِهِ وَكَذَلِكَ لو قال على أَنَّك حُرٌّ كان عليه أَنْ يَرُدَّهُ إلَى سَيِّدِهِ وَأَمَانُ الْإِمَامِ في حُقُوقِ الناس بَاطِلٌ وإذا قَطَعَ الرَّجُلُ الطَّرِيقَ على رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبُوهُ أو ابْنُهُ وَأَخَذَ الْمَالَ فَإِنْ كان ما أَخَذَ من حِصَّةِ الذي ليس بِأَبِيهِ يَبْلُغُ رُبْعَ دِينَارٍ فَصَاعِدًا قُطِعَ كان مَالُهُمَا مُخْتَلِطًا أو لم يَكُنْ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَمْلِكُ بِمُخَالَطَتِهِ مَالَ غَيْرِهِ إلَّا مَالَ نَفْسِهِ فَإِنْ اسْتَيْقَنَّا أَنْ قد وَصَلَ إلَيْهِ رُبْعُ دِينَارٍ من غَيْرِ مَالِ أبيه أو ابْنِهِ قَطَعْنَاهُ وإذا قَطَعَ أَهْلُ الذِّمَّةِ على الْمُسْلِمِينَ حُدُّوا حُدُودَ الْمُسْلِمِينَ وإذا قَطَعَ الْمُسْلِمُونَ على أَهْلِ الذِّمَّةِ حُدُّوا حُدُودَهُمْ لو قَطَعُوا على الْمُسْلِمِينَ إلَّا أَنِّي أَتَوَقَّفُ في أَنْ أَقْتُلَهُمْ إنْ قَتَلُوا أو أُضَمِّنَهُمْ الدِّيَةَ وإذا سَرَقَ الرَّجُلُ من الْمَغْنَمِ وقد حَضَرَ الْقِتَالَ عَبْدًا كان أو حُرًّا لم يُقْطَعْ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فيه نَصِيبٌ الْحُرُّ بِسَهْمِهِ وَالْعَبْدُ بِمَا يُرْضَخُ له وَيَضْمَنُ وَكَذَلِكَ كُلُّ من سَرَقَ من بَيْتِ الْمَالِ وَكَذَلِكَ كُلُّ من سَرَقَ من زَكَاةِ الْفِطْرِ وهو من أَهْلِ الْحَاجَةِ وَمَنْ سَرَقَ خَمْرًا من كِتَابِيٍّ وَغَيْرِهِ فَلَا غُرْمَ عليه وَلَا قَطْعَ وَكَذَلِكَ إنْ سَرَقَ مَيْتَةً من مَجُوسِيٍّ فَلَا قَطْعَ وَلَا غُرْمَ لَا يَكُونُ الْقَطْعُ وَالْغُرْمُ إلَّا فِيمَا يَحِلُّ ثَمَنُهُ فإذا بَلَغَتْ قِيمَةُ الظَّرْفِ رُبْعَ دِينَارٍ قَطَعْتُهُ من قِبَلِ أَنَّهُ سَارِقٌ لِشَيْئَيْنِ وِعَاءٌ يَحِلُّ بَيْعُهُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ إذَا غُسِلَ وَخَمْرٌ قد سَقَطَ الْقَطْعُ فيها كما يَكُونُ عليه الْقَطْعُ لو سَرَقَ شَاتَيْنِ إحْدَاهُمَا ذَكِيَّةً وَالْأُخْرَى مَيِّتَةً وَكَانَتْ قِيمَةُ الذَّكِيَّةِ رُبْعَ دِينَارٍ لم يَسْقُطْ عنه الْقَطْعُ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا مَيِّتَةٌ وَالْمَيِّتَةُ كَلَا شَيْءٍ وَكَأَنَّهُ مُنْفَرِدٌ بِالذَّكِيَّةِ لِأَنَّهُ سَارِقٌ لَهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
____________________

(4/293)


3 (1) * - * ما يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَأَنْ تَجْمَعُوا بين الْأُخْتَيْنِ إلَّا ما قد سَلَفَ } قال فَلَا يَحِلُّ الْجَمْعُ بين الْأُخْتَيْنِ بِحَالٍ من نِكَاحٍ وَلَا مِلْكِ يَمِينٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْزَلَهُ مُطْلَقًا فَلَا يَحْرُمُ من الْحَرَائِرِ شَيْءٌ إلَّا حَرُمَ من الْإِمَاءِ بِالْمِلْكِ مِثْلُهُ إلَّا الْعَدَدُ فإن اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى انْتَهَى بِالْحَرَائِرِ إلَى أَرْبَعٍ وَأَطْلَقَ الْإِمَاءَ فقال عز ذِكْرُهُ { أو ما مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } لم يَنْتَهِ بِذَلِكَ إلَى عَدَدٍ
( أخبرنا ) بن عُيَيْنَةَ عن مُطَرِّفٍ عن أبي الْجَهْمِ عن أبي الْأَخْضَرِ عن عُمَارَةَ أَنَّهُ كَرِهَ من الْإِمَاءِ ما كَرِهَ من الْحَرَائِرِ إلَّا الْعَدَدَ
أخبرنا سُفْيَانُ عن هِشَامِ بن حَسَّانَ وَأَيُّوبَ عن بن سِيرِينَ قال قال بن مَسْعُودٍ يُكْرَهُ من الْإِمَاءِ ما يُكْرَهُ من الْحَرَائِرِ إلَّا الْعَدَدُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا من قَوْلِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى في مَعْنَى الْقُرْآنِ وَبِهِ نَأْخُذُ قال وَالْعَدَدُ ليس من النَّسَبِ وَلَا الرِّضَاعِ بِسَبِيلٍ
أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن قَبِيصَةَ بن ذُؤَيْبٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عُثْمَانَ بن عَفَّانَ عن الْأُخْتَيْنِ من مِلْكِ الْيَمِينِ هل يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فقال عُثْمَانُ أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ وَأَمَّا أنا فَلَا أُحِبُّ أَنْ أَصْنَعَ ذلك قال فَخَرَجَ من عِنْدِهِ فلقى رَجُلًا من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال لو كان لي من الْأَمْرِ شَيْءٌ ثُمَّ وَجَدْت أَحَدًا فَعَلَ ذلك لَجَعَلْته نَكَالًا قال مَالِكٌ قال بن شِهَابٍ أَرَاهُ عَلِيَّ بن أبي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ قال مَالِكٌ وَبَلَغَنِي عن الزُّبَيْرِ بن الْعَوَّامِ مِثْلُ ذلك
أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عبد اللَّهِ بن عُتْبَةَ عن أبيه أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ سُئِلَ عن الْمَرْأَةِ وَابْنَتِهَا من مِلْكِ الْيَمِينِ هل تُوطَأُ إحْدَاهُمَا بَعْدَ الْأُخْرَى فقال عُمَرُ ما أُحِبُّ أَنْ أُجِيزَهُمَا جميعا وَنَهَاهُ
أخبرنا سُفْيَانُ عن الزُّهْرِيِّ عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عبد اللَّهِ بن عُتْبَةَ عن أبيه قال سُئِلَ عُمَرُ عن الْأُمِّ وَابْنَتِهَا من مِلْكِ الْيَمِينِ فقال ما أُحِبُّ أَنْ أُجِيزَهُمَا جميعا فقال عُبَيْدُ اللَّهِ قال أبي فَوَدِدْت أَنَّ عُمَرَ كان أَشَدَّ في ذلك مِمَّا هو فيه
أخبرنا مُسْلِمٌ وَعَبْدُ الْمَجِيدِ عن بن جُرَيْجٍ قال سَمِعْت بن أبي مُلَيْكَةَ يُخْبِرُ أَنَّ مُعَاذَ بن عُبَيْدِ اللَّهِ بن مَعْمَرٍ جاء إلَى عَائِشَةَ فقال لها إنَّ لي سُرِّيَّةً قد أَصَبْتهَا وَأَنَّهَا قد بَلَغَتْ لها ابْنَةٌ جَارِيَةٌ لي أفأستسر ابْنَتَهَا فقالت لَا فقال فَإِنِّي وَاَللَّهِ لَا أَدَعُهَا إلَّا أَنْ تَقُولِي لي حَرَّمَهَا اللَّهُ فقالت لَا يَفْعَلُهُ أَحَدٌ من أَهْلِي وَلَا أَحَدٌ أَطَاعَنِي + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا كان عِنْدَ الرَّجُلِ امْرَأَةٌ فَطَلَّقَهَا فَكَانَ لَا يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا فَلَهُ أَنْ يَنْكِحَ أُخْتَهَا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ غَيْرُ جَامِعٍ بين الْأُخْتَيْنِ وإذا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا فَفِي ذلك دَلَالَةٌ على أَنَّهُ لم يُحَرِّمْ نِكَاحَ إحْدَاهُمَا بَعْدَ الْأُخْرَى وَهَذِهِ مَنْكُوحَةٌ بَعْدَ الْأُخْرَى وَلَوْ كان لِرَجُلٍ جَارِيَةٌ يَطَؤُهَا فَأَرَادَ وَطْءَ أُخْتِهَا لم يَجُزْ له وَطْءُ التي أَرَادَ أَنْ يَطَأَ حتى يَحْرُمَ عليه فَرْجُ التي كان يَطَأُ بِنِكَاحٍ أو كِتَابَةٍ أو خُرُوجٍ من مِلْكِهِ فإذا فَعَلَ بَعْضَ هذا ثُمَّ وطىء الْأُخْتَ ثُمَّ عَجَزَتْ الْمُكَاتَبَةُ أو رُدَّتْ الْمَنْكُوحَةُ كانت التي أُبِيحَ
____________________
1- * كِتَابُ النِّكَاحِ

(5/3)


له فَرْجُهَا أَوَّلًا ثُمَّ حَرُمَتْ عليه غير حَلَالٍ له حتى يَحْرُمَ فَرْجُ التي وطىء بَعْدَهَا كما حَرُمَ فَرْجُهَا قبل أَنْ يَطَأَ أُخْتَهَا ثُمَّ هَكَذَا أَبَدًا وَسَوَاءٌ وَلَدَتْ له التي وطىء أَوَّلًا وَآخِرًا أو لم تَلِدْ لِأَنَّهُ في كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ إنَّمَا يَطَؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ وإذا اجْتَمَعَ النِّكَاحُ وَمِلْكُ الْيَمِينِ في أُخْتَيْنِ فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ لَا يُفْسِدُهُ مِلْكُ الْيَمِينِ كان النِّكَاحُ قَبْلُ أو بَعْدُ فَلَوْ كانت لِرَجُلٍ جَارِيَةٌ يَطَؤُهَا فَوَلَدَتْ له أو لم تَلِدْ حتى يَنْكِحَ أُخْتَهَا كان النِّكَاحُ ثَابِتًا وَحَرُمَ عليه فَرْجُ الْأُخْتِ بِالْوَطْءِ ما كانت أُخْتُهَا زَوْجَةً له وَأَحَبُّ إلى لو حَرَّمَ فَرْجَ أُخْتَهَا الْمَمْلُوكَةِ حين يَعْقِدُ نِكَاحَ أُخْتِهَا ( 1 ) بِالنِّكَاحِ أو قَبْلَهُ بِكِتَابَةٍ أو عِتْقٍ أو أَنْ يُزَوِّجَهَا وَإِنْ لم يَفْعَلْ لم أُجْبِرْهُ على ذلك وَلَا على بَيْعِهَا وَنَهَيْته عن وَطْئِهَا كما لَا أُجْبِرُهُ على بَيْعِ جَارِيَةٍ له وطىء ابْنَتَهَا وَأَنْهَاهُ عن وَطْئِهَا وَلَوْ كانت عِنْدَهُ أَمَةٌ زَوْجَةٌ فَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا حُرَّةً كان نِكَاحُ الْآخِرَةِ مَفْسُوخًا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ امْرَأَةَ الرَّجُلِ وَابْنَتَهُ لِأَنَّهُ لَا نَسَبَ بَيْنَهُمَا يَحْرُمُ بِهِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا له وَلَا رِضَاعَ وَإِنَّمَا يَحْرُمُ الْجَمْعُ في بَعْضِ ذَوَاتِ الْأَنْسَابِ بِمَنْ جَمَعَهُنَّ إلَيْهِ وَقَامَ الرِّضَاعُ مَقَامَ النَّسَبِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ ما الْفَرْقُ بين الْوَطْءِ بِالْمِلْكِ وَالنِّكَاحِ قِيلَ له النِّكَاحُ يُثْبِتُ لِلرَّجُلِ حَقًّا على الْمَرْأَةِ وَلِلْمَرْأَةِ حَقًّا على الرَّجُلِ وَمِلْكُ عُقْدَةِ النِّكَاحِ يَقُومُ في تَحْرِيمِ الْجَمْعِ بين الْأُخْتَيْنِ مَقَامَ الْوَطْءِ في الْأَمَتَيْنِ فَلَوْ مَلَكَ رَجُلٌ عُقْدَةَ نِكَاحِ أُخْتَيْنِ في عُقْدَةٍ أَفْسَدْنَا نِكَاحَهُمَا وَلَوْ تَزَوَّجَهُمَا لَا يَدْرِي أَيَّتَهُمَا أَوَّلُ أَفْسَدْنَا نِكَاحَهُمَا وَلَوْ مَلَكَ امْرَأَةً وَأُمَّهَاتِهَا وَأَوْلَادَهَا في صَفْقَةِ بَيْعٍ لم نُفْسِدْ الْبَيْعَ وَلَا يَحْرُمُ الْجَمْعُ في الْبَيْعِ إنَّمَا يَحْرُمُ جَمْعُ الْوَطْءِ في الْإِمَاءِ فَأَمَّا جَمْعُ عُقْدَةِ الْمِلْكِ فَلَا يَحْرُمُ وَلَوْ وطىء أَمَةً ثُمَّ بَاعَهَا من سَاعَتِهِ أو أَعْتَقَهَا أو كَاتَبَهَا أو بَاعَ بَعْضَهَا كان له أَنْ يَطَأَ أُخْتَهَا مَكَانَهُ وَلَيْسَ له في الْمَرْأَةِ أَنْ يَنْكِحَ أُخْتَهَا وَهِيَ زَوْجَةٌ له وَلَا أَنْ يُمَلِّكَ الْمَرْأَةَ غَيْرَهُ وَلَا أَنْ يُحَرِّمَهَا عليه بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَوَلَدُ الْمَرْأَةِ يَلْزَمُهُ بِالْعَقْدِ وَإِنْ لم يُقِرَّ بِوَطْءٍ إلَّا أَنْ يُلَاعِنَ وَوَلَدُ الْأَمَةِ لَا يَلْزَمُ بِغَيْرِ إقْرَارٍ بِوَطْءٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ زَوْجَةً له وَيَحِلُّ فَرْجُهَا لِغَيْرِهِ وَالْأَمَةُ تَكُونُ مَمْلُوكَةً له وَفَرْجُهَا حَلَالٌ لِغَيْرِهِ إذَا زَوَّجَهَا وَحَرَامٌ عليه وهو مَالِكٌ رَقَبَتَهَا وَلَيْسَ هَكَذَا الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةُ يُحِلُّ عَقْدُهَا جِمَاعَهَا وَلَا يَحْرُمُ جِمَاعُهَا وَالْعَقْدُ ثَابِتٌ عليها إلَّا بِعِلَّةِ صَوْمٍ أو إحْرَامٍ أو ما أَشْبَهَهُ مِمَّا إذَا ذَهَبَ حَلَّ فَرْجُهَا قال وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا له امْرَأَةٌ من أَهْلِ الشِّرْكِ فَأَسْلَمَ الزَّوْجُ وَاشْتَرَى أُخْتَ امْرَأَتِهِ فَوَطِئَهَا ثُمَّ أَسْلَمَتْ امْرَأَتُهُ في الْعِدَّةِ حَرُمَ عليه فَرْجُ جَارِيَتِهِ التي اشْتَرَى ولم تُبَعْ عليه وَكَانَتْ امْرَأَتُهُ امْرَأَتَهُ بِحَالِهَا وَكَذَلِكَ لو كانت هِيَ الْمُسْلِمَةُ قَبْلَهُ وَاشْتَرَى أُخْتَهَا أو كانت له فَوَطِئَهَا ثُمَّ أَسْلَمَ وَهِيَ في الْعِدَّةِ قال وَلَوْ كانت عِنْدَهُ جَارِيَةٌ فَوَطِئَهَا فلم يَحْرُمْ عليه فَرْجُهَا حتى وطىء أُخْتَهَا اُجْتُنِبَتْ التي وطىء آخِرًا بِوَطْءِ الْأَوْلَى وَأَحَبُّ إلى لو اجْتَنَبَ الْأُولَى حتى يَسْتَبْرِئَ الْآخِرَةَ وَإِنْ لم يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ عليه إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قال وَسَوَاءٌ في هذا وَلَدَتْ التي وُطِئَتْ أَوَّلًا أو آخِرًا أو هُمَا أو ( ( ( أم ) ) ) لم تَلِدْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا وَلَوْ حَرُمَ فَرْجُ التي وطىء أَوَّلًا بَعْدَ وَطْءِ الْآخِرَةِ أَبَحْتُ له وَطْءَ الْآخِرَةِ ثُمَّ لو حَلَّ له فَرْجُ التي زُوِّجَ فَحَرُمَ فَرْجُهَا عليه بِأَنْ يُطَلِّقَهَا زَوْجُهَا أو تَكُونَ مُكَاتَبَةً فَتَعْجِزُ لم تَحِلَّ له هِيَ وَكَانَتْ التي وطىء حَلَالًا له حتى يَحْرُمَ عليه فَرْجُهَا فَتَحِلُّ له الْأُولَى ثُمَّ هَكَذَا أَبَدًا مَتَى حَلَّ له فَرْجُ وَاحِدَةٍ فَوَطِئَهَا حَرُمَ عليه وَطْءُ الْأُخْرَى حتى يَحْرُمَ عليه فَرْجُ التي حَلَّتْ له ثُمَّ يَحِلُّ له فَرْجُ التي حَرُمَتْ عليه فَيَكُونُ تَحْرِيمُ فَرْجِهَا كَطَلَاقِ الرَّجُلِ الزَّوْجَةَ الذي لَا يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ ثُمَّ يُبَاحُ له نِكَاحُ أُخْتِهَا فإذا نَكَحَهَا لم يَحِلَّ له نِكَاحُ التي طَلَّقَهَا حتى تَبِينَ هذه منه إلَّا أَنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ في أَنَّهُ يَمْلِكُ رَقَبَةَ أُخْتَيْنِ وَأَخَوَاتٍ وَأُمَّهَاتٍ وَلَا يَمْلِكُ عَقْدَ أُخْتَيْنِ بِنِكَاحٍ - * من يَحِلُّ الْجَمْعُ بَيْنَهُ - *

(5/4)



( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بن صَفْوَانَ جَمَعَ بين امْرَأَةِ رَجُلٍ من ثَقِيفٍ وَابْنَتِهِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ أَنَّهُ سمع الْحَسَنَ بن مُحَمَّدٍ يقول جَمَعَ بن عُمَرَ لي بين ابْنَتَيْ عَمٍّ له فَأَصْبَحَ النِّسَاءُ لَا يَدْرِينَ أَيْنَ يَذْهَبْنَ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا نَأْخُذُ وهو قَوْلُ من لَقِيت من الْمُفْتِينَ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ فِيمَا عَلِمْته وَلَا يُرْوَى من وَجْهٍ يُثْبِتُهُ أَهْلُ الحديث عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا عن أبي هُرَيْرَةَ وقد رُوِيَ من وَجْهٍ لَا يُثْبِتُهُ أَهْلُ الحديث من وَجْهٍ آخَرَ وفي هذا حُجَّةٌ على من رَدَّ الحديث وَعَلَى من أَخَذَ بِالْحَدِيثِ مَرَّةً وَتَرَكَهُ أُخْرَى إلَّا أَنَّ الْعَامَّةَ إنَّمَا تَبِعَتْ في تَحْرِيمِ أَنْ يَجْمَعَ بين الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا قَوْلَ الْفُقَهَاءِ ولم نَعْلَمْ فَقِيهًا سُئِلَ لِمَ حَرُمَ الْجَمْعُ بين الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا إلَّا قال بِحَدِيثِ أبي هُرَيْرَةَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فإذا أَثْبَتَ بِحَدِيثٍ مُنْفَرِدٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم شيئا فَحَرَّمَهُ بِمَا حَرَّمَهُ بِهِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا عِلْمَ له أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قَالَهُ إلَّا من حديث أبي هُرَيْرَةَ وَجَبَ عليه إذَا رَوَى أبو هُرَيْرَةَ أو غَيْرُهُ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم حَدِيثًا آخَرَ لَا يُخَالِفُهُ أَحَدٌ بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يُحَرِّمَ بِهِ ما حَرَّمَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَيُحِلَّ بِهِ ما أَحَلَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وقد فَعَلْنَا هذا في حديث التَّغْلِيسِ وَغَيْرِ حَدِيثٍ وَفَعَلَهُ غَيْرُنَا في غَيْرِ حديث ثُمَّ يَتَحَكَّمُ كَثِيرٌ مِمَّنْ جَامَعْنَا على تَثْبِيتِ الحديث فَيُثْبِتُهُ مَرَّةً وَيَرُدُّهُ أُخْرَى وَأَقَلُّ ما عَلِمْنَا بهذا أَنْ يَكُونَ مُخْطِئًا في التَّثْبِيتِ أو في الرَّدِّ لِأَنَّهَا طَرِيقٌ وَاحِدَةٌ فَلَا يَجُوزُ تَثْبِيتُهَا مَرَّةً وَرَدُّهَا أُخْرَى وَحُجَّتُهُ على من قال لَا أَقْبَلُ إلَّا الْإِجْمَاعَ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ إجْمَاعًا تَحْرِيمُ الْجَمْعِ بين الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا وَلَيْسَ يُسْأَلُ أَحَدٌ من أَهْلِ الْعِلْمِ عَلِمْتُهُ إلَّا قال إنَّمَا نُثْبِتُهُ من الحديث وهو يَرُدُّ مِثْلَ هذا الحديث وَأَقْوَى منه مِرَارًا قال وَلَيْسَ في الْجَمْعِ بين الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا مِمَّا أَحَلَّ وَحَرَّمَ في الْكِتَابِ مَعْنًى إلَّا أَنَّا إذَا قَبِلْنَا تَحْرِيمَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَعَنْ اللَّهِ تَعَالَى قَبِلْنَاهُ بِمَا فَرَضَ من طَاعَتِهِ فَإِنْ قال قَائِلٌ قد ذَكَرَ اللَّهُ عز وجل من حَرُمَ من النِّسَاءِ وَأَحَلَّ ما وَرَاءَهُنَّ قِيلَ الْقُرْآنُ عَرَبِيُّ اللِّسَانِ منه مُحْتَمَلٌ وَاسِعٌ ذَكَرَ اللَّهُ من حَرُمَ بِكُلِّ حَالٍ في الْأَصْلِ وَمَنْ حَرُمَ بِكُلِّ حَالٍ إذَا فَعَلَ النَّاكِحُ أو غَيْرُهُ فيه شيئا مِثْلَ الرَّبِيبَةِ إذَا دخل بِأُمِّهَا حَرُمَتْ وَمِثْلَ امْرَأَةِ ابْنِهِ وَأَبِيهِ إذَا نَكَحَهَا أَبُوهُ حَرُمَتْ عليه بِكُلِّ حَالٍ وَكَانُوا يَجْمَعُونَ بين الْأُخْتَيْنِ فَحَرَّمَهُ وَلَيْسَ في تَحْرِيمِهِ الْجَمْعَ بين الْأُخْتَيْنِ إبَاحَةُ أَنْ يَجْمَعَ بين ما عَدَا الْأُخْتَيْنِ إذَا كان ما عَدَا الْأُخْتَيْنِ مُخَالِفًا لَهُمَا كان أَصْلًا في نَفْسِهِ وقد يَذْكُرُ اللَّهُ عز وجل الشَّيْءَ في كِتَابِهِ فَيُحَرِّمُهُ وَيُحَرِّمُ على لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم غَيْرَهُ مِثْلُ قَوْلِهِ { وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَرَاءَ ذَلِكُمْ } ليس فيه إبَاحَةٌ أَكْثَرَ من أَرْبَعٍ لِأَنَّهُ انْتَهَى بِتَحْلِيلِ النِّكَاحِ إلَى أَرْبَعٍ وقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِغَيْلَانَ بن سَلَمَةَ وَأَسْلَمَ وَعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ فَأَبَانَ على لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ انْتِهَاءَ اللَّهِ بِتَحْلِيلِهِ إلَى أَرْبَعٍ حَظْرٌ لِمَا وَرَاءَ أَرْبَعٍ وَإِنْ لم يَكُنْ ذلك نَصًّا في الْقُرْآنِ وَحَرُمَ من غَيْرِ جِهَةِ الْجَمْعِ وَالنَّسَبِ النِّسَاءُ الْمُطَلَّقَاتُ ثَلَاثًا حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ بِالْقُرْآنِ وَامْرَأَةُ الْمُلَاعَنِ بِالسُّنَّةِ وما سِوَاهُنَّ مِمَّا سُمِّيَتْ كِفَايَةٌ لِمَا اسْتَثْنَى منه قال وَالْقَوْلُ في الْجَمْعِ بين الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَعَمَّاتِهَا من قِبَلِ آبَائِهَا وَخَالَتِهَا وَخَالَاتِهَا من قِبَلِ أُمَّهَاتِهَا وَإِنْ بَعُدْنَ كَالْقَوْلِ في الْأَخَوَاتِ سَوَاءٌ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ وَيُزَوِّجَ ابْنَتَهَا ابْنَهُ لِأَنَّ الرَّجُلَ غَيْرُ ابْنِهِ قد يَحْرُمُ على الرَّجُلِ ما لَا يَحْرُمُ على ابْنِهِ وَكَذَلِكَ يُزَوِّجُهُ أُخْتَ امْرَأَتِهِ - * الْجَمْعُ بين الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن أبي الزِّنَادِ عن الْأَعْرَجِ عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا يُجْمَعُ بين الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا

(5/5)


إنْ نَكَحَ وَاحِدَةً ثُمَّ نَكَحَ أُخْرَى بَعْدَهَا ثَبَتَ نِكَاحُ الْأُولَى وَسَقَطَ نِكَاحُ الْآخِرَةِ وَإِنْ نَكَحَهُمَا في عُقْدَةٍ مَعًا انْفَسَخَ نِكَاحَهُمَا وَإِنْ نَكَحَ الْعَمَّةَ قبل بِنْتِ الْأَخِ أو ابْنَةَ الْأَخِ قبل الْعَمَّةِ فَسَوَاءٌ هو جَامِعٌ بَيْنَهُمَا فَيَسْقُطُ نِكَاحُ الْآخِرَةِ وَيَثْبُتُ نِكَاحُ الْأُولَى وَكَذَلِكَ الْخَالَةُ وَسَوَاءٌ دخل بِالْأُولَى مِنْهُمَا دُونَ الْآخِرَةِ أو بِالْآخِرَةِ دُونَ الْأُولَى أو لم يَدْخُلْ وَهَكَذَا يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِالْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَالرِّضَاعِ وَمِلْكُ الْيَمِينِ في الْوَطْءِ وَالنِّكَاحِ سَوَاءٌ وما لم يَكُنْ لِلرَّجُلِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأُخْتَيْنِ أو الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا أو الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا فَنَكَحَ اثْنَتَيْنِ مِنْهُنَّ في عُقْدَةٍ فَالْعُقْدَةُ مُنْفَسِخَةٌ كُلُّهَا وإذا نَكَحَ إحْدَاهُمَا قبل الْأُخْرَى فَنِكَاحُ الْأُولَى ثَابِتٌ وَنِكَاحُ الْآخِرَةِ مَفْسُوخٌ وَلَا يَصْنَعُ الدُّخُولُ شيئا إنَّمَا يَصْنَعُهُ الْعُقْدَةُ وما نهى اللَّهُ عن الْجَمْعِ بَيْنَهُ من الْأَخَوَاتِ وما نهى عنه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من الْجَمْعِ بين الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ فَفِيهِ دَلَالَةٌ على أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَحِلُّ بَعْدَ الْأُخْرَى فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْكِحَ الْأُخْتَ فإذا مَاتَتْ أو طَلَّقَهَا طَلَاقًا يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا أو طَلَاقًا لَا يَمْلِكُ فيه الرَّجْعَةَ وَهِيَ في عِدَّتِهَا أَنْ يَنْكِحَ الْأُخْرَى وَهَكَذَا الْعَمَّةُ وَالْخَالَةُ وَكُلُّ من نهى عن الْجَمْعِ بَيْنَهُ - * نِكَاحُ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَتَحْرِيمُ إمَائِهِمْ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ أنها نَزَلَتْ في مُهَاجِرَةٍ من أَهْلِ مَكَّةَ فَسَمَّاهَا بَعْضُهُمْ ابْنَةَ عُقْبَةَ بن أبي مُعَيْطٍ وَأَهْلُ مَكَّةَ أَهْلُ أَوْثَانٍ وَأَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عز وجل { وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } نَزَلَتْ فِيمَنْ هَاجَرَ من أَهْلِ مَكَّةَ مُؤْمِنًا وَإِنَّمَا نَزَلَتْ في الْهُدْنَةِ وقال قال اللَّه عز وجل { وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حتى يُؤْمِنَّ } إلَى قَوْلِهِ { وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ } وقد قِيلَ في هذه الْآيَةِ إنَّهَا نَزَلَتْ في جَمَاعَةِ مُشْرِكِي الْعَرَبِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الْأَوْثَانِ فَحَرَّمَ نِكَاحَ نِسَائِهِمْ كما حَرَّمَ أَنْ ننكح ( ( ( تنكح ) ) ) رِجَالُهُمْ الْمُؤْمِنَاتِ قال فَإِنْ كان هذا هَكَذَا فَهَذِهِ الْآيَاتُ ثَابِتَةٌ ليس فيها مَنْسُوخٌ قال وقد قِيلَ هذه الْآيَةُ في جَمِيعِ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ نَزَلَتْ الرُّخْصَةُ بَعْدَهَا في إحْلَالِ نِكَاحِ حَرَائِرِ أَهْلِ الْكِتَابِ خَاصَّةً كما جَاءَتْ في إحْلَالِ ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لهم وَالْمُحْصَنَاتُ من الْمُؤْمِنَاتِ } إلَى قَوْلِهِ { أُجُورَهُنَّ } وقال فَأَيُّهُمَا كان فَقَدْ أُبِيحَ فيه نِكَاحُ حَرَائِرِ أَهْلِ الْكِتَابِ وفي إبَاحَةِ اللَّهِ تَعَالَى نِكَاحَ حَرَائِرِهِمْ دَلَالَةٌ عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ على تَحْرِيمِ إمَائِهِمْ لِأَنَّ مَعْلُومًا في اللِّسَانِ إذَا قَصَدَ قَصْدَ صِفَةٍ من شَيْءٍ بِإِبَاحَةٍ أو تَحْرِيمٍ كان ذلك دَلِيلًا على أَنَّ ما قد خَرَجَ من تِلْكَ الصِّفَةِ مُخَالِفٌ لِلْمَقْصُودِ قَصْدُهُ كما نهى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عن كل ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ فَدَلَّ ذلك على إبَاحَةِ غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَنْيَابِ من السِّبَاعِ وَإِنْ كانت الْآيَةُ نَزَلَتْ في تَحْرِيمِ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ على الْمُشْرِكِينَ وفي مُشْرِكِي أَهْلِ الْأَوْثَانِ فَالْمُسْلِمَاتُ مُحَرَّمَاتٌ على الْمُشْرِكِينَ منهم بِالْقُرْآنِ على كل حَالٍ وَعَلَى مُشْرِكِي أَهْلِ الْكِتَابِ لِقَطْعِ الْوِلَايَةِ بين الْمُشْرِكِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وما لم يَخْتَلِفْ الناس فيه عَلِمْته قال وَالْمُحْصَنَاتُ من الْمُؤْمِنَاتِ وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الْحَرَائِرُ وقال اللَّهُ عز وجل { وَمَنْ لم يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا } إلَى قَوْلِهِ { ذلك لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ } وفي إبَاحَةِ اللَّهِ الْإِمَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ على ما شَرَطَ لِمَنْ لم يَجِدْ طَوْلًا وَخَافَ الْعَنَتَ دَلَالَةٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ على تَحْرِيمِ نِكَاحِ إمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَعَلَى أَنَّ الْإِمَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ لَا يَحْلِلْنَ إلَّا لِمَنْ جَمَعَ الْأَمْرَيْنِ مع إيمَانِهِنَّ لِأَنَّ كُلَّ ما أَبَاحَ بِشَرْطٍ لم يَحْلِلْ إلَّا بِذَلِكَ الشَّرْطِ كما أَبَاحَ التَّيَمُّمَ في السَّفَرِ وَالْإِعْوَازِ في الْمَاءِ فلم يَحْلِلْ إلَّا بِأَنْ يَجْمَعَهُمَا الْمُتَيَمِّمُ وَلَيْسَ إمَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ مُؤْمِنَاتٍ فَيَحْلِلْنَ بِمَا حَلَّ بِهِ الْإِمَاءُ الْمُؤْمِنَاتُ من الشَّرْطَيْنِ مع الْإِيمَانِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { إذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ } إلَى { وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ }

(5/6)


- * تَفْرِيعٌ تَحْرِيمُ الْمُسْلِمَاتِ على الْمُشْرِكِينَ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَحِلُّ نِكَاحُ حَرَائِرِ أَهْلِ الْكِتَابِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَلَّهُنَّ بِغَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ وَأَحَبُّ إلى لو لم يَنْكِحْهُنَّ مُسْلِمٌ
أخبرنا عبدالمجيد عن بن جُرَيْجٍ عن أبي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سمع جَابِرَ بن عبد اللَّهِ يُسْأَلُ عن نِكَاحِ الْمُسْلِمِ الْيَهُودِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيَّةَ فقال تَزَوَّجْنَاهُنَّ زَمَانَ الْفَتْحِ بِالْكُوفَةِ مع سَعْدِ بن أبي وَقَّاصٍ وَنَحْنُ لَا نَكَادُ نَجِدُ الْمُسْلِمَاتِ كَثِيرًا فلما رَجَعْنَا طَلَّقْنَاهُنَّ وقال فقال لَا يَرِثْنَ مُسْلِمًا وَلَا يَرِثُونَهُنَّ وَنِسَاؤُهُنَّ لنا حِلٌّ وَنِسَاؤُنَا حَرَامٌ عليهم + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَهْلُ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَحِلُّ نِكَاحُ حَرَائِرِهِمْ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَهُمْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى دُونَ الْمَجُوسِ قال وَالصَّابِئُونَ وَالسَّامِرَةُ من الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ يَحِلُّ نِسَاؤُهُمْ وَذَبَائِحُهُمْ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُمْ يُخَالِفُونَهُمْ في أَصْلِ ما يُحِلُّونَ من الْكِتَابِ وَيُحَرِّمُونَ فَيَحْرُمُ نِكَاحُ نِسَائِهِمْ كما يَحْرُمُ نِكَاحُ الْمَجُوسِيَّاتِ وَإِنْ كَانُوا يُجَامِعُونَهُمْ على أَصْلِ الْكِتَابِ وَيَتَأَوَّلُونَ فَيَخْتَلِفُونَ فَلَا يُحَرِّمُ ذلك نِسَاءَهُمْ وَهُمْ منهم يَحِلُّ نِسَاؤُهُمْ بِمَا يَحِلُّ بِهِ نِسَاءُ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ لم يَلْزَمْهُ اسْمُ صَابِئٍ وَلَا سَامِرِيٍّ قال وَلَا يَحِلُّ نِكَاحُ حَرَائِرَ من دَانَ من الْعَرَبِ دِينَ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ لِأَنَّ أَصْلَ دِينِهِمْ كان الْحَنِيفِيَّةَ ثُمَّ ضَلُّوا بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَإِنَّمَا انْتَقَلُوا إلَى دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ بَعْدَهُ لَا بِأَنَّهُمْ كَانُوا الَّذِينَ دَانُوا بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ فَضَلُّوا عنها وَأَحْدَثُوا فيها إنَّمَا ضَلُّوا عن الْحَنِيفِيَّةِ ولم يَكُونُوا كَذَلِكَ لَا تَحِلُّ ذَبَائِحُهُمْ وَكَذَلِكَ كُلُّ أَعْجَمِيٍّ كان أَصْلُ دِينِ من مَضَى من آبَائِهِ عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ ولم يَكُنْ من أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ فَدَانَ دِينَهُمْ لم يَحِلَّ نِكَاحُ نِسَائِهِمْ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ في هذا من أَمْرٍ مُتَقَدِّمٍ قِيلَ نعم
أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ قال حدثنا الْفَضْلُ بن عِيسَى الرَّقَاشِيُّ قال كَتَبَ عُمَرُ بن عبد الْعَزِيزِ إلَى عَدِيٍّ أَنْ يَسْأَلَ الْحَسَنَ لِمَ أَقَرَّ الْمُسْلِمُونَ بُيُوتَ النِّيرَانِ وَعِبَادَةَ الْأَوْثَانِ وَنِكَاحَ الْأُمَّهَاتِ وَالْأَخَوَاتِ فَسَأَلَهُ فقال الْحَسَنُ لِأَنَّ الْعَلَاءَ بن الْحَضْرَمِيِّ لَمَّا قَدِمَ الْبَحْرَيْنِ أَقَرَّهُمْ على ذلك + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَهَذَا ما لَا أَعْلَمُ فيه خِلَافًا بين أَحَدٍ لَقِيتُهُ
أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدٍ عن عبد اللَّهِ بن دِينَارٍ عن سَعْدٍ الْحَارِثِيِّ مولى عُمَرَ أو عبد اللَّهِ بن سَعْدٍ عن عُمَرَ أَنَّهُ قال ما نَصَارَى الْعَرَبِ بِأَهْلِ كِتَابٍ وما يَحِلُّ لنا ذَبَائِحُهُمْ وما أنا بِتَارِكِهِمْ حتى يُسْلِمُوا أو أَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ أخبرنا الثَّقَفِيُّ عن أَيُّوبَ عن بن سِيرِينَ قال سَأَلْت عُبَيْدَةَ عن ذَبَائِحِ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ فقال لَا تَأْكُلْ ذَبَائِحَهُمْ فَإِنَّهُمْ لم يَتَمَسَّكُوا من نَصْرَانِيَّتِهِمْ إلَّا بِشُرْبِ الْخَمْرِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا أَحْفَظُهُ وَلَا أَحْسَبُهُ وَغَيْرَهُ إلَّا وقد بَلَغَ بِهِ عَلِيَّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه بهذا الْإِسْنَادِ
أخبرنا عبدالمجيد عن بن جُرَيْجٍ قال قال عَطَاءٌ ليس نَصَارَى الْعَرَبِ بِأَهْلِ كِتَابٍ إنَّمَا أَهْلُ الْكِتَابِ بنوا ( ( ( بنو ) ) ) إسْرَائِيلَ وَاَلَّذِينَ جَاءَتْهُمْ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ فَأَمَّا من دخل فِيهِمْ من الناس فَلَيْسُوا منهم + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَتُنْكَحُ الْمُسْلِمَةُ على الْكِتَابِيَّةِ وَالْكِتَابِيَّةُ على الْمُسْلِمَةِ وَتُنْكَحُ أَرْبَعُ كِتَابِيَّاتٍ كما تُنْكَحُ أَرْبَعُ مُسْلِمَاتٍ وَالْكِتَابِيَّةُ في جَمِيعِ نِكَاحِهَا وَأَحْكَامِهَا التي تَحِلُّ بها وَتَحْرُمُ كَالْمُسْلِمَةِ لَا تُخَالِفُهَا في شَيْءٍ وَفِيمَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ لها وَلَا تُنْكَحُ الْكِتَابِيَّةُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ مُسْلِمَيْنِ وَبِوَلِيٍّ من أَهْلِ دِينِهَا كَوَلِيِّ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فإذا أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ أو وُلِدَتْ على الْإِسْلَامِ أو أَسْلَمَ أَحَدُ أَبَوَيْهَا وَهِيَ صَبِيَّةٌ لم تَبْلُغْ حَرُمَ على كل مُشْرِكٍ كِتَابِيٍّ وَوَثَنِيٍّ نِكَاحُهَا بِكُلِّ حَالٍ وَلَوْ كان أَبَوَاهَا مُشْرِكَيْنِ فَوَصَفَتْ الْإِسْلَامَ وَهِيَ تَعْقِلُ صِفَتَهُ مَنَعْتُهَا من أَنْ يَنْكِحَهَا مُشْرِكٌ فَإِنْ وَصَفَتْهُ وَهِيَ لَا تَعْقِلُ صِفَتَهُ كان أَحَبَّ إلى أَنْ يُمْنَعَ أَنْ يَنْكِحَهَا مُشْرِكٌ وَلَا يَبِينُ لي فَسْخُ نِكَاحِهَا لو ( ( ( ولو ) ) ) نَكَحَهَا في هذه الْحَالَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - * بَابُ نِكَاحِ حَرَائِرِ أَهْلِ الْكِتَابِ - *

(5/7)


الْمُسْلِمَةِ جَازَ في دِينِهِمْ غَيْرُ ذلك أو لم يَجُزْ وَلَسْتُ أَنْظُرُ فيه إلَّا إلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ زُوِّجَتْ نِكَاحًا صَحِيحًا في الْإِسْلَامِ وهو عِنْدَهُمْ نِكَاحٌ فَاسِدٌ كان نِكَاحُهَا صَحِيحًا وَلَا يُرَدُّ نِكَاحُ الْمُسْلِمَةِ من شَيْءٍ إلَّا رُدَّ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّةِ من مِثْلِهِ وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُسْلِمَةِ بِشَيْءٍ إلَّا جَازَ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّةِ بمثله وَلَا يَكُونُ وَلِيُّ الذِّمِّيَّةِ مُسْلِمًا وَإِنْ كان أَبَاهَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَطَعَ الْوِلَايَةَ بين الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ وَتَزَوَّجَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أبي سُفْيَانَ وولى عُقْدَةَ نِكَاحِهَا ( 1 ) بن سَعِيدِ بن الْعَاصِ وكان مُسْلِمًا وأبو سُفْيَانَ حَيٌّ فَدَلَّ ذلك على أَنْ لَا وِلَايَةَ بين أَهْلِ الْقَرَابَةِ إذَا اخْتَلَفَ الدِّينَانِ وَإِنْ كان أَبًا وَأَنَّ الْوِلَايَةَ بِالْقَرَابَةِ وَاجْتِمَاعِ الدِّينَيْنِ قال وَيَقْسِمُ لِلْكِتَابِيَّةِ مِثْلَ قِسْمَتِهِ لِلْمُسْلِمَةِ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمَا وَلَهَا عليه ما لِلْمُسْلِمَةِ وَلَهُ عليها ماله على الْمُسْلِمَةِ إلَّا أَنَّهُمَا لَا يَتَوَارَثَانِ بِاخْتِلَافِ الدِّينَيْنِ فَإِنْ طَلَّقَهَا أو آلَى منها أو ظَاهَرَ أو قَذَفَهَا لَزِمَهُ في ذلك كُلِّهِ ما يَلْزَمُهُ في الْمُسْلِمَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا حَدَّ على من قَذَفَ كِتَابِيَّةً وَيُعَزَّرُ وإذا طَلَّقَهَا فَلَهُ عليها الرَّجْعَةُ في الْعِدَّةِ وَعِدَّتُهَا عِدَّةُ الْمُسْلِمَةِ وَإِنْ طَلَّقَهَا ثلاث ( ( ( ثلاثا ) ) ) فَنَكَحَتْ قبل مُضِيِّ الْعِدَّةِ وَأُصِيبَتْ لم تَحْلِلْ له وَإِنْ نَكَحَتْ نِكَاحًا صَحِيحًا بَعْدَ مُضِيّ الْعِدَّةِ ذِمِّيًّا فَأَصَابَهَا ثُمَّ طَلُقَتْ أو مَاتَ عنها وَكَمُلَتْ عِدَّتُهَا حَلَّتْ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ يُحِلُّهَا لِلزَّوْجِ كُلُّ زَوْجٍ أَصَابَهَا يَثْبُتُ نِكَاحُهُ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَالْإِحْدَادُ كما يَكُونُ على الْمُسْلِمَةِ وإذا مَاتَتْ فَإِنْ شَاءَ شَهِدَهَا وَغَسَّلَهَا وَدَخَلَ قَبْرَهَا وَلَا يصلى عليها وَأَكْرَهُ لها أَنْ تُغَسِّلَهُ لو كان هو الْمَيِّتَ فَإِنْ غَسَّلَتْهُ أَجْزَأَ غُسْلُهَا إيَّاهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قال وَلَهُ جَبْرُهَا على الْغُسْلِ من الْحَيْضَةِ وَلَا يَكُونُ له إصَابَتُهَا إذَا طَهُرَتْ من الْحَيْضِ حتى تَغْتَسِلَ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل يقول { حتى يَطْهُرْنَ } فقال بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ حتى تَرَى الطُّهْرَ قال { فإذا تَطَهَّرْنَ } يَعْنِي بِالْمَاءِ إلَّا أَنْ تَكُونَ في سَفَرٍ لَا تَجِدُ الْمَاءَ فَتَتَيَمَّمُ فإذا صَارَتْ مِمَّنْ تَحِلُّ لها الصَّلَاةُ بِالطُّهْرِ حَلَّتْ له (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَهُ عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يُجْبِرَهَا على الْغُسْلِ من الْجَنَابَةِ وَعَلَى النَّظَافَةِ بِالِاسْتِحْدَادِ وَأَخْذِ الْأَظْفَارِ وَالتَّنَظُّفِ بِالْمَاءِ من غَيْرِ جَنَابَةٍ ما لم يَكُنْ ذلك وَهِيَ مَرِيضَةٌ يَضُرُّ بها الْمَاءُ أو في بَرْدٍ شَدِيدٍ يَضُرُّ بها الْمَاءُ وَلَهُ مَنْعُهَا من الْكَنِيسَةِ وَالْخُرُوجِ إلَى الْأَعْيَادِ وَغَيْرِ ذلك مِمَّا تُرِيدُ الْخُرُوجَ إلَيْهِ إذَا كان له مَنْعُ الْمُسْلِمَةِ إتْيَانَ الْمَسْجِدِ وهو حَقٌّ كان له في النَّصْرَانِيَّةِ مَنْعُ إتْيَانِ الْكَنِيسَةِ لِأَنَّهُ بَاطِلٌ وَلَهُ مَنْعُهَا شُرْبَ الْخَمْرِ لِأَنَّهُ يُذْهِبُ عَقْلَهَا وَمَنْعُهَا أَكْلَ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ إذَا كان يَتَقَذَّرُ بِهِ وَمَنْعُهَا أَكْلَ ما حَلَّ إذَا تَأَذَّى بِرِيحِهِ من ثُومٍ وَبَصَلٍ إذَا لم تَكُنْ بها ضَرُورَةٌ إلَى أَكْلِهِ وَإِنْ قُدِّرَ ذلك من حَلَالٍ لَا يُوجَدُ رِيحُهُ لم يَكُنْ له مَنْعُهَا إيَّاهُ وَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ له مَنْعُهَا لُبْسَ ما شَاءَتْ من الثِّيَابِ ما لم تَلْبَسْ جِلْدَ مَيْتَةٍ أو ثَوْبًا مُنْتِنًا يُؤْذِيهِ رِيحُهُمَا فَيَمْنَعُهَا مِنْهُمَا قال وإذا نَكَحَ الْمُسْلِمُ الْكِتَابِيَّةَ فَارْتَدَّتْ إلَى مَجُوسِيَّةٍ أو دِينٍ غَيْرِ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَإِنْ رَجَعَتْ إلَى الْإِسْلَامِ أو إلَى دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ قبل انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَهُمَا على النِّكَاحِ وَإِنْ لم تَرْجِعْ حتى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ فَقَدْ انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ وَلَا نَفَقَةَ لها في الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا مَانِعَةٌ له نَفْسَهَا بِالرِّدَّةِ قال وَلَا يُقْتَلُ بِالرِّدَّةِ من انْتَقَلَ من كُفْرٍ إلَى كُفْرٍ إنَّمَا يُقْتَلُ من خَرَجَ من دِينِ الْإِسْلَامِ إلَى الشِّرْكِ فَأَمَّا من خَرَجَ من بَاطِلٍ إلَى بَاطِلٍ فَلَا يُقْتَلُ وَيُنْفَى من بِلَادِ الْإِسْلَامِ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ أو يَعُودَ إلَى أَحَدِ الْأَدْيَانِ التي يُؤْخَذُ من أَهْلِهَا الْجِزْيَةُ يَهُودِيَّةٍ أو نَصْرَانِيَّةٍ أو مَجُوسِيَّةٍ فَيُقَرُّ في بِلَادِ الْإِسْلَامِ قال وَلَوْ ارْتَدَّتْ من يَهُودِيَّةٍ إلَى نَصْرَانِيَّةٍ أو نَصْرَانِيَّةٍ إلَى يَهُودِيَّةٍ لم تَحْرُمْ عليه لِأَنَّهُ كان يَصْلُحُ له أَنْ يَبْتَدِئَ نِكَاحَهَا لو كانت من أَهْلِ الدِّينِ الذي خَرَجَتْ إلَيْهِ ( قال الرَّبِيعُ ) الذي أَحْفَظُ من قَوْلِ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ قال إذَا كان نَصْرَانِيًّا فَخَرَجَ إلَى دِينِ الْيَهُودِيَّةِ أَنَّهُ يُقَالُ له ليس لك أَنْ تُحْدِثَ دِينًا لم تَكُنْ عليه قبل نُزُولِ الْقُرْآنِ فَإِنْ أَسْلَمْتَ أو رَجَعْت إلَى دِينِك الذي كنا نَأْخُذُ مِنْكَ عليه الْجِزْيَةَ تَرَكْنَاكَ وَإِلَّا أَخْرَجْنَاكَ من بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَنَبَذْنَا إلَيْكَ وَمَتَى قَدَرْنَا عَلَيْكَ قَتَلْنَاكَ وَهَذَا الْقَوْلُ أَحَبُّ إلَى الرَّبِيعِ * ( 1 )

(5/8)


(1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى + { وَمَنْ لم يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فمن ( ( ( فمما ) ) ) ما مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ من فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ } إلَى قَوْلِهِ { ذلك لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ } الْآيَةُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَفِي هذه الْآيَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ دَلَالَةٌ على أَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بهذا الْأَحْرَارُ دُونَ الْمَمَالِيكِ فَأَمَّا الْمَمْلُوكُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْكِحَ الْأَمَةَ لِأَنَّهُ غَيْرُ وَاجِدٍ طَوْلًا لِحُرَّةٍ وَلَا أَمَةٍ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على أَنَّ هذا على الْأَحْرَارِ وَلَهُمْ دُونَ الْمَمَالِيكِ قِيلَ الْوَاجِدُونَ لِلطَّوْلِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ أَمَةٍ كِتَابِيَّةٍ لِمُسْلِمٍ عَبْدٍ وَلَا حُرٍّ بِحَالٍ لِمَا وَصَفْت من نَصِّ الْقُرْآنِ وَدَلَالَتِهِ قال وَأَيُّ صِنْفٍ من الْمُشْرِكِينَ حَلَّ نِكَاحُ حَرَائِرِهِمْ حَلَّ وَطْءُ إمَائِهِمْ بِالْمِلْكِ وَأَيُّ صِنْفٍ حَرُمَ نِكَاحُ حَرَائِرِهِمْ حَرُمَ وَطْءُ إمَائِهِمْ بِالْمِلْكِ وَيَحِلُّ وَطْءُ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ بِالْمِلْكِ كما تَحِلُّ حَرَائِرُهُمْ بِالنِّكَاحِ وَلَا يَحِلُّ وَطْءُ أَمَةٍ مُشْرِكَةٍ غَيْرِ كِتَابِيَّةٍ بِالْمِلْكِ كما لَا يَحِلُّ نِكَاحُ نِسَائِهِمْ وَلَوْ كان أَصْلُ نَسَبِ أَمَةٍ من غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ ثُمَّ دَانَتْ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ لم يَحِلَّ وَطْؤُهَا كما لَا يَحِلُّ نِكَاحُ الْحَرَائِرِ منهم وَلَا يَحِلُّ نِكَاحُ أَمَةٍ كِتَابِيَّةٍ لِمُسْلِمٍ بِحَالٍ لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ في مَعْنَى من حَرُمَ من الْمُشْرِكَاتِ وَغَيْرُ حَلَالٍ مَنْصُوصَةٌ بِالْإِحْلَالِ كما نَصَّ حَرَائِرَ أَهْلِ الْكِتَابِ في النِّكَاحِ وَأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إنَّمَا أَحَلَّ نِكَاحَ إمَاءِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ بِمَعْنَيَيْنِ سَوَاءٌ أَنْ لَا يَجِدَ النَّاكِحُ طَوْلًا لِحُرَّةٍ وَيَخَافَ الْعَنَتَ وَالشَّرْطَانِ في إمَاءِ الْمُسْلِمِينَ دَلِيلٌ على أَنَّ نِكَاحَهُنَّ أُحِلَّ بِمَعْنًى دُونَ مَعْنًى وفي ذلك دَلِيلٌ على تَحْرِيمِ من خَالَفَهُنَّ من إمَاءِ الْمُشْرِكِينَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ شَرْطٌ ثَالِثٌ وَالْأَمَةَ الْمُشْرِكَةَ خَارِجَةٌ منه فَلَوْ نَكَحَ رَجُلٌ أَمَةً كِتَابِيَّةً كان النِّكَاحُ فَاسِدًا يُفْسَخُ عليه قبل الْوَطْءِ وَبَعْدَهُ وَإِنْ لم يَكُنْ وطىء فَلَا صَدَاقَ لها وَإِنْ كان وطىء فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَيَلْحَقُ الْوَلَدُ بِالنَّاكِحِ وهو مُسْلِمٌ وَيُبَاعُ على مَالِكِهِ إنْ كان كِتَابِيًّا وَإِنْ كان مُسْلِمًا لم يُبَعْ عليه وَلَوْ وطىء أَمَةً غير كِتَابِيَّةٍ مُنِعَ أَنْ يَعُودَ لها حَبِلَتْ أو لم تَحْبَلْ وَإِنْ حَبِلَتْ فَوَلَدَتْ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ له وَلَا يَحِلُّ له وَطْؤُهَا لِدِينِهَا كما يَكُونُ أَمَةٌ له وَلَا يَحِلُّ له وَطْؤُهَا لِدِينِهَا فإذا مَاتَ عَتَقَتْ بِمَوْتِهِ وَلَيْسَ له بَيْعُهَا وَلَيْسَ له أَنْ يُزَوِّجَهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ وَيَسْتَخْدِمَهَا فِيمَا تُطِيقُ كما يَسْتَخْدِمُ أَمَةً غَيْرَهَا وَإِنْ كانت لها أُخْتٌ حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ حَلَّ له نِكَاحُهَا وَهَكَذَا إنْ كانت لها أُخْتٌ لِأُمِّهَا حُرَّةً كِتَابِيَّةً أَبُوهَا كِتَابِيٌّ فَاشْتَرَاهَا حَلَّ له وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ ولم يَكُنْ هذا جَمْعًا بين الْأُخْتَيْنِ لِأَنَّ وَطْءَ الْأُولَى التي هِيَ غَيْرُ كِتَابِيَّةٍ غَيْرُ جَائِزٍ له وَإِنَّمَا الْجَمْعُ أَنْ يَجْمَعَ بين من يَحِلُّ وَطْؤُهُ على الِانْفِرَادِ وَإِنْ كانت لها أُخْتٌ من أَبِيهَا تَدِينُ بِدِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ لم تَحِلَّ له بِالْمِلْكِ لِأَنَّ نَسَبَهَا إلَى أَبِيهَا وَأَبُوهَا غَيْرُ كِتَابِيٍّ إنَّمَا أَنْظُرُ فِيمَا يَحِلُّ من الْمُشْرِكَاتِ إلَى نَسَبِ الْأَبِ وَلَيْسَ هذا كَالْمَرْأَةِ يُسْلِمُ أَحَدُ أَبَوَيْهَا وَهِيَ صَغِيرَةٌ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يُشْرِكُهُ شِرْكٌ وَالشِّرْكُ يُشْرِكُ الشِّرْكَ وَالنَّسَبُ إلَى الْأَبِ وَكَذَلِكَ الدِّينُ له ما لم تَبْلُغْ الْجَارِيَةُ وَلَوْ أَنَّ أُخْتَهَا بَلَغَتْ وَدَانَتْ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَأَبُوهَا وَثَنِيٌّ أو مَجُوسِيٌّ لم يَحِلَّ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ كما لَا يَحِلُّ وَطْءُ وَثَنِيَّةٍ انْتَقَلَتْ إلَى دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ لِأَنَّ أَصْلَ دِينِهَا غَيْرُ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَوْ نَكَحَ أَمَةً كِتَابِيَّةً وَلَهَا أُخْتٌ حُرَّةٌ كِتَابِيَّةٌ أو مُسْلِمَةٌ ثُمَّ نَكَحَ أُخْتَهَا الْحُرَّةَ قبل أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ كان نِكَاحُ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ أو الْكِتَابِيَّةِ جَائِزًا لِأَنَّهُ حَلَالٌ لَا يُفْسِدُهُ الْأَمَةُ الْكِتَابِيَّةُ التي هِيَ أُخْتُ الْمَنْكُوحَةِ بَعْدَهَا لِأَنَّ نِكَاحَ الْأُولَى غَيْرُ نِكَاحِ وَلَوْ وَطِئَهَا كان كَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَطْءَ في نِكَاحٍ مَفْسُوخٍ حُكْمُهُ أَنَّهُ لَا يُحَرِّمُ شيئا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ وَلَا مِلْكَ يَمِينٍ فَيَحْرُمَ الْجَمْعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أُخْتِهَا قال وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً على أنها مُسْلِمَةٌ فإذا هِيَ كَافِرَةٌ كتابية ( ( ( يفسخ ) ) ) كان ( ( ( نكاحها ) ) ) له فسخ النكاح بلا نصف مهر وَلَوْ تزوجها ( ( ( تزوج ) ) ) على أنها كِتَابِيَّةٌ فإذا هِيَ مُسْلِمَةٌ لم يَكُنْ له فَسْخُ النِّكَاحِ لِأَنَّهَا خَيْرٌ من كِتَابِيَّةٍ وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ولم يُخْبَرْ أنها مُسْلِمَةٌ وَلَا كِتَابِيَّةٌ فإذا هِيَ كِتَابِيَّةٌ وقال إنَّمَا نَكَحْتُهَا على أنها مُسْلِمَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلَهُ الْخِيَارُ وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ ما نَكَحَهَا وهو يَعْلَمُهَا كِتَابِيَّةً - * ما جاء في مَنْعِ إمَاءِ الْمُسْلِمِينَ - *

(5/9)


الْمَالِكُونَ لِلْمَالِ وَالْمَمْلُوكُ لَا يَمْلِكُ مَالًا بِحَالٍ وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يُخَاطَبَ بِأَنْ يُقَالَ إنْ لم يَجِدْ مَالًا من يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَالًا بِحَالٍ إنَّمَا يُمْلَكُ أَبَدًا لِغَيْرِهِ قال وَلَا يَحِلُّ نِكَاحُ الْأَمَةِ إلَّا كما وَصَفْت في أَصْلِ نِكَاحِهِنَّ إلَّا بِأَنْ لَا يَجِدَ الرَّجُلُ الْحُرُّ بِصَدَاقِ أَمَةٍ طَوْلًا لِحُرَّةٍ وَبِأَنْ يَخَافَ الْعَنَتَ وَالْعَنَتُ الزنى فإذا اجْتَمَعَ أَنْ لَا يَجِدَ طَوْلًا لِحُرَّةٍ وَأَنْ يَخَافَ الزنى حَلَّ له نِكَاحُ الْأَمَةِ وَإِنْ انْفَرَدَ فيه أَحَدُهُمَا لم يَحْلِلْ له وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لَا يَجِدُ طَوْلًا لِحُرَّةٍ وهو لَا يَخَافُ الْعَنَتَ أو يَخَافُ الْعَنَتَ وهو يَجِدُ طَوْلًا لِحُرَّةٍ إنَّمَا رُخِّصَ له في خَوْفِ الْعَنَتِ على الضَّرُورَةِ أَلَا تَرَى يكن أَنَّهُ لو عَشِقَ أمرأة وَثَنِيَّةً يَخَافُ أَنْ يزنى بها لم يَكُنْ له أَنْ يَنْكِحَهَا وَلَوْ كان عِنْدَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَعَشِقَ خَامِسَةً لم يَحِلَّ له نِكَاحُهَا إذَا تَمَّ الْأَرْبَعُ عِنْدَهُ أو كانت له امْرَأَةٌ فَعَشِقَ أُخْتَهَا لم يَحْلِلْ له أَنْ يَنْكِحَهَا ما كانت عِنْدَهُ أُخْتُهَا وَكَذَلِكَ ما حَرُمَ عليه من النِّكَاحِ من أَيِّ الْوُجُوهِ حَرُمَ لم أُرَخِّصْ له في نِكَاحِ ما يَحْرُمُ عليه خَوْفَ الْعَنَتِ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ عليه يَحِلُّ له بها النِّكَاحُ وَلَا ضَرُورَةَ في مَوْضِعِ لَذَّةٍ يَحِلُّ بها الْمُحَرَّمُ إنَّمَا الضَّرُورَةُ في الْأَبَدَانِ التي تَحْيَا من الْمَوْتِ وَتُمْنَعُ من أَلَمِ الْعَذَابِ عليها وَأَمَّا اللَّذَّاتُ فَلَا يُعْطَاهَا أَحَدٌ بِغَيْرِ ما تَحِلُّ بِهِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ قال هذا غَيْرُكَ قِيلَ الْكِتَابُ كَافٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فيه من قَوْلِ غَيْرِي وقد قَالَهُ غَيْرِي
أخبرنا عبدالمجيد عن بن جُرَيْجٍ قال أخبرني أبو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سمع جَابِرًا يقول من وَجَدَ صَدَاقَ حُرَّةٍ فَلَا يَنْكِحُ أَمَةً
أخبرنا عبدالمجيد عن بن جُرَيْجٍ قال أخبرني بن طَاوُسٍ عن أبيه قال لَا يَحِلُّ نِكَاحُ الْحُرِّ الْأَمَةَ وهو يَجِدُ بِصَدَاقِهَا حُرَّةً قُلْت يَخَافُ الزنى قال ما عَلِمْته يَحِلُّ
أخبرنا سُفْيَانُ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ قال سَأَلَ عَطَاءٌ أَبَا الشَّعْثَاءِ وأنا أَسْمَعُ عن نِكَاحِ الْأَمَةِ ما تَقُولُ فيه أَجَائِزٌ هو فقال لَا يَصْلُحُ الْيَوْمَ نِكَاحُ الْإِمَاءِ (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالطَّوْلُ هو الصَّدَاقُ وَلَسْت أَعْلَمُ أَحَدًا من الناس يَجِدُ ما يَحِلُّ له بِهِ أَمَةٌ إلَّا وهو يَجِدُ بِهِ حُرَّةً فَإِنْ كان هذا هَكَذَا لم يَحِلَّ نِكَاحُ الْأَمَةِ لِحُرٍّ وَإِنْ لم يَكُنْ هذا هَكَذَا فَجَمَعَ رَجُلٌ حُرٌّ الْأَمْرَيْنِ حَلَّ له نِكَاحُ الْأَمَةِ وإذا مَلَكَ الرَّجُلُ عُقْدَةَ الْأَمَةِ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ ثُمَّ أَيْسَرَ قبل الدُّخُولِ أو بَعْدَهُ فَسَوَاءٌ وَالِاخْتِيَارُ له في فِرَاقِهَا وَلَا يَلْزَمُهُ فِرَاقُهَا بِحَالٍ أَبَدًا بَلَغَ يُسْرُهُ ما شَاءَ أَنْ يَبْلُغَ لِأَنَّ أَصْلَ الْعَقْدِ كان صَحِيحًا يوم وَقَعَ فَلَا يَحْرُمُ بِحَادِثٍ بَعْدَهُ وَلَا يَكُونُ له أَنْ يَنْكِحَ أَمَةً على أَمَةٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كانت عِنْدَهُ أَمَةٌ فَهُوَ في غَيْرِ مَعْنَى ضَرُورَةٍ وَكَذَلِكَ لَا يَنْكِحُ أَمَةً على حُرَّةٍ فَإِنْ نَكَحَ أَمَةً على أَمَةٍ أو حُرَّةً فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ قال وَلَوْ ابْتَدَأَ نِكَاحَ أَمَتَيْنِ مَعًا كان نِكَاحُهُمَا مَفْسُوخًا بِلَا طَلَاقٍ وَيَبْتَدِئُ نِكَاحَ أَيَّتِهِمَا شَاءَ إذَا كان مِمَّنْ له نِكَاحُ الْإِمَاءِ كما يَكُونُ هَكَذَا في الْأُخْتَيْنِ يَعْقِدُ عَلَيْهِمَا مَعًا وَالْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَإِنْ نَكَحَ الْأَمَةَ في الْحَالِ التي قُلْت لَا يَجُوزُ له فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ وَلَا صَدَاقَ لها إلَّا بِأَنْ يُصِيبَهَا فَيَكُونَ لها الصَّدَاقُ بِمَا اسْتَحَلَّ من فَرْجِهَا وَلَا تُحِلُّهَا إصَابَتُهُ إذَا كان نِكَاحُهُ فَاسِدًا لِزَوْجٍ غَيْرِهِ لو طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَلَوْ نَكَحَهَا وهو يَجِدُ طَوْلًا فلم يُفْسَخْ نِكَاحُهَا حتى لَا يَجِدَهُ فُسِخَ نِكَاحُهَا لِأَنَّ أَصْلَهُ كان فَاسِدًا وَيَبْتَدِئُ نِكَاحَهَا إنْ شَاءَ وَلَوْ نَكَحَهَا وَلَا زَوْجَةَ له فقال نَكَحْتُهَا وَلَا أَجِدُ طَوْلًا لِحُرَّةٍ فَوَلَدَتْ له أو لم تَلِدْ إذَا قال نَكَحْتهَا وَلَا أَجِدُ طَوْلًا لِحُرَّةٍ كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَلَوْ وُجِدَ مُوسِرًا لِأَنَّهُ قد يُعْسِرُ ثُمَّ يُوسِرُ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ حين عَقَدَ عُقْدَةَ نِكَاحِهَا كان وَاجِدًا لَأَنْ يَنْكِحَ حُرَّةً فَيُفْسَخُ نِكَاحُهُ قبل الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ وَإِنْ نَكَحَ أَمَةً ثُمَّ قال نَكَحْتهَا وأنا أَجِدُ طَوْلًا لِحُرَّةٍ أو لَا أَخَافُ الْعَنَتَ فَإِنْ صَدَّقَهُ مَوْلَاهَا فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ وَلَا مَهْرَ عليه إنْ لم يَكُنْ أَصَابَهَا فَإِنْ أَصَابَهَا فَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَإِنْ كَذَّبَهُ فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ بِإِقْرَارِهِ بِأَنَّهُ كان مَفْسُوخًا وَلَا يُصَدَّقُ على الْمَهْرِ إن لم يَكُنْ دخل بها فَلَهَا نِصْفُ ما سَمَّى لها وَإِنْ رَاجَعَهَا بَعْدُ جَعَلْتهَا في الْحُكْمِ تَطْلِيقَةً وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ فَسْخًا بِلَا طَلَاقٍ وقد قال غَيْرُنَا يُصَدَّقُ وَلَا شَيْءَ عليه إنْ لم يُصِبْهَا قال وَإِنْ نَكَحَ أَمَةً نِكَاحًا صَحِيحًا ثُمَّ أَيْسَرَ فَلَهُ أَنْ يَنْكِحَ عليها حُرَّةً وَحَرَائِرَ حتى يُكْمِلَ أَرْبَعًا وَلَا يَكُونُ نِكَاحُ الْحُرَّةِ وَلَ

(5/10)


الْحَرَائِرِ عليها طَلَاقًا لها وَلَا لَهُنَّ وَلَا لِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ خِيَارٌ كُنَّ عَلِمْنَ أَنَّ تَحْتَهُ أَمَةً أو لم يَعْلَمْنَ لِأَنَّ عَقْدَ نِكَاحِهَا كان حَلَالًا فلم يَحْرُمْ بِأَنْ يُوسِرَ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَقَدْ تَحْرُمُ الْمَيْتَةُ وَتُحِلُّهَا الضَّرُورَةُ فإذا وَجَدَ صَاحِبُهَا عنها غِنًى حَرَّمْتهَا عليه قِيلَ إنَّ الْمَيْتَةَ مُحَرَّمَةٌ بِكُلِّ حَالٍ وَعَلَى كل أَحَدٍ بِكُلِّ وَجْهٍ مَالِكِهَا وَغَيْرِ مَالِكِهَا وَغَيْرُ حَلَالِ الثَّمَنِ إلَّا أَنَّ أَكْلَهَا يَحِلُّ في الضَّرُورَةِ وَالْأَمَةُ حَلَالٌ بِالْمِلْكِ وَحَلَالٌ بِنِكَاحِ الْعَبْدِ وَحَلَالُ النِّكَاحِ لِلْحُرِّ بِمَعْنًى دُونَ مَعْنًى وَلَا تُشْبِهُ الْمَيْتَةَ الْمُحَرَّمَةَ بِكُلِّ حَالٍ إلَّا في حَالِ الْمَوْتِ وَلَا يُشْبِهُ الْمَأْكُولُ الْجِمَاعَ وَكُلُّ الْفُرُوجِ مَمْنُوعَةٌ من كل أَحَدٍ بِكُلِّ حَالٍ إلَّا بِمَا أُحِلَّ بِهِ من نِكَاحٍ أو مِلْكٍ فإذا حَلَّ لم يَحْرُمْ إلَّا بِإِحْدَاثِ شَيْءٍ يَحْرُمُ بِهِ ليس الْغِنَى منه وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْفَرْجُ حَلَالًا في حَالٍ حَرَامًا بَعْدَهُ بِيَسِيرٍ وَإِنَّمَا حَرَّمْنَا نِكَاحَ الْمُتْعَةِ مع الِاتِّبَاعِ لِئَلَّا يَكُونَ الْفَرْجُ حَلَالًا في حَالٍ حَرَامًا في آخَرَ الْفَرْجُ لَا يَحِلُّ إلَّا بِأَنْ يَحِلَّ على الْأَبَدِ ما لم يَحْدُثْ فيه شَيْءٌ يُحَرِّمُهُ ليس الغني عنه مِمَّا يُحَرِّمُهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَالتَّيَمُّمُ يَحِلُّ في حَالِ الْإِعْوَازِ وَالسَّفَرِ فإذا وَجَدَ الْمَاءَ قبل أَنْ يصلى بِالتَّيَمُّمِ بَطَلَ التَّيَمُّمُ قُلْت التَّيَمُّمُ ليس بِالْفَرْضِ المؤدى فَرْضَ الصَّلَاةِ وَالصَّلَاةُ لَا تُؤَدَّى إلَّا بِنَفْسِهَا وَعَلَى المصلى أَنْ يصلى بِطَهُورِ مَاءٍ وإذا لم يَجِدْهُ تَيَمَّمَ وَصَلَّى فَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ التَّيَمُّمِ وَقَبْلَ الصَّلَاةِ تَوَضَّأَ لِأَنَّهُ لم يَدْخُلْ في الْفَرْضِ ولم يُؤَدِّهِ وإذا صلى أو دخل في الصَّلَاةِ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ لم تُنْقَضْ صَلَاتُهُ ولم يُعِدْ لها وَتَوَضَّأَ لِصَلَاةٍ بَعْدَهَا وَهَكَذَا النَّاكِحُ الْأَمَةِ لو أَرَادَ نِكَاحَهَا وَأُجِيبَ إلَيْهِ وَجَلَسَ له فلم يَنْكِحْهَا ثُمَّ أَيْسَرَ قبل أَنْ يَعْقِدَ نِكَاحَهَا لم يَكُنْ له نِكَاحُهَا وَإِنْ عَقَدَ نِكَاحَهَا ثُمَّ أَيْسَرَ لم تَحْرُمْ عليه كما كان المصلى إذَا دخل بِالتَّيَمُّمِ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ لم تَحْرُمْ الصَّلَاةُ عليه بَلْ نِكَاحُ الْأَمَةِ في أَكْثَرَ من حَالِ الدَّاخِلِ في الصَّلَاةِ الدَّاخِلُ في الصَّلَاةِ لم يُكْمِلْهَا وَالنَّاكِحُ الْأَمَةِ قد أَكْمَلَ جَمِيعَ نِكَاحِهَا وَإِكْمَالُ نِكَاحِهَا يُحِلُّهَا له على الْأَبَدِ كما وَصَفْت قال وَيَقْسِمُ لِلْحُرَّةِ يَوْمَيْنِ وَلِلْأَمَةِ يَوْمًا وَكَذَلِكَ كُلُّ حُرَّةٍ معه مُسْلِمَةٌ وَكِتَابِيَّةٌ يُوفِيهِنَّ الْقِسْمَ سَوَاءٌ على يَوْمَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ وَيَوْمًا لِلْأَمَةِ فَإِنْ شَاءَ جَعَلَ ذلك يَوْمَيْنِ يَوْمَيْنِ وَإِنْ شَاءَ يَوْمًا يَوْمًا ثُمَّ دَارَ على الْحَرَائِرِ يَوْمَيْنِ يَوْمَيْنِ ثُمَّ أتى الْأَمَةَ يَوْمًا فَإِنْ عَتَقَتْ في ذلك الْيَوْمِ فَدَارَ إلَى الْحُرَّةِ أو إلَى الْحَرَائِرِ قَسَمَ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَهَا يَوْمًا يَوْمًا بَدَأَ في ذلك بِالْأَمَةِ قبل الْحَرَائِرِ أو بِالْحَرَائِرِ قبل الْأَمَةِ لِأَنَّهُ لم يَقْسِمْ لَهُنَّ يَوْمَيْنِ يَوْمَيْنِ حتى صَارَتْ الْأَمَةُ من الْحَرَائِرِ التي لها ما لَهُنَّ مَعًا وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ أَنْ يَقْسِمَ لِلْأَمَةِ ما خَلَّى الْمَوْلَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا في يَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا فإذا فَعَلَ فَعَلَيْهِ الْقَسْمُ لها وَلِلْمَوْلَى إخْرَاجُهَا في غَيْرِ يَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا وَإِنْ أَخْرَجَهَا الْمَوْلَى في يَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا فَقَدْ أَبْطَلَ حَقَّهَا وَيَقْسِمُ لِغَيْرِهَا قَسْمَ من لَا امْرَأَةَ عِنْدَهُ وَهَكَذَا الْحُرَّةُ تَخْرُجُ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا يَبْطُلُ حَقُّهَا في الْأَيَّامِ التي خَرَجَتْ فيها وَكُلُّ زَوْجَةٍ لم تَكْمُلْ فيها الْحُرِّيَّةُ فَقَسْمُهَا قَسْمُ الْأَمَةِ وَذَلِكَ أُمُّ الْوَلَدِ تُنْكَحُ وَالْمُكَاتَبَةُ وَالْمُدَبَّرَةُ وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهَا وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبَةِ الِامْتِنَاعُ من زَوْجِهَا في يَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا وَلَا لِزَوْجِهَا مَنْعُهَا لِلطَّلَبِ بِالْكِتَابَةِ وَلَوْ حَلَّلَتْ الْأَمَةُ زَوْجَهَا من يَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا ولم يَحْلِلْهُ السَّيِّدُ حَلَّ له وَلَوْ حَلَّلَهُ السَّيِّدُ ولم تُحْلِلْهُ لم يَحِلَّ له لِأَنَّهُ حَقٌّ لها دُونَ السَّيِّدِ وَلَوْ وَضَعَ السَّيِّدُ نَفَقَتَهَا عنه حَلَّ له لِأَنَّهُ مَالٌ له دُونَهَا وَعَلَى سَيِّدِهَا أَنْ يُنْفِقَ عليها إذَا وَضَعَ نَفَقَتَهَا عن الزَّوْجِ وَلَوْ وَضَعَتْ هِيَ نَفَقَتَهَا عن الزَّوْجِ لم يَحِلَّ له إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ لِأَنَّهُ مَالُ السَّيِّدِ - * نِكَاحُ الْمُحْدِثِينَ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) اُخْتُلِفَ في تَفْسِيرِ هذه الْآيَةِ فَقِيلَ نَزَلَتْ في بَغَايَا كانت لَهُنَّ رَايَاتٌ وَكُنَّ غير مُحْصَنَاتٍ فَأَرَادَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ نِكَاحَهُنَّ فَنَزَلَتْ هذه الْآيَةُ بِتَحْرِيمِ أَنْ يَنْكِحْنَ إلَّا من أَعْلَنَ بِمِثْلِ ما أَعْلَنَّ بِهِ أو مُشْرِكًا وَقِيلَ كُنَّ زَوَانِيَ مُشْرِكَاتٍ فَنَزَلَتْ لَا يَنْكِحُهُنَّ إلَّا زَانٍ مِثْلُهُنَّ مُشْرِكٌ أو مشرك ( ( ( مشركة ) ) ) وَإِنْ لم يَكُنْ زَانِيًا { وَحُرِّمَ ذلك على الْمُؤْمِنِينَ } وَقِيلَ غَيْرُ هذا وَقِيلَ هِيَ عَامَّةٌ وَلَكِنَّهَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أو مُشْرِكَةً } إلَى { الْمُؤْمِنِينَ }

(5/11)


نُسِخَتْ
أخبرنا سُفْيَانُ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن بن الْمُسَيِّبِ في قَوْلِهِ { الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أو مُشْرِكَةً } قال هِيَ مَنْسُوخَةٌ نَسَخَتْهَا { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ } فَهِيَ من أَيَامَى الْمُسْلِمِينَ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَالِاخْتِيَارُ لِلرَّجُلِ أَنْ لَا يَنْكِحَ زَانِيَةً وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ لَا تَنْكِحَ زَانِيًا فَإِنْ فَعَلَا فَلَيْسَ ذلك بِحَرَامٍ على وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَيْسَتْ مَعْصِيَةُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا في نَفْسِهِ تُحَرِّمُ عليه الْحَلَالَ إذَا أَتَاهُ قال وَكَذَلِكَ لو نَكَحَ امْرَأَةً لم يَعْلَمْ أنها زَنَتْ فَعَلِمَ قبل دُخُولِهَا عليه أنها زَنَتْ قبل نِكَاحِهِ أو بَعْدَهُ لم تَحْرُمْ عليه ولم يَكُنْ له أَخْذُ صَدَاقِهِ منها وَلَا فَسْخُ نِكَاحِهَا وكان له إنْ شَاءَ أَنْ يُمْسِكَ وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُطَلِّقَ وَكَذَلِكَ إنْ كان هو الذي وَجَدَتْهُ قد زَنَى قبل أَنْ يَنْكِحَهَا أو بعد ما نَكَحَهَا قبل الدُّخُولِ أو بَعْدَهُ فَلَا خِيَارَ لها في فِرَاقِهِ وَهِيَ زَوْجَتُهُ بِحَالِهَا وَلَا تَحْرُمُ عليه وَسَوَاءٌ حُدَّ الزَّانِي مِنْهُمَا أو لم يُحَدَّ أو قَامَتْ عليه بَيِّنَةٌ أو اعْتَرَفَ لَا يُحَرِّمُ زِنَا وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا زِنَاهُمَا وَلَا مَعْصِيَةٌ من الْمَعَاصِي الْحَلَالَ إلَّا أَنْ يَخْتَلِفَ دِينَاهُمَا بِشِرْكٍ وَإِيمَانٍ - * لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وإذا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ } إلَى { بِالْمَعْرُوفِ } وقال عز وجل { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ على النِّسَاءِ } الْآيَةُ وقال في الْإِمَاءِ { فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ أَنَّ مَعْقِلَ بن يَسَارٍ كان زَوَّجَ أُخْتًا له بن عَمٍّ له فَطَلَّقَهَا ثُمَّ أَرَادَ الزَّوْجُ وَأَرَادَتْ نِكَاحَهُ بَعْدَ مُضِيِّ عِدَّتِهَا فأبي مَعْقِلٌ وقال زَوَّجْتُك وَآثَرْتُك على غَيْرِك فَطَلَّقْتهَا لَا أُزَوِّجُكَهَا أَبَدًا فَنَزَلَ { وإذا طَلَّقْتُمْ } يَعْنِي الْأَزْوَاجُ { النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } يَعْنِي فَانْقَضَى أَجَلُهُنَّ يعنى عِدَّتَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ يَعْنِي أَوْلِيَاءَهُنَّ { أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ } إنْ طَلَّقُوهُنَّ ولم يَبُتُّوا طَلَاقَهُنَّ وما أَشْبَهَ مَعْنَى ما قالوا من هذا بِمَا قالوا وَلَا أَعْلَمُ الْآيَةَ تَحْتَمِلُ غَيْرَهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُؤْمَرُ بِأَنْ لَا يَعْضُلَ الْمَرْأَةَ من له سَبَبٌ إلَى الْعَضْلِ بِأَنْ يَكُونَ يَتِمُّ بِهِ نِكَاحُهَا من الْأَوْلِيَاءِ وَالزَّوْجُ إذَا طَلَّقَهَا فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَلَيْسَ بِسَبِيلٍ منها فَيَعْضُلُهَا وَإِنْ لم تَنْقَضِ عِدَّتُهَا فَقَدْ يَحْرُمُ عليها أَنْ تَنْكِحَ غَيْرَهُ وهو لَا يَعْضُلُهَا عن نَفْسِهِ وَهَذَا أَبْيَنُ ما في الْقُرْآنِ من أَنَّ لِلْوَلِيِّ مع الْمَرْأَةِ في نَفْسِهَا حَقًّا وَأَنَّ على الْوَلِيِّ أَنْ لَا يَعْضُلَهَا إذَا رَضِيَتْ أَنْ تَنْكِحَ بِالْمَعْرُوفِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَجَاءَتْ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَوَجَدْنَا الدَّلَالَةَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في زَانِيَةٍ وَزَانٍ من الْمُسْلِمِينَ لم نَعْلَمْهُ حَرَّمَ على وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْكِحَ غير زَانِيَةٍ وَلَا زَانٍ وَلَا حَرَّمَ وَاحِدًا مِنْهُمَا على زوجة فَقَدْ أَتَاهُ مَاعِزُ بن مَالِكٍ وَأَقَرَّ عِنْدَهُ بالزنى مِرَارًا لم يَأْمُرْهُ في وَاحِدَةٍ منها أَنْ يَجْتَنِبَ زَوْجَةً له إنْ كانت وَلَا زَوْجَتَهُ أَنْ تَجْتَنِبَهُ وَلَوْ كان الزنى يُحَرِّمُهُ على زَوْجَتِهِ أَشْبَهَ أَنْ يَقُولَ له إنْ كانت لك زَوْجَةٌ حُرِّمَتْ عَلَيْك أو لم تَكُنْ لم يَكُنْ لك أَنْ تَنْكِحَ ولم نَعْلَمْهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ وَلَا أَنْ لَا يَنْكِحَ وَلَا غَيْرَهُ أَنْ لَا يُنْكِحَهُ إلَّا زَانِيَةً وقد ذَكَرَ له رَجُلٌ أَنَّ امْرَأَةً زَنَتْ وَزَوْجُهَا حَاضِرٌ فلم يَأْمُرْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فِيمَا عَلِمْنَا زَوْجَهَا بِاجْتِنَابِهَا وَأَمَرَ أُنَيْسًا أَنْ يَغْدُوَ عليها فَإِنْ اعْتَرَفَتْ رَجَمَهَا وقد جَلَدَ بن الْأَعْرَابِيِّ في الزنى مِائَةً وَغَرَّبَهُ عَامًا ولم يَنْهَهُ عِلْمَنَا أَنْ يَنْكِحَ وَلَا أَحَدًا أَنْ يُنْكِحَهُ إلَّا زَانِيَةً وقد رَفَعَ الرَّجُلُ الذي قَذَفَ امْرَأَتَهُ إلَيْهِ أَمْرَ امْرَأَتِهِ وَقَذَفَهَا بِرَجُلٍ وَانْتَفَى من حَمْلِهَا فلم يَأْمُرْهُ بِاجْتِنَابِهَا حتى لَاعَنَ بَيْنَهُمَا وقد رُوِيَ عنه أَنَّ رَجُلًا شَكَا إلَيْهِ أَنَّ امْرَأَتَهُ لَا تَدْفَعُ يَدَ لَامِسٍ فَأَمَرَهُ أَنْ يُفَارِقَهَا فقال له إنِّي أُحِبُّهَا فَأَمَرَهُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بها
أَخْبَرْنَا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن هَارُونَ بن رياب ( ( ( رئاب ) ) ) عن عبد اللَّهِ بن عُبَيْدِ بن عُمَيْرٍ قال أتى رَجُلٌ إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لي امْرَأَةً لَا تَرُدُّ يَدَ لَامِسٍ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَطَلِّقْهَا قال إنِّي أُحِبُّهَا قال فَأَمْسِكْهَا إذًا وقد حَرَّمَ اللَّهُ الْمُشْرِكَاتِ من أَهْلِ الْأَوْثَانِ على الْمُؤْمِنِينَ الزُّنَاةِ وَغَيْرِ الزُّنَاةِ
أخبرنا سُفْيَانُ عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن أبي يَزِيدَ عن أبيه أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَهَا ابْنَةٌ من غَيْرِهِ وَلَهُ بن من غَيْرِهَا فَفَجَرَ الْغُلَامُ بِالْجَارِيَةِ فَظَهَرَ بها حَمْلٌ فلما قَدِمَ عُمَرُ مَكَّةَ رُفِعَ ذلك إلَيْهِ فسألهما ( ( ( فسألها ) ) ) فَاعْتَرَفَا فَجَلَدَهُمَا عُمَرُ الْحَدَّ وَحَرَصَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فأبي الْغُلَامُ

(5/12)


السُّنَّةُ بِمِثْلِ مَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ عز وجل
أخبرنا مُسْلِمٌ وَسَعِيدٌ وَعَبْدُ الْمَجِيدِ عن بن جُرَيْجٍ عن سُلَيْمَانَ بن مُوسَى عن بن شِهَابٍ عن عُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَإِنْ أَصَابَهَا فَلَهَا الصَّدَاقُ بِمَا اسْتَحَلَّ من فَرْجِهَا وقال بَعْضُهُمْ في الحديث فَإِنْ اشْتَجَرُوا وقال غَيْرُهُ منهم فَإِنْ اخْتَلَفُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ من لَا وَلِيَّ له
أخبرنا مُسْلِمٌ وَسَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ قال أخبرني عِكْرِمَةُ بن خَالِدٍ قال جَمَعَتْ الطَّرِيقُ رَكْبًا فِيهِمْ امْرَأَةٌ ثَيِّبٌ فَوَلَّتْ رَجُلًا منهم أَمْرَهَا فَزَوَّجَهَا رَجُلًا فَجَلَدَ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ النَّاكِحَ وَرَدَّ نِكَاحَهَا
أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرُو بن دِينَارٍ عن عبد الرحمن بن مَعْبَد بن عُمَيْرٍ أَنَّ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه رَدَّ نِكَاحَ امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ وَلِيٍّ أخبرنا مُسْلِمٌ وَعَبْدُ الْمَجِيدِ عن بن جُرَيْجٍ قال قال عَمْرُو بن دِينَارٍ نَكَحَتْ امْرَأَةٌ من بَنِي بَكْرِ بن كِنَانَةَ يُقَالُ لها بِنْتُ أبي ثُمَامَةَ عُمَرَ بن عبد اللَّهِ بن مُضَرِّسٍ فَكَتَبَ عَلْقَمَةُ بن عَلْقَمَةَ الْعُتْوَارِيُّ إلَى عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ وهو بِالْمَدِينَةِ إنِّي وَلِيُّهَا وَإِنَّهَا نَكَحَتْ بِغَيْرِ أَمْرِي فَرَدَّهُ عُمَرُ وقد أَصَابَهَا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ مع أَبٍ فإذا مَاتَ فَالْجَدُّ أبو الْأَبِ فإذا مَاتَ فَالْجَدُّ أبو الْجَدِّ لِأَنَّ كُلَّهُمْ أَبٌ وَكَذَلِكَ الْآبَاءُ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُزَوَّجَةَ من الْآبَاءِ وَلَيْسَتْ من الْإِخْوَةِ وَالْوِلَايَةُ غَيْرُ الْمَوَارِيثِ وَلَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ من الْأَجْدَادِ دُونَهُ أَبٌ أَقْرَبُ إلَى الْمُزَوَّجَةِ منه فإذا لم يَكُنْ آبَاءٌ فَلَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ مع الْإِخْوَةِ وإذا اجْتَمَعَ الْإِخْوَةُ فَبَنُو الْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْلَى من بَنِي الْأَبِ فإذا لم يَكُنْ بَنُو أُمٍّ وَأَبٍ فَبَنُو الْأَبِ أَوْلَى من غَيْرِهِمْ وَلَا وِلَايَةَ لِبَنِي الْأُمِّ بالأم وَلَا لِجَدٍّ أبي أُمٍّ إنْ لم يَكُنْ عَصَبَةٌ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لِلْعَصَبَةِ فَإِنْ كَانُوا بَنِي عَمٍّ وَلَا أَقْرَبَ منهم كانت لهم الْوِلَايَةُ بِأَنَّهُمْ عَصَبَةٌ وَإِنْ كان مَعَهُمْ مِثْلُهُمْ من الْعَصَبَةِ كَانُوا أَوْلَى لِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ بِأُمٍّ وإذا لم يَكُنْ إخْوَةٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَلَا أَبٍ وكان بَنُو أَخٍ لأب وَأُمٍّ وَبَنُو أَخٍ لِأَبٍ فَبَنُو الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْلَى من بَنِي الْأَخِ لِلْأَبِ وَإِنْ كان بَنُو أَخٍ لِأَبٍ وَبَنُو أَخٍ لِأُمٍّ فَبَنُو الْأَخِ لِلْأَبِ أَوْلَى وَلَا وِلَايَةَ لِبَنِي الْأَخِ لِلْأُمِّ بِحَالٍ إلَّا أَنْ يَكُونُوا عَصَبَةً قال وإذا تَسَفَّلَ بَنُو الْأَخِ فانسبهم إلَى الْمُزَوَّجَةِ فَأَيُّهُمْ كان أَقْعُدَ بها وَإِنْ كان بن أَبٍ فَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّ قَرَابَةَ الْأَقْعَدِ أَقْرَبُ من قَرَابَةِ أُمٍّ غير وَلَدِهَا أَقْعَدَ منه وإذا اسْتَوَوْا فَكَانَ فِيهِمْ بن أَبٍ وَأُمٍّ فَهُوَ أَوْلَى بِقُرْبِهِ مع الْمُسَاوَاةِ قال وَإِنْ حَرُمَ النَّسَبُ بِقَرَابَةِ الْأُمِّ كان بَنُو بَنِي الْأَخِ وَإِنْ تَسَفَّلُوا وَبَنُو عَمٍّ دَنِيَّةً فَبَنُو بَنِي الْأَخِ وَإِنْ تَسَفَّلُوا أَوْلَى لِأَنَّهُمْ يَجْمَعُهُمْ وَإِيَّاهَا أَبٌ قبل بَنِي الْعَمِّ وَهَكَذَا إنْ كان بَنُو أَخٍ وَعُمُومَةٍ فَبَنُو الْأَخِ أَوْلَى وَإِنْ تَسَفَّلُوا لِأَنَّ الْعُمُومَةَ غَيْرُ آبَاءٍ فَيَكُونُونَ أَوْلَى لِأَنَّ الْمُزَوَّجَةَ من الْأَبِ فإذا انْتَهَتْ الْأُبُوَّةُ فَأَقْرَبُ الناس
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَيُّ امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ أذن وَلِيِّهَا فَلَا نِكَاحَ لها لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ وَإِنْ أَصَابَهَا فَلَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا بِمَا أَصَابَ منها بِمَا قَضَى لها بِهِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَهَذَا يَدُلُّ على أَنَّ الصَّدَاقَ يَجِبُ في كل نِكَاحٍ فَاسِدٍ بِالْمَسِيسِ وَأَنْ لَا يَرْجِعَ بِهِ الزَّوْجُ على من غَرَّهُ لِأَنَّهُ إذَا كان لها وقد غَرَّتْهُ من نَفْسِهَا لم يَكُنْ له أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عليها وهو لها وهو لو كان يَرْجِعُ بِهِ فَكَانَتْ الْغَارَّةُ له من نَفْسِهَا بَطَلَ عنها وَلَا يَرْجِعُ زَوْجٌ أَبَدًا بِصَدَاقٍ على من غَرَّهُ امْرَأَةٌ كانت أو غَيْرُ امْرَأَةٍ إذَا أَصَابَهَا قال وفي هذا دَلِيلٌ على أَنَّ على السُّلْطَانِ إذَا اشْتَجَرُوا أَنْ يَنْظُرَ فَإِنْ كان الْوَلِيُّ عَاضِلًا أَمَرَهُ بِالتَّزْوِيجِ فَإِنْ زَوَّجَ فَحَقٌّ أَدَّاهُ وَإِنْ لم يُزَوِّجْ فَحَقٌّ مَنَعَهُ وَعَلَى السُّلْطَانِ أَنْ يُزَوِّجَ أو يُوَكِّلَ وَلِيًّا غَيْرَهُ فَيُزَوِّجَ وَالْوَلِيُّ عَاصٍ بِالْعَضْلِ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ } وَإِنْ ذَكَرَ شيئا نَظَرَ فيه السُّلْطَانُ فَإِنْ رَآهَا تَدْعُو إلَى كَفَاءَةٍ لم يَكُنْ له مَنْعُهَا وَإِنْ دَعَاهَا الْوَلِيُّ إلَى خَيْرٍ منه وَإِنْ دَعَتْ إلَى غَيْرِ كَفَاءَةٍ لم يَكُنْ له تَزْوِيجُهَا وَالْوَلِيُّ لَا يَرْضَى بِهِ وَإِنَّمَا الْعَضْلُ أَنْ تَدْعُوَ إلَى مِثْلِهَا أو فَوْقِهَا فَيَمْتَنِعُ الْوَلِيُّ - * اجْتِمَاعُ الْوُلَاةِ وَافْتِرَاقُهُمْ - *

(5/13)


بِالْمُزَوَّجَةِ أَوْلَاهُمْ بها وَبَنُو أَخِيهَا أَقْرَبُ بها من عُمُومَتِهَا لِأَنَّهُ يَجْمَعُهُمْ وَإِيَّاهَا أَبٌ دُونَ الْأَبِ الذي يَجْمَعُهَا بِالْعُمُومَةِ وإذا لم يَكُنْ بَنُو أخ ( ( ( الأخ ) ) ) وَكَانُوا بَنِي عَمٍّ فَكَانَ فِيهِمْ بَنُو عَمٍّ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَبَنُو عَمٍّ لِأَبٍ فَاسْتَوَوْا فَبَنُو الْعَمِّ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْلَى وَإِنْ كان بَنُو الْعَمِّ لِلْأَبِ أَقْعَدَ فَهُمْ أَوْلَى وإذا لم يَكُنْ لها قَرَابَةٌ من قِبَلِ الْأَبِ وكان لها أَوْصِيَاءُ لم يَكُنْ الْأَوْصِيَاءُ وُلَاةَ نِكَاحٍ وَلَا وُلَاةَ مِيرَاثٍ وَهَكَذَا إنْ كان لها قَرَابَةٌ من قِبَلِ أُمِّهَا أو بَنِي أَخَوَاتِهَا لَا وِلَايَةَ لِلْقَرَابَةِ في النِّكَاحِ إلَّا من قِبَلِ الْأَبِ وَإِنْ كان لِلْمُزَوَّجَةِ وَلَدٌ أو وَلَدُ وَلَدٍ فَلَا وِلَايَةَ لهم فيها بِحَالٍ إلَّا أَنْ يَكُونُوا عَصَبَةً فَتَكُونَ لهم الْوِلَايَةُ بِالْعَصَبَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَا يَعْقِلُونَ عنها وَلَا يَنْتَسِبُونَ من قَبِيلِهَا إنَّمَا قَبِيلُهَا نَسَبُهَا من قِبَلِ أَبِيهَا أو لَا تَرَى أَنَّ بَنِي الْأُمِّ لَا يَكُونُونَ وُلَاةَ نِكَاحٍ فإذا كانت الْوِلَايَةُ لَا تَكُونُ بِالْأُمِّ إذَا انْفَرَدَتْ فَهَكَذَا وَلَدُهَا لَا يَكُونُونَ وُلَاةً لها وإذا كان وَلَدُهَا عَصَبَةً وكان مع وَلَدِهَا عَصَبَةٌ أَقْرَبُ منهم هُمْ أَوْلَى منهم فَالْعَصَبَةُ أَوْلَى وَإِنْ تَسَاوَى الْعَصَبَةُ في قَرَابَتِهِمْ بها من قِبَلِ الْأَبِ فَهُمْ أَوْلَى كما يَكُونُ بَنُو الْأُمِّ وَالْأَبِ أَوْلَى من بَنِي الْأَبِ وَإِنْ اسْتَوَوْا فَالْوَلَدُ أَوْلَى - * وِلَايَةُ الموالي ( ( ( المولى ) ) ) - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَخْتَلِفُونَ في ذلك + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ زَوَّجَهَا مولى نِعْمَةٍ وَلَا يَعْلَمُ لها قَرِيبًا من قِبَلِ أَبِيهَا ثُمَّ عَلِمَ كان النِّكَاحُ مَفْسُوخًا لِأَنَّهُ غَيْرُ وَلِيٍّ كما لو زَوَّجَهَا وَلِيُّ قَرَابَةٍ يُعْلَمُ أَقْرَبُ منه كان النِّكَاحُ مَفْسُوخًا - * مَغِيبُ بَعْضِ الْوُلَاةِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ بِنَسَبٍ وَلَا وَلَاءٍ وَأَوْلَى منه حَيٌّ غَائِبًا كان أو حَاضِرًا بَعِيدَ الْغَيْبَةِ مُنْقَطِعَهَا مُؤَيَّسًا منه مَفْقُودًا أو غير مَفْقُودٍ وَقَرِيبَهَا مَرْجُوَّ الْإِيَابِ غَائِبًا وإذا كان الْوَلِيُّ حَاضِرًا فَامْتَنَعَ من التَّزْوِيجِ فَلَا يُزَوِّجُهَا الْوَلِيُّ الذي يَلِيه في الْقَرَابَةِ وَلَا يُزَوِّجُهَا إلَّا السُّلْطَانُ الذي يَجُوزُ حُكْمُهُ فإذا رُفِعَ ذلك إلَى السُّلْطَانِ فَحَقَّ عليه أَنْ يَسْأَلَ عن الْوَلِيِّ فَإِنْ كان غَائِبًا سَأَلَ عن الْخَاطِبِ فَإِنْ رضي بِهِ أَحْضَرَ أَقْرَبَ الْوُلَاةِ بها وَأَهْلَ الْمَحْرَمِ من أَهْلِهَا وقال هل تَنْقِمُونَ شيئا فَإِنْ ذَكَرُوهُ نَظَرَ فيه فَإِنْ كان كفؤا ( ( ( كفئا ) ) ) وَرَضِيَتْهُ أَمَرَهُمْ بِتَزْوِيجِهِ فَإِنْ لم يَفْعَلُوا زَوَّجَهُ وَإِنْ لم يَأْمُرْهُمْ وَزَوَّجَهُ فَجَائِزٌ وَإِنْ كان الْوَلِيُّ حَاضِرًا فَامْتَنَعَ من أَنْ يُزَوِّجَهَا من رَضِيَتْ صَنَعَ ذلك بِهِ وَإِنْ كان الْوَلِيُّ الذي لَا أَقْرَبَ منه حَاضِرًا فَوَكَّلَ قام وَكِيلُهُ مَقَامَهُ وَجَازَ تَزْوِيجُهُ كما يَجُوزُ إذَا وَكَّلَهُ بِتَزْوِيجِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَزَوَّجَهُ أو وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَ من رَأَى فَزَوَّجَهُ كفؤا ( ( ( كفئا ) ) ) تَرْضَى الْمَرْأَةُ بِهِ بِعَيْنِهِ فَإِنْ زَوَّجَ غير كُفْءٍ لم يَجُزْ وكان هذا منه تَعَدِّيًا مَرْدُودًا كما يُرَدُّ تعدى الْوُكَلَاءِ - * من لَا يَكُونُ وَلِيًّا من ذِي الْقَرَابَةِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَكُونُ الرَّجُلُ وَلِيًّا لِامْرَأَةٍ بِنْتًا كانت أو أُخْتًا أو بِنْتَ عَمٍّ أو امْرَأَةً هو أَقْرَبُ الناس إلَيْهَا نَسَبًا أو وَلَاءً حتى يَكُونَ الْوَلِيُّ حُرًّا مُسْلِمًا رَشِيدًا يَعْقِلُ مَوْضِعَ الْحَظِّ وَتَكُونُ الْمَرْأَةُ مُسْلِمَةً وَلَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَكُونُ الرَّجُلُ وَلِيًّا بِوَلَاءٍ وَلِلْمُزَوَّجَةِ نَسَبٌ من قِبَلِ أَبِيهَا يُعْرَفُ وَلَا لِلْأَخْوَالِ وِلَايَةٌ بِحَالٍ أَبَدًا إلَّا أَنْ يَكُونُوا عَصَبَةً فإذا لم يَكُنْ لِلْمَرْأَةِ عَصَبَةٌ وَلَهَا مَوَالٍ فَمَوَالِيهَا أَوْلِيَاؤُهَا وَلَا وَلَاءَ إلَّا لِمُعْتِقٍ ثُمَّ أَقْرَبُ الناس بِمُعْتِقِهَا وَلِيُّهَا كما يَكُونُ أَقْرَبُ الناس بِهِ وَلِيَّ وَلَدِ الْمُعْتِقِ لها قال وَاجْتِمَاعُ الْوُلَاةِ من أَهْلِ الْوَلَاءِ في وِلَايَةِ الْمُزَوَّجَةِ كَاجْتِمَاعِهِمْ في النَّسَبِ

(5/14)


يَكُونُ الْمُسْلِمُ وَلِيًّا لِكَافِرَةٍ وَإِنْ كانت بِنْتَه وَلَا وِلَايَةَ له على كَافِرَةٍ إلَّا أَمَتَهُ فإن ما صَارَ لها بِالنِّكَاحِ مِلْكٌ له قال وَلَا يَكُونُ الْكَافِرُ وَلِيًّا لِمُسْلِمَةٍ وَإِنْ كانت بِنْتَهُ قد زَوَّجَ بن سَعِيدِ بن الْعَاصِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أُمُّ حَبِيبَةَ وأبو سُفْيَانَ حَيٌّ لِأَنَّهَا كانت مُسْلِمَةً وبن سَعِيدٍ مُسْلِمٌ لَا أَعْلَمُ مُسْلِمًا أَقْرَبَ بها منه ولم يَكُنْ لِأَبِي سُفْيَانَ فيها وِلَايَةٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَطَعَ الْوِلَايَةَ بين الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمَوَارِيثَ وَالْعَقْلَ وَغَيْرَ ذلك قال فَيَجُوزُ تَزْوِيجُ الْحَاكِمُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَةَ لِأَنَّهُ بِحُكْمٍ لَا وِلَايَةَ إذَا حَاكَمَتْ إلَيْهِ وَلَا يَكُونُ إذَا كان بَالِغًا مُسْلِمًا وَلِيًّا إنْ كان سَفِيهًا مُوَلِّيًا عليه أو غير عَالَمٍ بِمَوْضِعِ الْحَظِّ لِنَفْسِهِ وَمَنْ زَوَّجَهُ إذَا كان هذا لَا يَكُونُ وَلِيًّا لِنَفْسِهِ يُزَوِّجُهَا كان أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا لِغَيْرِهِ أَبْعَدَ وَإِنْ لم يَكُنْ هذا وَلِيًّا لِلسَّفَهِ أو ضَعْفِ الْعَقْلِ فَكَذَلِكَ الْمَعْتُوهُ وَالْمَجْنُونُ الذي لَا يُفِيقُ بَلْ هُمَا أَبْعَدُ من أَنْ يَكُونَا وَلِيَّيْنِ قال وَمَنْ خَرَجَ من الْوِلَايَةِ بِأَحَدِ هذه الْمَعَانِي حتى لَا يَكُونَ وَلِيًّا بِحَالٍ فَالْوَلِيُّ أَقْرَبُ الناس بِهِ مِمَّنْ يُفَارِقُ هذه الْحَالَ وَهَذَا كَمَنْ لم يَكُنْ وَكَمَنْ مَاتَ وَلَا وِلَايَةَ له ما كان بِهَذِهِ الْحَالِ فإذا صَلُحَتْ حَالُهُ صَارَ وَلِيًّا لِأَنَّ الْحَالَ التي مُنِعَ بها الْوِلَايَةُ قد ذَهَبَتْ - * الْأَكْفَاءُ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) إذَا اجْتَمَعَ الْوُلَاةُ فَكَانُوا شَرْعًا فَأَيُّهُمْ صَلُحَ أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا بِحَالٍ فَهُوَ كَأَفْضَلِهِمْ وَسَوَاءٌ الْمُسِنُّ منهم وَالْكَهْلُ وَالشَّابُّ وَالْفَاضِلُ وَاَلَّذِي دُونَهُ إذَا صَلُحَ أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا فَأَيُّهُمْ زَوَّجَهَا بِإِذْنِهَا كُفُؤًا جَازَ وَإِنْ سَخِطَ ذلك من بقى من الْوُلَاةِ وَأَيُّهُمْ زَوَّجَ بِإِذْنِهَا غير كُفُؤٍ فَلَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمْ عليه وَكَذَلِكَ لو اجْتَمَعَتْ جَمَاعَتُهُمْ على تَزْوِيجِ غَيْرِ كُفْءٍ وَانْفَرَدَ أَحَدُهُمْ كان النِّكَاحُ مَرْدُودًا بِكُلِّ حَالٍّ حتى تَجْتَمِعَ الْوُلَاةُ مَعًا على إنْكَاحِهِ قبل إنْكَاحِهِ فَيَكُونَ حَقًّا لهم تَرَكُوهُ وَإِنْ كان الْوَلِيُّ أَقْرَبَ مِمَّنْ دُونَهُ فَزَوَّجَ غير كُفْءٍ بِإِذْنِهَا فَلَيْسَ لِمَنْ بقى من الْأَوْلِيَاءِ الذي هو أَوْلَى منهم رَدُّهُ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لهم معه قال وَلَيْسَ نِكَاحُ غَيْرِ الْكُفْءِ مُحَرَّمًا فَأَرُدُّهُ بِكُلِّ حَالٍ إنَّمَا هو نَقْصٌ على الْمُزَوَّجَةِ وَالْوُلَاةِ فإذا رَضِيَتْ الْمُزَوَّجَةُ وَمَنْ له الْأَمْرُ مَعَهَا بِالنَّقْصِ لم أَرُدَّهُ قال وإذا زَوَّجَ الْوَلِيُّ الْوَاحِدُ كُفُؤًا بِأَمْرِ الْمَرْأَةِ الْمَالِكِ لِأَمْرِهَا بِأَقَلَّ من مَهْرِ مِثْلِهَا لم يَكُنْ لِمَنْ بقى من الْوُلَاةِ رَدُّ النِّكَاحِ وَلَا أَنْ يَقُومُوا عليه حتى يُكْمِلُوا لها مَهْرَ مِثْلِهَا لِأَنَّهُ ليس في نَقْصِ الْمَهْرِ نَقْصُ نَسَبٍ إنَّمَا هو نَقْصُ الْمَالِ وَنَقْصُ الْمَالِ ليس عليها وَلَا عليهم فيه نَقْصُ حَسَبٍ وَهِيَ أَوْلَى بِالْمَالِ منهم وإذا رضي الْوَلِيُّ الذي لَا أَقْرَبَ منه بِإِنْكَاحِ رَجُلٍ غَيْرِ كُفْءٍ فَأَنْكَحَهُ بِإِذْنِ الْمَرْأَةِ وَالْوُلَاةِ الَّذِينَ هُمْ شَرْعٌ ثُمَّ أَرَادَ الْوَلِيُّ الْمُزَوِّجُ وَالْوُلَاةُ رَدَّهُ لم يَكُنْ لهم بَعْدَ رِضَاهُمْ وَتَزْوِيجِهِمْ إيَّاهُ بِرِضَا الْمَرْأَةِ وَإِنْ كَانُوا زَوَّجُوهَا بِأَمْرِهَا بِأَقَلَّ من صَدَاقِ مِثْلِهَا وَكَانَتْ لَا يَجُوزُ أَمْرُهَا في مَالِهَا فَلَهَا تَمَامُ صَدَاقِ مِثْلِهَا لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يُرَدُّ فَهُوَ كَالْبُيُوعِ الْمُسْتَهْلَكَةِ كما لو بَاعَتْ وَهِيَ مَحْجُورَةٌ بَيْعًا فَاسْتُهْلِكَ وقد غُبِنَتْ فيه لَزِمَ مُشْتَرِيَهُ قِيمَتُهُ قال وإذا كانت الْمَرْأَةُ مَحْجُورًا عليها مَالُهَا فَسَوَاءٌ من حَابَى في صَدَاقِهَا أَبٌ أو غَيْرُهُ لَا تَجُوزُ الْمُحَابَاةُ وَيُلْحَقُ بِصَدَاقِ مِثْلِهَا وَلَا يُرَدُّ النِّكَاحُ دَخَلَتْ أو لم تَدْخُلْ وَإِنْ طَلُقَتْ قبل ذلك أُخِذَ لها نِصْفُ صَدَاقِ مِثْلِهَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا أَعْلَمُ في أَنَّ لِلْوُلَاةِ أَمْرًا مع الْمَرْأَةِ في نَفْسِهَا شيئا جُعِلَ لهم أَبْيَنَ من أَنْ لَا تُزَوَّجَ إلَّا كُفُؤًا فَإِنْ قِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِئَلَّا يُزَوَّجَ إلَّا نِكَاحًا صَحِيحًا قِيلَ قد يُحْتَمَلُ ذلك أَيْضًا وَلَكِنَّهُ لَمَّا كان الْوُلَاةُ لو زَوَّجُوهَا غير نِكَاحٍ صَحِيحٍ لم يَجُزْ كان هذا ضَعِيفًا لَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ له جُعِلَ لِلْوُلَاةِ مَعَهَا أَمْرٌ فَأَمَّا الصَّدَاقُ فَهِيَ أَوْلَى بِهِ من الْوُلَاةِ وَلَوْ وَهَبَتْهُ جَازَ وَلَا مَعْنَى له أَوْلَى بِهِ من أَنْ لَا يُزَوَّجَ إلَّا كُفُؤًا بَلْ لَا أَحْسِبُهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جُعِلَ لهم أَمْرٌ مع الْمَرْأَةِ في نَفْسِهَا إلَّا لِئَلَّا تَنْكِحَ إلَّا كُفُؤًا

(5/15)


- * ما جاء في تَشَاحِّ الْوُلَاةِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَمَّا إذَا أَذِنَتْ الْمَرْأَةُ لِوَلِيَّيْهَا أَنْ يُزَوِّجَاهَا من رَأَيَا أو وامرها أَحَدُهُمَا في رَجُلٍ فقالت زَوِّجْهُ وَأَمَرَهَا آخَرُ في رَجُلٍ فقالت زَوِّجْهُ فَزَوَّجَاهَا مَعًا رَجُلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كُفُؤَيْنِ فَأَيُّهُمَا زَوَّجَ أَوَّلًا فَالْأَوَّلُ الزَّوْجُ الذي نِكَاحُهُ ثَابِتٌ وَطَلَاقُهُ وما بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مِمَّا بين الزَّوْجَيْنِ لَازِمٌ وَنِكَاحُ الذي بَعْدَهُ سَاقِطٌ دخل بها الْآخَرُ أو لم يَدْخُلْ أو الْأَوَّلُ أو لم يَدْخُلْ لَا يَحِقُّ الدُّخُولُ لِأَحَدٍ شيئا إنَّمَا يُحِقُّهُ أَصْلُ الْعُقْدَةِ فَإِنْ أَصَابَهَا آخَرُهُمَا نِكَاحًا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا إذَا لم يَصِحَّ عُقْدَةُ النِّكَاحِ لم تَصِحَّ بِشَيْءٍ بَعْدَهَا إلَّا بِتَجْدِيدِ نِكَاحٍ صَحِيحٍ وإذا جَازَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُوَكِّلَ وَلِيَّيْنِ جَازَ لِلْوَلِيِّ الذي لَا أَمْرَ لِلْمَرْأَةِ معه أَنْ يُوَكِّلَ وَهَذَا لِلْأَبِ خَاصَّةً في الْبِكْرِ ولم يَجُزْ لِوَلِيِّ غَيْرِهِ لِلْمَرْأَةِ مَعَهُمْ أَمْرٌ أَنْ يُوَكِّلَ أَبٌ في ثَيِّبٍ وَلَا وَلِيٌّ غَيْرُ أَبٍ إلَّا بِأَنْ تَأْذَنَ له أَنْ يُوَكِّلَ بِتَزْوِيجِهَا فَيَجُوزُ بِإِذْنِهَا فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا خَرَجَ وَوَكَّلَ رَجُلًا بِتَزْوِيجِ ابْنَتِهِ الْبِكْرِ فَزَوَّجَهَا الْوَكِيلُ وهو فَأَيُّهُمَا أَنْكَحَ أَوَّلًا فَالنِّكَاحُ نِكَاحُهُ جَائِزٌ وَالْآخَرُ بَاطِلٌ الْوَكِيلُ أو الْأَبُ وَإِنْ دخل بها الْآخَرُ فَلَهَا الْمَهْرُ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَالْوَلَدُ لا حق وَلَا مِيرَاثَ لها منه وَلَوْ مَاتَ قبل أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَلَا له منها لو مَاتَتْ وَلِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ منها الْمِيرَاثُ وَعَلَيْهِ لها الصَّدَاقُ يُحَاسَبُ بِهِ من مِيرَاثِهِ وَهَكَذَا لو أَذِنَتْ لِوَلِيَّيْنِ فَزَوَّجَاهَا مَعًا أو لِوَلِيٍّ أَنْ يُوَكِّلَ فَوَكَّلَ وَكِيلًا أو لِوَلِيَّيْنِ كَذَلِكَ فَوَكَّلَا وَكِيلَيْنِ أَيَّ هذا كان فَالتَّزْوِيجُ الْأَوَّلُ أَحَقُّ وَلَوْ زَوَّجَهَا الْوَلِيَّانِ وَالْوُكَلَاءُ ثَلَاثَةً أو أَرْبَعَةً فَالنِّكَاحُ لِلْأَوَّلِ إذَا عُلِمَ بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ على وَقْتٍ من الْأَوْقَاتِ أَنَّهُ فَعَلَ ذلك قبل صَاحِبِهِ قال وَلَوْ زَوَّجَهَا وَلِيَّاهَا رَجُلَيْنِ فَشَهِدَ الشُّهُودُ على يَوْمٍ وَاحِدٍ ولم يُثْبِتُوا السَّاعَةَ أو أَثْبَتُوهَا فلم يَكُنْ في إثْبَاتِهِمْ دَلَالَةٌ على أَيِّ النِّكَاحَيْنِ كان أَوَّلًا فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ وَلَا شَيْءَ لها من وَاحِدٍ من الزَّوْجَيْنِ وَلَوْ دخل بها أَحَدُهُمَا على هذا فَأَصَابَهَا كان لها منه مَهْرُ مِثْلِهَا وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَسَوَاءٌ كان الزَّوْجَانِ في هذا لَا يَعْرِفَانِ أَيَّ النِّكَاحِ كان قَبْلُ أو يَتَدَاعَيَانِ فيقول كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كان نِكَاحِي قَبْلُ وَهُمَا يُقِرَّانِ أنها لَا تَعْلَمُ أَيَّ نِكَاحِهِمَا كان أَوَّلًا وَيُقِرَّانِ بِأَمْرٍ يَدُلُّ على أنها لَا تَعْلَمُ ذلك مِثْلُ أَنْ تَكُونَ غَائِبَةً عن النِّكَاحِ بِبَلَدٍ غَيْرِ الْبَلَدِ الذي تَزَوَّجَتْ بِهِ أو ما أَشْبَهَ هذا وَلَوْ ادَّعَيَا عليها أنها تَعْلَمُ أَيَّ نِكَاحِهِمَا أَوَّلُ وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ نِكَاحَهُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان الْوُلَاةُ شَرْعًا فَأَرَادَ بَعْضُهُمْ أَنْ يلى التَّزْوِيجَ دُونَ بَعْضٍ فَذَلِكَ إلَى الْمَرْأَةِ تولى أَيَّهُمْ شَاءَتْ فَإِنْ قالت قد أَذِنْت في فُلَانٍ فَأَيُّ وُلَاتِي أَنْكَحَنِيهِ فَنِكَاحُهُ جَائِزٌ فَأَيُّهُمْ أنكحه ( ( ( أنكحها ) ) ) فَنِكَاحُهُ جَائِزٌ فَإِنْ ابْتَدَرَهُ اثْنَانِ فزوجاه ( ( ( فزوجاها ) ) ) فنكاحه ( ( ( فنكاحها ) ) ) جَائِزٌ وَإِنْ تَمَانَعُوا أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ السُّلْطَانُ فَأَيُّهُمْ خَرَجَ سَهْمُهُ أَمَرَهُ بِالتَّزْوِيجِ وَإِنْ لم يَتَرَافَعُوا إلَى السُّلْطَانِ عَدَلَ بَيْنَهُمْ أَمَرَهُمْ فَأَيُّهُمْ خَرَجَ سَهْمُهُ زَوَّجَ وَإِنْ تَرَكُوا الْإِقْرَاعَ أو تَرَكَهُ السُّلْطَانُ لم أُحِبَّهُ لهم وَأَيُّهُمْ زَوَّجَ بِإِذْنِهَا جَازَ - * إنْكَاحُ الْوَلِيَّيْنِ وَالْوَكَالَةُ في النِّكَاحِ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا بن عُلَيَّةَ عن بن أبي عَرُوبَةَ عن قَتَادَةَ عن الْحَسَنِ عن عُقْبَةَ بن عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إذَا أَنْكَحَ الْوَلِيَّانِ فَالْأَوَّلُ أَحَقُّ قال وَبَيَّنَ في قَوْلِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْأَوَّلُ أَحَقُّ أَنَّ الْحَقَّ لَا يَكُونُ بَاطِلًا وَأَنَّ نِكَاحَ الْآخَرِ بَاطِلٌ وَأَنَّ الْبَاطِلَ لَا يَكُونُ حَقًّا بِأَنْ يَكُونُ الْآخَرُ دخل ولم يَدْخُلْ الْأَوَّلُ وَلَا يَزِيدُ الْأَوَّلُ حَقًّا لو كان هو الدَّاخِلُ قبل الْآخَرِ هو أَحَقُّ بِكُلِّ حَالٍ قال وَفِيهِ دَلَالَةٌ على أَنَّ الْوَكَالَةَ في النِّكَاحِ جَائِزَةٌ وَلِأَنَّهُ لَا يَكُونُ نِكَاحُ وَلِيَّيْنِ متكافيا ( ( ( متكافئا ) ) ) حتى يَكُونَ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا إلَّا بِوَكَالَةٍ منها مع تَوْكِيلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عَمْرَو بن أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ فَزَوَّجَهُ أُمَّ حَبِيبَةَ ابْنَةَ أبي سُفْيَانَ

(5/16)


كان أَوَّلًا كان الْقَوْلُ قَوْلَهَا مع يَمِينِهَا لِلَّذِي زَعَمَتْ أَنَّ نِكَاحَهُ آخِرًا وَإِنْ قالت لَا أَعْلَمُ أَيَّهُمَا كان أَوَّلًا وَادَّعَيَا عِلْمَهَا أُحْلِفَتْ ما تَعْلَمُ وما يَلْزَمُهَا نِكَاحُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قال وَلَوْ كانت خَرْسَاءَ أو مَعْتُوهَةً أو صَبِيَّةً أو خَرِسَتْ بَعْدَ التَّزْوِيجِ لم يَكُنْ عليها يَمِينٌ وَفُسِخَ النِّكَاحُ وَلَوْ زَوَّجَهَا أَبُوهَا وَوَكِيلٌ له في هذه الْحَالِ فقال الْأَبُ إنْكَاحِي أَوَّلًا أو إنْكَاحُ وَكِيلِي أَوَّلًا كان أو قال ذلك الْوَكِيلُ لم يَكُنْ إقْرَارُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَلْزَمُهَا وَلَا يَلْزَمُ الزَّوْجَيْنِ وَلَا وَاحِدًا مِنْهُمَا وَلَوْ كانت عَاقِلَةً بَالِغَةً فَأَقَرَّتْ لِأَحَدِهِمَا أَنَّ نِكَاحَهُ كان أَوَّلًا لَزِمَهَا النِّكَاحُ الذي أَقَرَّتْ أَنَّهُ كان أَوَّلًا ولم تَحْلِفْ للاخر لِأَنَّهَا لو أَقَرَّتْ له بِأَنَّ نِكَاحَهُ أَوَّلًا لم يَكُنْ زَوْجَهَا وقد لَزِمَهَا أَنْ تَكُونَ زَوْجَةَ الْآخَرِ وَلَوْ كان وَلِيُّهَا الذي هو أَقْرَبُ إلَيْهَا من وَلِيِّهَا الذي يَلِيهِ زَوَّجَهَا بِإِذْنِهَا وَوَلِيُّهَا الذي هو أَبْعَدُ منه بِإِذْنِهَا فَإِنْكَاحُ الْوَلِيِّ الذي دُونَهُ من هو أَقْرَبُ منه بَاطِلٌ وَلَوْ كان على الِانْفِرَادِ وإذا كان هذا هَكَذَا فَنِكَاحُ الْوَلِيِّ الْأَقْرَبِ جَائِزٌ كان قبل نِكَاحِ الْوَلِيِّ الْأَبْعَدِ أو بَعْدُ أو دخل الذي زَوَّجَهُ الْوَلِيُّ الْأَبْعَدُ الذي لَا وِلَايَةَ له مع من هو أَقْرَبُ وَلَوْ دخل بها الزَّوْجَانِ مَعًا أَثْبَتُّ نِكَاحَ الذي زَوَّجَهُ الْوَلِيُّ وَآمُرُ بِاجْتِنَابِهَا حتى تُكْمِلَ عِدَّتَهَا من الزَّوْجِ غَيْرِهِ ثُمَّ خلى بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ وكان لها على الزَّوْجِ الْمَهْرُ الذي سَمَّى وَعَلَى النَّاكِحِ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ مَهْرُ مِثْلِهَا كان أَقَلَّ أو أَكْثَرَ مِمَّا سَمَّى لها وَلَوْ اشْتَمَلَتْ على حَمْلٍ وُقِفَا عنها وَهِيَ في وَقْفِهِمَا عنها زَوْجَةُ الذي زَوَّجَهُ الْوَلِيُّ إنْ مَاتَ وَرِثَتْهُ وَإِنْ مَاتَتْ وَرِثَهَا وَمَتَى جَاءَتْ بِوَلَدٍ أُرِيَهُ الْقَافَةُ فَبِأَيِّهِمَا أَلْحَقَاهُ لَحِقَ وَإِنْ لم يُلْحِقَاهُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أو أَلْحَقَاهُ بِهِمَا أو لم يَكُنْ قَافَةٌ وُقِفَ حتى يَبْلُغَ فَيُنْتَسَبَ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ قال وَإِنْ انْتَفَيَا منه ولم تَرَهُ الْقَافَةُ لَاعَنَاهَا مَعًا ونفى عنهما مَعًا فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ أَحَدُهُمَا نَسَبَتْهُ إلَيْهِ فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ الْآخَرُ وَقَفَتْهُ حتى تَرَاهُ الْقَافَةُ وكان كَالْمَسْأَلَةِ على الِابْتِدَاءِ وَإِنْ مَاتَ الْآخَرُ بعد ما أَقَرَّ بِهِ الْأَوَّلُ ولم يَعْتَرِفْ بِهِ فَهُوَ من الْأَوَّلِ وَلَوْ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ أَحَدُهُمَا قبل الْآخَرِ بِإِذْنِهَا فَدَخَلَ بها صَاحِبُ التَّزْوِيجِ الْآخَرِ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَتُنْزَعُ منه وَهِيَ زَوْجَةُ الْأَوَّلِ وَيَمْسِكُ عنها حتى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا من الدَّاخِلِ بها - * ما جاء في نِكَاحِ الْآبَاءِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فلما كان من سنة رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ الْجِهَادَ يَكُونُ على بن خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً وَأَخَذَ الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ في الْحُدُودِ وَحَكَمَ اللَّهُ بِذَلِكَ في الْيَتَامَى فقال { حتى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ منهم رُشْدًا } ولم يَكُنْ له الْأَمْرُ في نَفْسِهِ إلَّا بن خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً أو ابْنَةَ خَمْسَ عَشَرَةَ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ الْحُلُمَ أو الْجَارِيَةَ الْمَحِيضَ قبل ذلك فَيَكُونُ لَهُمَا أَمْرٌ في أَنْفُسِهِمَا دَلَّ إنْكَاحُ أبي بَكْرٍ عَائِشَةَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ابْنَةَ سِتٍّ وَبِنَاؤُهُ بها ابْنَةَ تِسْعٍ على أَنَّ الْأَبَ أَحَقُّ بِالْبِكْرِ من نَفْسِهَا وَلَوْ كانت إذَا بَلَغَتْ بِكْرًا كانت أَحَقَّ بِنَفْسِهَا منه أَشْبَهَ أَنْ لَا يَجُوزَ له عليها حتى تَبْلُغَ فَيَكُونَ ذلك بِإِذْنِهَا
أخبرنا مَالِكٌ عن عبد اللَّهِ بن الْفَضْلِ عن نَافِعِ بن جُبَيْرٍ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا من وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تستاذن في نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا
أخبرنا مَالِكٌ عن عبد الرحمن بن الْقَاسِمِ عن أبيه عن عبد الرحمن وَمُجَمِّعٍ ابْنَيْ زَيْدِ بن جَارِيَةَ عن خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَامٍ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ وَهِيَ كَارِهَةٌ فَأَتَتْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَرَدَّ نِكَاحَهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَيُّ وَلِيِّ امْرَأَةٍ ثَيِّبٍ أو بِكْرٍ زَوَّجَهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ إلَّا الْآبَاءَ في الْأَبْكَارِ وَالسَّادَةَ في الْمَمَالِيكِ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم رَدَّ نِكَاحَ خَنْسَاءَ ابنة ( ( ( بنت ) ) ) خذام ( ( ( خدام ) ) ) حين زَوَّجَهَا أَبُوهَا كَارِهَةً ولم يَقُلْ إلَّا أَنْ تَشَائِي أَنْ تَبَرِّي أَبَاكِ فَتُجِيزِي إنْكَاحَهُ لو كانت أجازته إنْكَاحَهَا تُجِيزُهُ أَشْبَهُ أَنْ يَأْمُرَهَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنها قالت نكحنى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وأنا ابْنَةُ سِتٍّ أو سَبْعٍ وَبَنَى بِي وأنا ابْنَةُ تِسْعٍ الشَّكُّ من الشَّافِعِيِّ

(5/17)


أَنْ تُجِيزَ إنْكَاحَ أَبِيهَا وَلَا يُرَدُّ بِقُوَّتِهِ عليها (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيُشْبِهُ في دَلَالَةِ سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا فَرَّقَ بين الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ فَجَعَلَ الثَّيِّبَ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا من وَلِيِّهَا وَجَعَلَ الْبِكْرَ تُسْتَأْذَنُ في نَفْسِهَا أَنَّ الْوَلِيَّ الذي عَنَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ الْأَبُ خَاصَّةً فَجَعَلَ الْأَيِّمَ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا منه فَدَلَّ ذلك على أَنَّ أَمْرَهُ أَنْ تُسْتَأْذَنَ الْبِكْرُ في نَفْسِهَا أَمْرُ اخْتِيَارٍ لَا فَرْضٍ لِأَنَّهَا لو كانت إذَا كَرِهَتْ لم يَكُنْ له تَزْوِيجُهَا كانت كَالثَّيِّبِ وكان يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ فيها أَنَّ كُلَّ امْرَأَةٍ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا من وَلِيِّهَا وَإِذْنُ الثَّيِّبِ الْكَلَامُ وَإِذْنُ الْبِكْرِ الصَّمْتُ ولم أَعْلَمْ أَهْلَ الْعِلْمِ اخْتَلَفُوا في أَنَّهُ ليس لِأَحَدٍ من الاولياء غَيْرِ الْآبَاءِ أَنْ يُزَوِّجَ بِكْرًا وَلَا ثَيِّبًا إلَّا بِإِذْنِهَا فإذا كَانُوا لم يُفَرِّقُوا بين الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ الْبَالِغَيْنِ لم يَجُزْ إلَّا ما وَصَفْت في الْفَرْقِ بين الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ في الْأَبِ الْوَلِيِّ وَغَيْرِ الْوَلِيِّ وَلَوْ كان لَا يَجُوزُ لِلْأَبِ إنْكَاحُ الْبِكْرِ إلَّا بِإِذْنِهَا في نَفْسِهَا ما كان له أَنْ يُزَوِّجَهَا صَغِيرَةً لِأَنَّهُ لَا أَمْرَ لها في نَفْسِهَا في حَالِهَا تِلْكَ وما كان بين الْأَبِ وَسَائِرِ الْوُلَاةِ فَرْقٌ في الْبِكْرِ كما لَا يَكُونُ بَيْنَهُمْ فَرْقٌ في الثَّيِّبِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَقَدْ أَمَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ تُسْتَأْمَرَ الْبِكْرُ في نَفْسِهَا قِيلَ يُشْبِهُ أَمْرُهُ أَنْ يَكُونَ على اسْتِطَابَةِ نَفْسِهَا وَأَنْ يَكُونَ بها دَاءٌ لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهَا فَتَذْكُرُهُ إذَا اُسْتُؤْمِرَتْ أو تَكْرَهُ الْخَاطِبَ لِعِلَّةٍ فَيَكُونُ اسْتِئْمَارُهَا أَحْسَنَ في الِاحْتِيَاطِ وَأَطْيَبَ لِنَفْسِهَا وَأَجْمَلَ في الْأَخْلَاقِ وَكَذَلِكَ نَأْمُرُ أَبَاهَا وَنَأْمُرُهُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْمُؤَامَرُ لها فيه أَقْرَبَ نِسَاءِ أَهْلِهَا وَأَنْ يَكُونَ تفضى إلَيْهَا بِذَاتِ نَفْسِهَا أُمًّا كانت أو غير أُمٍّ وَلَا يَعْجَلُ في إنْكَاحِهَا إلَّا بَعْدَ إخْبَارِهَا بِزَوْجٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ يُكْرَهُ لِأَبِيهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا إنْ عَلِمَ منها كَرَاهَةً لِمَنْ يُزَوِّجُهَا وَإِنْ فَعَلَ فَزَوَّجَهَا من كَرِهَتْ جَازَ ذلك عليها وإذا كان يَجُوزُ تَزْوِيجُهُ عليها من كَرِهَتْ فَكَذَلِكَ لو زَوَّجَهَا بِغَيْرِ اسْتِئْمَارِهَا فَإِنْ قال قَائِلٌ وما يَدُلُّ على أَنَّهُ قد يُؤْمَرُ بِمُشَاوِرَةِ الْبِكْرِ وَلَا أَمْرَ لها مع أَبِيهَا الذي أُمِرَ بِمُشَاوِرَتِهَا قِيلَ قال اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم { وَشَاوِرْهُمْ في الْأَمْرِ } ولم يَجْعَلْ اللَّهُ لهم معه أَمْرًا إنَّمَا فَرَضَ عليهم طَاعَتَهُ وَلَكِنَّ في الْمُشَاوِرَةِ اسْتِطَابَةَ أَنْفُسِهِمْ وَأَنْ يَسْتَنَّ بها من ليس له على الناس ما لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالِاسْتِدْلَالُ بِأَنْ يأتى من بَعْضِ الْمُشَاوِرِينَ بِالْخَيْرِ قد غَابَ عن الْمُسْتَشِيرِ وما أَشْبَهَ هذا قال وَالْجَدُّ أبو الْأَبِ وَأَبُوهُ وأبو أبيه يَقُومُونَ مَقَامَ الْأَبِ في تَزْوِيجِ الْبِكْرِ وَوِلَايَةِ الثَّيِّبِ ما لم يَكُنْ دُونَ وَاحِدٍ منهم أَبٌ أَقْرَبَ منه وَلَوْ زُوِّجَتْ الْبِكْرُ أَزْوَاجًا مَاتُوا عنها أو فَارَقُوهَا وَأَخَذَتْ مُهُورًا وَمَوَارِيثَ دخل بها أَزْوَاجُهَا أو لم يَدْخُلُوا إلَّا أنها لم تُجَامِعْ زُوِّجَتْ تَزْوِيجَ الْبِكْرِ لِأَنَّهُ لَا يُفَارِقُهَا اسْمُ بِكْرٍ إلَّا بِأَنْ تَكُونَ ثَيِّبًا وَسَوَاءٌ بَلَغَتْ سِنًّا وَخَرَجَتْ الْأَسْوَاقَ وَسَافَرَتْ وَكَانَتْ قَيِّمَ أَهْلِهَا أو لم يَكُنْ من هذا شَيْءٌ لِأَنَّهَا بِكْرٌ في هذه الْأَحْوَالِ كُلِّهَا ( قال ) وإذا جُومِعَتْ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ أو فَاسِدٍ أو زِنًا ( 1 ) صَغِيرَةً كانت بَالِغًا أو غير بَالِغٍ كانت ثَيِّبًا لَا يَكُونُ لِلْأَبِ تَزْوِيجُهَا إلَّا بِإِذْنِهَا وَلَا يَكُونُ له تَزْوِيجُهَا إذَا كانت ثَيِّبًا وَإِنْ كانت لم تَبْلُغْ إنَّمَا يُزَوِّجُ الصَّغِيرَةَ إذَا كانت بِكْرًا لِأَنَّهُ لَا أَمْرَ لها في نَفْسِهَا إذَا كانت صَغِيرَةً وَلَا بَالِغًا مع أَبِيهَا قال وَلَيْسَ لِأَحَدٍ غَيْرِ الْآبَاءِ أَنْ يُزَوِّجَ بِكْرًا وَلَا ثَيِّبًا صَغِيرَةً لَا بِإِذْنِهَا وَلَا بِغَيْرِ إذْنِهَا وَلَا يُزَوِّجُ وَاحِدَةً مِنْهُمَا حتى تَبْلُغَ فَتَأْذَنَ في نَفْسِهَا وَإِنْ زَوَّجَهَا أَحَدٌ غَيْرُ الْآبَاءِ صَغِيرَةً فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ وَلَا يَتَوَارَثَانِ وَلَا يَقَعُ عليها طَلَاقٌ وَحُكْمُهُ حُكْمُ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ في جَمِيعِ أَمْرِهِ لَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ وَلَا مِيرَاثٌ وَالْآبَاءُ وَغَيْرُهُمْ من الْأَوْلِيَاءِ في الثَّيِّبِ سَوَاءٌ لَا يُزَوِّجُ أَحَدٌ الثَّيِّبَ إلَّا بِإِذْنِهَا وَإِذْنُهَا الْكَلَامُ وَإِذْنُ الْبِكْرِ الصَّمْتُ وإذا زَوَّجَ الْأَبُ الثَّيِّبَ بِغَيْرِ عِلْمِهَا فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ رَضِيَتْ بَعْدُ أو لم تَرْضَ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَوْلِيَاءِ في الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ * ( 1 )

(5/18)


- * الْأَبُ يُنْكِحُ ابْنَتَهُ الْبِكْرَ غير الْكُفْءِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَبَيَّنَ فيه أَنَّ الْوَلِيَّ رَجُلٌ لَا امْرَأَةٌ فَلَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ وَلِيًّا أَبَدًا لِغَيْرِهَا وإذا لم تَكُنْ وَلِيًّا لِنَفْسِهَا كانت أَبْعَدَ من أَنْ تَكُونَ وَلِيًّا لِغَيْرِهَا وَلَا تَعْقِدُ عَقْدَ نِكَاحٍ
أخبرنا الثِّقَةُ عن بن جُرَيْجٍ عن عبد الرحمن بن الْقَاسِمِ عن أبيه قال كانت عَائِشَةُ تُخْطَبُ إلَيْهَا الْمَرْأَةُ من أَهْلِهَا فَتَشْهَدُ فإذا بَقِيَتْ عُقْدَةُ النِّكَاحِ قالت لِبَعْضِ أَهْلِهَا زَوِّجْ فإن الْمَرْأَةَ لَا تلى عُقْدَةَ النِّكَاحِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن هِشَامِ بن حَسَّانَ عن بن سِيرِينَ عن أبي هُرَيْرَةَ قال لَا تُنْكِحُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فإن البغى إنَّمَا تُنْكِحُ نَفْسَهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تُزَوِّجَ جَارِيَتَهَا لم يَجُزْ أَنْ تُزَوِّجَهَا هِيَ وَلَا وَكِيلُهَا إنْ لم يَكُنْ وَلِيًّا لِلْمَرْأَةِ إذَا لم تَكُنْ هِيَ وَلِيًّا لِجَارِيَتِهَا لم يَكُنْ أَحَدٌ بِسَبَبِهَا وَلِيًّا إذَا لم يَكُنْ من الْوُلَاةِ كما لَا يَكُونُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُوَكِّلَ بنفسها ( ( ( نفسها ) ) ) من يُزَوِّجُهَا إلَّا وَلِيًّا وَيُزَوِّجُهَا وَلِيُّ الْمَرْأَةِ السَّيِّدَةِ الذي كان يُزَوِّجُهَا هِيَ أو السُّلْطَانُ إذَا أَذِنَتْ سَيِّدَتُهَا بِتَزْوِيجِهَا كما يُزَوِّجُونَهَا هِيَ إذَا أَذِنَتْ بِتَزْوِيجِهَا وَلَا يَجُوزُ لِوَلِيِّ الْمَرْأَةِ أَنْ يُوَلِّيَ امْرَأَةً تُزَوِّجُهَا إذَا لم تَكُنْ وَلِيًّا في نَفْسِهَا لم تَكُنْ وَلِيًّا بِوَكَالَةٍ وَلَا يُزَوِّجُ جَارِيَتَهَا إلَّا بِإِذْنِهَا وَيَجُوزُ وَكَالَةُ الرَّجُلِ الرَّجُلَ في النِّكَاحِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُوَكِّلُ امْرَأَةً لِمَا وَصَفْت وَلَا كَافِرًا بِتَزْوِيجِ مُسْلِمَةٍ لِأَنَّ وَاحِدًا من هَذَيْنِ لَا يَكُونُ وَلِيًّا بِحَالٍ وَكَذَلِكَ لَا يُوَكِّلُ عَبْدًا وَلَا من لم تَكْمُلْ فيه الْحُرِّيَّةُ وَكَذَلِكَ لَا يُوَكِّلُ مَحْجُورًا عليه وَلَا مَغْلُوبًا على عَقْلِهِ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَكُونُونَ وُلَاةً بِحَالٍ - * ما جاء في الْأَوْصِيَاءِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَوْلِيَاءَ وقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ولم يَخْتَلِفْ أَحَدٌ أَنَّ الْوُلَاةَ هُمْ الْعَصَبَةُ وَأَنَّ الْأَخْوَالَ لَا يَكُونُونَ وُلَاةً إنْ لم
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَجُوزُ أَمْرُ الْأَبِ على الْبِكْرِ في النِّكَاحِ إذَا كان النِّكَاحُ حَظًّا لها أو غير نَقْصٍ عليها وَلَا يَجُوزُ إذَا كان نَقْصًا لها أو ضَرَرًا عليها كما يَجُوزُ شِرَاؤُهُ وَبَيْعُهُ عليها بِلَا ضَرَرٍ عليها في الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ من غَيْرِ ما لَا يَتَغَابَنُ أَهْلُ الْبَصَرِ بِهِ وَكَذَلِكَ ابْنُهُ الصَّغِيرُ قال وَلَوْ زَوَّجَ رَجُلٌ ابْنَتَهُ عَبْدًا له أو لِغَيْرِهِ لم يَجُزْ النِّكَاحُ لِأَنَّ الْعَبْدَ غَيْرُ كُفْءٍ لم يَجُزْ وفي ذلك عليها نَقْصٌ بِضَرُورَةٍ وَلَوْ زَوَّجَهَا غير كُفْءٍ لم يَجُزْ لِأَنَّ في ذلك عليها نَقْصًا وَلَوْ زَوَّجَهَا كُفُؤًا أَجْذَمَ أو أَبْرَصَ أو مَجْنُونًا أو خَصِيًّا مَجْبُوبًا أو غير مَجْبُوبٍ لم يَجُزْ عليها لِأَنَّهَا لو كانت بَالِغًا كان لها الْخِيَارُ إذَا عَلِمَتْ هِيَ بِدَاءٍ من هذه الْأَدْوَاءِ وَلَوْ زَوَّجَهَا كُفُؤًا صَحِيحًا ثُمَّ عَرَضَ له دَاءٌ من هذه الْأَدْوَاءِ لم يَكُنْ له أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حتى تَبْلُغَ فإذا بَلَغَتْ فَلَهَا الْخِيَارُ ( قال ) وَلَوْ عَقَدَ النِّكَاحَ عليها لِرَجُلٍ بِهِ بَعْضُ الْأَدْوَاءِ ثُمَّ ذَهَبَ عنه قبل أَنْ تَبْلُغَ أو عِنْدَ بُلُوغِهَا فَاخْتَارَتْ الْمُقَامَ معه لم يَكُنْ لها ذلك لِأَنَّ أَصْلَ الْعَقْدِ كان مَفْسُوخًا ( قال ) ولو زَوَّجَ ابْنَهُ صَغِيرًا أو مَخْبُولًا أَمَةً كان النِّكَاحُ مَفْسُوخًا لِأَنَّ الصَّغِيرَ لَا يَخَافُ الْعَنَتَ وَالْمَخْبُولَ لَا يُعْرِبُ عن نَفْسِهِ بِأَنَّهُ يَخَافُ الْعَنَتَ وَإِنْ كان كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَجِدُ طَوْلًا وَلَوْ زَوَّجَهُ جَذْمَاءَ أو بَرْصَاءَ أو مَجْنُونَةً أو رَتْقَاءَ لم يَجُزْ عليه النِّكَاحُ وَكَذَلِكَ لو كان زَوَّجَهُ امْرَأَةً في نِكَاحِهَا ضَرَرٌ عليه أو ليس له فيها وَطَرٌ مِثْلُ عَجُوزٍ فَانِيَةٍ أو عَمْيَاءَ أو قَطْعَاءَ أو ما أَشْبَهَ هذا - * الْمَرْأَةُ لَا يَكُونُ لها الْوَلِيُّ - *

(5/19)


