مجلد13.ومجلد14.الأم للشافعي
مجلد13.الأم للشافعي
محمد بن إدريس الشافعي أبو عبد الله
سنة الولادة 150/ سنة الوفاة 204
-
* في السَّمْعِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ نَقَصَ سَمْعُهُ كُلُّهُ
فَكَانَ يُحَدُّ نَقْصُهُ بِحَدٍّ مِثْلُ أَنْ يَعْرِفَ آخَرَ حَدٍّ يُدْعَى منه
فَيُجِيبُ كان له بِقَدْرِ ما نَقَصَ منه وَإِنْ كان لا يُحَدُّ فَفِيهِ حُكُومَةٌ
وَلَا أَحْسَبُهُ يُحَدُّ بِحَالٍ وَإِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَسْمَعُ بِإِحْدَى
أُذُنَيْهِ وَكَانَتْ الْأُذُنُ الصَّحِيحَةُ إذَا سُدَّتْ بِشَيْءٍ عُرِفَ
ذَهَابُ سَمْعِ الْأُذُنِ الْأُخْرَى أَمْ لَا سُدَّتْ وَإِنْ كان ذلك لَا
يُعْرَفُ قُبِلَ قَوْلِ الذي ادَّعَى أَنَّ سَمْعَهُ ذَهَبَ مع يَمِينِهِ وَقُضِيَ
له بِنِصْفِ الدِّيَةِ وَالْأُذُنَانِ غَيْرُ السَّمْعِ فإذا قُطِعَتَا فَفِيهِمَا
الْقَوَدُ وفي السَّمْعِ إذَا ذَهَبَ الدِّيَةُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ
صَاحِبِهِ - * الرَّجُلُ يَعْمِدُ الرَّجُلَيْنِ بِالضَّرْبَةِ أو الرَّمْيَةِ - *
+ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا عَمَدَ الرَّجُلُ
الرَّجُلَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ مُصْطَفَّيْنِ قَائِمَيْنِ أو قَاعِدَيْنِ أو
مُضْطَجِعَيْنِ بِضَرْبَةٍ تَعَمَّدَهُمَا بها بِسَيْفٍ أو بِمَا يَعْمَلُ بِهِ
عَمَلَهُ فَقَتَلَهُمَا فَعَلَيْهِ في كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْقَوَدُ وَلَوْ قال
لم أَعْمِدْ إلَّا أَحَدَهُمَا فَسَبَقَ السَّيْفُ إلَى الْآخَرِ لم يُصَدَّقْ
لِأَنَّ السَّيْفَ إنَّمَا يَقَعُ بِهِمَا وُقُوعًا وَاحِدًا وَلَوْ عَمَدَ أَنْ
يَطْعَنَهُمَا بِرُمْحٍ وَالرُّمْحُ لَا يَصِلُ إلَى أَحَدِهِمَا إلَّا بَعْدَ خُرُوجِهِ
من الْآخَرِ أو ضَرَبَهُمَا بِسَيْفٍ وَأَحَدُهُمَا فَوْقَ الْآخَرِ فقال
عَمَدْتهمَا مَعًا وَقَتَلْتُهُمَا مَعًا كان عليه في كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا
الْقَوَدُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ قال حين رَمَى أو طَعَنَ أو ضَرَبَ
الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ لَا يَصِلُ ما صَنَعَ بِأَحَدِهِمَا إلَى الذي معه
إلَّا بَعْدَ وُصُولِهِ إلَى الْأَوَّلِ عَمَدْت الْأَوَّلَ الذي طَعَنْته أو
رَمَيْته أو ضَرَبَتْهُ ولم أَعْمِدْ الْآخَرَ كان عليه الْقَوَدُ في الْأَوَّلِ
وَكَانَتْ على عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ في الْآخَرِ لِأَنَّ صِدْقَهُ بِمَا ادَّعَى
يُمْكِنُ عليه وَلَوْ قال عَمَدْت الذي نَفَذَتْ إلَيْهِ الرَّمْيَةُ أو
الطَّعْنَةُ آخِرًا ولم أَعْمَدْ الْأَوَّلَ وهو يَشْهَدُ عليه أَنَّهُ رَمَاهُ أو
طَعَنَهُ أو ضَرَبَهُ وهو يَرَاهُ كان عليه الْقَوَدُ فِيهِمَا في الْأَوَّلِ
بِالْعَمْدِ وَأَنَّهُ ادَّعَى ما لَا يَصَدَّقُ بمثله وَعَلَيْهِ الْقَوَدُ في
الْآخَرِ بِقَوْلِهِ عَمَدْته + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا ضَرَبَ الرَّجُلُ
الرَّجُلَ عليه الْبَيْضَةُ وَالدِّرْعُ فَقَتَلَهُ بَعْدَ قَطْعِ جُنَّتِهِ
أُقِيدَ منه وَإِنْ قال لم أُرِدْ إلَّا الْبَيْضَةَ وَالدِّرْعَ لم يَصْدُقْ إذَا
كان عليه سِلَاحٌ فَهُوَ كَبَدَنِهِ - * النَّقْصُ في الْجَانِي الْمُقْتَصِّ منه
- * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قَتَلَ الرَّجُلُ
رَجُلًا وَالْمَقْتُولُ صَحِيحٌ وَالْقَاتِلُ مَرِيضٌ أو أَقْطَعُ الْيَدَيْنِ أو
الرِّجْلَيْنِ أو أعمى أو بِهِ ضَرْبٌ من جُذَامٍ أو بَرَصٍ فقال أَوْلِيَاءُ
الْمَقْتُولِ هذا نَاقِصٌ عن صَاحِبِنَا قِيلَ إذَا كان حَيًّا فَأَرَدْتُمْ
الْقِصَاصَ فَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالْجَوَارِحُ تَبَعٌ لِلنَّفْسِ لَا
نُبَالِي بِجَذْمِهَا وَسَلَامَتِهَا كما لو قُتِلَ صَاحِبُكُمْ وهو سَالِمٌ
وَصَاحِبُكُمْ في هذه الْحَالِ أو أَكْثَرَ منها أَقَدْنَاكُمْ لِأَنَّهُ نَفْسٌ
بِنَفْسٍ وَلَا يُنْظَرُ فيها إلَى أَطْرَافٍ ذَاهِبَةٍ وَلَا قَائِمَةٍ فَإِنْ
قال وُلَاةُ الدَّمِ قد قَطَعَ هذا يَدَيْ صَاحِبِنَا وَرِجْلَيْهِ ثُمَّ قَتَلَهُ
وَلَا يَدَ وَلَا رِجْلَ له فَأَعْطِنَا عِوَضًا من الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ
إذْ لم يَكُونَا قِيلَ إنَّكُمْ إذَا قَتَلْتُمْ فَقَدْ أَتَيْتُمْ على إفَاتَتِهِ
كُلِّهِ وَهَذِهِ الْأَطْرَافُ تَبَعٌ لِنَفْسِهِ وَلَا عِوَضَ لَكُمْ مِمَّا
فَاتَ من أَطْرَافِهِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا قَوَدَ في ذَهَابِ السَّمْعِ لِأَنَّهُ لَا
يُوَصِّلُ إلَى الْقَوَدِ فيه فإذا ذَهَبَ السَّمْعُ كُلُّهُ فَفِيهِ الدِّيَةُ
كَامِلَةٌ وإذا ضَرَبَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فقال قد صَمَمْت سُئِلَ أَهْلُ
الْعِلْمِ بِالصَّمَمِ فَإِنْ قالوا له مُدَّةٌ إنْ بَلَغَهَا ولم يَسْمَعْ تَمَّ
صَمَمُهُ لم أَقْضِ له بِشَيْءٍ حتى يَبْلُغَ تِلْكَ الْمُدَّةَ فَإِنْ قالوا
مَالَهُ غَايَةٌ تُغُفِّلَ وَصِيحَ بِهِ فَإِنْ أَجَابَ في بَعْضِ ما تُغُفِّلَ بِهِ
جَوَابَ من يَسْمَعُ لم يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَأُحْلِفَ الْجَانِي ما ذَهَبَ
سَمْعُهُ فَإِنْ لم يُجِبْ عِنْدَ ما غُفِّلَ بِهِ أو عِنْدَ وُقُوعِ جَوَابِ من
يَسْمَعُ أُحْلِفَ لقد ذَهَبَ سَمْعُهُ فإذا حَلَفَ فَلَهُ الدِّيَةُ كَامِلَةٌ
وَإِنْ أَحَطْنَا أَنَّ سَمْعَ إحْدَى الْأُذُنَيْنِ يَذْهَبُ وَيَبْقَى سَمْعُ
الْأُذُنِ الْأُخْرَى فَفِيهِ نِصْفُ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ نِصْفُ السَّمْعِ
(6/68)
كما لَا نَقْصَ عَلَيْكُمْ لو
كان صَاحِبُكُمْ الْمَقْطُوعَ وَالْقَاتِلُ صَحِيحًا قُتِلَ بِهِ وَقَتْلُهُ
إتْلَافٌ لِجَمِيعِ أَطْرَافِهِ وَلَوْ قَتَلَ رَجُلٌ رَجُلًا فَعَدَا أَجْنَبِيٌّ
على الْقَاتِلِ فَقَطَعَ يَدَيْهِ أو رِجْلَيْهِ عَمْدًا كان له الْقِصَاصُ أو
أَخْذُ الْمَالِ إنْ شَاءَ وإذا أَخَذَ الْمَالَ فَلَا سَبِيلَ لِوَلِيِّ
الْمَقْتُولِ على الْمَالِ في حَالِهِ تِلْكَ حتى يُخَيَّرَ بين الْقِصَاصِ من
الْقَتْلِ أو الدِّيَةِ وَكَذَلِكَ لو جَنَى عليه خَطَأً لم يَكُنْ لِوَلِيِّ
الْمَقْتُولِ سَبِيلٌ على الْمَالِ وَقِيلَ له إنْ شِئْت فَاقْتُلْ وَإِنْ شِئْت
فَاخْتَرْ أَخْذَ الدِّيَةِ فَإِنْ اخْتَارَ أَخْذَ الدِّيَةِ أَخَذَهَا من أَيِّ
مَالِهِ وَجَدَ دِيَاتٍ أو غَيْرَهَا وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ رَجُلًا ثُمَّ
عَدَا أَجْنَبِيٌّ على الْقَاتِلِ فَجَرَحَهُ جِرَاحَةً ما كانت خُيِّرَ وَلِيُّ
الْمَقْتُولِ الْأَوَّلِ بين قَتْلِهِ بِحَالِهِ تِلْكَ وَإِنْ كان مَرِيضًا
يَمُوتُ أو أَخَذَ الدِّيَةَ فَإِنْ اخْتَارَ قَتْلَهُ فَلَهُ قَتْلُهُ وَلَا
يُمْنَعُ من الْقَتْلِ بِالْمَرَضِ وَلَا الْعِلَّةِ ما كانت لِأَنَّ الْقَتْلَ
وَحِيٌّ وَيَمْنَعُ من الْقِصَاصِ وَالْحُدُودُ ( 1 ) غَيْرُ الْقَتْلِ
بِالْمَرَضِ إذَا لم يَكُنْ مَعَهَا قَتْلٌ بِالْمَرَضِ حتى يَبْرَأَ منه وإذا
قَتَلَهُ مَرِيضًا فَلِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ على الْجَانِي عليه ما فيه
الْقَوَدُ من الْجِرَاحِ إنْ شاؤوا الْقَوَدَ وَإِنْ شاؤوا الْعَقْلَ وَإِنْ
اخْتَارَ وَلِيُّ الدَّمِ قَتْلَهُ فلم يَقْتُلْهُ حتى مَاتَ من الْجِرَاحِ التي
أَصَابَهُ بها الْأَجْنَبِيُّ فَلِأَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ الْأَوَّلِ الدِّيَةُ في
مَالِ الذي قَتَلَهُ وَلِأَوْلِيَاءِ الذي قَتَلَ الْقَتِيلَ الْأَوَّلَ
وَقَتَلَهُ الْأَجْنَبِيُّ آخِرًا على قَاتِلِهِ الْقِصَاصُ أو أَخْذِ الدِّيَةِ
فَإِنْ اقْتَصُّوا منه فَدِيَةُ الْأَوَّلِ في مَالِ قَاتِلِهِ الْمَقْتُولِ
وَإِنْ لم يَكُنْ لِقَاتِلِهِ الْمَقْتُولِ مَالٌ فَسَأَلَ وَرَثَةُ الْمَقْتُولِ
الْأَوَّلِ وَرَثَةَ الْمَقْتُولِ الْآخِرِ الذي قَتَلَ صَاحِبَهُمْ أَخْذَ
دِيَتِهِ لِيَأْخُذُوهَا لِصَاحِبِهِمْ لم يَكُنْ ذلك لهم لِأَنَّ قَاتِلَهُ
مُتَعَدٍّ عليه الْقِصَاصُ فَلَا يَبْطُلُ حُكْمُ اللَّهِ عز وجل عليه
بِالْقِصَاصِ منه بِأَنْ يُفْلِسَ لِأَهْلِ الْقَتِيلِ الْأَوَّلِ بِدِيَةِ
قَتِيلِهِمْ وَهَذَا هَكَذَا في الْجِرَاحِ لو قَطَعَ رَجُلٌ يُمْنَى رَجُلٍ
فَقَطَعَ آخَرُ يُمْنَى الْقَاطِعِ وَلَا مَالَ لِلْقَاطِعِ الْمَقْطُوعَةِ
يُمْنَاهُ فقال الْمَقْطُوعَةُ يُمْنَاهُ الْأَوَّلُ قد كانت يَمِينُ هذا لي
أَقْتَصُّ منها وَلَا مَالَ له آخُذُهُ بِيَمِينِي وَلَهُ إنْ شَاءَ مَالٌ على
قَاطِعِهِ فَاقْضُوا له بِهِ على قَاطِعِهِ لِآخُذَهُ منه وَلَا تَقْتَصُّوا له
بِهِ فَيَبْطُلَ حَقِّي من الدِّيَةِ وهو لَا قِصَاصَ فيه وَلَا مَالَ له قِيلَ
إنَّمَا جُعِلَ له الْخِيَارُ في الْقِصَاصِ أو الْمَالِ فَإِنْ لم يَخْتَرْ
أَحَدَهُمَا لم نُجْبِرْهُ على ما أَرَدْت من الْمَالِ ( 2 ) وَأَبِيعُهُ يَدَيْهِ
بَدَلَ فَمَتَى ما كان له مَالٌ فَخُذْهُ وَإِلَّا فَهُوَ حَقٌّ أَفْلَسَ لك بِهِ
وَلَوْ قال قد عَفَوْت الْقِصَاصَ وَالْمَالَ لم يُجْبَرْ على أَخْذِ الْمَالِ
وَلَا الْقِصَاصِ إنَّمَا يَكُونُ له إنْ شَاءَ لَا أَنَّهُ يُجْبَرُ عليه وَإِنْ
كان عليه حَقٌّ لِغَيْرِهِ وَلَكِنَّهُ يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ إذَا قَطَعَ يَدَ
رَجُلٍ فَقُطِعَتْ يَدُهُ أَنْ يَشْهَدَ لِلْمَقْطُوعَةِ يَدُهُ الْأُولَى أَنَّهُ
قد وَقَفَ له مَالَ الْقَاطِعِ الْمَقْطُوعِ آخِرًا فإذا أُشْهِدَ بِذَلِكَ
فَلِلْمَقْطُوعِ آخِرًا الْقِصَاصُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ تَرَكَهُ فَإِنْ شَاءَ
تَرَكَهُ وَتَرَكَ الْمَالَ نُظِرَ فَإِنْ كان له مَالٌ يُؤَدِّي منه دِيَةَ يَدِ
الذي قُطِعَ أُخِذَتْ من مَالِهِ دِيَةُ يَدِهِ وَجَازَ عَفْوُهُ وَإِلَّا لم
يَجُزْ عَفْوُهُ الْمَالَ وَمَالُهُ مَوْقُوفٌ لِغُرَمَائِهِ - * الْحَالُ التي
إذَا قَتَلَ بها الرَّجُلُ أُقِيدَ منه - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى من جَنَى على رَجُلٍ يَسُوقُ
يَرَى من حَضَرَهُ أَنَّهُ في السِّيَاقِ وَأَنَّهُ يُقْبَضُ مَكَانُهُ فَضَرَبَهُ
بِحَدِيدَةٍ فَمَاتَ مَكَانَهُ فَقَتَلَهُ فَفِيهِ الْقَوَدُ لِأَنَّهُ قد يَعِيشُ
بعد ما يُرَى أَنَّهُ يَمُوتُ وإذا رَأَى من حَضَرَهُ أَنَّهُ قد مَاتَ فَشَهِدُوا
على ذلك ثُمَّ ذَبَحَهُ أو ضَرَبَهُ عُوقِبَ وَلَا عَقْلَ وَلَا قَوَدَ وَإِنْ أتى
عليه رَجُلٌ قد جَرَحَهُ رَجُلٌ جِرَاحَاتٍ كَثُرَتْ أو قَلَّتْ يُرَى أَنَّهُ
يُعَاشُ من مِثْلِهَا أو لَا يُرَى ذلك إلَّا أنها لَيْسَتْ مُجْهِزَةً عليه
فَذَبَحَهُ مَكَانَهُ أو قَطَعَهُ بِاثْنَيْنِ أو شَدَخَ رَأْسَهُ مَكَانَهُ أو
تَحَامَلَ عليه بِسِكِّينٍ فَمَاتَ مَكَانَهُ فَهُوَ قَاتِلٌ عليه الْقَوَدُ
وَعَقْلُ النَّفْسِ تَامًّا إنْ شَاءَ الْوَرَثَةُ وَعَلَى من جَرَحَهُ قَبْلَهُ
الْقِصَاصُ في الْجِرَاحِ أو الْأَرْشُ وهو بَرِيءٌ من الْقَتْلِ إلَّا أَنْ
يَكُونَ قد قَطَعَ حُلْقُومَهُ وَمَرِيئَهُ فإن من قُطِعَ حُلْقُومُهُ وَمَرِيئُهُ
لم يَعِش
(6/69)
وَإِنْ رَأَى أَنَّ فيه بَقِيَّةَ
رُوحٍ فَهُوَ كما يَبْقَى من بَقَايَا الرُّوحِ في الذَّبِيحَةِ وَكَذَلِكَ إنْ
ضَرَبَ عُنُقَهُ فَقَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ وَكَذَلِكَ إنْ قَطَعَهُ
بِاثْنَيْنِ حتى يَتَعَلَّقَ بِجِلْدَةٍ أو قَطَعَ حَشْوَتَهُ فَأَبَانَهَا أو
أَخْرَجَهَا من جَوْفِهِ فَقَطَعَهَا عُوقِبَ في هذه الْأَحْوَالِ وَلَا عَقْلَ
وَلَا قَوَدَ وَالْقَاتِلُ الذي نَالَهُ بِالْجِرَاحِ قَبْلَهُ لَا يَمْنَعُهُ ما
صَنَعَ هذا بِهِ من الْقَوَدِ إنْ كان قَوَدًا أو الْعَقْلِ وإذا أتى عليه قد
قُطِعَ حُلْقُومُهُ دُونَ مَرِيئِهِ أو مَرِيئُهُ دُونَ حُلْقُومِهِ سُئِلَ أَهْلُ
الْعِلْمِ بِهِ فَإِنْ قالوا قد يَعِيشُ مِثْلُ هذا بِدَوَاءٍ أو غَيْرِ دَوَاءٍ
نِصْفَ يَوْمٍ أو ثُلُثَهُ أو أَكْثَرَ فَهَذَا قَاتِلٌ وَبُرِّئَ الْأَوَّلُ
الْجَارِحُ من الْقَتْلِ وَإِنْ قالوا ليس يَعِيشُ مِثْلُ هذا إنَّمَا فيه
بَقِيَّةُ رُوحٍ إلَّا سَاعَةً أو أَقَلَّ من سَاعَةٍ حتى يَطْغَى فَالْقَاتِلُ
الْأَوَّلُ وَهَذَا بَرِيءٌ من الْقَتْلِ وَهَكَذَا إذَا أَجَافَهُ فَخَرَقَ
أَمْعَاءَهُ لِأَنَّهُ قد يَعِيشُ بَعْدَ خَرْقِ المعا ( ( ( المعى ) ) ) ما لم
يَقْطَعْ المعا ( ( ( المعى ) ) ) فَيُخْرِجُهُ من جَوْفِهِ قد خُرِقَ معا ( ( (
معى ) ) ) عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه من مَوْضِعَيْنِ وَعَاشَ
ثَلَاثًا وَلَوْ قَتَلَهُ أَحَدٌ في تِلْكَ الْحَالِ كان قَاتِلًا وَبُرِّئَ الذي
جَرَحَهُ من الْقَتْلِ في الْحُكْمِ وَمَتَى جَعَلْت الْآخَرَ قَاتِلًا
فَالْجَارِحُ الْأَوَّلُ بَرِيءٌ من الْقَتْلِ وَعَلَيْهِ الْجِرَاحُ خَطَأً كانت
أو عَمْدًا فَالْخَطَأُ على عَاقِلَتِهِ وَالْعَمْدُ في مَالِهِ إلَّا أَنْ
يَشَاءُوا أَنْ يَقْتَصُّوا منه إنْ كانت مِمَّا فيه الْقِصَاصُ وَمَتَى جَعَلْت
الْأَوَّلَ الْقَاتِلَ فَلَا شَيْءَ على الْآخَرِ إلَّا الْعُقُوبَةُ وَالنَّفْسُ
على الْأَوَّلِ وَسَوَاءٌ في هذا عَمْدُ الْآخَرِ وَخَطَؤُهُ إنْ كان عَمْدًا
وَجَعَلْته قَاتِلًا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَإِنْ كان خَطَأً وَجَعَلْته قَاتِلًا
فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ وإذا جَرَحَ رَجُلَانِ رَجُلًا جِرَاحَةً لم
يُعَدَّ بها في الْقَتْلَى كما وَصَفْت من الذَّبْحِ وَقَطْعِ الْحَشْوَةِ وما في
مَعْنَاهُ فَضَرَبَهُ رَجُلٌ ضَرْبَةً فَقَتَلَهُ فَإِنْ كانت لَيْسَتْ
بِإِجْهَازٍ عليه فَمَاتَ منها مَكَانَهُ قبل يَرْفَعَهَا فَهُوَ قَاتِلُهُ دُونَ
الْجَارِحَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَإِنْ عَاشَ بَعْدَ هذا مُدَّةً قَصِيرَةً أو
طَوِيلَةً فَهُوَ شَرِيكٌ في قَتْلِهِ لِلَّذِينَ جَرَحَاهُ أَوَّلًا وَلَا
يَكُونُ مُنْفَرِدًا بِالْقَتْلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ما نَالَهُ بِهِ إجْهَازًا
عليه بِذَبْحٍ أو قَطْعِ حَشْوَةٍ أو ما في مَعْنَاهُ أو بِضَرْبَةٍ يَمُوتُ منها
مَكَانَهُ وَلَا يَعِيشُ طرفة بَعْدَهَا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ
اللَّهُ وإذا قَطَعَ الرَّجُلُ يَدَيْ الرَّجُلِ أو رِجْلَيْهِ أو بَلَغَ منه
أَكْثَرَ من هذا ثُمَّ قَتَلَهُ أو بَلَغَ منه ما وَصَفْت أو أَكْثَرَ منه فلم
يَبْرَأْ من شَيْءٍ من الْجِرَاحِ حتى أتى عليه فَذَبَحَهُ أو ضَرَبَهُ فَقَتَلَهُ
فَإِنْ أَرَادَ وُلَاتُهُ الدِّيَةَ فَإِنَّمَا لهم دِيَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهَا
لَمَّا صَارَتْ نَفْسًا كانت الْجِرَاحُ كُلُّهَا تَبَعًا لها وَإِنْ أَرَادُوا
الْقَوَدَ فَلَهُمْ الْقَوَدُ إنْ كان عَمْدًا كما وَصَفْت وَفِعْلُ الْجَارِحِ
إذَا كان وَاحِدًا في هذا مُخَالِفٌ لِفِعْلِهِ لو كَانَا اثْنَيْنِ وَلَوْ كان
اللَّذَانِ جَرَحَاهُ الْجِرَاحَ الْأُولَى اثْنَيْنِ ثُمَّ أتى أَحَدُهُمَا
فَقَتَلَهُ كان الْآخَرُ قَاتِلًا عليه الْقَتْلُ أو الْعَقْلُ تَامًّا وكان على
الْأَوَّلِ نِصْفُ أَرْشِ الْجِرَاحِ إنْ شَاءَ وَرَثَتُهُ إنْ كَانَا جَرَحَاهُ
جميعا وَإِنْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِجِرَاحٍ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ في جِرَاحِهِ
التي انْفَرَدَ بها أو أَرْشُهَا تَامًّا لِأَنَّ النَّفْسَ صَارَتْ مُتْلَفَةً
بِفِعْلِ غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ جِرَاحُهُ كَامِلَةً بَالِغَةً ما بَلَغَتْ
وَكَذَلِكَ لو كان جَرَحَهُ رَجُلَانِ ثُمَّ ذَبَحَهُ ثَالِثٌ فَالثَّالِثُ
الْقَاتِلُ وَعَلَى الْأَوَّلَيْنِ ما في الْجِرَاحِ من عَقْلٍ وَقَوَدٍ فَلَوْ
جَرَحَهُ رَجُلٌ جِرَاحَةً فبرأت ( ( ( فبرئت ) ) ) وَقَتَلَهُ بَعْدَ بُرْئِهَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا جُرْح رَجُلٌ جِرَاحَاتٍ لم