يَكُونُوا عَصَبَةً فَبَيَّنَ في قَوْلِهِمْ أَنْ لَا وِلَايَةَ لِوَصِيٍّ إنْ لم يَكُنْ من الْعَصَبَةِ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ يُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ جُعِلَتْ لِلْعَصَبَةِ لِلْعَارِ عليهم والوصى مِمَّنْ لَا عَارَ عليه فِيمَا أَصَابَ غَيْرَهُ من عَارٍ وَسَوَاءٌ وَصَّى الْأَبُ بِالْأَبْكَارِ وَالثَّيِّبَاتِ وَوَصَّى غَيْرَهُ فَلَا وِلَايَةَ لِوَصِيٍّ في النِّكَاحِ بِحَالٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ ليس بِوَكِيلِ الْوَلِيِّ وَلَا بِوَلِيٍّ وَالْخَالُ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ عليه عَارٌ من الوصى وهو لَا وِلَايَةَ له إذَا لم يَكُنْ له نَسَبٌ من قِبَلِ الْأَبِ وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ من لَقِيت من أَهْلِ الْآثَارِ وَالْقِيَاسُ وقد قال قَائِلٌ يَجُوزُ نِكَاحُ وَصِيِّ الْأَبِ على الْبِكْرِ خَاصَّةً دُونَ الْأَوْلِيَاءِ وَلَا يَكُونُ له أَنْ يُنْكِحَ الْبِكْرَ بِغَيْرِ إذْنِهَا وَلِلْأَبِ أَنْ يُنْكِحَهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا وَلَا يَجُوزُ إنْكَاحُهُ الثَّيِّبَ بِأَمْرِهَا وَأَمْرُهَا إلَى الْوُلَاةِ وَيَقُولُ وَلَا يَجُوزُ إنْكَاحُ وَصِيِّ وَلِيٍّ غَيْرِ وَصِيِّ الْأَبِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يُزَوِّجُ الصَّغِيرَةَ التي لم تَبْلُغْ أَحَدٌ غَيْرُ الْآبَاءِ وَإِنْ زَوَّجَهَا فَالتَّزْوِيجُ مَفْسُوخٌ وَالْأَجْدَادُ آبَاءٌ إذَا لم يَكُنْ أَبٌ يَقُومُونَ مَقَامَ الْآبَاءِ في ذلك وَلَا يُزَوِّجُ الْمَغْلُوبَةَ على عَقْلِهَا أَحَدٌ غَيْرُ الْآبَاءِ فَإِنْ لم يَكُنْ آبَاءٌ رُفِعَتْ إلَى السُّلْطَانِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُعْلِمَ الزَّوْجَ ما اُشْتُهِرَ عِنْدَهُ أنها مَغْلُوبَةٌ على عَقْلِهَا فَإِنْ يُقْدِمْ على ذلك زَوَّجَهَا إيَّاهُ وَإِنَّمَا مَنَعْتُ الْوُلَاةَ غير الْآبَاءِ تَزْوِيجَ الْمَغْلُوبَةِ على عَقْلِهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِوَلِيٍّ غَيْرِ الْآبَاءِ أَنْ يُزَوِّجَ امْرَأَةً إلَّا بِرِضَاهَا فلما كانت مِمَّنْ لَا رِضَا لها لم يَكُنْ النِّكَاحُ لهم تَامًّا وَإِنَّمَا أَجَزْت لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُنْكِحَهَا لِأَنَّهَا قد بَلَغَتْ أو أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى النِّكَاحِ وَأَنَّ في النِّكَاحِ لها عَفَافًا وَغِنَاءً وَرُبَّمَا كان لها فيه شِفَاءٌ وكان إنْكَاحُهُ إيَّاهَا كَالْحُكْمِ لها وَعَلَيْهَا وَإِنْ أَفَاقَتْ فَلَا خِيَارَ لها وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَهَا إلَّا كُفُؤًا وإذا أَنْكَحَهَا فَنِكَاحُهُ ثَابِتٌ وَتَرِثُ وَتُورَثُ وَإِنْ غَلَبَ على عَقْلِهَا من مَرَضٍ أو بِرْسَامٍ أو غَيْرِهِ لم يَكُنْ له أَنْ يُنْكِحَهَا حتى يَتَأَنَّى بها فَإِنْ أَفَاقَتْ أَنْكَحَهَا الْوَلِيُّ من كان بِإِذْنِهَا وَإِنْ لم تُفِقْ حتى طَالَ ذلك وَيُؤَيَّسُ من إفَاقَتِهَا زَوَّجَهَا الْأَبُ أو السُّلْطَانُ وَإِنْ كان بها مع ذَهَابِ الْعَقْلِ جُنُونٌ أو جُذَامٌ أو بَرَصٌ أَعْلَمَ ذلك الزَّوْجَ قبل أَنْ يُزَوِّجَهَا وَإِنْ كان بها ضَنًى يَرَى أَهْلُ الْخِبْرَةِ بها أنها لَا تُرِيدُ النِّكَاحَ معه لم أَرَ له أَنْ يُزَوِّجَهَا وَإِنْ زَوَّجَهَا لم أُرِدْ تَزْوِيجَهُ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ ازْدِيَادٌ لها لَا مُؤْنَةٌ عليها فيه وَسَوَاءٌ إذَا كانت مَغْلُوبَةً على عَقْلِهَا بِكْرًا كانت أو ثَيِّبًا لَا يُزَوِّجُهَا إلَّا أَبٌ أو سُلْطَانٌ بِلَا أَمْرِهَا لِأَنَّهُ لَا أَمْرَ لها - * نِكَاحُ الصِّغَارِ وَالْمَغْلُوبِينَ على عُقُولِهِمْ من الرِّجَالِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في الْكَبِيرِ الْمَغْلُوبُ على عَقْلِهِ لِأَبِيهِ أَنْ يُزَوِّجَهُ لِأَنَّهُ لَا أَمْرَ له في نَفْسِهِ وَإِنْ كان يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَلَيْسَ له أَنْ يُزَوِّجَهُ حتى يَأْذَنَ له وهو مُفِيقٌ في أَنْ يُزَوِّجَ فإذا أَذِنَ فيه زَوَّجَهُ وَلَا أَرُدُّ إنْكَاحَهُ إيَّاهُ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ غير الْآبَاءِ أَنْ يُزَوِّجُوا الْمَغْلُوبَ على عَقْلِهِ لِأَنَّهُ لَا أَمْرَ له في نَفْسِهِ وَيُرْفَعُ إلَى الْحَاكِمِ فَيَسْأَلُ عنه فَإِنْ كان يَحْتَاجُ إلَى التَّزْوِيجِ ذَكَرَ لِلْمُزَوَّجَةِ حاله فَإِنْ رَضِيَتْ حاله زَوَّجَهُ وَإِنْ لم يَكُنْ يَحْتَاجُ إلَى التَّزْوِيجِ فِيمَا يَرَى بِزَمَانَةٍ أو غَيْرِهَا * ( 1 ) *
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وهو يَزْعُمُ أَنَّ الْمَيِّتَ إذَا مَاتَ انْقَطَعَتْ وَكَالَتُهُ فَإِنْ كان الْوَصِيُّ وَكِيلًا عِنْدَهُ كَوَكِيلِ الْحَيِّ فَوَكِيلُ الْأَبِ وَالْأَخِ ( 1 ) وَلِيُّ الْأَوْلِيَاءِ الْبِكْرُ وَالثَّيِّبُ يَجُوزُ إنْكَاحُهُمْ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ بِوَكَالَةِ من وَكَّلَهُمْ ما جَازَ لِمَنْ وَكَّلَهُمْ بِالنِّكَاحِ وَيُقِيمُهُمْ مُقَامَ من وَكَّلَهُ وهو لَا يُجِيزُ لِوَصِيِّ الْأَبِ ما يُجِيزُ لِلْأَبِ وَيَقُولُ ليس بِوَكِيلٍ وَلَا أَبٍ فَيُقَالُ فَوَلِيُّ قَرَابَةٍ فيقول لَا فَيُقَالُ ما هو فيقول وصى وَلِيٍّ فيقول يَقُومُ مَقَامُهُ وَلَا يدرى ما يقول وَيُقَالُ فما لِغَيْرِ الْأَبِ فيقول الْوَصِيُّ ليس بِوَلِيٍّ وَلَا وَكِيلٍ فَيَجُوزُ نِكَاحُهُ وَلَيْسَ من النِّكَاحِ بِسَبِيلٍ فيقول قَوْلًا مُتَنَاقِضًا يُخَالِفُ مَعْنَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْآثَارِ - * إنْكَاحُ الصِّغَارِ وَالْمَجَانِين - *

(5/20)


لم يَكُنْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُزَوِّجَهُ وَلَا لِأَبِيهِ إلا أَنْ يَكُونَ تَزْوِيجُهُ لِيُخْدَمَ فَيَجُوزَ تَزْوِيجُهُ لِذَلِكَ وللاباء ما لِلْأَبِ في الْمَغْلُوبِ على عَقْلِهِ وفي الصَّغِيرَةِ وَالْمَرْأَةِ الْبِكْرِ وللاباء تَزْوِيجُ الِابْنِ الصَّغِيرِ وَلَا خِيَارَ له إذَا بَلَغَ وَلَيْسَ ذلك لِسُلْطَانٍ وَلَا وَلِيٍّ وَإِنْ زَوَّجَهُ سُلْطَانٌ أو ولى غَيْرُ الْآبَاءِ فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ لِأَنَّا إنَّمَا نُجِيزُ عليه أَمْرَ الْأَبِ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ في النَّظَرِ له ما لم يَكُنْ له في نَفْسِهِ أَمْرٌ وَلَا يَكُونُ له خِيَارٌ إذَا بَلَغَ فَأَمَّا غَيْرُ الْأَبِ فَلَيْسَ ذلك له وَلَوْ كان الصَّبِيُّ مَجْبُوبًا أو مَخْبُولًا فَزَوَّجَهُ أَبُوهُ كان نِكَاحُهُ مَرْدُودًا لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّكَاحِ قال وإذا زَوَّجَ الْمَغْلُوبَ على عَقْلِهِ فَلَيْسَ لِأَبِيهِ وَلَا لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُخَالِعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ وَلَا أَنْ يُطَلِّقَهَا عليه وَلَا يُزَوَّجُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَّا بَالِغًا وَبَعْدَ ما يُسْتَدَلُّ على حَاجَتِهِ إلي النِّكَاحِ وَلَوْ طَلَّقَهَا لم يَكُنْ طَلَاقُهُ طَلَاقًا وَكَذَلِكَ لو آلَى منها أو تَظَاهَرَ لم يَكُنْ عليه إيلَاءٌ وَلَا ظِهَارٌ لِأَنَّ الْقَلَمَ مَرْفُوعٌ عنه وَكَذَلِكَ لو قَذَفَهَا وَانْتَفَى من وَلَدَهَا لم يَكُنْ له أَنْ يُلَاعِنَ وَيَلْزَمُهُ الْوَلَدُ وَلَوْ قالت هو عِنِّينٌ لَا يَأْتِينِي لم نضرب ( ( ( تضرب ) ) ) له أَجَلًا وَذَلِكَ أنها إنْ كانت ثَيِّبًا فَقَدْ يَأْتِيهَا وَتَجْحَدُ وهو لو كان صَحِيحًا جُعِلَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مع يَمِينِهِ وَإِنْ كانت بِكْرًا فَقَدْ تَمْتَنِعُ من أَنْ يَنَالَهَا فَلَا يَعْقِلُ أَنْ يَدْفَعَ عن نَفْسِهِ بِالْقَوْلِ أنها تَمْتَنِعُ وَيَمْتَنِعُ وَيُؤْمَرُ إشَارَةً بِإِصَابَتِهَا وَلَوْ ارْتَدَّ لم تَحْرُمْ عليه لِأَنَّ الْقَلَمَ مَرْفُوعٌ عنه وَلَوْ ارْتَدَّتْ هِيَ فلم تَعُدْ إلَى الْإِسْلَامِ حتى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ بَانَتْ منه وَهَكَذَا إذَا نَكَحَتْ الْمَغْلُوبَةُ على عَقْلِهَا لم يَكُنْ لِأَبِيهَا وَلَا لِوَلِيٍّ غَيْرِهِ أَنْ يُخَالِعَ عنها بِدِرْهَمٍ من مَالِهَا وَلَا يُبْرِئُ زَوْجَهَا من نَفَقَتِهَا وَلَا شَيْءَ وَجَبَ لها عليه فَإِنْ هَرَبَتْ أو امْتَنَعَتْ منه لم يَكُنْ لها عليه نَفَقَةٌ ما دَامَتْ هَارِبَةً أو مُمْتَنِعَةً وَإِنْ آلَى منها وَطَلَبَ وَلِيُّهَا وَقْفَهُ قِيلَ له اتَّقِ اللَّهَ وَفِئْ أو طَلِّقْ وَلَا يُجْبَرُ على طَلَاقٍ كما لَا يُجْبَرُ لو طَلَبَتْهُ هِيَ وَكَذَلِكَ إنْ كان عِنِّينًا لم يُؤَجِّلْ لها من قِبَلِ أَنَّ هذا شَيْءٌ إنْ كانت صَحِيحَةً كان لها طَلَبُهُ لِتُعْطَاهُ أو يُفَارِقَ وَإِنْ تَرَكَتْهُ لم يَحْمِلْ فيه الزَّوْجُ على الْفِرَاقِ لِأَنَّ الْفِرَاقَ إنَّمَا يَكُونُ بِرِضَاهَا وَامْتِنَاعِهِ من الْفَيْءِ فَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ طَلَبٌ أَنْ يُفَارِقَ بِحُكْمٍ يَلْزَمُ زَوْجَهَا غَيْرُهَا وَهِيَ مِمَّنْ لَا طَلَبَ له وَلَوْ طَلَبَتْ لم يَكُنْ ذلك على الزَّوْجِ وَهَكَذَا الصَّبِيَّةُ التي لَا تَعْقِلُ في كل ما وَصَفْت قال وَلَوْ قَذَفَ الْمَجْنُونَةَ وَانْتَفَى من وَلَدِهَا قِيلَ له إنْ أَرَدْت أَنْ تَنْفِيَ الْوَلَدَ بِاللِّعَانِ فَالْتَعِنْ فإذا الْتَعَنَ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا وَلَا يَكُونُ له أَنْ يَنْكِحَهَا أَبَدًا وَلَا يُرَدَّ عليه وَيُنْفَى عنه الْوَلَدُ وَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ أُلْحِقَ بِهِ الْوَلَدُ وَلَا يُعَزَّرُ ولم يَنْكِحْهَا أَبَدًا فَإِنْ أبي أَنْ يَلْتَعِنَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ وَالْوَلَدُ وَلَدُهُ وَلَا يُعَزَّرُ لها قال وَأَيُّ وَلَدٍ وَلَدَتْهُ ما كانت في مِلْكِهِ لَزِمَهُ إلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ بِلِعَانٍ وَإِنْ وُجِدَ مَعَهَا وَلَدٌ فقال لم تَلِدْهُ وَلَا قَافَةَ وريئت تَدِرُّ عليه وَتُرْضِعُهُ وتحنو ( ( ( وتحنوا ) ) ) عليه حُنُوَّ الْأُمِّ لم تَكُنْ أُمُّهُ إلَّا بِأَنْ يَشْهَدَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ أنها وَلَدَتْهُ أو يُقِرَّ هو بِأَنَّهَا وَلَدَتْهُ فَيُلْحِقَهُ وَإِنْ كانت قَافَةٌ فَأَلْحَقُوهُ بها فَهُوَ وَلَدُهُ إلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ بِلِعَانٍ وَلَيْسَ لِلْأَبِ في الصَّبِيَّةِ وَالْمَغْلُوبَةِ على عَقْلِهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا عَبْدًا وَلَا غير كُفْءٍ لها وَأَنْظُرُ كُلَّ امْرَأَةٍ كانت بَالِغًا ثَيِّبًا فَدَعَتْ إلَيْهِ كان لِأَبِيهَا وَوَلِيِّهَا مَنْعُهَا منه وَلَيْسَ لِلْأَبِ عليها إدْخَالُهَا فيه وَلَا لِلْأَبِ وَلَا لِلسُّلْطَانِ في وَاحِدٍ مِنْهُمَا أن يزوجها مجنونا ولا مجذوما ولا أبرص ولا مغلوبا على عقله لأنه قد كان لها لو تزوجته برضاها إذا علمت أن تفسخ نكاحه وكذلك ليس له أَنْ يُزَوِّجَهَا مَجْبُوبًا وَكَذَلِكَ ليس له أَنْ يُكْرِهَ أَمَتَهُ على وَاحِدٍ من هَؤُلَاءِ بِنِكَاحٍ وَلَهُ أَنْ يَهَبَهَا لِكُلِّ وَاحِدٍ من هَؤُلَاءِ وَيَبِيعَهَا منه وَلَا لِوَلِيِّ الصَّبِيِّ أَنْ يُزَوِّجَهُ مَجْنُونَةً وَلَا جَذْمَاءَ وَلَا بَرْصَاءَ وَلَا مَغْلُوبَةً على عَقْلِهَا وَلَا امْرَأَةً لَا تُطِيقُ جِمَاعًا بِحَالٍ وَلَا أَمَةً وَإِنْ كان لَا يَجِدُ طَوْلًا لِحُرَّةٍ لِأَنَّهُ مِمَّنْ لَا يَخَافُ الْعَنَتَ
____________________

(5/21)


- * النِّكَاحُ بِالشُّهُودِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قال الرَّجُلُ لِلْمَرْأَةِ قد زَوَّجْتُكِ حَمْلَ امْرَأَتِي وَقَبِلَتْ ذلك الْمَرْأَةُ أو أَوَّلَ وَلَدٍ تَلِدُهُ امْرَأَتِي وَقَبِلَتْ ذلك الْمَرْأَةُ أو قال ذلك الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ في حَبَلِ امْرَأَتِهِ قد زَوَّجْتُكَ أَوَّلَ جَارِيَةٍ تَلِدُهَا امْرَأَتِي وَقَبِلَ الرَّجُلُ فَلَا يَكُونُ شَيْءٌ من هذا نِكَاحًا أَبَدًا وَلَا نِكَاحَ لِمَنْ لم يُولَدْ أَلَا تَرَى أنها قد لَا تَلِدُ جَارِيَةً وقد لَا تَلِدُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا نِكَاحَ لِلْأَبِ في ثَيِّبٍ وَلَا لِوَلِيٍّ غَيْرِ الْأَبِ في بِكْرٍ وَلَا ثَيِّبٍ غَيْرِ مَغْلُوبَةٍ على عَقْلِهَا حتى يَجْمَعَ النِّكَاحُ أَرْبَعًا أَنْ تَرْضَى الْمَرْأَةُ الْمُزَوَّجَةُ وَهِيَ بَالِغٌ وَالْبُلُوغُ أَنْ تَحِيضَ أو تَسْتَكْمِلَ خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً وَيَرْضَى الزَّوْجُ الْبَالِغُ وَيُنْكِحُ الْمَرْأَةَ وَلِيٌّ لَا أَوْلَى منه أو السُّلْطَانُ وَيَشْهَدُ على عَقْدِ النِّكَاحِ شَاهِدَانِ عَدْلَانِ فَإِنْ نَقَصَ النِّكَاحُ وَاحِدًا من هذا كان فَاسِدًا قال وَلِأَبِي الْبِكْرِ أَنْ يُزَوِّجَهَا صَغِيرَةً وَكَبِيرَةً بِغَيْرِ أَمْرِهَا وَأَحَبُّ إلى أن كانت بَالِغًا أَنْ يَسْتَأْمِرَهَا وَذَلِكَ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ في أَمَتِهِ وَلَيْسَ ذلك لِسَيِّدِ الْعَبْدِ في عَبْدِهِ وَلَا لِأَحَدٍ من الْأَوْلِيَاءِ غَيْرِ الْآبَاءِ في الْبِكْرِ وَهَكَذَا لِأَبِي الْمَجْنُونَةِ الْبَالِغِ أَنْ يُزَوِّجَهَا تَزْوِيجَ الصَّغِيرَةِ الْبِكْرِ بِكْرًا كانت أو ثَيِّبًا وَلَيْسَ ذلك لِغَيْرِ الأباء إلَّا السُّلْطَانَ - * النِّكَاحُ بِالشُّهُودِ أَيْضًا - *
أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ وَسَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عبد اللَّهِ بن عُثْمَانَ بن خَيْثَمٍ عن سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ عن بن عَبَّاسٍ قال لَا نِكَاحَ إلَّا بِشَاهِدَيْ عَدْلٍ وَوَلِيٍّ مُرْشِدٍ وَأَحْسَبُ مُسْلِمَ بن خَالِدٍ قد سَمِعَهُ من بن خَيْثَمٍ أخبرنا مَالِكٌ عن أبي الزُّبَيْرِ قال أتى عُمَرُ بِنِكَاحٍ لم يَشْهَدْ عليه إلَّا رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فقال هذا نِكَاحُ السِّرِّ وَلَا أُجِيزُهُ وَلَوْ كُنْت تَقَدَّمْت فيه لَرَجَمْت قال وَلَوْ شَهِدَ النِّكَاحَ من لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَإِنْ كَثُرُوا من أَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ أو شَهَادَةُ عَبِيدٍ مُسْلِمِينَ أو أَهْلِ ذِمَّةٍ لم يَجُزْ النِّكَاحُ حتى يَنْعَقِدَ بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ قال وإذا كان ( ( ( كانا ) ) ) الشَّاهِدَانِ لَا يُرَدَّانِ من جِهَةِ التَّعْدِيلِ وَلَا الْحُرِّيَّةِ وَلَا الْبُلُوغِ وَلَا عِلَّةَ في أَنْفُسِهِمَا خَاصَّةً جَازَ النِّكَاحُ قال وإذا كَانَا عَدْلَيْنِ عَدُوَّيْنِ لِلْمَرْأَةِ أو لِلرَّجُلِ فَتَصَادَقَ الزَّوْجَانِ على النِّكَاحِ جَازَتْ الشَّهَادَةُ لِأَنَّهَا شَهَادَةُ عَدْلَيْنِ وَإِنْ تَجَاحَدَا لم يَجُزْ النِّكَاحُ لِأَنِّي لَا أُجِيزُ شَهَادَتَهُمَا على عَدُوَّيْهِمَا وَأَحْلَفْت الْجَاحِدَ مِنْهُمَا فَإِنْ حَلَفَ بريء وَإِنْ نَكَلَ رَدَدْت الْيَمِينَ على صَاحِبِهِ فَإِنْ حَلَفَ أُثْبِتْ له النِّكَاحَ وَإِنْ لم يَحْلِفْ لم أُثْبِتْ له نِكَاحًا وَإِنْ رؤى رَجُلٌ يَدْخُلُ على امْرَأَةٍ فقالت زَوْجِي وقال زَوْجَتِي نَكَحْتهَا بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ ثَبَتَ النِّكَاحُ وَإِنْ لم نَعْلَمْ الشَّاهِدَيْنِ قال وَلَوْ عُقِدَ النِّكَاحُ بِغَيْرِ شُهُودٍ ثُمَّ أَشْهَدَ بَعْدَ ذلك على حِيَالِهِ وَأَشْهَدَتْ وَوَلِيُّهَا على حِيَالِهِمَا لم يَجُزْ النِّكَاحُ وَلَا نُجِيزُ نِكَاحًا إلَّا نِكَاحًا عُقِدَ بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ وما وَصَفْت معه وَلَا يَكُونُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالنِّكَاحِ غير جَائِزٍ لم يَجُزْ إلَّا بِتَجْدِيدِ نِكَاحٍ غَيْرِهِ وَلَوْ كان الشَّاهِدَانِ عَدْلَيْنِ حِين حَضَرَا النِّكَاحَ ثُمَّ سَاءَتْ حَالُهُمَا حتى رُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا فَتَصَادَقَا أَنَّ النِّكَاحَ قد كان وَالشَّاهِدَانِ عَدْلَانِ أو قَامَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ جَازَ وَإِنْ قَالَا كان النِّكَاحُ وَهُمَا بِحَالِهِمَا لم يَجُزْ وقال إنَّمَا أَنْظُرُ في عُقْدَةِ النِّكَاحِ وَلَا أَنْظُرُ أَيْنَ يَقُومَانِ هذا يُخَالِفُ الشَّهَادَةَ على الْحَقِّ غير النِّكَاحِ في هذا الْمَوْضِعِ الشَّهَادَةُ على الْحَقِّ يوم يَقَعُ الْحُكْمُ وَلَا يَنْظُرُ إلَى حَالَ الشَّاهِدَيْنِ قَبْلُ وَالشَّهَادَةُ على النِّكَاحِ يوم يَقَعُ الْعَقْدُ قال وَلَوْ جَهِلَا حَالَ الشَّاهِدَيْنِ وَتَصَادَقَا على النِّكَاحِ بِشَاهِدَيْنِ جَازَ النِّكَاحُ وَكَانَا على الْعَدْلِ حتى أَعْرِفَ الْجُرْحَ يوم وَقَعَ النِّكَاحُ وإذا وَقَعَ النِّكَاحُ ثُمَّ أَمَرَهُ الزَّوْجَانِ بِكِتْمَانِ النِّكَاحِ وَالشَّاهِدَيْنِ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَأَكْرَهُ لَهُمَا السِّرَّ لِئَلَّا يَرْتَابَ بِهِمَا - * ما جاء في النِّكَاحِ إلَى أَجَلٍ وَنِكَاحُ من لم يُولَدْ - *

(5/22)


غُلَامًا أَبَدًا فإذا كان الْكَلَامُ مُنْعَقِدًا على غَيْرِ شَيْءٍ لم يَجُزْ وَلَا يَجُوزُ النِّكَاحُ إلَّا على عَيْنٍ بِعَيْنِهَا وَلَوْ قال الرَّجُلُ إذَا كان غَدًا فَقَدْ زَوَّجْتُك ابْنَتِي وَقَبِلَ ذلك الرَّجُلُ أو قال رَجُلٌ لِرَجُلٍ إذَا كان غَدًا فَقَدْ زَوَّجْت ابْنِي ابْنَتَك وَقَبِلَ أبو الْجَارِيَةِ وَالْغُلَامُ وَالْجَارِيَةُ صَغِيرَانِ لم يَجُزْ له لِأَنَّهُ قد يَكُونُ غَدًا وقد مَاتَ ابْنُهُ أو ابْنَتُهُ أو هُمَا وإذا انْعَقَدَ النِّكَاحُ وَانْعِقَادُهُ الْكَلَامُ بِهِ فَكَانَ في وَقْتٍ لَا يَحِلُّ له فيه الْجِمَاعُ وَلَا يَتَوَارَثُ الزَّوْجَانِ لم يَجُزْ وكان ذلك في مَعْنَى الْمُتْعَةِ التي تَكُونُ زَوْجَةً في أَيَّامٍ وَغَيْرِ زَوْجَةٍ في أَيَّامٍ وفي أَكْثَرَ من مَعْنَى الْمُتْعَةِ لِأَنَّهُ قد جَاءَتْ مُدَّةٌ بَعْدَ الْعَقْدِ لم يُوجَبْ فيها النِّكَاحُ وَلَا يَكُونُ هذا نِكَاحًا عِنْدَنَا وَلَا عِنْدَ من أَجَازَ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ هذا أَفْسَدُ من نِكَاحِ الْمُتْعَةِ - * ما يَجِبُ بِهِ عَقْدُ النِّكَاحِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْأُمَّهَاتُ أُمُّ الرَّجُلِ الْوَالِدَةُ وَأُمَّهَاتُهَا وَأُمَّهَاتُ آبَائِهِ وَإِنْ بَعُدَتْ الْجَدَّاتُ لِأَنَّهُنَّ يَلْزَمُهُنَّ اسْمُ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتُ بَنَاتُ الرَّجُلِ لِصُلْبِهِ وَبَنَاتُ بَنِيهِ وَبَنَاتُهُنَّ وَإِنْ سَفُلْنَ فَكُلُّهُنَّ يَلْزَمُهُنَّ اسْمُ الْبَنَاتِ كما لَزِمَ الْجَدَّاتِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا خَطَبَ الرَّجُلُ على نَفْسِهِ فقال زوجني ( ( ( زوجتي ) ) ) فلانه أو وَكِيلُ الرَّجُلِ على من وَكَّلَهُ فقال ذلك أو أبو الصَّبِيِّ الْمُوَلَّى عليه الْمَرْأَةَ إلَى وَلِيِّهَا بعد ما أَذِنَتْ في إنْكَاحِ الْخَاطِبِ أو الْمَخْطُوبِ عليه فقال الْوَلِيُّ قد زَوَّجْتُك فُلَانَةَ التي سَمَّى فَقَدْ لَزِمَ النِّكَاحُ وَلَا احْتِيَاجَ إلَى أَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ أو من وَلِيَ عَقْدَ نِكَاحِهِ بِوَكَالَتِهِ قد قَبِلْت إذَا بَدَأَ فَخَطَبَ فَأُجِيبَ بِالنِّكَاحِ قال وَلَوْ احْتَجْت إلَى هذا لم أُجِزْ نِكَاحًا أَبَدًا إلَّا بِأَنْ يولى الرَّجُلُ وَتُوَلِّيَ الْمَرْأَةُ رَجُلًا وَاحِدًا فَيُزَوِّجَهُمَا وَذَلِكَ أَنِّي إذَا احْتَجْت إلَى أَنْ يَقُولَ الْخَاطِبُ وقد بَدَأَ بِالْخِطْبَةِ إذَا زَوَّجَ قد قَبِلْت لِأَنِّي لَا أَدْرِي ما بَدَا لِلْخَاطِبِ احْتَجْت إلَى أَنْ يَقُولَ وَلِيُّ الْمَرْأَةِ قد أَجَزْت لِأَنِّي لَا أَدْرِي ما بَدَا له إنْ كان إذَا زَوَّجَ لم يَثْبُتْ النِّكَاحُ إلَّا بِإِحْدَاثِ الْمُنْكِحِ قَبُولًا لِلنِّكَاحِ ثُمَّ احْتَجْت إلَى أَنْ أَرُدَّ الْقَوْلَ على الزَّوْجِ ثُمَّ هَكَذَا على وَلِيِّ الْمَرْأَةِ فَلَا يَجُوزُ بهذا الْمَعْنَى نِكَاحٌ أَبَدًا وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِمَا وَصَفْت من أَنْ يلى العقد عَلَيْهِمَا وَاحِدٌ بِوَكَالَتِهِمَا وَلَكِنْ لو بَدَأَ وَلِيُّ الْمَرْأَةِ فقال لِرَجُلٍ قد زَوَّجْتُك ابْنَتِي لم يَكُنْ نِكَاحًا حتى يَقُولَ الرَّجُلُ قد قَبِلْت لِأَنَّ هذا ابْتِدَاءُ كَلَامٍ ليس جَوَابَ مُخَاطَبَةٍ وَإِنْ خَطَبَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فلم يُجِبْهُ الْأَبُ حتى يَقُولَ الْخَاطِبُ قد رَجَعْت في الْخُطْبَةِ فَزَوَّجَهُ الْأَبُ بَعْدَ رُجُوعِهِ كان النِّكَاحُ مَفْسُوخًا لِأَنَّهُ زَوَّجَ غير خَاطِبٍ إلَّا أَنْ يَقُولَ بَعْدَ تَزْوِيجِ الْأَبِ قد قَبِلْت وَلَوْ خَطَبَ رَجُلٌ إلَى رَجُلٍ فلم يُجِبْهُ الرَّجُلُ حتى غُلِبَ على عَقْلِهِ ثُمَّ زَوَّجَهُ لم يَكُنْ هذا نِكَاحًا لِأَنَّهُ عقده من قد بَطَلَ كَلَامُهُ وَمَنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا وَهَكَذَا لو كان الْخَاطِبُ الْمَغْلُوبُ على عَقْلِهِ بَعْدَ أَنْ يَخْطُبَ وَقَبْلَ أَنْ يُزَوِّجَ وَلَكِنْ لو عَقَدَ عليه ثُمَّ غَلَبَ على عَقْلِهِ كان النِّكَاحُ جَائِزًا إذَا عَقَدَ وَمَعَهُ عَقْلُهُ وَلَوْ كان هذا في امْرَأَةٍ أَذِنَتْ في أَنْ تَنْكِحَ فلم تَنْكِحَ حتى غُلِبَتْ على عَقْلِهَا ثُمَّ أَنُكِحَتْ بَعْدَ الْغَلَبَةِ على عَقْلِهَا كان النِّكَاحُ مَفْسُوخًا لِأَنَّهُ لم يَلْزَمْهَا شَيْءٌ من النِّكَاحِ حتى غُلِبَ على عَقْلِهَا فَبَطَلَ إذْنُهَا وَهَذَا كما قُلْنَا في الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا قال وَلَوْ زُوِّجَتْ قبل أَنْ تُغْلَبَ على عَقْلِهَا ثُمَّ غُلِبَتْ بَعْدَ التَّزْوِيجِ على عَقْلِهَا لَزِمَهَا النِّكَاحُ وَلَوْ قال الرَّجُلُ لِأَبِي الْمَرْأَةِ أَتُزَوِّجُنِي فلانه فقال قد زَوَّجْتُكَهَا لم يَثْبُتُ النِّكَاحُ حتى يَقْبَلَ الْمُزَوَّجُ لِأَنَّ هذا ليس خِطْبَةً وَهَذَا اسْتِفْهَامٌ وإذا خَطَبَهَا على نَفْسِهِ ولم يُسَمِّ صَدَاقًا فَزَوَّجَهُ فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَلَوْ سَمَّى صَدَاقًا فَزَوَّجَهُ بِإِذْنِهَا كان الصَّدَاقُ له وَلَهَا لَازِمًا - * ما يَحْرُمُ من النِّسَاءِ بِالْقَرَابَةِ - * أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ } الْآيَةُ

(5/23)


اسْمُ الْأُمَّهَاتِ وَإِنْ عَلَوْنَ وَتَبَاعَدْنَ منه وَكَذَلِكَ وَلَدُ الْوَلَدِ وَإِنْ سَفَلُوا وَالْأَخَوَاتُ من وَلَدِ أبيه لِصُلْبِهِ أو أُمِّهِ نَفْسِهَا وَعَمَّاتِهِ من وَلَدِ جَدِّهِ الْأَدْنَى أو الْأَقْصَى وَمَنْ فَوْقَهُمَا من أَجْدَادِهِ وَخَالَاتِهِ من ولدته ( ( ( والدته ) ) ) أُمِّ أُمِّهِ وَأُمِّهَا وَمَنْ فَوْقَهُمَا من جَدَّاتِهِ من قَبْلِهَا وَبَنَاتُ الْأَخِ كُلُّ ما وَلَدَ الْأَخُ لِأَبِيهِ أو لِأُمِّهِ أو لَهُمَا من وَلَدٍ وَلَدَتْهُ وَالِدَتُهُ فَكُلُّهُمْ بَنُو أَخِيهِ وَإِنْ تَسَفَّلُوا وَهَكَذَا بَنَاتُ الْأُخْتِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ فَأَيْنَ دَلَالَةُ السُّنَّةِ بِأَنَّ الرَّضَاعَةَ تَقُومُ مَقَامَ النَّسَبِ قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
أخبرنا مَالِكُ بن أَنَسِ عن ( ( ( بن ) ) ) عبد اللَّهِ بن دِينَارٍ عن سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ عن عُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال يَحْرُمُ من الرَّضَاعِ ما يَحْرُمُ من الْوِلَادَةِ
أخبرنا مَالِكٌ عن عبد اللَّهِ بن أبي بَكْرٍ عن عَمْرَةَ بِنْتِ عبد الرحمن أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَخْبَرَتْهَا أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كان عِنْدَهَا وَأَنَّهَا سَمِعَتْ صَوْتَ رَجُلٍ يَسْتَأْذِنُ في بَيْتِ حَفْصَةَ فقالت عَائِشَةُ فَقُلْت يا رَسُولَ اللَّهِ هذا رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ في بَيْتِك فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أُرَاهُ فُلَانًا لِعَمِّ حَفْصَةَ من الرَّضَاعَةِ فَقُلْت يا رَسُولَ اللَّهِ لو كان فُلَانٌ حَيًّا لِعَمِّهَا من الرَّضَاعَةِ أَيَدْخُلُ عَلَيَّ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نعم إنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ ما يَحْرُمُ من الْوِلَادَةِ
أخبرنا بن عُيَيْنَةَ قال سَمِعَتْ بن جُدْعَانَ قال سَمِعَتْ بن الْمُسَيِّبِ يحدث عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ قال يا رَسُولَ اللَّهِ هل لَك في ابْنَةِ عَمِّك بِنْتِ حَمْزَةَ فَإِنَّهَا أَجْمَلُ فَتَاةٍ في قُرَيْشٍ فقال أَمَا عَلِمْت أَنَّ حَمْزَةَ أَخِي من الرَّضَاعَةِ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ من الرَّضَاعَةِ ما حَرَّمَ من النَّسَبِ أَخْبَرَ الدَّرَاوَرْدِيُّ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه عن عَائِشَةَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في ابْنَةِ حَمْزَةَ مِثْلَ حديث سُفْيَانَ في بِنْتِ حَمْزَةَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وفي نَفْسِ السُّنَّةِ أَنَّهُ يَحْرُمُ من الرَّضَاعِ ما يَحْرُمُ من الْوِلَادَةِ وَأَنَّ لَبَنَ الْفَحْلِ يُحَرِّمُ كما يُحَرِّمُ وِلَادَةُ الْأَبِ يُحَرِّمُ لَبَنُ الْأَبِ لَا اخْتِلَافَ في ذلك
أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن عَمْرِو بن الشَّرِيدِ أَنَّ بن عَبَّاسٍ سُئِلَ عن رَجُلٍ كانت له امْرَأَتَانِ فَأَرْضَعَتْ إحْدَاهُمَا غُلَامًا وَأَرْضَعَتْ الْأُخْرَى جَارِيَةً فَقِيلَ له هل يَتَزَوَّجُ الْغُلَامُ الْجَارِيَةَ فقال لَا اللِّقَاحُ وَاحِدٌ
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ قال أخبرنا بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَطَاءً عن لَبَنِ الْفَحْلِ أَيُحَرِّمُ فقال نعم فَقُلْت له أَبَلَغَك من ثَبَتَ فقال نعم قال بن جُرَيْجٍ قال عَطَاءٌ وَأَخَوَاتُكُمْ من الرَّضَاعَةِ فَهِيَ أُخْتُك من أَبِيك أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّ عَمْرَو بن دِينَارٍ أخبره أَنَّهُ سمع أَبَا الشَّعْثَاءِ يَرَى لَبَنَ الْفَحْلِ يُحَرِّمُ وقال بن جُرَيْجٍ عن بن طَاوُسٍ عن أبيه أَنَّهُ قال لَبَنُ الْفَحْلِ يُحَرِّمُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَمَاتَتْ أو طَلَّقَهَا قبل أَنْ يَدْخُلَ بها لم أَرَ له أَنْ يَنْكِحَ أُمَّهَا لِأَنَّ الْأُمَّ مُبْهَمَةُ التَّحْرِيمِ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل ليس فيها شَرْطٌ إنَّمَا الشَّرْطُ في الرَّبَائِبِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِ من الْمُفْتِينَ وَقَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ قال سُئِلَ زَيْدُ بن ثَابِتٍ عن رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَفَارَقَهَا قبل أَنْ يُصِيبَهَا هل تَحِلُّ له أُمُّهَا فقال زَيْدُ بن ثَابِتٍ لَا الْأُمُّ مُبْهَمَةٌ ليس فيها شَرْطٌ إنَّمَا الشَّرْطُ في الرَّبَائِبِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا أُمَّهَاتُهَا وَإِنْ بَعُدْنَ وَجَدَّاتُهَا لِأَنَّهُنَّ من أُمَّهَاتِ نِسَائِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فلم يَدْخُلْ بها حتى مَاتَتْ أو طَلَّقَهَا فَكُلُّ بِنْتٍ لها وَإِنْ سَفَلْنَ حَلَالٌ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَرَبَائِبُكُمْ اللَّاتِي في حُجُورِكُمْ من نِسَائِكُمْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لم تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } فَلَوْ نَكَحَ امْرَأَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا قبل أَنْ يَدْخُلَ بها ثُمَّ نَكَحَ ابْنَتَهَا حَرُمَتْ عليه أُمُّ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَحَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْأُخْتَ من الرَّضَاعَةِ فَاحْتَمَلَ تَحْرِيمُهَا مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا إذْ ذَكَرَ اللَّهُ تَحْرِيمَ الْأُمِّ وَالْأُخْتِ من الرَّضَاعَةِ فَأَقَامَهُمَا في التَّحْرِيمِ مُقَامَ الْأُمِّ وَالْأُخْتِ من النَّسَبِ أَنْ تَكُونَ الرَّضَاعَةُ كُلُّهَا تَقُومُ مَقَامَ النَّسَبِ فما حَرُمَ بِالنَّسَبِ حَرُمَ بِالرَّضَاعِ مِثْلِهِ وَبِهَذَا نَقُولُ بِدَلَالَةِ سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْقِيَاسُ على الْقُرْآنِ وَالْآخَرُ أَنْ يَحْرُمَ من الرَّضَاعِ الْأُمُّ وَالْأُخْتُ وَلَا يَحْرُمُ سُوَاهُمَا

(5/24)


امْرَأَتِهِ وَإِنْ لم يَدْخُلْ بِامْرَأَتِهِ لِأَنَّهَا صَارَتْ من أُمَّهَاتِ نِسَائِهِ وقد كانت قَبْلُ من نِسَائِهِ غير أَنَّهُ لم يَدْخُلْ بها وَلَوْ كان دخل بِالْأُمِّ لم تَحِلَّ له الْبِنْتُ وَلَا أَحَدٌ مِمَّنْ وَلَدَتْهُ الْبِنْتُ أَبَدًا لِأَنَّهُنَّ رَبَائِبُهُ من امْرَأَتِهِ التي دخل بها قال اللَّهُ عز وجل { وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ من أَصْلَابِكُمْ } فَأَيُّ امْرَأَةٍ نَكَحَهَا رَجُلٌ حُرِّمَتْ على أبيه دخل بها الِابْنُ أو لم يَدْخُلْ وَكَذَلِكَ تَحْرُمُ على جَمِيعِ آبَائِهِ من قِبَلِ أبيه وَأُمِّهِ لِأَنَّ الْأُبُوَّةَ تَجْمَعُهُمْ مَعًا وَكَذَلِكَ كُلُّ من نَكَحَ وَلَدُ وَلَدِهِ من قِبَلِ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ وَإِنْ سَفَلُوا لِأَنَّ الْأُبُوَّةَ تَجْمَعُهُمْ مَعًا قال اللَّهُ تَعَالَى { وَلَا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آبَاؤُكُمْ من النِّسَاءِ إلَّا ما قد سَلَفَ } فَأَيُّ امْرَأَةٍ نَكَحَهَا رَجُلٌ حُرِّمَتْ على وَلَدِهِ دخل بها الْأَبُ أو لم يَدْخُلْ بها وَكَذَلِكَ وَلَدُ وَلَدِهِ من قِبَلِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَإِنْ سَفَلُوا لِأَنَّ الأبوه تَجْمَعُهُمْ مَعًا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَشْبَهَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ { وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ من أَصْلَابِكُمْ } دُونَ أَدْعِيَائِكُمْ الَّذِينَ تُسَمُّونَهُمْ أَبْنَاءَكُمْ وَلَا يَكُونُ الرَّضَاعِ من هذا في شَيْءٍ وَحَرَّمْنَا من الرَّضَاعِ بِمَا حَرَّمَ اللَّهُ قِيَاسًا عليه وَبِمَا قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ يَحْرُمُ من الرَّضَاعِ ما يَحْرُمُ من الْوِلَادَةِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَلَا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آبَاؤُكُمْ من النِّسَاءِ إلَّا ما قد سَلَفَ } وفي قَوْلِهِ { وَأَنْ تَجْمَعُوا بين الْأُخْتَيْنِ إلَّا ما قد سَلَفَ } كان أَكْبَرُ وَلَدِ الرَّجُلِ يَخْلُفُ على امْرَأَةِ أبيه وكان الرَّجُلُ يَجْمَعُ بين الْأُخْتَيْنِ فَنَهَى اللَّهُ عز وجل عن أَنْ يَكُونَ منهم أَحَدٌ يَجْمَعُ في عُمْرِهِ بين أُخْتَيْنِ أؤ يَنْكِحَ ما نَكَحَ أَبُوهُ إلَّا ما قد سَلَفَ في الْجَاهِلِيَّةِ قبل عِلْمِهِمْ بِتَحْرِيمِهِ ليس أَنَّهُ أَقَرَّ في أَيْدِيهِمْ ما كَانُوا قد جَمَعُوا بَيْنَهُ قبل الْإِسْلَامِ كما أَقَرَّهُمْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم على نِكَاحِ الْجَاهِلِيَّةِ الذي لَا يَحِلُّ في الْإِسْلَامِ بِحَالٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وما حَرَّمْنَا على الْآبَاءِ من نِسَاءِ الْأَبْنَاءِ وَعَلَى الْأَبْنَاءِ من نِسَاءِ الْآبَاءِ وَعَلَى الرَّجُلِ من أُمَّهَاتِ نِسَائِهِ وَبَنَاتِ نِسَائِهِ اللَّاتِي دخل بِهِنَّ بِالنِّكَاحِ فَأُصِيبَ فَأَمَّا بالزنى فَلَا حُكْمَ لِلزِّنَا يُحَرِّمُ حَلَالًا فَلَوْ زَنَى رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ لم تَحْرُمْ عليه وَلَا على ابْنِهِ وَلَا على أبيه وَكَذَلِكَ لو زَنَى بِأُمِّ امْرَأَتِهِ أو بِنْتِ امْرَأَتِهِ لم تَحْرُمْ عليه امْرَأَتُهُ وَكَذَلِكَ لو كانت تَحْتَهُ امْرَأَةٌ فَزَنَى بِأُخْتِهَا لم يَجْتَنِبْ امْرَأَتَهُ ولم يَكُنْ جَامِعًا بين الْأُخْتَيْنِ وَإِنْ كانت الْإِصَابَةُ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ احْتَمَلَ أَنْ يُحَرِّمَ من قِبَلِ أَنَّهُ يَثْبُتُ فيه النَّسَبُ وَيُؤْخَذُ فيه الْمَهْرُ وَيُدْرَأُ فيه الْحَدُّ وَتَكُونُ فيه الْعِدَّةُ وَهَذَا حُكْمُ الْحَلَالِ وَأَحَبُّ إلى أَنْ يَحْرُمَ بِهِ من غَيْرِ أَنْ يَكُونَ وَاضِحًا فَلَوْ نَكَحَ رَجُلٌ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا فَأَصَابَهَا لم يَحِلَّ له عِنْدِي أَنْ يَنْكِحَ أُمَّهَا وَلَا ابْنَتَهَا وَلَا يَنْكِحُهَا أَبُوهُ وَلَا ابْنُهُ وَإِنْ لم يُصِبْ النَّاكِحُ نِكَاحًا فَاسِدًا لم يُحَرِّمْ عليه النِّكَاحُ الْفَاسِدُ بِلَا إصَابَةٍ فيه شيئا من قِبَلِ أَنَّ حُكْمَهُ لَا يَكُونُ فيه صداق ولا يلحق فيه نكاحا فاسدا لم يحرم عليه النكاح الفاسد بلا إصابة فيه شيئا من قبل أن حكمه لا يكون فيه صَدَاقٌ وَلَا يَلْحَقُ فيه طَلَاقٌ وَلَا شَيْءٌ مِمَّا بين الزَّوْجَيْنِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد قال غَيْرُنَا لَا يُحَرِّمُ النِّكَاحُ الْفَاسِدُ وَإِنْ كان فيه الْإِصَابَةُ كما لَا يُحَرِّمُ الزنى لِأَنَّهَا لَيْسَتْ من الْأَزْوَاجِ أَلَا تَرَى أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَلْحَقُهَا وَلَا ما بين الزَّوْجَيْنِ وقد قال غَيْرُنَا وَغَيْرُهُ كُلُّ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكُلُّ امْرَأَةِ أَبٍ أو بن حَرَّمْتهَا على ابْنِهِ أو أبيه بِنَسَبٍ فَكَذَلِكَ أُحَرِّمُهَا إذَا كانت امْرَأَةَ أَبٍ أو أبن من الرَّضَاعِ فَإِنْ قال قَائِلٌ إنَّمَا قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ من أَصْلَابِكُمْ } فَكَيْفَ حُرِّمَتْ حَلِيلَةُ الِابْنِ من الرَّضَاعَةِ قِيلَ بِمَا وَصَفْت من جَمْعِ اللَّهِ بين الْأُمِّ وَالْأُخْتِ من الرَّضَاعَةِ وَالْأُمِّ وَالْأُخْتِ من النَّسَبِ في التَّحْرِيمِ ثُمَّ بِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال يَحْرُمُ من الرَّضَاعِ ما يَحْرُمُ من النَّسَبِ فَإِنْ قال فَهَلْ تَعْلَمُ فِيمَ أُنْزِلَتْ { وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ من أَصْلَابِكُمْ } قِيلَ اللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فِيمَ أَنْزَلَهَا فَأَمَّا مَعْنَى ما سَمِعْت مُتَفَرِّقًا فَجَمَعْته فإن رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَرَادَ نِكَاحَ ابْنَةَ جَحْشٍ فَكَانَتْ عِنْدَ زَيْدِ بن حَارِثَةَ فَكَانَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم تَبَنَّاهُ فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرِهِ أَنْ يُدْعَى الْأَدْعِيَاءُ لِآبَائِهِمْ { فَإِنْ لم تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ في الدِّينِ } وقال { وما جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ } إلَى قَوْلِهِ { ومواليكم ( ( ( مواليكم ) ) ) } وقال لِنَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم { فلما قَضَى زَيْدٌ منها وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ على الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ } الْآيَةُ

(5/25)


ما حَرَّمَهُ الْحَلَالُ فَالْحَرَامُ أَشَدُّ له تَحْرِيمًا ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد وَصَفْنَا في كِتَابِ الِاخْتِلَافِ ذِكْرَ هذا وَغَيْرَهُ وجماعه أَنَّ اللَّهَ عز وجل إنَّمَا أَثْبَتَ الْحُرْمَةَ بِالنَّسَبِ وَالصِّهْرِ وَجَعَلَ ذلك نِعْمَةً من نِعَمِهِ على خَلْقِهِ فَمَنْ حَرَّمَ من النِّسَاءِ على الرِّجَالِ فَيُحَرِّمُهُ الرِّجَالُ عَلَيْهِنَّ وَلَهُنَّ على الرِّجَالِ من الصِّهْرِ كَحُرْمَةِ النَّسَبِ وَذَلِكَ أَنَّهُ رضي النِّكَاحَ وَأَمَرَ بِهِ وَنَدَبَ إلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْحُرْمَةُ التي أَنْعَمَ اللَّهُ تَعَالَى بها على أَنَّ من أتى ( ( ( أبى ) ) ) شيئا دَعَاهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ كَالزَّانِي الْعَاصِي لِلَّهِ الذي حَدَّهُ اللَّهُ وَأَوْجَبَ له النَّارَ إلَّا أَنْ يعفو ( ( ( يعفوا ) ) ) عنه وَذَلِكَ أَنَّ التَّحْرِيمَ بِالنِّكَاحِ إنَّمَا هو نِعْمَةٌ لَا نِقْمَةٌ فَالنِّعْمَةُ التي تَثْبُتُ بِالْحَلَالِ لَا تَثْبُتُ بِالْحَرَامِ الذي جَعَلَ اللَّه فيه النِّقْمَةَ عَاجِلًا وَآجِلًا وَهَكَذَا لو زَنَى رَجُلٌ بِأُخْتِ امْرَأَتِهِ لم يَكُنْ هذا جَمْعًا بَيْنَهُمَا ولم يَحْرُمْ عليه أَنْ يَنْكِحَ أُخْتَهَا التي زَنَى بها مَكَانَهَا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَرْضَعَتْ الْمَرْأَةُ مَوْلُودًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ الْمُرْضِعَ أَبُوهُ وَيَتَزَوَّجَ ابْنَتَهَا وَأُمَّهَا لِأَنَّهَا لم تُرْضِعْهُ هو وكذلك ( ( ( كذلك ) ) ) إنْ لم يَتَزَوَّجْهَا الْأَبُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا أَخُو الْمُرْضَعَ الذي لم تُرْضِعْهُ هو لِأَنَّهُ ليس ابْنَهَا وَكَذَلِكَ يَتَزَوَّجُ وَلَدَهَا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْغُلَامُ الْمُرْضَعُ ابْنَةَ عَمِّهِ وَابْنَةَ خَالِهِ من الرَّضَاعِ كما لَا يَكُونُ بِذَلِكَ بَأْسٌ من النَّسَبِ وَلَا يَجْمَعُ الرَّجُلُ بين الْأُخْتَيْنِ من الرَّضَاعَةِ بِنِكَاحٍ وَلَا وَطْءِ مِلْكٍ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا من الرَّضَاعَةِ يَحْرُمُ من الرَّضَاعَةِ ما يَحْرُمُ من النَّسَبِ وَذَوَاتِ الْمَحْرَمِ من الرَّضَاعَةِ مِمَّا يَحْرُمُ من نِكَاحِهِنَّ وَيُسَافَرُ بِهِنَّ كَذَوَاتِ الْمَحْرَمِ من النَّسَبِ وَسَوَاءٌ رَضَاعَةُ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ وَالذِّمِّيَّةِ كُلُّهُنَّ أُمَّهَاتٌ وَكُلُّهُنَّ يَحْرُمْنَ كما تَحْرُمُ الْحُرَّةُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُنَّ وَسَوَاءٌ وُطِئَتْ الْأَمَةُ بِمِلْكٍ أو نِكَاحٍ كُلُّ ذلك يَحْرُمُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ وَامْرَأَةَ أَبِيهَا من الرَّضَاعِ وَالنَّسَبِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ شَرِبَ غُلَامٌ وَجَارِيَةٌ لَبَنَ بَهِيمَةٍ من شَاةٍ أو بَقَرَةٍ أو نَاقَةٍ لم يَكُنْ هذا رَضَاعًا إنَّمَا هذا كَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَلَا يَكُونُ مُحَرَّمًا بين من شَرِبَهُ إنَّمَا يَحْرُمُ لَبَنُ الْآدَمِيَّاتِ لَا الْبَهَائِمِ وقال اللَّهُ تَعَالَى { وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ من الرَّضَاعَةِ } وقال في الرَّضَاعَةِ { فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } وقال عز ذِكْرُهُ { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَخْبَرَ اللَّهُ عز وجل أَنَّ كَمَالَ الرَّضَاعِ حَوْلَانِ وَجَعَلَ على الرَّجُلِ يُرْضَعُ له ابْنُهُ أَجْرُ الْمُرْضِعِ وَالْأَجْرُ على الرَّضَاعِ لَا يَكُونُ إلَّا على ماله مُدَّةٌ مَعْلُومَةٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالرَّضَاعُ اسْمٌ جَامِعٌ يَقَعُ على الْمَصَّةِ وَأَكْثَرَ منها إلَى كَمَالِ رَضَاعِ الْحَوْلَيْنِ وَيَقَعُ على كل رَضَاعٍ وَإِنْ كان بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فلما كان هَكَذَا وَجَبَ على أَهْلِ الْعِلْمِ طَلَبُ الدَّلَالَةِ هل يُحَرِّمُ الرَّضَاعُ بِأَقَلَّ ما يَقَعُ عليه اسْمُ الرَّضَاعِ أو مَعْنًى من الرَّضَاعِ دُونَ غَيْرِهِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن عبد اللَّهِ بن أبي بَكْرِ بن مُحَمَّدِ بن عَمْرِو بن حَزْمٍ عن عَمْرَةَ عن عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أنها قالت كان فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى في الْقُرْآنِ < عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ > ثُمَّ نُسْخِنْ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَتَوَفَّى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَهُنَّ مِمَّا يُقْرَأُ من الْقُرْآنِ
أخبرنا سُفْيَانُ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن عَمْرَةَ عن
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا حُرِّمَ من الرَّضَاعِ ما حُرِّمَ من النَّسَبِ لم يَحِلَّ له أَنْ يَنْكِحَ من بَنَاتِ الْأُمِّ التي أَرْضَعَتْهُ وَإِنْ سَفَلْنَ وَبَنَاتِ بَنِيهَا ( 1 ) وَبَنَاتِهَا وَكُلِّ من وَلَدَتْهُ من قِبَلِ وَلَدٍ ذَكَرٍ أو أُنْثَى امْرَأَةٌ وَكَذَلِكَ أُمَّهَاتُهَا وَكُلُّ من ولدها ( ( ( ولد ) ) ) لِأَنَّهُنَّ بِمَنْزِلَةِ أُمَّهَاتِهِ وَأَخَوَاتِهِ وَكَذَلِكَ أَخَوَاتُهَا لِأَنَّهُنَّ خَالَاتُهُ وَكَذَلِكَ عَمَّاتُهَا وَخَالَاتُهَا لِأَنَّهُنَّ عَمَّاتُ أُمِّهِ وَخَالَاتُ أُمِّهِ وَكَذَلِكَ وَلَدُ الرَّجُلِ الذي أَرْضَعَتْهُ لَبَنَهُ وَأُمَّهَاتُهُ وَأَخَوَاتُهُ وَخَالَاتُهُ وَعَمَّاتُهُ وَكَذَلِكَ من أَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ الرَّجُلِ الذي أَرْضَعَتْهُ من الْأُمِّ التي أَرْضَعَتْهُ أو غَيْرِهَا وَكَذَلِكَ من أُرْضِعَ بِلَبَنِ وَلَدِ الْمَرْأَةِ التي أَرْضَعَتْهُ من أبيه الذي أَرْضَعَهُ بِلَبَنِهِ أو زَوْجٍ غَيْرِهِ

(5/26)


عَائِشَةَ أنها كانت تَقُولُ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِعَشْرِ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ثُمَّ صُيِّرْنَ إلَى خَمْسٍ يُحَرِّمْنَ فَكَانَ لَا يَدْخُلُ على عَائِشَةَ إلَّا من اسْتَكْمَلَ خَمْسَ رَضَعَاتٍ
أخبرنا سُفْيَانُ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه عن الْحَجَّاجِ بن الْحَجَّاجِ أَظُنُّهُ عن أبي هُرَيْرَةَ قال لَا يُحَرِّمُ من الرَّضَاعِ إلَّا ما فَتَقَ الْأَمْعَاءَ
أخبرنا سُفْيَانُ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه عن عبد اللَّهِ بن الزُّبَيْرِ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ وَلَا الرَّضْعَةُ وَلَا الرَّضْعَتَانِ
أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن عُرْوَةَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ امْرَأَةَ أبي حُذَيْفَةَ أَنْ تُرْضِعَ سَالِمًا خَمْسَ رَضَعَاتٍ تُحَرِّمُ بِلَبَنِهَا فَفَعَلَتْ فَكَانَتْ تَرَاهُ ابْنًا
أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ أَنَّ سَالِمَ بن عبد اللَّهِ أخبره أَنَّ عَائِشَةَ أَرْسَلَتْ بِهِ وهو يَرْضَعُ إلَى أُخْتِهَا أُمِّ كُلْثُومٍ فَأَرْضَعَتْهُ ثَلَاثَ رَضَعَاتٍ ثُمَّ مَرِضَتْ فلم تُرْضِعْهُ غير ثَلَاثِ رَضَعَاتٍ فلم أَكُنْ أَدْخُلُ على عَائِشَةَ من أَجْلِ أَنِّي لم يَتِمَّ لي عَشْرُ رَضَعَاتٍ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يُحَرِّمُ من الرَّضَاعِ إلَّا خَمْسُ رَضَعَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ وَذَلِكَ أَنْ يَرْضَعَ الْمَوْلُودُ ثُمَّ يَقْطَعَ الرَّضَاعَ ثُمَّ يَرْضَعَ ثُمَّ يَقْطَعَ الرَّضَاعَ فإذا رَضَعَ في وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ما يَعْلَمُ أَنَّهُ قد وَصَلَ إلَى جَوْفِهِ ما قَلَّ منه وَكَثُرَ فَهِيَ رَضْعَةٌ وإذا قَطَعَ الرَّضَاعَ ثُمَّ عَادَ لِمِثْلِهَا أو أَكْثَرَ فَهِيَ رَضْعَةٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ الْتَقَمَ الْمُرْضَعُ الثَّدْيَ ثُمَّ لها بِشَيْءٍ قَلِيلًا ثُمَّ عَادَ كانت رَضْعَةً وَاحِدَةً وَلَا يَكُونُ الْقَطْعُ إلَّا ما انْفَصَلَ انْفِصَالًا بَيِّنًا كما يَكُونُ الْحَالِفُ لَا يَأْكُلُ بِالنَّهَارِ إلَّا مَرَّةً فَيَكُونُ يَأْكُلُ وَيَتَنَفَّسُ بَعْدَ الِازْدِرَادِ إلَى أَنْ يَأْكُلَ فَيَكُونُ ذلك مَرَّةً وَإِنْ طَالَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ قَطَعَ ذلك قَطْعًا بَيِّنًا بَعْدَ قَلِيلٍ أو كَثِيرٍ من الطَّعَامِ ثُمَّ أَكَلَ كان حَانِثًا وكان هذا أَكْلَتَيْنِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَخَذَ ثَدْيَهَا الْوَاحِدَ فَأَنْفَدَ ما فيه ثُمَّ تَحَوَّلَ إلَى الْآخَرِ مَكَانَهُ فأنفذ ( ( ( فأنفد ) ) ) ما فيه كانت هذه رَضْعَةً وَاحِدَةً لِأَنَّ الرَّضَاعَ قد يَكُونُ بَقِيَّةَ النَّفَسِ وَالْإِرْسَالِ وَالْعَوْدَةِ كما يَكُونُ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ بَقِيَّةَ النَّفَسِ وهو طَعَامٌ وَاحِدٌ وَلَا يُنْظَرُ في هذا إلَى قَلِيلِ رَضَاعِهِ وَلَا كَثِيرِهِ إذَا وَصَلَ إلَى جَوْفِهِ منه شَيْءٌ فَهُوَ رَضْعَةٌ وما لم يُتِمَّ خَمْسًا لم يَحْرُمْ بِهِنَّ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْوَجُورُ كَالرَّضَاعِ وَكَذَلِكَ السَّعُوطُ لِأَنَّ الرَّأْسَ جَوْفٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ فَلِمَ لم تُحَرِّمْ بِرَضْعَةٍ وَاحِدَةٍ وقد قال بَعْضُ من مَضَى أنها تُحَرِّمُ قِيلَ بِمَا حَكَيْنَا أَنَّ عَائِشَةَ تَحْكِي أَنَّ الْكِتَابَ يُحَرِّمُ عَشْرَ رَضَعَاتٍ ثُمَّ نُسْخِنَ بِخَمْسٍ وَبِمَا حَكَيْنَا أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَلَا الرَّضْعَتَانِ وَأَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يُرْضَعَ سَالِمٌ خَمْسَ رَضَعَاتٍ يُحَرِّمُ بِهِنَّ فَدَلَّ ما حَكَتْ عَائِشَةُ في الْكِتَابِ وما قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ الرَّضَاعَ لَا يُحَرِّمُ بِهِ على أَقَلِّ اسْمِ الرَّضَاعِ ولم يَكُنْ في أَحَدٍ مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم حُجَّةٌ وقد قال بَعْضُ من مَضَى بِمَا حَكَتْ عَائِشَةُ في الْكِتَابِ ثُمَّ في السُّنَّةِ وَالْكِفَايَةُ فِيمَا حَكَتْ عَائِشَةُ في الْكِتَابِ ثُمَّ في السُّنَّةِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فما يُشْبِهُ هذا قِيلَ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } فَسَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْقَطْعَ في رُبْعِ دِينَارٍ وفي السَّرِقَةِ من الْحِرْزِ وقال تَعَالَى { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } فَرَجَمَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الزَّانِيَيْنِ الثَّيِّبَيْنِ ولم يَجْلِدْهُمَا فَاسْتَدْلَلْنَا بِسُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَطْعِ من السَّارِقِينَ وَالْمِائَةِ من الزُّنَاةِ بَعْضُ الزُّنَاةِ دُونَ بَعْضٍ وَبَعْضُ السَّارِقِينَ دُونَ بَعْضٍ لَا من لَزِمَهُ اسْمُ سَرِقَةٍ وَزِنًا فَهَكَذَا اسْتَدْلَلْنَا بِسُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ الْمُرَادَ بِتَحْرِيمِ الرَّضَاعِ بَعْضُ الْمُرْضِعِينَ دُونَ بَعْضٍ لَا من لَزِمَهُ اسْمُ رَضَاعٍ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) أَمَرَتْ بِهِ عَائِشَةُ أَنْ يَرْضَعَ عَشْرًا لِأَنَّهَا أَكْثَرُ الرَّضَاعِ ولم يَتِمَّ له خَمْسٌ فلم يَدْخُلْ عليها وَلَعَلَّ سَالِمًا أَنْ يَكُونَ ذَهَبَ عليه قَوْلُ عَائِشَةَ في الْعَشْرِ الرَّضَعَاتِ فَنُسْخِنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَحَدَّثَ عنها بِمَا عَلِمَ من أَنَّهُ أَرْضَعَ ثَلَاثًا فلم يَكُنْ يَدْخُلُ عليها وَعَلِمَ أَنَّ ما أَمَرَتْ أَنْ يُرْضِعَ عَشْرًا فرأي أَنَّهُ إنَّمَا يُحِلُّ الدُّخُولَ عليها عَشْرٌ وَإِنَّمَا أَخَذْنَا بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِحِكَايَةِ عَائِشَةَ أَنَّهُنَّ يُحَرِّمْنَ وَأَنَّهُنَّ من الْقُرْآنِ

(5/27)


- * رَضَاعَةُ الْكَبِيرِ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ أَنَّهُ سُئِلَ عن رَضَاعَةِ الْكَبِيرِ فقال أخبرني عُرْوَةُ بن الزُّبَيْرِ أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ بن عُتْبَةَ بن رَبِيعَةَ وكان من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قد كان شَهِدَ بَدْرًا وكان قد تَبَنَّى سَالِمًا الذي يُقَالُ له سَالِمُ مولى أبي حُذَيْفَةَ كما تَبَنَّى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم زَيْدَ بن حَارِثَةَ فَأَنْكَحَ أبو حُذَيْفَةَ سَالِمًا وهو يَرَى أَنَّهُ ابْنَهُ فَأَنْكَحَهُ ابْنَةَ أَخِيهِ فَاطِمَةَ بِنْتَ الْوَلِيدِ بن عُتْبَةَ بن رَبِيعَةَ وَهِيَ يَوْمَئِذٍ من الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلِ وَهِيَ يَوْمَئِذٍ من أَفْضَلِ أَيَامَى قُرَيْشٍ فلما أَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل في زَيْدِ بن حَارِثَةَ ما أَنْزَلَ فقال { اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هو أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لم تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ } في الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ رَدَّ كُلُّ وَاحِدٍ من أُولَئِكَ من تَبَنَّى إلَى أبيه فَإِنْ لم يَعْلَمْ أَبَاهُ رَدَّهُ إلَى الموالي ( ( ( المولى ) ) ) فَجَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ وَهِيَ امْرَأَةُ أبي حُذَيْفَةَ وَهِيَ من بَنِي عَامِرِ بن لُؤَيٍّ إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقالت يا رَسُولَ اللَّهِ كنا نَرَى سَالِمًا وَلَدًا وكان يَدْخُلُ عَلَيَّ وأنا فُضُلٌ وَلَيْسَ لنا إلَّا بَيْتٌ وَاحِدٌ فَمَاذَا تَرَى في شَأْنِهِ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فِيمَا بَلَغَنَا أَرْضِعِيهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ فَيَحْرُمُ بِلَبَنِهَا فَفَعَلَتْ فَكَانَتْ تَرَاهُ ابْنًا من الرَّضَاعَةِ فَأَخَذَتْ عَائِشَةُ بِذَلِكَ فِيمَنْ كانت تُحِبُّ أَنْ يَدْخُلَ عليها من الرِّجَالِ فَكَانَتْ تَأْمُرُ أُخْتَهَا أُمَّ كُلْثُومٍ وَبَنَاتِ أَخِيهَا يُرْضِعْنَ لها من أَحَبَّتْ أَنْ يَدْخُلَ عليها من الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وأبي سَائِرُ أَزْوَاجِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ أَحَدٌ من الناس وَقُلْنَ ما نَرَى الذي أَمَرَ بِهِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ إلَّا رُخْصَةً في سَالِمٍ وَحْدَهُ من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يَدْخُلُ عَلَيْنَا بِهَذِهِ الرَّضَاعَةِ أَحَدٌ فَعَلَى هذا من الْخَبَرِ كان أَزْوَاجُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في رَضَاعَةِ الْكَبِيرِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على ما وَصَفْت ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَذَكَرْت حَدِيثَ سَالِمٍ الذي يُقَالُ له مولى أبي حُذَيْفَةَ عن أُمِّ سَلَمَةَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ أَمَرَ امْرَأَةَ أبي حُذَيْفَةَ أَنْ تُرْضِعَهُ خَمْسَ رَضَعَاتٍ يَحْرُمُ بِهِنَّ وقالت ( ( ( قالت ) ) ) أُمُّ سَلَمَةَ في الحديث وكان ذلك في سَالِمٍ خَاصَّةً وإذا كان هذا لِسَالِمٍ خَاصَّةً فَالْخَاصُّ لَا يَكُونُ إلَّا مُخْرَجًا من حُكْمِ الْعَامِّ وإذا كان مُخْرَجًا من حُكْمِ الْعَامِّ فَالْخَاصُّ غَيْرُ الْعَامِّ وَلَا يَجُوزُ في الْعَامِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَضَاعُ الْكَبِيرِ لَا يُحَرِّمُ وَلَا بُدَّ إذَا اخْتَلَفَ الرَّضَاعُ في الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ من طَلَبِ الدَّلَالَةِ على الْوَقْتِ الذي إذَا صَارَ إلَيْهِ الْمُرْضِعُ فَأَرْضَعَ لم يَحْرُمْ ( قال ) وَالدَّلَالَةُ على الْفَرْقِ بين الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مَوْجُودَةٌ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل قال اللَّهُ تَعَالَى { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ } فَجَعَلَ اللَّهُ عز وجل تَمَامَ الرَّضَاعِ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ وقال { فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عن تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا } يَعْنِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قبل الْحَوْلَيْنِ فَدَلَّ على أَنَّ إرْخَاصَهُ عز وجل في فِصَالِ الْحَوْلَيْنِ على أَنَّ ذلك إنَّمَا يَكُونُ بِاجْتِمَاعِهِمَا على فِصَالِهِ قبل الْحَوْلَيْنِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ إلَّا بِالنَّظَرِ لِلْمَوْلُودِ من وَالِدَيْهِ أَنْ يَكُونَا يَرَيَانِ أَنَّ فِصَالَهُ قبل الْحَوْلَيْنِ خَيْرٌ له من إتْمَامِ الرَّضَاعِ له لِعِلَّةٍ تَكُونُ بِهِ أو بِمُرْضِعَتِهِ وَأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ رَضَاعَ غَيْرِهَا أو ما أَشْبَهَ هذا وما جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى له غَايَةً فالحكم ( ( ( بالحكم ) ) ) بَعْدَ مضى الْغَايَةِ فيه غَيْرَهُ قبل مُضِيِّهَا فَإِنْ قال قَائِلٌ وما ذلك قِيلَ قال اللَّهُ تَعَالَى { وإذا ضَرَبْتُمْ في الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا من الصَّلَاةِ } الْآيَةُ فَكَانَ لهم أَنْ يَقْصُرُوا مُسَافِرِينَ وكان في شَرْطِ الْقَصْرِ لهم بِحَالٍ مَوْصُوفَةٍ دَلِيلٌ على أَنَّ حُكْمَهُمْ في غَيْرِ تِلْكَ الصِّفَةِ غَيْرُ الْقَصْرِ وقال تَعَالَى { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } فَكُنَّ إذَا مَضَتْ الثَّلَاثَةُ الْأَقْرَاءُ فَحُكْمُهُنَّ بَعْدَ مُضِيِّهَا غَيْرُ حُكْمِهِنَّ فيها + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ فَقَدْ قال عُرْوَةُ قال غَيْرُ عَائِشَةَ من أَزْوَاجِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ما نَرَى هذا من النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا رُخْصَةً في سَالِمٍ قِيلَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ في سَالِمٍ مولى أبي حُذَيْفَةَ خَاصَّةً

(5/28)


فَقَوْلُ عُرْوَةَ عن جَمَاعَةِ أَزْوَاجِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم غَيْرِ عَائِشَةَ لَا يُخَالِفُ قَوْلَ زَيْنَبَ عن أُمِّهَا أَنَّ ذلك رُخْصَةٌ مع قَوْلِ أُمِّ سَلَمَةَ في الحديث هو خَاصَّةً وَزِيَادَةُ قَوْلِ غَيْرِهَا ما نَرَاهُ إلَّا رُخْصَةً مع ما وَصَفْت من دَلَالَةِ الْقُرْآنِ وَإِنِّي قد حَفِظْت عن عِدَّةٍ مِمَّنْ لَقِيت من أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ رَضَاعَ سَالِمٍ خَاصٌّ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ في هذا خَبَرٌ عن أَحَدٍ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِمَا قُلْت في رَضَاعِ الْكَبِيرِ قِيلَ نعم
أخبرنا مَالِكٌ عن أَنَسٍ عن عبد اللَّهِ بن دِينَارٍ قال جاء رَجُلٌ إلَى بن عُمَرَ وأنا معه عِنْدَ دَارِ الْقَضَاءِ يَسْأَلُهُ عن رَضَاعَةِ الْكَبِيرِ فقال بن عُمَرَ جاء رَجُلٌ إلَى عُمَرَ بن الْخَطَّابِ فقال كانت لي وَلِيدَةٌ فَكُنْت أَطَؤُهَا فَعَمَدَتْ امْرَأَتِي إلَيْهَا فَأَرْضَعَتْهَا فَدَخَلْت عليها فقالت دُونَك فَقَدْ وَاَللَّهِ أَرْضَعْتهَا فقال عُمَرُ بن الْخَطَّابِ أَوْجِعْهَا وَائْتَ جَارِيَتَك فَإِنَّمَا الرَّضَاعُ رَضَاعُ الصَّغِيرِ
أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كان يقول لَا رَضَاعَ إلَّا لِمَنْ أَرْضَعَ في الصِّغَرِ
أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ أَنَّ أَبَا مُوسَى قال رَضَاعَةُ الْكَبِيرِ ما أَرَاهَا إلَّا تُحَرِّمُ فقال بن مَسْعُودٍ اُنْظُرْ ما يُفْتِي بِهِ الرَّجُلُ فقال أبو مُوسَى فما تَقُولُ أنت فقال لَا رَضَاعَةَ إلَّا ما كان في الْحَوْلَيْنِ فقال أبو مُوسَى لَا تَسْأَلُونِي عن شَيْءٍ ما كان هذا الْحَبْرُ بين أَظْهُرِكُمْ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَسَوَاءٌ أُرْضِعَ الْمَوْلُودُ أَقَلَّ من حَوْلَيْنِ ثُمَّ قُطِعَ رَضَاعُهُ ثُمَّ أُرْضِعَ قبل الْحَوْلَيْنِ أو كان رَضَاعُهُ مُتَتَابِعًا حتى أَرْضَعَتْهُ امْرَأَةٌ أُخْرَى في الْحَوْلَيْنِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ وَلَوْ تُوبِعَ رَضَاعُهُ فلم يُفْصَلْ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ أو حَوْلَيْنِ أو سِتَّةَ أَشْهُرٍ أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ فَأُرْضِعَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ لم يُحَرِّمْ الرَّضَاعُ شيئا وكان بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَلَوْ أُرْضِعَ في الْحَوْلَيْنِ أَرْبَعَ رَضَعَاتٍ وَبَعْدَ الْحَوْلَيْنِ الْخَامِسَةَ وَأَكْثَرَ لم يُحَرِّمْ وَلَا يَحْرُمُ من الرَّضَاعِ إلَّا ما تَمَّ خَمْسَ رَضَعَاتٍ في الْحَوْلَيْنِ وَسَوَاءٌ فِيمَا يُحَرِّمُ الرَّضَاعُ وَالْوَجُورُ وَإِنْ خُلِطَ لِلْمَوْلُودِ لَبَنٌ في طَعَامٍ فَيَطْعَمُهُ كان اللَّبَنُ الْأَغْلَبَ أو الطَّعَامُ إذَا وَصَلَ اللَّبَنُ إلَى جَوْفِهِ وَسَوَاءٌ شِيبَ له اللَّبَنُ بِمَاءٍ كَثِيرٍ أو قَلِيلٍ إذَا وَصَلَ إلَى جَوْفِهِ فَهُوَ كُلُّهُ كَالرَّضَاعِ وَلَوْ جُبِّنَ له اللَّبَنُ فَأُطْعِمَ جُبْنًا كان كَالرَّضَاعِ وَكَذَلِكَ لو استسعطه لِأَنَّ الرَّأْسَ جَوْفٌ وَلَوْ حقنه كان في الْحُقْنَةِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ جَوْفٌ وَذَلِكَ أنها تُفْطِرُ الصَّائِمَ لو احْتَقَنَ وَالْآخَرُ أَنَّ ما وَصَلَ إلَى الدِّمَاغِ كما وَصَلَ إلَى الْمَعِدَةِ لِأَنَّهُ يغتذي من الْمَعِدَةِ وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ الْحُقْنَةُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَنَّ صَبِيًّا أُطْعِمَ لَبَنَ امْرَأَةٍ في طَعَامٍ مَرَّةً وَأُوجِرَهُ أُخْرَى وَأَسْعَطهُ أُخْرَى وَأُرْضِعَ أُخْرَى ثُمَّ أُوجِرَهُ وَأُطْعِمَ حتى يَتِمَّ له خَمْسُ مَرَّاتٍ كان هذا الرَّضَاعُ الذي يُحَرِّمُ كُلَّ وَاحِدٍ من هذا يَقُومُ مَقَامَ صَاحِبِهِ وَسَوَاءٌ لو كان من صِنْفِ هذا خَمْسٌ مرار ( ( ( مرارا ) ) ) أو كان هذا من أَصْنَافٍ شَتَّى وإذا لم تَتِمَّ له الْخَامِسَةُ إلَّا بَعْدَ اسْتِكْمَالِ سَنَتَيْنِ لم يَحْرُمْ وَإِنْ تَمَّتْ له الْخَامِسَةُ حين يُرْضَعُ الْخَامِسَةَ فَيَصِلُ اللَّبَنُ إلَى جَوْفِهِ أو ما وَصَفْت أَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الرَّضَاعِ مع مضى سَنَتَيْنِ قبل كَمَالِهَا فَقَدْ حَرُمَ وَإِنْ كان ذلك قبل كَمَالِهَا بِطَرْفَةِ عَيْنٍ أو مع كَمَالِهَا إذَا لم يَتَقَدَّمْ كَمَالُهَا - * في لَبَنِ الرجل ( ( ( المرأة ) ) ) والمرأة ( ( ( والرجل ) ) ) - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَاللَّبَنُ إذَا كان من حَمْلٍ وَلَا أَحْسَبُهُ يَكُونُ إلَّا من حَمْلٍ فَاللَّبَنُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ كما يَكُونُ الْوَلَدُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فَانْظُرْ إلَى الْمَرْأَةِ ذَاتِ اللَّبَنِ فَإِنْ كان لَبَنُهَا نَزَلَ بِوَلَدٍ من رَجُلٍ نُسِبَ ذلك الْوَلَدُ إلَى وَالِدٍ لِأَنَّ حَمْلَهُ من الرَّجُلِ فَإِنْ رَضَعَ بِهِ مَوْلُودٌ فَالْمَوْلُودُ أو الْمُرْضَعُ بِذَلِكَ اللَّبَنِ بن الرَّجُلِ الذي الِابْنُ ابْنُهُ من النَّسَبِ كما يَثْبُتُ لِلْمَرْأَةِ وَكَمَا يَثْبُتُ الْوَلَدُ منه وَمِنْهَا وَإِنْ كان اللَّبَنُ الذي أَرْضَعَتْ بِهِ الْمَوْلُودَ لَبَنَ وَلَدٍ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ من الرَّجُلِ الذي الْحَمْلُ منه فَأَسْقَطَ اللَّبَنَ فَلَا يَكُونُ الْمُرْضَعُ بن الذي الْحَمْلُ منه إذَا سَقَطَ النَّسَبُ الذي هو أَكْبَرُ منه سَقَطَ اللَّبَنُ الذي أُقِيمَ مَقَامَ النَّسَبِ في التَّحْرِيمِ فإن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال يَحْرُمُ من الرَّضَاعِ ما يَحْرُمُ من النَّسَبِ وَبِحِكَايَةِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَجِمَاعُ فَرْقِ ما بين الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ أَنْ يَكُونَ الرَّضَاعُ في الْحَوْلَيْنِ فإذا أُرْضِعَ الْمَوْلُودُ في الْحَوْلَيْنِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ كما وَصَفْت فَقَدْ كَمُلَ رَضَاعُهُ الذي يُحَرِّمُ

(5/29)


عَائِشَةَ تَحْرِيمَهُ في الْقُرْآنِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَنَّ بِكْرًا لم تُمْسَسْ بِنِكَاحٍ وَلَا غَيْرِهِ أو ثَيِّبًا ولم يُعْلَمْ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَمْلٌ نَزَلَ لَهُمَا لَبَنٌ فَحُلِبَ فَخَرَجَ لَبَنٌ فَأَرْضَعَتَا بِهِ مَوْلُودًا خَمْسَ رَضَعَاتٍ كان بن كل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَلَا أَبَ له وكان في غَيْرِ مَعْنَى وَلَدِ الزنى وَإِنْ كانت له أُمٌّ وَلَا أَبَ له لِأَنَّ لَبَنَهُ الذي أُرْضِعَ بِهِ لم يَنْزِلْ من جِمَاعٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً أَرْضَعَتْ وَلَا يُعْرَفُ لها زَوْجٌ ثُمَّ جاء رَجُلٌ فَادَّعَى أَنَّهُ كان نَكَحَهَا صَحِيحًا وَأَقَرَّ بِوَلَدِهَا وَأَقَرَّتْ له بِالنِّكَاحِ فَهُوَ ابْنُهَا كما يَكُونُ الْوَلَدُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً نَكَحَتْ نِكَاحًا فَاسِدًا فَوَلَدَتْ من ذلك النِّكَاحِ وَلَدًا وكان النِّكَاحُ بِغَيْرِ وَلِيٍّ أو بِغَيْرِ شُهُودٍ عُدُولٍ أو أَيَّ نِكَاحٍ فَاسِدٍ ما كان ما خَلَا أَنْ تَنْكِحَ في عِدَّتِهَا من زَوْجٍ يَلْحَقُ بِهِ النَّسَبُ أو حَمَلَتْ فَنَزَلَ لها لَبَنٌ فَأَرْضَعَتْ بِهِ مَوْلُودًا كان بن الرَّجُلِ النَّاكِحِ نِكَاحًا فَاسِدًا وَالْمَرْأَةِ الْمُرْضِعِ كما يَكُونُ الْحَمْلُ بن النَّاكِحِ نِكَاحًا صَحِيحًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً نَكَحَتْ في عِدَّتِهَا من وَفَاةِ زَوْجٍ صَحِيحٍ أو فَاسِدٍ أو طَلَاقِهِ رَجُلًا وَدَخَلَ بها في عِدَّتِهَا فَأَصَابَهَا فَجَاءَتْ بِحَمْلٍ فَنَزَلَ لها لَبَنٌ أو وَلَدَتْ فَأَرْضَعَتْ بِذَلِكَ اللَّبَنِ مَوْلُودًا كان ابْنَهَا وكان أَشْبَهَ عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا في الرَّجُلَيْنِ مَعًا حتى يَرَى ابْنَهَا الْقَافَةُ فَأَيَّ الرَّجُلَيْنِ أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ لَحِقَ الْوَلَدُ وكان الْمُرْضَعُ بن الذي يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ وَسَقَطَتْ عنه أُبُوَّةُ الذي سَقَطَ عنه نَسَبُ الْوَلَدِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان حَمْلُ الْمَرْأَةِ سِقْطًا لم يَبِنْ خَلْقُهُ أو وَلَدَتْ وَلَدًا فَمَاتَ قبل أَنْ يَرَاهُ الْقَافَةُ فَأَرْضَعَتْ مَوْلُودًا لم يَكُنْ الْمَوْلُودُ الْمُرْضَعُ بن وَاحِدٍ مِنْهُمَا دُونَ الْآخَرِ في الْحُكْمِ كما لَا يَكُونُ الْمَوْلُودُ بن وَاحِدٍ مِنْهُمَا دُونَ الْآخَرِ في الْحُكْمِ وَالْوَرَعُ أَنْ لَا يَنْكِحَ ابْنَةَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَأَنْ لَا يَرَى وَاحِدٌ مِنْهُمَا بَنَاتِهِ حَسْرًا وَلَا الْمُرْضِعَةَ إنْ كانت جَارِيَةً وَلَا يَكُونُ مع هذا مَحْرَمًا لَهُنَّ يَخْلُو أو يُسَافِرُ بِهِنَّ وَلَوْ كان الْمَوْلُودُ عَاشَ حتى تَرَاهُ الْقَافَةُ فَقَالُوا هو ابْنُهُمَا مَعًا فَأَمْرُ الْمَوْلُودِ مَوْقُوفٌ فَيَنْتَسِبُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ فإذا انْتَسَبَ إلَى أَحَدِهِمَا انْقَطَعَ عنه أُبُوَّةُ الذي تَرَكَ الِانْتِسَابَ إلَيْهِ وَلَا يَكُونُ له أَنْ يَتْرُكَ الِانْتِسَابَ إلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ يُجْبَرُ أَنْ يَنْتَسِبَ إلَى أَحَدِهِمَا وَإِنْ مَاتَ قبل أَنْ يَنْتَسِبَ أو بَلَغَ مَعْتُوهًا لم يُلْحَقْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا حتى يَمُوتَ وَلَهُ وَلَدٌ فَيَقُومُ وَلَدُهُ مَقَامَهُ في أَنْ يَنْتَسِبُوا إلَى أَحَدِهِمَا أو لَا يَكُونُ له وَلَدٌ فَيَكُونُ مِيرَاثُهُ مَوْقُوفًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا مَوْضِعٌ فيه قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُرْضِعَ مُخَالِفٌ لِلِابْنِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ لِلِابْنِ على الْأَبِ وَلِلْأَبِ على الِابْنِ حُقُوقُ الْمِيرَاثِ وَالْعَقْلُ وَالْوِلَايَةُ لِلدَّمِ وَنِكَاحُ الْبَنَاتِ وَغَيْرُ ذلك من أَحْكَامِ الْبَنِينَ وَلَا يَثْبُتُ لِلْمُرْضِعِ على ابْنِهِ الذي أَرْضَعَهُ وَلَا لِابْنِهِ الذي أَرْضَعَهُ عليه من ذلك شَيْءٌ وَلَعَلَّ الْعِلَّةَ في الِامْتِنَاعِ من أَنْ يَكُونَ ابْنَهُمَا مَعًا لِهَذَا السَّبَبِ فَمَنْ ذَهَبَ هذا الْمَذْهَبَ جَعَلَ الْمُرْضِعَ ابْنَهُمَا مَعًا ولم يَجْعَلْ له الْخِيَارَ في أَنْ يَكُونَ بن أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وقال ذلك في الْمَسَائِلِ قَبْلَهُ التي في مَعْنَاهَا وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ لِلْوَلَدِ فَأَيُّهُمَا اخْتَارَ الْوَلَدُ أَنْ يَكُونَ أَبَاهُ فَهُوَ أَبُوهُ وأبو الْمُرْضَعِ وَلَا يَكُونُ لِلْمُرْضِعِ أَنْ يَخْتَارَ غير الذي اخْتَارَ الْمَوْلُودُ لِأَنَّ الرَّضَاعَ تَبَعٌ لِلنَّسَبِ فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلُودُ ولم يَخْتَرْ كان لِلْمُرْضِعِ أَنْ يَخْتَارَ أَحَدَهُمَا فَيَكُونَ أَبَاهُ وَيَنْقَطِعَ عنه أُبُوَّةُ الْآخَرِ وَالْوَرَعُ أَنْ لَا يَنْكِحَ بَنَاتِ الْآخَرِ وَلَا يَكُونُ لَهُنَّ مَحْرَمًا يَرَاهُنَّ بِانْقِطَاعِ أُبُوَّتِهِ عنه
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ وَلَدَتْ امْرَأَةٌ حَمَلَتْ من الزنى اعْتَرَفَ الذي زِنَا بها أو لم يَعْتَرِفْ فارضعت مَوْلُودًا فَهُوَ ابْنُهَا وَلَا يَكُونُ بن الذي زَنَى بها وَأَكْرَهُ له في الْوَرَعِ أَنْ يَنْكِحَ بَنَاتِ الذي وُلِدَ له من زِنًا كما أَكْرَهُهُ لِلْمَوْلُودِ من زِنًا وَإِنْ نَكَحَ من بَنَاتِهِ أَحَدًا لم أَفْسَخْهُ لِأَنَّهُ ليس بِابْنِهِ في حُكْمِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ من حُجَّةٍ فِيمَا وَصَفْت قِيلَ نعم قَضَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِابْنِ أَمَةَ زَمْعَةَ لِزَمْعَةَ وَأَمَرَ سَوْدَةَ أَنْ تَحْتَجِبَ منه لِمَا رَأَى منه من شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ فلم يَرَهَا وقد قَضَى أَنَّهُ أَخُوهَا حتى لَقِيَتْ اللَّهَ عز وجل لِأَنَّ تَرْكَ رويتها مُبَاحٌ وَإِنْ كان أَخًا لها وَكَذَلِكَ تَرْكُ رُؤْيَةِ الْمَوْلُودِ من نِكَاحِ أُخْتِهِ مُبَاحٌ وَإِنَّمَا مَنَعَنِي من فَسْخِهِ أَنَّهُ ليس بِابْنِهِ إذَا كان من زِنًا

(5/30)


(1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وقد دخل بها أو مَاتَ عنها وَهِيَ تُرْضِعُ وَكَانَتْ تَحِيضُ في رَضَاعِهَا ذلك ثَلَاثَ حَيْضٍ وَلَبَنُهَا دَائِمٌ أَرْضَعَتْ مَوْلُودًا فَالْمَوْلُودُ ابْنُهَا وبن الزَّوْجِ الذي طَلَّقَ أو مَاتَ وَاللَّبَنُ منه لِأَنَّهُ لم يَحْدُثْ لها زَوْجٌ غَيْرُهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ تَزَوَّجَتْ زَوْجًا بَعْدَ انْقِطَاعِ لَبَنِهَا أو قَبْلَهُ ثُمَّ انْقَطَعَ لَبَنُهَا وَأَصَابَهَا الزَّوْجُ فَثَابَ لَبَنُهَا ولم يَظْهَرْ بها حَمْلٌ فَاللَّبَنُ من الزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَمَنْ أَرْضَعَتْ فَهُوَ ابْنُهَا وبن الزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَلَا يَكُونُ بن الْآخَرِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَحْبَلَهَا الزَّوْجُ الْآخَرُ بَعْدَ انْقِطَاعِ لَبَنِهَا من الزَّوْجِ الْأَوَّلِ فَثَابَ لَبَنُهَا سُئِلَ النِّسَاءُ عن الْوَقْتِ الذي يَثُوبُ فيه اللَّبَنُ وَيَبِينُ الْحَمْلُ فَإِنْ قُلْنَ الْحَمْلُ لو كان من امْرَأَةٍ بِكْرٍ أو ثَيِّبٍ ولم تَلِدْ قَطُّ أو امْرَأَةٍ قد وَلَدَتْ لم يَأْتِ لها لَبَنٌ في هذا الْوَقْتِ إنَّمَا يَأْتِي لَبَنُهَا في الثَّامِنِ من شُهُورِهَا أو التَّاسِعِ فَاللَّبَنُ لِلْأَوَّلِ فَإِنْ دَامَ فَهُوَ بن لِلْأَوَّلِ ما بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَبْلُغَ الْوَقْتُ الذي يَكُونُ لها فيه لَبَنٌ من حَمْلِهَا الْآخَرِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا ثَابَ لها اللَّبَنُ في الْوَقْتِ الذي يَكُونُ لها فيه لَبَنٌ من حَمْلِهَا الْآخَرِ كان اللَّبَنُ من الْأَوَّلِ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنِّي على عِلْمٍ من لَبَنِ الْأَوَّلِ وفي شَكٍّ من أَنْ يَكُونَ خَلَطَهُ لَبَنُ الْآخَرِ فَلَا أُحَرِّمُ بِالشَّكِّ شيئا وَأُحِبُّ له أَنْ يَتَوَقَّى بَنَاتِ الزَّوْجِ الْآخَرِ في هذا الْوَقْتِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ شَكَّ رَجُلٌ أَنْ تَكُونَ امْرَأَةٌ أَرْضَعَتْهُ خَمْسَ رَضَعَاتٍ قُلْت الْوَرَعُ أَنْ يَكُفَّ عن رُؤْيَتِهَا حَاسِرًا وَلَا يَكُونُ مَحْرَمًا لها بِالشَّكِّ وَلَوْ نَكَحَهَا أو أَحَدًا من بَنَاتِهَا لم أَفْسَخْ النِّكَاحَ لِأَنِّي على غَيْرِ يَقِينٍ من أنها أُمٌّ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان لَبَنُهَا انْقَطَعَ فلم يَثِبْ حتى كان هذا الْحَمْلُ الْآخَرُ في وَقْتٍ يُمْكِنُ أَنْ يَثُوبَ فيه اللَّبَنُ من الْآخَرِ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ اللَّبَنَ بِكُلِّ حَالٍ من الْأَوَّلِ وَإِنْ ثَابَ بِتَحْرِيكِ نُطْفَةِ الْآخَرِ فَهُوَ كما يَثُوبُ بِأَنْ تَرْحَمَ الْمَوْلُودَ فَتُدِرَّ عليه وَتَشْرَبَ الدَّوَاءَ أو تَأْكُلَ الطَّعَامَ الذي يَزِيدُ في اللَّبَنِ فَتُدِرَّ عليه وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ إذَا انْقَطَعَ انْقِطَاعًا بَيِّنًا ثُمَّ ثَابَ فَهُوَ من الْآخَرِ وَإِنْ كان لَا يَثُوبُ بِحَالٍ من الْآخَرِ لَبَنٌ تُرْضِعُ بِهِ حتى تَلِدَ أُمَّهُ فَهُوَ من الْأَوَّلِ في جَمِيعِ هذه الْأَقَاوِيلِ وَإِنْ كان لَا يَثُوبُ شَيْءٌ تُرْضِعُ بِهِ وَإِنْ قَلَّ فَهُوَ مِنْهُمَا مَعًا فَمَنْ لم يُفَرِّقْ بين اللَّبَنِ وَالْوَلَدِ قال هو لِلْأَوَّلِ أَبَدًا لِأَنَّهُ لم يُحْدِثْ وَلَدًا ولم يَكُنْ بن لِآخَرَ إذَا كان بن الْأَوَّلِ من الرَّضَاعَةِ وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا قال هو مِنْهُمَا مَعًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ طَلُقَتْ امْرَأَةٌ فلم يَنْقَطِعْ لَبَنُهَا وَكَانَتْ تَحِيضُ وَهِيَ تُرْضِعُ فَحَاضَتْ ثَلَاثَ حَيْضٍ وَنَكَحَتْ زَوْجًا فَدَخَلَ بها فَأَصَابَهَا فَحَمَلَتْ فلم يَنْقَطِعْ اللَّبَنُ حتى وَلَدَتْ فَالْوِلَادُ قَطَعَ اللَّبَنَ الْأَوَّلَ وَمَنْ أَرْضَعَتْهُ فَهُوَ ابْنُهَا وبن الزَّوْجِ الْآخَرِ لَا يَحِلُّ له أَحَدٌ وَلَدَتْهُ وَلَا وَلَدَهُ الزَّوْجُ الْآخَرُ لِأَنَّهُ أَبُوهُ وَيَحِلُّ له وَلَدُ الْأَوَّلِ من غَيْرِ الْمَرْأَةِ التي أَرْضَعَتْهُ لِأَنَّهُ ليس بِأَبِيهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَرْضَعَتْ امْرَأَةٌ صَبِيًّا أَرْبَعَ رَضَعَاتٍ ثُمَّ حُلِبَ منها لَبَنٌ ثُمَّ مَاتَتْ فَأُوجِرَهُ الصَّبِيُّ بَعْدَ مَوْتِهَا كان ابْنَهَا كما يَكُونُ ابْنَهَا لو أَرْضَعَتْهُ خَمْسًا في الْحَيَاةِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ رَضَعَهَا الْخَامِسَةَ بَعْدَ مَوْتِهَا أو حُلِبَ له منها لَبَنٌ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأُوجِرَهُ لم يَحْرُمْ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ لِلْمَيِّتِ فِعْلٌ له حُكْمٌ بِحَالٍ وَلَوْ كانت نَائِمَةً فَحُلِبَتْ فَأُوجِرَهُ صَبِيٌّ حَرُمَ لِأَنَّ لَبَنَ الْحَيَّةِ يَحِلُّ وَلَا يَحِلُّ لَبَنُ الْمَيْتَةِ وإن الْحَيَّةَ النَّائِمَةَ يَكُونُ لها جِنَايَةٌ بِأَنْ تَنْقَلِبَ على إنْسَانٍ أو تَسْقُطَ عليه فَتَقْتُلَهُ فَيَكُونَ فيه الْعَقْلُ وَلَوْ تَعَقَّلَ إنْسَانٌ بِمَيِّتَةٍ أو سَقَطَتْ عليه فَقَتَلَتْهُ لم يَكُنْ له عَقْلٌ لِأَنَّهَا لَا جِنَايَةَ لها + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كانت لم تُكْمِلْ خَمْسَ رَضَعَاتٍ فَحُلِبَ لها لَبَنٌ كَثِيرٌ فَقَطَعَ ذلك اللَّبَنَ فَأُوجِرَهُ صَبِيٌّ مَرَّتَيْنِ أو ثَلَاثًا حتى يُتِمَّ خَمْسَ رَضَعَاتٍ لم يَحْرُمْ لِأَنَّهُ لَبَنٌ وَاحِدٌ وَلَا يَكُونُ إلَّا رَضْعَةً وَاحِدَةً وَلَيْسَ كَاللَّبَنِ يَحْدُثُ في الثَّدْيِ كُلَّمَا خَرَجَ منه شَيْءٌ حَدَثَ غَيْرُهُ فَيُفَرَّقُ فيه الرَّضَاعُ حتى يَكُونَ خَمْسًا ( قال الرَّبِيعُ ) وفي قَوْلٍ آخَرَ أَنَّهُ إذَا حُلِبَ منها لَبَنٌ فَأُرْضِعَ بِهِ الصَّبِيُّ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فَكُلُّ مَرَّةٍ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَرْضَعَتْ الْمَرْأَةُ رَجُلًا بِلَبَنِ وَلَدٍ فَانْتَفَى أبو الْمَوْلُودِ منه فَلَاعَنَهَا فنفى عنه نَسَبُهُ لم يَكُنْ أَبًا لِلْمُرْضَعِ فَإِنْ رَجَعَ الْأَبُ يَنْسُبُهُ إلَيْهِ ضُرِبَ الْحَدُّ وَلَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ وَرَجَعَ إلَيْهِ أَنْ يَكُونَ أَبَا الْمُرْضَعِ من الرَّضَاعَةِ==

10. مجلد10.الأم للشافعي
محمد بن إدريس الشافعي أبو عبد الله
سنة الولادة 150/ سنة الوفاة 204

تُحْسَبُ رَضْعَةً إذَا كان بين كل رَضْعَتَيْنِ قَطْعٌ بَيِّنٌ فَهُوَ مِثْلُ الْغِذَاءِ إذَا تَغَذَّى بِهِ ثُمَّ قَطَعَ الْغِذَاءَ القطع الْبَيِّنَ ثُمَّ عَادَ له كان أَكْلَتَيْنِ وَإِنْ كان الطَّعَامُ وَاحِدًا وَكَذَلِكَ إذَا قُطِعَ عن الصَّبِيِّ الرَّضَاعُ الْقَطْعَ الْبَيِّنَ وَإِنْ كان اللَّبَنُ وَاحِدًا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنَّمَا مَنَعَنِي أَنْ أُلْزِمَهُ مَهْرَهَا كُلَّهُ أَنَّ الْفُرْقَةَ إذَا وَقَعَتْ بِإِرْضَاعِهَا فَفَسَادُ نِكَاحِهَا غَيْرُ جِنَايَةٍ إلَّا بِمَعْنَى إفْسَادِ النِّكَاحِ وَإِفْسَادِ النِّكَاحِ كان بِالرَّضَاعِ الذي كان قبل نِكَاحِهِ جَائِزًا لها وَبَعْدَ نِكَاحِهِ إلَّا بِمَعْنَى أَنْ يَكُونَ فَسَادًا عليه فلما كان فَسَادًا عليه أَلْزَمْتهَا ما كان لَازِمًا لِلزَّوْجِ في أَصْلِ النِّكَاحِ وَذَلِكَ نِصْفُ مَهْرِ مِثْلِهَا وَإِنَّمَا مَنَعَنِي أَنْ أُلْزِمَهَا نِصْفَ الْمَهْرِ الذي لَزِمَهُ بِتَسْمِيَتِهِ أَنَّهُ شَيْءٌ حَابَى بِهِ في مَالِهِ وَإِنَّمَا يَغْرَمُ له إذَا أَفْسَدَ عليه ثَمَنَ ما اسْتَهْلَكَ عليه مِمَّا لَزِمَهُ وَلَا أَزِيدُ عليها في ذلك شيئا على ما لَزِمَهُ كما لو اشْتَرَى سِلْعَةً بِمِائَةٍ اسْتَهْلَكَهَا وَقِيمَتُهَا خَمْسُونَ لم يَغْرَمْ مِائَةً وَإِنَّمَا مَنَعَنِي أَنْ أُغَرِّمَهَا الْأَقَلَّ من نِصْفِ مَهْرِ مِثْلِهَا أو ما سَمَّى لها أَنَّ أَبَاهَا لو حَابَاهُ في صَدَاقِهَا كان عليه نِصْفُ مَهْرِ مِثْلِهَا فلم أُغَرِّمْهَا إلَّا ما يَلْزَمُهُ أو أَقَلَّ منه إنْ كان قِيمَةُ نِصْفِ مَهْرِ مِثْلِهَا أَقَلَّ مِمَّا أَصْدَقَهَا وَإِنَّمَا مَنَعَنِي من أَنْ أُسْقِطَ عنها الْغُرْمَ وَإِنْ كان لم يُفْرَضْ لها صَدَاقًا انه كان حَقًّا لها عليه مِثْلَ نِصْفِ مَهْرِ مِثْلِهَا ان طَلَّقَهَا وَلِأَنِّي لَا أُجِيزَ لِأَبِيهَا الْمُحَابَاةَ في صَدَاقِهَا فَإِنَّمَا أَغْرَمْتهَا ما لَزِمَهُ بِكُلِّ حَالٍ وَأَبْطَلْت عنها مُحَابَاتَهُ كَهِبَتِهِ وَإِنَّمَا يَكُونُ لِلْمَرْأَةِ الْمُتْعَةُ إذَا طَلُقَتْ ولم يُسَمِّ لها إذَا كانت تَمْلِكُ مَالَهَا كما يَكُونُ الْعَفْوُ لها فَأَمَّا الصَّبِيَّةُ فَلَا تَمْلِكُ مَالَهَا وَلَا يَكُونُ لِأَبِيهَا الْمُحَابَاةُ في مَالِهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فلم يُصِبْهَا حتى تَزَوَّجَ عليها صَبِيَّةً تُرْضَعُ فَأَرْضَعَتْهَا حُرِّمَتْ عليه الْمَرْأَةُ الْأُمُّ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّهَا من أُمَّهَاتِ نِسَائِهِ وَلَا نِصْفَ مَهْرٍ وَلَا مُتْعَةَ لها لِأَنَّهَا أَفْسَدَتْ نِكَاحَ نَفْسِهَا وَيَفْسُدُ نِكَاحُ الصَّبِيَّةِ بِلَا طَلَاقٍ لِأَنَّهَا صَارَتْ في مِلْكِهِ وَأُمُّهَا مَعَهَا وَلِأَنَّ التي أَرْضَعَتْهَا لم تَصِرْ أُمَّهَا وَهَذِهِ ابْنَتُهَا إلَّا في وَقْتٍ فَكَانَتَا في هذا الْمَوْضِعِ كَمَنْ ابْتَدَأَ نِكَاحَ امْرَأَةٍ وَابْنَتَهَا فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ بِفَسَادِ النِّكَاحِ فَيَرْجِعُ على امْرَأَتِهِ التي أَرْضَعَتْهَا بِنِصْفِ مَهْرِ مِثْلِهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان نَكَحَ صَبِيَّتَيْنِ فَأَرْضَعَتْهُمَا امْرَأَتُهُ الرَّضْعَةَ الْخَامِسَةَ جميعا مَعًا فَسَدَ نِكَاحُ الْأُمِّ كما وَصَفْت وَنِكَاحُ الصَّبِيَّتَيْنِ مَعًا وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الْمَهْرِ الذي سَمَّى لها وَيَرْجِعُ على امْرَأَتِهِ بِمِثْلِ نِصْفِ مَهْرِ كل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَإِنْ لم يَكُنْ سَمَّى لهما ( ( ( لها ) ) ) مَهْرًا كان لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفُ مَهْرِ مِثْلِهَا وَتَحِلُّ له كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا على الِانْفِرَادِ لِأَنَّهُمَا ابْنَتَا امْرَأَةٍ لم يَدْخُلْ بها وَلَوْ كانت له ثَلَاثُ زَوْجَاتٍ صَبَايَا فَأَرْضَعَتْ اثْنَتَيْنِ الرَّضْعَةَ الْخَامِسَةَ مَعًا ثُمَّ أَزَالَتْ الْوَاحِدَةُ فَأَرْضَعَتْ الثَّالِثَةَ لم تَحْرُمْ الثَّالِثَةُ وَحُرِّمَتْ الِاثْنَتَانِ اللَّتَانِ أُرْضِعَتَا الْخَامِسَةَ مَعًا لِأَنَّ الثَّالِثَةَ لم تَرْضَعْ إلَّا بعد ما حُرِّمَتْ هَاتَانِ وَحُرِّمَتْ الْأُمُّ عليه فَكَانَتْ الثَّالِثَةُ غير أُخْتٍ لِلْمَرْأَتَيْنِ إلَّا بَعْدَ ما حُرِّمَتَا عليه وَغَيْرَ مُرْضَعَةٍ الرَّضْعَةَ الْخَامِسَةَ من الْأُمِّ إلَّا بعد ما بَانَتْ الْأُمُّ منه وَلَوْ أَرْضَعَتْ إحْدَاهُنَّ الرَّضْعَةَ الْخَامِسَةَ ثُمَّ أَرْضَعَتْ الْأُخْرَيَيْنِ الرَّضْعَةَ الْخَامِسَةَ حُرِّمَتْ عليه الْأُمُّ سَاعَةَ أَرْضَعَتْ الْأُولَى الرَّضْعَةَ الْخَامِسَةَ لِأَنَّهَا صَارَتْ من أُمَّهَاتِ نِسَائِهِ وَالْمُرْضَعَتَانِ الرَّضْعَةَ الْخَامِسَةَ مَعًا لِلْأُمِّ ولم تَكُنْ أُمًّا إلَّا وَالِابْنَةُ مَعْقُودٌ عليها نِكَاحُ الرَّجُلِ في وَقْتٍ وَاحِدٍ وَالِاثْنَتَانِ أُخْتَانِ فَيَنْفَسِخُ نِكَاحُهُمَا مَعًا وَحُرِّمَتْ الِاثْنَتَانِ بَعْدَ حِينِ صَارَتَا أُخْتَيْنِ مَعًا وَيَخْطُبُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا على الِانْفِرَادِ وَإِنْ أَرْضَعَتْ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ تَزَوَّجَ رَجُلٌ صَبِيَّةً ثُمَّ أَرْضَعَتْهَا أُمُّهُ التي وَلَدَتْهُ أو أُمُّهُ من الرَّضَاعَةِ أو ابْنَتُهُ من نَسَبٍ أو رَضَاعٍ أو امْرَأَةُ ابْنِهِ من نَسَبٍ أو رَضَاعٍ بِلَبَنِ ابْنِهِ حُرِّمَتْ عليه الصَّبِيَّةُ أَبَدًا وكان لها عليه نِصْفُ الْمَهْرِ وَرَجَعَ على التي أَرْضَعَتْهَا بِنِصْفِ صَدَاقِ مِثْلِهَا تَعَمَّدَتْ إفْسَادَ النِّكَاحِ أو لم تَتَعَمَّدْهُ لِأَنَّ كُلَّ من أَفْسَدَ شيئا ضَمِنَ قِيمَةَ ما أَفْسَدَ تَعَمَّدَ الْفَسَادَ أو لم يَتَعَمَّدْهُ وَقِيمَتُهُ نِصْفُ صَدَاقِ مِثْلِهَا لِأَنَّ ذلك قِيمَةُ ما أَفْسَدَتْ منها مِمَّا يَلْزَمُ زَوْجَهَا كان أَكْثَرَ من نِصْفِ ما أَصْدَقَهَا أو أَقَلَّ إنْ كان أَصْدَقَهَا شيئا أو لم يُسَمِّ لها صَدَاقًا لِأَنَّ ذلك أَقَلُّ ما كان وَجَبَ لها عليه بِكُلِّ حَالٍ إذَا لم يَكُنْ هو طَلَّقَهَا قبل أَنْ يسمى لها شيئا

(5/32)


الْأُخْرَيَيْنِ بَعْدَ مُتَفَرِّقَيْنِ لم تَحْرُمَا عليه مَعًا لِأَنَّهَا لم تُرْضِعْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا إلَّا بعد ما بَانَتْ منه هِيَ وَالْأُولَى وَلَكِنْ ثَبَتَتْ عُقْدَةُ التي أَرْضَعَتْهَا بَعْدَ ما بَانَتْ الْأُولَى وَيَسْقُطُ نِكَاحُ التي أُرْضِعَتْ بَعْدَهَا لِأَنَّهَا أُخْتُ امْرَأَتِهِ فَكَانَتْ كَامْرَأَةٍ نُكِحَتْ على أُخْتِهَا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كُنَّ ثَلَاثًا صِغَارًا وَوَاحِدَةً لم يَدْخُلْ بها وَلَهَا بَنَاتٌ مَرَاضِعُ فَأَرْضَعَتْ الْبَنَاتِ الصِّغَارِ وَاحِدَةً بَعْدَ أُخْرَى فَسَدَ نِكَاحُ الْأُمِّ ولم يَحِلَّ بِحَالٍ وَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ على التي أَكْمَلَتْ أَوَّلًا خَمْسَ رَضَعَاتٍ لِأَيِّ نِسَائِهِ أَكْمَلَتْ بِنِصْفِ مَهْرِ مِثْلِهَا وَنِصْفِ مَهْرِ مِثْلِ أُمِّهَا فَإِنْ كُنَّ أَكْمَلْنَ إرْضَاعَهُنَّ مَعًا انْفَسَخَ نِكَاحُهُنَّ مَعًا وَيَرْجِعُ على كل وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِنِصْفِ مَهْرِ التي أَرْضَعَتْ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كانت وَاحِدَةً فَأَكْمَلَتْ رَضَاعَهَا خَمْسًا قبل تَبَيُّنِ فَسْخِ نِكَاحِ التي أَكْمَلَتْ رَضَاعَهَا أَوَّلًا وَلَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُ التي أَكْمَلَتْ رَضَاعَهَا بَعْدَهَا لِأَنَّهَا لم تَرْضَعْ حتى بَانَتْ أُمُّهَا وَأُخْتُهَا منه ثُمَّ يُفْسَخُ نِكَاحُ التي أَكْمَلَتْ رَضَاعَهَا بَعْدَهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ أُخْتَ امْرَأَةٍ له ثَابِتَةَ النِّكَاحِ فَكَانَتْ كَالْأُخْتِ الْمَنْكُوحَةِ على أُخْتِهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَذَلِكَ بَنَاتُهَا من الرَّضَاعَةِ وَبَنَاتُ بَنَاتِهَا كُلُّهُنَّ يَحْرُمُ من رَضَاعِهِنَّ كما يَحْرُمُ من رَضَاعِهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان دخل بِامْرَأَتِهِ وَكَانَتْ أَرْضَعَتْهُنَّ أو أَرَضَعَهُنَّ وَلَدُهَا كان لها الْمَهْرُ بِالْمَسِيسِ وَحُرِّمَتْ عليه التي أَرْضَعَتْهَا وَأَرْضَعَهَا وَلَدُهَا وَسَوَاءٌ كانت أَرْضَعَتْ الِاثْنَيْنِ مَعًا أو أَرْضَعَتْهُنَّ ثَلَاثَتُهُنَّ مَعًا أو مُتَفَرِّقَاتٍ يَفْسُدُ نِكَاحُهُنَّ على الْأَبَدِ لِأَنَّهُنَّ بَنَاتُ امْرَأَةٍ فَدَخَلَ بها وَكَذَلِكَ كُلُّ من أَرْضَعَتْهُ تِلْكَ الْمَرْأَةُ وَوَلَدُهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا ولم يَدْخُلْ بِامْرَأَتِهِ فَأَرْضَعَتْهُنَّ أُمُّ امْرَأَتِهِ أو جَدَّتُهَا أو أُخْتُهَا أو بِنْتُ أُخْتِهَا كان الْقَوْلُ كَالْقَوْلِ في بَنَاتِهَا إذَا أَرْضَعَتْهُنَّ هن ولم تُرْضِعْ هِيَ يَفْسُدُ نِكَاحُهَا وَيَكُونُ لها نِصْفُ مَهْرِ مِثْلِهَا إذَا لم يَكُنْ دخل بها وَيَرْجِعُ بِهِ على التي أَكْمَلَتْ أَوَّلًا من نِسَائِهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ لِأَنَّهَا صَيَّرَتْهَا أُمَّ امْرَأَتِهِ فَيَفْسُدُ نِكَاحُ التي أَرْضَعَتْ أَوَّلًا وَامْرَأَتُهُ الْكَبِيرَةُ مَعًا وَيَرْجِعُ بِنِصْفِ مَهْرِ مِثْلِ التي فَسَدَ نِكَاحُهَا وَإِنْ أَرْضَعْنَ مَعًا فَسَدَ نِكَاحُهُنَّ كُلِّهِنَّ وَيَرْجِعُ بِأَنْصَافِ مُهُورِهِنَّ وَلَا تُخَالِفُ الْمَسْأَلَةُ قَبْلَهَا إلَّا في خَصْلَةٍ أَنَّ زَوْجَاتِهِ الصِّغَارَ لَا يَحْرُمْنَ عليه في كل حَالٍ وَلَهُ أَنْ يَبْتَدِئَ نِكَاحَ أَيَّتَهُنَّ شَاءَ على الإنفراد لِأَنَّ الذي حَرُمْنَ بِهِ أو حَرُمَ مِنْهُنَّ إنَّمَا كُنَّ أَخَوَاتِ امْرَأَتِهِ من الرَّضَاعَةِ أو بَنَاتِ أُخْتِهَا أو أُخْتَهَا فَحَرُمَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُنَّ وَلَا يَحْرُمْنَ على الِانْفِرَادِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان دخل بها حَرُمَ نِكَاحُ من أَرْضَعَتْهُ أُمَّهَاتُهَا بِكُلِّ حَالٍ ولم يَحْرُمْ نِكَاحُ من أَرْضَعَتْهُ أَخَوَاتُهَا وَبَنَاتُ أُخْتِهَا بِكُلِّ حَالٍ وكان له أَنْ يَتَزَوَّجَ اللَّاتِي أَرْضَعَتْهُ أَخَوَاتُهَا إنْ شَاءَ على الإنفراد وَيُفْسَخُ نِكَاحُ الْأُولَى مِنْهُنَّ وَامْرَأَتُهُ مَعًا وَلَا يَفْسُدُ نِكَاحُ اللَّاتِي بَعْدَهَا لِأَنَّهُنَّ أُرْضِعْنَ بعد ما بَانَتْ امْرَأَتُهُ فلم يَكُنْ جَامِعًا بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ عَمَّةٍ لَهُنَّ ولاخالة لهن إلَّا أَنْ تُرْضِعَ مِنْهُنَّ امْرَأَةً وَاحِدَةً أو اثْنَتَيْنِ مَعًا فَيَفْسُدَ نِكَاحُهُمَا بِأَنَّهُمَا أُخْتَانِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَرْضَعَتْ أَجْنَبِيَّةٌ امْرَأَتَهُ الصَّغِيرَةَ لم يَفْسُدْ نِكَاحُ امْرَأَتِهِ وَحُرِّمَتْ الْأَجْنَبِيَّةُ عليه أَبَدًا لِأَنَّهَا من أُمَّهَاتِ نِسَائِهِ وَحُرِّمَ عليه أَنْ يَجْمَعَ بين أَحَدٍ من بَنَاتِهَا بِنَسَبٍ أو رَضَاعٍ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ التي أَرْضَعَتْ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ صَبِيَّةً ثُمَّ تَزَوَّجَ عليها عَمَّتَهَا وَأَصَابَ الْعَمَّةَ فَرَّقْت بَيْنَهُمَا وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا فَإِنْ أَرْضَعَتْ أُمُّ الْعَمَّةِ الصَّبِيَّةَ لم أُفَرِّقْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّبِيَّةِ وَالْعَمَّةُ ذَاتُ مَحْرَمٍ لها قبل النِّكَاحِ وَبَعْدَهُ وَإِنَّمَا يَحْرُمُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فَأَمَّا إحْدَاهُمَا بَعْدَ الْأُخْرَى فَلَا يَحْرُمُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
____________________
1- ( قال الرَّبِيعُ ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أنها إذَا أَرْضَعَتْ الرَّابِعَةَ خَمْسَ رَضَعَاتٍ فَقَدْ أَكْمَلَتْ الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ خَمْسَ رَضَعَاتٍ وَبِهِنَّ حَرُمَتْ الرَّابِعَةُ فَكَأَنَّهُ جَامِعٌ بين الْأُخْتَيْنِ من الرَّضَاعَةِ فَيَنْفَسِخَن مَعًا وَيَتَزَوَّجُ من شَاءَ مِنْهُنَّ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَرْضَعَتْ وَاحِدَةً خَمْسَ رَضَعَاتٍ ثُمَّ أَرْضَعَتْ الْأُخْرَيَيْنِ خَمْسًا مَعًا حُرِّمَتْ عليه الْأُمُّ بِكُلِّ حَالٍ وَانْفَسَخَ عليه نِكَاحُ الْبِنْتِ الْأُولَى مع الْأُمِّ وَحُرِّمَتْ الْأُخْرَيَانِ لِأَنَّهُمَا صَارَتَا أُخْتَيْنِ في وَقْتٍ مَعًا (

(5/33)


- * بَابُ الشَّهَادَةِ وَالْإِقْرَارِ بِالرَّضَاعِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا شَهِدَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ أَنَّ امْرَأَةً أَرْضَعَتْ امْرَأَةً خَمْسَ رَضَعَاتٍ وَأَرْضَعَتْ زَوْجَهَا خَمْسًا أو أَقَرَّ زَوْجُهَا بِأَنَّهَا أَرْضَعَتْهُ خَمْسًا فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ فَإِنْ أَصَابَهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَإِنْ لم يُصِبْهَا فَلَا نِصْفُ مَهْرٍ لها وَلَا مُتْعَةَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَذَلِكَ إنْ كان في النِّسْوَةِ أَخَوَاتُ الْمَرْأَةِ وَعَمَّاتُهَا وَخَالَاتُهَا لِأَنَّهَا لَا يُرَدُّ لها إلَّا شَهَادَةُ وَلَدٍ أو وَالِدٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كانت الْمَرْأَةُ تُنْكِرُ الرَّضَاعَ فَكَانَتْ فِيهِنَّ ابْنَتُهَا وَأُمُّهَا جُزْنَ عليها أَنْكَرَهُ الزَّوْجُ أو ادَّعَاهُ ( 1 ) وَإِنْ كانت الْمَرْأَةُ تُنْكِرُ الرَّضَاعَ وَالزَّوْجُ يُنْكِرُ أو لَا يُنْكِرُ فَلَا يَجُوزُ فيه أُمُّهَا وَلَا أُمَّهَاتُهَا وَلَا ابْنَتُهَا وَلَا بَنَاتُهَا وَسَوَاءٌ هذا قبل عُقْدَةِ النِّكَاحِ وَبَعْدَ عُقْدَتِهِ قبل الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ لَا يَخْتَلِفُ لَا يُفَرَّقُ فيه بين الْمَرْأَةِ وَالزَّوْجِ إلَّا بِشَهَادَةِ أَرْبَعٍ مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ عليه ليس فِيهِنَّ عَدُوٌّ لِلْمَشْهُودِ عليه أو غَيْرُ عَدْلٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيَجُوزُ في ذلك شَهَادَةُ التي أَرْضَعَتْ لِأَنَّهُ ليس لها في ذلك وَلَا عليها شَيْءٌ تُرَدُّ بِهِ شَهَادَتُهَا وَكَذَلِكَ تَجُوزُ شَهَادَةُ وَلَدِهَا وَأُمَّهَاتِهَا وَيُوقَفْنَ حتى يَشْهَدْنَ أَنْ قد أُرْضِعَ الْمَوْلُودُ خَمْسَ رَضَعَاتٍ تَخَلَّصَ كُلُّهُنَّ إلَى جَوْفِهِ أو يَخْلُصُ من كل وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ شَيْءٌ إلَى جَوْفِهِ وَتَسَعُهُنَّ الشَّهَادَةُ على هذه لِأَنَّهُ لَا يُسْتَدْرَكُ في الشَّهَادَةِ فيه أَبَدًا أَكْثَرُ من رُؤْيَتِهِنَّ الرَّضَاعَ وَعِلْمِهِنَّ وُصُولَهُ بِمَا يَرَيْنَ من ظَاهِرِ الرَّضَاعِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أُرْضَعَ الصَّبِيُّ ثُمَّ قَاءَ فَهُوَ كَرَضَاعِهِ وَاسْتِمْسَاكِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا لم تَكْمُلْ في الرَّضَاعِ شَهَادَةُ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ أَحْبَبْت له فِرَاقَهَا إنْ كان نَكَحَهَا وَتَرَكَ نِكَاحِهَا إنْ لم يَكُنْ نَكَحَهَا لِلْوَرَعِ فإنه أن يَدَعَ ماله نِكَاحُهُ خَيْرٌ من أَنْ يَنْكِحَ ما يَحْرُمُ عليه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ نَكَحَهَا لم أُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا إلَّا بِمَا أَقْطَعُ بِهِ الشَّهَادَةَ على الرَّضَاعِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ في هذا من خَبَرٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قِيلَ نعم
أخبرنا عبدالمجيد بن عبد الْعَزِيزِ عن بن جُرَيْجٍ قال أخبرني بن أبي مُلَيْكَةَ أَنَّ عُقْبَةَ بن الحرث أخبره أَنَّهُ نَكَحَ أُمَّ يحيى بِنْتَ أبي اهاب فقالت أَمَةٌ سَوْدَاءُ قد أَرْضَعَتْكُمَا قال فَجِئْت إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَذَكَرْت ذلك له فَأَعْرَضَ فَتَنَحَّيْت فَذَكَرْت ذلك له فقال وَكَيْفَ وقد زَعَمَتْ أنها أَرْضَعَتْكُمَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) إعْرَاضُهُ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ لم يَرَ هذا شَهَادَةً تَلْزَمُهُ وَقَوْلُهُ وَكَيْفَ وقد زَعَمَتْ أنها أَرْضَعَتْكُمَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ كَرِهَ له أَنْ يُقِيمَ مَعَهَا وقد قِيلَ إنَّهَا أُخْتُهُ من الرَّضَاعَةِ وَهَذَا مَعْنَى ما قُلْنَا من أَنْ يَتْرُكَهَا وَرَعًا لَا حُكْمًا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لم أَعْلَمْ أَحَدًا مِمَّنْ يَنْسِبُهُ الْعَامَّةُ إلَى الْعِلْمِ مُخَالِفًا في أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ تَجُوزُ فِيمَا لَا يَحِلُّ لِلرِّجَالِ غَيْرِ ذَوِي الْمَحَارِمِ أَنْ يَتَعَمَّدُوا أَنْ يَرَوْهُ لِغَيْرِ شَهَادَةٍ وَقَالُوا ذلك في وِلَادَةِ الْمَرْأَةِ وَعَيْبِهَا الذي تَحْتَ ثِيَابِهَا وَالرَّضَاعَةُ عِنْدِي مِثْلُهُ لَا يَحِلُّ لِغَيْرِ ذي مَحْرَمٍ أو زَوْجٍ أَنْ يَعْمِدَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى ثَدْيِهَا وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَشْهَدَ على رَضَاعِهَا بِغَيْرِ رُؤْيَةِ ثَدْيِهَا لِأَنَّهُ لو رَأَى صَبِيًّا يَرْضَعُ وَثَدْيُهَا مُغَطًّى أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ يَرْضَعُ من وَطْبٍ عُمِلَ كَخِلْقَةِ الثَّدْيِ وَلَهُ طَرَفٌ كَطَرَفِ الثَّدْيِ ثُمَّ أُدْخِلَ في كُمِّهَا فَتَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ في الرَّضَاعِ كما تَجُوزُ شَهَادَتُهُنَّ في الْوِلَادَةِ وَلَوْ رَأَى ذلك رَجُلَانِ عَدْلَانِ أو رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ في ذلك وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ في الْمَوْضِعِ الذي يَنْفَرِدْنَ فيه إلَّا بِأَنْ يَكُنَّ حَرَائِرَ عُدُولًا بَوَالِغ وَيَكُنَّ أَرْبَعًا لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل إذَا أَجَازَ شَهَادَتَهُنَّ في الدَّيْنِ جَعَلَ امْرَأَتَيْنِ تَقُومَانِ مَقَامَ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَقَوْلُ أَكْثَرَ من لَقِيت من أَهْلِ الْفُتْيَا أن شَهَادَةَ الرَّجُلَيْنِ تَامَّةٌ في كل شَيْءٍ ما عَدَا الزنى فَامْرَأَتَانِ أَبَدًا تَقُومَانِ مَقَامَ رَجُلٍ إذَا جَازَتَا
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مُسْلِمٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ قال لَا يَجُوزُ من النِّسَاءِ أَقَلُّ من أَرْبَعٍ

(5/34)


- * الْإِقْرَارُ بِالرَّضَاعِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا غير أَنْ لم تَلِدْ التي أَقَرَّ أنها أَرْضَعَتْهُ أو وَلَدَتْ وَهِيَ أَصْغَرُ مَوْلُودًا منه فَكَانَ مِثْلُهَا لَا يُرْضِعُ لِمِثْلِهِ بِحَالٍ أو كانت التي ذَكَرَ أنها ابْنَتُهُ من الرَّضَاعَةِ مثله في السِّنِّ أو أَكْبَرَ منه أو قَرِيبًا منه لَا يُحْتَمَلُ مِثْلُهُ أَنْ تَكُونَ ابْنَتَهُ من الرَّضَاعَةِ كان قَوْلُهُ وَقَوْلُهَا في هذه الْأَحْوَالِ بَاطِلًا ولم يَحْرُمْ عليه أَنْ يَنْكِحَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا وَلَا وَلَدًا لَهُمَا إنَّمَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ وَيَلْزَمُهُ إقْرَارُهُ فِيمَا يُمْكِنُ مِثْلُهُ وَسَوَاءٌ في ذلك كَذَّبَتْهُ الْمَرْأَةُ أو صَدَّقَتْهُ أو كانت الْمُدَّعِيَةُ دُونَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو قال لِرَجُلٍ أَكْبَرَ منه هذا ابْنِي وَصَدَّقَهُ الرَّجُلُ لم يَكُنْ ابْنَهُ أَبَدًا وَكَذَلِكَ لو قال رَجُلٌ هو أَصْغَرُ منه هذا أبى وَصَدَّقَهُ الرَّجُلُ وَلَا نَسَبَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا يُعْرَفُ لم يَكُنْ أَبَاهُ إنَّمَا أَقْبَلُ من هذا ما يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مثله وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ في دَعْوَاهَا بِحَالِهَا فقال هذه أُخْتِي من الرَّضَاعَةِ أو قالت هذا أَخِي من الرَّضَاعَةِ قبل أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَكَذَّبَتْهُ أو صَدَّقَتْهُ أو كَذَّبَهَا في الدَّعْوَى أو صَدَّقَهَا كان سَوَاءً كُلُّهُ وَلَا يَحِلُّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْكِحَ الْآخَرَ وَلَا وَاحِدًا من وَلَدِهِ في الْحُكْمِ وَيَحِلُّ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إنْ عَلِمَا أَنَّهُمَا كَاذِبَانِ أَنْ يَتَنَاكَحَا أو وَلَدُهُمَا وَلَوْ أَقَرَّ أنها أُخْتُهُ من الرَّضَاعَةِ من امْرَأَةٍ لم يُسَمِّهَا قَبِلْت ذلك منه ولم أَنْظُرُ إلَى سِنِّهِ وَسِنِّهَا لِأَنَّهُ قد يَكُونُ أَكْبَرَ منها وَتَعِيشُ التي أَرْضَعَتْهُ حتى تُرْضِعَهَا بِلَبَنِ وَلَدٍ غَيْرِ الْوَلَدِ الذي أَرْضَعَتْهُ بِهِ وَكَذَلِكَ إنْ كانت أَكْبَرَ منه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ سَمَّى امْرَأَةً أَرْضَعَتْهُ فقال أَرْضَعَتْنِي وَإِيَّاهَا فلانه فَكَانَ لَا يُمْكِنُ بِحَالٍ أَنْ تُرْضِعَهُ أولا يُمْكِنُ بِحَالٍ أَنْ تُرْضِعَهَا لِمَا وَصَفْت من تَفَاوُتِ السِّنِينَ أو مَوْتِ التي زَعَمَ أنها أَرْضَعَتْهُمَا قبل أَنْ يُولَدَ أَحَدُهُمَا كان إقْرَارُهُ بَاطِلًا كَالْقَوْلِ في الْمَسَائِلِ قبل هذا إنَّمَا أُلْزِمُهُ إقْرَارَهُ وَإِقْرَارَهَا فِيمَا يُمْكِنُ مِثْلُهُ وَلَا أُلْزِمُهُمَا فِيمَا لَا يُمْكِنُ مِثْلُهُ إذَا كان إقْرَارُهُمَا لَا يُلْزِمُ وَاحِدًا مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ شيئا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان مَلَكَ عُقْدَةَ نِكَاحِهَا ولم يَدْخُلْ بها حتى أَقَرَّ أنها ابْنَتُهُ أو أُخْتُهُ أو أُمُّهُ وَذَلِكَ يُمْكِنُ فيها وَفِيهِ سَأَلْتهَا فَإِنْ صَدَّقَتْهُ فَرَّقْت بَيْنَهُمَا ولم أَجْعَلْ لها مَهْرًا وَلَا مُتْعَةً وَإِنْ كَذَّبَتْهُ أو كانت صَبِيَّةً فَأَكْذَبَهُ أَبُوهَا أو أَقَرَّ بِدَعْوَاهُ فَسَوَاءٌ لِأَنَّهُ ليس له أَنْ يُبْطِلَ حَقَّهَا وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِكُلِّ حَالٍ وَأَجْعَلُ لها عليه نِصْفَ الْمَهْرِ الذي سمي لها لِأَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ بِأَنَّهَا مَحْرَمٌ منه بعد ما لَزِمَهُ لها الْمَهْرُ إنْ دخل وَنِصْفُهُ إنْ طَلَّقَ قبل أَنْ يَدْخُلَ فَأَقْبَلُ إقْرَارَهُ فِيمَا يُفْسِدُهُ على نَفْسِهِ وَأَرُدُّهُ فِيمَا يَطْرَحُ بِهِ حَقَّهَا الذي يَلْزَمُهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ أَرَادَ إحْلَافَهَا وَكَانَتْ بَالِغَةً أَحَلَفْتهَا له ما هِيَ أُخْتُهُ من الرَّضَاعَةِ فَإِنْ حَلَفَتْ كان لها نِصْفُ الْمَهْرِ وَإِنْ نَكَلَتْ حَلَفَ على أنها أُخْتُهُ من الرَّضَاعَةِ وَسَقَطَ عنه نِصْفُ الْمَهْرِ وَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ نِصْفُ الْمَهْرِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كانت صَبِيَّةً أو مَعْتُوهَةً فَلَا يَمِينَ عليها وَآخُذُهُ لها بِنِصْفِ الْمَهْرِ الذي سمي لها فإذا كَبِرَتْ الصَّبِيَّةُ أَحَلَفْتهَا له إنْ شَاءَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان لم يَفْرِضْ لها وَكَانَتْ صَبِيَّةً أو مَحْجُورًا عليها كان لها نِصْفُ صَدَاقِ مِثْلِهَا لِأَنَّهُ ليس لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا بِغَيْرِ صَدَاقٍ وَإِنْ كانت بَالِغَةً غير مَحْجُورٍ عليها فَزُوِّجَتْ بِرِضَاهَا بِلَا مَهْرٍ فَلَا مَهْرَ لها وَلَهَا الْمُتْعَةُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كانت هِيَ الْمُدَّعِيَةُ لِذَلِكَ أَفْتَيْته بِأَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ عز وجل وَيَدَعَ نِكَاحَهَا بِتَطْلِيقَةٍ يُوقِعُهَا عليها لِتَحِلَّ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَقَرَّ رَجُلٌ أَنَّ امْرَأَةً أُمُّهُ من الرَّضَاعَةِ أو ابْنَتُهُ من الرَّضَاعَةِ ولم يَنْكِحْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا وقد وَلَدَتْ الْمَرْأَةُ التي يَزْعُمُ أنها أُمُّهُ أو كان لها لَبَنٌ يُعْرَفُ لِلْمُرْضِعِ مِثْلُهُ وكان لها سِنٌّ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرْضِعَ مِثْلُهَا مثله لو وُلِدَ له وَكَانَتْ له سِنٌّ تُحْتَمَلُ أَنْ تُرْضِعَ امْرَأَتَهُ أو أَمَتَهُ التي وُلِدَتْ منه مِثْلُ الذي أَقَرَّ أنها ابْنَتُهُ لم تَحْلِلْ له وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا أَبَدًا في الْحُكْمِ وَلَا من بَنَاتِهِمَا وَلَوْ قال مَكَانَهُ غَلِطْتُ أو وَهَمْتُ لم يُقْبَلْ منه لِأَنَّهُ قد أَقَرَّ أَنَّهُمَا ذَوَاتَا مَحْرَمٍ منه قَبْلُ يَلْزَمُهُ لَهُمَا أو يَلْزَمُهُمَا له شَيْءٌ وَكَذَلِكَ لو كانت هِيَ الْمُقِرَّةُ بِذَلِكَ وهو يُكَذِّبُهَا ثُمَّ قالت غَلِطْت لِأَنَّهَا أَقَرَّتْ بِهِ في حَالٍ لَا يَدْفَعُ بها عن نَفْسِهِ وَلَا يَجُرُّ إلَيْهَا وَلَا تُلْزِمُهُ وَلَا نَفْسَهَا بإقرارها ( ( ( بإقرار ) ) ) شيئا

(5/35)


بها لِغَيْرِهِ إنْ كانت كَاذِبَةً وَلَا يَضُرُّهُ إنْ كانت صَادِقَةً وَلَا أُجْبِرُهُ في الْحُكْمِ على أَنْ يُطَلِّقَهَا لِأَنَّهُ قد لَزِمَهَا نِكَاحُهُ فَلَا أُصَدِّقُهَا على إفْسَادِهِ وَأُحَلِّفُهُ لها على دَعْوَاهَا ما هِيَ أُخْتُهُ من الرَّضَاعَةِ فَإِنْ حَلَفَ أُثْبِتَ النِّكَاحُ وَإِنْ نَكَلَ أَحَلَفْتهَا فَإِنْ حَلَفَتْ فَسَخْت النِّكَاحَ وَلَا شَيْءَ لها وَإِنْ لم تَحْلِفْ فَهِيَ امْرَأَتُهُ بِحَالِهَا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كان هذا بَعْدَ إصَابَتِهِ إيَّاهَا وكان هو الْمُقِرَّ فَإِنْ كَذَّبَتْهُ فَلَهَا الْمَهْرُ الذي سمي لها وَإِنْ صَدَّقَتْهُ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا كان أَكْثَرَ أو أَقَلَّ من الْمَهْرِ الذي سمي لها وَإِنْ كانت هِيَ الْمُدَّعِيَةَ أنها أُخْتُهُ لم تُصَدَّقْ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهَا فَيَكُونَ لها مَهْرُ مِثْلِهَا - * الرَّجُلُ يُرْضِعُ من ثَدْيِهِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا أَحْسَبُهُ يَنْزِلُ لِلرَّجُلِ لَبَنٌ فَإِنْ نَزَلَ له لَبَنٌ فَأَرْضَعَ بِهِ مَوْلُودَةً كَرِهْتُ له نِكَاحَهَا وَلِوَلَدِهِ فَإِنْ نَكَحَهَا لم أَفْسَخْهُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ رَضَاعَ الْوَالِدَاتِ وَالْوَالِدَاتُ إنَاثٌ وَالْوَالِدُونَ غَيْرُ الْوَالِدَاتِ وَذَكَرَ الْوَالِدَ بِأَنَّ عليه مُؤْنَةَ الرَّضَاعِ فقال عز وجل { وَعَلَى الْمَوْلُودِ له رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فلم يَجُزْ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْآبَاءِ حُكْمَ الْأُمَّهَاتِ وَلَا حُكْمُ الْأُمَّهَاتِ حُكْمَ الْآبَاءِ وقد فَرَّقَ اللَّهُ عز وجل بين أَحْكَامِهِمْ - * رَضَاعُ الْخُنْثَى - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَصْلُ ما أذهب ( ( ( ذهب ) ) ) إلَيْهِ في الْخُنْثَى أَنَّهُ إذَا كان الْأَغْلَبُ عليه أَنَّهُ رَجُلٌ نَكَحَ امْرَأَةً ولم يَنْزِلْ فَنَكَحَهُ رَجُلٌ فإذا نَزَلَ له لَبَنٌ فَأَرْضَعَ بِهِ صَبِيًّا لم يَكُنْ رَضَاعًا يُحَرِّمُ وهو مِثْلُ لَبَنِ الرَّجُلِ لِأَنِّي قد حَكَمْت له أَنَّهُ رَجُلٌ وإذا كان الْأَغْلَبُ عليه أَنَّهُ امْرَأَةٌ فَنَزَلَ له لَبَنٌ من نِكَاحٍ وَغَيْرِ نِكَاحٍ فَأَرْضَعَ بِهِ صَبِيًّا حَرَّمَ كما تُحَرِّمُ الْمَرْأَةُ إذَا أَرْضَعَتْ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا كان مُشْكِلًا فَلَهُ أَنْ يَنْكِحَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ فَأَيَّهُمَا نَكَحَ بِهِ لم أُجِزْ له غَيْرَهُ ولم أَجْعَلْهُ يَنْكِحُ بِالْآخَرِ - * بَابُ التَّعْرِيضِ بِالْخِطْبَةِ - * أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال أخبرنا + الشَّافِعِيُّ قال قال اللَّهُ عز وجل { وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ من خِطْبَةِ النِّسَاءِ أو أَكْنَنْتُمْ في أَنْفُسِكُمْ } الْآيَةُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبُلُوغُ الْكِتَابِ أَجَلَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ قال فَبَيَّنَ في كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ اللَّهَ فَرَّقَ في الْحُكْمِ بين خَلْقِهِ بين أَسْبَابِ الْأُمُورِ وَعَقَدِ الْأُمُورِ وَبَيْنَ إذْ فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرَهُ بَيْنَهُمَا أَنْ ليس لِأَحَدٍ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَأَنْ لَا يَفْسُدَ أَمْرٌ بِفَسَادِ السَّبَبِ إذَا كان عَقْدُ الْأَمْرِ صَحِيحًا وَلَا بِالنِّيَّةِ في الْأَمْرِ وَلَا تَفْسُدُ الْأُمُورُ إلَّا بِفَسَادٍ إنْ كان في عَقْدِهَا لَا بِغَيْرِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ أَنْ يُعْقَدَ النِّكَاحُ حتى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ ولم يُحَرِّمْ التَّعْرِيضَ بِالْخِطْبَةِ في الْعِدَّةِ وَلَا أَنْ يَذْكُرَهَا وَيَنْوِيَ نِكَاحَهَا بِالْخِطْبَةِ لها وَالذِّكْرُ لها وَالنِّيَّةُ في نِكَاحِهَا سَبَبُ النِّكَاحِ وَبِهَذَا أَجَزْنَا الْأُمُورَ بِعَقْدِهَا إنْ كان جَائِزًا وَرَدَدْنَاهَا بِهِ إنْ كان مَرْدُودًا ولم نَسْتَعْمِلْ أَسْبَابَ الْأُمُورِ في الْأَحْكَامِ بِحَالٍ فَأَجَزْنَا أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ لَا يَنْوِي حَبْسَهَا إلَّا يَوْمًا وَلَا تَنْوِي هِيَ إلَّا هو وَكَذَلِكَ لو تَوَاطَآ على ذلك إذَا لم يَكُنْ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا إذَا لم يُقِمْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَرْبَعَ نِسْوَةٍ وَلَا رَجُلَيْنِ وَلَا رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ على ما ادَّعَى فَإِنْ أَقَامَا على ذلك من تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فَلَا ايمان بَيْنَهُمَا وَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ إذَا شَهِدَ النِّسْوَةُ على رَضَاعٍ أو الرِّجَالُ فَإِنْ شَهِدَ على إقْرَارِ الرَّجُلِ أو الْمَرْأَةِ بِالرَّضَاعِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ لم تَجُزْ شهادتهن ( ( ( شهادتين ) ) ) لِأَنَّ هذا مِمَّا يَشْهَدُ عليه الرِّجَالُ وَإِنَّمَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ فِيمَا لَا يَنْبَغِي لِلرِّجَالِ أَنْ يَعْمِدُوا النَّظَرَ إلَيْهِ لِغَيْرِ شهادة ( ( ( الشهادة ) ) )

(5/36)