يَبْرَأْ منها ثُمَّ جَرَحَهُ آخَرُ بَعْدَهَا فَمَاتَ فقال أَوْلِيَاءُ
الْقَتِيلِ مَاتَ مَكَانَهُ من جِرَاحِ الْآخَرِ دُونَ جِرَاحِ الْأَوَّلَيْنِ
وَأَنْكَرَ الْقَاتِلُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ وَعَلَى وُلَاةُ الدَّمِ
( 1 ) الْأَوَّلِ الْبَيِّنَةُ فَإِنْ لم يَأْتُوا بها فَهُوَ شَرِيكٌ في
النَّفْسِ لهم قَتْلُهُ بِالشِّرْكِ فيها وَلَيْسَ لهم قَتْلُ اللَّذَيْنِ
جَرَحَاهُ قَبْلُ بإبرائهموه أَنْ يَكُونَ مَاتَ إلَّا من جِنَايَةِ الْآخَرِ
مَكَانَهُ دُونَ جِنَايَتِهِمْ وَلَهُمْ عليه الْقَوَدُ في الْجِرَاحِ أو
أَرْشُهَا إنْ شَاءُوهُ ( 2 ) وإذا صَدَّقَهُمْ الضَّارِبُونَ الْأَوَّلُونَ أَنَّهُ
مَاتَ من جِنَايَةِ الْآخَرِ دُونَ جِنَايَتِهِمْ - * الْجِرَاحُ بَعْدَ
الْجِرَاحِ - *
(6/70)
كان عليه في الْقَتْلِ ما على
الْقَاتِلِ من جَمِيعِ الْعَقْلِ أو الْقِصَاصِ وفي الْجِرَاحِ ما على الْجَارِحِ
من عَقْلٍ أو قِصَاصٍ إذَا بَرَأَتْ الْجِرَاحُ فَهِيَ جِنَايَةٌ غَيْرُ جِنَايَةِ
الْقَتْلِ كَأَنْ قَطَعَ يَدَيْهِ فَبَرَأَ ثُمَّ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْقَتْلُ
إنْ شَاءَ الْوَرَثَةُ وَأَرْشُ الْيَدَيْنِ وَإِنْ شاؤوا الْقِصَاصَ في
الْيَدَيْنِ ثُمَّ دِيَةُ النَّفْسِ وَإِنْ شاؤوا الْقِصَاصَ في الْيَدَيْنِ وَقَتْلِ
النَّفْسِ وَلَوْ كانت الْيَدَانِ لم تَبْرَآ حتى قَتَلَهُ كانت دِيَةً وَاحِدَةً
وإن أَرَادُوا الدِّيَةَ أو قِصَاصٌ في النَّفْسِ وَالْيَدَيْنِ يَقْطَعُونَ
الْيَدَيْنِ ثُمَّ يَقْتُلُونَهُ وَإِنْ قَتَلُوهُ ولم يَقْطَعُوا يَدَيْهِ فَلَا
شَيْءَ لهم في الْيَدَيْنِ إذَا لم تَبْرَأْ الْجِرَاحُ فَالْجِرَاحُ تَبَعٌ
لِلنَّفْسِ تَبْطُلُ إذَا قَتَلَ الْوَرَثَةُ الْقَاتِلَ وإذا أَخَذُوا دِيَةَ
النَّفْسِ تَامَّةً وَلَا يَكُونُ لهم أَنْ يَقْطَعُوا يَدَيْهِ وَيَأْخُذُوا
دِيَةَ النَّفْسِ إنَّمَا لهم قَطْعُ يَدَيْهِ إذَا كَانُوا يُمِيتُونَهُ
مَكَانَهُمْ بِالْقَتْلِ قِصَاصًا وَلَوْ قال الْجَانِي قَطَعْت يَدَيْهِ فلم
تَبْرَأْ حتى قَتَلْته وقال أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ بَلْ بَرَأَتْ يَدَاهُ ثُمَّ
قَتَلَهُ كان الْقَوْلُ قَوْلَ الْقَاتِلِ لِأَنَّهُ يُؤْخَذُ منه حِينَئِذٍ دِيَتَانِ
إنْ شَاءَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ وَلَا تُؤْخَذُ منه الزِّيَادَةُ إلَّا
بِإِقْرَارِهِ أو بَيِّنَةٌ تَقُومُ عليه وَلَوْ قَامَتْ عليه بَيِّنَةٌ بِأَنَّ
يَدَيْهِ قد بَرَأَتَا لم يُقْبَلْ هذا منه حتى يَصِفُوا الْبُرْءَ فإذا
أَثْبَتُوهُ بِمَا يَعْلَمُ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّهُ بُرْءٌ قُبِلَ ذلك منهم
فَإِنْ قالوا قد سَكَبَتْ مُدَّتُهُمَا أو ما أَشْبَهَ هذا لم يُقْبَلْ وإذا
قُبِلَتْ الْبَيِّنَةُ على الْبُرْءِ فقال الْجَانِي قد انْتَقَضَتَا بَعْدَ
الْبُرْءِ وَأَكْذَبَهُ الْوَرَثَةُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ وَعَلَى الْجَانِي
الْبَيِّنَةُ أَنَّهُمَا انْتَقَضَتَا من جِنَايَتِهِ لِأَنَّ الْحَقَّ انه شَهِدَ
لهم بِالْبُرْءِ فَلَا يُدْفَعُ عنه بِقَوْلِهِ - * الرَّجُلُ يَقْتُلُ الرَّجُلَ
فَيَعْدُو عليه أَجْنَبِيٌّ فَيَقْتُلُهُ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ )
الْإِسْرَافُ في الْقَتْلِ أَنْ يَقْتُلَ غير قَاتِلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
وَكَذَلِكَ لو قَضَى عليه بِالْقَتْلِ وَدَفَعَهُ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ
وَقَالُوا نَحْنُ نَقْتُلُهُ فَقَتَلَهُ الْإِمَامُ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ
لِأَنَّهُ قد كان لهم تَرْكُهُ من الْقَوَدِ وَأَيُّهُمْ شَاءَ تَرَكَهُ فَلَا
يَكُونُ إلَى قَتْلِهِ سَبِيلٌ وَالْإِمَامُ في هذا مُخَالِفٌ أَحَدَ وُلَاةِ
الْمَيِّتِ يَقْتُلُهُ لِأَنَّ لِكُلِّهِمْ حَقًّا في دَمِهِ وَلَا حَقَّ للامام
وَلَا غَيْرِهِ في دَمِهِ وَهَذَا مُخَالِفٌ الرَّجُلَ يَقْضِي عليه الْإِمَامُ
بِالرَّجْمِ في الزنى فَيَقْتُلُهُ الْإِمَامُ أو أَجْنَبِيٌّ هذا لَا شَيْءَ على
قَاتِلِهِ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ حَقْنُ دَمِ هذا أَبَدًا حتى يَرْجِعَ عن
الْإِقْرَارِ بِكَلَامٍ إنْ كان قُضِيَ عليه بِإِقْرَارِهِ أو يَرْجِعَ الشُّهُودُ
عن الشَّهَادَةِ إنْ كان قضى
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قَتَلَ الرَّجُلُ
الرَّجُلَ عَمْدًا فَعَدَا عليه غَيْرُ وَارِثِ الْمَقْتُولِ فَقَتَلَهُ قبل ( ( (
قيل ) ) ) يَثْبُتُ عليه بِبَيِّنَةٍ أو يقرأو ( ( ( يقر ) ) ) بعد ( ( ( وبعدما )
) ) ما أَقَرَّ أو ثَبَتَ عليه بِبَيِّنَةٍ وقبل ( ( ( وقيل ) ) ) يُدْفَعُ إلَى
أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ لِيَقْتُلُوهُ أو يَأْخُذُوا الدِّيَةَ أو يَعْفُوَ أو
بَعْدَ ما دُفِعَ إلَيْهِمْ لِيَقْتُلُوهُ فَكُلُّ ذلك سَوَاءٌ وَعَلَى قَاتِلِهِ
الْأَجْنَبِيِّ الْقِصَاصُ إلَّا أَنْ تَشَاءَ وَرَثَةُ الْمَقْتُولِ أَخْذَ
الدِّيَةِ أو الْعَفْوَ وَلَوْ ادَّعَى الْجَهَالَةَ وقال كُنْت أَرَى دَمَهُ
مُبَاحًا لم يُدْرَأْ بها عنه الْقَوَدُ وَلَوْ ادَّعَى أَنَّ وَلِيَّ
الْمَقْتُولِ الذي له الْقِصَاصُ أَمَرَهُ بِقَتْلِهِ فَأَقَرَّ بِذَلِكَ وَلِيُّ
الْمَقْتُولِ لم يَكُنْ عليه عَقْلٌ وَلَا قَوَدٌ وَلَا أَدَبٌ لِأَنَّهُ مُعِينٌ
لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ وَلَوْ ادَّعَى على وَلِيِّ الْمَقْتُولِ الذي له
الْقِصَاصُ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِقَتْلِهِ وَكَذَّبَهُ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ
أُحْلِفَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ ما أَمَرَهُ فَإِنْ حَلَفَ فَعَلَى الْقَاتِلِ
الْقِصَاصُ وَلِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ الدِّيَةُ في مَالِ قَاتِلِ صَاحِبِهِ
الْمَقْتُولِ وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ لقد أَمَرَهُ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ وَلَا
شَيْءَ عليه وَلَا حَقَّ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ في مَالِهِ وَلَا مَالِ قَاتِلِ
صَاحِبِهِ الْمَقْتُولِ وَلَوْ كان لِلْمَقْتُولِ وَلِيَّانِ فَأَمَرَهُ
أَحَدُهُمَا بِقَتْلِهِ ولم يَأْمُرْ بِهِ الْآخَرُ لم يُقْتَلْ بِهِ وكان
لِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ الْقَاتِلِ أَنْ يَأْخُذُوا نِصْفَ دِيَتِهِ من الْأَجْنَبِيِّ
الذي قَتَلَهُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْوَرَثَةِ كُلِّهِمْ وَلِلْوَارِثِ أَخْذُهَا من
مَالِ الْمَقْتُولِ إلَّا أَنْ يَعْفُوَهَا وَلَا تَرْجِعُ وَرَثَتُهُ على
الْآمِرِ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ قد كان له أَنْ لَا يَقْتُلَ إلَّا بِأَمْرِهِ وَلَوْ
كان له وَارِثٌ وَاحِدٌ فقضى له بِالْقِصَاصِ فَقَتَلَهُ أَجْنَبِيٌّ بِغَيْرِ
أَمْرِهِ فَلِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ الْقَاتِلِ على قَاتِلِ صَاحِبِهِمْ
الْقَوَدُ أو الدِّيَةُ وَلِوَلِيِّ الْقَتِيلِ الْأَوَّلِ الدِّيَةُ في مَالِ
قَاتِلِ صَاحِبِهِ دُونَ قَاتِلِ قَاتِلِ صَاحِبِهِ وَلَوْ أَنَّ إمَامًا أَقَرَّ
عِنْدَهُ رَجُلٌ بِقَتْلِ رَجُلٍ بِلَا قَطْعِ طَرِيقٍ عليه فَعَجَّلَ فَقَتَلَهُ
كان على الْإِمَامِ الْقِصَاصُ إلَّا أَنْ تَشَاءَ وَرَثَتُهُ الدِّيَةَ لِأَنَّ
اللَّهَ عز وجل لم يَجْعَلْ للامام قَتْلَهُ وَإِنَّمَا جَعَلَ ذلك لِوَلِيِّهِ
لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ
سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ في الْقَتْلِ } الْآيَةَ
(6/71)
عليه بِشَهَادَةِ شُهُودٍ
وَكَذَلِكَ يُخَالِفُ الْمُرْتَدَّ عن الْإِسْلَامِ يَقْتُلُهُ الْإِمَامُ أو
الْأَجْنَبِيُّ لِأَنَّ دَمَ هَؤُلَاءِ مُبَاحٌ لِحَقِّ اللَّهِ عز وجل وَلَا
حَقَّ لِآدَمِيٍّ فيه يُحَدُّ عليهم كَحَقِّ أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ في أَخْذِ
الدِّيَةِ من قَاتِلِ وَلِيِّهِمْ وَلَا سَبِيلَ إلَى الْعَفْوِ عنه كَسَبِيلِ
وُلَاةِ الْقَتِيلِ إلَى الْعَفْوِ عن قَاتِلِ صَاحِبِهِمْ وَلَوْ قَتَلَ رَجُلٌ
رَجُلًا عَمْدًا فَعَدَا عليه أَجْنَبِيٌّ فَقَتَلَهُ وَالْأَجْنَبِيُّ مِمَّنْ
لَا يُقْتَلُ بِالْمَقْتُولِ إمَّا بِأَنَّهُ مَغْلُوبٌ على عَقْلِهِ أو صَبِيٌّ
لم يَبْلُغْ وَإِمَّا بِأَنَّهُ مُسْلِمٌ وَالْمَقْتُولُ كَافِرٌ فَعَلَى
الْقَاتِلِ إذَا كان هَكَذَا دِيَةُ الْمَقْتُولِ وَلِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ
الْأَوَّلِ أَخْذُ الدِّيَةِ من قَاتِلِ قَاتِلِهِمْ فَإِنْ كان فيها وَفَاءٌ من
دِيَةِ صَاحِبِهِمْ فَهِيَ لهم وَإِنْ كان فيها فَضْلٌ عن دِيَةِ صَاحِبِهِمْ
رُدَّ على وَرَثَةِ الْمَقْتُولِ فَإِنْ كانت تَنْقُصُ أَخَذُوا ما بَقِيَ من
مَالِهِ وَإِنْ كانت على الْقَاتِلِ الْمَقْتُولِ الذي أُخِذَتْ دِيَتُهُ دُيُونٌ
من جِنَايَاتٍ وَغَيْرِهَا فَأَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ الْأَوَّلِ شُرَكَاؤُهُمْ
في دِيَتِهِ وَغَيْرِهَا وَلَيْسُوا بِأَحَقَّ بِدِيَتِهِ من أَهْلِ الدُّيُونِ
غَيْرِهِمْ لِأَنَّ دِيَتَهُ غَيْرُ دِيَتِهِ وهو مَالٌ من مَالِهِ لَيْسُوا
بِأَحَقَّ بِهِ من غَيْرِهِمْ - * الْجِنَايَةُ على الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ -
* (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا قُطِعَتْ الْيَدُ من مَفْصِلِ
الْكَفِّ فَفِيهَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَإِنْ قُطِعَتْ من السَّاعِدِ أو الْمِرْفَقِ
أو ما بين السَّاعِدِ وَالْمِرْفَقِ فَفِيهَا نِصْفٌ لِلدِّيَةِ وَالزِّيَادَةُ
على الْكَفِّ حُكُومَةٌ يُزَادُ في الْحُكُومَةِ بِقَدْرِ ما يُزَادُ على الْكَفِّ
وَلَا يَبْلُغُ بِالزِّيَادَةِ وَإِنْ أَتَتْ على الْمَنْكِبِ دِيَةُ كَفٍّ
تَامَّةٌ وَسَوَاءٌ الْيَدُ الْيُمْنَى وَالْيُسْرَى وَيَدُ الْأَعْسَرِ وَيَدُ
غَيْرِهِ وَهَكَذَا الرِّجْلَانِ إذَا قُطِعَتْ إحْدَاهُمَا من مَفْصِلِ الْكَعْبِ
فَفِيهَا نِصْفُ الدِّيَةِ فَإِنْ قُطِعَتْ من السَّاقِ أو الرُّكْبَةِ أو
الْفَخِذِ حتى يَسْتَوْعِبَ الْفَخِذَ فَفِيهَا نِصْفُ دِيَةٍ وَزِيَادَةُ
حُكُومَةٍ كما وَصَفْت في الْيَدَيْنِ وَيُزَادُ فيها بِقَدْرِ الزِّيَادَةِ على
مَوْضِعِ الْقَدَمِ لَا تَبْلُغُ الزِّيَادَةَ وَإِنْ جَاءَتْ على الْوَرِكِ
دِيَةُ رِجْلٍ تَامَّةٍ وَإِنْ قُطِعَتْ الْيَدُ بِالْمَنْكِبِ إو إحْدَى
الرِّجْلَيْنِ بِالْوَرِكِ فلم يَكُنْ من وَاحِدٍ من الْقَطْعَيْنِ جَائِفَةٌ
فَهُوَ كما وَصَفْت وَإِنْ كانت من وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَائِفَةٌ فَفِيهَا دِيَةُ
الرِّجْلِ وَالْيَدِ وَالْحُكُومَةُ في الزِّيَادَةِ وَدِيَةُ جَائِفَةٍ وَسَوَاءٌ
رِجْلُ الْأَعْرَجِ إذَا كانت الْقَدَمُ سَالِمَةً فَقُطِعَتْ وَيَدُ الْأَعْسَرِ
إذَا كانت الْكَفُّ سَالِمَةً وَرِجْلُ الصَّحِيحِ وَيَدُ غَيْرِ الْأَعْسَرِ
وَإِنَّمَا تَكُونُ فيها الدِّيَةُ إذَا كانت أَصَابِعُهَا الْخَمْسُ سَالِمَةً
فَإِنْ كانت أَصَابِعُهَا أَرْبَعًا فَفِيهَا أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ دِيَةٍ
وَحُكُومَةُ الْكَفِّ لَا يَبْلُغُ بها دِيَةُ أُصْبُعٍ وَإِنْ كانت أَصَابِعُهَا
خَمْسًا إحْدَاهَا شَلَّاءُ فَفِيهَا أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ دِيَةٍ وَحُكُومَةُ
الْكَفِّ وَالْأُصْبُعِ الشَّلَّاءِ أَكْثَرُ من الْحُكُومَةِ في الْكَفِّ ليس لها
إلَّا أَرْبَعَةُ أَصَابِعَ وَإِنْ كانت أَصَابِعُهَا سِتًّا فَفِيهَا دِيَتُهَا
وَهِيَ نِصْفُ الدِّيَةِ وَحُكُومَةٌ في الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ وَكَذَلِكَ إنْ
كانت فيها أُصْبُعَانِ زَائِدَتَانِ أو أَكْثَرُ يُزَادُ في الْحُكُومَةِ بِقَدْرِ
زِيَادَةِ الْأَصَابِعِ الزَّوَائِدِ وَلَا تَخْتَلِفُ رِجْلُ الْأَعْرَجِ
وَالصَّحِيحِ إلَّا في أَنْ يجنى على رِجْلَيْهِمَا فَيَزِيدُ عَرَجَ الْعَرْجَاءِ
وَتَعْرَجُ الصَّحِيحَةُ فَتَكُونُ الْحُكُومَةُ في الصَّحِيحَةِ أَكْثَرُ
فَأَمَّا إذَا قُطِعَتَا أو شُلَّتَا فَلَا تَخْتَلِفَانِ وإذا كانت الْيَدُ
الشَّلَّاءُ فَقُطِعْت فَفِيهَا حُكُومَةٌ وَالشَّلَلُ الْيُبْسُ في الْكَفِّ
فَتَيْبَسُ الْأَصَابِعُ أو في الْأَصَابِعِ وَإِنْ لم تَيْبَسْ الْكَفُّ فإذا
كانت الْأَصَابِعُ مُنْقَبِضَةً لَا تَنْبَسِطُ بِحَالٍ أو تَنْبَسِطُ إنْ مُدَّتْ
فَإِنْ أُرْسِلَتْ رَجَعَتْ إلَى الِانْقِبَاضِ بِغَيْرِ أَنْ تُقْبَضَ أو
مُنْبَسِطَةً لَا تَنْقَبِضُ بِحَالٍ أو لَا تَنْقَبِضُ إلَّا أَنْ تُقْبَضَ فَإِنْ
أُرْسِلَتْ رَجَعَتْ إلَى الِانْبِسَاطِ بِغَيْرِ أَنْ تَنْبَسِطَ فَهِيَ شَلَّاءُ
وَسَوَاءٌ في الْعَقْلِ كان الشَّلَلُ من اسْتِرْخَاءِ مَفْصِلِ الْكَفِّ أو
الْأَصَابِعِ وَإِنْ كان الشَّلَلُ من اسْتِرْخَاءِ الذِّرَاعِ أو الْعَضُدِ أو
الْمَنْكِبِ فَفِي شَلَلِ الْكَفِّ الدِّيَةُ وفي اسْتِرْخَاءِ ما فَوْقَهَا
حُكُومَةٌ وإذا أُصِيبَتْ الْأَصَابِعُ فَكَانَتْ عَوْجَاءَ أو الْكَفُّ وَكَانَتْ
عَوْجَاءَ وَأَصَابِعُهَا تَنْقَبِضُ وَتَنْبَسِطُ فَفِيهَا حُكُومَةٌ وَإِنْ جني
عليها بعد ما أُصِيبَتْ فَفِيهَا دِيَةٌ تَامَّةٌ وَهَكَذَا إنْ رُضِخَتْ
الْأَصَابِعُ فَجُبِرَتْ تَنْقَبِضُ وَتَنْبَسِطُ غير أَنَّ أَثَرَ الرَّضْخِ فيها
كَالْحَفْرِ فَفِيهَا حُكُومَةٌ وَيُزَادُ فيها بِقَدْرِ الشَّيْنِ وَالْأَلَمِ
وَإِنْ جني عليها بَعْدُ فَأُصِيبَتْ فَفِيهَا دِيَتُهَا تَامَّةٌ وَسَوَاءٌ يَدُ
الرَّجُلِ التَّامَّةُ الْبَاطِشَةُ الْقَوِيَّةُ وَيَدُ الرَّجُلِ الضَّعِيفَةُ
الْقَبِيحَةُ الْمَكْرُوهَةُ الْأَطْرَافِ إذَ
(6/72)
كانت الْأَصَابِعُ سَالِمَةً
من الشَّلَلِ وَسَوَاءٌ الْكَفُّ الْمُتَعَجِّرَةُ من خِلْقَتِهَا أو
الْمُتَعَجِّرَةِ من مُصِيبَةٍ بها وَالْأَصَابِعُ إذَا سَلِمَتْ من الْيُبْسِ لم
يُنْقِصْ أَرْشَهَا الشَّيْنُ وَالْقَوْلُ في الرِّجْلِ كَالْقَوْلِ في الْيَدِ
سَوَاءٌ وَسَوَاءٌ إذَا قُطِعَتْ رِجْلُ من لَا رِجْلَ له إلَّا وَاحِدَةٌ أو يَدُ
من لَا يَدَ له إلَّا وَاحِدَةٌ أو من له يَدَانِ فَفِي الرِّجْلِ نِصْفُ
الدِّيَةِ وفي الْيَدِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا خُلِقَتْ له في
يُمْنَاهُ كَفَّانِ أو يَدَانِ مُنْفَصِلَتَانِ أو خُلِقَتَا في يُسْرَاهُ أو في
يُمْنَاهُ وَيُسْرَاهُ مَعًا حتى تَكُونَ له أَرْبَعَةُ أَيْدٍ نُظِرَ إلَيْهِمَا
فَإِنْ كانت الْعَضُدُ وَالذِّرَاعُ وَاحِدَةً وَالْكَفَّانِ مُفْتَرِقَتَانِ في
مَفْصِلٍ فَقَطَعَ التي يَبْطِشُ بها فَفِيهَا الدِّيَةُ وَالْقِصَاصُ إنْ كان
قَطَعَهَا عَمْدًا وَلَوْ قُطِعَتْ الْأُخْرَى التي لَا يَبْطِشُ بها كانت فيها
حُكُومَةٌ وَجَعَلَتْهَا كَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ مع الْأَصَابِعِ من تَمَامِ
الْخِلْقَةِ وَإِنْ كان يَبْطِشُ بِهِمَا جميعا جُعِلَتْ الْيَدُ التَّامَّةُ التي
هِيَ أَكْثَرُهُمَا بَطْشًا إنْ كان مَوْضِعُهَا من مَفْصِلِ الذِّرَاعِ
مُسْتَقِيمًا على مَفْصِلٍ أو زَائِلًا عنه وَجَعَلْت الْأُخْرَى الزَّائِدَةَ إنْ
كان مَوْضِعُهَا من مَفْصِلِ الذِّرَاعِ مُسْتَقِيمًا عليه أو زَائِلًا عنه وَإِنْ
كان بَطْشُهُمَا سَوَاءً وَكَانَتْ إحْدَاهُمَا مُسْتَقِيمَةً على مَفْصِلِ
الذِّرَاعِ جَعَلْت الْمُسْتَقِيمَةَ الْيَدَ التي لها الْقَوَدُ وَتَمَامُ
الْأَرْشِ وَجَعَلْت الْأُخْرَى الزَّائِدَةُ وَإِنْ كان مَوْضِعُهُمَا من
مَفْصِلِ الذِّرَاعِ وَاحِدًا لَيْسَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا أَشَدَّ اسْتِقَامَة
على مَفْصِلِ الذِّرَاعِ من الْأُخْرَى وَلَا يَبْطِشُ بِإِحْدَاهُمَا إلَّا
كَبَطْشِهِ بِالْأُخْرَى فَهَاتَانِ كَفَّانِ نَاقِصَتَانِ فَأَيُّهُمَا قُطِعَتْ
على الِانْفِرَادِ فَلَا يَبْلُغُ بها دِيَةُ كَفٍّ تَامَّةٌ وَيُجْعَلُ فيها
حُكُومَةٌ يُجَاوِزُ بها نِصْفَ دِيَةِ كَفٍّ وَإِنْ قُطِعَتَا مَعًا فَفِيهِمَا
دِيَةُ كَفٍّ وَيُجَاوِزُ فيها دِيَةَ كَفٍّ على ما وَصَفْت من أَنْ تُزَادَ كُلُّ
وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا على نِصْفِ دِيَةِ كَفٍّ وَهَكَذَا إذَا قُطِعَتْ أُصْبُعٌ من
أَصَابِعِهِمَا أو شُلَّتْ الْكَفُّ أو أُصْبُعٌ من أَصَابِعِهَا وَهَكَذَا لو
كانت لَهُمَا ذِرَاعَانِ وَعَضُدَانِ وَأَصْلُ مَنْكِبٍ كان الْقَوْلُ فِيهِمَا
كَالْقَوْلِ فِيهِمَا إذَا كانت لَهُمَا كَفَّانِ في ذِرَاعٍ وَاحِدَةٍ لَا
يَخْتَلِفُ إلَّا بِزِيَادَةِ الْحُكُومَةِ في قَطْعِ الذِّرَاعَيْنِ أو
الْعَضُدَيْنِ أو الذِّرَاعَيْنِ مع الْكَفَّيْنِ فَيُزَادُ في حُكُومَةِ ذلك
بِقَدْرِ الزِّيَادَةِ في أَلَمِهِ وَشَيْنِهِ وَلَوْ كان له كَفَّانِ في ذِرَاعٍ
إحْدَاهُمَا نَاقِصَةُ الْأَصَابِعِ وَالْأُخْرَى تَامَّتُهَا أو إحْدَاهُمَا
زَائِدَةُ الْأَصَابِعِ وَالْأُخْرَى تَامَّتُهَا او نَاقِصَتُهَا كانت الْكَفُّ
مِنْهُمَا الْعَامِلَةُ دُونَ التي لَا تَعْمَلُ فَإِنْ كَانَتَا تَعْمَلَانِ
فَالْكَفُّ مِنْهُمَا أَقْوَاهُمَا عَمَلًا فَإِنْ اسْتَوَتَا في الْعَمَلِ
فَالْكَفُّ مِنْهُمَا الْمُسْتَقِيمَةُ الْمَخْرَجِ على الذِّرَاعِ وَإِنْ
كَانَتَا سَوَاءً فَالْكَفُّ مِنْهُمَا التَّامَّةُ دُونَ النَّاقِصَةِ
وَالْأُخْرَى زَائِدَةٌ وَإِنْ كانت إحْدَاهُمَا زَائِدَةً وَالْأُخْرَى غير
زَائِدَةٍ فَهُمَا سَوَاءٌ وَلَيْسَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا أَوْلَى بِالْكَفِّ من
الْأُخْرَى وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتَا زَائِدَتَيْنِ مَعًا وَلَوْ خُلِقَتْ لِرَجُلٍ
كَفَّانِ في ذِرَاعٍ إحْدَاهُمَا فَوْقَ الْأُخْرَى مُنْفَصِلَةٌ منها فَكَانَ
يَبْطِشُ بِالسُّفْلَى التي تَلِي الْعَمَلَ بَطْشًا ضَعِيفًا أو قَوِيًّا
وَكَانَتْ سَالِمَةً وَلَا يَبْطِشُ بِالْعُلْيَا كانت السُّفْلَى هِيَ الْكَفُّ
التي فيها الْقَوَدُ وَالْعَقْلُ تَامًّا وَالْعُلْيَا الزَّائِدَةُ فَإِنْ كان لَا
يَبْطِشُ بِالسُّفْلَى بِحَالٍ فَهِيَ كَالشَّلَّاءِ وَلَا تَكُونُ سَالِمَةَ
الْأَصَابِعِ إلَّا وهو يَتَنَاوَلُ بها وَإِنْ ضَعُفَ تَنَاوُلُهُ وَإِنْ كان
يَبْطِشُ بِالْعُلْيَا مِنْهُمَا كانت الْكَفُّ وَإِنْ كان لَا يَقْدِرُ على
الْبَطْشِ بها وَهِيَ فِيمَا تَرَى سَالِمَةٌ فَقُطِعَتْ لم يَكُنْ فيها قَوَدٌ
وَلَا دِيَةُ كَفٍّ تَامَّةٌ وَلَا تَكُونُ أَبَدًا بَاطِشَةً بِالرُّؤْيَةِ دُونَ
أَنْ يُشْهَدَ لها على بَطْشٍ أو ما في مَعْنَى الْبَطْشِ من قَبْضٍ وَبَسْطٍ
وَتَنَاوُلِ شَيْءٍ - * الرِّجْلَيْنِ - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ خُلِقَتْ لِرَجُلٍ قَدَمَانِ في
سَاقٍ فَكَانَ يَطَأُ بِهِمَا مَعًا وَكَانَتْ أَصَابِعُهُمَا مَعًا سَالِمَةً لم
تَكُنْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا أَوْلَى بِاسْمِ الْقَدَمِ من الْأُخْرَى
وَأَيَّتُهُمَا قُطِعَتْ على الِانْفِرَادِ فَلَا قَوَدَ فيها وَفِيهَا حُكُومَةٌ
يُجَاوِزُ بها نِصْفَ أَرْشِ الْقَدَمِ وَإِنْ قُطِعَتَا مَعًا فَعَلَى
قَاطِعِهِمَا الْقَوَدُ وَحُكُومَةٌ وَلَوْ قُطِعَتْ الْأُولَى كان
(6/73)
فيها حُكُومَةٌ فَإِنْ قَطَعَ
قَاطِعُ الْأُولَى الثَّانِيَةَ وَهِيَ سَالِمَةٌ يَمْشِي عليها حين انْفَرَدَتْ
كان عليه الْقِصَاصُ مع حُكُومَةِ الْأُولَى وَإِنْ قَطَعَهَا غَيْرُهُ فَلَا
قِصَاصَ على وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَعَلَى كل وَاحِدٍ حُكُومَةٌ أَكْثَرُ من نِصْفِ
أَرْشِ الرِّجْلِ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ قال الذي قُطِعَتْ إحْدَى
رِجْلَيْهِ اللَّتَيْنِ هُمَا هَكَذَا أَقِدْنِي من بَعْضِ أَصَابِعِي لم أَقِدْهُ
لِأَنَّ أَصَابِعَهُ لَيْسَتْ كَأَصَابِعِهِ وَلَوْ كانت الْقَدَمَانِ في سَاقٍ
فَكَانَتْ إحْدَاهُمَا مُسْتَقِيمَةَ الْخِلْقَةِ على مَخْرَجِ السَّاقِ وفي الْأُخْرَى
جَنَفٌ أو عِوَجٌ لِلْمَخْرَجِ عن عَظْمِ السَّاقِ فَكَانَ يَطَأُ بِهِمَا مَعًا
فَالْقَدَمُ الْمُسْتَقِيمَةُ على مَخْرَجِ السَّاقِ وَفِيهَا الْقِصَاصُ
وَالْأُخْرَى الزَّائِدَةُ لَا قِصَاصَ فيها وَفِيهَا حُكُومَةٌ وَلَوْ كانت
الْمُسْتَقِيمَةُ على مَخْرَجِ السَّاقِ أُقْصَرَ من الْخَارِجَةِ زَائِلَةً عن
مَخْرَجِ السَّاقِ وكان يَطَأُ على الزَّائِلَةِ كُلِّهَا وطأ ( ( ( وطئا ) ) )
مُسْتَقِيمًا فَقُطِعَتْ لم أُعَجِّلْ بِالْقَوَدِ فيها حتى أَنْظُرَ فَإِنْ وطىء
على الْأُخْرَى الْمُسْتَقِيمَةِ وَطْئًا مُسْتَقِيمًا كانت هِيَ الْقَدَمُ
وَكَانَتْ الْأُخْرَى هِيَ الْمَانِعَةُ لها بِطُولِهَا فلما ذَهَبَتْ وطىء على
هذه فَفِي الْأُولَى حُكُومَةٌ وَلَا قَوَدَ وفي هذه إنْ قُطِعَتْ بَعْدَ قَوَدٍ
وَالدِّيَةُ تَامَّةٌ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ لم تُقْطَعْ وَلَكِنْ جني
عليها فَأَشَلَّتْ فَصَارَ لَا يَطَأُ عليها جَعَلْتُ فيها دِيَةَ الْقَدَمِ
تَامَّةً فَإِنْ قُطِعَتْ فَقَضَيْت فيها بِدِيَةِ الْقَدَمِ فَوَطِئَ على
الْأُخْرَى بَعْدَ قَطْعِ التي جَعَلْت فيها الدِّيَةَ نَقَضْت الْحُكْمَ في
الْأُولَى وَرَدَدْته بِفَضْلِ ما بين الْحُكُومَةِ وَالدِّيَةِ ( 1 ) فَأَخَذَتْ
منهم حُكُومَةٌ وَرَدَدْت عليه ما بَقِيَ وَعَلِمْت حِينَئِذٍ أَنَّ هذه هِيَ
الْقَدَمُ وَجَعَلْت في هذه الْقَوَدُ تَامًّا + ( قال الشَّافِعِيُّ )
وَالْقَوْلُ فيها إذَا قُطِعَتْ من السَّاقِ وَالْفَخِذِ كَالْقَوْلِ في الْيَدِ
إذَا قُطِعَتْ من الذِّرَاعِ وَالْعَضُدِ لَا يَخْتَلِفُ - * الْأَلْيَتَيْنِ - *
+ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا قُطِعَتْ أَلْيَتَا الرَّجُلِ أو الْمَرْأَةِ
فَفِيهِمَا الدِّيَةُ وفي كل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَكَذَلِكَ
اليتا الصَّبِيِّ فَأَيُّهُمْ قُطِعَتْ أَلْيَتَاهُ عَظِيمُ الْأَلْيَتَيْنِ أو
صَغِيرُهُمَا فَسَوَاءٌ وَالْأَلْيَتَانِ كُلُّ ما أَشْرَفَ على الظَّهْرِ من
الماكمتين إلَى ما أَشْرَفَ على اسْتِوَاءِ الْفَخِذَيْنِ ( 2 ) وما قُطِعَ
مِنْهُمَا فَبِحِسَابٍ وإذا كان يَقْدِرُ على الْقِصَاصِ مِنْهُمَا فَفِيهِمَا
الْقِصَاصُ إنْ كان قَطَعَهُمَا عَمْدًا وما قُطِعَ من الْأَلْيَتَيْنِ فَفِيهِ
بِحِسَابِ الْأَلْيَتَيْنِ وما شُقَّ مِنْهُمَا فَفِيهِ حُكُومَةٌ وما قُطِعَ من
الْأَلْيَتَيْنِ فَبَانَ ثُمَّ نَبَتَ وَاسْتَخْلَفَ أو لم يَنْبُتْ فَسَوَاءٌ
وَفِيمَا قُطِعَ فَأُبِينَ مِنْهُمَا بِحِسَابِ الْأَلْيَتَيْنِ وَلَوْ قُطِعَ فلم
يُبَنْ ثُمَّ أُعِيدَ فَالْتَحَمَ كانت فيه حُكُومَةٌ وَهَذَا كَالشِّقِّ فيه
يَلْتَئِمُ وَمُخَالِفٌ لِمَا بَانَ ثُمَّ نَبَتَ غَيْرُهُ وما بَانَ ثُمَّ
أُعِيدَ بِنَفْسِهِ فَثَبَتَ فَالْتَأَمَ - * الْأُنْثَيَيْنِ - * + ( قال
الشَّافِعِيُّ ) وإذا قُطِعَتْ أُنْثَيَا الرَّجُلِ أو الصَّبِيِّ أو الْخَصِيّ
فَفِيهِمَا الْقَوَدُ إنْ كان الْقَطْعُ عَمْدًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمَجْنِيُّ
عليه أَنْ يَأْخُذَ الْأَرْشَ فَيَكُونُ له فِيهِمَا الدِّيَةُ وإذا قُطِعَتْ
إحْدَاهُمَا فَفِيهَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَسَوَاءٌ الْيُسْرَى أو الْيُمْنَى وَلَوْ
قَطَعَ رَجُلٌ إحْدَى الْأُنْثَيَيْنِ فَسَقَطَتْ الْأُخْرَى عَمْدًا كان عليه
الْقِصَاصُ إنْ كان يُسْتَطَاعُ الْقِصَاصُ من إحْدَاهُمَا وَتَثْبُتُ الْأُخْرَى
وَعَقْلُ التي سَقَطَتْ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا وَجَأَ رَجُلًا كما تُوجَأُ
الْبَهَائِمُ فَإِنْ كان يُدْرِكُ عِلْمَ ذلك أَنَّهُ إذَا وُجِئَ كان ذلك
كَالشَّلَلِ في الْأُنْثَيَيْنِ فَفِيهِمَا الدِّيَةُ كما تَكُونُ على الْجَانِي
دِيَةُ يَدٍ لو ضُرِبَتْ يَدُ رَجُلٍ فَشُلَّتْ وَإِنْ كان لَا يُدْرِكُ عِلْمَهُ
في الْمَجْنِيِّ عليه إلَّا بِقَوْلِ الْمَجْنِيِّ عليه فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع
يَمِينِهِ وَعَلَى الْجَانِي الدِّيَةُ إنْ كان أَدْرَكَ عِلْمَ ذلك في غَيْرِهِ
قَطُّ وإذا سُلَّتْ الْبَيْضَتَانِ وَبَقِيَتْ الْجِلْدَةُ تَمَّ عَقْلُهُمَا
وَالْقِصَاصُ فِيهِمَا وَإِنْ قَطَعَهُمَا بِالْجِلْدَةِ لم يَزِدْ عليه شَيْءٌ
لِلْجِلْدَةِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ لم يَطَأْ على هذه بِحَالٍ كانت الْأُولَى
الْقَدَمُ وكان فيها الْقَوَدُ إنْ أُصِيبَتْ وَدِيَةُ الْقَدَمِ تَامَّةٌ وفي هذه
إنْ أُصِيبَتْ بَعْدُ حُكُومَةٌ
(6/74)
وَفِيهِمَا الْقِصَاصُ
وَالدِّيَةُ تَامَّةٌ وإذا سُلَّتْ الْبَيْضَتَانِ ثُمَّ قُطِعَتْ الْجِلْدَةُ
فَفِي الْبَيْضَتَيْنِ الدِّيَةُ وفي الْجِلْدَةِ الْحُكُومَةُ وإذا اخْتَلَفَ
الْجَانِي وَالْمَجْنِيُّ عليه فقال الْجَانِي جَنَيْت عليه وهو مَوْجُوءٌ وقال
الْمَجْنِيُّ عليه بَلْ صَحِيحٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عليه مع
يَمِينِهِ لِأَنَّ هذا مِمَّا يَغِيبُ عن أَبْصَارِ الناس وَلَا يَجُوزُ كَشْفُهُ
لهم - * الْجِنَايَةُ على رَكَبِ الْمَرْأَةِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ )
رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهَذَا نَقُولُ فَفِي كل أُصْبُعٍ قُطِعَتْ من
رَجُلٍ عَشْرٌ من الْإِبِلِ وَسَوَاءٌ في ذلك الْخِنْصَرُ وَالْإِبْهَامُ
وَالْوُسْطَى إنَّمَا الْعَقْلُ على الْأَسْمَاءِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَصَابِعُ
الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ سَوَاءٌ وَأَصَابِعُ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ
الْفَانِي وَالشَّابِّ سَوَاءٌ وَالْإِبْهَامُ من أَصَابِعِ الْقَدَمِ مَفْصِلَانِ
فإذا قُطِعَ مِنْهُمَا مَفْصِلٌ فَفِيهِ خَمْسٌ من الْإِبِلِ وَلِمَا سِوَاهَا من
الْأَصَابِعِ ثَلَاثَةُ مَفَاصِلَ فإذا قُطِعَ منها مِفْصَلٌ فَفِيهِ ثَلَاثٌ من
الْإِبِلِ وَثُلُثٌ وَإِنْ خُلِقَ لِأَحَدٍ مَفَاصِلُ أَصَابِعِهِ سَوَاءٌ لِكُلِّ
أُصْبُعٍ مَفْصِلَانِ وَكَانَتْ أَصَابِعُهُ سَالِمَةً يَقْبِضُهَا وَيَبْسُطُهَا
وَيَبْطِشُ بها فَفِي كل مَفْصِلٍ نِصْفُ دِيَةِ الْأُصْبُعِ خَمْسٌ من الْإِبِلِ
وَإِنْ كان ذلك يُشِلُّهَا فَفِي أُصْبُعِهِ إذَا قُطِعَتْ حُكُومَةٌ وإذا كان
لِأُصْبُعِ هذا مَفْصِلَانِ وَكَانَتْ سَالِمَةً فَقَطَعَهَا إنْسَانٌ عَمْدًا
فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ فَإِنْ قَطَعَ إحْدَى أُنْمُلَتَيْهَا فَلَهُ إنْ شَاءَ
الْقِصَاصُ من أُنْمُلَةِ أُصْبُعِ الْقَاطِعِ فَإِنْ كان في أُصْبُعِ الْقَاطِعِ
ثَلَاثُ أَنَامِلَ أَخَذَ مع الْقِصَاصِ سُدُسَ عَقْلِ الْأُصْبُعِ وَلَوْ خُلِقَ
إنْسَانٌ له في أُصْبُعٍ أَرْبَعُ أَنَامِلَ كانت في كل أُنْمُلَةٍ رُبُعُ دِيَةِ
الْأُصْبُعِ بَعِيرَانِ وَنِصْفٌ إنْ كانت أَصَابِعُهُ سَالِمَةً وإذا خُلِقْت له
في أُصْبُعٍ أَرْبَعُ أَنَامِلَ فَقَطَعَ رَجُلٌ منها أُنْمُلَةً عَمْدًا وَلَهُ
في كل أُصْبُعٍ ثَلَاثُ أَنَامِلَ فَلَا قِصَاصَ عليه لِأَنَّ أُنْمُلَتَهُ
أَزْيَدُ من أُنْمُلَةِ الْمُقْتَصِّ له وَلَوْ كان الْقَاطِعُ هو الذي له
أَرْبَعُ أَنَامِلَ وَالْمَقْطُوعُ له ثَلَاثُ أَنَامِلَ فَلَهُ الْقِصَاصُ
وَأَرْشُ ما بين رُبُعِ أُنْمُلَةٍ وَثُلُثِهَا وَلَوْ كانت لِرَجُلٍ أُصْبُعٌ
فيها أَرْبَعُ أَنَامِلَ أو فيها أُنْمُلَتَانِ فَكَانَتْ أَطْوَلَ من
الْأَصَابِعِ مَعَهَا أو أَقْصَرَ منها وَهِيَ سَالِمَةٌ فَفِيهَا عَقْلُهَا
تَامًّا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قُطِعَتْ إسكتا
الْمَرْأَةِ وَهُمَا شَفْرَاهَا فَإِنْ قَطَعَهُ رَجُلٌ فَلَا قِصَاصَ لِأَنَّهُ ليس
له مِثْلُهُ فَإِنْ قَطَعَتْهُ امْرَأَةٌ فَعَلَيْهَا الْقِصَاصُ إنْ كان يُقْدَرُ
على الْقِصَاصِ منه إلَّا أَنْ تَشَاءَ الْعَقْلَ فَإِنْ شَاءَتْهُ فَلَهَا
الدِّيَةُ تَامَّةٌ وفي أَحَدِ شَفْرَيْهَا إذَا أُوعِبَ نِصْفُ الدِّيَةِ وفي
الشَّفْرَيْنِ الدِّيَةُ فَإِنْ قُطِعَ الشَّفْرَانِ وَأَعْلَى الرَّكَبِ
فَفِيهِمَا الدِّيَةُ وفي الْأَعْلَى حُكُومَةٌ وَإِنْ قُطِعَ الْأَعْلَى فَكَانَ
الشَّفْرَانِ بِحَالِهِمَا فَفِي الْأَعْلَى حُكُومَةٌ وَإِنْ انْقَطَعَ
الشَّفْرَانِ ( 1 ) مَعَهُمَا أو مَاتَا حتى يَصِيرَ ذلك فِيهِمَا كَالشَّلَلِ في
الْيَدِ فَفِيهِمَا الدِّيَةُ وفي الْأَعْلَى حُكُومَةٌ وَسَوَاءٌ في ذلك
الْمَخْفُوضَةُ وَغَيْرُ الْمَخْفُوضَةِ فَإِنْ كانت امْرَأَةٌ مَقْطُوعَةَ
الشَّفْرَيْنِ قد الْتَحَمَا فَقَطَعَ إنْسَانٌ ما الْتَحَمَ مِنْهُمَا فَعَلَيْهِ
حُكُومَةٌ وَسَوَاءٌ في هذا شَفْرُ الصَّغِيرَةِ وَالْعَجُوزِ وَالشَّابَّةِ لَا
يَخْتَلِفُ وَسَوَاءٌ شَفْرُ الرَّتْقَاءِ التي لَا تُؤْتَى وَالْبِكْرِ
وَالثَّيِّبِ تُؤْتَى وَكَذَلِكَ أَرْكَابهنَّ كُلُّهُنَّ سَوَاءٌ لَا تَخْتَلِفُ
- * عَقْلُ الْأَصَابِعِ - *
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال أخبرنا
مَالِكٌ عن عبد اللَّهِ بن أبي بَكْرِ بن مُحَمَّدِ بن عَمْرِو بن حَزْم عن أبيه
أَنَّ في الْكِتَابِ الذي كَتَبَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِعَمْرِو
بن حَزْمٍ في كل أُصْبُعٍ مِمَّا هُنَالِكَ عَشْرٌ من الْإِبِلِ أخبرنا الرَّبِيعُ
قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا بن عُلَيَّةَ بِإِسْنَادِهِ عن رَجُلٍ عن أبي
مُوسَى قال قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْأَصَابِعِ عَشْرٌ عَشْرٌ
(6/75)
وَلَيْسَتْ كَالسِّنِّ
تَسْقُطُ فَيَسْتَخْلِفُ أَقْصَرَ من الْأَسْنَانِ لِأَنَّ الْأَصَابِعَ هَكَذَا
تُخْلَقُ وَلَا تَسْقُطُ فَتُسْتَخْلَفُ وَالْأَسْنَانُ تَسْقُطُ فَتُسْتَخْلَفُ
وإذا بَقِيَتْ في الْكَفِّ أُصْبُعٌ أو أُصْبُعَانِ أو ثَلَاثٌ أو أَرْبَعٌ
فَقُطِعَتْ الْكَفُّ وَالْأَصَابِعُ فَعَلَى الْقَاطِعِ أَرْشُ الْأَصَابِعِ
تَامًّا وَحُكُومَةٌ تَامَّةٌ في الْكَفِّ لَا يَبْلُغُ بها أَرْشَ أُصْبُعٍ
وَسَوَاءٌ كانت الْكَفُّ من امْرَأَةٍ أو رَجُلٍ لَا يَبْلُغُ بِحُكُومَتِهَا
أَرْشَ أُصْبُعٍ إذَا كانت مع أَصَابِعَ وَلَا يَسْقُطُ أَنْ يَكُونَ فيها حُكُومَةٌ
إلَّا بِأَنْ يُؤْخَذَ أَرْشُ الْيَدِ تَامًّا فَتَدْخُلُ الْكَفُّ مع
الْأَصَابِعِ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ يَدٌ تَامَّةٌ وإذا قُطِعَتْ الْأَصَابِعُ
وَأَخَذَ أَرْشَهَا أو عَفَا أو اُقْتُصَّ منها ثُمَّ قُطِعَتْ الْكَفُّ فَفِيهَا
حُكُومَةٌ على ما وَصَفْت الْحُكُومَاتِ وَسَوَاءٌ قَطَعَ الْكَفَّ وَالْأَصَابِعَ
أو غَيْرَهُ وَلَوْ جَنَى رَجُلٌ على الْأَصَابِعِ عَمْدًا فَقَطَعَهَا ثُمَّ
قَطَعَ الْكَفَّ اُقْتُصَّ منه كما صَنَعَ فَقُطِعَتْ أَصَابِعُهُ ثُمَّ كَفُّهُ
وَإِنْ شَاءَ الْمَجْنِيُّ عليه قطع ( ( ( فقطع ) ) ) أَصَابِعَهُ وَأَخَذَ منه
أَرْشَ كَفِّهِ ( 1 ) وقال في الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ حُكُومَةٌ وَلَوْ خُلِقَتْ
لِرَجُلٍ أُصْبُعٌ أُنْمُلَتُهَا التي فيها الظُّفُرِ أُنْمُلَتَانِ
مُفْتَرِقَتَانِ في كِلْتَيْهِمَا ظُفُرٌ وَلَيْسَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا أَشَدَّ
اسْتِقَامَةٍ على خِلْقَةِ الْأَصَابِعِ من الْأُخْرَى وَلَا أَحْسَنَ حَرَكَةٍ من
الْأُخْرَى فَقَطَعَ إنْسَانٌ إحْدَاهُمَا لم يَكُنْ عليه قِصَاصٌ وَكَانَتْ عليه
حُكُومَةٌ تُجَاوِزُ نِصْفَ أَرْشِ أُنْمُلَةٍ وَإِنْ قَطَعَ هو أو غَيْرُهُ
الثَّانِيَةَ كانت فيها حُكُومَةُ كالأولى ( ( ( الأولى ) ) ) وَكَذَلِكَ إنْ
قَطَعَهُمَا مَعًا فَعَلَيْهِ دِيَةُ أُصْبُعٍ وَحُكُومَةٌ في الزِّيَادَةِ فَلَوْ
خُلِقَتْ له أَصَابِعُ عَشْرٌ في كَفٍّ كان الْقَوْلُ فيها كَالْقَوْلِ فيه لو
خُلِقَتْ له كَفَّانِ الْأَصَابِعُ الْمُسْتَقِيمَةُ على الْأَكْثَرِ من خِلْقَةِ
الْآدَمِيِّينَ أَصَابِعُهُ إذَا كانت سَالِمَةً كُلُّهَا وَكَذَلِكَ لو خُلِقَتْ