في شَرْطِ النِّكَاحِ وَكَذَلِكَ قُلْنَا في الطَّلَاقِ إذَا قال لها اعتدى لم يَكُنْ طَلَاقًا إلَّا بِنِيَّةِ طَلَاقٍ كان ذلك من قَبْلِ غَضَبٍ أو بَعْدَهُ وَإِذْ أَذِنَ اللَّهُ عز وجل في التَّعْرِيضِ بِالْخِطْبَةِ في الْعِدَّةِ فَبَيَّنَ أَنَّهُ حَظَرَ التَّصْرِيحَ فيها وَخَالَفَ بين حُكْمِ التَّعْرِيضِ وَالتَّصْرِيحِ وَبِذَلِكَ قُلْنَا لَا نَجْعَلُ التَّعْرِيضَ أَبَدًا يَقُومُ مَقَامَ التَّصْرِيحِ في شَيْءٍ من الْحُكْمِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْمُعَرِّضُ التَّصْرِيحَ وَجَعَلْنَاهُ فِيمَا يُشْبِهُ الطَّلَاقَ من النِّيَّةِ وَغَيْرِهِ فَقُلْنَا لَا يَكُونُ طَلَاقًا إلَّا بِإِرَادَتِهِ وَقُلْنَا لَا نحد ( ( ( نجد ) ) ) أَحَدًا في تَعْرِيضٍ إلَّا بِإِرَادَةِ التَّصْرِيحِ بِالْقَذْفِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ رَضِيتُك إنَّ عِنْدِي لَجِمَاعًا حَسَنًا يرضى من جُومِعَهُ فَكَانَ هذا وَإِنْ كان تَعْرِيضًا مَنْهِيًّا عنه لِقُبْحِهِ وما عَرَّضَ بِهِ مِمَّا سِوَى هذا مِمَّا يُفْهِمُ الْمَرْأَةَ بِهِ أَنَّهُ يُرِيدُ نِكَاحَهَا فَجَائِزٌ له وَكَذَلِكَ التَّعْرِيضُ بِالْإِجَابَةِ له جَائِزٌ لها لَا يَحْظُرُ عليها من التَّعْرِيضِ شَيْءٌ يُبَاحُ له وَلَا عليه شَيْءٌ يُبَاحُ لها وَإِنْ صَرَّحَ لها بِالْخِطْبَةِ وَصَرَّحَتْ له بِالْإِجَابَةِ أو لم تُصَرِّحْ ولم يَعْقِدْ النِّكَاحَ في الْحَالَيْنِ حتى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ وَالتَّصْرِيحُ لَهُمَا مَعًا مَكْرُوهٌ وَلَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ بِالسَّبَبِ غَيْرِ الْمُبَاحِ من التَّصْرِيحِ لِأَنَّ النِّكَاحَ حَادِثٌ بَعْدَ الْخِطْبَةِ ليس بِالْخِطْبَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ امْرَأَةً مُسْتَخِفَّةً لو قالت لَا أَنْكِحُ رَجُلًا حتى أَرَاهُ مُتَجَرِّدًا أو حتى أُخْبِرَهُ بِالْفَاحِشَةِ فَأَرْضَاهُ في الْحَالَيْنِ فَتَجَرَّدَ لها أو أتى منها مُحَرَّمًا ثُمَّ نَكَحَتْهُ بعد ما كان النِّكَاحُ جَائِزًا وما فَعَلَاهُ قَبْلَهُ مُحَرَّمًا لم يَفْسُدْ النِّكَاحُ بِسَبَبِ الْمُحَرَّمِ لِأَنَّ النِّكَاحَ حَادِثٌ بَعْدَ سَبَبِهِ وَالنِّكَاحُ غَيْرُ سَبَبِهِ وَهَذَا مِمَّا وَصَفْت من أَنَّ الْأَشْيَاءَ إنَّمَا تَحِلُّ وَتَحْرُمُ بِعَقْدِهَا لَا بِأَسْبَابِهَا قال وَالتَّعْرِيضُ الذي أَبَاحَ اللَّهُ ما عَدَا التَّصْرِيحَ من قَوْلٍ وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ رُبَّ مُتَطَلِّعٍ إلَيْكِ وَرَاغِبٍ فِيكِ وَحَرِيصٍ عَلَيْكِ وَإِنَّكِ لَبِحَيْثُ تُحِبِّينَ وما عَلَيْكِ أَيِّمَةٌ وَإِنِّي عَلَيْكِ لَحَرِيصٌ وَفِيكِ رَاغِبٌ وما كان في هذا الْمَعْنَى مِمَّا خَالَفَ التَّصْرِيحَ والتصريح أَنْ يَقُولَ تَزَوَّجِينِي إذَا حَلَلْتِ أو أنا أَتَزَوَّجُكِ إذَا حَلَلْتِ وما أَشْبَهَ هذا مِمَّا جَاوَزَ بِهِ التَّعْرِيضَ وكان بَيَانًا أَنَّهُ خِطْبَةٌ لَا أَنَّهُ يَحْتَمِلُ غير الْخِطْبَةِ قال وَالْعِدَّةُ التي أَذِنَ اللَّهُ بِالتَّعْرِيضِ بِالْخِطْبَةِ فيها الْعِدَّةُ من وَفَاةِ الزَّوْجِ وإذا كانت الْوَفَاةُ فَلَا زَوْجَ يُرْجَى نِكَاحُهُ بِحَالٍ وَلَا أُحِبُّ أَنْ يُعَرِّضَ الرَّجُلُ لِلْمَرْأَةِ في الْعِدَّةِ من الطَّلَاقِ الذي لَا يَمْلِكُ فيه الْمُطَلِّقُ الرَّجْعَةَ احْتِيَاطًا وَلَا يُبَيِّنُ أَنْ لَا يَجُوزَ ذلك لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ أَمْرَهَا في عِدَّتِهَا كما هو غَيْرُ مَالِكِهَا إذَا حَلَّتْ من عِدَّتِهَا فَأَمَّا الْمَرْأَةُ يَمْلِكُ زَوْجُهَا رَجْعَتَهَا فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُعَرِّضَ لها بِالْخِطْبَةِ في الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا في كَثِيرٍ من مَعَانِي الْأَزْوَاجِ وقد يُخَافُ إذَا عَرَّضَ لها من تَرْغَبُ فيه بِالْخِطْبَةِ أَنْ تدعى بِأَنَّ عِدَّتَهَا حَلَّتْ وَإِنْ لم تَحِلَّ وما قُلْت فيه لَا يَجُوزُ التَّعْرِيضُ بِالْخِطْبَةِ أو لَا يَجُوزُ التَّصْرِيحُ بِالْخِطْبَةِ فَحَلَّتْ الْعِدَّةُ ثُمَّ نَكَحَتْ الْمَرْأَةُ فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ بِمَا وَصَفْت - * الْكَلَامُ الذي يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ وما لَا يَنْعَقِدُ - * قال اللَّهُ عز وجل لِنَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم { فلما قَضَى زَيْدٌ منها وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا } وقال تَعَالَى { وَخَلَقَ منها زَوْجَهَا } وقال { وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ } وقال { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ } وقال { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ له من بَعْدُ حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } وقال { وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إنْ أَرَادَ النبي أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا } وقال { إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ } وقال { وَلَا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آبَاؤُكُمْ من النِّسَاءِ } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَسَمَّى اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى النِّكَاحَ اسْمَيْنِ النِّكَاحَ وَالتَّزْوِيجَ وقال عز وجل { وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إنْ أَرَادَ النبي } الْآيَةُ فَأَبَانَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ الْهِبَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم دُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْهِبَةُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ نجمع ( ( ( تجمع ) ) ) أَنْ يَنْعَقِدَ له عليها عُقْدَةُ النِّكَاحِ بِأَنْ تَهَبَ نَفْسَهَا له بِلَا مَهْرٍ وفي هذا دَلَالَةٌ على أَنْ لَا يَجُوزَ نِكَاحٌ إلَّا بِاسْمِ النِّكَاحِ أو التَّزْوِيجِ وَلَا يَقَعُ بِكَلَامٍ غَيْرِهِمَا وَإِنْ كانت معه نِيَّةُ التَّزْوِيجِ وَأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلطَّلَاقِ الذي يَقَعُ بِمَا يُشْبِهُ الطَّلَاقَ من الْكَلَامِ مع نِيَّةِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَلَكِنْ { لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا } يَعْنِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ جِمَاعًا { إلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا } قَوْلًا حَسَنًا لَا فُحْشَ فيه

(5/37)


الطَّلَاقِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ قبل أَنْ تُزَوَّجَ مُحَرَّمَةُ الْفَرْجِ فَلَا تَحِلُّ إلَّا بِمَا سَمَّى اللَّهُ عز وجل أنها تَحِلُّ بِهِ لَا بِغَيْرِهِ وَأَنَّ الْمَرْأَةَ الْمَنْكُوحَةَ تَحْرُمُ بِمَا حَرَّمَهَا بِهِ زَوْجُهَا مِمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ اسْمُهُ في كِتَابِهِ أو على لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وقد دَلَّتْ سُنَّةُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم على أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِمَا يُشْبِهُ الطَّلَاقَ إذَا أَرَادَ بِهِ الزَّوْجُ الطَّلَاقَ ولم يَجُزْ في الْكِتَابِ وَلَا السُّنَّةِ إحْلَالُ نِكَاحٍ إلَّا بِاسْمِ نِكَاحٍ أو تَزْوِيجٍ فإذا قال سَيِّدُ الْأَمَةِ وأبو الْبِكْرِ أو الثَّيِّبِ أو وَلِيُّهَا لِلرَّجُلِ قد وَهَبْتهَا لَك أو أَحْلَلْتهَا لَك أو تَصَدَّقْت بها عَلَيْك أو أَبَحْت لَك فَرْجَهَا أو مَلَّكْتُك فَرْجَهَا أو صَيَّرْتهَا من نِسَائِك أو صَيَّرْتهَا امْرَأَتَك أو أَعْمَرْتُكَهَا أو أَجَرْتُكَهَا حَيَاتَك أو مَلَّكْتُك بُضْعَهَا أو ما أَشْبَهَ هذا أو قَالَتْهُ الْمَرْأَةُ مع الْوَلِيِّ وَقَبِلَهُ الْمُخَاطَبُ بِهِ لنفسه ( ( ( نفسه ) ) ) أو قال قد تَزَوَّجْتهَا فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا وَلَا نِكَاحَ أَبَدًا إلَّا بِأَنْ يَقُولَ قد زَوَّجْتُكهَا أو أَنْكَحْتُكهَا وَيَقُولُ الزَّوْجُ قد قَبِلْت نِكَاحَهَا أو قَبِلْت تَزْوِيجَهَا أو يقول الْخَاطِبُ زَوِّجْنِيهَا أو أَنْكِحْنِيهَا فيقول الْوَلِيُّ قد زَوَّجْتُكَهَا أو أَنْكَحْتُكَهَا وَيُسَمِّيَانِهَا مَعًا بِاسْمِهَا وَنَسَبِهَا وَلَوْ قال جِئْتُك خَاطِبًا لِفُلَانَةَ فقال قد زَوَّجْتُكَهَا لم يَكُنْ نِكَاحًا حتى يَقُولَ قد قَبِلْت تَزْوِيجَهَا وَلَوْ قال جِئْتُك خَاطِبًا لِفُلَانَةَ فَزَوِّجْنِيهَا فقال قد زَوَّجْتُكَهَا ثَبَتَ النِّكَاحُ ولم أَحْتَجْ إلَى أَنْ يَقُولَ قد قَبِلْت تَزْوِيجَهَا وَلَا نِكَاحَهَا وَهَكَذَا لو قال الْوَلِيُّ قد زَوَّجْتُك فُلَانَةَ فقال الزَّوْجُ قد قَبِلْت ولم يَقُلْ تَزْوِيجَهَا لم يَكُنْ نِكَاحًا حتى يَقُولَ قد قَبِلْت تَزْوِيجَهَا وَلَوْ قال الْخَاطِبُ زَوِّجْنِي فُلَانَةَ فقال الْوَلِيُّ قد فَعَلْت أو قد أَجَبْتُك إلَى ما طَلَبْت أو مَلَّكْتُك ما طَلَبْت لم يَكُنْ نِكَاحًا حتى يَقُولَ قد زَوَّجْتُكَهَا أو أَنْكَحْتُكهَا فَإِنْ قال زَوِّجْنِي فُلَانَةَ فقال قد مَلَّكْتُك نِكَاحَهَا أو مَلَّكْتُك بُضْعَهَا أو مَلَّكْتُك أَمْرَهَا أو جَعَلْت بِيَدِك أَمْرَهَا لم يَكُنْ نِكَاحًا حتى يَتَكَلَّمَ بزوجتكها أو أَنْكَحْتُكَهَا وَيَتَكَلَّمَ الْخَاطِبُ بأنكحنيها أو زَوِّجْنِيهَا فإذا اجْتَمَعَ هذا انْعَقَدَ النِّكَاحُ وَهَكَذَا يَكُونُ نِكَاحُ الصِّغَارِ وَالْإِمَاءِ لَا يَنْعَقِدُ عَلَيْهِنَّ النِّكَاحُ من قَوْلِ وُلَاتِهِنَّ إلَّا بِمَا يَنْعَقِدُ بِهِ على الْبَالِغِينَ وَلَهُمْ إذَا تَكَلَّمَا جميعا بِإِيجَابِ النِّكَاحِ مُطْلَقًا جَازَ وَإِنْ كان في عُقْدَةِ النِّكَاحِ مَثْنَوِيَّةٌ لم يَجُزْ وَلَا يَجُوزُ في النِّكَاحِ خِيَارٌ بِحَالٍ وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ قد زَوَّجْتُكَهَا إنْ رضي فُلَانٌ أو زَوَّجْتُكَهَا على أَنَّك بِالْخِيَارِ في مَجْلِسِك أو في يَوْمِك أو أَكْثَرَ من يَوْمٍ أو على أنها بِالْخِيَارِ أو زَوَّجْتُكَهَا إنْ أَتَيْت بِكَذَا أو فَعَلْت كَذَا فَفَعَلَهُ فَلَا يَكُونُ شَيْءٌ من هذا تَزْوِيجًا وَلَا ما أَشْبَهَهُ حتى يُزَوِّجَهُ تَزْوِيجًا صَحِيحًا مُطْلَقًا لَا مَثْنَوِيَّةَ فيه - * ما يَجُوزُ وما لَا يَجُوزُ في النِّكَاحِ - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَكُونُ التَّزْوِيجُ إلَّا لِامْرَأَةٍ بِعَيْنِهَا وَرَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَيَنْعَقِدُ النِّكَاحُ من سَاعَتِهِ لَا يَتَأَخَّرُ بِشَرْطٍ وَلَا غَيْرِهِ وَيَكُونُ مُطْلَقًا فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا له ابْنَتَانِ خَطَبَ إلَيْهِ رَجُلٌ فقال زَوِّجْنِي ابْنَتَك فقال قد زَوَّجْتُكَهَا فَتَصَادَقَ الْأَبُ وَالْبِنْتُ وَالزَّوْجُ على أَنَّهُمَا لَا يَعْرِفَانِ الْبِنْتَ التي زَوَّجَهُ إيَّاهَا وقال الْأَبُ لِلزَّوْجِ أَيَّتَهُمَا شِئْت فَهِيَ التي زَوَّجْتُك أو قال الزَّوْجُ لِلْأَبِ أَيَّتَهُمَا شِئْت فَهِيَ التي زَوَّجْتَنِي لم يَكُنْ هذا نِكَاحًا وَلَوْ قال زَوِّجْنِي أَيَّ ابْنَتَيْك شِئْت فَزَوَّجَهُ على هذا لم يَكُنْ هذا نِكَاحًا وَهَكَذَا لو قال زَوِّجْ ابْنِي وَلَهُ ابْنَانِ فَزَوَّجَهُ لم يَكُنْ هذا نِكَاحًا وَلَوْ قال زَوِّجْنِي ابْنَتَك فُلَانَةَ غَدًا أو إذَا جِئْتُك أو إذَا دَخَلْت الدَّارَ أو إذَا فَعَلْت أو فَعَلْت كَذَا فقال قد زَوَّجْتُكَهَا على ما شَرَطْت فَفَعَلَ ما شَرَطَ لم يَكُنْ نِكَاحًا إذَا تَكَلَّمَا بِالنِّكَاحِ مَعًا فلم يَكُنْ مُنْعَقِدًا مَكَانَهُ لم يَنْعَقِدْ بَعْدَ مُدَّةٍ وَلَا شَرْطٍ وَلَوْ قال زَوِّجْنِي حَبَلَ امْرَأَتِك فَزَوَّجَهُ إيَّاهُ فَكَانَ جَارِيَةً لم يَكُنْ نِكَاحًا وَهَكَذَا لو قال زَوِّجْنِي ما وَلَدَتْ امْرَأَتُك فَكَانَتْ في الْبَلَدِ مَعَهُمَا أو غَائِبَةً عنهما فَتَصَادَقَا على أَنَّهُمَا حين انْعَقَدَتْ عُقْدَةُ النِّكَاحِ لَا يَعْلَمَانِ أَوَلَدَتْ امْرَأَتُهُ جَارِيَةً أو غُلَامًا قال وَهَكَذَا لو تَصَادَقَا أَنَّهُمَا قد عَلِمَا أنها قد وَلَدَتْ جَارِيَتَيْنِ ولم يُسَمِّ أَيَّتَهُمَا زَوَّجَ بِعَيْنِهَا وَمَتَى تَكَلَّمَا بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ بِعَيْنِهَا جَازَ النِّكَاحُ وَذَلِكَ أَنْ يُزَوِّجَهُ ابْنَتَهُ فُلَانَةَ وَلَيْسَتْ له ابْنَةٌ يُقَالُ لها فُلَانَةُ إلَّا وَاحِدَةً وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُقَدِّمَ الْمَرْءُ بين يَدَيْ خِطْبَتِهِ وَكُلِّ أَمْرٍ طَلَبَهُ سِوَى الْخِطْبَةِ حَمْدَ اللَّهِ عز وجل وَالثَّنَاءَ عليه وَالصَّلَاةَ على رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسل

(5/38)


وَالْوَصِيَّةَ بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ يَخْطُبُ وَأَحَبُّ إلى لِلْخَاطِبِ أَنْ يَفْعَلَ ذلك ثُمَّ يُزَوِّجَ وَيَزِيدَ الْخَاطِبُ أَنْكَحْتُك على ما أَمَرَ اللَّه تَعَالَى بِهِ من إمْسَاكٍ بِمَعْرُوفٍ أو تَسْرِيحٍ بِإِحْسَانٍ وَإِنْ لم يَزِدْ على عُقْدَةِ النِّكَاحِ جَازَ النِّكَاحُ
أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن بن أبي مُلَيْكَةَ أَنَّ بن عُمَرَ كان إذَا أَنْكَحَ قال أَنْكَحْتُك على ما أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى على إمْسَاكٍ بِمَعْرُوفٍ أو تَسْرِيحٍ بِإِحْسَانٍ - * نَهْيُ الرَّجُلِ أَنْ يَخْطِبَ على خِطْبَةِ أَخِيهِ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا يَخْطُبُ أحدكم على خِطْبَةِ أَخِيهِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَكَانَ الظَّاهِرُ من هذه الْأَحَادِيثِ أَنَّ من خَطَبَ امْرَأَةً لم يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَخْطُبَهَا حتى يَأْذَنَ الْخَاطِبُ أو يَدَعَ الْخِطْبَةَ وَكَانَتْ مُحْتَمَلَةً لَأَنْ يَكُونَ نهي النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ على خِطْبَةِ أَخِيهِ في حَالٍ دُونَ حَالٍ فَوَجَدْنَا سُنَّةً النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم تَدُلُّ على أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا نهى عنها في حَالٍ دُونَ حَالٍ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن عبد اللَّهِ بن يَزِيدَ مولى الْأَسْوَدِ بن سُفْيَانَ عن أبي سَلَمَةَ بن عبد الرحمن عن فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا فَبَتَّهَا فَأَمَرَهَا النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ تَعْتَدَّ في بَيْتِ أُمِّ مَكْتُومٍ وقال فإذا حَلَلْت فَآذِنِينِي فلما حَلَلْت أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أَبَا جَهْمٍ وَمُعَاوِيَةَ خَطَبَانِي فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَّا أبو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عن عَاتِقِهِ وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ له انْكِحِي أُسَامَةَ فَكَرِهَتْهُ فقال انْكِحِي أُسَامَةَ فَنَكَحَتْهُ فَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى فيه خَيْرًا وَاغْتَبَطَتْ بِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَكَمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْحَالَ التي خَطَبَ فيها رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَاطِمَةَ على أُسَامَةَ غير الْحَالِ التي نهى عن الْخِطْبَةِ فيها ولم يَكُنْ لِلْمَخْطُوبَةِ حَالَانِ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ إلَّا بِأَنْ تَأْذَنَ الْمَخْطُوبَةُ بِإِنْكَاحِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَيَكُونَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُزَوِّجَهَا جَازَ النِّكَاحُ عليها وَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ أَنْ يَخْطُبَهَا في هذه الْحَالِ حتى يَأْذَنَ الْخَاطِبُ أو يَتْرُكَ خِطْبَتَهَا وَهَذَا بَيِّنٌ في حديث بن ابي ذِئْبٍ وقد أَعْلَمَتْ فَاطِمَةُ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ أَبَا جَهْمٍ وَمُعَاوِيَةَ خَطَبَاهَا وَلَا أَشُكُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ خِطْبَةَ أَحَدِهِمَا بَعْدَ خِطْبَةِ الْآخَرِ فلم يَنْهَهُمَا وَلَا وَاحِدًا مِنْهُمَا ولم نَعْلَمْهُ أنها أَذِنَتْ في وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَخَطَبَهَا على اسامة ولم يَكُنْ لِيَخْطُبَهَا في الْحَالِ التي نهى فيها عن الْخِطْبَةِ ولم أَعْلَمْهُ نهى مُعَاوِيَةَ وَلَا أَبَا جَهْمٍ عَمَّا صَنَعَا وَالْأَغْلَبُ أَنَّ أَحَدَهُمَا خَطَبَهَا بَعْدَ الْآخَرِ فإذا أَذِنَتْ الْمَخْطُوبَةُ في إنْكَاحِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ لم يَجُزْ خِطْبَتُهَا في تِلْكَ الْحَالِ وَإِذْنُ الثَّيِّبِ الْكَلَامُ وَالْبِكْرُ الصَّمْتُ وَإِنْ أَذِنَتْ بِكَلَامٍ فَهُوَ إذْنٌ أَكْثَرُ من الصَّمْتِ قال وإذا قالت الْمَرْأَةُ لِوَلِيِّهَا زَوِّجْنِي من رَأَيْت فَلَا بَأْسَ أَنْ تَخْطُبَ في هذه الْحَالِ لِأَنَّهَا لم تَأْذَنْ في أَحَدٍ بِعَيْنِهِ فإذا أُومِرَتْ في رَجُلٍ فَأَذِنَتْ فيه لم يَجُزْ أَنْ تُخْطَبَ وإذا وَعَدَ الْوَلِيُّ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَهُ بَعْدَ رِضَا الْمَرْأَةِ لم يَجُزْ أَنْ تُخْطَبَ في هذه الْحَالِ فَإِنْ وَعَدَهُ ولم تَرْضَ الْمَرْأَةُ فَلَا بَأْسَ أَنْ تُخْطَبَ إذَا كانت الْمَرْأَةُ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ أَنْ تُزَوَّجَ إلَّا بِأَمْرِهَا وَأَمْرُ الْبِكْرِ إلَى أَبِيهَا وَالْأَمَةُ إلَى سَيِّدِهَا فإذا وَعَدَ أبو الْبِكْرِ أو سَيِّدُ الْأَمَةِ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَهُ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَخْطُبَهَا وَمَنْ قُلْت له لَا يَجُوزُ له أَنْ يَخْطُبَهَا فَإِنَّمَا أَقُولُهُ إذَا عَلِمَ أنها خُطِبَتْ وَأَذِنَتْ وإذا خَطَبَ الرَّجُلُ في الْحَالِ التي نهى أَنْ يَخْطُبَ فيها عَالِمًا فَهِيَ مَعْصِيَةٌ يَسْتَغْفِرُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ )
أخبرنا مَالِكٌ عن أبي الزِّنَادِ وَمُحَمَّدِ بن يحيى بن حِبَّانَ عن الْأَعْرَجِ عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا يَخْطُبُ أحدكم على خِطْبَةِ أَخِيهِ
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن الزُّهْرِيِّ قال أخبرني بن الْمُسَيِّبِ عن أبي هُرَيْرَةَ قال قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يَخْطُبُ أحدكم على خِطْبَةِ أَخِيهِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا محمد بن إسْمَاعِيلَ عن بن أبي ذِئْبٍ عن مُسْلِمٍ الْخَيَّاطِ عن بن عُمَرَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ على خُطْبَةِ أَخِيهِ حتى يَنْكِحَ أو يَتْرُكَ

(5/39)


اللَّهُ تَعَالَى منها وَإِنْ تَزَوَّجَتْهُ بِتِلْكَ الْخِطْبَةِ فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ لِأَنَّ النِّكَاحَ حَادِثٌ بَعْدَ الْخِطْبَةِ وهو مِمَّا وَصَفْت من أَنَّ الْفَسَادَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْعَقْدِ لَا بِشَيْءٍ تَقَدَّمَهُ وَإِنْ كان سَبَبًا له لِأَنَّ الْأَسْبَابَ غَيْرُ الْحَوَادِثِ بَعْدَهَا - * نِكَاحُ الْعِنِّينِ وَالْخَصِيِّ وَالْمَجْبُوبِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ تَرَكَهَا حتى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا ثُمَّ نَكَحَهَا نِكَاحًا جَدِيدًا ثُمَّ سَأَلَتْ أَنْ يُؤَجِّلَ أَجَّلَ لِأَنَّ هذا عَقْدٌ غَيْرُ الْعَقْدِ الذي تَرَكَتْ حَقَّهَا فيه بَعْدَ الْحُكْمِ قال وإذا أَصَابَهَا مَرَّةً في عَقْدِ نِكَاحٍ ثُمَّ سَأَلَتْ أَنْ يُؤَجِّلَ لم يُؤَجَّلْ أَبَدًا لِأَنَّهُ قد أَصَابَهَا في عَقْدِ النِّكَاحِ وَلَيْسَ كَاَلَّذِي يُصِيبُ غَيْرَهَا وَلَا يُصِيبُهَا لِأَنَّ أَدَاءَهُ إلَى غَيْرِهَا حَقًّا ليس بِأَدَاءٍ إلَيْهَا وَلَوْ أُجِّلَ الْعِنِّينُ فَاخْتَلَفَا في الْإِصَابَةِ فقال أَصَبْتهَا وَقَالَتْ لم يُصِبْنِي فَإِنْ كانت ثَيِّبًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّهَا تُرِيدُ فَسْخَ نِكَاحِهِ وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ فَإِنْ حَلَفَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ وَإِنْ نَكَلَ لم يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا حتى تَحْلِفَ ما أَصَابَهَا فَإِنْ حَلَفَتْ خُيِّرَتْ وَإِنْ لم تَحْلِفْ فَهِيَ امْرَأَتُهُ وَلَوْ كانت بِكْرًا أُرِيهَا أَرْبَعُ نِسْوَةٍ عُدُولٍ فَإِنْ قُلْنَ هِيَ بِكْرٌ فَذَلِكَ دَلِيلٌ على صِدْقِهَا أَنَّهُ لم يُصِبْهَا وَإِنْ شَاءَ الزَّوْجُ حَلَفَتْ هِيَ ما أَصَابَهَا ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ لم تَحْلِفْ حَلَفَ هو لقد أَصَابَهَا ثُمَّ أَقَامَ مَعَهَا ولم تُخَيَّرْ هِيَ وَذَلِكَ أَنَّ الْعُذْرَةَ قد تَعُودُ فِيمَا زَعَمَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ بها إذَا لم يُبَالِغْ في الْإِصَابَةِ وَأَقَلُّ ما يُخْرِجُهُ من أَنْ يُؤَجَّلَ أَنْ يُغَيِّبَ الْحَشَفَةَ في الْفَرْجِ وَذَلِكَ يُحْصِنُهَا وَيُحْلِلْهَا لِلزَّوْجِ لو طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَلَوْ أَصَابَهَا في دُبُرِهَا فَبَلَغَ ما بَلَغَ لم يُخْرِجْهُ ذلك من أَنْ يُؤَجَّلَ أَجَلَ الْعِنِّينِ لِأَنَّ تِلْكَ غَيْرُ الْإِصَابَةِ الْمَعْرُوفَةِ حَيْثُ تَحِلُّ وَلَوْ أَصَابَهَا حَائِضًا أو مُحْرِمَةً أو صَائِمَةً أو هو مُحْرِمٌ أو صَائِمٌ كان مُسِيئًا فيه ولم يُؤَجَّلْ وَلَوْ أُجِّلَ فَجُبَّ ذَكَرُهُ أو نَكَحَهَا مَجْبُوبُ الذَّكَرِ خُيِّرَتْ حين تَعْلَمُ إنْ شَاءَتْ الْمُقَامَ معه وَإِنْ شَاءَتْ فَارَقَتْهُ وَلَوْ أُجِّلَ خصى ولم يُجَبَّ ذَكَرُهُ أو نَكَحَهَا خصى غَيْرُ مَجْبُوبِ الذَّكَرِ لم تُخَيَّرْ حتى يُؤَجَّلَ أَجَلَ الْعِنِّينِ فَإِنْ أَصَابَهَا فَهِيَ امْرَأَتُهُ وَإِلَّا صُنِعَ فيه ما صُنِعَ في الْعِنِّينِ وَلَوْ نَكَحَهَا وهو يقول أنا عَقِيمٌ أو لَا يَقُولُهُ حتى مَلَكَ عُقْدَتَهَا ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ لم يَكُنْ لها خِيَارٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ عَقِيمٌ أَبَدًا حتى يَمُوتَ لِأَنَّ وَلَدَ الرَّجُلِ يُبْطِئُ شَابًّا وَيُولَدُ له شَيْخًا وَلَيْسَ له ( ( ( لها ) ) ) في الْوَلَدِ تَخْيِيرٌ إنَّمَا التَّخْيِيرُ في فَقْدِ الْجِمَاعِ لَا الْوَلَدِ أَلَا تَرَى أَنَّا لَا نُؤَجِّلُ الْخَصِيَّ إذَا أَصَابَ وَالْأَغْلَبُ أَنَّهُ لَا يُولَدُ له وَلَوْ كان خَصِيًّا قُطِعَ بَعْضُ ذَكَرِهِ وَبَقِيَ له منه ما يَقَعُ مَوْقِعَ ذَكَرِ الرَّجُلِ فلم يُصِبْهَا أُجِّلَ أَجَلَ الْعِنِّينِ ولم تُخَيَّرْ قبل أَجَلِ الْعِنِّينِ لِأَنَّ هذا يُجَامِعُ وإذا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ولم أَحْفَظُ عن مُفْتٍ لَقِيته خِلَافًا في أَنْ تُؤَجِّلَ امْرَأَةٌ الْعِنِّينَ سَنَةً فَإِنْ أَصَابَهَا وَإِلَّا خُيِّرَتْ في الْمُقَامِ معه أو فِرَاقِهِ وَمَنْ قال هذا قال إذَا نَكَحَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَكَانَ يُصِيبُ غَيْرَهَا وَلَا يُصِيبُهَا فلم تَرْتَفِعْ إلَى السُّلْطَانِ فَهُمَا على النِّكَاحِ وإذا ارْتَفَعَتْ إلَى السُّلْطَانِ فَسَأَلَتْ فُرْقَتَهُ أَجَّلَهُ السُّلْطَانُ من يَوْمِ يَرْتَفِعَانِ إلَيْهِ سَنَةً فَإِنْ أَصَابَهَا مَرَّةً وَاحِدَةً فَهِيَ امْرَأَتُهُ وَإِنْ لم يُصِبْهَا خَيَّرَهَا السُّلْطَانُ فَإِنْ شَاءَتْ فُرْقَتَهُ فَسَخَ نِكَاحَهَا وَالْفُرْقَةُ فَسْخٌ بِلَا طَلَاقٍ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ فَسْخَ الْعُقْدَةِ إلَيْهَا دُونَهُ وَإِنْ شَاءَتْ الْمُقَامَ معه أَقَامَتْ معه ثُمَّ لم يَكُنْ لها أَنْ يُخَيِّرَهَا بَعْدَ مُقَامِهَا معه وَذَلِكَ أَنَّ اخْتِيَارَهَا الْمُقَامَ معه تَرْكٌ لَحَقِّهَا في فُرْقَتِهِ في مِثْلِ الْحَالِ التي تَطْلُبُهَا فيها وَإِنْ اخْتَارَتْ الْمُقَامَ معه بَعْدَ حُكْمِ السُّلْطَانِ بِتَأْجِيلِهِ وَتَخْيِيرِهَا بَعْدَ السَّنَةِ ثُمَّ فَارَقَهَا وَمَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ نَكَحَهَا نِكَاحًا جَدِيدًا فَسَأَلَتْ أَنْ يُؤَجِّلَ لها أَجَلَّ وَإِنْ عَلِمَتْ قبل أَنْ تَنْكِحَهُ أَنَّهُ عِنِّينٌ ثُمَّ رَضِيَتْ نِكَاحَهُ أو عَلِمَتْهُ بَعْدَ نِكَاحِهِ ثُمَّ رَضِيَتْ الْمُقَامَ معه ثُمَّ سَأَلَتْ أَنْ يُؤَجِّلَ لها أَجَّلَ وَلَا يَقْطَعُ خِيَارَهَا في فِرَاقِهِ إلَّا الْأَجَلُ وَاخْتِيَارُهَا الْمُقَامَ معه بَعْدَ الْأَجَلِ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَحَدٌ من نَفْسِهِ أَنَّهُ عِنِّينٌ حتى يُخْتَبَرَ لِأَنَّ الرَّجُلَ قد يُجَامِعُ ثُمَّ يَنْقَطِعُ الْجِمَاعُ عنه ثُمَّ يُجَامِعُ وَإِنَّمَا قَطَعْت خِيَارَهَا أنها تَرَكَتْهُ بَعْدَ إذْ كان لها لَا شَيْءَ دُونَهُ قال وَلَوْ نَكَحَهَا فَأَجَّلَ ثُمَّ خُيِّرَتْ فَاخْتَارَتْ الْمُقَامَ معه ثُمَّ طَلَّقَهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا في الْعِدَّةِ ثُمَّ سَأَلَتْ أَنْ يُؤَجِّلَ لم يَكُنْ لها ذلك لِأَنَّهَا عِنْدَهُ بِالْعَقْدِ الذي اخْتَارَتْ الْمُقَامَ معه فيه بَعْدَ الْحُكْمِ ( قال الرَّبِيعُ ) يُرِيدُ إنْ كان يُنْزِلُ فيها مَاءَهُ فَلَهُ الرَّجْعَةُ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَإِنْ لم يُغَيِّبْ الْحَشَفَةَ

(5/40)


كان الْخُنْثَى يَبُولُ من حَيْثُ يَبُولُ الرَّجُلُ فَنَكَحَ على أَنَّهُ رَجُلٌ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَلَا خِيَارَ لِلْمَرْأَةِ وَيُؤَجَّلُ إنْ شَاءَتْ أَجَلَ الْعِنِّينِ وإذا كان مُشْكِلًا فَلَهُ أَنْ يَنْكِحَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ فَإِنْ نَكَحَ بِأَحَدِهِمَا لم يَكُنْ له أَنْ يَنْكِحَ بِالْآخَرِ وَيَرِثُ وَيُورَثُ على ما حَكَمْنَا له بِأَنْ يَنْكِحَ عليه ( قال الرَّبِيعُ ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّا لَا نُوَرِّثُهُ إلَّا مِيرَاثَ امْرَأَةٍ وَإِنْ تَزَوَّجَ على أَنَّهُ رَجُلٌ لِأَنَّهُ ليس بِاخْتِيَارِهِ أَنْ يَكُونَ رَجُلًا أُعْطِيَهُ الْمَالَ بِقَوْلِهِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا نَكَحَ الرَّجُلُ الْخُنْثَى على أنها امْرَأَةٌ وَهِيَ تَبُولُ من حَيْثُ تَبُولُ الْمَرْأَةُ أو مُشْكِلَةٌ ولم تُنْكَحْ بِأَنَّهَا رَجُلٌ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَلَا خِيَارَ له وإذا نَكَحَ الْخُنْثَى على أَنَّهُ رَجُلٌ وهو يَبُولُ من حَيْثُ تَبُولُ الْمَرْأَةُ أو على أَنَّهُ امْرَأَةٌ وهو يَبُولُ من حَيْثُ يَبُولُ الرَّجُلُ فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْكِحَ إلَّا من حَيْثُ يَبُولُ أو بِأَنْ يَكُونَ مُشْكِلًا فإذا كان مُشْكِلًا فَلَهُ أَنْ يَنْكِحَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ فإذا نَكَحَ بِوَاحِدٍ لم يَكُنْ له أَنْ يَنْكِحَ بِالْآخَرِ وَيَرِثَ وَيُورَثَ من حَيْثُ يَبُولُ - * ما يُحَبُّ من إنْكَاحِ الْعَبِيدِ - * قال اللَّهُ تَعَالَى { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ من عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَدَلَّتْ أَحْكَامُ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ رَسُولُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ لَا مِلْكَ لِلْأَوْلِيَاءِ آبَاءً كَانُوا أو غَيْرَهُمْ على أَيَامَاهُمْ واياماهم الثَّيِّبَاتُ قال اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ { وإذا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ } وقال في الْمُعْتَدَّاتِ { فإذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ في أَنْفُسِهِنَّ } الْآيَةُ
وقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا من وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ في نَفْسِهَا مع ما سِوَى ذلك وَدَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ على أَنَّ الْمَمَالِيكَ لِمَنْ مَلَكَهُمْ وَأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ من أَنْفُسِهِمْ شيئا ولم أَعْلَمْ دَلِيلًا على إيجَابِ إنْكَاحِ صَالِحِي الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ كما وُجِدَتْ الدَّلَالَةُ على إنْكَاحِ الْحُرِّ إلَّا مُطْلَقًا فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَنْكِحَ من بَلَغَ من الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ ثُمَّ صَالِحُوهُمْ خَاصَّةً وَلَا يَتَبَيَّنُ لي أَنْ يُجْبَرَ أَحَدٌ عليه لِأَنَّ الْآيَةَ مُحْتَمِلَةٌ أَنْ يَكُونَ أُرِيدَ بِهِ الدَّلَالَةُ لَا الْإِيجَابُ - * نِكَاحُ الْعَدَدِ وَنِكَاحُ الْعَبِيدِ - * قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { فَانْكِحُوا ما طَابَ لَكُمْ من النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ } إلَى قَوْلِهِ { ألا تَعُولُوا } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فكان ( ( ( فكما ) ) ) بَيَّنَّا في الْآيَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بها الْأَحْرَارُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَوَاحِدَةً أو ما مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إلَّا الْأَحْرَارُ وَقَوْلُهُ { ذلك أَدْنَى ألا تَعُولُوا } فَإِنَّمَا يَعُولُ من له الْمَالُ وَلَا مَالَ لِلْعَبِيدِ
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن عُيَيْنَةَ قال أخبرني محمد بن عبد الرحمن مولى طَلْحَةَ وكان ثِقَةً عن سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ عن عبد اللَّهِ بن عُتْبَةَ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تعالى عنه قال يَنْكِحُ الْعَبْدُ امْرَأَتَيْنِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِ من الْمُفْتِينَ بِالْبُلْدَانِ وَلَا يَزِيدُ الْعَبْدُ على امْرَأَتَيْنِ وَكَذَلِكَ كُلُّ من لم تَكْمُلْ فيه الْحُرِّيَّةُ من عَبْدٍ قد عَتَقَ بَعْضُهُ وَمُكَاتَبٍ وَمُدَبَّرٍ وَمُعْتَقٍ إلَى أَجَلٍ وَالْعَبْدُ فِيمَا زَادَ على اثْنَتَيْنِ من النِّسَاءِ مِثْلُ الْحُرِّ فِيمَا زَادَ على أَرْبَعٍ لَا يَخْتَلِفَانِ فإذا جَاوَزَ الْحُرُّ أَرْبَعًا فَقُلْت يَنْفَسِخُ نِكَاحُ الْأَوَاخِرِ مِنْهُنَّ الزَّوَائِدِ على أَرْبَعٍ فَكَذَلِكَ يَنْفَسِخُ نِكَاحُ ما زَادَ الْعَبْدُ فيه على اثْنَتَيْنِ وَكُلُّ ما خَفِيَ أَنَّهُ أَوَّلُ فما زَادَ الْحُرُّ فيه على أَرْبَعٍ فَأَبْطَلْت النِّكَاحَ أو جَمَعَتْ الْعُقْدَةُ فيه أَكْثَرَ من أَرْبَعٍ فَفَسَخْت نِكَاحَهُنَّ كُلِّهِنَّ فَكَذَلِكَ أَصْنَعُ في الْعَبِيدِ فِيمَا خَفِيَ وَجَمَعَتْ الْعُقْدَةُ فيه أَكْثَرَ من اثْنَتَيْنِ فَعَلَى هذا الْبَابِ كُلِّهِ قِيَاسُهُ وَلَا أَعْلَمُ بين أَحَدٍ لَقِيته وَلَا حكى لي عنه من أَهْلِ الْعِلْمِ اخْتِلَافًا في أَنْ لَا يَجُوزَ نِكَاحُ الْعَبْدِ إلَّا بِإِذْنِ مَالِكِهِ وَسَوَاءٌ كان مَالِكُهُ ذَكَرًا أو أُنْثَى إذَا أَذِنَ له مَالِكُهُ جَازَ نِكَاحُهُ وَلَا أَحْتَاجَ إلَى
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ إنْ اسْتَمْتَعَ بها زَوْجُهَا إذَا قالت لم يُصِبْنِي إلَّا نِصْفُ الْمَهْرِ وَلَا عليها عِدَّةٌ لِأَنَّهَا مُفَارِقَةٌ قبل أَنْ تُصَابَ

(5/41)


أَنْ يَعْقِدَ مَالِكُهُ عُقْدَةَ نِكَاحٍ وَلَكِنَّهُ يَعْقِدُهَا إنْ شَاءَ لِنَفْسِهِ إذَا أَذِنَ له وَإِنَّمَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْعَبْدِ بِإِذْنِ مَالِكِهِ إذَا كان مَالِكُهُ بَالِغًا غير مَحْجُورٍ عليه فَأَمَّا إذَا كان مَحْجُورًا عليه فَلَا يَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَنْكِحَ بِحَالٍ وَلَا يَجُوزُ لِوَلِيِّهِ أَنْ يُزَوِّجَهُ في قَوْلِ من قال إنَّ إنْكَاحَهُ دَلَالَةٌ لَا فَرْضٌ وَمَنْ قال إنَّ إنْكَاحَهُ فَرْضٌ فَعَلَى وَلِيِّهِ أَنْ يُزَوِّجَهُ وإذا كان الْعَبْدُ بين اثْنَيْنِ فَأَذِنَ له أَحَدُهُمَا بِالتَّزْوِيجِ فَتَزَوَّجَ فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُهُ حتى يَجْتَمِعَا على الْإِذْنِ له بِهِ وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُكْرِهَ عَبْدَهُ على النِّكَاحِ فَإِنْ فَعَلَ فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ وَكَذَلِكَ إنْ زَوَّجَ عَبْدَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ ثُمَّ رضي الْعَبْدُ فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ وَلَهُ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَتَهُ بِغَيْرِ إذْنِهَا بِكْرًا كانت أو ثَيِّبًا وإذا أَذِنَ الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ أَنْ يَنْكِحَ حُرَّةً فَنَكَحَ أَمَةً أو أَمَةً فَنَكَحَ حُرَّةً أو امْرَأَةً بِعَيْنِهَا فَنَكَحَ غَيْرَهَا أو امْرَأَةً من أَهْلِ بَلَدٍ فَنَكَحَ امْرَأَةً من غَيْرِ أَهْلِ ذلك الْبَلَدِ فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ وَإِنْ قال له انْكِحْ من شِئْت فَنَكَحَ حُرَّةً أو أَمَةً نِكَاحًا صَحِيحًا فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَالْعَبْدُ إذَا أَذِنَ له سَيِّدُهُ يَخْطُبُ على نَفْسِهِ وَلَيْسَ كَالْمَرْأَةِ وَكَذَلِكَ الْمَحْجُورُ عليه إذَا أَذِنَ له وَلِيُّهُ يَخْطُبُ على نَفْسِهِ وَلَوْ أَذِنَ له في أَنْ يَنْكِحَ امْرَأَةً أو قال من شِئْت فَنَكَحَ التي أَذِنَ له بها أو نَكَحَ امْرَأَةً مع قَوْلِهِ انْكِحْ من شِئْت وَأَصْدَقَهَا أَكْثَرَ من مَهْرِ مِثْلِهَا كان النِّكَاحُ ثَابِتًا وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا لَا يُزَادُ عليه وَلَا يَكُونُ لها فَسْخُ النِّكَاحِ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَفْسُدُ من قَبْلِ صَدَاقٍ بِحَالٍ وَيُتْبَعُ الْعَبْدُ بِالْفَضْلِ عن مَهْرِ مِثْلِهَا إذَا عَتَقَ وَلَا سَبِيلَ لها عليه في حَالَةِ رِقِّهِ لِأَنَّ مَالَهُ لِمَالِكِهِ وَلَوْ كَاتَبَ لم يَكُنْ عليه سَبِيلٌ في حَالِ كِتَابَتِهِ لِأَنَّهُ ليس بِتَامِّ الْمِلْكِ على مَالِهِ وَأَنَّ مَالَهُ مَوْقُوفٌ حتى يَعْجِزَ فَيَرْجِعَ إلَى سَيِّدِهِ أو يَعْتِقَ فَيَكُونَ له فإذا عَتَقَ كان لها أَنْ تَأْخُذَ منه الْفَضْلَ عن مَهْرِ مِثْلِهَا حتى تَسْتَوْفِيَ ما سمي لها وَلَوْ كان هذا في حُرٍّ مَحْجُورٍ عليه لم يَكُنْ لها اتِّبَاعَهُ لِأَنَّ رَدَّنَا أَمْرُ الْمَمْلُوكِ لِأَنَّ الْمَالَ لِغَيْرِهِ وَأَمْرَ الْمَحْجُورِ لِلْحَجْرِ وَالْمَالَ له (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَذِنَ الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ أَنْ يَنْكِحَ امْرَأَةً ولم يُسَمِّهَا وَلَا بَلَدَهَا فَنَكَحَ امْرَأَةً من غَيْرِ أَهْلِ بَلَدِهِ ثَبَتَ النِّكَاحُ ولم يَكُنْ لِلسَّيِّدِ فَسْخُهُ وكان له مَنْعُهُ الْخُرُوجَ إلَى ذلك الْبَلَدِ وإذا أَذِنَ الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ أَنْ يَنْكِحَ امْرَأَةً فَالصَّدَاقُ فِيمَا اكْتَسَبَ الْعَبْدُ ليس لِلسَّيِّدِ مَنْعُهُ من أَنْ يَكْتَسِبَ فَيُعْطِيَهَا الصَّدَاقَ دُونَهُ وَكَذَلِكَ النَّفَقَةَ إذَا وَجَبَتْ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ وَإِنْ كان الْعَبْدُ الذي أَذِنَ له سَيِّدُهُ بِالنِّكَاحِ مَأْذُونًا له في التِّجَارَةِ فَلَهُ أَنْ يُعْطِيَ الصَّدَاقَ مِمَّا في يَدَيْهِ من الْمَالِ وَإِنْ كان غير مَأْذُونٍ له بِالتِّجَارَةِ فَلِسَيِّدِهِ أَنْ يَأْخُذَ شيئا إنْ كان في يَدَيْهِ لِأَنَّهُ مَالُ السَّيِّدِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَدَعَهُ يَكْتَسِبَ الْمَهْرَ لِأَنَّ إذْنَهُ له بِالنِّكَاحِ إذْنٌ بِاكْتِسَابِ الْمَهْرِ وَدَفْعِهِ وإذا أَذِنَ له بِالنِّكَاحِ فَلَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ وَيُرْسِلَهُ حَيْثُ شَاءَ وَلَيْسَ له إذَا كان معه بِالْمِصْرِ أَنْ يَمْنَعَهُ امْرَأَتَهُ في الْحِينِ الذي لَا خِدْمَةَ له عليه فيه وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ إيَّاهَا في الْحِينِ الذي له عليه فيه الْخِدْمَةُ وَلَيْسَ في عُنُقِ الْعَبْدِ وَلَا مَالِ السَّيِّدِ من الصَّدَاقِ وَلَا النَّفَقَةِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَضْمَنَهُ فَيُلْزِمَهُ بِالضَّمَانِ كما يُلْزِمُ بِالضَّمَانِ على الْأَجْنَبِيَّيْنِ وإذا أَذِنَ الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً حُرَّةً بِأَلْفٍ فَتَزَوَّجَهَا بِأَلْفٍ وَضَمِنَ السَّيِّدُ لها الْأَلْفَ فَالضَّمَانُ لَازِمٌ وَلَهَا أَنْ تَأْخُذَ السَّيِّدَ بِضَمَانِهِ وَلَا بَرَاءَةَ لِلْعَبْدِ منها حتى تَسْتَوْفِيَهَا فإذا بَاعَهَا السَّيِّدُ زَوْجَهَا بِأَمْرِ الزَّوْجِ أو غَيْرِ أَمْرِهِ بِتِلْكَ الْأَلْفِ بِعَيْنِهَا قبل أَنْ يَدْخُلَ بها فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ من قِبَلِ أَنَّ عُقْدَةَ الْبَيْعِ وَتِلْكَ الْأَلْفَ يَقَعَانِ مَعًا لَا يَتَقَدَّمُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فلما كانت لَا تَمْلِكُ الْعَبْدَ أَبَدًا بِتِلْكَ الْأَلْفِ بِعَيْنِهَا لِأَنَّهَا تَبْطُلُ عنها بِأَنَّ نِكَاحَهَا لو مَلَكَتْ زَوْجَهَا يَنْفَسِخُ كان شِرَاؤُهَا له فَاسِدًا فَالْأَلْفُ بِحَالِهَا وَالْعَبْدُ عَبْدُهُ وَهُمَا على النِّكَاحِ ( قال الرَّبِيعُ ) وإذا أَذِنَ الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَتَزَوَّجَ وَضَمِنَ السَّيِّدُ الْأَلْفَ ثُمَّ طَلَبَتْ الْمَرْأَةُ الْأَلْفَ من السَّيِّدِ قبل أَنْ يَدْخُلَ بها الزَّوْجُ فَبَاعَهَا زَوْجَهَا بِالْأَلْفِ التي هِيَ صَدَاقُهَا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَالنِّكَاحُ بِحَالِهِ من قِبَلِ أنها إذَا مَلَكَتْ زَوْجَهَا انْفَسَخَ نِكَاحُهَا فإذا انْفَسَخَ بَطَلَ أَنْ يَكُونَ لها صَدَاقٌ وإذا لم يَكُنْ لها صَدَاقٌ كان الْعَبْدُ مُشْتَرًى بِلَا ثَمَنٍ فَكَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا وكان النِّكَاحُ بِحَالِهِ ( قال الرَّبِيعُ ) وهو قَوْلُ الشَّافِعِيِّ النِّكَاحُ بِحَالِه

(5/42)


(1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا خَطَبَ الْعَبْدُ امْرَأَةً وَأَعْلَمَهَا أَنَّهُ حُرٌّ فَتَزَوَّجَتْهُ ثُمَّ عَلِمَتْ أَنَّهُ عَبْدٌ فَلَهَا وَلِأَوْلِيَائِهَا الْخِيَارُ في الْمُقَامِ معه أو فِرَاقِهِ فَإِنْ اخْتَارَتْ فِرَاقَهُ قبل الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ لها وَلَا مُتْعَةَ وهو فَسْخٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَإِنْ اخْتَارَتْهُ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَإِنْ خَطَبَهَا ولم يذكر شيئا فَظَنَّتْهُ حُرًّا فَلَا خِيَارَ لها وإذا نَكَحَ الرَّجُلُ الْأَمَةَ وهو يَرَاهَا حُرَّةً فَوَلَدُهُ مَمَالِيكُ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَإِنْ غَرَّتْهُ بِنَفْسِهَا وَقَالَتْ أنا حُرَّةٌ فَوَلَدُهُ أَحْرَارٌ وَسَوَاءٌ كان الْمَغْرُورُ حُرًّا أو عَبْدًا أو مُكَاتَبًا لِأَنَّهُ لم يَنْكِحْ إلَّا على أَنَّ وَلَدَهُ أَحْرَارٌ وَإِنْ غَرَّهُ بها غَيْرُهَا فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا ثُمَّ عَلِمَ أنها مَمْلُوكَةٌ فَالْأَوْلَادُ أَحْرَارٌ وَلِسَيِّدِهَا أَخْذُ مَهْرِ مِثْلِهَا من زَوْجِهَا وَلَا يَرْجِعُ بِهِ الزَّوْجُ على الْغَارِّ وَلَا عليها وَيَأْخُذُ منه قِيمَةَ اولادها يوم سَقَطُوا وَيَرْجِعُ بِهِمْ الزَّوْجُ على الْغَار في ذِمَّتِهِ وَإِنْ كانت هِيَ الْغَارَّةُ له رَجَعَ عليها بِمَا أَخَذَ منه من قِيمَةِ أَوْلَادِهَا إذَا عَتَقَتْ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ ما كانت مَمْلُوكَةً وَإِنْ أَلْزَمَ قِيمَتَهُمْ ثُمَّ لم يُؤْخَذْ منه شَيْءٌ لم يَرْجِعْ بِشَيْءٍ لم يُؤْخَذْ منه - * تَسَرِّي الْعَبْدُ - * قال اللَّهُ تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ } إلَى قَوْلِهِ { غَيْرُ مَلُومِينَ } فَدَلَّ كِتَابُ اللَّهِ عز وجل على أَنَّ ما أَبَاحَهُ من الْفُرُوجِ فَإِنَّمَا أَبَاحَهُ من أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ النِّكَاحُ أو ما مَلَكَتْ الْيَمِينُ وقال اللَّهُ تَعَالَى { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ على شَيْءٍ }
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن الزُّهْرِيِّ عن سَالِمٍ عن أبيه أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ قال فَدَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَكُونُ مَالِكًا مَالًا بِحَالٍ وَأَنَّ ما نُسِبَ إلَى مِلْكِهِ إنَّمَا هو إضَافَةُ اسْمِ مِلْكٍ إلَيْهِ لَا حَقِيقَةٌ كما يُقَالُ لِلْمُعَلِّمِ غِلْمَانُك وَلِلرَّاعِي غَنَمُك وَلِلْقَيِّمِ على الدَّارِ دَارُك إذَا كان يَقُومُ بِأَمْرِهَا فَلَا يَحِلُّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَسَرَّى أَذِنَ له سَيِّدُهُ أو لم يَأْذَنْ له لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَحَلَّ التَّسَرِّيَ لِلْمَالِكِينَ وَالْعَبْدُ لَا يَكُونُ مَالِكًا بِحَالٍ وَكَذَلِكَ كُلُّ من لم تَكْمُلْ فيه الْحُرِّيَّةُ من عَبْدٍ قد عَتَقَ بَعْضُهُ أو مُكَاتَبٍ أو مُدَبَّرٍ وَلَا يَحِلُّ له أَنْ يَطَأَ بِمِلْكِ يَمِينٍ بِحَالٍ حتى يَعْتِقَ وَالنِّكَاحُ يحل ( ( ( يحال ) ) ) له بِإِذْنِ مَالِكِهِ وَإِنْ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَسَوَاءٌ كان الْبَيْعُ بِإِذْنِ الْعَبْدِ أو غَيْرِ إذْنِهِ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُهُ أَبَدًا بِتِلْكَ الْأَلْفِ وَلَا بِشَيْءٍ منها لِأَنَّهَا تَبْطُلُ كُلُّهَا إذَا مَلَكَتْهُ وَلَوْ طَلَّقَهَا الْعَبْدُ قبل أَنْ يَدْخُلَ بها كان لها نِصْفُ الْأَلْفِ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَبَاعَهَا إيَّاهُ بِلَا أَمْرِ الْعَبْدِ بِأَلْفٍ أو اقل أو أَكْثَرَ كان الْبَيْعُ جَائِزًا وكان الْعَبْدُ لها وَعَلَيْهَا الثَّمَنُ الذي بَاعَهَا إيَّاهُ بِهِ وكان النِّكَاحُ مُنْفَسِخًا من قِبَلِهَا وَقِبَلِ السَّيِّدِ الذي ليس له طَلَاقُهَا وَلَوْ كان بَاعَهَا إيَّاهُ بَيْعًا فَاسِدًا كَانَا على النِّكَاحِ وَلَوْ كانت امْرَأَةُ الْعَبْدِ أَمَةً فَاشْتَرَتْ زَوْجَهَا بِإِذْنِ سَيِّدِهَا أو اشْتَرَاهَا زَوْجَهَا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ كَانَا على النِّكَاحِ وَكَذَلِكَ إنْ وَهَبَتْ له أو وَهَبَ لها أو مَلَكَهَا أو مَلَكَتْهُ بِأَيِّ وَجْهٍ ما كان الْمِلْكُ كَانَا على النِّكَاحِ لِأَنَّ ما مَلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِلْكٌ لِسَيِّدِهِ لَا له وَلَوْ كان بَعْضُ الزَّوْجِ حُرًّا فَاشْتَرَى امْرَأَتَهُ بِإِذْنِ الذي له فيه الرِّقُّ فَسَدَ النِّكَاحُ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ منها بِقَدْرِ ما يَمْلِكُ من نَفْسِهِ وإذا أَذِنَ الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ أَنْ يَنْكِحَ من شَاءَ وما شَاءَ من عَدَدِ النِّسَاءِ فَلَهُ أَنْ يَنْكِحَ حُرَّتَيْنِ مُسْلِمَتَيْنِ أو كِتَابِيَّتَيْنِ أو ذِمِّيَّتَيْنِ وَيَنْكِحَ الْحُرَّةَ على الْأَمَةِ وَالْأَمَةَ على الْحُرَّةِ وَيَعْقِدَ نِكَاحَ أَمَةٍ وَحُرَّةٍ مَعًا وَلَيْسَ له أَنْ يَنْكِحَ أَمَةً كِتَابِيَّةً وَلَا تَحِلُّ الْأَمَةُ الْكِتَابِيَّةُ لِمُسْلِمٍ إلَّا أَنْ يَطَأَهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ وإذا قال الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ قد زَوَّجْتُك فَلَا يَجُوزُ عليه النِّكَاحُ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ له الْعَبْدُ وإذا أَذِنَ له أَنْ يَنْكِحَ أو سَأَلَهُ الْعَبْدُ أَنْ يُنْكِحَهُ فقال الْمَوْلَى قد زَوَّجْتُك فُلَانَةَ بِأَمْرِك وَادَّعَتْ ذلك وقال الْعَبْدُ لم تُزَوِّجْنِيهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَبْدِ مع يَمِينِهِ وَعَلَى الْمَرْأَةِ الْبَيِّنَةُ - * الْعَبْدُ يَغُرُّ من نَفْسِهِ وَالْأَمَةُ - *

(5/43)


تسري الْعَبْدُ فَلِسَيِّدِهِ نَزْعُ السُّرِّيَّةِ منه وَتَزْوِيجُهُ إيَّاهَا إنْ شَاءَ وَلَوْ عَتَقَ عَبْدٌ تسري أَمَةً أو مُكَاتَبٌ وقد وَلَدَتْ له لم تَكُنْ له أُمُّ وَلَدٍ حتى يُصِيبَهَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَتَلِدُ وَلَوْ تَسَرَّى عَبْدٌ قد عَتَقَ بَعْضُهُ أَمَةً مَلَّكَهُ إيَّاهَا سَيِّدُهُ فَوَلَدَتْ له ثُمَّ عَتَقَ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ له لِأَنَّهُ كان مَالِكًا وَإِنْ أَرَادَ سَيِّدُهُ أَخَذَ منه من قِيمَةِ الْمَمْلُوكَةِ بِقَدْرِ ما له فيه من الرِّقِّ كَأَنَّهُ كان وَهَبَهَا له قبل أَنْ يَعْتِقَ وهو يَمْلِكُ نِصْفَهُ فَالنِّصْفُ له بِالْحُرِّيَّةِ وَلِلسَّيِّدِ أَنْ يَرْجِعَ في النِّصْفِ الثَّانِي لِأَنَّ مِلْكَ ما يَمْلِكُ منه لِسَيِّدِهِ قال وإذا وطىء عَبْدٌ أو من لم تَكْمُلْ فيه الْحُرِّيَّةُ أو مُكَاتَبٌ جَارِيَةً بِمِلْكِ الْيَمِينِ لَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ وَدُرِئَ عنه الْحَدُّ بِالشُّبْهَةِ فَإِنْ عَتَقَ وَمَلَكَهَا كان له بَيْعُهَا وَلَا تَكُونَ له أُمُّ وَلَدٍ يَمْنَعُهُ بَيْعُهَا من لم يَبِعْ أُمَّ الْوَلَدِ إلَّا بِأَنْ يُصِيبَهَا بعد ما يَصِيرُ حُرًّا مَالِكًا فَإِنْ قِيلَ قد رُوِيَ عن بن عُمَرَ تسري الْعَبْدُ قِيلَ نعم وَخِلَافُهُ قال بن عُمَرَ لَا يَطَأُ الرَّجُلُ وَلِيدَةً إلَّا وَلِيدَةً إنْ شَاءَ بَاعَهَا وَإِنْ شَاءَ وَهَبَهَا وَإِنْ شَاءَ صَنَعَ بها ما شَاءَ فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ رُوِيَ عن بن عَبَّاسٍ قُلْت بن عَبَّاسٍ إنَّمَا قال ذلك لِعَبْدٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قال ليس لَك طَلَاقٌ وَأَمَرَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا فَأَبَى فقال فَهِيَ لَك فَاسْتَحَلَّهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ يُرِيدُ أنها له حَلَالٌ بِالنِّكَاحِ وَلَا طَلَاقَ لَك وَالْحُجَّةُ فيه ما وَصَفْت لَك من دَلَالَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ من طَلَّقَ من الْعَبِيدِ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ ولم تَحِلَّ له امْرَأَتُهُ بَعْدَ طَلْقَتَيْنِ أو ثَلَاثٍ - * فَسْخُ نِكَاحِ الزَّوْجَيْنِ يُسْلِمُ أَحَدُهُمَا - * قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { إذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ } إلَى قَوْلِهِ { وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } وقال تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ من أَهْلِ الْعِلْمِ من قُرَيْشٍ وَأَهْلِ الْمَغَازِي وَغَيْرِهِمْ عن عَدَدٍ قَبْلَهُمْ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بن حَرْبٍ أَسْلَمَ بِمَرٍّ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ظَاهِرٌ عليها فَكَانَتْ بِظُهُورِهِ وَإِسْلَامِ أَهْلِهَا دَارَ الْإِسْلَامِ وَامْرَأَتُهُ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ كَافِرَةٌ بِمَكَّةَ وَمَكَّةُ يَوْمَئِذٍ دَارُ الْحَرْبِ ثُمَّ قَدِمَ عليها يَدْعُوهَا إلَى الْإِسْلَامِ فاخذت بِلِحْيَتِهِ وَقَالَتْ اُقْتُلُوا الشَّيْخَ الضَّالَّ فاقامت أَيَّامًا قبل أَنْ تُسْلِمَ ثُمَّ أَسْلَمَتْ وَبَايَعَتْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَثَبَتَا على النِّكَاحِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَخْبَرَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم دخل مَكَّةَ فَأَسْلَمَ أَكْثَرُ أَهْلِهَا وَصَارَتْ دَارَ الْإِسْلَامِ وَأَسْلَمَتْ امْرَأَةُ عِكْرِمَةَ بن أبي جَهْلٍ وَامْرَأَةِ صَفْوَانَ بن أُمَيَّةَ وَهَرَبَ زَوْجَاهُمَا نَاحِيَةَ الْبَحْرِ من طَرِيقِ الْيَمَنِ كَافِرَيْنِ إلَى بَلَدِ كُفْرٍ ثُمَّ جَاءَا فَأَسْلَمَا بَعْدَ مُدَّةٍ وَشَهِدَ صَفْوَانُ حُنَيْنًا كَافِرًا فَاسْتَقَرَّا على النِّكَاحِ وكان ذلك كُلُّهُ وَنِسَاؤُهُنَّ مَدْخُولٌ بِهِنَّ لم تَنْقَضِ عِدَدُهُنَّ ولم أَعْلَمْ مُخَالِفًا في أَنَّ الْمُتَخَلِّفَ عن الْإِسْلَامِ مِنْهُمَا إذَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) نَزَلَتْ في الْهُدْنَةِ التي كانت بين النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَبَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ وَهُمْ أَهْلُ أَوْثَانٍ وَعَنْ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ } فَاعْرِضُوا عَلَيْهِنَّ الْإِيمَانَ فَإِنْ قَبِلْنَ وَأَقْرَرْنَ بِهِ فَقَدْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ وَكَذَلِكَ عَلِمَ بَنِي آدَمَ الظَّاهِرَ وقال تَبَارَكَ وَتَعَالَى { اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ } يَعْنِي بِسَرَائِرِهِنَّ في إيمَانِهِنَّ وَهَذَا يَدُلُّ على أَنْ لم يُعْطَ أَحَدٌ من بَنِي آدَمَ أَنْ يَحْكُمَ على غَيْرِ ظَاهِرٍ وَمَعْنَى الْآيَتَيْنِ وَاحِدٌ فإذا كان الزَّوْجَانِ وَثَنِيَّيْنِ فَأَيُّهُمَا أَسْلَمَ أَوَّلًا فَالْجِمَاعُ مَمْنُوعٌ حتى يُسْلِمَ الْمُتَخَلِّفُ عن الْإِسْلَامِ مِنْهُمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { لَا هُنَّ حِلٌّ لهم وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } وَقَوْلُهُ { وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } فَاحْتَمَلَتْ الْعُقْدَةُ أَنْ تَكُونَ مُنْفَسِخَةً إذَا كان الْجِمَاعُ مَمْنُوعًا بَعْدَ إسْلَامِ أَحَدِهِمَا فإنه لَا يَصْلُحُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا كان أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا وَالْآخَرُ مُشْرِكًا أَنْ يَبْتَدِئَ النِّكَاحَ وَاحْتَمَلَتْ الْعُقْدَةُ أَنْ لَا تَنْفَسِخَ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ الْمُتَخَلِّفُ عن الْإِسْلَامِ مِنْهُمَا على التَّخَلُّفِ عنه مُدَّةً من الْمُدَدِ فَيُفْسَخُ النِّكَاحُ إذَا جَاءَتْ تِلْكَ الْمُدَّةُ قبل أَنْ يُسْلِمَ ولم يَكُنْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لَا تَنْقَطِعُ الْعِصْمَةُ بين الزَّوْجَيْنِ حتى يَأْتِيَ على الْمُتَخَلِّفِ مِنْهُمَا عن الْإِسْلَامِ مُدَّةٌ قبل أَنْ يُسْلِمَ إلَّا بِخَبَرٍ لَازِمٍ

(5/44)


انْقَضَتْ عِدَّةُ الْمِرْأَةِ قبل أَنْ يُسْلِمَ انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا وَسَوَاءٌ خَرَجَ الْمُسْلِمُ مِنْهُمَا من دَارِ الْحَرْبِ وَأَقَامَ الْمُتَخَلِّفُ فيها أو خَرَجَ الْمُتَخَلِّفُ عن الْإِسْلَامِ أو خَرَجَا مَعًا أو اقاما مَعًا لَا تَصْنَعُ الدَّارُ في التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ شيئا إنَّمَا يَصْنَعُهُ اخْتِلَافُ الدِّينَيْنِ - * تَفْرِيعُ إسْلَامِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ قبل الْآخَرِ في الْعِدَّةِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ أَسْلَمَ الرَّجُلُ قبل الْمَرْأَةِ فَهُمَا على النِّكَاحِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَبْتَدِئَ نِكَاحَ يَهُودِيَّةٍ وَنَصْرَانِيَّةٍ قال وَالْأَزْوَاجُ في هذا الْأَحْرَارُ وَالْمَمَالِيكُ سَوَاءٌ وَإِنْ كان أَحَدٌ من بَنِي إسْرَائِيلَ مُشْرِكًا يَدِينُ بِغَيْرِ دِينِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَهُوَ كَمَنْ وَصَفْنَا من أَهْلِ الْأَوْثَانِ - * الْإِصَابَةُ وَالطَّلَاقُ وَالْمَوْتُ وَالْخَرَسُ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا دخل الْوَثَنِيُّ بِامْرَأَتِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لم يَتَوَارَثَا فَإِنْ كان الزَّوْجُ الْمَيِّتُ أَكْمَلَتْ عِدَّتَهَا من انْقِطَاعِ الْعِصْمَةِ عِدَّةَ الطَّلَاقِ ولم تَعْتَدَّ عِدَّةَ وَفَاةٍ وَإِنْ خَرِسَ الْمُتَخَلِّفُ عن الْإِسْلَامِ مِنْهُمَا أو عَتِهَ حتى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْمَرْأَةِ فَقَدْ انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا وَلَوْ وَصَفَ الْإِسْلَامَ وهو لَا يَعْقِلُهُ فَقَدْ انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا لَا تَثْبُتُ الْعِصْمَةُ إلَّا بِأَنْ يُسْلِمَ وهو يَعْقِلُ الْإِسْلَامَ وَكَذَلِكَ لو كان الْمُتَخَلِّفُ مِنْهُمَا عن الْإِسْلَامِ صَبِيًّا لم يَبْلُغْ فَوَصَفَ الْإِسْلَامَ كانت الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا مُنْقَطِعَةً وَلَوْ وَصَفَهُ سَكْرَانُ كَانَا على النِّكَاحِ لِأَنِّي أُلْزِمُ السَّكْرَانَ إسْلَامَهُ وَأَقْتُلُهُ إنْ لم يَثْبُتْ عليه وَلَا أُلْزِمُ ذلك الْمَغْلُوبَ على عَقْلِهِ بِغَيْرِ السُّكْرِ وَلَا أُلْزِمُهُ الصَّبِيَّ وَلَا أَقْتُلُهُ إنْ لم يَثْبُتْ عليه وَلَوْ كان الزَّوْجُ هو الْمُسْلِمُ وَالْمَرْأَةُ هِيَ الْمُتَخَلِّفَةُ وَهِيَ مَغْلُوبَةٌ على عَقْلِهَا أو غَيْرُ بَالِغٍ فَوَصَفَتْ الْإِسْلَامَ قُطِعَتْ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا وَلَوْ أَسْلَمَتْ بَالِغَةً غير مَغْلُوبَةٍ على عَقْلِهَا إلَّا من سُكْرِ خَمْرٍ أو نَبِيذٍ مُسْكِرٍ أُثْبِتُ النِّكَاحَ لِأَنِّي أُجْبِرُهَا على الْإِسْلَامِ وَأَقْتُلُهَا إنْ لم تَفْعَلْ وَلَوْ شَرِبَتْ دَوَاءً فيه بَعْضُ السَّمُومِ فَأَذْهَبَ عَقْلَهَا فَارْتَدَّتْ أو فَعَلَ هو فَارْتَدَّ أو كان أَحَدُهُمَا مُشْرِكًا فَأَسْلَمَ ثُمَّ أَفَاقَ فَأَقَامَ على أَصْلِ دِينِهِ لم أَجْعَلْ لِرِدَّتِهِمَا وَإِسْلَامِهِمَا في أَوَانِ ذَهَابِ عَقْلِهِمَا حُكْمًا وَهُمَا كما كَانَا أَوَّلًا على أَيِّ دِينٍ كَانَا حتى يُحْدِثَا غَيْرَهُ وَهُمَا يَعْقِلَانِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا كان الزَّوْجَانِ مُشْرِكَيْنِ وَثَنِيَّيْنِ أو مَجُوسِيَّيْنِ عَرَبِيَّيْنِ أو أَعْجَمِيَّيْنِ من غَيْرِ بَنِي إسْرَائِيلَ وَدَانَا دِينَ الْيَهُودِ والنصاري أو اي دِينٍ دَانَا من الشِّرْكِ إذَا لم يَكُونَا من بَنِي إسْرَائِيلَ أو يَدِينَانِ دِينَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَأَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ قبل الْآخَرِ وقد دخل الزَّوْجُ بِالْمَرْأَةِ فَلَا يَحِلُّ لِلزَّوْجِ الْوَطْءُ وَالنِّكَاحُ مَوْقُوفٌ على الْعِدَّةِ فَإِنْ أَسْلَمَ الْمُتَخَلِّفُ عن الْإِسْلَامِ مِنْهُمَا قبل انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ وَإِنْ لم يُسْلِمْ حتى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ فَالْعِصْمَةُ مُنْقَطِعَةٌ بَيْنَهُمَا وَانْقِطَاعُهَا فَسْخٌ بِلَا طَلَاقٍ وَتَنْكِحُ الْمَرْأَةُ من سَاعَتِهَا من شَاءَتْ وَيَتَزَوَّجُ أُخْتَهَا وَأَرْبَعًا سِوَاهَا وَعِدَّتُهَا عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ فَإِنْ نَكَحَتْ الْمَرْأَةُ قبل أَنْ تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ فَإِنْ أَصَابَهَا الزَّوْجُ الذي نَكَحَتْهُ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَإِنْ أَسْلَمَ الْمُتَخَلِّفُ عن الْإِسْلَامِ مِنْهُمَا قبل انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَهِيَ امْرَأَتُهُ وَيَجْتَنِبُهَا حتى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا من النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَسَوَاءٌ كانت هِيَ الْمُسْلِمَةَ قبل الزَّوْجِ أو الزَّوْجَ قَبْلَهَا فَإِنْ كان الزَّوْجُ الْمُسْلِمُ مِنْهُمَا لم يَكُنْ له أَنْ يَنْكِحَ أُخْتَ الْمَرْأَةِ في الْعِدَّةِ فَإِنْ فَعَلَ فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ وَكَذَلِكَ لَا يَنْكِحُ أَرْبَعًا سِوَاهَا وَإِنْ كانت هِيَ الْمُسْلِمَةَ وهو الْمُتَخَلِّفُ عن الْإِسْلَامِ فَنَكَحَ أُخْتَهَا أو أَرْبَعًا سِوَاهَا ثُمَّ أَسْلَمَ وَأَسْلَمْنَ قبل انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا أَمْسَكَ أَرْبَعًا أَيَّهُنَّ شَاءَ وَفَارَقَ سَائِرَهُنَّ قال وَالنَّصْرَانِيَّانِ وَالْيَهُودِيَّانِ في هذا كَالْوَثَنِيَّيْنِ إذَا أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ قبل الرَّجُلِ

(5/45)


- * أَجَلُ الطَّلَاقِ في الْعِدَّةِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَسْلَمَ الرَّجُلُ ولم تُسْلِمْ امْرَأَتُهُ في الْعِدَّةِ فاصابها كانت الْإِصَابَةُ مُحَرَّمَةً عليه لِاخْتِلَافِ الدِّينَيْنِ وَيُمْنَعُ منها حتى تُسْلِمَ أو تَبِينَ فَإِنْ أَسْلَمَتْ في الْعِدَّةِ لم يَكُنْ لها مَهْرٌ لِأَنَّا عَلِمْنَا أَنَّهُ أَصَابَهَا وَهِيَ امْرَأَتُهُ وَإِنْ كان جماعها ( ( ( جماعهما ) ) ) مُحَرَّمًا كما يَكُونُ مُحَرَّمًا عليه بِحَيْضِهَا وَإِحْرَامِهَا وَغَيْرِ ذلك فَيُصِيبُهَا فَلَا يَكُونُ لها عليه صَدَاقٌ وَإِنْ لم تُسْلِمْ حتى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا من يَوْمِ أَسْلَمَ فَقَدْ انْقَطَعَتْ عِصْمَتُهَا منه وَلَهَا عليه مَهْرُ مِثْلِهَا وَتُكْمِلُ عِدَّتَهَا من يَوْمِ كانت الْإِصَابَةُ ( 1 ) تَعْتَدُّ فيها بِمَا مَضَى من عِدَّتِهَا يوم أَسْلَمَ وَهَكَذَا لو كانت هِيَ الْمُسْلِمَةَ وهو الثَّابِتُ على الْكُفْرِ إذَا حَاكَمَتْ إلَيْنَا - * النَّفَقَةُ في الْعِدَّةِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ قبل الزَّوْجِ ثُمَّ أَسْلَمَ الزَّوْجُ وَهِيَ في الْعِدَّةِ فَهُمَا على النِّكَاحِ وَإِنْ أَسْلَمَ الزَّوْجُ بَعْدَ الْعِدَّةِ انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا وَلَهَا عليه النَّفَقَةُ في الْعِدَّةِ في الْوَجْهَيْنِ جميعا لِأَنَّهَا كانت مَحْبُوسَةً عليه وكان له مَتَى شَاءَ أَنْ يُسْلِمَ فَيَكُونَانِ على النِّكَاحِ وَلَوْ كان الزَّوْجُ هو الْمُسْلِمُ وَهِيَ الْمُتَخَلِّفَةُ عن الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَسْلَمَتْ في الْعِدَّةِ أو لم تُسْلِمْ حتى تَنْقَضِيَ لم يَكُنْ لها نَفَقَةٌ في أَيَّامِ كُفْرِهَا لِأَنَّهَا هِيَ الْمَانِعَةُ لِنَفْسِهَا منه وَلَوْ كان الزَّوْجُ دَفَعَ إلَيْهَا النَّفَقَةَ في الْعِدَّةِ ثُمَّ لم تُسْلِمْ فَأَرَادَ الرُّجُوعَ عليها بها لم يَكُنْ ذلك له لِأَنَّهُ تَطَوَّعَ لها بِشَيْءٍ وَدَفَعَهُ إلَيْهَا وَلَوْ كان إنَّمَا دَفَعَهُ إلَيْهَا على أَنْ تُسْلِمَ فَأَسْلَمَتْ أو لم تُسْلِمْ كان له الرُّجُوعُ فيه وَلَا جُعْلَ لِأَحَدٍ على الْإِسْلَامِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْجَاعِلُ أَنْ يُسَلِّمَهُ لها مُتَطَوِّعًا وَلَوْ اخْتَلَفَا في الْإِسْلَامِ فقالت أَسْلَمْت يوم أَسْلَمْت أنت ولم تُعْطِنِي نَفَقَةً وقال بَلْ أَسْلَمْت الْيَوْمَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ وَلَا نَفَقَةَ عليه إلَّا أَنْ تَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ على ما قالت فَتُؤْخَذُ لها نَفَقَتُهَا منه من يَوْمِ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أنها أَسْلَمَتْ - * الزَّوْجُ لَا يَدْخُلُ بِامْرَأَتِهِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان الزَّوْجَانِ وَثَنِيَّيْنِ ولم يُصِبْ الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ وَإِنْ خَلَا بها وَقَفْتهمَا فَإِنْ أَسْلَمَ الرَّجُلُ قبل الْمَرْأَةِ فَقَدْ انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا وَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ إنْ كان فَرَضَ لها صَدَاقًا حَلَالًا وَإِنْ كان فَرَضَ صَدَاقًا حَرَامًا فَنِصْفُ مَهْرِ مِثْلِهَا وَإِنْ لم يَكُنْ فَرَضَ فالمتعة ( ( ( المتعة ) ) ) لِأَنَّ فَسْخَ النِّكَاحِ كان من قِبَلِهِ فَإِنْ أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ قَبْلَهُ فَقَدْ انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ وَلَا شَيْءَ لها من صَدَاقٍ وَلَا مُتْعَةٍ لِأَنَّ فَسْخَ النِّكَاحِ من قِبَلِهَا وَلَوْ أَسْلَمَا جميعا مَعًا فَهُمَا على النِّكَاحِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فَوَقَفْنَا النِّكَاحَ على الْعِدَّةِ فَطَلَّقَ الزَّوْجُ الْمَرْأَةَ فَالطَّلَاقُ مَوْقُوفٌ فَإِنْ اسلم الْمُتَخَلِّفُ عن الْإِسْلَامِ مِنْهُمَا في الْعِدَّةِ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَإِنْ لم يُسْلِمْ حتى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ فَالطَّلَاقُ سَاقِطٌ لِأَنَّا قد عَلِمْنَا أَنَّهُ لم يُسْلِمْ الْمُتَخَلِّفُ مِنْهُمَا حتى انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ وَأَنَّهُ طَلَّقَ غير زَوْجَةٍ قال وَهَكَذَا لو آلَى منها ( ( ( منهما ) ) ) أو تَظَاهَرَ وَقَفَ فَلَزِمَهُ إنْ أَسْلَمَ الْمُتَخَلِّفُ مِنْهُمَا في الْعِدَّةِ وَسَقَطَ إنْ انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ وإذا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فَخَالَعَتْهُ كان الْخُلْعُ مَوْقُوفًا فَإِنْ أَسْلَمَ الْمُتَخَلِّفُ مِنْهُمَا فَالْخَلْعُ جَائِزٌ وَإِنْ لم يُسْلِمْ حتى تَنْقَطِعَ الْعِصْمَةُ فَالْخُلْعُ بَاطِلٌ وما أُخِذَ فيه مَرْدُودٌ وَكَذَلِكَ لو خَيَّرَهَا فَاخْتَارَتْ طَلَاقًا أو جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِ رَجُلٍ فَطَلَّقَهَا كان مَوْقُوفًا كما وَصَفَتْ وَلَوْ أَبْرَأَتْهُ من صَدَاقٍ بِلَا طَلَاقٍ أو وَهَبَ لها شيئا جَازَتْ بَرَاءَتَهَا وَهِبَتُهُ كما يَجُوزُ لِلْأَزْوَاجِ وَالْمُطَلَّقَاتِ وَمِنْ الْأَزْوَاجِ وَالْمُطَلَّقَاتِ - * الْإِصَابَةُ في الْعِدَّةِ - *

(5/46)


وَإِنْ جَاءَا مُسْلِمَيْنِ مَعًا وقد عَلِمْنَا أَنَّ أَحَدَهُمَا أَسْلَمَ أَوَّلًا وَلَا نَدْرِي أَيَّهُمَا هو فَالْعِصْمَةُ مُنْقَطِعَةٌ وَلَا نِصْفَ مَهْرٍ حتى نَعْلَمَ أَنَّ الزَّوْجَ أَسْلَمَ أَوَّلًا وَلَوْ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّ الزَّوْجَ أَسْلَمَ أَوَّلًا وقال هو بَلْ أَسْلَمَتْ أَوَّلًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مع يَمِينِهَا وَعَلَى الزَّوْجِ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّ الْعَقْدَ ثَابِتٌ فَلَا يَبْطُلُ نِصْفُ الْمَهْرِ إلَّا بِأَنْ تُسْلِمَ قَبْلَهُ وَلَوْ جاءانا ( ( ( جاءنا ) ) ) مُسْلِمَيْنِ فقال الزَّوْجُ أَسْلَمْنَا مَعًا وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ أَسْلَمَ أَحَدُنَا قبل الْآخَرِ كان الْقَوْلُ قَوْلَ الزَّوْجِ مع يَمِينِهِ وَلَا تُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ على فَسْخِ النِّكَاحِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا دخل بِامْرَأَتِهِ وَأَصَابَهَا ثُمَّ أَتَيَانَا مَعًا مُسْلِمَيْنِ فقالت الْمَرْأَةُ كنا مُشْرِكَيْنِ فَأَسْلَمْت قَبْلَهُ أو أَسْلَمَ قَبْلِي وَانْقَضَتْ عِدَّتِي قبل أَنْ يُسْلِمَ الْمُتَأَخِّرُ مِنَّا وقال الزَّوْجُ ما كنا قَطُّ إلَّا مُسْلِمَيْنِ أو قال كنا مُشْرِكَيْنِ فَأَسْلَمْنَا مَعًا أو أَسْلَمَ أَحَدُنَا قبل الْآخَرِ ولم تَنْقَضِ عِدَّةُ الْمَرْأَةِ حتى أَسْلَمَ الْمُتَخَلِّفُ عن الْإِسْلَامِ مِنَّا فَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ أُخِذَتْ بها وَإِنْ لم تَقُمْ بَيِّنَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ وَلَا تُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ على إفْسَادِ النِّكَاحِ لِأَنَّهُمَا يَتَصَادَقَانِ على عَقْدِهِ وَتَدَّعِي الْمَرْأَةُ فَسْخَهُ وَلَوْ كان الرَّجُلُ هو الْمُدَّعِي فَسْخَهُ لَزِمَهُ فَسْخُهُ بِإِقْرَارِهِ ولم يُصَدَّقْ على نِصْفِ الصَّدَاقِ لو كان لم يَدْخُلْ بها وَتَحْلِفُ وَتَأْخُذُهُ منه وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً وَرَجُلًا كَافِرَيْنِ أَتَيَانَا مُسْلِمَيْنِ فَتَصَادَقَا على النِّكَاحِ في الْكُفْرِ وَهِيَ مِمَّنْ تَحِلُّ له بِحَالٍ كانت زَوْجَتَهُ وَلَوْ تَنَاكَرَا لم تَكُنْ زَوْجَتَهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ على نِكَاحٍ أو إقْرَارٍ من كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا بالنكاح ( ( ( بالناكح ) ) ) أو إقْرَارٍ من الْمُنْكِرِ مِنْهُمَا لِلنِّكَاحِ ثُمَّ تَكُونُ زَوْجَتَهُ - * الصداق - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا تَنَاكَحَ الزَّوْجَانِ الْمُشْرِكَانِ بِصَدَاقٍ يَجُوزُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَنْكِحَ بِهِ وَدَخَلَ بها الزَّوْجُ ثُمَّ انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا وَأَسْلَمَا فَالْمَهْرُ لِلْمَرْأَةِ ما كان فَإِنْ كانت قَبَضَتْهُ فَقَدْ اسْتَوْفَتْ وَإِنْ لم تَكُنْ قَبَضَتْهُ أَخَذَتْهُ من الزَّوْجِ وَإِنْ تَنَاكَرَا فيه فقال الزَّوْجُ قد قَبَضْته وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ لم أَقْبِضْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ وَعَلَى الزَّوْجِ الْبَيِّنَةُ وَهَكَذَا لو لم يَكُنْ النِّكَاحُ انْفَسَخَ أو أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا ولم يُسْلِمْ الْآخَرُ وَإِنْ كان الصَّدَاقُ فَاسِدًا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَإِنْ كان الصَّدَاقُ مُحَرَّمًا مِثْلَ الْخَمْرِ وما أَشْبَهَهُ فلم تَقْبِضْهُ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَإِنْ قَبَضَتْهُ بعد ما أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَلَيْسَ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُعْطِيَ خَمْرًا وَلَا لِمُسْلِمٍ أَنْ يَأْخُذَهُ وَإِنْ قَبَضَتْهُ وَهُمَا مُشْرِكَانِ فَقَدْ مَضَى وَلَيْسَ لها غَيْرُهُ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل يقول { اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ من الرِّبَا }
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ أَنَّ النِّكَاحَ مُنْفَسِخٌ حتى يَتَصَادَقَا أو تَقُومَ بَيِّنَةٌ على أَنَّ إسْلَامَهُمَا كان مَعًا لِأَنَّ الْإِسْلَامَ فَسْخُ الْعُقْدَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ معا ( ( ( معهما ) ) ) فَأَيَّهُمَا ادَّعَى فَسْخَهَا كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ مع يَمِينِهِ وَلَوْ كانت الْمَرْأَةُ التي قالت أَسْلَمْنَا مَعًا وقال الزَّوْجُ بَلْ أَسْلَمَ أَحَدُنَا قبل الْآخَرِ انْفَسَخَ النِّكَاحُ بِإِقْرَارِهِ بِأَنَّهُ مُنْفَسِخٌ ولم يُصَدَّقْ هو على الْمَهْرِ وَأُغْرِمَ لها نِصْفَ الْمَهْرِ بَعْدَ أَنْ تَحْلِفَ بِاَللَّهِ أَنَّ إسْلَامَهُمَا لَمَعًا وَلَوْ شَهِدَ على إسْلَامِ الْمَرْأَةِ ثُمَّ جاء الزَّوْجُ فقال قد أَسْلَمْت مَعَهَا كُلِّفَ الْبَيِّنَةَ فَإِنْ جاء بها كانت امْرَأَتُهُ وَإِنْ لم يَأْتِ بها فَقَدْ عَلِمْنَا إسْلَامَهَا قبل أَنْ نَعْلَمَ إسْلَامَهُ فَتَحْلِفُ له ما أَسْلَمَ إلَّا قَبْلَهَا أو بَعْدَهَا وَتَنْقَطِعُ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا وَأَيَّهُمَا كَلَّفْنَاهُ الْبَيِّنَةَ على أَنَّ إسْلَامَهُمَا كان مَعًا أو على وَقْتِ إسْلَامِهِ لِيَدُلَّ على أَنَّ إسْلَامَهُمَا كان مَعًا لم تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ حتى يَقْطَعُوا على أَنَّهُمَا أَسْلَمَا جميعا مَعًا فَإِنْ شَهِدُوا لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَشَهِدُوا أَنَّهُ أَسْلَمَ يوم كَذَا من شَهْرِ كَذَا حين غَابَتْ الشَّمْسُ لم يَتَقَدَّمْ ذلك ولم يَتَأَخَّرْ أو طَلَعَتْ الشَّمْسُ لم يَتَقَدَّمْ ذلك ولم يَتَأَخَّرْ وَعُلِمَ أَنَّ إسْلَامَ الْآخَرِ كان في ذلك الْوَقْتِ أَثْبَتْنَا النِّكَاحَ وَإِنْ قالوا مع مَغِيبِ الشَّمْسِ أو زَوَالِهَا أو طُلُوعِ الشَّمْسِ لم يَثْبُتْ النِّكَاحُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ هذا على وَقْتَيْنِ أَحَدُهُمَا قبل الْآخَرِ - * اخْتِلَافُ الزَّوْجَيْنِ - *

(5/47)


فَأَبْطَلَ ما أَدْرَكَ الْإِسْلَامُ ولم يَأْمُرْهُمْ بِرَدِّ ما كان قَبْلَهُ من الرِّبَا فَإِنْ كان أَرْطَالَ خَمْرٍ فَأَخَذَتْ نِصْفَهُ في الشِّرْكِ وَبَقِيَ نِصْفُهُ أَخَذَتْ منه نِصْفَ صَدَاقِ مِثْلِهَا وَكَذَلِكَ إنْ كان الْبَاقِي منه الثُّلُثَ أو الثُّلُثَيْنِ أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ رَجَعَتْ بَعْدَهُ بِمَا يَبْقَى منه من صَدَاقِ مِثْلِهَا ولم يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَخْذُ الْخَمْرِ في الْإِسْلَامِ إذَا كان الْمُسْلِمُ يُعْطِيهِ مُشْرِكًا أو الْمُشْرِكُ يُعْطِيهِ مُسْلِمًا وَإِنْ أَخَذَهُ أَحَدُهُمَا في الْإِسْلَامِ أَهْرَاقَهُ ولم يَرُدَّهُ على الذي أَخَذَهُ منه بِحَالٍ إلَّا أَنْ يَعُودَ خَلًّا من غَيْرِ صَنْعَةِ آدَمِيٍّ فَيَرُدَّ الْخَلَّ إلَى دَافِعِهِ لِأَنَّ عَيْنَ مَالِهِ صَارَتْ خَلًّا وَتَرْجِعُ بِمَهْرِ مِثْلِهَا وَلَوْ صَارَتْ خَلًّا من صَنْعَةِ آدَمِيٍّ أَهْرَاقَهَا ولم يَكُنْ لها الِاسْتِمْتَاعُ بها وَلَا رَدُّهَا وَتَرْجِعُ بِمَا بَقِيَ من الصَّدَاقِ وَإِنْ كان الزَّوْجَانِ مُسْلِمَيْنِ في أَيِّ دَارٍ كَانَا في دَارِ الْإِسْلَامِ أو دَارِ الْحَرْبِ فَارْتَدَّ أَحَدُهُمَا فَالْقَوْلُ فيه كَالْقَوْلِ في الزَّوْجَيْنِ الْوَثَنِيَّيْنِ يُسْلِمُ أَحَدُهُمَا لَا يَخْتَلِفُ في حَرْفٍ من فَسْخِ النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ من التَّحْرِيمِ لِأَنَّهُ في مِثْلِ مَعْنَى ما حَكَمَ بِهِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الزَّوْجَيْنِ الْحَرْبِيَّيْنِ يُسْلِمُ أَحَدُهُمَا قبل الْآخَرِ أَنَّهُ يَثْبُتُ النِّكَاحُ إذَا أَسْلَمَ آخِرُهُمَا إسْلَامًا قبل مُضِيِّ الْعِدَّةِ فَوَجَدْت في سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إثْبَاتَ عَقْدِ النِّكَاحِ في الشِّرْكِ وَعَقْدُ نِكَاحِ الْإِسْلَامِ ثَابِتٌ وَوَجَدْت في حُكْمِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى تَحْرِيمَ الْمُسْلِمَاتِ على الْمُشْرِكِينَ وَتَحْرِيمَ الْمُشْرِكَاتِ من أَهْلِ الْأَوْثَانِ على الْمُسْلِمِينَ وَوَجَدْت أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ إذَا ارْتَدَّ حُرِّمَ الْجِمَاعُ ( 1 ) أَيَّهُمَا كان الْمُسْلِمُ الْمَرْأَةَ أَوَّلًا أو الزَّوْجُ فَلَا يَحِلُّ وَطْءُ كَافِرَةٍ لِمُسْلِمٍ أو الزَّوْجَةُ فَلَا يَحِلُّ وَطْءُ مُسْلِمَةٍ لِكَافِرٍ فَكَانَ في جَمِيعِ مَعَانِي حُكْمِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يُخَالِفُهُ حَرْفًا وَاحِدًا في التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ فَإِنْ ارْتَدَّ الزَّوْجُ بَعْدَ الْوَطْءِ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّوْجَةِ فَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا قبل أَنْ يَرْجِعَ الزَّوْجُ إلَى الْإِسْلَامِ انْفَسَخَ النِّكَاحُ وَإِنْ ارْتَدَّتْ الْمَرْأَةُ أو ارْتَدَّا جميعا أو أَحَدُهُمَا بَعْدَ الأخر فَهَكَذَا أَنْظُرُ أَبَدًا إلَى الْعِدَّةِ فَإِنْ انْقَضَتْ قبل أَنْ يَصِيرَا مُسْلِمَيْنِ فَسَخْتهَا وإذا أَسْلَمَا قبل أَنْ تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ فَهِيَ ثَابِتَةٌ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كانت الزَّوْجَةُ الْمُرْتَدَّةُ فَأَشَارَتْ بِالْإِسْلَامِ إشَارَةً تُعْرَفُ وَصَلَّتْ فَخُلِّيَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا فَأَصَابَهَا فقالت كانت إشَارَتِي بِغَيْرِ الْإِسْلَامِ وَصَلَاتِي في غَيْرِ الْإِسْلَامِ لم تُصَدَّقْ على فَسْخِ النِّكَاحِ وَجُعِلَتْ الْآنَ مُرْتَدَّةً تُسْتَتَابُ وَإِلَّا تُقْتَلُ فَإِنْ رَجَعَتْ في عِدَّتِهَا إلَى الْإِسْلَامِ ثَبَتَا على النِّكَاحِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كان الزَّوْجُ الْمُرْتَدُّ فَهَرَبَ وَاعْتَدَّتْ الْمَرْأَةُ فَجَاءَ مُسْلِمًا وَزَعَمَ أَنَّ إسْلَامَهُ كان قبل إتْيَانِهِ بِشَهْرٍ وَذَلِكَ الْوَقْتُ قبل مُضِيِّ عِدَّةِ زَوْجَتِهِ وقد انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَأَنْكَرَتْ إسْلَامَهُ إلَّا في وَقْتٍ خَرَجَتْ فيه من الْعِدَّةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مع يَمِينِهَا وَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وإذا انْفَسَخَتْ الْعُقْدَةُ بين الْكَافِرَيْنِ يُسْلِمُ أَحَدُهُمَا أو الْمُسْلِمَيْنِ يَرْتَدُّ أَحَدُهُمَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ تَزَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ مَكَانَهَا وَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ أُخْتَهَا وَأَرْبَعًا سِوَاهَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) في الْمُسْلِمَيْنِ يَرْتَدُّ أَحَدُهُمَا وَالْحَرْبِيَّيْنِ يُسْلِمُ أَحَدُهُمَا ثُمَّ يَخْرَسُ الْمُرْتَدُّ مِنْهُمَا قبل أَنْ يُسْلِمَ أو يُغْلَبَ على عَقْلِهِ إذَا مَضَتْ الْعِدَّةُ قبل أَنْ يُسْلِمَ الْمُتَخَلِّفُ عن الْإِسْلَامِ مِنْهُمَا انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ وَالْعُقْدَةُ فإذا لم تَثْبُتْ إلَّا بِأَنْ يَكُونَا مُسْلِمَيْنِ قبل انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَقَدْ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ قبل أَنْ يَكُونَا مُسْلِمَيْنِ وَلَوْ خَرِسَ الْمُرْتَدُّ مِنْهُمَا وقد أَصَابَهَا الزَّوْجُ قبل الرِّدَّةِ ولم يَذْهَبْ عَقْلُهُ فَأَشَارَ بِالْإِسْلَامِ إشَارَةً تُعْرَفُ وَصَلَّى قبل انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَثْبَتْنَا النِّكَاحَ فَإِنْ كان هو الزَّوْجُ فَنَطَقَ فقال كانت إشَارَتِي بِغَيْرِ إسْلَامٍ وَصَلَاتِي بِغَيْرِ إيمَانٍ إنَّمَا كانت لِمَعْنًى يَذْكُرُهُ جَعَلْنَا عليه الصَّدَاقَ وَفَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا إنْ كانت الْعِدَّةُ مَضَتْ وَإِنْ لم تَكُنْ مَضَتْ حُلْنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حتى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ الْأُولَى وَإِنْ كان أَصَابَهَا بَعْدَ الرِّدَّةِ جَعَلْنَا صَدَاقًا آخَرَ وَتَسْتَقْبِلُ الْعِدَّةَ من الْجِمَاعِ الْآخَرِ وَتُكْمِلُ عِدَّتَهَا من الْأَوَّلِ وَتَعْتَدُّ بها في الْآخَرِ وَإِنْ كان أَسْلَمَ في الْعِدَّةِ الْآخِرَةِ لم يَكُنْ له أَنْ يُثْبِتَ النِّكَاحَ فيها لِأَنَّهَا إنَّمَا تَعْتَدُّ من نِكَاحٍ فَاسِدٍ وَلَوْ أَسْلَمَ في بَقِيَّةِ الْعِدَّةِ الْأُولَى ثَبَتَ النِّكَاحُ

(5/48)


- * الْفَسْخُ بين الزَّوْجَيْنِ بِالْكُفْرِ وَلَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَدَلَّتْ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على أَنَّ انْتِهَاءَ اللَّهِ عز وجل في الْعَدَدِ بِالنِّكَاحِ إلَى أَرْبَعٍ تَحْرِيمُ أَنْ يَجْمَعَ رَجُلٌ بِنِكَاحٍ بين أَكْثَرَ من أَرْبَعٍ وَدَلَّتْ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على أَنَّ الْخِيَارَ فِيمَا زَادَ على أَرْبَعٍ إلَى الزَّوْجِ فَيَخْتَارُ إنْ شَاءَ الْأَقْدَمَ نِكَاحًا أو الْأَحْدَثَ وَأَيَّ الْأُخْتَيْنِ شَاءَ كان الْعَقْدُ وَاحِدًا أو في عُقُودٍ مُتَفَرِّقَةٍ لِأَنَّهُ عَفَا لهم عن سَالِفِ الْعَقْدِ أَلَا تَرَى أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَسْأَلْ غَيْلَانَ عن أَيِّهِنَّ نَكَحَ أَوَّلًا ثُمَّ جَعَلَ له حين أَسْلَمَ وَأَسْلَمْنَ أَنْ يُمْسِكَ أَرْبَعًا ولم يَقُلْ الْأَوَائِلَ أو لَا تَرَى أَنَّ نَوْفَلَ بن مُعَاوِيَةَ يُخْبِرُ أَنَّهُ طَلَّقَ أَقْدَمَهُنَّ صُحْبَةً وَيُرْوَى عن الدَّيْلَمِيِّ أو بن الدَّيْلَمِيِّ أَنَّهُ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ أُخْتَانِ فَأَمَرَهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يُمْسِكَ أَيَّتَهُمَا شَاءَ وَيُطَلِّقَ الْأُخْرَى فَدَلَّ ما وَصَفْت على أَنَّهُ يَجُوزُ كُلُّ عَقْدِ نِكَاحٍ في الْجَاهِلِيَّةِ كان عِنْدَهُمْ نِكَاحًا إذَا كان يَجُوزُ مُبْتَدَؤُهُ في الْإِسْلَامِ بِحَالٍ وَأَنَّ في الْعَقْدِ شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا الْعَقْدُ الْفَائِتُ في الْجَاهِلِيَّةِ وَالْآخَرُ الْمَرْأَةُ التي تَبْقَى بِالْعَقْدِ فَالْفَائِتُ لَا يُرَدُّ إذَا كان الْبَاقِي بِالْفَائِتِ يَصْلُحُ بِحَالٍ وكان ذلك كَحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى في الرِّبَا قال اللَّهُ تَعَالَى { اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ من الرِّبَا إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } ولم يَجُزْ أَنْ يُقَالَ إذَا اسلم وَعِنْدَهُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَنَّ نَصْرَانِيَّيْنِ أو يَهُودِيَّيْنِ من بَنِي إسْرَائِيلَ كَانَا زَوْجَيْنِ فَأَسْلَمَ الزَّوْجُ كان النِّكَاحُ كما هو لِأَنَّ الْيَهُودِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيَّةَ حَلَالٌ لِلْمُسْلِمِ لَا يَحْرُمُ عليه ابْتِدَاءُ نِكَاحِهَا وَلَوْ كانت الْمَرْأَةُ الْمُسْلِمَةَ كانت الْمَسْأَلَةُ فيها كَالْمَسْأَلَةِ في الْوَثَنِيَّيْنِ تُسْلِمُ الْمَرْأَةُ فَيُحَالُ بين زَوْجِ هذه وَبَيْنَهَا فَإِنْ أَسْلَمَ وَهِيَ في الْعِدَّةِ فَهُمَا على النِّكَاحِ وَإِنْ لم يُسْلِمْ حتى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ لم يَكُنْ دخل بها انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ بِسَبْقِهَا إيَّاهُ إلَى الْإِسْلَامِ لِأَنَّهَا لَا عِدَّةَ عليها وَلَوْ أَنَّ مُسْلِمًا تَحْتَهُ يَهُودِيَّةٌ أو نَصْرَانِيَّةٌ فَارْتَدَّتْ فَتَمَجَّسَتْ أو تَزَنْدَقَتْ فَصَارَتْ في حَالِ من لَا تَحِلُّ له كانت في فَسْخِ النِّكَاحِ كَالْمُسْلِمَةِ تَرْتَدُّ إنْ عَادَتْ إلَى الدِّينِ الذي خَرَجَتْ منه من الْيَهُودِيَّةِ أو النَّصْرَانِيَّةِ قبل مُضِيِّ الْعِدَّةِ حَلَّتْ له وَإِنْ لم تَعُدْ حتى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ فَقَدْ انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا فَأَمَّا من دَانَ دِينَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى من الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ غير بَنِي إسْرَائِيلَ في فَسْخِ النِّكَاحِ وما يَحْرُمُ منه وَيَحِلُّ فَكَأَهْلِ الْأَوْثَانِ وَعِدَّةُ الْحُرَّةِ سَوَاءٌ مُسْلِمَةً كانت أو كِتَابِيَّةً أو وَثَنِيَّةً تَحْتَ وَثَنِيٍّ أَسْلَمَ أو ( ( ( ولم ) ) ) لم يُسْلِمْ إذَا حَكَمْنَا عليه وَعِدَّةُ كل أَمَةٍ سَوَاءٌ مُسْلِمَةً أو كِتَابِيَّةً وَلَا يَحِلُّ نِكَاحُ أَمَةٍ من أَهْلِ الْكِتَابِ لِمُسْلِمٍ أو أَمَةٍ حَرْبِيَّةٍ لِحُرٍّ حَرْبِيٍّ كُلُّ من حَكَمْنَا عليه فَإِنَّمَا نَحْكُمُ عليه حُكْمَ الْإِسْلَامِ وَلَوْ كان الزَّوْجَانِ حَرْبِيَّيْنِ كِتَابِيَّيْنِ فَأَسْلَمَ الزَّوْجُ كَانَا على النِّكَاحِ وَأَكْرَهُ نِكَاحَ أَهْلِ الْحَرْبِ وَلَوْ نَكَحَ وهو مُسْلِمٌ حَرْبِيَّةً كِتَابِيَّةً لم أَفْسَخْهُ وَإِنَّمَا كَرِهْته لِأَنِّي أَخَافُ عليه هو أَنْ يَفْتِنَهُ أَهْلُ الْحَرْبِ على دِينِهِ أو يَظْلِمُوهُ وَأَخَافُ على وَلَدِهِ أَنْ يُسْتَرَقَّ أو يُفْتَنَ عن دِينِهِ فَأَمَّا أَنْ تَكُونَ الدَّارُ تُحَرِّمُ شيئا أو تُحِلُّهُ فَلَا وَلَوْ حُرِّمَ عليه وَحَلَّ بِالدَّارِ لَزِمَهُ أَنْ يَحْرُمَ عليه نِكَاحُ مُسْلِمَةٍ مُقِيمَةٍ في دَارِ الْحَرْبِ وَهَذَا لَا يَحْرُمُ عليه الدَّارُ لَا تُحِلُّ شيئا من النِّكَاحِ وَلَا تُحَرِّمُهُ إنَّمَا يُحِلُّهُ وَيُحَرِّمُهُ الدِّينُ لَا الدَّارُ - * الرَّجُلُ يُسْلِمُ وَعِنْدَهُ أَكْثَرُ من أَرْبَعِ نِسْوَةٍ - * قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { فَانْكِحُوا ما طَابَ لَكُمْ من النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ }
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لِرَجُلٍ من ثَقِيفٍ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ
أخبرني الثِّقَةُ بن عُلَيَّةَ أو غَيْرُهُ عن مَعْمَرٍ عن بن شِهَابٍ عن سَالِمٍ عن أبيه أَنَّ غَيْلَانَ بن سَلَمَةَ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ فقال له النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ أو دَعْ سَائِرَهُنَّ أخبرني من سمع مُحَمَّدَ بن عبد الرحمن يُخْبِرُ عن عبدالمجيد بن سُهَيْلِ بن عبد الرحمن بن عَوْفٍ عن نَوْفَلِ بن مُعَاوِيَةَ

(5/49)


أَكْثَرُ من أَرْبَعِ نِسْوَةٍ أَمْسَكَ الْأَوَائِلَ لِأَنَّ عَقْدَهُنَّ صَحِيحٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ ليس من عَقْدِ الْجَاهِلِيَّةِ صَحِيحٌ لِمُسْلِمٍ لِأَنَّهُ بِشَهَادَةِ أَهْلِ الشِّرْكِ وَلَكِنَّهُ كما وَصَفْت مَعْفُوٌّ لهم عنه كما عُفِيَ عَمَّا مَضَى من الرِّبَا فَسَوَاءٌ ما كان عِنْدَهُمْ نكاحا لَا يَخْتَلِفُ فَكَانَ في أَمْرِ اللَّهِ عز وجل بِرَدِّ ما بَقِيَ من الرِّبَا دَلِيلٌ على أَنَّ ما قُبِضَ منه في الْجَاهِلِيَّةِ لَا يُرَدُّ لِأَنَّهُ تَمَّ في الْجَاهِلِيَّةِ وَأَنَّ ما عُقِدَ ولم يَتِمَّ بِالْقَبْضِ حتى جاء الْإِسْلَامُ يُرَدُّ فَكَذَلِكَ حُكْمُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِتَمَامِ الْعَقْدِ عِنْدَهُمْ وَإِنْ كان لَا يَصْلُحُ أَنْ يُعْقَدَ مِثْلُهُ في الْإِسْلَامِ بِحَالٍ فإذا كان يَصْلُحُ أَنْ يُعْقَدَ نِكَاحُ الْمَنْكُوحَةِ في الْإِسْلَامِ بِحَالٍ تَمَّتْ وَأَمَرَ أَنْ يُمْسِكَ بِالْعَقْدِ في الْجَاهِلِيَّةِ وإذا كان لَا يَصْلُحُ أَنْ يُبْتَدَأَ في الْإِسْلَامِ بِحَالٍ كان الِاسْتِمْتَاعُ بها لِأَنَّهَا عَيْنٌ قَائِمَةٌ لَا يَجُوزُ كما لَا يَجُوزُ أَخْذُ الرِّبَا في الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ عَيْنٌ قَائِمَةٌ لم تَفُتْ - * نِكَاحُ الْمُشْرِكِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فإذا نَكَحَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ في عِدَّتِهَا في دَارِ الْحَرْبِ مُشْرِكَيْنِ فَأَنْظُرُ إذَا اجْتَمَعَ إسْلَامُهُمَا فَإِنْ كانت خَارِجَةً من الْعِدَّةِ فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ له حِينَئِذٍ ابْتِدَاءُ نِكَاحِهَا وَإِنْ كانت في شَيْءٍ من الْعِدَّةِ فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ وَلَيْسَ لها أَنْ تَنْكِحَهُ وَلَا غَيْرَهُ حتى تُكْمِلَ الْعِدَّةَ لِأَنَّهُ ليس له حِينَئِذٍ أَنْ يَبْتَدِئَ نِكَاحَهَا فَإِنْ كان أَصَابَهَا في الْعِدَّةِ أَكْمَلَتْ الْعِدَّةَ منه وَتَدْخُلُ فيها الْعِدَّةُ من الذي قَبْلَهُ لِأَنَّهُمَا لو لم يَجْتَمِعْ إسْلَامُهُمَا إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ عِدَّتِهَا من الْأَوَّلِ أُثْبِتُ النِّكَاحَ ولم أَرُدَّهُ بِالْعِدَّةِ كما أَرُدُّهُ في الْإِسْلَامِ بِالْعِدَّةِ مَكَانَهُ وَبَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ وَلَوْ اجْتَمَعَ إسْلَامُ الْأَزْوَاجِ وَعِنْدَهُ أَرْبَعُ إمَاءٍ فَإِنْ كان مُوسِرًا فَنِكَاحُهُنَّ كُلُّهُنَّ مُنْفَسِخٌ وَكَذَلِكَ إنْ كان مُعْسِرًا لَا يَخَافُ الْعَنَتَ فَإِنْ كان مُعْسِرًا لَا يَجِدُ ما يَنْكِحُ بِهِ حُرَّةً وَيَخَافُ الْعَنَتَ أَمْسَكَ أَيَّتَهنَّ شَاءَ وَانْفَسَخَ نِكَاحُ الْبَوَاقِي وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْضُهُنَّ بَعْدَهُ فَسَوَاءٌ يَنْتَظِرُ إسْلَامَ الْبَوَاقِي فَمَنْ اجْتَمَعَ إسْلَامُهُ وَإِسْلَامُ الزَّوْجِ قبل مُضِيِّ عِدَّةِ الْمُسْلِمَةِ كان له الْخِيَارُ فيه وَلَوْ أَسْلَمَ رَجُلٌ وَعِنْدَهُ أُمٌّ وَابْنَتُهَا فَإِنْ كان دخل بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَنِكَاحُهُمَا عليه مُحَرَّمٌ على الْأَبَدِ إنْ كان دخل بِالْأُمِّ فَالْبِنْتُ رَبِيبَتُهُ من امْرَأَةٍ قد دخل بها وَإِنْ كان دخل بِالْبِنْتِ فَالْأُمُّ أُمُّ امْرَأَةٍ قد دخل بها فَإِنْ لم يَكُنْ دخل بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ كان له أَنْ يُمْسِكَ الْبِنْتَ إنْ شَاءَ ولم يَكُنْ له أَنْ يُمْسِكَ الْأُمَّ أَوَّلًا كانت أو آخِرًا إذَا ثَبَتَ له الْعَقْدَانِ في الشِّرْكِ إذَا جَازَ أَحَدُهُمَا في الْإِسْلَامِ بِحَالٍ جَازَ نِكَاحُ الْبِنْتِ بَعْدَ الْأُمِّ إذَا لم يَدْخُلْ بِالْأُمِّ وَلَا يَجُوزُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَيُّ مُشْرِكٍ عَقَدَ في الشِّرْكِ نِكَاحًا بِأَيِّ وَجْهٍ ما كان الْعَقْدُ وَأَيِّ امْرَأَةٍ كانت الْمَنْكُوحَةُ فَأَسْلَمَ مُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ من الزَّوْجَيْنِ وَالْمَرْأَةُ في عِدَّتِهَا حتى لَا تَكُونَ الْعِدَّةُ مُنْقَضِيَةً إلَّا وَهُمَا مُسْلِمَانِ فَإِنْ كان يَصْلُحُ لِلزَّوْجِ ابْتِدَاءُ نِكَاحِهَا سَاعَةً اجْتَمَعَ إسْلَامُهُمَا بِحَالٍ فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ وَلَا يَكُونُ لِلزَّوْجِ فَسْخُهُ إلَّا بِإِحْدَاثِ طَلَاقٍ وَإِنْ كان لَا يَصْلُحُ لِلزَّوْجِ ابْتِدَاءُ نِكَاحِهَا حين يَجْتَمِعُ إسْلَامُهُمَا بِحَالٍ فَالنِّكَاحُ في الشِّرْكِ مُنْفَسِخٌ فَلَوْ جَاءَتْ عليها بَعْدَ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِمَا مُدَّةً يَحِلُّ بها ابْتِدَاءُ نِكَاحِهَا لم يَحِلَّ نِكَاحُ الشِّرْكِ وَيَحِلُّ بِابْتِدَاءِ نِكَاحٍ غَيْرِهِ في الْإِسْلَامِ إلَّا ما ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَزِيدُ على أَرْبَعٍ من النِّسَاءِ فإن ذلك مَعْنًى غير هذا وَلَا يُنْظَرُ إلَى عَقْدِهِ في الشِّرْكِ بِوَلِيٍّ أو غَيْرِ وَلِيٍّ أو شُهُودٍ أو غَيْرِ شُهُودٍ وَبِأَيِّ حَالٍ كان يَفْسُدُ فيها في الْإِسْلَامِ أو نِكَاحٍ مُحَرَّمٍ أو غَيْرِهِ مِمَّا عُقِدَ إلَى غَيْرِ مُدَّةٍ تَنْقَطِعُ بِغَيْرِ الْمَوْتِ وَسَوَاءٌ في هذا نِكَاحُ الْحَرْبِيِّ وَالذِّمِّيِّ وَالْمُوَادِعِ وَكَذَلِكَ هُمْ سَوَاءٌ في الْمُهُورِ وَالطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ وَيَخْتَلِفُ الْمُعَاهِدُ وَغَيْرُهُ في أَشْيَاءَ نُبَيِّنُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - * تَفْرِيعٌ نِكَاحُ أَهْلِ الشِّرْكِ - *

(5/50)


نِكَاحُ الْأُمِّ وَإِنْ لم يَدْخُلْ بِالْبِنْتِ لِأَنَّهَا مُبْهَمَةٌ وَلَوْ أَسْلَمَ رَجُلٌ وَعِنْدَهُ أُمٌّ وَابْنَتُهَا قد وَطِئَهُمَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ حُرِّمَ عليه وَطْؤُهُمَا على ( ( ( إلى ) ) ) الْأَبَدِ وَلَوْ كان وطىء الْأُمَّ حُرِّمَ عليه وَطْءُ الْبِنْتِ وَلَوْ كان وطىء الْبِنْتَ حُرِّمَ عليه وَطْءُ الْأُمِّ وَيُمْسِكُهُنَّ في مِلْكِهِ وَإِنْ حُرِّمَتْ عليه فُرُوجُهُنَّ أو فَرْجُ من حُرِّمَ فَرْجُهُ مِنْهُنَّ وَلَوْ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ امْرَأَةٌ وَعَمَّتُهَا أو امْرَأَةٌ وَخَالَتُهَا قد دخل بِهِمَا أو لم يَدْخُلْ أو دخل بِإِحْدَاهُمَا ولم يَدْخُلْ بِالْأُخْرَى كان ذلك كُلُّهُ سَوَاءً وَيُمْسِكُ أَيَّتَهُمَا شَاءَ وَيُفَارِقُ الْأُخْرَى وَلَا يُكْرَهُ من هَاتَيْنِ إلَّا ما يُكْرَهُ من الْجَمْعِ بين الْأُخْتَيْنِ وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَلَالٌ على الِانْفِرَادِ بَعْدَ صَاحِبَتِهَا وَهَكَذَا الْأُخْتَانِ إذَا أَسْلَمَ وَهُمَا عِنْدَهُ لَا يُخَالِفَانِ الْمَرْأَةَ وَعَمَّتَهَا وَالْمَرْأَةَ وَخَالَتَهَا (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ أَمَةٌ وَحُرَّةٌ أو إمَاءٌ وَحُرَّةٌ فَاجْتَمَعَ إسْلَامُهُنَّ في الْعِدَّةِ فَنِكَاحُ الْإِمَاءِ مَفْسُوخٌ وَالْحُرَّةِ ثَابِتٌ مُعْسِرًا يَخَافُ الْعَنَتَ كان أو غير مُعْسِرٍ وَلَا بِخَائِفٍ لِلْعَنَتِ لِأَنَّ عِنْدَهُ حُرَّةً فَلَا يَكُونُ له ابْتِدَاءُ نِكَاحِ أَمَةٍ بِحَالٍ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَطَلَّقَ الْحُرَّةَ قبل أَنْ تُسْلِمَ أو بعد ما أَسْلَمَتْ وقد أَسْلَمَ أو لم يُسْلِمْ ثَلَاثًا وكان مُعْسِرًا يَخَافُ الْعَنَتَ ثُمَّ اجْتَمَعَ إسْلَامُهُ وَإِسْلَامُ الْإِمَاءِ وُقِفَ نِكَاحُهُنَّ فَإِنْ اجْتَمَعَ إسْلَامُهُ وَإِسْلَامُ الْحُرَّةِ في عِدَّتِهَا فَنِكَاحُ الْإِمَاءِ مَفْسُوخٌ وَالْحُرَّةُ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِأَنَّا قد عَلِمْنَا أنها زَوْجَةٌ وَلَهَا الْمَهْرُ الذي سُمِّيَ لها إنْ كان دخل بها وَلَا تَحِلُّ له حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَإِنْ لم يَجْتَمِعْ إسْلَامُهُمَا حتى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا فَنِكَاحُ الْحُرَّةِ مَفْسُوخٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَالطَّلَاقُ غَيْرُ وَاقِعٍ عليها لِأَنَّا قد عَلِمْنَا إذَا مَضَتْ الْعِدَّةُ قبل أَنْ يَجْتَمِعَ إسْلَامُهُمَا أَنَّهُ طَلَّقَ غير زَوْجَةٍ وَيَخْتَارُ من الْإِمَاءِ وَاحِدَةً إذَا كان له أَنْ يَبْتَدِئَ نِكَاحَ أَمَةٍ فإذا اجْتَمَعَ إسْلَامُهُ وَإِسْلَامُهُنَّ وهو مِمَّنْ ليس له أَنْ يَبْتَدِئَ نِكَاحَ أَمَةٍ انْفَسَخَ نِكَاحُهُنَّ مَعًا وَلَوْ كان عِنْدَهُ إمَاءٌ أو أَمَةٌ فَأَسْلَمَ وهو مِمَّنْ له أَنْ يَبْتَدِئَ نِكَاحَ أَمَةٍ فَاجْتَمَعَ إسْلَامُهُ وَإِسْلَامُ الْأَمَةِ في حَالٍ يَكُونُ له فيها ابْتِدَاءُ نِكَاحِ أَمَةٍ كان له أَنْ يُمْسِكَ من الْإِمَاءِ اللَّاتِي اجْتَمَعَ إسْلَامُهُنَّ وَإِسْلَامُهُ وَلَهُ نِكَاحُ أَمَةٍ وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْضُهُنَّ قبل بَعْضٍ وَأَيْسَرَ بَعْدَ عُسْرٍ بِحُرَّةٍ لم يَحْرُمْ عليه إمْسَاكُ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ لِأَنِّي أَنْظُرُ إلَى حَالِهِ حين اجْتَمَعَ إسْلَامُهُ وَإِسْلَامُهُنَّ وَإِنْ اخْتَلَفَ وَقْتُ إسْلَامِهِنَّ فَأَيَّهُنَّ كان إسْلَامُهُ وهو يَحِلُّ له ابْتِدَاءُ نِكَاحِهِ كان له أَنْ يُمْسِكَ وَاحِدَةً من الْإِمَاءِ ولم يَجُزْ له أَنْ يُمْسِكَ وَاحِدَةً من اللَّاتِي أَسْلَمْنَ وهو لَا يَحِلُّ له إمْسَاكُ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وإذا كانت عِنْدَهُ أَمَةٌ وَحَرَائِرُ أو حَرَائِرُ وَإِمَاءٌ وهو مِمَّنْ له أَنْ يَنْكِحَ أَمَةً فَاجْتَمَعَ إسْلَامُهُ وَإِسْلَامُ أَمَةٍ أو أَكْثَرَ من الْإِمَاءِ وُقِفَ عَنْهُنَّ فَإِنْ أَسْلَمَتْ حُرَّةٌ في عِدَّتِهَا فَقَدْ انْفَسَخَ نِكَاحُ الْإِمَاءِ كُلِّهِنَّ اللَّاتِي أَسْلَمْنَ وَتَخَلَّفْنَ وَإِنْ لم تُسْلِمْ وَاحِدَةٌ من الْحَرَائِرِ حتى تَنْقَضِيَ عِدَدُهُنَّ اخْتَارَ من الْإِمَاءِ وَاحِدَةً إنْ كُنَّ أَكْثَرَ من وَاحِدَةٍ وَثَبَتَتْ عِنْدَهُ وَاحِدَةٌ إنْ لم يَكُنْ غَيْرُهَا وَلَوْ اجْتَمَعَ إسْلَامُهُ وَإِسْلَامُ أَمَةٍ أو إمَاءٍ فَعَتَقْنَ بَعْدَ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِ وَإِسْلَامِ حُرَّةٍ وَقَفْنَاهُنَّ فَإِنْ أَسْلَمَتْ الْحُرَّةُ في الْعِدَّةِ فَنِكَاحُهُنَّ مُنْفَسِخٌ وَإِنْ لم يَجْتَمِعْ إسْلَامُهُ وَإِسْلَامُ حُرَّةٍ في عِدَّةٍ اخْتَارَ من الْإِمَاءِ وَاحِدَةً إذَا كان مِمَّنْ يَحِلُّ له نِكَاحُ الْإِمَاءِ لِأَنِّي إنَّمَا أَنْظُرُ إلَى يَوْمِ يَجْتَمِعُ إسْلَامُهُ وَإِسْلَامُهَا فَإِنْ كان يَجُوزُ له في ذلك الْوَقْتِ ابْتِدَاءُ نِكَاحِهَا جَعَلْت له إمْسَاكَهَا إنْ شَاءَ وَإِنْ كان مِمَّنْ لَا يَجُوزُ له ابْتِدَاءُ نِكَاحِهَا لم أُثْبِتْ نِكَاحَهَا معه بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ بِمُدَّةٍ تَأْتِي بَعْدَهَا وَلَوْ عَتَقْنَ قبل أَنْ يُسْلِمْنَ كُنَّ كَمَنْ ابْتَدَأَ نِكَاحَهُ وَهُنَّ حَرَائِرُ وَكَذَلِكَ لو أَسْلَمْنَ هُنَّ وهو كَافِرٌ فلم يَجْتَمِعْ إسْلَامُهُ وَإِسْلَامُهُنَّ حتى يَعْتِقْنَ كان كَمَنْ ابْتَدَأَ نِكَاحَهُ وَهُنَّ حَرَائِرُ وَلَوْ كان عِنْدَ عَبْدٍ أَرْبَعُ إمَاءٍ فَأَسْلَمَ وَأَسْلَمْنَ قِيلَ له أَمْسِكْ اثْنَتَيْنِ وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ وَلَوْ كان عِنْدَهُ حَرَائِرُ فَاجْتَمَعَ إسْلَامُهُ وَإِسْلَامُهُنَّ ولم تُرِدْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ فِرَاقَهُ قِيلَ له أَمْسِكْ اثْنَتَيْنِ وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ وَكَذَلِكَ إنْ كُنَّ إمَاءً وَحَرَائِرَ مُسْلِمَاتٍ أو كِتَابِيَّاتٍ وَلَوْ كُنَّ إمَاءً فَعَتَقْنَ قبل إسْلَامِهِ فَاخْتَرْنَ فِرَاقَهُ كان ذلك لَهُنَّ لِأَنَّهُ يَكُونُ لَهُنَّ بَعْدَ إسْلَامِهِ وَعِدَدُهُنَّ عِدَدُ حَرَائِرَ فَيُحْصِينَ من يَوْمِ اخْتَرْنَ فِرَاقَهُ فإذا اجْتَمَعَ إسْلَامُهُ وَإِسْلَامُهُنَّ في الْعِدَّةِ فَعِدَدُهُنَّ عِدَدُ حَرَائِرَ من ( ( ( ومن ) ) ) يَوْمِ اخْتَرْن

(5/51)


فِرَاقَهُ وَإِنْ لم يَجْتَمِعْ إسْلَامُهُ وَإِسْلَامُهُنَّ في الْعِدَّةِ فَعِدَدُهُنَّ عِدَدُ حَرَائِرَ من يَوْمِ أَسْلَمَ مُتَقَدِّمُ الْإِسْلَامِ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْفَسْخَ كان من يَوْمَئِذٍ إذَا لم يَجْتَمِعْ إسْلَامُهُمَا في الْعِدَّةِ وَعِدَدُهُنَّ عِدَدُ حَرَائِرَ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّ الْعِدَّةَ لم تَنْقَضِ حتى صِرْنَ حَرَائِرَ وَإِنْ لم يَكُنْ اخْتَرْنَ فِرَاقَهُ وَلَا الْمُقَامَ معه خُيِّرْنَ إذَا اجْتَمَعَ إسْلَامُهُ وَإِسْلَامُهُنَّ مَعًا وَإِنْ تَقَدَّمَ إسْلَامُهُنَّ قبل إسْلَامِهِ فَاخْتَرْنَ الْمُقَامَ معه ثُمَّ أَسْلَمَ خُيِّرْنَ حين يُسْلِمُ وكان لَهُنَّ أَنْ يُفَارِقْنَهُ وَذَلِكَ أَنَّهُنَّ اخْتَرْنَ الْمُقَامَ معه وَلَا خِيَارَ لَهُنَّ إنَّمَا يَكُونُ لَهُنَّ الْخِيَارُ إذَا اجْتَمَعَ إسْلَامُهُنَّ وَإِسْلَامُهُ وَلَوْ اجْتَمَعَ إسْلَامُهُ وَإِسْلَامُهُنَّ وَهُنَّ إمَاءٌ ثُمَّ عَتَقْنَ من سَاعَتِهِنَّ ثُمَّ اخْتَرْنَ فِرَاقَهُ لم يَكُنْ ذلك لَهُنَّ إذَا أتى عَلَيْهِنَّ أَقَلُّ أَوْقَاتِ الدُّنْيَا وَإِسْلَامُهُنَّ وَإِسْلَامُهُ مُجْتَمِعٌ وَلَوْ اجْتَمَعَ إسْلَامُهُنَّ وَإِسْلَامُهُ وَعِتْقُهُنَّ وَعِتْقُهُ مَعًا لم يَكُنْ لَهُنَّ خِيَارٌ وَكَذَلِكَ لو اجْتَمَعَ إسْلَامُهُنَّ وَإِسْلَامُهُ فَعَتَقْنَ فلم يَخْتَرْنَ حتى يَعْتِقَ الزَّوْجُ لم يَكُنْ لَهُنَّ خِيَارٌ وَلَوْ كان عِنْدَ عَبْدٍ أَرْبَعُ حَرَائِرَ فَاجْتَمَعَ إسْلَامُهُ وَإِسْلَامُ الْأَرْبَعِ مَعًا كَأَنَّهُنَّ أَسْلَمْنَ معه في كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أو مُتَفَرِّقَاتٍ ثُمَّ عَتَقْنَ قِيلَ له اخْتَرْ اثْنَتَيْنِ وَفَارِقْ اثْنَتَيْنِ وَسَوَاءٌ أَعْتَقَ في الْعِدَّةِ أو بَعْدَ ما تَنْقَضِي عِدَدُهُنَّ لِأَنَّهُ كان يوم اجْتَمَعَ إسْلَامُهُ وَإِسْلَامُهُنَّ مَمْلُوكًا ليس له أَنْ يُجَاوِزَ اثْنَتَيْنِ قال وَكَذَلِكَ لو اجْتَمَعَ إسْلَامُهُ وَإِسْلَامُ اثْنَتَيْنِ في الْعِدَّةِ ثُمَّ عَتَقَ ثُمَّ أَسْلَمَتْ الِاثْنَتَانِ الْبَاقِيَتَانِ في الْعِدَّةِ لم يَكُنْ له أَنْ يُمْسِكَ إلَّا اثْنَتَيْنِ أَيَّ الِاثْنَتَيْنِ شَاءَ اللَّتَيْنِ اسلمتا أَوَّلًا أو آخِرًا لِأَنَّهُ عَقْدٌ في الْعُبُودِيَّةِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ له عَقْدُ الْعُبُودِيَّةِ مع اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِ وَإِسْلَامِ أَزْوَاجِهِ قبل مُضِيِّ الْعِدَّةِ فَلَا يَثْبُتُ له بِعَقْدِ الْعُبُودِيَّةِ إلَّا اثْنَتَانِ واذا اخْتَارَ اثْنَتَيْنِ فَهُوَ تَرْكٌ لِلِاثْنَتَيْنِ اللَّتَيْنِ اخْتَارَ غَيْرَهُمَا وَلَهُ أَنْ يَنْكِحَهُمَا مَكَانَهُ إنْ شَاءَتَا وَذَلِكَ أَنَّ هذا ابْتِدَاءُ نِكَاحٍ بَعْدَ إذْ صَارَ حُرًّا فَلَهُ في الْحُرِّيَّةِ الْجَمْعُ بين أَرْبَعٍ وإذا نَكَحَ الْمَمْلُوكُ الْمَمْلُوكَةَ في الشِّرْكِ ثُمَّ أَعْتَقَ فَمَلَكَهَا أو بَعْضَهَا أو أَعْتَقَتْ فَمَلَكَتْهُ أو بَعْضَهُ ثُمَّ اجْتَمَعَ إسْلَامُهُمَا مَعًا في الْعِدَّةِ وقد أَقَامَ في الْكُفْرِ على النِّكَاحِ فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا وإذا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ في الشِّرْكِ فَأَصَابَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ أَسْلَمَ الزَّوْجُ قبل الْمَرْأَةِ أو الْمَرْأَةُ قبل الزَّوْجِ فَسَوَاءٌ وَالنِّكَاحُ مَوْقُوفٌ على الْعِدَّةِ فإذا أَسْلَمَ الْمُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ مِنْهُمَا قبل أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْمَرْأَةِ وَالنِّكَاحُ مِمَّا يَصْلُحُ ابْتِدَاؤُهُ في الْإِسْلَامِ ولم يَكُنْ فِيهِنَّ من لَا يَصْلُحُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ وَهَكَذَا إنْ كُنَّ حَرَائِرَ ما بين وَاحِدَةٍ إلَى أَرْبَعٍ وَلَا يُقَالُ لِلزَّوْجِ اخْتَرْ وَهُنَّ أَزْوَاجُهُ فَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ وَإِنْ مَاتَ وَرِثْنَهُ وَإِنْ مُتْنَ وَرِثَهُنَّ فَإِنْ قال قد فَسَخْت نِكَاحَهُنَّ أو نِكَاحَ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وُقِفَ فَإِنْ قال أَرَدْت إيقَاعَ طَلَاقٍ وَقَعَ عليه الطَّلَاقُ وهو ما أَرَادَ من عَدَدِ الطَّلَاقِ وَإِنْ قال عَنَيْت أَنَّ نِكَاحَهُنَّ كان فَاسِدًا لم يَكُنْ طَلَاقًا وَيَحْلِفُ ما كانت إرَادَتُهُ إحْدَاثَ طَلَاقٍ وَإِنْ كانت عِنْدَهُ أَكْثَرُ من أَرْبَعٍ فَأَسْلَمَ وَأَسْلَمَتْ وَاحِدَةٌ في الْعِدَّةِ فقال قد اخْتَرْت حَبْسَهَا ثُمَّ أَسْلَمَتْ أُخْرَى فقال قد اخْتَرْت حَبْسَهَا حتى يَقُولَ ذلك في أَرْبَعٍ كان ذلك له وَثَبَتَ نِكَاحُهُنَّ بِاخْتِيَارِهِ لَهُنَّ وكان نِكَاحُ الزَّوَائِدِ على الْأَرْبَعِ مُنْفَسِخًا وَلَوْ قال كُلَّمَا أَسْلَمَتْ وَاحِدَةٌ قد اخْتَرْت فَسْخَ نِكَاحِهَا وُقِفَ فَسْخُهُ فَإِنْ أَسْلَمْنَ مَعًا أو لم يَقُلْ من هذا شيئا حتى أَسْلَمْنَ مَعًا أو بَعْضُهُنَّ قبل بَعْضٍ غير أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ أَسْلَمَتْ قبل أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا خُيِّرَ فَقِيلَ أَمْسِكْ أَرْبَعًا أَيَّتَهُنَّ شِئْت وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ لِأَنَّ اخْتِيَارَك فَسْخٌ لِمَنْ فَسَخْت ولم يَكُنْ لَك فَسْخُهُنَّ إلَّا بِأَنْ تُرِيدَ طَلَاقًا وَلَا عَلَيْك فَسْخُ نِكَاحِهِنَّ فإذا أَمْسَكَ أَرْبَعًا فَقَدْ انْفَسَخَ نِكَاحُ من زَادَ عَلَيْهِنَّ بِلَا طَلَاقٍ لِأَنَّهُ يُجْبَرُ على أَنْ يُفَارِقَ ما زَادَ على أَرْبَعٍ فَلَا يَكُونُ طَلَاقًا ما جُبِرَ عليه وَإِنَّمَا أَثْبَتْنَا له الْعَقْدَ بِاخْتِيَارِهِ فإن السُّنَّةَ جَعَلَتْ له الْخِيَارَ في إمْسَاكِ أَيَّتَهُنَّ شَاءَ فَاتَّبَعْنَا السُّنَّةَ قال وَالِاخْتِيَارُ أَنْ يَقُولَ قد أَمْسَكْت فُلَانَةَ أو قد أَمْسَكْت بِعَقْدِ فُلَانَةَ أو قد أُثْبِت عَقْدَ فُلَانَةَ أو ما أَشْبَهَ هذا فإذا قال هذا في أَرْبَعٍ انْفَسَخَ عَقْدُ من زَادَ عَلَيْهِنَّ وَلَوْ قال رَجَعْت فِيمَنْ اخْتَرْت إمْسَاكَهُ مِنْهُنَّ وَاخْتَرْت الْبَوَاقِيَ كان الْبَوَاقِي بَرَاءً منه لَا سَبِيلَ له عَلَيْهِنَّ إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ وَوَقَّفْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ رَجَعْت فِيمَنْ اخْتَرْت فَإِنْ قال أَرَدْت بِهِ طَلَاقًا فَهُوَ طَلَاقٌ وهو ما أَرَادَ من
____________________

(5/52)


عَدَدِ الطَّلَاقِ وان قال لم أُرِدْ بِهِ طَلَاقًا أَرَدْت أَنِّي رَأَيْت الْخِيَارَ لي أو غير ذلك حَلَفَ ما أَرَادَ بِهِ طَلَاقًا ولم يَكُنْ طَلَاقًا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْحُكْمُ كما وَصَفْت فَلَوْ اخْتَارَ أَرْبَعًا ثُمَّ قال لم أُرِدْ اخْتِيَارَهُنَّ وقد اخْتَرْت الْأَرْبَعَ الْبَوَاقِيَ أَلْزَمْنَاهُ الْأَرْبَعَ اللَّاتِي اخْتَارَ أَوَّلًا وَجَعَلْنَا اخْتِيَارَهُ الْآخَرَ بَاطِلًا كما لو نَكَحَ امْرَأَةً فقال ما أَرَدْت بِنِكَاحِهَا عَقْدَ نِكَاحٍ أَلْزَمْنَاهُ إيَّاهُ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ من قَوْلِهِ وهو أَبْيَنُ أَنَّهُ له حَلَالٌ من الْمَرْأَةِ يَبْتَدِئُ نِكَاحَهَا لِأَنَّ نِكَاحَهُنَّ ثَابِتٌ إلَّا بِأَنْ يَفْسَخَهُ وهو لم يَفْسَخْهُ قال وَلَوْ أَسْلَمَ وَثَمَانِ نِسْوَةٍ له فقال قد فَسَخْت عَقْدَ أَرْبَعٍ بِأَعْيَانِهِنَّ ثَبَتَ عَقْدُ اللَّاتِي لم يَفْسَخْ عَقْدَهُنَّ ولم أَحْتَجْ إلَى أَنْ يَقُولَ قد أُثْبِتُ عَقْدَ الْبَوَاقِي وَلَا اخْتَرْت الْبَوَاقِيَ كما لَا أَحْتَاجُ إذَا كُنَّ أَرْبَعًا فَأَسْلَمَ وَأَسْلَمْنَ إلَى أَنْ يَقُولَ قد أُثْبِت عَقْدَهُنَّ وَهُنَّ ثَوَابِتُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ وَاجْتِمَاعُ إسْلَامِ الزَّوْجَيْنِ في الْعِدَّةِ قال وإذا أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ أَرْبَعٌ مِنْهُنَّ أُخْتَانِ وَامْرَأَةٌ وَعَمَّتُهَا قِيلَ له أَمْسِكْ أَيَّ الْأُخْتَيْنِ شِئْت وَإِحْدَى الْمَرْأَتَيْنِ بِنْتُ الْأَخِ أو الْعَمَّةُ وَفَارَقَ اثْنَتَيْنِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كان معه أَرْبَعُ نِسْوَةٍ سِوَاهُنَّ قِيلَ له أَمْسِكْ أَرْبَعًا ليس لَك أَنْ يَكُونَ فِيهِنَّ أُخْتَانِ مَعًا أو الْمَرْأَةُ وَعَمَّتُهَا مَعًا قال وَلَوْ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ حَرَائِرُ يَهُودِيَّاتٌ أو نَصْرَانِيَّاتٌ من بَنِي إسْرَائِيلَ كُنَّ كَالْحَرَائِرِ الْمُسْلِمَاتِ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ له أَنْ يَبْتَدِئَ نِكَاحَهُنَّ كُلَّهُنَّ وَلَوْ كُنَّ يَهُودِيَّاتٍ أو نَصْرَانِيَّاتٍ من غَيْرِ بَنِي إسْرَائِيلَ من الْعَرَبِ أو الْعَجَمِ انْفَسَخَ نِكَاحُهُنَّ كُلُّهُنَّ وَكُنَّ كَالْمُشْرِكَاتِ الْوَثَنِيَّاتِ إلَّا أَنْ يُسْلِمْنَ في الْعِدَّةِ وَلَوْ كُنَّ من بَنِي إسْرَائِيلَ يَدِنَّ غير دِينِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى من عِبَادَةِ وَثَنٍ أو حَجَرٍ أو مَجُوسِيَّةٍ لم يَكُنْ له إمْسَاكُ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ له ابْتِدَاءُ نِكَاحِهِنَّ قال وَكَذَلِكَ لو كُنَّ إمَاءً يَهُودِيَّاتٍ أو نَصْرَانِيَّاتٍ من بَنِي إسْرَائِيلَ انْفَسَخَ نِكَاحُهُنَّ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ له أَنْ يَبْتَدِئَ نِكَاحَهُنَّ في الْإِسْلَامِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَسْلَمَ رَجُلٌ وَعِنْدَهُ أَكْثَرُ من أَرْبَعِ نِسْوَةٍ قد أَصَابَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا ولم يُصِبْ أَرْبَعًا وَأَسْلَمْنَ قَبْلَهُ أو بَعْدَهُ ( 1 ) غير أَنَّ إسْلَامَ اللَّاتِي لم يَدْخُلْ بِهِنَّ كُلِّهِنَّ كان قَبْلَهُ أو بَعْدَهُ فَالْعِصْمَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّاتِي لم يَدْخُلْ بِهِنَّ مُنْقَطِعَةٌ وَنِكَاحُ اللَّاتِي دخل بِهِنَّ ثَابِتٌ وهو كَرَجُلٍ اسلم وَعِنْدَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ ليس عِنْدَهُ غَيْرُهُنَّ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَأَسْلَمْنَ قَبْلَهُ أو أَسْلَمَ قَبْلَهُنَّ ثُمَّ أَصَابَ وَاحِدَةً من اللَّاتِي لم يَدْخُلْ بِهِنَّ كانت إصَابَتُهُ إيَّاهَا مُحَرَّمَةً وَعَلَيْهِ لها مَهْرُ مِثْلِهَا لِلشُّبْهَةِ وَذَلِكَ أنها بَعْدَ انْقِطَاعِ الْعِصْمَةِ بَيْنَهُمَا ولم يَكُنْ له أَنْ يُمْسِكَهَا وكان له أَنْ يَبْتَدِئَ نِكَاحَهَا إذَا لم يَكُنْ عِنْدَهُ أَرْبَعٌ سِوَاهَا وَلَا من يَحْرُمُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ وَلَهَا عليه صَدَاقُ مِثْلِهَا بِالْإِصَابَةِ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَالْوَلَدُ لَاحِقٌ إنْ كان وَلَدٌ وَلَا حَدَّ على وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلشُّبْهَةِ - * تَرْكُ الِاخْتِيَارِ وَالْفِدْيَةُ فيه - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَسْلَمَ الرَّجُلُ وَعِنْدَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ أو أَكْثَرُ فَأَسْلَمَ بَعْضُهُنَّ فَسَأَلَ أَنْ يُخَيَّرَ فِيهِنَّ وفي الْبَوَاقِي لم نَقِفْهُ في التَّخْيِيرِ حتى يُسْلِمَ الْبَوَاقِي في عِدَدِهِنَّ أو تَنْقَضِيَ عِدَدُهُنَّ قبل أَنْ يُسْلِمْنَ ثُمَّ يُخَيَّرُ إذَا اجْتَمَعَ إسْلَامُهُ وَإِسْلَامُ أَكْثَرَ من أَرْبَعٍ فِيهِنَّ وَلَهُ أَنْ يَخْتَارَ إمْسَاكُ أَرْبَعٍ من اللَّاتِي أَسْلَمْنَ فَيَكُونُ ذلك فَسْخًا لِنِكَاحِ الْبَوَاقِي الْمُتَخَلِّفَاتِ عن
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَعَلَى اللَّاتِي فُسِخَ نِكَاحُهُنَّ بِاخْتِيَارِ غَيْرِهِنَّ عِدَّةٌ مُسْتَقْبِلَةٌ من يَوْمِ انْفَسَخَ نِكَاحُهُنَّ لِأَنَّهُنَّ مَدْخُولٌ بِهِنَّ انْفَسَخَ نِكَاحُهُنَّ وَإِنْ قال ما أَرَدْت بِقَوْلِي قد أُثْبِت عَقْدَ فُلَانَةَ وَاَللَّاتِي قال ذلك لَهُنَّ مَعًا أو اخْتَرْت فُلَانَةَ أو ما قَالَهُ مِمَّا يُشْبِهُ هذا الْكَلَامَ إثْبَاتُ عَقْدِهِنَّ دُونَ الْبَوَاقِي انْفَسَخَ عَقْدُ الْبَوَاقِي في الْحُكْمِ ولم يدين ( ( ( يدن ) ) ) فيه وَيُثْبِتُ عَقْدَ اللَّوَاتِي أَظْهَرَ اخْتِيَارَهُنَّ وَوُسْعُهُ إصَابَتُهُنَّ لِأَنَّ نِكَاحَهُنَّ ثَابِتٌ لَا يَزُولُ إلَّا بِأَنْ يَفْسَخَهُ وهو لم يَفْسَخْهُ إنَّمَا يَفْسَخُهُ اخْتِيَارُ غَيْرِهِنَّ وهو لم يَخْتَرْ غَيْرَهُنَّ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُحْدِثَ لَهُنَّ اخْتِيَارًا فَيَكُونُ ذلك فَسْخًا لِلْبَوَاقِي اللَّاتِي فَسَخَ عَقْدَهُنَّ في الْحُكْمِ وَيَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عز وجل فَيَسَعُهُ حَبْسُ اللَّاتِي فَسَخْنَاهُنَّ عليه بِأَنْ يُحْدِثَ لَهُنَّ اخْتِيَارًا أو يَفْسَخَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى نِكَاحَ اللَّاتِي حَكَمْنَا له بِهِنَّ