له أُصْبُعَانِ فَكَانَتْ إحْدَاهُمَا بَاطِشَةً وَالْأُخْرَى غير بَاطِشَةٍ كانت
الْبَاطِشَةُ أَوْلَى بِاسْمِ الْأُصْبُعِ وَلَوْ كان هذا في الرِّجْلَيْنِ كان
هذا هَكَذَا إذَا كان يَطَأُ عليها كُلِّهَا فَإِنْ كان يَطَأُ على بَعْضِهَا
وَلَا يَطَأُ على بَعْضٍ فإن الْأَصَابِعَ التي فيها عَشْرٌ عَشْرٌ هِيَ التي
يَطَأُ عليها وَاَلَّتِي لَا يَطَأُ عليها زَوَائِدُ إذَا قُطِعَ منها شَيْءٌ كانت
فيها حُكُومَةٌ وَلَوْ خُلِقَتْ لِرَجُلٍ أُصْبُعٌ زَائِدَةٌ وَلِآخَرَ مِثْلُهَا
في مِثْلِ مَوْضِعِهَا فَجَنَى أَحَدُهُمَا على الْآخَرِ عَمْدًا فَقَطَعَ
أُصْبُعَهُ الزَّائِدَةَ قَطَعْت بها أُصْبُعَهُ الزَّائِدَةَ إنْ شَاءَ إذَا كانت
في مِثْلِ مَوْضِعِهَا وَإِنْ لم تَكُنْ في مِثْلِ مَوْضِعِهَا لم تُقْطَعْ وَلَوْ
اخْتَلَفَتْ الزَّائِدَتَانِ فَكَانَتْ من الْقَاطِعِ أو الْمَقْطُوعِ أَتَمَّ
كانت إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى إذَا كانت مَفَاصِلُهُمَا وَاحِدَةً فَإِنْ كانت
الزَّائِدَةُ من الْقَاطِعِ بِثَلَاثَةِ مَفَاصِلَ وَالزَّائِدَةُ من الْمَقْطُوعِ
بِمَفْصِلٍ وَاحِدٍ أو مِثْلِ الثُّؤْلُولِ ( 2 ) وما أَشْبَهَهُ لم يُقْدَ
وَكَانَتْ له حُكُومَةٌ وَإِنْ كانت من الْمَقْطُوعِ مِثْلُهَا من الْقَاطِعِ أو
من الْقَاطِعِ مِثْلُهَا من الْمَقْطُوعِ فَلِلْمَقْطُوعِ الْخِيَارُ بين
الْقَوَدِ أو حُكُومَةٍ وَبَيْنَ الْأَرْشِ لِنَقْصِ أُصْبُعِ الْمَقْطُوعِ عن
أُصْبُعِهِ وَالْحُكُومَةُ أَقَلُّ من حُكُومَتِهَا لو لم يَسْتَقِدْ - * أَرْشُ
الْمُوضِحَةِ - *
أخبرنا الرَّبِيعُ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال أخبرنا مَالِكٌ عن عبد اللَّهِ بن
أبي بَكْرِ بن مُحَمَّدِ بن عَمْرِو بن حَزْم عن أبيه أَنَّ في الْكِتَابِ الذي
كَتَبَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِعَمْرِو بن حَزْمٍ في الْمُوضِحَةِ
خَمْسٌ
أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن بن طَاوُسٍ عن أبيه (1) ( قال الشَّافِعِيُّ )
وَالْمُوضِحَةُ في الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ كُلُّهُ سَوَاءٌ وَسَوَاءٌ مُقَدَّمُ
الرَّأْسِ وَمُؤَخَّرُهُ فيها وَأَعْلَى الْوَجْهِ وَأَسْفَلُهُ وَاللِّحَى
الْأَسْفَلِ بَاطِنُهُ وَظَاهِرُهُ وما تَحْتَ شَعْرِ اللِّحْيَةِ منها وما بَرَزَ
من الْوَجْهِ كُلُّهَا سَوَاءٌ ما تَحْتَ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ من
الْمُوضِحَةِ وما يَخْرُجُ مِمَّا بين الْأُذُنِ وَمَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ + (
قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا يَكُونُ في شَيْءٍ من
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا نَقُولُ وفي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ من الْإِبِلِ
وَذَلِكَ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ الرَّجُلِ
(6/76)
الْمَوَاضِحِ خَمْسٌ من
الْإِبِلِ إلَّا في مُوضِحَةِ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ لِأَنَّهُمَا اللَّذَانِ
يَبْدُوَانِ من الرَّجُلِ فَأَمَّا مُوضِحَةٌ في ذِرَاعٍ أو عُنُقٍ أو عَضُدٍ أو
ضِلْعٍ أو صَدْرٍ أو غَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ فيها إلَّا حُكُومَةٌ وَالْمُوضِحَةُ
على الِاسْمِ فما أُوضِحَ من صَغِيرٍ أو كَبِيرٍ عن الْعَظْمِ فَفِيهِ خَمْسٌ من
الْإِبِلِ لَا يُزَادُ في كَبِيرٍ منها وَلَوْ أَخَذَتْ قُطْرَيْ الرَّأْسِ وَلَا
يَنْقُصُ منها وَلَوْ لم يَكُنْ إلَّا قَدْرٌ مُحِيطٌ لِأَنَّهُ يَقَعُ على كُلٍّ
اسْمُ مُوضِحَةٍ وَهَكَذَا كُلُّ ما في الرَّأْسِ من الشِّجَاجِ فَهُوَ على
الْأَسْمَاءِ وَلَوْ ضَرَبَ رَجُلٌ رَجُلًا بِشَيْءٍ فَشَجَّهُ شَجَّةً موتصلة
فَأُوضِحَ بَعْضُهَا ولم يُوضَحْ بَعْضٌ كان فيها أَرْشُ مُوضِحَةٍ فَقَطْ
وَكَذَلِكَ لو لم تَزِدْ على أَنْ خُرِقَ الْجِلْدُ من موضع ( ( ( موضح ) ) )
وَبُضِعَ من آخَرَ وَأُوضِحَ من آخَرَ فَفِيهَا أَرْشُ مُوضِحَةٍ لِأَنَّ هذه
الشَّجَّةَ موتصلة (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ شَجَّهُ فَأَوْضَحَهُ
مُوضِحَتَيْنِ وَبَيْنَهُمَا من الْجِلْدِ شَيْءٌ لم يَنْخَرِقْ ثُمَّ تَأَكَّلَ
فَانْخَرَقَ كانت مُوضِحَةً وَاحِدَةً لِأَنَّ الشَّجَّةَ اتَّصَلَتْ من
الْجِنَايَةِ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْجَانِي وَالْمَجْنِيُّ عليه فقال الْمَجْنِيُّ
عليه أنت شَقَقْت الْمَوْضِعَ الذي لم يَكُنْ انْشَقَّ من رَأْسِي فَلِي
مُوضِحَتَانِ وقال الْجَانِي بَلْ تَأَكَّلَ من جِنَايَتِي فَانْشَقَّ فَالْقَوْلُ
قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عليه مع يَمِينِهِ لِأَنَّهُ قد وَجَبَتْ له مُوضِحَتَانِ
فَلَا يُبْطِلُهُمَا إلَّا إقْرَارُهُ أو بَيِّنَةٌ تَقُومُ عليه وَلَا يُقَصُّ
بِمُوضِحَةٍ إلَّا بِإِقْرَارِ الْجَانِي أو بِشَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّ
الْعَظْمَ قد بَرَزَ حتى قَرَعَهُ الْمِرْوَدُ وَإِنْ لم يَرَ الْعَظْمَ لِأَنَّ
الدَّمَ قد يَحُولُ دُونَهُ أو شَاهِدٌ وَامْرَأَتَيْنِ بِذَلِكَ لِأَنَّ الدَّمَ
يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يُرَى أو شَاهِدٌ يَشْهَدُ على هذا وَيَمِينُ
الْمُدَّعِي إذَا كانت الْجِنَايَةُ خَطَأً فَإِنْ كانت عَمْدًا لم يُقْبَلْ فيها
شَاهِدٌ وَيَمِينٌ وَلَا شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ لِأَنَّ الْمَالَ لَا يَجِبُ
إلَّا بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ وإذا اخْتَلَفَ الْجَانِي وَالْمَجْنِيُّ عليه في
الْمُوضِحَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي أنها لم تُوضَحْ مع يَمِينِهِ وَعَلَى
الْمَجْنِيِّ عليه الْبَيِّنَةُ - * الْهَاشِمَةُ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ )
رَحِمَهُ اللَّهُ وقد حَفِظْت عن عَدَدٍ لَقِيتُهُمْ وَذُكِرَ لي عَنْهُمْ
أَنَّهُمْ قالوا في الْهَاشِمَةِ عَشْرٌ من الْإِبِلِ وَبِهَذَا أَقُولُ ( قال )
وَالْهَاشِمَةُ التي تُوضِحُ ثُمَّ تَهْشِمُ الْعَظْمَ وَلَا يَلْزَمُ الْجَانِي
هَاشِمَةً إلَّا بِإِقْرَارِهِ أو بِمَا وَصَفْت من الْبَيِّنَةِ على أَنَّ
الْعَظْمَ انْهَشَمَ فإذا قَامَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ لَزِمَتْهُ هَاشِمَةٌ وَلَوْ
كانت الشَّجَّةُ كَبِيرَةٌ فَهَشَّمَتْ مَوْضِعًا ( 1 ) أو مَوَاضِعَ بَيْنَهُمَا
شَيْءٌ من الْعَظْمِ لم يَنْهَشِمْ كانت هَاشِمَةً وَاحِدَةً لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ
وَاحِدَةٌ وَلَوْ كان بَيْنَهُمَا شَيْءٌ من الرَّأْسِ لم تَشْقُقْهُ
وَالضَّرْبَةُ وَاحِدَةٌ فَهَشَّمَتْ مَوَاضِعَ كان في كل مَوْضِعٍ منها انْفَصَلَ
حتى لَا يَصِلَ بِهِ غَيْرُهُ مَجْرُوحًا بِتِلْكَ الضَّرْبَةِ هَاشِمَةٌ وَهَذَا
هَكَذَا في الْمُنَقِّلَةِ وَالْمَأْمُومَةِ - * الْمُنَقِّلَةُ - * + ( قال
الشَّافِعِيُّ ) لَسْت أَعْلَمُ خِلَافًا في أَنَّ في الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَ
عَشْرَةَ من الْإِبِلِ وَبِهَذَا أَقُولُ وَهَذَا قَوْلُ من حَفِظْت عنه مِمَّنْ
لَقِيَتْ لَا أَعْلَمُ فيها بَيْنَهُمْ اخْتِلَافًا وَالْمُنَقِّلَةُ التي
تَكْسِرُ عَظْمَ الرَّأْسِ حتى يَتَشَظَّى فَتُسْتَخْرَجُ عِظَامُهُ من الرَّأْسِ
لِيَلْتَئِمَ وَإِنَّمَا قِيلَ لها الْمُنَقِّلَةُ لِأَنَّ عِظَامَهَا تُنَقَّلُ
وقد يُقَالُ لها الْمَنْقُولَةُ وإذا نُقِلَ من عِظَامِهَا شَيْءٌ قَلَّ أو كَثُرَ
فَقَدْ تَمَّ عَقْلُهَا خَمْسَ عَشْرَةَ من الْإِبِلِ وَذَلِكَ عُشْرٌ وَنِصْفُ
عُشْرِ دِيَةٍ وَلَا يُجَاوِزُ الْهَاشِمَةَ حتى يُنْقَلَ بَعْضُ عِظَامِهَا كما
وَصَفْت
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ بَقِيَ من الْجِلْدِ شَيْءٌ قَلَّ أو كَثُرَ لم
يَنْخَرِقْ وَإِنْ وَرِمَ فَاخْضَرَّ وَأُوضِحَ من مَوْضِعَيْنِ وَالْجِلْدُ الذي
لم يَنْخَرِقْ حَاجِزٌ بَيْنَهُمَا كان مُوضِحَتَيْنِ وَكَذَلِكَ لو كانت
مَوَاضِحُ بَيْنَهُمَا فُصُولٌ لم تَنْخَرِقْ
(6/77)
- * الْمَأْمُومَةُ - * (1) (
قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ولم أَعْلَمْ رَسُولَ اللَّهِ صلى
اللَّهُ عليه وسلم قَضَى فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ من الشِّجَاجِ بِشَيْءٍ
وَأَكْثَرُ قَوْلِ من لَقِيت أَنَّهُ ليس فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ أَرْشٌ
مَعْلُومٌ وَأَنَّ في جَمِيعِ ما دُونَهَا حُكُومَةٌ قال وَبِهَذَا نَقُولُ - *
الشِّجَاجُ في الْوَجْهِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْمُوضِحَةُ في الْوَجْهِ
وَالرَّأْسِ سَوَاءٌ لَا يُزَادُ إنْ شَانَتْ الْوَجْهَ وَهَكَذَا كُلُّ ما فيه
الْعَقْلُ مُسَمًّى + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْهَاشِمَةُ وَالْمُنَقِّلَةُ في
الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ سَوَاءٌ وفي اللِّحَى الْأَسْفَلِ وَجَمِيعِ الْوَجْهِ
وَكَذَلِكَ هِيَ في اللَّحْيَيْنِ وَحَيْثُ يَصِلُ إلَى الدِّمَاغِ سَوَاءٌ وَلَوْ
كانت في ( 1 ) الاحسة فَخَرَقَتْ إلَى الْفَمِ أو كانت في اللِّحَى فَخَرَقَتْ حتى
تُنْفِذَ الْعَظْمَ وَاللَّحْمَ وَالْجِلْدَ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ
فيه ثُلُثَ النَّفْسِ لِأَنَّهَا قد خَرَقَتْ خَرْقَ الْآمَّةِ وَأَنَّهَا كانت في
مَوْضِعٍ كَالرَّأْسِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ ليس فيها ذلك وَفِيهَا أَكْثَرُ مِمَّا
في الْهَاشِمَةِ لِأَنَّهَا لم تَخْرِقْ إلَى الدِّمَاغِ وَلَا جَوْفٍ فَتَكُونُ
في مَعْنَى الْمَأْمُومَةِ أو الْجَائِفَةِ وإذا شَانَتْ الشِّجَاجُ التي فيها
أَرْشٌ مَعْلُومٌ بِالْوَجْهِ لم يَزِدْ في شَيْنِ الْوَجْهِ شَيْءٌ وإذا كانت
الشِّجَاجُ التي دُونَ الْمُوضِحَةِ كانت فيها حُكُومَةٌ لَا يَبْلُغُ بها بِحَالٍ
قَدْرَ مُوضِحَةٍ وَإِنْ كان الشَّيْنُ أَكْثَرَ من قَدْرِ مُوضِحَةٍ لِأَنَّ النبي
صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا وَقَّتَ في الْمُوضِحَةِ خَمْسًا من الْإِبِلِ لم
يَجُزْ أَنْ تَكُونَ الْخَمْسُ فِيمَا هو أَقَلَّ منها وَكُلُّ جُرْحٍ عَدَا
الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ فَإِنَّمَا فيه حُكُومَةٌ إلَّا الْجَائِفَةُ فَقَطْ - *
الْجَائِفَةُ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَسْت
أَعْلَمُ خِلَافًا في أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال وفي الْجَائِفَةِ
ثُلُثُ الدِّيَةِ وَبِهَذَا نَقُولُ وفي الْجَائِفَةِ الثُّلُثُ وَسَوَاءٌ كانت في
الْبَطْنِ أو في الصَّدْرِ أو في الظَّهْرِ إذَا وَصَلَتْ الطَّعْنَةُ أو
الْجِنَايَةُ ما كانت إلَى الْجَوْفِ من أَيِّ نَاحِيَةٍ كانت من جَنْبٍ أو ظَهْرٍ
أو بَطْنٍ فَفِيهَا ثُلُثُ دِيَةِ النَّفْسِ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ من الْإِبِلِ
وَثُلُثٌ وَلَوْ طُعِنَ في وَرِكِهِ فَجَافَتْهُ كانت فيها جَائِفَةٌ وَلَوْ
طُعِنَ في ثُغْرَةُ نَحْرِهِ فَجَافَتْهُ كانت فيها جَائِفَةٌ وَلَوْ طُعِنَ في
فَخِذِهِ فَمَضَتْ الطَّعْنَةُ حتى جَافَتْهُ كانت فيها جَائِفَةٌ وَحُكُومَةٌ
بِزِيَادَةِ الطَّعْنَةِ في الْفَخِذِ لِأَنَّ هذه جِنَايَةٌ جَمَعَتْ بين
شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كما لو شَجَّهُ مُوضِحَةً في رَأْسِهِ فَمَضَتْ في
رَقَبَتِهِ كانت فيها مُوضِحَةٌ وَحُكُومَةٌ لِاخْتِلَافِ الْحُكْمِ في مَوْضِعِ
الْجُرْحَيْنِ وَلَوْ طَعَنَ رَجُلٌ رَجُلًا في حَلْقِهِ أو في مَرِيئِهِ
فَخَرَقَهُ كانت فيها جَائِفَةٌ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَصِلُ إلَى
الْجَوْفِ وَكَذَلِكَ لو طَعَنَهُ في الشَّرَجِ فَخَرَقَهُ لِأَنَّ ذلك يَصِلُ
إلَى الْجَوْفِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَسْت أَعْلَمُ خِلَافًا في
أَنَّ في الْمَأْمُومَةِ ثُلُثَ الدِّيَةِ وَبِهَذَا نَقُولُ في الْمَأْمُومَةِ
ثُلُثُ النَّفْسِ وَذَلِكَ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ من الْإِبِلِ وَثُلُثٌ
وَالْآمَّةُ التي تَخْرِقُ عَظْمَ الرَّأْسِ حتى تَصِلَ إلَى الدِّمَاغِ وَسَوَاءٌ
قَلِيلٌ ما خَرَقَتْ منه أو كثيره كما وَصَفْت في الْمُوضِحَةِ وَلَا نُثْبِتُ
مَأْمُومَةً إلَّا بِشُهُودٍ يَشْهَدُونَ عليها كما وَصَفْت بِأَنَّهَا قد
خَرَقَتْ الْعَظْمَ فإذا أَثْبَتُوا أنها قد خَرَقَتْ الْعَظْمَ حتى لم يَبْقَ
دُونَ الدِّمَاغِ حَائِلٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ جَلْدَةَ دِمَاغٍ فَهِيَ آمَّةٌ
وَإِنْ لم يُثْبِتُوا أَنَّهُمْ رَأَوْا الدِّمَاغَ - * ما دُونَ الْمُوضِحَةِ من
الشِّجَاجِ - *
(6/78)
- * ما لَا يَكُونُ جَائِفَةً
- * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ أو عُودًا في حَلْقِهِ أو
مَوْضِعًا منه فَلَا يَكُونُ فيه ما في الْجَائِفَةِ وإذا لم يَزَلْ مَرِيضًا
ضَمِنًا مِمَّا صَنَعَ بِهِ فَهُوَ قَاتِلٌ يَضْمَنُ دِيَةَ النَّفْسِ وإذا
طَعَنَهُ جَائِفَةً فَأَنْفَذَهَا حتى خَرَجَتْ من الشِّقِّ الْآخَرِ أو رَدَّ
الرُّمْحَ فيها فَجَافَهُ إلَى جَنْبِهَا وَبَيْنَهُمَا شَيْءٌ لم يَخْرِقْهُ
فَهِيَ جَائِفَتَانِ وَهَكَذَا لو طَعَنَهُ بِرُمْحٍ فيه سِنَّانِ مُفْتَرِقٍ
فَخَرَقَهُ خَرْقَيْنِ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ ولم يَخْرِقْ ما بين الْجَائِفَتَيْنِ +
( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أُصِيبَ بَطْنُ رَجُلٍ فَخِيطَ فلم يَلْتَئِمْ حتى
طَعَنَهُ رَجُلٌ فَفَتَقَ الْخِيَاطَةَ وَجَافَهُ فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ وَإِنْ الْتَأَمَ
فَطَعَنَهُ في الْمَوْضِعِ الذي طُعِنَ فيه فَالْتَأَمَ فَعَلَيْهِ جَائِفَةٌ
وَهَذَا هَكَذَا في كل الْجِرَاحِ فَلَوْ شَجَّ رَجُلٌ رَجُلًا مُوضِحَةً فلم
تَلْتَئِمْ حتى شَجَّهُ رَجُلٌ عليها مُوضِحَةً كانت عليه حُكُومَةٌ وَلَوْ
بَرَأَتْ وَالْتَأَمَتْ فَشَجَّهُ مُوضِحَةً فَعَلَيْهِ أَرْشُ مُوضِحَةٍ تَامٌّ
وَالْقَوَدُ إنْ كانت الشَّجَّةُ عَمْدًا وَالِالْتِئَامُ يَلْتَصِقُ اللَّحْمُ
وَيَعْلُوهُ الْجِلْدُ وَإِنْ ذَهَبَ شَعْرُ الْجِلْدِ أو كان الْجِلْدُ في
الْبَطْنِ أو الرَّأْسِ مُتَغَيِّرُ اللَّوْنِ عَمَّا كان عليه قبل الْجِنَايَةِ
وَعَمَّا عليه سَائِرُ الْجَسَدِ إذَا كان جِلْدًا مُلْتَئِمًا + ( قال
الشَّافِعِيُّ ) وإذا أَصَابَهُ بِجَائِفَةٍ فقال أَهْلُ الْعِلْمِ قد نَكَأَ ما
في بَطْنِهِ من معا ( ( ( معى ) ) ) أو غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ جَائِفَةٌ وَحُكُومَةٌ
+ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَسَوَاءٌ ما نَالَهُ بِهِ فَصَارَ جَائِفَةً من حَدِيدٍ
أو شَيْءٍ مُحَدَّدٍ يُشْبِهُ الْحَدِيدَ فَأَنْفَذَهُ مَكَانَهُ أو قَرْحٍ
وَأَلَمٍ حتى يَصِيرَ جَائِفَةً فَعَلَيْهِ في هذا كُلِّهِ أَرْشُ جَائِفَةٍ
وَلَوْ كان لم يَزِدْهُ على أُكْرَةٍ ( 2 ) أو ما أَشْبَهَهَا إذَا أَثَّرَتْ
ثُمَّ أَلَمٍ من مَوْضِعِ الْأَثَرِ حتى تَصِيرَ جَائِفَةً
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً
عَدَتْ على امْرَأَةٍ عَذْرَاءَ فَافْتَضَّتْهَا فَإِنْ كانت أَمَةً فَعَلَيْهَا
ما نَقَصَهَا ذَهَابُ الْعُذْرَةِ وَإِنْ كانت حُرَّةً فَعَلَيْهَا حُكُومَةٌ بهذا
الْمَعْنَى فَيُقَالُ أَرَأَيْت لو كانت أَمَةً تَسْوَى خَمْسِينَ من الْإِبِلِ
كَمْ يُنْقِصُهَا ذَهَابُ الْعُذْرَةِ في الْقِيمَةِ فَإِنْ قِيلَ الْعُشْرُ كانت
عليها خَمْسٌ من الْإِبِلِ وَإِنْ قِيلَ أَكْثَرُ أو أَقَلُّ كان ذلك عليها
وَكَذَلِكَ لو افْتَضَّهَا رَجُلٌ بِأُصْبُعِهِ أو بِشَيْءٍ غَيْرِ فَرْجِهِ
فَإِنْ افْتَضَّهَا بِفَرْجِهِ فَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا بِالْإِصَابَةِ
وَحُكُومَةٌ على ما وَصَفْت لَا تَدْخُلُ في مَهْرِ مِثْلِهَا لِأَنَّهُ لو
أَصَابَهَا ثَيِّبًا كان عليه مَهْرُ مِثْلِهَا عِوَضًا من الْجِمَاعِ الذي لم
تَكُنْ هِيَ بِهِ زَانِيَةً وَلَا تُبْطِلُ الْمَعْصِيَةُ عنه الْجِنَايَةَ إذَا
كانت مع الْجِمَاعِ وَلَوْ افْتَضَّهَا فَأَفْضَاهَا أو أَفْضَاهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ
كانت عليه دِيَتُهَا لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ وَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا
وَلَوْ افْتَضَّتْهَا امْرَأَةٌ أو رَجُلٌ بعود ( ( ( يعود ) ) ) بِلَا جِمَاعٍ
كانت عَلَيْهِمَا دِيَتُهَا وَلَيْسَ هذا من مَعْنَى الْجَائِفَةِ بِسَبِيلٍ
وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً أَدْخَلَتْ في فَرْجِ امْرَأَةٍ ثَيِّبٍ أو دُبُرِهَا
عُودًا أو عَصَرَتْ بَطْنَهَا فَخَرَجَ منها خَلَاءٌ أو من فَرْجِهَا دَمٌ لم
يَكُنْ شَيْءٌ من هذا في مَعَانِي الْجَائِفَةِ وَتُعَزَّرُ وَلَا شَيْءَ عليها
وَكَذَلِكَ لو صَنَعَ هذا رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ أو رَجُلٍ وَهَكَذَا لو أَدْخَلَ في
حَلْقِهِ أو حَلْقِ امْرَأَةٍ شيئا حتى يَصِلَ إلَى جَوْفِهِ عُزِّرَ ولم يَكُنْ
في هذا ما في الْجَائِفَةِ وَلَوْ كانت بِرَجُلٍ جَائِفَةٌ فَأَدْخَلَ رَجُلٌ فيها
أُصْبُعَهُ أو عَصَا أو جَرِيدًا حتى وَصَلَتْ إلَى الْجَوْفِ فَإِنْ لم يَكُنْ
زَادَ في الْجَائِفَةِ شيئا لم يَكُنْ عليه أَرْشٌ وَإِنْ كان زَادَ فيها ضَمِنَ
ما زَادَ وَإِنْ أَدْخَلَ السِّكِّينَ جَائِفَتَهُ التي لم تَكُنْ من جِنَايَتِهِ
ثُمَّ شَقَّ في بَطْنِهِ شَقًّا إلَى الْجَوْفِ فَعَلَيْهِ دِيَةُ جَائِفَةٍ
وَإِنْ شَقَّ ما لَا يَبْلُغُ إلَى الْجَوْفِ فَفِيهِ حُكُومَةٌ وَإِنْ نَكَأَ في
الْجَوْفِ شيئا فَفِيهِ حُكُومَةٌ وَإِنْ خَرَقَ بِالسِّكِّينِ الْأَمْعَاءَ
ضَمِنَ النَّفْسَ كُلَّهَا إنْ مَاتَ وَلَا أَحْسِبُهُ يَعِيشُ إذَا خَرَقَ
أَمْعَاءَهُ ( 1 ) وَإِنْ كان لَا يَعِيشُ بِخَرْقِ الْأَمْعَاءِ كَالذَّبْحِ
وَإِنْ لم يَخْرِقْهُ وَنَكَأَ فَمَاتَ الْمَجْنِيُّ عليه ضَمِنَ نِصْفَ دِيَةِ
النَّفْسِ وَجَعَلْت الْمَوْتَ من الْجِنَايَةِ الْأُولَى وَجِنَايَتِهِ
الثَّانِيَةِ
(6/79)
- * كَسْرُ الْعِظَامِ - * (1)
( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كَسَرَ الرَّجُلُ أُصْبُعَ الرَّجُلِ فَشُلَّتْ فَقَدْ
تَمَّ عَقْلُهَا وَلَوْ لم تَشْلُلْ وَبَرَأَتْ مُعْوَجَّةً أو نَاقِصَةً أو
مَعِيبَةً فَفِيهَا حُكُومَةٌ لَا يَبْلُغُ بها دِيَةُ الْأُصْبُعِ وَهَذَا
هَكَذَا في الْكَفِّ إنْ بَرَأَتْ مُعْوَجَّةً فَفِيهَا حُكُومَةٌ وَإِنْ شُلَّ
شَيْءٌ من الْأَصَابِعِ فَفِيمَا شَلَّ من الْأَصَابِعِ عَقْلُهُ تَامًّا وفي
الْكَفِّ إنْ عِيبَتْ بِعِوَجٍ أو غَيْرِهِ حُكُومَةٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ )
وَإِنْ كان هذا في الذِّرَاعِ فَبَرَأَتْ مُتَعَوِّجَةً فقال الْجَانِي خَلُّوا بَيْنِي
وَبَيْنَ كَسْرِهَا لِتُجْبَرَ مُسْتَقِيمَةً لم يُكْرَهْ على ذلك الْمَكْسُورَةُ
ذِرَاعُهُ وَجُعِلَتْ على الْجَانِي أو عَاقِلَتِهِ حُكُومَةٌ في جِنَايَتِهِ + (
قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ كَسَرَهَا بعد ما بَرِئَتْ مُتَعَوِّجَةً فَبَرَأَتْ
مُسْتَقِيمَةً كانت له الْحُكُومَةُ بِحَالِهَا الْأُولَى مُتَعَوِّجَةً لِأَنَّ
ذَهَابَ الْعِوَجِ من شَيْءٍ أَحْدَثَهُ بَعْدُ وَهَذَا هَكَذَا في كَسْرِ
الْعِظَامِ كُلِّهَا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كَسَرَ يَدًا فَعُصِبَتْ غير
أَنَّ الْيَدَ تَبْطِشُ نَاقِصَةَ الْبَطْشِ أو تَامَّتَهُ فَفِيهَا حُكُومَةٌ
يُزَادُ فيها بِقَدْرِ الشَّيْنِ وَنَقْصِ الْبَطْشِ إلَّا أَنْ يَمُوتَ من
الْأَصَابِعِ شَيْءٌ أو يُشَلَّ فَيَكُونُ فيه عَقْلُهُ تَامًّا وَكَذَلِكَ
الْعِوَجُ وَكُلُّ عَيْبٍ كان مع هذا وَإِنْ كَسَرَ سَاقَهُ أو فَخِذَهُ فَبَرَأَتْ
عَوْجَاءَ أو نَاقِصَةً يَبِينُ الْعِوَجُ فيها فَفِيهَا حُكُومَةٌ بِقَدْرِ ما
نَقَصَ الْعِوَجُ وَكَذَلِكَ إنْ كَسَرَ الْقَدَمَ أو شُلَّتْ أَصَابِعُ الْقَدَمِ
فَقَدْ تَمَّ عَقْلُهَا وَفِيهَا خَمْسُونَ من الْإِبِلِ وإذا سَلِمَتْ
الْأَصَابِعُ وَعِيبَتْ الْقَدَمُ فَفِيهَا حُكُومَةٌ بِقَدْرِ الْعَيْبِ وَنَقْصِ
الْمَنْفَعَةِ منه وَإِنْ كَسَرَ الْقَدَمَ أو ما فَوْقَهَا إلَى الْفَخِذِ أو
الْوَرِكِ وَبَرَأَتْ يَطَأُ عليها وطءا ( ( ( وطئا ) ) ) ضَعِيفًا فَفِيهَا
حُكُومَةٌ فَيُزَادُ فيها بِقَدْرِ زِيَادَةِ الْأَلَمِ وَالنَّقْصِ وَالْعَيْبِ
وَهَكَذَا إنْ قَصُرَتْ وَأَصَابِعُ الرَّجُلِ سَالِمَةً حتى لَا يَطَأَ بها
الْأَرْضَ إلَّا مُعْتَمِدًا على شِقٍّ مُعَلِّقًا الرِّجْلَ الْأُخْرَى فَفِيهَا
حُكُومَةٌ بِقَدْرِ ما نَالَهُ وَلَوْ أَصَابَهَا من هذا شَيْءٌ لَا يَقْدِرُ معه
على أَنْ يَثْنِيَ رِجْلَهُ وَيَبْسُطَهَا فَكَانَتْ مُنْقَبِضَةً لَا تَنْبَسِطُ
أو مُنْبَسِطَةً لَا تَنْقَبِضُ وَلَا يَقْدِرُ على الْوَطْءِ عليها مُعْتَمِدًا
على عَصًا وَلَا على شَيْءٍ بِحَالٍ تم ( ( ( ثم ) ) ) عَقَلَهَا وكان فيها
خَمْسُونَ من الْإِبِلِ وَسَوَاءٌ كان هذا من وَرِكٍ أو سَاقٍ أو قَدَمٍ أو فَخِذٍ
إذَا لم يَقْدِرْ على الْوَطْءِ بِحَالٍ تَمَّ عَقَلَهَا وَلَوْ جني عليها بَعْدَ
تَمَامِ عَقْلِهَا جَانٍ فَقَطَعَهَا كانت عليه حُكُومَةٌ ولم تَكُنْ عليه دِيَةُ
رِجْلٍ تَامَّةٌ وَلَا قَوَدَ إنْ كانت جِنَايَتُهُ عليها عَمْدًا وَلَوْ جَنَى
جَانٍ على رَجُلٍ أَعْرَجَ وَرِجْلُهُ سَالِمَةُ الْأَصَابِعِ يَطَأُ عليها
فَقَطَعَهَا من الْمَفْصِلِ كان عليه الْقَوَدُ إنْ كانت جِنَايَتُهُ عَمْدًا
فَإِنْ كانت خَطَأً فَفِيهَا نِصْفُ الدِّيَةِ إنْ شَاءَ في الْعَمْدِ في مَالِ
الْجَانِي وَنِصْفُهَا خَطَأٌ في أَمْوَالِ عَاقِلَةِ الْجَانِي وَهَكَذَا
الْأَعْسَرُ يُجْنَى على يَدِهِ سَالِمَةَ الْأَصَابِعِ وَالْبَطْشِ وَلَوْ جَنَى
رَجُلٌ على رَجُلٍ فَضَرَبَ بين وَرِكَيْهِ أو ظَهْرِهِ أو رِجْلَيْهِ فَمَنَعَهُ
الْمَشْيَ وَرِجْلَاهُ تَنْقَبِضَانِ وَتَنْبَسِطَانِ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ
تَامَّةٌ وَمَتَى أَعْطَيْته الدِّيَةَ في شَيْءٍ من هذه الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ
التي بها أَعْطَيْته الدِّيَةَ ثُمَّ عَادَ إلَى حَالِهِ رَدَدْت بها ما أَخَذْت
مِمَّنْ أَخَذْت منه الدِّيَةَ عليه وَلَوْ لم يَمْنَعْهُ الْمَشْيَ وَلَكِنَّهُ
مَنَعَهُ الْمَشْيَ إلَّا مُعْتَمِدًا أَعْرَجَ أو يَجُرُّ رِجْلَيْهِ فَعَلَى
الْجَانِي حُكُومَةٌ لَا دِيَةٌ فإذا قُطِعَتْ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رُوِيَ عن عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ قال في
التَّرْقُوَةِ جَمَلٌ وفي الضِّلْعِ جَمَلٌ وَيُشْبِهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ
يَكُونَ ما حُكِيَ عن عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه فِيمَا وَصَفْت حُكُومَةً لَا
تَوْقِيتَ عَقْلٍ فَفِي كل عَظْمٍ كُسِرَ من إنْسَانٍ غَيْرُ السِّنِّ حُكُومَةٌ
وَلَيْسَ في شَيْءٍ منها أَرْشٌ مَعْلُومٌ وما يُؤْخَذُ في الْحُكُومَاتِ كُلِّهَا
بِسَبَبِ الدِّيَاتِ في الْمُسْلِمِينَ الْأَحْرَارِ وَالْعَبِيدِ وَأَهْلِ
الذِّمَّةِ من الْإِبِلِ لِأَنَّهَا من سَبَبِ الْجِنَايَاتِ وَالدِّيَاتِ وإذا
جُبِرَ الْعَظْمُ مُسْتَقِيمًا لَا عَيْبَ فيه فَفِيهِ حُكُومَةٌ وإذا جُبِرَ
مَعِيبًا فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ بِقَدْرِ شَيْنِهِ وَضَرَرِهِ وَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ
إذَا جُبِرَ صَحِيحًا لَا عثم ( ( ( عتم ) ) ) فيه - * الْعِوَجُ وَالْعَرَجُ في
كَسْرِ الْعِظَامِ - *
(6/80)
رِجْلُ هذا فَفِيهَا الْقَوَدُ
وَالدِّيَةُ تَامَّةٌ لِسَلَامَةِ الْأَصَابِعِ وَالرِّجْلِ وَإِنْ كان فيها
مُعْتَمِدًا أو كان ضَعِيفًا كما تَكُونُ الدِّيَةُ تَامَّةٌ في الْعَيْنِ
يُبْصِرُ بها وَإِنْ كان فيها ضَعْفٌ - * كَسْرُ الصُّلْبِ وَالْعُنُقِ - * (1) (
قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ ذَهَبَ كَلَامُهُ كانت عليه الدِّيَةُ تَامَّةٌ
وَحُكُومَةٌ فِيمَا صَارَ إلَى عُنُقِهِ من الْجِنَايَةِ + ( قال الشَّافِعِيُّ )
وَلَوْ صَارَ لَا يَسِيغُ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا كان هذا لَا يَعِيشُ فِيمَا
أَرَى فَيُتَرَبَّصُ بِهِ فَإِنْ مَاتَ فَفِيهِ الدلة ( ( ( الدية ) ) ) وَإِنْ عَاشَ
وَأَسَاغَ الْمَاءَ وَالطَّعَامَ فَفِيهِ حُكُومَةٌ - * كَسْرُ الصُّلْبِ - * + (
قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كَسَرَ الرَّجُلُ صُلْبَ
الرَّجُلِ فَمَنَعَهُ أَنْ يَمْشِيَ بِحَالٍ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ فَإِنْ مَشَى
مُعْتَمِدًا فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ وَإِنْ لم تَنْقُصْ مِشْيَتُهُ وَبَرَأَ
مُسْتَقِيمًا فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ وَإِنْ بَرَأَ مُعْوَجًّا فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ
وَيُزَادُ عليه في الْحُكُومَةِ بِقَدْرِ الْعِوَجِ وَإِنْ ادَّعَى أَنْ قد
أَذْهَبَ الْكَسْرُ جماعة فَإِنْ كانت لِذَلِكَ عَلَامَةٌ تُعْرَفُ بِوَصْفِهَا
فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ وَعَلَى الْجَانِي الدِّيَةُ تَامَّةٌ لَا
حُكُومَةَ مَعَهَا لِأَنَّ ذَهَابَ الْجِمَاعِ إنَّمَا كان في الْعَيْبِ
بِالصُّلْبِ وَالْجِمَاعُ ليس بِشَيْءٍ قَائِمٍ كَالْكَلَامِ بِاللِّسَانِ مع
الرَّقَبَةِ وَلَكِنْ لو أَشَلَّ ذَكَرُهُ بِالْكَسْرِ أو قَطَعَهُ بِهِ كانت عليه
دِيَةٌ وَحُكُومَةٌ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ جِنَايَةٌ على صُلْبٍ فَوَلَدَتْ على
شَيْءٍ قَائِمٍ غَيْرِ الصُّلْبِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ لم يَكُنْ
لِذَلِكَ عَلَامَةٌ تَدُلُّ عليه وقال أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ أن مَعْلُومًا أَنَّ
الْجِمَاعَ قد يَذْهَبُ من كَسْرِ الصُّلْبِ وكان إنْ تَرَبَّصَ وَقْتًا من
الْأَوْقَاتِ فلم تَنْتَشِرْ آلَتُهُ قال أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ لَا تَنْتَشِرُ
تُرِكَ إلَى ذلك الْوَقْتِ فَإِنْ قال لم تَنْتَشِرْ حَلَفَ وَأَخَذَ الدِّيَةَ
وَإِنْ لم يَكُنْ له وَقْتٌ وَقِيلَ هذا قد يَذْهَبُ وَيَأْتِي حَلَفَ ما
انْتَشَرَ وَأَخَذَ الدِّيَةَ في ذَهَابِ الْجِمَاعِ وَإِنَّمَا يَكُونُ له
الدِّيَةُ في ذَهَابِ الْجِمَاعِ إذَا كان يَعْلَمُ أَنَّ ذَهَابَ الْجِمَاعِ
يَكُونُ من كَسْرِ الصُّلْبِ فإذا لم يَكُنْ مَعْلُومًا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ
فَلَهُ حُكُومَةٌ لَازِمَةٌ وَلَوْ كُسِرَ الصُّلْبُ قبل الذَّكَرِ حتى يَصِيرَ
لَا يُجَامِعُ بِحَالٍ فَعَلَيْهِ دِيَةٌ في الذَّكَرِ وَحُكُومَةٌ في الصُّلْبِ
إنْ لم يَمْنَعْهُ الْمَشْيَ بِحَالٍ - * النَّوَافِذُ في الْعِظَامِ - * + ( قال
الشَّافِعِيُّ ) وإذا ضَرَبَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَأَنْفَذَ لَحْمَهُ وَعَظْمَهُ
حتى بَلَغَتْ ضَرْبَتُهُ الْمُخَّ أو خَرَقَتْ الْعَظْمَ حتى خَرَجَتْ من الشِّقِّ
الْآخَرِ فَفِيهَا حُكُومَةٌ لَا ثُلُثُ عَقْلِ الْعُضْوِ وَلَا ثُلُثَاهُ كانت
الْحُكُومَةُ أَقَلَّ من ذلك أو أَكْثَرَ وَكَذَلِكَ لو كَسَرَ الْعَظْمَ حتى
يَسِيلَ مُخُّهُ أو أَشْظَاهُ حتى يَخْرُجَ مُخُّهُ وَيَنْكَسِرَ فَيَنْبُتَ
مَكَانَهُ عَظْمٌ غَيْرُهُ كانت فيه حُكُومَةٌ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ جَنَى رَجُلٌ على
رَجُلٍ فَالْتَوَتْ عُنُقُهُ من جِنَايَتِهِ حتى يُقْلَبَ وجه ( ( ( وجهه ) ) )
فَيَصِيرَ كَالْمُلْتَفِتِ أو أَصَابَ ذلك رَقَبَتَهُ وَإِنْ لم يَعْوَجَّ
وَجْهُهُ أو يَبِسَتْ رَقَبَتُهُ فَصَارَ لَا يَلْتَفِتُ أو يَلْفِتُ الْتِفَاتًا
ضَعِيفًا وهو يُسِيغُ الْمَاءَ وَالطَّعَامَ وَالرِّيقَ وَيَتَكَلَّمُ فَفِيهَا
حُكُومَةٌ يُزَادُ فيها بِقَدْرِ الْأَلَمِ وَالشَّيْنِ وَمَبْلَغِ نَقْصِ
الْمَنْفَعَةِ فَإِنْ نَقَصَ ذلك كَلَامَهُ وَشَقَّ عليه معه إسَاغَةُ الْمَاءِ
زِيدَ في الْحُكُومَةِ فَإِنْ مَنَعَهُ ذلك إسَاغَةَ الطَّعَامِ إلَّا أَنْ
يُوجِرَهُ أو الْمَضْغَ إلَّا نُغَبًا نُغَبًا زِيدَ في الْحُكُومَةِ وَلَا
يَبْلُغُ بها بِحَالٍ دِيَةً تَامَّةً وَلَوْ نَقَصَ ذلك من كَلَامِهِ حتى صَارَ
لَا يُفْصِحُ بِبَعْضِ الْكَلَامِ كانت فيه من الدِّيَةِ بِحِسَابِ ما نَقَصَ من
كَلَامِهِ وَحُكُومَةٌ لِمَا أَصَابَهُ سِوَاهُ لِأَنَّ ما أَصَابَهُ غَيْرُ
الْكَلَامِ
(6/81)
- * ذَهَابُ الْعَقْلِ من
الْجِنَايَةِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ أَنَّ
رَجُلًا سَلَخَ شيئا من جِلْدِ بَدَنِ رَجُلٍ فلم يَبْلُغْ أَنْ يَكُونَ جَائِفَةً
وَعَادَ الْجِلْدُ فَالْتَأَمَ أو سَقَطَ الْجِلْدُ فَنَبَتَ جِلْدٌ غَيْرُهُ
فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ فَإِنْ كان عَمْدًا فَاسْتُطِيعَ الِاقْتِصَاصُ منه
اُقْتُصَّ منه وَإِلَّا فَدِيَتُهُ في مَالِهِ وإذا بَرَأَ الْجِلْدُ مَعِيبًا
زِيدَ في الْحُكُومَةِ بِقَدْرِ عَيْبِ الْجِلْدِ مع ما نَالَهُ من الْأَلَمِ
وَلَوْ كان هذا في رَأْسِهِ أو الْجَسَدِ أو فِيهِمَا مَعًا أو في بَعْضِهِمَا
فَنَبَتَ الشَّعْرُ كانت فيه حُكُومَةٌ إنْ كان خَطَأً لَا يُبْلَغُ بها دِيَةٌ
وَإِنْ لم يَنْبُتْ الشَّعْرُ غير أَنَّهُ إذَا لم يَنْبُتْ الشَّعْرُ زِيدَ في
الْحُكُومَةِ بِقَدْرِ الشَّيْنِ مع الْأَلَمِ وَلَوْ أَفْرَغَ رَجُلٌ على رَأْسِ
رَجُلٍ أو لِحْيَتِهِ حَمِيمًا أو نَتْفَهُمَا ولم تَنْبُتَا كانت عليه حُكُومَةٌ
يُزَادُ فيها بِقَدْرِ الشَّيْنِ وَلَوْ نَبَتَا أَرَقَّ مِمَّا كَانَا أو أَقَلَّ
أو نَبَتَا وَافِرَيْنِ كانت عليه حُكُومَةٌ يُنْقَصُ منها إذَا كانت أَقَلَّ شينا
( ( ( شيئا ) ) ) وَيُزَادُ فيها إذَا كانت أَكْثَرَ شينا ( ( ( شيئا ) ) ) وَلَوْ
حَلَقَهُ حَلَّاقٌ فَنَبَتَ شَعْرُهُ كما كان أو أَجْوَدَ لم يَكُنْ عليه شَيْءٌ
وَالْحِلَاقُ ليس بِجِنَايَةٍ لِأَنَّ فيه نُسُكًا في الرَّأْسِ وَلَيْسَ فيه
كَثِيرُ أَلَمٍ وهو وَإِنْ كان في اللِّحْيَةِ لَا يَجُوزُ فَلَيْسَ فيه
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنْ كَسَرَ رَجُلٌ عَظْمًا من
عِظَامِ رَجُلٍ أو جَنَى جِنَايَةً عليه ما كانت الْجِنَايَةُ فَأَذْهَبَ عَقْلَهُ
كانت عليه الدِّيَةُ ولم يَكُنْ عليه بِالْجِنَايَةِ التي كانت سَبَبُ ذَهَابِ
الْعَقْلِ أَرْشٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرْشُهَا أَكْثَرَ من الدِّيَةِ فَيَكُونُ
فيها الْأَكْثَرُ من الدِّيَةِ وَأَرْشُهَا وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقْطَعَ
يَدَيْهِ وَيَشُجَّهُ مَأْمُومَةً أو يَنَالَ بِجَائِفَةٍ فَيَكُونُ عليه دِيَةٌ
وَثُلُثٌ وَلَوْ جَنَى عليه جِنَايَةً فَنَقَصَتْ عَقْلَهُ ولم تُذْهِبْهُ أو
أَضْعَفَتْ لِسَانَهُ أو أَوْرَثَتْهُ فَزَعًا كان فيها حُكُومَةٌ يُزَادُ فيها
بِقَدْرِ ما نَالَهُ وَلَوْ جَنَى عليه جِنَايَةً في غَيْرِ يَدِهِ فَأَشَلَّتْ
يَدَهُ كان فيها نِصْفُ الدِّيَةِ وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ كَأَنَّهَا كانت
مَأْمُومَةً فَيُجْعَلُ فيها الثُّلُثُ وفي إشْلَالِ الْيَدِ النِّصْفُ وَإِنْ
شُلَّتْ رِجْلُهُ مع يَدِهِ كانت في الْيَدِ وَالرِّجْلِ الدِّيَةُ وفي
الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ النَّفْسِ لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ لها حُكْمٌ مَعْلُومٌ
أَهْلَكَتْ عُضْوَيْنِ لَهُمَا حُكْمٌ مَعْلُومٌ وَلَوْ أَصَابَهُ بِمَأْمُومَةٍ
فَأَوْرَثَتْهُ جُبْنًا أو فَزَعًا أو غَشْيًا إذَا فَزِعَ من رَعْدٍ أو غَيْرِهِ
كانت فيها مع الْمَأْمُومَةِ حُكُومَةٌ لَا دِيَةٌ وإذا جَنَى عليه فَذَهَبَ
عَقْلُهُ فَفِي ذَهَابِ عَقْلِهِ الدِّيَةُ وَإِنْ كان مع ذَهَابِ عَقْلِهِ جَنَى
عليه جِنَايَةً لها أَرْشٌ مَعْلُومٌ فَعَلَيْهِ أَرْشُ تِلْكَ الْجِنَايَةِ مع