(5/53)


الْإِسْلَامِ أَسْلَمْنَ أو لم يُسْلِمْنَ وَكَذَلِكَ لو اخْتَارَ وَاحِدَةً أو اثْنَتَيْنِ يَنْتَظِرُ من بَقِيَ وَيَكُونُ له الْخِيَارُ فِيمَنْ بَقِيَ حتى يُكْمِلَ أَرْبَعًا وَإِنْ كُنَّ ثَمَانِيًا فَأَسْلَمَ أَرْبَعٌ فقال قد اخْتَرْت فَسْخَ نِكَاحِهِنَّ وَحَبَسَ الْبَوَاقِيَ غَيْرَهُنَّ وَقَفْت الْفَسْخَ فَإِنْ أَسْلَمَ الْأَرْبَعُ الْبَوَاقِي في عِدَدِهِنَّ فَعَقْدُ الْأَوَائِلِ مُنْفَسِخٌ بِالْفَسْخِ الْمُتَقَدِّمِ وَإِنْ مَضَتْ عِدَدُهُنَّ قبل أَنْ يُسْلِمْنَ فَهِيَ كَالْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا فَإِنْ كان أَرَادَ بِهِ إيقَاعَ طَلَاقٍ فَهُوَ طَلَاقٌ وَإِنْ لم يُرِدْ بِهِ إيقَاعَ طَلَاقٍ حَلَفَ وَكُنَّ نِسَاءَهُ وإذا أَسْلَمَ الرَّجُلُ وَعِنْدَهُ أَكْثَرُ من أَرْبَعِ نِسْوَةٍ فَأَسْلَمْنَ فَقِيلَ له اخْتَرْ فقال لَا أختار حُبِسَ حتى يَخْتَارَ وَأُنْفِقَ عَلَيْهِنَّ من مَالِهِ لِأَنَّهُ مَانِعٌ لَهُنَّ بِعَقْدٍ مُتَقَدِّمٍ وَلَيْسَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُطَلِّقَ عليه كما يُطَلِّقُ على الْمَوْلَى فَإِنْ امْتَنَعَ مع الْحَبْسِ أَنْ يَخْتَارَ عُزِّرَ وَحُبِسَ أَبَدًا حتى يَخْتَارَ وَلَوْ ذَهَبَ عَقْلُهُ في حَبْسِهِ خُلِّيَ وَأُنْفِقَ عَلَيْهِنَّ من مَالِهِ حتى يُفِيقَ فَيَخْتَارَ أو يَمُوتَ وَكَذَلِكَ لو لم يُوقَفْ لِيَخْتَارَ حتى يَذْهَبَ عَقْلُهُ فَإِنْ مَاتَ قبل أَنْ يَخْتَارَ أَمَرْنَاهُنَّ مَعًا أَنْ يَعْتَدِدْنَ الْآخَرَ من أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ أو ثَلَاثَ حِيَضٍ لِأَنَّ فِيهِنَّ أَرْبَعَ زَوْجَاتٍ مُتَوَفَّى عَنْهُنَّ وَأَرْبَعَ مُنْفَسِخَاتِ النِّكَاحِ وَلَا نَعْرِفُهُنَّ بِأَعْيَانِهِنَّ قال وَيُوقَفُ لَهُنَّ مِيرَاثُ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ حتى يصطلحن ( ( ( يصطلح ) ) ) فيه فَإِنْ رضي بَعْضُهُنَّ بِالصُّلْحِ ولم يَرْضَ بَعْضُهُنَّ فَكَانَ اللَّاتِي رَضِينَ أَقَلَّ من أَرْبَعٍ أو أَرْبَعًا لم نُعْطِهِنَّ شيئا لِأَنَّهُنَّ لو رَضِينَ فَأَعْطَيْنَاهُنَّ نِصْفَ الْمِيرَاثِ أو أَقَلَّ احْتَمَلْنَ أَنْ يَكُنْ اللَّاتِي لَا شَيْءَ لَهُنَّ فَإِنْ رضي خَمْسٌ مِنْهُنَّ بِالصُّلْحِ فَقُلْنَ الْعِلْمُ يُحِيطُ أَنَّ لِوَاحِدَةٍ مِنَّا رُبُعَ الْمِيرَاثِ فَأَعْطِنَا رُبُعَ مِيرَاثِ امْرَأَةٍ لم أُعْطِهِنَّ شيئا حتى يُقْرِرْنَ مَعًا أَنْ لَا حَقَّ لَهُنَّ في الثَّلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ الْبَاقِيَةِ من مِيرَاثِ امْرَأَةٍ فإذا فَعَلْنَ أَعْطَيْتهنَّ رُبُعَ مِيرَاثِ امْرَأَةٍ وَدَفَعْت ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ مِيرَاثِ امْرَأَةٍ إلَى الثَّلَاثِ الْبَوَاقِي سَوَاءً بَيْنَهُنَّ فَإِنْ كُنَّ اللَّاتِي رَضِينَ سِتًّا فَرَضِينَ بِالنِّصْفِ أَعْطَيْتهنَّ إيَّاهُ وَإِنْ كُنَّ سَبْعًا فَرَضِينَ بِالثَّلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ أَعْطَيْتهنَّ إيَّاهُ وَأَعْطَيْت الرُّبُعَ الْبَاقِيَةَ وَإِنَّمَا قُلْت لَا أُعْطِي وَاحِدَةً مِنْهُنَّ بِالصُّلْحِ شيئا حتى يَرْضَيْنَ فِيمَا وَصَفْت أَنِّي أَعْطَيْتهنَّ فيه أَنْ يَقْطَعْنَ حُقُوقَهُنَّ من الْبَاقِي أَنِّي إذَا أَعْطَيْتهنَّ حُقُوقَهُنَّ حتى يَأْتِيَ على الثَّلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ كُنْت إذَا وَقَفْت الرُّبُعَ لِوَاحِدَةٍ أَعْطَيْتهنَّ وَمَنَعْتهَا ولم تَطِبْ لَهُنَّ نَفْسًا وَإِنْ أَعْطَيْتهَا الرُّبُعَ أَعْطَيْتهَا ما أَخَذَتْ امْرَأَتَانِ بِلَا تَسْلِيمٍ مِنْهُنَّ ذلك لها وَأَكْثَرُ حَالِهَا أَنْ يَكُونَ لها حَظُّ امْرَأَةٍ وقد لَا يَكُونُ لها شَيْءٌ وإذا قَطَعْنَ حُقُوقَهُنَّ عن الْبَاقِي فلم أُعْطِهَا إلَّا ما يَجُوزُ لي أَنْ أُعْطِيَهَا إيَّاهُ إمَّا حَقٌّ لها وَإِمَّا حَقٌّ لَهُنَّ تَرَكْته لها أو لِبَعْضِهِنَّ تَرَكْته لها قال وَيَنْبَغِي أَنَّ لِأَبِي الصَّبِيَّةِ وَوَلِيِّ الْيَتِيمَةِ أَنْ يَأْخُذَ لها نِصْفَ مِيرَاثِ امْرَأَةٍ إنْ صُولِحَ عليه فَأَكْثَرَ إذَا لم يَعْلَمْ لها بَيِّنَةً تَقُومُ وَلَا يَأْخُذُ لها أَقَلَّ وَإِنْ كُنَّ هُنَّ الْمَيِّتَاتُ أو وَاحِدَةً مِنْهُنَّ وهو الْبَاقِي قِيلَ له افْسَخْ نِكَاحَ أَيَّتِهِنَّ شِئْت وَخُذْ مِيرَاثَ اللَّاتِي لم تَفْسَخْ نِكَاحَهُنَّ وَيُوقَفُ له ميراث ( ( ( إيراث ) ) ) زَوْجٍ كُلَّمَا مَاتَتْ مِنْهُنَّ وَاحِدَةٌ حتى يَخْتَارَ أَرْبَعًا فَيَأْخُذَ مَوَارِيثَهُنَّ وإذا ادَّعَى بَعْضُهُنَّ أو وَرَثَةُ بَعْضِهِنَّ بَعْدَ مَوْتِهَا أَنَّهُ فَسَخَ نِكَاحَ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ أُحْلِفَ ما فَعَلَ وَأَخَذَ مِيرَاثَهَا - * من يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُ من قبل الْعَقْدِ وَمَنْ لَا يَنْفَسِخُ - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ امْرَأَةٌ عَقَدَ نِكَاحَهَا غير مُطَلِّقٍ وَأَسْلَمَتْ لم يَكُنْ له أَنْ يَثْبُتَ على نِكَاحِهَا لِأَنَّهَا لم يُعْقَدْ عليها عَقْدُ نِكَاحٍ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ نِكَاحُهَا مُتْعَةً وَالنَّاكِحُ مُتْعَةً لم يَمْلِكْ أَمْرًا لِامْرَأَةٍ على الْأَبَدِ إنَّمَا مَلَكَهَا مُدَّةً دُونَ مُدَّةٍ أو نَكَحَهَا على أنها بِالْخِيَارِ أو أَنَّ رَجُلًا أو امْرَأَةً غَيْرَهَا بِالْخِيَارِ أو أَنَّهُ هو بِالْخِيَارِ لِأَنَّ هذا كُلَّهُ في مَعْنَى أَنَّهُ لم يَمْلِكْ أَمْرَهَا بِالْعَقْدِ مُطْلَقًا وَلَوْ أَبْطَلَتْ النَّاكِحَةُ مُتْعَةً شَرَطَهَا على الزَّوْجِ قبل أَنْ يُسْلِمَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ثُمَّ أَسْلَمَا لم تَكُنْ امْرَأَتَهُ لِأَنَّهُ لم يَعْقِدْ لها على الْأَبَدِ ( 1 ) ولم يَكُنْ شَرْطُهُ عليها في الْعَقْدِ وَلَوْ اجْتَمَعَتْ هِيَ وهو فَأَبْطَلَ

(5/54)


الشَّرْطَ قبل أَنْ يُسْلِمَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ثُمَّ أَسْلَمَا مَعًا فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ إلَّا أَنْ يَبْتَدِئَا نِكَاحًا في الشِّرْكِ غَيْرَهُ قال وَهَكَذَا كُلُّ ما ذَكَرْت معه من شَرْطِ الْخِيَارِ له أو لها أو لَهُمَا مَعًا أو لِغَيْرِهِمَا مُنْفَرِدًا أو مَعَهُمَا لم يَكُنْ النِّكَاحُ مُطْلَقًا إذَا أَبْطَلَاهُ وإذا لم يُبْطِلَاهُ لم يَثْبُتْ وَلَا يُخَالِفُ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ في شَيْءٍ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا نَكَحَ امْرَأَةً في الشِّرْكِ بِغَيْرِ شُهُودٍ أو بِغَيْرِ وَلِيٍّ مُحَرَّمٍ لها فَأَسْلَمَا أو أَيُّ نِكَاحٍ أَفْسَدْنَاهُ في الْإِسْلَامِ بِحَالٍ غَيْرِ ما وَصَفْت من النِّكَاحِ الذي لَا نَمْلِكُهُ فيه أَمْرَهَا على الْأَبَدِ وكان ذلك عِنْدَهُمْ نِكَاحًا جَائِزًا وَإِنْ كَانُوا يَنْكِحُونَ أُجَوِّزُ منه ثُمَّ اجْتَمَعَ إسْلَامُهُمَا في الْعِدَّةِ ثَبَتَا على النِّكَاحِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا غَلَبَ على امْرَأَةٍ بِأَيِّ غَلَبَةٍ كانت أو طَاوَعَتْهُ فَأَصَابَهَا وَأَقَامَ مَعَهَا أو وَلَدَتْ منه أو لم تَلِدْ منه ولم يَكُنْ ذلك نِكَاحًا عِنْدَهُمْ ثُمَّ أَسْلَمَا في الْعِدَّةِ لم يَكُنْ ذلك نِكَاحًا عِنْدَهُمْ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا عِنْدَهُمْ وَلَا مَهْرَ لها عليه إلَّا أَنْ يُصِيبَهَا بعد ما يُسْلِمُ على وَجْهِ شُبْهَةٍ فَلَهَا عليه مَهْرُ مِثْلِهَا لِأَنِّي لَا أَقْضِي لها عليه بِشَيْءٍ فَائِتٍ في الشِّرْكِ لم يَلْزَمْهُ إيَّاهُ نِكَاحُهَا إذَا لم يَكُنْ عِنْدَهُمْ أو عِنْدَهُ إذَا لم يَكُونَا مُعَاهِدَيْنِ يَجْرِي عَلَيْهِمَا الْحُكْمُ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا نَكَحَ مُشْرِكَةً وهو مُشْرِكٌ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) واذا أَسْلَمَ الرَّجُلُ من أَهْلِ الْحَرْبِ وَامْرَأَتُهُ كَافِرَةٌ ثُمَّ ارْتَدَّ عن الْإِسْلَامِ قبل أَنْ تُسْلِمَ امْرَأَتُهُ فَإِنْ أَسْلَمَتْ امْرَأَتُهُ قبل أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وَعَادَ إلَى الْإِسْلَامِ قبل انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا حتى يَكُونَا في الْعِدَّةِ مُسْلِمَيْنِ مَعًا فَهُمَا على النِّكَاحِ وَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَهَا ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ ولم تَنْقَضِ الْعِدَّةُ ثُمَّ أَسْلَمَتْ في الْعِدَّةِ فَهُمَا على النِّكَاحِ وَإِنْ لم يُسْلِمْ حتى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ فَقَدْ انْفَسَخَ النِّكَاحُ وَلَوْ أَسْلَمَتْ وهو مُرْتَدٌّ فَمَضَتْ عِدَّتُهَا وهو على رِدَّتِهِ انْفَسَخَ النكاح وَلَوْ عَادَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا إلَى الْإِسْلَامِ فَقَدْ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَتَنْكِحُ من شَاءَتْ وَالْعِدَّةُ من يَوْمِ أَسْلَمَ وَهَكَذَا إنْ كانت هِيَ الْمُسْلِمَةَ أولا فَارْتَدَّتْ لَا يَخْتَلِفَانِ وَسَوَاءٌ أَقَامَ الْمُرْتَدُّ مِنْهُمَا في دَارِ الْإِسْلَامِ أو لَحِقَ بِدَارِ الشِّرْكِ أو عُرِضَ عليه الْإِسْلَامُ أو لم يُعْرَضْ إذَا أَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ عن الْإِسْلَامِ قبل انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْمَرْأَةِ فَهُمَا على النِّكَاحِ قال وَتُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ الْمُرْتَدَّةُ على انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا في كل ما أَمْكَنَ مِثْلُهُ كما تُصَدَّقُ الْمُسْلِمَةُ عليها في كل ما أَمْكَنَ كانت هِيَ الْمُرْتَدَّةَ أو الزَّوْجَ فَإِنْ كان الزَّوْجُ لم يُصِبْهَا فَارْتَدَّ أو ارْتَدَّتْ انْفَسَخَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا بِرِدَّةِ أَيُّهُمَا كان لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ فَإِنْ كان هو الْمُرْتَدَّ فَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ لِأَنَّ فَسَادَ النِّكَاحِ كان من قِبَلِهِ وَلَوْ كانت هِيَ الْمُرْتَدَّةَ فَلَا صَدَاقَ لها لِأَنَّ فَسَادَ النِّكَاحِ كان من قِبَلِهَا وَسَوَاءٌ في هذا كُلُّ زَوْجَيْنِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَرِدَّةُ السَّكْرَانِ من الْخَمْرِ وَالنَّبِيذِ الْمُسْكِرِ في فَسْخِ نِكَاحِ امْرَأَتِهِ كَرِدَّةِ المصحى وَرِدَّةِ الْمَغْلُوبِ على عَقْلِهِ من غَيْرِ الْمُسْكِرِ لَا تَفْسَخُ نِكَاحًا - * طَلَاقُ الْمُشْرِكِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذ ( ( ( وإذا ) ) ) أَثْبَت رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَقْدَ نِكَاحِ الشِّرْكِ وَأَقَرَّ أَهْلَهُ عليه في الْإِسْلَامِ لم يَجُزْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ طَلَاقُ الشِّرْكِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَثْبُتُ بِثُبُوتِ النِّكَاحِ وَيَسْقُطُ بِسُقُوطِهِ فَلَوْ أَنَّ زَوْجَيْنِ أَسْلَمَا وقد طَلَّقَ الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ في الشِّرْكِ ثَلَاثًا لم تَحِلَّ له حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَإِنْ أَصَابَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ ثَلَاثًا في الشِّرْكِ لم يَكُنْ لها صَدَاقٌ لِأَنَّا نُبْطِلُ عنه ما اسْتَهْلَكَهُ لها في الشِّرْكِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَسْلَمَ ثُمَّ أَصَابَهَا بَعْدَ طَلَاقِ ثَلَاثٍ كانت عليها الْعِدَّةُ وَلَحِقَ الْوَلَدُ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا ( قال الرَّبِيعُ ) إذَا كان يُعْذَرُ بِالْجَهَالَةِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً أو اثْنَتَيْنِ ثُمَّ أَسْلَمَا حُسِبَ عليه ما طَلَّقَهَا في الشِّرْكِ وَبَنَى عليها في الْإِسْلَامِ وَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا في الشِّرْكِ ثُمَّ نَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ أَصَابَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا أو مَاتَ عنها ثُمَّ نَكَحَهَا زَوْجُهَا الذي طَلَّقَهَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ كان مُسْلِمًا فَنَكَحَ مُشْرِكَةً وَثَنِيَّةً أو مُشْرِكًا فَنَكَحَ مُسْلِمَةً فَأَصَابَهَا ثُمَّ اجْتَمَعَ إسْلَامُهُمَا في الْعِدَّةِ فَالنِّكَاحُ يَنْفَسِخُ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّ الْعَقْدَ مُحَرَّمٌ بِاخْتِلَافِ الدِّينَيْنِ وَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِنِكَاحٍ مُسْتَقْبِلٍ وَلَوْ كان طَلَّقَهَا في الشِّرْكِ في الْمَسْأَلَتَيْنِ مَعًا لم يَلْزَمْهَا الطَّلَاقُ

(5/55)


كانت عِنْدَهُ على ثَلَاثٍ كما تَكُونُ في الْإِسْلَامِ إذَا كان النِّكَاحُ صَحِيحًا عِنْدَهُمْ نُثْبِتُهُ في الْإِسْلَامِ وَذَلِكَ أَنْ لَا تَنْكِحَ مُحَرَّمًا وَلَا مُتْعَةً وَلَا في مَعْنَاهَا قال وَلَوْ آلَى منها في الشِّرْكِ ثُمَّ اسلما قبل مُضِيِّ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ فإذا اسْتَكْمَلَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ من إيلَائِهِ وُقِفَ كما يُوقَفُ من آلَى في الْإِسْلَامِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعَقْدُ نِكَاحِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ ما لم يَتَرَافَعُوا إلَيْنَا كَنِكَاحِ أَهْلِ الْحَرْبِ ما استجازوه نِكَاحًا ثُمَّ أَسْلَمُوا لم نَفْسَخْهُ بَيْنَهُمْ إذَا جَازَ ابْتِدَاؤُهُ في الْإِسْلَامِ بِحَالٍ وَسَوَاءً كان بِوَلِيٍّ أو غَيْرِ وَلِيٍّ وَشُهُودٍ أو غَيْرِ شُهُودٍ وَكُلُّ نِكَاحٍ عِنْدَهُمْ جَائِزٌ أَجَزْته إذَا صَلَحَ ابْتِدَاؤُهُ في الْإِسْلَامِ بِحَالٍ قال وَهَكَذَا إنْ نَكَحَهَا في الْعِدَّةِ وَذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَهُمْ ثُمَّ لم يُسْلِمَا حتى تَمْضِيَ الْعِدَّةُ وَإِنْ أَسْلَمَا في الْعِدَّةِ فَسَخْت نِكَاحَهُمَا لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ ابْتِدَاءُ هذا في الْإِسْلَامِ بِحَالٍ وَإِنْ نَكَحَ مَحْرَمًا له أو امْرَأَةَ أبيه ثُمَّ اسلما فَسَخْته لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ ابْتِدَاؤُهُ في الْإِسْلَامِ بِحَالٍ وَكَذَلِكَ إنْ نَكَحَ امْرَأَةً طَلَّقَهَا ثَلَاثًا قبل أَنْ تَتَزَوَّجَ زَوْجًا غَيْرَهُ يُصِيبُهَا وإذا أَسْلَمَ أَحَدُهُمْ وَعِنْدَهُ أَكْثَرُ من أَرْبَعِ نِسْوَةٍ قِيلَ له أَمْسِكْ أَيَّ الْأَرْبَعِ شِئْت وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَذَلِكَ مُهُورُهُنَّ فإذا أَمْهَرَهَا خَمْرًا أو خِنْزِيرًا أو شيئا مِمَّا يُتَمَوَّلُ عِنْدَهُمْ مَيْتَةً أو غَيْرَهَا مِمَّا له ثَمَنٌ فِيهِمْ فَدَفَعَهُ إلَيْهَا ثُمَّ أَسْلَمَ فَطَلَبَتْ الصَّدَاقَ لم يَكُنْ لها غَيْرُ ما قَبَضَتْ إذَا عُفِيَتْ الْعُقْدَةُ التي يَفْسُدُ بها النِّكَاحُ فَالصَّدَاقُ الذي لَا يَفْسُدُ بِهِ النِّكَاحُ أَوْلَى أَنْ يُعْفَى فاذا لم تَقْبِضْ من ذلك شيئا ثُمَّ أَسْلَمَا فَإِنْ كان الصَّدَاقُ مِمَّا يَحِلُّ في الْإِسْلَامِ فَهُوَ لها لَا تُزَادُ عليه وَإِنْ كان مِمَّا لَا يَحِلُّ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَإِنْ كانت قَبَضَتْهُ وهو مِمَّا لَا يَحِلُّ ثُمَّ طَلَّقَهَا ( 1 ) قبل الدُّخُولِ أو بَعْدَ إسْلَامِهِمَا لم يَرْجِعْ عليها بِشَيْءٍ وَهَكَذَا إنْ كانت هِيَ الْمُسْلِمَةَ وهو الْمُتَخَلِّفُ عن الْإِسْلَامِ لَا يَأْخُذُ مُسْلِمٌ حَرَامًا وَلَا يُعْطِيهِ قال وَإِنْ كانت لم تَقْبِضْهُ ثُمَّ أَسْلَمَا وَطَلَّقَهَا رَجَعَتْ عليه بِنِصْفِ مَهْرِ مِثْلِهَا وإذا أَسْلَمَ هو وَهِيَ كِتَابِيَّةٌ فَهُمَا على النِّكَاحِ وإذا تَنَاكَحَ الْمُشْرِكُونَ ثُمَّ أَسْلَمُوا لم أَفْسَخْ نِكَاحَ وَاحِدٍ منهم وَإِنْ نَكَحَ يَهُودِيٌّ نَصْرَانِيَّةً أو نَصْرَانِيٌّ مَجُوسِيَّةً أو مَجُوسِيٌّ يَهُودِيَّةً أو نَصْرَانِيَّةً أو وَثَنِيٌّ كِتَابِيَّةً أو كِتَابِيٌّ وَثَنِيَّةً لم أَفْسَخْ منه شيئا إذَا أَسْلَمُوا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَذَلِكَ لو كان بَعْضُهُمْ أَفْضَلَ من بَعْضٍ نَسَبًا فَتَنَاكَحُوا في الشِّرْكِ نِكَاحًا صَحِيحًا عِنْدَهُمْ ثُمَّ أَسْلَمُوا لم أَفْسَخْهُ بِتَفَاضُلِ النَّسَبِ ما كان التَّفَاضُلُ إذَا عُفِيَ لهم عَمَّا يُفْسِدُ الْعُقْدَةَ في الْإِسْلَامِ فَهَذَا أَقَلُّ من فَسَادِهَا وإذا كانت نَصْرَانِيَّةٌ تَحْتَ وَثَنِيِّ أو وَثَنِيَّةٌ تَحْتَ نَصْرَانِيٍّ فَلَا يَنْكِحُ الْوَلَدُ وَلَا تُؤْكَلُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ قبل أَنْ يُسْلِمَا ثُمَّ أَسْلَمَا ثُمَّ طَلَبَتْ أَنْ يُوقَفَ وُقِفَ مَكَانَهُ لِأَنَّ أَجَلَ الْإِيلَاءِ قد مَضَى وَلَوْ تَظَاهَرَ منها في الشِّرْكِ ثُمَّ أَسْلَمَا وقد أَصَابَهَا قبل الْإِسْلَامِ أو بَعْدَهُ أو لم يُصِبْهَا أَمَرْته بِاجْتِنَابِهَا حتى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ قال وَلَوْ قَذَفَهَا في الشِّرْكِ ثُمَّ أَسْلَمَا ثُمَّ تَرَافَعَا قُلْت له الْتَعِنْ وَلَا أُجْبِرُهُ على اللِّعَانِ وَلَا أَحُدُّهُ إنْ لم يَلْتَعِنْ وَلَا إعزره فَإِنْ الْتَعَنَ فَرَّقْت بَيْنَهُمَا مَكَانِي ولم آمُرْهَا بِالِالْتِعَانِ لِأَنَّهُ لَا حَدَّ عليها لو أَقَرَّتْ بالزنى في الشِّرْكِ وَلَيْسَ لها مَعْنًى في الْفُرْقَةِ إنَّمَا الْفُرْقَةُ بِالْتِعَانِهِ وَإِنْ لم يَلْتَعْنَ فَسَوَاءٌ أَكَذَّبَ نَفْسَهُ أو لم يُكَذِّبْهَا لم أُجْبِرْهُ عليه ولم أَحُدُّهُ ولم أُعَزِّرْهُ لِأَنَّهُ قَذَفَهَا في الشِّرْكِ حَيْثُ لَا حَدَّ عليه وَلَا تَعْزِيرَ وَلَوْ قال لها في الشِّرْكِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ ثُمَّ دَخَلَتْهَا في الشِّرْكِ أو الْإِسْلَامِ طَلُقَتْ وَيَلْزَمُهُ ما قال في الشِّرْكِ كما يَلْزَمُهُ ما قال في الْإِسْلَامِ لَا يَخْتَلِفُ ذلك وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً في الشِّرْكِ بِصَدَاقٍ فلم يَدْفَعْهُ إلَيْهَا أو بِلَا صَدَاقٍ فَأَصَابَهَا في الْحَالَيْنِ ثُمَّ مَاتَتْ قبل أَنْ يُسْلِمَ ثُمَّ أَسْلَمَ زَوْجُهَا وَطَلَبَ وَرَثَتُهَا صَدَاقَهَا الذي سُمِّيَ لها أو صَدَاقَ مِثْلِهَا لم يَكُنْ لهم منه شَيْءٌ لِأَنِّي لَا أَقْضِي لِبَعْضِهِمْ على بَعْضٍ بِمَا فَاتَ في الشِّرْكِ وَالْحَرْبِ - * نِكَاحُ أَهْلِ الذِّمَّةِ - *

(5/56)


ذَبِيحَةُ الْوَلَدِ وَلَا يَنْكِحُهَا مُسْلِمٌ لِأَنَّهَا غَيْرُ كِتَابِيَّةٍ خَالِصَةٍ وَلَا تُسْبَى لِذِمَّةِ أَحَدِ ابويها وَلَوْ تَحَاكَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ إلَيْنَا قبل أَنْ يُسْلِمُوا وَجَبَ عَلَيْنَا الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ كان الزَّوْجُ الْجَائِي إلَيْنَا أو الزَّوْجَةُ فَإِنْ كان النِّكَاحُ لم يَمْضِ لم نُزَوِّجْهُمْ إلَّا بِشُهُودٍ مُسْلِمِينَ وَصَدَاقٍ حَلَالٍ وَوَلِيٍّ جَائِزِ الْأَمْرِ أَبٍ أو أَخٍ لَا أَقْرَبَ منه وَعَلَى دِينِ الْمُزَوَّجَةِ وإذا اخْتَلَفَ دِينُ الْوَلِيِّ وَالْمُزَوَّجَةِ لم يَكُنْ لها وَلِيًّا إنْ كان مُسْلِمًا وَهِيَ مُشْرِكَةٌ لم يَكُنْ لها وَلِيًّا وَيُزَوِّجُهَا أَقْرَبُ الناس بها من أَهْلِ دِينِهَا فَإِنْ لم يَكُنْ لها قَرِيبٌ زَوَّجَهَا الْحَاكِمُ لِأَنَّ تَزْوِيجَهُ حُكْمٌ عليها ثُمَّ نَصْنَعُ في وُلَاتِهِمْ ما نَصْنَعُ في وُلَاةِ الْمُسْلِمَاتِ وَإِنْ تَحَاكَمُوا بَعْدَ النِّكَاحِ فَإِنْ كان يَجُوزُ ابْتِدَاءُ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ حين تَحَاكُمِهِمْ إلَيْنَا بِحَالٍ أَجَزْنَاهُ لِأَنَّ عَقْدَهُ قد مَضَى في الشِّرْكِ وَقَبْلَ تَحَاكُمِهِمْ إلَيْنَا وَإِنْ كان لَا يَجُوزُ بِحَالٍ فَسَخْنَاهُ وَإِنْ كان الْمَهْرُ مُحَرَّمًا وقد دَفَعَهُ بَعْدَ النِّكَاحِ لم يُجْعَلْ لها عليه غَيْرُهُ وَإِنْ لم يَدْفَعْهُ جَعَلْنَا لها مَهْرَ مِثْلِهَا لَازِمًا له قال وَلَوْ طَلَبَتْ أَنْ تَنْكِحَ غير كُفْءٍ وَأَبَى ذلك وُلَاتُهَا مُنِعَتْ نِكَاحُهُ وَإِنْ نَكَحَتْهُ قبل التَّحَاكُمِ إلَيْنَا لم نَرُدَّهُ إذَا كان مِثْلُ ذلك عِنْدَهُمْ نِكَاحًا لِمُضِيِّ الْعَقْدِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا يزوج ( ( ( زوج ) ) ) الذِّمِّيُّ ابْنَهُ الصَّغِيرَ أو ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ فَهُمَا على النِّكَاحِ يَجُوزُ لهم من ذلك ما يَجُوزُ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا تَزَوَّجَتْ الْمُسْلِمَةُ ذِمِّيًّا فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ وَيُؤَدَّبَانِ وَلَا يَبْلُغُ بِهِمَا حَدٌّ وَإِنْ أَصَابَهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وإذا تَزَوَّجَ الْمُسْلِمُ كَافِرَةً غير كِتَابِيَّةٍ كان النِّكَاحُ مَفْسُوخًا وَيُؤَدَّبُ الْمُسْلِمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُعْذَرُ بِجَهَالَةٍ وَإِنْ نَكَحَ كِتَابِيَّةً من أَهْلِ الْحَرْبِ كَرِهْت ذلك له وَالنِّكَاحُ جَائِزٌ - * نِكَاحُ الْمُرْتَدِّ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ارْتَدَّ الْمُسْلِمُ فَنَكَحَ مُسْلِمَةً أو مُرْتَدَّةً أو مُشْرِكَةً أو وَثَنِيَّةً فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ أَسْلَمَا أو أَحَدُهُمَا أو لم يُسْلِمَا وَلَا أَحَدُهُمَا فَإِنْ أَصَابَهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَالْوَلَدُ لَا حَقَّ وَلَا حَدَّ وَإِنْ كان لم يُصِبْهَا فَلَا مَهْرَ وَلَا نِصْفَ وَلَا مُتْعَةً وإذا أَصَابَهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَلَا يُحْصِنُهَا ذلك وَلَا تَحِلُّ بِهِ لِزَوْجٍ لو طَلَّقَهَا ثَلَاثًا لِأَنَّ النِّكَاحَ فَاسِدٌ وَإِنَّمَا أَفْسَدْته لِأَنَّهُ مُشْرِكٌ لَا يَحِلُّ له نِكَاحُ مُسْلِمَةٍ أو مُشْرِكٌ وَلَا يُتْرَكُ على دِينِهِ بِحَالٍ ليس كَالذِّمِّيِّ الْآمِنِ على ذِمَّةٍ لِلْجِزْيَةِ يُؤَدِّيهَا وَيُتْرَكُ على حُكْمِهِ ما لم يَتَحَاكَمْ إلَيْنَا وَلَا مُشْرِكٌ حَرْبِيٌّ يَحِلُّ تَرْكُهُ على دِينِهِ وَالْمَنُّ عليه بعد ما يُقْدَرَ عليه وهو مُشْرِكٌ عليه أَنْ يُقْتَلَ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ الْمَنُّ عليه وَلَا تَرْكُ قَتْلِهِ وَلَا أَخْذُ مَالِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُرْتَدَّةِ وَإِنْ نَكَحَتْ فَأُصِيبَتْ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَنِكَاحُهَا مَفْسُوخٌ وَالْعِلَّةُ في فَسْخِ نِكَاحِهَا الْعِلَّةُ في فَسْخِ نِكَاحِ الْمُرْتَدِّ - * كِتَابُ الصَّدَاقِ - * أخبرنا الرَّبِيعُ بن سليمان ( ( ( سلمان ) ) ) قال أخبرنا محمد بن إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ الْمُطَّلِبِيُّ قال قال اللَّهُ عز وجل { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } وقال عز وجل { فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } وقال { أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غير مُسَافِحِينَ فما اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً } وقال { وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ } وقال عز ذِكْرُهُ { وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا منه شيئا }
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا تَحَاكَمُوا إلَيْنَا وقد طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أو وَاحِدَةً أو آلَى منها أو تَظَاهَرَ أو قَذَفَهَا حَكَمْنَا عليه حُكْمَنَا على الْمُسْلِمِ عِنْدَهُ الْمُسْلِمَةُ وَأَلْزَمْنَاهُ ما نُلْزِمُ الْمُسْلِمَ وَلَا يُجْزِيهِ في كَفَّارَةِ الظِّهَارِ إلَّا رَقَبَةُ مُؤْمِنَةٌ وَإِنْ أَطْعَمَ لم يُجْزِهِ إلَّا إطْعَامُ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا يُجْزِيهِ الصَّوْمُ بِحَالٍ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يُكْتَبُ له وَلَا يَنْفَعُ غَيْرَهُ وَلَا حَدَّ على من قَذَفَ مُشْرِكَةً وَإِنْ لم يَلْتَعِنْ وَيُعَزَّرُ وَلَوْ تَحَاكَمُوا إلَيْنَا وقد طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ أَمْسَكَهَا فَأَصَابَهَا فَإِنْ كان ذلك جَائِزًا عِنْدَهُمْ جَعَلْنَا لها مَهْرَ مِثْلِهَا بِالْإِصَابَةِ وَإِنْ كان ذلك غير جَائِزٍ عِنْدَهُمْ فَاسْتَكْرَهَهَا جَعَلْنَا لها مَهْرَ مِثْلِهَا بِالْإِصَابَةِ وَإِنْ كان عِنْدَهُمْ زِنًا ولم يستكرهها ( ( ( يستكرها ) ) ) لم نَجْعَلْ لها مَهْرَ مِثْلِهَا وَفَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا في جَمِيعِ الْأَحْوَالِ

(5/57)


وقال { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ على النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا من أَمْوَالِهِمْ } وقال { وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حتى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ من فَضْلِهِ } (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَقَعُ اسْمُ عَلَقٍ إلَّا على شَيْءٍ مِمَّا يُتَمَوَّلُ وَإِنْ قَلَّ وَلَا يَقَعُ اسْمُ مَالٍ وَلَا عَلَقٍ إلَّا على ما له قِيمَةٌ يُتَبَايَعُ بها وَيَكُونُ إذَا اسْتَهْلَكَهَا مُسْتَهْلِكٌ أَدَّى قِيمَتَهَا وَإِنْ قَلَّتْ وما لَا يَطْرَحُهُ الناس من أَمْوَالِهِمْ مِثْلَ الْفَلْسِ وما يُشْبِهُ ذلك وَالثَّانِي كُلُّ مَنْفَعَةٍ مُلِكَتْ وَحَلَّ ثَمَنُهَا مِثْلُ كِرَاءِ الدَّارِ وما في مَعْنَاهَا مِمَّا تَحِلُّ أُجْرَتُهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْقَصْدُ في الصَّدَاقِ أَحَبُّ إلَيْنَا وَأَسْتَحِبُّ أَنْ لَا يُزَادَ في الْمَهْرِ على ما أَصْدَقَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نِسَاءَهُ وَبَنَاتِهِ وَذَلِكَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ طَلَبًا لِلْبَرَكَةِ في مُوَافَقَةِ كل أَمْرٍ فَعَلَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
أخبرنا عبد الْعَزِيزِ بن مُحَمَّدٍ عن يَزِيدَ بن عبد اللَّهِ بن الْهَادِ عن مُحَمَّدِ بن إبْرَاهِيمَ بن الحرث التَّيْمِيِّ عن أبي سَلَمَةَ قال سَأَلْت عَائِشَةَ كَمْ كان صَدَاقُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قالت كان صَدَاقُهُ لِأَزْوَاجِهِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً ونش ( ( ( ونشا ) ) ) قالت أَتَدْرِي ما النَّشُّ قُلْت لَا قالت نِصْفُ أُوقِيَّةٍ
أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عن أَنَسِ بن مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ أَسْهَمَ الناس الْمَنَازِلَ فَطَارَ سَهْمُ عبد الرحمن بن عَوْفٍ على سَعْدِ بن الرَّبِيعِ فقال له سَعْدٌ تَعَالَ حتى أُقَاسِمَك مَالِي وَأَنْزِلَ لَك عن أَيِّ امْرَأَتَيَّ شِئْت وَأَكْفِيَك الْعَمَلَ فقال له عبد الرحمن بَارَكَ اللَّهُ لَك في أَهْلِك وَمَالِك دُلُّونِي على السُّوقِ فَخَرَجَ إلَيْهِ فَأَصَابَ شيئا فَخَطَبَ امْرَأَةً فَتَزَوَّجَهَا فقال له رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على كَمْ تَزَوَّجْتهَا يا عَبْدَ الرحمن قال على
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَمَرَ اللَّهُ الْأَزْوَاجَ بِأَنْ يُؤْتُوا النِّسَاءَ أُجُورَهُنَّ وَصَدُقَاتِهِنَّ وَالْأَجْرُ هو الصَّدَاقُ وَالصَّدَاقُ هو الْأَجْرُ وَالْمَهْرُ وَهِيَ كَلِمَةٌ عَرَبِيَّةٌ تُسَمَّى بِعَدَدِ أَسْمَاءٍ فَيَحْتَمِلُ هذا أَنْ يَكُونَ مَأْمُورًا بِصَدَاقِ من فَرَضَهُ دُونَ من لم يَفْرِضْهُ دخل أو لم يَدْخُلْ لِأَنَّهُ حَقٌّ أَلْزَمَهُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ فَلَا يَكُونُ له حَبْسُ شَيْءٍ منه إلَّا بِالْمَعْنَى الذي جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى له وهو أَنْ يُطَلِّقَ قبل الدُّخُولِ قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ من قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وقد فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إلَّا أَنْ يَعْفُونَ أو يَعْفُوَ الذي بيده عُقْدَةُ النِّكَاحِ } وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ يَجِبُ بِالْعُقْدَةِ وَإِنْ لم يُسَمَّ مَهْرًا ولم يَدْخُلْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ لَا يَلْزَمُ أَبَدًا إلَّا بِأَنْ يُلْزِمَهُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ وَيَدْخُلَ بِالْمَرْأَةِ وَإِنْ لم يُسَمَّ مَهْرًا فلما احْتَمَلَ الْمَعَانِيَ الثَّلَاثَ كان أُولَاهُ أن يُقَالُ بِهِ ما كانت عليه الدَّلَالَةُ من كِتَابٍ أو سُنَّةٍ أو إجْمَاعٍ وَاسْتَدْلَلْنَا بِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ ما لم تَمَسُّوهُنَّ أو تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ على الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ } أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ يَصِحُّ بِغَيْرِ فَرِيضَةِ صَدَاقٍ وَذَلِكَ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ إلَّا على من عَقَدَ نِكَاحَهُ وإذا جَازَ أَنْ يُعْقَدَ النِّكَاحُ بِغَيْرِ مَهْرٍ فَيَثْبُتُ فَهَذَا دَلِيلٌ على الْخِلَافِ بين النِّكَاحِ وَالْبُيُوعِ وَالْبُيُوعُ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَالنِّكَاحُ يَنْعَقِدُ بِغَيْرِ مَهْرٍ اسْتَدْلَلْنَا على أَنَّ الْعَقْدَ يَصِحُّ بِالْكَلَامِ بِهِ وَأَنَّ الصَّدَاقَ لَا يَفْسُدُ عَقْدُهُ أَبَدًا فإذا كان هَكَذَا فَلَوْ عَقَدَ النِّكَاحَ بِمَهْرٍ مَجْهُولٍ أو حَرَامٍ فَثَبَتَتْ الْعُقْدَةُ بِالْكَلَامِ وكان لِلْمَرْأَةِ مَهْرُ مِثْلِهَا إذَا أُصِيبَتْ وَعَلَى أَنَّهُ لَا صَدَاقَ على من طَلَّقَ إذَا لم يُسَمِّ مَهْرًا ولم يَدْخُلْ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَجِبُ بِالْعُقْدَةِ وَالْمَسِيسِ وَإِنْ لم يُسَمِّ مَهْرًا بِالْآيَةِ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إنْ أَرَادَ النبي أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَك من دُونِ الْمُؤْمِنِينَ } يُرِيدُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ النِّكَاحَ وَالْمَسِيسَ بِغَيْرِ مَهْرٍ وَدَلَّ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل { وَآتَيْتُمْ إحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا } على أَنْ لَا وَقْتَ في الصَّدَاقِ كَثُرَ أو قَلَّ لِتَرْكِهِ النَّهْيَ عن الْقِنْطَارِ وهو كَثِيرٌ وَتَرْكِهِ حَدَّ الْقَلِيلِ وَدَلَّتْ عليه السُّنَّةُ وَالْقِيَاسُ على الْإِجْمَاعِ فيه فَأَقَلُّ ما يَجُوزُ في الْمَهْرِ أَقَلُّ ما يَتَمَوَّلُ الناس وما لو اسْتَهْلَكَهُ رَجُلٌ لِرَجُلٍ كانت له قِيمَةٌ وما يَتَبَايَعُهُ الناس بَيْنَهُمْ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على ذلك قِيلَ قَوْلُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَدُّوا الْعَلَائِقَ قِيلَ وما الْعَلَائِقُ يا رَسُولَ اللَّهِ قال ما تَرَاضَى بِهِ الْأَهْلُونَ

(5/58)


نَوَاةٍ من ذَهَبٍ فقال أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ قال حدثني حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عن أَنَسِ بن مَالِكٍ أَنَّ عَبْدَ الرحمن بن عَوْفٍ جاء إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ فَسَأَلَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً من الْأَنْصَارِ فقال له رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كَمْ سُقْت إلَيْهَا قال زِنَةَ نَوَاةٍ من ذَهَبٍ فقال له رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) خَالِصَةً بِهِبَةٍ وَلَا مَهْرَ فأعلم أنها لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم دُونَ الْمُؤْمِنِينَ قال فَأَيُّ نِكَاحٍ وَقَعَ بِلَا مَهْرٍ فَهُوَ ثَابِتٌ وَمَتَى قَامَتْ الْمَرْأَةُ بِمَهْرِهَا فَلَهَا أَنْ يُفْرَضَ لها مَهْرُ مِثْلِهَا وَكَذَلِكَ إنْ دخل بها الزَّوْجُ ولم يَفْرِضْ لها فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَلَا يَخْرُجُ الزَّوْجُ من أَنْ يَنْكِحَهَا بِلَا مَهْرٍ ثُمَّ يُطَلِّقَ قبل الدُّخُولِ فَيَكُونَ لها الْمُتْعَةُ وَذَلِكَ الْمَوْضِعُ الذي أَخْرَجَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ الزَّوْجَ من نِصْفِ الْمَهْرِ الْمُسَمَّى إذَا طَلَّقَ قبل أَنْ يَدْخُلَ بها وَسَوَاءٌ في ذلك كُلُّ زَوْجَةٍ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ أو ذِمِّيَّةٍ وَأَمَةٍ مُسْلِمَةٍ وَمُدَبَّرَةٍ وَمُكَاتَبَةٍ وَكُلُّ من لم يَكْمُلُ فيه الْعِتْقُ قال اللَّهُ عز وجل { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ من قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وقد فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ } فَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْفَرْضَ في ذلك إلَى الْأَزْوَاجِ فَدَلَّ على أَنَّهُ بِرِضَا الزَّوْجَةِ لِأَنَّ الْفَرْضَ على الزَّوْجِ لِلْمَرْأَةِ وَلَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ وَالْمَرْأَةَ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمَا ولم يُحَدَّدْ فيه شَيْءٌ فَدَلَّ كِتَابُ اللَّهِ عز وجل على أَنَّ الصَّدَاقَ ما تراضي بِهِ الْمُتَنَاكِحَانِ كما يَكُونُ الْبَيْعُ ما تَرَاضَى بِهِ الْمُتَبَايِعَانِ وَكَذَلِكَ دَلَّتْ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فلم يَجُزْ في كل صَدَاقٍ مُسَمًّى إلَّا أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا من الْأَثْمَانِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكُلُّ ما جَازَ أَنْ يَكُونَ مَبِيعًا أو مُسْتَأْجَرًا بِثَمَنٍ جَازَ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا وما لم يَجُزْ فِيهِمَا لم يَجُزْ في الصَّدَاقِ فَلَا يَجُوزُ الصَّدَاقُ إلَّا مَعْلُومًا وَمِنْ عَيْنٍ يَحِلُّ بَيْعُهَا نَقْدًا أو إلَى أَجَلٍ وَسَوَاءٌ قَلَّ ذلك أو كَثُرَ فَيَجُوزُ أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ على الدِّرْهَمِ وَعَلَى أَقَلَّ من الدِّرْهَمِ وَعَلَى الشَّيْءِ يَرَاهُ بِأَقَلَّ من قِيمَةِ الدِّرْهَمِ وَأَقَلُّ ما له ثَمَنٌ إذَا رَضِيَتْ الْمَرْأَةُ الْمَنْكُوحَةُ وَكَانَتْ مِمَّنْ يَجُوزُ أَمْرُهَا في مَالِهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) ويجوز ( ( ( يجوز ) ) ) أَنْ تَنْكِحَهُ على أَنْ يَخِيطَ لها ثَوْبًا أو يَبْنِيَ لها دَارًا أو يَخْدُمَهَا شَهْرًا أو يَعْمَلَ لها عَمَلًا ما كان أو يُعَلِّمَهَا قُرْآنًا مُسَمًّى أو يُعَلِّمَ لها عَبْدًا وما أَشْبَهَ هذا
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن أبي حَازِمٍ عن سَهْلِ بن سَعْدٍ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقالت يا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي قد وَهَبْت نَفْسِي لَك فَقَامَتْ قِيَامًا طَوِيلًا فَقَامَ رَجُلٌ فقال يا رَسُولَ اللَّهِ زَوِّجْنِيهَا إنْ لم يَكُنْ لَك بها حَاجَةٌ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم هل عِنْدَك من شَيْءٍ تُصْدِقُهَا إيَّاهُ فقال ما عِنْدِي إلَّا إزَارِي هذا قال فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إنْ أَعْطَيْتهَا إيَّاهُ جَلَسْت لَا إزَارَ لَك فَالْتَمِسْ لها شيئا فقال ما أَجِدُ شيئا فقال الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا من حَدِيدٍ فَالْتَمَسَ فلم يَجِدْ شيئا فقال ما أَجِدُ شيئا فقال له رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم هل مَعَك من الْقُرْآنِ شَيْءٌ قال نعم سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا لِسُوَرٍ سَمَّاهَا فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قد زَوَّجْتُكهَا بِمَا مَعَك من الْقُرْآنِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَخَاتَمُ الْحَدِيدِ لَا يَسْوَى قَرِيبًا من الدرهم ( ( ( الدراهم ) ) ) وَلَكِنْ له ثَمَنٌ يَتَبَايَعُ بِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ )
وَبَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال أَدُّوا الْعَلَائِقَ فَقَالُوا وما الْعَلَائِقُ قال ما تَرَاضَى بِهِ الْأَهْلُونَ وَبَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من اسْتَحَلَّ بِدِرْهَمٍ فَقَدْ اسْتَحَلَّ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَجَازَ نِكَاحًا على نَعْلَيْنِ وَبَلَغَنَا أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قال في ثَلَاثِ قَبَضَاتٍ من زَبِيبٍ مَهْرٌ
أخبرنا سُفْيَانُ عن أَيُّوبَ بن مُوسَى عن يَزِيدَ بن عبد اللَّهِ بن قُسَيْطٍ قال تَسَرَّى رَجُلٌ بِجَارِيَةٍ فقال رَجُلٌ هَبْهَا لي فذكر ذلك لِسَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ فقال لم تَحِلَّ الْمَوْهُوبَةُ لِأَحَدٍ بَعْدَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَوْ أَصْدَقَهَا سَوْطًا فما فَوْقَهُ جاز ( ( ( جوز ) ) )
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَكَانَ بَيِّنًا في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل أَنَّ على النَّاكِحِ الْوَاطِئِ صَدَاقًا لِمَا ذَكَرْت فَفَرَضَ اللَّهُ في الْإِمَاءِ أَنْ يَنْكِحْنَ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَيُؤْتَيْنَ أُجُورُهُنَّ وَالْأَجْرُ الصَّدَاقُ وَبِقَوْلِهِ { فما اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } وقال عز وجل { وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ } الْآيَةَ

(5/59)


أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدٍ قال سَأَلْت رَبِيعَةَ عَمَّا يَجُوزُ في النِّكَاحِ فقال دِرْهَمٌ فَقُلْت فَأَقَلُّ قال وَنِصْفٌ قُلْت فَأَقَلُّ قال نعم وَحَبَّةُ حِنْطَةٍ أو قَبْضَةُ حِنْطَةٍ - * في الصَّدَاقِ بِعَيْنِهِ يَتْلَفُ قبل دَفْعِهِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَصْدَقَهَا شيئا فلم يَدْفَعْهُ إلَيْهَا حتى تَلِفَ في يَدِهِ فَإِنْ دخل بها فَلَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا وَإِنْ طَلَّقَهَا قبل أَنْ يَدْخُلَ بها فَلَهَا نِصْفُ صَدَاقِ مِثْلِهَا وَإِنَّمَا تَرْجِعُ في الشَّيْءِ الذي مَلَكَتْهُ بِبُضْعِهَا فَتَرْجِعُ بِثَمَنِ الْبُضْعِ كما لو اشْتَرَتْ شيئا بِدِرْهَمٍ فَتَلِفَ الشَّيْءُ رَجَعَتْ بِاَلَّذِي أَعْطَتْهُ لِأَنَّهُ لم يُعْطِهَا الْعِوَضَ من ثَمَنِ الدِّرْهَمِ فَكَذَلِكَ تَرْجِعُ بِمَا أَعْطَتْ وهو الْبُضْعُ وهو صَدَاقُ الْمِثْلِ وهو آخِرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ قال وَإِنْ نَكَحَتْهُ على شَيْءٍ لَا يَصْلُحُ عليه الْجُعْلُ مِثْلُ أَنْ يقول ( ( ( تقول ) ) ) أنكحتك ( ( ( نكحتك ) ) ) على أَنْ تَأْتِيَنِي بِعَبْدِي الْآبِقِ أو جَمَلِي الشَّارِدِ فَلَا يَجُوزُ الشَّرْطُ وَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا لِأَنَّ إتْيَانَهُ بِالضَّالَّةِ ليس بِإِجَارَةٍ تَلْزَمُهُ وَلَا شَيْءَ له غَايَةً تُعْرَفُ وَتَمْلِيكُهَا إيَّاهُ بُضْعَهَا فَهُوَ مِثْلُ أَنْ تُعْطِيَهُ دِينَارًا على أَنْ يَفْعَلَ أَحَدَ هَذَيْنِ فإذا جَاءَهَا بما ( ( ( لما ) ) ) جَعَلَتْ له عليه فَلَهُ الدِّينَارُ وَإِنْ لم يَأْتِهَا بِهِ فَلَا دِينَارَ له وَلَا يَمْلِكُ الدِّينَارَ إلَّا بِأَنْ يَأْتِيَهَا بِمَا جَعَلَتْ له عليه وَهِيَ هُنَاكَ مَلَّكَتْهُ بُضْعَهَا قبل أَنْ يَأْتِيَهَا بِمَا جَعَلَتْ له قال وما جَعَلْت لها فيه عليه الصَّدَاقَ إذَا مَاتَ أو مَاتَتْ قبل إصَابَتِهَا أو بَعْدَ إصَابَتِهَا ( 1 ) صَدَاقَ مِثْلِهَا فَطَلَّقَهَا فيه قبل أَنْ يَدْخُلَ بها فَلَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى الذي جَعَلَ لها وَنِصْفُ الْعَيْنِ التي أَصْدَقَهَا إنْ كان قَائِمًا وَإِنْ فَاتَ فَنِصْفُ صَدَاقِ مِثْلِهَا وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا على خِيَاطَةِ ثَوْبٍ فَيَهْلِكُ فَيَكُونُ لها نِصْفُ صَدَاقِ مِثْلِهَا لِأَنَّ بُضْعَهَا الثَّمَنُ وَإِنْ انتقضت ( ( ( انتقصت ) ) ) الْإِجَارَةُ بِهَلَاكِهِ كان لها نِصْفُ الذي كان ثَمَنًا للاجارة كما يَكُونُ في الْبُيُوعِ قال وإذا أَوْفَاهَا ما أَصْدَقَهَا فَأَعْطَاهَا ذلك دَنَانِيرَ أو دَرَاهِمَ ثُمَّ طَلَّقَهَا قبل أَنْ يَدْخُلَ بها رَجَعَ عليها بِنِصْفِهِ وَإِنْ هَلَكَ فَنِصْفُ مِثْلِهِ وَكَذَلِكَ الطَّعَامُ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ فَإِنْ لم يُوجَدْ له مِثْلٌ فَمِثْلُ نِصْفِ قِيمَتِهِ - * فِيمَنْ دَفَعَ الصَّدَاقَ ثُمَّ طَلَّقَ قبل الدُّخُولِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَصْدَقَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ دَنَانِيرَ أو دَرَاهِمَ فَدَفَعَهَا إلَيْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قبل أَنْ يَدْخُلَ بها وَالدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ قَائِمَةٌ بِأَعْيَانِهَا لم تُغَيَّرْ وَهُمَا يَتَصَادَقَانِ على أنها هِيَ بِأَعْيَانِهَا رَجَعَ عليها بِنِصْفِهَا وَهَكَذَا إنْ كانت تِبْرًا من فِضَّةٍ أو ذَهَبٍ فَإِنْ تَغَيَّرَ شَيْءٌ من ذلك في يَدِهَا إمَّا بِأَنْ تَدْفِنَ الْوَرِقَ فَيَبْلَى فَيَنْقُصُ أو تُدْخِلَ الذَّهَبَ النَّارَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فإذا تَزَوَّجَهَا على شَيْءٍ مُسَمًّى فَذَلِكَ لَازِمٌ له إنْ مَاتَ أو مَاتَتْ قبل أَنْ يَدْخُلَ بها أو دخل بها إنْ كان نَقْدًا فَالنَّقْدُ وَإِنْ كان دَيْنًا فَالدَّيْنُ أو كَيْلًا مَوْصُوفًا فَالْكَيْلُ أو عَرْضًا مَوْصُوفًا فَالْعَرْضُ وَإِنْ كان عَرْضًا بِعَيْنِهِ مِثْلَ عَبْدٍ أو أَمَةٍ أو بَعِيرٍ أو بَقَرَةٍ فَهَلَكَ ذلك في يَدَيْهِ قبل أَنْ يَدْفَعَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قبل أَنْ يَدْخُلَ بها فَلَهَا نِصْفُ قِيمَتِهِ يوم وَقَعَ عليه النِّكَاحُ وَذَلِكَ يوم مَلَكَتْهُ ما لم يُحْدِثْ لها مَنْعًا فَإِنْ طَلَبَتْهُ فَمَنَعَهَا منه فَهُوَ غَاصِبٌ وَلَهَا قِيمَتُهُ أَكْثَرُ ما كانت قِيمَتُهُ قال الرَّبِيعُ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ إذَا أَصْدَقَهَا شيئا فَتَلِفَ قبل أَنْ تَقْبِضَهُ كان لها صَدَاقُ مِثْلِهَا كما لو اشْتَرَتْ منه شيئا فَتَلِفَ قبل أَنْ تَقْبِضَهُ رَجَعَتْ بِالثَّمَنِ الذي أَعْطَتْهُ وَهَكَذَا تَرْجِعُ بِبُضْعِهَا وهو ثَمَنُ الشَّيْءِ الذي أَصْدَقَهَا إيَّاهُ وهو صَدَاقُ الْمِثْلِ ( قال الرَّبِيعُ ) وَهَذَا آخِرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ قال فَإِنْ نَكَحَتْهُ على خِيَاطَةِ ثَوْبٍ بِعَيْنِهِ فَهَلَكَ فَلَهَا عليه مِثْلُ أَجْرِ خِيَاطَةِ ذلك الثَّوْبِ وَتُقَوَّمُ خِيَاطَتُهُ يوم نَكَحَهَا فَيَكُونُ عليه مِثْلُ أَجْرِهِ ( قال الرَّبِيعُ ) رَجَعَ الشَّافِعِيُّ عن هذا الْقَوْلِ وقال لها صَدَاقُ مِثْلِهَا ( قال الرَّبِيعُ )

(5/60)


فَيَنْقُصَ أو تَصُوغَ الذَّهَبَ وَالْوَرِقَ فَتَزِيدَ قِيمَتُهُ أو تَنْقُصَ في النَّارِ فَكُلُّ هذا سَوَاءٌ وَيَرْجِعُ عليها بِمِثْلِ نِصْفِهِ يوم دَفَعَهُ إلَيْهَا لِأَنَّهَا مَلَكَتْهُ بِالْعُقْدَةِ وَضَمِنَتْهُ بِالدَّفْعِ فَلَهَا زِيَادَتُهُ وَعَلَيْهَا نُقْصَانُهُ فَإِنْ قال الزَّوْجُ في النُّقْصَانِ أنا آخُذُهُ نَاقِصًا فَلَيْسَ لها دَفْعُهُ عنه إلَّا في وَجْهٍ وَاحِدٍ إنْ كان نُقْصَانُهُ في الْوَزْنِ وزاد في الْعَيْنِ فَلَيْسَ له أَخْذُهُ في الزِّيَادَةِ في الْعَيْنِ وَإِنَّمَا زِيَادَتُهُ في مَالِهَا أو تَشَاءُ هِيَ في الزِّيَادَةِ أَنْ تَدْفَعَهُ إلَيْهِ زَائِدًا غير مُتَغَيِّرٍ عن حَالِهِ فَلَيْسَ له إلَّا ذلك قال وَلَوْ كان أَصْدَقَهَا حُلِيًّا مَصُوغًا أو إنَاءً من فِضَّةٍ أو ذَهَبٍ فَانْكَسَرَ كان كما وَصَفْت لها وَعَلَيْهَا أَنْ تَرُدَّ عليه نِصْفَ قِيمَتِهِ يوم دَفَعَهُ مَصُوغًا وَلَوْ كان إنَاءَيْنِ فَانْكَسَرَ أَحَدُهُمَا وَبَقِيَ الْآخَرُ صَحِيحًا كان فيها قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ له أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِ قِيمَتِهِمَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يَكُونَ شَرِيكًا لها في الْإِنَاءِ الْبَاقِي وَيُضَمِّنَهَا نِصْفَ قِيمَةِ الْمُسْتَهْلَكِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ شَرِيكٌ في الْبَاقِي وَيُضَمِّنُهَا نِصْفَ قِيمَةِ الْمُسْتَهْلَكِ لَا شَيْءَ له غير ذلك وَهَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ وَلَوْ زَادَتْ هِيَ فِيهِمَا صِنَاعَةً أو شيئا أَدْخَلَتْهُ كان عليها أَنْ تُعْطِيَهُ نِصْفَ قِيمَتِهِمَا يوم دَفَعَهُمَا إلَيْهَا وَإِنْ كان الْإِنَاءَانِ من فِضَّةٍ فَانْكَسَرَا ثُمَّ طَلَّقَهَا رَجَعَ عليها بِنِصْفِ قِيمَتِهِمَا مَصُوغَيْنِ من الذَّهَبِ وَإِنْ كَانَا من ذَهَبٍ رَجَعَ عليها بِنِصْفِ قِيمَتِهِمَا مَصُوغَيْنِ من فِضَّةٍ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ له أَنْ يَأْخُذَ وَرِقًا بِوَرِقٍ أَكْثَرَ وَزْنًا منها وَلَا يَتَفَرَّقَانِ حتى يَتَقَابَضَا قال وَلَوْ كان الصَّدَاقُ فُلُوسًا أو إنَاءً من نُحَاسٍ أو حَدِيدٍ أو رَصَاصٍ لَا يَخْتَلِفُ هذا إلَّا في أَنَّ قِيمَةَ هذا كُلِّهِ على الْأَغْلَبِ من نَقْدِ الْبَلَدِ دَنَانِيرُ إنْ كان أو دَرَاهِمُ وَيُفَارِقُ الرَّجُلُ فيه صَاحِبَهُ قبل أَنْ يَقْبِضَ قِيمَتَهَا لِأَنَّهُ لَا يُشْبِهُ الصَّرْفَ وَلَا ما فيه الرِّبَا في النَّسِيئَةِ وَكَذَلِكَ لو أَصْدَقَهَا خَشَبَةً فلم تُغَيَّرْ حتى طَلَّقَهَا كان شَرِيكًا لها بِنِصْفِهَا وَلَوْ تَغَيَّرَتْ بِبَلَاءٍ أو عَفَنٍ أو نَقْصٍ ما كان النَّقْصُ كان عليها أَنْ تُعْطِيَهُ نِصْفَ قِيمَتِهَا صَحِيحَةً إلَّا أَنْ يَشَاءَ هو أَنْ يَكُونَ شَرِيكًا لها بِنِصْفِ جَمِيعِ ما نَقَصَ من ذلك كُلِّهِ فَلَا يَكُونُ لها دَفْعُهُ عن ذلك نَاقِصًا وَالْقَوْلُ في الْخَشَبَةِ وَالْخَشَبَةُ مَعَهَا كَالْقَوْلِ في الْإِنَاءِ الذَّهَبِ وَالْآنِيَةِ إذَا هَلَكَ بَعْضٌ وَبَقِيَ بَعْضٌ وَكَذَلِكَ إذَا زَادَتْ قِيمَتُهَا بِأَنْ تُعْمَلَ أَبْوَابًا أو تَوَابِيتَ أو غير ذلك كانت لها وَرَجَعَ عليها بِنِصْفِ قِيمَتِهَا يوم دَفَعَهَا وإذا أَرَادَتْ أَنْ تَدْفَعَ إلَيْهِ نِصْفَهَا أَبْوَابًا وَتَجْعَلَهُ شَرِيكًا في نِصْفِهَا تَوَابِيتَ لم يَكُنْ ذلك عليه إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ وَإِنْ كانت التَّوَابِيتُ وَالْأَبْوَابُ أَكْثَرَ قِيمَةٍ من الْخَشَبِ لِأَنَّ الْخَشَبَ يَصْلُحُ لِمَا لَا تَصْلُحُ له التَّوَابِيتُ وَالْأَبْوَابُ وَلَيْسَ عليه أَنْ يُحَوِّلَ حَقَّهُ في غَيْرِهِ وَإِنْ كان أَكْثَرَ ثَمَنًا منه وَلَا يُشْبِهُ في هذا الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ التي هِيَ قَائِمَةٌ بِأَعْيَانِهَا لَا يَصْلُحُ منها شَيْءٌ لِمَا لَا يَصْلُحُ له غَيْرُهَا وَهَكَذَا لو أَصْدَقَهَا ثِيَابًا فَبَلِيَتْ رَجَعَ عليها بِنِصْفِ قِيمَتِهَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يَكُونَ شَرِيكًا لها بِالنِّصْفِ بَالِيَةً فَلَا يَكُونُ لها دَفْعُهُ عنه لِأَنَّ مَالَهُ نَاقِصٌ وَلَوْ أَصْدَقَهَا ثِيَابًا فَقَطَّعَتْهَا أو صَبَغَتْهَا فَزَادَتْ في التَّقْطِيعِ أو الصِّبْغِ أو نَقْصِهَا كان سَوَاءً وَيَرْجِعُ بِنِصْفِ قِيمَتِهَا وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ شَرِيكًا لها في الثِّيَابِ الْمُقَطَّعَةِ أو الْمَصْبُوغَةِ نَاقِصَةً أو أَرَادَتْ أَنْ يَكُونَ شَرِيكًا لها في الثِّيَابِ زَائِدَةً لم يُجْبَرْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا على ذلك إلَّا أَنْ يَكُونَ يَشَاءُ لِأَنَّ الثِّيَابَ غَيْرُ الْمُتَقَطِّعَةِ وَغَيْرُ الْمَصْبُوغَةِ تَصْلُحُ وَتُرَادُ لِمَا لَا تَصْلُحُ له الْمَصْبُوغَةُ وَلَا تُرَادُ فَقَدْ تَغَيَّرَتْ عن حَالِهَا التي أَعْطَاهَا إيَّاهَا وَكَذَا لو أَصْدَقَهَا غَزْلًا فَنَسَجَتْهُ رَجَعَ عليها بِمِثْلِ نِصْفِ الْغَزْلِ إنْ كان له مِثْلٌ وَإِنْ لم يَكُنْ له مِثْلٌ رَجَعَ بِمِثْلِ نِصْفِ قِيمَتِهِ يوم دَفَعَهُ وَكُلُّ ما قُلْت يَرْجِعُ بِمِثْلِ نِصْفِ قِيمَتِهِ فَإِنَّمَا هو يوم يَدْفَعُهُ لَا يَنْظُرُ إلَى نُقْصَانِهِ بَعْدُ وَلَا زِيَادَتِهِ لِأَنَّهَا كانت مَالِكَةً له يوم وَقَعَ الْعَقْدُ وَضَامِنَةً يوم وَقَعَ الْقَبْضُ إنْ طَلَّقَهَا فَنِصْفُهُ قَائِمًا أو قِيمَةُ نِصْفِهِ مُسْتَهْلَكًا (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَصْدَقَهَا آجُرًّا فَبَنَتْ بِهِ أو خَشَبًا فَأَدْخَلَتْهُ في بُنْيَانٍ أو حِجَارَةٍ فَأَدْخَلَتْهَا في بُنْيَانٍ وَهِيَ قَائِمَةٌ بِأَعْيَانِهَا فَهِيَ لها وَيَرْجِعُ عليها بِنِصْفِ قِيمَتِهَا يوم دَفَعَهَا إلَيْهَا لِأَنَّهَا بَنَتْ ما تَمْلِكُ وَإِنَّمَا صَارَ له النِّصْفُ بِالطَّلَاقِ وقد اسْتَعْمَلَتْ هذا وَهِيَ تَمْلِكُهُ فَلَا يَخْرُجُ من مَوْضِعِهِ إلَّا أَنْ تَشَاءَ هِيَ وَإِنْ خَرَجَ بِحَالِهِ كان شَرِيكًا فيه وَإِنْ خَرَجَ نَاقِصًا لم يُجْبَرْ على أَخْذِهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ وَلَهُ نِصْفُ قِيمَتِهِ وإذا نَكَحَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ على أَنْ يَخْدُمَ فُلَانًا شَهْرًا فَخَدَمَهُ نِصْفَ شَهْر

(5/61)


ثُمَّ مَاتَ كان لها في مَالِهِ نِصْفُ مَهْرِ مِثْلِهَا وَلَوْ نَكَحَتْهُ على أَنْ يَحْمِلَهَا على بَعِيرٍ بِعَيْنِهِ إلَى بَلَدٍ فَحَمَلَهَا إلَى نِصْفِ الطَّرِيقِ ثُمَّ مَاتَ الْبَعِيرُ كان لها في مَالِهِ نِصْفُ مَهْرِ مِثْلِهَا وَنِصْفُ مَهْرِ مِثْلِهَا كَالثَّمَنِ يَسْتَوْجِبُهُ بِهِ أَلَا تَرَى أنها لو تَكَارَتْ معه بَعِيرَهُ بِعَشْرَةٍ فَمَاتَ الْبَعِيرُ في نِصْفِ الطَّرِيقِ رَجَعَتْ بِخَمْسَةٍ - * صَدَاقُ ما يَزِيدُ بِبَدَنِهِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كَانَا بِحَالِهِمَا إلَّا أَنَّهُمَا اعْوَرَّا لم يَكُنْ لها مَنْعُهُ أَنْ يَأْخُذَهُمَا أَعْوَرَيْنِ لِأَنَّ ذلك ليس بِتَحَوُّلٍ من صِغَرٍ وَلَا كِبَرٍ الْكَبِيرُ بِحَالِهِ وَالصَّحِيحُ خَيْرُ من الْأَعْوَرِ وَهَذَا كُلُّهُ ما لم يَقْضِ له الْقَاضِي بِأَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِ الْعَبْدِ فإذا قَضَى له بِأَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِ الْعَبْدِ فَمَنَعَتْهُ فَهِيَ ضَامِنَةٌ لِمَا أَصَابَ الْعَبْدَ في يَدَيْهَا إنْ مَاتَ ضَمِنَتْ نِصْفَ قِيمَتِهِ أو اعْوَرَّ أَخَذَ نِصْفَهُ وَضَمَّنَهَا نِصْفَ الْعَوَرِ فَعَلَى هذا الْبَابِ كُلِّهِ وَقِيَاسِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالنَّخْلُ وَالشَّجَرُ الذي يَزِيدُ وَيَنْقُصُ في هذا كُلِّهِ كَالْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ لَا تُخَالِفُهَا في شَيْءٍ وَلَوْ كان الصَّدَاقُ أَمَةً فَدَفَعَهَا إلَيْهَا فَوَلَدَتْ أو مَاشِيَةً فَنَتَجَتْ في يَدَيْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا قبل أَنْ يَدْخُلَ بها كان لها النِّتَاجُ كُلُّهُ وَوَلَدُ الْأَمَةِ إنْ كانت الْأَمَةُ وَالْمَاشِيَةُ زَائِدَةً أو نَاقِصَةً فَهِيَ لها وَيَرْجِعُ عليها بِنِصْفِ قِيمَةِ الْأَمَةِ وَالْمَاشِيَةِ يوم دَفَعَهَا إلَيْهَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ الْأُمَّهَاتِ التي دَفَعَهَا إلَيْهَا نَاقِصَةً فَيَكُونُ ذلك له إلَّا أَنْ يَكُونَ نَقْصُهَا مع تَغَيُّرٍ من صِغَرٍ إلَى كِبَرٍ فَيَكُونُ نِصْفُهَا بِالْعَيْبِ أو تَغَيَّرَ الْبَدَنُ وَإِنْ كان نَقْصًا من وَجْهِ بُلُوغِ سِنِّ كِبَرٍ زَائِدٍ فيه من وَجْهِ غَيْرِهِ وَلَا يَكُونُ له أَخْذُ الزِّيَادَةِ وَإِنَّمَا زَادَتْ في مَالِهَا لها وَإِنْ كان دَفَعَهَا كِبَارًا فَكَانَ نَقْصُهَا من كِبَرٍ أو هَرَمٍ كان ذلك له لِأَنَّ الْهَرَمَ نَقْصٌ كُلُّهُ لَا زِيَادَةٌ وَلَا يُجْبَرُ على أَخْذِ النَّاقِصِ إلَّا أَنْ يَشَاءَهُ وَهَكَذَا الْأَمَةُ إذَا وَلَدَتْ فَنَقَصَتْهَا الْوِلَادَةُ فَاخْتَارَ أَخْذَ نِصْفِهَا نَاقِصَةً لَا يَخْتَلِفَانِ في شَيْءٍ إلَّا أَنَّ أَوْلَادَ الْأَمَةِ إنْ كَانُوا مَعَهَا صِغَارًا رَجَعَ بِنِصْفِ قِيمَتِهَا لِئَلَّا يُفَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا في الْيَوْمِ الذي يَسْتَخْدِمُهَا فيه لِأَنِّي لَا أُجْبِرُهُ في يَوْمِهِ على أَنْ تُرْضِعَ مَمْلُوكَ غَيْرِهِ وَلَا تَحْضُنَهُ فَتَشْتَغِلَ بِهِ عن خِدْمَتِهِ وَلَا أَمْنَعُ الْمَوْلُودَ الرَّضَاعَ فَأُضِرُّ بِهِ فَلِذَلِكَ لم أَجْعَلْ له إلَّا نِصْفَ قِيمَتِهَا وَإِنْ كَانُوا كِبَارًا كان له أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِ الْأُمِّ وَلَا يُجْبَرُ على ذلك لِأَنَّهَا وَالِدًا على غَيْرِ حَالِهَا قبل أَنْ تَلِدَ وَإِنْ زَادَتْ بَعْدَ الْوِلَادَةِ لم تُجْبَرْ الْمَرْأَةُ على أَنْ تُعْطِيَهُ نِصْفَهَا وَتُعْطِيَهُ نِصْفَ قِيمَتِهَا وإذا أَعْطَتْهُ نِصْفَهَا مُتَطَوِّعَةً أو كانت غير زَائِدَةٍ فُرِّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا في الْيَوْمِ الذي يَسْتَخْدِمُهَا فيه فإذا صَارَ إلَيْهِ نِصْفُهَا فما وَلَدَتْ بَعْدُ من وَلَدٍ فَبَيْنَهُ وَبَيْنَهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا إنْ كانت الْجَارِيَةُ وَالْمَاشِيَةُ وَالْعَبِيدُ الَّذِينَ أَصْدَقَهَا أَغَلُّوا لها غَلَّةً أو كان الصَّدَاقُ نَخْلًا فَأَثْمَرَ لها فما أَصَابَتْهُ من ثَمَرِهِ كان لها كُلُّهُ دُونَهُ لِأَنَّهُ في مِلْكِهَا وَلَوْ كانت الْجَارِيَةُ حُبْلَى أو الْمَاشِيَةُ مَخَاضًا ثُمَّ طَلَّقَهَا كان له نِصْفُ قِيمَتِهَا يوم دَفَعَهَا لِأَنَّهُ حَادِثٌ في مِلْكِهَا وَلَا أُجْبِرُهُ أَيْضًا إنْ أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ على أَخْذِ الْجَارِيَةِ حُبْلَى أو الْمَاشِيَةِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَصْدَقَهَا أَمَةً وَعَبْدًا صَغِيرَيْنِ وَدَفَعَهُمَا إلَيْهَا فَكَبِرَا أو غير عَالِمَيْنِ وَلَا عَامِلَيْنِ فَعَلِمَا أو عَمِلَا أو أَعْمَيَيْنِ فَأَبْصَرَا أو أَبْرَصَيْنِ فَبَرِئَا أو مَضْرُورَيْنِ أَيَّ ضَرَرٍ كان فَذَهَبَ ضَرَرُهُمَا أو صَحِيحَيْنِ فَمَرِضَا أو شَابَّيْنِ فَكَبِرَا أو اعْوَرَّا أو نَقَصَا في أَبْدَانِهِمَا وَالنَّقْصُ وَالزِّيَادَةُ إنَّمَا هِيَ ما كان قَائِمًا في الْبَدَنِ لَا في السُّوقِ بِغَيْرِ ما في الْبَدَنِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قبل أَنْ يَدْخُلَ بها كَانَا لها وكان عليها أَنْ تُعْطِيَهُ أَنْصَافَ قِيمَتِهِمَا يوم قَبَضَتْهُمَا إلَّا أَنْ تَشَاءَ أَنْ تَدْفَعَهُمَا إلَيْهِ زَائِدَيْنِ فَلَا يَكُونُ له إلَّا ذلك إلَّا أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ غَيَّرَتْهُمَا بِأَنْ يَكُونَا صَغِيرَيْنِ فَكَبِرَا كِبَرًا بَعِيدًا من الصِّغَرِ فَالصَّغِيرُ يَصْلُحُ لِمَا لَا يَصْلُحُ له الْكَبِيرُ فَيَكُونُ له نِصْفُ الْقِيمَةِ وَإِنْ كَانَا نَاقِصَيْنِ دَفَعَتْ إلَيْهِ أَنْصَافَ قِيمَتِهِمَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يَأْخُذَهُمَا نَاقِصَيْنِ فَلَيْسَ لها مَنْعُهُ إيَّاهُمَا لِأَنَّهَا إنَّمَا لها مَنْعُهُ الزِّيَادَةَ فَأَمَّا النَّقْصُ عَمَّا دَفَعَ إلَيْهَا فَلَيْسَ لها وَلَهَا إنْ كَانَا صَغِيرَيْنِ فَكَبِرَا أَنْ تَمْنَعَهُ إيَّاهُمَا وَإِنْ كَانَا نَاقِصَيْنِ لِأَنَّ الصَّغِيرَ غَيْرُ الْكَبِيرِ وَأَنَّهُ يَصْلُحُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَا يَصْلُحُ له الْآخَرُ

(5/62)


مَخَاضًا من قِبَلِ الْخَوْفِ على الْحَبَلِ وَأَنَّ غير الْمَخَاضِ يَصْلُحُ لِمَا يَصْلُحُ له الْمَخَاضُ وَلَا نُجْبِرُهَا إنْ أَرَادَ على أَنْ تُعْطِيَهُ جَارِيَةً حُبْلَى وَمَاشِيَةً مَخَاضًا وَهِيَ أَزْيَدُ منها غَيْرُ حُبْلَى وَلَا مَاخِضٌ في حَالٍ وَالْجَارِيَةُ أَنْقَصُ في حَالٍ وَأَزْيَدُ في أُخْرَى قال وَلَوْ كان الصَّدَاقُ نَخْلًا فَدَفَعَهَا إلَيْهَا لَا ثمر ( ( ( تمر ) ) ) فيها فَأَثْمَرَتْ فَالثَّمَرَةُ كُلُّهَا لها كما يَكُونُ لها نِتَاجُ الْمَاشِيَةِ وَغَلَّةُ الرَّقِيقِ وَوَلَدُ الْأَمَةِ فَإِنْ طَلَّقَهَا قبل أَنْ يَدْخُلَ بها وَالنَّخْلُ زَائِدَةٌ رَجَعَ بِنِصْفِ قِيمَةِ النَّخْلِ يوم دَفَعَهَا إلَيْهَا إلَّا أَنْ تَشَاءَ أَنْ تُعْطِيَهُ نِصْفَهَا زَائِدَةً بِالْحَالِ التي أَخَذَتْهَا بِهِ في الشَّبَابِ لَا يَكُونُ لها إلَّا نِصْفُهَا وَإِنْ كانت زَائِدَةً وقد ذَبَلَتْ وَذَهَبَ شَبَابُهَا لم يَكُنْ ذلك عليه لِأَنَّهَا وَإِنْ زَادَتْ يَوْمَهَا ذلك بِثَمَرَتِهَا فَهِيَ مُتَغَيِّرَةٌ إلَى النَّقْصِ في شَبَابِهَا فَلَا يُجْبَرُ على ذلك إلَّا أَنْ يَشَاءَ وَإِنَّمَا يُجْبَرُ على ذلك إذَا دَفَعَتْهَا مِثْلَ حَالِهَا حين قَبَضَتْهَا في الشَّبَابِ أو أَحْسَنَ ولم تَكُنْ نَاقِصَةً ( 1 ) من قِبَلِ الترقيل لِلنَّقْصِ فيه وَإِنْ طَلَّقَهَا ولم يَتَغَيَّرْ شَبَابُهَا أو قد نَقَصَتْ وَهِيَ مُطْلِعَةٌ فَأَرَادَ أَخْذَ نِصْفِهَا بِالطَّلْعِ لم يَكُنْ ذلك له وَكَانَتْ مُطْلِعَةً كَالْجَارِيَةِ الْحُبْلَى وَالْمَاشِيَةِ الْمَاخِضِ لَا يَكُونُ له أَخْذُهَا لِزِيَادَةِ الْحَبَلِ وَالْمَاخِضِ مُخَالَفَةً لها في أَنَّ الاطلاع لَا يَكُونُ مُغَيِّرًا لِلنَّخْلِ عن حَالٍ أَبَدًا إلَّا بِالزِّيَادَةِ وَلَا تَصْلُحُ النَّخْلُ غَيْرُ الْمُطْلِعَةِ لِشَيْءٍ لَا تَصْلُحُ له مُطْلِعَةٌ فَإِنْ شَاءَتْ أَنْ تَدْفَعَ إلَيْهِ نِصْفَهَا مُطْلِعَةً فَلَيْسَ له إلَّا ذلك لِمَا وَصَفْت من خِلَافِ النَّخِيلِ لِلنِّتَاجِ وَالْحَمْلِ في أَنْ ليس في الطَّلْعِ إلَّا زَائِدٌ وَلَيْسَ مُغَيِّرًا قال وَإِنْ كان النَّخْلُ قد أَثْمَرَ وَبَدَا صَلَاحُهُ فَهَكَذَا وَكَذَلِكَ كُلُّ شَجَرٍ أَصْدَقَهَا إيَّاهُ فَأَثْمَرَ لَا يَخْتَلِفُ يَكُونُ لها وَلَهُ نِصْفُ قِيمَتِهِ إلَّا أَنْ تَشَاءَ هِيَ أَنْ تُسَلِّمَ له نِصْفَهُ وَنِصْفَ الثَّمَرَةِ فَلَا يَكُونُ له إلَّا ذلك إنْ لم يَتَغَيَّرْ الشَّجَرُ بِأَنْ يُرْقَل وَيَصِيرَ فِحَامًا فإذا صَارَ فِحَامًا أو نَقَصَ بِعَيْبٍ دَخَلَهُ لم يَكُنْ عليه أَنْ يَأْخُذَهُ بِتِلْكَ الْحَالِ وَلَوْ شَاءَتْ هِيَ إذَا طَلَّقَهَا وَالشَّجَرُ مُثْمِرٌ أَنْ تَقُولَ اقطع الثَّمَرَةَ وَيَأْخُذُ نِصْفَ الشَّجَرِ كان لها إذَا لم يَكُنْ في قَطْعِ الثَّمَرَةِ فَسَادٌ لِلشَّجَرِ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ فَإِنْ كان فيها فَسَادٌ لها فِيمَا يُسْتَقْبَلُ فَلَيْسَ عليه أَنْ يَأْخُذَهَا مَعِيبَةً إلَّا أَنْ يَشَاءَ وَلَوْ شَاءَتْ أَنْ تَتْرُكَ الشَّجَرَةَ حتى تَسْتَجْنِيَهَا وَتَجُدَّهَا ثُمَّ تَدْفَعَ إلَيْهِ نِصْفَ الشَّجَرِ لم يَكُنْ ذلك عليه لِأَنَّ الشَّجَرَ قد يَهْلِكُ إلَى ذلك وَلَا يَكُونُ عليه أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ حَالًّا فَيُؤَخِّرَهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ وَيَأْخُذَهَا بِنِصْفِ قِيمَتِهَا في هذه الْأَحْوَالِ كُلِّهَا إذَا لم يَتَرَاضَيَا بِغَيْرِ ذلك وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُؤَخِّرَهَا حتى تَجُدَّ الثَّمَرَةَ ثُمَّ يَأْخُذَ نِصْفَ الشَّجَرِ وَالنَّخْلِ لم يَكُنْ ذلك عليها من وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الشَّجَرَ وَالنَّخْلَ يَزِيدُ إلَى الْجِدَادِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ لَمَّا طَلَّقَهَا وَفِيهَا الزِّيَادَةُ وكان مَحُولًا دُونَهَا كانت مَالِكَةً لها دُونَهُ وكان حَقُّهُ قد تَحَوَّلَ في قِيمَتِهِ فَلَيْسَ عليها أَنْ يَحُولَ إلَى غَيْرِ ما وَقَعَ له عِنْدَ الطَّلَاقِ وَلَا حَقَّ له فيه - * صَدَاقُ الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ لَا يُدْفَعُ حتى يَزِيدَ أو يَنْقُصَ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كان النِّتَاجُ أو وَلَدُ الْجَارِيَةِ هَلَكَ في يَدَيْهِ أو نَقَصَ وقد سَأَلَتْهُ دَفْعَهُ فَمَنَعَهَا منه فَهُوَ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ في أَكْثَرِ ما كانت قِيمَةٌ قَطُّ وَضَامِنٌ لِنَقْصِهِ وَيَدْفَعُهُ كَضَمَانِ الْغَاصِبِ لِأَنَّهُ كان عليه أَنْ يَدْفَعَهُ فَمَنَعَهُ ولم يَدْفَعْهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ عَرَضَ عليها أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهَا الْأَمَةَ فَأَقَرَّتْهَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَصْدَقَهَا أَمَةً أو مَاشِيَةً فلم يَدْفَعْهَا إلَيْهَا حتى تَنَاتَجَتْ في يَدَيْهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قبل أَنْ يَدْخُلَ بها كان لها النِّتَاجُ كُلُّهُ دُونَهُ لِأَنَّهُ نَتَجَ في مِلْكِهَا وَنُظِرَ إلَى الْمَاشِيَةِ فَإِنْ كانت بِحَالِهَا يوم أَصْدَقهَا إيَّاهَا وَأَزْيَدَ فَهِيَ لها وَيَرْجِعُ عليها بِنِصْفِ الْمَاشِيَةِ دُونَ النِّتَاجِ وَإِنْ كانت نَاقِصَةً عن حَالِهَا يوم أَصْدَقَهَا إيَّاهَا كان لها الْخِيَارُ فَإِنْ شَاءَتْ أَخَذَتْ منه أَنْصَافَ قِيمَتِهَا يوم أَصْدَقَهَا إيَّاهَا وَإِنْ شَاءَتْ أَخَذَتْ أَنْصَافَهَا نَاقِصَةً وَهَكَذَا لو كانت أَمَةً فَوَلَدَتْ أو عَبِيدًا فَأَغْلَوْا ( قال الرَّبِيعُ ) وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ أنها إنْ شَاءَتْ أَخَذَتْ نِصْفَهَا نَاقِصَةً وَإِنْ شَاءَتْ رَجَعَتْ بِنِصْفِ مَهْرِ مِثْلِهَا وهو أَصَحُّ قَوْلَيْهِ وَآخِرُ قَوْلَيْهِ

(5/63)


في يَدَيْهِ قبل أَنْ تَقْبِضَهَا منه أو لم يَمْنَعْهَا دَفْعَهَا ولم تَسْأَلْهُ إيَّاهَا كان فيها قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ الْجَارِيَةَ إنْ نَقَصَتْ وَتَكُونُ بِالْخِيَارِ في أَنْ تَأْخُذَهَا نَاقِصَةً أو تَدَعَهَا فَإِنْ مَاتَتْ رَجَعَتْ بِمَهْرِ مِثْلِهَا وَالْآخَرُ أَنْ يَكُونَ كَالْغَاصِبِ وَلَكِنَّهُ لَا يَأْثَمُ إثْمَ الْغَاصِبِ لِأَنَّهُ ضَامِنٌ له وَلَا يُخْرِجُهُ من الضَّمَانِ إلَّا أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهَا أو إلَى وَكِيلٍ لها بِإِذْنِهَا فَإِنْ دَفَعَهُ إلَيْهَا أو إلَى وَكِيلٍ لها بِإِذْنِهَا ثُمَّ رَدَّتْهُ إلَيْهِ بَعْدُ فَهُوَ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ لَا يَضْمَنُ شيئا منه بِحَالٍ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا لَقِيَ صَاحِبَهُ وقد فَاتَتْ السِّلْعَةُ في يَدَيْهِ فَالْمُشْتَرِي ضَامِنٌ لِقِيمَتِهَا يُقَاصُّهُ بها من الثَّمَنِ الذي تَبَايَعَا بِهِ وَيَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ عِنْدَ أَيِّهِمَا كَأَنْ كان ثَمَنُهَا مِائَةَ دِينَارٍ وَقِيمَتُهَا ثَمَانُونَ فَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي على الْبَائِعِ بِعِشْرِينَ وَكَذَلِكَ لو كان ثَمَنُهَا ثَمَانِينَ وَقِيمَتُهَا مِائَةً رَجَعَ الْبَائِعُ على الْمُشْتَرِي الذي هَلَكَتْ في يَدَيْهِ بِعِشْرِينَ قال وَإِنَّمَا فَرَّقْت بين ثَمَنِ ما بَاعَ من مَالِهَا وَبَيْنَ أَرْشِ ما أَخَذَ فِيمَا جَنَى على مَالِهَا من قِبَلِ أنها هِيَ لم يَكُنْ لها فِيمَا جَنَى على مَالِهَا إلَّا الْأَرْشُ أو تَرْكُهُ وَلَهَا فِيمَا بِيعَ من مَالِهَا أَنْ تَرُدَّهُ بِعَيْنِهِ وَإِنْ فَاتَ فَلَهَا عليه قِيمَتُهُ وَلَا يَكُونُ لها أَنْ تَمْلِكَ ثَمَنَهُ إنْ كان ( 2 ) أَكْثَرَ من ثَمَنِهِ لِأَنَّهُ لم يَكُنْ لها إجَازَةُ بَيْعِهِ وَالْفَضْلُ عن ثَمَنِهِ لِمُبْتَاعِهِ الْبَيْع الذي لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ ضَامِنٌ له بِالْقِيمَةِ قال وَلَوْ أَصْدَقَهَا نَخْلًا أو شَجَرًا فلم يَدْفَعْهُ إلَيْهَا حتى أَثْمَرَتْ في يَدَيْهِ فَجَعَلَ الثَّمَرَ في قَوَارِيرَ جَعَلَ عليه صَقْرًا من صَقْرِ نَخْلِهَا أو جَعَلَهُ في قِرَبٍ كان لها أَخْذُ الثَّمَرِ بِالصَّقْرِ وَأَخْذُهُ مَحْشُوًّا وَلَهُ نَزْعُهُ من الْقَوَارِيرِ وَالْقِرَبِ لِأَنَّهَا له إنْ كان نَزْعُهُ لَا يَضُرُّ بِالثَّمَرِ فَإِنْ كان إذَا نُزِعَ من الْقِرَبِ فَسَدَ ولم يَكُنْ سُقِيَ بِشَيْءٍ عُمِلَ بِهِ كان لها أَنْ تَأْخُذَهُ وَتَنْزِعَ عنه قِرَبَهُ وَتَأْخُذَ منه ما نَقَصَهُ لِأَنَّهُ أَفْسَدَهُ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بِتَرْكِهَا وَهَكَذَا كُلُّ ثَمَرَةٍ رَبَّبَهَا أو حَشَاهَا على ما وَصَفْت وَإِنْ كان رَبَّبَ الثَّمَرَةَ بِرُبٍّ من عِنْدِهِ كان لها أَنْ تَأْخُذَ الثَّمَرَةَ وَتَنْزِعَ عنها الرُّبَّ إنْ كان ذلك لَا يَضُرُّ بها وَلَا يَنْقُصُهَا شيئا وَإِنْ كان يَنْقُصُهَا شيئا نَزَعَتْ عنها الرُّبَّ وَأَخَذَتْ قِيمَةَ ما نَقَصَهَا بَالِغَةً ما بَلَغَتْ وَأُجْرَةَ نَزْعِهَا من الرُّبِّ لِأَنَّهُ الْمُتَعَدِّي فيه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكُلُّ ما أُصِيبَتْ بِهِ الثَّمَرَةُ في يَدَيْهِ من حَرِيقٍ أو جَرَادٍ أو غَيْرِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ له إنْ كان له مِثْلٌ فَمِثْلُهُ وَإِنْ لم يَكُنْ له مِثْلٌ فَمِثْلُ قِيمَتِهِ وَإِنْ بَقِيَ منه شَيْءٌ فَقِيمَةُ ما نَقَصَهُ وهو كَالْغَاصِبِ فِيمَا لَا يَضْمَنُ لَا يُخَالِفُ حاله حَالُهُ في شَيْءٍ إلَّا في شَيْءٍ وَاحِدٍ يُعْذَرُ فيه بِالشُّبْهَةِ إنْ كان مِمَّنْ يَجْهَلُ أو تَأَوَّلَ فَأَخْطَأَ ذلك وَلَوْ كان أَصْدَقَهَا جَارِيَةً فَأَصَابَهَا فَوَلَدَتْ له ثُمَّ طَلَّقَهَا قبل الدُّخُولِ وقال كُنْت أَرَاهَا لَا تَمْلِكُ إلَّا نِصْفَهَا حتى تَدْخُلَ فَأَصَبْتهَا وأنا أَرَى أَنَّ لي نِصْفَهَا قُوِّمَ الْوَلَدُ عليه يوم يَسْقُطُ وَيَلْحَقُ بِهِ نَسَبُهُ وكان لها مَهْرُ مِثْلِ الْجَارِيَةِ وَإِنْ شَاءَتْ أَنْ تَسْتَرِقَّ الْجَارِيَةَ فَهِيَ لها وَإِنْ شَاءَتْ أَخَذَتْ قِيمَتَهَا أَكْثَرَ ما ( ( ( مما ) ) ) كانت قِيمَتُهَا يوم أَصْدَقَهَا أو يوم أَحَبَلَهَا وَكَانَتْ الْجَارِيَةُ له وَلَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ بِذَلِكَ الْوَلَدِ وَلَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ له إلَّا بِوَطْءٍ صَحِيحٍ وَإِنَّمَا جَعَلْت لها الْخِيَارَ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ تُغَيِّرُهَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا لم يَدْفَعْهُ إلَيْهَا فَتَرُدُّهُ إلَيْهِ فما أَنْفَقَ عليه لم يَرْجِعْ بِهِ وهو مُتَطَوِّعٌ بِهِ وَمَتَى جَنَى عليه في يَدَيْهِ إنْسَانٌ فَأَخَذَ له أَرْشًا فَلَهَا الْخِيَارُ إنْ أَحَبَّتْ فَلَهَا الْأَرْشُ لِأَنَّهُ مِلْكٌ بِمَالِهَا وَإِنْ أَحَبَّتْ تَرَكَتْهُ عليه لِأَنَّهُ نَاقِصٌ عَمَّا مَلَكَتْهُ عليه وَإِنْ كان مَنَعَهَا منه فَأَحَبَّتْ ضَمَّنَتْ الزَّوْجَ ما نَقَصَ في يَدَيْهِ قال وما بَاعَ الزَّوْجُ منه أو من نِتَاجِ الْمَاشِيَةِ فَوُجِدَ بِعَيْنِهِ فَالْبَيْعُ مَرْدُودٌ وَإِنْ فَاتَ فَلَهَا عليه قِيمَتُهُ لِأَنَّهُ كان مَضْمُونًا عليه ( 1 ) وَلَا يَكُونُ له أَنْ يَأْخُذَ الثَّمَنَ الذي بَاعَ بِهِ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فيه وَأَنَّ الشَّيْءَ بِعَيْنِهِ لو وُجِدَ كان الْبَيْعُ فيه مَرْدُودًا وَلَوْ أَرَادَتْ إجَازَةَ الْبَيْعِ فيه إنْ كان قَائِمًا لم يَجُزْ الْبَيْعُ وَلَا يَحِلُّ له هو أَنْ يَمْلِكَهُ لِأَنَّهُ مالم يَكُنْ له فَلَا يُخْرِجُهُ منه إلَّا رَدُّهُ على صَاحِبِهِ الذي بَاعَهُ أو أَنْ يَهَبَهُ له صَاحِبُهُ الذي ابْتَاعَهُ منه

(5/64)


عن حَالِهَا يوم أَصْدَقَهَا إيَّاهَا قبل أَنْ تَلِدَ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كانت زَرَعَتْهَا وَحَصَدَتْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَهِيَ مَحْصُودَةٌ فَلَهُ نِصْفُ هذه الْأَرْضِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الزَّرْعُ فيها زَائِدًا لها فَلَا يَكُونُ له أَنْ يَأْخُذَهَا زَائِدَةً إلَّا أَنْ تَشَاءَ هِيَ فَلَا يَكُونُ له غَيْرُهَا وَإِنْ كان الزَّرْعُ نَقَصَهَا فَلَهُ نِصْفُ قِيمَتِهَا وَلَا يَكُونُ عليه أَنْ يَأْخُذَهَا نَاقِصَةً إلَّا أَنْ يَشَاءَ هو أَخْذَهَا فإذا شَاءَ هو أَخْذَهَا وَهِيَ نَاقِصَةٌ لم يَكُنْ لها مَنْعُهُ من نِصْفِهَا - * الْمَهْرُ وَالْبَيْعُ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ نَكَحَهَا بِأَلْفٍ على أَنْ تُعْطِيَهُ عَبْدًا يَسْوَى أَلْفًا فَدَفَعَتْ إلَيْهِ وَدَفَعَ إلَيْهَا الْأَلْفَ ثُمَّ طَلَّقَهَا قبل أَنْ يَدْخُلَ بها فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمَهْرَ الْمُسَمَّى كَالْبَيْعِ فَلَا يَخْتَلِفُ في هذا الْمَوْضِعِ وَمَنْ قال هذا قال لِأَنَّهُ يَجُوزُ في شَرْطِهِ مُسَمًّى ما يَجُوزُ في الْبَيْعِ وَيُرَدُّ فيه ما يُرَدُّ في الْبَيْعِ فَبِهَذَا أَجَزْنَا أَنْ يَكُونَ مع النِّكَاحِ مبيعا ( ( ( مبيع ) ) ) غَيْرُهُ ولم نَرُدَّهُ لِأَنَّهُ يُمْلَكُ كُلُّهُ فَإِنْ انْتَقَضَ الْمِلْكُ في الصَّدَاقِ بِالطَّلَاقِ فَقَدْ يُنْتَقَضُ في الْبَيْعِ بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ لَا نَمْنَعُ ما فيه الشُّفْعَةُ أَنْ يَكُونَ كَالْبُيُوعِ فِيمَا سِوَى هذا قال وَهَذَا جَائِزٌ لَا نَفْسَخُ صَدَاقَهَا وَلَا نَرُدُّهُ إلَى صَدَاقِ مِثْلِهَا وهو على ما تَرَاضَيَا عليه وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَكُونُ مع الصَّدَاقِ بَيْعٌ وإذا وَقَعَ مِثْلُ هذا أَثْبَتْنَا النِّكَاحَ وكان لها صَدَاقُ مِثْلِهَا وَرُدَّ الْبَيْعُ إنْ كان قَائِمًا وإذا كان مُسْتَهْلَكًا فَقِيمَتُهُ وَبِهِ يقول الشَّافِعِيُّ قال وَأَصْلُ مَعْرِفَةِ هذا أَنْ تَعْرِفَ قِيمَةَ الْعَبْدِ الذي مَلَّكَتْهُ هِيَ زَوْجَهَا مع تَمْلِيكِهَا إيَّاهُ عَقْدَ نِكَاحِهَا فَإِنْ كان قِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفًا وَصَدَاقُ مِثْلِهَا أَلْفًا فَأَقْسِمُ الْمَهْرَ وهو أَلْفٌ على قِيمَةِ الْعَبْدِ وَعَلَى صَدَاقِ مِثْلِهَا فَيَكُونُ الْعَبْدُ مَبِيعًا بِخَمْسِمِائَةٍ وَيَكُونُ صَدَاقُهَا خَمْسَمِائَةٍ فَيَنْفُذُ الْعَبْدُ مَبِيعًا بِخَمْسِمِائَةٍ فَإِنْ قَبَضَ الْعَبْدَ وَدَفَعَ إلَيْهَا الْأَلْفَ ثُمَّ طَلَّقَهَا قبل أَنْ يَدْخُلَ بها رَجَعَ عليها من الصَّدَاقِ بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَذَلِكَ نِصْفُ ما أَصْدَقَهَا وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ في يَدِهَا قبل يَقْبِضُهُ انْتَقَضَ فيه الْبَيْعُ وَرَجَعَ عليها بِقِيمَةِ خَمْسِمِائَةٍ وكان الْبَاقِي صَدَاقَهَا فَإِنْ طَلَّقَهَا قبل أَنْ يَدْخُلَ بها رَجَعَ عليها من الصَّدَاقِ بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَإِنْ لم يَكُنْ دَفَعَ الصَّدَاقَ دَفَعَ إلَيْهَا مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَلَوْ لم يَمُتْ الْعَبْدُ وَلَكِنَّهُ دَخَلَهُ الْعَيْبُ كان له الْخِيَارُ في أَخْذِهِ مَعِيبًا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أو نَقْضِ الْبَيْعِ فيه قال وَلَوْ كان أَصْدَقَهَا عَبْدًا بِعَيْنِهِ على أَنْ زَادَتْهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ كانت كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى يُنْظَرُ فَإِنْ كانت قِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفًا وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفًا وَزِيَادَتُهَا إيَّاهُ أَلْفًا فَلَهَا نِصْفُ الْعَبْدِ بِالصَّدَاقِ وَنِصْفُهُ الْآخَرُ بِالْأَلْفِ فَإِنْ طَلَّقَهَا قبل الدُّخُولِ بها رَجَعَ عليها رُبُعُ الْعَبْدِ وكان لها ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ نِصْفُهُ بِالْأَلْفِ وَرُبُعُهُ بِنِصْفِ الْمَهْرِ قال وَمَنْ أَجَازَ هذا قال إنَّمَا مَنَعَنِي أَنْ أَنْقُضَ الْبَيْعَ كُلَّهُ إذَا انْتَقَضَ بَعْضُهُ بِالطَّلَاقِ أَنِّي جَعَلْت ما أَعْطَاهَا مَقْسُومًا على الصَّدَاقِ وَالْبَيْعِ فما أَصَابَ الصَّدَاقَ وَنِصْفَ الصَّدَاقِ كَالْمُسْتَهْلَكِ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يُرَدُّ كما تُرَدُّ الْبُيُوعُ فلم يَكُنْ لي أَنْ أَرُدَّ الْبَيْعَ كُلَّهُ وَبَعْضُهُ مُسْتَهْلَكٌ إنَّمَا أَرُدُّ الْبَيْعَ كُلَّهُ إذَا كان الْمَبِيعُ قَائِمًا بِعَيْنِهِ فإذا ذَهَبَ بَعْضُهُ لم أَرُدَّ الْبَاقِيَ منه بِحَالٍ فَأَكُونُ قد نَقَضْت الْبَيْعَةَ وَرَدَدْت بَعْضَهَا دُونَ بَعْضٍ قال وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بِعَبْدٍ بِعَيْنِهِ وَأَلْفِ دِرْهَمٍ على أَنْ تُعْطِيَهُ عَبْدًا بِعَيْنِهِ وَمِائَةَ دِينَارٍ وَتَقَابَضَا قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا كان النِّكَاحُ جَائِزًا وَيُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ الذي تَزَوَّجَهَا عليه مع الْأَلْفِ فَإِنْ كان أَلْفًا فَالصَّدَاقُ أَلْفَانِ فَيُقْسَمُ الْأَلْفَانِ على مَهْرِ مِثْلِهَا وَالْعَبْدِ الذي أَعْطَتْهُ وَالْمِائَةَ الدِّينَارَ فَإِنْ كان صَدَاقُ مِثْلِهَا أَلْفًا وَقِيمَةُ الْعَبْدِ الذي أَعْطَتْهُ أَلْفًا وَقِيمَةُ الْمِائَةِ الدِّينَارِ أَلْفَيْنِ فَالْعَبْدُ الذي أَعْطَتْهُ مَبِيعٌ بِخَمْسِمِائَةٍ وَالْمِائَةُ الدِّينَارُ مَبِيعَةٌ بِأَلْفٍ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَصْدَقهَا أَرْضًا فَدَفَعَهَا إلَيْهَا فَزَرَعَتْهَا أو أَزْرَعَتْهَا أو وَضَعَتْ فيها حِبَابًا ثُمَّ طَلَّقَهَا قبل أَنْ يَدْخُلَ بها وَفِيهَا زَرْعٌ قَائِمٌ رَجَعَ عليها بِنِصْفِ قِيمَةِ الْأَرْضِ لَا أَجْعَلُ حَقَّهُ في الْأَرْضِ مُسْتَأْخَرًا وهو حَالٌّ وَلَا أَجْعَلُ عليه أَنْ يَنْتَظِرَ الْأَرْضَ حتى تَفْرُغَ ثُمَّ يَأْخُذَ نِصْفَهَا لِأَنَّهَا إنْ كانت مَشْغُولَةً في مِلْكِهَا فَصَارَ حَقُّهُ في قِيمَةٍ لم يَتَحَوَّلْ في غَيْرِهَا إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَا على ذلك جميعا فَيَجُوزُ ما اجْتَمَعَا عليه فيه وَكَذَلِكَ إنْ كانت حَرَثَتْهَا ولم تَزْرَعْهَا وَلَوْ كانت غَرَسَتْهَا أو بَنَتْ فيها كان له قِيمَتُهَا يوم دَفَعَهَا إلَيْهَا

(5/65)


وَصَدَاقُهَا خَمْسُمِائَةٍ لِأَنَّ ذلك كُلَّهُ في الْعَبْدِ الذي أَصْدَقَهَا وَالدَّرَاهِمُ الْأَلْفُ يُمْلَكُ بِكُلِّ شَيْءٍ فما أَعْطَتْهُ من عُقْدَتِهَا وَالْعَبْدُ وَالْمِائَةُ الدِّينَارُ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ من الْعَبْدِ وَالْأَلْفِ فَإِنْ طَلَّقَهَا قبل أَنْ يَدْخُلَ بها سَلَّمَتْ له الْمِائَةَ وَالْعَبْدَ وَرَجَعَ عليها بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ في كل ما أَعْطَاهَا من الْعَبْدِ بِحِصَّتِهِ وَمِنْ الْأَلْفِ بِحِصَّتِهَا فَيَكُونُ له من الْأَلْفِ التي أَعْطَاهَا مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرِينَ وَمِنْ الْعَبْدِ قِيمَةُ مِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ وَذَلِكَ ثَمَنُهُ وَإِنْ كَانَا لم يَتَقَابَضَا قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا فَسَدَ الصَّدَاقُ لِأَنَّ فيه صَرْفًا مُسْتَأْخَرًا وما كان فيه صَرْفٌ لم يَصْلُحْ أَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَتَقَابَضَا وَلَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا قال وَلَوْ أَصْدَقَهَا أَلْفًا على أَنْ رَدَّتْ إلَيْهِ أَلْفًا أو خَمْسَمِائَةٍ كان النِّكَاحُ ثَابِتًا وَالصَّدَاقُ بَاطِلًا وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا لَا تَجُوزُ الدَّرَاهِمُ بِالدَّرَاهِمِ إلَّا مَعْلُومَةً وَمِثْلًا بِمِثْلٍ وَأَقَلُّ ما في هذا أَنَّ الْخَمْسَمِائَةِ وَقَعَتْ من الْأَلْفِ بمالا يُعْرَفُ عِنْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَهْرَ مِثْلِهَا يَكُونُ أَلْفًا فَتَكُونُ الْخَمْسُمِائَةِ بِثُلُثِ الْأَلْفِ وَيَكُونُ مِائَةً فَتَكُونُ الْخَمْسُمِائَةِ بِتِسْعِمِائَةٍ وَلَوْ كان مَهْرُ مِثْلِهَا خَمْسَمِائَةٍ لم يَجُزْ من قِبَلِ أَنَّ الصَّفْقَةَ وَقَعَتْ وَلَا يدري كَمْ حِصَّةُ الدَّرَاهِمِ التي أَعْطَتْهُ من الدَّرَاهِمِ التي أَعْطَاهَا وَلَا يَصْلُحُ فِيهِمَا حتى يُفَرَّقَ فيه عَقْدُ الصَّرْفِ من عَقْدِ الْبَيْعِ فَتَكُونُ الدَّرَاهِمُ بِدَرَاهِمَ مِثْلِهَا وَزْنًا بِوَزْنٍ وَيَكُونُ الصَّدَاقُ مَعْلُومًا غَيْرَهَا قال وإذا كانت الدَّنَانِيرُ بِدَرَاهِمَ فَكَانَتْ نَقْدًا يَتَقَابَضَانِ قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْفَضْلِ في بَعْضِهَا على بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ قال وَلَوْ تَزَوَّجَهَا على ثِيَابٍ تَسْوَى أَلْفًا على أَنْ زَادَتْهُ أَلْفًا وكان صَدَاقُ مِثْلِهَا أَلْفًا فَكَانَ نِصْفُ الثِّيَابِ بَيْعًا لها بِالْأَلْفِ وَنِصْفُهَا صَدَاقَهَا فَإِنْ طَلَّقَهَا قبل الدُّخُولِ فَلَهَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الثِّيَابِ نِصْفُهَا بِالْبَيْعِ وَنِصْفُ النِّصْفِ بِنِصْفِ الْمَهْرِ ( قال الرَّبِيعُ ) هذا كُلُّهُ مَتْرُوكٌ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَجَعَ عنه إلَى قَوْلٍ آخَرَ قال وَلَوْ طَلَّقَهَا قبل الدُّخُولِ ولم يَكُنْ دَفَعَ الثِّيَابَ إلَيْهَا حتى هَلَكَتْ في يَدَيْهِ ( 1 ) وَرَدَّ عليها الْأَلْفَ التي قَبَضَ منها إنْ كان قَبَضَهَا وَإِنْ لم يَكُنْ قَبَضَهَا لم يُدْفَعْ إليه ( ( ( إلي ) ) ) منها شَيْءٌ لِأَنَّهُ قد هَلَكَ ما اشْتَرَتْ منه قبل قَبْضِهِ فَلَا يَلْزَمُهَا ثَمَنُهُ وَأَعْطَاهَا نِصْفَ مَهْرِ مِثْلِهَا من قِيمَةِ الثِّيَابِ وَذَلِكَ رُبُعُ قِيمَةِ الثِّيَابِ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا فَعَلَى هذا هذا الْبَابُ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ قال وَلَوْ تَزَوَّجَهَا على أَبِيهَا وَأَبُوهَا يَسْوَى أَلْفًا أو على ابْنِهَا وَابْنُهَا يَسْوَى أَلْفًا على أَنْ زَادَتْهُ أَلْفًا وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفٌ فَدَفَعَ إلَيْهَا أَبَاهَا أو لم يَدْفَعْهُ فَسَوَاءٌ وَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ وَالْمَهْرُ جَائِزٌ وَأَبُوهَا سَاعَةَ مَلَكَتْهُ حُرٌّ لِأَنَّ مِلْكَهَا إيَّاهُ سَاعَةَ مِلْكِ عُقْدَةِ نِكَاحِهَا وَكَذَلِكَ ابْنُهَا إنْ كان هو الصَّدَاقَ وَيَلْزَمُهَا أَنْ تُعْطِيَهُ الْأَلْفَ التي زَادَتْهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا قبل أَنْ يَدْخُلَ بها رَجَعَ عليها بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَذَلِكَ نِصْفُ صَدَاقِهَا لِأَنَّ أَبَاهَا كان بِيعَ بِخَمْسِمِائَةٍ فَسَلِمَ لها حين عَتَقَ فَصَارَ صَدَاقُهَا خَمْسَمِائَةٍ فَرَجَعَ عليها بِنِصْفِهَا وهو مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَأَرَاك أَنْزَلْت صَدَقَاتِ النِّكَاحِ مَنْزِلَةَ الْبُيُوعِ وَأَنْتَ تَقُولُ الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مالم يَتَفَرَّقَا فَيَكُونُ الْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ بِالْخِيَارِ في الصَّدَاقِ مالم يَتَفَرَّقَا قِيلَ لَا فَإِنْ قال قَائِلٌ فما فَرَّقَ بَيْنَهُمَا قِيلَ إنَّا لَمَّا جَعَلْنَا ولم يُخَالِفْنَا أَحَدٌ عَلِمْنَاهُ النِّكَاحَ كَالْبُيُوعِ الْمُسْتَهْلَكَةِ فَقُلْنَا إذَا كان الصَّدَاقُ مَجْهُولًا فَلِلْمَرْأَةِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَلَا يُرَدُّ النِّكَاحُ كما قُلْنَا في الْبَيْعِ بِالشَّيْءِ الْمَجْهُولِ يَهْلِكُ في يَدَيْ الْمُشْتَرِي وفي الْبَيْعِ الْمَعْلُومِ فيه الْخِيَارُ لِصَاحِبِهِ فيه قِيمَتُهُ حَكَمْنَا في النِّكَاحِ إذَا كان حُكْمُهُ لَا يَرُدُّ عَقْدَهُ أَنَّهُ كَبَيْعٍ قد اُسْتُهْلِكَ في يَدِ مُشْتَرِيهِ أَلَا تَرَى لو أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى من رَجُلٍ عَبْدًا على أَنَّهُ بِالْخِيَارِ يَوْمَهُ أو سَاعَتَهُ فَمَاتَ قبل مُضِيِّ وَقْتِ الْخِيَارِ لَزِمَهُ بِالثَّمَنِ لِأَنَّهُ ليس ثَمَّ عَيْنٌ تُرَدُّ وَالنِّكَاحُ ليس بِعَيْنٍ وَلَا يَكُونُ لِلْمُتَنَاكِحَيْنِ خِيَارٌ لِمَا وَصَفْت قال وَلَوْ تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَأَصْدَقَهَا أَلْفًا وَرَدَّتْ عليه خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ وَالصَّدَاقُ بَاطِلٌ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا تَقَابَضَا قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا أو لم يَتَقَابَضَا لِأَنَّ حِصَّةَ الْخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ من الْأَلْفِ مَجْهُولَةٌ لِأَنَّهَا مَقْسُومَةٌ على أَلْفٍ وَصَدَاقِ مِثْلِهَا وَهَكَذَا لو تَزَوَّجَهَا
____________________

(5/66)


بِأَلْفٍ على إنْ رَدَّتْ عليه أَلْفًا كان الصَّدَاقُ بَاطِلًا وَهِيَ مِثْلُ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا وَزِيَادَةُ أنها لو كانت أَلْفًا بِأَلْفٍ وَزِيَادَةٍ كان الرِّبَا في الزِّيَادَةِ أو النِّكَاحِ بِلَا حِصَّةٍ من الْمَهْرِ فَيَكُونُ لها صَدَاقُ مِثْلِهَا وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ في الْأَلْفِ وَهَكَذَا لو نَكَحَهَا بِمِائَةِ أردب حِنْطَةٍ على أَنْ رَدَّتْ عليه مِائَةَ أردب حِنْطَةٍ أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ وَهَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ أَصْدَقَهَا إيَّاهُ وَرَدَّتْ عليه شيئا منه مِمَّا في الْفَضْلِ في بَعْضِهِ على بَعْضِ الرِّبَا لم يَجُزْ فَلَا يَجُوزُ من هذا شَيْءٌ حتى يسمى حِصَّةَ مَهْرِهَا مِمَّا أَصْدَقَهَا وَحِصَّةَ ما أَخَذَ منها فإذا أَصْدَقَهَا أَلْفًا على أَنَّ حِصَّةَ مَهْرِهَا خَمْسُمِائَةٍ وَرَدَّتْ عليه خَمْسَمِائَةٍ بِخَمْسِمِائَةٍ وكان هذا فِيمَا في بَعْضِهِ على بَعْضِ الرِّبَا فَفِيهَا قَوْلَانِ ( 1 ) أَحَدُهُمَا أَنَّ هذا جَائِزٌ وَمَنْ قال هذا الْقَوْلُ قال لو أَصْدَقَ امْرَأَتَيْنِ أَلْفًا كان النِّكَاحُ ثَابِتًا وَقُسِمَتْ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا على مُهُورِ مِثْلِهِمَا فَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فيها بِقَدْرِ مَهْرِ مِثْلِهَا كان مَهْرُ مِثْلِ إحْدَاهُمَا ألف ( ( ( ألفا ) ) ) وَمَهْرُ الْأُخْرَى ألفان ( ( ( ألفين ) ) ) فَيَكُونُ لِصَاحِبَةِ الْأَلْفِ ثُلُثُ الْأَلْفِ وَلِصَاحِبَةِ الْأَلْفَيْنِ ثُلُثًا الْأَلْفِ وَلَوْ أَصْدَقَهَا أَبَاهَا عَتَقَ سَاعَةَ عَقَدَ عليها عَقْدَ النِّكَاحِ ولم يَحْتَجْ إلَى أَنْ يَتَفَرَّقَا كما يُحْتَاجُ إلَيْهِ في الْبَيْعِ وَيَتِمُّ تَمَلُّكُهَا الصَّدَاقَ بِالْعَقْدِ وَإِنْ كان بِهِ عَيْبٌ يُنْقِصُهُ عُشْرَ قِيمَتِهِ رَجَعَتْ عليه بِعُشْرِ مَهْرِ مِثْلِهَا وَلَوْ طَلَّقَهَا قبل أَنْ يَدْخُلَ بها رَجَعَ عليها بِنِصْفِ قِيمَةِ أَبِيهَا يوم قَبَضَتْهُ منه وَكَذَا لو مَاتَ أَبُوهَا رَجَعَ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ يوم قَبَضَتْهُ منه وَلَا يُرَدُّ عِتْقُهُ وَكَذَلِكَ لو أَفْلَسَتْ أو أَصْدَقَهَا أَبَاهَا وَهِيَ مُفْلِسَةٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا لم يَكُنْ له نِصْفُهُ وَلَا لِلْغُرَمَاءِ منه شَيْءٌ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ سَاعَةَ يَتِمُّ مِلْكُهُ بِالْعَقْدِ وَلَوْ أَصْدَقَهَا أَبَاهَا وَهِيَ مَحْجُورَةٌ كان النِّكَاحُ ثَابِتًا وَصَدَاقُ أَبِيهَا بَاطِلًا لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لها عليه مِلْكٌ وكان لها عليه مَهْرُ مِثْلِهَا وَكَذَلِكَ لو كانت مَحْجُورَةً فَأَمْهَرَهَا أُمَّهَا بِأَمْرِ أَبِيهَا وهو وَلِيُّهَا أو وَلِيٍّ لها غَيْرِهِ لِأَنَّهُ ليس لِأَبِيهَا وَلَا لِوَلِيٍّ غَيْرِهِ أَنْ يُعْتِقَ عنها وَلَا يَشْتَرِيَ لها ما يُعْتِقُ عليها من وَلَدٍ وَلَا وَالِدٍ قال وَلَوْ كانت غير مَحْجُورَةٍ فَأَصْدَقَهَا أَبَاهَا وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ أو الفان ثُمَّ طَلَّقَهَا قبل أَنْ يَدْخُلَ بها رَجَعَ عليها بِنِصْفِ قِيمَةِ أَبِيهَا وَهِيَ خَمْسُمِائَةٍ وَخَمْسُمِائَةٍ نِصْفُ الْأَلْفِ وَلَوْ أَصْدَقَهَا أَبَاهَا وهو يَسْوَى أَلْفًا على أَنْ تُعْطِيَهُ أَبَاهُ وهو يَسْوَى أَلْفًا وَصَدَاقُ مِثْلِهَا أَلْفٌ فَأَبُوهُ بِيعَ له بِصَدَاقِ مِثْلِهَا وَبِأَبِيهَا وَنِصْفُ أَبِيهَا لها بِالصَّدَاقِ وَنِصْفُهُ بِأَبِيهِ فَيَعْتِقُ أَبَوَاهُمَا مَعًا وَإِنْ طَلَّقَهَا قبل أَنْ يَدْخُلَ بها رَجَعَ عليها بِرُبُعِ قِيمَةِ أَبِيهَا وَذَلِكَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ وهو نِصْفُ حِصَّةِ صَدَاقِ مِثْلِهَا قال وَلَوْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا يَسْوَى أَلْفًا وَصَدَاقُ مِثْلِهَا أَلْفٌ على أَنْ زَادَتْهُ عَبْدًا يَسْوَى أَلْفًا فَوَجَدَ بِالْعَبْدِ الذي أَعْطَتْهُ عَيْبًا كان فيها قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا يَرُدُّهُ بِنِصْفِ عَبْدِهِ الذي أَعْطَاهَا لِأَنَّهُ مَبِيعٌ بِنِصْفِهِ وكان لها نِصْفُ الْعَبْدِ الذي أَعْطَاهَا فَإِنْ طَلَّقَهَا رَجَعَ عليها بِرُبُعِ الْعَبْدِ الذي أَصْدَقَهَا وهو نِصْفُ صَدَاقِهِ إيَّاهَا وكان لها رُبُعُهُ لِأَنَّهُ نِصْفُ صَدَاقِهَا وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ إذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ بَيْعًا ( 2 ) أو نِكَاحًا أو بَيْعًا أو إجَارَةً لم يَجُزْ لو انْتَقَصَ الْمِلْكُ في الْعَبْدِ الذي أَصْدَقَهَا بِعَيْبٍ يُرَدُّ بِهِ أو بِأَنْ يَسْتَحِقَّ أو بِأَنْ يُطَلِّقَهَا فَيَكُونُ له بَعْضُهُ إلَّا أَنْ تُنْتَقَضَ الصَّفْقَةُ كُلُّهَا فَتَرُدُّ عليه ما أَخَذَتْ منه وَيَرُدُّ عليها ما أَخَذَ منها وَيَكُونُ لها مَهْرُ مِثْلِهَا كما لو اشْتَرَى رَجُلٌ عَبْدَيْنِ فَاسْتَحَقَّ أَحَدَهُمَا انْتَقَضَ الْبَيْعُ في الثَّانِي أو وَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا فَأَبَى إلَّا أَنْ يَرُدَّ إنتقض الْبَيْعُ في الثَّانِي إذَا لم يُرِدْ أَنْ يَحْبِسَ الْعَبْدَ على الْعَيْبِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَ الرَّجُلُ نِكَاحًا بِصَدَاقٍ على أَنْ تُعْطِيَهُ الْمَرْأَةُ شيئا قَلَّ وَلَا كَثُرَ من بَيْعٍ وَلَا كِرَاءٍ وَلَا إجَارَةٍ وَلَا بَرَاءَةٍ من شَيْءٍ كان لها عليه من قَبْلُ أَنَّهُ إذَا أَصْدَقَهَا أَلْفَيْنِ وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفٌ فَأَعْطَتْهُ عَبْدًا يَسْوَى أَلْفًا ثُمَّ طَلَّقَهَا قبل أَنْ يَدْخُلَ بها انْتَقَضَ نِصْفُ
____________________

(5/67)


حِصَّةِ مَهْرِ مِثْلِهَا وَثَبَتَ نِصْفُهَا فَإِنْ جَعَلْت الْبَيْعَ منها نَقَضْت نِصْفَهُ ولم أَجِدْ شيئا جَمَعَتْهُ صَفْقَةٌ يُنْتَقَضُ إلَّا مَعًا وَلَا يَجُوزُ إلَّا مَعًا فَإِنْ جَعَلْته يُنْتَقَضُ كُلُّهُ فَقَدْ انْتَقَضَ بِغَيْرِ عَيْبٍ وَلَا انْتِقَاضَ نصف ( ( ( لنصف ) ) ) حِصَّةِ عُقْدَةِ النِّكَاحِ فَدَخَلَهُ ما وَصَفْت أَوْلَى من أَنْ يُنْتَقَضَ بَعْضُ الصَّفْقَةِ دُونَ بَعْضٍ وَإِنْ لم أَجْعَلْهُ يُنْتَقَضُ بِحَالٍ فَقَدْ أَجَزْت بَيْعًا معه بِغَيْرِ مِلْكٍ قد انتقص ( ( ( انتقض ) ) ) بَعْضُهُ وَوَقَعَ الْبَيْعُ عليه بِحِصَّةٍ من الثَّمَنِ غَيْرِ مَعْلُومَةٍ لِأَنَّ مَهْرَ مِثْلِهَا ليس بِمَعْلُومٍ حتى يُسْأَلَ عنه وَيُعْتَبَرَ بِغَيْرِهَا فَإِنْ قال قَائِلٌ قد تَجْمَعُ الصَّفْقَةُ بَيْعَ عَبْدَيْنِ مَعًا قِيلَ نعم يَرِقَّانِ فَيُسْتَرَقَّانِ مَعًا وَتُنْتَقَضُ الصَّفْقَةُ في أَحَدِهِمَا فَتُنْتَقَضُ في الْآخَرِ حين لم يَتِمَّ الْبَيْعُ وَلَيْسَ هَكَذَا النِّكَاحُ ( قال الرَّبِيعُ ) وَبِهَذَا يَأْخُذُ الشَّافِعِيُّ وَبِهِ أَخَذْنَا قال وَمَنْ قال هذا الْقَوْلَ لم يُجِزْ أَنْ يُنْكِحَ الرَّجُلُ امْرَأَتَيْنِ بِأَلْفٍ وَلَا يُبَيِّنَ كَمْ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا من الْأَلْفِ وَأُثْبِت النِّكَاحَ في كل ما وَصَفْت وَأَجْعَلُ لِكُلِّ مَنْكُوحَةٍ على هذا صَدَاقَ مِثْلِهَا إنْ مَاتَ أو دخل بها وَنِصْفَ صَدَاقِ مِثْلِهَا إنْ طَلَّقَهَا قبل أَنْ يَدْخُلَ بها وَكَذَلِكَ لَا يجيز ( ( ( يجوز ) ) ) أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ بِأَلْفٍ على أَنْ تُبْرِئَهُ من شَيْءٍ كان لها عليه قبل النِّكَاحِ وَلَا يَنْكِحَهَا بِالْأَلْفِ على أَنْ تَعْمَلَ له عَمَلًا وَلَا يَنْكِحَهَا بِالْأَلْفِ على أَنْ يَعْمَلَ لها عَمَلًا لِأَنَّ هذا نِكَاحٌ وَإِجَارَةٌ لَا تُعْرَفُ حِصَّةُ النِّكَاحِ من حِصَّةِ الْإِجَارَةِ وَنِكَاحٌ وَبَرَاءَةٌ لَا تُعْرَفُ حِصَّةُ النِّكَاحِ من حِصَّةِ الْبَرَاءَةِ فَعَلَى هذا هذا الْبَابُ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ ( قال الرَّبِيعُ ) وَبِهِ يقول الشَّافِعِيُّ (1) قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى التَّفْوِيضُ الذي إذَا عَقَدَ الزَّوْجُ النِّكَاحَ بِهِ عُرِفَ أَنَّهُ تَفْوِيضٌ في النِّكَاحِ أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ الثَّيِّبَ الْمَالِكَةَ لِأَمْرِهَا بِرِضَاهَا وَلَا يسمى مَهْرًا أو يقول لها أَتَزَوَّجُك على غَيْرِ مَهْرٍ فَالنِّكَاحُ في هذا ثَابِتٌ فَإِنْ أَصَابَهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَإِنْ لم يُصِبْهَا حتى طَلَّقَهَا فَلَا مُتْعَةَ وَلَا نِصْفَ مَهْرٍ لها وَكَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ أَتَزَوَّجُك وَلَك عَلَيَّ مِائَةُ دِينَارٍ مَهْرٌ فَيَكُونُ هذا تَفْوِيضًا وَأَكْثَرُ من التَّفْوِيضِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْمِائَةُ فَإِنْ أَخَذَتْهَا منه كان عليها رَدُّهَا بِكُلِّ حَالٍ وَإِنْ مَاتَ قبل أَنْ يسمى لها مَهْرًا أو مَاتَتْ فَسَوَاءٌ وقد رُوِيَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قَضَى في بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ وَنَكَحَتْ بِغَيْرِ مَهْرٍ فَمَاتَ زَوْجُهَا فَقَضَى لها بِمَهْرِ نِسَائِهَا وَقَضَى لها بِالْمِيرَاثِ فَإِنْ كان ثَبَتَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَهُوَ أَوْلَى الْأُمُورِ بِنَا وَلَا حُجَّةَ في قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَإِنْ كَثُرُوا وَلَا في قِيَاسٍ فَلَا شَيْءَ في قَوْلِهِ إلَّا طَاعَةُ اللَّهِ بِالتَّسْلِيمِ له وَإِنْ كان لَا يَثْبُتُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يُثْبِتَ عنه ما لم يَثْبُتْ ولم أَحْفَظْهُ بَعْدُ من وَجْهٍ يَثْبُتُ مِثْلُهُ وهو مَرَّةً يُقَالُ عن مَعْقِلِ بن يَسَارٍ وَمَرَّةً عن مَعْقِلِ بن سِنَانٍ وَمَرَّةً عن بَعْضِ أَشْجَعَ لَا يُسَمَّى وَإِنْ لم يَثْبُتْ فإذا مَاتَ أو مَاتَتْ فَلَا مَهْرَ لها وَلَهُ منها الْمِيرَاثُ إنْ مَاتَتْ وَلَهَا منه الْمِيرَاثُ إنْ مَاتَ وَلَا مُتْعَةَ لها في الْمَوْتِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُطَلَّقَةٍ وَإِنَّمَا جُعِلَتْ الْمُتْعَةُ لِلْمُطَلَّقَةِ قال وَإِنْ كان عَقَدَ عليها عُقْدَةَ النِّكَاحِ بِمَهْرٍ مُسَمًّى أو بغير مَهْرٍ فَسَمَّى لها مَهْرًا فَرَضِيَتْهُ أو رَفَعَتْهُ إلَى السُّلْطَانِ فَفَرَضَ لها مَهْرًا فَهُوَ لها وَلَهَا الْمِيرَاثُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَصْدَقَتْ الْمَرْأَةُ الْعَبْدَ او الْأَمَةَ فَكَاتَبَتْهُمَا أو أَعْتَقَتْهُمَا أو وَهَبَتْهُمَا أو بَاعَتْهُمَا أو دَبَّرَتْهُمَا أو خَرَجَا من مِلْكِهَا ثُمَّ طَلُقَتْ قبل أَنْ يَدْخُلَ بها لم تَرُدَّ من ذلك شيئا إذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قبل أَنْ يَدْخُلَ بها وَيَرْجِعَ عليها بِنِصْفِ قِيمَةِ أَيِّ ذلك أَصْدَقَهَا يوم دَفَعَهُ إلَيْهَا وَلَوْ دَبَّرَتْ الْعَبْدَ أو الْأَمَةَ فَرَجَعَتْ في التَّدْبِيرِ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَالْعَبْدُ بِحَالِهِ رَجَعَ في نِصْفِهِ وَإِنْ طَلَّقَهَا قبل أَنْ تَرْجِعَ في التَّدْبِيرِ لم يُجْبَرْ على أَخْذِهِ وَإِنْ نَقَضَتْ التَّدْبِيرَ لِأَنَّ نِصْفَ الْمَهْرِ صَارَ له وَالْعَبْدُ أو الْجَارِيَةُ مَحُولٌ دُونَهُ بِالتَّدْبِيرِ لَا يُجْبَرُ مَالِكُهُ على نَقْضِ التَّدْبِيرِ فلما لم يَكُنْ يُجْبَرُ عليه كان حَقُّهُ مَكَانَهُ في نِصْفِ قِيمَتِهِ فَلَا يَتَحَوَّلُ إلَى عَبْدٍ قد كان في ثَمَنٍ بِمَشِيئَتِهَا إذَا لم تَكُنْ مَشِيئَتُهُ في أَنْ يَأْخُذَ الْعَبْدَ أو الْأَمَةَ وَيُقَالُ له اُنْقُضْ التَّدْبِيرَ - * التَّفْوِيضُ - * أخبرنا الرَّبِيعُ قال

(5/68)



( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا عبدالمجيد عن بن جُرَيْجٍ قال سَمِعْت عَطَاءً يقول سَمِعْت بن عَبَّاسٍ يَسْأَلُ عن الْمَرْأَةِ يَمُوتُ عنها زَوْجُهَا وقد فَرَضَ صَدَاقَهَا قال لها الصَّدَاقُ وَالْمِيرَاثُ
أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ أَنَّ ابْنَةَ عُبَيْدِ اللَّهِ بن عُمَرَ وَأُمَّهَا ابْنَةُ زَيْدِ بن الْخَطَّابِ وَكَانَتْ تَحْتَ بن لِعَبْدِ اللَّهِ بن عُمَرَ فَمَاتَ ولم يَدْخُلْ بها ولم يُسَمِّ لها صَدَاقًا فَابْتَغَتْ أُمُّهَا صَدَاقَهَا فقال لها بن عُمَرَ ليس لها صَدَاقٌ وَلَوْ كان لها صَدَاقٌ لم نَمْنَعْكُمُوهُ ولم نَظْلِمْهَا فَأَبَتْ أَنْ تَقْبَلَ ذلك فَجَعَلُوا بَيْنَهُمْ زَيْدَ بن ثَابِتٍ فَقَضَى أَنْ لَا صَدَاقَ لها وَلَهَا الْمِيرَاثُ
أخبرنا سُفْيَانُ عن عَطَاءِ بن السَّائِبِ قال سَأَلْت عَبْدَ خَيْرٍ عن رَجُلٍ فُوِّضَ إلَيْهِ فَمَاتَ ولم يَفْرِضْ فقال ليس لها إلَّا الْمِيرَاثُ وَلَا نَشُكُّ أَنَّهُ قَوْلُ عَلِيٍّ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وفي النِّكَاحِ وَجْهٌ آخَرُ قد يَدْخُلُ في اسْمِ التَّفْوِيضِ وَلَيْسَ بِالتَّفْوِيضِ الْمَعْرُوفِ نَفْسِهِ وهو مُخَالِفٌ لِلْبَابِ قَبْلَهُ وَذَلِكَ أَنْ تَقُولَ الْمَرْأَةُ لِلرَّجُلِ أَتَزَوَّجُك على أَنْ تَفْرِضَ لي ما شِئْتَ أو ما شِئْتُ أنا أو ما حَكَمْتَ أنت أو ما حَكَمْتُ أنا أو ما شَاءَ فُلَانٌ أو ما رضي أو ما حَكَمَ فُلَانٌ لِرَجُلٍ آخَرَ فَهَذَا كُلُّهُ وَقَعَ بِشَرْطِ صَدَاقٍ وَلَكِنَّهُ شَرْطٌ مَجْهُولٌ فَهُوَ كَالصَّدَاقِ الْفَاسِدِ مِثْلُ الثَّمَرَةِ التي لم يَبْدُ صَلَاحُهَا على أَنْ تُتْرَكَ إلَى أَنْ تَبْلُغَ وَمِثْلُ الْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ وما أَشْبَهَهُ مِمَّا لَا يَحِلُّ مِلْكُهُ وَلَا يَحِلُّ بَيْعُهُ في حَالِهِ تِلْكَ أو على الْأَبَدِ فَلَهَا في هذا كُلِّهِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَإِنْ طَلَّقَهَا قبل أَنْ يَدْخُلَ بها فَلَهَا نِصْفُ مَهْرِ مِثْلِهَا وَلَا مُتْعَةَ لها في قَوْلِ من ذَهَبَ إلَى أَنْ لَا مُتْعَةَ لِلَّتِي فَرَضَ لها إذَا طَلُقَتْ قبل أَنْ تُمَسَّ وَلَهَا الْمُتْعَةُ في قَوْلِ من قال الْمُتْعَةُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان الصَّدَاقُ تَسْمِيَةً بِوَجْهٍ لَا يَجُوزُ إلَى أَجَلٍ أو غَيْرِ أَجَلٍ أو يُذْكَرُ فيه شَيْءٌ فَهُوَ صَدَاقٌ فَاسِدٌ لها فيه مَهْرُ مِثْلِهَا وَنِصْفُهُ إنْ طَلُقَتْ قبل الدُّخُولِ وَلَوْ أَصْدَقَهَا بَيْتًا أو خَادِمًا لم يَصِفْهُ ولم تَعْرِفْهُ بِعَيْنِهِ كان لها صَدَاقُ مِثْلِهَا لَا يَكُونُ الصَّدَاقُ لَازِمًا إلَّا بِمَا تَلْزَمُ بِهِ الْبُيُوعُ أَلَا تَرَى لو أَنَّ رَجُلًا بَاعَ بَيْتًا غير مَوْصُوفٍ أو خَادِمًا غير مَوْصُوفٍ وَلَا يَرَى وَاحِدًا مِنْهُمَا وَلَا يَعْرِفُهُ بِعَيْنِهِ لم يَجُزْ وَهَكَذَا لو قال أَصْدَقْتُك خَادِمًا بِأَرْبَعِينَ دِينَارًا لم يَجُزْ لِأَنَّ الْخَادِمَ بِأَرْبَعِينَ دِينَارًا قد يَكُونُ صَبِيًّا وَكَبِيرًا وَأَسْوَدَ وَأَحْمَرَ فَلَا يَجُوزُ في الصَّدَاقِ إلَّا ما جَازَ في الْبُيُوعِ وَلَوْ قال أَصْدَقْتُك خَادِمًا خُمَاسِيًّا من جِنْسِ كَذَا أو صِفَةِ كَذَا جَازَ كما يَجُوزُ في الْبُيُوعِ قال وَلَوْ أَصْدَقَهَا دَارًا لَا يَمْلِكُهَا أو عَبْدًا لَا يَمْلِكُهُ أو حُرًّا فقال هذا عَبْدِي أَصَدَقْتُكَهُ فَنَكَحَتْهُ على هذا ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ الدَّارَ وَالْعَبْدَ لم يَكُونَا في مِلْكِهِ يوم عَقَدَ عليها فَعُقْدَةُ النِّكَاحِ جَائِزَةٌ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَلَا يَكُونُ لها قِيمَةُ الْعَبْدِ وَلَا الدَّارُ وَلَوْ مَلَكَهُمَا بَعْدُ فَأَعْطَاهَا إيَّاهُمَا لم يَكُونَا لها إلَّا بِتَجْدِيدِ بَيْعٍ فِيهِمَا لِأَنَّ الْعُقْدَةَ انْعَقَدَتْ وهو لَا يَمْلِكُهُمَا كما لو انْعَقَدَتْ عَلَيْهِمَا عُقْدَةُ بَيْعٍ لم يَجُزْ الْبَيْعُ وَلَوْ مَلَكَهُمَا بَعْدَ الْبَيْعِ أو سَلَّمَهُمَا مَالِكُهُمَا لِلْبَائِعِ بِذَلِكَ الثَّمَنِ لم يَجُزْ حتى يُحْدِثَ فِيهِمَا بَيْعًا وَإِنَّمَا جَعَلْت لها مَهْرَ مِثْلِهَا لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يُرَدُّ كما لَا تُرَدُّ الْبُيُوعُ الْفَائِتَةُ النِّكَاحَ كَالْبُيُوعِ الْفَائِتَةِ قال وَسَيِّدُ الْأَمَةِ في تَزْوِيجِ الرَّجُلِ بِغَيْرِ مَهْرِ مِثْلِ الْمَرْأَةِ الْبَالِغِ في نَفْسِهَا إذَا زَوَّجَهَا بِغَيْرِ أَنْ يسمى مَهْرًا أو زَوَّجَهَا على أَنْ لَا مَهْرَ لها فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ قبل الْمَسِيسِ فَلَهَا الْمُتْعَةُ وَلَيْسَ لها نِصْفُ الْمَهْرِ فَإِنْ مَسَّهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وإذا زَوَّجَ الْأَمَةَ سَيِّدُهَا وَأَذِنَتْ الْحُرَّةُ في نَفْسِهَا بِلَا مَهْرٍ ثُمَّ أَرَادَتْ الْحُرَّةُ وَأَرَادَ سَيِّدُ الْأَمَةِ أَنْ يَفْرِضَ الزَّوْجُ لها مَهْرًا فُرِضَ لها الْمَهْرُ وَإِنْ قَامَتْ عليه قبل أَنْ يُطَلِّقَهَا فَطَلَبَتْهُ فَطَلَّقَهَا قبل أَنْ يَفْرِضَ لها أو يَحْكُمَ عليه الْحَاكِمُ بِمَهْرِ مِثْلِهَا فَلَيْسَ لها إلَّا الْمَتَاعُ لَا يَجِبُ لها نِصْفُ الْمَهْرِ إلَّا أَنْ يَفْرِضَ الْحَاكِمُ أو بِأَنْ يَفْرِضَهُ هو لها بَعْدَ عِلْمِهَا صَدَاقَ مِثْلِهَا فَتَرْضَى كما وَقَعَ عليه الْعَقْدُ فَيَلْزَمُهُمَا جميعا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ نَكَحَهَا بِغَيْرِ مَهْرٍ فَفَرَضَ لها مَهْرًا فلم تَرْضَهُ حتى فَارَقَهَا كانت لها الْمُتْعَةُ ولم يَكُنْ لها مِمَّا فَرَضَ لها شَيْءٌ حتى يَجْتَمِعَا على الرِّضَا فإذا اجْتَمَعَا على الرِّضَا بِهِ لَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ولم يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا نَقْضُ شَيْءٍ منه كما لَا يَكُونُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا نَقْضُ ما وَقَعَتْ عليه الْعُقْدَةُ من الْمَهْرِ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمَا على نَقْضِهَا أو يُطَلِّقُ قبل الْمَسِيسِ فَيُنْتَقَضُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال سُفْيَانُ لَا أَدْرِي لَا نَشُكُّ أَنَّهُ من قَوْلِ عَلِيٍّ أمن ( ( ( أم ) ) ) قَوْلِ عَطَاءٍ أَمْ من قَوْلِ عبد خَيْرٍ

(5/69)