الدِّيَةِ في ذَهَابِ الْعَقْلِ وَلَوْ صَاحَ عليه أو ذَعَرَهُ بِشَيْءٍ فَذَهَبَ
عَقْلُهُ لم يَبِنْ لي أَنَّ عليه شيئا إذَا كان الْمَصِيحُ عليه بَالِغًا
يَعْقِلُ شيئا وَكَذَلِكَ لو صَاحَ عليه وهو رَاكِبٌ دَابَّةً أو جِدَارًا
فَسَقَطَ فَمَاتَ أو أَصَابَهُ شَيْءٌ لم يَبِنْ لي أَنَّ على الصَّائِحِ شيئا
وَلَكِنْ لو صَاحَ على صَبِيٍّ أو مَعْتُوهٍ لَا يَعْقِلُ أو فَزَّعَهُ فَسَقَطَ
من صَيْحَتِهِ ضَمِنَ ما أَصَابَهُ وَكَذَلِكَ لو ذَهَبَ عَقْلُ الصَّبِيِّ ضَمِنَ
دِيَتَهُ وَالصِّيَاحُ في الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ إذَا كانت منه جِنَايَةً
يَضْمَنُهَا الصَّائِحُ لِأَنَّهُمَا لَا يُفَرِّقَانِ بين الصِّيَاحِ وَغَيْرِهِ
وَلَوْ عَدَا رَجُلٌ على بَالِغٍ يَعْقِلُ بِسَيْفٍ فلم يَضْرِبْهُ بِهِ
وَذَعَرَهُ ذُعْرًا أَذْهَبَ عَقْلَهُ لم يَبِنْ لي أَنَّ عليه دِيَةٌ من قِبَلِ
أَنَّ هذا لم تَقَعْ بِهِ جِنَايَةٌ وَأَنَّ الْأَغْلَبَ من الْبَالِغِينَ أَنَّ
مِثْلَ هذا لَا يُذْهِبُ الْعَقْلَ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا عَدَا على رَجُلٍ
بِسَيْفٍ ولم يَنَلْهُ بِهِ وَجَعَلَ يَطْلُبُهُ وَالْمَطْلُوبُ يَهْرُبُ منه
فَوَقَعَ من ظَهْرِ بَيْتٍ يَرَاهُ فَمَاتَ لم يَبِنْ لي أَنْ يَضْمَنَ هذا
دِيَتَهُ لِأَنَّهُ أَلْقَى نَفْسَهُ وَكَذَلِكَ لو أَلْقَى نَفْسَهُ في مَاءٍ
فَغَرِقَ أو نَارٍ فَاحْتَرَقَ أو بِئْرٍ فَمَاتَ وَإِنْ كان أَعْمَى او بَصِيرًا
فَوَقَعَ فِيمَا يَخْفَى عليه مِثْلُ حُفْرَةٍ خَفِيَّةٍ أو شَيْءٍ خَفِيٍّ أو من
ظَهْرِ بَيْتٍ فَانْخَسَفَ بِهِ فَمَاتَ ضَمِنْت عَاقِلَةُ الطَّالِبِ دِيَتَهُ
لِأَنَّهُ اضْطَرَّهُ إلَى هذا ولم يُحْدِثْ الْمَيِّتُ على نَفْسِهِ ما تَسْقُطُ
بِهِ الْجِنَايَةُ عن الْجَانِي عليه وَكَذَلِكَ لو عَرَضَ له بِدُبٍّ يَطْلُبُهُ
إيَّاهُ أو أَسَدٍ فَأَكَلَهُ أو فَحْلٍ فَقَتَلَهُ أو لِصٍّ فَقَتَلَهُ لم
يَضْمَنْ الطَّالِبُ شيئا لِأَنَّ الْجَانِي عليه غَيْرُهُ - * سَلْخُ الْجِلْدِ -
*
(6/82)
كَثِيرُ أَلَمٍ وَلَا ذَهَابُ
شَعْرٍ لِأَنَّهُ يُسْتَخْلَفُ وَلَوْ اسْتَخْلَفَ الشَّعْرُ نَاقِصًا أو لم
يَسْتَخْلِفْ كانت فيه حُكُومَةٌ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا حَلَقَ غير شَعْرِ
الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ فلم يَنْبُتْ أَيَّ مَوْضِعٍ كان الشَّعْرُ أو من امْرَأَةٍ
كانت فيه حُكُومَةٌ بِقَدْرِ قِلَّةِ شَيْنِهِ وَسَوَاءٌ ما ظَهَرَ من النَّبَاتِ
من شَعْرِ الْجَسَدِ أو بَطْنٍ إلَّا أَنَّهُ آثِمٌ إنْ كان أَفْضَى إلَى أَنْ
تُرَى عَوْرَتُهُ وَكَذَلِكَ هو من امْرَأَةٍ إلَّا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ
لِلرَّجُلِ أَنْ يَمَسَّ ذلك من امْرَأَةٍ وَلَا يَرَاهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ
زَوْجَتَهُ وَكَذَلِكَ ما حَلَقَ من رِقَابِهِمَا من دُونِ مَنَابِتِ شَعْرِ
الرَّأْسِ وَشَعْرِ اللِّحْيَةِ من الرَّجُلِ وَإِنْ كانت لِحْيَةُ رَجُلٍ
مُنْتَشِرَةٌ في حَلْقِهِ فَحَلَقَهَا رَجُلٌ فلم تَنْبُتْ كانت عليه فيها
حُكُومَةٌ وما قُلْت من هذا فيه حُكُومَةٌ فَلَيْسَتْ فيه حُكُومَةٌ أَكْثَرَ من
الْحُكُومَةِ في خِلَافِهِ وَإِنَّمَا قُلْت أن في شَعْرِ الْبَدَنِ إذَا لم
يَنْبُتْ حُكُومَةٌ دُونَ الْحُكُومَاتِ في الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ إذَا ذَهَبَ
الشَّعْرُ لِأَنَّ أَثَرَ شَيْنِهِ على الرَّجُلِ دُونَ شَيْنِ شَعْرِ الرَّأْسِ
وَاللِّحْيَةِ وَجُعِلَتْ في ذَهَابِهِ بِلَا أَثَرٍ في الْبَدَنِ لِأَنَّ نَبَاتَ
الشَّعْرِ أَصَحُّ وَأَتَمُّ له وإذا ضَرَبَ رَجُلٌ رَجُلًا ضَرْبًا لم يُذْهِبْ
له شَعْرًا أو لم يُغَيِّرْ له بَشَرًا غير أَنَّهُ آلَمَهُ فَلَا حُكُومَةَ عليه
فيه وَيُعَزَّرُ الضَّارِبُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا
قَطَعَ الرَّجُلُ ظُفُرَ رَجُلٍ عَمْدًا فَإِنْ كان يُسْتَطَاعُ فيه الْقِصَاصُ
اُقْتُصَّ منه وَإِنْ لم يَسْتَطِعْ منه الْقِصَاصَ فَفِيهِ حُكُومَةٌ فَإِنْ
نَبَتَ صَحِيحًا غير مَشِينٍ فَفِيهِ حُكُومَةٌ وَإِنْ نَبَتَ مَشِينًا فَفِيهِ
حُكُومَةٌ أَكْثَرُ من الْحُكُومَةِ فيه إذَا نَبَتَ غَيْرُ نَاقِصٍ وَلَا مَشِينٍ
وَإِنْ لم يَنْبُتْ فَفِيهِ حُكُومَةٌ أَكْثَرُ من الْحُكُومَةِ قَبْلَهُ وَلَا
يَبْلُغُ بِالْحُكُومَةِ دِيَةُ أُنْمُلَةٍ وَلَا دِيَةٌ قَدْرُ ما تَحْتَ
الظُّفُرِ من الْأُنْمُلَةِ لِأَنَّ الظُّفُرَ لَا يَسْتَوْظِفُ الْأُنْمُلَةَ
فَلَا يَبْلُغُ بِحُكُومَتِهِ أَرْشَهُ لو قَطَعَ ما تَحْتَهُ ما تَحْتَهُ من
الْأُنْمُلَةِ - * غَمُّ الرَّجُلِ وَخَنْقُهُ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ )
رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ خَنَقَ رَجُلٌ رَجُلًا أو غَمَّهُ ثُمَّ أَرْسَلَهُ وَلَا
أَثَرَ بِهِ منه لم يَكُنْ عليه فيه غُرْمٌ وَعُزِّرَ وَلَوْ حَبَسَهُ فَقَطَعَ
بِهِ في ضِيقَتِهِ ولم يَنَلْهُ في يَدَيْهِ بِشَيْءٍ ولم يَمْنَعْهُ طَعَامًا
وَلَا شَرَابًا فَقَدْ أَثِمَ وَيُعَزَّرُ وَلَا غُرْمَ عليه وَكُلُّ ما نَالَهُ من
خَدْشٍ أو أَثَرٍ في يَدَيْهِ يَبْقَى فَفِيهِ حُكُومَةٌ وَإِنْ كان أَثَرًا
يَذْهَبُ مِثْلُ الْخَضِرَةِ من اللَّطْمَةِ فَلَا حُكُومَةَ - * الْحُكُومَةُ - *
+ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ الْجِنَايَاتُ التي فيها الْحُكُومَةُ
كُلُّ جِنَايَةٍ كان لها أَثَرٌ بَاقٍ جُرْحٌ أو خَدْشٌ أو كَسْرُ عَظْمٍ أو
وَرَمٌ بَاقٍ أو لَوْنٌ بَاقٍ فَأَمَّا كُلُّ ضَرْبٍ وَرِمَ أو لم يُورَمْ فلم
يَبْقَ له أَثَرٌ فَلَا حُكُومَةَ فيه وَكُلُّ ما قُلْت فيه حُكُومَةٌ
فَالْحُكُومَةُ فيه من وُجُوهٍ منها أَنْ يَجْرَحَهُ في رَأْسِهِ أو في وَجْهِهِ
جُرْحًا دُونَ الْمُوضِحَةِ فَيَبْرَأُ كَلْمُ الْمَجْرُوحِ فَأُقَدِّرُهُ من
الْمُوضِحَةِ ثُمَّ أَنْظُرُ كَمْ قَدْرُ الْجُرْحِ الذي فيه الْحُكُومَةُ من
الْمُوضِحَةِ فَإِنْ قال أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ جُرْحُهُ قَدْرُ نِصْفِ مُوضِحَةٍ
جُعِلَ فيه ما في نِصْفِ مُوضِحَةٍ فَإِنْ قالوا أَكْثَرُ أو أَقَلُّ جُعِلَ فيه
بِقَدْرِ ما قالوا إنَّهُ مَوْقِعُهُ من الْمُوضِحَةِ في الْأَلَمِ وَبُطْءِ
الْبُرْءِ وما أَشْبَهَهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ قالوا لَا نَدْرِي
لِمَغِيبِ الْعَظْمِ وَأَنَّهُ قد يَكُونُ دُونَهُ لَحْمٌ كَثِيرٌ وَقَلِيلٌ كَمْ
قَدْرُهَا من الْمُوضِحَةِ قِيلَ احْتَاطُوا فَإِنْ قُلْتُمْ لَا شَكَّ في أنها
نِصْفُ مُوضِحَةٍ وقد نَشُكُّ في أَنْ تَكُونَ ثُلُثَيْنِ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ ذلك
قِيلَ فَهِيَ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ غَيَّرَ جِلْدَهُ أو أَثَّرَ بِهِ فَعَلَيْهِ
حُكُومَةٌ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ قَائِمَةٌ وَلَوْ خُلِقَتْ لِامْرَأَةٍ لِحْيَةٌ
وَشَارِبَانِ أو أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَحَلَقَهُمَا رَجُلٌ أُدِّبَ
وَكَانَتْ عليه حُكُومَةٌ أَقَلَّ منها في لِحْيَةِ الرَّجُلِ لِأَنَّ اللِّحْيَةَ
من تَمَامِ خِلْقَةِ الرَّجُلِ وَهِيَ في الْمَرْأَةِ عَيْبٌ إلَّا أَنِّي جَعَلْت
فيها حُكُومَةً لِلتَّعَدِّي وَالْأَلَمِ ( قال أبو يَعْقُوبَ ) هذا إذَا لم
يَنْبُتُ أو نَبَتَ نَاقِصًا فَأَمَّا إذَا نَبَتَ ولم يَكُنْ قُطِعَ من جُلُودِهِمَا
شَيْءٌ فَلَيْسَ عليه إلَّا التَّعْزِيرُ ( قال الرَّبِيعُ ) وأنا اقول بِهِ - *
قَطْعُ الْأَظْفَارِ - *
(6/83)
النِّصْفُ الذي لَا تَشُكُّونَ
فيه وَلَا يُعْطَى منه بِالشَّكِّ شَيْءٌ (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا شأن الْوَجْهَ أو الرَّأْسَ جُرْحٌ نُظِرَ في
الْجُرْحِ كما وَصَفْت وَنُظِرَ في الشَّيْنِ مع الْجُرْحِ فَإِنْ كان الشَّيْنُ
أَكْثَرَ أَرْشًا من الْجُرْحِ أُخِذَ بِالشَّيْنِ وَإِنْ كان الْجُرْحُ أَكْثَرَ
أَرْشًا من الشَّيْنِ أُخِذَ بِالْجُرْحِ ولم يُزَدْ لِلشَّيْنِ شَيْءٌ وَإِنْ
قِيلَ الشَّيْنُ أَرْشُ مُوضِحَةٍ أو أَكْثَرُ منه نَقَصَ من مُوضِحَةٍ شيئا ما
كان الشَّيْنُ وَإِنَّمَا مَنَعَنِي أَنْ أَبْلُغَ بِهِ مُوضِحَةً أَنَّ
الْمُوضِحَةَ لو كانت فَشَانَتْ لم يَزِدْ على أَرْشِ مُوضِحَةٍ فإذا كان
الشَّيْنُ مع ما هو أَقَلُّ من مُوضِحَةٍ لم يَجُزْ أَنْ يَبْلُغَ الشَّيْنُ مع
الْجُرْحِ دُونَ مُوضِحَةٍ أَرْشَ مُوضِحَةٍ وَإِنْ كان الضَّرْبُ لم يَجْرَحْ
وَبَقِيَ منه شَيْنٌ فَهَكَذَا أَوَّلًا يُؤْخَذُ لِلشَّيْنِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ
يَكُونَ شَيْنٌ لَا يَذْهَبُ بِحَالٍ أو يَنَالُ اللَّحْمَ بِمَا يُحَشِّفُهُ أو
يُفَجِّرُ منه شيئا أو يَجْرَحُهُ فَإِنْ جَرَحَهُ في الرَّأْسِ أو الْوَجْهِ
جُرْحًا دُونَ الْمُوضِحَةِ قِيلَ لِأَهْلِ الْبَصَرِ بِذَلِكَ قَدِّرُوا لِذَلِكَ
بِقَدْرِهِ من الْمُوضِحَةِ وَاحْتَاطُوا فَإِنْ قُلْتُمْ لَا نَشُكُّ في أنها نِصْفُ
مُوضِحَةٍ وقد نَشُكُّ في أَنْ تَكُونَ ثُلُثَيْنِ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ ذلك قِيلَ
فَهِيَ النِّصْفُ الذي لَا تَشُكُّونَ فيه وَلَا يُعْطَى منه بِالشَّكِّ شَيْءٌ
وإذا كان هَكَذَا أُخِذَ له أَرْشٌ وَإِنْ سَوَّدَ اللَّوْنَ أو خَضَّرَهُ
سَوَادًا يَبْقَى أو خُضْرَةً كَذَلِكَ فَشَانَ الْوَجْهَ سُئِلَ أَهْلُ الْعِلْمِ
فَإِنْ قالوا صَارَ إلَى هذا بِمَوْتٍ من اللَّحْمِ أُخِذَ لِلشَّيْنِ فيه أَرْشٌ
وَإِنْ قالوا هذا مُشْكِلٌ وَإِنْ بَلَغَ مُدَّةَ كَذَا ولم يذهب لم يَذْهَبْ
أَبَدًا تُرِكَ إلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ فَإِنْ لم يَذْهَبْ أُخِذَ له أَرْشٌ
وَمَتَى أُخِذَ له شَيْءٌ مِمَّا وَصَفْت غَيْرُ أَثَرِ الْجُرْحِ الذي يُعْلَمُ
أَنَّهُ لَا يَذْهَبُ أَرْشًا ثُمَّ ذَهَبَ رَدَّ الْأَرْشَ الذي أُخِذَ له وما
قُلْت من الْجِرَاحِ التي لَا قَدْرَ فيها وَكَسْرِ الْعِظَامِ وَالشَّيْنِ
سَوَاءٌ في الْحُرِّ وَالْحُرَّةِ وَالْمَمْلُوكِ وَالْمَمْلُوكَةِ وَالذِّمِّيِّ
وَالذِّمِّيَّةِ يَقُومُ في دِيَةِ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا كما يَقُومُ في ثَمَنِ
الْمَمْلُوكِ وَيُحَدُّ في دِيَةِ كل وَاحِدٍ من الْأَحْرَارِ بِقَدْرِهَا
فَيُحَدُّ في دِيَةِ الْمَجُوسِيِّ بِقَدْرِ الْمُوضِحَةِ وفي دِيَةِ الْمَرْأَةِ
بِقَدْرِ مُوضِحَتِهَا وَكَذَلِكَ النَّصْرَانِيُّ وَالْيَهُودِيُّ وَكَذَلِكَ
الْحُرُّ فَيَكُونُ في مُوضِحَتِهِ وما دُونَ مُوضِحَتِهِ بِقَدْرِ دِيَتِهِ كان
دِيَتُهُ ثَمَنًا له كما تَكُونُ قِيمَةُ الْمَمْلُوكِ ثَمَنًا له وإذا كان
الْجُرْحُ في غَيْرِ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ في عُضْوٍ فيه أَرْشٌ مَعْلُومٌ
فَلَيْسَ في جُرْحِهِ إذَا الْتَأَمَ إلَّا قَدْرُ الشَّيْنِ الْبَاقِي بَعْدَ
الْتِئَامِهِ من قِبَلِ أَنَّهُ ليس في جِرَاحِ الْجَسَدِ قَدْرٌ مَعْلُومٌ إلَّا
الْجَائِفَةَ لِخَوْفِ تَلَفِهَا وإذا بَلَغَ شَيْنُ الْجُرْحِ الذي في الْعُضْوِ
الذي فيه قَدْرٌ مَعْلُومٌ أَكْثَرُ من ذلك الْعُضْوِ نَقَصَتْ الْحُكُومَةُ على
قَدْرِهِ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يُجْرَحَ في أُنْمُلَةٍ من أَطْرَافِ أَصَابِعِ
يَدَيْهِ أو رِجْلَيْهِ أو يَنْزِعُ له ظُفُرًا فَيَكُونُ أَرْشُ الشَّيْنِ فيها
أَكْثَرَ من دِيَةِ الْأُنْمُلَةِ فَلَا يَبْلُغُ بِهِ دِيَةَ أُنْمُلَةٍ
لِأَنَّهُ لو قُطِعَتْ أُنْمُلَتُهُ وَشَانَتْهُ لم يَزِدْ على قَدْرِهَا فَلَا
يَبْلُغُ بِمَا هو دُونَهَا من شَيْنِهَا قَدْرَهَا وَلَوْ كان الْجُرْحُ في
وَسَطِ الْأَنَامِلِ أو أَسَافِلِهَا وكان قَدْرُ شَيْنِهِ أَكْثَرَ من أَرْشِ
أُنْمُلَةٍ لم يَبْلُغْ بِهِ أَرْشَ أُنْمُلَةٍ كما وَصَفْت وَإِنْ كان الْجُرْحُ
في الْكَفِّ أو الْقَدَمِ فَشَانَ بِأَكْثَرَ من أَرْشِ الْكَفِّ أو الْقَدَمِ لم
يَبْلُغْ بِهِ أَرْشَ كَفٍّ وَلَا قَدَمٍ لِأَنَّهُمَا لو قُطِعَتَا فَشَانَتَا لم
يَزِدْ على أَرْشِهِمَا بِالشَّيْنِ شيئا فَلَا يَبْلُغُ بِمَا دُونَ قَطْعِهِمَا
من الْجِنَايَةِ عَلَيْهِمَا أَرْشَ قَطْعِهِمَا وَلَا شَلَلِهِمَا وَهَكَذَا إنْ
كان في الذِّرَاعِ أو الْعَضُدِ أو السَّاقِ أو الْقَدَمِ لم يَبْلُغْ بِشَيْنِهِ
قَدْرَ دِيَةِ يَدٍ تَامَّةٍ وَلَا رِجْلٍ تَامَّةٍ وَلَوْ كان الْجُرْحُ
وَالشَّيْنُ أو أَحَدُهُمَا في جَمِيعِ الْبَدَنِ كُلِّهِ كان فيه ما شأن
الْمَجْرُوحَ لَا يَبْلُغُ بِهِ دِيَةَ الْمَجْرُوحِ لِلشَّيْنِ إنْ كان حُرًّا
ولا قِيمَتَهُ إنْ كان عَبْدًا لِأَنَّ في قَطْعِ الْيَدَيْنِ الدِّيَةَ فَإِنْ
قال قَائِلٌ فَكَيْفَ حَدَّدْت في الشَّيْنِ الذي تُوَارِيهِ الثِّيَابُ فَقُلْت
يَبْلُغُ بِهِ ما دُونَ الدِّيَةِ فَجَعَلْته في الْوَجْهِ الذي يَبْدُو الشَّيْنُ
فيه أَقْبَحَ مَحْدُودًا بِمُوضِحَةٍ وَهِيَ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ قُلْت لِمَا
وَصَفْت من أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبْلُغَ شَيْنٌ لَا جُرْحَ فيه أَرْشَ
جُرْحٍ في مَوْضِعٍ من الْمَوَاضِعِ لَا يَبْلُغُ بِمُوضِحَةٍ ما أَبْلُغُ فيه
شَيْنَ مُوضِحَةٍ وَهِيَ أَكْثَرُ مِمَّا دُونَهَا فَحَدَّدْت لو كان في
مَوْضِعِهَا أَقَلَّ منها بِأَنْ لَا أَبْلُغَ بِهِ قَدْرَهَا لِأَنَّهُ لَا
يَجُوزُ أَنْ يَبْلُغَ بها ما لم يَبْلُغْهَا من الشَّيْنِ وَكَذَلِكَ قُلْت في كل
جُرْحٍ وَشَيْنٍ بِعُضْوٍ له قَدْرٌ ولم أَحُدُّ الدِّيَاتِ على شَيْنِ مُوضِحَةٍ
وَلَا أَلَمٍ أَلَا تَرَى أَنَّ في الْأُذُنِ نِصْفَ الدِّيَةِ وفي الْيَدِ نِصْفَ
الدِّيَةِ وَلَيْسَتْ مَنْفَعَةُ الْأُذُنِ وَالشَّيْنُ ذَهَابُهَا قَرِيبًا من
مَنْفَعَةِ الْيَدِ وَالشَّيْنُ ذَهَابُهَا أَلَا تَرَى أَنَّ في الْأُنْمُلَةِ
ثَلَاثًا من الْإِبِلِ وَثُلُثًا وفي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ من الْإِبِلِ وفي
الْهَاشِمَةِ عَشْرٌ وَذَهَاب
(6/84)
الْأُنْمُلَةِ أَشْيَن
وَأَضَرُّ من مُوضِحَةٍ وَهَاشِمَةٍ ومواضح وهواشم وَلَوْلَا ما وَصَفْت كان في
الشَّيْنِ أَبَدًا ما نَقَصَ الشَّيْنُ كما يَكُونُ ذلك في مَتَاعٍ جني عليه
فَنَقَصَ بِهِ بِعَيْبٍ دَخَلَهُ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا
اصْطَدَمَ الرَّاكِبَانِ على أَيِّ دَابَّةٍ كان كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَمَاتَا
مَعًا فَعَلَى عَاقِلَةِ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَةِ صَاحِبِهِ من قِبَلِ
أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَانٍ على نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ وَأَنَّ كُلَّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَاتَ من صَدْمَتِهِ وَصَدْمَةِ غَيْرِهِ فَتَبْطُلُ
جِنَايَتُهُ على نَفْسِهِ وَيُؤْخَذُ له جِنَايَةُ غَيْرِهِ كما لو جَرَحَ
نَفْسَهُ وَجَرَحَهُ غَيْرُهُ كان على الْجَارِحِ نِصْفُ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ
مَاتَ من جِنَايَتِهِ وَجِنَايَةِ غَيْرِهِ وَهَكَذَا الْقَوْمُ يَرْمُونَ
بِالْمَنْجَنِيقِ مَعًا فَيَرْجِعُ الْحَجَرُ عليهم فَيَقْتُلُ منهم رَجُلًا
فَإِنْ كَانُوا عَشْرَةً فَقَدْ مَاتَ من جِنَايَتِهِ على نَفْسِهِ وَجِنَايَةِ
التِّسْعَةِ مع نَفْسِهِ عليه فَتُرْفَعُ حِصَّتُهُ من جِنَايَتِهِ على نَفْسِهِ
وَتُؤْخَذُ له جِنَايَةُ غَيْرِهِ عليه فَيُؤْخَذُ لِوَرَثَتِهِ تِسْعَةُ
أَعْشَارِ دِيَتِهِ من الَّذِينَ رَمَوْا بِالْمَنْجَنِيقِ معه من عَاقِلَةِ كل
وَاحِدٍ منهم عُشْرُ دِيَتِهِ وَسَوَاءٌ كان أَحَدُ الرَّاكِبَيْنِ على فِيلٍ
وَالْآخَرُ على كَبْشٍ أو كَانَا على دَابَّتَيْنِ سَوَاءٌ وَمُتَفَاوِتَيْنِ
وَإِنْ مَاتَتْ دَابَّتَاهُمَا ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا في مَالِهِ نِصْفَ
قِيمَةِ دَابَّةِ صَاحِبِهِ وَلَوْ اصْطَدَمَ الْفَارِسُ وَالرَّاجِلُ كَانَا
كَالْفَارِسَيْنِ يَصْطَدِمَانِ وَكَذَلِكَ الرَّاجِلَانِ يَصْطَدِمَانِ وَسَوَاءٌ
كَانَا أَعْمَيَيْنِ أو صَحِيحَيْنِ أو أَحَدُهُمَا أَعْمَى وَالْآخَرُ صَحِيحٌ
يَضْمَنُ الْأَعْمَى من جِنَايَتِهِ ما يَضْمَنُ الْبَصِيرُ وَسَوَاءٌ غَلَبَتْهُمَا
دَابَّتَاهُمَا أو غَلَبَتْ إحْدَاهُمَا أو لم تَغْلِبْهُمَا وَلَا وَاحِدًا
مِنْهُمَا وَكَذَلِكَ لو تَقَهْقَرَتْ بِهِمَا دَابَّتَاهُمَا فَرَجَّعَتْ كُلَّ
وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا على عَقِبَيْهَا فَاصْطَدَمَا فَمَاتَا أو فَعَلَتْ هذا
دَابَّةُ أَحَدِهِمَا وكان الْآخَرُ مُقْبِلًا على دَابَّتِهِ وَلَوْ كان
أَحَدُهُمَا عَبْدًا وَالْآخَرُ حُرًّا ضَمِنَتْ عَاقِلَةُ الْحُرِّ نِصْفَ
قِيمَةِ الْعَبْدِ بَالِغَةً ما بَلَغَتْ وكان نِصْفُ دِيَةِ الْحُرِّ في عُنُقِ
الْعَبْدِ فَإِنْ كان في نِصْفِ قِيمَةِ الْعَبْدِ فَضْلٌ عن نِصْفِ دِيَةِ حُرٍّ
دُفِعَ إلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ فَإِنْ كان وَفَاءٌ فَهُوَ قِصَاصٌ وَلَا شَيْءَ
لِسَيِّدِهِ وَإِنْ كان فيه نَقْصٌ أُقِصَّ بِقَدْرِهِ وَلَا شَيْءَ على سَيِّدِ
الْعَبْدِ ( قال الرَّبِيعُ ) إذَا كَانَا حَيَّيْنِ فَأَمَّا إذَا مَاتَ الْعَبْدُ
فإن الْجِنَايَةَ في رَقَبَتِهِ وَلَا شَيْءَ على سَيِّدِهِ وَعَلَى عَاقِلَةِ
الْحُرِّ نِصْفُ قِيمَةِ الْعَبْدِ تُؤْخَذُ من عَاقِلَةِ الْحُرِّ وَتُرَدُّ على
وَرَثَةِ الْحُرِّ إنْ كان مِثْلَ نِصْفِ دِيَتِهِ أو أَقَلَّ لِأَنَّ قِيمَةَ
الْعَبْدِ تَقُومُ مَقَامَ بَدَنِهِ لو كان حَيًّا فَيُتْبَعُ بِالْجِنَايَةِ
فَأَمَّا إذَا كان زَائِدًا على نِصْفِ ( 2 ) قِيمَةِ الْحُرِّ فَهُوَ رَدٌّ على
سَيِّدِهِ وَمَتَى أُخِذَ ( 3 ) من نِصْفِ قِيمَةِ الْعَبْدِ رَجَعَ وَرَثَةُ
الْحُرِّ وَأَخَذُوا نِصْفَ دِيَةِ قَتِيلِهِمْ فَإِنْ عَجَزَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ
فَلَا شَيْءَ لهم + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كان الْمُصْطَدِمَانِ عَبْدَيْنِ
كان نِصْفُ قِيمَةِ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا في عُنُقِ صَاحِبِهِ وَبَطَلَتْ
الْجِنَايَةُ من قِبَلِ أَنَّ الْجَانِيَيْنِ جميعا قد مَاتَا وَلَا يَضْمَنُ
عنهما عَاقِلَةٌ وَلَا مَالَ لَهُمَا وَسَوَاءٌ في الِاصْطِدَامِ الْفَارِسَانِ
اللَّذَانِ يَعْقِلَانِ وَالْمَعْتُوهَانِ والأعميان وَالْبَصِيرَانِ وَأَنْ
يَكُونَ أَحَدُهُمَا مَعْتُوهًا وَالْآخَرُ عَاقِلًا أو أَحَدُهُمَا صَبِيًّا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا كُسِرَ عَظْمٌ من الْعِظَامِ ثُمَّ جُبِرَ على
غَيْرِ عثم ( ( ( عتم ) ) ) فَفِيهِ حُكُومَةٌ بِقَدْرِ أَلَمٍ أو جُرْحٍ أو
ضَعْفٍ إنْ كان فيه وَإِنْ جُبِرَ على عَثْمٍ أو شَيْنٍ غَيْرِ الْعَثْمِ فَفِيهِ
حُكُومَةٌ على ما وَصَفْت لَا يَبْلُغُ بها دِيَةَ الْعَظْمِ لو قُطِعَ كان
بِكَسْرِ أُنْمُلَةٍ أو بِكَسْرِ ذِرَاعٍ وَلَا يَبْلُغُ بِحُكُومَةِ شَيْنِ
الْأُنْمُلَةِ أَرْشَ أُنْمُلَةٍ وَلَا بِحُكُومَةٍ لِلذِّرَاعِ أَرْشَ يَدٍ
وَهَذَا هَكَذَا ( 1 ) في الْفَخِذِ وَالسَّاقِ وَالْقَدَمِ وَالْأَنْفِ
وَالْفَخِذِ فَأَمَّا الضِّلَعُ إذَا كُسِرَ وَجُبِرَ فَلَا يَبْلُغُ بِهِ دِيَةَ
جَائِفَةٍ لِأَنَّ أَكْثَرَ ما فيه أَنْ يَصِيرَ منه الْجَائِفَةُ - * الْتِقَاءُ
الْفَارِسَيْنِ - *
(6/85)
وَالْآخَرُ بَالِغًا إذَا
كَانَا رَاكِبَيْ الدَّابَّتَيْنِ بِأَنْفُسِهِمَا أو حَمَلَهُمَا عَلَيْهِمَا
أَبَوَاهُمَا أو وَلِيَّاهُمَا في النَّسَبِ إنْ لم يَكُنْ لَهُمَا أَبٌ فَإِنْ
كان حَمَلَهُمَا أَجْنَبِيَّانِ وَمِثْلُهُمَا لَا يَضْبِطُ الدَّابَّةَ فَدِيَةُ
من أَصَابَا على عَاقِلَةِ الذي حَمَلَهُمَا لِأَنَّ حَمْلَهُمَا عُدْوَانٌ
عَلَيْهِمَا فَيَضْمَنُ ما أَصَابَا في حَمْلِهِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا
كان الْفَارِسُ أو الرَّاجِلُ وَاقِفًا في مِلْكِهِ أو غَيْرِ مِلْكِهِ أو
مُضْطَجِعًا أو رَاقِدًا فَصَدَمَهُ رَجُلٌ فَقَتَلَهُ وَالْمَصْدُومُ يُبْصِرُ
وَيَقْدِرُ على أَنْ يَنْحَرِفَ أو لَا يُبْصِرُ وَلَا يَقْدِرُ على أَنْ
يَنْحَرِفَ أو أَعْمَى لَا يُبْصِرُ فَسَوَاءٌ وَدِيَةُ الْمَصْدُومِ مُغَلَّظَةٌ
على عَاقِلَةِ الصَّادِمِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ مَاتَ الصَّادِمُ كانت
دِيَتُهُ هَدَرًا لِأَنَّهُ جَنَى على نَفْسِهِ وَلَوْ أَنَّ الْوَاقِفَ انْحَرَفَ
عن مَوْضِعِهِ فَالْتَقَى هو وَآخَرُ مُقْبِلَيْنِ فَصَدَمَهُ فَمَاتَا
مُصْطَدِمَيْنِ فَنِصْفُ دِيَةِ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا على عَاقِلَةِ صَادِمِهِ
لِأَنَّ له فِعْلًا في التَّحَرُّفِ وَلَوْ كان تَحَرُّفُهُ مُوَلِّيًا عنه فَكَانَ
الْفَارِسُ أو الرَّاجِلُ الصَّادِمُ له كان كَهُوَ لو كان وَاقِفًا فَتَضْمَنُ
عَاقِلَةُ الصَّادِمِ دِيَتَهُ وَلَوْ مَاتَ الصَّادِمُ كان دَمُهُ هَدَرًا
لِأَنَّهُ جَنَى على نَفْسِهِ وإذا مَاتَتْ الدَّابَّتَانِ من الِاصْطِدَامِ
فَنِصْفُ ثَمَنِ كل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا على الصَّادِمِ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا
تَضْمَنُ ثَمَنَ دَابَّةٍ - * اصْطِدَامُ السَّفِينَتَيْنِ - * + ( قال
الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اصْطَدَمَ السَّفِينَتَانِ
فَكَسَرَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَمَاتَ من فِيهِمَا وَتَلِفَتْ حُمُولَتُهُمَا
أو ما تَلِفَ مِنْهُمَا أو مِمَّا فِيهِمَا أو من إحْدَاهُمَا فَلَا يَجُوزُ فيها
إلَّا وَاحِدٌ من قَوْلَيْنِ إمَّا أَنْ يَضْمَنَ الْقَائِمُ في حَالِهِ تِلْكَ
بِأَمْرِ السَّفِينَةِ نِصْفَ كل ما أَصَابَتْ سَفِينَتُهُ لِغَيْرِهِ أو لَا
يَضْمَنُ بِحَالٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَقْدِرُ أَنْ يَصْرِفَهَا بِنَفْسِهِ وَمِنْ
يُطِيعُهُ فَلَا يَصْرِفُهَا فَأَمَّا إذَا غَلَبَتْهُ فَلَا يَضْمَنُ وَمَنْ قال
هذا الْقَوْلَ قال الْقَوْلُ قَوْلُ الذي يَصْرِفُهَا في أنها غَلَبَتْهُ ولم
يَقْدِرْ أَنْ يَصْرِفَهَا أو غَلَبَتْهَا رِيحٌ أو مَوْجٌ وإذا ضَمِنَ ضَمِنَ غير
النَّفْسِ في مَالِهِ وَضَمِنَتْ النُّفُوسَ عَاقِلَتُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ
عَبْدًا فَيَكُونَ ذلك في عُنُقِهِ وَسَوَاءٌ كان الذي يَلِي تَصْرِيفَهَا
مَالِكًا لها أو مُوَكَّلًا فيها أو مُتَعَدِّيًا في ضَمَانِ ما أَصَابَتْ إلَّا
أَنَّهُ إذَا كان مُتَعَدِّيًا فيها ضَمِنَ ما أَصَابَهَا هِيَ وَأَصَابَتْ
وَهَكَذَا إنْ صَدَمَتْ ولم تُصْدَمْ أو صَدَمَتْ وَصُدِمَتْ فَأَصَابَتْ
وَأُصِيبَتْ فَسَوَاءٌ من ضِمْنِ رَاكِبِهَا بِكُلِّ حَالٍ ضَمِنَهَا وَإِنْ
غُلِبَ أو غُلِبَا وَمَنْ لم يَضْمَنْ إلَّا من قَدَرَ على تَصْرِيفِهَا
فَتَرَكَهَا ضَمِنَ الذي لم يُغْلَبْ على تَصْرِيفِهَا وَجَعَلَهُ كَعَامِدِ
الصَّدْمِ ولم يَضْمَنْ الْمَغْلُوبُ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا صُدِمَتْ
سَفِينَةٌ بِغَيْرِ أَنْ يَعْمِدَ بها الصَّدْمَ لم يَضْمَنْ شيئا مِمَّا في
سَفِينَتِهِ بِحَالٍ لِأَنَّ الَّذِينَ فيها دَخَلُوا غير مُتَعَدَّى عليهم وَلَا
على أَمْوَالِهِمْ وإذا عَرَضَ لِرَاكِبِي السَّفِينَةِ ما يَخَافُونَ بِهِ
التَّلَفَ عليها وَعَلَى من فيها وما فيها أو بَعْضُ ذلك فالقى أَحَدُهُمْ بَعْضَ
ما فيها رَجَاءَ أَنْ تَخِفَّ فَتَسْلَمَ فَإِنْ كان ما ألقي لِنَفْسِهِ فَمَالَهُ
أَتْلَفَ فَلَا يَعُودُ بِشَيْءٍ منه على غَيْرِهِ وَإِنْ كان بَعْضُ ما أَلْقَى
لِغَيْرِهِ ضَمِنَ ما أَلْقَى لِغَيْرِهِ دُونَ أَهْلِ السَّفِينَةِ فَإِنْ قال
بَعْضُ أَهْلِ السَّفِينَةِ لِرَجُلٍ منهم أَلْقِ مَتَاعَكَ فالقاه لم يَضْمَنْ له
شيئا لِأَنَّهُ هو أَلْقَاهُ وَإِنْ قال أَلْقِهِ على أَنْ أَضْمَنَهُ فَأَذِنَ له
فَأَلْقَاهُ ضَمِنَهُ وَإِنْ قال أَلْقِهِ على أَنْ أَضْمَنَهُ وَرُكَّابُ
السَّفِينَةِ فَأَذِنَ له بِذَلِكَ فَأَلْقَاهُ ضَمِنَهُ له دُونَ رُكَّابِ
السَّفِينَةِ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعُوا بِضَمَانِهِ معه فَإِنْ خَرَقَ رَجُلٌ من
السَّفِينَةِ شيئا أو ضَرَبَهُ فَانْخَرَقَ أو انْشَقَّ فَغَرَقَ أَهْلُ
السَّفِينَةِ وما فيها ضَمِنَ ما فيها في مَالِهِ وَضَمِنَ دِيَاتِ رُكْبَانِهَا
عَاقِلَتُهُ وَسَوَاءٌ كان الْفَاعِلُ هذا بها مَالِكًا لِلسَّفِينَةِ أو
الْقَائِمَ بِأَمْرِهَا أو رَاكِبًا لها أو أَجْنَبِيًّا مَرَّ بها
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَاصْطِدَامُ الرَّجُلَيْنِ عَمْدًا وَخَطَأً سَوَاءٌ
إلَّا في الْمَأْثَمِ وَلَا قَوَدَ في الصَّدْمَةِ وَهِيَ خَطَأُ عَمْدٍ
تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ وَالدِّيَةُ فيها إذَا كَانَا مُقْبِلَيْنِ مُغَلَّظَةٌ
وإذا كَانَا مُدْبِرَيْنِ وَحَرَنَتْ بِهِمَا دَابَّتَاهُمَا فَاصْطَدَمَا
مُدْبِرَيْنِ غير مُقْبِلَيْنِ عَامِدَيْ الصَّدْمَةَ فَنِصْفُ دِيَةٍ مُغَلَّظَةٍ
وَإِنْ كان أَحَدُهُمَا مُقْبِلًا فَنِصْفُ دِيَةِ الذي أَقْبَلَ مُغَلَّظَةٌ
وَنِصْفُ دِيَتِهِ إذَا كان مَاتَ من صَدْمَتِهِ وصدمة مُدْبِرٌ غَيْرُ
مُغَلَّظَةٍ - * صَدْمَةُ الرَّجُلِ الْآخَرَ - *
(6/86)
- * جِنَايَةُ السُّلْطَانِ -
* (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبَلَغَنَا أَنَّ عُمَرَ أَرْسَلَ إلَى امْرَأَةٍ
فَفَزِعَتْ فَأَجْهَضَتْ ذَا بَطْنِهَا فَاسْتَشَارَ عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنهما
فَأَشَارَ عليه بِدِيَةٍ وَأَمَرَ عُمَرُ عَلِيًّا فقال عَزَمْت عَلَيْكَ
لِتُقَسِّمَنَّهَا في قَوْمِكَ ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
وإذا وَقَعَ على الرَّجُلِ حَدٌّ فَضَرَبَهُ الْإِمَامُ وهو مَرِيضٌ أو في بَرْدٍ
شَدِيدٍ أو حَرٍّ شَدِيدٍ كَرِهْت ذلك وَإِنْ مَاتَ من ذلك الضَّرْبِ فَلَا عَقْلَ
وَلَا قَوَدَ وَلَا كَفَّارَةَ وَلَوْ كانت الْمَحْدُودَةُ امْرَأَةً كانت هَكَذَا
إلَّا أنها إنْ كانت حَامِلًا لم يَكُنْ له حَدُّهَا لِمَا في بَطْنِهَا فَإِنْ
حَدَّهَا فَأَجْهَضَتْ ضَمِنَ ما في بَطْنِهَا وَإِنْ مَاتَتْ فَأَجْهَضَتْ لم
يَضْمَنْهَا وَضَمِنَ ما في بَطْنِهَا لِأَنَّهُ لم يَتَعَدَّ عليها وَإِنَّمَا
قُلْت ليس له أَنْ يَحُدَّهَا لِلَّذِي في بَطْنِهَا فَضَمَّنْته الْجَنِينَ
لِأَنَّهُ بِسَبَبِ فِعْلِهِ ولم أُضَمِّنْهُ إيَّاهَا لِأَنَّ الْحَقَّ قَتَلَهَا
+ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا حَدَّ الْإِمَامُ رَجُلًا بِشَهَادَةِ عَبْدَيْنِ أو
عَبْدٍ وَحُرٍّ أو ذِمِّيٍّ وَمُسْلِمٍ أو شَهَادَةِ غَيْرِ عَدْلَيْنِ في
أَنْفُسِهِمَا أو غَيْرِ عَدْلَيْنِ على الْمَشْهُودِ عليه حين شَهِدَا فَمَاتَ
ضَمِنَتْهُ عَاقِلَتُهُ لِأَنَّ هذا كُلَّهُ خَطَأٌ في الْحُكْمِ وَكَذَلِكَ لو
أَقَرَّ عِنْدَهُ صَبِيٌّ أو مَعْتُوهٌ بِحَدٍّ فَحَدَّهُ ضَمِنَهُمَا إنْ مَاتَا
وَمَنْ قُلْت يَضْمَنُهُ إنْ مَاتَ ضَمِنَ الْحُكُومَةَ في جَلْدِهِ أو أَثَرٍ إنْ
بَقِيَ بِهِ وَعَاشَ وَكَذَلِكَ يَضْمَنُ دِيَةَ يَدِهِ إنْ قَطَعَهُ وَكُلُّ ما
قُلْت يَضْمَنُهُ من خَطَئِهِ فَالدِّيَةُ فيه على عَاقِلَتِهِ وإذا أَمَرَ
الْجَالِدَ بِجَلْدِ الرَّجُلِ ولم يُوَقِّتْ له ضَرْبًا فَضَرَبَهُ الْجَالِدُ
أَكْثَرَ من الْحَدِّ فَمَاتَ ضَمِنَ الْإِمَامُ دُونَ الْجَالِدِ فَإِنْ كان
حَدُّهُ ثَمَانِينَ فَزَادَ سَوْطًا فَمَاتَ فَلَا يَجُوزُ فيها إلَّا وَاحِدٌ من
قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَضْمَنَ الْإِمَامُ نِصْفَ دِيَتِهِ كما لو جَنَى
رَجُلَانِ على رَجُلٍ أَحَدُهُمَا ضَرْبَةً وَالْآخَرُ ثَمَانِينَ ضَرْبَةً أو
أَقَلَّ أو أَكْثَرَ ضَمِنَا الدِّيَةَ نِصْفَيْنِ أو يَضْمَنُ سَهْمًا من أَحَدٍ
وَثَمَانِينَ سَهْمًا من دِيَتِهِ وَيَكُونُ كَوَاحِدٍ وَثَمَانِينَ قَتَلُوهُ
فَيَغْرَمُ حِصَّتَهُ وَلَوْ قال له اضْرِبْهُ ثَمَانِينَ فَأَخْطَأَ الْجَالِدُ
فَزَادَهُ وَاحِدَةً ضَمِنَ الْجَالِدُ دُونَ الْإِمَامِ وَلَوْ قال له اجْلِدْهُ
ما شِئْت أو ما رَأَيْت أو ما أَحْبَبْت أو ما لَزِمَهُ عِنْدَكَ فَتَعَدَّى عليه
ضَمِنَ الْجَالِدُ الْعُدْوَانَ وَلَيْسَ كَاَلَّذِي يَأْمُرُهُ بِأَنْ يَضْرِبَهُ
أَمَامَهُ وَلَا يُسَمِّي له عَدَدًا وهو يُحْصِي عليه وَلَوْ كان الْإِمَامُ
لِلْمَضْرُوبِ ظَالِمًا ضَمِنَ ما أَصَابَهُ من الضَّرْبِ بِأَمْرِهِ ولم
يَضْمَنْهُ الْجَالِدُ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ الْجَالِدُ أَنَّ الْإِمَامَ ظَالِمٌ
بِأَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ أنا أَضْرِبُ هذا ظَالِمًا أو يَقُولَ الْجَالِدُ قد
عَلِمْت أَنَّهُ يَضْرِبُهُ ظَالِمًا بِلَا شُبْهَةٍ فَيَضْمَنُ الْجَالِدُ
وَالْإِمَامُ مَعًا وَلَوْ قال الْجَالِدُ ضَرَبْته وأنا أَرَى الْإِمَامَ
مُخْطِئًا عليه وَعَلِمْت أَنَّ ذلك رَأْيَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ ضَمِنَ الْجَالِدُ
وَلَيْسَ لِلضَّارِبِ أَنْ يَضْرِبَ إلَّا أَنْ يَرَى أَنَّ ما أَمَرَهُ بِهِ
الْإِمَامُ حَقٌّ أو مُغَيَّبٌ عنه سَبَبُ ضَرْبِهِ أو يَأْمُرُهُ بِضَرْبِهِ
فَيَكُونُ ذلك عِنْدَهُ على أَنَّهُ لم يَأْمُرْهُ إلَّا بِمَا لَزِمَ
الْمَضْرُوبَ وإذا ضَرَبَ الْإِمَامُ فِيمَا دُونَ الْحَدِّ تَعْزِيرًا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَقَامَ السُّلْطَانُ
حَدًّا من قَطْعٍ أو حَدَّ قَذْفٍ أو حَدَّ زِنًا ليس بِرَجْمٍ على رَجُلٍ أو
امْرَأَةٍ عَبْدٍ أو حُرٍّ فَمَاتَ من ذلك فَالْحَقُّ قَتَلَهُ لِأَنَّهُ فَعَلَ
بِهِ ما لَزِمَهُ وَكَذَلِكَ إنْ اقْتَصَّ منه في جُرْحٍ يُقْتَصُّ منه من
مِثْلِهِ وإذا ضَرَبَ في خَمْرٍ أو سُكْرٍ من شَرَابٍ بِنَعْلَيْنِ أو طَرَفِ
ثَوْبٍ أو يَدٍ أو ما أَشْبَهَهُ ضَرْبًا يُحِيطُ بِهِ الْعِلْمُ أَنَّهُ لَا
يَبْلُغُ أَرْبَعِينَ أو يَبْلُغُهَا وَلَا يُجَاوِزُهَا فَمَاتَ من ذلك
فَالْحَقُّ قَتَلَهُ وما قُلْت الْحَقَّ قَتَلَهُ فَلَا عَقْلَ فيه وَلَا قَوَدَ
وَلَا كَفَّارَةَ على الْإِمَامِ وَلَا على الذي يَلِي ذلك من الْمَضْرُوبِ وَلَوْ
ضَرَبَهُ بِمَا وَصَفْت أَرْبَعِينَ أو نَحْوَهُ لم يَزِدْ عليه شيئا فَكَذَلِكَ
وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ سَأَلَ من حَضَرَ ضَرْبَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
فَذَكَرُوا له فَكَانَ فِيمَا ذَكَرُوا عِنْدَهُ أَرْبَعِينَ أو نَحْوَهَا فَإِنْ
ضَرَبَهُ أَرْبَعِينَ أو أَقَلَّ منها بِسَوْطٍ أو ضَرَبَهُ أَكْثَرَ من
أَرْبَعِينَ بِالنِّعَالِ أو غَيْرِ ذلك فَمَاتَ فَدِيَتُهُ على عَاقِلَةِ
الْإِمَامِ دُونَ بَيْتِ الْمَالِ
أخبرنا إبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدٍ عن عَلِيِّ بن يحيى عن الْحَسَنِ أَنْ عَلِيَّ بن
أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه قال ما أَحَدٌ يَمُوتُ في حَدٍّ من الْحُدُودِ
فَأَجِدُ في نَفْسِي منه شيئا إلَّا الذي يَمُوتُ في حَدِّ الْخَمْرِ فإنه شَيْءٌ
أَحْدَثْنَاهُ بَعْدَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَمَنْ مَاتَ منه فَدِيَتُهُ
إمَّا قال في بَيْتِ الْمَالِ وَإِمَّا على عَاقِلَةِ الْإِمَامِ الشَّكُّ من
الشَّافِعِيُّ
(6/87)
فَمَاتَ الْمَضْرُوبُ ضَمِنَتْ
عَاقِلَةُ الْإِمَامِ دِيَتَهُ وَهَكَذَا إنْ خَافَ الرَّجُلُ نُشُوزَ امْرَأَتِهِ
فَضَرَبَهَا فَمَاتَتْ أو فَقَأَ عَيْنَهَا خَطَأً ضَمِنَتْ عَاقِلَتُهُ نَفْسَهَا
وَعَيْنَهَا فَإِنْ قِيلَ فَمِنْ أَيْنَ قُلْت له أَنْ يُعَزِّرَ وَلِمَ زَعَمْت
أَنَّهُ إنْ مَاتَ مِمَّا جَعَلْت له لم تَسْقُطْ عنه الدِّيَةُ قُلْت إنِّي قُلْت
له إن يَفْعَلَ إبَاحَةً من جِهَةِ الرَّأْيِ وكان له في بَعْضِ التَّعْزِيرِ أَنْ
يَتْرُكَ وَعَلَيْهِ في الْحَدِّ أَنْ يُقِيمَهُ وَلَيْسَ له تَرْكُهُ بِحَالٍ
وإذا بَعَثَ السُّلْطَانُ إلَى امْرَأَةٍ أو رَجُلٍ عِنْدَ امْرَأَةٍ فَفَزِعَتْ