نِصْفُ الْمَهْرِ وَلَا يَلْزَمُهَا ما فَرَضَ لها بِحَالٍ حتى يَعْلَمَا كَمْ مَهْرُ مِثْلِهَا لِأَنَّ لها مَهْرَ مِثْلِهَا بِالْعَقْدِ ما لم يُنْتَقَضْ بِطَلَاقٍ فإذا فَرَضَ وَهُمَا لَا يَعْلَمَانِ مَهْرَ مِثْلِهَا كان هو كَالْمُشْتَرِي وَهِيَ كَالْبَائِعِ ما لم يَعْلَمْ أو يَعْلَمْ أَحَدُهُمَا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَسَوَاءٌ في هذا الْبِكْرُ وَالثَّيِّبُ لِأَنَّ ذلك مِلْكٌ لِلْبِنْتِ دُونَ الْأَبِ وَلَا حَقَّ لِلْأَبِ فيه وَقَوْلُ شُرَيْحٍ تَجُوزُ صَدَقَتُك وَمَعْرُوفُك قد أَحْسَنْت وَإِحْسَانُك حَسَنٌ وَلَكِنَّك أَحْسَنْت فِيمَا لَا يَجُوزُ لَك فَهِيَ أَحَقُّ بِثَمَنِ رَقَبَتِهَا يَعْنِي صَدَاقَهَا - * الْمَهْرُ الْفَاسِدُ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في عَقْدِ النِّكَاحِ شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا الْعُقْدَةُ وَالْآخَرُ الْمَهْرُ الذي يَجِبُ بِالْعَقْدِ فَلَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ إلَّا بِمَا وَصَفْنَا الْعَقْدَ يَفْسُدُ بِهِ من أَنْ يُعْقَدَ مَنْهِيًّا عنه وَلَيْسَ الْمَهْرُ من إفْسَادِ الْعَقْدِ وَلَا إصْلَاحِهِ بِسَبِيلٍ أَلَا تَرَى أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ بِغَيْرِ مَهْرٍ مُسَمًّى صَحِيحٌ فإذا كان الْعَقْدُ مَنْهِيًّا عنه لم يَصِحَّ أَنْ يَكُونَ عَقْدٌ بِمَهْرٍ صَحِيحٍ أولا تَرَى أَنَّ عَقْدَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَيْسَ أبو الْجَارِيَةِ الصَّغِيرَةِ وَلَا الْكَبِيرَةِ الْبِكْرِ كَسَيِّدِ الْأَمَةِ في أَنْ يَضَعَ من مَهْرِهَا وَلَا يُزَوِّجَهَا بِغَيْرِ مَهْرٍ فَإِنْ قِيلَ فما فَرْقٌ بَيْنَهُمَا فَهُوَ يُزَوِّجُهُمَا مَعًا بِلَا رِضَاهُمَا قِيلَ ما يَمْلِكُ من الْجَارِيَةِ من الْمَهْرِ فَلِنَفْسِهِ يَمْلِكُهُ لَا لها فَأَمْرُهُ يَجُوزُ في مِلْكِ نَفْسِهِ وما مَلَكَ لِابْنَتِهِ من مَهْرِهَا فَلَهَا يَمْلِكُهُ لَا لِنَفْسِهِ وَمَهْرُهَا مَالٌ من مَالِهَا فَكَمَا لَا يَجُوزُ له أَنْ يَهَبَ مَالَهَا فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ له أَنْ يَهَبَ صَدَاقَهَا وَلَا يُزَوِّجَهَا بِغَيْرِ صَدَاقٍ كما لَا يَجُوزُ له إتْلَافُ ما سِوَاهُ من مَالِهَا وإذا زَوَّجَهَا أَبُوهَا ولم يُسَمِّ لها مَهْرًا أو قال لِزَوْجِهَا أُزَوِّجُكهَا على أَنْ لَا مَهْرَ عَلَيْك فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ لها وَلَهَا على الزَّوْجِ مَهْرُ مِثْلِهَا لَا يَرْجِعُ بِهِ على الْأَبِ فَإِنْ ضَمِنَ له الْأَبُ الْبَرَاءَةَ من مَهْرِهَا وَسَمَّاهُ فَلِلزَّوْجَةِ على الزَّوْجِ صَدَاقُهَا في مَالِهِ عَاشَ أو مَاتَ أو عَاشَتْ أو مَاتَتْ وَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَهَا عليه نِصْفُ مَهْرِ مِثْلِهَا وَلَا يَرْجِعُ بِهِ الزَّوْجُ على الْأَبِ لِأَنَّهُ لم يَضْمَنْ له في مَالِهِ شيئا فَيَلْزَمُهُ ضَمَانُهُ إنَّمَا ضَمِنَ له أَنْ يُبْطِلَ عنه حَقًّا لِغَيْرِهِ فَإِنْ قال قَائِلٌ وَكَيْفَ جَعَلْت عليه مَهْرَ مِثْلِ الصَّبِيَّةِ إنَّمَا زَوَّجَهُ إيَّاهَا أَبُوهَا وهو لم يَرْضَ بِالنِّكَاحِ إلَّا بِغَيْرِ مَهْرٍ قِيلَ له أرايت إنْ كانت الْمَرْأَةُ الثَّيِّبُ الْمَالِكُ لِأَمْرِهَا التي لو وَهَبَتْ مَالَهَا جَازَ تَنْكِحُ الرَّجُلَ على أَنْ لَا مَهْرَ لها ثُمَّ تَسْأَلُ الْمَهْرَ فَأَفْرِضُ لها مَهْرَ مِثْلِهَا وَلَا أُبْطِلُ النِّكَاحَ كما أُبْطِلُ الْبَيْعَ وَلَا أَجْعَلُ لِلزَّوْجِ الْخِيَارَ بِأَنْ طَلَبَتْ الصَّدَاقَ وقد نَكَحَتْ بِلَا صَدَاقٍ وَكَيْفَ يَنْبَغِي أَنْ أَقُولَ في الصَّبِيَّةِ فَإِنْ قال هَكَذَا لِأَنَّهُمَا مَنْكُوحَتَانِ وَأَكْثَرُ ما في الصَّبِيَّةِ أَنْ يَجُوزَ أَمْرُ أَبِيهَا عليها في مَهْرِهَا كما يَجُوزُ أَمْرُ الْكَبِيرَةِ في نَفْسِهَا في مَهْرِهَا فإذا لم يَبْرَأْ زَوْجُ الْكَبِيرَةِ من الْمَهْرِ بِأَنْ لم يَرْضَ أَنْ يَنْكِحَهَا إلَّا بِلَا مَهْرٍ وَنَكَحَتْهُ على ذلك فَلَزِمَهُ الْمَهْرُ ولم نَفْسَخْ النِّكَاحَ ولم نَجْعَلْ له الْخِيَارَ وَلَوْ أَصَابَهَا كان لها الْمَهْرُ كُلُّهُ فَهَكَذَا الصَّبِيَّةُ فَإِنْ قال نعم وَلَكِنْ لِمَ جَعَلْت على زَوْجِ الصَّبِيَّةِ يُطَلِّقُهَا نِصْفَ مَهْرِ مِثْلِهَا وَأَنْتَ لَا تَجْعَلُ على زَوْجِ الْكَبِيرَةِ إذَا نَكَحَهَا بِلَا مَهْرٍ فَطَلَّقَهَا قبل أَنْ تَطْلُبَ الْفَرْضَ أو يَفْرِضَ أو تُصَابَ إلَّا الْمُتْعَةَ قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِمَا وَصَفْت من أَنَّ النِّكَاحَ ثَابِتٌ بِمَهْرٍ إلَّا على من أَجَازَ أَمْرَهُ من النِّسَاءِ في مَالِهِ فَيَرْضَى أَنْ لَا يَكُونَ له مهر ( ( ( فهو ) ) ) فطلق ( ( ( مطلق ) ) ) قبل أَنْ يَفْرِضَ لها مَهْرًا فَكَانَ لَهُنَّ الْمُتْعَةُ لِأَنَّهُنَّ عَفَوْنَ عن الْمَهْرِ حتى طُلِّقْنَ كما لو عَفَوْنَ عنه وقد فَرَضَ جَازَ عَفْوُهُنَّ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { إلَّا أَنْ يَعْفُونَ } وَالصَّغِيرَةُ لم تَعْفُ عن مَهْرٍ وَلَوْ عَفَتْ لم يَجُزْ عَفْوُهَا وَإِنَّمَا عَفَا عنها أَبُوهَا الذي لَا عَفْوَ له في مَالِهَا فَأَلْزَمْنَا الزَّوْجَ نِصْفَ مَهْرِ مِثْلِهَا بِالطَّلَاقِ وَفَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا لِافْتِرَاقِ حَالِهِمَا في مَالِهِمَا وَلِأَنَّ الزَّوْجَ لم يَرْضَ بِصَدَاقٍ إلَّا أَنْ يَبْرَأَ منه فَكَانَ كَمَنْ سَمَّى صَدَاقًا فَاسِدًا وَلَوْ كان سمي لها صَدَاقًا فَعَفَاهُ الْأَبُ كان لها الصَّدَاقُ الذي سَمَّى وَعَفْوُ الْأَبِ بَعْدَ وُجُوبِ الصَّدَاقِ بَاطِلٌ وَهَكَذَا الْمَحْجُورَةُ إذَا زُوِّجَتْ بِلَا مَهْرٍ لَا تُخَالِفُ الصَّبِيَّةَ في شَيْءٍ أخبرنا عبد الْوَهَّابِ عن أَيُّوبَ عن بن سِيرِينَ أَنَّ رَجُلًا زَوَّجَ ابْنَتَهُ على أَرْبَعَةِ آلَافٍ وَتَرَكَ لِزَوْجِهَا أَلْفًا فَجَاءَتْ الْمَرْأَةُ وَزَوْجُهَا وَأَبُوهَا ثَلَاثَتُهُمْ يَخْتَصِمُونَ إلَى شُرَيْحٍ فقال شُرَيْحٌ تَجُوزُ صَدَقَتُك وَمَعْرُوفُك وَهِيَ أَحَقُّ بِثَمَنِ رَقَبَتِهَا

(5/70)


النِّكَاحِ يَكُونُ بِلَا مَهْرٍ فَيَثْبُتُ النِّكَاحُ وَلَا يَفْسُدُ بِأَنْ لم يَكُنْ مَهْرٌ وَيَكُونُ لِلْمَرْأَةِ إذَا وُطِئَتْ مَهْرُ مِثْلِهَا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) يَعْنِي عُمَرَ لها مَهْرُ امْرَأَةٍ من الْمُسْلِمِينَ وَيَعْنِي من نِسَائِهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وما قُلْت أَنَّ لها مَهْرُ امْرَأَةٍ من نِسَائِهَا ما لَا أَعْلَمُ فيه اخْتِلَافًا وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الذي أَرَادَ عُمَرُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَمَتَى قُلْت لها مَهْرُ نِسَائِهَا فَإِنَّمَا أَعْنِي أَخَوَاتِهَا وَعَمَّاتِهَا وَبَنَاتِ أَعْمَامِهَا نِسَاءَ عَصَبَتِهَا وَلَيْسَ أُمُّهَا من نِسَائِهَا وَأَعْنِي مَهْرَ نِسَاءِ بَلَدِهَا لِأَنَّ مُهُورَ الْبُلْدَانِ تَخْتَلِفُ وَأَعْنِي مَهْرَ من هو في مِثْلِ شَبَابِهَا وَعَقْلِهَا وَأَدَبِهَا لِأَنَّ الْمُهُورَ تَخْتَلِفُ بِالشَّبَابِ وَالْهَيْئَةِ وَالْعَقْلِ وَأَعْنِي مَهْرَ من هو في مِثْلِ يُسْرِهَا لِأَنَّ الْمُهُورَ تَخْتَلِفُ بِالْيُسْرِ وَأَعْنِي مَهْرَ من هو في جَمَالِهَا لِأَنَّ الْمُهُورَ تَخْتَلِفُ بِالْجَمَالِ وَأَعْنِي مَهْرَ من هو في صَرَاحَتِهَا لِأَنَّ الْمُهُورَ تَخْتَلِفُ بِالصَّرَاحَةِ وَالْهُجْنَةِ وَبِكْرًا كانت أو ثَيِّبًا لِأَنَّ الْمُهُورَ تَخْتَلِفُ في الْأَبْكَارِ وَالثَّيِّبِ قال وَإِنْ كان من نِسَائِهَا من تَنْكِحُ بِنَقْدٍ او دَيْنٍ أو بِعَرْضٍ أو بِنَقْدٍ وَعَرْضٍ جَعَلْت صَدَاقَهَا نَقْدًا كُلَّهُ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْقِيمَةِ لَا يَكُونُ بِدَيْنٍ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ قَدْرُ النَّقْدِ من الدَّيْنِ وَإِنَّ الدَّيْنَ إنَّمَا يَكُونُ بِرِضَا من يَكُونُ له الدَّيْنُ فَإِنْ كانت لَا نِسَاءَ لها فَمَهْرُ أَقْرَبِ النِّسَاءِ منها شَبَهًا بها فِيمَا وَصَفْت والنسب ( ( ( بالنسب ) ) ) فإن
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا الْمَوْضِعُ الذي يُخَالِفُ فيه النِّكَاحُ الْبَيْعَ لِأَنَّ الْبَيْعَ إذَا وَقَعَ بِغَيْرِ ثَمَنٍ لم يَجِبْ وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ قد بِعْتُك بِحُكْمِك فَلَا يَكُونُ بَيْعًا وَهَذَا في النِّكَاحِ صَحِيحٌ فَإِنْ قال قَائِلٌ من أَيْنَ أَجَزْت هذا في النِّكَاحِ وَرَدَدْته في الْبُيُوعِ وَأَنْتَ تَحْكُمُ في عَامَّةِ النِّكَاحِ أَحْكَامَ الْبُيُوعِ قِيلَ قال اللَّهُ عز وجل { لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ } إلَى { وَمَتِّعُوهُنَّ } وقال تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ من قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وقد فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ } فَأَعْلَمَ اللَّهُ تَعَالَى في الْمَفْرُوضِ لها أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ عليها كما أَعْلَمَ في التي لم يُفْرَضْ لها أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ عليها وَالطَّلَاقُ لَا يَقَعُ إلَّا على زَوْجَةٍ وَالزَّوْجَةُ لَا تَكُونُ إلَّا وَنِكَاحُهَا ثَابِتٌ قال ولم أَعْلَمْ مُخَالِفًا مَضَى وَلَا أَدْرَكْته في أَنَّ النِّكَاحَ يَثْبُتُ وَإِنْ لم يُسَمِّ مَهْرًا وَأَنَّ لها إنْ طَلُقَتْ وقد نَكَحَتْ ولم يُسَمِّ مَهْرًا الْمُتْعَةَ وَإِنْ أُصِيبَتْ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا فلما كان هذا كما وَصَفْت لم يَجُزْ أَبَدًا أَنْ يَفْسُدَ النِّكَاحُ من جِهَةِ الْمَهْرِ بِحَالٍ أَبَدًا فإذا نَكَحَهَا بِمَهْرٍ مَجْهُولٍ أو مَهْرٍ حَرَامِ الْبَيْعِ في حَالِهِ التي نَكَحَهَا فيها أو حَرَامٍ بِكُلِّ حَالٍ قال فَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ وَعَقْدُ النِّكَاحِ ثَابِتٌ وَالْمَهْرُ بَاطِلٌ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا إنْ طَلَّقَهَا قبل أَنْ يَدْخُلَ بها لِأَنَّهَا سَمَّتْ مَهْرًا وَإِنْ لم يَجُزْ بِأَنَّهُ مَعْلُومٌ حَلَالٌ ولم يَحِلَّ لِأَنَّهَا لم تَرُدَّ نِكَاحَهُ بِلَا مَهْرٍ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَنْكِحَ بِثَمَرَةٍ لم يَبْدُ صَلَاحُهَا على أَنْ يَدَعَهَا إلَى أَنْ تَبْلُغَ فَيَكُونَ لها مَهْرُ مِثْلِهَا وَتَكُونَ الثَّمَرَةُ لِصَاحِبِهَا لِأَنَّ بَيْعَهَا في هذه الْحَالِ لَا يَحِلُّ على هذا الشَّرْطِ وَلَوْ نَكَحَتْ بها على أَنْ تَقْطَعَهَا حِينَئِذٍ كان النِّكَاحُ جَائِزًا فَإِنْ تَرَكَهَا حتى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا فَهِيَ لها وهو مُتَطَوِّعٌ وَمَتَى قام عليها بِقَطْعِهَا فَعَلَيْهَا أَنْ تَقْطَعَهَا في أَيِّ حَالٍ قام عليها فيها قال وَلَوْ نَكَحَهَا بِخَمْرٍ أو خِنْزِيرٍ فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ وَالْمَهْرُ بَاطِلٌ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَكَذَلِكَ إنْ نَكَحَتْهُ بِحُكْمِهَا أو حُكْمِهِ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَإِنْ حَكَمَتْ حُكْمًا أو حَكَمَهُ فَرَضِيَا بِهِ فَلَهُمَا ما تَرَاضَيَا عليه وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُمَا ما تَرَاضَيَا عليه بعد ما يَعْرِفَانِ مَهْرَ مِثْلِهَا وَلَا يَجُوزُ ما تَرَاضَيَا عليه أَبَدًا إلَّا بعد ما يَعْرِفَانِ مَهْرَ مِثْلِهَا وَلَوْ فَرَضَ لها فَتَرَاضَيَا على غَيْرِهِ أو لم يَفْرِضْ لها فَتَرَاضَيَا فَكَمَا يَكُونُ ذلك لَهُمَا لو ابْتَدَأَ بِالْفَرْضِ لها وَلَا أَقُولُ لها أَبَدًا اُحْكُمِي وَلَكِنْ أَقُولُ لها مَهْرُ مِثْلِهَا إلَّا أَنْ تَشَاءَ أَنْ تَتَرَاضَيَا فَلَا أَعْرِضُ لَكُمَا فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ عليه
أخبرنا عبد الْوَهَّابِ عن أَيُّوبَ عن بن سِيرِينَ أَنَّ الْأَشْعَثَ بن قَيْسٍ صَحِبَ رَجُلًا فَرَأَى امْرَأَتَهُ فَأَعْجَبَتْهُ قال فَتُوُفِّيَ في الطَّرِيقِ فَخَطَبَهَا الْأَشْعَثُ بن قَيْسٍ فَأَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ إلَّا على حُكْمِهَا فَتَزَوَّجَهَا على حُكْمِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قبل أَنْ تَحْكُمَ فقال اُحْكُمِي فقالت أُحَكِّمُ فُلَانًا وَفُلَانًا رَقِيقَيْنِ كَانُوا لِأَبِيهِ من بِلَادِهِ فقال اُحْكُمِي غير هَؤُلَاءِ فَأَتَى عُمَرُ فقال يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَجَزْت ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فقال ما هُنَّ قال عَشِقْت امْرَأَةً قال هذا ما لَا تَمْلِكُ قال ثُمَّ تَزَوَّجْتهَا على حُكْمِهَا ثُمَّ طَلَّقْتهَا قبل أَنْ تَحْكُمَ قال عُمَرُ امْرَأَةٌ من الْمُسْلِمِينَ

(5/71)


الْمُهُورَ تَخْتَلِفُ بِالنَّسَبِ وَلَوْ كان نِسَاؤُهَا يَنْكِحْنَ إذَا نَكَحْنَ في عَشَائِرِهِنَّ خَفَّفْنَ الْمَهْرَ وإذا نَكَحْنَ في الْغُرَبَاءِ كانت مُهُورُهُنَّ أَكْثَرَ فَرَضْت عليه الْمَهْرَ إنْ كان من عَشِيرَتِهَا كَمُهُورِ نِسَائِهَا في عَشِيرَتِهَا وَإِنْ كان غَرِيبًا كَمُهُورِ الْغُرَبَاءِ - * الِاخْتِلَافُ في الْمَهْرِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) بعد ( ( ( بعض ) ) ) الشَّهَادَةِ مُتَضَادَّةٌ وَلَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا كان أَكْثَرَ من أَلْفَيْنِ أو أَقَلَّ من أَلْفٍ وَبِهِ يَأْخُذُ الشَّافِعِيُّ قال وَلَوْ تَصَادَقَا على الصَّدَاقِ أَنَّهُ أَلْفٌ فقال دَفَعْت إلَيْهَا خَمْسَمِائَةٍ من صَدَاقِهَا فَأَقَرَّتْ بِذَلِكَ أو قَامَتْ عليها بها بَيِّنَةٌ وَقَالَتْ أَعْطَيْتنِيهَا هَدِيَّةً وقال بَلْ صَدَاقٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ وَهَكَذَا لو دَفَعَ إلَيْهَا عَبْدًا فقال قد أَخَذْتِيهِ مِنِّي بَيْعًا بِصَدَاقِك وَقَالَتْ بَلْ أَخَذْته مِنْك هِبَةً فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ وَيَحْلِفُ على الْبَيْعِ وَتَرُدُّ الْعَبْدَ إنْ كان حَيًّا أو قِيمَتَهُ إنْ كان مَيِّتًا وَلَوْ تَصَادَقَا أَنَّ الصَّدَاقَ أَلْفٌ فَدَفَعَ إلَيْهَا أَلْفَيْنِ فقال أَلْفٌ صَدَاقٌ والف وَدِيعَةٌ وَقَالَتْ أَلْفٌ صَدَاقٌ وَأَلْفٌ هَدِيَّةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ وَلَهُ عِنْدَهَا أَلْفٌ وَدِيعَةً وإذا أَقَرَّتْ أَنْ قد قَبَضَتْ منه شيئا فَقَدْ أَقَرَّتْ بِمَالٍ له وَادَّعَتْ مِلْكَهُ بِغَيْرِ ما قال فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ في مَالِهِ قال وإذا نَكَحَ الصَّغِيرَةَ أو الْكَبِيرَةَ الْبِكْرَ التي يَلِي أَبُوهُمَا بُضْعَهُمَا وَمَالَهُمَا فَدَفَعَ إلَى أَبِيهِمَا صَدَاقَهُمَا فَهُوَ بَرَاءَةٌ له من الصَّدَاقِ وَهَكَذَا الثَّيِّبُ التي يَلِي أَبُوهَا مَالَهَا وَهَكَذَا إذَا دَفَعَ صَدَاقَهَا إلَى من يَلِي مَالَهَا من غَيْرِ الْآبَاءِ فَهُوَ بَرَاءَةٌ له من الصَّدَاقِ وإذا دَفَعَ ذلك إلَى الْأَبِ لِابْنَتِهِ الثَّيِّبِ التي تَلِي نَفْسَهَا أو الْبِكْرِ الرَّشِيدَةِ الْبَالِغِ التي تَلِي مَالَهَا دُونَ أَبِيهَا أو إلَى أَحَدٍ من الْأَوْلِيَاءِ لَا يَلِي الْمَالَ فَلَا بَرَاءَةَ له من صَدَاقِهَا وَالصَّدَاقُ لَازِمٌ بِحَالِهِ وَيَتْبَعُ من دَفَعَهُ إلَيْهِ بِالصَّدَاقِ بِمَا دَفَعَ إلَيْهِ وإذا وَكَّلَتْ الْمَرْأَةُ التي تَلِي مَالَهَا رَجُلًا من كان يَدْفَعُ صَدَاقَهَا إلَيْهِ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ الزَّوْجُ فَهُوَ بَرِيءٌ منه
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا اخْتَلَفَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ في الْمَهْرِ قبل الدُّخُولِ أو بَعْدَهُ وَقَبْلَ الطَّلَاقِ أو بَعْدَهُ فقال نَكَحْتُك على أَلْفٍ وَقَالَتْ بَلْ نَكَحْتَنِي على أَلْفَيْنِ أو قال نَكَحْتُك على عَبْدٍ وقال ( ( ( وقالت ) ) ) بَلْ نَكَحْتَنِي على دَارٍ بِعَيْنِهَا وَلَا بَيِّنَةَ بَيْنَهُمَا تَحَالَفَا وَأَبْدَأُ بِالرَّجُلِ في الْيَمِينِ فَإِنْ حَلَفَ أحلفت ( ( ( حلفت ) ) ) الْمَرْأَةُ فَإِنْ حَلَفَتْ جَعَلْت لها مَهْرَ مِثْلِهَا فَإِنْ دخل بها فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا كَامِلًا وَإِنْ كان طَلَّقَهَا ولم يَدْخُلْ بها فَلَهَا نِصْفُ مَهْرِ مِثْلِهَا وَهَكَذَا إذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجُ وأبو الصَّبِيَّةِ الْبِكْرِ أو سَيِّدُ الْأَمَةِ وَهَكَذَا إنْ اخْتَلَفَ وَرَثَةُ الْمَرْأَةِ وَوَرَثَةُ الزَّوْجِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا أو وَرَثَةُ أَحَدِهِمَا والاخر بَعْدَ مَوْتِهِ قال وَلَوْ اخْتَلَفَ في دَفْعِهِ فقال قد دَفَعْت إلَيْك صَدَاقَك وَقَالَتْ ما دَفَعْت إلَيَّ شيئا او اخْتَلَفَ أبو الْبِكْرِ الذي يَلِي مَالَهَا أو سَيِّدُ الْأَمَةِ فقال الزَّوْجُ قد دَفَعْت إلَيْك صَدَاقَ ابْنَتِك قال الْأَبُ لم تَدْفَعْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ وَقَوْلُ أبي الْبِكْرِ وَسَيِّدِ الْأَمَةِ مع أَيْمَانِهِمْ وَسَوَاءٌ دخل بها الزَّوْجُ أو لم يَدْخُلْ بها أو مَاتَتْ الْمَرْأَةُ أو الرَّجُلُ أو كَانَا حَيَّيْنِ ولو ( ( ( لورثتهما ) ) ) ورثتهما في ذلك مالهما في حَيَاتِهِمَا وَسَوَاءٌ عُرِفَ الصَّدَاقُ أو لم يُعْرَفْ إنْ عُرِفَ فَلَهَا الصَّدَاقُ الذي يَتَصَادَقَانِ عليه أو تَقُومُ بِهِ بَيِّنَةٌ فَإِنْ لم يُعْرَفْ ولم يَتَصَادَقَا وَلَا بَيِّنَةَ تَقُومُ تَحَالَفَا إنْ كَانَا حَيَّيْنِ وَوَرَثَتُهُمَا على الْعِلْمِ إنْ كَانَا مَيِّتَيْنِ وكان لها صَدَاقُ مِثْلِهَا لِأَنَّ الصَّدَاقَ حَقٌّ من الْحُقُوقِ فَلَا يَزُولُ إلَّا بِإِقْرَارِ الذي له الْحَقُّ أو الذي إلَيْهِ الْحَقُّ من وَلِيِّ الْبِكْرِ الصَّبِيَّةِ وَسَيِّدِ الْأَمَةِ بِمَا يُبْرِئُ الزَّوْجَ منه قال وَلَوْ اخْتَلَفَا فيه فَأَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ بِأَنَّهُ أَصْدَقَهَا أَلْفَيْنِ واقام الزَّوْجُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَصْدَقَهَا أَلْفًا لم تَكُنْ وَاحِدَةٌ من الْبَيِّنَتَيْنِ أَوْلَى من الْأُخْرَى لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْمَرْأَةِ تَشْهَدُ بِأَلْفَيْنِ وَبَيِّنَةُ الرَّجُلِ تَشْهَدُ له بِأَلْفٍ قد مَلَكَ بها الْعَقْدَ فَلَا يَجُوزُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ عِنْدِي فيها إلَّا أَنْ يَتَحَالَفَا وَيَكُونَ لها مَهْرُ مِثْلِهَا فَيَكُونَ هذا كَتَصَادُقِهِمَا على الْمَبِيعِ الْهَالِكِ وَاخْتِلَافُهُمَا في الثَّمَنِ أو الْقُرْعَةِ فَأَيُّهُمَا خَرَجَ سَهْمُهُ حَلَفَ لقد شَهِدَ شُهُودُهُ بِحَقٍّ وَأَخَذَ بِيَمِينِهِ

(5/72)


- * الشَّرْطُ في النِّكَاحِ - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا عَقَدَ الرَّجُلُ النِّكَاحَ على الْبِكْرِ أو الثَّيِّبِ التي تَلِي مَالَ نَفْسِهَا أو لَا تَلِيهِ فَإِذْنُهَا في النِّكَاحِ غَيْرُ إذْنِهَا في الصَّدَاقِ فَلَوْ نَكَحَهَا بِأَلْفٍ على أَنَّ لِأَبِيهَا ألف ( ( ( ألفا ) ) ) فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا كان أَقَلَّ من أَلْفٍ أو أَكْثَرَ من أَلْفَيْنِ من قِبَلِ أَنَّهُ نِكَاحٌ جَائِزٌ عُقِدَ فيه صَدَاقٌ فَاسِدٌ وَجَبَ في أَصْلِ الْعَقْدِ ليس من الْعَقْدِ وَلَا يَجِبُ بِالْعَقْدِ ما لم يَجْعَلْهُ الزَّوْجُ لِلْمَرْأَةِ فَيَكُونُ صَدَاقًا لها فإذا أَعْطَاهُ الْأَبُ فَإِنَّمَا أَعْطَاهُ بِحَقِّ غَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ له أَنْ يَأْخُذَ بِحَقِّ غَيْرِهِ وَلَيْسَ بِهِبَةٍ وَلَوْ كان هِبَةً لم تَجُزْ إلَّا مَقْبُوضَةً وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ إلَّا مَهْرُ مِثْلِهَا وَلَوْ كانت الْبِنْتُ ثَيِّبًا أو بِكْرًا بَالِغًا فَرَضِيَتْ قبل النِّكَاحِ أَنْ يَنْكِحَهَا بِأَلْفَيْنِ على أَنْ يُعْطِيَ أَبَاهَا أو أَخَاهَا مِنْهُمَا أَلْفًا كان النِّكَاحُ جَائِزًا وكان هذا تَوْكِيلًا منها لِأَبِيهَا بِالْأَلْفِ التي أَمَرَتْ بِدَفْعِهَا إلَيْهِ وَكَانَتْ الْأَلْفَانِ لها وَلَهَا الْخِيَارُ في أَنْ تُعْطِيَهَا أَبَاهَا وَأَخَاهَا هِبَةً لَهُمَا أو مَنْعِهَا لَهُمَا لِأَنَّهَا هِبَةٌ لم تُقْبَضْ أو وَكَالَةٌ بِقَبْضِ أَلْفٍ فَيَكُونُ لها الرَّجْعَةُ في الْوَكَالَةِ وَإِنَّمَا فَرَّقْت بين الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ إذَا كَانَتَا يَلِيَانِ أَمْوَالَهُمَا أو لَا يَلِيَانِهَا أَنَّ التي تَلِي مَالَهَا مِنْهُمَا يَجُوزُ لها ما صَنَعَتْ في مَالِهَا من تَوْكِيلٍ وَهِبَةٍ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لو بَاعَ من رَجُلٍ عَبْدًا بِأَلْفٍ على أَنْ يُعْطِيَهُ خَمْسَمِائَةٍ وَآخَرَ خَمْسَمِائَةٍ كان جَائِزًا وَكَانَتْ الْخَمْسُمِائَةِ إحَالَةً منه للاخر بها أو وَكَالَةً وَالْبِكْرُ الصَّغِيرَةُ وَالثَّيِّبُ التي لَا تَلِي مَالَهَا لَا يَجُوزُ لها في مَالِهَا ما صَنَعَتْ قال وَلَوْ انْعَقَدَتْ عُقْدَةُ النِّكَاحِ بِأَمْرِ التي تَلِي أَمْرَهَا بِمَهْرٍ رَضِيَتْهُ ثُمَّ شَرَطَ لها بَعْدَ عُقْدَةِ النِّكَاحِ شيئا كان له الرُّجُوعُ فيه وكان الْوَفَاءُ بِهِ أَحْسَنَ لو رَضِيَتْ لو ( ( ( ولو ) ) ) كان هذا في التي لَا تَلِي مَالَهَا كان هَكَذَا إلَّا أَنَّهُ إنْ كان نَقَصَ التي لَا تَلِي مَالَهَا شيئا من مَهْرِ مِثْلِهَا بَلَغَ بها مَهْرَ مِثْلِهَا وَلَوْ حَابَى أبو التي لَا تَلِي مَالَهَا في مَهْرِهَا أو وَضَعَ منه كان على زَوْجِهَا أَنْ يُلْحِقَهَا بِمَهْرِ مِثْلِهَا وَلَا يَرْجِعُ بِهِ على الْأَبِ وكان وَضْعُ الْأَبِ من مَهْرِهَا بَاطِلًا كما يَكُونُ هِبَتُهُ مَالَهَا سِوَى الْمَهْرِ بَاطِلًا وَهَكَذَا سَائِرُ الْأَوْلِيَاءِ وَهَكَذَا لو كانت تَلِي مَالَهَا فَكَانَ ما صَنَعَ بِغَيْرِ أَمْرِهَا وَلَوْ نَكَحَ بِكْرًا أو ثَيِّبًا بِأَمْرِهَا على أَلْفٍ على أَنَّ لها أَنْ تَخْرُجَ مَتَى شَاءَتْ من مَنْزِلِهِ وَعَلَى أَنْ لَا تَخْرُجَ من بَلَدِهَا وَعَلَى أَنْ لَا يَنْكِحَ عليها وَلَا يَتَسَرَّى عليها أو أَيِّ شَرْطٍ ما شَرَطَتْهُ عليه مِمَّا كان له إذَا انْعَقَدَ النِّكَاحُ أَنْ يَفْعَلَهُ وَيَمْنَعَهَا منه فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَإِنْ كان انْتَقَصَهَا بِالشَّرْطِ شيئا من مَهْرِ مِثْلِهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَإِنْ كان لم يُنْقِصْهَا من مَهْرِ مِثْلِهَا بِالشَّرْطِ أو كان قد زَادَهَا عليه وَزَادَهَا على الشَّرْطِ أَبْطَلَتْ الشَّرْطَ ولم أَجْعَلْ لها الزِّيَادَةَ على مَهْرِ مِثْلِهَا ولم يَزِدْهَا على مَهْرِ مِثْلِهَا لِفَسَادِ عَقْدِ الْمَهْرِ بِالشَّرْطِ الذي دخل معه أَلَا تَرَى لو أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى عَبْدًا بِمِائَةِ دِينَارٍ وَزِقَّ خَمْرٍ فَرَضِيَ رَبُّ الْعَبْدِ أَنْ يَأْخُذَ الْمِائَةَ وَيُبْطِلَ الزِّقَّ الْخَمْرَ لم يَكُنْ ذلك له لِأَنَّ الثَّمَنَ انْعَقَدَ على ما يَجُوزُ وَعَلَى ما لَا يَجُوزُ فَبَطَلَ ما لَا يَجُوزُ وما يَجُوزُ وكان له قِيمَةُ الْعَبْدِ إنْ مَاتَ في يَدَيْ الْمُشْتَرِي وَلَوْ أَصْدَقَهَا أَلْفًا على أَنْ لَا يُنْفِقَ عليها أو على أَنْ لَا يَقْسِمَ لها أو على أَنَّهُ في حِلٍّ مِمَّا صَنَعَ بها كان الشَّرْطُ بَاطِلًا وكان له إنْ كان صَدَاقُ مِثْلِهَا أَقَلَّ من الْأَلْفِ أَنْ يَرْجِعَ عليها حتى يُصَيِّرَهَا إلَى صَدَاقِ مِثْلِهَا لِأَنَّهَا شَرَطَتْ له ما ليس له فَزَادَهَا مِمَّا طَرَحَ عن نَفْسِهِ من حَقِّهَا فَأَبْطَلَتْ حِصَّةَ الزِّيَادَةِ من مَهْرِهَا وَرَدَّدْتهَا إلَى مَهْرِ مِثْلِهَا فَإِنْ قال قَائِلٌ فَلِمَ لَا تُجِيزُ عليه ما شَرَطَ لها وَعَلَيْهَا ما شَرَطَتْ له قِيلَ رَدَدْت شَرْطَهُمَا إذ أَبْطَلَا بِهِ ما جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ ثُمَّ ما جَعَلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَبِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ما بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ في كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ما كان من شَرْطٍ ليس في كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ وَلَوْ كان مِائَةَ شَرْطٍ قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُهُ أَوْثَقُ فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ فَأَبْطَلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كُلَّ شَرْطٍ ليس في كِتَابِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إذَا كان في كِتَابِ اللَّهِ أو سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم خِلَافُهُ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما الشَّرْطُ لِلرَّجُلِ على الْمَرْأَةِ والمراة على الرَّجُلِ مِمَّا إبْطَالُهُ بِالشَّرْطِ خِلَافٌ لِكِتَاب

(5/73)


اللَّهِ أو السُّنَّةِ أو أَمْرٍ اجْتَمَعَ الناس عليه قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَحَلَّ اللَّهُ عز وجل لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْكِحَ أَرْبَعًا وما مَلَكَتْ يَمِينُهُ فإذا شَرَطَتْ عليه أَنْ لَا يَنْكِحَ وَلَا يَتَسَرَّى حَظَرَتْ عليه ما وَسَّعَ اللَّهُ تَعَالَى عليه وقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ يَوْمًا تَطَوُّعًا وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ فَجَعَلَ له مَنْعَهَا ما يُقَرِّبُهَا إلَى اللَّهِ إذَا لم يَكُنْ فَرْضًا عليها لِعَظِيمِ حَقِّهِ عليها وَأَوْجَبَ اللَّهُ عز وجل له الْفَضِيلَةَ عليها ولم يَخْتَلِفْ أَحَدٌ عَلِمْته في أَنَّ له أَنْ يُخْرِجَهَا من بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ وَيَمْنَعَهَا من الْخُرُوجِ فإذا شَرَطَتْ عليه أَنْ لَا يَمْنَعَهَا من الْخُرُوجِ وَلَا يُخْرِجَهَا شَرَطَتْ عليه إبْطَالَ مَالِهِ عليها قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { فَوَاحِدَةً أو ما مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذلك أَدْنَى ألا تَعُولُوا } فَدَلَّ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى على أَنَّ على الرَّجُلِ أَنْ يَعُولَ امْرَأَتَهُ ودلت ( ( ( دلت ) ) ) عليه السُّنَّةُ فإذا شَرَطَ عليها أَنْ لَا يُنْفِقَ عليها أُبْطِلَ ما جَعَلَ لها وَأُمِرَ بِعِشْرَتِهَا بِالْمَعْرُوفِ ولم يُبَحْ له ضَرْبَهَا إلَّا بِحَالٍ فإذا شَرَطَ عليها أَنَّ له أَنْ يُعَاشِرَهَا كَيْفَ شَاءَ وَأَنْ لَا شَيْءَ عليه فِيمَا نَالَ منها فَقَدْ شَرَطَ أَنَّ له أَنْ يَأْتِيَ منها ما ليس له فَبِهَذَا أَبْطَلْنَا هذه الشُّرُوطَ وما في مَعْنَاهَا وَجَعَلْنَا لها مَهْرَ مِثْلِهَا فَإِنْ قال قَائِلٌ فَقَدْ يُرْوَى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال إنَّ أَحَقَّ ما وَفَّيْتُمْ بِهِ من الشُّرُوطِ ما اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ فَهَكَذَا نَقُولُ في سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أنه إنَّمَا يُوَفَّى من الشُّرُوطِ ما يَبِينُ أَنَّهُ جَائِزٌ ولم تَدُلَّ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ وقد يُرْوَى عنه عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْمُسْلِمُونَ على شُرُوطِهِمْ إلَّا شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا أو حَرَّمَ حَلَالًا وَمُفَسَّرُ حَدِيثِهِ يَدُلُّ على جُمْلَتِهِ - * ما جاء في عَفْوِ الْمَهْرِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمَرْأَةِ فِيمَا أَوْجَبَ لها من نِصْفِ الْمَهْرِ أَنْ تَعْفُوَ وَجَعَلَ لِلَّذِي يَلِي عُقْدَةَ النِّكَاحِ أَنْ يَعْفُوَ وَذَلِكَ أَنْ يُتِمَّ لها الصَّدَاقَ فَيَدْفَعَهُ إنْ لم يَكُنْ دَفَعَهُ كَامِلًا وَلَا يَرْجِعُ بِنِصْفِهِ إنْ كان دَفَعَهُ وَبَيِّنٌ عِنْدِي في الْآيَةِ أَنَّ الذي بيده عُقْدَةُ النِّكَاحِ الزَّوْجُ وَذَلِكَ إنَّهُ إنَّمَا يَعْفُوهُ من له ما يَعْفُوهُ فلما ذَكَرَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ عَفْوَهَا مِمَّا مَلَكَتْ من نِصْفِ الْمَهْرِ أَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ عَفْوِهِ لِمَا له من جِنْسِ نِصْفِ الْمَهْرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَحَضَّ اللَّهُ تَعَالَى على الْعَفْوِ وَالْفَضْلِ فقال عز وجل { وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ } وَبَلَغَنَا عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّهُ قال الذي بيده عُقْدَةُ النِّكَاحِ الزَّوْجُ
( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَخْبَرَنَا بن أبي فُدَيْكٍ أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن عبد اللَّهِ بن جَعْفَرِ بن الْمِسْوَرِ عن وَاصِلِ بن أبي سَعِيدٍ عن مُحَمَّدِ بن جُبَيْرِ بن مُطْعِمٍ عن أبيه أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ولم يَدْخُلْ بها حتى طَلَّقَهَا فَأَرْسَلَ إلَيْهَا بِالصَّدَاقِ تَامًّا فَقِيلَ له في ذلك فقال أنا أَوْلَى بِالْعَفْوِ أخبرنا عبد الْوَهَّابِ عن أَيُّوبَ عن بن سِيرِينَ قال الذي بيده عُقْدَةُ النِّكَاحِ الزَّوْجُ
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن بن أبي مُلَيْكَةَ عن سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ أَنَّهُ قال الذي بيده عُقْدَةُ النِّكَاحِ الزَّوْجُ
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عن بن الْمُسَيِّبِ انه قال هو الزَّوْجُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْمُخَاطَبُونَ بِأَنْ يعفون ( ( ( يعفوا ) ) ) فَيَجُوزُ عَفْوُهُمْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ الْأَحْرَارُ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَبِيدَ لَا يَمْلِكُونَ شيئا فَلَوْ كانت أَمَةٌ عِنْدَ حُرٍّ فَعَفَتْ له عن بَعْضِ الْمَهْرِ أو الْمَهْرِ لم يَجُزْ عَفْوُهَا وَذَلِكَ أنها لَا تَمْلِكُ شيئا إنَّمَا يَمْلِكُ مَوْلَاهَا ما مَلَكَ بِسَبَبِهَا وَلَوْ عَفَاهُ الْمَوْلَى جَازَ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ إنْ عَفَا الْمَهْرَ كُلَّهُ وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِهِ لم يَجُزْ عَفْوُهُ وإذا عَفَاهُ مَوْلَاهُ جَازَ عَفْوُهُ لِأَنَّ مَوْلَاهُ الْمَالِكُ لِلْمَالِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَمَّا أبو الْبِكْرِ يَعْفُو عن نِصْفِ الْمَهْرِ فَلَا يَجُوزُ ذلك له من قِبَلِ أَنَّهُ عَفَا عَمَّا لَا يَمْلِكُ وما يَمْلِكُهُ تَمْلِكُهُ ابْنَتُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو وَهَبَ مَالًا لِبِنْتِهِ غير الصَّدَاقِ لم تَجُزْ هِبَتُهُ فَكَذَلِكَ إذَا وَهَبَ الصَّدَاقَ لم تَجُزْ هِبَتُهُ لِأَنَّهُ مَالٌ من مَالِهَا وَكَذَلِكَ أبو الزَّوْجِ لو كان الزَّوْجُ مَحْجُورًا عليه فَعَفَا عن نِصْفِ الْمَهْرِ الذي له أَنْ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ من قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وقد فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً } الْآيَةَ

(5/74)


يَرْجِعَ بِهِ لم يَجُزْ عَفْوُ أبيه لِأَنَّهُ مَالٌ من مَالِهِ يَهَبُهُ وَلَيْسَ له هِبَةُ مَالِهِ قال وَلَا يَجُوزُ الْعَفْوُ إلَّا لِبَالِغٍ حُرٍّ رَشِيدٍ يَلِي مَالَ نَفْسِهِ فَإِنْ كان الزَّوْجُ بَالِغًا حُرًّا مَحْجُورًا عليه فَدَفَعَ الصَّدَاقَ ثُمَّ طَلَّقَهَا قبل الْمَسِيسِ فَعَفَا نِصْفَ الْمَهْرِ الذي له أَنْ يَرْجِعَ كان عَفْوُهُ بَاطِلًا كما تَكُونُ هِبَةُ مَالِهِ سِوَى الصَّدَاقِ وَكَذَلِكَ لو كانت الْمَرْأَةُ بِكْرًا لَا يَجُوزُ لها هِبَةُ مَالِهَا وَلَا لِأَوْلِيَائِهَا هِبَةُ أَمْوَالِهَا وَلَوْ كانت بِكْرًا بَالِغَةً رَشِيدَةً غير مَحْجُورٍ عليها فَعَفَتْ جَازَ عَفْوُهَا إنَّمَا يُنْظَرُ في هذا إلَى من يَجُوزُ أَمْرُهُ في مَالِهِ وَأُجِيزُ عَفْوَهُ وَأَرُدُّ عَفْوَ من لَا يَجُوزُ أَمْرُهُ في مَالِهِ وَالْعَفْوُ هِبَةٌ كما وَصَفْت وهو إبْرَاءٌ فإذا لم تَقْبِضْ الْمَرْأَةُ شيئا من صَدَاقِهَا فَعَفَتْهُ جَازَ عَفْوُهَا لِأَنَّهُ قَابِضٌ لِمَا عليه فَيَبْرَأُ منه وَلَوْ قَبَضَتْ الصَّدَاقَ أو نِصْفَهُ فقالت قد عَفَوْت لَك عَمَّا أَصْدَقْتَنِي فَإِنْ رَدَّتْهُ إلَيْهِ جَازَ الْعَفْوُ وَإِنْ لم تَرُدَّهُ حتى تَرْجِعَ فيه كان لها الرُّجُوعُ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَابِضٍ ما وَهَبَتْهُ له وَلَا مَعْنًى لِبَرَاءَتِهَا إيَّاهُ من شَيْءٍ ليس لها عليه وَلَوْ كانت على التَّمَامِ على عَفْوِهِ فَهَلَكَ في يَدِهَا لم يَكُنْ عليها غُرْمُهُ إلَّا أَنْ تَشَاءَ وَلَوْ مَاتَتْ قبل أَنْ تَدْفَعَهُ إلَيْهِ لم يَكُنْ على وَرَثَتِهَا أَنْ يُعْطُوهُ إيَّاهُ وكان مَالًا من مَالِهَا يَرِثُونَهُ قال وما كان في يَدِ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَعَفَا الذي هو له كان عَفْوُهُ جَائِزًا وما لم يَكُنْ له في يَدِهِ فَعَفَا له الذي هو له فَهُوَ بِالْخِيَارِ في إتْمَامِهِ وَالرَّجْعَةِ فيه وَحَبْسُهُ وَإِتْمَامُهُ وَدَفْعُهُ أَحَبُّ إلَيَّ من حَبْسِهِ وَكُلُّ عَطِيَّةٍ لَا تَجِبُ على أَحَدٍ فَهِيَ بِفَضْلٍ وَكُلُّهَا مَحْمُودٌ مَرْغُوبٌ فيه وَالْفَضْلُ في الْمَهْرِ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ حَضَّ اللَّهُ تَعَالَى عليه قال وإذا نَكَحَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ بِصَدَاقٍ فَوَهَبَتْهُ له قبل الْقَبْضِ أو بَعْدَهُ أو قبل الطَّلَاقِ أو بَعْدَهُ فَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ وَالْهِبَةُ جَائِزَةٌ وَإِنْ كانت الْهِبَةُ قبل الطَّلَاقِ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَأَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ عليها بِنِصْفِ الصَّدَاقِ فَلَا يَجُوزُ فيها إلَّا وَاحِدٌ من قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الْعَفْوُ إبْرَاءً له مِمَّا لها عليه ( ( ( عليها ) ) ) فَلَا يَرْجِعُ عليها بِشَيْءٍ قد مَلَكَهُ عليها وَمَنْ قال هذا قال لم يَجِبْ عليها شَيْءٌ إلَّا من قِبَلِ ما كان لها عليه بِإِبْرَائِهِ منه قبل الْقَبْضِ أو بَعْدَ الْقَبْضِ وَالدَّفْعِ إلَيْهِ وَالثَّانِي أَنَّ له أَنْ يَرْجِعَ عليها بِنِصْفِهِ كان عَفْوُهَا قبل الْقَبْضِ أو بَعْدَ الْقَبْضِ وَالدَّفْعِ إلَيْهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ قد مَلَكَهُ عليها بِغَيْرِ الْوَجْهِ الذي وَجَبَ لها عليه وإذا نَكَحَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ التي يَجُوزُ أَمْرُهَا في مَالِهَا بِصَدَاقٍ غَيْرِ مُسَمًّى أو بِصَدَاقٍ فَاسِدٍ فَأَبْرَأَتْهُ من الصَّدَاقِ قبل أَنْ تَقْبِضَهُ فَالْبَرَاءَةُ بَاطِلَةٌ من قِبَلِ أنها أَبْرَأَتْهُ مِمَّا لَا تَعْلَمُ كَمْ وَجَبَ لها منه وَلَوْ سَمَّى لها مَهْرًا جَائِزًا فَرَضِيَتْهُ ثُمَّ أَبْرَأَتْهُ منه فَالْبَرَاءَةُ جَائِزَةٌ من قِبَلِ أنها أَبْرَأَتْهُ مِمَّا عَرَفَتْ وَلَوْ سَمَّى لها مَهْرًا فَاسِدًا فَقَبَضَتْهُ أو لم تَقْبِضْهُ فَأَبْرَأَتْهُ منه أو رَدَّتْهُ عليه إنْ كانت قَبَضَتْهُ كانت الْبَرَاءَةُ بَاطِلَةً وَتَرُدُّهُ بِكُلِّ حَالٍ وَلَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا فإذا عَلِمَتْهُ فَأَبْرَأَتْهُ منه كانت بَرَاءَتُهَا جَائِزَةً أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لو قال لِرَجُلٍ قد صَارَ لَك في يَدِي مَالٌ من وَجْهٍ فقال أنت منه بَرِيءٌ لم يَبْرَأْ حتى يَعْلَمَ الْمَالِكُ الْمَالَ لِأَنَّهُ قد يُبْرِئُهُ منه على أَنَّهُ دِرْهَمٌ وَلَا يُبْرِئُهُ لو كان أَكْثَرَ قال وَلَوْ كان الْمَهْرُ صَحِيحًا مَعْلُومًا ولم تَقْبِضْهُ حتى طَلَّقَهَا فَأَبْرَأَتْهُ من نِصْفِ الْمَهْرِ الذي وَجَبَ لها عليه كانت الْبَرَاءَةُ جَائِزَةً ولم يَكُنْ لها أَنْ تَرْجِعَ بِشَيْءٍ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ وَلَوْ كانت لم تَقْبِضْهُ وَلَكِنَّهَا أَحَالَتْ عليه ثُمَّ أَبْرَأَتْهُ كانت الْبَرَاءَةُ بَاطِلَةً لِأَنَّهَا أَبْرَأَتْهُ مِمَّا ليس لها وما مَلَّكَهُ لِغَيْرِهَا وَلَوْ كانت أَحَالَتْ عليه بِأَقَلَّ من نِصْفِ الْمَهْرِ ثُمَّ أَبْرَأَتْهُ من نِصْفِ الْمَهْرِ جَازَتْ الْبَرَاءَةُ مِمَّا بَقِيَ عليه ولم تَجُزْ مِمَّا أَحَالَتْ بِهِ عليه لِأَنَّهُ قد خَرَجَ منها إلَى غَيْرِهَا فَأَبْرَأَتْهُ مِمَّا ليس لها عليه وَلَا تَمْلِكُهُ فَعَلَى هذا هذا الْبَابِ كُلِّهِ وَقِيَاسِهِ - * صَدَاقُ الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ فَيُوجَدُ مَعِيبًا - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا أَصْدَقَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ عَبْدًا بِعَيْنِهِ فَوَجَدَتْ بِهِ عَيْبًا صَغِيرًا أو كَبِيرًا يُرَدُّ من مِثْلِهِ كَالْبُيُوعِ كان لها رَدُّهُ بِذَلِكَ الْعَيْبِ وَكَذَلِكَ لو أَصْدَقَهَا إيَّاهُ سَالِمًا فلم يَدْفَعْهُ إلَيْهَا حتى حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ وَكَذَلِكَ كُلُّ ما أَصْدَقَهَا إيَّاهُ فَوَجَدَتْ بِهِ عَيْبًا أو حَدَثَ بِهِ في يَدِ الزَّوْجِ قبل قَبْضِهَا إيَّاهُ عَيْبٌ كان لها رَدُّهُ بِالْعَيْبِ وَأَخْذُهُ مَعِيبًا إنْ شَاءَتْ فَإِنْ أَخَذَتْهُ مَعِيبًا فَلَا شَيْءَ لها في الْعَيْبِ وَإِنْ رَدَّتْهُ رَجَعَتْ عليه بِمَهْرِ مِثْلِهَا لِأَنَّهَا إنَّمَا بَاعَتْهُ بُضْعَهَا بِعَبْدٍ فلما انْتَقَضَ الْبَيْعُ في

(5/75)


بِاخْتِيَارِهَا الرَّدَّ كان لها مَهْرُ مِثْلِهَا كما يَكُونُ لها لو اشْتَرَتْهُ منه بِثَمَنِ الرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ الذي قَبَضَ منها وَهَكَذَا لو أَصْدَقَهَا إيَّاهُ ولم تَرَهُ فَاخْتَارَتْ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ رَدَّهُ كان الْجَوَابُ فيها هَكَذَا لَا يَخْتَلِفَانِ قال وَإِنْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا لَا يَمْلِكُهُ أو مُكَاتَبًا أو حُرًّا على أَنَّهُ عَبْدٌ له أو دَارًا لغيره ثُمَّ مَلَكَ الدَّارَ وَالْعَبْدَ فَلَهَا في هذا كُلِّهِ مَهْرُ مِثْلِهَا قال وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ لَا يُبَاعُ وَالْحُرُّ لَا ثَمَنَ له فلم يَمْلِكْ وَاحِدًا من هَذَيْنِ بِحَالٍ وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُهُ وَالدَّارَ وَقَعَ النِّكَاحُ وَلَا سَبِيلَ له عليه وَلَوْ سَلَّمَهُ سَيِّدُهُ أو سَلَّمَ الدَّارَ لم يَكُنْ لها كما لو بَاعَهَا عَبْدًا أو دَارًا لَا يَمْلِكُهَا ثُمَّ سَلَّمَهَا مَالِكَهَا لم يَجُزْ الْبَيْعُ وَلَوْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا بِصِفَةٍ جَازَ الصَّدَاقُ وَجَبَرَتْهَا إذَا جَاءَهَا بِأَقَلَّ ما تَقَعُ عليه الصِّفَةُ على قَبْضِهِ منه قال وَهَكَذَا لو أَصْدَقَهَا حِنْطَةً أو زَبِيبًا أو خَلًّا بِصِفَةٍ أو إلَى أَجَلٍ كان جَائِزًا وكان عليها إذَا جَاءَهَا بِأَقَلَّ ما يَقَعُ عليه اسْمُ الصِّفَةِ أَنْ تَقْبَلَهُ وَلَوْ قال أَصْدَقْتُك مِلْءَ هذه الْجَرَّةِ خَلًّا وَالْخَلُّ غَيْرُ حَاضِرٍ لم يَجُزْ وكان لها مَهْرُ مِثْلِهَا كما لو اشْتَرَى مِلْءَ هذه الْجَرَّةِ خَلًّا وَالْخَلُّ غَائِبٌ لم يَجُزْ من قِبَلِ أَنَّ الْجَرَّةَ قد تَنْكَسِرُ فَلَا يُدْرَى كَمْ قَدْرُ الْخَلِّ وَإِنَّمَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعَيْنِ تُرَى أو الْغَائِبِ الْمَكِيلِ أو الْمَوْزُونِ بِكَيْلٍ أو ميزان يُدْرَكُ عِلْمُهُ فَيُجْبَرُ عليه الْمُتَبَايِعَانِ قال وَلَوْ أَصْدَقَهَا جِرَارًا فقال هذه مَمْلُوءَةٌ خَلًّا فَنَكَحَتْهُ على الْجِرَارِ بِمَا فيها أو على ما في الْجَرَّةِ فإذا فيها خَلٌّ كان لها الْخِيَارُ إذَا رَأَتْهُ وَافِيًا أو نَاقِصًا لِأَنَّهَا لم تَرَهُ فَإِنْ اخْتَارَتْهُ فَهُوَ لها إنْ ثَبَتَ حَدِيثُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَإِنْ اخْتَارَتْ رَدَّهُ فَلَهَا عليه مَهْرُ مِثْلِهَا وَلَوْ وَجَدَتْهُ خَمْرًا رَجَعَتْ عليه بِمَهْرِ مِثْلِهَا لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ لها أَنْ تَمْلِكَ الْخَمْرَ وَهَذَا بَيْعُ عَيْنٍ لَا تَحِلُّ كما لو أَصْدَقَهَا خَمْرًا كان لها مَهْرُ مِثْلِهَا قال وَلَوْ أَصْدَقَهَا دَارًا لم تَرَهَا على أنها بِالْخِيَارِ فِيمَا أَصْدَقَهَا إنْ شَاءَتْ أَخَذَتْهُ وَإِنْ شَاءَتْ رَدَّتْهُ أو شَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ كان النِّكَاحُ جَائِزًا لِأَنَّ الْخِيَارَ إنَّمَا هو في الصَّدَاقِ لَا في النِّكَاحِ وكان لها مَهْرُ مِثْلِهَا ولم يَكُنْ لها أَنْ تَمْلِكَ الْعَبْدَ وَلَا الدَّارَ وَلَوْ اصْطَلَحَا بَعْدُ على الْعَبْدِ وَالدَّارِ لم يَجُزْ الصُّلْحُ حتى يَعْلَمَ كَمْ مَهْرُ مِثْلِهَا فَتَأْخُذُهُ بِهِ أو تَرْضَى أَنْ يَفْرِضَ لها مَهْرًا فَتَأْخُذُ بِالْفَرْضِ لَا بقيمة ( ( ( قيمة ) ) ) مَهْرِ مِثْلِهَا الذي لَا تَعْرِفُهُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَّا بِثَمَنٍ يَعْرِفُهُ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي مَعًا لَا أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ وَلَا يُشْبِهُ هذا أَنْ تَنْكِحَهُ بِعَبْدٍ نِكَاحًا صَحِيحًا فَيَهْلِكُ الْعَبْدُ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ وَلَيْسَ لها مَهْرُ مِثْلِهَا فَيَكُونُ الْعَبْدُ مَبِيعًا بِهِ مَجْهُولًا وَإِنَّمَا وَقَعَ بِالْعَبْدِ وَلَيْسَ لها غَيْرُهُ إذَا صَحَّ مِلْكُهُ قال وَلَوْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا فَقَبَضَتْهُ فَوَجَدَتْ بِهِ عَيْبًا وَحَدَثَ بِهِ عِنْدَهَا عَيْبٌ لم يَكُنْ لها رَدُّهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الزَّوْجُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالْعَيْبِ الذي حَدَثَ بِهِ عِنْدَهَا وَلَا يَكُونُ له في الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهَا شَيْءٌ وَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ عليه بِمَا نَقَصَهُ الْعَيْبُ وَكَذَلِكَ لو أَعْتَقَتْهُ أو كَاتَبَتْهُ رَجَعَتْ عليه بِمَا نَقَصَهُ الْعَيْبُ (1) *
أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال
أخبرنا مَالِكُ بن أَنَسٍ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن الشِّغَارِ وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ الرَّجُلَ على أَنْ يُزَوِّجَهُ الرَّجُلُ الْآخَرُ ابْنَتَهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) لَا أَدْرِي تَفْسِيرَ الشِّغَارِ في الحديث أو من بن عُمَرَ أو نَافِعٍ أو مَالِكٌ وَهَكَذَا كما قال الشِّغَارُ ( 1 ) فَكُلُّ من زَوَّجَ رَجُلًا امْرَأَةً يَلِي أَمْرَهَا بِوِلَايَةِ نَفْسِ الْأَبِ الْبِكْرَ أو الْأَبِ وَغَيْرِهِ من الْأَوْلِيَاءِ لِامْرَأَةٍ على أَنَّ صَدَاقَ كل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بُضْعُ الْأُخْرَى فَهُوَ الشِّغَارُ
أخبرنا عبدالمجيد عن بن جُرَيْجٍ قال أخبرني أبو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سمع جَابِرَ بن عبد اللَّهِ يقول إنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن الشِّغَارِ
أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن بن أبي نَجِيحٍ عن مُجَاهِدٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا شِغَارَ في الْإِسْلَامِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا أَنْكَحَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ أو الْمَرْأَةَ
____________________
1- * كِتَابُ الشِّغَارِ

(5/76)


يَلِي أَمْرَهَا من كانت على أَنْ يُنْكِحَهُ ابْنَتَهُ أو الْمَرْأَةَ يَلِي أَمْرَهَا من كانت على أَنَّ صَدَاقَ كل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بُضْعُ الْأُخْرَى ولم يُسَمَّ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا صَدَاقٌ فَهَذَا الشِّغَارُ الذي نهى عنه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلَا يَحِلُّ النِّكَاحُ وهو مَفْسُوخٌ وَإِنْ أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وهو كَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ في جَمِيعِ أَحْكَامِهِ لَا يَخْتَلِفَانِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ فإن عَطَاءً وَغَيْرَهُ يَقُولُونَ يَثْبُتُ النِّكَاحُ وَيُؤْخَذُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَهْرُ مِثْلِهَا فَلِمَ لم تَقُلْهُ وَأَنْتَ تَقُولُ يَثْبُتُ النِّكَاحُ بِغَيْرِ مَهْرٍ وَيَثْبُتُ بِالْمَهْرِ الْفَاسِدِ وَتَأْخُذُ مَهْرَ مِثْلِهَا فَأَكْثَرُ ما في الشِّغَارِ أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ فيه فَاسِدًا أو يَكُونَ بِغَيْرِ مَهْرٍ قِيلَ له أَبَانَ اللَّهُ عز وجل أَنَّ النِّسَاءَ مُحَرَّمَاتٌ إلَّا بِمَا أَحَلَّ اللَّهُ من نِكَاحٍ أو مِلْكِ يَمِينٍ فَكَانَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمُبَيِّنَ عن اللَّهِ عز وجل كَيْفَ النِّكَاحُ الذي يَحِلُّ فَمَنْ عَقَدَ نِكَاحًا كما أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ رَسُولُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أو عَقَدَ نِكَاحًا لم يُحَرِّمْهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ولم يَنْهَ عنه رَسُولُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ وَمَنْ نَكَحَ كما نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عنه فَهُوَ عَاصٍ بِالنِّكَاحِ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْمَعْصِيَةِ إنْ أَتَاهَا على جَهَالَةٍ فَلَا يَحِلُّ الْمُحَرَّمُ من النِّسَاءِ بِالْمُحَرَّمِ من النِّكَاحِ وَالشِّغَارُ مُحَرَّمٌ بِنَهْيِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عنه وَهَكَذَا كُلُّ ما نهى عنه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من نِكَاحٍ لم يَحِلَّ بِهِ الْمُحَرَّمُ وَبِهَذَا قُلْنَا في الْمُتْعَةِ وَنِكَاحِ الْمُحَرَّمِ وما نهى عنه من نِكَاحٍ وَلِهَذَا قُلْنَا في الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لَا يَحِلُّ بِهِ فَرْجُ الْأَمَةِ فإذا نهى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عن النِّكَاحِ في حَالٍ فَعَقَدَ على نَهْيِهِ كان مَفْسُوخًا لِأَنَّ الْعَقْدَ لَهُمَا كان بِالنَّهْيِ وَلَا يَحِلُّ الْعَقْدُ الْمَنْهِيُّ عنه مُحَرَّمًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيُقَالُ له إنَّمَا أَجَزْنَا النِّكَاحَ بِغَيْرِ مَهْرٍ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ ما لم تَمَسُّوهُنَّ أو تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً } الْآيَةَ فلما أَثْبَتَ اللَّهُ عز وجل الطَّلَاقَ دَلَّ ذلك على أَنَّ النِّكَاحَ ثَابِتٌ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ إلَّا من نِكَاحٍ ثَابِتٍ فَأَجَزْنَا النِّكَاحَ بِلَا مَهْرٍ وَلَمَّا أَجَازَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِلَا مَهْرٍ كان عَقْدُ النِّكَاحِ على شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا نِكَاحٌ والاخر ما يُمْلَكُ بِالنِّكَاحِ من الْمَهْرِ فلما جَازَ النِّكَاحُ بِلَا مِلْكِ مَهْرٍ فَخَالَفَ الْبُيُوعَ وكان فيه مَهْرُ مِثْلِ الْمَرْأَةِ إذَا دخل بها وكان كَالْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ الْمُسْتَهْلَكَةِ يَكُونُ فيها قِيمَتُهَا كان الْمَهْرُ إذَا كان فَاسِدًا لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ ولم يَكُنْ في النِّكَاحِ بِلَا مَهْرٍ وَلَا في النِّكَاحِ بِالْمَهْرِ الْفَاسِدِ نَهْيٌ من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَنُحَرِّمُهُ بِنَهْيِهِ كما كان في الشِّغَارِ فَأَجَزْنَا ما أَجَازَ اللَّهُ عز وجل وما كان في مَعْنَاهُ إذَا لم يَنْهَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم منه عن شَيْءٍ عَلِمْنَاهُ وَرَدَدْنَا ما نهى عنه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وكان هذا الْوَاجِبُ عَلَيْنَا الذي ليس لنا وَلَا لِأَحَدٍ عقل عن اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا شيئا عَلِمْنَا غَيْرَهُ
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا عبد الْوَهَّابِ عن أَيُّوبَ عن بن سِيرِينَ أَنَّ رَجُلًا نَكَحَ امْرَأَةً على حُكْمِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَاحْتَكَمَتْ رَقِيقًا من بِلَادِهِ فَأَبَى فذكر ذلك لِعُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه فقال امْرَأَةٌ من الْمُسْلِمِينَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) أَحْسَبُهُ قال يَعْنِي مَهْرَ امْرَأَةٍ من الْمُسْلِمِينَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا زَوَّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ الرَّجُلَ أو الْمَرْأَةَ يَلِي أَمْرَهَا على أَنْ يُزَوِّجَهُ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ أو الْمَرْأَةَ يَلِي أَمْرَهَا على أَنَّ صَدَاقَ إحْدَاهُمَا كَذَا لِشَيْءٍ يُسَمِّيهِ وَصَدَاقَ الْأُخْرَى كَذَا لِشَيْءٍ يُسَمِّيهِ أَقَلَّ أو أَكْثَرَ أو على أَنْ يُسَمِّيَ لِإِحْدَاهُمَا صَدَاقًا ولم يُسَمِّ لِلْأُخْرَى صَدَاقًا أو قال لَا صَدَاقَ لها فَلَيْسَ هذا بِالشِّغَارِ الْمَنْهِيِّ عنه وَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ وَالْمَهْرُ فَاسِدٌ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَهْرُ مِثْلِهَا إذَا دخل بها أو مَاتَتْ أو مَاتَ عنها وَنِصْفُ مَهْرِ مِثْلِهَا إنْ طَلُقَتْ قبل أَنْ يَدْخُلَ بها

(5/77)


- * نِكَاحُ الْمُحْرِمِ - *
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن نَبِيهِ بن وَهْبٍ أَخِي بَنِي عبد الدَّارِ أَنَّ عُمَرَ بن عبد اللَّهِ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَ طَلْحَةَ بن عُمَرَ بِنْتَ شَيْبَةَ بن جُبَيْرٍ فَأَرْسَلَ إلَى ابان بن عُثْمَانَ لِيَحْضُرَ ذلك وَهُمَا مُحْرِمَانِ فَأَنْكَرَ ذلك عليه أَبَانُ وقال سَمِعْت عُثْمَانَ بن عَفَّانَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه يقول قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحُ وَلَا يَخْطُبُ
وَأَخْبَرَنَا بن عُيَيْنَةَ عن أَيُّوبَ بن مُوسَى عن نَبِيهِ بن وَهْبٍ عن أَبَانَ بن عُثْمَانَ عن عُثْمَانَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مِثْلَ مَعْنَاهُ
( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ عن رَبِيعَةَ بن أبي عبد الرحمن عن سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَعَثَ أَبَا رَافِعٍ مَوْلَاهُ وَرَجُلًا من الْأَنْصَارِ فَزَوَّجَاهُ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الحرث وهو بِالْمَدِينَةِ قبل أَنْ يَخْرُجَ
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن يَزِيدَ بن الْأَصَمِّ وهو بن أُخْتِ مَيْمُونَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نَكَحَ مَيْمُونَةَ وهو حَلَالٌ
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سَعِيدُ بن سَلَمَةَ الْأُمَوِيُّ عن إسْمَاعِيلَ بن أُمَيَّةَ عن بن الْمُسَيِّبِ قال وَهَمَ الذي رَوَى أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نَكَحَ مَيْمُونَةَ وهو مُحْرِمٌ ما نَكَحَهَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا وهو حَلَالٌ
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن دَاوُد بن الْحُصَيْنِ عن أبي غَطَفَانَ بن طُرَيْفٍ الْمُزَنِيِّ أَنَّهُ أخبره أَنَّ أَبَاهُ طَرِيفًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وهو مُحْرِمٌ فَرَدَّ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه نِكَاحَهُ
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ قال لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ وَلَا يَخْطُبُ على نَفْسِهِ وَلَا على غَيْرِهِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَيُّ نِكَاحٍ عَقَدَهُ مُحْرِمٌ لِنَفْسِهِ أو مُحْرِمٌ لِغَيْرِهِ فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ فإذا دخل بها فَأَصَابَهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا إلَّا ما سَمَّى لها وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَلَهُ أَنْ يَخْطُبَهَا إذَا حَلَّتْ من إحْرَامِهَا في عِدَّتِهَا منه وَلَوْ تَوَقَّى كان ذلك أَحَبَّ إلَيَّ لِأَنَّهَا وَإِنْ كانت تَعْتَدُّ من مَائِهِ فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ من مَاءٍ فَاسِدٍ قال وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَخْطُبَهَا حتى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا منه فَإِنْ نَكَحَهَا هو فَهِيَ عِنْدَهُ على ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ لِأَنَّ الْفَسْخَ ليس بِطَلَاقٍ وَإِنْ خَطَبَ الْمُحْرِمُ على رَجُلٍ وولى عُقْدَةَ نِكَاحِهِ حَلَالٌ فالنكاح ( ( ( فالناكح ) ) ) جَائِزٌ إنَّمَا أَجَزْنَا النِّكَاحَ بِالْعَقْدِ وَأَكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَخْطُبَ على غَيْرِهِ كما أَكْرَهُ له أَنْ يَخْطُبَ على نَفْسِهِ وَلَا تُفْسِدُ مَعْصِيَتُهُ بِالْخِطْبَةِ إنْكَاحَ الْحَلَالِ وَإِنْكَاحُهُ طَاعَةٌ فَإِنْ كانت مُعْتَمِرَةً أو كان مُعْتَمِرًا لم يَنْكِحْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا حتى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَيَأْخُذَ من شَعْرِهِ فَإِنْ نَكَحَ قبل ذلك فَنِكَاحُهُ مَفْسُوخٌ فَإِنْ كانت أو كَانَا حَاجَّيْنِ لم يَنْكِحْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا حتى يَرْمِيَ وَيَحْلِقَ وَيَطُوفَ يوم النَّحْرِ أو بَعْدَهُ فَأَيَّهُمَا نَكَحَ قبل هذا فَنِكَاحُهُ مَفْسُوخٌ وَذَلِكَ أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ كَالْجِمَاعِ فَمَتَى لم يَحِلَّ لِلْمُحْرِمِ الْجِمَاعُ من الْإِحْرَامِ لم يَحِلَّ له عَقْدُ النِّكَاحِ وإذا كان النَّاكِحُ في إحْرَامٍ فَاسِدٍ لم يَجُزْ له النِّكَاحُ فيه كما لَا يَجُوزُ له في الْإِحْرَامِ الصَّحِيحِ وَإِنْ كان النَّاكِحُ مُحْصِرًا بَعْدُ ولم يَنْكِحْ حتى يَحِلَّ وَذَلِكَ أَنْ يَحْلِقَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) لَا يَلِي مُحْرِمٌ عُقْدَةَ نِكَاحٍ لِنَفْسِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ فَإِنْ تَزَوَّجَ الْمُحْرِمُ في إحْرَامِهِ وكان هو الْخَاطِبَ لِنَفْسِهِ أو خَطَبَ عليه حَلَالٌ بِأَمْرِهِ فَسَوَاءٌ لِأَنَّهُ هو النَّاكِحُ وَنِكَاحُهُ مَفْسُوخٌ وَهَكَذَا الْمُحْرِمَةُ لَا يُزَوِّجُهَا حَرَامٌ وَلَا حَلَالٌ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُتَزَوِّجَةُ وَكَذَلِكَ لو زَوَّجَ الْمُحْرِمُ امْرَأَةً حَلَالًا أو وَلِيُّهَا حَلَالٌ فَوَكَّلَ وَلِيُّهَا حَرَامًا فَزَوَّجَهَا كان النِّكَاحُ مَفْسُوخًا لِأَنَّ الْمُحْرِمَ عَقَدَ النِّكَاحَ قال وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْهَدَ الْمُحْرِمُونَ على عَقْدِ النِّكَاحِ لِأَنَّ الشَّاهِدَ ليس بِنَاكِحٍ وَلَا مُنْكِحٍ وَلَوْ تَوَقَّى رَجُلٌ أَنْ يَخْطُبَ امْرَأَةً مُحْرِمَةً كان أَحَبَّ إلَيَّ وَلَا أَعْلَمُهُ يُضَيَّقُ عليه خِطْبَتُهَا في إحْرَامِهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُعْتَدَّةٍ وَلَا في مَعْنَاهَا وَمَتَى خَرَجَتْ من إحْرَامِهَا جَازَ لها أَنْ تَنْكِحَ وقد تَكُونُ مُعْتَمِرَةً فَيَكُونُ لها الْخُرُوجُ من إحْرَامِهَا بِأَنْ تُعَجِّلَ الطَّوَافَ وَحَاجَّةً فَيَكُونُ لها ذلك بِأَنْ تُعَجِّلَ الزِّيَارَةَ يوم النَّحْرِ فَتَطُوفَ وَالْمُعْتَدَّةُ ليس لها أَنْ تُقَدِّمَ الْخُرُوجَ من عِدَّتِهَا سَاعَةً

(5/78)


وَيَنْحَرَ فَإِنْ كان مُحْصِرًا بِمَرَضٍ لم يَنْكِحْ حتى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَأَصْلُ هذا أَنْ يُنْظَرَ إلَى عَقْدِ النِّكَاحِ فَإِنْ كان قد حَلَّ لِلْمُحْرِمِ مِنْهُمَا الْجِمَاعُ فَأُجِيزُهُ وَإِنْ كان الْجِمَاعُ لم يَحِلَّ لِلْمُحْرِمِ مِنْهُمَا لِحُرْمَةِ الْإِحْرَامِ فَأُبْطِلُهُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيَشْتَرِي الْمُحْرِمُ الْجَارِيَةَ لِلْجِمَاعِ وَالْخِدْمَةِ لِأَنَّ الشِّرَاءَ ليس كَالنِّكَاحِ الْمَنْهِيِّ عنه كما يَشْتَرِي الْمَرْأَةَ وَوَلَدَهَا وَأُمَّهَا وَأَخَوَاتِهَا وَلَا يَنْكِحُ هَؤُلَاءِ مَعًا لِأَنَّ الشِّرَاءَ مِلْكٌ فَإِنْ كان يَحِلُّ بِهِ الْجِمَاعُ بِحَالٍ فَلَيْسَ حُكْمُهُ حُكْمَ النِّكَاحِ فَنَنْهَاهُ عن الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ في مَعْنَى النِّكَاحِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلٌ قبل أَنْ يُحْرِمَ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً ثُمَّ أَحْرَمَ فَزَوَّجَهُ وهو بِبَلَدِهِ أو غَائِبٌ عنه يَعْلَمُ بِإِحْرَامِهِ أو لَا يَعْلَمُ فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ إذَا عَقَدَهُ وَالْمَعْقُودُ له مُحْرِمٌ قال وَلَوْ عَقَدَ وهو غَائِبٌ في وَقْتٍ فقال لم أَكُنْ في ذلك الْوَقْتِ مُحْرِمًا كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ مع يَمِينِهِ إلَّا أَنْ تَقُومَ عليه بَيِّنَةٌ بِإِحْرَامِهِ في ذلك الْوَقْتِ فَيُفْسَخُ النِّكَاحُ وَلَوْ زَوَّجَهُ في وَقْتٍ فقال الزَّوْجُ لَا أَدْرِي كُنْت في ذلك الْوَقْتِ مُحْرِمًا أو حَلَالًا أو لم أَعْلَمْ مَتَى كان النِّكَاحُ كان الْوَرَعُ أَنْ يَدَعَ النِّكَاحَ وَيُعْطِيَ نِصْفَ الصَّدَاقِ إنْ كان سَمَّى وَالْمُتْعَةَ إنْ لم يَكُنْ سَمَّى وَيُفَرِّقُ في ذلك بِتَطْلِيقَةٍ وَيَقُولُ إنْ لم أَكُنْ كُنْت مُحْرِمًا فَقَدْ أَوْقَعْت عليها تَطْلِيقَةً وَلَا يَلْزَمُهُ في الْحُكْمِ من هذا شَيْءٌ لِأَنَّهُ على إحْلَالِ النِّكَاحِ حتى يَعْلَمَ فَسْخَهُ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ بِمَا يقول في أَنَّ النِّكَاحَ كان وهو وهو مُحْرِمٌ فَإِنْ كَذَّبَتْهُ أَلْزَمْتُهُ لها نِصْفَ الصَّدَاقِ إنْ لم يَكُنْ دخل بها إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً بِأَنَّهُ كان مُحْرِمًا حين تَزَوَّجَ وَفَسَخْتُ النِّكَاحَ عليه بِإِقْرَارِهِ أَنَّ نِكَاحَهُ كان فَاسِدًا وَإِنْ قالت لَا أَعْرِفُ أَصَدَقَ أَمْ كَذَبَ قُلْنَا نَحْنُ نَفْسَخُ النِّكَاحَ بِإِقْرَارِهِ وَإِنْ قُلْتَ كَذَبَ أَخَذْنَا لَك نِصْفَ الْمَهْرِ لِأَنَّكِ لَا تَدْرِينَ ثُمَّ تَدْرِينَ وَإِنْ لم تَقُولِي هذا لم نَأْخُذْ لَك شيئا وَلَا نَأْخُذُ لِمَنْ لَا يَدَّعِي شيئا وَإِنْ قالت الْمَرْأَةُ أَنْكَحْتُ وأنا مُحْرِمَةٌ فَصَدَّقَهَا أو أَقَامَتْ بَيِّنَةً فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ وَإِنْ لم يُصَدِّقْهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ وَإِنْ نَكَحَ أَمَةً فقال سَيِّدُهَا أنكحتكها ( ( ( أنكحتها ) ) ) وَهِيَ مُحْرِمَةٌ وَقَالَتْ ذلك الْأَمَةُ أو لم تَقُلْهُ فَإِنْ صَدَّقَهُ الزَّوْجُ فَلَا مَهْرَ لها وَإِنْ كَذَّبَهُ وَكَذَّبَهَا فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ إذَا حَلَفَ الزَّوْجُ - * نِكَاحُ الْمُحَلِّلِ وَنِكَاحُ الْمُتْعَةِ - *
أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن الزُّهْرِيِّ عن عبد اللَّهِ وَالْحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بن عَلِيٍّ قال وكان الْحَسَنُ أَرْضَاهُمَا عن أَبِيهِمَا عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَهُ وَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن عبد اللَّهِ وَالْحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بن عَلِيٍّ عن أَبِيهِمَا عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن مُتْعَةِ النِّسَاءِ يوم خَيْبَرَ وَعَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الأنسية
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن الزُّهْرِيِّ عن الرَّبِيعِ بن سَبْرَةَ عن أبيه أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن نِكَاحِ الْمُتْعَةِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَجِمَاعُ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ الْمَنْهِيِّ عنه كُلُّ نِكَاحٍ كان إلَى أَجَلٍ من الْآجَالِ قَرُبَ أو بَعُدَ وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلْمَرْأَةِ نَكَحْتُك يَوْمًا أو عَشْرًا أو شَهْرًا أو نَكَحْتُك حتى أَخْرُجَ من هذا الْبَلَدِ أو نَكَحْتُك حتى أُصِيبَك فَتَحِلِّينَ لِزَوْجٍ فَارَقَك ثَلَاثًا أو ما أَشْبَهَ هذا مِمَّا لَا يَكُونُ فيه النِّكَاحُ مُطْلَقًا لَازِمًا على الْأَبَدِ أو يُحْدِثُ لها فُرْقَةً وَنِكَاحُ الْمُحَلِّلِ الذي يُرْوَى أَنَّ رَسُولَهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَعَنَهُ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ضَرْبٌ من نِكَاحِ الْمُتْعَةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُطْلَقٍ إذَا شَرَطَ أَنْ يَنْكِحَهَا حتى تَكُونَ الْإِصَابَةُ فَقَدْ يَسْتَأْخِرُ ذلك أو يَتَقَدَّمُ وَأَصْلُ ذلك أَنَّهُ عَقَدَ عليها النِّكَاحَ إلَى أَنْ يُصِيبَهَا فإذا أَصَابَهَا فَلَا نِكَاحَ له عليها مِثْلُ أَنْكِحُك عَشْرًا فَفِي عَقْدِ أَنْكِحُك عَشْرًا أَنْ لَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَك بَعْدَ عَشْرٍ كما في عَقْدِ أَنْكِحُك لِأُحْلِلك أَنِّي إذَا أَصَبْتُك فَلَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَك بَعْدَ أَنْ أَصَبْتُك كما يُقَالُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيُرَاجِعُ الْمُحْرِمُ امْرَأَتَهُ ويراجع ( ( ( وتراجع ) ) ) الْمُحْرِمَةُ زَوْجَهَا لِأَنَّ الرَّجْعَةَ لَيْسَتْ بِابْتِدَاءِ نِكَاحٍ إنَّمَا هِيَ إصْلَاحُ شَيْءٍ أُفْسِدَ من نِكَاحٍ كان صَحِيحًا إلَى الزَّوْجِ إصْلَاحُهُ دُونَ الْمَرْأَةِ وَالْوُلَاةِ وَلَيْسَ فيه مَهْرٌ وَلَا عِوَضٌ وَلَا يُقَالُ لِلْمُرَاجِعِ ناكح ( ( ( ناكحا ) ) )

(5/79)


أَتَكَارَى مِنْك هذا الْمَنْزِلَ عَشْرًا أو أَسْتَأْجِرُ هذا الْعَبْدَ شَهْرًا وفي عَقْدِ شَهْرٍ أَنَّهُ إذَا مَضَى فَلَا كِرَاءَ وَلَا إجَارَةَ لي عَلَيْك وَكَمَا يُقَالُ أَتَكَارَى هذا الْمَنْزِلَ مُقَامِي في الْبَلَدِ وفي هذا الْعَقْدِ أَنَّهُ إذَا خَرَجَ من هذا الْبَلَدِ فَلَا كِرَاءَ له وَهَذَا يَفْسُدُ في الْكِرَاءِ فإذا عَقَدَ النِّكَاحَ على وَاحِدٍ مِمَّا وَصَفْت فَهُوَ دَاخِلٌ في نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَكَذَلِكَ كُلُّ نِكَاحٍ إلَى وَقْتٍ مَعْلُومٍ أو مَجْهُولٍ فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ لَا مِيرَاثَ بين الزَّوْجَيْنِ وَلَيْسَ بين الزَّوْجَيْنِ شَيْءٌ من أَحْكَامِ الْأَزْوَاجِ طَلَاقٍ وَلَا ظِهَارٍ وَلَا إيلَاءٍ وَلَا لِعَانٍ إلَّا بِوَلَدٍ وَإِنْ كان لم يُصِبْهَا فَلَا مَهْرَ لها وَإِنْ كان أَصَابَهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا لَا ما سمي لها وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَا نَفَقَةَ لها في الْعِدَّةِ وَإِنْ كانت حَامِلًا وَإِنْ نَكَحَهَا بَعْدَ هذا نِكَاحًا صَحِيحًا فَهِيَ عِنْدَهُ على ثَلَاثٍ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كانت بَيْنَهُمَا مُرَاوَضَةٌ فَوَعَدَهَا إنْ نَكَحَهَا أَنْ لَا يُمْسِكَهَا إلَّا أَيَّامًا أو إلَّا مُقَامَهُ بِالْبَلَدِ أو إلَّا قَدْرَ ما يُصِيبُهَا كان ذلك بِيَمِينٍ أو غير يَمِينٍ فَسَوَاءٌ وَأَكْرَهُ له الْمُرَاوَضَةَ على هذا وَنَظَرْت إلَى الْعَقْدِ فَإِنْ كان الْعَقْدُ مُطْلَقًا لَا شَرْطَ فيه فَهُوَ ثَابِتٌ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على صَاحِبِهِ ما لِلزَّوْجَيْنِ وَإِنْ انْعَقَدَ على ذلك الشَّرْطِ فَسَدَ وكان كَنِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَأَيُّ نِكَاحٍ كان صَحِيحًا وَكَانَتْ فيه الْإِصَابَةُ أَحْصَنَتْ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ إذَا كانت حُرَّةً وَأَحَلَّتْ الْمَرْأَةَ لِلزَّوْجِ الذي طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَأَوْجَبَتْ الْمَهْرَ كُلَّهُ وَأَقَلُّ ما يَكُونُ من الْإِصَابَةِ حتى تَكُونَ هذه الْأَحْكَامُ أَنْ تَغِيبَ الْحَشَفَةُ في الْقُبُلِ نَفْسِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَيُّ نِكَاحٍ كان فَاسِدًا لم يُحْصِنْ الرَّجُلَ وَلَا الْمَرْأَةَ ولم يُحَلِّلْهَا لِزَوْجِهَا فَإِنْ أَصَابَهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ من فَرْجِهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ فِيمَا ذَكَرْت من أَنَّ الرَّجُلَ يَنْكِحُ يَنْوِي التَّحْلِيلَ مُرَاوَضَةً أو غير مُرَاوَضَةٍ فإذا لم يَنْعَقِدْ النِّكَاحُ على شَرْطٍ كان النِّكَاحُ ثَابِتًا خَبْر عن أَحَدٍ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أو من دُونِهِمْ قِيلَ فِيمَا ذَكَرْنَا من النَّهْيِ عن الْمُتْعَةِ وَأَنَّ الْمُتْعَةَ هِيَ النِّكَاحُ إلَى أَجَلِ كِفَايَةٍ وقد أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن بن جُرَيْجٍ عن سَيْفِ بن سُلَيْمَانَ عن مُجَاهِدٍ قال طَلَّقَ رَجُلٌ من قُرَيْشٍ امْرَأَةً له فَبَتَّهَا فَمَرَّ بِشَيْخٍ وبن له من الْأَعْرَابِ في السُّوقِ قَدِمَا بِتِجَارَةٍ لَهُمَا فقال لِلْفَتَى هل فِيك من خَيْرٍ ثُمَّ مَضَى عنه ثُمَّ كَرَّ عليه فَكَمِثْلِهَا ثُمَّ مَضَى عنه ثُمَّ كَرَّ عليه فَكَمِثْلِهَا قال نعم قال فَأَرِنِي يَدَك فَانْطَلَقَ بِهِ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ وَأَمَرَهُ بِنِكَاحِهَا فَنَكَحَهَا فَبَاتَ مَعَهَا فلما أَصْبَحَ اسْتَأْذَنَ فَأَذِنَ له فإذا هو قد وَلَّاهَا الدُّبُرَ فقالت وَاَللَّهِ لَئِنْ طَلَّقَنِي لَا أَنْكِحُك أَبَدًا فذكر ذلك لِعُمَرَ فَدَعَاهُ فقال لو نَكَحْتهَا لَفَعَلْت بِك كَذَا وَكَذَا وَتَوَعَّدَهُ وَدَعَا زَوْجَهَا فقال الْزَمْهَا أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن مُجَاهِدٍ عن عُمَرَ مثله أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ قال أَخْبَرْت عن بن سِيرِينَ أَنَّ امْرَأَةً طَلَّقَهَا زَوْجُهَا ثَلَاثًا وكان مِسْكِينٌ أَعْرَابِيٌّ يَقْعُدُ بِبَابِ الْمَسْجِدِ فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فقالت له هل لَك في امْرَأَةٍ تَنْكِحُهَا فَتَبِيتُ مَعَهَا اللَّيْلَةَ فَتُصْبِحُ فَتُفَارِقُهَا فقال نعم وكان ذلك فقالت له امْرَأَتُهُ إنَّك إذَا أَصْبَحْت فَإِنَّهُمْ سَيَقُولُونَ لَك فَارِقْهَا فَلَا تَفْعَلْ فَإِنِّي مُقِيمَةٌ لَك ما تَرَى وَاذْهَبْ إلَى عُمَرَ فلما أَصْبَحَتْ أَتَوْهُ وَأَتَوْهَا فقالت كَلِّمُوهُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ قَدِمَ رَجُلٌ بَلَدًا وَأَحَبَّ أَنْ يَنْكِحَ امْرَأَةً وَنِيَّتُهُ وَنِيَّتُهَا أَنْ لَا يُمْسِكَهَا إلَّا مُقَامَهُ بِالْبَلَدِ أو يَوْمًا أو اثْنَيْنِ أو ثَلَاثَةً كانت على هذا نِيَّتُهُ دُونَ نِيَّتِهَا أو نِيَّتُهَا دُونَ نِيَّتِهِ أو نِيَّتُهُمَا مَعًا وَنِيَّةُ الْوَلِيِّ غير أَنَّهُمَا إذَا عَقَدَا النِّكَاحَ مُطْلَقًا لَا شَرْطَ فيه فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ وَلَا تُفْسِدُ النِّيَّةُ من النِّكَاحِ شيئا لِأَنَّ النِّيَّةَ حَدِيثُ نَفْسٍ وقد وُضِعَ عن الناس ما حَدَّثُوا بِهِ أَنْفُسَهُمْ وقد يَنْوِي الشَّيْءَ وَلَا يَفْعَلُهُ وَيَنْوِيهِ وَيَفْعَلُهُ فَيَكُونُ الْفِعْلُ حَادِثًا غير النِّيَّةِ وَكَذَلِكَ لو نَكَحَهَا وَنِيَّتُهُ وَنِيَّتُهَا أو نِيَّةُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ أَنْ لَا يُمْسِكَهَا إلَّا قَدْرَ ما يُصِيبُهَا فَيُحَلِّلُهَا لِزَوْجِهَا ثَبَتَ النِّكَاحُ وَسَوَاءٌ نَوَى ذلك الْوَلِيُّ مَعَهُمَا أو نَوَى غَيْرَهُ أو لم يَنْوِهِ وَلَا غَيْرَهُ وَالْوَالِي وَالْوَلِيُّ في هذا لَا مَعْنًى له أَنْ يُفْسِدَ شيئا ما لم يَقَعْ النِّكَاحُ بِشَرْطٍ يُفْسِدُهُ

(5/80)


فَأَنْتُمْ جِئْتُمْ بِهِ فَكَلَّمُوهُ فَأَبَى وَانْطَلَقَ إلَى عُمَرَ فقال الْزَمْ امْرَأَتَك فَإِنْ رَابُوك بِرَيْبٍ فائتني وَأَرْسِلْ إلَى الْمَرْأَةِ التي مَشَتْ بِذَلِكَ فَنَكَّلَ بها ثُمَّ كان يَغْدُو إلَى عُمَرَ وَيَرُوحُ في حُلَّةٍ فيقول الْحَمْدُ لِلَّهِ الذي كَسَاك يا ذَا الرُّقْعَتَيْنِ حُلَّةً تَغْدُو فيها وَتَرُوحُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنَّمَا أَبْطَلْته بِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن نِكَاحِ الْمُتْعَةِ فلما كان نِكَاحُ الْمُتْعَةِ مَفْسُوخًا لم يَكُنْ لِلنَّهْيِ عنه مَعْنًى أَكْثَرُ من أَنَّ النِّكَاحَ إنَّمَا يَجُوزُ على إحْلَالِ الْمَنْكُوحَةِ مُطْلَقًا لَا إلَى غَايَةٍ وَذَلِكَ أنها إذَا كانت إلَى غَايَةٍ فَقَدْ أَبَاحَتْ نَفْسَهَا بِحَالٍ وَمَنَعَتْهَا في أُخْرَى فلم يَجُزْ أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ إلَّا مُطْلَقًا من قِبَلِهَا كان الشَّرْطُ أَنْ تَكُونَ مَنْكُوحَةً إلَى غَايَةٍ أو قِبَلِهِ أو قِبَلِهِمَا مَعًا وَلَمَّا كان النِّكَاحُ بِالْخِيَارِ في أَكْثَرَ من الْمَعْنَى الذي له فِيمَا نَرَى فَسَدَتْ الْمُتْعَةُ في أَنَّهُ لم يَنْعَقِدْ وَالْجِمَاعُ حَلَالٌ فيه على ما وَصَفْت من الْأَبَدِ وَلَا بِحَالٍ حتى يُحْدِثَ له اخْتِيَارًا حَادِثًا فَتَكُونُ الْعُقْدَةُ انْعَقَدَتْ على النِّكَاحِ وَالْجِمَاعِ لَا يَحِلُّ فيها بِكُلِّ حَالٍ فَالنِّكَاحُ في الْعُقْدَةِ غَيْرُ ثَابِتٍ لم يَثْبُتْ النِّكَاحُ بِشَيْءٍ حَدَثَ بَعْدَهَا ليس هو هِيَ فَيَكُونُ مُتَقَدِّمُ النِّكَاحِ غير ثَابِتٍ في حَالٍ وَثَابِتًا في أُخْرَى وَهَذَا أَقْبَحُ من نِكَاحِ الْمُتْعَةِ لِأَنَّ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ وَقَعَ على ثَابِتٍ أَوَّلًا إلَى مُدَّةٍ وَغَيْرِ ثَابِتٍ إذَا انْقَطَعَتْ الْمُدَّةُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ولم أَعْلَمْ مُخَالِفًا في جُمْلَةٍ أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَجُوزُ على الْخِيَارِ كما تَجُوزُ الْبُيُوعُ فإذا كان الْخِيَارُ فيه لَا يَجُوزُ لَزِمَ من أَعْطَى هذه الْجُمْلَةَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ لَا يُجِيزَ النِّكَاحَ إذَا كان بِشَرْطِ الْخِيَارِ - * ما يَدْخُلُ في نِكَاحِ الْخِيَارِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت الْمَرْأَةُ الْحُرَّةُ مَالِكَةً لِأَمْرِهَا فَزَوَّجَهَا وَلِيُّهَا رَجُلًا بِغَيْرِ عِلْمِهَا فَأَجَازَتْ النِّكَاحَ أو رَدَّتْهُ فَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمَرْأَةِ بِحَالٍ أَبَدًا حتى تَأْذَنَ في أَنْ تَنْكِحَ قبل أَنْ تُنْكَحَ فإذا أَذِنَتْ في ذلك في رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَزَوَّجَهَا وَلِيٌّ جَازَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكَذَلِكَ إذَا أَذِنَتْ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُزَوِّجَهَا من رَأَى فَزَوَّجَهَا كُفْئًا فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَهَكَذَا الزَّوْجُ يُزَوِّجُهُ الرَّجُلُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ أَجَازَهُ الرَّجُلُ أو رَدَّهُ وَأَصْلُ مَعْرِفَةِ هذا أَنْ يُنْظَرَ إلَى كل عَقْدِ نِكَاحٍ كان الْجِمَاعُ فيه وَالنَّظَرُ إلَى الْمَرْأَةِ مُجَرَّدَةً مُحَرَّمًا إلَى مُدَّةٍ تَأْتِي بَعْدَهُ فَالنِّكَاحُ فيه مَفْسُوخٌ وهو في مَعْنَى ما وَصَفْت قَبْلُ من نِكَاحِ الْخِيَارِ وَنِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَلَا يَجُوزُ إنْكَاحُ الصَّبِيِّ وَلَا الصَّبِيَّةِ وَلَا الْبِكْرِ غَيْرِ الصَّبِيَّةِ إلَّا بَعْدَ تَقَدُّمِ رِضَاهَا أو الْبِكْرِ الْبَالِغِ لِوَلِيٍّ غَيْرِ الْآبَاءِ خَاصَّةً بِمَا وَصَفْنَا قَبْلَهُ من دَلَالَةِ السُّنَّةِ في إنْكَاحِ الْأَبِ وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً حُرَّةً أَذِنَتْ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا بِرَجُلٍ فَزَوَّجَهَا رَجُلٌ غَيْرُ وَلِيِّهَا ذلك الرَّجُلَ وَأَجَازَ الْوَلِيُّ نِكَاحَهَا لم يَجُزْ لِأَنَّهَا كان لها وَلِلْوَلِيِّ أَنْ يَرُدَّ نِكَاحَهُ لِعِلَّةِ أَنَّ الْمُزَوِّجَ غَيْرُ الْمَأْذُونِ له بالتزويج ( ( ( بالتزوج ) ) ) فلم يَجُزْ النِّكَاحُ وَهَكَذَا الْمَرْأَةُ تَنْكِحُ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَيُجِيزُ وَلِيُّهَا النِّكَاحَ أو الْعَبْدُ يَنْكِحُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَيُجِيزُ سَيِّدُهُ النِّكَاحَ أو الْأَمَةُ تَنْكِحُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد سَمِعْت هذا الحديث مُسْنَدًا مُتَّصِلًا عن بن سِيرِينَ يُوَصِّلُهُ عن عُمَرَ بِمِثْلِ هذا الْمَعْنَى - * بَابُ الْخِيَارِ في النِّكَاحِ - * وإذا نَكَحَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ على أَنَّهُ بِالْخِيَارِ في نِكَاحِهَا يَوْمًا أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ أو على أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ولم يذكر مُدَّةً يَنْتَهِي إلَيْهَا إنْ شَاءَ أَجَازَ النِّكَاحَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ أو قال على أَنِّي بِالْخِيَارِ يَعْنِي من كان له الْخِيَارُ أَنَّهُ إنْ شَاءَ أَجَازَ النِّكَاحَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ وَكَذَلِكَ إنْ كان الْخِيَارُ لِلْمَرْأَةِ دُونَهُ أو لَهُمَا مَعًا أو شَرَطَاهُ أو أَحَدُهُمَا لِغَيْرِهِمَا فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ في هذا كُلِّهِ فَإِنْ لم يَدْخُلْ بها فَهُوَ مَفْسُوخٌ وَإِنْ أَصَابَهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا بِمَا أَصَابَ منها وَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا وَيَخْطُبُهَا مع الْخُطَّابِ وَهِيَ تَعْتَدُّ من مائة وَلَوْ تَرَكَهَا حتى تَسْتَبْرِئَ كان أَحَبَّ إلَيَّ

(5/81)


فَيُجِيزُ سَيِّدُهَا النِّكَاحَ فَهَذَا كُلُّهُ نِكَاحٌ مَفْسُوخٌ لَا يَجُوزُ بِإِجَازَةِ من أَجَازَهُ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ مَنْهِيًّا عنه وَهَكَذَا الْحُرُّ الْبَالِغُ الْمَحْجُورُ عليه يَنْكِحُ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ وَوَلِيُّهُ وَلِيُّ مَالِهِ لَا وِلَايَةَ على الْبَالِغِ في النِّكَاحِ في النَّسَبِ إنَّمَا الْوَلِيُّ عليه وَلِيُّ مَالِهِ كما يَقَعُ عليه في الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ وَلَا يُشْبِهُ الْمَرْأَةَ التي وَلِيُّهَا وَلِيُّ نَسَبِهَا لِلْعَارِ عليها وَالرَّجُلُ لَا عَارَ عليه في النِّكَاحِ فإذا أَذِنَ وَلِيُّهُ بَعْدَ النِّكَاحِ فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ وَكُلُّ نِكَاحٍ مَفْسُوخٌ قبل الْجِمَاعِ فَهُوَ مَفْسُوخٌ بَعْدَ الْجِمَاعِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا وَكَّلَ الرَّجُلُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً بِصَدَاقٍ فَزَادَهَا عليه أو أَصْدَقَ عنه غير الذي يَأْمُرُهُ أو أَمَرَتْ الْمَرْأَةُ الْوَلِيَّ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِصَدَاقٍ فَنَقَصَ من صَدَاقِهَا أو زَوَّجَهَا بِعَرْضٍ فَلَا خِيَارَ في وَاحِدٍ من هَذَيْنِ لِلْمَرْأَةِ وَلَا لِلرَّجُلِ وَلَا يُرَدُّ النِّكَاحُ من قِبَلِ تَعَدِّي الْوَكِيلِ في الصَّدَاقِ وَلِلْمَرْأَةِ على الزَّوْجِ في كل حَالٍ من هذه الْأَحْوَالِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَإِنْ كان وَكِيلُ الرَّجُلِ ضَمِنَ لِلْمَرْأَةِ ما زَادَهَا فَعَلَى الْوَكِيلِ الزِّيَادَةُ على مَهْرِ مِثْلِهَا وَإِنْ كان ضَمِنَ الصَّدَاقَ كُلَّهُ أَخَذَتْ الْمَرْأَةُ الْوَكِيلَ بِجَمِيعِ الصَّدَاقِ الذي ضَمِنَ وَرَجَعَ على الزَّوْجِ بِصَدَاقِ مِثْلِهَا ولم يَرْجِعْ عليه بِمَا ضَمِنَ عنه مِمَّا زَادَ على صَدَاقِ مِثْلِهَا لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ بِالزِّيَادَةِ على صَدَاقِ مِثْلِهَا وَإِنْ كان ما سَمَّى مِثْلَ صَدَاقِ مِثْلِهَا رَجَعَ بِهِ عليه وَلَوْ كان الْوَكِيلُ لم يَضْمَنْ لها شيئا لم يَضْمَنْ الْوَكِيلُ شيئا وَلَيْسَ هذا كَالْبُيُوعِ التي يَشْتَرِي الرَّجُلُ منها الشَّيْءَ لِلرَّجُلِ فَيَزِيدُ في ثَمَنِهِ فَلَا يَلْزَمُ الْآمِرُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ ( قال الرَّبِيعُ ) إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يُحْدِثَ شِرَاءَ من الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْعَقْدَ كان صَحِيحًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ وَلِيَ صَفْقَةَ الْبَيْعِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَ ما اشْتَرَى بِذَلِكَ الْعَقْدِ وَإِنْ سَمَّاهُ لِغَيْرِهِ وهو لَا يَجُوزُ له أَنْ يَمْلِكَ امْرَأَةً بِعَقْدٍ عَقَدَهُ لِغَيْرِهِ وَلَا يَكُونُ لِلزَّوْجِ وَلَا لِلْمَرْأَةِ خِيَارٌ من قِبَلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ في النِّكَاحِ خِيَارٌ من هذا الْوَجْهِ وَيَثْبُتُ النِّكَاحُ فَيَكُونُ لها صَدَاقُ مِثْلِهَا فَإِنْ قال قَائِلٌ فَكَيْفَ يُجْعَلُ لها صَدَاقُ مِثْلِهَا ولم يَرْضَ الزَّوْجُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إلَّا بِصَدَاقٍ مُسَمًّى هو أَقَلُّ من صَدَاقِ مِثْلِهَا قِيلَ له إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَرَأَيْت إذَا لم يَرْضَ الزَّوْجُ أَنْ يَتَزَوَّجَ إلَّا بِلَا مَهْرٍ فلم أَرُدَّ النِّكَاحَ ولم أَجْعَلْ فيه خِيَارًا لِلزَّوْجَيْنِ وَلَا لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَأُثْبِتُ النِّكَاحَ وَأَخَذْت منه مَهْرَ مِثْلِهَا من قِبَلِ أَنَّ عُقْدَةَ النِّكَاحِ لَا تُفْسَخُ بِصَدَاقٍ وَأَنَّهُ كَالْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ الْمُسْتَهْلَكَةِ التي فيها قِيمَتُهَا فَأَعْطَاهَا الزَّوْجُ صَدَاقَهَا وَوَلِيَ عُقْدَةَ النِّكَاحِ غَيْرُهُ فَزَادَهَا عليه فَأَبْلَغْتهَا صَدَاقَ مِثْلِهَا فما أَخَذَتْ منه من إبْلَاغِهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا وَإِنْ لم يُبْلِغْهُ أَقَلَّ من أَخْذِي منه مُبْتَدَأَ صَدَاقَ مِثْلِهَا فَهُوَ لم يَبْذُلْهُ ولم يَنْكِحْ عليه وَهَكَذَا لو وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا يُزَوِّجُهُ امْرَأَةً بِعَيْنِهَا ولم يُسَمِّ لها صَدَاقًا فَأَصْدَقَهَا أَكْثَرَ من صَدَاقِ مِثْلِهَا ولم يَضْمَنْهُ الْوَكِيلُ فَلَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا لَا يُجْعَلُ على الزَّوْجِ ما جَاوَزَهُ إذَا لم يُسَمِّهِ وَلَا تُنْقِصُ الْمَرْأَةُ منه وَلَوْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يُزَوِّجَهُ إيَّاهَا بِمِائَةٍ فَزَوَّجَهُ إيَّاهَا بِخَمْسِينَ كان النِّكَاحُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا زَوَّجَ الْوَلِيُّ رَجُلًا غَائِبًا بِخِطْبَةِ غَيْرِهِ وقال الْخَاطِبُ لم يُرْسِلْنِي ولم يُوَكِّلْنِي فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ وإذا قال الرَّجُلُ قد أَرْسَلَنِي فُلَانٌ فَزَوَّجَهُ الْوَلِيُّ أو كَتَبَ الْخَاطِبُ كِتَابًا فَزَوَّجَهُ الْوَلِيُّ وَجَاءَهُ بِعِلْمِ التَّزْوِيجِ فَإِنْ مَاتَ الزَّوْجُ قبل أَنْ يُقِرَّ بِالرِّسَالَةِ أو الْكِتَابِ لم تَرِثْهُ الْمَرْأَةُ وَإِنْ لم يَمُتْ فقال لم أُرْسِلْ ولم أَكْتُبْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ فَإِنْ قَامَتْ عليه بَيِّنَةٌ بِرِسَالَةٍ بِخِطْبَتِهَا أو كِتَابٍ بِخِطْبَتِهَا ثَبَتَ عليه النِّكَاحُ وَهَكَذَا لو مَاتَ ولم يُقِرَّ بِالنِّكَاحِ أو جَحَدَهُ فَقَامَتْ عليه بَيِّنَةٌ ثَبَتَ عليه النِّكَاحُ وكان لها عليه الْمَهْرُ الذي سَمَّى لها وَلَهَا منه الْمِيرَاثُ فَإِنْ قال الرَّجُلُ قد وَكَّلَنِي فُلَانٌ أُزَوِّجُهُ فَزَوَّجْته فَأَنْكَرَ الْمُزَوَّجُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ إنْ لم يَكُنْ عليه بَيِّنَةٌ وَلَا صَدَاقَ وَلَا نِصْفَ على الْمُزَوِّج الْمُدَّعِي الْوَكَالَةَ إلَّا أَنْ يَضْمَنَ الصَّدَاقَ فَيَكُونُ عليه نِصْفُهُ بِالضَّمَانِ فإن الزَّوْجَ لم يَمْسَسْ وَلَيْسَ هذا كَالرَّجُلِ يَشْتَرِي لِلرَّجُلِ الشَّيْءَ فَيُنْكِرُ المشتري له الْوَكَالَةَ فَيَكُونُ الشِّرَاءُ لِلْمُشْتَرِي وَعَلَيْهِ الثَّمَنُ هذا لَا يَكُونُ له النِّكَاحُ وَإِنْ ولي عَقْدَهُ لِغَيْرِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ - * بَابُ ما يَكُونُ خيار ( ( ( خيارا ) ) ) قبل الصَّدَاقِ - *

(5/82)


جَائِزًا وَكَانَتْ لها الْخَمْسُونَ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بها وَلَوْ وَكَّلَ أَنْ يُزَوِّجَهُ إيَّاهَا بِمِائَةٍ فَزَوَّجَهُ إيَّاهَا بِعَبْدٍ أو دَرَاهِمَ أو طَعَامٍ أو غَيْرِهِ كان لها صَدَاقُ مِثْلِهَا إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الزَّوْجُ أَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِرَأْيِهِ أَنْ يُزَوِّجَهُ بِمَا زَوَّجَهُ بِهِ وَهَكَذَا الْمَرْأَةُ لو أَذِنَتْ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا فَتَعَدَّى في صَدَاقِهَا - * الْخِيَارُ من قِبَلِ النَّسَبِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ غَرَّهَا بِنَسَبٍ فَوُجِدَ دُونَهُ وهو بِالنَّسَبِ الدُّونِ كُفْءٌ لها فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا ليس لها وَلَا لِوَلِيِّهَا خِيَارٌ من قِبَلِ الْكَفَاءَةِ لها وَإِنَّمَا جُعِلَ لها الْخِيَارُ وَلِوَلِيِّهَا من قِبَلِ التَّقْصِيرِ عن الْكَفَاءَةِ فإذا لم يَكُنْ تَقْصِيرٌ فَلَا خِيَارَ وَهَذَا أَشْبَهُ الْقَوْلَيْنِ وَبِهِ أَقُولُ وَالْآخَرُ أَنَّ النِّكَاحَ مَفْسُوخٌ لِأَنَّهَا مِثْلُ الْمَرْأَةِ تَأْذَنُ في الرَّجُلِ فَتُزَوَّجُ غَيْرَهُ وَمَنْ قال هذا الْقَوْلَ الْآخَرَ قَالَهُ في الْمَرْأَةِ تَغُرُّ بِنَسَبٍ فَتُوجَدُ على غَيْرِهِ قال وَلَوْ غَرَّتْ بِنَسَبٍ أو غَرَّ بِهِ فَوُجِدَ خَيْرًا منه وَإِنَّمَا مَنَعَنِي من هذا أَنَّ الْغُرُورَ لم يَكُنْ فيه بِبَدَنِهِ وَلَا فيها بِبَدَنِهَا وَهُمَا الْمُزَوِّجَانِ وَإِنَّمَا كان الْغُرُورُ فِيمَنْ فَوْقَهُ فلم تَكُنْ أَذِنَتْ في غَيْرِهِ وَلَا أَذِنَ في غَيْرِهَا وَلَكِنَّهُ كان ثَمَّ غُرُورُ نَسَبٍ فيه
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا انْتَسَبَ لِامْرَأَةٍ حُرَّةٍ حُرًّا فَنَكَحَتْهُ وقد أَذِنَ له سَيِّدُهُ ثُمَّ عَلِمَتْ أَنَّهُ عَبْدٌ أو انْتَسَبَ لها إلَى نَسَبٍ فَوَجَدَتْهُ من غَيْرِ ذلك النَّسَبِ وَمِنْ نَسَبٍ دُونِهِ وَنَسَبُهَا فَوْقَ نَسَبِهِ كان فيها قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ لها الْخِيَارَ لِأَنَّهُ مَنْكُوحٌ بِعَيْنِهِ وَغَارٌّ بِشَيْءٍ وُجِدَ دُونَهُ وَالثَّانِي أَنَّ النِّكَاحَ مَفْسُوخٌ كما يَنْفَسِخُ لو أَذِنَتْ في رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَزُوِّجَتْ غَيْرَهُ كَأَنَّهَا أَذِنَتْ في عبد اللَّهِ بن مُحَمَّدٍ الْفُلَانِيِّ فَزُوِّجَتْ عَبْدَ اللَّهِ بن مُحَمَّدٍ من غَيْرِ بَنِي فُلَانٍ فَكَانَ الذي زُوِّجَتْهُ غير من أَذِنَتْ بِتَزْوِيجِهِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَلِمَ تَجْعَلُ لها الْخِيَارَ في الرَّجُلِ يَغُرُّهَا بِنَسَبِهِ وقد نَكَحَتْهُ بِعَيْنِهِ ولم تَجْعَلْهُ لها من جِهَةِ الصَّدَاقِ قِيلَ الصَّدَاقُ مَالٌ من مَالِهَا هِيَ أَمْلَكُ بِهِ لَا عَارَ عليها وَلَا على من هِيَ فيه منه في نَقْصِهِ وَلَا وِلَايَةَ لِأَوْلِيَائِهَا في مَالِهَا وَهَذَا كان لِأَوْلِيَائِهَا على الِابْتِدَاءِ إذَا أَذِنَتْ فيه أَنْ يَمْنَعُوهَا منه بِنَقْصٍ في النَّسَبِ ولم يَكُنْ لهم على الِابْتِدَاءِ يَمْنَعُونَهَا كفؤا ( ( ( كفئا ) ) ) تَتْرُكُ لها من صَدَاقِهَا فَإِنْ قال قَائِلٌ فَكَيْفَ لم تَجْعَلْ نِكَاحَ الذي غَرَّهَا مَفْسُوخًا بِكُلِّ حَالٍ قِيلَ له لِأَنَّهُ قد كان لِأَوْلِيَائِهَا على الِابْتِدَاءِ أَنْ يُزَوِّجُوهَا إيَّاهُ وَلَيْسَ مَعْنَى النِّكَاحِ إذَا أَرَادَ الْوُلَاةُ مَنْعَهُ بِأَنَّ النَّاكِحَ غَيْرُ كُفْءٍ بِأَنَّ النِّكَاحَ مُحَرَّمٌ وَلِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يُزَوِّجُوهَا غير كُفْءٍ إذَا رَضِيَتْ وَرَضُوا وَإِنَّمَا رَدَدْنَاهُ بِالنَّقْصِ على الْمُزَوَّجَةِ كما يُجْعَلُ الْخِيَارُ في رَدِّ الْبَيْعِ بِالْعِنَبِ وَلَيْسَ بِمُحَرَّمٍ أَنْ يَتِمَّ إنْ شَاءَ الذي جُعِلَ له الْخِيَارُ فَإِنْ قال فَقَدْ جَعَلْت خِيَارًا في الْكَفَاءَةِ قِيلَ من جِهَةِ أَنَّ اللَّهَ عز وجل جَعَلَ لِلْأَوْلِيَاءِ في بُضْعِ الْمَرْأَةِ أَمْرًا وَجَعَلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نِكَاحَ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا مَرْدُودًا فَكَانَتْ دَلَالَةُ أَنْ لَا يَتِمَّ نِكَاحُهَا إلَّا بِوَلِيٍّ وَكَانَتْ إذَا فَعَلَتْ ذلك مُفَوِّتَةً في شَيْءٍ لها فيه شَرِيكٌ وَمِنْ يُفَوِّتُ في شَيْءٍ له فيه شَرِيكٌ لم يَجُزْ ذلك على شريكه ( ( ( شركته ) ) ) فإذا كان الشَّرِيكُ في بُضْعٍ لم يَتِمَّ إلَّا بإجتماع الشَّرِيكَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يَتَبَعَّضُ ولم يَكُنْ لِلْوُلَاةِ مَعَهَا مَعْنًى إلَّا بِمَا وَصَفْنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ إلَّا أَنْ تَنْكِحَ من يَنْقُصُ نَسَبُهُ عن نَسَبِهَا ولم يَجْعَلْ اللَّهُ لِلْوُلَاةِ أَمْرًا في مَالِهَا وَلَوْ أَنَّ الْمَرْأَةَ غَرَّتْ الرَّجُلَ بِأَنَّهَا حُرَّةٌ فإذا هِيَ أَمَةٌ وَأَذِنَ لها سَيِّدُهَا كان له فَسْخُ النِّكَاحِ إنْ شَاءَ وَلَوْ غَرَّتْهُ بِنَسَبٍ فَوَجَدَهَا دُونَهُ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ له عليها في الْغُرُورِ بِالنَّسَبِ ما لها عليه من رَدِّ النِّكَاحِ وإذا رَدَّ النِّكَاحَ قبل أَنْ يُصِيبَهَا فَلَا مَهْرَ وَلَا مُتْعَةَ وإذا رَدَّهُ بَعْدَ الْإِصَابَةِ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا لَا ما سَمَّى لها وَلَا نَفَقَةَ في الْعِدَّةِ حَامِلًا كانت أو غير حَامِلٍ وَلَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا إذَا فَسَخَ وَالثَّانِي لَا خِيَارَ له إذَا كانت حُرَّةً لِأَنَّ بيده الطَّلَاقَ وَلَا يَلْزَمُهُ من الْعَارِ ما يَلْزَمُهَا وَلَهُ الْخِيَارُ بِكُلِّ حَالٍ إنْ كانت أَمَةً ( قال الرَّبِيعُ ) وَإِنْ كانت أَمَةً غَرَّ بها كان له الْخِيَارُ إنْ كان يَخَافُ الْعَنَتَ وكان لَا يَجِدُ طَوْلًا لِحُرَّةٍ وَإِنْ كان يَجِدُ طَوْلًا لِحُرَّةٍ أو كان لَا يَخَافُ الْعَنَتَ فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ بِكُلِّ حَالٍ وهو قَوْلُ الشَّافِعِيِّ

(5/83)


حَقٌّ لِلْعُقْدَةِ وكان غير فَاسِدٍ أَنْ يَجُوزَ على الِابْتِدَاءِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ تَزَوَّجَ الرَّجُلُ امْرَأَةً على أنها جَمِيلَةٌ شَابَّةٌ مُوسِرَةٌ تَامَّةٌ بِكْرٌ فَوَجَدَهَا عَجُوزًا قَبِيحَةً مُعْدَمَةً قَطْعَاءَ ثَيِّبًا أو عَمْيَاءَ أو بها ضُرٌّ ما كان الضُّرُّ غير الْأَرْبَعِ التي سَمَّيْنَا فيها الْخِيَارَ فَلَا خِيَارَ له وقد ظَلَمَ من شَرَطَ هذا نَفْسَهُ وَسَوَاءٌ في ذلك الْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ إذَا كَانَتَا مُتَزَوِّجَتَيْنِ وَلَيْسَ النِّكَاحُ كَالْبَيْعِ فَلَا خِيَارَ في النِّكَاحِ من عَيْبٍ يَخُصُّ الْمَرْأَةَ في بَدَنِهَا وَلَا خِيَارَ في النِّكَاحِ عِنْدَنَا إلَّا من أَرْبَعٍ أَنْ يَكُونَ حَلْقُ فَرْجِهَا عَظْمًا لَا يُوَصِّلُ إلَى جِمَاعِهَا بِحَالٍ وَهَذَا مَانِعٌ لِلْجِمَاعِ الذي له عَامَّةُ ما نَكَحَهَا فَإِنْ كانت رَتْقَاءَ فَكَانَ يَقْدِرُ عن جِمَاعِهَا بِحَالٍ فَلَا خِيَارَ له أو عَالَجَتْ نَفْسَهَا حتى تَصِيرَ إلَى أَنْ يُوَصِّلَ إلَيْهَا فَلَا خِيَارَ لِلزَّوْجِ وَإِنْ لم تُعَالِجْ نَفْسَهَا فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا لم يَصِلْ إلَى الْجِمَاعِ بِحَالٍ وَإِنْ سَأَلَ أَنْ يَشُقَّهَا هو بِحَدِيدَةٍ أو ما شَابَهَهَا وَيُجْبِرُهَا على ذلك لم أَجْعَلْ له أَنْ يَفْعَلَ وَجَعَلْت له الْخِيَارَ وَإِنْ فَعَلَتْهُ هِيَ فَوَصَلَ إلَى جِمَاعِهَا قبل أَنْ أُخَيِّرَهُ لم أَجْعَلْ له خِيَارًا وَلَا يَلْزَمُهَا الْخِيَارُ إلَّا عِنْدَ حَاكِمٍ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا هُمَا بِشَيْءٍ يَجُوزُ فَأُجِيزُ تَرَاضِيَهُمَا وَلَوْ تَزَوَّجَهَا فَوَجَدَهَا مُفْضَاةً لم أَجْعَلْ له خِيَارًا لِأَنَّهُ يَقْدِرُ على الْجِمَاعِ وَكَذَلِكَ لو كان بها قَرْنٌ يَقْدِرُ معه على الْجِمَاعِ لم أَجْعَلْ له خِيَارًا وَلَكِنْ لو كان الْقَرْنُ مَانِعًا لِلْجِمَاعِ كان كَالرَّتْقِ أو تَكُونُ جَذْمَاءَ أو بَرْصَاءَ أو مَجْنُونَةً وَلَا خِيَارَ في الْجُذَامِ حتى يَكُونَ بَيِّنًا فَأَمَّا الزَّعَرُ في الْحَاجِبِ أو عَلَامَاتٌ تُرَى أنها تَكُونُ جَذْمَاءَ وَلَا تَكُونُ فَلَا خِيَارَ فيه بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ قد لَا يَكُونُ وَلَهُ الْخِيَارُ في الْبَرَصِ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ وَسَوَاءٌ قَلِيلُ الْبَرَصِ وَكَثِيرُهُ فَإِنْ كان بَيَاضًا فقالت ليس هذا بَرَصًا وقال هو بَرَصٌ أُرِيهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِهِ فَإِنْ قالوا هو بَرَصٌ فَلَهُ الْخِيَارُ وَإِنْ قالوا هو مِرَارٌ لَا بَرَصَ فَلَا خِيَارَ له فَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْجُنُونُ ضَرْبَانِ فضرب خَنْقٌ وَلَهُ الْخِيَارُ بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ وَضَرْبٌ غَلَبَةٌ على عَقْلِهِ من غَيْرِ حَادِثِ مَرَضٍ فَلَهُ الْخِيَارُ في الْحَالَيْنِ مَعًا وَهَذَا أَكْثَرُ من الذي يُخْنَقُ وَيُفِيقُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَمَّا الْغَلَبَةُ على الْعَقْلِ بِالْمَرَضِ فَلَا خِيَارَ لها فيه ما كان مَرِيضًا فإذا أَفَاقَ من الْمَرَضِ وَثَبَتَتْ الْغَلَبَةُ على الْعَقْلِ فَلَهَا الْخِيَارُ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما الْحُجَّةُ في أَنْ جَعَلْت لِلزَّوْجِ الْخِيَارَ في أَرْبَعٍ دُونَ سَائِرِ الْعُيُوبِ فَالْحُجَّةُ عن غَيْرِ وَاحِدٍ في الرَّتْقَاءِ ما قُلْت وَإِنَّهُ إذَا يُوَصِّلُ إلَى الْجِمَاعِ بِحَالٍ فَالْمَرْأَةُ في غَيْرِ مَعَانِي النِّسَاءِ فَإِنْ قال فَقَدْ قال أبو الشَّعْثَاءِ لَا تُرَدُّ من قَرْنٍ فَقَدْ
أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن أبي الشَّعْثَاءِ قال أَرْبَعٌ لَا يَجُزْنَ في بَيْعٍ وَلَا نِكَاحٍ إلَّا أَنْ يُسَمَّى فَإِنْ سُمِّيَ جَازَ الْجُنُونُ وَالْجُذَامُ وَالْبَرَصُ وَالْقَرْنُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال قَائِلٌ فتقول ( ( ( فنقول ) ) ) بهذا قِيلَ إنْ كان الْقَرْنُ مَانِعًا لِلْجِمَاعِ بِكُلِّ حَالٍ كما وَصَفْت كان كَالرَّتْقِ وَبِهِ أَقُولُ وَإِنْ كان غير مَانِعٍ لِلْجِمَاعِ فَإِنَّمَا هو عَيْبٌ يُنْقِصُهَا فَلَا أَجْعَلُ له خِيَارًا
أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن بن الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قال قال عُمَرُ بن الْخَطَّابِ أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَبِهَا جُنُونٌ أو جُذَامٌ أو بَرَصٌ فَمَسَّهَا فَلَهَا صَدَاقُهَا وَذَلِكَ لِزَوْجِهَا غُرْمٌ على وَلِيِّهَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال فَهَلْ تَجِدُ دَلَالَةَ غَيْرِ ما ذَكَرْت من الِاسْتِدْلَالِ من أَنَّ مَعْنَى الْأَوْلِيَاءِ إنَّمَا هو لِمَعْنَى النَّسَبِ في هذا الْمَعْنَى أو ما يشبهه ( ( ( يشبه ) ) ) في كِتَابٍ أو سُنَّةٍ حتى يَجُوزَ أَنْ تَجْعَلَ في النِّكَاحِ خِيَارًا وَالْخِيَارُ إنَّمَا يَكُونُ إلَى الْمُخَيَّرِ إثْبَاتُهُ وَفَسْخُهُ قِيلَ نعم عَتَقَتْ بَرِيرَةُ فَخَيَّرَهَا النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَفَارَقَتْ زَوْجَهَا وقد كان لها الثُّبُوتُ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ لَا يُخَيِّرُهَا إلَّا وَلَهَا أَنْ تَثْبُتَ إنْ شَاءَتْ وَتُفَارِقَ إنْ شَاءَتْ وقد كان الْعَقْدُ على بَرِيرَةَ صَحِيحًا وكان الْجِمَاعُ فيه حَلَالًا وكان لها فَسْخُ الْعَقْدِ فلم يَكُنْ لِفَسْخِهَا مَعْنًى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ إلَّا أنها صَارَتْ حُرَّةً فَصَارَ الْعَبْدُ لها غير كُفْءٍ وَاَلَّتِي كانت كَفِيئَةً في حَالٍ ثُمَّ انْتَقَلَتْ إلَى أَنْ تَكُونَ غير كُفْءٍ لِلْعَبْدِ لِتَقْصِيرِهِ عنها أَدْنَى حَالًا من التي لم تَكُنْ قَطُّ كَفِيئَةً لِمَنْ غَرَّهَا فَنَكَحَتْهُ على الْكَفَاءَةِ فَوُجِدَ على غَيْرِهَا - * في الْعَيْبِ بِالْمَنْكُوحَةِ - *

(5/84)


(1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) إنَّمَا تَرَكْت أَنْ أَرُدَّهُ بِالْمَهْرِ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ وَإِنْ أَصَابَهَا فَلَهَا الصَّدَاقُ بِمَا اسْتَحَلَّ من فَرْجِهَا فإذا جَعَلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الصَّدَاقَ لِلْمَرْأَةِ بِالْمَسِيسِ في النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بِكُلِّ حَالٍ ولم يَرُدَّهُ بِهِ عليها وَهِيَ التي غَرَّتْهُ لَا غَيْرُهَا لِأَنَّ غَيْرَهَا لو زَوَّجَهُ إيَّاهَا لم يَتِمَّ النِّكَاحُ إلَّا بها إلَّا في الْبِكْرِ لِلْأَبِ فإذا كان في النِّكَاحِ الْفَاسِدِ الذي عُقِدَ لها لم يَرْجِعْ بِهِ عليها وقد جَعَلَهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لها كان في النِّكَاحِ الصَّحِيحِ الذي لِلزَّوْجِ فيه الْخِيَارُ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ لِلْمَرْأَةِ فإذا كان لِلْمَرْأَةِ لم يَجُزْ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْآخِذَةُ له وَيُغَرِّمُهُ وَلِيُّهَا لِأَنَّ أَكْثَرَ أَمْرِهِ أَنْ يَكُونَ غَرَّ بها وَهِيَ غَرَّتْ بِنَفْسِهَا فَهِيَ كانت أَحَقُّ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عليها وَلَوْ رَجَعَ بِهِ عليها لم تُعْطِهِ أَوَّلًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقَضَى عُمَرُ بن الْخَطَّابِ في التي نَكَحَتْ في عِدَّتِهَا إنْ أُصِيبَتْ فَلَهَا الْمَهْرُ فإذا جُعِلَ لها الْمَهْرُ فَهُوَ لو رَدَّهُ بِهِ عليها لم يَقْضِ لها بِهِ ولم يَرُدَّهُ على وَلِيِّهَا بِمَهْرِهِ إنَّمَا فَسَدَ النِّكَاحُ من قِبَلِ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ لو كان بِغَيْرِ وَلِيٍّ أَفْسَدَهُ وَإِنْ لم يَكُنْ في عِدَّةٍ قال وما جَعَلْت له فيه الْخِيَارَ إذَا عُقِدَتْ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وهو بها جَعَلْت له الْخِيَارَ إذَا حَدَثَ بها بعد عُقْدَةُ النِّكَاحِ لِأَنَّ ذلك الْمَعْنَى قَائِمٌ فيها وَإِنِّي لم أَجْعَلْ له الْخِيَارَ بِأَنَّ النِّكَاحَ فَاسِدٌ وَلَكِنِّي جَعَلْت له بِحَقِّهِ فيه وَحَقِّ الْوَلَدِ قال وما جَعَلْت له فيه الْخِيَارَ إذَا كان بها جَعَلْت لها فيه الْخِيَارَ إذَا كان بِهِ أو حَدَثَ بِهِ فَإِنْ اخْتَارَتْ فِرَاقَهُ قبل الْمَسِيسِ لم يَكُنْ له أَنْ يَمَسَّهَا ولم يَكُنْ من الْمَهْرِ شَيْءٌ وَلَا مُتْعَةٌ وَإِنْ لم تَعْلَمْ حتى أَصَابَهَا فَاخْتَارَتْ فِرَاقَهُ فَلَهَا الْمَهْرُ وَلَهَا فِرَاقُهُ وَاَلَّذِي يَكُونُ بِهِ مِثْلُ الرَّتْقِ أَنْ يَكُونَ محبوبا ( ( ( مجبوبا ) ) ) فَأُخَيِّرُهَا مَكَانَهَا فَإِنْ كانت علمت بِخَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ مِمَّا لها فيه الْخِيَارُ فلم تَخْتَرْ فِرَاقَهُ وَثَبَتَتْ معه عليها فَحَدَثَ بِهِ أُخْرَى فَلَهَا منه الْخِيَارُ وَكَذَلِكَ إنْ عَلِمَتْ بِاثْنَيْنِ أو ثَلَاثٍ فَاخْتَارَتْ الْمَقَامَ معه جَعَلْت لها فِيمَا سِوَاهَا الْخِيَارَ وَهَكَذَا هو فِيمَا كان بها وَإِنْ عَلِمَتْ بِهِ فَتَرَكَتْهُ وَهِيَ تَعْلَمُ الْخِيَارَ لها فَذَلِكَ كَالرِّضَا بِالْمُقَامِ معه وَلَا خِيَارَ لها وَإِنْ عَلِمَ شيئا بها فَأَصَابَهَا فَلَهَا الصَّدَاقُ الذي سَمَّى لها وَلَا خِيَارَ له إنْ شَاءَ طَلَّقَ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَهَلْ فيه من عِلَّةٍ جَعَلْت لها الْخِيَارَ غير الْأَثَرِ قِيلَ نعم الْجُذَامُ وَالْبَرَصُ فِيمَا يَزْعُمُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالطِّبِّ وَالتَّجَارِبِ تَعَدَّى الزَّوْجُ كَثِيرًا وهو دَاءٌ مَانِعٌ لِلْجِمَاعِ لَا تَكَادُ نَفْسُ أَحَدٍ أَنْ تَطِيبَ بِأَنْ يُجَامِعَ من هو بِهِ وَلَا نَفْسُ امْرَأَةٍ أَنْ يُجَامِعَهَا من هو بِهِ فَأَمَّا الْوَلَدُ فَبَيِّنٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا وَلَدَهُ أَجْذَمَ أو أَبْرَصَ أو جَذْمَاءَ أو بَرْصَاءَ قَلَّمَا يَسْلَمُ وَإِنْ سَلِمَ أَدْرَكَ نَسْلَهُ وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَأَمَّا الْجُنُونُ وَالْخَبَلُ فَتُطْرَحُ الْحُدُودُ عن الْمَجْنُونِ وَالْمَخْبُولِ مِنْهُمَا وَلَا يَكُونُ منه تَأْدِيَةُ حَقٍّ لِزَوْجٍ وَلَا زَوْجَةٍ بِعَقْلٍ وَلَا امْتِنَاعٌ من مُحَرَّمٍ بِعَقْلٍ وَلَا طَاعَةٌ لِزَوْجٍ بِعَقْلٍ وقد يُقْتَلُ أَيُّهُمَا كان بِهِ زَوْجُهُ وَوَلَدُهُ وَيَتَعَطَّلُ الْحُكْمُ عليه في كَثِيرِ ما يَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على صَاحِبِهِ حتى يُطَلِّقَهَا فَلَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ وَيُرَدُّ خُلْعُهُ فَلَا يَجُوزُ خُلْعُهُ وَهِيَ لو دَعَتْ إلَى مَجْنُونٍ في الِابْتِدَاءِ كان لِلْوُلَاةِ مَنْعُهَا منه كما يَكُونُ لهم مَنْعُهَا من غَيْرِ الْكُفْءِ وإذا جُعِلَ لها الْخِيَارُ بِأَنْ يَكُونَ مَجْبُوبًا أو له بِأَنْ تَكُونَ رَتْقَاءَ كان الْخَبَلُ وَالْجُنُونُ أَوْلَى بِجِمَاعِ ما وَصَفْت أَنْ يَكُونَ لها وَلَهُ الْخِيَارُ وَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ لها فيه الْخِيَارُ من أَنْ لَا يَأْتِيَهَا فَيُؤَجَّلُ فَإِنْ لم يَأْتِهَا خُيِّرَتْ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال فَهَلْ من حُكْمِ لله ( ( ( الله ) ) ) تَعَالَى أو سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَقَعُ فيه الْخِيَارُ أو الْفُرْقَةُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَلَا اخْتِلَافِ دِينَيْنِ قِيلَ نعم جَعَلَ اللَّهُ للمولى تَرَبُّصَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ أَوْجَبَ عليه بِمُضِيِّهَا أَنْ يَفِيءَ أو يُطَلِّقَ وَذَلِكَ أَنَّهُ امْتَنَعَ من الْجِمَاعِ بِيَمِينٍ لو كانت على غَيْرِ مأثم ( ( ( مأتم ) ) ) كانت طَاعَةُ اللَّهِ أَنْ لَا يَحْنَثَ فلما كانت على مَعْصِيَةٍ أُرَخِّصُ له في الْحِنْثِ وَفَرْضُ الْكَفَّارَةِ في الأيمان في غَيْرِ ذِكْرِ المولى فَكَانَتْ عليه الْكَفَّارَةُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا عَلِمَ قبل الْمَسِيسِ فَلَهُ الْخِيَارُ فَإِنْ اخْتَارَ فِرَاقَهَا فَلَا مَهْرَ لها وَلَا نِصْفَ وَلَا مُتْعَةَ وَإِنْ اخْتَارَ حَبْسَهَا بَعْدَ عِلْمِهِ أو نَكَحَهَا وهو يَعْلَمُهُ فَلَا خِيَارَ له وَإِنْ اخْتَارَ الْحَبْسَ بَعْدَ الْمَسِيسِ فَصَدَّقَتْهُ أَنَّهُ لم يَعْلَمْ خَيَّرَتْهُ فَإِنْ اخْتَارَ فِرَاقَهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا بِالْمَسِيسِ وَلَا نَفَقَةَ عليه في عِدَّتِهَا وَلَا سُكْنَى إلَّا أَنْ يَشَاءَ وَلَا يَرْجِعُ بِالْمَهْرِ عليها وَلَا على وَلِيِّهَا فَإِنْ قال قَائِلٌ فَقَدْ قِيلَ يَرْجِعُ بِالْمَهْرِ على وَلِيِّهَا

(5/85)


بِالْحِنْثِ فَإِنْ لم يَحْنَثْ أَوْجَبْت عليه الطَّلَاقَ وَالْعِلْمُ يُحِيطُ أَنَّ الضَّرَرَ بِمُعَاشَرَةِ الْأَجْذَمِ وَالْأَبْرَصِ وَالْمَجْنُونِ وَالْمَخْبُولِ أَكْثَرُ منه بِمُعَاشَرَةِ المولى ما لم يَحْنَثْ وَإِنْ كان قد يَفْتَرِقَانِ في غَيْرِ هذا الْمَعْنَى فَكُلُّ مَوْضِعٍ من النِّكَاحِ لم أَفْسَخْهُ بِحَالٍ فَعَقْدُهُ غَيْرُ مُحَرَّمٍ وَإِنَّمَا جَعَلْنَا الْخِيَارَ فيه بِالْعِلَّةِ التي فيه فَالْجِمَاعُ فيه مُبَاحٌ وَأَيُّ الزَّوْجَيْنِ كان له الْخِيَارُ فَمَاتَ أو مَاتَ الْآخَرُ قبل الْخِيَارِ تَوَارَثَا وَيَقَعُ الطَّلَاقُ ما لم يَخْتَرْ الذي له الْخِيَارُ فَسْخُ الْعُقْدَةِ فإذا اخْتَارَهَا لم يَقَعْ طَلَاقٌ وَلَا إيلَاءٌ وَلَا ظِهَارٌ وَلَا لِعَانٌ وَلَا مِيرَاثٌ - * الْأَمَةُ تَغُرُّ بِنَفْسِهَا - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ أَحَبَّ الْمُقَامَ مَعَهَا كان ذلك له وَإِنْ اخْتَارَ فِرَاقَهَا وقد وَلَدَتْ أَوْلَادًا فَهُمْ أَحْرَارٌ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُمْ يوم يَسْقُطُونَ من بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ وَذَلِكَ أَوَّلُ ما كان حُكْمُهُمْ حُكْمَ أَنْفُسِهِمْ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ وَيَرْجِعُ بِجَمِيعِ ما أَخَذَ منه من قِيمَةِ أَوْلَادِهِ على الذي غَرَّهُ إنْ كان غَرَّهُ الذي زَوَّجَهُ رَجَعَ بِهِ عليه وَإِنْ كانت غَرَّتْهُ هِيَ رَجَعَ بِهِ عليها إذَا عَتَقَتْ وَلَا يَرْجِعُ عليها إذَا كانت مَمْلُوكَةً وَهَكَذَا إذَا كانت مُدَبَّرَةً أو أُمَّ وَلَدٍ أو مُعْتَقَةً إلَى أَجَلٍ لم يَرْجِعْ عليها في حَالِ رِقِّهَا وَيَرْجِعُ عليها إذَا عَتَقَتْ إذَا كانت هِيَ التي غَرَّتْهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كانت مُكَاتَبَةً فَمِثْلُ هذا في جَمِيعِ الْمَسَائِلِ إلَّا أَنَّ له أَنْ يَرْجِعَ عليها وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ بِقِيمَةِ أَوْلَادِهَا لِأَنَّ الْجِنَايَةَ وَالدَّيْنَ في الْكِتَابَةِ يَلْزَمُهَا فَإِنْ أَدَّتْهُ فَذَاكَ وَإِنْ لم تُؤَدِّهِ وَعَجَزَتْ فَرُدَّتْ رَقِيقًا لم يَلْزَمْهَا في حَالِ رِقِّهَا حتى تَعْتِقَ فَيَلْزَمَهَا إذَا عَتَقَتْ وَإِنْ كان مِمَّنْ يَجِدُ طَوْلًا لِحُرَّةٍ فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ بِكُلِّ حَالٍ لَا خِيَارَ فيه في إثْبَاتِهِ فَإِنْ لم يُصِبْهَا فَلَا مَهْرَ وَلَا نِصْفَ مَهْرٍ وَلَا مُتْعَةَ وَإِنْ أَصَابَهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَإِنْ ضَرَبَ إنْسَانٌ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا فَلِأَبِيهِ فيه ما في جَنِينِ الْحُرَّةِ جَنِينًا مَيِّتًا + * كِتَابُ النَّفَقَاتِ + * أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { قد عَلِمْنَا ما فَرَضْنَا عليهم في أَزْوَاجِهِمْ وما مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } وقال عز وجل { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ على النِّسَاءِ } وقال تَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } وقال عز وجل { وَلَهُنَّ مِثْلُ الذي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) هذا جُمْلَةُ ما ذَكَرَ اللَّهُ عز وجل من الْفَرَائِضِ بين الزَّوْجَيْنِ وقد كَتَبْنَا ما حَضَرَنَا مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ عز وجل لِلْمَرْأَةِ على الزَّوْجِ وَلِلزَّوْجِ على الْمَرْأَةِ مِمَّا سَنَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَفَرَضَ اللَّهُ عز وجل أَنْ يُؤَدِّيَ كُلٌّ ما عليه بِالْمَعْرُوفِ وَجِمَاعُ الْمَعْرُوفِ إعْفَاءُ صَاحِبِ الْحَقِّ من الْمُؤْنَةِ في طَلَبِهِ وَأَدَاؤُهُ إلَيْهِ بِطِيبِ النَّفْسِ لَا بِضَرُورَتِهِ إلَى طَلَبِهِ وَلَا تَأْدِيَتُهُ بِإِظْهَارِ الْكَرَاهِيَةِ لِتَأْدِيَتِهِ وَأَيَّهُمَا تَرَكَ فَظُلْمٌ لِأَنَّ مَطْلَ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ وَمَطْلُهُ تَأْخِيرُهُ الْحَقَّ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) في قَوْله تَعَالَى
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَذِنَ الرَّجُلُ لِأَمَتِهِ في نِكَاحِ رَجُلٍ وَوَكَّلَ رَجُلًا بِتَزْوِيجِهَا فَخَطَبَهَا الرَّجُلُ إلَى نَفْسِهَا فَذَكَرَتْ أنها حُرَّةٌ ولم يذكر ذلك الذي زَوَّجَهَا أو ذَكَرَ الذي زَوَّجَهَا ولم تَذْكُرْهُ أو ذَكَرَاهُ مَعًا فَتَزَوَّجَهَا على أنها حُرَّةٌ فَعَلِمَ بَعْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ وَقَبْلَ الدُّخُولِ أو بَعْدَهُ أنها أَمَةٌ فَلَهُ الْخِيَارُ في الْمُقَامِ مَعَهَا أو فِرَاقِهَا إنْ كان مِمَّنْ يَحِلُّ له نِكَاحُهَا بِأَنْ لَا يَجِدَ طَوْلًا لِحُرَّةٍ وَيَخَافَ الْعَنَتَ فَإِنْ اخْتَارَ فِرَاقَهَا قبل الدُّخُولِ فَلَا نِصْفَ مَهْرٍ وَلَا مُتْعَةَ وَإِنْ لم يَعْلَمْ حتى أَصَابَهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا كان أَقَلَّ مِمَّا سَمَّى لها أو أَكْثَرَ إنْ اخْتَارَ فِرَاقَهَا وَالْفِرَاقُ فَسْخٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ أَلَا تَرَى أَنْ لو جَعَلَهُ تَطْلِيقَةً لَزِمَهُ أَنْ يَكُونَ لها نِصْفُ الْمَهْرِ الذي فَرَضَ لها قبل الدُّخُولِ وَكَّلَهُ بَعْدَ الدُّخُولِ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل أَوْجَبَ لِلْمُطَلَّقَةِ قبل الدُّخُولِ نِصْفَ الْمَهْرِ وَلَا يَرْجِعُ بِمَهْرِهَا عليها وَلَا على الذي غَرَّهُ من نِكَاحِهَا بِحَالٍ لِأَنَّ الْإِصَابَةَ تُوجِبُ الْمَهْرَ إذَا دُرِئَ فيها الْحَدُّ وَهَذِهِ إصَابَةُ الْحَدِّ فيها سَاقِطٌ وَإِصَابَةُ نِكَاحٍ لَا زِنًا

(5/86)


{ وَلَهُنَّ مِثْلُ الذي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } وَاَللَّهُ أَعْلَم أَيْ فما لَهُنَّ مِثْلُ ما عَلَيْهِنَّ من أَنْ يُؤَدَّى إلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ - * وُجُوبُ نَفَقَةِ الْمَرْأَةِ - *
قال اللَّهُ عز وجل { فَانْكِحُوا ما طَابَ لَكُمْ من النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ ألا تَعْدِلُوا } قَرَأَ إلَى { ألا تَعُولُوا } وقال عز وجل { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ } قَرَأَ إلَى { بِالْمَعْرُوفِ } وقال عز وجل { فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ }
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه عن عَائِشَةَ زَوْجِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ هِنْدًا قالت يا رَسُولَ اللَّهِ إنْ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ لي إلَّا ما يَدْخُلُ بَيْتِي فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم خُذِي ما يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ أخبرنا أَنَسُ بن عِيَاضٍ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه عن عَائِشَةَ زَوْجِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أنها حَدَّثَتْهُ أَنَّ هِنْدًا أُمَّ مُعَاوِيَةَ جَاءَتْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقالت يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَإِنَّهُ لَا يُعْطِينِي ما يكفينى وَوَلَدِي إلا إلَّا ما أَخَذْت منه سِرًّا وهو لَا يَعْلَمُ فَهَلْ عَلَيَّ في ذلك من شَيْءٍ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم خُذِي ما يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن بن عَجْلَانَ عن سَعِيدِ بن أبي سَعِيدٍ عن أبي هُرَيْرَةَ قال جاء رَجُلٌ إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال يا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي دِينَارٌ قال أَنْفِقْهُ على نَفْسِك قال عِنْدِي آخَرُ قال أَنْفِقْهُ على وَلَدِك قال عِنْدِي آخَرُ قال أَنْفِقْهُ على أَهْلِك قال عِنْدِي آخَرُ قال أَنْفِقْهُ على خَادِمِك قال عِنْدِي آخَرُ قال أنت أَعْلَمُ قال سَعِيدُ بن ابي سَعِيدٍ ثُمَّ يقول أبو هُرَيْرَةَ إذَا حَدَّثَ بهذا يقول وَلَدُك أَنْفِقْ على إلَى من تَكِلُنِي وَتَقُولُ زَوْجَتُك أَنْفِقْ عَلَيَّ أو طَلِّقْنِي وَيَقُولُ خَادِمُك أَنْفِقْ عَلَيَّ أو بِعْنِي (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيُنْفِقُ على وَلَدِهِ حتى يَبْلُغُوا الْمَحِيضَ وَالْحُلُمَ ثُمَّ لَا نَفَقَةَ لهم عليه إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ إلَّا أَنْ يَكُونُوا زَمْنَى فَيُنْفِقَ عليهم قِيَاسًا على النَّفَقَةِ عليهم إذَا كَانُوا لَا يُغْنُونَ أَنْفُسَهُمْ في الصِّغَرِ وَسَوَاءٌ في ذلك الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَإِنَّمَا يُنْفِقُ عليهم ما لم تَكُنْ لهم أَمْوَالٌ فإذا كانت لهم أَمْوَالٌ فَنَفَقَتُهُمْ في أَمْوَالِهِمْ قال وَسَوَاءٌ في ذلك وَلَدُهُ وَوَلَدُ وَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلُوا ما لم يَكُنْ لهم أَبٌ دُونَهُ يَقْدِرُ على أَنْ يُنْفِقَ عليهم قال وإذا زَمِنَ الْأَبُ وَالْأُمُّ ولم يَكُنْ لَهُمَا مَالٌ يُنْفِقَانِ منه على أَنْفُسِهِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِمَا الْوَلَدُ لِأَنَّهُمَا قد جَمَعَا الْحَاجَةَ وَالزَّمَانَةَ التي لَا يَنْحَرِفَانِ مَعَهَا وَاَلَّتِي في مِثْلِ حَالِ الصِّغَرِ أو أَكْثَرَ وَمِنْ نَفَقَتِهِمْ الْخِدْمَةُ كما وَصَفْت وَالْأَجْدَادُ وَإِنْ بَعُدُوا آبَاءٌ إذَا لم يَكُنْ لهم أَبٌ دُونَهُ يَقْدِرُ على النَّفَقَةِ عليهم أَنْفَقَ عليهم وَلَدُ الْوَلَدِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيُنْفِقُ إذَا كَانُوا كما وَصَفْت على وَلَدِهِ بِأَنَّهُمْ منه وَيُنْفِقُ عليه وَلَدُهُ بِذَلِكَ الْمَعْنَى لَا بِالِاسْتِمْتَاعِ منهم
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَعَلَى الْمَوْلُودِ له رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } وَقَوْلِهِ عز وجل { فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } ثُمَّ قَوْلِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم خُذِي ما يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ بَيَانٌ أَنَّ على الْأَبِ أَنْ يَقُومَ بِالْمُؤْنَةِ التي في صَلَاحِ صِغَارِ وَلَدِهِ من رَضَاعٍ وَنَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَخِدْمَةٍ قال وفي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى في النِّسَاءِ { ذلك أَدْنَى ألا تَعُولُوا } بَيَانٌ أَنَّ على الزَّوْجِ ما لَا غِنَى بِامْرَأَتِهِ عنه من نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَسُكْنَى قال وَخِدْمَةٍ في الْحَالِ التي لَا تَقْدِرُ على أَنْ تَنْحَرِفَ لِمَا لَا صَلَاحَ لِبَدَنِهَا إلَّا بِهِ من الزَّمَانَةِ وَالْمَرَضِ فَكُلُّ هذا لَازِمٌ لِلزَّوْجِ قال وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عليه لِخَادِمِهَا نَفَقَةٌ إذَا كانت مِمَّنْ يَعْرِفُ أنها لَا تَخْدُمُ نَفْسَهَا وهو مَذْهَبُ غَيْرِ وَاحِدٍ من أَهْلِ الْعِلْمِ فَيُفْرَضُ على الرَّجُلِ نَفَقَةُ خَادِمٍ وَاحِدٍ لِلْمَرْأَةِ التي الْأَغْلَبُ أَنَّ مِثْلَهَا لَا تَخْدُمُ نَفْسَهَا وَلَيْسَ عليه نَفَقَةٌ أَكْثَرَ من خَادِمٍ وَاحِدٍ فإذا لم يَكُنْ لها خَادِمٌ فَلَا أَعْلَمُهُ يُجْبَرُ على أَنْ يُعْطِيَهَا خَادِمًا وَلَكِنْ يُجْبَرُ على من يَصْنَعُ لها من طَعَامِهَا ما لَا تَصْنَعُهُ هِيَ وَيَدْخُلُ عليها ما لَا تَخْرُجُ لِإِدْخَالِهِ من الْمَاءِ وَمِنْ مَصْلَحَتِهَا لَا يُجَاوِزُ بِهِ ذلك

(5/87)


بِمَا يَسْتَمْتِعُ بِهِ الرَّجُلُ من امْرَأَتِهِ قال وَيُنْفِقُ على امْرَأَتِهِ غَنِيَّةً كانت أو فَقِيرَةً بِحَبْسِهَا على نَفْسِهِ لِلِاسْتِمْتَاعِ بها وَغَيْرِ ذلك وَمَنْعِهَا من ذلك من غَيْرِهِ قال وَلَا شَكَّ إذَا كانت امْرَأَةُ الرَّجُلِ قد بَلَغَتْ من السِّنِّ ما يُجَامَعُ مِثْلُهَا فَامْتَنَعَ من الدُّخُولِ عليها ولم تَمْتَنِعْ من الدُّخُولِ عليه وَلَا منه بَعْدَ الدُّخُولِ عليه فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا ما كانت زَوْجَةً له مَرِيضَةً وَصَحِيحَةً وَغَائِبًا عنها وَحَاضِرًا لها وَإِنْ طَلَّقَهَا وكان يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا في الْعِدَّةِ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُهُ من أَنْ تَصِيرَ حَلَالًا له يَسْتَمْتِعُ بها إلَّا نَفْسُهُ إذَا أَشْهَدَ شَاهِدِينَ أَنَّهُ رَاجَعَهَا فَهِيَ زَوْجَتُهُ وإذا لم يَفْعَلْ فَهُوَ مَنَعَ نَفْسَهُ من رَجْعَتِهَا وَلَا يُنْفِقُ عليها إذَا لم يَكُنْ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ لِأَنَّهَا أَحَقُّ بِنَفْسِهَا منه وَلَا تَحِلُّ له إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ قال وإذا نَكَحَ الصَّغِيرَةَ التي لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا وهو صَغِيرٌ أو كَبِيرٌ فَقَدْ قِيلَ ليس عليه نَفَقَتُهَا لِأَنَّهُ لَا يَسْتَمْتِعُ بها وَأَكْثَرُ ما يُنْكَحُ له الِاسْتِمْتَاعُ بها وَهَذَا قَوْلُ عَدَدٍ من عُلَمَاءِ أَهْلِ زَمَانِنَا لَا نَفَقَةَ لها لِأَنَّ الْحَبْسَ من قِبَلِهَا وَلَوْ قال قَائِلٌ يُنْفِقُ عليها لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ بِهِ من غَيْرِهِ كان مَذْهَبًا قال وإذا كانت هِيَ الْبَالِغَةَ وهو الصَّغِيرُ فَقَدْ قِيلَ عليه النَّفَقَةُ لِأَنَّ الْحَبْسَ جاء من قِبَلِهِ وَمِثْلُهَا يُسْتَمْتَعُ بِهِ وَقِيلَ إذَا عَلِمَتْهُ صَغِيرًا وَنَكَحَتْهُ فَلَا نَفَقَةَ لها لِأَنَّ مَعْلُومًا أَنَّ مثله لَا يَسْتَمْتِعُ بِامْرَأَتِهِ قال وَلَا تَجِبُ النَّفَقَةُ لِامْرَأَةٍ حتى تَدْخُلَ على زَوْجِهَا أو تخلى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدُّخُولِ عليها فَيَكُونُ الزَّوْجُ يَتْرُكُ ذلك فإذا كانت هِيَ الْمُمْتَنِعَةَ من الدُّخُولِ عليه فَلَا نَفَقَةَ لها لِأَنَّهَا مَانِعَةٌ له نَفْسَهَا وَكَذَلِكَ إنْ هَرَبَتْ منه أو مَنَعَتْهُ الدُّخُولَ عليها بَعْدَ الدُّخُولِ عليه لم يَكُنْ لها نَفَقَةٌ ما كانت مُمْتَنِعَةً منه (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا نَكَحَهَا ثُمَّ غَابَ عنها فَسَأَلَتْ النَّفَقَةَ فَإِنْ كانت خَلَّتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهَا فَغَابَ ولم يَدْخُلْ عليها فَعَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَإِنْ لم تَكُنْ قد خَلَّتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهَا وَلَا مَنَعَتْهُ فَهِيَ غَيْرُ مُخَلِّيَةٍ حتى تُخَلِّي وَلَا نَفَقَةَ عليه وَتَكْتُبُ إلَيْهِ وَيُؤَجَّلُ فَإِنْ قَدِمَ وَإِلَّا أَنْفَقَ إذَا أتى عليه قَدْرُ ما يَأْتِيه الْكِتَابُ وَيَقْدَمُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ - * بَابُ قَدْرِ النَّفَقَةِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { فَانْكِحُوا ما طَابَ لَكُمْ من النِّسَاءِ مَثْنَى } الْآيَةُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَفِي هذا دَلَالَةٌ على أَنَّ على الْمَرْءِ أَنْ يَعُولَ امْرَأَتَهُ وَبِمِثْلِ هذا جَاءَتْ السُّنَّةُ كما ذَكَرْت في الْبَابِ قبل هذا من الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قال وَالنَّفَقَةُ نَفَقَتَانِ نَفَقَةُ الْمُوسِرِ وَنَفَقَةُ الْمُقْتِرِ عليه رِزْقُهُ وهو الْفَقِيرُ قال اللَّهُ عز وجل { لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ من سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عليه رِزْقُهُ } الْآيَةُ قال وَأَقَلُّ ما يَلْزَمُ الْمُقْتِرَ من نَفَقَةِ امْرَأَتِهِ الْمَعْرُوفُ بِبَلَدِهِمَا قال فَإِنْ كان الْمَعْرُوفُ أَنَّ الْأَغْلَبَ من نُظَرَائِهَا لَا تَكُونُ إلَّا مَخْدُومَةً عَالَهَا وَخَادِمًا لها وَاحِدًا لَا يَزِيدُ عليه وَأَقَلُّ ما يَعُولُهَا بِهِ وَخَادِمُهَا ما لَا يَقُومُ بَدَنُ أَحَدٍ على أَقَلَّ منه وَذَلِكَ مُدٌّ بِمُدِّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لها في كل يَوْمٍ من طَعَامِ الْبَلَدِ الذي يَقْتَاتُونَ حِنْطَةً كان أو شَعِيرًا أو ذُرَةً أو أُرْزًا أو سُلْتًا وَلِخَادِمِهَا مِثْلُهُ وَمَكِيلَةً من أُدُمِ بِلَادِهَا زَيْتًا كان أو سَمْنًا بِقَدْرِ ما يَكْفِي ما وَصَفْت من ثَلَاثِينَ مُدًّا في الشَّهْرِ وَلِخَادِمِهَا شَبِيهٌ بِهِ وَيَفْرِضُ لها في دُهْنٍ وَمَشْطٍ أَقَلَّ ما يَكْفِيهَا وَلَا يَكُونُ ذلك لِخَادِمِهَا لِأَنَّهُ ليس بِالْمَعْرُوفِ لها + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كانت بِبَلَدٍ يَقْتَاتُونَ فيه أَصْنَافًا من الْحُبُوبِ كان لها الْأَغْلَبُ من قُوتِ مِثْلِهَا في ذلك الْبَلَدِ وقد قِيلَ لها في الشَّهْرِ أَرْبَعَةُ أَرْطَالٍ لَحْمٍ في كل جُمُعَةٍ رِطْلٌ وَذَلِكَ الْمَعْرُوفُ لها وَفَرَضَ لها من الْكِسْوَةِ ما يكسى مِثْلَهَا بِبَلَدِهَا عِنْدَ الْمُقْتِرِ وَذَلِكَ من الْقُطْنِ الْكُوفِيِّ وَالْبَصْرِيِّ وما أَشْبَهَهُمَا وَلِخَادِمِهَا كِرْبَاسٌ وَتُبَّانٌ وما أَشْبَهَهُ وَفَرَضَ لها في الْبِلَادِ الْبَارِدَةِ أَقَلَّ ما يَكْفِي في الْبَرْدِ من جُبَّةٍ مَحْشُوَّةٍ وَقَطِيفَةٍ أو لِحَافٍ وَسَرَاوِيلَ وَقَمِيصٍ وَخِمَارٍ أو مِقْنَعَةٍ وَلِخَادِمِهَا جُبَّةَ صُوفٍ وَكِسَاءٍ تلتحفه يُدْفِئُ مِثْلَهَا وَقَمِيصٍ وَمِقْنَعَةٍ وَخُفٍّ وما لَا غِنَى بها عنه وَفَرَضَ لها لِلصَّيْفِ قَمِيصًا وَمِلْحَفَةً وَمِقْنَعَةٍ قال وَتَكْفِيهَا الْقَطِيفَةُ سَنَتَيْنِ وَالْجُبَّةُ الْمَحْشُوَّةُ كما يَكْفِي مِثْلَهَا السَّنَتَيْنِ وَنَحْوَ ذلك + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كانت رَغِيبَةً لَا يُجْزِيهَا هذا أو زَهِيدَةً يَكْفِيهَا أَقَلُّ من هذا دُفِعَتْ هذه الْمَكِيلَةُ إلَيْهَا وَتَزَيَّدَتْ إنْ كانت رَغِيبَةً من ثَمَنِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا نَكَحَهَا ثُمَّ خَلَّتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدُّخُولِ عليها فلم يَدْخُلْ فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا لِأَنَّ الْحَبْسَ من قِبَلِهِ

(5/88)


أُدُمٍ أو لَحْمٍ أو عَسَلٍ وما شَاءَتْ في الْحَبِّ وَإِنْ كانت زَهِيدَةً تَزَيَّدَتْ فِيمَا لَا يَقُوتُهَا منه من الطَّعَامِ وَمِنْ فَضْلِ الْمَكِيلَةِ قال وَإِنْ كان زَوْجُهَا مُوَسَّعًا عليه فَرَضَ لها مُدَّيْنِ بِمُدِّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَفَرَضَ لها من الْأُدُمِ وَاللَّحْمِ ضِعْفَ ما وَصَفْته لِامْرَأَةِ الْمُقْتِرِ وَكَذَلِكَ في الدُّهْنِ وَالْعَسَلِ وَفَرَضَ لها من الْكِسْوَةِ وَسَطَ الْبَغْدَادِيِّ وَالْهَرَوِيِّ وَلِينَ الْبَصْرَةِ وما أَشْبَهَهُ وَكَذَلِكَ يُحْشَى لها لِلشِّتَاءِ إنْ كانت بِبِلَادٍ يَحْتَاجُ أَهْلُهَا إلَى الْحَشْوِ وَتُعْطَى قَطِيفَةً وَسَطًا لَا تُزَادُ وَإِنْ كانت رَغِيبَةً فَعَلَى ما وَصَفْت وَتَنْقُصُ إنْ كانت زَهِيدَةً حتى تُعْطَى مُدًّا بِمُدِّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْيَوْمِ لِأَنَّ لها سَعَةً في الْأُدُمِ وَالْفَرْضِ تَزِيدُ بها ما أَحَبَّتْ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا دخل الرَّجُلُ بِامْرَأَتِهِ ثُمَّ غَابَ عنها أَيَّ غِيبَةٍ كانت فَطَلَبَتْ أَنْ يُنْفِقَ عليها احلفت ما دَفَعَ إلَيْهَا نَفَقَةً وَفُرِضَ لها في مَالِهِ نَفَقَتُهَا وَإِنْ لم يَكُنْ له نَقْدٌ بِيعَ لها من عَرْضِ مَالِهِ وَأُنْفِقَ عليها ما وَصَفْت من نَفَقَةِ مُوسِعٍ أو مُقْتِرٍ أَيَّ الْحَالَيْنِ كانت حَالُهُ قال فَإِنْ قَدِمَ فَأَقَامَ عليها بَيِّنَةً أو أَقَرَّتْ بِأَنْ قد قَبَضَتْ منه أو من أَحَدٍ عنه نَفَقَةً وَأَخَذَتْ غَيْرَهَا رَجَعَ عليها بِمِثْلِ الذي قَبَضَتْ قال وَإِنْ غَابَ عنها زَمَانًا فَتَرَكَتْ طَلَبَ النَّفَقَةِ بِغَيْرِ إبْرَاءٍ له منها ثُمَّ طَلَبَتْهَا فُرِضَ لها من يَوْمِ غَابَ عنها قال وَكَذَلِكَ إنْ كان حَاضِرًا فلم يُنْفِقْ عليها فَطَلَبَتْ فِيمَا مَضَى فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا قال وَإِنْ اخْتَلَفَا فقال قد دَفَعْت إلَيْهَا نَفَقَتَهَا وَقَالَتْ لم يَدْفَعْ إلَيَّ شيئا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مع يَمِينِهَا وَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِدَفْعِهِ إلَيْهَا أو إقْرَارِهَا بِهِ وَالنَّفَقَةُ كَالْحُقُوقِ لَا يُبْرِئُهُ منها إلَّا إقْرَارُهَا أو بَيِّنَةٌ تَقُومُ عليها بِقَبْضِهَا قال وَإِنْ دَفَعَ إلَيْهَا نَفَقَةَ سَنَةٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا رَجَعَ عليها بِمَا بَقِيَ من نَفَقَةِ السَّنَةِ من يَوْمِ وَقَعَ الطَّلَاقُ قال وَإِنْ طَلَّقَ وَاحِدَةً أو اثْنَتَيْنِ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فِيهِمَا رَجَعَ عليها بِمَا بَقِيَ من نَفَقَةِ السَّنَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَإِنْ كانت حَامِلًا فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا أو وَاحِدَةً رَجَعَ عليها بِمَا بَقِيَ من نَفَقَةِ السَّنَةِ بَعْدَ وَضْعِ الْحَمْلِ قال وَإِنْ تَرَكَهَا سَنَةً لَا يُنْفِقُ عليها وَأَبْرَأَتْهُ من نَفَقَةِ تِلْكَ السَّنَةِ وَسَنَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ بَرِيءَ من نَفَقَةِ السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ لِأَنَّهَا قد وَجَبَتْ لها ولم يَبْرَأْ من نَفَقَةِ السَّنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ لِأَنَّهَا أَبْرَأَتْهُ قبل أَنْ تَجِبَ لها وكان لها أَنْ تَأْخُذَهُ بها وما أَوْجَبَتْ عليه من نَفَقَتِهَا فَمَاتَتْ فَهُوَ لِوَرَثَتِهَا وإذا مَاتَ ضَرَبَتْ مع الْغُرَمَاءِ في مَالِهِ كَحُقُوقِ الناس عليه وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - * بَابُ في الْحَالِ التي تَجِبُ فيها النَّفَقَة وَلَا تَجِب - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا مَلَكَ الرَّجُلُ عُقْدَةَ الْمَرْأَةِ يُجَامَعُ مِثْلُهَا وَإِنْ لم تَكُنْ بَالِغًا فَخَلَّتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدُّخُولِ عليها أو خَلَّى أَهْلُهَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذلك إنْ كانت بِكْرًا ولم تَمْتَنِعْ هِيَ من الدُّخُولِ عليه وَجَبَ عليه نَفَقَتُهَا كما تَجِبُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَفْرِضُ عليه في هذا كُلِّهِ مَكِيلَةَ طَعَامٍ لَا دَرَاهِمَ فَإِنْ شَاءَتْ هِيَ أَنْ تَبِيعَهُ فَتَصْرِفَهُ فِيمَا شَاءَتْ صَرَفَتْهُ وَأَفْرِضُ لها نَفَقَةَ خَادِمٍ وَاحِدٍ لَا أَزِيدُ عليه وَأَجْعَلُهُ مُدًّا وَثُلُثًا بِمُدِّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِأَنَّ ذلك سَعَةٌ لِمِثْلِهَا وَأَفْرِضُ لها عليه في الْكِسْوَةِ الْكِرْبَاسَ وَغَلِيظَ الْبَصْرِيِّ وَالْوَاسِطِيِّ وما أَشْبَهَهُ لَا أُجَاوِزُهُ بِمُوسِعٍ من كان وَمَنْ كانت امْرَأَتُهُ وَأَجْعَلُ عليه لِامْرَأَتِهِ فِرَاشًا وَوِسَادَةً من غَلِيظِ مَتَاعِ الْبَصْرَةِ وما أَشْبَهَهُ وَلِلْخَادِمَةِ الْفَرْوَةُ وَوِسَادَةٌ وما أَشْبَهَهُ من عَبَاءَةٍ أو كِسَاءٍ غَلِيظٍ فَإِنْ بَلِيَ أَخْلَفَهُ وَإِنَّمَا جَعَلْت أَقَلَّ الْفَرْضِ مُدًّا بِالدَّلَالَةِ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في دَفْعِهِ إلَى الذي أَصَابَ أَهْلَهُ في شَهْرِ رَمَضَانَ بِعِرْقٍ فيه خَمْسَةَ عَشَرَ أو عِشْرُونَ صَاعًا لِسِتِّينَ مِسْكَيْنَا فَكَانَ ذلك مُدًّا مُدًّا لِكُلِّ مِسْكِينٍ وَالْعِرْقُ خَمْسَةَ عشر ( ( ( عشرة ) ) ) صَاعًا على ذلك يَعْمَلُ لِيَكُونَ أَرْبَعَةَ أَعْرَاقٍ وَسْقًا وَلَكِنَّ الذي حدثه أَدْخَلَ الشَّكَّ في الحديث خَمْسَةَ عَشَرَ أو عِشْرِينَ صَاعًا قال وَإِنَّمَا جَعَلْت أَكْثَرَ ما فَرَضْت مُدَّيْنِ مُدَّيْنِ لِأَنَّ أَكْثَرَ ما جَعَلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في فِدْيَةِ الْكَفَّارَةِ لِلْأَذَى مُدَّيْنِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ وَبَيْنَهُمَا وَسَطٌ فلم أَقْصُرْ عن هذا ولم أُجَاوِزْ هذا لِأَنَّ مَعْلُومًا أَنَّ الْأَغْلَبَ أَنَّ أَقَلَّ الْقُوتِ مُدٌّ وَأَنَّ أَوْسَعَهُ مُدَّانِ قال وَالْفَرْضُ على الْوَسَطِ الذي ليس بِالْمُوسِعِ وَلَا بِالْمُقْتِرِ ما بَيْنَهُمَا مُدٌّ وَنِصْفٌ لِلْمَرْأَةِ وَمُدٌّ لِلْخَادِمِ

(5/89)


عليه إذَا دخل بها لِأَنَّ الْحَبْسَ من قِبَلِهِ قال وَكَذَلِكَ إنْ كان صَغِيرًا تَزَوَّجَ بَالِغًا فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا لِأَنَّ الْحَبْسَ من قِبَلِهِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ امْتَنَعَتْ من الدُّخُولِ عليه فَغَابَ عنها لم يَكُنْ عليه نَفَقَتُهَا حتى يَحْضُرَ فَلَا تمتنع ( ( ( تمنع ) ) ) من الدُّخُولِ عليه وَإِنْ طَالَتْ غَيْبَتُهُ إلَّا أَنْ يَبْعَثَ إلَيْهِ أَهْلُهَا أَنْ اُقْدُمْ فَادْخُلْ فَيُؤَجَّلُ بِقَدْرِ ما يَسِيرُ بَعْدَ بُلُوغِ رِسَالَتِهَا إلَيْهِ أو تَسِيرُ هِيَ إلَيْهِ وَيُوَسَّعُ في ذلك عليه لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ وما أَشْبَهَ ذلك فَإِنْ تَأَخَّرَ بَعْدَ ذلك وَجَبَ عليه نَفَقَتُهَا لِأَنَّ الْحَبْسَ جاء من قِبَلِهِ قال وَلَوْ دَخَلَتْ عليه فَمَرِضَتْ مَرَضًا لَا يَقْدِرُ على إتْيَانِهَا معه كانت عليه نَفَقَتُهَا وَكَذَلِكَ إنْ كان يَقْدِرُ على إتْيَانِهَا إذَا لم تَمْتَنِعْ من أَنْ يَأْتِيَهَا إنْ شَاءَ وَكَذَلِكَ لو كانت لم تَدْخُلْ عليه وَخَلَّتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهَا كانت عليه نَفَقَتُهَا وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلصِّغَرِ هذا إنَّمَا يَكُونُ الِامْتِنَاعُ فيه من الْإِتْيَانِ منه لِأَنَّهُ يَعَافُهَا بِلَا امْتِنَاعٍ منها لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ أَنْ تُؤْتَى قال وَلَوْ أَصَابَهَا في الْفَرْجِ شَيْءٌ يَضُرُّ بِهِ الْجِمَاعُ ضَرَرًا شَدِيدًا مُنِعَ من جِمَاعِهَا إنْ شَاءَتْ وَأَخَذَ بِنَفَقَتِهَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَكَذَلِكَ لو ارتقت فلم يَقْدِرْ على أَنْ يَأْتِيَهَا أَبَدًا بَعْدَ ما أَصَابَهَا أَخَذَ بِنَفَقَتِهَا من قِبَلِ أَنَّ هذا عَارِضٌ لها لَا مَنْعٌ منها لِنَفْسِهَا وقد جُومِعَتْ وَكَانَتْ مِمَّنْ يُجَامَعُ مِثْلُهَا قال وَلَوْ أَذِنَ لها فَأَحْرَمَتْ أو اعْتَكَفَتْ أو لَزِمَهَا صَوْمٌ بِنَذْرٍ أو كَفَّارَةٍ كانت عليه نَفَقَتُهَا في حَالَاتِهَا تِلْكَ كُلِّهَا قال وإذا دَخَلَتْ عليه أو لم تَدْخُلْ عليه فَهَرَبَتْ أو امْتَنَعَتْ أو كانت أَمَةً فَمَنَعَهَا أَهْلُهَا فَلَا نَفَقَةَ لها حتى تُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ ادَّعَتْ عليه أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَأَنْكَرَ فَامْتَنَعَتْ منه لم يَكُنْ لها نَفَقَةٌ حتى تَعُودَ إلَى غَيْرِ الِامْتِنَاعِ منه قال وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ ثَلَاثًا ولم يُبَيِّنْ أَخَذَ بِنَفَقَتِهِنَّ كُلِّهِنَّ حتى يُبَيِّنَ لِأَنَّهُنَّ مَحْبُوسَاتٌ بِهِ وَالِامْتِنَاعُ كان منه لَا مِنْهُنَّ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكُلُّ زَوْجَةٍ لِحُرٍّ مُسْلِمٍ حُرَّةً مُسْلِمَةً أو ذِمِّيَّةً فَسَوَاءٌ في النَّفَقَةِ وَالْخِدْمَةِ على قَدْرِ سَعَةِ مَالِهِ وَضِيقِهِ وَكَذَلِكَ إنْ كانت امْرَأَتُهُ أَمَةً فخلي بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلَّا أَنَّهُ ليس عليه إنْ كان مُوسِعًا أَنْ يُنْفِقَ لِلْأَمَةِ على خَادِمٍ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ لِلْأَمَةِ أنها خَادِمٌ كانت في الْفَرَاهَةِ وَكَثْرَةِ الثَّمَنِ ما كانت + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيَلْزَمُ الزَّوْجَ نَفَقَةُ وَلَدِهِ على ما ذَكَرْت من قَدْرِ نَفَقَةِ امْرَأَتِهِ وَكِسْوَتِهِ ما كان عليه أَنْ يُنْفِقَ عليه فَإِنْ كَانُوا مَمَالِيكَ فَلَيْسَ عليه نَفَقَتُهُمْ وإذا عَتَقُوا فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ وَيُنْفِقُ على وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ وَآبَائِهِ كما وَصَفْت وَلَا يُنْفِقُ على أَحَدِ بقرابة ( ( ( أقربائه ) ) ) غَيْرُهُمْ لَا أَخٌ وَلَا عَمٌّ وَلَا خَالَةٌ وَلَا على عَمَّةٍ وَلَا على بن من رَضَاعَةٍ وَلَا على أَبٍ منها قال وَكُلُّ زَوْجٍ حُرٍّ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ وَوَثَنِيٍّ عِنْدَهُ حُرَّةٌ من النِّسَاءِ في هذا كُلِّهِ سَوَاءٌ لَا يَخْتَلِفُونَ - * بَابُ نَفَقَةِ الْعَبَدِ على امْرَأَتِهِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ حُرَّةً أو كِتَابِيَّةً أو أَمَةً فَعَلَيْهِ نَفَقَاتُهُنَّ كُلِّهِنَّ كَنَفَقَةِ الْمُقْتِرِ لَا يُخَالِفُهُ وَلَا يُفْرَضُ عليه أَكْثَرُ منها لِأَنَّهُ ليس عَبْدٌ إلَّا وهو مُقْتِرٌ لِأَنَّ ما بِيَدَيْهِ وَإِنْ اتَّسَعَ مِلْكٌ لِسَيِّدِهِ قال وَلَيْسَ على الْعَبْدِ أَنْ يُنْفِقَ على وَلَدِهِ أَحْرَارًا كَانُوا أو مَمَالِيكَ قال وَالْمُكَاتَبُ وَالْمُدَبَّرُ وَكُلُّ من لم تَكْمُلُ فيه الْحُرِّيَّةُ في هذا كُلِّهِ كَالْمَمْلُوكِ وَإِنْ كانت لِلْمُكَاتَبِ أُمُّ وَلَدٍ وَطِئَهَا في الْمُكَاتَبَةِ بِالْمِلْكِ فَوَلَدَتْ له أَنْفَقَ على وَلَدِهِ فَإِنْ عَجَزَ فَلَيْسَ عليه نَفَقَتُهُمْ لِأَنَّهُمْ مَمَالِيكُ لِسَيِّدِهِ قال وَيُنْفِقُ الْعَبْدُ على امْرَأَتِهِ إذَا طَلَّقَهَا طَلَاقًا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ في الْعِدَّةِ وإذا لم يَمْلِكْ رَجْعَتَهَا لم يُنْفِقْ عليها إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا فَيُنْفِقَ عليها لِأَنَّ نَفَقَةَ الْحَوَامِلِ فَرْضٌ في كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَسْت أَعْرِفُهَا إلَّا لِمَكَانِ الْوَلَدِ فإذا أَنْفَقَ عليها وَهِيَ مُطَلَّقَةٌ لَا يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا وهو يَرَاهَا حَامِلًا ثُمَّ بَانَ أَنْ ليس بها حَمْلٌ رَجَعَ عليها بِالنَّفَقَةِ من يَوْمِ طَلَّقَهَا وَأَنْفَقَ عليها إنْ أَرَادَ ذلك وَسَوَاءٌ أَنْفَقَ عليها بِأَمْرِ قَاضٍ أو غَيْرِ أَمْرِ قَاضٍ لِأَنَّهُ كان يَلْزَمُهُ في الظَّاهِرِ على مَعْنَى أنها حَامِلٌ وإذا بَانَ أنها ( ( ( بأنها ) ) ) لَيْسَتْ بِحَامِلٍ رَجَعَ عليها بِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كان الزَّوْجَانِ بَالِغَيْنِ فَامْتَنَعَتْ الْمَرْأَةُ من الدُّخُولِ أو أَهْلُهَا لِعِلَّةٍ أو إصْلَاحِ أَمْرِهَا لم تَجِبْ على زَوْجِهَا نَفَقَتُهَا حتى لَا يَكُونَ الِامْتِنَاعُ من الدُّخُولِ إلَّا منه

(5/90)


- * بَابُ الرَّجُلِ لَا يَجِدُ ما يُنْفِقُ على امْرَأَتِهِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فلما كان من حَقِّهَا عليه أَنْ يَعُولَهَا وَمِنْ حَقِّهِ أَنْ يَسْتَمْتِعَ منها وَيَكُونَ لِكُلٍّ على كُلٍّ ما لِلزَّوْجِ على الْمَرْأَةِ وَلِلْمَرْأَةِ على الزَّوْجِ احْتَمَلَ أَنْ لَا يَكُونَ لِلرَّجُلِ أَنْ يُمْسِكَ الْمَرْأَةَ يَسْتَمْتِعَ بها وَيَمْنَعَهَا غَيْرَهُ تَسْتَغْنِي بِهِ وَيَمْنَعَهَا أَنْ تَضْطَرِبَ في الْبَلَدِ وهو لَا يَجِدُ ما يَعُولُهَا بِهِ فَاحْتَمَلَ إذَا لم يَجِدْ ما يُنْفِقُ عليها أَنْ تُخَيَّرَ الْمَرْأَةُ بين الْمُقَامِ معه وَفِرَاقِهِ فَإِنْ اخْتَارَتْ فِرَاقَهُ فَهِيَ فُرْقَةٌ بِلَا طَلَاقٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ شيئا أَوْقَعَهُ الزَّوْجُ وَلَا جَعَلَ إلَى أَحَدٍ إيقَاعَهُ
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن عبيد ( ( ( عبد ) ) ) اللَّهِ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كَتَبَ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ في رِجَالٍ غَابُوا عن نِسَائِهِمْ يَأْمُرُهُمْ أَنْ يَأْخُذُوهُمْ أَنْ يُنْفِقُوا أو يُطَلِّقُوا فَإِنْ طَلَّقُوا بَعَثُوا بِنَفَقَةِ ما حَبَسُوا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا يُشْبِهُ ما وَصَفْت قَبْلَهُ وَإِلَيْهِ يَذْهَبُ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا وَأَحْسَبُ عُمَرَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ لم يَجِدْ بِحَضْرَتِهِ لهم أَمْوَالًا يَأْخُذُ منها نَفَقَةَ نِسَائِهِمْ فَكَتَبَ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ أَنْ يَأْخُذُوهُمْ بِالنَّفَقَةِ إنْ وَجَدُوهَا وَالطَّلَاقِ إنْ لم يَجِدُوهَا وَإِنْ طَلَّقُوا فَوُجِدَ لهم أَمْوَالٌ أَخَذُوهُمْ بِالْبَعْثَةِ بِنَفَقَةِ ما حَبَسُوا قال وإذا وَجَدَ نَفَقَةَ امْرَأَتِهِ يَوْمًا بِيَوْمٍ لم يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا وإذا لم يَجِدْهَا لم يُؤَجَّلْ أَكْثَرَ من ثَلَاثٍ وَلَا يَمْنَعُ الْمَرْأَةَ في الثَّلَاثِ من أَنْ تَخْرُجَ فَتَعْمَلَ أو تَسْأَلَ فَإِنْ لم يَجِدْ نَفَقَتَهَا خُيِّرَتْ كما وَصَفْت في هذا الْقَوْلِ فَإِنْ كان يَجِدُ نَفَقَتَهَا بَعْدَ ثَلَاثٍ يَوْمًا وَيَعُوزُ يَوْمًا خُيِّرَتْ إذَا مَضَتْ ثَلَاثٌ فلم يَقْدِرْ على نَفَقَتِهَا بِأَقَلَّ ما وَصَفْت لِلنَّفَقَةِ على الْمُقْتِرِ خُيِّرَتْ في هذا الْقَوْلِ فإذا بَلَغَ هذا وَوَجَدَ نَفَقَتَهَا ولم يَجِدْ نَفَقَةَ خَادِمِهَا لم تُخَيَّرْ لِأَنَّهَا تَمَاسَكَ بِنَفَقَتِهَا وَكَانَتْ نَفَقَةُ خَادِمِهَا دَيْنًا عليه مَتَى أَيْسَرَ أَخَذَتْهُ بِهِ قال وإذا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ أَيْسَرَ لم تُرَدَّ عليه وَلَا يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا في الْعِدَّةِ إلَّا أَنْ تَشَاءَ هِيَ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ قال وَمَنْ قال هذا فِيمَنْ لَا يَجِدُ ما يُنْفِقُ على امْرَأَتِهِ فلم يَجِدْ صَدَاقَهَا لَزِمَهُ عِنْدِي إذَا لم يَجِدْ صَدَاقَهَا أَنْ يُخَيِّرَهَا وَإِنْ وَجَدَ نَفَقَتَهَا بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ وما أَشْبَهَهَا لِأَنَّ صَدَاقَهَا شَبِيهٌ بِنَفَقَتِهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ نَكَحَتْهُ وَهِيَ تَعْرِفُ عُسْرَتَهُ فَحُكْمُهَا وَحُكْمُهُ في عُسْرَتِهِ كَحُكْمِ الْمَرْأَةِ تَنْكِحُ الرَّجُلَ مُوسِرًا فَيُعْسِرُ لِأَنَّهُ قد يُوسِرُ بَعْدَ الْعُسْرِ وَيُعْسِرُ بَعْدَ الْيُسْرِ وقد تَعْلَمُهُ مُعْسِرًا وَهِيَ تَرَى له حِرْفَةً تُغْنِيهَا أو لَا تُغْنِيه وَتُغْنِيهَا أو من يَتَطَوَّعُ فَيُعْطِيه ما يُغْنِيهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَعْسَرَ بِنَفَقَةِ الْمَرْأَةِ فَأُجِّلَ ثَلَاثًا ثُمَّ خُيِّرَتْ فَاخْتَارَتْ الْمُقَامَ معه فَمَتَى شَاءَتْ أُجِّلَ أَيْضًا ثُمَّ كان لها فِرَاقُهُ لِأَنَّ اخْتِيَارَهَا الْمُقَامَ معه عَفْوٌ عَمَّا مَضَى فَعَفْوُهَا فيه جَائِزٌ وَعَفْوُهَا غَيْرُ جَائِزٍ عَمَّا اسْتَقْبَلَ فَلَا يَجُوزُ عَفْوُهَا عَمَّا لم يَجِبْ لها وَهِيَ كَالْمَرْأَةِ تَنْكِحُ الرَّجُلَ تَرَاهُ مُعْسِرًا لِأَنَّهَا قد تَعْفُو ذلك ثُمَّ يُوسِرَ بَعْدَ عُسْرَتِهِ فَيُنْفِقُ عليها قال وإذا أَعْسَرَ بِالصَّدَاقِ ولم يُعْسِرْ بِالنَّفَقَةِ فَخُيِّرَتْ فَاخْتَارَتْ الْمُقَامَ معه لم يَكُنْ لها فِرَاقُهُ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ على بَدَنِهَا ما أَنْفَقَ عليها في استئخار ( ( ( استئجار ) ) ) صَدَاقِهَا وقد عَفَتْ فُرْقَتَهُ كما يُخَيَّرُ صَاحِبُ الْمُفْلِسِ في عَيْنِ مَالِهِ وَذِمَّةِ صَاحِبِهِ فَيَخْتَارُ ذِمَّةَ صَاحِبِهِ فَلَا يَكُونُ له أَنْ يَأْخُذَ بَعْدَ عَيْنِ مَالِهِ وَصَدَاقُهَا دَيْنٌ عليه إلَّا أَنْ تعفو ( ( ( يعفو ) ) ) + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا نَكَحَهَا فَأَعْسَرَ بِالصَّدَاقِ فَلَهَا أَنْ لَا تَدْخُلَ عليه حتى يُعْطِيَهَا الصَّدَاقَ وَلَهَا النَّفَقَةُ إنْ قالت إذَا جِئْت بِالصَّدَاقِ خَلَّيْت بَيْنِي وَبَيْنَك + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ دَخَلَتْ فَأَعْسَرَ بِالصَّدَاقِ لم يَكُنْ لها أَنْ تُخَيَّرَ لِأَنَّهَا قد رَضِيَتْ بِالدُّخُولِ بِلَا صَدَاقٍ وَلَا تمتنع ( ( ( يمتنع ) ) ) منه ما كان يُنْفَقُ عليها وَدُخُولُهَا عليه بِلَا صَدَاقٍ رِضًا بِذِمَّتِهِ كما يَكُونُ رِضَا الرَّجُلِ من عَيْنِ مَالِهِ يَجِدُهُ بِذِمَّةِ غَرِيمِهِ أو تَفُوتُ عِنْدَ غَرِيمِهِ فَلَا يَكُونُ له إلَّا ذِمَّةُ غَرِيمِهِ قال وَسَوَاءٌ في الْعُسْرَةِ بِالصَّدَاقِ وَالنَّفَقَةِ كُلُّ زَوْجٍ وَزَوْجَةٍ الْحُرُّ تَحْتَهُ الْأَمَةُ وَالْعَبْدُ تَحْتَهُ الْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ كلهم سَوَاءٌ وَالْخِيَارُ لِلْأَمَةِ تَحْتَ الْحُرِّ في الْعُسْرَةِ بِالنَّفَقَةِ فَإِنْ شَاءَ سَيِّدُهَا أَنْ يَتَطَوَّعَ عن الزَّوْجِ بِالنَّفَقَةِ فَلَا خِيَارَ لِلْأَمَةِ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِلنَّفَقَةِ وإذا امْتَنَعَ فَالْخِيَارُ لِلْأَمَةِ لَا لِسَيِّدِهَا قال وَكَذَلِكَ الْخِيَارُ لِلْحُرَّةِ لَا لِوَلِيِّهَا فَإِنْ كانت الْأَمَةُ أو الْحُرَّةُ مَغْلُوبَةً على
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى دَلَّ كِتَابُ اللَّهِ عز وجل ثُمَّ سُنَّةُ رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على أَنَّ على الرَّجُلِ أَنْ يَعُولَ امْرَأَتَهُ

(5/91)


عَقْلِهَا أو صَبِيَّةً لم تَبْلُغْ لم يَكُنْ لِوَلِيِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا بِعُسْرِهِ بِصَدَاقٍ وَلَا نَفَقَةٍ وإذا أَعْسَرَ زَوْجُ الْأَمَةِ بِالصَّدَاقِ فَالصَّدَاقُ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ وَالْخِيَارُ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ لَا لِلْأَمَةِ فَإِنْ اخْتَارَتْ الْأَمَةُ فِرَاقَهُ وَاخْتَارَ السَّيِّدُ أَنْ لَا تُفَارِقَهُ لم يَكُنْ عليه أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ ذلك لِسَيِّدِهَا وَلَا ضَرَرَ فيه عليها وَالْمُسْلِمُ تَحْتَهُ الْكِتَابِيَّةُ وَالْكِتَابِيُّ تَحْتَهُ الْكِتَابِيَّةُ إذَا طَلَبَتْ الْمَرْأَةُ حَقَّهَا قِبَلَهُ في نَفَقَةٍ وَصَدَاقٍ كما وَصَفْت من مِثْلِهِ لِلْأَزْوَاجِ الْحَرَائِرِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا افْتَرَقَ الْأَبَوَانِ وَهُمَا في قَرْيَةٍ وَاحِدَةٍ فَالْأُمُّ أَحَقُّ بِوَلَدِهَا ما لم تَتَزَوَّجْ وما كَانُوا صِغَارًا فإذا بَلَغَ أَحَدُهُمْ سَبْعًا أو ثَمَانِ سِنِينَ وهو يَعْقِلُ خُيِّرَ بين أبيه وَأُمِّهِ وكان عِنْدَ أَيِّهِمَا اخْتَارَ فَإِنْ اخْتَارَ أُمَّهُ فَعَلَى أبيه نَفَقَتُهُ وَلَا يُمْنَعُ من تَأْدِيبِهِ قال وَسَوَاءٌ في ذلك الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَيَخْرُجُ الْغُلَامُ إلَى الْكُتَّابِ وَالصِّنَاعَةِ إنْ كان من أَهْلِهَا وَيَأْوِي عِنْدَ أُمِّهِ وَعَلَى أبيه نَفَقَتُهُ وَإِنْ اخْتَارَ أَبَاهُ لم يَكُنْ لِأَبِيهِ مَنْعُهُ من أَنْ يَأْتِيَ أُمَّهُ وَتَأْتِيَهُ في الْأَيَّامِ وَإِنْ كانت جَارِيَةً لم تُمْنَعْ أُمُّهَا من أَنْ تَأْتِيَهَا وَلَا أَعْلَمُ على أَبِيهَا إخْرَاجَهَا إلَيْهَا إلَّا من مَرَضٍ فَيُؤْمَرُ بِإِخْرَاجِهَا عَائِدَةً قال وَإِنْ مَاتَتْ الْبِنْتُ لم تُمْنَعْ الْأُمُّ من أَنْ تَلِيَهَا حتى تُدْفَنَ وَلَا تُمْنَعُ في مَرَضِهَا من أَنْ تَلِيَ تَمْرِيضَهَا في مَنْزِلِ أَبِيهَا قال وَإِنْ كان الْوَلَدُ مَخْبُولًا فَهُوَ كَالصَّغِيرِ وَكَذَلِكَ إنْ كان غير مَخْبُولٍ ثُمَّ خُبِلَ فَهُوَ كَالصَّغِيرِ الْأُمُّ أَحَقُّ بِهِ وَلَا يُخَيَّرُ أَبَدًا قال وَإِنَّمَا أُخَيِّرُ الْوَلَدَ بين أبيه وَأُمِّهِ إذَا كَانَا مَعًا ثِقَةً لِلْوَلَدِ فَإِنْ كان أَحَدُهُمَا ثِقَةً وَالْآخَرُ غير ثِقَةٍ فَالثِّقَةُ أَوْلَاهُمَا بِهِ بِغَيْرِ تَخْيِيرٍ قال وإذا خُيِّرَ الْوَلَدُ فَاخْتَارَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ ثُمَّ عَادَ فَاخْتَارَ الْآخَرَ حُوِّلَ إلَى الذي اخْتَارَ بَعْدَ اخْتِيَارِهِ الْأَوَّلَ قال وإذا نَكَحَتْ الْمَرْأَةُ فَلَا حَقَّ لها في كَيْنُونَةِ وَلَدِهَا عِنْدَهَا صَغِيرًا كان أو كَبِيرًا وَلَوْ اخْتَارَهَا ما كانت نَاكِحًا فإذا طَلُقَتْ طَلَاقًا يَمْلِكُ فيه الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ أو لَا يَمْلِكُهَا رَجَعَتْ على حَقِّهَا فِيهِمْ فإذا رَاجَعَهَا أو نَكَحَتْهُ أو غَيْرَهُ دخل بها أو لم يَدْخُلْ بها أو غَابَ عن بَلَدِهَا أو حَضَرَ فَلَا حَقَّ لها فِيهِمْ حتى تَطْلُقَ وَكُلَّمَا طَلُقَتْ عَادَتْ على حَقِّهَا فِيهِمْ لِأَنَّهَا تُمْنَعُهُ بِوَجْهٍ فإذا ذَهَبَ فَهِيَ كما كانت قبل أَنْ تَكُونَ وَأَنَّ في ذلك حَقًّا لِلْوَلَدِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا تَزَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ وَلَهَا أُمٌّ لَا زَوْجَ لها فَالْأُمُّ تَقُومُ مَقَامَ ابْنَتِهَا في الْوَلَدِ لَا تُخَالِفُهَا في شَيْءٍ وَإِنْ كان لها زَوْجٌ لم يَكُنْ لها فِيهِمْ حَقٌّ إلَّا أَنْ يَكُونَ زَوْجُهَا جَدَّ الْوَلَدِ فَلَا تُمْنَعُ حَقًّا فِيهِمْ عِنْدَ وَالِدٍ قال وإذا آمَتْ الْأُمُّ من الزَّوْجِ كانت أَحَقَّ بِهِمْ من الْجَدَّةِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اُجْتُمِعَ الْقَرَابَةُ من النِّسَاءِ فَتَنَازَعْنَ الْوَلَدَ فَالْأُمُّ أَوْلَى ثُمَّ أُمُّهَا ثُمَّ أُمُّ أُمِّهَا ثُمَّ أُمَّهَاتُ أُمِّهَا وَإِنْ بَعُدْنَ ثُمَّ الْجَدَّةُ أُمُّ الْأَبِ ثُمَّ أُمُّهَا ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا ثُمَّ الْجَدَّةُ أُمُّ الْجَدِّ أبي الْأَبِ ثُمَّ أُمُّهَا ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا ثُمَّ الْأُخْتُ لِلْأَبِ وَالْأُمُّ ثُمَّ الْأُخْتُ لِلْأَبِ ثُمَّ الْأُخْتُ لِلْأُمِّ ثُمَّ الْخَالَةُ ثُمَّ الْعَمَّةُ قال وَلَا وِلَايَةَ لِأُمِّ أبي الْأُمِّ لِأَنَّ قَرَابَتَهَا بِأَبٍ لَا بِأُمٍّ فَقَرَابَةُ الصَّبِيِّ من النِّسَاءِ أَوْلَى قال وَلَا حَقَّ لِأَحَدٍ مع الْأَبِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقد قِيلَ لَا خِيَارَ لِلْمَرْأَةِ في عُسْرَةِ الزَّوْجِ بِالنَّفَقَةِ وَتُخَلَّى تَطْلُبُ على نَفْسِهَا وَلَا خِيَارَ في عُسْرِهِ بِالصَّدَاقِ وَلَهَا الِامْتِنَاعُ منه ما لم تَدْخُلْ عليه فإذا دَخَلَتْ عليه لم يَكُنْ لها الِامْتِنَاعُ منه وَهِيَ غَرِيمٌ من الْغُرَمَاءِ قال وَعَلَى السَّيِّدِ نَفَقَاتُ أُمَّهَاتِ اولاده وَمُدَبَّرِهِ وَرَقِيقِهِ كُلِّهِمْ ذَكَرِهِمْ وَأُنْثَاهُمْ مُسْلِمِهِمْ وَكَافِرِهِمْ وَلَيْسَ عليه نَفَقَةُ مُكَاتِبِيهِ حتى يَعْجِزُوا فإذا عَجَزُوا فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ - * بَابُ أَيُّ الْوَالِدَيْنِ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ - *
اخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن زِيَادِ بن سَعْدٍ عن هِلَالِ بن أبي مَيْمُونَةَ عن أبي مَيْمُونَةَ عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم خَيَّرَ غُلَامًا بين أبيه وَأُمِّهِ
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن يُونُسَ بن عبد اللَّهِ الْجَرْمِيِّ عن عُمَارَةَ الْجَرْمِيِّ قال خَيَّرَنِي عَلِيٌّ بين أُمِّي وَعَمِّي ثُمَّ قال لِأَخٍ لي أَصْغَرَ مِنِّي وَهَذَا أَيْضًا لو قد بَلَغَ مَبْلَغَ هذا خَيَّرْته
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدٍ عن يُونُسَ بن عبد اللَّهِ عن عُمَارَةَ قال خَيَّرَنِي عَلِيٌّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه بين أُمِّي وَعَمِّي وقال لِأَخٍ لي أَصْغَرَ مِنِّي وَهَذَا لو بَلَغَ مبلغ ( ( ( كبلغ ) ) ) هذا خَيَّرْته قال إبْرَاهِيمُ وفي الحديث وَكُنْت بن سَبْعٍ أو ثَمَانِ سِنِينَ

(5/92)


غَيْرِ الْأُمِّ وَأُمَّهَاتِهَا فَأَمَّا أَخَوَاتُهُ وَغَيْرُهُنَّ فَإِنَّمَا يَكُونُ حَقُّهُنَّ بِالْأَبِ فَلَا يَكُونُ لَهُنَّ حَقٌّ معه وَهُنَّ يُدْلِينَ بِهِ وَالْجَدُّ أبو الْأَبِ يَقُومُ مَقَامَ الْأَبِ إذَا لم يَكُنْ أَبٌ أو كان غَائِبًا أو غير رَشِيدٍ قال وَكَذَلِكَ أبو أَبِ الْأَبِ قال وَكَذَلِكَ الْعَمُّ وبن العم وبن عَمِّ الْأَبِ وَالْعَصَبَةُ يَقُومُونَ مَقَامَ الْأَبِ إذَا لم يَكُنْ أَحَدٌ أَقْرَبَ منهم مع الْأُمِّ وَغَيْرِهَا من أُمَّهَاتِهَا قال وإذا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَنْتَقِلَ عن الْبَلَدِ الذي نَكَحَ بِهِ الْمَرْأَةَ كانت بَلَدُهُ وَبَلَدُهَا أو بَلَدُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ أو لم تَكُنْ فَسَوَاءٌ وَالْأَبُ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ مُرْضَعًا كان أو كَبِيرًا أو كَيْفَ ما كان وَكَذَلِكَ قَرَابَةُ الْأَبِ وَإِنْ بَعُدَتْ وَالْعَصَبَةُ إذَا افْتَرَقَتْ الدَّارُ أَوْلَى فَإِنْ صَارَتْ الْأُمُّ أو الْجَدَّاتُ مَعَهُمْ في الدَّارِ التي يَتَحَوَّلُ بِهِمْ إلَيْهَا أو رَجَعَ هو بِهِمْ إلَى بَلَدِهَا كانت على حَقِّهَا فِيهِمْ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل { وَيَسْأَلُونَكَ عن الْمَحِيضِ } الْآيَةُ قال فَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عز وجل { حتى يَطْهُرْنَ } حتى يَرَيْنَ الطُّهْرَ { فإذا تَطَهَّرْنَ } بِالْمَاءِ { فَأْتُوهُنَّ من حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ } أَنْ تَجْتَنِبُوهُنَّ قال وما أَشْبَهَ ما قال وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِمَا قال وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ تَحْرِيمُ اللَّهِ عز وجل إتْيَانَ النِّسَاءِ في الْمَحِيضِ لِأَذَى الْمَحِيضِ وَإِبَاحَتُهُ إتْيَانَهُنَّ إذَا طَهُرْنَ وَتَطَهَّرْنَ بِالْمَاءِ من الْحَيْضِ على أَنَّ الْإِتْيَانَ الْمُبَاحَ في الْفَرْجِ نَفْسِهِ كَالدَّلَالَةِ على أَنَّ إتْيَانَ النِّسَاءِ في أَدْبَارِهِنَّ مُحَرَّمٌ قال وَفِيهِ دَلَالَةٌ على أَنَّهُ إنَّمَا حَرَّمَ إتْيَانَ النِّسَاءِ في دَمِ الْحَيْضِ الذي تُؤْمَرُ فيه الْمَرْأَةُ بِالْكَفِّ عن الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ ولم يَحْرُمْ في دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ لِأَنَّهَا قد جُعِلَتْ في دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ في حُكْمِ الطَّاهِرِ يَجِبُ عليها الْغُسْلُ من دَمِ الْحَيْضِ وَدَمُ الِاسْتِحَاضَةِ قَائِمٌ وَالصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ عليها فإذا كانت الْمَرْأَةُ حَائِضًا لم يَحِلَّ لِزَوْجِهَا أَنْ يُصِيبَهَا وَلَا إذَا طَهُرَتْ حتى تَطْهُرَ بِالْمَاءِ ثُمَّ يَحِلُّ له أَنْ يُصِيبَهَا قال وَإِنْ كانت على سَفَرٍ ولم تَجِدْ مَاءً فإذا تَيَمَّمَتْ حَلَّ له أَنْ يُصِيبَهَا وَلَا يَحِلُّ له إصَابَتُهَا في الْحَضَرِ بِالتَّيَمُّمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بها قُرْحٌ يَمْنَعُهَا الْغُسْلَ فَتَغْسِلَ فَرْجَهَا وما لَا قُرْحَ فيه من جَسَدِهَا بِالْمَاءِ ثُمَّ تَتَيَمَّمَ ثُمَّ يَحِلُّ له إصَابَتُهَا إذَا حَلَّتْ لها الصَّلَاةُ وَيُصِيبُهَا في دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ إنْ شَاءَ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الطَّهَارَةِ قال وَبَيِّنٌ في الْآيَةِ إنَّمَا نهى عن إتْيَانِ النِّسَاءِ في الْمَحِيضِ وَمَعْرُوفٌ أَنَّ الْإِتْيَانَ في الْفَرْجِ لِأَنَّ التَّلَذُّذَ بِغَيْرِ الْفَرْجِ في
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَكُلُّ ما وَصَفْت إذَا كانت الزَّوْجَةُ حُرَّةً أو من يُنَازِعُ في الْوَلَدِ بِقَرَابَتِهَا حُرًّا فَأَمَّا إذَا كانت الزَّوْجَةُ أو من يُنَازِعُ بِقَرَابَتِهَا مَمَالِيكَ فَلَا حَقَّ لِلْمَمْلُوكِ في الْوَلَدِ الْحُرِّ وَالْأَبُ الْحُرُّ أَحَقُّ بِهِمْ إذَا كَانُوا أَحْرَارًا قال وَكَذَلِكَ إنْ نَكَحَتْ أُمُّهُمْ وَهِيَ حُرَّةٌ أو لم تَنْكِحْ وَهِيَ غَيْرُ ثِقَةٍ وَلَهَا أُمٌّ مَمْلُوكَةٌ فَلَا حَقَّ لِلْمَمْلُوكَةِ بِقَرَابَةِ أُمٍّ قال وَكَذَلِكَ كُلُّ من لم تَكْمُلْ فيه الْحُرِّيَّةُ قال وَمَتَى عَتَقَتْ كانت على حَقِّهَا في الْوَلَدِ قال وإذا كان وَلَدُ الْحُرِّ مَمَالِيكَ فَمَالِكُهُمْ احق بِهِمْ منه قال وإذا كان الْوَلَدُ من حُرَّة وَأَبُوهُ مَمْلُوكٌ فَأُمُّهُمْ أَحَقُّ بِهِمْ وَلَا يُخَيَّرُونَ في وَقْتِ الْخِيَارِ قال وَلَيْسَ على الْأَبِ إذَا لم تَكْمُلْ فيه الْحُرِّيَّةُ نَفَقَةُ وَلَدِهِ من زَوْجَةٍ له إنْ كَانُوا مَمَالِيكَ فَنَفَقَتُهُمْ على سَيِّدِهِمْ وَكَذَلِكَ لو كان أَبُوهُمْ حُرًّا وَهُمْ مَمَالِيكُ فإذا عَتَقُوا فَنَفَقَتُهُمْ على أَبِيهِمْ الْحُرِّ وَلَا نَفَقَةَ على الْأَبِ الذي لم تَكْمُلْ فيه الْحُرِّيَّةُ عَتَقُوا أو كَانُوا أَحْرَارًا من الْأَصْلِ بِأَنَّ أُمَّهُمْ حُرَّةٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ وَارِثٍ لهم وَلَا ذُو مَالٍ يُنْفِقُ عليهم منه وَلَا يَسْتَمْتِعُ منهم بِمَا يَسْتَمْتِعُ بِهِ من أُمِّهِمْ إذَا كانت زَوْجَةً وَلَا حَقَّ له في كَيْنُونَةِ الْوَلَدِ عِنْدَهُ قال وإذا كان من يُنَازِعُ في الْوَلَدِ أُمٌّ أو قَرَابَةٌ غَيْرُ ثِقَةٍ فَلَا حَقَّ له في الْوَلَدِ وَهِيَ كَمَنْ لم يَكُنْ في هذه الْحَالِ وَأَقْرَبُ الناس بِهِ أَحَقُّ بِالْمُنَازَعَةِ كَأَنَّ أُمَّهُ كانت غير ثِقَةٍ وَأُمُّهَا ثِقَةٌ فَالْحَقُّ لِأُمِّهَا ما كانت الْبِنْتُ غير ثِقَةٍ وَلَوْ صَلَحَ حَالُ الْبِنْتِ رَجَعَتْ على حَقِّهَا في الْوَلَدِ كما تَنْكِحُ فَلَا يَكُونُ لها فِيهِمْ حَقٌّ وَتَئِيمُ فَتَرْجِعُ على حَقِّهَا فِيهِمْ وَهَكَذَا إنْ كان الْأَبُ غير ثِقَةٍ كان أَبُوهُ يَقُومُ مَقَامَهُ وَأَخُوهُ وَذُو قَرَابَتِهِ فإذا صَلُحَتْ حَالُهُ رَجَعَ إلَى حَقِّهِ في الْوَلَدِ فَعَلَى هذا هذا الْبَابُ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ - * بَابُ إتْيَانِ النِّسَاءِ حُيَّضًا - *

(5/93)


شَيْءٍ من الْجَسَدِ ليس إتْيَانًا وَدَلَّتْ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على أَنَّ لِلزَّوْجِ مُبَاشَرَةَ الْحَائِضِ إذَا شَدَّتْ عليها إزَارَهَا وَالتَّلَذُّذَ بِمَا فَوْقَ الْإِزَارِ مُفْضِيًا إلَيْهَا بِجَسَدِهِ وَفَرْجِهِ فَذَلِكَ لِزَوْجِ الْحَائِضِ وَلَيْسَ له التَّلَذُّذُ بِمَا تَحْتَ الْإِزَارِ منها - * بَابُ إتْيَانِ النِّسَاءِ في أَدْبَارِهِنَّ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ } الْآيَةُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِبَاحَةُ الْإِتْيَانِ في مَوْضِعِ الْحَرْثِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ تَحْرِيمَ إتْيَانٍ في غَيْرِهِ فَالْإِتْيَانُ في الدُّبُرِ حتى يَبْلُغَ منه مَبْلَغَ الْإِتْيَانِ في الْقَبْلِ مُحَرَّمٌ بِدَلَالَةِ الْكِتَابِ ثُمَّ السُّنَّةِ
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا عَمِّي محمد بن عَلِيِّ بن شَافِعٍ عن عبد اللَّهِ بن عَلِيِّ بن السَّائِبِ عن عَمْرِو بن أحيحة أو بن فُلَانِ بن أحيحة بن فُلَانٍ الْأَنْصَارِيِّ قال قال محمد بن عَلِيٍّ وكان ثِقَةً عن خُزَيْمَةَ بن ثَابِتٍ أَنَّ سَائِلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن إتْيَانِ النِّسَاءِ في أَدْبَارِهِنَّ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حَلَالٌ ثُمَّ دَعَاهُ أو أَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ فقال كَيْفَ قُلْت في أَيِّ الْخَرِبَتَيْنِ أو في أَيِّ الْخَرَزَتَيْنِ أو في الْخَصْفَتَيْنِ أَمِنْ دُبْرِهَا في قُبُلِهَا فَنَعَمْ أَمْ من دُبْرِهَا في دُبْرِهَا فَلَا إنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِ من الْحَقِّ لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ في أَدْبَارِهِنَّ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَمَّا التَّلَذُّذُ بِغَيْرِ إبْلَاغِ الْفَرْجِ بين الإليتين وَجَمِيعِ الْجَسَدِ فَلَا بَأْسَ بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قال وَسَوَاءٌ هو من الْأَمَةِ أو الْحُرَّةِ فإذا أَصَابَهَا فِيمَا هُنَاكَ لم يُحْلِلْهَا لِزَوْجٍ إنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ولم يُحْصِنْهَا وَلَا يَنْبَغِي لها تَرْكُهُ وَإِنْ ذَهَبَتْ إلَى الْإِمَامِ نَهَاهُ فَإِنْ أَقَرَّ بِالْعَوْدَةِ له أَدَبُهُ دُونَ الْحَدِّ وَلَا غُرْمَ عليه فيه لها لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ وَلَوْ كان في زِنًا حُدَّ فيه إنْ فَعَلَهُ حَدَّ الزنى وَأُغْرِمَ إنْ كان غَاصِبًا لها مَهْرَ مِثْلِهَا قال وَمَنْ فَعَلَهُ وَجَبَ عليه الْغُسْلُ وَأَفْسَدَ حَجَّهُ - * بَابُ الِاسْتِمْنَاءِ - * قال اللَّهُ عز وجل { وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلَّا على أَزْوَاجِهِمْ } قَرَأَ إلَى { الْعَادُونَ } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَكَانَ بَيِّنًا في ذِكْرِ حِفْظِهِمْ لِفُرُوجِهِمْ إلَّا على أَزْوَاجِهِمْ أو ما مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ تَحْرِيمُ ما سِوَى الْأَزْوَاجِ وما مَلَكَتْ الْأَيْمَانُ وَبَيِّنٌ أَنَّ الْأَزْوَاجَ وَمِلْكَ الْيَمِينِ من الْآدَمِيَّاتِ دُونَ الْبَهَائِمِ ثُمَّ أَكَّدَهَا فقال عز وجل { فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذلك فَأُولَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ } فَلَا يَحِلُّ الْعَمَلُ بِالذَّكَرِ إلَّا في الزَّوْجَةِ أو في مِلْكِ الْيَمِينِ وَلَا يَحِلُّ الِاسْتِمْنَاءُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وقال في قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حتى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ من فَضْلِهِ } مَعْنَاهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِيَصْبِرُوا حتى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وهو كَقَوْلِهِ في مَالِ الْيَتِيمِ { وَمَنْ كان غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ } لِيَكُفَّ عن أَكْلِهِ بِسَلَفٍ أو غَيْرِهِ قال وكان في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلَّا على أَزْوَاجِهِمْ أو ما مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } بَيَانٌ أَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بها الرِّجَالُ لَا النِّسَاءُ فَدَلَّ على أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَكُونَ مُتَسَرِّيَةً بِمَا مَلَكَتْ يَمِينُهَا لِأَنَّهَا مُتَسَرَّاةٌ أو مَنْكُوحَةٌ لَا نَاكِحَةٌ إلَّا بِمَعْنَى أنها مَنْكُوحَةٌ وَدَلَالَةٌ على تَحْرِيمِ إتْيَانِ الْبَهَائِمِ لِأَنَّ الْمُخَاطَبَةَ بِإِحْلَالِ الْفَرْجِ في الْآدَمِيَّاتِ الْمَفْرُوضِ عَلَيْهِنَّ الْعِدَّةُ وَلَهُنَّ الْمِيرَاثُ منهم وَغَيْرُ ذلك من فَرَائِضِ الزَّوْجَيْنِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبَيِّنٌ أَنَّ مَوْضِعَ الْحَرْثِ مَوْضِعُ الْوَلَدِ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ الْإِتْيَانَ فيه إلَّا في وَقْتِ المحيض ( ( ( الحيض ) ) ) وَ { أَنَّى شِئْتُمْ } من أَيْنَ شِئْتُمْ

(5/94)


- * الِاخْتِلَافُ في الدُّخُولِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كانت بَالِغًا مُضْنُوًّا أُجْبِرَتْ على الدُّخُولِ وَكُلُّ امْرَأَةٍ تَحْتَمِلُ أَنْ تُجَامَعَ قال فَإِنْ كانت مع هذا مُضْنَاةً من مَرَضٍ لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا أُمْهِلَتْ حتى تَصِيرَ إلَى الْحَالِ التي يُجَامَعُ مِثْلُهَا ثُمَّ تُجْبَرُ على الدُّخُولِ وَمَتَى أَمْهَلْتهَا بِالدُّخُولِ لم أُجْبِرْهُ على دَفْعِ الصَّدَاقِ قال وإذا دَخَلَتْ عليه فَأَصَابَهَا فَأَفْضَاهَا ثُمَّ لم يَلْتَئِمْ ذلك فَعَلَيْهِ دِيَتُهَا كَامِلَةً وَهِيَ امْرَأَتُهُ بِحَالِهَا وَلَهَا الْمَهْرُ تَامًّا وَلَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ من أَنْ يُصِيبَهَا في الْفَرْجِ حتى تَبْرَأَ الْبُرْءَ الذي إذَا عَادَ لِإِصَابَتِهَا لم يَنْكَأْهَا ولم يَزِدْ في جُرْحِهَا ثُمَّ عليها إنْ برأت ( ( ( برئت ) ) ) أَنْ تُخَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهَا وَالْقَوْلُ في ذلك قَوْلُهَا ما زَعَمَتْ أَنَّ الْعِلَّةَ قَائِمَةٌ فَإِنْ تَطَاوَلَ ذلك فَكَانَ النِّسَاءُ يُدْرِكْنَ عِلْمَهُ فَإِنْ قُلْنَ إنَّهَا قد برأت ( ( ( برئت ) ) ) وَإِنَّ الْإِصَابَةَ لَا تَضُرُّهَا أُجْبِرَتْ على التَّخْلِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إصَابَتِهَا قال وَإِنْ صَارَتْ إلَى حَالٍ لَا يُجَامَعُ من صَارَ إلَيْهَا أَخَذَتْ صَدَاقَهَا وَدِيَتَهَا وَقِيلَ هِيَ امْرَأَتُك فَإِنْ شِئْت فَطَلِّقْ وَإِنْ شِئْت فَأَمْسِكْ وَاجْتَنِبْهَا إذَا كان مِثْلُهَا لَا يُجَامَعُ - * اخْتِلَافُ الزَّوْجَيْنِ في مَتَاعِ الْبَيْتِ - * أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا اخْتَلَفَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ في مَتَاعِ الْبَيْتِ الذي هُمَا فيه سَاكِنَانِ وقد افْتَرَقَا أو لم يَفْتَرِقَا أو مَاتَا أو مَاتَ أَحَدُهُمَا فَاخْتَلَفَ وَرَثَتُهُمَا أو وَرَثَةُ أَحَدِهِمَا بَعْدَ مَوْتِهِ فَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ وَالْمَتَاعُ إذَا كَانَا سَاكِنِي الْبَيْتِ في أَيْدِيهِمَا مَعًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ في أَيْدِيَهُمَا كما تَكُونُ الدَّارُ في أَيْدِيهِمَا أو في يَدِ رَجُلَيْنِ فَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ على دَعْوَاهُ فَإِنْ حَلَفَا جميعا فَالْمَتَاعُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لِأَنَّ الرَّجُلَ قد يَمْلِكُ مَتَاعَ النِّسَاءِ بِالشِّرَاءِ وَالْمِيرَاثِ وَغَيْرِ ذلك وَالْمَرْأَةُ قد تَمْلِكُ مَتَاعَ الرِّجَالِ بِالشِّرَاءِ وَالْمِيرَاثِ وَغَيْرِ ذلك فلما كان هذا مُمْكِنًا وكان الْمَتَاعُ في ايديهما لم يَجُزْ أَنْ يُحْكَمَ فيه إلَّا بهذا لِكَيْنُونَةِ الشَّيْءِ في أَيْدِيهِمَا وقد اسْتَحَلَّ عَلِيُّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه فَاطِمَةَ رضي الله تعالى عنها بِبَدَنٍ من حَدِيدٍ وَهَذَا من مَتَاعِ الرِّجَالِ وقد كانت فَاطِمَةُ رضي الله تعالى عنها في تِلْكَ الْحَالِ مَالِكَةً لِلْبَدَنِ دُونَ عَلِيِّ بن ابي طَالِبٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وقد رَأَيْت امْرَأَةً ( 1 ) بَيْنِي وَبَيْنَهَا ضَبَّةُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا مَلَكَ الرَّجُلُ عُقْدَةَ الْمَرْأَةِ فَأَرَادَ الدُّخُولَ بها فَإِنْ كان مَهْرُهَا حَالًّا أو بَعْضُهُ لم تُجْبَرْ على الدُّخُولِ عليه حتى يَدْفَعَ الْحَالَّ منه إلَيْهَا وَإِنْ كان دَيْنًا كُلَّهُ أُجْبِرَتْ على الدُّخُولِ عليه مَتَى شَاءَ لَا وَقْتَ لها في ذلك أَكْثَرَ من يَوْمٍ لِتُصْلِحَ أَمْرَهَا وَنَحْوَهُ لَا يُجَاوِزُ بها ثَلَاثًا إذَا كانت بَالِغًا وَيُجَامَعُ مِثْلُهَا وَسَوَاءٌ في هذا الْمَمْلُوكَةُ وَالْحُرَّةُ وَلَيْسَ لِوَلِيِّ الْحُرَّةِ وَلَا لِسَيِّدِ الْأَمَةِ مَنْعُهُ إيَّاهَا إذَا دَفَعَ صَدَاقَهَا إنْ كان حَالًّا أو ما كان حَالًّا منه قال وَلَا يُؤَجَّلُ الرَّجُلُ في الصَّدَاقِ إلَّا ما يُؤَجَّلُ في دَيْنِ الناس وَيُبَاعُ عليه في مَالِهِ كما يُبَاعُ عليه في الدَّيْنِ وَيُحْبَسُ فيه كما يُحْبَسُ في الدُّيُونِ لَا افْتِرَاقَ في ذلك قال وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كانت الزَّوْجَةُ بَالِغًا أو مُقَارِبَةَ الْبُلُوغِ أو جَسِيمَةً يَحْتَمِلُ مِثْلُهَا أَنْ يُجَامَعَ فإذا كانت لَا تَحْتَمِلُ أَنْ تُجَامَعَ فَلِأَهْلِهَا مَنْعُهَا الدُّخُولَ حتى تَحْتَمِلَ الْجِمَاعَ وَلَيْسَ على الزَّوْجِ دَفْعُ صَدَاقِهَا وَلَا شَيْءَ منه وَلَا نَفَقَتَهَا حتى تَكُونَ في الْحَالِ التي يُجَامَعُ مِثْلُهَا وَيُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا قال وَمَتَى كانت بَالِغًا فقال لَا أَدْفَعُ الصَّدَاقَ حتى تُدْخِلُوهَا وَقَالُوا لَا نَدْفَعُهَا حتى تَدْفَعَ الصَّدَاقَ فَأَيُّهُمَا تَطَوَّعَ أَجْبَرَتْ الْآخَرَ على ما عليه فَإِنْ تَطَوَّعَ الزَّوْجُ بِدَفْعِ الصَّدَاقِ أَجْبَرَتْ أَهْلَهَا على إدْخَالِهَا وَإِنْ تَطَوَّعَ أَهْلُهَا بِإِدْخَالِهَا أَجْبَرَتْ الزَّوْجَ على دَفْعِ الصَّدَاقِ قال وَإِنْ امْتَنَعُوا مَعًا أَجْبَرَتْ أَهْلَهَا على وَقْتٍ يُدْخِلُونَهَا فيه وَأَخَذَتْ الصَّدَاقَ من زَوْجِهَا فَإِنْ دَخَلَتْ دَفَعْته إلَيْهَا وَجَعَلْت لها النَّفَقَةَ إذَا قالوا نَدْفَعُهَا إلَيْهِ إذَا دَفَعَ الصَّدَاقَ إلَيْنَا

(5/95)


سَيْفٍ اسْتَفَادَتْهُ من مِيرَاثِ أَبِيهَا بِمَالٍ عَظِيمٍ وَدِرْعٍ وَمُصْحَفٍ فَكَانَ لها دُونَ إخْوَتِهَا وَرَأَيْت من وَرِثَ أُمَّهُ وَأُخْتَه فَاسْتَحْيَا من بَيْعِ مَتَاعِهِمَا فَصَارَ مَالِكًا لِمَتَاعِ النِّسَاءِ فإذا كان هذا مَوْجُودًا فَلَا يَجُوزُ فيه غَيْرُ ما وَصَفْت وَلَوْ أَنَّا كنا إنَّمَا نَقْضِي بِالظُّنُونِ بِقَدْرِ ما يَرَى الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ مَالِكَيْنِ فَوَجَدْنَا مَتَاعًا في يَدَيْ رِجْلَيْنِ يَتَدَاعَيَانِهِ فَكَانَ في الْمَتَاعِ يَاقُوتٌ وَلُؤْلُؤٌ وَعِلْيَةٌ من عِلْيَةِ الْمَتَاعِ وَأَحَدُ الرَّجُلَيْنِ مِمَّنْ يَمْلِكُ مِثْلَ ذلك الْمَتَاعِ والاخر ليس الْأَغْلَبُ من مِثْلِهِ أَنَّهُ يَمْلِكُ مِثْلَ ذلك الْمَتَاعِ جَعَلْنَا عِلْيَةَ الْمَتَاعِ لِلْمُوسِرِ الذي هو أَوَّلَاهُمَا في الظَّاهِرِ بِمُلْكِ مِثْلِهِ وَجَعَلْنَا سَفَلَةَ الْمَتَاعِ إنْ كان في يَدَيْ مُوسِرٍ وَمُعْسِرٍ لِلْمُعْسِرِ دُونَ الْمُوسِرِ فَخَالَفْنَا ما اُجْتُمِعَ عليه الناس في غَيْرِ هذا من أَنَّ الدَّارَ إذَا كانت في يَدَيْ رَجُلَيْنِ فَتَدَاعَيَاهَا جُعِلَتْ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ولم يُنْظَرْ إلَى أَشْبَهِهِمَا أَنْ يَكُونَ له مِلْكُ تِلْكَ الدَّارِ فَنُعْطِيَهُ إيَّاهَا وَهَذَا الْعَدْلُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْإِجْمَاعُ وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَتَاعُ الْبَيْتِ وَغَيْرُهُ مِمَّا يَكُونُ في يَدَيْ اثْنَيْنِ لَا يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فيه أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخَالِفَ بِالْقِيَاسِ الْأَصْلَ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بين ذلك سُنَّةٌ أو إجْمَاعٌ وَيُقَالُ لِمَنْ يقول أجعل مَتَاعَ النِّسَاءِ لِلنِّسَاءِ وَمَتَاعَ الرِّجَالِ لِلرِّجَالِ أَرَأَيْت دَبَّاغًا وَعَطَّارًا كَانَا في حَانُوتٍ فيه عِطْرٌ وَدِبَاغٌ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي الْعِطْرَ وَالدِّبَاغَ أَيَلْزَمُك أَنْ تُعْطِيَ الْعَطَّارَ الْعِطْرَ وَالدَّبَّاغَ الدِّبَاغَ فَإِنْ قُلْت إنِّي أَقْسِمُهُ بَيْنَهُمَا قِيلَ لَك فَلِمَ لَا تَقْسِمُ الْمَتَاعَ الذي يُشْبِهُ النِّسَاءَ بين الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمَتَاعُ الذي يُشْبِهُ الرِّجَالَ بين الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مِثْلُ الدَّبَّاغِ وَالْعَطَّارِ - * الِاسْتِبْرَاءُ - * ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) أَصْلُ الِاسْتِبْرَاءِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عَامَ سَبْيِ أَوْطَاسٍ أَنْ تُوطَأَ حَامِلٌ حتى تَضَعَ أو تُوطَأَ حَائِلٌ حتى تَحِيضَ وفي هذا دَلَالَاتٌ منها أَنَّ من مَلَكَ أَمَةً لم يَطَأْهَا إلَّا بِاسْتِبْرَاءٍ كانت عِنْدَ ثِقَةٍ أو غَيْرِ ثِقَةٍ أو تُوطَأَ أو لَا تُوطَأَ من قِبَلِ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَسْتَثْنِ مِنْهُنَّ وَاحِدَةً وَلَا نَشُكُّ أَنَّ فِيهِنَّ أَبْكَارًا وَحَرَائِرَ كُنَّ قبل أَنْ يستأمين وَإِمَاءً وَضِيعَاتٍ وَشَرِيفَاتٍ وكان الْأَمْرُ فِيهِنَّ كُلِّهِنَّ وَالنَّهْيُ وَاحِدٌ وفي مِثْلِ مَعْنَى هذا أَنَّ كُلَّ مِلْكٍ اسْتَحْدَثَهُ الْمَالِكُ لم يَجُزْ فيه الْوَطْءُ إلَّا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ لِأَنَّ الْفَرْجَ كان مَمْنُوعًا قبل الْمِلْكِ فإذا صَارَ مُبَاحًا بِالْمِلْكِ كان على الْمَالِكِ فيه أَنْ يَسْتَبْرِئَهُ وفي هذا الْمَعْنَى على كل مِلْكٍ تَحَوَّلَ لِأَنَّ الْمَالِكَ الثَّانِيَ مِثْلُ الْمَالِكِ الْأَوَّلِ وقد كان الْفَرْجُ مَمْنُوعًا منه بِأَنَّهُ كان مُبَاحًا لِغَيْرِهِ وَإِنَّمَا حَدَثَ له وكان حَلَالًا له بَعْدَ ما مَلَكَهُ فَلَوْ ابْتَاعَ رَجُلٌ من رَجُلٍ جَارِيَةً وَقَبَضَهَا منه وَتَفَرَّقَا بَعْدَ الْبَيْعِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا منه الْبَائِعُ أو اسْتَقَالَهُ منها وهو يَعْلَمُ أَنَّ الرَّجُلَ لم يَصِلْ إلَيْهَا أو كانت مُشْتَرِيَتُهَا امْرَأَةً ثِقَةً أُمٌّ له أو بِنْتٌ لم يَكُنْ له أَنْ يَطَأَهَا حتى يَسْتَبْرِئَهَا من قِبَلِ أَنَّ الْفَرْجَ قد كان حَرُمَ عليه ثُمَّ حَلَّ له بَعْدَ الْمِلْكِ الثَّانِي وَمَتَى حَلَّ له أَنْ يَطَأَهَا قَدَّمَ بين يَدَيْ الْوَطْءِ اسْتِبْرَاءً لَا بُدَّ وَكَذَلِكَ لو كانت بِكْرًا أو عِنْدَ امْرَأَةٍ مُحْصَنَةٍ لِأَنَّ السُّنَّةَ تَدُلُّ على أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ إنَّمَا هو من حِينِ يَحِلُّ الْفَرْجُ بِالْمِلْكِ وَالِاسْتِبْرَاءُ أَنْ تَمْكُثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي طَاهِرًا ما كان الْمُكْثُ قَلَّ أو كَثُرَ ثُمَّ تَحِيضَ فَتَسْتَكْمِلَ حيضة فإذا طَهُرَتْ منها فَهُوَ اسْتِبْرَاؤُهَا وَيَكُونُ الِاسْتِبْرَاءُ إذَا حَاضَتْ الْحَيْضَ الذي تَعْرِفُهُ فَإِنْ حَاضَتْ على خِلَافِ ما تَعْرِفُ في الزِّيَادَةِ في الْحَيْضِ فَهُوَ اسْتِبْرَاءٌ لِأَنَّهَا قد جَاءَتْ بِمَا تَعْرِفُ وَزَادَتْ عليه وَإِنْ حَاضَتْ أَقَلَّ من أَيَّامِ حَيْضِهَا أو بِدَمٍ أَرَقَّ أو أَقَلَّ من دَمِهَا أو وَجَدَتْ شيئا تُنْكِرُهُ في بَطْنٍ أو دَلَالَةَ ما يُسْتَدَلُّ بِهِ على الْحَمْلِ أَمْسَكَتْ وَأَمْسَكَ عن إصَابَتِهَا حتى يُسْتَدَلَّ على أَنَّ تِلْكَ الرِّيبَةَ لم تَكُنْ حَمْلًا إمَّا بِذَهَابِ ذلك الذي تَجِدُ وَحَيْضَةٍ بَعْدَهُ مِثْلَ الْحَيْضِ الذي كانت تَعْرِفُ وَإِمَّا بِزَمَانٍ يَمُرُّ عليها يَعْرِفُ أَهْلُ الْعِلْمِ من النِّسَاءِ أنها لو كانت حَامِلًا كانت تَلِدُ في مِثْلِ ذلك الزَّمَانِ فإذا أتى ذلك عليها اُسْتُدِلَّ على أَنَّ تِلْكَ الرِّيبَةَ من مَرَضٍ لَا من حَمْلٍ وَحَلَّ وَطْؤُهَا فَإِنْ قال قَائِلٌ قد قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْحَائِلِ حتى تَحِيضَ وَهَذِهِ الْحَائِلُ قد حَاضَتْ قِيل

(5/96)


فَمَعْقُولٌ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ أَرَادَ الِاسْتِبْرَاءَ بِالْحَيْضِ وَالِاسْتِبْرَاءَ بِوَضْعِ الْحَمْلِ أو الْحَيْضِ إنَّمَا يَكُونُ اسْتِبْرَاءُ ما لم يَكُنْ معه رِيبَةٌ فإذا كانت معه رِيبَةٌ بِحَمْلٍ فَاسْتِبْرَاءٌ بِوَضْعِ الْحَمْلِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ الْعِدَّةَ ثَلَاثَ حِيَضٍ وَثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وقال تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } فَدَلَّتْ السُّنَّةُ على أَنَّ وَضْعَ الْحَمْلِ غَايَةُ الِاسْتِبْرَاءِ وَأَنَّهُ مُسْقِطٌ لِجَمِيعِ الْعِدَدِ ولم أَعْلَمْ أَحَدًا خَالَفَ في أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ لو حَاضَتْ ثَلَاثَ حَيْضٍ وَذَكَرَتْ أنها حَامِلٌ لم تَحِلَّ بها وَلَا تَحِلُّ إلَّا بِوَضْعِ الْحَمْلِ أو الْبَرَاءَةِ أَنْ يَكُونَ ذلك حَمْلًا وَهَكَذَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ الْمُرْتَابَةُ في الِاسْتِبْرَاءِ لِأَنَّهَا في مِثْلِ هذا الْمَعْنَى وَلَوْ حَاضَتْ حَيْضَةً وَهِيَ غَيْرُ مُرْتَابَةٍ ثُمَّ حَدَثَتْ لها رِيبَةٌ ثَانِيَةٌ بَعْدَ طُهْرِهَا وَقَبْلَ مَسِيسِ سَيِّدِهَا أَمْسَكَ عن إصَابَتِهَا حتى تَسْتَبْرِئَ نَفْسَهَا من تِلْكَ الرِّيبَةِ ثُمَّ أَصَابَهَا إذَا بَرِئَتْ منها وإذا مُلِكَتْ الْأَمَةُ بِمِيرَاثٍ أو هِبَةٍ أو صَدَقَةٍ أو بَيْعٍ أو أَيِّ وَجْهٍ ما كان من وُجُوهِ الْمِلْكِ لم تُوطَأْ حتى تُسْتَبْرَأَ لِمَا وَصَفْت وإذا كانت تُسْتَبْرَأُ لم يَجُزْ لِمَالِكِهَا أَنْ يَتَلَذَّذَ منها بِمُبَاشَرَةٍ وَلَا قُبْلَةٍ وَلَا جَسٍّ وَلَا تَجْرِيدٍ وَلَا بِنَظَرِ شَهْوَةٍ من قِبَلِ أَنَّهُ قد يَظْهَرُ بها حَمْلٌ من بَائِعهَا فَيَكُونُ قد نَظَرَ مُتَلَذِّذًا أو تَلَذَّذَ بِأَكْثَرَ من النَّظَرِ من أُمِّ وَلَدِ غَيْرِهِ وَذَلِكَ مَحْظُورٌ عليه وَمَتَى اشْتَرَاهَا فَقَبَضَهَا ثُمَّ وَضَعَتْ حَمْلَهَا بَرِئَتْ وَحَلَّ له وَطْؤُهَا وَلَا يَحِلُّ له الْوَطْءُ إلَّا بِوَضْعِ جَمِيعِ حَمْلِهَا إذَا كان حَمْلُهَا من غَيْرِ سَيِّدِهَا وَغَيْرِ زَوْجٍ إلَّا زَوْجًا قد طَلَّقَ أو مَاتَ وَكَذَلِكَ لو قَبَضَهَا فَأَقَامَتْ سَاعَةً ثُمَّ حَاضَتْ وَطَهُرَتْ حَلَّ له الْوَطْءُ وَلَوْ اشْتَرَاهَا فلم يَقْبِضْهَا ولم يَتَفَرَّقَا حتى وَضَعَتْ في يَدَيْ الْبَائِعِ ثُمَّ قَبَضَهَا لم يَكُنْ له وَطْؤُهَا حتى تَطْهُرَ من نِفَاسِهَا ثُمَّ تَحِيضَ في يَدَيْهِ حَيْضَةً مُسْتَقْبَلَةً من قِبَلِ أَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا تَمَّ له حين لم يَكُنْ لِلْبَائِعِ فيه خِيَارٌ بِأَنْ يَتَفَرَّقَا عن مُقَامِهِمَا الذي تَبَايَعَا فيه وَلَوْ اشْتَرَاهَا وَشَرَطَ عليه الْبَائِعُ أَنَّهُ بِالْخِيَارِ عليه ثَلَاثًا وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي فَحَاضَتْ قبل أَنْ يُسَلِّمَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ وَيَبْطُلَ شَرْطُهُ في الْخِيَارِ أو تَمْضِيَ ثَلَاثُ الْخِيَارِ لم يَطَأْهَا بِهَذِهِ الْحَيْضَةِ حتى تَطْهُرَ منها ثُمَّ تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرَى وَلَوْ اشْتَرَاهَا وَقَبَضَهَا وَشَرَطَ لِنَفْسِهِ الْخِيَارَ ثَلَاثًا ثُمَّ حَاضَتْ قبل الثَّلَاثِ ثُمَّ اخْتَارَ الْبَيْعَ كانت تِلْكَ الْحَيْضَةُ اسْتِبْرَاءً لِأَنَّهُ تَامُّ الْمِلْكِ فيها قَابِضٌ لها لو أَعْتَقَهَا أو كَاتَبَهَا أو وَهَبَهَا كان ذلك جَائِزًا وَلَوْ أَرَادَ الْبَائِعُ ذلك فيها لم يَكُنْ له لِأَنَّ الْبَيْعَ فيها تَامٌّ وَلَوْ بَيْعُ جَارِيَةٍ مَعِيبَةٍ دَلَّسَ له فيها بِعَيْبٍ وَظَهَرَ على الْعَيْبِ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ فَاخْتَارَ أَنْ يُمْسِكَهَا أَجْزَأَهُ ذلك الِاسْتِبْرَاءُ من قِبَلِ أَنَّ الْمِلْكَ له تَامٌّ إلَّا أَنَّ له الْخِيَارَ بِالْعَيْبِ إنْ شَاءَ رَدَّ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَإِنْ مَاتَتْ في هذه الْحَالِ مَاتَتْ منه وَلِلرَّجُلِ إذَا اشْتَرَى الْجَارِيَةَ أَيَّ جَارِيَةٍ ما كانت أَنْ لَا يَدْفَعَ عنها وَأَنْ يُقْبِضَهُ إيَّاهَا بَائِعُهَا وَلَيْسَ لِبَائِعِهَا مَنْعُهُ إيَّاهَا لِيَسْتَبْرِئَهَا عِنْدَ نَفْسِهِ وَلَا عِنْدَ غَيْرِهِ وَلَا مُوَاضَعَتِهِ إيَّاهَا على يَدَيْ أَحَدٍ لِيَسْتَبْرِئَهَا بِحَالٍ وَلَا لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَحْبِسَ عنه ثَمَنَهَا حتى يَسْتَبْرِئَهَا هو وَلَا غَيْرُهُ وَلَا يَضَعُهَا على يَدَيْ غَيْرِهِ فَيَسْتَبْرِئَهَا وَسَوَاءٌ كان الْبَائِعُ في ذلك غَرِيبًا يَخْرُجُ من سَاعَتِهِ أو مُقِيمًا أو مُعْدِمًا أو مَلِيئًا أو صَالِحًا أو رَجُلَ سَوْءٍ وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَهُ بِحَمِيلٍ بِعُهْدَةٍ وَلَا بِوَجْهٍ وَلَا ثَمَنِ وَمَالِهِ حَيْثُ وَضَعَهُ وَإِنَّمَا التَّحَفُّظُ قبل الشِّرَاءِ فإذا جَازَ الشِّرَاءُ أَلْزَمْنَاهُ ما أَلْزَمَ نَفْسَهُ من الْحَقِّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو اشْتَرَى منه عَبْدًا أو أَمَةً أو شيئا وهو غَرِيبٌ أو أَهْلٌ فقال أَخَافُ أَنْ يَكُونَ مَسْرُوقًا أو أَخَافُ أَنْ يَكُونَ وَاحِدٌ من الْعَبْدَيْنِ حُرًّا كان يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يُجْبِرَهُ على أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ لِأَنَّهُ مَالُهُ حَيْثُ وَضَعَهُ وَلَوْ أَعْطَيْنَاهُ أَنْ يَأْخُذَ له كَفِيلًا أو يَحْبِسَ له الْبَائِعُ عن سَفَرِهِ أَعْطَيْنَاهُ ذلك في خَوْفِ أَنْ يَكُونَ مَسْرُوقًا أو مَعِيبًا عَيْبًا خَافِيًا من سَرِقَةٍ أو إبَاقٍ ثُمَّ لم نَجْعَلْ لِهَذَا غَايَةً أَبَدًا لِأَنَّهُ قد لَا يُعْلَمُ ذلك في الْقَرِيبِ وَيُعْلَمُ في الْبَعِيدِ وَبُيُوعُ الْمُسْلِمِينَ الْجَائِزَةُ بَيْنَهُمْ وفي سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ما يَلْزَمُ الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِي إذَا سَلَّمَ هذا سِلْعَتَهُ أَنْ يَكُونَ قَابِضًا لِثَمَنِهَا وَأَنْ لَا يَكُونَ الثَّمَنُ الذي هو إلَى غَيْرِ أَجَلٍ وَلَا السِّلْعَةُ مَحْبُوسِينَ إذَا سَلَّمَ الْبَائِعُ إلَى الْمُشْتَرِي سَاعَةً من نَهَارٍ وَلَا يَكُونُ الْمُشْتَرِي من جَارِيَةٍ وَلَا غَيْرِهَا مَحْبُوسًا عن مَالِكِهَا وَلَوْ جَازَ إذَا اشْتَرَى رَجُلٌ جَارِيَةً أَنْ تُوضَعَ على يَدَيْ من
____________________

(5/97)


يَسْتَبْرِئُهَا كان في هذا خِلَافُ بُيُوعِ الْمُسْلِمِينَ وَالسُّنَّةِ وَظُلْمُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي من قِبَلِ أنها لَا تَعْدُو أَنْ تَكُونَ في مِلْكِ الْبَائِعِ بِالْمِلْكِ الْأَوَّلِ أو في مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِالشِّرَاءِ الْحَادِثِ فَلَا يُجْبَرُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا على إخْرَاجِ مِلْكِهِ إلَى غَيْرِهِ وَلَوْ كان الثَّمَنُ لَا يَجِبُ على الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ إلَّا بِأَنْ تَحِيضَ الْجَارِيَةُ حَيْضَةً وَتَطْهُرَ منها كان هذا فَاسِدًا من قِبَلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَهُ نَهَوْا أَنْ تَكُونَ الْأَثْمَانُ الْمُسْتَأْخِرَةُ إلَّا إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَهَذَا إلَى أَجَلٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ لِأَنَّ الْحَيْضَةَ قد تَكُونُ بَعْدَ صَفْقَةِ الْبَيْعِ في خَمْسٍ وفي شَهْرٍ وَأَكْثَرَ وَأَقَلَّ وكان فَاسِدًا مع فَسَادِهِ من الثَّمَنِ من السِّلْعَةِ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ السِّلْعَةُ لَا مُشْتَرَاةً إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ بِصِفَةٍ فَتَكُونُ تُوجَدُ في تِلْكَ الْمُدَّةِ وَيُؤْخَذُ بها بَائِعُهَا وَلَا مُشْتَرَاةً بِغَيْرِ تَسَلُّطِ مُشْتَرِيهَا على قَبْضِهَا حتى يَسْتَبْرِئَهَا وَهَذَا لَا بَيْعَ أَجَلٍ بِصِفَةٍ وَلَا عَيْنٍ بِعَيْنِهِ يُقْبَضُ وَخَارِجٌ من بُيُوعِ الْمُسْلِمِينَ فَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ تَبَايَعَا جَارِيَةً وَتَشَارَطَا في عَقَدَ الْبَيْعِ أَنْ لَا يَقْبِضَهَا الْمُشْتَرِي حتى تُسْتَبْرَأَ كان الْبَيْعُ فَاسِدًا وَلَا يَجُوزُ بِحَالٍ من قِبَلِ ما وَصَفْت وَلَوْ اشْتَرَاهَا بِغَيْرِ شَرْطٍ كان الْبَيْعُ جَائِزًا وكان لِلْمُشْتَرِي قَبْضُهَا وَاسْتِبْرَاؤُهَا عِنْدَ نَفْسِهِ أو عِنْدَ من شَاءَ وإذا قَبَضَهَا فَمَاتَتْ قبل أَنْ تُسْتَبْرَأَ فَإِنْ مَاتَتْ عِنْدَهُ بَعْدَ ما ظَهَرَ بها حَمْلٌ وَتَصَادَقَا على ذلك كانت من الْمُشْتَرِي وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي على الْبَائِعِ من الثَّمَنِ بِقَدْرِ ما بين قِيمَتِهَا حَامِلًا وَغَيْرَ حَامِلٍ وَلَوْ اشْتَرَاهَا بِغَيْرِ شَرْطٍ فَتَرَاضَيَا أَنْ يَتَوَاضَعَاهَا على يَدَيْ من يَسْتَبْرِئُهَا فَمَاتَتْ أو عَمِيَتْ عِنْدَ الْمُسْتَبْرِئِ فَإِنْ كان الْمُشْتَرِي قَبَضَهَا ثُمَّ رضي بَعْدَ قَبْضِهَا بِمُوَاضَعَتِهَا فَهِيَ من مَالِهِ وَإِنَّمَا هِيَ جَارِيَةٌ قد قَبَضَهَا ثُمَّ أَوْدَعَهَا غَيْرَهُ فَمَوْتُهَا في يَدَيْ غَيْرِهِ إذَا كان هو وَضَعَهَا كَمَوْتِهَا في يَدَيْهِ وَلَوْ كان اشْتَرَاهَا فلم يَقْبِضْهَا حتى تَوَاضَعَاهَا بِرِضًا مِنْهُمَا على يَدَيْ من يَسْتَبْرِئُهَا فَمَاتَتْ أو عَمِيَتْ مَاتَتْ من مَالِ الْبَائِعِ لِأَنَّ كُلَّ من بَاعَ شيئا بِعَيْنِهِ فَهُوَ مَضْمُونٌ عليه حتى يَقْبِضَهُ منه مُشْتَرِيه وإذا عَمِيَتْ قِيلَ لِلْمُشْتَرِي أنت بِالْخِيَارِ إنْ شِئْت فَخُذْهَا مَعِيبَةً بِجَمِيعِ الثَّمَنِ لَا يُوضَعُ عَنْك لِلْعَيْبِ شَيْءٌ كما لو عَمِيَتْ في يَدَيْ الْبَائِعِ بَعْدَ صَفْقَةِ الْبَيْعِ وَقَبْلَ قَبْضِهَا كُنْت بِالْخِيَارِ في تَرْكِهَا أو أَخْذِهَا وَإِنْ شِئْت فَاتْرُكْهَا بِالْعَيْبِ وَكُلُّ ما زَعَمْنَا أَنَّ الْبَيْعَ فيه جَائِزٌ فَعَلَى الْمُشْتَرِي متي طَلَبَ الْبَائِعُ منه الثَّمَنَ وسلم إلَيْهِ السِّلْعَةَ أَنْ يَأْخُذَ منه إلَّا أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ فَيَكُونَ إلَى أَجَلِهِ وإذا اشْتَرَى الرَّجُلُ من الرَّجُلِ الْجَارِيَةَ أو ما اشْتَرَى من السِّلَعِ فلم يَشْتَرِطْ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ إلَى أَجَلٍ وقال الْبَائِعُ لَا أُسَلِّمُ اليك السِّلْعَةَ حتى تَدْفَعَ إلَيَّ الثَّمَنَ وقال الْمُشْتَرِي لَا أَدْفَعُ إلَيْك الثَّمَنَ حتى تُسَلِّمَ إلَيَّ السِّلْعَةَ فإن بَعْضَ الْمَشْرِقِيِّينَ قال يُجْبِرُ الْقَاضِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَائِعَ على أَنْ يُحْضِرَ السِّلْعَةَ وَالْمُشْتَرِيَ على أَنْ يُحْضِرَ الثَّمَنَ ثُمَّ يُسَلِّمُ السِّلْعَةَ إلَى الْمُشْتَرِي وَالثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ لَا يُبَالِي بِأَيِّهِمَا بَدَأَ إذَا كان ذلك حَاضِرًا وقال غَيْرُهُ منهم لَا أُجْبِرُ وَاحِدًا مِنْهُمَا على إحْضَارِ شَيْءٍ وَلَكِنْ أَقُولُ أَيَّكُمَا شَاءَ أَنْ أَقْضِيَ له بِحَقِّهِ على صَاحِبِهِ فَلْيَدْفَعْ إلَيَّ ما عليه من قِبَلِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ على وَاحِدٍ مِنْكُمَا دَفْعُ ما عليه إلَّا بِقَبْضِ مَالِهِ وقال آخَرُونَ أَنْصِبُ لَهُمَا عَدْلًا فَأُجْبِرُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على الدَّفْعِ إلَى الْعَدْلِ فإذا صَارَ الثَّمَنُ وَالسِّلْعَةُ في يَدَيْهِ أَمَرْنَاهُ أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ وَالسِّلْعَةَ إلَى الْمُشْتَرِي (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَجُوزُ فيها إلَّا الْقَوْلُ الثَّانِي من أَنْ لَا يُجْبَرَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أو قَوْلٌ أخر وهو أَنْ يُجْبَرَ الْبَائِعُ على دَفْعِ السِّلْعَةِ إلَى الْمُشْتَرِي بِحَضْرَتِهِ ثُمَّ يُنْظَرُ فَإِنْ كان له مَالٌ أَجْبَرَهُ على دَفْعِهِ من سَاعَتِهِ وَإِنْ غَابَ مَالُهُ وُقِفَتْ السِّلْعَةُ وَأَشْهَدَ على أَنَّهُ وَقَفَهَا لِلْمُشْتَرِي فَإِنْ وَجَدَ له مَالًا دَفَعَهُ إلَى الْبَائِعِ وَأَشْهَدَ على إطْلَاقِ الْوَقْفِ عن الْجَارِيَةِ وَدَفَعَ الْمَالَ إلَى الْبَائِعِ وَإِنْ لم يَكُنْ له مَالٌ فَالسِّلْعَةُ عَيْنُ مَالِ الْبَائِعِ وَجَدَهُ عِنْدَ مُفْلِسٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنَّمَا أَشْهَدْنَا على الْوَقْفِ لِأَنَّهُ إنْ أَحْدَثَ بَعْدَ إشْهَادِنَا على وَقْفِ مَالِهِ في مَالِهِ شيئا لم يَجُزْ وَإِنَّمَا مَنَعْنَا من الْقَوْلِ الذي حَكَيْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا غَيْرُهُ أو هذا الْقَوْلُ وَأَخَذْنَا بهذا الْقَوْلِ دُونَهُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ عِنْدَنَا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ يُقِرُّ بِأَنَّ هذه الْجَارِيَةَ قد خَرَجَتْ من مِلْكِهِ بِبَيْعٍ إلَى مَالِ

(5/98)


ثُمَّ يَكُونُ له حَبْسُهَا وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ له حَبْسُهَا وقد أَعْلَمَنَا أَنَّ مِلْكَهَا لِغَيْرِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ قد أَوْجَبَ على نَفْسِهِ ثَمَنًا وَمَالُهُ حَاضِرٌ وَلَا نَأْخُذُهُ منه وَلَا يَجُوزُ لِرَبِّ الْجَارِيَةِ أَنْ يَطَأَهَا وَلَا يَبِيعَهَا وَلَا يُعْتِقَهَا وقد بَاعَهَا من غَيْرِهِ وَلَا يَجُوزُ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَدَعَ الناس يَتَدَافَعُونَ الحقوق وهو يَقْدِرُ على أَخْذِهَا منهم وإذا كانت لِرَجُلٍ أَمَةٌ فَزَوَّجَهَا أو اشْتَرَاهَا ذَاتَ زَوْجٍ فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ أو مَاتَ عنها فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَأَرَادَ سَيِّدُهَا إصَابَتَهَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لم أَرَ ذلك له حتى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ بَعْدَ ما حَلَّ فَرْجُهَا له لِأَنَّ الْفَرْجَ كان حَلَالًا لِغَيْرِهِ مَمْنُوعًا منه وَالِاسْتِبْرَاءُ بِسَبَبِ غَيْرِهِ لَا بِسَبَبِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لو أَرَادَ بَيْعَ أَمَتِهِ فَاسْتَبْرَأَهَا عِنْدَ أُمِّ رَجُلٍ أو بِنْتِهِ بِحَيْضَةٍ أو حِيَضٍ ثُمَّ بَاعَهَا من رَجُلٍ لم يَكُنْ له أَنْ يُصِيبَهَا حتى يَسْتَبْرِئَهَا بعد ما أُبِيحَ له فَرْجُهَا وَلَوْ كانت لِرَجُلٍ أَمَةٌ فَكَاتَبَهَا فَعَجَزَتْ لم يَكُنْ له وَطْؤُهَا حتى يَسْتَبْرِئَهَا لِأَنَّهَا كانت مَمْنُوعَةَ الْفَرْجِ منه وَإِنَّمَا أُبِيحَ له فَرْجُهَا بَعْدَ الْعَجْزِ فَهِيَ تُجَامَعُ في هذا الْمَعْنَى المتزوجة ( ( ( كالمتزوجة ) ) ) وَتُفَارِقُهَا في أَنَّ فَرْجَهَا لم يَكُنْ مُبَاحًا لِغَيْرِهِ وَالِاحْتِيَاطُ تَرْكُهَا وَلَوْ كانت له أَمَةٌ فَحَاضَتْ فَأَذِنَ لها بِأَنْ تَصُومَ فَصَامَتْ أو تَحُجَّ فَحَجَّتْ وَاجِبًا عليها فَكَانَتْ مَمْنُوعَةَ الْفَرْجِ في نَهَارِ الصَّوْمِ وَمُدَّةِ الْإِحْرَامِ وَالْحَيْضِ ثُمَّ خَرَجَتْ من الْإِحْرَامِ وَالصَّوْمِ وَالْحَيْضِ لم يَكُنْ عليه أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا وَذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ فَرْجِهَا بِعَارِضٍ فيها كما يَكُونُ الْعَارِضُ فيه من الصَّوْمِ وَالْإِحْرَامِ لَا أَنَّهُ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفَرْجِ كما حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مُتَزَوِّجَةً وَمُكَاتَبَةً فَكَانَ لَا يَحِلُّ له أَنْ يَلْمِسَهَا وَلَا يُقَبِّلَهَا وَلَا يَنْظُرَ إلَيْهَا بِشَهْوَةٍ فَحَالُهَا هذه مُخَالِفَةٌ لِحَالِهَا الْأُولَى وَتَجْتَمِعُ الْمُسْتَبْرَأَةُ وَالْمُعْتَدَّةُ وَتَخْتَلِفَانِ فَأَمَّا ما تَجْتَمِعَانِ فيه فإن في الِاسْتِبْرَاءِ وَالْعِدَّةِ مَعْنًى وَتَعَبُّدًا فَأَمَّا الْمَعْنَى فإن الْمَرْأَةَ إذَا وَضَعَتْ حَمْلَهَا كانت بَرَاءَةً في الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَأَمَّا التَّعَبُّدُ فَقَدْ تَعْلَمُ بَرَاءَتَهَا بِأَنْ تَكُونَ صَبِيَّةً لم يَدْخُلْ بها وَمَدْخُولٌ بها فَتَحِيضُ حَيْضَةً فَتَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ كما تَعْتَدُّهَا الْبَالِغَةُ الْمَدْخُولُ بها وَلَا تُبْرِئُهَا حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَوْ لم تَكُنْ الْعِدَّةُ إلَّا لِلْبَرَاءَةِ كانت الصَّغِيرَةُ في هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ بَرِيئَةً وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ الْبَالِغُ وَغَيْرُ الْبَالِغِ تُشْتَرَى من الْمَرْأَةِ الصَّالِحَةِ الْمُحْصَنَةِ لها وَمِنْ الرَّجُلِ الصَّالِحِ الْكَبِيرِ قد حَرُمَ عليه فَرْجُهَا بِرَضَاعٍ فَلَا يَكُونُ لِمَنْ اشْتَرَاهَا أَنْ يَطَأَهَا حتى يَسْتَبْرِئَهَا وَلَوْ كان رَجُلٌ مُودِعٌ أَمَةً يَسْتَبْرِئُهَا بِحَيْضَةٍ عِنْدَهُ قد حَاضَتْ في يَدَيْ نِسَائِهِ حَيْضًا كَثِيرًا ثُمَّ مَلَكَهَا ولم تُفَارِقْ تَحْصِينَهُ بِشِرَاءٍ أو هِبَةٍ أو مِيرَاثٍ أو أَيَّ مِلْكٍ ما كان لم يَكُنْ له أَنْ يَطَأَهَا حتى يَسْتَبْرِئَهَا وَأُحِبُّ لِلرَّجُلِ الذي يَطَأُ أَمَةً أَنْ لَا يُرْسِلَهَا وَأَنْ يُحْصِنَهَا وَإِنْ فَعَلَ لم يُحَرِّمْهَا ذلك عليه وَكَانَتْ فِيمَا يَحِلُّ له منها مِثْلَ الْمُحْصَنَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه يقول ما بَال رِجَالٍ يطؤون ( ( ( يطئون ) ) ) وَلَائِدَهُمْ ثُمَّ يُرْسِلُونَهُنَّ فَيُخْبِرُ أَنَّهُ تَلْحَقُ الآولاد بِهِمْ وَإِنْ أَرْسَلُوهُنَّ وَلَا يَحْرُمُ عليهم الْوَطْءُ مع الْإِرْسَالِ وَلَوْ ابْتَاعَ رَجُلٌ جَارِيَةً فَاسْتَبْرَأَهَا ثُمَّ جاء رَجُلٌ آخَرُ فَادَّعَى أنها له وَجَاءَ عليها بِشَاهِدٍ فَوَقَفَ الْمُشْتَرِي عنها ثُمَّ أَبْطَلَ الْحَاكِمُ الشَّاهِدَ لم يَكُنْ على الْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بَعْدَ ما فُسِخَ عنه وَقْفُهَا لِأَنَّهَا كانت على الْمِلْكِ الْأَوَّلِ لم تُسْتَحَقَّ وَلَوْ اسْتَحَقَّهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا الْأَوَّلُ وَهِيَ في بَيْتِهِ لم تَخْرُجْ منه لم يَطَأْهَا حتى يَسْتَبْرِئَهَا لِأَنَّهُ قد مَلَكَهَا عليه غَيْرُهُ وَلَوْ كانت جَارِيَةٌ بين رَجُلَيْنِ فَاسْتَخْلَصَهَا أَحَدُهُمَا وَكَانَتْ في بَيْتِهِ لم يَطَأْهَا من حِينِ حَلَّ له فَرْجُهَا حتى يَسْتَبْرِئَهَا وَلَا تَكُونُ الْبَرَاءَةُ إلَّا بِأَنْ يَمْلِكَهَا طَاهِرًا ثُمَّ تَحِيضَ بَعْدَ أَنْ تَكُونَ طَاهِرًا في مِلْكِهِ وَلَوْ اشْتَرَاهَا سَاعَةَ دَخَلَتْ في الدَّمِ لم يَكُنْ هذا بَرَاءَةً وَأَوَّلُ الدَّمِ وَآخِرُهُ سَوَاءٌ كما يَكُونُ هذا في الْعِدَّةِ في قَوْلِ من قال الْأَقْرَاءُ عَيْنُ الْحَيْضِ وَلَوْ طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أَوَّلَ ما دَخَلَتْ في الدَّمِ لم يَعْتَدَّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ وَلَا يَعْتَدُّ بِحَيْضَةٍ إلَّا حَيْضَةً تَقَدَّمَهَا طُهْرٌ فَإِنْ قال قَائِلٌ لِمَ زَعَمْت أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ طُهْرٌ ثُمَّ حَيْضَةٌ وَزَعَمْت في الْعِدَّةِ أَنَّ الْأَقْرَاءَ الْأَطْهَارُ قُلْنَا له بِتَفْرِيقِ الْكِتَابِ ثُمَّ السُّنَّةِ بَيْنَهُمَا فلما قال اللَّهُ عز وجل { يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } وَدَلَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على أَنَّ الْأَقْرَاءَ الْأَطْهَارُ لِقَوْلِهِ في بن عُمَرَ يُطَلِّقُهَا طَاهِرًا من غَيْرِ جِمَاعٍ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ التي أَمَرَ اللَّهُ عز وجل
____________________

(5/99)


أَنْ تَطْلُقَ لها النِّسَاءُ فَأَمَرْنَاهَا أَنْ تَأْتِيَ بِثَلَاثَةِ أَطْهَارٌ فَكَانَ الْحَيْضُ فيها فَاصِلًا بَيْنَهُمَا حتى يُسَمَّى كُلُّ طُهْرٍ منها غير الطُّهْرِ الْآخَرِ لِأَنَّهُ لو لم يَكُنْ بَيْنَهُمَا حَيْضٌ كان طُهْرًا وَاحِدًا وَأَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْإِمَاءِ أَنْ يَسْتَبْرِئْنَ بِحَيْضَةٍ فَكَانَتْ الْحَيْضَةُ الْأُولَى أَمَامَهَا طُهْرٌ كما لَا يُعَدُّ الطُّهْرُ إلَّا وَأَمَامَهُ حَيْضٌ وكان قَوْلُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يَسْتَبْرِئْنَ بِحَيْضَةٍ يَقْصِدُ قَصْدَ الْحَيْضِ بِالْبَرَاءَةِ فَأَمَرْنَاهَا أَنْ تَأْتِيَ بِحَيْضٍ كامل كما أَمَرْنَاهَا إذَا قصد قَصَدَ الْأَطْهَارَ أَنْ تَأْتِيَ بِطُهْرٍ كَامِلٍ - * النَّفَقَةُ على الْأَقَارِبِ - * أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال قال اللَّهُ تَعَالَى { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ له رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ له بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذلك فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عن تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إذَا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } وقال تَبَارَكَ وَتَعَالَى { فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورُهُنَّ وأتمروا ( ( ( وائتمروا ) ) ) بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتَرْضِعُ له أُخْرَى } إلَى قَوْلِهِ { بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا }
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنها أَنَّ هِنْدًا قالت لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ لي إلَّا ما أَدْخَلَ عَلَيَّ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم خُذِي ما يَكْفِيك وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا أَنَسُ بن عِيَاضٍ عن هِشَامِ عن أبيه عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنها أنها حَدَّثَتْهُ أَنَّ هِنْدًا أُمَّ مُعَاوِيَة جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقالت إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَأَنَّهُ لَا يُعْطِينِي وَوَلَدِي إلَّا ما أَخَذْت منه سِرًّا وهو لَا يَعْلَمُ فَهَلْ عَلَيَّ في ذلك من شَيْءٍ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم خُذِي ما يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبَيَانٌ أَنَّ على الْوَالِدِ نَفَقَةَ الْوَلَدِ دُونَ أُمِّهِ كانت أُمُّهُ مُتَزَوِّجَةً أو مُطَلَّقَةً وفي هذا دَلَالَةٌ على أَنَّ النَّفَقَةَ لَيْسَتْ على الْمِيرَاثِ وَذَلِكَ أَنَّ الْأُمَّ وَارِثَةٌ وَفَرْضُ النَّفَقَةِ وَالرَّضَاعِ على الْأَبِ دُونَهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال بن عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذلك } من أَنْ لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا لَا أَنَّ عليها الرَّضَاعَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا وَجَبَ على الْأَبِ نَفَقَةُ وَلَدِهِ في الْحَالِ التي لَا يُغْنِي نَفْسَهُ فيها فَكَانَ ذلك عِنْدَنَا لِأَنَّهُ منه لَا يَجُوزُ أَنْ يُضِيعَ شيئا منه وَكَذَلِكَ إنْ كَبِرَ الْوَلَدُ زَمَنًا لَا يُغْنِي نَفْسَهُ وَلَا عِيَالَهُ وَلَا حِرْفَةً له أَنْفَقَ عليه الْوَالِدُ وَكَذَلِكَ وَلَدُ الْوَلَدِ لِأَنَّهُمْ وَلَدٌ وَيُؤْخَذُ بِذَلِكَ الْأَجْدَادُ لِأَنَّهُمْ آبَاءٌ وَكَانَتْ نَفَقَةُ الْوَالِدِ على الْوَلَدِ إذَا صَارَ الْوَالِدُ في الْحَالِ التي لَا يَقْدِرُ على أَنْ يُغْنِي فيها نَفْسَهُ أَوْجَبُ لِأَنَّ الْوَلَدَ من الْوَالِدِ وَحَقُّ الْوَالِدِ على الْوَلَدِ أَعْظَمُ وَكَذَلِكَ الْجَدُّ وأبو الْجَدِّ وَآبَاؤُهُ فَوْقَهُ وَإِنْ بَعُدُوا لِأَنَّهُمْ آبَاءٌ قال وإذا كانت هِنْدٌ زَوْجَةً لِأَبِي سُفْيَانَ وَكَانَتْ الْقَيِّمَ على وَلَدِهَا لِصِغَرِهِمْ بِأَمْرِ زَوْجِهَا فَأَذِنَ لها رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ تَأْخُذَ من مَالِ أبي سُفْيَانَ ما يَكْفِيهَا وَوَلَدَهَا بِالْمَعْرُوفِ فَمِثْلُهَا الرَّجُلُ يَكُونُ له على الرَّجُلِ الْحَقُّ بِأَيِّ وَجْهٍ ما كان فَيَمْنَعُهُ إيَّاهُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ من مَالِهِ حَيْثُ وَجَدَهُ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَكَذَلِكَ حَقُّ وَلَدِهِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) ففي كِتَابِ اللَّهِ عز وجل ثُمَّ في سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَيَانٌ أَنَّ الْإِجَارَةَ جَائِزَةٌ على ما يَعْرِفُ الناس إذْ قال اللَّهُ عز وجل { فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } وَالرَّضَاعُ يَخْتَلِفُ فَيَكُونُ صَبِيٌّ أَكْثَرَ رَضَاعًا من صَبِيٍّ وَتَكُونُ امْرَأَةٌ أَكْثَرَ لَبَنًا من امْرَأَةٍ وَيَخْتَلِفُ لَبَنُهَا فَيَقِلُّ وَيَكْثُرُ فَتَجُوزُ الْإِجَارَةُ على هذا لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ فيه أَقْرَبُ مِمَّا يُحِيطُ الْعِلْمُ بِهِ من هذا فَتَجُوزُ الْإِجَارَاتُ على خِدْمَةِ الْعَبْدِ قِيَاسًا على هذا وَتَجُوزُ في غَيْرِهِ مِمَّا يَعْرِفُ الناس قِيَاسًا على هذا

(5/100)


الصِّغَارِ وَحَقُّ من هو قَيِّمٌ بِمَالِهِ مِمَّنْ تَوَكَّلَهُ أو كَفَلَهُ قال وَإِنْ وَجَدَ الذي له الْحَقُّ مَالَهُ بِعَيْنِهِ كان له أَخْذُهُ وَإِنْ لم يَجِدْهُ كان له أَخْذُ مِثْلِهِ إنْ كان له مِثْلٌ إنْ كان طَعَامًا فَطَعَامُ مِثْلِهِ وَإِنْ كان دَرَاهِمَ فَدَرَاهِمُ مِثْلُهَا وَإِنْ كان لَا مِثْلَ له كانت له قِيمَةُ مِثْلِهِ دَنَانِيرَ أو دَرَاهِمَ كَأَنَّ غَصَبَهُ عَبْدًا فلم يَجِدْهُ فَلَهُ قِيمَتُهُ دَنَانِيرَ أو دَرَاهِمَ فَإِنْ لم يَجِدْ لِلَّذِي غَصَبَهُ دَنَانِيرَ وَلَا دَرَاهِمَ وَوَجَدَ له عَرْضًا كان له أَنْ يَبِيعَ عَرْضَهُ الذي وَجَدَ فَيَسْتَوْفِيَ قِيمَةَ حَقِّهِ وَيَرُدَّ إلَيْهِ فَضْلَهُ إنْ كان فِيمَا بَاعَ له وَإِنْ كان بِبَلَدٍ الْأَغْلَبُ بِهِ الدَّنَانِيرُ بَاعَهُ بِدَنَانِيرَ وَإِنْ كان الْأَغْلَبُ بِهِ الدَّرَاهِمَ بَاعَهُ بِالدَّرَاهِمِ قال وَإِنْ غَصَبَهُ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ حتى نَقَصَ ثَمَنُهُ أو عَبْدًا فَاسْتَخْدَمَهُ حتى كُسِرَ أو اعور عِنْدَهُ أَخَذَ ثَوْبَهُ وَعَبْدَهُ وَأَخَذَ من مَالِهِ قِيمَةَ ما نَقَصَ ثَوْبُهُ وَعَبْدُهُ على ما وَصَفْنَا - * نَفَقَةُ الْمَمَالِيكِ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن مُحَمَّدِ بن عَجْلَانَ عن بُكَيْرِ بن عبد اللَّهِ عن عَجْلَانَ أبي مُحَمَّدٍ عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يُكَلَّفُ من الْعَمَلِ إلَّا ما يُطِيقُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْجَوَارِي إذَا كانت لَهُنَّ فَرَاهَةٌ وَجَمَالٌ فَالْمَعْرُوفُ أَنَّهُنَّ يُكْسَيْنَ أَحْسَنَ من كِسْوَةِ اللَّاتِي دُونَهُنَّ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ عن إبْرَاهِيمَ بن أبي خِدَاشٍ عن عُتْبَةَ بن أبي لَهَبٍ أَنَّهُ سمع بن عَبَّاسٍ يقول في الْمَمْلُوكِينَ أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَاكْسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) هذا كَلَامٌ مُجْمَلٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ على الْجَوَابِ فَسَأَلَ السَّائِلُ عن مَمَالِيكِهِ وهو إنَّمَا يَأْكُلُ تَمْرًا أو شَعِيرًا أو أَدْنَى ما يَقْدِرُ عليه من الطَّعَامِ وَيَلْبَسُ صُوفًا أو أَدْنَى ما يَقْدِرُ عليه من اللِّبَاسِ فقال أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَاكْسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ وكان أَكْثَرُ حَالِ الناس فِيمَا مَضَى ضَيِّقَةً وكان كَثِيرٌ مِمَّنْ اتَّسَعَتْ حَالُهُ مُقْتَصِدًا فَهَذَا يَسْتَقِيمُ قال وَالسَّائِلُونَ عَرَبٌ وَلُبُوسُ عَامَّتِهِمْ وَطَعَامُهُمْ خَشِنٌ وَمَعَاشُهُمْ وَمَعَاشُ رَقِيقِهِمْ مُتَقَارِبٌ فَأَمَّا من لم تَكُنْ حَالُهُ هَكَذَا وَخَالَفَ مَعَاشَ السَّلَفِ وَالْعَرَبِ وَأَكَلَ رَقِيقَ الطَّعَامِ وَلَبِسَ جَيِّدَ الثِّيَابِ فَلَوْ آسَى رَقِيقَهُ كان أَكْرَمَ وَأَحْسَنَ فَإِنْ لم يَفْعَلْ فَلَهُ ما قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نَفَقَتُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَنَا الْمَعْرُوفُ لِمِثْلِهِ في بَلَدِهِ الذي بِهِ يَكُونُ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا كان لُبْسُهُ الوشى وَالْخَزَّ والمروى وَالْقَصَبَ وَطُعْمَتُهُ النَّقِيَّ وَأَلْوَانَ لَحْمِ الدَّجَاجِ وَالطَّيْرِ لم يَكُنْ عليه أَنْ يُطْعِمَ مَمَالِيكَهُ وَيَكْسُوَهُمْ مِثْلَ ذلك فإن هذا ليس بِالْمَعْرُوفِ لِلْمَمَالِيكِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ عن أبي الزِّنَادِ عن الْأَعْرَجِ عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إذَا كَفَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ طَعَامَهُ حَرَّهُ وَدُخَانَهُ فَلْيَدْعُهُ فَلْيُجْلِسْهُ معه فَإِنْ أَبَى فَلْيُرَوِّغْ له لُقْمَةً فَلْيُنَاوِلْهُ إيَّاهَا أو يُعْطِهِ إيَّاهَا أو كَلِمَةً هذا مَعْنَاهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فلما قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلْيُرَوِّغْ له لُقْمَةً كان هذا عِنْدَنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ على وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا وهو أَوْلَاهُمَا بِمَعْنَاهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّ إجْلَاسَهُ معه أَفْضَلُ وَإِنْ لم يَفْعَلْ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عليه أَنْ يُجْلِسَهُ معه إذْ قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَإِلَّا فَلْيُرَوِّغْ له لُقْمَةً لِأَنَّ إجْلَاسَهُ لو كان وَاجِبًا عليه لم يَجْعَلْ له أَنْ يُرَوِّغَ له لُقْمَةً دُونَ أَنْ يُجْلِسَهُ معه أو يَكُونَ بِالْخِيَارِ بين أَنْ يُنَاوِلَهُ أو يُجْلِسَهُ وقد يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَمْرَ اخْتِيَارِ غَيْرِ الْحَتْمِ وَتَكُونَ له نَفَقَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ كما قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلَا يُحَبُّ له أَكْثَرَ منها + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا يَدُلُّك على ما وَصَفْنَا من تَبَايُنِ طَعَامِ الْمَمْلُوكِ وَطَعَامِ سَيِّدِهِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) على مَالِكِ الْمَمْلُوكِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى الْبَالِغَيْنِ إذَا حَبَسَهُمَا في عَمَلٍ له أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِمَا وَيَكْسُوَهُمَا بِالْمَعْرُوفِ وَذَلِكَ نَفَقَةُ رَقِيقِ بَلَدِهِمَا الشِّبَعُ لِأَوْسَاطِ الناس الذي تَقُومُ بِهِ أَبْدَانُهُمْ من أَيِّ الطَّعَامِ كان حِنْطَةً أو شَعِيرًا أو ذُرَةً أو تَمْرًا وَكِسْوَتُهُمْ كَذَلِكَ مِمَّا يَعْرِفُ أَهْلُ ذلك الْبَلَدِ أَنَّهُ مَعْرُوفٌ صُوفٌ أو قُطْنٌ أو كَتَّانٌ أَيَّ ذلك كان الْأَغْلَبُ بِذَلِكَ الْبَلَدِ وكان لَا يسمى ضَيِّقًا بِمَوْضِعِهِ

(5/101)


إذَا أَرَادَ سَيِّدُهُ طَيِّبَ الطَّعَامِ لَا أَدْنَى ما يَكْفِيه فَلَوْ كان مِمَّنْ يُرِيدُ أَدْنَى ما يَكْفِيه أَطْعَمَهُ من طَعَامِهِ قال وَالْكِسْوَةُ هَكَذَا قال وَالْمَمْلُوكُ الذي يَلِي طَعَامَ الرَّجُلِ يُخَالِفُ عِنْدَنَا الْمَمْلُوكَ الذي لَا يَلِي طَعَامَهُ وَيَنْبَغِي لِمَالِكِ الْمَمْلُوكِ الذي يَلِي طَعَامَهُ أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ ما يَصْنَعُ بِهِ أَنْ يُنَاوِلَهُ لُقْمَةً يَأْكُلُهَا مِمَّا يَقْرَبُ إلَيْهِ فإن الْمَعْرُوفَ لَا يَكُونُ يَرَى طَعَامًا قد ولى العناء ( ( ( الغناء ) ) ) فيه ثُمَّ لَا يَنَالُ منه شيئا يَرُدُّ بِهِ شَهْوَتَهُ وَأَقَلُّ ما تُرَدُّ بِهِ شَهْوَتُهُ لُقْمَةٌ فَإِنْ قال قَائِلٌ كَيْفَ يَكُونُ هذا لِلْمَمْلُوكِ الذي يَلِي الطَّعَامَ دُونَ غَيْرِهِ قِيلَ لِاخْتِلَافِ حَالِهِمَا لِأَنَّ هذا وَلِيَ الطَّعَامَ وَرَآهُ وَغَيْرُهُ من الْمَمَالِيكِ لم يَلِهِ ولم يَرَهُ وَالسُّنَّةُ التي خَصَّتْ هذا من الْمَمَالِيكِ دُونَ غَيْرِهِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَعْنَى لَا يُكَلَّفُ من الْعَمَلِ إلَّا ما يُطِيقُ يَعْنِي بِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ إلَّا ما يُطِيقُ الدَّوَامَ عليه ليس ما يُطِيقُهُ يَوْمًا أو يَوْمَيْنِ أو ثَلَاثَةً وَنَحْوَ ذلك ثُمَّ يَعْجِزُ فِيمَا بَقِيَ عليه وَذَلِكَ أَنَّ الْعَبْدَ الْجَلْدَ وَالْأَمَةَ الْجَلْدَةَ قد يَقْوَيَانِ على أَنْ يَمْشِيَا لَيْلَةً حتى يُصْبِحَا وَعَامَّةَ يَوْمٍ ثُمَّ يَعْجِزَانِ عن ذلك وَيَقْوَيَانِ على أَنْ يَعْمَلَا يَوْمًا وَلَيْلَةً وَلَا يَنَامَانِ فِيهِمَا ثُمَّ يَعْجِزَانِ عن ذلك فِيمَا يَسْتَقْبِلَانِ وَاَلَّذِي يَلْزَمُ الْمَمْلُوكَ لِسَيِّدِهِ ما وَصَفْنَا من الْعَمَلِ الذي يَقْدِرُ على الدَّوَامِ عليه إنْ كان مُسَافِرًا فَيَمْشِي الْعَقَبَةَ وَرُكُوبُ الْأُخْرَى وَالنَّوْمُ إنْ قَدَرَ رَاكِبًا نَامَ أَكْثَرَ من ذلك وَإِنْ كان لَا يَقْدِرُ على النَّوْمِ رَاكِبًا نَامَ أَكْثَرَ من ذلك في الْمَنْزِلِ وَإِنْ كان عَمَلُهُ بِاللَّيْلِ تَرَكْنَاهُ بِالنَّهَارِ لِلرَّاحَةِ وَإِنْ كان عَمَلُهُ بِالنَّهَارِ تَرَكْنَاهُ بِاللَّيْلِ لِلرَّاحَةِ وَإِنْ كان في الشِّتَاءِ عَمِلَ في السَّحَرِ وَمِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ وَإِنْ كان في صَيْفٍ يَعْمَلُ تُرِكَ في الْقَائِلَةِ وَوَجْهُ هذا كُلِّهِ في الْمَمْلُوكِ وَالْمَمْلُوكَةِ ما لَا يَضُرُّ بِأَبْدَانِهِمَا الضَّرَرَ الْبَيِّنَ وما يَعْرِفُ الناس أَنَّهُمَا يُطِيقَانِ الْمُدَاوَمَةَ عليه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَتَى مَرِضَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهُ في الْمَرَضِ ليس له اسْتِعْمَالُهُ إنْ كان لَا يُطِيقُ الْعَمَلَ وَإِنْ عَمِيَ أو زَمِنَ أَنْفَقَ عليه مَوْلَاهُ أَيْضًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ يُعْتِقُهُ فإذا أَعْتَقَهُ فَلَا نَفَقَةَ له عليه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأُمُّ الْوَلَدِ مَمْلُوكَةٌ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا وَتَخْدُمُهُ وَتَعْمَلُ له ما تُحْسِنُ وَتُطِيقُ بِالْمَعْرُوفِ في مَنْزِلِهِ وَالْمُدَبَّرَةُ وَالْمَمْلُوكَةُ تَعْمَلُ له في مَنْزِلِهِ أو خَارِجًا عنه كما وَصَفْنَا من الْمَمْلُوكَةِ غَيْرِ الْمُدَبَّرَةِ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِنَّ كُلِّهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَالْمَعْرُوفُ ما وَصَفْت وَأَيُّ مَمْلُوكٍ صَارَ إلَى أَنْ لَا يُطِيقَ الْعَمَلَ لم يُكَلِّفْهُ وَأَنْفَقَ عليه وَرَضَاعُ الْمَمْلُوكِ الصَّغِيرِ يَلْزَمُ مَوْلَاهُ وَالْمُكَاتَبُ وَالْمُكَاتَبَةُ مُخَالِفَانِ لِمَنْ سِوَاهُمَا لَا يَلْزَمُ مَوْلَاهُمَا نَفَقَةً في مَرَضٍ وَلَا غَيْرِهِ فَإِنْ مَرِضَا وَعَجَزَا عن نَفَقَةِ أَنْفُسِهِمَا قِيلَ لَهُمَا لَكُمَا شَرْطًا كما في الْكِتَابَةِ فَأَنْفِقَا على أَنْفُسِكُمَا فَإِنْ زَعَمْتُمَا أَنَّكُمَا عَاجِزَانِ عن تَأْدِيَةِ الْكِتَابَةِ أَبْطَلْنَا كِتَابَتَكُمَا وَرَدَدْنَاكُمَا رَقِيقًا كما نُبْطِلُهَا إذَا عَجَزْتُمَا عن تَأْدِيَةِ أَرْشِ جِنَايَتِكُمَا قال وإذا كان لَهُمَا إذَا هُمَا عَجَزَا أَنْ يَقُولَا لَا نَجِدُ فَيُرَدَّانِ رَقِيقِينَ كان لَهُمَا في الْمَرَضِ ما وَصَفْت إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ هذا دَلَالَةٌ على أَنْ فَسْخَ الْكِتَابَةِ إلَيْهِمَا دُونَ من كَاتَبَهُمَا قال وَلَوْ كَانَا اثْنَيْنِ فَعَجَزَ أَحَدُهُمَا أو مَرِضَ فقال قد عَجَزْت بَطَلَتْ كِتَابَتُهُ وَأَنْفَقَ عليه وكان الذي لم يَعْجِزْ عن الْكِتَابَةِ مُكَاتَبًا وَيَرْفَعُ عنه حِصَّةَ الْعَاجِزِ من الْكِتَابَةِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَيُنْفِقُ الرَّجُلُ على مَمَالِيكِهِ الصِّغَارِ وَإِنْ لم يَنْفَعُوهُ يُجْبَرُ على ذلك قال وَلَوْ زَوَّجَ رَجُلٌ أُمَّ وَلَدِهِ فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا أَنْفَقَ عليهم كما يُنْفِقُ على رَقِيقِهِ حتى يُعْتَقُوا بِعِتْقِ أُمِّهِمْ قال وإذا ضَرَبَ السَّيِّدُ على عَبْدِهِ خَرَاجًا فقال الْعَبْدُ لَا أُطِيقُهُ قِيلَ له أَجِّرْهُ مِمَّنْ شِئْت وَاجْعَلْ له نَفَقَتَهُ وَكِسْوَتَهُ وَلَا يُكَلَّفُ خَرَاجًا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وفي كِتَابِ اللَّهِ عز وجل ما يَدُلُّ على ما يُوَافِقُ بَعْضَ مَعْنَى هذا قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وإذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أولوا ( ( ( أولو ) ) ) الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ منه } الْآيَةُ فَأَمَرَ اللَّهُ عز وجل أَنْ يُرْزَقَ من الْقِسْمَةِ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ الْحَاضِرُونَ الْقِسْمَةَ ولم يَكُنْ في الْأَمْرِ في الْآيَةِ أَنْ يُرْزَقَ من الْقِسْمَةِ من مِثْلُهُمْ في الْقَرَابَةِ وَالْيُتْمِ وَالْمَسْكَنَةِ مِمَّنْ لم يَحْضُرْ وَلِهَذَا أَشْبَاهٌ وَهِيَ أَنْ تُضِيفَ من جَاءَك وَلَا تُضِيفَ من لم يَقْصِدْ قَصْدُك وَلَوْ كان مُحْتَاجًا إلَّا أَنْ تَتَطَوَّعَ وقال لي بَعْضُ أَصْحَابِنَا قِسْمَةُ الْمِيرَاثِ وقال بَعْضُهُمْ قِسْمَةُ الْمِيرَاثِ وَغَيْرِهِ من الْغَنَائِمِ فَهَذَا أَوْسَعُ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعْطَوْا ما طَابَ بِهِ نَفْسُ الْمُعْطِي وَلَا يُوَقِّتُ وَلَا يُحْرَمُونَ

(5/102)


وَإِنْ كانت أَمَةً فَكَذَلِكَ غير أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَ منها خَرَاجًا إلَّا أَنْ تَكُونَ في عَمَلٍ وَأُحِبُّ أَنْ يَمْنَعَهُ الْإِمَامُ من أَخْذِ الْخَرَاجِ من الْأَمَةِ إذَا لم تَكُنْ في عَمَلٍ وَأُحِبُّ كَذَلِكَ يَمْنَعُهُ الْخَرَاجَ من الْعَبْدِ إنْ لم يَكُنْ يُطِيقُ الْكَسْبَ صَغِيرًا كان أو كَبِيرًا
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن عَمِّهِ أبي سُهَيْلِ بن مَالِكٍ عن أبيه أَنَّهُ سمع عُثْمَانَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه يقول في خُطْبَتِهِ وَلَا تُكَلِّفُوا الصَّغِيرَ الْكَسْبَ فَإِنَّكُمْ مَتَى كَلَّفْتُمُوهُ الْكَسْبَ سَرَقَ وَلَا تُكَلِّفُوا الْأَمَةَ غير ذَاتِ الصَّنْعَةِ الْكَسْبَ فَإِنَّكُمْ مَتَى كَلَّفْتُمُوهَا الْكَسْبَ كَسَبَتْ بِفَرْجِهَا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا تُحْلَبُ أُمَّهَاتُ النَّسْلِ إلَّا فَضْلًا عَمَّا يُقِيمُ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَحْلُبُهَا وَيَتْرُكُهُنَّ يَمُتْنَ هُزَالًا قال وَلَيْسَ له أَنْ يَسْتَرْضِعَ أَمَةً فَيَمْنَعَ وَلَدَهَا إلَّا يَكُونُ فيه فَضْلٌ عن رِيِّهِ أو يَكُونُ وَلَدُهَا يَغْتَذِي بِالطَّعَامِ فَيُقِيمُ بَدَنَهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤْثِرَ وَلَدَهُ بِاللَّبَنِ إنْ اخْتَارَهُ على الطَّعَامِ قال وفي كِتَابِ الطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ نَفَقَةُ الْمُطَلَّقَةِ وَالزَّوْجَةِ وَغَيْرِ ذلك من النَّفَقَاتِ مِمَّا يَلْزَمُ - * الْحُجَّةُ على من خَالَفَنَا - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وقال بَعْضُ الناس قَوْلُنَا فِيمَنْ كان له على رَجُلٍ حَقٌّ فلم يُعْطِهِ إيَّاهُ فإن له أَنْ يَأْخُذَ منه حَقَّهُ سِرًّا وَمُكَابَرَةً إنْ غَصَبَهُ دَنَانِيرَ أو دَرَاهِمَ أو ما يُكَالُ أو يُوزَنُ فَوَجَدَ مثله أَخَذَهُ فَإِنْ لم يَجِدْ مثله لم يَكُنْ له أَنْ يَبِيعَ من عَرْضِهِ شيئا فَيَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ وَذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ السِّلْعَةِ الذي وَجَبَ عليه الْحَقُّ لم يَرْضَ بِأَنَّ يَبِيعَ مَالَهُ فَلَا يَنْبَغِي لِهَذَا أَنْ يَكُونَ أَمِينَ نَفْسِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) أَرَأَيْت لو عَارَضَك مُعَارِضٌ بِمِثْلِ حُجَّتِك فقال هو إذَا غَصَبَهُ دَرَاهِمَ فَاسْتَهْلَكَهَا فَأَمَرْته أَنْ يَأْخُذَ دَرَاهِمَ غَيْرَهَا فإنما ( ( ( وإنما ) ) ) جَعَلْت هذه الدَّرَاهِمَ بَدَلًا من تِلْكَ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ لو غَصَبَهُ سُودًا لم تَأْمُرْهُ أَنْ يَأْخُذَ وَضَحًا لِأَنَّ الْوَضَحَ أَكْثَرُ قِيمَةً من السُّودِ فَقَدْ جَعَلْت له الْبَدَلَ بِالْقِيمَةِ وَالْقِيمَةُ بَيْعٌ فَإِنْ قال هذه دَرَاهِمُ مِثْلُ الْقِيمَةِ قُلْنَا وما مِثْلُ قال لَا يَجُوزُ الْفَضْلُ في بَعْضِهَا على بَعْضِ قُلْنَا فَإِنْ كُنْت من هذا الْوَجْهِ أَجَزْته فَقُلْ له يَأْخُذُ مَكَانَ السُّودِ وَضَحًا وَهِيَ لَا يَحِلُّ الْفَضْلُ في بَعْضِهَا على بَعْضٍ قال لَا لِأَنَّهَا وَإِنْ لم يَحِلَّ الْفَضْلُ في بَعْضِهَا على بَعْضِ فَهِيَ أَكْثَرُ قِيمَةً من الدَّنَانِيرِ قُلْنَا فَحُجَّتُك لِأَنَّ الْفَضْلَ في بَعْضِهَا على بَعْضٍ لَا يَحِلُّ كانت خَطَأً لِأَنَّهُ إنَّمَا صُرَّتْ إلَى أَنْ تُعْطِيَهُ دَرَاهِمَ بِقِيمَةِ ما أَخَذَ من الدَّرَاهِمِ وَهَذَا بَيْعٌ فَكَيْفَ لم تَجُزْ أَنْ يَأْخُذَ دَنَانِيرَ بِقِيمَةِ الدَّرَاهِمِ وَإِنَّمَا إلَى الْقِيمَةِ ذَهَبَتْ وَكَيْفَ لم تُجِزْ له أَنْ يَبِيعَ من عَرْضِهِ فَيَأْخُذَ مِثْلَ دَرَاهِمِهِ وَالْعَرْضُ يَحِلُّ بِالدَّرَاهِمِ وَفِيهِ تَغَابُنٌ فما حُجَّتُك على أَحَدٍ إنْ عَارَضَك بِمِثْلِ هذا الْقَوْلِ فقال لَا يَجُوزُ له أَنْ يَأْخُذَ أبدا إلَّا ما أُخِذَ منه لِأَنَّك تَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا أَخَذَ غير ما أُخِذَ منه فَإِنَّمَا يَأْخُذُ بَدَلًا وَالْبَدَلُ بِقِيمَةٍ وَلَا يَجُوزُ له أَنْ يَكُونَ أَمِينَ نَفْسِهِ في مَالِ غَيْرِهِ وَأَنْتَ تَقُولُ في أَكْثَرِ الْعِلْمِ لَا يَكُونُ أَمِينَ نَفْسِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقال فما تَقُولُ أنت قُلْت أَقُولُ إنَّ سُنَّةَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ إجْمَاعَ أَكْثَرِ من حَفِظْت عنه من اهل الْعِلْمِ قَبْلَنَا يَدُلُّ على أَنَّ كُلَّ من كان له حَقٌّ على أَحَدٍ فمنعه ( ( ( منعه ) ) ) إيَّاهُ فَلَهُ أَخْذُهُ منه وقد يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ما أَدْخُلَ أبو سُفْيَانَ على هِنْدَ مِمَّا أَذِنَ لها رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في أَخْذِ ما يَكْفِيهَا وَوَلَدَهَا بِالْمَعْرُوفِ منه ذَهَبًا وَفِضَّةً لَا طَعَامًا وَيَحْتَمِلُ لو كان طَعَامًا أَنْ يَكُونَ أَرْفَعَ مِمَّا يُفْرَضُ لها وَبَيَّنَ أَنَّ لها أَنْ تَأْخُذَ بِالْمَعْرُوفِ مِثْلَ ما كان
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كانت لِرَجُلٍ دَابَّةٌ في الْمِصْرِ أو شَاةٌ أو بَعِيرٌ عَلَفَهُ ما يُقِيمُهُ فَإِنْ امْتَنَعَ من ذلك أَخَذَهُ السُّلْطَانُ بِعَلَفِهِ أو بِبَيْعِهِ فَإِنْ كانت بِبَادِيَةٍ فَاُتُّخِذَتْ الْغَنَمُ أو الْإِبِلُ أو الْبَقَرُ على الْمَرْعَى فَخَلَّاهَا وَالرَّعْيَ ولم يَحْبِسْهَا فَأَجْدَبَتْ الْأَرْضُ فَأَحَبُّ إلَيَّ لو عَلَفَهَا أو ذَبَحَهَا أو بَاعَهَا وَلَا يَحْبِسْهَا فَتَمُوتَ هُزَالًا إنْ لم يَكُنْ في الْأَرْضِ مُتَعَلِّقٌ وَيُجْبَرُ عِنْدِي على بَيْعِهَا أو ذَبْحِهَا أو عَلْفِهَا فَإِنْ كان في الْأَرْضِ مُتَعَلِّقٌ لم يُجْبَرْ عِنْدِي على بَيْعِهَا وَلَا ذِبْحِهَا وَلَا عَلْفِهَا لِأَنَّهَا على ما في الْأَرْضِ تُتَّخَذُ وَلَيْسَتْ كَالدَّوَابِّ التي لَا تَرْعَى وَالْأَرْضُ مُخْصِبَةٌ إلَّا رَعْيًا ضَعِيفًا وَلَا تَقُومُ لِلْجَدْبِ قِيَامَ الرَّوَاعِي

(5/103)


فَارِضًا لها لَا أَرْفَعَ وَلَا أَكْثَرَ منه وَيَحْتَمِلُ لو كان مِثْلَ ما يُفْرَضُ لها ليس أَكْثَرَ منه أَنْ تَكُونَ إنَّمَا أَخَذَتْهُ بَدَلًا مِمَّا يَفْرِضُ لها مثله لِأَنَّهُ قد كان لِأَبِي سُفْيَانَ حَبْسُ ذلك الطَّعَامِ عنها وَإِعْطَاؤُهَا غَيْرَهُ لِأَنَّ حَقَّهَا ليس في طَعَامٍ بِعَيْنِهِ إنَّمَا هو طَعَامٌ نِصْفُهُ كَطَعَامِ الناس وَأُدُمٌ كَأُدُمِ الناس لَا في أَرْفَعِ الطَّعَامِ بِعَيْنِهِ وَلَا الأدم وَلَا في شَرِّهِمَا وَهِيَ إذَا أَخَذَتْ من هذا فَإِنَّمَا تَأْخُذُ بَدْلًا مِمَّا يَجِبُ لها وَلِوَلَدِهَا وَالْبَدَلُ هو الْقِيمَةُ وَالْقِيمَةُ تَقُومُ مَقَامَ الْبَيْعِ وَهِيَ إذَا أَخَذَتْ لِنَفْسِهَا وَوَلَدِهَا فَقَدْ جَعَلَهَا أَمِينَ نَفْسِهَا وَوَلَدِهَا وَأَبَاحَ لها أَخْذَ حَقِّهَا وَحَقِّهِمْ سِرًّا من أبي سُفْيَانَ وهو مَالِكُ الْمَالِ (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقُلْت له أَمَّا في هذا ما دَلَّكَ على أَنْ لِلْمَرْءِ أَنْ يَأْخُذَ لِنَفْسِهِ مِثْلَ ما كان على الذي عليه الْحَقُّ أَنْ يُعْطِيَهُ وَمِثْلَ ما كان على السُّلْطَانِ إذَا ثَبَتَ الْحَقُّ عِنْدَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِهِ قال وَأَيْنَ قُلْت له أَرَأَيْتَ السُّلْطَانَ لو لم يَجِدْ لِلْمُغْتَصَبِ سِلْعَتَهُ بِعَيْنِهَا أَلَيْسَ يَقْضِي على الْغَاصِبِ بِأَنْ يُعْطِيَهُ قِيمَتَهَا قال بَلَى قُلْت وإن لم يُعْطِهِ سِلْعَتَهُ بِعَيْنِهَا بَاعَ السُّلْطَانُ عليه في مَالِهِ حتى يُعْطِيَ الْمَغْصُوبَ قِيمَةَ سِلْعَتِهِ قال بَلَى فَقِيلَ له إذَا كانت السُّنَّةُ تُبِيحُ لِمَنْ له الْحَقُّ أَنْ يَأْخُذَ حَقَّهُ دُونَ السُّلْطَانِ كما كان لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَأْخُذَهُ لو ثَبَتَ عِنْدَهُ فَكَيْفَ لَا يَكُونُ لِلْمَرْءِ إذَا لم يَجِدْ حَقَّهُ أَنْ يَبِيعَ في مَالِ من له عليه الْحَقُّ حتى يَأْخُذَ حَقَّهُ قال لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَبِيعَ وَلَيْسَ لِهَذَا أَنْ يَبِيعَ قُلْنَا وَمَنْ قال ليس له أَنْ يَبِيعَ أَرَأَيْت إذَا قِيلَ لَك وَلَا له أَنْ يَأْخُذَ مَالَ غَيْرِهِ إلَّا بِإِذْنِ السُّلْطَانِ ما حُجَّتُك أو رَأَيْت السُّلْطَانَ لو بَاعَ لِرَجُلٍ في مَالِ رَجُلٍ وَالرَّجُلُ يَعْلَمُ أَنْ لَا حَقَّ له على الْمَبِيعِ عليه أَيَحِلُّ له أَنْ يَأْخُذَ ما بَاعَ له السُّلْطَانُ قال لَا قُلْنَا فَنَرَاك إنَّمَا تَجْعَلُ أَنْ يَأْخُذَ بِعِلْمِهِ لَا بِالسُّلْطَانِ وما لِلسُّلْطَانِ في هذا مَعْنًى أَكْثَرُ من أَنْ يَكُونَ كَالْمُفْتِي يُخْبِرُ بِالْحَقِّ لِبَعْضِ الناس على بَعْضِ وَيُجْبِرُ من امْتَنَعَ من الْحَقِّ على تَأْدِيَتِهِ وما يُحِلُّ السُّلْطَانُ شيئا وَلَا يُحَرِّمُهُ ما الْحَلَالُ وما الْحَرَامُ إلَّا على ما يَعْلَمُ الناس فِيمَا بَيْنَهُمْ قال أَجَلْ قُلْنَا فَلِمَ جَمَعْت بين الرَّجُلِ يَكُونُ له الْحَقُّ فَيَأْخُذُ حَقَّهُ دُونَ السُّلْطَانِ وَيُكْرِهُ الذي عليه الْحَقُّ وَجَعَلْته أَمِينَ نَفْسِهِ فيه وَفَرَّقْت بَيْنَهُ وَبَيْنَ السُّلْطَانِ في الْبَيْعِ من مَالِ الذي عليه الْحَقُّ أَقُلْت هذا خَبْرًا أَمْ قِيَاسًا قال قال أَصْحَابُنَا يَقْبُحُ أَنْ يَبِيعَ مَالَ غَيْرِهِ قُلْت ليس في هذا شَيْءٌ لو قَبُحَ إلَّا وقد شَرِكْت فيه بِأَنَّك تَجْعَلُهُ يَأْخُذُ مِثْلَ عَيْنِ مَالِهِ وَذَلِكَ قِيمَتُهُ وَالْقِيمَةُ بَيْعٌ وَتُخَالِفُ مَعْنَى السُّنَّةِ في هذا الْمَوْضِعِ وَتُجَامِعُهَا في مَوْضِعٍ غَيْرِهِ قال هَكَذَا قال أَصْحَابُنَا قُلْت فَتَرْضَى من غَيْرِك بِمِثْلِ هذا فيقول لَك من خَالَفَك هَكَذَا قال أَصْحَابُنَا قال ليس له في هذا حُجَّةٌ قُلْنَا وَلَا لَك أَيْضًا فيه حُجَّةٌ فقال إنَّهُ يُقَالُ إنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى من ائْتَمَنَك وَلَا تَخُنْ من خَانَك فما مَعْنَى هذا قُلْنَا ليس هذا بِثَابِتٍ عِنْدَ أَهْلِ الحديث مِنْكُمْ وَلَوْ كان ثَابِتًا لم يَكُنْ فيه حُجَّةٌ عَلَيْنَا وَلَوْ كانت كانت عَلَيْك مَعَنَا قال وَكَيْفَ قُلْت قال اللَّهُ عز وجل { إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا } فَتَأْدِيَةُ الْأَمَانَةِ فَرْضٌ وَالْخِيَانَةُ مُحَرَّمَةٌ وَلَيْسَ من أَخَذَ حَقَّهُ بِخَائِنٍ قال أَفَلَا تَرَاهُ إذَا غُصِبَ دَنَانِيرَ فَبَاعَ ثِيَابًا بِدَنَانِيرَ فَقَدْ خَانَ لِأَنَّ الثِّيَابَ غَيْرُ الدَّنَانِيرِ قُلْت إنَّ الْحُقُوقَ تُؤْخَذُ بِوُجُوهٍ منها أَنْ يُوجَدَ الشَّيْءُ الْمَغْصُوبُ بِعَيْنِهِ فَيُؤْخَذَ فَإِنْ لم يَكُنْ فَمِثْلُهُ فَإِنْ لم يَكُنْ بِيعَ على الْغَاصِبِ فَأُخِذَ منه مِثْلُ ما غَصَبَ بِقِيمَتِهِ وَلَوْ كان إذَا خَانَ دَنَانِيرَ فَبِيعَتْ عليه جَارِيَةٌ بِدَنَانِيرَ فَدُفِعَتْ إلَى الْمَغْصُوبِ كان ذلك خِيَانَةً لم يَحِلَّ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَجُوزَ وَلَا يُكَاثَرَ على ما يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ له وكان على السُّلْطَانِ إنْ وَجَدَ له دَنَانِيرَهُ بِعَيْنِهَا أَعْطَاهُ إيَّاهَا وَإِلَّا لم يُعْطِهِ دَنَانِيرَ غَيْرَهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِاَلَّذِي غَصَبَ وَلَا يَبِيعُ له جَارِيَةً فَيُعْطِيه قِيمَتَهَا وَصَاحِبُ الْجَارِيَةِ لَا يَرْضَى قال أفرايت لو كان ثَابِتًا ما مَعْنَاهُ قُلْنَا إذَا دَلَّتْ السُّنَّةُ وَاجْتِمَاعُ كَثِيرٍ من أَهْلِ الْعِلْمِ على أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ حَقَّهُ لِنَفْسِهِ سِرًّا من الذي هو عليه فَقَدْ دَلَّ ذلك أَنْ ليس بِخِيَانَةٍ الْخِيَانَةُ أَخْذُ ما لَا يَحِلُّ أَخْذُهُ فَلَوْ خَانَنِي دِرْهَمًا قُلْت قد اسْتَحَلَّ خِيَانَتِي لم يَكُنْ لي أَنْ آخُذَ منه عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مُكَافَأَةً بِخِيَانَتِهِ لي وكان لي أَنْ آخُذَ دِرْهَمًا وَلَا أَكُونُ بهذا خَائِنًا وَلَا ظَالِمًا كما كُنْت خَائِنًا ظَالِمًا بِأَخْذِ تِسْعَةٍ مع دِرْهَمٍ لِأَنَّهُ لم يَخُنْهَ

(5/104)


(1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَخَالَفَنَا أَيْضًا في النَّفَقَةِ فقال إذَا مَاتَ الْأَبُ أَنْفَقَ على الصَّغِيرِ كُلُّ ذِي رَحِمٍ يَحْرُمُ عليه نِكَاحُهُ من رَجُلٍ أو امْرَأَةٍ قُلْت له فما حُجَّتُك في هذا قال قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلِينَ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ له رِزْقُهُنَّ } إلَى قَوْلِهِ { وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذلك } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) قُلْت له أَكَانَ على الْوَارِثِ مِثْلُ ذلك عِنْدَك على جَمِيعِ ما فَرَضَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى على الْأَبِ وَالْوَارِثُ يَقُومُ في ذلك مَقَامَ الْأَبِ قال نعم فَقُلْت أَوَجَدْت الْأَبَ يُنْفِقُ وَيَسْتَرْضِعُ الْمَوْلُودَ وَأُمُّهُ وَارِثٌ لَا شَيْءَ عليها من ذلك قال نعم قُلْت أَفَيَكُونُ وَارِثُ غَيْرِ أُمِّهِ يَقُومُ مَقَامَ أبيه فَيُنْفِقُ على أُمِّهِ إذَا أَرْضَعَتْهُ وَعَلَى الصَّبِيِّ قال لَا وَلَكِنَّ الْأُمَّ تُنْفِقُ عليه مع الْوَارِثِ قُلْنَا فَأَوَّلُ ما تَأَوَّلْت تَرَكْت قال فإني أَقُولُ على الْوَارِثِ مِثْلُ ذلك بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ هِيَ في الْآيَةِ ذلك بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ قال لَا يَكُونُ له وَارِثٌ وَأَبُوهُ حَيٌّ قُلْنَا بَلَى أُمُّهُ وقد يَكُونُ زَمِنًا مَوْلُودًا فَيَرِثُهُ وَلَدُهُ لو مَاتَ وَيَكُونُ على أبيه عِنْدَك نَفَقَتُهُ فَقَدْ خَرَجْت مِمَّا تَأَوَّلْت + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَقُلْت لِبَعْضِ من يقول هذا الْقَوْلَ أَرَأَيْت يَتِيمًا له أَخٌ فَقِيرٌ وَجَدَ أبو أُمٍّ غَنِيٍّ على من نَفَقَتُهُ قال على جَدِّهِ قُلْنَا وَلِمَنْ مِيرَاثُهُ قال لِأَخِيهِ قُلْنَا أَرَأَيْت يَتِيمًا له خَالٌ وبن عَمٍّ غَنِيَّانِ لو مَاتَ الْيَتِيمُ لِمَنْ مِيرَاثُهُ قال لِابْنِ عَمِّهِ فَقُلْت فَقَبْلَ أَنْ يَمُوتَ على من نَفَقَتُهُ قال على خَالِهِ فَقُلْت لِبَعْضِهِمْ أَرَأَيْت يَتِيمًا له أَخٌ لِأَبِيهِ وَأُمُّهُ وهو فَقِيرٌ وَلَهُ بن أَخٍ غَنِيٍّ لِمَنْ مِيرَاثُهُ قال لِلْأَخِ فَقُلْت فَعَلَى من نَفَقَتُهُ قال على بن أَخِيهِ قُلْت فَقَدْ جَعَلْت النَّفَقَةَ على غَيْرِ وَارِثٍ وَكُلُّ ما لَزِمَ أَحَدًا لم يَتَحَوَّلْ عنه لِفَقْرٍ وَلَا غَيْرِهِ فَإِنْ كانت الْآيَةُ على ما وَصَفْت فَقَدْ خَالَفْتهَا فَأَبْرَأْت الْوَارِثَ من النَّفَقَةِ وَجَعَلَتْهَا على غَيْرِ الْوَارِثِ قال إنَّمَا جَعَلْتهَا على ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ إنْ كان وَارِثًا قُلْنَا وقد تَجْعَلُهَا على الْخَالِ وهو غَيْرُ وَارِثٍ فَتُخَالِفُ الْآيَةَ فيه خِلَافًا بَيِّنًا أو تَجِدُ في الْآيَةِ أَنَّهُ إنَّمَا عَنَى بها الرَّحِمَ الْمَحْرَمَ أو تَجِدُ أَحَدًا من السَّلَفِ فَسَّرَهَا كَذَلِكَ قال هِيَ هَكَذَا عِنْدَنَا قُلْت أَفَرَأَيْت إنْ عَارَضَك أَحَدٌ بِمِثْلِ حُجَّتِك فقال إذَا جَازَ أَنْ تَجْعَلَهَا على بَعْضِ الْوَارِثِينَ دُونَ بَعْضٍ قُلْت أجيزه ( ( ( أجبره ) ) ) على نَفَقَةِ ذِي الرَّحِمِ غَيْرِ الْمَحْرَمِ لَأَنْ أُجْبِرَهُ على نَفَقَةِ الْجَارِيَةِ وهو يَحِلُّ له نِكَاحُهَا فَيَكُونَ يَوْمًا فيها له مَنْفَعَةٌ وَسُرُورٌ وَعَلَى نَفَقَةِ الْغُلَامِ وهو يَحِلُّ له أَنْ يَنْكِحَ إلَيْهِ أو يَنْكِحَ الْمَرْأَةَ التي يُنْفِقُ عليها فَيَكُونَ له في ذلك مَنْفَعَةٌ وَسُرُورٌ أَجْوَزُ من أَنْ أُجْبِرَهُ على نَفَقَةِ من يَحْرُمُ عليه نِكَاحُهُ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَمْتِعُ أَحَدُهُمَا بِالْآخِرِ بِمَا يَسْتَمْتِعُ بِهِ الرِّجَالُ من النِّسَاءِ وَالنِّسَاءُ من الرِّجَالِ ما حُجَّتُك عليه ما أَعْلَمُ أَحَدًا لو قال هذا إلَّا أَحْسَنَ قَوْلًا مِنْك قال لِأَنَّ الذي يَحْرُمُ نِكَاحُهُ أَقْرَبُ قُلْنَا قد يَحْرُمُ نِكَاحُ من لَا قَرَابَةَ له قال وَأَيْنَ قُلْنَا أُمُّ امْرَأَتِك وَامْرَأَةُ أَبِيك وَامْرَأَةٌ تَلَاعُنُهَا وَامْرَأَتُك تَبُتُّ طَلَاقَهَا وَكُلُّ من بَيْنَك وَبَيْنَهُ رَضَاعٌ قال ليس هَؤُلَاءِ وَارِثًا قُلْنَا أو ليس قد فُرِضَتْ النَّفَقَةُ على غَيْرِ الْوَارِثِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَإِنَّا قد رَوَيْنَا من حَدِيثِكُمْ أَنْ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَجْبَرَ عَصَبَةَ غُلَامٍ على رَضَاعِهِ الرِّجَالَ دُونَ النِّسَاءِ قُلْنَا أَفَتَأْخُذُ بهذا قال نعم قُلْت أَفَتَخُصُّ الْعَصَبَةَ وَهُمْ الْأَعْمَامُ وبنوا ( ( ( وبنو ) ) ) الْأَعْمَامِ وَالْقَرَابَةُ من قِبَلِ الْأَبِ قال لَا إلَّا أَنْ يَكُونُوا ذَوِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ قُلْنَا فَالْحُجَّةُ عَلَيْك في هذا كَالْحُجَّةِ عَلَيْك فِيمَا احْتَجَجْت بِهِ من الْقُرْآنِ وقد خَالَفْت هذا قد يَكُونُ له بَنُو عَمٍّ فَيَكُونُونَ له عَصَبَةً وَوَرَثَةً وَلَا تُجْعَلُ عليهم النَّفَقَةُ وَهُمْ الْعَصَبَةُ الْوَرَثَةُ وَإِنْ لم تَجِدْ له ذَا رَحِمٍ تَرَكْته ضَائِعًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فقال لي قَائِلٌ قد خَالَفْتُمْ هذا أَيْضًا قُلْنَا أَمَّا الْأَثَرُ عن عُمَرَ فَنَحْنُ أَعْلَمُ بِهِ مِنْك ليس تَعْرِفُهُ وَلَوْ كان ثَابِتًا لم يُخَالِفْهُ بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما فَكَانَ يقول { وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذلك } على الْوَارِثِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا تَعْدُو الْخِيَانَةُ الْمُحَرَّمَةُ أَنْ تَكُونَ كما وَصَفْنَا من أَنْ يَأْخُذَ من مَالِ الرَّجُلِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَهِيَ كَذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالسُّنَّةُ دَلِيلٌ عليها أو تَكُونَ لو كان له حَقٌّ لم يَكُنْ له أَنْ يَأْخُذَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَهَذَا خِلَافُ السُّنَّةِ فَإِنْ كان هذا هَكَذَا فَقَدْ أَمَرُوا رَجُلًا أَنْ يَأْخُذَ حَقَّهُ وَالْبَدَلَ من حَقِّهِ بِغَيْرِ أَمْرِ من أَخَذَ منه سِرًّا وَمُكَابَرَةً

(5/105)


أَنْ لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وبن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنهما أَعْلَمُ بِمَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ عز وجل مِنَّا وَالْآيَةُ مُحْتَمَلَةٌ على ما قال بن عَبَّاسٍ وَذَلِكَ إن في فَرْضِهَا على الْوَارِثِ وَالْأُمُّ حَيَّةٌ دَلَالَةً على أَنَّ النَّفَقَةَ لَيْسَتْ على الْمِيرَاثِ لِأَنَّهَا لو كانت على الْمِيرَاثِ كان على الْأَبِ ثُلُثَاهَا وَسَقَطَ عنه ثُلُثُهَا لِأَنَّهُ حَظُّ الْأُمِّ وَلَوْ اُسْتُرْضِعَ الْمَوْلُودُ غير الْأُمِّ كان على الْأَبِ ثُلُثَا الرَّضَاعِ وَعَلَى الْأُمِّ ثُلُثَهُ وَإِنْ كانت الْأُمُّ خَرَجَتْ من هذا الْمَعْنَى أو جُعِلَتْ فيه كَالْمُسْتَأْجَرَةِ غَيْرَهَا فَكَانَ يَنْبَغِي لو مَاتَ الْأَبُ أَنْ يَقُومَ الْوَارِثُ مَقَامَ الْأَبِ فَيُنْفِقَ على الْأُمِّ إذَا أَرْضَعَتْهُ فَلَا يَكُونُ على الْأُمِّ من رَضَاعِهِ شَيْءٌ لو اسْتَرْضَعَتْهُ أُخْرَى وقد فَرَضَ اللَّهُ عز وجل نَفَقَةَ الْمُطَلَّقَاتِ ذَوَاتِ الْأَحْمَالِ وَجَاءَتْ السُّنَّةُ من ذلك بِنَفَقَةٍ وَغَرَامَاتٍ تَلْزَمُ الناس ليس فيها أَنْ يَلْزَمَ الْوَارِثَ نَفَقَةُ الصَّبِيِّ وَكُلُّ امْرِئٍ مَالِكٌ لِمَالِهِ وَإِنَّمَا لَزِمَهُ فيه ما لَزِمَهُ في كِتَابٍ أو سُنَّةٍ أو أَثَرٍ أو أَمْرٍ مُجْمَعٍ عليه فَأَمَّا أَنْ نُلْزِمَهُ في مَالِهِ ما ليس في وَاحِدٍ من هذا فَلَا يَجُوزُ لنا فَإِنْ كان التَّأْوِيلُ كما وَصَفْنَا فَنَحْنُ لم نُخَالِفْ منه حَرْفًا وَإِنْ كان كما وَصَفْت فَقَدْ خَالَفْته خِلَافًا بَيِّنًا - * جِمَاعُ ( 1 ) عِشْرَةِ النِّسَاءِ - * أخبرنا أبو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بن حَبِيبِ بن عبد الْمَلِكِ بِدِمَشْقَ بِقِرَاءَتِي عليه قال أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَعَالَى { فَانْكِحُوا ما طَابَ لَكُمْ من النِّسَاءِ } إلَى { تَعُولُوا } وَقَوْلُ اللَّهِ { ذلك أَدْنَى ألا تَعُولُوا } يَدُلُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ على الرَّجُلِ نَفَقَةَ امْرَأَتِهِ وَقَوْلُهُ { ألا تَعُولُوا } أَنْ لَا يَكْثُرَ من تَعُولُونَ إذَا اقْتَصَرَ الْمَرْءُ على وَاحِدَةٍ وَإِنْ أَبَاحَ له أَكْثَرَ منها وقال اللَّهُ عز وجل { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ }
أخبرنا سُفْيَانُ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ أَتَتْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقالت يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ لي منه إلَّا ما يُدْخِلُ عَلَيَّ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم خذي ( ( ( خذ ) ) ) ما يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ
أخبرنا سُفْيَانُ عن مُحَمَّدِ بن عَجْلَانَ عن سَعِيدِ بن ابي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عن أبي هُرَيْرَةَ قال جاء رَجُلٌ إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال يا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي دِينَارٌ قال أَنْفِقْهُ على نَفْسِك قال عِنْدِي آخَرُ قال أَنْفِقْهُ على وَلَدِك قال عِنْدِي آخَرُ قال أَنْفِقْهُ على أَهْلِك قال عِنْدِي آخَرُ قال أَنْفِقْهُ على خَادِمِك قال عِنْدِي آخَرُ قال
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { قد عَلِمْنَا ما فَرَضْنَا عليهم في أَزْوَاجِهِمْ وما مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } وقال اللَّهُ تَعَالَى { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } الْآيَةُ وقال عز وجل { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أو تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } وقال عز وجل { وإذا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسَكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } وقال جَلَّ وَعَلَا { وَلَهُنَّ مِثْلُ الذي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } فَجَعَلَ اللَّهُ لِلزَّوْجِ على الْمَرْأَةِ وَلِلْمَرْأَةِ على الزَّوْجِ حُقُوقًا بَيَّنَهَا في كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مُفَسَّرَةً وَمُجْمَلَةً فَفَهِمَهَا الْعَرَبُ الَّذِينَ خُوطِبُوا بِلِسَانِهِمْ على ما يَعْرِفُونَ من مَعَانِي كَلَامِهِمْ وقد وَضَعْنَا بَعْضَ ما حَضَرَنَا منها في مَوَاضِعِهِ وَاَللَّهَ نَسْأَلُ الرُّشْدَ وَالتَّوْفِيقَ وَأَقَلُّ ما يَجِبُ في أَمْرِهِ بِالْعِشْرَةِ بِالْمَعْرُوفِ أَنْ يُؤَدِّيَ الزَّوْجُ إلَى زَوْجَتِهِ ما فَرَضَ اللَّهُ لها عليه من نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَتَرْكِ مَيْلٍ ظَاهِرٍ فإنه يقول جَلَّ وَعَزَّ { فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ } وَجِمَاعُ الْمَعْرُوفِ إتْيَانُ ذلك بِمَا يَحْسُنُ لَك ثَوَابُهُ وَكَفُّ الْمَكْرُوهِ - * النَّفَقَةُ على النِّسَاءِ - *

(5/106)


أنت أَعْلَمُ قال سَعِيدُ ثُمَّ يقول أبو هُرَيْرَةَ إذَا حَدَّثَ بهذا الحديث يقول وَلَدُك أَنْفِقْ على إلي من تَكِلُنِي وَتَقُولُ زَوْجَتُك أَنْفِقْ عَلَيَّ أو طَلِّقْنِي وَيَقُولُ خَادِمُك أَنْفِقْ عَلَيَّ أو بِعْنِي (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فقال بَعْضُ الناس ليس على الرَّجُلِ نَفَقَةُ امْرَأَتِهِ حتى يَدْخُلَ بها وإذا غَابَ عنها وَجَبَ على السُّلْطَانِ إنْ طَلَبَتْ نَفَقَتَهَا أَنْ يُعْطِيَهَا من مَالِهِ وَإِنْ لم يَجِدْ له مَالًا فَرَضَ عليه لها نَفَقَةً وَكَانَتْ دَيْنًا عليه وَإِنْ لم تَطْلُبْ ذلك حتى يَمْضِيَ لها زَمَانٌ ثُمَّ طَلَبَتْهُ فَرَضَ لها من يَوْمِ طَلَبَتْهُ ولم يَجْعَلْ لها نَفَقَةً في الْمُدَّةِ التي لم تَطْلُبْ فيها النَّفَقَةَ وَإِنْ عَجَزَ عن نَفَقَتِهَا لم يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا وَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا إذَا طَلَّقَهَا مَلَكَ رَجْعَتَهَا أو لم يَمْلِكْهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقال لي كَيْفَ قُلْت في الرَّجُلِ يَعْجِزُ عن نَفَقَةِ امْرَأَتِهِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا قُلْت لَمَّا كان من فَرْضِ اللَّهِ على الزَّوْجِ نَفَقَةُ الْمَرْأَةِ وَمَضَتْ بِذَلِكَ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْآثَارِ وَالِاسْتِدْلَالُ بِالسُّنَّةِ لم يَكُنْ له وَاَللَّهُ اعلم حَبْسُهَا على نَفْسِهِ يَسْتَمْتِعُ بها وَمَنْعُهَا عن غَيْرِهِ تَسْتَغْنِي بِهِ وهو مَانِعٌ لها فَرْضًا عليه عَاجِزًا عن تَأْدِيَتِهِ وكان حَبْسُ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ يَأْتِي على نَفْسِهَا فَتَمُوتُ جُوعًا وَعَطَشًا وَعُرْيًا قال فَأَيْنَ الدَّلَالَةُ على التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا قُلْت قال أبو هُرَيْرَةَ إنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ الزَّوْجَ بِالنَّفَقَةِ على أَهْلِهِ وقال أبو هُرَيْرَةَ تَقُولُ امْرَأَتُك أَنْفِقْ عَلَيَّ أو طَلِّقْنِي وَيَقُولُ خَادِمُك أَنْفِقْ عَلَيَّ أو بِعْنِي + ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال فَهَذَا بَيَانٌ أَنَّ عليه طَلَاقَهَا قُلْت أَمَّا بِنَصٍّ فَلَا وَأَمَّا بِالِاسْتِدْلَالِ فَهُوَ يُشْبِهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقُلْت له فما تَقُولُ في خَادِمٍ له لَا عَمَلَ فيها بِزَمَانَةٍ عَجَزَ عن نَفَقَتِهَا قال نَبِيعُهَا عليه قُلْت فإذا صَنَعْت هذا في مِلْكِهِ كَيْفَ لَا تَصْنَعُهُ في امْرَأَتِهِ التي لَيْسَتْ بِمِلْكٍ له قال فَهَلْ من شَيْءٍ أَبْيَنَ من هذا قُلْت أخبرنا سُفْيَانُ عن أبي الزِّنَادِ قال سَأَلْت سَعِيدَ بن الْمُسَيِّبِ عن الرَّجُلِ لَا يَجِدُ ما يُنْفِقُ على امْرَأَتِهِ قال يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا قال أبو الزِّنَادِ قُلْت سَنَةً قال سَعِيدٌ سَنَةً وَاَلَّذِي يُشْبِهُ قَوْلَ سَعِيدٍ سَنَةً أَنْ يَكُونَ سَنَةً رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عُمَرَ عن نَافِعٍ عن بن عمر أن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه كَتَبَ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ في رِجَالٍ غَابُوا عن نِسَائِهِمْ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوهُمْ بِأَنْ يُنْفِقُوا أو يُطَلِّقُوا فَإِنْ طَلَّقُوا بَعَثُوا بِنَفَقَةِ ما حَبَسُوا فقال أَرَأَيْت إنْ لم يَكُنْ في الْكِتَابِ وَلَا في حديث رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مَنْصُوصًا التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا هل بَيْنَهُ وَبَيْنَ ما مَنَعَهَا من حُقُوقِهَا التي لَا تُفَرِّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ إذَا مَنَعَهَا فُرِّقَ مِثْلُ نُشُوزِ الرَّجُلِ وَمِثْلُ تَرْكِهِ الْقَسْمَ لها من غَيْرِ إيلَاءٍ فَقُلْت له نعم ليس في فَقْدِ الْجِمَاعِ أَكْثَرُ من
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَبِهَذَا نَأْخُذُ قُلْنَا على الزَّوْجِ نَفَقَةُ امْرَأَتِهِ وَوَلَدِهِ الصِّغَارِ بِالْمَعْرُوفِ وَالْمَعْرُوفُ نَفَقَةُ مِثْلِهَا بِبَلَدِهَا الذي هِيَ فيه بُرًّا كان أو شَعِيرًا أو ذُرَةً لَا يُكَلَّفُ غير الطَّعَامِ الْعَامِّ بِبَلَدِهِ الذي يَقْتَاتُهُ مِثْلُهَا وَمِنْ الْكِسْوَةِ وَالْأُدُمِ بِقَدْرِ ذلك لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { قد عَلِمْنَا ما فَرَضْنَا عليهم في أَزْوَاجِهِمْ } فلما فَرَضَ عليهم نَفَقَةَ أَزْوَاجِهِمْ كانت الدَّلَالَةُ كما وُصِفَتْ في الْقُرْآنِ وَأَبَانَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ذلك فَإِنْ فَرَضَ اللَّهُ عليهم نَفَقَةَ أَزْوَاجِهِمْ فَعَجَزُوا عنها لم يُجْبَرْنَ على الْمُقَامِ مَعَهُمْ مع الْعَجْزِ عَمَّا لَا غِنَى بِهِنَّ عنه من النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ قال وَبِالِاسْتِدْلَالِ قُلْنَا إذَا عَجَزَ الرَّجُلُ عن نَفَقَةِ امْرَأَتِهِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَقُلْنَا يَجِبُ على الرَّجُلِ نَفَقَةُ امْرَأَتِهِ إذَا مَلَكَ عُقْدَةَ نِكَاحِهَا وَخَلَّتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدُّخُولِ عليها فَأَخَّرَ ذلك هو وَنَفَقَتُهَا مُطَلَّقَةً طَلَاقًا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ حتى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وَإِنْ كان مِثْلُهَا لَا يَخْدُمُ نَفْسَهَا وَجَبَتْ عليه نَفَقَةُ خَادِمٍ لها وإذا دخل بها فَغَابَ عنها قَضَى لها بِنَفَقَتِهَا في مَالِهِ فَإِنْ لم تَرْفَعْ ذلك إلَى السُّلْطَانِ حتى يَقْدَمَ وَتَصَادَقَا على إن ( ( ( أنه ) ) ) لم يُنْفِقْ عليها في غَيْبَتِهِ حَكَمَ السُّلْطَانُ عليه بِنَفَقَتِهَا في الشُّهُورِ التي مَضَتْ وَكَذَلِكَ إنْ كانت زَوْجَتُهُ حُرَّةً ذِمِّيَّةً وَإِنْ كانت عليه دُيُونٌ ضَرَبَتْ زَوْجَتُهُ مع الْغُرَمَاءِ بِالنَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ الْمُدَّةَ التي حَبَسَهَا لِأَنَّهُ حَقٌّ لها - * الْخِلَافُ في نَفَقَةِ الْمَرْأَةِ - *

(5/107)


فَقْدِ لَذَّةٍ وَوِلْدَةٍ وَذَلِكَ لَا يُتْلِفُ نَفْسَهَا وَتَرْكُ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ يَأْتِيَانِ على إتْلَافِ نَفْسِهَا وقد وَجَدْت اللَّهَ عز وجل أَبَاحَ في الضَّرُورَةِ من الْمَأْكُولِ ما حَرَّمَ من الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَغَيْرِهِمَا مَنْعًا لِلنَّفْسِ من التَّلَفِ وَوَضَعَ الْكُفْرَ عن الْمُسْتَكْرَهِ لِلضَّرُورَةِ التي تَدْفَعُ عن نَفْسِهِ وَلَا أَجِدُهُ أَبَاحَ لِلْمَرْأَةِ وَلَا لِلرَّجُلِ في الشَّهْوَةِ لِلْجِمَاعِ شيئا مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا عَجَزَ عن إصَابَةِ امْرَأَتِهِ وَإِنْ كان يُصِيبُ غَيْرَهَا أُجِّلَ سَنَةً ثُمَّ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا إنْ شَاءَتْ قال هذا رِوَايَةٌ عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه قُلْت فَإِنْ كانت الْحُجَّةُ فيه الرِّوَايَةَ عن عُمَرَ فإن قَضَاءَ عُمَرَ بِأَنْ يُفَرَّقَ بين الزَّوْجِ وَامْرَأَتِهِ إذَا لم يُنْفِقْ عليها أَثْبَتُ عنه فَكَيْفَ رَدَدْت إحْدَى قَضَايَا عُمَرَ في التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا ولم يُخَالِفْهُ فيه أَحَدٌ عَلِمْتُهُ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَقَبِلْت قَضَاءَهُ في الْعِنِّينِ وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه يُخَالِفُهُ فقال قَبِلْته لِأَنَّ الْجِمَاعَ من حُقُوقِ الْعُقْدَةِ قُلْت له أَفَكَمَا يُجَامِعُ الناس أو جِمَاعُ مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ قال كما يُجَامِعُ الناس قُلْت فَأَنْتَ إذَا جَامَعَ مَرَّةً وَاحِدَةً لم تُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا قال من أَجْلِ أَنَّهُ ليس بِعِنِّينٍ قُلْت فَكَيْفَ يُجَامِعُ غَيْرَهَا وَلَا يَكُونُ عِنِّينًا وَتُؤَجِّلُهُ سَنَةً قال إنَّ أَدَاءَ الْحَقِّ إلَى غَيْرِهَا غَيْرُ مُخْرِجٍ له من حَقِّهَا قُلْت فإذا كُنْت تُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ حَقًّا عليه جِمَاعُهَا وَرَضِيت منه في عُمُرِهِ أَنْ يُجَامِعَ مَرَّةً وَاحِدَةً فَحَقُّهَا عليه في كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْآثَارِ في نَفَقَتِهَا وَاجِبٌ قال نعم قُلْت فَلِمَ أَقْرَرْتهَا معه بِفَقْدِ حَقَّيْنِ في النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَفَقْدُهُمَا يَأْتِي على إتْلَافِهَا لِأَنَّ الْجُوعَ وَالْعَطَشَ في أَيَّامٍ يَسِيرَةٍ يَقْتُلَانِهَا وَالْعُرْيَ يَقْتُلُهَا في الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَأَنْتَ تَقُولُ لو أَنْفَقَ عليها دَهْرَهُ ثُمَّ تَرَكَ يَوْمًا أَخَذَتْهُ بِنَفَقَتِهَا لِأَنَّهُ يَجِبُ لها في كل يَوْمٍ نَفَقَةٌ وَفَرَّقْت بَيْنَهُمَا بِفَقْدِ الْجِمَاعِ الذي تُخْرِجُهُ منه في عُمُرِهَا بِجِمَاعِ مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فَقَدْ فَرَّقْت بَيْنَهُمَا بِأَصْغَرِ الضَّرَرَيْنِ وَأَقْرَرْتهَا معه على أَعْظَمِ الضَّرَرَيْنِ ثُمَّ زَعَمْت أنها مَتَى طَلَبَتْ نَفَقَتَهَا من مَالِهِ غَائِبًا كان أو حَاضِرًا فَرَضْتهَا عليه وَجَعَلْتهَا دَيْنًا في ذِمَّتِهِ كَحُقُوقِ الناس وَإِنْ كَفَّتْ عن طَلَبِ نَفَقَتِهَا أو هَرَبَ فلم تَجِدْهُ وَلَا مَالَ له ثُمَّ جاء لم تَأْخُذْهُ بِنَفَقَتِهَا فِيمَا مَضَى هل رَأَيْت مَالًا قَطُّ يَلْزَمُ الْوَالِيَ أَخْذُهُ لِصَاحِبِهِ حَاضِرًا أو غَائِبًا فَيَتْرُكُ من هو له طَلَبُهُ أو يَطْلُبُهُ فَيَهْرُبُ صَاحِبُهُ فَيَبْطُلُ عنه ( قال ) فَيَفْحُشُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَحَلَّ لِرَجُلٍ فَرْجًا فَأُحَرِّمُهُ عليه بِلَا إحْدَاثِ طَلَاقٍ منه قُلْت له أَفَرَأَيْت أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ يَرْتَدُّ أَهُوَ قَوْلُ الزَّوْجِ أَنْتِ طَالِقٍ فَأَنْتَ تُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا أَرَأَيْت الْأَمَةَ تَعْتِقُ أَهُوَ قَوْلُ الزَّوْجِ أَنْتِ طَالِقٌ فَأَنْتَ تُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا إنْ شَاءَتْ الْأَمَةُ أو رَأَيْت الْمَوْلَى أَهُوَ طَلَّقَ أَرَأَيْت الرَّجُلُ يَعْجِزُ عن إصَابَةِ امْرَأَتِهِ أَهُوَ طَلَّقَ فَأَنْتَ تُفَرِّقُ في هذا كُلِّهِ قال أَمَّا الْمَوْلَى فَاسْتَدْلَلْنَا بِالْكِتَابِ وَأَمَّا ما سِوَاهُ بِالسُّنَّةِ وَالْأَثَرِ عن عُمَرَ قُلْت فَحُجَّتُك بِأَنَّهُ يَقْبُحُ أَنْ يُفَرَّقَ بِغَيْرِ طَلَاقٍ يُحْدِثُهُ الزَّوْجُ لَا حُجَّةَ لَك عليه وَغَيْرُ حُجَّةٍ على غَيْرِك (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَقُلْت له فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّهُ لَا يَجِبُ على الرَّجُلِ نَفَقَةُ امْرَأَتِهِ إلَّا بِالدُّخُولِ وَإِنْ خَلَّتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهَا قال لِأَنَّهُ لم يَسْتَمْتِعْ منها بِجِمَاعٍ قُلْت أَفَرَأَيْت إذَا غَابَ أو مَرِضَ أَيَسْتَمْتِعُ منها بِجِمَاعٍ قال لَا وَلَكِنَّهَا مَحْبُوسَةٌ عليه قُلْت أَفَتَجِدُهَا مُمَلَّكَةً مَحْبُوسَةً عليه قال نعم قُلْت وَيَجِبُ بَيْنَهُمَا الْمِيرَاثُ قال نعم قُلْت وَإِنْ كانت النَّفَقَةُ لِلْحَبْسِ فَهِيَ مَحْبُوسَةٌ وَإِنْ كانت لِلْجِمَاعِ فَالْمَرِيضُ وَالْغَائِبُ لَا يُجَامِعَانِ في حَالِهِمَا تِلْكَ فَأَسْقَطَ لِذَلِكَ النَّفَقَةَ قال إذَا كان مِثْلُهَا يُجَامَعُ وَخَلَّتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهَا وَجَبَتْ لها النَّفَقَةُ قُلْت له لِمَ أَوْجَبْتَ لها النَّفَقَةَ في الْعِدَّةِ وقد طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَهِيَ غَيْرُ حَامِلٍ فَخَالَفْت الِاسْتِدْلَالَ بِالْكِتَابِ وَنَصِّ السُّنَّةِ قال وَأَيْنَ الدَّلَالَةُ بِالْكِتَابِ فَقُلْت له قال اللَّهُ عز وجل في الْمُطَلَّقَاتِ { وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حتى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } فَاسْتَدْلَلْنَا على أَنْ لَا فَرْضَ في الْكِتَابِ لِمُطَلَّقَةٍ مالكه لِأَمْرِهَا غَيْرِ حَامِلٍ قال فإنه قد ذَكَرَ الْمُطَلَّقَاتِ مُرْسَلَاتٍ لم يُخَصِّصْ وَاحِدَةً دُونَ الْأُخْرَى وَإِنْ كان كما تَقُولُ فَفِيهِ دَلَالَةٌ على أَنْ لَا نَفَقَةَ لِمُطَلَّقَةٍ وَإِنْ كان زَوْجُهَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وما مُبْتَدَأُ السُّورَةِ إلَّا على الْمُطَلَّقَةِ لِلْعِدَّةِ قُلْت له قد يُطَلِّقُ لِلْعِدَّةِ ثَلَاثً

(5/108)


قال فَلَوْ كان كما تَقُولُ ما كانت الدَّلَالَةُ على أَنَّهُ أَرَادَ بِمَنْعِ النَّفَقَةِ الْمَبْتُوتَةَ دُونَ التي له رَجْعَةٌ عليها قُلْت سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم تُثْبِتُ أَنَّ الْمَمْنُوعَةَ النَّفَقَةِ الْمَبْتُوتَةُ بِجَمِيعِ الطَّلَاقِ دُونَ التي لِزَوْجِهَا عليها الرَّجْعَةُ وَلَوْ لم تَدُلَّ السُّنَّةُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على ذلك فَكَانَتْ الْآيَةُ تَأْمُرُ بِنَفَقَةِ الْحَامِلِ وقد ذَكَرَ الْمُطَلَّقَاتِ فيها دَلَّتْ على أَنَّ النَّفَقَةَ لِلْمُطَلَّقَةِ الْحَامِلِ دُونَ الْمُطَلَّقَاتِ سِوَاهَا فلم يَجُزْ أَنْ يُنْفِقَ على مُطَلَّقَةٍ إلَّا أَنْ يَجْمَعَ الناس على مُطَلَّقَةٍ تُخَالِفُ الْحَامِلَ إلَى غَيْرِهَا من الْمُطَلَّقَاتِ فَيُنْفِقَ عليها بِالْإِجْمَاعِ دُونَ غَيْرِهَا قال فَلِمَ لَا تَكُونُ الْمَبْتُوتَةُ قِيَاسًا عليها قُلْت أَرَأَيْت التي يَمْلِكُ زَوْجُهَا رَجْعَتَهَا في عِدَّتِهَا أَلَيْسَ يَمْلِكُ عليها أَمْرَهَا إنْ شَاءَ وَيَقَعُ عليها إيلَاؤُهُ وَظِهَارُهُ وَلِعَانُهُ وَيَتَوَارَثَانِ قال بَلَى قُلْت أَفَهَذِهِ في مَعَانِي الْأَزْوَاجِ في أَكْثَرِ أَمْرِهَا قال نعم قُلْت أَفَتَجِدُ كَذَلِكَ الْمَبْتُوتَةَ بِجَمِيعِ طَلَاقِهَا قال لَا قُلْت فَكَيْفَ تَقِيسُ مُطَلَّقَةً بِاَلَّتِي تُخَالِفُهَا وَقُلْت له
أخبرنا مَالِكٌ عن عبد اللَّهِ بن يَزِيدَ مولى الْأَسْوَدِ بن سُفْيَانَ عن أبي سَلَمَةَ بن عبد الرحمن عن فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ أَبَا عَمْرِو بن حَفْصٍ طَلَّقَهَا البتة وهو غَائِبٌ بِالشَّامِ فَأَرْسَلَ إلَيْهَا وَكِيلَهُ بِشَعِيرٍ فَسَخِطَتْهُ فقال وَاَللَّهُ ما لَك عَلَيْنَا من شَيْءٍ فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَذَكَرَتْ ذلك له فقال لها ليس لَك عليه نَفَقَةٌ وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ في بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ ثُمَّ قال تِلْكَ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي فَاعْتَدِّي عِنْدَ بن أُمِّ مَكْتُومٍ فإنه رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَك فإذا حَلَلْت فَآذِنِينِي قالت فلما حَلَلْت ذَكَرْت له أَنَّ مُعَاوِيَةَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي فقال أَمَّا أبو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عن عَاتِقِهِ وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ له انْكِحِي أُسَامَةَ بن زَيْدٍ قالت فَكَرِهْته ثُمَّ قال انْكِحِي أُسَامَةَ فَنَكَحْته فَجَعَلَ اللَّهُ فيه خَيْرًا فَاغْتَبَطْت بِهِ قال فَإِنَّكُمْ تَرَكْتُمْ من حديث فَاطِمَةَ شيئا قالت فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا سُكْنَى لَك وَلَا نَفَقَةَ فَقُلْت له ما تَرَكْنَا من حديث فَاطِمَةَ حَرْفًا قال إنَّمَا حدثنا عنها أنها قالت قال لي رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا سُكْنَى لَك وَلَا نَفَقَةَ فَقُلْت لَكِنَّا لم نُحَدِّثْ هذا عنها وَلَوْ كان ما حَدَّثْتُمْ عنها كما حَدَّثْتُمْ كان على ما قُلْنَا وَعَلَى خِلَافِ ما قُلْتُمْ قال وَكَيْفَ قُلْت أَمَّا حَدِيثُنَا فَصَحِيحٌ على وَجْهِهِ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا نَفَقَةَ لَكِ عليهم وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ في بَيْتِ بن أُمِّ مَكْتُومٍ وَلَوْ كان في حَدِيثِهَا إحْلَالُهُ لها أَنْ تَعْتَدَّ حَيْثُ شَاءَتْ لم يَحْظُرْ عليها أَنْ تَعْتَدَّ حَيْثُ شَاءَتْ قال كَيْفَ أَخْرَجَهَا من بَيْتِ زَوْجِهَا وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ في غَيْرِهِ قُلْت لِعِلَّةٍ لم تَذْكُرْهَا فَاطِمَةُ في الحديث كَأَنَّهَا اسْتَحْيَتْ من ذِكْرِهَا وقد ذَكَرَهَا غَيْرُهَا قال وما هِيَ قُلْت كان في لِسَانِهَا ذَرَبٌ فَاسْتَطَالَتْ على أَحْمَائِهَا اسْتِطَالَةً تَفَاحَشَتْ فَأَمَرَهَا النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ تَعْتَدَّ في بَيْتِ بن أُمِّ مَكْتُومٍ فقال هل من دَلِيلٍ على ما قُلْتَ قلت نعم من الْكِتَابِ وَالْخَبَرِ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَغَيْرِهِ من أَهْلِ الْعِلْمِ بها قال فَاذْكُرْهَا قُلْت قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { لَا تُخْرِجُوهُنَّ من بُيُوتِهِنَّ } الْآيَةُ
وَأَخْبَرَنَا عبد الْعَزِيزِ بن مُحَمَّدٍ عن مُحَمَّدِ بن عَمْرِو بن عَلْقَمَةَ عن مُحَمَّدِ بن إبْرَاهِيمَ بن الحرث عن بن عَبَّاسٍ في قَوْله تَعَالَى { إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ } قال أَنْ تَبْذُوَ على أَهْلِ زَوْجِهَا فَإِنْ بَذَتْ فَقَدْ حَلَّ إخْرَاجُهَا قال هذا تَأْوِيلٌ قد يَحْتَمِلُ ما قال بن عَبَّاسٍ وَيَحْتَمِلُ غَيْرَهُ أَنْ تَكُونَ الْفَاحِشَةُ خُرُوجَهَا وَأَنْ تَكُونَ الْفَاحِشَةُ أَنْ تَخْرُجَ لِلْحَدِّ قال فَقُلْت له فإذا احْتَمَلَتْ الْآيَةُ ما وَصَفْت فَأَيُّ الْمَعَانِي أَوْلَى بها قال مَعْنَى ما وَافَقَتْهُ السُّنَّةُ فَقُلْت فَقَدْ ذَكَرْت لَك السُّنَّةَ في فَاطِمَةَ فَأَوْجَدْتُك ما قال لها رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ تَعْتَدَّ في بَيْتِ بن أُمِّ مَكْتُومٍ - * الْقَسْمُ لِلنِّسَاءِ - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { قد عَلِمْنَا ما فَرَضْنَا عليهم في أَزْوَاجِهِمْ وما مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } وقال تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بين النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا } الْآيَةُ فقال بَعْض

(5/109)


أَهْلِ الْعِلْمِ بِالتَّفْسِيرِ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بين النِّسَاءِ بِمَا في الْقُلُوبِ فإن اللَّهَ عز وجل وَعَلَا تَجَاوَزَ لِلْعِبَادِ عَمَّا في الْقُلُوبِ فَلَا تَمِيلُوا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَكُمْ كُلَّ الْمَيْلِ بِالْفِعْلِ مع الْهَوَى وَهَذَا يُشْبِهُ ما قال وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَدَلَّتْ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وما عليه عَوَامُّ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ على أَنَّ على الرَّجُلِ أَنْ يَقْسِمَ لِنِسَائِهِ بِعَدَدِ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي وَأَنَّ عليه أَنْ يَعْدِلَ في ذلك لَا أَنَّهُ مُرَخَّصٌ له أَنْ يُجَوِّزَ فيه فَدَلَّ ذلك على أَنَّهُ إنَّمَا أُرِيدَ بِهِ ما في الْقُلُوبِ مِمَّا قد تَجَاوَزَ اللَّهُ لِلْعِبَادِ عنه فيما هو أَعْظَمُ من الْمَيْلِ على النِّسَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالْحَرَائِرُ الْمُسْلِمَاتُ وَالذِّمِّيَّاتُ إذَا اجْتَمَعْنَ عِنْدَ الرَّجُلِ في الْقَسْمِ سَوَاءٌ وَالْقَسْمُ هو اللَّيْلُ يَبِيتُ عِنْدَ كل وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ لَيْلَتَهَا وَنُحِبُّ لو أَوَى عِنْدَهَا نَهَارَهُ فَإِنْ كانت عِنْدَهُ أَمَةٌ مع حُرَّةٍ قَسَمَ لِلْحُرَّةِ لَيْلَتَيْنِ وَلِلْأَمَةِ لَيْلَةً قال وَإِنْ هَرَبَتْ منه حُرَّةٌ أو أَغْلَقَتْ دُونَهُ أَمَةٌ أو حَبَسَ الْأَمَةَ أَهْلُهَا سَقَطَ حَقُّهَا من الْقَسْمِ حتى تَعُودَ الْحُرَّةُ إلَى طَاعَةِ اللَّهِ في الرُّجُوعِ عن الْهَرَبِ وَالْأَمَةُ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُمَا مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِمَا في هذه الْحَالِ قَطْعُ حَقِّ أَنْفُسِهِمَا وَيَبِيتُ عِنْدَ الْمَرِيضَةِ التي لَا جِمَاعَ فيها وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ لِأَنَّ مَبِيتَهُ سَكَنُ إلْفٍ وَإِنْ لم يَكُنْ جِمَاعٌ أو أَمْرٌ تُحِبُّهُ الْمَرْأَةُ وَتَرَى الْغَضَاضَةَ عليها في تَرْكِهِ
أخبرنا مُسْلِمٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ عن بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قُبِضَ عن تِسْعِ نِسْوَةٍ وكان يَقْسِمُ مِنْهُنَّ لِثَمَانٍ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا نَكَحَ الرَّجُلُ امْرَأَةً فَبَنَى بها فَحَالُهَا غَيْرُ حَالِ من عِنْدَهُ فَإِنْ كانت بِكْرًا كان له أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَإِنْ كانت ثَيِّبًا كان له أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهنَّ ثُمَّ يَبْتَدِئَ الْقِسْمَةَ لِنِسَائِهِ فَتَكُونَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ بَعْدَ مُضِيِّ أَيَّامِهَا ليس له أَنْ يُفَضِّلَهَا عَلَيْهِنَّ
أخبرنا مَالِكٌ عن عبد اللَّهِ بن أبي بَكْرِ بن حَزْمٍ عن عبد الْمَلِكِ بن أبي بَكْرِ بن عبد الرحمن بن الحرث بن هِشَامٍ عن أبي بَكْرِ بن عبد الرحمن أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حين تَزَوَّجَ أُمَّ سَلَمَةَ فَأَصْبَحَتْ عِنْدَهُ قال لها ليس بِكِ على أَهْلِك هَوَانٌ إنْ شِئْت سَبَّعْت عِنْدَك وَسَبَّعْت عِنْدَهُنَّ وَإِنْ شِئْت ثَلَّثْت عِنْدَك وَدُرْت قالت ثَلِّثْ
أخبرنا بن أبي الرُّوَّادِ عن بن جُرَيْجٍ عن أبي بَكْرِ بن عبد الرحمن عن أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم خَطَبَهَا فَسَاقَ نِكَاحَهَا وَبِنَاءَهُ بها وَقَوْلَهُ لها إنْ شِئْت سَبَّعْت عِنْدَك وَسَبَّعْت عِنْدَهُنَّ
أخبرنا مَالِكٍ عن حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عن أَنَسِ بن مَالِكٍ قال لِلْبِكْرِ سَبْعٌ وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَبِهَذَا نَأْخُذُ وَإِنْ قَسَمَ أَيَّامًا لِكُلِّ امْرَأَةٍ بَعْدَ مُضِيِّ سَبْعِ الْبِكْرِ وَثَلَاثِ الثَّيِّبِ فَجَائِزٌ إذَا أَوْفَى كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ عَدَدَ الْأَيَّامِ التي أَقَامَ عِنْدَ غَيْرِهَا - * الْخِلَافُ في الْقَسْمِ لِلْبِكْرِ وَلِلثَّيِّبِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس في الْقَسْمِ لِلْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ وقال يَقْسِمُ لَهُمَا إذَا دَخَلَا كما يَقْسِمُ لِغَيْرِهِمَا لَا يُقَامُ عِنْدَ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا شَيْءٌ إلَّا اقيم عِنْدَ الْأُخْرَى مِثْلُهُ فَقُلْت له قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { قد عَلِمْنَا ما فَرَضْنَا عليهم في أَزْوَاجِهِمْ } أَفَتَجِدُ السَّبِيلَ إلَى عِلْمِ ما فَرَضَ اللَّهُ جُمْلَةً أنها أَثْبَتُ وَأَقْوَمُ في الْحُجَّةِ من سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا فَذَكَرْت له حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ قال فَهِيَ بَيْنِي وَبَيْنَك أَلَيْسَ قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنْ شِئْت سَبَّعْت عِنْدَك وَسَبَّعْت عِنْدَهُنَّ وَإِنْ شِئْت ثَلَّثْت عِنْدَك وَدُرْت قُلْت نعم قال فلم يُعْطِهَا في السَّبْعِ شيئا إلَّا أَعْلَمَهَا أَنَّهُ يُعْطِي غَيْرَهَا مثله فَقُلْت له إنَّهَا كانت ثَيِّبًا فلم يَكُنْ لها إلَّا ثَلَاثٌ فقال لها إنْ أَرَدْت حَقَّ الْبِكْرِ وهو أَعْلَى حُقُوقِ النِّسَاءِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ التَّاسِعَةُ التي لم يَكُنْ يَقْسِمُ لها سَوْدَةُ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ
أخبرنا سُفْيَانُ عن هِشَامٍ عن أبيه أَنَّ سَوْدَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ ( 2 ) - * الْحَالُ التي يَخْتَلِفُ فيها حَالُ النِّسَاءِ - *

(5/110)


وَأَشْرَفُهُ عِنْدَهُنَّ بِعَفْوِك حَقِّك إذَا لم تَكُونِي بِكْرًا فَيَكُونُ لَك سَبْعٌ فَعَلْت وَإِنْ لم تُرِيدِي عَفْوَهُ وَأَرَدْت حَقَّك فَهُوَ ثَلَاثٌ قال فَهَلْ له وَجْهٌ غَيْرُهُ قُلْت لَا إنَّمَا يُخْبِرُ من له حَقٌّ يُشْرِكُهُ فيه غَيْرُهُ من أَنْ يَنْزِلَ من حَقِّهِ فَقُلْت له يَلْزَمُك أَنْ تَقُولَ مِثْلَ ما قُلْنَا لِأَنَّك زَعَمْت أَنَّك لَا تُخَالِفُ الْوَاحِدَ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ما لم يُخَالِفْهُ مِثْلُهُ وَلَا نَعْلَمُ مُخَالِفًا له وَالسُّنَّةُ أَلْزَمُ لَك من قَوْلِهِ فَتَرَكْتهَا وَقَوْلَهُ - * قَسْمُ النِّسَاءِ إذَا حَضَرَ السَّفَرُ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا عَمِّي مُحَمَّدِ بن عَلِيِّ بن شَافِعٍ عن بن شِهَابٍ عن عُبَيْدِ اللَّهِ عن عَائِشَةَ زَوْجِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أنها قالت كان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بين نِسَائِهِ فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بها وَبِهَذَا أَقُولُ إذَا حَضَرَ سَفَرُ الْمَرْءِ وَلَهُ نِسْوَةٌ فَأَرَادَ إخْرَاجَ وَاحِدَةٍ لِلتَّخْفِيفِ من مُؤْنَةِ الْجَمِيعِ وَالِاسْتِغْنَاءِ بها فَحَقُّهُنَّ في الْخُرُوجِ معه سَوَاءٌ فَيُقْرِعُ بَيْنَهُنَّ فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا لِلْخُرُوجِ خَرَجَ بها فإذا حَضَرَ قَسَمَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُنَّ ولم يَحْسُبْ عليها الْأَيَّامَ التي غَابَ بها (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَفَ الْفُلْكُ بِاَلَّذِينَ رَكِبَ مَعَهُمْ يُونُسُ فَقَالُوا إنَّمَا وَقَفَ لِرَاكِبٍ فيه لَا نَعْرِفُهُ فَيُقْرَعُ فَأَيُّكُمْ خَرَجَ سَهْمَهُ أُلْقِيَ فَخَرَجَ سَهْمُ يُونُسَ فَأُلْقِيَ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ كما قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ثُمَّ تَدَارَكَهُ بِعَفْوِهِ جَلَّ وَعَزَّ فَأَمَّا مَرْيَمُ فَلَا يَعْدُو الْمُلْقُونَ لِأَقْلَامِهِمْ يَقْتَرِعُونَ عليها أَنْ يَكُونُوا سَوَاءً في كَفَالَتِهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يُقَارِعُ من يُدْلِي بِحَقِّ فِيمَا يُقَارِعُ وَلَا يَعْدُونَ إذَا كان أَرْفَقُ بها وَأَجْمَلُ في أَمْرِهَا أَنْ تَكُونَ عِنْدَ وَاحِدٍ لَا يَتَدَاوَلُهَا كلهم مُدَّةً مُدَّةً وَيَكُونُوا يَقْسِمُوا كَفَالَتَهَا فَهَذَا أَشْبَهُ مَعْنَاهَا عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَاقْتَرَعُوا أَيُّهُمْ يَتَوَلَّى كَفَالَتَهَا دُونَ صَاحِبِهِ أو تَكُونُ يُدَافِعُوهَا لِئَلَّا يَلْزَمَ مؤنة كَفَالَتُهَا وَاحِدًا دُونَ أَصْحَابِهِ وَأَيَّهُمَا كان فَقَدْ اقْتَرَعُوا لِيَنْفَرِدَ بِكَفَالَتِهَا أحدهم وَيَخْلُوَ منها من بَقِيَ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَلِمَا كان الْمَعْرُوفُ لِنِسَاءِ الرَّافِقِ بِالنِّسَاءِ أَنْ يَخْرُجَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَهُنَّ في مِثْلِ هذا الْمَعْنَى ذَوَاتُ الْحَقِّ كُلُّهُنَّ فإذا خَرَجَ سَهْمُ وَاحِدَةٍ كان السَّفَرُ لها دُونَهُنَّ وكان هذا في مَعْنَى الْقُرْعَةِ في مَرْيَمَ وَقُرْعَةِ يُونُسَ حين اسْتَوَتْ الْحُقُوقُ أَقْرَعَ لِتَنْفَرِدَ وَاحِدَةٌ دُونَ الْجَمِيعِ - * الْخِلَافُ في الْقَسْمِ في السَّفَرِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس في السَّفَرِ وقال هو وَالْحَضَرُ سَوَاءٌ وإذا أَقْرَعَ فَخَرَجَ وَاحِدَةٌ ثُمَّ قَدِمَ قَسَمَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ من عَدَدِ الْأَيَّامِ بِمِثْلِ ما غَابَ بِاَلَّتِي خَرَجَ بها فَقُلْت له أَيَكُونُ لِلْمَرْءِ أَنْ يَخْرُجَ بِامْرَأَةٍ بِلَا قُرْعَةٍ وَيَفْعَلَ ذلك في الْحَضَرِ فَيُقِيمَ مَعَهَا أَيَّامًا ثُمَّ يَقْسِمَ لِلنِّسْوَةِ سِوَاهَا بِعَدَدِ تِلْكَ الْأَيَّامِ قال نعم قُلْت له فما مَعْنَى الْقُرْعَةُ إذَا أَوْفَى كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مِثْلَ عَدَدِ الْأَيَّامِ التي غَابَ بِاَلَّتِي خَرَجَتْ قُرْعَتُهَا وكان له إخْرَاجُهَا بِغَيْرِ قُرْعَةٍ أنت رَجُلٌ خَالَفْت الحديث فَأَرَدْت التَّشْبِيهَ على من سَمِعَك بِخِلَافِهِ فلم يَخْفَ خِلَافُك عَلَيْنَا وَلَا أَرَاهُ يَخْفَى على عَالِمٍ قال فَرِّقْ بين السَّفَرِ وَالْحَضَرِ قُلْت فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا في قَصْرِ الصَّلَاةِ في السَّفَرِ وَوَضْعِ الصَّوْمِ فيه إلَى أَنْ يقضى وَفَرَّقَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في التَّطَوُّعِ في السَّفَرِ فَصَلَّى حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ رَاكِبًا وَجَمَعَ فيه بين الصَّلَاةِ وَرَخَّصَ اللَّهُ فيه في التَّيَمُّمِ بَدَلًا من الْمَاءِ أَفَرَأَيْت لو عَارَضَك مُعَارِضٌ في الْقِبْلَةِ فقال قد أَمَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِالتَّوَجُّهِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وقد ذَكَر اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ الْقُرْعَةَ في كِتَابِهِ في مَوْضِعَيْنِ فَكَانَ ذِكْرُهَا مُوَافِقًا ما جاء عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَإِنْ يُونُسَ لِمَنْ الْمُرْسَلِينَ } إلَى { الْمُدْحَضِينَ } وقال { وما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ } الْآيَةُ

(5/111)


إلَى الْبَيْتِ وَالنَّافِلَةُ وَالْفَرْضُ في ذلك سَوَاءٌ عِنْدَك بِالْأَرْضِ مُسَافِرًا كان صَاحِبُهَا أو مُقِيمًا فَكَيْفَ قُلْت لِلرَّاكِبِ صَلِّ إنْ شِئْت إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ قال أَقُولُ صلى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ قُلْت فَنَقُولُ لَك فَلَا قَوْلَ وَلَا قِيَاسَ مع قَوْلِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا قُلْت وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مِثْلِهِ قال لَا وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا من جَاهِلٍ قُلْنَا فَكَيْفَ كان هذا مِنْك في الْقُرْعَةِ في السَّفَرِ قال إنِّي قُلْت لَعَلَّهُ قَسَمَ قُلْت فَإِنْ قال لَك قَائِلٌ فَلَعَلَّ الذي روى عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ صلى قبل الْمَشْرِقِ في السَّفَرِ قَالَهُ في سَفَرٍ إذَا اسْتَقْبَلَ فيه الْمَشْرِقَ فَكَانَتْ قِبْلَتَهُ قال لَا تَخْفَى عليه الْقِبْلَةُ وهو لَا يقول صلى نحو الْمَشْرِقِ إلَّا وهو خِلَافُ الْقِبْلَةِ قُلْت فَهُوَ إذَا أَقْرَعَ لم يَقْسِمْ بِعَدَدِ الْأَيَّامِ التي غَابَ بِاَلَّتِي خَرَجَتْ قُرْعَتُهَا - * نُشُوزُ الرَّجُلِ على امْرَأَتِهِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحْمَةُ اللَّهِ عليه وقد يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ { تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ } إذَا نَشَزْنَ فَخِفْتُمْ لجاجتهن ( ( ( لحاجتهن ) ) ) في النُّشُوزِ أَنْ يَكُونَ لَكُمْ جَمْعُ الْعِظَةِ وَالْهِجْرَةِ وَالضَّرْبِ ( قال ) وإذا رَجَعَتْ النَّاشِزُ عن النُّشُوزِ لم يَكُنْ لِزَوْجِهَا هَجْرَتُهَا وَلَا ضَرْبُهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَا له بِالنُّشُوزِ فإذا زَايَلَتْهُ فَقَدْ زَايَلَتْ الْمَعْنَى الذي أُبِيحَا له بِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّمَا قُلْنَا لَا يُقْسَمُ لِلْمَرْأَةِ الْمُمْتَنِعَةِ من زَوْجِهَا الْمُتَغَيِّبَةِ عنه بِإِذْنِ اللَّهِ لِزَوْجِهَا بِهِجْرَتِهَا في الْمَضْجَعِ وَهَجْرَتُهَا فيه اجْتِنَابُهَا لم تَحْرُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
أخبرنا الرَّبِيعُ قال قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن بن شِهَابٍ عن عبد اللَّهِ بن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ عن إيَاسَ بن عبد اللَّهِ بن أبي ذُبَابٍ قال قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا تَضْرِبُوا إمَاءَ اللَّهِ قال فاتاه عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه فقال يا رَسُولَ اللَّهِ ذَئِرَ النِّسَاءُ على أَزْوَاجِهِنَّ فَأَذِنَ في ضَرْبِهِنَّ فَأَطَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نِسَاءٌ كَثِيرٌ كُلُّهُنَّ يَشْتَكِينَ أَزْوَاجَهُنَّ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لقد أَطَافَ اللَّيْلَةَ بِآلِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرٌ أو قال سَبْعُونَ امْرَأَةً كُلُّهُنَّ يَشْتَكِينَ أَزْوَاجَهُنَّ فَلَا تَجِدُونَ أُولَئِكَ خِيَارَكُمْ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَجَعَلَ لهم الضَّرْبَ وَجَعَلَ لهم الْعَفْوَ وَأَخْبَرَ أَنَّ الْخِيَارَ تَرْكُ الضَّرْبِ إذَا لم يَكُنْ لِلَّهِ عليها حَدٌّ على الْوَالِي أَخْذُهُ وَأَجَازَ الْعَفْوَ عنها في غَيْرِ حَدٍّ في الْخَيْرِ الذي تَرَكَتْ حَظَّهَا وَعَصَتْ رَبَّهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } 2 هُمَا مِمَّا وَصَفَ اللَّهُ وَذَكَرْنَا من أَنَّ له عليها في بَعْضِ الْأُمُورِ ما ليس لها عليه وَلَهَا في بَعْضِ الْأُمُورِ عليه ما ليس له عليها من حَمْلِ مُؤْنَتِهَا وما أَشْبَهَ ذلك
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ على النِّسَاءِ } إلَى قَوْلِهِ { سَبِيلًا } قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى قال اللَّهُ عز وجل { وَاَللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ } يَحْتَمِلُ إذَا رَأَى الدَّلَالَاتِ في إيغَالِ الْمَرْأَةِ وَإِقْبَالِهَا على النُّشُوزِ فَكَانَ لِلْخَوْفِ مَوْضِعٌ أَنْ يَعِظَهَا فَإِنْ أَبْدَتْ نُشُوزًا هَجَرَهَا فَإِنْ أَقَامَتْ عليه ضَرَبَهَا وَذَلِكَ أَنَّ الْعِظَةَ مُبَاحَةٌ قبل الْفِعْلِ الْمَكْرُوهِ إذَا رؤيت ( ( ( رئيت ) ) ) أَسْبَابُهُ وَأَنْ لَا مُؤْنَةَ فيها عليها تَضْرِبُهَا وَأَنَّ الْعِظَةَ غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ من الْمَرْءِ لِأَخِيهِ فَكَيْفَ لِامْرَأَتِهِ وَالْهِجْرَةُ لَا تَكُونُ إلَّا بِمَا يَحِلُّ بِهِ الْهِجْرَةُ لِأَنَّ الْهِجْرَة مُحَرَّمَةٌ في غَيْرِ هذا الْمَوْضِعِ فَوْقَ ثَلَاثٍ وَالضَّرْبُ لَا يَكُونُ إلَّا بِبَيَانِ الْفِعْلِ فَالْآيَةُ في الْعِظَةِ وَالْهِجْرَةِ وَالضَّرْبِ على بَيَانِ الْفِعْلِ تَدُلُّ على أَنَّ حَالَاتِ الْمَرْأَةِ في اخْتِلَافِ ما تُعَاتَبُ فيه وَتُعَاقَبُ من الْعِظَةِ وَالْهِجْرَة وَالضَّرْبِ مُخْتَلِفَةٌ فإذا اخْتَلَفَتْ فَلَا يُشْبِهُ مَعْنَاهَا إلَّا ما وَصَفْت

(5/112)


- * ما لَا يَحِلُّ أَنْ يُؤْخَذَ من الْمَرْأَةِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ } إلَى قَوْلِهِ { فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَنَهَى اللَّهُ تَعَالَى الزَّوْجَ كما نَهَاهُ في الْآيِ قبل هذه الْآيَةِ أَنْ يَأْخُذَ مِمَّا آتي الْمَرْأَةَ شيئا { إلَّا أَنْ يَخَافَا ألا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خفتم ( ( ( خافا ) ) ) ألا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } وَأَبَاحَ لَهُمَا إذَا انْتَقَلَتْ عن حَدِّ اللَّاتِي حَرَّمَ أَمْوَالَهُنَّ على أَزْوَاجِهِنَّ لِخَوْفِ أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ أَنْ يَأْخُذَ منها ما افْتَدَتْ بِهِ لم يُحَدِّدْ في ذلك أَنْ لَا يَأْخُذَ إلَّا ما أَعْطَاهَا وَلَا غَيْرَهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَصِيرُ حِينَئِذٍ كَالْبَيْعِ وَالْبَيْعُ إنَّمَا يَحِلُّ ما تَرَاضَى بِهِ الْمُتَبَايِعَانِ لا حد في ذلك بَلْ في كِتَابِ اللَّهِ عز وجل دَلَالَةٌ على إبَاحَةِ ما كَثُرَ منه وَقَلَّ لِقَوْلِهِ { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ }
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قال
أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن عَمْرَةَ أَنَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ أَخْبَرَتْهَا أنها كانت عِنْدَ ثَابِتِ بن قَيْسِ بن شِمَاسٍ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم خَرَجَ إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ فَوَجَدَ حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ على بَابِهِ في الْغَلَسِ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من هذه فقالت أنا حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ يا رَسُولَ اللَّهِ فقال ما شَأْنُك قالت لَا أنا وَلَا ثَابِتُ بن قَيْسٍ لِزَوْجِهَا فلما جاء ثَابِتُ بن قَيْسٍ قال له رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم هذه حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ قد ذَكَرَتْ ما شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَذْكُرَ فقالت حَبِيبَةُ يا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّ ما أَعْطَانِي عِنْدِي فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم خُذْ منها فَأَخَذَ منها وَجَلَسَتْ في أَهْلِهَا
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن عَمْرَةَ عن حَبِيبَةَ أنها جَاءَتْ تَشْكُو شيئا بِبَدَنِهَا في الْغَلَسِ ثُمَّ سَاقَ الحديث بِمَعْنَى حديث مَالِكٍ وَقَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { إلَّا أَنْ يَخَافَا ألا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ } يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الِابْتِدَاءُ بِمَا يُخْرِجُهُمَا إلَى خَوْفِ أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ذِكْرُهُ { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } إلَى قَوْلِهِ { مِيثَاقًا غَلِيظًا } فَفَرَضَ اللَّهُ عِشْرَتَهَا بِالْمَعْرُوفِ وقال عز وجل { فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ } فَدَلَّ على أَنَّهُ أَبَاحَ حَبْسَهَا مَكْرُوهَةً وَاكْتَفَى بِالشَّرْطِ في عِشْرَتِهَا بِالْمَعْرُوفِ لَا أَنَّهُ أَبَاحَ أَنْ يُعَاشِرَهَا مَكْرُوهَةً بِغَيْرِ الْمَعْرُوفِ ثُمَّ قال { وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ } الْآيَةُ فأعلم أَنَّهُ إذَا كان الْأَخْذُ من الزَّوْجِ من غَيْرِ أَمْرٍ من الْمَرْأَةِ في نَفْسِهَا وَلَا عِشْرَتِهَا ولم تَطِبْ نَفْسًا بِتَرْكِ حَقِّهَا في الْقَسْمِ لها وَمَالَهُ فَلَيْسَ له مَنْعُهَا حَقَّهَا وَلَا حَبْسُهَا إلَّا بِمَعْرُوفٍ وَأَوَّلُ الْمَعْرُوفِ تَأْدِيَةُ الْحَقِّ وَلَيْسَ له أَخْذُ مَالِهَا بِلَا طِيبِ نَفْسِهَا لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إنَّمَا أَذِنَ بِتَخْلِيَتِهَا على تَرْكِ حَقِّهَا إذَا تَرَكَتْهُ طَيِّبَةَ النَّفْسِ بِهِ وَأَذِنَ بِأَخْذِ مَالِهَا مَحْبُوسَةً وَمُفَارِقَةً بِطِيبِ نَفْسِهَا فقال { وَآتَوْا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } إلَى قَوْلِهِ { مَرِيئًا } وقال { وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ من بَعْلِهَا نُشُوزًا } الْآيَةُ وَهَذَا إذْنٌ بِحَبْسِهَا عليه إذَا طَابَتْ بها نَفْسُهَا كما وَصَفْت قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى { وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وقد أَفْضَى بَعْضُكُمْ إلَى بَعْضٍ } حَظْرٌ لِأَخْذِهِ إلَّا من جِهَةِ الطَّلَاقِ قبل الْإِفْضَاءِ وهو الدُّخُولُ فَيَأْخُذُ نِصْفَهُ بِمَا جَعَلَ له وَأَنَّهُ لم يُوجِبْ عليه أَنْ يَدْفَعَ إلَّا نِصْفَ الْمَهْرِ في تِلْكَ الْحَالِ وَلَيْسَ بِحَظْرٍ منه إنْ دخل أَنْ يَأْخُذَهُ إذَا كان ذلك من قِبَلِهَا وَذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا حَظَرَ أَخْذَهُ إذَا كان من قِبَلِ الرَّجُلِ فَأَمَّا إذَا كان من قِبَلِهَا وَهِيَ طَيِّبَةُ النَّفْسِ بِهِ فَقَدْ أَذِنَ بِهِ في قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { فَإِنْ خِفْتُمْ ألا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } وَالْحَالُ التي أَذِنَ بِهِ فيها مُخَالِفَةٌ الْحَالَ التي حَرَّمَهُ فيها فَإِنْ أَخَذَ منها شيئا على طَلَاقِهَا فَأَقَرَّ أَنَّهُ أَخَذَ بِالْإِضْرَارِ بها مَضَى عليه الطَّلَاقُ وَرَدَّ ما أَخَذَ منها وكان له عليها الرَّجْعَةُ إلَّا أَنْ يَكُونَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا - * الْوَجْهُ الذي يَحِلُّ بِهِ لِلرَّجُلِ أَنْ يَأْخُذَ من امْرَأَتِهِ - *

(5/113)


من الْمَرْأَةِ بِالِامْتِنَاعِ من تَأْدِيَةِ حَقِّ الزَّوْجِ وَالْكَرَاهِيَةِ له أو عَارِضٌ منها في حُبِّ الْخُرُوجِ منه من غَيْرِ بَأْسٍ منه وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ من الزَّوْجِ فلما وَجَدْنَا حُكْمَ اللَّهِ بِتَحْرِيمِ أَنْ يَأْخُذَ الزَّوْجُ من الْمَرْأَةِ شيئا إذَا أَرَادَ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ اسْتَدْلَلْنَا أَنَّ الْحَالَ التي أَبَاحَ بها لِلزَّوْجِ الْأَخْذَ من الْمَرْأَةِ الْحَالُ الْمُخَالِفَةُ الْحَالِ التي حَرُمَ بها الْأَخْذُ تِلْكَ الْحَالُ هِيَ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ الْمُبْتَدِئَةُ الْمَانِعَةُ لِأَكْثَرِ ما يَجِبُ عليها من حَقِّ الزَّوْجِ ولم يَكُنْ له الْأَخْذُ أَيْضًا منها حتى يَجْمَعَ أَنْ تَطْلُبَ الْفِدْيَةَ منه لِقَوْلِهِ عز وجل { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } وَافْتِدَاؤُهَا منه شَيْءٌ تُعْطِيهِ من نَفْسِهَا لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل يقول { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا } الْآيَةُ فَكَانَتْ هذه الْحَالُ التي تُخَالِفُ هذه الْحَالَ وَهِيَ التي لم تَبْذُلْ فيها الْمَرْأَةُ الْمَهْرَ وَالْحَالُ التي يَتَدَاعَيَانِ فيها الْإِسَاءَةَ لَا تُقِرُّ الْمَرْأَةُ أنها منها (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا ابْتَدَأَتْ الْمَرْأَةُ بِتَرْكِ تَأْدِيَةِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ نَالَ منها الزَّوْجُ مَالَهُ من أَدَبٍ لم يَحْرُمْ عليه أَنْ يَأْخُذَ الْفِدْيَةَ وَذَلِكَ أَنَّ حَبِيبَةَ جَاءَتْ تَشْكُو شيئا بِبَدَنِهَا نَالَهَا بِهِ ثَابِتٌ ثُمَّ امرها رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ تَفْتَدِيَ وَأَذِنَ لِثَابِتٍ في الْأَخْذِ منها وَذَلِكَ أَنَّ الْكَرَاهَةَ من حَبِيبَةَ كانت لِثَابِتٍ وَأَنَّهَا تَطَوَّعَتْ بِالْفِدَاءِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَعِدَّتُهَا إذَا كان دخل بها عِدَّةُ مُطَلَّقَةٍ وَكَذَلِكَ كُلُّ نكاح ( ( ( ناكح ) ) ) كان يُعَدُّ فَسْخًا أو طَلَاقًا صَحِيحًا كان أو فَاسِدًا فَالْعِدَّةُ
أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن طَاوُسٍ عن بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنه في رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَتَيْنِ ثُمَّ اخْتَلَعَتْ منه بَعْدُ فقال يَتَزَوَّجُهَا إنْ شَاءَ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل يقول { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أو تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } إلَى قَوْلِهِ { أَنْ يَتَرَاجَعَا }
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن عَمْرٍو عن عِكْرِمَةَ قال كُلُّ شَيْءٍ أَجَازَهُ الْمَالُ فَلَيْسَ بِطَلَاقٍ
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال اخبرنا مَالِكٌ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه عن ( 2 ) جَهْمَانَ مولى الأسلميين عن أُمِّ بَكْرَةَ الْأَسْلَمِيَّةِ أنها اخْتَلَعَتْ من زَوْجِهَا عبد اللَّهِ بن أُسَيْدٍ ثُمَّ أَتَيَا عُثْمَانَ في ذلك فقال هِيَ تَطْلِيقَةٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ سَمَّيْت شيئا فَهُوَ ما سَمَّيْت + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا أَعْرِفُ جَهْمَانَ وَلَا أُمَّ بَكْرَةَ بِشَيْءٍ يَثْبُتُ بِهِ خَبَرُهُمَا وَلَا يَرُدُّهُ وَبِقَوْلِ عُثْمَانَ نَأْخُذُ وَهِيَ تَطْلِيقَةٌ وَذَلِكَ أَنِّي رَجَعْت الطَّلَاقَ من قِبَلِ الزَّوْجِ وَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ بن عَبَّاسٍ كان شَبِيهًا أَنْ يَقُولَ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } يَدُلُّ على أَنَّ الْفِدْيَةَ هِيَ فَسْخُ ما كان له عليها وَفَسْخُ ما كان عليها لَا يَكُونُ إلَّا بِفَسْخِ الْعَقْدِ وَكُلُّ أَمْرٍ نُسِبَ فيه الْفُرْقَةُ إلَى انْفِسَاخِ الْعَقْدِ لم يَكُنْ طَلَاقًا إنَّمَا الطَّلَاقُ ما أُحْدِثَ وَالْعُقْدَةُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا وَأَحْسَبُ من قال هذا منهم إنَّمَا أَرَادُوا أَنَّ الْخُلْعَ يَكُونُ فَسْخًا إنْ لم يُسَمَّ طَلَاقًا وَلَيْسَ هَكَذَا حُكْمُ طَلَاقِ غَيْرِهِ فَهُوَ يُفَارِقُ الطَّلَاقَ بِأَنَّهُ مَأْذُونٌ بِهِ لِغَيْرِ الْعِدَّةِ وفي غَيْرِ شَيْءٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَمَنْ ذَهَبَ الْمَذْهَبَ الذي روى عن عُثْمَانَ أَشْبَهَ أَنْ يَقُولَ الْعَقْدُ كان صَحِيحًا فَلَا يَجُوزُ فَسْخُهُ وَإِنَّمَا يَجُوزُ إحْدَاثُ طَلَاقٍ فيه فإذا أَحْدَثَ فيه فُرْقَةً عُدَّتْ طَلَاقًا وَحُسِبَتْ أَقَلَّ الطَّلَاقِ إلَّا أَنْ يُسَمَّى أَكْثَرُ منها وَإِنَّمَا كان لَا رَجْعَةَ له بِأَنَّهُ أَخَذَ عِوَضًا وَالْعِوَضُ هو ثَمَنٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَ الثَّمَنَ وَيَمْلِكَ المراة وَمَنْ مَلَكَ ثَمَنًا لِشَيْءٍ خَرَجَ منه لم يَكُنْ له الرَّجْعَةُ فِيمَا مَلَكَهُ غَيْرُهُ وَمَنْ قال هذا معارضة مُعَارَضٌ بِقَوْلِ بن عَبَّاسٍ قال أو لَسْت أَجِدُ الْعَقْدَ الصَّحِيحَ يَنْفَسِخُ في رِدَّةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وفي الْأَمَةِ تَعْتِقُ وفي امْرَأَةِ الْعِنِّينِ تَخْتَارُ فِرَاقَهُ وَعِنْدَ بَعْضِ الْمَدَنِيِّينَ في الْمَرْأَةِ يُوجَدُ بها جُنُونٌ أو جُذَامٌ أو بَرَصٌ وَالرَّجُلُ يُوجَدُ بِهِ أَحَدُ ذلك فَيَكُونَانِ بِالْخِيَارِ في الْمُقَامِ أو الْفُرْقَةِ وَإِنَّمَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَقَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { إلَّا أَنْ يَخَافَا ألا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ } كما وَصَفْت من أَنْ يَكُونَ لَهُمَا فِعْلٌ تَبْدَأُ بِهِ الْمَرْأَةُ يَخَافُ عَلَيْهِمَا فيه أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ لَا أَنَّ خَوْفًا مِنْهُمَا بِلَا سَبَبٍ فُعِلَ

(5/114)


الْفُرْقَةُ فَسْخٌ لَا إحْدَاثُ طَلَاقٍ فإذا أَذِنَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِالْفِدْيَةِ وَأَذِنَ بها رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كانت فَاسِخَةً (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اخْتَلَعَتْ منه ثُمَّ طَلَّقَهَا في الْعِدَّةِ لم يَلْزَمْهَا طَلَاقٌ وَذَلِكَ أنها غَيْرُ زَوْجَةٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا كان في حُكْمِ اللَّهِ أَنْ لَا يُؤْخَذَ من الْمَرْأَةِ في الْخُلْعِ إلَّا بِطِيبِ نَفْسِهَا ( 1 ) وَلَا يُؤْخَذُ من أَمَةٍ خُلْعٌ بِإِذْنِ سَيِّدِهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ تَمْلِكُ شيئا وَلَا يُؤْخَذُ من مَحْجُورٍ عليها من الْحَرَائِرِ إنَّمَا يُؤْخَذُ مَالُ امْرَأَةٍ جَائِزَةِ الْأَمْرِ في مَالِهَا بِالْبُلُوغِ وَالرُّشْدِ وَالْحُرِّيَّةِ - * الْخِلَافُ في طَلَاقِ الْمُخْتَلِعَةِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس في الْمُخْتَلِعَةِ فقال إذَا طَلُقَتْ في الْعِدَّةِ لَحِقَهَا الطَّلَاقُ فَسَأَلْته هل يَرْوِي في قَوْلِهِ خَبَرًا فَذَكَر حَدِيثًا لَا تَقُومُ بمثله حُجَّةٌ عِنْدَنَا وَلَا عِنْدَهُ فَقُلْت هذا عِنْدَنَا وَعِنْدَك غَيْرُ ثَابِتٍ قال فَقَدْ قال بَعْضُ التَّابِعِينَ عِنْدَك لَا يَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ لو لم يُخَالِفْهُمْ غَيْرُهُمْ قال فما حُجَّتُك في أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَلْزَمُهَا قُلْت حُجَّتِي فيه من الْقُرْآنِ وَالْأَثَرِ وَالْإِجْمَاعِ على ما يَدُلُّ على أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَلْزَمُهَا قال وَأَيْنَ الْحُجَّةُ من الْقُرْآنِ قُلْت قال اللَّهُ تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ } إلَى آخَرِ الْآيَتَيْنِ وقال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ من نِسَائِهِمْ } الْآيَةُ وقال { الذين ( ( ( والذين ) ) ) يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ من نِسَائِهِمْ } الْآيَةُ وقال { وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ } وقال عز وجل { وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ } أَفَرَأَيْت لو قَذَفَهَا أَيُلَاعِنُهَا أو آلَى منها أَيَلْزَمُهُ الْإِيلَاءُ أو تَظَاهَرَ منها أَيَلْزَمُهُ الظِّهَارُ أو مَاتَتْ أَيَرِثُهَا أو مَاتَ أَتَرِثُهُ قال لَا قُلْت أَلَا أن أَحْكَامَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هذه الْخَمْسَةُ تَدُلُّ على أنها لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ قال نعم قُلْت وَحُكْمُ اللَّهِ أَنَّهُ إنَّمَا تَطْلُقُ الزَّوْجَةُ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قال { إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ } قال نعم فَقُلْت له كِتَابُ اللَّهِ إذَا كان كما زَعَمْنَا وَزَعَمْت يَدُلُّ على أنها لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ وَهِيَ خِلَافُ قَوْلِكُمْ
أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ عن بن عَبَّاسٍ وبن الزُّبَيْرِ أَنَّهُمَا قَالَا في الْمُخْتَلِعَةِ يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا قَالَا لَا يَلْزَمُهَا طَلَاقٌ لِأَنَّهُ طَلَّقَ ما لَا يَمْلِكُ وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّك لَا تُخَالِفُ وَاحِدًا من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا إلَى قَوْلٍ مِثْلِهِ فَخَالَفْت بن عَبَّاسٍ وبن الزُّبَيْرِ مَعًا وَآيَاتٍ من كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ما أَدْرِي لَعَلَّ أَحَدًا لو قال مِثْلَ قَوْلِك هذا لَقُلْت له ما يَحِلُّ لَك أَنْ تَتَكَلَّمَ في الْعِلْمِ وَأَنْتَ تَجْهَلُ أَحْكَامَ اللَّهِ ثُمَّ قُلْت فيها قَوْلًا لو تَخَاطَأْتَ فَقُلْته كُنْت قد أَحْسَنْت الْخَطَأَ وَأَنْتَ تَنْسِبُ نَفْسَك إلَى النَّظَرِ قال وما هذا الْقَوْلُ قُلْت زَعَمْت أَنَّهُ إنْ قال لِلْمُخْتَلِعَةِ أَنْتِ بَتَّةٌ وَبَرِيَّةٌ وَخَلِيَّةٌ يَنْوِي الطَّلَاقَ لم يَلْزَمْهَا الطَّلَاقُ وَهَذَا يَلْزَمُ الزَّوْجَةَ وَأَنَّهُ إنْ آلَى منها أو تَظَاهَرَ أو قَذَفَهَا لم يَلْزَمْهَا ما يَلْزَمُ الزَّوْجَةَ وَأَنَّهُ إنْ قال كُلُّ امْرَأَةٍ له طَالِقٌ وَلَا يَنْوِيهَا وَلَا غَيْرَهَا طُلِّقَ نِسَاؤُهُ ولم تَطْلُقْ هِيَ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِامْرَأَةٍ له ثُمَّ قُلْت وَإِنْ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ فَكَيْفَ يُطَلِّقُ غير امْرَأَتِهِ - * الشِّقَاقُ بين الزَّوْجَيْنِ - * ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا } الْآيَةُ قال اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَعْنَى ما أَرَادَ من خَوْفِ الشِّقَاقِ الذي إذَا بَلَغَاهُ أَمَرَهُ أَنْ يَبْعَثَ حَكَمًا من أَهْلِهِ وَحَكَمًا من أَهْلِهَا ( 3 ) وَاَلَّذِي يُشْبِهُ ظَاهِرُ الْآيَةِ فما عَمَّ الزَّوْجَيْنِ مَعًا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) إنْ أَعْطَتْهُ أَلْفًا على أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً أو اثْنَتَيْنِ أو ثَلَاثًا لَزِمَهُ ما طَلَّقَ وَلَا رَجْعَةَ له في وَاحِدَةٍ وَلَا اثْنَتَيْنِ لِلثَّمَنِ الذي أَخَذَهُ منها

(5/115)


حتى يَشْتَبِهَ فيه حالاهما ( ( ( حالهما ) ) ) الْآيَةُ وَذَلِكَ أَنِّي وَجَدْتُ اللَّهَ عز وجل أَذِنَ في نُشُوزِ الزَّوْجِ أَنْ يَصْطَلِحَا وَسَنَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ذلك وَأَذِنَ في نُشُوزِ الْمَرْأَةِ بِالضَّرْبِ وَأَذِنَ في خَوْفِهِمَا أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ بِالْخُلْعِ وَدَلَّتْ السُّنَّةُ أَنَّ ذلك بِرِضًا من الْمَرْأَةِ وَحَظَرَ أَنْ يَأْخُذَ الرجل ( ( ( لرجل ) ) ) مِمَّا أَعْطَى شيئا إذَا أَرَادَ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ فلما أَمَرَ فِيمَنْ خِفْنَا الشِّقَاقَ بَيْنَهُ بِالْحَكَمَيْنِ دَلَّ ذلك على أَنَّ حُكْمَهُمَا غَيْرُ حُكْمِ الْأَزْوَاجِ غَيْرِهِمَا وكان يَعْرِفُهُمَا بإباية ( ( ( بإبانة ) ) ) الْأَزْوَاجِ أَنْ يَشْتَبِهَ حالاهما ( ( ( حالهما ) ) ) في الشِّقَاقِ فَلَا يَفْعَلُ الرَّجُلُ الصَّفْحَ وَلَا الْفُرْقَةَ وَلَا الْمَرْأَةُ تَأْدِيَةَ الْحَقِّ وَلَا الْفِدْيَةَ أو تَكُونُ الْفِدْيَةُ لَا تَجُوزُ من قِبَلِ مُجَاوَزَةِ الرَّجُلِ مَالَهُ من أَدَبِ الْمَرْأَةِ وَتَبَايُنِ حَالِهِمَا في الشِّقَاقِ وَالتَّبَايُنُ هو ما يَصِيرَانِ فيه من الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ إلَى ما لَا يَحِلُّ لَهُمَا وَلَا يَحْسُنُ وَيَمْتَنِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا من الرَّجْعَةِ وَيَتَمَادَيَانِ فِيمَا ليس لَهُمَا وَلَا يُعْطِيَانِ حَقًّا وَلَا يَتَطَوَّعَانِ وَلَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِأَمْرٍ يَصِيرَانِ بِهِ في مَعْنَى الْأَزْوَاجِ غَيْرِهِمَا فإذا كان هكذا ( ( ( هذا ) ) ) بَعَثَ حَكَمًا من أَهْلِهِ وَحَكَمًا من أَهْلِهَا وَلَا يُبْعَثُ الْحَكَمَانِ إلَّا مَأْمُونَيْنِ وَبِرِضَا الزَّوْجَيْنِ وَيُوَكِّلُهُمَا الزَّوْجَانِ بِأَنْ يَجْمَعَا أو يُفَرِّقَا إذَا رايا ذلك
أخبرنا الرَّبِيعُ قال اخبرنا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قال أخبرنا الثَّقَفِيُّ عن أَيُّوبَ عن مُحَمَّدِ بن سيرين ( ( ( سريرة ) ) ) عن عُبَيْدَةَ عن عَلِيٍّ في هذه الْآيَةِ { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا من أَهْلِهِ وَحَكَمًا من أَهْلِهَا } ثُمَّ قال لِلْحَكَمَيْنِ هل تَدْرِيَانِ ما عَلَيْكُمَا عَلَيْكُمَا إنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تَجْمَعَا أَنْ تَجْمَعَا وَإِنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تُفَرِّقَا أَنْ تُفَرِّقَا قالت الْمَرْأَةُ رَضِيت بِكِتَابِ اللَّهِ بِمَا عَلَيَّ فيه وَلِي وقال الرَّجُلُ أَمَّا الْفُرْقَةُ فَلَا فقال عَلِيٌّ رضي اللَّهُ عنه كَذَبْت وَاَللَّهِ حتى تُقِرَّ بِمِثْلِ الذي أَقَرَّتْ بِهِ قال فَقَوْلُ عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه يَدُلُّ على ما وَصَفْت من أَنْ ليس لِلْحَاكِمِ أَنْ يَبْعَثَ حَكَمَيْنِ دُونَ رِضَا الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ بِحُكْمِهِمَا وَعَلَى أَنَّ الْحَكَمَيْنِ إنَّمَا هُمَا وَكِيلَانِ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بِالنَّظَرِ بَيْنَهُمَا في الْجَمْعِ وَالْفُرْقَةِ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على ذلك قُلْنَا لو كان الْحُكْمُ إلَى عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه دُونَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بَعَثَ هو حَكَمَيْنِ ولم يَقُلْ ابْعَثُوا حَكَمَيْنِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَقُولَ ابْعَثُوا حَكَمَيْنِ فَيَجُوزَ حُكْمُهُمَا بِتَسْمِيَةِ اللَّهِ إيَّاهُمَا حَكَمَيْنِ كما يَجُوزُ حُكْمُ الْحَاكِمِ الذي يُصَيِّرُهُ الْإِمَامُ فَمَنْ سَمَّاهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَاكِمًا أَكْثَرُ مَعْنًى أو يَكُونَا كَالشَّاهِدَيْنِ إذَا رَفَعَا شيئا إلَى الْإِمَامِ أَنْفَذَهُ عَلَيْهِمَا أو يقول ابْعَثُوا حَكَمَيْنِ أَيْ دُلُّونِي مِنْكُمْ على حَكَمَيْنِ صَالِحَيْنِ كما تَدُلُّونِي على تَعْدِيلِ الشُّهُودِ قُلْنَا الظَّاهِرُ ما وَصَفْنَا وَاَلَّذِي يَمْنَعُنَا من أَنْ نُحِيلَهُ عنه مع ظُهُورِهِ أَنَّ قَوْلَ عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه لِلزَّوْجِ كَذَبْت وَاَللَّهِ حتى تُقِرَّ بِمِثْلِ الذي أَقَرَّتْ بِهِ يَدُلُّ على أَنَّهُ ليس لِلْحَكَمَيْنِ أَنْ يَحْكُمَا إلَّا بِأَنْ يُفَوِّضَ الزَّوْجَانِ ذلك إلَيْهِمَا وَذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ فَوَّضَتْ وَامْتَنَعَ الزَّوْجُ من تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ فقال عَلِيٌّ رضي اللَّهُ عنه كَذَبْت حتى تُقِرَّ بِمِثْلِ الذي أَقَرَّتْ بِهِ يَذْهَبُ إلَى أَنَّهُ إنْ لم يُقِرَّ لم يَلْزَمْهُ الطَّلَاقُ وَإِنْ راياه وَلَوْ كان يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ أو تَفْوِيضِ الْمَرْأَةِ لَقَالَ له لَا أُبَالِي أَقَرَرْت أَمْ سَكَتَّ وَأَمَرَ الْحَكَمَيْنِ أَنْ يَحْكُمَا بِمَا رَأَيَا
أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن بن جُرَيْجٍ عن بن أبي مُلَيْكَةَ أَنَّهُ سَمِعَهُ يقول تَزَوَّجَ عَقِيلُ بن أبي طَالِبٍ فَاطِمَةَ بِنْتَ عُتْبَةَ بن رَبِيعَةَ فقالت اصبر لي وَأُنْفِقُ عَلَيْك فَكَانَ إذَا دخل عليها قالت أَيْنَ عُتْبَةُ بن رَبِيعَةَ أَيْنَ شَيْبَةُ بن رَبِيعَةَ فَيَسْكُتُ حتى دخل عليها يَوْمًا وهو بَرِمٌ فقالت أَيْنَ عُتْبَةُ بن رَبِيعَةَ أَيْنَ شَيْبَةُ بن رَبِيعَةَ فقال على يَسَارِك في النَّارِ إذَا دَخَلَتْ فَشَدَّتْ عليها ثِيَابَهَا فَجَاءَتْ عُثْمَانَ فَذَكَرَتْ له ذلك كُلَّهُ فَأَرْسَلَ بن عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةَ فقال بن عَبَّاسٍ لَأُفَرِّقَنِّ بَيْنَهُمَا وقال مُعَاوِيَةُ ما كُنْت لِأُفَرِّقَ بين شَيْخَيْنِ من بَنِي عبد مَنَافٍ قال فَأَتَيَاهُمَا فَوَجَدَاهُمَا قد شَدَّا عَلَيْهِمَا أَثْوَابَهُمَا وَأَصْلَحَا أَمْرَهُمَا وَهَذَا يُشْبِهُ ما رُوِيَ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَكَمَيْنِ ذَهَبَا وبن عَبَّاسٍ يقول أُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا وَمُعَاوِيَةُ يقول لَا أُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا فلما وَجَدَاهُمَا قد اصْطَلَحَا رَجَعَا وَذَلِكَ أَنَّ اصْطِلَاحَهُمَا يَدُلُّ على أَنَّهُمَا لو جاءاهما ( ( ( جاءهما ) ) ) فَسَخَا وِكَالَتَهُمَا فَرَجَعَا ولم تَعُدْ الْمَرْأَةُ وَلَا الرَّجُلُ إلَى الشِّقَاقِ عَلِمْنَاهُ (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رحمه اللَّهِ عليه وَلَوْ عَادَ الشِّقَاقُ عَادَا لِلْحَكَمَيْنِ ولم تَكُنْ الْأُولَى أَوْلَ

(5/116)


من الثَّانِيَةِ فإن شَأْنَهُمَا بَعْدَ مَرَّةٍ وَمَرَّتَيْنِ وَأَكْثَرُ وَاحِدٍ في الْحَكَمَيْنِ وإذا كان الْخَبَرُ يَدُلُّ على أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ أَنْ يَجُوزَ على الزَّوْجَيْنِ وَكَالَةُ الْحَكَمَيْنِ في الْفُرْقَةِ وَالِاجْتِمَاعِ بِالتَّفْوِيضِ إلَيْهِمَا دَلَّ ذلك على جَوَازِ الْوَكَالَاتِ وَكَانَتْ هذه الْآيَةُ لِلْوَكَالَاتِ أَصْلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَدَلَّ ذلك على أَنَّ للامام أَنْ يُوَلِّيَ الْحُكْمَ دُونَهُ من ليس يَلِيه إلَّا بِتَوْلِيَتِهِ إيَّاهُ وَأَنْ يُوَلُّوا الْحَكَمَ في بَعْضِ الْأُمُورِ دُونَ بَعْضٍ لِأَنَّ هذا حُكْمٌ خَاصٌّ ( قال ) وَلَوْ فَوَّضْنَا مع الْخُلْعِ وَالْفُرْقَةِ إلَى الْحَكَمَيْنِ الْأَخْذَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا من صَاحِبِهِ كان على الْحَكَمَيْنِ الِاجْتِهَادُ إنْ رَأَيَا الْجَمْعَ في الْأَخْذِ لِأَحَدِهِمَا من صَاحِبِهِ فِيمَا يَرَيَانِهِ صَلَاحًا لَهُمَا إذَا كان الْأَغْلَبُ عِنْدَهُمَا بَعْدَ مَعْرِفَةِ أَخْلَاقِهِمَا وَمَذَاهِبِهِمَا أَنَّ ذلك أَصْلَحُ لِأَمْرِهِمَا وَالْأَخْذُ من مَالِ أَحَدِهِمَا لِصَاحِبِهِ وكان تَفْوِيضُ ذلك إلَيْهِمَا مِثْلُ الْفُرْقَةِ أو أَوْلَى من الْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا فإذا جَازَتْ تَوْلِيَتُهُمَا لَهُمَا الْفُرْقَةَ جَازَ الْأَخْذُ بِتَوْلِيَتِهِمَا وَعَلَى السُّلْطَانِ إنْ لم يَرْضَيَا بِحَكَمَيْنِ عِنْدِي أَنْ لَا يجبرهما ( ( ( يجيزهما ) ) ) على حَكَمَيْنِ وَأَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِمَا فَيَأْخُذَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا من صَاحِبِهِ من نَفَقَةٍ وَقَسْمٍ وَيُجْبِرُ الْمَرْأَةَ على ما عليها وَكُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على ما يَلْزَمُهُ وَلَهُ أَنْ يُعَاقِبَ أَيَّهُمَا رَأَى إنْ امْتَنَعَ بِقَدْرِ ما يَسْتَوْجِبُ وَلَوْ قال قَائِلٌ يُجْبِرُهُمَا السُّلْطَانُ على الْحَكَمَيْنِ كان مَذْهَبًا - * حَبْسُ الْمَرْأَةِ لِمِيرَاثِهَا - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ } إلَى { كَثِيرًا } (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَبَاحَ عِشْرَتَهُنَّ على الْكَرَاهِيَةِ بِالْمَعْرُوفِ وَأَخْبَرَ أَنَّ اللَّهَ عز وجل قد يَجْعَلُ في الْكُرْهِ خَيْرًا كَثِيرًا وَالْخَيْرُ الْكَثِيرُ الْأَجْرُ في الصَّبْرِ وَتَأْدِيَةِ الْحَقِّ إلَى من ( ( ( سن ) ) ) يُكْرَهُ أو التَّطَوُّلِ عليه وقد يَغْتَبِطُ وهو كَارِهٌ لها بِأَخْلَاقِهَا وَدِينِهَا وَكَفَاءَتِهَا وَبَذْلِهَا وَمِيرَاثٍ إنْ كان لها وَتَصَرُّفِ حَالَاتِهِ إلَى الْكَرَاهِيَةِ لها بَعْدَ الْغِبْطَةِ بها - * الْفُرْقَةُ بين الْأَزْوَاجِ بِالطَّلَاقِ وَالْفَسْخِ - * أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال الْفُرْقَةُ بين الزَّوْجَيْنِ وُجُوهٌ يَجْمَعُهَا اسْمُ الْفُرْقَةِ وَيَفْتَرِقُ بها أَسْمَاءٌ دُونَ اسْمِ الْفُرْقَةِ فَمِنْهَا الطَّلَاقُ وَالطَّلَاقُ ما ابْتَدَأَهُ الزَّوْجُ فَأَوْقَعَهُ على امْرَأَتِهِ بِطَلَاقٍ صَرِيحٍ أو كَلَامٍ يُشْبِهُ الطَّلَاقَ يُرِيدُ بِهِ الطَّلَاقَ وَكَذَلِكَ ما جَعَلَ إلَى امْرَأَتِهِ من أَمْرِهَا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا أو إلَى غَيْرِهَا فَطَلَّقَهَا فَهُوَ كَطَلَاقِهِ لِأَنَّهُ بِأَمْرِهِ وَقَعَ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كان الطَّلَاقُ فيه من الزَّوْجِ أو مِمَّنْ جَعَلَهُ إلَيْهِ الزَّوْجُ وَاحِدَةً أو اثْنَتَيْنِ فَالزَّوْجُ يَمْلِكُ فيه رَجْعَةَ الْمُطَلَّقَةِ ما كانت في عِدَّةٍ منه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَلِكَ إنْ آلَى من امْرَأَتِهِ فَطَلَّقَ أو قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ البتة فَحَلَفَ ما أَرَادَ إلَّا وَاحِدَةً أو أَنْتِ خَلِيَّةٌ أو بَائِنٌ أو بَرِيَّةٌ فَحَلَفَ ما أَرَادَ إلَّا وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ لَا يَكُونُ من هذا شَيْءٌ بَائِنٌ أَبَدًا إنْ كانت الزَّوْجَةُ مَدْخُولًا بها + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فقال لي
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ يُقَالُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ نَزَلَتْ في الرَّجُلِ يُكْرِهُ الْمَرْأَةَ فَيَمْنَعُهَا كَرَاهِيَةً لها حَقَّ اللَّهِ في عِشْرَتِهَا بِالْمَعْرُوفِ وَيَحْبِسُهَا مَانِعًا لِحَقِّهَا لِيَرِثَهَا من غَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ منها بِإِمْسَاكِهِ إيَّاهَا على الْمَنْعِ فَحَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى ذلك على هذا الْمَعْنَى وَحَرَّمَ على الْأَزْوَاجِ أَنْ يَعْضُلُوا النِّسَاءَ لِيَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما أُوتِينَ وَاسْتَثْنَى إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وإذا أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَهِيَ الزنى فَأَعْطَيْنَ بِبَعْضِ ما أُوتِينَ لِيُفَارِقْنَ حَلَّ ذلك إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ولم تَكُنْ مَعْصِيَتُهُنَّ الزَّوْجَ فِيمَا يَجِبُ له بِغَيْرِ فَاحِشَةٍ أَوْلَى أَنْ نُحِلَّ ما أَعْطَيْنَ من أَنْ يَعْصِينَ اللَّهَ وَالزَّوْجَ بالزنى وَأَمَرَ اللَّهُ في اللَّاتِي يَكْرَهْهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ ولم يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ أَنْ يُعَاشَرْنَ بِالْمَعْرُوفِ وَذَلِكَ بِتَأْدِيَةِ الْحَقِّ وَإِجْمَالِ الْعِشْرَةِ وقال { فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شيئا } الْآيَةُ

(5/117)


بَعْضُ الناس ما الْحُجَّةُ فِيمَا قُلْت قُلْت الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْآثَارُ وَالْقِيَاسُ قال فَأَوْجَدَنِي ما ذَكَرْته قُلْت قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ } الْآيَةُ وقال تَعَالَى ذِكْرُهُ { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } إلَى قَوْلِهِ { إصْلَاحًا } وَقُلْت أَمَا يَتَبَيَّنُ لَك في هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى جَعَلَ لِكُلِّ مُطَلِّقٍ لم يَأْتِ على جَمِيعِ الطَّلَاقِ الرَّجْعَةَ في الْعِدَّةِ ولم يُخَصِّصْ مُطَلِّقًا دُونَ مُطَلِّقٍ وَلَا مُطَلَّقَةً دُونَ مُطَلَّقَةٍ وَأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إذَا قال { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أو تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } فَإِنَّمَا أَمَرَ بِالْإِمْسَاكِ من له أَنْ يُمْسِكَ وَبِالتَّسْرِيحِ من له أَنْ يُسَرِّحَ قال فما التَّسْرِيحُ هَا هُنَا قُلْت تَرْكُ الْحَبْسِ بِالرَّجْعَةِ في الْعِدَّةِ تَسْرِيحٌ بِمُتَقَدِّمِ الطَّلَاقِ وَقُلْت له إنَّ هذا في غَيْرِ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ أَيْضًا كَهُوَ في هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ قال فَاذْكُرْهُ قُلْت قال اللَّهُ عز وجل { وإذا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسَكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } إلَى قَوْلِهِ { لِتَعْتَدُوا } قال فما مَعْنَى قَوْلِهِ { فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } قُلْت يَعْنِي وَاَللَّهُ تعالى أَعْلَمُ قَارَبْنَ بُلُوغَ أَجَلِهِنَّ قال وما الدَّلِيلُ على ذلك قُلْت الْآيَةُ دَلِيلٌ عليه لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { فَأَمْسَكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أو سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا } فَلَا يُؤْمَرُ بِالْإِمْسَاكِ وَالسَّرَاحِ إلَّا من هذا إلَيْهِ ثُمَّ شَرَطَ عليهم في الْإِمْسَاكِ أَنْ يَكُونَ بِمَعْرُوفٍ وَهَذِهِ كَالْآيَةِ قَبْلَهَا في قَوْلِهِ { فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } قال وَتَقُولُ هذا الْعَرَبُ قُلْت نعم تَقُولُ لِلرَّجُلِ إذَا قَارَبَ الْبَلَدَ يُرِيدُهُ أو الْأَمْرَ يُرِيدُهُ قد بَلَغْته وَتَقُولُهُ إذَا بَلَغَهُ وَقُلْت له قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { فَأَمْسَكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أو فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } قال فَلِمَ قُلْت إنَّهَا تَكُونُ لِلْأَزْوَاجِ الرَّجْعَةُ في الْعِدَّةِ قبل التَّطْلِيقَةِ الثَّالِثَةِ فَقُلْت له لَمَّا بَيَّنَ اللَّهُ عز وجل في كِتَابِهِ { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ له من بَعْدُ حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } إلَى { أَنْ يَتَرَاجَعَا } قال فَلِمَ قُلْت في قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى في الْمُطَلَّقَاتِ { فإذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسَكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أو فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } إذَا قَارَبْنَ بُلُوغَ أَجَلِهِنَّ وَقُلْت في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل في الْمُتَوَفَّى عنها زَوْجُهَا { فإذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ في أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ } هذا إذَا قَضَيْنَ أَجَلَهُنَّ وَالْكَلَامُ فِيهِمَا وَاحِدٌ (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقُلْت له { بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } يَحْتَمِلُ قَارَبْنَ الْبُلُوغَ وَبَلَغْنَ فَرَغْنَ مِمَّا عَلَيْهِنَّ فَكَانَ سياق ( ( ( سباق ) ) ) الْكَلَامِ في الْآيَتَيْنِ دَلِيلًا على فَرْقٍ بَيْنَهُمَا لِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى في الطَّلَاقِ { فإذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسَكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أو فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } وقال { وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا } فَلَا يُؤْمَرُ بِالْإِمْسَاكِ إلَّا من يَجُوزُ له الْإِمْسَاكُ في الْعِدَّةِ ( 1 ) فِيمَنْ ليس لَهُنَّ أَنْ يَفْعَلْنَ في أَنْفُسِهِنَّ ما شِئْنَ في الْعِدَّةِ حتى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ وهو كَلَامٌ عَرَبِيٌّ هذا من أَبْيَنِهِ وَأَقَلِّهِ خَفَاءً لِأَنَّ الْآيَتَيْنِ تَدُلَّانِ على افْتِرَاقِهِمَا بِسِيَاقِ الْكَلَامِ فِيهِمَا وَمِثْلُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذَكَرَهُ في الْمُتَوَفَّى في قَوْله تَعَالَى { وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حتى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ } حتى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا فَيَحِلَّ نِكَاحُهَا
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فقال وما السُّنَّةُ فيه قُلْت أخبرني عَمِّي محمد بن عَلِيٍّ عن عبد اللَّهِ بن عَلِيِّ بن السَّائِبِ عن نَافِعِ بن عُجَيْرِ بن عبد يَزِيدَ أَنَّ ركانة ( ( ( ركامة ) ) ) بن عبد يَزِيدَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ سُهَيْمَةَ الْمُزَنِيَّةَ البتة ثُمَّ أتى رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال يا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي طَلَّقْت امْرَأَتِي سُهَيْمَةَ البتة ووالله ( ( ( والله ) ) ) ما أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِرُكَانَةَ وَاَللَّهِ ما أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً فقال رُكَانَةُ وَاَللَّهِ ما أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً فَرَدَّهَا إلَيْهِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَطَلَّقَهَا الثَّانِيَةَ في زَمَانِ عُمَرَ وَالثَّالِثَةَ في زَمَانِ عُثْمَانَ قال فما الْأَثَرُ فيه قُلْت أو يَحْتَاجُ مع حُكْمِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَى غَيْرِهِمَا فقال إنْ كان عِنْدَك أَثَرٌ فَلَا عَلَيْك أَنْ تَذْكُرَهُ قُلْت
أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرٍو أَنَّهُ سمع مُحَمَّدَ بن عَبَّادِ بن جَعْفَرٍ يقول أخبرني الْمُطَّلِبُ بن حَنْطَبٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ البتة ثُمَّ أت

(5/118)


عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه فذكر ذلك له فقال ما حَمَلَك على ذلك قال قد فَعَلْته قال فَقَرَأَ { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لهم وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا } ما حَمَلَك على ذلك قُلْت قد فَعَلْته قال أَمْسِكْ عَلَيْك امْرَأَتَك فإن الْوَاحِدَةَ لَا تَبُتُّ
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا سُفْيَانُ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن عبد اللَّهِ بن أبي سَلَمَةَ عن سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ أَنْ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه قال لِلتُّومَةِ مِثْلُ قَوْلِهِ لِلْمُطَّلِبِ
أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا الثِّقَةُ عن اللَّيْثِ عن ( ( ( بن ) ) ) بُكَيْرِ بن الْأَشَجِّ عن سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ أَنَّ رَجُلًا من بَنِي زُرَيْقٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ البتة فقال له عُمَرُ احْلِفْ فقال أَتَرَانِي يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَقَعُ في الْحَرَامِ وَالنِّسَاءُ كَثِيرٌ فقال له احْلِفْ فَحَلَفَ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سَعِيدٌ الْقَدَّاحُ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ البتة فقال يَدِينُ فَإِنْ كان أَرَادَ ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ وَإِنْ أَرَادَ وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّ شُرَيْحًا دَعَاهُ بَعْضُ أُمَرَائِهِمْ فَسَأَلَهُ عن رَجُلٍ قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ البتة فَاسْتَعْفَاهُ شُرَيْحٌ فَأَبَى أَنْ يُعْفِيَهُ فقال أَمَّا الطَّلَاقُ فَسُنَّةٌ وَأَمَّا الْبَتَّةُ فَبِدْعَةٌ فَأَمَّا السُّنَّةُ فَالطَّلَاقُ فَأَمْضُوهَا وَأَمَّا الْبِدْعَةُ فَالْبَتَّةُ فَقَلِّدُوهُ إيَّاهَا وَدَيِّنُوهُ فيها
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ الرَّجُلُ يقول لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ خَلِيَّةٌ أو خَلَوْت مِنِّي وَقَوْلُهُ أَنْتِ بَرِيئَةٌ أو بَرِئْت مِنِّي أو يقول أَنْتِ بَائِنَةٌ أو بِنْت مِنِّي قال سَوَاءٌ قال عَطَاءٌ أَمَّا قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ فَسُنَّةٌ لَا يَدِينُ في ذلك وهو الطَّلَاقُ قال بن جُرَيْجٍ قال عَطَاءٌ أَمَّا قَوْلُهُ أَنْتِ بَرِيئَةٌ أو بَائِنَةٌ فَذَلِكَ ما أَحْدَثُوا فَيَدِينُ فَإِنْ كان أَرَادَ الطَّلَاقَ فَهُوَ الطَّلَاقُ وَإِلَّا فَلَا
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ أَنَّهُ قال في قَوْلِهِ أَنْتِ بَرِيئَةٌ أو أَنْتِ بَائِنَةٌ أو خَلِيَّةٌ أو بَرِئْت مِنِّي أو بِنْت مِنِّي قال يَدِينُ
أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن بن طَاوُسٍ عن أبيه أَنَّهُ قال إنْ أَرَادَ الطَّلَاقَ فَهُوَ الطَّلَاقُ كَقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ قال وما يُشْبِهُ هذا قُلْت الْعَبْدُ يَبْتَاعُهُ فَيَظْهَرُ منه على عَيْبٍ فَيَكُونُ له رَدُّهُ بِالْعَيْبِ وَرَدُّهُ فَسْخُ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ وَلَيْسَ اسْتِئْنَافُ بَيْعٍ فيه وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ بَيْعًا بِغَيْرِ رِضَا الْمَرْدُودِ عليه وَهَذَا كُلُّهُ فُرْقَةٌ من الْمَرْأَةِ وَفُرْقَةُ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ تَمْلِيكِ الزَّوْجِ إيَّاهَا لَا تَكُونُ إلَّا فَسْخَ عُقْدَةِ النِّكَاحِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الذي جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى ثَلَاثًا لَا تَحِلُّ النِّسَاءُ بَعْدَهُ إلَّا بِزَوْجٍ وهو إلَى الرِّجَالِ لَا إلَى النِّسَاءِ قال فَهَلْ من شَيْءٍ فرقة غَيْرُ هذا قُلْت نعم كُلُّ ما عُقِدَ فَاسِدًا من نِكَاحٍ مِثْلُ نِكَاحٍ بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَنِكَاحِ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَنِكَاحِ الْأَمَةِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهَا فَكُلُّ ما وَقَعَ من النِّكَاحِ كُلُّهُ ليس بِتَامٍّ يَحِلُّ فيه الْجِمَاعُ بِالْعَقْدِ وَيَقَعُ الْمِيرَاثُ بين الزَّوْجَيْنِ وَلَا يَكُونُ لاحد فَسْخُهُ زَوْجٍ وَلَا زَوْجَةٍ وَلَا وَلِيٍّ فَكُلُّ ما كان هَكَذَا فَالنِّكَاحُ فيه فَاسِدٌ يُفَرِّقُ الْعُقْدَةَ ولم تُعَدُّ الْفُرْقَةُ طَلَاقًا وَلَكِنَّهُ فَسْخُ الْعَقْدِ قال فَهَلْ من تَفْرِقَةٍ غَيْرِ هذا قُلْت نعم رِدَّةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ أو إسْلَامُ أَحَدِهِمَا وَالْآخَرُ مُقِيمٌ على الْكُفْرِ وقد حَرَّمَ اللَّهُ على الْكَافِرِينَ أَنْ يَغْشَوْا الْمُؤْمِنَاتِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ غَشَيَانُ الْكَوَافِرِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال فما الْوُجُوهُ التي ذَكَرْت التي تَكُونُ بها الْفُرْقَةُ بين الزَّوْجَيْنِ فَقُلْت له كُلُّ ما حُكِمَ فيه بِالْفُرْقَةِ وَإِنْ لم يَنْطِقْ بها الزَّوْجُ ولم يُرِدْهَا وما لو أَرَادَ الزَّوْجُ أَنْ لَا تُوقَعَ عليه الْفُرْقَةُ أُوقِعَتْ فَهَذِهِ فُرْقَةٌ لَا تُسَمَّى طَلَاقًا لِأَنَّ الطَّلَاقَ ليس من الزَّوْجِ وهو لم يَقُلْهُ ولم يَرْضَهُ بَلْ يُرِيدُ رَدَّهُ وَلَا يُرَدُّ قال وَمِثْلُ مَاذَا قُلْت مِثْلُ الْأَمَةِ تَعْتِقُ عِنْدَ الْعَبْدِ فَتَخْتَارُ فِرَاقَهُ وَمِثْلُ الْمَرْأَةِ تَكُونُ عِنْدَ الْعِنِّينِ فَيُؤَجَّلُ سَنَةً فَلَا يَمَسُّ فَتَخْتَارُ فِرَاقَهُ فَهَاتَانِ الْفِرْقَتَانِ وَإِنْ كَانَتَا صُيِّرَتَا لِلْمَرْأَتَيْنِ بِعِلَّةِ الْعُبُودِيَّةِ في الزَّوْجِ وَالْعَجْزِ فيه وَلَيْسَ أَنَّ الزَّوْجَ طَلَّقَ وَمِثْلُ ذلك أَنْ تُزَوِّجَ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ فَيَنْتَسِبَ حُرًّا فَيُوجَدَ عَبْدًا فَتُخَيَّرُ فَتُفَارِقُهُ وَيَتَزَوَّجُهَا الرَّجُلُ فَتَجِدُهُ أَجْذَمَ أو مَجْنُونًا أو أَبْرَصَ فَتَخْتَارُ فِرَاقَهُ قال أَفَتَعُدُّ شيئا من هذا طَلَاقًا قُلْت لَا هذا فَسْخُ عَقْدِ النِّكَاحِ لَا إحْدَاثُ طَلَاقٍ فيها وَمِثْلُ الزَّوْجَيْنِ يُسْلِمُ أَحَدُهُمَا وَلَا يُسْلِمُ الْآخَرُ حتى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ

(5/119)


سِوَى أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فِرَاقًا من الزَّوْجِ هذا فَسْخٌ كُلُّهُ قال فَهَلْ من وَجْهٍ من الْفُرْقَةِ غَيْرِ هذا قُلْت نعم الْخُلْعُ قال فما الْخُلْعُ عِنْدَك فَذَكَرَتْ له الِاخْتِلَافَ فيه قال فَإِنْ أَعْطَتْهُ أَلْفًا على أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً أو اثْنَتَيْنِ أَفَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ قُلْت لَا قال وَلِمَ وَالطَّلَاقُ منه لو أَرَادَ لم يُوقِعْهُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقُلْت له فما مَنَعَك من هذه الْحُجَّةِ في الْمُخْتَلِعَةِ وقد فَرَّقَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَيْنَهُمَا بِأَنْ جَعَلَهَا مُفْتَدِيَةً وَبِأَنَّ هذا طَلَاقٌ بِمَالٍ يُؤْخَذُ وَبِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ لم يَخْتَلِفُوا في أَنَّ الرَّجُلَ إذَا قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً مَلَكَ الرَّجْعَةَ وَإِنْ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً على شَيْءٍ يَأْخُذُهُ لم يَمْلِكْ الرَّجْعَةَ قال هذا هَكَذَا لِأَنَّهُ إذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ أَجْعَلَ ما أَخَذَ عليه مَالًا كَمَنْ لم يَأْخُذْ الْمَالَ وَالْحُجَّةُ فيه ما ذَكَرْت من أَنَّ من مَلَكَ شيئا بِشَيْءٍ يَخْرُجُ منه لم يَكُنْ له على ما خَرَجَ منه سَبِيلٌ كما لَا يَكُونُ على ما في يَدَيْهِ مِمَّا أَخْرَجَهُ إلَيْهِ مَالِكُهُ لِمَالِكِهِ الذي أَخْرَجَهُ إلَيْهِ سَبِيلٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ قال فَأَوْجَدَنِي اللَّفْظُ الذي يَكُونُ فِرَاقًا في الْحُكْمِ لَا تُدِينُهُ فيه قُلْت له هو قَوْلُ الرَّجُلِ أَنْتِ طَالِقٌ أو قد طَلَّقْتُك أو أَنْتِ سَرَاحٌ أو قد سَرَّحْتُك أو قد فَارَقْتُك قال فَمِنْ أَيْنَ قد فَرَّقْت بين هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ في الْحُكْمِ وَبَيْنَ ما سِوَاهُنَّ وَأَنْتَ ( 1 ) تُدِينُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ فِيهِنَّ كما تُدِينُهُ في غَيْرِهِنَّ قُلْت هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتُ التي سَمَّى اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهِنَّ الطَّلَاقَ فقال { إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ } وقال { فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أو فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } وقال عز وجل { فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ } الْآيَةُ فَهَؤُلَاءِ الْأُصُولُ وما أَشْبَهَهُنَّ مِمَّا لم يُسَمَّ طَلَاقًا في كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا أَثَرٍ إلَّا بِنِيَّتِهِ فَإِنْ نَوَى صَاحِبَهُ طَلَاقًا مع قَوْلٍ يُشْبِهُ الطَّلَاقَ كان طَلَاقًا وَإِنْ لم يَنْوِهِ لم يَكُنْ طَلَاقًا - * الْخِلَافُ في الطَّلَاقِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فقال إنَّا نُوَافِقُك في مَعْنًى وَنُخَالِفُك في مَعْنًى فَقُلْت فَاذْكُرْ الْمَوَاضِعَ التي تُخَالِفُنَا فيها قال تَزْعُمُ أَنَّ من قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فَهُوَ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ جُعْلًا على قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ قُلْت هذا قَوْلُنَا وَقَوْلُ الْعَامَّةِ قال وَتَقُولُ إنْ قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ خَلِيَّةٌ أو بَرِيَّةٌ أو بَائِنَةٌ أو كَلِمَةً غير تَصْرِيحِ الطَّلَاقِ فلم يُرِدْ بها طَلَاقًا فَلَيْسَ بِطَلَاقٍ قُلْت وَهَذَا قَوْلِي قال وَتَزْعُمُ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ بهذا الذي ليس بِصَرِيحٍ الطَّلَاقَ الطَّلَاقَ وَأَرَادَ وَاحِدَةً
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقُلْت له يقول اللَّهُ عز وجل { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } وَالْفِدْيَةُ مِمَّنْ مَلَكَ عليه أَمْرَهُ لَا تَكُونُ إلَّا بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ عنه وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ تَعَالَى لها بِالْفِدْيَةِ وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا ثُمَّ يَمْلِكَ عليها أَمْرَهَا بِغَيْرِ رِضًا منها أَلَا تَرَى أَنَّ كُلَّ من أَخَذَ شيئا على شَيْءٍ يُخْرِجُهُ من يَدَيْهِ لم يَكُنْ له سَبِيلٌ على ما أَخْرَجَ من يَدَيْهِ لَمَّا أَخَذَ عليه من الْعِوَضِ وقد أَذِنَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِثَابِتِ بن قَيْسٍ أَنْ يَأْخُذَ من امْرَأَتِهِ حين جَاءَتْهُ ولم يَقُلْ له لَا تَأْخُذْ منها إلَّا في قَبْلِ عِدَّتِهَا كما أَمَرَ الْمُطَلِّقُ غَيْرَهُ ولم يُسَمِّ له طَلَاقًا يُطَلِّقُهَا إيَّاهُ وَرَأَى رِضَاهُ بِالْأَخْذِ منها فُرْقَةً وَالْخُلْعُ اسْمٌ مُفَارِقٌ لِلطَّلَاقِ وَلَيْسَ الْمُخْتَلِعُ بِمُبْتَدِئٍ طَلَاقًا إلَّا بِجُعْلٍ وَالْمُطَلِّقُونَ غَيْرُهُ لم يستجعلوا ( ( ( يستعجلوا ) ) ) وَقُلْت له الذي ذَهَبَ إلَيْهِ من قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ } الْآيَةُ إنَّمَا هو على من عليه الْعِدَّةُ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { طَلَّقْتُمُوهُنَّ من قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ } إلَى قَوْلِهِ { جَمِيلًا } أَفَرَأَيْت إنْ عَارَضَك مُعَارِضٌ في الْمُطَلَّقَةِ وَاحِدَةً قبل أَنْ يَدْخُلَ بها فقال إنَّ اللَّهَ قال { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أو تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } وَهَذِهِ مُطَلَّقَةٌ وَاحِدَةً فَيُمْسِكُهَا ما الْحُجَّةُ عليه قال قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى { فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسَكُوهُنَّ } وَقَوْلُهُ في الْعِدَّةِ { أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ في ذلك } فلما لم تَكُنْ هذه مُعْتَدَّةً بِحُكْمِ اللَّهِ عَلِمْت أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إنَّمَا قَصَدَ بِالرَّجْعَةِ في الْعِدَّةِ قَصْدَ الْمُعْتَدَّاتِ وكان الْمُفَسَّرُ من الْقُرْآنِ يَدُلُّ على مَعْنَى الْمُجْمَلِ وَيَفْتَرِقُ بِافْتِرَاقِ حَالِ الْمُطَلَّقَاتِ

(5/120)


كانت وَاحِدَةً ( 1 ) بَائِنَةً وَكَذَلِكَ إنْ قال وَاحِدَةً شَدِيدَةً أو غَلِيظَةً إذَا شَدَّدَ الطَّلَاقَ بِشَيْءٍ فَقُلْت له أَفَقُلْت هذا خَبَرًا أو قِيَاسًا فقال قُلْت بَعْضَهُ خَبَرًا وَقِسْت ما بَقِيَ منه على الْخَبَرِ بها (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ قُلْت ما الذي قُلْته خَبَرًا وَقِسْت ما بَقِيَ منه على الْخَبَرِ قال رَوَيْنَا عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّهُ قال في الرَّجُلِ يُخَيِّرُ امْرَأَتَهُ أو يُمَلِّكُهَا إنْ اخْتَارَتْهُ فَتَطْلِيقَةٌ يَمْلِكُ فيها الرَّجْعَةَ وَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَتَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ قُلْت أَرَوَيْت عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّهُ جَعَلَ أَلْبَتَّةَ ثَلَاثًا قال نعم قُلْت أنت تُخَالِفُ ما رَوَيْت عن عَلِيٍّ قال واين قُلْت أنت تَقُولُ إذَا اخْتَارَتْ الْمَرْأَةُ الْمُمَلَّكَةُ أو التي جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا زَوْجُهَا فَلَا شَيْءَ قال نعم فَقُلْت قد رَوَيْت عنه حُكْمًا وَاحِدًا خَالَفْت بَعْضَهُ وَرَوَيْت عنه أَيْضًا أَنَّهُ فَرَّقَ بين ألبتة وَالتَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ فَقُلْت في ألبتة نِيَّتُهُ فَإِنْ أَرَادَ وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ بَائِنٌ وهو يَجْعَلُهَا ثَلَاثًا فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّك جَعَلْت أَلْبَتَّةَ قِيَاسًا على التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ وَهُمَا عِنْدَك طَلَاقٌ لم يُغَلَّظْ وألبتة طَلَاقٌ قد غُلِّظَ فَكَيْفَ قِسْت أَحَدُهُمَا بِالْآخِرِ وَعَلِيٌّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وهو الذي عليه أَصْلُك زَعَمْت اعْتَمَدْت قال فإني إنَّمَا قُلْت في ألبتة بِحَدِيثِ رُكَانَةَ فَقُلْت له أَلَيْسَ جَعَلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَلْبَتَّةَ في حديث رُكَانَةَ وَاحِدَةً يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَأَنْتَ تَجْعَلُهَا بَائِنًا فقال قال شُرَيْحٌ نَقِفُهُ عِنْدَ بِدْعَتِهِ فَقُلْت وَنَحْنُ قد وَقَفْنَاهُ عِنْدَ بِدْعَتِهِ فلما أَرَادَ وَاحِدَةً جَعَلْنَاهَا تَمْلِكُ الرَّجْعَةَ كما جَعَلَهَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَعُمَرُ وَأَنْتَ رَوَيْت عن أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في ألبتة وَاحِدَةً وَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ أو ثَلَاثًا فَخَرَجْت من قَوْلِهِمْ مَعًا بِتَوَهُّمٍ في قَوْلِ شُرَيْحٍ وَشُرَيْحٌ رَجُلٌ من التَّابِعِينَ ليس لَك عِنْدَ نَفْسِك وَلَا لِغَيْرِك أَنْ يُقَلِّدَهُ وَلَا له عِنْدَك أَنْ يَقُولَ مع أَحَدٍ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَمَنْ قال في ألبتة ثَلَاثًا فإنه يَذْهَبُ إلَى الذي يَغْلِبُ على الْقَلْبِ أَنَّهُ إذَا نَطَقَ بِالطَّلَاقِ ثُمَّ قال أَلْبَتَّةَ فَإِنَّمَا أَرَادَ الْإِبْتَاتَ وَاَلَّذِي لَيْسَتْ بَعْدَهُ رَجْعَةٌ وهو ثَلَاثٌ وَمَنْ قال أَلْبَتَّةَ وَاحِدَةً إذَا لم يُرِدْ أَكْثَرَ منها ذَهَبَ فِيمَا نَرَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ إلَى أَنَّ البتة كَلِمَةٌ تَحْتَمِلُ أَكْثَرَ الطَّلَاقِ وَأَنْ يَقُولَ أَلْبَتَّةَ يَقِينًا كما تَقُولُ لَا آتِيك أَلْبَتَّةَ وَأَذْهَبُ أَلْبَتَّةَ وَتَحْتَمِلُ صِفَةَ الطَّلَاقِ فلما احْتَمَلَتْ مَعَانِيَ لم نَسْتَعْمِلْ عليه مَعْنًى يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ ولم نفرق ( ( ( تفرق ) ) ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ بِالتَّوَهُّمِ وَجَعَلْنَا ما احْتَمَلَ الْمَعَانِيَ ( 2 ) يُقَابِلُهُ وَقَوْلُك كُلُّهُ خَارِجٌ من هذا مُفَارِقٌ له قال فَإِنَّا قد رَوَيْنَا عن بن مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه لَا يَكُونُ طَلَاقٌ بَائِنٌ إلَّا خُلْعٌ أو إيلَاءٌ فَقُلْنَا قد خَالَفْته فَجَعَلْت كَثِيرًا من الطَّلَاقِ بَائِنًا سِوَى الْخُلْعِ وَالْإِيلَاءِ وَقُلْت له أَرَأَيْت لو أَنْ رَجُلًا من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال قَوْلُك في ألبتة وَرَوَيْنَا عن النبي عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ما يُخَالِفُهُ أَفِي رَجُلٍ أو رِجَالٍ من أَصْحَابِهِ حُجَّةٌ معه قال لَا قُلْنَا فَقَدْ خَالَفْت ما جاء عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في ألبتة وَخَالَفْت أَصْحَابَهُ فلم تَقُلْ بِقَوْلِ وَاحِدٍ منهم فيها وَقُلْت له أو يَخْتَلِفُ عِنْدَك قَوْلُ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ وَخَلِيَّةٌ وَبَرِيَّةٌ وَبَائِنٌ وما شَدَّدَ بِهِ الطَّلَاقَ أو كني عنه وهو يُرِيدُ الطَّلَاقَ فقال لَا كُلُّ هذا وَاحِدٌ قُلْت فَإِنْ كان كُلٌّ وَاحِدٌ من هذا عِنْدَك في مَعْنًى وَاحِدٍ فَقَدْ خَالَفْت قَوْلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وما في مَعْنَاهُ ثُمَّ قُلْت فيه قَوْلًا مُتَنَاقِضًا قال وَأَيْنَ قُلْت زَعَمْت أَنَّهُ إنْ قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً غَلِيظَةً أو شَدِيدَةً كانت بَائِنًا وَإِنْ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً طَوِيلَةً كان يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَكِلْتَا الْكَلِمَتَيْنِ صِفَةُ التَّطْلِيقَةِ وَتَشْدِيدٌ لها فَكَيْفَ كان يَمْلِكُ في إحْدَاهُمَا الرَّجْعَةَ وَلَا يَمْلِكُهَا في الْأُخْرَى أَرَأَيْت لو قال لَك قَائِلٌ إذَا قال طَوِيلَةً فَهِيَ بَائِنٌ لِأَنَّ الطَّوِيلَةَ ما كان لها مَنْعُ الرَّجْعَةِ حتى يُطَوِّلَ ذلك وَغَلِيظَةً وَشَدِيدَةً لَيْسَتْ كَذَلِكَ فَهُوَ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ أَمَا كا

(5/121)


أَقْرَبَ بِمَا فَرَّقَ إلَى الصَّوَابِ مِنْك (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَبِهَذَا نَأْخُذُ في تَخْيِيرِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَرِيرَةَ حين عَتَقَتْ في الْمُقَامِ مع زَوْجِهَا أو فِرَاقِهِ دَلَائِلَ منها أَنَّ الْأَمَةَ إذَا عَتَقَتْ عِنْدَ عَبْدٍ كان لها الْخِيَارُ في الْمُقَامِ معه أو فِرَاقِهِ وإذا جَعَلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْخِيَارَ لِلْأَمَةِ دُونَ زَوْجِهَا فَإِنَّمَا جَعَلَ لها الْخِيَارَ في فَسْخِ الْعُقْدَةِ التي عُقِدَتْ عليها وإذا كانت الْعُقْدَةُ تَنْفَسِخُ فَلَيْسَ الْفَسْخُ بِطَلَاقٍ إنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ الطَّلَاقَ الْمَعْدُودَ على الرِّجَالِ ما طَلَّقُوهُمْ فَأَمَّا ما فُسِخَ عليهم فَذَلِكَ لَا يُحْتَسَبُ عليهم وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ لِأَنَّهُ ليس بِقَوْلِهِمْ وَلَا بِفِعْلِهِمْ كان ( قال ) وفي الحديث دَلَالَةٌ على أَنَّ الْمِلْكَ يَزُولُ عن الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ وَعَقْدُ النِّكَاحِ ثَابِتٌ عليها إلَّا أَنْ تَفْسَخَهُ حُرِّيَّةٌ أو اخْتِيَارٌ في الْعَبْدِ خَاصَّةً وَهَذَا يَرُدُّ على من قال بَيْعُ الْأَمَةِ طَلَاقُهَا لِأَنَّهُ إذَا لم يَكُنْ خُرُوجُهَا من مِلْكِ سَيِّدِهَا الذي زَوَّجَهَا إيَّاهُ بِالْعِتْقِ يُخْرِجُهَا من نِكَاحِ الزَّوْجِ كان خُرُوجُهَا من مِلْكِ سَيِّدِهَا الذي زَوَّجَهَا إلَى رِقٍّ كَرِقِّهِ أَوْلَى أَنْ لَا يَخْرُجَهَا وَلَا يَكُونَ لها خِيَارٌ إذَا خَرَجَتْ إلَى الرِّقِّ وَبَرِيرَةُ قد خَرَجَتْ من رِقِّ مَالِكِهَا إلَى مِلْكِ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها وَمِنْ مِلْكِ عَائِشَةَ إلَى الْعِتْقِ فَجَمَعَتْ الْخُرُوجَيْنِ من الرِّقِّ إلَى الرِّقِّ وَمِنْ الرِّقِّ إلَى الْعِتْقِ ثُمَّ خَيَّرَهَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَعْدَهُمَا قال وَلَا يَكُونُ لها الْخِيَارُ إلَّا بِأَنْ تَكُونَ عِنْدَ عَبْدٍ فَأَمَّا عِنْدَ حُرٍّ فَلَا - * الْخِلَافُ في خِيَارِ الْأَمَةِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَخَالَفَنَا بَعْضُ الناس في خِيَارِ الْأَمَةِ فقال تخير تحت الحر كما تُخَيَّرُ تَحْتَ الْعَبْدِ وَقَالُوا رَوَيْنَا عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كان حُرًّا قال فَقُلْت له رَوَاهُ عُرْوَةُ عن الْقَاسِمِ عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كان عَبْدًا وَهُمَا أَعْلَمُ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ ممن رَوَيْت هذا عنه قال فَهَلْ تَرْوُونَ عن غَيْرِ عَائِشَةَ أَنَّهُ كان عَبْدًا فَقُلْت هِيَ الْمُعْتِقَةُ وَهِيَ أَعْلَمُ بِهِ من غَيْرِهَا وقد رُوِيَ من وَجْهَيْنِ قد ثَبَتَ أنت ما هو أَضْعَفُ مِنْهُمَا وَنَحْنُ إنَّمَا نُثْبِتُ ما هو أَقْوَى مِنْهُمَا قال فَاذْكُرْهُمَا قُلْت
أخبرنا سُفْيَانُ عن أَيُّوبَ عن عِكْرِمَةَ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهُ زَوْجُ بَرِيرَةَ فقال كان ذلك مُغِيثٌ عبد بَنِي فُلَانٍ كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَيْهِ يَتْبَعُهَا في الطَّرِيقِ وهو يَبْكِي
أخبرنا الْقَاسِمُ بن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ بن حَفْصٍ عن عبد اللَّهِ بن دِينَارٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كان عَبْدًا قال فقال فَلِمَ تُخَيَّرُ تَحْتَ الْعَبْدِ وَلَا تُخَيَّرُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقُلْت له لقد خَالَفْت في هذا الْقَوْلِ مَعَانِيَ الْآثَارِ مع فِرَاقِك مَعْنَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ ( 1 ) وَالْآثَارِ وَالْقِيَاسِ قال فَمِنْ أَصْحَابِك من يقول لَا أَثِقُ بِهِ في الطَّلَاقِ قُلْت أُولَئِكَ خَالَفُونَا وَإِيَّاكَ فَإِنْ قُلْت بِقَوْلِهِمْ حَاجَجْنَاك وَإِنْ خَالَفْتهمْ فَلَا تَحْتَجَّ بِقَوْلِ من لَا تَقُولُ بِقَوْلِهِ - * انْفِسَاخُ النِّكَاحِ بين الْأَمَةِ وَزَوْجِهَا الْعَبْدِ إذَا عَتَقَتْ - *
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن رَبِيعَةَ عن الْقَاسِمِ بن مُحَمَّدٍ عن عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها أنها قالت كانت في بَرِيرَةَ ثَلَاثُ سُنَنٍ وكان في أحدى السُّنَنِ أنها أُعْتِقَتْ فَخُيِّرَتْ في زَوْجِهَا
أخبرنا مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كان يقول في الْأَمَةِ تَكُونُ تَحْتَ الْعَبْدِ فَتَعْتِقُ أَنَّ لها الْخِيَارَ ما لم يَمَسَّهَا فإذا مَسَّهَا فَلَا خِيَارَ لها
أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن عُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ أَنَّ مَوْلَاةً لِبَنِي عَدِيِّ بن كَعْبٍ يُقَالُ لها زَبْرَاءُ أَخْبَرْته أنها كانت تَحْتَ عَبْدٍ وَهِيَ أَمَةٌ يَوْمَئِذٍ فَعَتَقَتْ قالت فَأَرْسَلَتْ إلى حَفْصَةَ زَوْجِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَدَعَتْنِي فقالت إنِّي مُخْبِرَتُك خَبَرًا وَلَا أُحِبُّ أَنْ تَصْنَعِي شيئا إنَّ أَمْرَك بِيَدِك ما لم يَمَسَّك زَوْجُك قالت فَفَارَقَتْهُ ثَلَاثًا

(5/122)


تَحْتَ الْحُرِّ فَقُلْت له لِاخْتِلَافِ حَالَةِ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ قال وما اخْتِلَافُهُمَا قُلْت له الِاخْتِلَافُ الذي لم أَرَ أَحَدًا يَسْأَلُ عنه قال وما ذَاكَ قُلْت إذَا صَارَتْ حُرَّةً لم يَكُنْ الْعَبْدُ لها كُفُؤًا لِنَقْصِهِ عنها أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ وَلِيًّا لِبِنْتِهِ يُزَوِّجُهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُوجَبُ بِالنِّكَاحِ على النَّاكِحِ أَشْيَاءُ لَا يَقْدِرُ الْعَبْدُ على كَمَالِهَا وَيَتَطَوَّعُ الزَّوْجُ الْحُرُّ على الْمَرْأَةِ بِأَشْيَاءَ لَا يَقْدِرُ الْعَبْدُ على كَمَالِهَا وَمِنْهَا أَنَّ الْمَرْأَةَ تَرِثُ زَوْجَهَا وَيَرِثُهَا وَالْعَبْدُ لَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ وَمِنْهَا أَنَّ نَفَقَةَ وَلَدِ الْحُرِّ عليه من الْحُرَّةِ وَمِنْهَا أَنَّ عليه أَنْ يَعْدِلَ لِامْرَأَتِهِ وَسَيِّدُ الْعَبْدِ قد يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَدْلِ عليها وَمِنْهَا أَشْيَاءُ يَتَطَوَّعُ لها بها من الْمُقَامِ مَعَهَا جُلَّ نَهَارِهِ وَلِسَيِّدِ الْعَبْدِ مَنْعُهُ من ذلك مع أَشْبَاهٍ لِهَذَا كَثِيرَةٍ يُخَالِفُ فيها الْحُرُّ الْعَبْدَ (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فقال أنا إنَّمَا ذَهَبْنَا في هذا إلَى أَنَّ خِيَارَ الْأَمَةِ تَحْتَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ أنها نَكَحَتْ وَهِيَ غَيْرُ مَالِكَةٍ لِأَمْرِهَا وَلَمَّا مَلَكَتْ أَمْرَهَا كان لها الْخِيَارُ في نَفْسِهَا فَقُلْت له أَرَأَيْت الصَّبِيَّةَ يُزَوِّجُهَا أَبُوهَا فَتَبْلُغُ قبل الدُّخُولِ أو بَعْدَهُ أَيَكُونُ لها الْخِيَارُ إذَا بَلَغَتْ قال لَا قُلْت فإذا زَعَمْت أَنَّك إنَّمَا خَيَّرَتْهَا لِأَنَّ الْعُقْدَةَ كانت وَهِيَ لَا خِيَارَ لها فإذا صَارَ الْخِيَارُ لها اخْتَارَتْ لَزِمَك هذا في الصَّبِيَّةِ يُزَوِّجُهَا أَبُوهَا قال فَإِنْ افْتَرَقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّبِيَّةِ قُلْت أو يَفْتَرِقَانِ قال نعم قُلْت فَكَيْفَ تَقِيسُهَا عليها وَالصَّبِيَّةُ وَارِثَةٌ مَوْرُوثَةٌ وَهَذِهِ غَيْرُ وَارِثَةٍ وَلَا مَوْرُوثَةٍ بِالنِّكَاحِ ثُمَّ تَقِيسُهَا عليها في الْخِيَارِ التي فَارَقَتْهَا فيه قال إنَّهُمَا وَإِنْ افْتَرَقَا في بَعْضِ أَمْرِهِمَا فَهُمَا يَجْتَمِعَانِ في بَعْضِهِ قُلْت وَأَيْنَ قال الصَّبِيَّةُ لم تَكُنْ يوم تَزَوَّجَتْ مِمَّنْ لها خِيَارٌ لِلْحَدَاثَةِ قُلْت وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ لِلرِّقِّ قال فَلَوْ كانت حُرَّةً كان لها الْخِيَارُ قُلْت وَكَذَلِكَ لو كانت الصَّبِيَّةُ بَالِغَةً قال فَهِيَ لَا تُشْبِهُهَا قُلْت فَكَيْفَ تُشَبِّهُهَا بها وَأَنْتَ تَقُولُ إذَا بَلَغَتْ الصَّبِيَّةُ لم يُزَوِّجْهَا أَبُوهَا إلَّا بِرِضَاهَا وهو يُزَوِّجُ أَمَتَهُ بِغَيْرِ رِضَاهَا قال فَأُشَبِّهُهَا بِالْمَرْأَةِ تُزَوَّجُ وَهِيَ لَا تَعْلَمُ أَنَّ لها الْخِيَارَ إذَا عَلِمَتْ قُلْت هذا خَطَأٌ في الْمَرْأَةِ هذه لَا نِكَاحَ لها وَلَوْ كان ما قُلْت كما قُلْت كُنْت قد قِسْتهَا على ما يُخَالِفُهَا قال وَأَيْنَ مُخَالِفُهَا قُلْت أَرَأَيْت الْمَرْأَةَ تَنْكِحُ وَلَا تَعْلَمُ ثُمَّ تَمُوتُ قبل أَنْ تَعْلَمَ أَيَرِثُهَا زَوْجُهَا أو يَمُوتُ أَتَرِثُهُ قال لَا قُلْت وَلَا يَحِلُّ له جِمَاعُهَا قبل أَنْ تَعْلَمَ قال لَا قُلْت أَفَتَجِدُ الْأَمَةَ يُزَوِّجُهَا سَيِّدُهَا هل يُحِلُّ سَيِّدُهَا جِمَاعَهَا قال نعم قُلْت وَكَذَلِكَ بَعْدَ ما تَعْتِقُ ما لم تَخْتَرْ فَسْخَ النِّكَاحِ قال نعم قُلْت وَلَوْ عَتَقَتْ فَمَاتَتْ وَرِثَهَا زَوْجُهَا قال نعم قُلْت وَلَوْ مَاتَ وَرِثَتْهُ قال نعم قُلْت أَفَتَرَاهَا تُشْبِهُ وَاحِدَةً من الِاثْنَتَيْنِ اللَّتَيْنِ شَبَّهْتهمَا بها قال فما حُجَّتُك في الْفَرْقِ بين الْعَبْدِ وَالْحُرِّ قُلْت ما وَصَفْت لَك فإن أَصْلَ النِّكَاحِ كان حَلَالًا جَائِزًا فلم يَحْرُمْ النِّكَاحُ بِتَحَوُّلِ حَالِ الْمَرْأَةِ إلَى أَحْسَنَ وَلَا أَسْوَأَ من حَالِهَا الْأَوَّلِ إلَّا بِخَبَرٍ لَا يَسَعُ خِلَافُهُ فلما جَاءَتْ السُّنَّةُ بِتَخْيِيرِ بَرِيرَةَ وَهِيَ عِنْدَ عَبْدٍ قُلْنَا بِهِ اتِّبَاعًا لِأَمْرِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الذي أَلْزَمَنَا اللَّهُ اتِّبَاعَهُ حَيْثُ قال وَقُلْنَا الْحُرُّ خِلَافُ الْعَبْدِ لِمَا وَصَفْنَا وَأَنَّ الْأَمَةَ إذَا خَرَجَتْ إلَى الْحُرِّيَّةِ لم تَكُنْ أَحْسَنَ حَالًا منه أَكْثَرُ ما فيها أَنْ تُسَاوِيَهُ وهو إذَا كان مَمْلُوكًا فَعَتَقَتْ خَرَجَتْ من مُسَاوَاتِهِ قال وَكَيْفَ لم تَجْعَلُوا الْحُرَّ قِيَاسًا على الْعَبْدِ فَقُلْت وَكَيْفَ نَقِيسُ بِالشَّيْءِ خِلَافَهُ قال إنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ في مَعْنَى أَنَّهُمَا زَوْجَانِ قُلْت وَيَفْتَرِقَانِ في أَنَّ حَالَهُمَا مُخْتَلِفَةٌ قال فَلِمَ لَا تَجْمَعُ بَيْنَهُمَا حَيْثُ يَجْتَمِعَانِ قال قُلْت افْتِرَاقُهُمَا أَكْثَرُ من اجْتِمَاعِهِمَا وَاَلَّذِي هو أَوْلَى بِي إذَا كان الْأَكْثَرُ من أَمْرِهِمَا الِافْتِرَاقَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَنَحْنُ نَسْأَلُك قال سَلْ قُلْت ما تَقُولُ في الْأَمَةِ إذَا أُعْتِقَتْ تُخَيَّرُ قال نعم قُلْت فَإِنْ بِيعَتْ تُخَيَّرُ قال لَا قُلْت وَلِمَ وقد زَالَ رِقُّ الذي زَوَّجَهَا فَصَارَ في حَالِهِ هذه لو ابْتَدَأَ نِكَاحَهَا لم يَجُزْ كما لو أَنْكَحَهَا حُرَّةً بِغَيْرِ إذْنِهَا لم يَجُزْ قال هُمَا وَإِنْ اجْتَمَعَا في أَنَّ مِلْكَ الْمُنْكِحِ زَائِلٌ عن الْمُنْكَحَةِ فَحَالُ الْأَمَةِ الْمُنْكَحَةِ مُخْتَلِفَةٌ في أنها انْتَقَلَتْ من رِقٍّ إلَى رِقٍّ وَهِيَ في الْعَتَاقَةِ انْتَقَلَتْ من رِقٍّ إلَى حُرِّيَّةٍ قُلْت فَفَرَّقْت بَيْنَهُمَا إذَا افْتَرَقَا في مَعْنًى وَإِنْ اجْتَمَعَا في آخَرَ قال نعم قُلْت فَتَفْرِيقِي بين الْخِيَارِ في عَبْدٍ وَحُرٍّ أَكْثَرُ مِمَّا وَصَفْت وَأَصْلُ الْحُجَّةِ فيه ما وَصَفْت من أَنَّ النِّكَاحَ كان حَلَالًا وما كان حَلَالًا ل

(5/123)


يَجُزْ تَحْرِيمُهُ وَلَا فَسْخُهُ إلَّا بِسُنَّةٍ ثَابِتَةٍ أو أَمْرٍ أَجْمَعَ الناس عليه فلما كانت السُّنَّةُ في تَخْيِيرِ الْأَمَةِ إذَا عَتَقَتْ عِنْدَ عَبْدٍ لم نُعِدْ ما رَوَيْنَا من السُّنَّةِ ولم يَحْرُمْ النِّكَاحُ إلَّا في مِثْلِ ذلك الْمَعْنَى وَإِنَّمَا جَعَلَ لِلْأَمَةِ الْخِيَارَ في التَّفْرِيقِ وَالْمُقَامِ وَالْمُقَامُ لَا يَكُونُ إلَّا وَالنِّكَاحُ حَلَالٌ ( 1 ) إلَّا أَنَّ الْخِيَارَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ لِنَقْصِ الْعَبْدِ عن الْحُرِّيَّةِ وَالْعِلَلُ التي فيه التي قد يُمْنَعُ فيها ما يُحِبُّ وَتُحِبُّ امْرَأَتُهُ - * اللِّعَانُ - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لم يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ } الْآيَةُ وقال تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ } إلَى { أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عليها إنْ كان من الصَّادِقِينَ } فلما حَكَمَ اللَّهُ في الزَّوْجِ الْقَاذِفِ بِأَنْ يَلْتَعِنَ دَلَّ ذلك على أَنَّ اللَّهَ إنَّمَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ } الْآيَةُ الْقَذَفَةَ غير الآزواج وكان الْقَاذِفُ الْحُرُّ الذِّمِّيُّ وَالْعَبْدُ الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ إذَا قَذَفُوا الْحُرَّةَ الْمُسْلِمَةَ جُلِدُوا الْحَدَّ مَعًا فجلد ( ( ( فجلدوا ) ) ) الْحُرَّ حَدَّ الْحُرِّ وَالْعَبْدَ حَدَّ الْعَبْدِ وَأَنَّهُ لم يَبْرَأْ قَاذِفٌ بَالِغٌ يَجْرِي عليه الْحُكْمُ من لم يُحَدَّ حَدَّهُ إنْ لم يَخْرُجْ منه بِمَا أَخْرَجَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ من الشُّهُودِ على الْمَقْذُوفَةِ لِأَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ على الْمَقْذُوفَةِ كانت الْآيَةُ في اللِّعَانِ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ عَامَّةٌ على الْأَزْوَاجِ الْقَذَفَةِ فَكَانَ كُلُّ زَوْجٍ قَاذِفٍ يُلَاعِنُ أو يُحَدُّ إنْ كانت الْمَقْذُوفَةُ مِمَّنْ لها حَدٌّ أو لم تَكُنْ لِأَنَّ على من قَذَفَهَا إذَا لم يَكُنْ لها حَدٌّ تعزيزا ( ( ( تعزيرا ) ) ) وَعَلَيْهَا حَدٌّ إذَا لم تَلْتَعِنْ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّهُ لَا افْتِرَاقَ بين عُمُومِ الْآيَتَيْنِ مَعًا وَكَمَا جَعَلَ اللَّهُ الطَّلَاقَ إلَى الْأَزْوَاجِ قال { لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ ما لم تَمَسُّوهُنَّ } وقال عز وجل { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ من قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ } وقال { إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ } فَكَانَ هذا عَامًّا للآزواج وَالنِّسَاءِ لَا يَخْرُجُ منه زَوْجٌ مُسْلِمٌ حُرٌّ وَلَا عَبْدٌ وَلَا ذِمِّيٌّ حُرٌّ وَلَا عَبْدٌ فَكَذَلِكَ اللِّعَانُ لَا يَخْرُجُ منه زَوْجٌ وَلَا زَوْجَةٌ ( وقال ) فِيمَا حكي عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذْ لَاعَنَ بين أَخَوَيْ بَنِي الْعَجْلَانِ ولم يَتَكَلَّفْ أَحَدٌ حِكَايَةَ حُكْمِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في اللِّعَانِ أَنْ يَقُولَ قال لِلزَّوْجِ قُلْ كَذَا وَلَا لِلْمَرْأَةِ قَوْلِي كَذَا إنَّمَا تَكَلَّفُوا حِكَايَةَ جُمْلَةِ اللِّعَانِ دَلِيلٌ على أَنَّ اللَّهَ عز وجل إنَّمَا نَصَبَ اللِّعَانَ حِكَايَةً في كِتَابِهِ فَإِنَّمَا لَاعَنَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بين الْمُتَلَاعِنَيْنِ بِمَا حَكَمَ اللَّهُ عز وجل في الْقُرْآنِ وقد حَكَى من حَضَرَ اللِّعَانَ في اللِّعَانِ ما اُحْتِيجَ إلَيْهِ مِمَّا ليس في الْقُرْآنِ منه ( قال ) فإذا لَاعَنَ الْحَاكِمُ بين الزَّوْجَيْنِ وقال لِلزَّوْجِ قُلْ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ من الزنى ثُمَّ رَدَّهَا عليه حتى يَأْتِيَ بها أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فإذا فَرَغَ من الرَّابِعَةِ وَقَفَهُ وَذَكَّرَهُ وقال اتَّقِ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ تَبُوءَ بِلَعْنَةِ اللَّهِ فإن قَوْلَك إنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيَّ إنْ كُنْت من الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ من الزنى مُوجِبَةٌ يُوجِبُ عَلَيْك اللَّعْنَةَ إنْ كُنْت كَاذِبًا فَإِنْ وَقَفَ كان لها عليه الْحَدُّ إنْ قَامَتْ بِهِ وَإِنْ حَلَفَ لها فَقَدْ أَكْمَلَ ما عليه من اللِّعَانِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لِلزَّوْجَةِ فَتَقُولَ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ من الزنى حتى تَقُولَهَا أَرْبَعًا فإذا أَكْمَلَتْ أَرْبَعًا وَقَفَهَا وَذَكَّرَهَا وقال اتَّقِي اللَّهَ وَاحْذَرِي أَنْ تَبُوئِي بِغَضَبِ اللَّهِ فإن قَوْلَك عَلَيَّ غَضَبُ اللَّهِ إنْ كان من الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ من الزنى يُوجِبُ عَلَيْك غَضَبَ اللَّهِ إنْ كُنْت كَاذِبَةً فَإِنْ مَضَتْ فَقَدْ فَرَغَتْ مِمَّا عليها وَسَقَطَ الْحَدُّ عنهما وَهَذَا الْحُكْمُ عَلَيْهِمَا وَاَللَّهُ وَلِيُّ أَمْرِهِمَا فِيمَا غَابَ عَمَّا قَالَا فَإِنْ لَاعَنَهَا بِإِنْكَارِ وَلَدٍ أو حَبَلٍ قال أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ من الزنى وَإِنَّ وَلَدَهَا هذا أو حَبَلَهَا هذا إنْ كان حَبَلًا لَمِنْ زِنًا ما هو مِنِّي ثُمَّ يَقُولُهَا في كل شَهَادَةٍ وفي قَوْلِهِ وَعَلَيَّ لَعْنَةُ اللَّهِ حتى تَدْخُلَ مع حَلِفِهِ على صِدْقِهِ على الزنى لِأَنَّهُ قد رَمَاهَا بِشَيْئَيْنِ بِزِنًا وَحَمْلٍ أو وَلَدٍ يَنْفِيه فلما ذَكَرَ اللَّهُ عز وجل الشَّهَادَاتِ أَرْبَعًا ثُمَّ فَصَلَ بَيْنَهُنَّ بِاللَّعْنَةِ في الرَّجُلِ وَالْغَضَبِ في الْمَرْأَةِ دَلَّ ذلك على حَالِ افْتِرَاقِ الشَّهَادَاتِ ف

(5/124)


اللَّعْنَةِ وَالْغَضَبِ وَاللَّعْنَةُ وَالْغَضَبُ بَعْدَ الشَّهَادَةِ مُوجِبَتَانِ على من أَوْجَبَ عليه لِأَنَّهُ مُتَجَرِّئٌ على النَّفْيِ وَعَلَى الشَّهَادَةِ بِاَللَّهِ تَعَالَى بَاطِلًا ثُمَّ يَزِيدُ فَيَجْتَرِئُ على أَنْ يَلْتَعِنَ وَعَلَى أَنْ يَدْعُوَ بِلَعْنَةِ اللَّهِ فَيَنْبَغِي لِلْوَالِي إذَا عَرَفَ من ذلك ما جَهِلَا أَنْ يُفَقِّهَهُمَا نَظَرًا لَهُمَا اسْتِدْلَالًا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ
أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن عَاصِمِ بن كُلَيْبٍ عن أبيه عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم حين لَاعَنَ بين الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَضَعَ يَدَهُ على فيه في الْخَامِسَةِ وقال إنَّهَا مُوجِبَةٌ
أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ أَنْ سَهْلَ بن سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ أخبره أَنَّ عويمر ( ( ( عويمرا ) ) ) الْعَجْلَانِيَّ جاء إلَى عَاصِمِ بن عَدِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ فقال له يا عَاصِمُ أَرَأَيْت لو أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ مع امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ سَلْ لي يا عَاصِمُ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال فَسَأَلَ عَاصِمٌ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَكَرِهَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا حتى كَبُرَ على عَاصِمٍ ما سمع من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فلما رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ جَاءَهُ عُوَيْمِرٌ فقال يا عَاصِمُ مَاذَا قال لَك رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال عَاصِمٌ لِعُوَيْمِرٍ لم تَأْتِنِي بخبر ( ( ( بخير ) ) ) قد كَرِهَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمَسْأَلَةَ التي سَأَلْته عنها فقال عُوَيْمِرٌ وَاَللَّهُ لَا أَنْتَهِي حتى أَسْأَلَهُ عنها فَجَاءَ عُوَيْمِرٌ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَسَطَ الناس فقال يا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت رَجُلًا وَجَدَ مع امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قد أَنْزَلَ اللَّهُ فِيك وفي صَاحِبَتِك فَاذْهَبْ فَائِت بها فقال سَهْلٌ فَتَلَاعَنَا وأنا مع الناس عِنْدَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فلما فَرَغَا من تَلَاعُنِهِمَا قال عُوَيْمِرٌ كَذَبْت عليها يا رَسُولَ اللَّهِ إنْ أَمْسَكْتهَا فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قبل أَنْ يَأْمُرَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال مَالِكٌ وقال بن شِهَابٍ فَكَانَتْ تِلْكَ سُنَّةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ سَمِعْت إبْرَاهِيمَ بن سَعْدِ بن إبْرَاهِيمَ يُحَدِّث عن بن شِهَابٍ عن سَهْلِ بن سَعْدٍ أَنَّهُ أخبره قال جاء عُوَيْمِرٌ الْعَجْلَانِيُّ إلَى عَاصِمِ بن عَدِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ فقال يا عَاصِمُ بن عَدِيٍّ سَلْ لي رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن رَجُلٍ وَجَدَ مع امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَيُقْتَلُ بِهِ أَمْ كَيْفَ يَصْنَعُ فَسَأَلَ عَاصِمٌ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن ذلك فَعَابَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمَسَائِلَ فَلَقِيَهُ عُوَيْمِرٌ فقال ما صَنَعْت قال صَنَعَتْ أَنَّك لم تَأْتِنِي بِخَيْرٍ سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَعَابَ الْمَسَائِلَ فقال عُوَيْمِرٌ وَاَللَّهُ لَآتِيَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَأَسْأَلَنَّهُ فَأَتَاهُ فَوَجَدَهُ قد أَنْزَلَ اللَّهُ عليه فِيهِمَا فَدَعَاهُمَا فَلَاعَنَ بَيْنَهُمَا فقال عُوَيْمِرٌ لَئِنْ انْطَلَقْت بها لقد كَذَبْت عليها فَفَارَقَهَا قبل أَنْ يَأْمُرَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال بن شِهَابٍ فَصَارَتْ سُنَّةً في الْمُتَلَاعِنَيْنِ ثُمَّ قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَبْصَرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَسْحَمَ أَدْعَجَ الْعَيْنَيْنِ عَظِيمَ الْأَلْيَتَيْنِ فَلَا أَرَاهُ إلَّا قد صَدَقَ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أُحَيْمِرَ كَأَنَّهُ وَحَرَةٌ فَلَا أَرَاهُ إلَّا كَاذِبًا قال فَجَاءَتْ بِهِ على النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ الْوَحَرَةُ دَابَّةٌ تُشْبِهُ الْوَزَغَ
أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن سَعْدٍ عن أبيه عن سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بن عبد اللَّهِ بن عُتْبَةَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إنْ جَاءَتْ بِهِ أَشْقَرَ سَبْطًا فَهُوَ لِزَوْجِهَا وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أُدَيْعِجَ فَهُوَ لِلَّذِي يَتَّهِمُهُ فَجَاءَتْ بِهِ أُدَيْعِجَ أخبرنا عبد اللَّهِ بن نَافِعٍ عن بن أبي ذِئْبٍ عن بن شِهَابٍ عن سَهْلِ بن سَعْدٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْمُتَلَاعِنَيْنِ مِثْلَ مَعْنَى حديث مَالِكٍ وَإِبْرَاهِيمَ فلما انْتَهَى إلَى فِرَاقِهَا قال في الحديث فَفَارَقَهَا وما أَمَرَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِفِرَاقِهَا فَمَضَتْ سُنَّةُ الْمُتَلَاعِنَيْنِ وقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم اُنْظُرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَحْمَرَ قَصِيرًا كَأَنَّهُ وَحَرَةٌ فَلَا أَحْسَبُهُ إلَّا كَذَبَ عليها وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَسْحَمَ أَعَيْنَ ذَا أَلْيَتَيْنِ فَلَا أَحْسَبُهُ إلَّا قد صَدَقَ عليها فَجَاءَتْ بِهِ على الْأَمْرِ الْمَكْرُوهِ
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن بن شِهَابٍ عن سَهْلِ بن سَعْدٍ أَخِي بَنِي سَاعِدَةَ أَنَّ رَجُلًا من الْأَنْصَارِ جاء إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال يا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت رَجُلًا وَجَدَ مع امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل في شَأْنِهِ ما ذَكَر

(5/125)


في الْقُرْآنِ من أَمْرِ الْمُتَلَاعِنِينَ وقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قد قَضَى فِيك وفي امْرَأَتِك فَتَلَاعَنَا وأنا شَاهِدٌ ثُمَّ فَارَقَهَا عِنْدَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَكَانَتْ السُّنَّةُ بَعْدُ فِيهِمَا أَنْ يُفَرَّقَ بين الْمُتَلَاعِنَيْنِ قال فَكَانَتْ حَامِلًا فَأَنْكَرَهُ فَكَانَ ابْنُهَا يدعي إلَى أُمِّهِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَفِي حُكْمِ اللِّعَانِ في كِتَابِ اللَّهِ ثُمَّ سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم دَلَائِلُ وَاضِحَةٌ يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَنْتَدِبُوا بِمَعْرِفَتِهِ ثُمَّ يَتَحَرَّوْا أَحْكَامَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في غَيْرِهِ على أَمْثَالِهِ ( 2 ) فَهُوَ دُونَ الْفَرْضِ وَتَنْتَفِي عَنْهُمْ الشُّبَهُ التي عَارَضَ بها من جَهِلَ لِسَانَ الْعَرَبِ وَبَعْضَ السُّنَنِ وغبى عن مَوْضِعِ الْحُجَّةِ منها أَنَّ عُوَيْمِرًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن رَجُلٍ وَجَدَ مع امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَكَرِهَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمَسَائِلَ وَذَلِكَ أَنَّ عُوَيْمِرًا لم يُخْبِرْهُ أَنَّ هذه الْمَسْأَلَةَ كانت وقد
أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن سَعْدٍ عن
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في حديث بن أبي ذِئْبٍ دَلِيلٌ على أَنَّ سَهْلَ بن سَعْدٍ قال فَكَانَتْ سُنَّةُ الْمُتَلَاعِنَيْنِ وفي حديث مَالِكٍ وَإِبْرَاهِيمَ كَأَنَّهُ قَوْلُ بن شِهَابٍ وقد يَكُونُ هذا غير مُخْتَلِفٍ يَقُولُهُ مَرَّةً بن شِهَابٍ وَلَا يَذْكُرُ سَهْلًا وَيَقُولُهُ أُخْرَى وَيَذْكُرُ سَهْلًا وَوَافَقَ بن أبي ذِئْبٍ إبْرَاهِيمَ بن سَعْدٍ فِيمَا زَادَ في آخَرِ الحديث على حديث مَالِكٍ وقد حدثنا سُفْيَانُ عن بن شِهَابٍ عن سَهْلِ بن سَعْدٍ قال شَهِدْتُ الْمُتَلَاعِنَيْنِ عِنْدَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وأنا بن خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً ثُمَّ سَاقَ الحديث ولم يُتْقِنْهُ إتْقَانَ هَؤُلَاءِ
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّ يحيى بن سَعِيدٍ حدثه عن الْقَاسِمِ بن مُحَمَّدٍ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا جاء إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال يا رَسُولَ اللَّهِ وَاَللَّهِ ما لي عَهْدٌ بِأَهْلِي مُنْذُ عِفَارِ النَّخْلِ وَعِفَارُهَا أنها إذَا كانت تُؤَبَّرُ تُعَفَّرُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَلَا تُسْقَى إلَّا بَعْدَ الْإِبَارِ قال فَوَجَدْتُ مع امْرَأَتِي رَجُلًا قال وكان زَوْجُهَا مُصْفَرًّا حَمْشَ السَّاقَيْنِ سَبْطَ الشَّعْرِ وَاَلَّذِي رُمِيَتْ بِهِ خَدْلًا إلَى السَّوَادِ جَعْدًا قَطِطًا مُسْتَهًا ( 1 ) فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم اللَّهُمَّ بَيِّنْ ثُمَّ لَاعَنَ بَيْنَهُمَا فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ يُشْبِهُ الذي رُمِيَتْ بِهِ
أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن أبي الزِّنَادِ عن الْقَاسِمِ بن مُحَمَّدٍ قال شَهِدْتُ بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما يحدث بِحَدِيثِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ قال فقال له رَجُلٌ أَهِيَ التي قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لو كُنْت رَاجِمًا أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ رَجَمْتهَا فقال بن عَبَّاسٍ لَا تِلْكَ امْرَأَةٌ كانت قد أَعْلَنَتْ
أخبرنا عبد الْعَزِيزِ بن مُحَمَّدٍ عن يَزِيدَ بن الْهَادِ عن عبد اللَّهِ بن يُونُسَ أَنَّهُ سمع الْمَقْبُرِيَّ يحدث عن محمد بن كَعْبٍ الْقُرَظِيّ قال الْمَقْبُرِيُّ وَحَدَّثَنِي أبو هُرَيْرَةَ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ سمع رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْمُتَلَاعِنَيْنِ قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَدْخَلَتْ على قَوْمٍ من ليس منهم فَلَيْسَتْ من اللَّهِ في شَيْءٍ وَلَنْ يُدْخِلَهَا اللَّهُ جَنَّتَهُ وَأَيُّمَا رَجُلٍ جَحَدَ وَلَدَهُ وهو يَنْظُرُ إلَيْهِ احْتَجِبْ اللَّهُ منه وَفَضَحَهُ بِهِ على رؤوس الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ وَسَمِعْتُ بن عُيَيْنَةَ يقول
أخبرنا عَمْرُو بن دِينَارٍ عن سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لِلْمُتَلَاعِنَيْنِ حِسَابُكُمَا على اللَّهِ احدكما كَاذِبٌ لَا سَبِيلَ لَك عليها قال يا رَسُولَ اللَّهِ مَالِي قال لَا مَالَ لَك إنْ كُنْت صَدَقْت عليها فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْت من فَرْجِهَا وَإِنْ كُنْت كَذَبْتَ عليها فَذَلِكَ أَبْعَدُ لَك منها أو منه
( أخبرنا ) سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن أَيُّوبَ عن سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ قال سَمِعْت بن عُمَرَ يقول فَرَّقَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بين أَخَوَيْ بَنِي الْعَجْلَانِ قال هَكَذَا بِأُصْبُعِهِ الْمُسَبِّحَةِ وَالْوُسْطَى فَقَرَنَهُمَا الْوُسْطَى وَاَلَّتِي تَلِيهَا يَعْنِي الْمُسَبِّحَةَ قال اللَّهُ يَعْلَمُ إن أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ
( أخبرنا ) مَالِكٌ عن نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا لَاعَنَ امْرَأَتَهُ في زَمَانِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَانْتَفَى من وَلَدِهَا فَفَرَّقَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَيْنَهُمَا وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ

(5/126)


بن شِهَابٍ عن عَامِرِ بن سَعْدٍ عن أبيه أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ في الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا من سَأَلَ عن شَيْءٍ لم يَكُنْ فَحُرِّمَ من أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ
وَأَخْبَرَنَا بن عُيَيْنَةَ عن بن شِهَابٍ عن عَامِرِ بن سَعْدٍ عن أبيه عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مِثْلَ مَعْنَاهُ قال اللَّهُ عز وجل { لَا تَسْأَلُوا عن أَشْيَاءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } إلَى قَوْلِهِ { بها كَافِرِينَ } (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كانت الْمَسَائِلُ فيها فِيمَا لم يَنْزِلْ إذَا كان الْوَحْيُ يَنْزِلُ بِمَكْرُوهٍ لِمَا ذَكَرْت من قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ثُمَّ قَوْلِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَغَيْرِهِ فِيمَا في مَعْنَاهُ وفي مَعْنَاهُ كَرَاهِيَةُ لَكُمْ أَنْ تَسْأَلُوا عَمَّا لم يُحَرَّمْ فَإِنْ حَرَّمَهُ اللَّهُ في كِتَابِهِ أو على لِسَانِ رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حَرُمَ أَبَدًا إلَّا أَنْ يَنْسَخَ اللَّهُ تَحْرِيمَهُ في كِتَابِهِ أو يَنْسَخَ على لِسَانِ رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم سُنَّةً لِسُنَّةٍ وَفِيهِ دَلَائِلُ على أَنَّ ما حَرَّمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حَرَامٌ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ بِمَا وَصَفْت وَغَيْرَهُ من افْتِرَاضِ اللَّهِ تَعَالَى طَاعَتَهُ في غَيْرِ آيَةٍ من كِتَابِهِ وما جاء عنه صلى اللَّهُ عليه وسلم مِمَّا قد وَصَفْته في غَيْرِ هذا الْمَوْضِعِ وَفِيهِ دَلَالَةٌ على أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حين وَرَدَتْ عليه هذه الْمَسْأَلَةُ وَكَانَتْ حُكْمًا وَقَفَ عن جَوَابِهَا حتى أَتَاهُ من اللَّهِ عز وجل الْحُكْمُ فيها فقال لِعُوَيْمِرٍ قد أَنْزَلَ اللَّهُ فِيك وفي صَاحِبَتِك فَلَاعَنَ بَيْنَهُمَا كما أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى في اللِّعَانِ ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ وَنَفَاهُ عن الْأَبِ وقال له لَا سَبِيلَ لَك عليها ولم يَرْدُدْ الصَّدَاقَ على الزَّوْجِ فَكَانَتْ هذه أَحْكَامًا وَجَبَتْ بِاللِّعَانِ لَيْسَتْ بِاللِّعَانِ بِعَيْنِهِ فَالْقَوْلُ فيها وَاحِدٌ من قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنِّي سمعت مِمَّنْ أَرْضَى دِينَهُ وَعَقْلَهُ وَعِلْمَهُ يقول إنَّهُ لم يَقْضِ فيها وَلَا غَيْرِهَا إلَّا بِأَمْرِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قال فَأَمْرُ اللَّهِ إيَّاهُ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا وَحْيٌ يُنْزِلُهُ فَيُتْلَى على الناس وَالثَّانِي رِسَالَةٌ تَأْتِيه عن اللَّهِ تَعَالَى بِأَنْ افْعَلْ كَذَا فَيَفْعَلَهُ وَلَعَلَّ من حُجَّةِ من قال هذا الْقَوْلَ أَنْ يَقُولَ قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْك الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَك ما لم تَكُنْ تَعْلَمُ } فَيَذْهَبَ إلَى أَنَّ الْكِتَابَ هو ما يُتْلَى عن اللَّهِ تَعَالَى وَالْحِكْمَةَ هِيَ ما جَاءَتْ بِهِ الرِّسَالَةُ عن اللَّهِ مِمَّا بَيَّنَتْ سُنَّةَ لرسول ( ( ( رسول ) ) ) اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وقد قال اللَّهُ عز وجل لِأَزْوَاجِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم { وَاذْكُرْنَ ما يُتْلَى في بُيُوتِكُنَّ من آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ } وَلَعَلَّ من حُجَّتِهِ أَنْ يَقُولَ قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِأَبِي الزَّانِي بِامْرَأَةِ الرَّجُلِ الذي صَالَحَهُ على الْغَنَمِ وَالْخَادِمِ وَاَلَّذِي نَفْسِي بيده لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ عز ذِكْرُهُ أَمَا إنَّ الْغَنَمَ وَالْخَادِمَ رَدَّ عَلَيْك وَإِنَّ امْرَأَتَهُ تُرْجَمُ إذَا اعْتَرَفَتْ وَجَلَدَ بن الرَّجُلِ مِائَةً وَغَرَّبَهُ عَامًا وَلَعَلَّهُ يَذْهَبُ إلَى أَنَّهُ إذَا انْتَظَرَ الْوَحْيَ في قَضِيَّةٍ لم يَنْزِلْ عليه فيها انْتَظَرَهُ كَذَلِكَ في كل قَضِيَّةٍ وإذا كانت قَضِيَّةٌ أُنْزِلَ عليه كما أُنْزِلَ في حَدِّ الزَّانِي ( 1 ) وَقَضَاهَا على ما أُنْزِلَ عليه وإذا ما أُنْزِلَتْ عليه جُمْلَةً في تَبْيِينٍ عن اللَّهِ يَمْضِي مَعْنَى ما أَرَادَ بِمَعْرِفَةِ الْوَحْيِ الْمَتْلُوِّ وَالرِّسَالَةِ إلَيْهِ التي تَكُونُ بها سُنَّتُهُ لِمَا يَحْدُثُ في ذلك الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ ( وقال غَيْرُهُ ) سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا ما تُبَيِّنُ مِمَّا في كِتَابِ اللَّهِ الْمُبِينِ عن مَعْنَى ما أَرَادَ اللَّهُ بِحَمْلِهِ خَاصًّا وَعَامًّا وَالْآخَرُ ما أَلْهَمَهُ اللَّهُ من الْحِكْمَةِ وَإِلْهَامُ الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ وَلَعَلَّ من حُجَّةِ من قال هذا الْقَوْلُ أَنْ يَقُولَ قال اللَّهُ عز وجل فِيمَا يُحْكَى عن إبْرَاهِيمَ { إنِّي أَرَى في الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُك فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قال يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ } فقال غَيْرُ وَاحِدٍ من أَهْلِ التَّفْسِيرِ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ لِقَوْلِ بن إبْرَاهِيمَ الذي أُمِرَ بِذَبْحِهِ { يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ } وَمَعْرِفَتُهُ أَنَّ رُؤْيَاهُ أَمْرٌ أُمِرَ بِهِ وقال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِنَبِيِّهِ { وما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا التي أَرَيْنَاك إلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ } إلَى قَوْلِهِ { في الْقُرْآنِ } وقال غَيْرُهُمْ سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَحْيٌ وَبَيَانٌ عن وَحْيٍ وَأَمْرٌ جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ بِمَا أَلْهَمَهُ من حِكْمَتِهِ وَخَصَّهُ بِهِ من نُبُوَّتِهِ وَفَرَضَ على الْعِبَادِ اتِّبَاعَ أَمْرِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في كِتَابِه

(5/127)


( قال ) وَلَيْسَ تَعْدُو السُّنَنُ كُلُّهَا وَاحِدًا من هذه الْمَعَانِي التي وَصَفْت بِاخْتِلَافِ من حَكَيْت عنه من أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَيَّهَا كان فَقَدْ ألزمه ( ( ( ألزم ) ) ) اللَّهُ تَعَالَى خَلْقَهُ وَفَرَضَ عليهم اتِّبَاعَ رَسُولِهِ فيه وفي انْتِظَارِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْوَحْيَ في الْمُتَلَاعِنَيْنِ حتى جَاءَهُ فَلَاعَنَ ثُمَّ سَنَّ الْفُرْقَةَ وَسَنَّ نَفْيَ الْوَلَدِ ولم يردد ( ( ( يرد ) ) ) الصَّدَاقُ على الزَّوْجِ وقد طَلَبَهُ دَلَالَةٌ على أَنَّ سُنَّتَهُ لَا تَعْدُو وَاحِدًا من الْوُجُوهِ التي ذَهَبَ إلَيْهَا أَهْلُ الْعِلْمِ بِأَنَّهَا تُبَيِّنُ عن كِتَابِ اللَّهِ إمَّا بِرِسَالَةٍ من اللَّهِ أو إلْهَامٍ له وَإِمَّا بِأَمْرٍ جَعَلَهُ اللَّهُ إلَيْهِ لِمَوْضِعِهِ الذي وَضَعَهُ من دِينِهِ وَبَيَانُ لأمور ( ( ( الأمور ) ) ) منها أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَهُ أَنْ يَحْكُمَ على الظَّاهِرِ وَلَا يُقِيمَ حَدًّا بين اثْنَيْنِ إلَّا بِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يُشْبِهُ الِاعْتِرَافَ من الْمُقَامِ عليه الْحَدُّ أو بَيِّنَةً وَلَا يُسْتَعْمَلُ على أَحَدٍ في حَدٍّ وَلَا حَقٍّ وَجَبَ عليه دَلَالَةٌ على كَذِبِهِ وَلَا يُعْطِي أَحَدًا بِدَلَالَةٍ على صِدْقِهِ حتى تَكُونَ الدَّلَالَةُ من الظَّاهِرِ في الْعَامِّ لَا من الْخَاصِّ فإذا كان هذا هَكَذَا في أَحْكَامِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان من بَعْدَهُ من الْوُلَاةِ أَوْلَى أَنْ لَا يَسْتَعْمِلَ دَلَالَةً وَلَا يَقْضِيَ إلَّا بِظَاهِرٍ أَبَدًا فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على هذا قُلْنَا قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْمُتَلَاعِنَيْنِ إنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَحَكَمَ على الصَّادِقِ وَالْكَاذِبِ حُكْمًا وَاحِدًا أَنْ أَخْرَجَهُمَا من الْحَدِّ وقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنْ جَاءَتْ بِهِ أُحَيْمِرَ فَلَا أَرَاهُ إلَّا قد كَذَبَ عليها وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أديعج ( ( ( أدعج ) ) ) فَلَا أَرَاهُ إلَّا قد صَدَقَ فَجَاءَتْ بِهِ على النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ وقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّ أَمْرَهُ لَبَيِّنٌ لَوْلَا ما حَكَمَ اللَّهُ ( 1 ) فَأَخْبَرَ أَنْ صَدَقَ الزَّوْجُ على الْمُلْتَعِنَةِ بِدَلَالَةٍ على صِدْقِهِ وَكَذِبِهِ بِصِفَتَيْنِ فَجَاءَتْ دَلَالَةٌ على صِدْقِهِ فلم يَسْتَعْمِلْ عليها الدَّلَالَةَ وَأَنْفُذ عليها ظَاهِرَ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى من ادِّرَاء الْحَدِّ وَإِعْطَائِهَا الصَّدَاقَ مع قَوْلِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّ أَمْرَهُ لَبَيِّنٌ لَوْلَا ما حَكَمَ اللَّهُ وفي مِثْلِ مَعْنَى هذا من سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَوْلُهُ إنَّمَا أنا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ من بَعْضٍ فَأَقْضِيَ له على نَحْوِ ما أَسْمَعُ منه فَمَنْ قَضَيْت له بِشَيْءٍ من حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذْهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ له قِطْعَةً من النَّارِ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَقْضِي على الظَّاهِرِ من كَلَامِ الْخَصْمَيْنِ وَإِنَّمَا يَحِلُّ لَهُمَا وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمَا فِيمَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ اللَّهِ على ما يَعْلَمَانِ وَمِنْ مِثْلُ هذا الْمَعْنَى من كِتَابِ اللَّهِ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل { إذَا جَاءَك الْمُنَافِقُونَ } إلَى قَوْلِهِ { لكاذبون ( ( ( الكاذبون ) ) ) } فَحَقَنَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم دِمَاءَهُمْ بِمَا أَظْهَرُوا من الْإِسْلَامِ وَأَقَرَّهُمْ على الْمُنَاكَحَةِ وَالْمُوَارَثَةِ وكان اللَّهُ أَعْلَمَ بِدِينِهِمْ بِالسَّرَائِرِ فَأَخْبَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ في النَّارِ فقال { إنَّ الْمُنَافِقِينَ في الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ من النَّارِ } وَهَذَا يُوجِبُ على الْحُكَّامِ ما وَصَفْت من تَرْكِ الدَّلَالَةِ الْبَاطِنَةِ وَالْحُكْمِ بِالظَّاهِرِ من الْقَوْلِ أو الْبَيِّنَةِ أو الِاعْتِرَافِ أو الْحُجَّةِ وَدَلَّ أَنَّ عليهم أَنْ يَنْتَهُوا إلَى ما انْتَهَى بِهِمْ إلَيْهِ كما انْتَهَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْمُتَلَاعِنَيْنِ إلَى ما انْتَهَى بِهِ إلَيْهِ ولم يُحْدِثْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في حُكْمِ اللَّهِ وَأَمْضَاهُ على الْمُلَاعَنَةِ بِمَا ظَهَرَ له من صِدْقِ زَوْجِهَا عليها بِالِاسْتِدْلَالِ بِالْوَلَدِ أَنْ يَحُدَّهَا حَدَّ الزَّانِيَةِ فَمَنْ بَعْدَهُ من الْحُكَّامِ أَوْلَى أَنْ لَا يُحْدِثَ في شَيْءٍ لِلَّهِ فيه حُكْمٌ وَلَا لِرَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم غَيْرُ ما حَكَمَا بِهِ بِعَيْنِهِ أو ما كان في مَعْنَاهُ وَوَاجِبٌ على الْحُكَّامِ وَالْمُفْتِينَ أَنْ لَا يَقُولُوا إلَّا من وَجْهٍ لَزِمَ من كِتَابِ اللَّهِ أو سُنَّةٍ أو إجْمَاعٍ فَإِنْ لم يَكُنْ في وَاحِدٍ من هذه الْمَنَازِلِ اجْتَهَدُوا عليه حتى يَقُولُوا مِثْلَ مَعْنَاهُ وَلَا يَكُونُ لهم وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يُحْدِثُوا حُكْمًا ليس في وَاحِدٍ من هذا وَلَا في مِثْلِ مَعْنَاهُ وَلَمَّا حَكَمَ اللَّهُ على الزَّوْجِ يَرْمِي الْمَرْأَةَ بِاللِّعَانِ ولم يَسْتَثْنِ إنْ سَمَّى من يَرْمِيهَا بِهِ أو لم يُسَمِّهِ وَرَمَى الْعَجْلَانِيِّ امْرَأَتَهُ بِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَالْتَعَنَ ولم يُحْضِرْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمَرْمِيَّ بِالْمَرْأَةِ وَالْتَعَنَ الْعَجْلَانِيِّ اسْتَدْلَلْنَا على أَنَّ الزَّوْجَ إذَا الْتَعَنَ لم يَكُنْ لِلرَّجُلِ الذي رَمَاهُ بِامْرَأَتِهِ عليه حَدٌّ وَلَوْ كان أَخَذَهُ له رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَبَعَثَ إلَى الْمَرْمِيِّ فَسَأَلَهُ فَإِنْ أَقَرَّ حُدَّ وَإِنْ أَنْكَرَ حُدَّ له الزَّوْجُ (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا للامام إذَا رَمَى رَجُلٌ رَجُلًا بِزِنًا أو حد ( ( ( حدا ) ) ) أَنْ يَبْعَثَ إلَيْهِ وَيَسْأَلَه

(5/128)


عن ذلك لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل يقول { وَلَا تَجَسَّسُوا } قال وَإِنْ شُبِّهَ على أَحَدٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بَعَثَ أُنَيْسًا إلَى امْرَأَةِ رَجُلٍ فقال إنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا فَتِلْكَ امْرَأَةٌ ذَكَرَ أبو الزَّانِي بها أنها زَنَتْ فَكَانَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْأَلَ فَإِنْ أَقَرَّتْ حدت ( ( ( حدث ) ) ) وَسَقَطَ الْحَدُّ عَمَّنْ قَذَفَهَا وَإِنْ أَنْكَرَتْ حُدَّ قَاذِفِهَا وَكَذَلِكَ لو كان قَاذِفُهَا زَوْجَهَا لَزِمَهُ الْحَدُّ إنْ لم تُقِرَّ وَسَقَطَ عنه إنْ أَقَرَّتْ وَلَزِمَهَا فَلَا يَجُوزُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يُحَدَّ رَجُلٌ لِامْرَأَةِ وَلَعَلَّهَا تُقِرُّ بِمَا قال وَلَا يَتْرُكُ الْإِمَامُ الْحَدَّ لها وقد سمع قَذْفَهَا حتى تَكُونَ تَتْرُكُهُ فلما كان الْقَاذِفُ لِامْرَأَتِهِ إذَا الْتَعَنَ لو جاء الْمَقْذُوفُ بِعَيْنِهِ يَطْلُبُ حَدَّهُ لم يُؤْخَذْ له الْحَدُّ في الْقَذْفِ الذي يَطْلُبُهُ الْمَقْذُوفُ بِعَيْنِهِ لم يَكُنْ لِمَسْأَلَةِ الْمَقْذُوفِ مَعْنًى إلَّا أَنْ يَسْأَلَ لِيَحُدَّ ولم يَسْأَلْهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَإِنَّمَا سَأَلَ الْمَقْذُوفَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِلْحَدِّ الذي يَقَعُ لها إنْ لم تُقِرَّ بالزنى ولم يَلْتَعِنْ الزَّوْجُ وَلَوْ أَقَرَّتْ بالزنى لم يحد ( ( ( تحد ) ) ) زَوْجُهَا ولم يَلْتَعِنْ وَجُلِدَتْ أو رُجِمَتْ وَإِنْ رَجَعَتْ لم تُحَدَّ لِأَنَّ لها فِيمَا أَقَرَّتْ بِهِ من حَدِّ اللَّهِ عز وجل الرُّجُوعَ ولم يُحَدَّ زَوْجُهَا لِأَنَّهَا مُقِرَّةٌ بالزنى وَلَمَّا حَكَى سَهْلُ بن سَعْدٍ شُهُودَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ مع حَدَاثَتِهِ وَحَكَاهُ بن عُمَرَ اسْتَدْلَلْنَا على أَنَّ اللِّعَانَ لَا يَكُونُ إلَّا بِمَحْضَرِ طَائِفَةٍ من الْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّهُ لَا يَحْضُرُ أَمْرًا يُرِيدُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم سَتْرَهُ وَلَا يَحْضُرُهُ إلَّا وَغَيْرُهُ حَاضِرٌ له وَكَذَلِكَ جَمِيعُ حُدُودِ الزنى يَشْهَدُهَا طَائِفَةٌ من الْمُؤْمِنِينَ أَقَلُّهُمْ أَرْبَعَةٌ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ في شَهَادَةِ الزنى أَقَلُّ منهم وَهَذَا يُشْبِهُ قَوْلَ اللَّهِ عز وجل في الزَّانِيَيْنِ { وَلِيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ من الْمُؤْمِنِينَ } وقال سَهْلُ بن سَعْدٍ في حَدِيثِهِ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قبل أَنْ يَأْمُرَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وقال بن أبي ذِئْبٍ وبن جُرَيْجٍ في حديث سَهْلٍ وَكَانَتْ سُنَّةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ وقال بن شِهَابٍ في حديث مَالِكٍ وَإِبْرَاهِيمَ بن سَعْدٍ فَكَانَتْ سُنَّةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ فَاحْتَمَلَ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ إنْ كان طَلَّقَهَا قبل الْحُكْمِ فَكَانَ ذلك إلَيْهِ لم يَكُنْ اللِّعَانُ فُرْقَةً حتى يُجَدِّدَهَا الزَّوْجُ ولم يُجْبَرْ الزَّوْجُ عليها وقد رُوِيَ عن سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ مِثْلُ مَعْنَى هذا الْقَوْلِ وَلَوْ كان هذا هَكَذَا كان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَعِيبُ على الْمُطَلِّقِ ثَلَاثًا أَنْ يُطَلِّقَهَا لِأَنَّهُ لو لم يَكُنْ له أَنْ يُطَلِّقَهَا إلَّا وَاحِدَةً قال لَا تَفْعَلْ مِثْلَ هذا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَسَأَلَ وَإِذْ لم يَنْهَهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عن الطَّلَاقِ ثَلَاثًا بين يَدَيْهِ فَلَوْ كان طَلَاقُهُ إيَّاهَا كَصَمْتِهِ عِنْدَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وكان اللِّعَانُ فُرْقَةً فَجَهِلَهُ الْمُطَلِّقُ ثَلَاثًا أَشْبَهَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يُعَلِّمَهُ أَنَّهُ ليس له أَنْ يُطَلِّقَ ثَلَاثًا في الْمَوْضِعِ الذي ليس له فيه الطَّلَاقُ وَيَحْتَمِلُ طَلَاقُهُ ثَلَاثًا أَنْ يَكُونَ بِمَا وَجَدَ في نَفْسِهِ بِعِلْمِهِ بِصِدْقِهِ وَكَذِبِهَا وَجَرَاءَتِهَا على الْيَمِينِ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا جَاهِلًا بِأَنَّ اللِّعَانَ فُرْقَة فَكَانَ كَمَنْ طَلَّقَ من طَلَّقَ عليه بِغَيْرِ طَلَاقِهِ وَكَمَنْ شَرَطَ الْعُهْدَةَ في الْبَيْعِ وَالضَّمَانِ وَالسَّلَفِ وهو يَلْزَمُهُ شَرَطَ أو لم يَشْرُطْ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على أَنْ هذا الْمَعْنَى أَوْلَى الْمَعَانِي بِهِ قِيلَ قال سَهْلُ بن سَعْدٍ وبن شِهَابٍ فَفَارَقَهَا حَامِلًا فَكَانَتْ تِلْكَ سُنَّةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ فَمَعْنَى قَوْلِهِمَا الْفُرْقَةُ لَا أَنَّ سُنَّةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَنَّهُ لَا تَقَعُ فُرْقَةٌ إلَّا بِطَلَاقِهِ وَلَوْ كان ذلك كَذَلِكَ لم يَكُنْ عليه أَنْ يُطَلِّقَ وزاد بن عُمَرَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ فَرَّقَ بين الْمُتَلَاعِنَيْنِ وَتَفْرِيقُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم غَيْرُ فُرْقَةِ الزَّوْجِ إنَّمَا هو تَفْرِيقُ حُكْمٍ فَإِنْ قال قَائِلٌ هَذَانِ حَدِيثَانِ مُخْتَلِفَانِ فَلَيْسَا عِنْدِي مُخْتَلِفَيْنِ وقد يَكُونُ بن عُمَرَ شَهِدَ مُتَلَاعِنَيْنِ غير الْمُتَلَاعِنَيْنِ اللَّذَيْنِ شَهِدَهُمَا سَهْلٌ وَأَخْبَرَ عَمَّا شَهِدَ وَأَخْبَرَ سَهْلٌ عَمَّا شَهِدَ فَيَكُونُ اللِّعَانُ إذَا كان فُرْقَةً بِطَلَاقِ الزَّوْجِ وَسُكُوتِهِ سَوَاءٌ أو يَكُونُ بن عُمَرَ شَهِدَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ اللَّذَيْنِ شَهِدَ سَهْلٌ فَسَمِعَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم حَكَمَ أَنَّ اللِّعَانَ فُرْقَةٌ فَحَكَى أَنَّهُ فَرَّقَ بين الْمُتَلَاعِنَيْنِ سمع الزَّوْجَ طَلَّقَ أو لم يَسْمَعْهُ وَذَهَبَ على سَهْلٍ حِفْظُهُ أو لم يَذْكُرْهُ في حَدِيثِهِ وَلَيْسَ هذا اخْتِلَافًا هذا حِكَايَةٌ لِمَعْنًى بِلَفْظَيْنِ مُخْتَلِفِينَ أو مُجْتَمِعَيْ الْمَعْنَى مُخْتَلِفَيْ اللَّفْظِ أو حَفِظَ بَعْضَ ما لم يَحْفَظْ من حَضَرَ معه وَلَمَّا قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِلْمُتَلَاعِنَيْنِ حِسَابُكُمَا على اللَّهِ أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ دَلَّ على ما وَصَفْتُ في أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ من أَنَّهُ يَحْكُمُ على ما ظَهَرَ له وَاَللَّهُ وَلِيُّ ما غَابَ عنه وَلَمَّا قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا سَبِيلَ لَك عليها اسْتَدْلَلْنَا على أَنَّ الْمُتَلَاعِنَيْنِ لَا يَتَنَاكَحَانِ
____________________

(5/129)


أَبَدًا إذْ لم يَقُلْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا أَنْ تُكَذِّبَ نَفْسَك أو تَفْعَلَ كَذَا أو يَكُونَ كَذَا كما قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى في الْمُطَلِّقِ الثَّالِثَةَ { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ له من بَعْدُ حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا } وَاسْتَدْلَلْنَا بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نَفَى الْوَلَدَ وقد قال عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ ينفى الْوَلَدَ وَالْفِرَاشُ ثَابِتٌ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَيَزُولُ الْفِرَاشُ عِنْدَ النَّفْيِ وَيَرْجِعُ إذَا أَقَرَّ بِهِ قِيلَ له لَمَّا سَأَلَ زَوْجُ الْمَرْأَةِ الصَّدَاقَ الذي أَعْطَاهَا قال له رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنْ كُنْت صَدَقْت عليها فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْت من فَرْجِهَا وَإِنْ كُنْت كَذَبْت عليها فَذَلِكَ أَبْعَدُ لَك منها أو منه دَلَّ ذلك على أَنْ ليس له الرُّجُوعُ بِالصَّدَاقِ الذي قد لَزِمَهُ بِالْعَقْدِ وَالْمَسِيسِ مع الْعَقْدِ وَكَانَتْ الْفُرْقَةُ من قِبَلِهِ جَاءَتْ فَإِنْ قال قَائِلٌ على أَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ من قِبَلِهِ وقد رَمَاهَا بالزنى قِيلَ له قد كان يَحِلُّ له الْمُقَامُ مَعَهَا وَإِنْ زَنَتْ وقد يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ كَذَبَ عليها فَالْفُرْقَةُ بِهِ كانت لِأَنَّهُ لم يُحْكَمْ عليه بها إلَّا بِقَذْفِهِ وَالْتِعَانِهِ وَإِنْ كانت هِيَ لها سَبَبًا كما تكون ( ( ( يكون ) ) ) سَبَبًا لِلْخُلْعِ فَيَكُونُ من قِبَلِهِ من قِبَلِ أَنَّهُ لو شَاءَ لم يَقْبَلْ الْخُلَعَ وَالْمُلَاعَنُ ليس بِمَغْرُورٍ من نِكَاحٍ فَاسِدٍ وَلَا بِحَرَامٍ وما أَشْبَهَهُ يَرْجِعُ بِالْمَهْرِ على من غَرَّهُ وَلَمَّا قال بن جُرَيْجٍ في حديث سَهْلٍ الذي حَكَى فيه حُكْمَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بين الْمُتَلَاعِنَيْنِ أنها كانت حَامِلًا فَأَنْكَرَ حَمْلَهَا فَكَانَ وَلَدُهَا يُنْسَبُ إلَى أُمِّهِ دَلَّ ذلك على مَعَانٍ منها قد شُبِّهَ على بَعْضِ من يُنْسَبُ إلَى الْعِلْمِ فيها أَنَّهُ رَمَاهَا بالزنى وَرَمْيُهُ إيَّاهَا بالزنى يُوجِبُ عليه الْحَدُّ أو اللِّعَانُ وَمِنْهَا أَنَّهُ أَنْكَرَ حَمْلَهَا فَلَاعَنَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَيْنَهُمَا بِالرَّمْيِ بالزنى وَجَعَلَ الْحَمْلَ إنْ كان مَنْفِيًّا عنه إذْ زَعَمَ أَنَّهُ من الزنى وقال إنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا فَهُوَ لِلَّذِي يَتَّهِمُهُ فَجَاءَتْ بِهِ على ذلك النَّعْتِ (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قال لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ تَرَى أنها حُبْلَى ما هذا الْحَمْلُ مِنِّي قِيلَ له أَرَدْت أنها زَنَتْ فَإِنْ قال لَا وَلَيْسَتْ بِزَانِيَةٍ وَلَكِنِّي لم أُصِبْهَا قِيلَ له فَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُخْطِئَ هذا الْحَبَلُ فَتَكُونَ صَادِقًا وَتَكُونَ غير زَانِيَةٍ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ حتى تَضَعَ فإذا اسْتَيْقَنَا أَنَّهُ حَبَلٌ قُلْنَا ما أَرَدْت فَإِنْ قال كما قال أَوَّلَ مَرَّةٍ قُلْنَا قد يَحْتَمِلُ أَنْ تَأْخُذَ نُطْفَتَك فَتُدْخِلَهَا فَتَحْبَلَ مِنْك فَتَكُونَ أنت صَادِقًا في الظَّاهِرِ بِأَنَّك لم تُصِبْهَا وَهِيَ صَادِقَةٌ بِأَنَّهُ وَلَدُك فَإِنْ قَذَفْتَ لَاعَنْتَ وَنَفَيْت الْوَلَدَ أو حُدِدْت وَلَا يُلَاعَن بِحَمْلٍ لَا قَذْفَ معه ( 1 ) لِأَنَّهُ قد يَكُونُ حَمْلًا وقد ذَهَبَ بَعْضُ من نَظَرَ في الْعِلْمِ إلَى أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لاعن ( ( ( لم ) ) ) بِالْحَمْلِ وَإِنَّمَا لَاعَنَ بِالْقَذْفِ ونفي الْوَلَدَ إذَا كان من الْحَمْلِ الذي بِهِ الْقَذْفُ وَلَمَّا نَفَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْوَلَدَ عن الْعَجْلَانِيِّ بعد ما وَضَعَتْهُ أُمُّهُ وَبَعْدَ تَفْرِيقِهِ بين الْمُتَلَاعِنَيْنِ اسْتَدْلَلْنَا هذا الْحُكْمَ وَحُكْمُ أَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ على أَنَّ الْوَلَدَ لَا يُنْفَى إلَّا بِلِعَانٍ وَعَلَى أَنَّهُ إذا كان لِلزَّوْجِ نَفْيُهُ وَامْرَأَتُهُ عِنْدَهُ وإذا لَاعَنَهَا كان له نَفْيُ وَلَدِهَا إنْ جَاءَتْ بِهِ بَعْدَ ما يُطَلِّقُهَا ثَلَاثًا لِأَنَّهُ بِسَبَبِ النِّكَاحِ الْمُتَقَدِّمِ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نَفَاهُ يوم نَفَاهُ وَلَيْسَتْ له بِزَوْجَةٍ وَلَكِنَّهُ من زَوْجَةٍ كانت وَبِإِنْكَارٍ مُتَقَدِّمٍ له ( قال ) وَسَوَاءٌ قال رَأَيْت فُلَانًا يَزْنِي بها أو لم يُسَمِّهِ فإذا قَذَفَهَا بالزنى وَادَّعَى الرُّؤْيَةَ لِلزِّنَا أو لم يَدَّعِهَا أو قال ( ( ( قبل ) ) ) استبرأتها ( ( ( استبرائها ) ) ) قبل أَنْ تَحْمِلَ حتى عَلِمْتُ أَنَّ الْحَمْلَ ليس مِنِّي أو لم يَقُلْهُ يُلَاعِنُهَا في هذه الْحَالَاتِ كُلِّهَا وَيَنْفِي عنه الْوَلَدَ إذَا أَنْكَرَهُ فيها كُلِّهَا إلَّا في خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ في أَنْ يَذْكُرَ أنها زَنَتْ في وَقْتٍ من الْأَوْقَاتِ لم يَرَهَا تَزْنِي قَبْلَهُ بِبَلَدٍ لِأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ من ذلك الْوَقْتِ فَيَعْلَمُ أَنَّهُ ابْنُهُ وَأَنَّهُ لم يَدَّعِ زِنًا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هذا الْحَبَلُ منه إنَّمَا يُنْفَى عنه إذَا ادَّعَى ما يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ من غَيْرِهِ بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ الرَّجُلُ يَقْذِفُ امْرَأَتَهُ وهو يُقِرُّ بِأَنَّهُ قد أَصَابَهَا في الطُّهْرِ الذي رَأَى عليها فيه ما رَأَى أو قبل أَنْ يَرَى عليها ما رَأَى قال يُلَاعِنُهَا وَالْوَلَدُ لها ( قال بن جُرَيْجٍ ) قُلْت لِعَطَاءٍ أَرَأَيْت إنْ نَفَاهُ بَعْدَ أَنْ تَضَعَهُ قال يُلَاعِنُهَا وَالْوَلَدُ له

(5/130)


(1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَبِهَذَا كُلِّهِ نَقُولُ وهو مَعْنَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إلَّا أَنْ يُقِرَّ بِحَمْلِهَا فَلَا يَكُونُ له نَفْيُهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِهِ
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ الرَّجُلُ يَقْذِفُ امْرَأَتَهُ قبل أَنْ تُهْدَى إلَيْهِ قال يُلَاعِنُهَا وَالْوَلَدُ لها ( قال ) أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ انه قال يُلَاعِنُهَا وَالْوَلَدُ لها إذَا قَذَفَهَا قبل أَنْ تُهْدَى إلَيْهِ أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ في الرَّجُلِ يقول لِامْرَأَتِهِ يا زَانِيَةُ وهو يقول لم أَرَ ذلك عليها قال يُلَاعِنُهَا وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ وقد ذَهَبَ بَعْضُ من يُنْسَبُ إلَى الْعِلْمِ إلَى أَنَّهُ إنما يَنْفِي الْوَلَدَ إذَا قال قد اسْتَبْرَأْتهَا فَكَأَنَّهُ إنَّمَا ذَهَبَ إلَى نَفْيِ الْوَلَدِ عن الْعَجْلَانِيِّ إذْ قال لم أقر بها مُنْذُ كَذَا وَكَذَا وَلَسْنَا نَقُولُ بهذا نَحْنُ نَنْفِي الْوَلَدَ عنه بِكُلِّ حَالٍ إذَا أَنْكَرَهُ فِيمَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ من غَيْرِهِ فَإِنْ قال قَائِلٌ آخُذُ بِالْحَدِيثِ على ما جاء قِيلَ له فَالْحَدِيثُ على أَنَّ الْعَجْلَانِيَّ سَمَّى الذي رَأَى بِعَيْنِهِ يَزْنِي بها وَذَكَرَ أَنَّهُ لم يُصِبْ هو امْرَأَتَهُ مُنْذُ أَشْهُرٍ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْعَلَامَةَ التي تُثْبِتُ صِدْقَ الزَّوْجِ في الْوَلَدِ أَفَرَأَيْت إنْ قَذَفَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ ولم يُسَمِّ من أَصَابَهَا ولم يَدَّعِ رُؤْيَتَهُ فَإِنْ قال يُلَاعِنُهَا قِيلَ له أَفَرَأَيْت إنْ أَنْكَرَ الْحَمْلَ ولم يَرَ الْحَاكِمُ فيه عَلَامَةً بِصِدْقِ الزَّوْجِ أَيَنْفِيهِ فَإِنْ قال نعم قِيلَ فَقَدْ لَاعَنَتْ قبل ادِّعَاءِ رُؤْيَتِهِ وَإِنَّمَا لَاعَنَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِادِّعَاءِ رُؤْيَةِ الزَّوْجِ وَنَفَيْت بِغَيْرِ دَلَالَةٍ على صِدْقِ الزَّوْجِ وقد رَأَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم صِدْقَ الزَّوْجِ في شَبَهِ الْوَلَدِ فَإِنْ قال فما حُجَّتُنَا وَحُجَّتُك في هذا قُلْت مِثْلُ حُجَّتِنَا إذَا فَارَقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ قُلْنَا قبل أَنْ يَأْمُرَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَكَانَتْ سُنَّةُ الْمُتَلَاعِنَيْنِ الْفُرْقَةَ ولم يَقُلْ حين فَرَّقَ إنَّهَا ثَلَاثٌ فَإِنْ قال وما الدَّلِيلُ على ما وَصَفْتَ من أَنْ يُنْفَى الْوَلَدُ وَإِنْ لم يَدَّعِ الزَّوْجُ الِاسْتِبْرَاءَ وَيُلَاعَن وَإِنْ لم يَدَّعِ الزَّوْجُ الرُّؤْيَةَ قِيلَ مِثْلُ الدَّلِيلِ على كَيْفَ لَاعَنَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَإِنْ لم يَحْكِ عنه فَعَلِمْنَا أَنَّهُ لم يَعُدْ ما أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَأَوْجَدْنَا ما وَصَفْت قُلْت قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى في الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ { ثُمَّ لم يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً } فَكَانَتْ الْآيَةُ عَامَّةً على رَامِي الْمُحْصَنَةِ فَكَانَ سَوَاءٌ قال الرَّامِي لها رَأَيْتهَا تَزْنِي أو رَمَاهَا ولم يَقُلْ رَأَيْتهَا تَزْنِي فإنه يَلْزَمُهُ اسْمُ الرَّامِي قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ولم ( ( ( إلى ) ) ) يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ } الْآيَةُ فَكَانَ الزَّوْجُ رَامِيًا قال رَأَيْت أو عَلِمْتُ بِغَيْرِ رُؤْيَةٍ فَلِمَا قُبِلَ منه ما لم يَقُلْ فيه من ( ( ( ممن ) ) ) الْقَذْفُ رَأَيْت يُلَاعِنُ بِهِ بِأَنَّهُ دَاخِلٌ في جُمْلَةِ الْقَذَفَةِ غَيْرُ خَارِجٍ منهم إذَا كان إنَّمَا قُبِلَ في هذا قَوْلُهُ وهو غَيْرُ شَاهِدٍ لِنَفْسِهِ قُبِلَ قَوْلُهُ إنَّ هذا الْحَمْلَ ليس مِنِّي وَإِنْ لم يذكر اسْتِبْرَاءً قبل الْقَذْفِ لِاخْتِلَافٍ بين ذلك ( قال ) وقد يَكُونُ اسْتَبْرَأَهَا وقد عَلِقَتْ من الْوَطْءِ قبل الِاسْتِبْرَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو قال وَقَالَتْ قد اسْتَبْرَأَنِي تِسْعَةَ أَشْهُرٍ حِضْت فيها تِسْعَ حِيَضٍ ثُمَّ جَاءَتْ بَعْدُ بِوَلَدٍ لَزِمَهُ وَإِنَّ الْوَلَدَ يَلْزَمُهُ بِالْفِرَاشِ وَأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ لَا مَعْنَى له ما كان الْفِرَاشُ قَائِمًا فلما أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِبْرَاءُ قد كان وَحَمْلٌ قد تَقَدَّمَهُ فَأَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ قد أَصَابَهَا وَالْحَمْلُ من غَيْرِهِ وَأَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ كَاذِبًا في جَمِيعِ دَعْوَاهُ لِلزِّنَا وَنَفْيِ الْوَلَدِ وقد أَخْرَجَهُ اللَّهُ من الْحَدِّ بِاللِّعَانِ وَنَفَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عنه الْوَلَدَ اسْتَدْلَلْنَا على أَنَّ هذا كُلَّهُ إنَّمَا هو بِقَوْلِهِ وَلَمَّا كنا إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ حَدَدْنَاهُ وَأَلْحَقْنَا بِهِ الْوَلَدَ اسْتَدْلَلْنَا على أَنْ نَفْيَ الْوَلَدِ بِقَوْلِهِ وَلَوْ كان نَفْيُ الْوَلَدِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالِاسْتِبْرَاءِ فَمَضَى الْحُكْمُ بِنَفْيِهِ لم يَكُنْ له أَنْ يُلْحِقَهُ نَفْسَهُ لِأَنَّهُ لم يَكُنْ بِقَوْلِهِ فَقَطْ دُونَ الِاسْتِبْرَاءِ وَالِاسْتِبْرَاءُ غَيْرُ قَوْلِهِ فلما قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَعْدَ ما وَصَفَ من لِعَانِ الزَّوْجِ { وَيَدْرَأُ عنها الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ } الْآيَةُ اسْتَدْلَلْنَا على أَنَّ اللَّهَ عز وجل أَوْجَبَ عليها الْعَذَابَ وَالْعَذَابُ الْحَدُّ لَا تَحْتَمِلُ الْآيَةُ مَعْنًى غَيْرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَقُلْنَا له حَالُهُ قبل الْتِعَانِهِ مِثْلُ حَالِهِ بَعْدَ الْتِعَانِهِ لِأَنَّهُ كان مَحْدُودًا بِقَذْفِهِ إنْ لم يَخْرُجْ منه بِاللِّعَانِ فَكَذَلِكَ أَنْتِ مَحْدُودَةٌ بِقَذْفِهِ وَالْتِعَانِهِ بِحُكْمِ اللَّهِ أَنَّك تَدْرَئِينَ الْحَدَّ بِهِ فَإِنْ لم تَلْتَعِنِي حُدِدْتِ حَدَّكِ كان حَدُّكِ رَجْمًا أو جَلْدًا لاختلاف في ذلك بَيْنَكِ وَبَيْنَهُ ( قال ) وَلَا يُلَاعَن وَلَا يُحَدُّ إلَّا بِقَذْفٍ مُصَرَّحٍ وَلَوْ قال لم أَجِدْكِ عَذْرَاءَ من جِمَاعٍ وَكَانَتْ الْعُذْرَة

(5/131)


تَذْهَبُ من غَيْرِ جِمَاعٍ وَمِنْ جِمَاعٍ فإذا قال هذا وُقِفَ فَإِنْ أَرَادَ الزنى حُدَّ أو لَاعَنَ وَإِنْ لم يرده ( ( ( يرد ) ) ) حَلَفَ وَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ
( أخبرنا ) سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ في الرَّجُلِ يقول لِامْرَأَتِهِ لم أَجِدْك عَذْرَاءَ وَلَا أَقُولُ ذلك من زِنًا فَلَا يُحَدُّ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا لَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ أو خَالَعَهَا ثُمَّ قَذَفَهَا بِغَيْرِ وَلَدٍ حُدَّ وَلَا لِعَانَ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ زَوْجَةً وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ إذَا لم يَكُنْ وَلَدٌ يَنْفِيه عنه
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ قال إذَا خَالَعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ قَذَفَهَا حُدَّ وَإِنْ كان وَلَدٌ يَنْفِيه لَاعَنَهَا بِنَفْيِ الْوَلَدِ من قِبَلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نَفَى الْوَلَدَ بَعْدَ الْفُرْقَةِ لِأَنَّهُ كان قَبْلَهَا فَإِنْ قَذَفَهَا فَمَاتَ قبل أَنْ يُلَاعِنَهَا وَرِثَتْهُ لِأَنَّهُمَا على النِّكَاحِ حتى يَلْتَعِنَ هو وَإِنْ قَذَفَهَا بَعْدَ طَلَاقٍ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ في الْعِدَّةِ لَاعَنَهَا وَإِنْ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ فَهِيَ مِثْلُ الْمَبْتُوتَةِ التي لَا رَجْعَةَ له عليها وَمَنْ أَقَرَّ بِوَلَدِ امْرَأَتِهِ لم يَكُنْ له نَفْيُهُ وَإِنْ قَذَفَهَا بَعْدَ ما يُقِرّ أَنَّهُ منه جُلِدَ الْحَدَّ وهو وَلَدُهُ وَإِنْ قال هذا الْحَمْلُ مِنِّي وقد زَنَتْ قَبْلَهُ أو بَعْدَهُ فَهُوَ منه وَيُلَاعِنُهَا لِأَنَّهَا قد تَزْنِي قبل الْحَمْلِ منه وَبَعْدَهُ وَلَيْسَ له نَفْيُ وَلَدِهِ بَعْدَ إقْرَارِهِ بِهِ مَرَّةً فَأَكْثَرَ بِأَنْ لَا يَرَاهُ يُشْبِهُهُ وَغَيْرُ ذلك من الدَّلَالَاتِ إذَا أَقَرَّ بِأَنَّهُ وُلِدَ على فِرَاشِهِ فَلَيْسَ له إنْكَارُهُ بِحَالٍ أَبَدًا إلَّا أَنْ يُنْكِرَهُ قبل إقْرَارِهِ
أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا من أَهْلِ الْبَادِيَةِ أتى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال إنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ فقال له النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم هل لَك من إبِلٍ قال نعم قال ما ( ( ( وما ) ) ) أَلْوَانُهَا قال حُمْرٌ قال هل فيها من أَوْرَقَ قال نعم قال أَنَّى تَرَى ذلك قال عِرْقًا نَزَعَهُ فقال له النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَعَلَّ هذا عِرْقٌ نَزَعَهُ
أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن بن شِهَابٍ عن بن الْمُسَيِّبِ عن أبي هُرَيْرَةَ رضي اللَّهُ عنه أَنَّ أَعْرَابِيًّا من بَنِي فَزَارَةَ أتى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال إنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ فقال له النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم هل لك من إبِلٍ قال نعم قال فما أَلْوَانُهَا قال حُمْرٌ قال هل فيها من أَوْرَقَ قال إنْ فيها لَوُرْقًا قال فَأَنَّى أَتَاهَا ذلك قال لَعَلَّهُ نَزَعَهُ عِرْقٌ قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَهَذَا لَعَلَّهُ نَزَعَهُ عِرْقٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهَذَا نَأْخُذُ وفي الحديث دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ على أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ امْرَأَتَهُ وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ وهو لَا يَذْكُرُهُ إلَّا مُنْكِرًا له وَجَوَابُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم له وَضَرْبُهُ له الْمَثْلَ بِالْإِبِلِ يَدُلُّ على ما وَصَفْت من إنْكَارِهِ وَتُهْمَتِهِ الْمَرْأَةَ فلما كان قَوْلُ الْفَزَارِيّ تُهْمَةَ الْأَغْلَبِ منها عِنْدَ من سَمِعَهَا أَنَّهُ أَرَادَ قَذْفَهَا أَنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ أَسْوَدَ فَسَمِعَهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فلم يَرَهُ قَذْفًا يَحْكُمُ عليه فيه بِاللِّعَانِ أو الْحَدِّ إذَا كان لِقَوْلِهِ وَجْهٌ يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ أَرَادَ بِهِ الْقَذْفَ من التَّعَجُّبِ وَالْمَسْأَلَةِ عن ذلك لَا قَذْفَ امْرَأَتِهِ اسْتَدْلَلْنَا على أَنَّهُ لَا حَدَّ في التَّعْرِيضِ وَإِنْ غَلَبَ على السَّامِعِ أَنَّ الْمُعْرِضَ أَرَادَ الْقَذْفَ إنْ كان له وَجْهٌ يَحْتَمِلُهُ وَلَا حَدَّ إلَّا في الْقَذْفِ الصَّرِيحِ وقد قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى في الْمُعْتَدَّةِ { وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ من خِطْبَةِ النِّسَاءِ } إلَى { وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا } فَأَحَلَّ التَّعْرِيضَ بِالْخِطْبَةِ وفي إحْلَالِهِ إيَّاهَا تَحْرِيمٌ التصريح وقد قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى في الْآيَةِ { لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا } وَالسِّرُّ الْجِمَاعُ وَاجْتِمَاعُهُمَا على الْعِدَّةِ بِتَصْرِيحِ الْعُقْدَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وهو تَصْرِيحُ بِاسْمٍ نهي عنه وَهَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِ من أَهْلِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِمْ من أَهْلِ الْبُلْدَانِ في التَّعْرِيضِ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ فيه مُخْتَلِفُونَ فَمِنْهُمْ من قال بِقَوْلِنَا وَمِنْهُمْ من حَدَّ في التَّعْرِيضِ وَهَذِهِ الدَّلَالَةُ في حديث النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْفَزَارِيّ مَوْضُوعَةٌ بِالْآثَارِ فيها وَالْحُجَجُ في كِتَابِ الْحُدُودِ وهو أَمْلَكُ بها من هذا الْمَوْضِعِ وَإِنْ كان الْفَزَارِيّ أَقَرَّ بِحَمْلِ امْرَأَتِهِ عِنْدَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وهو الدَّلِيلُ على ما قُلْنَا بِأَنَّهُ ليس له أَنْ يَنْفِيَهُ بَعْدَ إقْرَارِهِ ( وقال ) السِّرُّ الْجِمَاعُ قال امْرُؤُ الْقَيْسِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنْ قَذَفَهَا ولم يُكْمِلْ اللِّعَانَ حتى رَجَعَ حُدَّ وَهِيَ امْرَأَتُهُ
أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال لِعَطَاءٍ أَرَأَيْت الذي يَقْذِفُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ يَنْزِعُ عن الذي قال قبل أَنْ يُلَاعِنَهَا قال هِيَ امْرَأَتُهُ وَيُحَدُّ

(5/132)


% أَلَا زَعَمَتْ بَسْبَاسَةُ الْقَوْمِ أَنَّنِي % كَبِرْت وَأَنْ لَا يُحْسِنَ السِّرَّ أَمْثَالِي % % كَذَبَتْ لقد أَصْبَى على الْمَرْءِ عُرْسُهُ % وَأَمْنَع عُرْسِي أَنْ يَزْنِ بها الْخَالِي % وقال جَرِيرٌ يَرْثِي امْرَأَتَهُ % % كانت إذَا هَجَرَ الْخَلِيلُ فِرَاشَهَا % خَزْنَ الحديث وَعَفَّتْ الْأَسْرَارَ % - * الْخِلَافُ في اللِّعَانِ - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ خَالَفَنَا بَعْضَ الناس في جُمْلَةِ اللِّعَانِ وفي بَعْضِ فُرُوعِهِ فَحَكَيْت ما في جُمْلَتِهِ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ في الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَتَرَكْت ما في فُرُوعِهِ لِأَنَّ فُرُوعَهُ في كِتَابِ اللِّعَانِ وهو مَوْضُوعٌ فيه وَإِنَّمَا كَتَبْنَا في كِتَابِنَا { إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ } كما قُلْنَا في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل وَأَنَّ حُكْمَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فيه فقال بَعْضُ من خَالَفَنَا لَا يُلَاعَن بين الزَّوْجَيْنِ أَبَدًا حتى يَكُونَا حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ لَيْسَا بِمَحْدُودَيْنِ في قَذْفٍ وَلَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَقُلْت له ذَكَرَ اللَّهُ عز وجل اللِّعَانَ بين الْأَزْوَاجِ لم يَخُصَّ وَاحِدًا منهم دُونَ غَيْرِهِ وما كان عَامًّا في كِتَابِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَلَا نَخْتَلِفُ نَحْنُ وَلَا أنت أَنَّهُ على الْعُمُومِ كما قُلْنَا في قَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ من قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وقد فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ } فَزَعَمْنَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ أنها على الْأَزْوَاجِ عَامَّةً كَانُوا مَمَالِيكَ أو أَحْرَارًا عِنْدَهُمْ مَمْلُوكَةٌ أو حُرَّةٌ أو ذِمِّيَّةٌ فَكَيْفَ زَعَمْتُمْ أَنَّ اللِّعَانَ على بَعْضِ الْأَزْوَاجِ دُونَ بَعْضٍ قالوا رَوَيْنَا في ذلك حَدِيثًا فَاتَّبَعْنَاهُ قُلْنَا وما الْحَدِيثُ قالوا
رَوَى عَمْرُو بن شُعَيْبٍ عن عبد اللَّهِ بن عَمْرٍو عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال أَرْبَعٌ لَا لِعَانَ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ أَزْوَاجِهِنَّ الْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّةُ تَحْتَ الْمُسْلِمِ وَالْحُرَّةُ تَحْتَ الْعَبْدِ وَالْأَمَةُ عِنْدَ الْحُرِّ وَالنَّصْرَانِيَّةُ عِنْدَ النَّصْرَانِيِّ قُلْنَا له رَوَيْتُمْ هذا عن رَجُلٍ مَجْهُولٍ وَرَجُلٍ غَلِطَ وَعَمْرُو بن شُعَيْبَ عن عبد اللَّهِ بن عَمْرٍو مُنْقَطِعٌ وَاَللَّذَانِ رَوَيَاهُ يقول أَحَدُهُمَا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْآخَرُ يَقِفُهُ على عبد اللَّهِ بن عَمْرٍو مَوْقُوفًا مَجْهُولًا فَهُوَ لَا يَثْبُتُ عن عَمْرِو بن شُعَيْبٍ وَلَا عبد اللَّهِ بن عَمْرٍو وَلَا يَبْلُغُ بِهِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا رَجُلٌ غَلِطَ وَفِيهِ أَنَّ عَمْرَو بن شُعَيْبٍ قد رَوَى لنا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَحْكَامًا تُوَافِقُ أَقَاوِيلَنَا وَتُخَالِفُ أَقَاوِيلَكُمْ يَرْوِيهَا عنه الثِّقَاتُ فَنُسْنِدُهَا إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَرَدَدْتُمُوهَا عَلَيْنَا وَرَدَدْتُمْ رِوَايَتَهُ وَنَسَبْتُمُوهُ إلَى الْغَلَطِ فَأَنْتُمْ مَحْجُوجُونَ إنْ كان مِمَّنْ ثَبَتَ حَدِيثُهُ بِأَحَادِيثِهِ التي بها وَافَقْنَاهَا وَخَالَفْتُمُوهَا في نَحْوٍ من ثَلَاثِينَ حُكْمًا عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم خَالَفْتُمْ أَكْثَرَهَا فَأَنْتُمْ غَيْرُ مُنْصِفِينَ إنْ احْتَجَجْتُمْ بِرِوَايَتِهِ وهو مِمَّنْ لَا تثبت ( ( ( نثبت ) ) ) رِوَايَتَهُ ثُمَّ احْتَجَجْتُمْ منها بِمَا لو كان ثَابِتًا عنه وهو مِمَّنْ يَثْبُتُ حَدِيثُهُ لم يَثْبُتْ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عبد اللَّهِ بن عَمْرٍو وَقُلْت لهم لو كان كما أَرَدْتُمْ كُنْتُمْ مَحْجُوجِينَ بِهِ قال وَكَيْفَ قُلْت أَلَيْسَ ذِكْرُ اللَّهِ عز وجل الْأَزْوَاجَ وَالزَّوْجَاتِ في اللِّعَانِ عَامًّا قال بَلَى قُلْت ثُمَّ زَعَمْت أَنَّ حَدِيثًا جاء أَخْرَجَ من الْجُمْلَةِ الْعَامَّةِ أَزْوَاجًا وَزَوْجَاتٍ مُسَمَّيْنَ قال نعم قُلْت أو كان يَنْبَغِي أَنْ يُخْرِجَ من جُمْلَةِ الْقُرْآنِ زَوْجًا أو زَوْجَةً بِالْحَدِيثِ إلَّا من أَخْرَجَ الْحَدِيثُ خَاصَّةً كما ذَكَرَ اللَّهُ عز وجل الْوُضُوءَ فَمَسَحَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم على الْخُفَّيْنِ فلم يُخْرِجْ من الْوُضُوءِ إلَّا الْخُفَّيْنِ خَاصَّةً ولم يَجْعَلْ غَيْرَهُمَا من الْقُفَّازَيْنِ وَالْبُرْقُعِ وَالْعِمَامَةِ قِيَاسًا عَلَيْهِمَا قال هَكَذَا هو قُلْت فَكَيْفَ قُلْت في حَدِيثِك أَلَيْسَ الْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّةُ عِنْدَ الْمُسْلِمِ وَالنَّصْرَانِيَّة عِنْدَ النَّصْرَانِيِّ وَالْحُرَّةُ تَحْتَ الْعَبْدِ وَالْأَمَةُ تَحْتَ الْحُرِّ لَا يُلَاعِنُونَ قال هو هَكَذَا قُلْت فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تقول ( ( ( تقولا ) ) ) لَا لِعَانَ بين هَؤُلَاءِ وما كان من زَوْجٍ سِوَاهُنَّ لَاعَنَ قال وما بَقِيَ بَعْدَهُنَّ قُلْت الْحُرَّةُ تَحْتَ الْحُرِّ الْمَحْدُودَيْنِ أو أَحَدُهُمَا في الْقَذْفِ وَالْأَمَةُ تَحْتَ الْحُرِّ أَلَيْسَ قد زَعَمْت أَنَّ هَذَيْنِ لَا يُلَاعِنَانِ قال فَإِنِّي قد أَخَذْت طَرْحَ اللِّعَانِ عَمَّنْ طَرَحْته عن

(5/133)


من مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا الْكِتَابُ وَالْآخَرُ السُّنَّةُ قُلْت أو عندك في السُّنَّةِ شَيْءٌ غير ما ذَكَرْت وَذَكَرْنَا من الحديث الذي رَوَيْت عن عَمْرِو بن شُعَيْبٍ قال لَا قُلْت فَقَدْ طَرَحْت اللِّعَانَ عَمَّنْ نَطَقَ الْقُرْآنُ بِهِ وَحَدِيثُ عَمْرٍو إنْ كان ثَابِتًا أَنَّهُ لَا يُلَاعِنُ لِأَنَّهُ إن كان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ما قُلْت فَفِي قَوْلِهِ أَرْبَعٌ لَا لِعَانَ بَيْنَهُنَّ ما دَلَّ على أَنَّ من سِوَاهُنَّ من الْأَزْوَاجِ يُلَاعِنُ وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ على أَنَّ الْأَزْوَاجَ يُلَاعِنُونَ لَا يَخُصُّ زَوْجًا دُونَ زَوْجٍ قال فَمَنْ أَخْرَجْتُ من الْأَزْوَاجِ من اللِّعَانِ بِغَيْرِ حديث عَمْرِو بن شُعَيْبٍ فَإِنَّمَا أَخْرَجْته اسْتِدْلَالًا بِالْقُرْآنِ قُلْت وَأَيْنَ ما اسْتَدْلَلْت بِهِ من الْقُرْآنِ قال قال اللَّهُ عز وجل { ولم يَكُنْ لهم شُهَدَاءُ إلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ } فلم يَجُزْ أَنْ يُلَاعِنَ من لَا شَهَادَةَ له لِأَنَّ شَرْطَ اللَّهِ عز وجل في الشُّهُودِ الْعُدُولُ وَكَذَلِكَ لم يُجِزْ الْمُسْلِمُونَ في الشَّهَادَةِ إلَّا الْعُدُولَ فَقُلْت له قَوْلُك هذا خَطَأٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَعَلَى لِسَانِك وَجَهْلٌ بِلِسَانِ الْعَرَبِ قال فما دَلَّ على ما قُلْت قُلْت الشَّهَادَةُ هَا هُنَا يَمِينٌ قال وما دَلَّك على ذلك قُلْت أَرَأَيْت الْعَدْلَ أَيَشْهَدُ لِنَفْسِهِ قال لَا قُلْت وَلَوْ شَهِدَ أَلَيْسَ شَهَادَتُهُ مَرَّةً في أَمْرٍ وَاحِدٍ كَشَهَادَتِهِ أَرْبَعًا قال بَلَى قُلْت وَلَوْ شَهِدَ لم يَكُنْ عليه أَنْ يَلْتَعِنَ قال بَلَى قُلْت وَلَوْ كانت شَهَادَتُهُ في اللِّعَانِ وَاللِّعَانُ شَهَادَةٌ حتى تَكُونَ كُلُّ شَهَادَةٍ له تَقُومُ مَقَامَ شَاهِدٍ أَلَمْ يَكْفِ الْأَرْبَعُ دُونَ الْخَامِسَةِ وَتُحَدُّ امْرَأَتُهُ قال بَلَى قُلْت وَلَوْ كان شَهَادَةً أَيُجِيزُ الْمُسْلِمُونَ في الْحُدُودِ شَهَادَةَ النِّسَاءِ قال لَا قُلْت وَلَوْ أَجَازُوا شَهَادَتَهُنَّ انْبَغَى أَنْ تَشْهَدَ الْمَرْأَةُ ثَمَانِ مَرَّاتٍ وَتَلْتَعِنَ مَرَّتَيْنِ قال بَلَى قُلْت أَفَتَرَاهَا في مَعَانِي الشَّهَادَاتِ قال لَا وَلَكِنَّ اللَّهَ عز وجل لَمَّا سَمَّاهَا شَهَادَةً رَأَيْتهَا شَهَادَةً قُلْت هِيَ شَهَادَةُ يَمِينٍ يَدْفَعُ بها كُلُّ وَاحِدٍ من الزَّوْجَيْنِ عن نَفْسِهِ وَيَجِبُ بها أَحْكَامُ لَا في مَعَانِي الشَّهَادَاتِ التي لَا يَجُوزُ فيها إلَّا الْعُدُولُ وَلَا يَجُوزُ في الْحُدُودِ منها النِّسَاءُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فيها الْمَرْءُ شَاهِدًا لِنَفْسِهِ قال ما هِيَ من الشَّهَادَةِ التي يُؤْخَذُ بها لِبَعْضِ الناس من بَعْضٍ فَإِنْ تَمَسَّكْت بِأَنَّهَا اسْمُ شَهَادَةٍ وَلَا يَجُوزُ فيها إلَّا الْعُدُولُ قال قُلْت يَدْخُلُ عَلَيْك ما وَصَفْت وَأَكْثَرُ منه ثُمَّ يَدْخُلُ عَلَيْك تَنَاقُضُ قَوْلِك قال فَأَوْجِدْنِي تَنَاقُضَهُ قُلْت كُلُّهُ مُتَنَاقِضٌ قال فَأَوْجِدْنِي قلت إنْ سَلَكْتَ بِمَنْ يُلَاعِنُ من تَجُوزُ شَهَادَتُهُ دُونَ من لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فَقَدْ لَاعَنْت بين من لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَأَبْطَلْت اللِّعَانَ بين من تَجُوزُ شَهَادَتُهُ قال وَأَيْنَ قُلْت لَاعَنْت بين الأعميين النخعين ( 1 ) غَيْرِ الْعَدْلَيْنِ وَفِيهِمَا عِلَلٌ مَجْمُوعَةٌ منها أَنَّهُمَا لَا يَرَيَانِ الزنى فَإِنَّهُمَا غَيْرُ عَدْلَيْنِ وَلَوْ كَانَا عَدْلَيْنِ كَانَا مِمَّنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ عِنْدَك أَبَدًا وَبَيْنَ الْفُسَّاقِ وَالْمُجَّانِ وَالسُّرَّاقِ وَالْقَتَلَةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَأَهْلِ الْمَعَاصِي ما لم يَكُونُوا مَحْدُودِينَ في قَذْفٍ قال إنَّمَا مَنَعْت الْمَحْدُودَ في الْقَذْفِ من اللِّعَانِ لِأَنَّ شَهَادَتَهُ لَا تَجُوزُ أَبَدًا قُلْت وَقَوْلُك لَا تَجُوزُ أَبَدًا خَطَأٌ وَلَوْ كانت كما قُلْت وَكُنْت لَا تُلَاعِنُ بين من لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ أَبَدًا لَكُنْت قد تَرَكْت قَوْلَك لِأَنَّ الأعميين النخعين ( 1 ) لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا عِنْدَك أَبَدًا وقد لَاعَنْت بَيْنَهُمَا فقال من حَضَرَهُ أَمَّا هذا فَيَلْزَمُهُ وَإِلَّا تَرَكَ أَصْلَ قَوْلِهِ فيها وَغَيْرُهُ قال أَمَّا الْفُسَّاقُ الَّذِينَ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ فَهُمْ إذَا تَابُوا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ قُلْت أَرَأَيْت الْحَالَ الذي لَاعَنْت بَيْنَهُمْ فيها أَهُمْ مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ في تِلْكَ الْحَالِ قال لَا وَلَكِنَّهُمَا إنْ تَابَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا قُلْت وَالْعَبْدُ إنْ عَتَقَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ من يَوْمِهِ إذَا كان مَعْرُوفًا بِالْعَدْلِ وَالْفَاسِقُ لَا تُقْبَلُ إلَّا بَعْدَ الِاخْتِبَارِ فَكَيْفَ لَاعَنْت بين الذي هو أَبْعَدُ من أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ إذَا انْتَقَلَتْ حَالُهُ وَامْتَنَعْت من أَنْ تُلَاعِنَ من هو أَقْرَبُ من أَنْ تَجُوزَ شَهَادَتُهُ إذَا انْتَقَلَتْ حَالُهُ قال فَإِنْ قُلْت إنَّ حَالَ الْعَبْدِ تَنْتَقِلُ بِغَيْرِهِ وَحَالَ الْفَاسِقِ تَنْتَقِلُ بِنَفْسِهِ قُلْت له أَوَلَسْت تُسَوِّي بَيْنَهُمَا إذَا صَارَ إلَى الْحُرِّيَّةِ وَالْعَدْلِ قال بَلَى قُلْت فَكَيْفَ تُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا في أَمْرٍ تُسَاوِي بَيْنَهُمَا فيه وَقُلْت له وَيَدْخُلُ عَلَيْك ما أَدْخَلْت على نَفْسِك في النَّصْرَانِيِّ يُسْلِمُ لِأَنَّهُ تَنْتَقِلُ حَالُهُ بِنَقْلِ نَفْسِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ تُجِيزَ شَهَادَتَهُ لِأَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ قُبِلَتْ قال
____________________

(5/134)


ما أَفْعَلُ وَكَذَلِكَ الْمُكَاتِبُ عَبْدَهُ ما يُؤَدِّي إنْ أَدَّى عَتَقَ أَفَرَأَيْت إنْ قُذِفَ قبل الْأَدَاءِ قال لَا يُلَاعِنُ قُلْت وَأَنْتَ لو كُنْت إنَّمَا تُلَاعِنُ بين من تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَاعَنْت بين الذِّمِّيَّيْنِ لِأَنَّهُمَا مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا عِنْدَك قال وَإِنَّمَا تَرَكْت اللِّعَانَ بَيْنَهُمَا لِلْحَدِيثِ قُلْت فَلَوْ كان الْحَدِيثُ ثَابِتًا أَمَا يَدُلُّك على أَنَّك أَخْطَأْت إذَا قَبِلْت شَهَادَةَ النَّصَارَى إذْ قُلْت لَا يُلَاعِنُ إلَّا بين من تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فقال بَعْضُ من حَضَرَهُ فَأَنَا أُكَلِّمُك على مَعْنًى غَيْرِ هذا قُلْت فَقُلْ قال فَإِنِّي إنَّمَا أُلَاعِنُ بين الزَّوْجَيْنِ إذَا كانت الزَّوْجَةُ الْمَقْذُوفَةُ مِمَّنْ يُحَدُّ لها حين قَذْفِهَا من قِبَلِ أَنِّي وَجَدْت اللَّهَ عز وجل حَكَمَ في قَذْفِ الْمُحْصَنَاتِ بِالْحَدِّ وَدَرَأَ عن الزَّوْجِ بِالْتِعَانِهِ فإذا كانت الْمَقْذُوفَةُ مِمَّنْ لَا حَدَّ لها الْتَعَنَ الزَّوْجُ وَخَرَجَ من الْحَدِّ وَإِلَّا فَلَا قُلْت فما تَقُولُ في عَبْدٍ تَحْتَهُ حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ فَقَذَفَهَا قال يُحَدُّ قُلْت فَإِنْ كان الزَّوْجُ حُرًّا فَقَذَفَهَا قال يُلَاعِنُ قُلْت له فَقَدْ تَرَكْت أَصْلَ قَوْلِك قال بَعْضُ من حَضَرَهُ أَمَّا في هذا فَنَعَمْ وَلَكِنَّهُ لَا يقول بِهِ قُلْت فَلِمَ يَزْعُمُ أَنَّهُ يقول بِهِ قُلْت لِبَعْضِ من حَكَيْت قَوْلَهُ لَا أَرَاك لَاعَنْت بين الزَّوْجَيْنِ على الْحُرِّيَّةِ لِأَنَّك لو لَاعَنْت على الْحُرِّيَّةِ لَاعَنْت بين الذِّمِّيَّيْنِ وَلَا على الْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ لِأَنَّك لو فَعَلْت لَاعَنْت بين الْمَحْدُودَيْنِ الْحُرَّيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ وَلَا أَرَاك لَاعَنْت بَيْنَهُمَا على الْعَدْلِ لِأَنَّك لو لَاعَنْت بَيْنَهُمَا على الْعَدْلِ لم تُلَاعِنْ بين الْفَاسِقَيْنِ وَلَا أَرَاك لَاعَنْت بَيْنَهُمَا على ما وَصَفَ صَاحِبُك من أَنَّ الْمَقْذُوفَةَ إذَا كانت حُرَّةً مُسْلِمَةً فَعَلَى قَاذِفِهَا الْحَدُّ وَأَنْتَ لَا تُلَاعِنُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا الْحُرِّ الْمَحْدُودِ في الْقَذْفِ وَلَا زَوْجِهَا الْعَبْدِ وما لَاعَنْت بَيْنَهُمَا بِعُمُومِ الْآيَةِ وَلَا بِالْحَدِيثِ مع الْآيَةِ وَلَا مُنْفَرِدًا وَلَا قُلْت فيها قَوْلًا مُسْتَقِيمًا على أَصْلِ ما ادَّعَيْت ثَابِتًا كان أو غير ثَابِتٍ قال فَلِمَ لَا تَأْخُذُ أنت بِحَدِيثِ عَمْرِو بن شُعَيْبٍ قُلْت له لَا نَعْرِفُهُ عن عَمْرٍو إنَّمَا رَوَاهُ عنه رَجُلٌ لَا يَثْبُتُ حَدِيثُهُ وَلَوْ كان من حَدِيثِهِ كان مُنْقَطِعًا عن عبد اللَّهِ بن عَمْرٍو وَنَحْنُ لَا نَقْبَلُ الحديث الْمُنْقَطِعَ عَمَّنْ هو أَحْفَظُ من عَمْرٍو إذَا كان مُنْقَطِعًا وَقُلْنَا بِظَاهِرِ الْآيَةِ وَعُمُومِهَا لم يُفَرِّقْ بين زَوْجٍ فيها وَلَا زَوْجَةٍ إذْ ذَكَرَهَا اللَّهُ عز وجل عَامَّةً فقال لي كَيْفَ قُلْت إذَا الْتَعَنَ الزَّوْجُ فَأَبَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَلْتَعِنَ حُدَّتْ حَدَّهَا رَجْمًا كان أو جَلْدًا فَقُلْت له بِحُكْمِ اللَّهِ عز وجل قال فَاذْكُرْهُ قُلْت قَوْلَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى من بَعْدِ ذِكْرِهِ الْتِعَانَ الزَّوْجِ { وَيَدْرَأُ عنها الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ } الْآيَةَ فَكَانَ بَيِّنًا غير مُشْكِلٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ في الْآيَةِ أنها تَدْرَأُ عن نَفْسِهَا بِمَا لَزِمَهَا إنْ لم تَلْتَعِنْ بِالِالْتِعَانِ قال فَهَلْ تُوَضِّحُ هذا بِغَيْرِهِ قُلْت ما فيه إشْكَالٌ يَنْبَغِي لِمَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللَّهِ عز وجل وَعَرَفَ من أَحْكَامِهِ وَلِسَانِ الْعَرَبِ أَنْ يَبْتَغِيَ معه غَيْرَهُ قال فَإِنْ كُنْت تَعْلَمُ مَعْنًى تُوَضِّحُهُ غَيْرَهُ فَقُلْهُ قُلْت أَرَأَيْت الزَّوْجَ إذَا قَذَفَ امْرَأَتَهُ ما عليه قال عليه الْحَدُّ إلَّا أَنْ يَخْرُجَ منها بِالِالْتِعَانِ قُلْت أو ليس قد يَحْكُمُ في الْقَذَفَةِ بِالْحَدِّ إلَّا أَنْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ قال بَلَى قُلْت وقال في الزَّوْجِ { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ولم يَكُنْ لهم شُهَدَاءُ إلَّا أَنْفُسُهُمْ } الْآيَةَ قال نعم قُلْت أَفَتَجِدُ في التَّنْزِيلِ سُقُوطَ الْحَدِّ عنه قال أَمَّا نَصًّا فَلَا وَأَمَّا اسْتِدْلَالًا فَنَعَمْ لِأَنَّهُ إذَا ذَكَرَ غير الزَّوْجِ يَخْرُجُ من الْحَدِّ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ثُمَّ قال في الزَّوْجِ يَشْهَدُ أَرْبَعًا اسْتِدْلَالًا على أَنَّهُ إنَّمَا يُوجِبُ عليه الشَّهَادَةَ لِيَخْرُجَ بها من الْحَدِّ فإذا لم يَشْهَدْ لم يَخْرُجْ من مَعْنَى الْقَذَفَةِ ( 1 ) أَرَأَيْت لو قال قَائِلٌ إنَّمَا شَهَادَتُهُ لِلْفُرْقَةِ وَنَفْيِ الْوَلَدِ دُونَ الْحَدِّ فَإِذًا خَالَفَ اللَّهُ بين الزَّوْجِ في الْقَذْفِ وَغَيْرِهِ ولم أُحِدَّ الزَّوْجَ في الْقَذْفِ لِأَنَّ الْآيَةَ تَحْتَمِلُ ما قُلْت وَلَا أَجِدُ فيها دَلَالَةً على حَدِّهِ قال ليس ذلك له وَكُلُّ شَيْءٍ إلَّا وهو يَحْتَمِلُ قُلْت وَأَظْهَرُ مَعَانِيه أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَاذِفِ غَيْرَهُ إذَا شَهِدَ وَقُلْت وَيَجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَاذِفِ غَيْرَهُ إذَا لم يَشْهَدْ قال نعم قُلْت وَتَعْلَمُ أَنَّ شَهَادَةَ الزَّوْجِ وَإِنْ لم يُذْكَرْ في الْقُرْآنِ أنها تُسْقِطُ الْحَدَّ لَا تَكُونُ إلَّا لِمَعْنَى أَنْ يَخْرُجَ بها من الْحَدِّ وَكَذَلِكَ كُلُّ من أَحَلَفْته لِيَخْرُجَ عن شَيْءٍ قال نعم قُلْت أَفَتَجِدُ الشَّهَادَةَ لِلزَّوْجِ إذَا كانت أَخْرَجَتْهُ وَأَوْجَبَتْ على الْمَرْأَةِ اللِّعَانَ وَفِيهَا هذه الْعِلَلُ التي وَصَفْت قال نعم قُلْت فَشَهَادَةُ
____________________

(5/135)


الْمَرْأَةِ أَخْرَجَتْهَا من الْحَدِّ قال هِيَ تُخْرِجُهَا من الْحَدِّ قُلْت وَلَا مَعْنَى لها في الشَّهَادَةِ إلَّا الْخُرُوجَ من الْحَدِّ قال نعم قُلْت فإذا كانت تُخْرِجُهَا من الْحَدِّ كَيْفَ لم تَكُنْ مَحْدُودَةً إنْ لم تَشْهَدْ فَتَخْرُجُ بِالشَّهَادَةِ منه كما قُلْت في الزَّوْجِ إذَا لم يَشْهَدْ حُدَّ وَكَيْفَ اخْتَلَفَ حَالَاهُمَا عِنْدَك فيها فَقُلْت في الزَّوْجِ ما وَصَفْت من أَنَّهُ مَحْدُودٌ إنْ لم يَشْهَدْ وفي الْمَرْأَةِ لَيْسَتْ بِمَحْدُودَةٍ وَالْآيَةُ تَحْتَمِلُ في الزَّوْجِ مَعَانِيَ غير الْحَدِّ وَلَيْسَ في التَّنْزِيلِ أَنَّ الزَّوْجَ يَدْرَأُ بِالشَّهَادَةِ حَدًّا وفي التَّنْزِيلِ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَدْرَأُ بِالشَّهَادَةِ الْعَذَابَ وهو الْحَدُّ عِنْدَنَا وَعِنْدَك فَلَيْسَ في شَهَادَةِ الْمَرْأَةِ مَعْنًى غَيْرُ دَرْءِ الْحَدِّ لِأَنَّ الْحَدَّ عليها في الْكِتَابِ وَالْمَعْقُولِ وَالْقِيَاسِ أَثْبَتُ فَتَرْكُهَا الشَّهَادَةَ كَالْإِقْرَارِ منها بِمَا قال الزَّوْجُ فما عَلِمْتُك إلَّا فَرَّقْتَ بين حَدِّ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ فَأَسْقَطْت حَدَّ الْمَرْأَةِ وهو أَبْيَنُهُمَا في الْكِتَابِ وَأَثْبَتَّ حَدَّ الرَّجُلِ وَقُلْت له أَرَأَيْت لو قالت لَك الْمَرْأَةُ الْمَقْذُوفَةُ إنْ كانت شَهَادَتُهُ عَلَيَّ بالزنى شَهَادَةً تُلْزِمُنِي فَحُدَّنِي وَإِنْ كانت لَا تُلْزِمُنِي فَلَا تُحَلِّفْنِي وَحُدَّهُ لي وَكَذَلِكَ تَصْنَعُ في أَرْبَعَةٍ لو شَهِدُوا على وَكَانُوا عُدُولًا حَدَدْتَنِي وَإِنْ لم يُثْبِتُوا الشَّهَادَةَ حَدَدْتهمْ أو عَبِيدًا أو مُشْرِكِينَ حَدَدْتهمْ قال أَقُولُ حُكْمُك وَحُكْمُ الزَّوْجِ خَارِجٌ من حُكْمِ الشُّهُودِ عَلَيْك غير الزَّوْجِ قُلْت فقالت لَك فَإِنْ كانت شَهَادَةً لَا تُوجِبُ عَلَيَّ حَدًّا فَامْتَنَعْت من أَنْ أَشْهَدَ لِمَ حَبَسْتَنِي وَأَنْتَ لَا تَحْبِسُ إلَّا بِحَقٍّ قال أَقُولُ حَبَسْتُك لِتَحْلِفِي قالت وَلِيَمِينِي مَعْنًى قال نعم تَخْرُجِينَ بها من الْحَدِّ قالت فَإِنْ لم أَفْعَلْ فَالْحَبْسُ هو الْحَدُّ قال ليس بِهِ قُلْت فقالت فَلِمَ تَحْبِسُنِي لِغَيْرِ الْمَعْنَى الذي يَجِبُ عَلَيَّ من الْحَدِّ قال لِلْحَدِّ حَبَسْتُك قالت فَتُقِيمُهُ عَلَيَّ فَأَقِمْهُ قال لَا قُلْت فَإِنْ قالت فَالْحَبْسُ ظُلْمٌ لَا أنت أَخَذْت مِنِّي حَدًّا وَلَا مَنَعْت عَنِّي حَبْسًا فَمِنْ أَيْنَ وَجَدْت عَلَيَّ الْحَبْسَ أَتَجِدُهُ في كِتَابٍ أو سُنَّةٍ أو أَمْرٍ أَجْمَعَ عليه أَهْلُ الْعِلْمِ أو قِيَاسٍ قال أَمَّا كِتَابٌ أو سُنَّةٌ أو إجْمَاعٌ فَلَا وَأَمَّا قِيَاسٌ فَنَعَمْ قُلْت أَوْجِدْنَا الْقِيَاسَ قال إنِّي أَقُولُ في الرَّجُلِ يدعي عليه الدَّمَ يَحْلِفُ وَيُبَرَّأُ فَإِنْ لم يَفْعَلْ لم أَقْتُلْهُ وَحَبَسْته (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَقُلْت له أَوَيَقْبَلُ مِنْك الْقِيَاسَ على غَيْرِ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا أَمْرٍ مُجْمَعٍ عليه وَلَا أَثَرٍ قال لَا قُلْت فَمَنْ قال لَك من ادعى عليه دَمٌ حُبِسَ حتى يَحْلِفَ فَيُبَرَّأُ أَمْ يُقِرَّ فَيُقْتَلُ قال أَسْتَحْسِنُهُ قُلْت له أَفَعَلَى الناس أَنْ يَقْبَلُوا مِنْك ما اسْتَحْسَنْت إنْ خَالَفْت الْقِيَاسَ فَإِنْ كان ذلك عليهم قَبِلُوا من غَيْرِك مِثْلَ ما قَبِلُوا مِنْك لِأَنَّ أَجْهَلَ الناس لو اعْتَرَضَ فسئل ( ( ( فسأل ) ) ) عن شَيْءٍ فَخَرَصَ فيه فقال لم يُعَدَّ قَوْلُهُ أَنْ يَكُونَ خبرا ( ( ( خيرا ) ) ) لَازِمًا من كِتَابٍ أو سُنَّةٍ أو إجْمَاعٍ أو قِيَاسٍ على وَاحِدٍ من هذا أو خَارِجًا منه فَيَكُونُ اسْتَحْسَنَهُ كما اسْتَحْسَنْته أنت قال ما ذلك لِأَحَدٍ قُلْت فَقَدْ قُلْته في هذا الْمَوْضِعِ وَغَيْرِهِ وَخَالَفْت فيه الْكِتَابَ وَقِيَاسَ قَوْلِك قال وَأَيْنَ خَالَفْت قِيَاسَ قَوْلِي قُلْت ما تَقُولُ فِيمَنْ ادَّعَى على رَجُلٍ دِرْهَمًا فَأَكْثَرَ إلَى أَيِّ غَايَةٍ شَاءَ من الدَّعْوَى أو غَصْبَ دارا ( ( ( دار ) ) ) أو عبدا ( ( ( عبد ) ) ) أو غَيْرِهِ قال يَحْلِفُ فَإِنْ حَلَفَ بريء وَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ ما نَكَلَ عنه وَكَذَلِكَ لو ادَّعَى عليه جُرْحًا في مُوضِحَةٍ عَمْدًا فَصَاعِدًا من الْجِرَاحِ دُونَ النَّفْسِ إنْ حَلَفَ بريء وَإِنْ نَكَلَ اُقْتُصَّ منه قال نعم قُلْت فَكُلُّ من جَعَلْت عليه الْيَمِينَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ إنْ حَلَفَ بريء وَإِنْ نَكَلَ قام النُّكُولُ في الْحُكْمِ مَقَامَ الْإِقْرَارِ فَأَعْطَيْت بِهِ الْقَوَدَ وَالْمَالَ قال نعم قُلْت وَلِمَ لم يَكُنْ هذا في النَّفْسِ هَكَذَا قال لي اسْتِعْظَامًا لِلنَّفْسِ قُلْت فَأَنْتَ تَقْطَعُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَتَفْقَأُ الْعَيْنَيْنِ وَتَشُقُّ الرَّأْسَ قِصَاصًا وَهَذَا يَكُونُ منه التَّلَفُ بِالنُّكُولِ وَتَزْعُمُ أَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْإِقْرَارِ فَلَا تَأْخُذُ بِهِ النَّفْسَ قال أَمَّا في الْقِيَاسِ فَيَلْزَمُنَا أَنْ نَأْخُذَ بِهِ النَّفْسَ وقد تَفَرَّقَ فيه صَاحِبَايَ فقال أَحَدُهُمَا أَحْبِسُهُ كما قُلْت وقال الْآخَرُ لَا أَحْبِسُهُ وَآخُذُ منه دِيَةً وَحَبْسُهُ ظُلْمٌ قُلْت وَأَخْذُ الدِّيَةِ منه في أَصْلِ قَوْلِ صَاحِبِك ظُلْمٌ لِأَنَّ الدِّيَةَ عِنْدَهُ لَا تُؤْخَذُ في الْعَمْدِ إلَّا بِصُلْحٍ وَهَذَا لم يُصَالِحْ فَإِنْ كان صَاحِبَاك أَخْطَآ في دَعْوَى الْقَتْلِ فَأَقْرَرْت عَلَيْهِمَا مَعًا بِتَرْكِ الْقِيَاسِ فَتَقِيسُ على أَصْلٍ خَطَأٍ ثُمَّ تَقِيسُ عليه ما لَا يُشْبِهُهُ ما قد حَكَمَ اللَّهُ عز وجل فيه نَصًّا يَدْرَأُ بِهِ الْعَذَابَ وَالدَّرْءُ لَا يَكُونُ إلَّا لِمَا قد وَجَبَ وَإِنْ قُلْت الْعَذَابُ السِّجْنُ فَذَاكَ أَخْطَأُ لَك أَمَا السِّجْنُ حَدٌّ هو فَإِنْ كا

(5/136)


حَدًّا فَكَمْ تَحْبِسُهَا أَمِائَةُ يَوْمٍ أو إلَى أَنْ تَمُوتَ إنْ كانت ثَيِّبًا قال ما السِّجْنُ بِحَدٍّ وما السِّجْنُ إلَّا لِتَبْيِينِ الْحَدِّ قُلْت وقد قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى في الزَّانِيَيْنِ { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ من الْمُؤْمِنِينَ } أَفَتَرَاهُ عَنَى بِعَذَابِهِمَا الْحَدَّ أو الْحَبْسَ قال بَلْ الْحَدَّ وَلَيْسَ السِّجْنُ بِحَدٍّ وَالْعَذَابُ في الزنى الْحُدُودُ وَلَكِنَّ السِّجْنَ قد يَلْزَمُهُ اسْمُ عَذَابٍ قُلْت وَالسَّفَرُ اسْمُ عَذَابٍ ( 1 ) وَالدَّهَقُ وَالتَّعْلِيقُ وَغَيْرُهُ مِمَّا يُعَذَّبُ بِهِ الناس عَذَابًا فَإِنْ قال لَك قَائِلٌ أُعَذِّبُهَا إنْ لم تَحْلِفْ بِبَعْضِ هذا قال ليس له وَإِنَّمَا الْعَذَابُ الْحَدُّ قُلْت أَجَلْ وَأَجِدُك تَرَوَّحْتَ إلَى ما لَا حُجَّةَ فيه وَلَوْ كانت لَك بِهَذِهِ حُجَّةٌ كانت عَلَيْك لِغَيْرِك بِمِثْلِهَا وَأَبْيَنَ فيها - * الخلاف في الطلاق الثلاث - *
أخبرنا الشَّافِعِيُّ عن مَالِكِ بن أَنَسٍ عن عبد اللَّهِ بن يَزِيدَ مولى الْأَسْوَدِ بن سُفْيَانَ عن أبي سَلَمَةَ بن عبد الرحمن عن فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ أَبَا عَمْرِو بن حَفْصٍ طَلَّقَهَا البتة وهو غَائِبٌ بِالشَّامِ فَبَعَثَ إلَيْهَا وَكِيلَهُ بِشَعِيرٍ فَسَخِطَتْهُ فقال وَاَللَّهِ ما لَك عَلَيْنَا من شَيْءٍ فَجَاءَتْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَذَكَرَتْ ذلك له فقال ليس لَك عليه نَفَقَةٌ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَدْ طَلَّقَ عُوَيْمِرٌ ثَلَاثًا بين يَدِي النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَوْ كان ذلك مُحَرَّمًا لَنَهَاهُ عنه وقال إنَّ الطَّلَاقَ وَإِنْ لَزِمَك فَأَنْتَ عَاصٍ بِأَنْ تَجْمَعَ ثَلَاثًا فَافْعَلْ كَذَا كما أَمَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عُمَرَ أَنْ يَأْمُرَ عَبْدَ اللَّهَ بن عُمَرَ رضي اللَّهُ عنهما حين طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا أَنْ يُرَاجِعَهَا ثُمَّ يُمْسِكَهَا حتى تَطْهُرَ ثُمَّ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وبن عُمَرَ رضي اللَّهُ عنهما طَلَّقَ امْرَأَتَهُ البتة وَعَلِمَ ذلك النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَسْقَطَ نَفَقَتَهَا لِأَنَّهُ لَا رَجْعَةَ له عليها والبتة التي لَا رَجْعَةَ له عليها ثَلَاثٌ ولم يَعِبْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم طَلَاقَ الثَّلَاثِ وَحَكَمَ فِيمَا سِوَاهَا من الطَّلَاقِ بِالنَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على أَنَّ البتة ثَلَاثٌ فَهِيَ لو لم يَكُنْ سَمَّى بن عُمَرَ رضي اللَّهُ عنهما ثَلَاثًا البتة أو نَوَى بالبتة ثَلَاثًا كانت وَاحِدَةً يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ البتة ثَلَاثٌ بِلَا نِيَّةِ الْمُطَلِّقِ وَلَا تَسْمِيَةِ ثَلَاثٍ قال إنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إذْ لم يَعِبْ الطَّلَاقَ الذي هو ثَلَاثٌ دَلِيلٌ على أَنَّ الطَّلَاقَ بِيَدِ الزَّوْجِ ما أَبْقَى منه أَبْقَى لِنَفْسِهِ وما أَخْرَجَ منه من يَدِهِ لَزِمَهُ غير مُحَرَّمٍ عليه كما لَا يَحْرُمُ عليه أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً وَلَا يُخْرِجَ من مَالِهِ صَدَقَةً وقد يُقَالُ له لو أَبْقَيْت ما تَسْتَغْنِي بِهِ عن الناس كان خَيْرًا لَك فَإِنْ قال قَائِلٌ ما دَلَّ على أَنَّ أَبَا عَمْرٍو لَا يَعُودُ أَنْ يَكُونَ سَمَّى ثَلَاثًا أو نَوَى بالبتة ثَلَاثًا قُلْنَا الدَّلِيلُ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا عَمِّي مُحَمَّدِ بن عَلِيِّ بن شَافِعٍ عن عبد اللَّهِ بن عَلِيِّ بن السَّائِبِ عن نَافِعِ بن عُجَيْرِ بن عبد يَزِيدَ أَنَّ رُكَانَةَ بن عبد يَزِيدَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ سُهَيْمَةَ الْمُزَنِيَّةَ البتة ثُمَّ أتى إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال إنِّي طَلَّقْت امْرَأَتِي سُهَيْمَةَ البتة وَاَللَّهِ ما أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِرُكَانَةَ وَاَللَّهِ ما أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً فقال رُكَانَةُ وَاَللَّهِ ما أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً فَرَدَّهَا إلَيْهِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَطَلَّقَهَا الثَّانِيَةَ في زَمَانِ عُمَرَ وَالثَّالِثَةَ في زَمَانِ عُثْمَانَ رضي اللَّهُ عنهما
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن سَهْلِ بن سَعْدٍ أَنَّهُ أخبره أَنَّهُ تَلَاعَنَ عُوَيْمِرٌ وَامْرَأَتُهُ بين يَدِي النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وهو مع الناس فلما فَرَغَا من مُلَاعَنَتِهِمَا قال عُوَيْمِرٌ كَذَبْت عليها يا رَسُولَ اللَّهِ إنْ أَمْسَكْتُهَا فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قبل أَنْ يَأْمُرَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال مَالِكٌ قال بن شِهَابٍ فَكَانَتْ تِلْكَ سُنَّةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ

(5/137)


تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إنْ شَاءَ طَلَّقَ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ فَلَا يُقِرُّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِطَلَاقٍ لَا يَفْعَلُهُ أَحَدٌ بين يَدَيْهِ إلَّا نَهَاهُ عنه لِأَنَّهُ الْعَلَمُ بين الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ لَا بَاطِلَ بين يَدَيْهِ إلَّا يُغَيِّرُهُ
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ قال سَمِعْت مُحَمَّدَ بن عَبَّادِ بن جَعْفَرٍ يقول أخبرني الْمُطَّلِبُ بن حَنْطَبٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ البتة ثُمَّ أتى عُمَرَ فذكر ذلك له فقال ما حَمَلَك على ذلك قال قد فَعَلْتُهُ فَتَلَا { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لهم وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا } ما حَمَلَك على ذلك قال قد فَعَلْته قال أَمْسِكْ عَلَيْك امْرَأَتَك فإن الْوَاحِدَةَ تَبِتُّ
( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال قال أخبرنا بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن عبد اللَّهِ بن أبي سَلَمَةَ عن سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه قال لِلتُّومَةِ مِثْلَ ما قال لِلْمُطَّلِبِ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا الثِّقَةُ عن اللَّيْثِ بْن سَعْدٍ عن بُكَيْرٍ عن سُلَيْمَانَ أَنَّ رَجُلًا من بَنِي زُرَيْقٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ البتة قال عُمَرُ رضي اللَّهُ عنه ما أَرَدْتَ بِذَلِكَ قال أَتُرَانِي أُقِيمُ على حَرَامٍ وَالنِّسَاءُ كَثِيرٌ فَأَحْلَفَهُ فَحَلَفَ قال (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ والبتة في حديث مَالِكٌ بَيَانُ هذا الحديث ثَلَاثًا لِمَا وَصَفْنَا من أَنْ يَقُولَ طَالِقٌ البتة يَنْوِي ثَلَاثًا وقد بَيَّنَهُ بن سِيرِينَ فَقَطَعَ مَوْضِعَ الشَّكِّ فيه
( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن مُحَمَّدِ بن عبد الرحمن بْن ثَوْبَانَ عن مُحَمَّدِ بن إيَاسِ بن بُكَيْرٍ قال طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قبل أَنْ يَدْخُلَ بها ثُمَّ بَدَا له أَنْ يَنْكِحَهَا فَجَاءَ يَسْتَفْتِي فَذَهَبْت معه أَسْأَلُ له فَسَأَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ عن ذلك فَقَالَا لَا نَرَى أَنْ تَنْكِحَهَا حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَك قال إنَّمَا كان طَلَاقِي إيَّاهَا وَاحِدَةً فقال بن عَبَّاسٍ إنَّك أَرْسَلْت من يَدِك ما كان لَك من فَضْلٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وما عَابَ بن عَبَّاسٍ وَلَا أبو هُرَيْرَةَ عليه أَنْ يُطَلِّقَ ثَلَاثًا وَلَوْ كان ذلك مَعِيبًا لَقَالَا له لَزِمَك الطَّلَاقُ وَبِئْسَمَا صَنَعْت ثُمَّ سَمَّى حين رَاجَعَهُ فما زَادَهُ بن عَبَّاسٍ على الذي هو عليه أَنْ قال له إنَّك أَرْسَلْت من يَدِك ما كان لَك من فَضْلٍ ولم يَقُلْ بِئْسَمَا صَنَعْت وَلَا حرجت ( ( ( خرجت ) ) ) في إرْسَاله
( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن بُكَيْرٍ عن النُّعْمَانِ بن أبي عَيَّاشٍ الْأَنْصَارِيِّ عن عَطَاءِ بن يَسَارٍ قال جاء رَجُلٌ يَسْتَفْتِي عَبْدَ اللَّهِ بن عَمْرٍو عن رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قبل أَنْ يَمَسَّهَا قال عَطَاءٌ فَقُلْت إنَّمَا طَلَاقُ الْبِكْرِ وَاحِدَةٌ فقال عبد اللَّهِ بن عمرو ( ( ( عمر ) ) ) إنَّمَا أنت قَاصٌّ الْوَاحِدَةُ تُبَيِّنُهَا وَثَلَاثٌ تُحَرِّمُهَا حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ولم يَقُلْ له عبد اللَّهِ بِئْسَمَا صَنَعْت حين طَلَّقْت ثَلَاثًا
( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ أَنَّ بُكَيْرًا أخبره عن النُّعْمَانِ بن أبي عَيَّاشٍ أَنَّهُ كان جَالِسًا عِنْدَ عبد اللَّهِ بن الزُّبَيْرِ وَعَاصِمِ بن عُمَرَ فَجَاءَهُمَا محمد بن إيَاسِ بن الْبُكَيْرِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أَرَاهُ قال فَرَدَّهَا عليه قال وَهَذَا الْخَبَرُ في الحديث في الزُّرَّقِي يَدُلُّ على أَنَّ قَوْلَ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه لِلْمُطَّلِبِ ما أَرَدْت بِذَلِكَ يُرِيدُ أو وَاحِدَةً أو ثَلَاثًا فلما أخبره أَنَّهُ لم يُرِدْ بِهِ زِيَادَةً في عَدَدِ الطَّلَاقِ وَأَنَّهُ قال بِلَا نِيَّةِ زِيَادَةٍ أَلْزَمَهُ وَاحِدَةً وَهِيَ أَقَلُّ الطَّلَاقِ وَقَوْلُهُ { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ } لو طَلَّقَ فلم يذكر البتة إذْ كانت كَلِمَةً مُحْدَثَةً لَيْسَتْ في أَصْلِ الطَّلَاقِ تَحْتَمِلُ صِفَةَ الطَّلَاقِ وَزِيَادَةً في عَدَدِهِ وَمَعْنًى غير ذلك فَنَهَاهُ عن الْمُشْكِلِ من الْقَوْلِ ولم يَنْهَهُ عن الطَّلَاقِ ولم يَعِبْهُ ولم يَقُلْ له لو أَرَدْت ثَلَاثًا كان مَكْرُوهًا عَلَيْك وهو لَا يُحَلِّفُهُ على ما أَرَادَ إلَّا وَلَوْ أَرَادَ أَكْثَرَ من وَاحِدَةٍ أَلْزَمَهُ ذلك
( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن طَلْحَةَ بن عبد اللَّهِ بن عَوْفٍ وكان أَعْلَمَهُمْ بِذَلِكَ وَعَنْ أبي سَلَمَةَ بن عبد الرحمن أَنَّ عَبْدَ الرحمن طَلَّقَ امْرَأَتَهُ البتة وهو مَرِيضٌ فَوَرِثَهَا عُثْمَانُ منه بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا عبد الْوَهَّابِ عن أَيُّوبَ عن بن سِيرِينَ أَنَّ امْرَأَةَ عبد الرحمن نَشَدَتْهُ الطَّلَاقَ فقال إذَا حِضْت ثُمَّ طَهُرْت فَآذِنِينِي فَطَهُرَتْ وهو مَرِيضٌ فَآذَنَتْهُ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا

(5/138)


فقال إنَّ رَجُلًا من أَهْلِ الْبَادِيَةِ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قبل أَنْ يَدْخُلَ بها فَمَاذَا تَرَيَانِ فقال بن الزُّبَيْرِ إنَّ هذا الْأَمْرَ ما لنا فيه قَوْلٌ اذْهَبْ إلَى بن عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنِّي تَرَكْتهمَا عِنْدَ عَائِشَةَ فَسَلْهُمَا ثُمَّ ائْتِنَا فَأَخْبِرْنَا فَذَهَبَ فَسَأَلَهُمَا فقال بن عَبَّاسٍ لِأَبِي هُرَيْرَةَ أَفْتِهِ يا أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَدْ جَاءَتْك مُعْضِلَةٌ فقال أبو هُرَيْرَةَ رضي اللَّهُ عنه الْوَاحِدَةُ تُبَيِّنُهَا وَالثَّلَاثُ تُحَرِّمُهَا حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وقال بن عَبَّاسٍ مِثْلَ ذلك ولم يَعِيبَا عليه الثَّلَاثَ وَلَا عَائِشَةُ
( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرني مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن عُرْوَةَ أَنَّ مَوْلَاةً لِبَنِي عَدِيٍّ يُقَالُ لها زَبْرَاءُ أَخْبَرَتْهُ أنها كانت تَحْتَ عَبْدٍ وَهِيَ يَوْمئِذٍ أَمَةٌ فَعَتَقَتْ فقالت فَأَرْسَلْت إلَى حَفْصَةَ فَدَعَتْنِي يَوْمئِذٍ فقالت إنِّي مُخْبِرَتُك خَبَرًا وَلَا أُحِبُّ أَنْ تَصْنَعِي شيئا إنَّ أَمْرَك بِيَدِك ما لم يَمَسّكِ زَوْجُك قالت فَفَارَقْته ثَلَاثًا فلم تَقُلْ لها حَفْصَةُ لَا يَجُوزُ لَك أَنْ تُطَلَّقِي ثَلَاثًا وَلَوْ كان ذلك مَعِيبًا على الرَّجُلِ إذًا لَكَانَ ذلك مَعِيبًا عليها إذْ كان بِيَدِهَا فيه ما بيده
( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن هِشَامٍ عن أبيه عن جَهْمَانَ عن أُمِّ بَكْرَةَ الْأَسْلَمِيَّةِ أنها اخْتَلَعَتْ من زَوْجِهَا عبد اللَّهِ بن أُسَيْدٍ ثُمَّ أَتَيَا عُثْمَانَ في ذلك فقال هِيَ تَطْلِيقَةٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ سَمَّيْت شيئا فَهُوَ ما سَمَّيْت فَعُثْمَانُ رضي اللَّهُ عنه يُخْبِرُهُ أَنَّهُ إنْ سَمَّى أَكْثَرَ من وَاحِدَةٍ كان ما سَمَّى وَلَا يقول له لَا يَنْبَغِي لَك أَنْ تُسَمِّيَ أَكْثَرَ من وَاحِدَةٍ بَلْ في هذا الْقَوْلِ دَلَالَةٌ على أَنَّهُ جَائِزٌ له أَنْ يُسَمِّيَ أَكْثَرَ من وَاحِدَةٍ ( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن أبي بَكْرِ بن مُحَمَّدِ بن عَمْرِو بن حَزْمٍ أَنْ عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ رضي اللَّهُ عنه قال البتة ما يقول الناس فيها فقال أبو بَكْرٍ فَقُلْت له كان أَبَانُ بن عُثْمَانَ يَجْعَلُهَا وَاحِدَةً فقال عُمَرُ لو كان الطَّلَاقُ أَلْفًا ما أَبْقَتْ البتة منه شيئا من قال البتة فَقَدْ رَمَى الْغَايَةَ الْقُصْوَى (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال مَالِكٌ في الْمُخَيَّرَةِ أن خَيَّرَهَا زَوْجُهَا فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَقَدْ طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَإِنْ قال زَوْجُهَا لم أُخَيِّرْك إلَّا في وَاحِدَةٍ فَلَيْسَ له في ذلك قَوْلٌ وَهَذَا أَحْسَنُ ما سَمِعْت + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فإذا كان مَالِكٌ يَزْعُمُ أَنَّ من مَضَى من سَلَفِ هذه الْأُمَّةِ قد خَيَّرُوا وَخَيَّرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْخِيَارُ إذَا اخْتَارَتْ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا يَكُونُ ثَلَاثًا كان يَنْبَغِي أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ الْخِيَارَ لَا يَحِلُّ لِأَنَّهَا إذَا اخْتَارَتْ كان ثَلَاثًا وإذا زَعَمَ أَنَّ الْخِيَارَ يَحِلُّ وَهِيَ إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا طَلُقَتْ ثَلَاثًا فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قد أَجَازَ طَلَاقَ ثَلَاثٍ وَأَصْحَابَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ قال أَنْتِ طَالِقٌ البتة يَنْوِي ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ وَإِنْ قال أَنْتِ طَالِقٌ يَنْوِي بها ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ في طُهْرٍ لم يَمَسَّهَا فيه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) أُحِبُّ أَنْ لَا يَمْلِكَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَلَا يخيرها ( ( ( يرها ) ) ) وَلَا يُخَالِعَهَا وَلَا يَجْعَلَ إلَيْهَا طَلَاقًا بِخُلْعٍ وَلَا غَيْرِهِ وَلَا يُوقِعَ عليها طَلَاقًا إلَّا طَاهِرًا قبل جِمَاعٍ قِيَاسًا على الْمُطَلَّقَةِ فإن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ أَنْ تَطْلُقَ طَاهِرًا وقال اللَّهُ عز وجل { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } فإذا كان هذا طَلَاقًا يُوقِعُهُ الرَّجُلُ أو تُوقِعُهُ الْمَرْأَةُ بِأَمْرِ الرَّجُلِ فَهُوَ كَإِيقَاعِهِ فَلَا أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ إلَّا وَهِيَ طَاهِرٌ من غَيْرِ جِمَاعٍ
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا سَعِيدُ بن سَالِمٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عِكْرِمَةَ بن خَالِدٍ أَنَّ سَعِيدَ بن جُبَيْرٍ أخبره أَنَّ رَجُلًا أتى بن عَبَّاسٍ فقال طَلَّقْت امْرَأَتِي مِائَةً فقال بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنه تَأْخُذُ ثَلَاثًا وَتَدَعُ سَبْعًا وَتِسْعِينَ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سَعِيدٌ عن بن جُرَيْجٍ أَنَّ عَطَاءً وَمُجَاهِدًا قَالَا إنَّ رَجُلًا أتى بن عَبَّاسٍ فقال طَلَّقْت امْرَأَتِي مِائَةً فقال بن عَبَّاسٍ تَأْخُذُ ثَلَاثًا وَتَدَعُ سَبْعًا وَتِسْعِينَ
( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ وَحْدَهُ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قال وَسَبْعًا وَتِسْعِينَ عُدْوَانًا اتَّخَذْت بها آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا فَعَابَ عليه بن عَبَّاسٍ كُلَّ ما زَادَ عن عَدَدِ الطَّلَاقِ الذي لم يَجْعَلْهُ اللَّهُ إلَيْهِ ولم يَعِبْ عليه ما جَعَلَ اللَّهُ إلَيْهِ من الثَّلَاثِ وفي هذا دَلَالَةٌ على أَنَّهُ يَجُوزُ له عِنْدَهُ أَنْ يُطَلِّقَ ثَلَاثًا وَلَا يَجُوزُ له ما لم يَكُنْ إلَيْهِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) ولم يَحْكِ عن واحد ( ( ( واحدة ) ) ) منهم على اخْتِلَافِهِمْ في البتة أَنَّهُ عَابَ البتة وَلَا عَابَ ثَلَاثًا

(5/139)


- * ما جاء في أَمْرِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَزْوَاجِهِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ افْتَرَضَ اللَّهُ عز وجل على رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَشْيَاءَ خَفَّفَهَا عن خَلْقِهِ لِيَزِيدَهُ بها إنْ شَاءَ اللَّهُ قُرْبَةً إلَيْهِ وَكَرَامَةً وَأَبَاحَ له أَشْيَاءَ حَظَرَهَا على خَلْقِهِ زِيَادَةً في كَرَامَتِهِ وتبيينا ( ( ( وتبينا ) ) ) لِفَضِيلَتِهِ مع ما لَا يُحْصَى من كَرَامَتِهِ له وَهِيَ مَوْضُوعَةٌ في مَوَاضِعِهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فَمِنْ ذلك من مَلَكَ زَوْجَةً سِوَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَكُنْ عليه أَنْ يخيرها ( ( ( يخبرها ) ) ) في الْمُقَامِ معه أو فِرَاقِهَا له وَلَهُ حَبْسُهَا إذَا أَدَّى إلَيْهَا ما يَجِبُ عليه لها وَإِنْ كَرِهَتْهُ وَأَمَرَ اللَّهُ عز وجل رَسُولَهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يُخَيِّرَ نِسَاءَهُ فقال { قُلْ لِأَزْوَاجِك إنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا } إلَى قَوْلِهِ { أَجْرًا عَظِيمًا } فَخَيَّرَهُنَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَاخْتَرْنَهُ فلم يَكُنْ الْخِيَارُ إذَا اخْتَرْنَهُ طَلَاقًا ولم يَجِبْ عليه أَنْ يُحْدِثَ لَهُنَّ طَلَاقًا إذَا اخْتَرْنَهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وكان تَخْيِيرُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنْ شَاءَ اللَّهُ كما أَمَرَهُ اللَّهُ عز وجل إنْ أَرَدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا ولم يَخْتَرْنَهُ وَأَحْدَثَ لَهُنَّ طَلَاقًا لَا لِيَجْعَلَ الطَّلَاقَ إلَيْهِنَّ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا } أُحْدِثُ لَكُنَّ إذَا اخْتَرْتُنَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا مَتَاعًا وَسَرَاحًا فلما اخْتَرْنَهُ لم يُوجِبْ ذلك عليه أَنْ يُحْدِثَ لَهُنَّ طَلَاقًا وَلَا مَتَاعًا فَأَمَّا قَوْلُ عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها قد خَيَّرَنَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَاخْتَرْنَاهُ أَفَكَانَ ذلك طَلَاقًا فَتَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لم يُوجِبْ ذلك على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يُحْدِثَ لنا طَلَاقًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا فَرَضَ اللَّهُ عز وجل على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إنْ اخْتَرْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا أَنْ يُمَتِّعَهُنَّ فَاخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فلم يُطَلِّقْ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ فَكُلُّ من خَيَّرَ امْرَأَتَهُ فلم تَخْتَرْ الطَّلَاقَ فَلَا طَلَاقَ عليه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَكَذَلِكَ كُلُّ من خَيَّرَ فَلَيْسَ له الْخِيَارُ بِطَلَاقٍ حتى تُطَلِّقَ الْمُخَيَّرَةُ نَفْسَهَا
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا الثِّقَةُ عن إسْمَاعِيلَ بن أبي خَالِدٍ عن الشَّعْبِيِّ عن مَسْرُوقٍ أَنَّ عَائِشَةَ قالت قد خَيَّرَنَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَكَانَ ذلك طَلَاقًا
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا الثِّقَةُ عن مَعْمَرٍ عن الزُّهْرِيِّ عن عُرْوَةَ عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها بِمِثْلِ مَعْنَى هذا الحديث + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { لَا يَحِلُّ لَك النِّسَاءُ من بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ من أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَك حُسْنَهُنَّ إلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُك } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) قال بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أُنْزِلَتْ عليه { لَا يَحِلُّ لَك } بَعْدَ تَخْيِيرِهِ أَزْوَاجَهُ
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا سُفْيَانُ عن عَمْرٍو عن عَطَاءٍ عن عَائِشَةَ أنها قالت ما مَاتَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حتى أُحِلَّ له النِّسَاءُ أخبرنا الرَّبِيعُ قال قال الشَّافِعِيُّ كَأَنَّهَا تَعْنِي اللَّاتِي حَظَرْنَ عليه في قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { لَا يَحِلُّ لَك النِّسَاءُ من بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ من أَزْوَاجٍ } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَحْسَبُ قَوْلَ عَائِشَةَ أُحِلَّ له النِّسَاءُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { إنَّا أَحْلَلْنَا لَك أَزْوَاجَك } إلَى قَوْلِهِ { خَالِصَةً لَك من دُونِ الْمُؤْمِنِينَ } + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فذكر اللَّهُ عز وجل ما أُحِلَّ له فذكر أَزْوَاجَهُ اللَّاتِي آتَى أُجُورَهُنَّ وَذَكَرَ بَنَاتِ عَمِّهِ وَبَنَاتِ عَمَّاتِهِ وَبَنَاتِ خَالِهِ وَبَنَاتِ خَالَاتِهِ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ قال فَدَلَّ ذلك على مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أُحِلَّ له مع أَزْوَاجِهِ من ليس له بِزَوْجٍ يوم أُحِلَّ له وَذَلِكَ أَنَّهُ لم يَكُنْ عِنْدَهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم من بَنَاتِ عَمِّهِ وَلَا بَنَاتِ عَمَّاتِهِ وَلَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمَّا خَصَّ بِهِ رَسُولَهُ من وَحْيِهِ وابان من فَضْلِهِ من الْمُبَايَنَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ بِالْفَرْضِ على خَلْقِهِ بِطَاعَتِهِ في غَيْرِ آيَةٍ من كِتَابِهِ فقال { من يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ } وقال { فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عن أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أو يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } وقال { لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا } وقال { إذَا نَاجَيْتُمْ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بين يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً } وقال{لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النبي}==

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حدود المجاز في بلاغة العرب وانعكاس التمادي في تجاوزه علي اخطاء الفقهاء وسوء سلوكيات الناس

  ➎ ضحي الإيمان الجمعة، 4 يونيو 2021 قواعد مهمة في المجاز والحقيقة وبيان كيف زوروا معاني الحق الثابت حتي قي فاتل نفسه قلت المدون ...