الْمَرْأَةُ لِدُخُولِ الرُّسُلِ أو غَلَبَتِهِمْ أو انْتِهَارِهِمْ أو الذُّعْرِ
من السُّلْطَانِ فَأَجْهَضَتْ فَعَلَى عَاقِلَةِ السُّلْطَانِ دِيَةُ جَنِينِهَا
إذَا كان ما أَحْدَثَهُ الرُّسُلُ بِأَمْرِهِ فَإِنْ كان الرُّسُلُ أَحْدَثُوا
شيئا بِغَيْرِ أَمْرِ السُّلْطَانِ فَذَلِكَ على عَوَاقِلِهِمْ دُونَ عَاقِلَةِ
السُّلْطَانِ لِأَنَّ مَعْرُوفًا أَنَّ الْمَرْأَةَ تُسْقِطُ من الْفَزَعِ وَلَوْ
أَنَّ امْرَأَةً أو رَجُلًا بَعَثَ إلَيْهِ السُّلْطَانُ فَمَاتَ فَزَعًا لم
تَضْمَنْ عَاقِلَةُ السُّلْطَانِ لِأَنَّ الْأَغْلَبَ أَنَّ أَحَدًا لَا يَمُوتُ
من فَزَعِ رسول السُّلْطَانِ وَلَوْ سَجَنَ السُّلْطَانُ رَجُلًا فَمَنَعَهُ
الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ أو أَحَدَهُمَا فَمَاتَ من سَاعَتِهِ لم يَضْمَنْ شيئا
إلَّا أَنْ يُقِرَّ السُّلْطَانُ أَنَّهُ مَاتَ من فَقْدِ ما مَنَعَهُ وَإِنْ
حَبَسَهُ مُدَّةً يُمْكِنُ أَنْ يَمُوتَ فيها من حَبَسَهَا عَطَشًا أو جُوعًا فَمَاتَ
ضَمِنَهُ إذَا ادَّعَى وَرَثَتُهُ إنه مَاتَ من فَقْدِ ما مَنَعَهُ وَكَذَلِكَ لو
أَخَذَهُ فذكر جُوعًا أو عَطَشًا فَحَبَسَهُ مُدَّةً يُمْكِنُ أَنْ يَمُوتَ ( 1 )
من أَتَتْ عليه فيها من ذَكَرَ مِثْلَ جُوعِهِ أو عَطَشِهِ وَكَذَلِكَ لو حَبَسَهُ
فَجَرَّدَهُ وَمَنَعَهُ الأدفية في بَرْدٍ أو حَرٍّ فَإِنْ كان الْبَرْدُ
وَالْحَرُّ مِمَّا يَقْتُلُ مِثْلُهُ فَمَاتَ ضَمِنَهُ وَإِنْ كان مِمَّا لَا
يَقْتُلُ مِثْلُهُ لم يَضْمَنْهُ من قِبَلِ أَنَّهُ قد يَمُوتُ فَجْأَةً من غَيْرِ
مَرَضٍ يُعْرَفُ وَلَا يَضْمَنُهُ حتى يَكُونَ الْأَغْلَبُ أَنَّهُ مَاتَ
بِمَنْعِهِ إيَّاهُ مُدَّةً يَمُوتُ من مُنِعَ مِثْلَ ما مَنَعَهُ فيها فإذا كان
لِرَجُلٍ سَلْعَةٌ فَأَمَرَ السُّلْطَانُ بِقَطْعِهَا أو أَكِلَةٌ فَأَمَرَ
السُّلْطَانُ بِقَطْعِ عُضْوِهِ الذي هِيَ فيه وَاَلَّذِي هِيَ بِهِ لَا يَعْقِلُ
إمَّا صَبِيٌّ وَإِمَّا مَغْلُوبٌ على عَقْلِهِ أو عَاقِلٌ فَأَكْرَهَهُ على ذلك
فَمَاتَ فَعَلَى السُّلْطَانِ الْقَوَدُ في الْمُكْرَهِ إلَّا أَنْ تَشَاءَ
وَرَثَتُهُ أَنْ يَأْخُذُوا الدِّيَةَ وقد قِيلَ عليه الْقَوَدُ في الذي لَا
يَعْقِلُ وَقِيلَ لَا قَوَدَ على السُّلْطَانِ في الذي لَا يَعْقِلُ وَعَلَيْهِ
الدِّيَةُ في مَالِهِ ( قال أبو يَعْقُوبَ ) وَالصَّبِيُّ مِثْلُ الْمَعْتُوهِ (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَأَمَّا غَيْرُ السُّلْطَانِ يَفْعَلُ هذا فَيُقَادُ
منه إلَّا أَنْ يَكُونَ ذلك أَبَا صَبِيٍّ أو مَعْتُوهٍ لَا يَعْقِلُ أو وَلِيَّهُ
فَيَضْمَنُ الدِّيَةَ وَيُدْرَأُ عنه الْقَوَدُ بِالشُّبْهَةِ وَلَوْ كان رَجُلٌ
أَغْلَفُ أو امْرَأَةٌ لم تُخْفَضْ فَأَمَرَ السُّلْطَانُ بِهِمَا فَعُذِرَا
فَمَاتَا لم يَضْمَنْ السُّلْطَانُ لِأَنَّهُ قد كان عَلَيْهِمَا أَنْ يَفْعَلَا
إلَّا أَنْ يُعْذِرَهُمَا في حَرٍّ شَدِيدٍ أو بَرْدٍ شَدِيدٍ يَكُونُ الْأَغْلَبُ
أَنَّهُ لَا يَسْلَمُ من عُذِرَ في مِثْلِهِ فَيَضْمَنُ عَاقِلَتُهُ دِيَتَهُمَا
وَلَوْ أَكْرَهَ السُّلْطَانُ رَجُلًا على أَنْ يَرْقَى نَخْلَةً أو يَنْزِلَ في
بِئْرٍ فَرَقَى أو نَزَلَ فَسَقَطَ فَمَاتَ ضَمِنَهُ السُّلْطَانُ وَعَقَلَتْهُ
عَاقِلَتُهُ وَكَذَلِكَ لو كَلَّفَهُ أَنْ يَفْعَلَ شيئا قد يَتْلَفُ من فَعَلَ
مثله وَلَوْ كان كَلَّفَهُ أَنْ يَمْشِيَ قَلِيلًا في أَمْرٍ يَسْتَعِينُ
السُّلْطَانُ في مِثْلِهِ فَمَشَى فَمَاتَ لم يَضْمَنْ لِأَنَّ الْأَغْلَبَ أَنَّ
هذا لَا يُمَاتُ من مِثْلِهِ إلَّا أَنْ يُقِرَّ السُّلْطَانُ بِأَنَّهُ مَاتَ منه
فَيَضْمَنُهُ في مَالِهِ أو يَكُونُ مَعْلُومًا أَنَّهُ إذَا فَعَلَ مِثْلَ ما
كَلَّفَهُ كان الْأَغْلَبُ أَنَّ ذلك يُتْلِفُهُ وإذا كان هذا هَكَذَا ضَمِنَهُ
السُّلْطَانُ وقد قِيلَ يَضْمَنُ السُّلْطَانُ من هذا ما يَضْمَنُ من اسْتَعْمَلَ
عَبْدًا مَحْجُورًا فَأَمَّا كُلُّ أَمْرٍ ليس من صَلَاحِ الْمُسْلِمِينَ أَكْرَهَ
السُّلْطَانُ عليه رَجُلًا فَمَاتَ منه في ذلك الْأَمْرِ فَالسُّلْطَانُ ضَامِنٌ
لدية من مَاتَ فيه - * مِيرَاثُ الدِّيَةِ - *
( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) قال أخبرنا سُفْيَانُ بن
عُيَيْنَةَ عن الزُّهْرِيِّ عن سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بن
الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يقول الدِّيَةُ لِلْعَاقِلَةِ وَلَا
تَرِثُ الْمَرْأَةُ من دِيَةِ زَوْجِهَا شيئا حتى أخبره الضَّحَّاكُ بن سُفْيَانَ
أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كَتَبَ إلَيْهِ أَنْ يُوَرِّثَ امْرَأَةَ
أَشْيَمَ الضَّبَابِيِّ من دِيَةِ زَوْجِهَا فَرَجَعَ إلَيْهِ عُمَر
(6/88)
( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) قال أخبرنا مَالِكٌ عن بن
شِهَابٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كَتَبَ إلَى الضَّحَّاكِ بن سُفْيَانَ
أَنْ يُوَرِّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضَّبَابِيِّ من دِيَتِهِ قال بن شِهَابٍ وكان
أَشْيَمُ قُتِلَ خَطَأً (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَا اخْتِلَافَ بين أَحَدٍ في أَنْ يَرِثَ الدِّيَةَ
في الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ من وَرِثَ ما سِوَاهَا من مَالِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهَا
تَمْلِكُ عن الْمَيِّتِ وَبِهَذَا نَأْخُذُ فَنُوَرِّثُ الدِّيَةَ في الْعَمْدِ
وَالْخَطَأِ من وَرِثَ ما سِوَاهَا من مَالِ الْمَيِّتِ وإذا مَاتَ الْمَجْنِيُّ
عليه وقد وَجَبَتْ دِيَتُهُ فَمَنْ مَاتَ من وَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ كانت له
حِصَّتُهُ من دِيَتِهِ كَأَنَّ رَجُلًا جَنَى عليه في صَدْرِ النَّهَارِ فَمَاتَ
وَمَاتَ بن له من آخِرِ النَّهَارِ فَأُخِذَتْ دِيَةُ أبيه في ثَلَاثِ سِنِينَ
فَمِيرَاثُ الِابْنِ الذي عَاشَ بَعْدَهُ سَاعَةً قَائِمٌ في دِيَتِهِ كما
يَثْبُتُ في دَيْنٍ لو كان لِأَبِيهِ وَكَذَلِكَ امْرَأَتُهُ وَغَيْرُهَا مِمَّنْ
يَرِثُهُ إذَا مَاتَ وَلَوْ مَاتَ وَلَهُ بن كَافِرٌ فَأَسْلَمَ بَعْدَ وَفَاتِهِ
بِقَلِيلٍ لم يَرِثْ منه شيئا لِأَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وهو غَيْرُ وَارِثٍ له
وَكَذَلِكَ لو كان عَبْدًا فَعَتَقَ أو كانت امْرَأَتُهُ كَذَلِكَ وَلَوْ نَكَحَ
بَعْدَ الْجِنَايَةِ ثُمَّ مَاتَ وَرِثَتْهُ امْرَأَتُهُ - * عَفْوُ الْمَجْنِيِّ
عليه في الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ - *
( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( أخبرنا الشَّافِعِيُّ ) قال إذَا جَنَى الرَّجُلُ
جِنَايَةً خَطَأً فَعَفَا الْمَجْنِيُّ عليه أَرْشَ الْجِنَايَةِ فَإِنْ لم يَمُتْ
من الْجِنَايَةِ فَالْعَفْوُ جَائِزٌ وَإِنْ مَاتَ فَالْعَفْوُ وَصِيَّةٌ تَجُوزُ
من الثُّلُثِ وَهِيَ وَصِيَّةٌ لِغَيْرِ قَاتِلٍ لِأَنَّهَا على عَاقِلَتِهِ
وَلَوْ كان الْجَانِي مُسْلِمًا مِمَّنْ لَا عَاقِلَةَ له كان الْعَفْوُ جَائِزًا
لِأَنَّهَا على الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ كان الْجَانِي نَصْرَانِيًّا أو يَهُودِيًّا
من أَهْلِ الْجِزْيَةِ كان الْعَفْوُ جَائِزًا من قِبَلِ أنها على عَاقِلَتِهِ
فَإِنْ كان الْجَانِي ذِمِّيًّا لَا يَجْرِي على عَاقِلَتِهِ الْحُكْمُ أو
مُسْلِمًا أَقَرَّ بِجِنَايَةٍ خَطَأٍ فَالدِّيَةُ في أَمْوَالِهِمَا مَعًا
وَالْعَفْوُ بَاطِلٌ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ لِقَاتِلٍ وَلِلْوَرَثَةِ أَخْذُهُمَا
بها وَلَوْ كان الْجَانِي عَبْدًا فَعَفَا عنه الْمَجْنِيُّ عليه ثُمَّ مَاتَ
جَازَ الْعَفْوُ من الثُّلُثِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَصِيَّةٍ لِلْعَبْدِ إنَّمَا
هِيَ وَصِيَّةٌ لِمَوْلَاهُ وَلَوْ كان الْمَجْنِيُّ عليه خَطَأً فقال قد عَفَوْت
عن الْجَانِي الْقِصَاصَ لم يَكُنْ عَفْوًا عن الْمَالِ حتى يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ
أَرَادَ بِعَفْوِهِ الْجِنَايَةَ الْعَفْوَ عن الْمَالِ لِأَنَّهُ قد يَرَى أَنَّ
له قِصَاصًا وَكَذَلِكَ لو قال قد عَفَوْت عنه الْجِنَايَةَ وما يَحْدُثُ منها
وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ إنْ كان حَيًّا ما عَفَا الْمَالَ الذي يَلْزَمُ
بِالْجِنَايَةِ وَعَلَى وَرَثَتِهِ إنْ كان مَيِّتًا الْيَمِينُ هَكَذَا على
عِلْمِهِمْ وَلَوْ قال قد عَفَوْت عنه ما يَلْزَمُهُ من الْأَرْشِ وَالْجِنَايَةِ
كان عَفْوًا عن الْكَافِرِ لِأَنَّهُ لَيْسَتْ له عَاقِلَةٌ يَجْرِي عليها
الْحُكْمُ وَعَمَّنْ أَقَرَّ بِالْجِنَايَةِ خَطَأً ولم يَكُنْ عَفْوًا عن
الْعَاقِلَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قد أَرَادَ بِقَوْلِهِ قد عَفَوْت عن أَرْشِ
الْجِنَايَةِ أو ما يَلْزَمُهُ من أَرْشٍ قد عَفَوْت ذلك عن عَاقِلَتِهِ أَلَا
تَرَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ من أَرْشِ الْجِنَايَةِ شَيْءٌ فإذا عَفَا ما لَا
يَلْزَمُهُ لم يَكُنْ عَفْوًا وَلَا يَكُونُ عَفْوًا في هذا خَاصَّةً إلَّا بِمَا
وَصَفْت من أَنْ يَقُولَ قد عَفَوْت ما يَلْزَمُ لي على عَاقِلَتِهِ في أَرْشِ
جِنَايَتِي أو ما يَلْزَمُ من أَرْشِ جِنَايَتِي إنْ كان مِمَّنْ لَا تَعْقِلُهُ
الْعَاقِلَةُ وَلَوْ كانت الْجِنَايَةُ جُرْحًا فَعَفَا أَرْشَهُ عَفْوًا صَحِيحًا
ثُمَّ مَاتَ من الْجِرَاحِ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَجُوزُ
الْعَفْوُ في أَرْشِ الْجِنَايَةِ وَلَا يَجُوزُ فِيمَا زَادَ على قَدْرِ
الْجُرْحِ بِالْمَوْتِ على أَرْشِ الْجُرْحِ كَأَنَّ الْجُرْحَ كان يَدًا فَعَفَا
أَرْشَهَا ثُمَّ مَاتَ فَيَجُوزُ الْعَفْوُ في نِصْفِ الدِّيَةِ من الثُّلُثِ
وَيُؤْخَذُ نِصْفُهَا وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إذَا كان الْعَقْلُ
يَلْزَمُ الْقَاتِلَ لِأَنَّ الْهِبَةَ الْبَتَاتَ في مَعَانِي الْوَصَايَا فَلَا
تَجُوزُ لِقَاتِلٍ فَإِنْ كانت الْجِرَاحُ خَطَأً تَبْلُغُ دِيَةَ نَفْسٍ أو
أَكْثَرَ فَعَفَا أَرْشَهَا ثُمَّ مَاتَ جَازَ الْعَفْوُ من الثُّلُثِ لِأَنَّهُ
قد عَفَا الذي وَجَبَ أو أَكْثَرَ منه ( قال ) وإذا جُرِحَ الْمَحْجُورُ عليه
بَالِغًا أو مَعْتُوهًا أو صَبِيًّا فَعَفَا أَرْشَ الْجُرْحِ في الْخَطَأِ لم
يَجُزْ عَفْوُهُ وَكَذَلِكَ في الْعَمْدِ الذي لَا يَكُونُ فيه الْقَوَدُ وَإِنْ
عَفَا الْقَوَدَ جَازَ عَفْوُهُ فيه فَإِنْ عَفَا دِيَتَهُ في الْخَطَأِ عن
عَاقِلَةِ قَاتِلِهِ فَهِيَ وَصِيَّةٌ لِغَيْرِ قَاتِلٍ فَمَنْ أَجَازَ
وَصِيَّتَهُ أَجَازَ هذا الْعَفْوَ في وَصِيَّتِهِ وَمَنْ لم يُجِزْهَا لم يُجِزْ
هذا الْعَفْوَ بِحَال
(6/89)
- * القامة ( ( ( القسامة ) )
) - *
أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال أخبرنا محمد بن إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ قال
أخبرنا مَالِكٌ عن بن أبي لَيْلَى بن عبد اللَّهِ بن عبد الرحمن عن سَهْلِ بن أبي
حَثْمَةَ أَنَّهُ أخبره رِجَالٌ من كُبَرَاءِ قَوْمِهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بن
سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةَ خَرَجَا إلَى خَيْبَرَ من جَهْدٍ أَصَابَهُمَا فَتَفَرَّقَا
في حَوَائِجِهِمَا فَأَتَى مُحَيِّصَةُ فَأَخْبَرَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بن سَهْلٍ
قد قُتِلَ وَطُرِحَ في فَقِيرٍ أو عَيْنٍ فَأَتَى يَهُودَ فقال أَنْتُمْ
وَاَللَّهِ قَتَلْتُمُوهُ فَقَالُوا وَاَللَّهِ ما قَتَلْنَاهُ فَأَقْبَلَ حتى
قَدِمَ على قَوْمِهِ فذكر ذلك لهم فَأَقْبَلَ هو وَأَخُوهُ حُوَيِّصَةُ وهو
أَكْبَرُ منه وَعَبْدُ الرحمن بن سَهْلٍ أَخُو الْمَقْتُولِ فَذَهَبَ مُحَيِّصَةُ
يَتَكَلَّمُ وهو الذي كان بِخَيْبَرَ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
لِمُحَيَّصَةَ كَبِّرْ كَبِّرْ يُرِيدُ السِّنَّ فَتَكَلَّمَ حُوَيِّصَةُ ثُمَّ
تَكَلَّمَ مُحَيِّصَةُ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إمَّا أَنْ يَدُوا
صَاحِبَكُمْ وَإِمَّا أَنْ يُؤْذَنُوا بِحَرْبٍ فَكَتَبَ إلَيْهِمْ رسول اللَّهِ
صلى اللَّهُ عليه وسلم في ذلك فَكَتَبُوا إلَيْهِ إنَّا وَاَللَّهِ ما قَتَلْنَاهُ
فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِحُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ وَعَبْدِ
الرحمن أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ قالوا لَا قال فَتَحْلِفُ
يَهُودُ قالوا لَيْسُوا بِمُسْلِمِينَ فَوَدَاهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه
وسلم من عِنْدِهِ فَبَعَثَ إلَيْهِمْ بِمِائَةِ نَاقَةٍ حتى أُدْخِلَتْ عليهم
الدَّارَ قال سَهْلٌ لقد رَكَضَتْنِي منها نَاقَةٌ حَمْرَاءُ ( 1 )
قال الشَّافِعِيُّ أخبرنا الثَّقَفِيُّ قال حدثني يحيى بن سَعِيدٍ وَأَخْبَرَنَا
بن عُيَيْنَةَ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن بُشَيْرِ بن يَسَارٍ عن سَهْلِ بن أبي
حَثْمَةَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مِثْلَ مَعْنَى حديث مَالِكٍ إلَّا أَنَّ
بن عُيَيْنَةَ كان لَا يُثْبِت أَقَدَّمَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
الْأَنْصَارِيِّينَ في الْأَيْمَانِ أَمْ يَهُودَ فَيُقَالُ في الحديث إنَّهُ
قَدَّمَ الْأَنْصَارِيِّينَ فَنَقُولُ فَهُوَ ذَاكَ أو ما أَشْبَهَ هذا (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا نَقُولُ فإذا كان مِثْلُ هذا السَّبَبِ الذي
حَكَمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فيه بِالْقَسَامَةِ حَكَمْنَا بها
وَجَعَلْنَا فيها الدِّيَةَ على الْمُدَّعَى عليهم فإذا لم يَكُنْ مِثْلُ ذلك
السَّبَبِ لم نَحْكُمْ بها فَإِنْ قال قَائِلٌ وما مِثْلُ السَّبَبِ الذي حَكَمَ
فيه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قِيلَ كانت خَيْبَرُ دَارَ يَهُودَ التي
قُتِلَ فيها عبد اللَّهِ بن سَهْلٍ مَحْضَةً لَا يَخْلِطُهُمْ غَيْرُهُمْ
وَكَانَتْ الْعَدَاوَةُ بَيْن الْأَنْصَارِ وَالْيَهُودِ ظَاهِرَةً وَخَرَجَ عبد
اللَّهِ بن سَهْلٍ بَعْدَ الْعَصْرِ وَوُجِدَ قَتِيلًا قبل اللَّيْلِ فَكَادَ أَنْ
يَغْلِبَ على من عَلِمَ هذا أَنَّهُ لم يَقْتُلْهُ إلَّا بَعْضُ يَهُودَ وإذا كانت
دَارُ قَوْمٍ مُجْتَمِعَةً لَا يَخْلِطُهُمْ غَيْرُهُمْ وَكَانُوا أَعْدَاءً
لِلْمَقْتُولِ أو قَبِيلَتِهِ وَوُجِدَ الْقَتِيلُ فِيهِمْ فَادَّعَى
أَوْلِيَاؤُهُ قَتْلَهُ فِيهِمْ فَلَهُمْ الْقَسَامَةُ وَكَذَلِكَ إذَا كان مِثْلُ
هذا الْمَعْنَى مِمَّا يَغْلِبُ على الْحَاكِمِ أَنَّهُ كما يَدَّعِي الْمُدَّعِي
على جَمَاعَةٍ أو وَاحِدٍ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَدْخُلَ نَفَرٌ بَيْتًا فَلَا
يَخْرُجُونَ منه إلَّا وَبَيْنَهُمْ قَتِيلٌ وَكَذَلِكَ إنْ كَانُوا في دَارٍ
وَحْدَهُمْ أو في صَحْرَاءَ وَحْدَهُمْ لِأَنَّ الْأَغْلَبَ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ
أو بَعْضُهُمْ وَكَذَلِكَ أَنْ يُوجَدَ قَتِيلٌ بِصَحْرَاءَ أو نَاحِيَةٍ ليس إلَى
جَنْبِهِ عَيْنٌ وَلَا أَثَرٌ إلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ مُخْتَضِبٌ بِدَمِهِ في
مَقَامِهِ ذلك أو يُوجَدَ قَتِيلٌ فَتَأْتِيَ بَيِّنَةٌ مُتَفَرِّقَةٌ من
الْمُسْلِمِينَ من نَوَاحٍ لم يَجْتَمِعُوا فَيُثْبِتُ كُلُّ وَاحِدٍ منهم على
الِانْفِرَادِ على رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَهُ فَتَتَوَاطَأُ شَهَادَتُهُمْ ولم
يَسْمَعْ بَعْضُهُمْ شَهَادَةَ بَعْضٍ وَإِنْ لم يَكُونُوا مِمَّنْ يَعْدِلُ في
الشَّهَادَةِ أو يَشْهَدَ شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَدْلٌ على رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَهُ
لِأَنَّ كُلَّ سَبَبٍ من هذا يَغْلِبُ على عَقْلِ الْحَاكِمِ أَنَّهُ كما ادَّعَى
وَلِيُّ الدَّمِ أو شَهِدَ من وَصَفْت وَادَّعَى وَلِيُّ الدَّمِ وَلَهُمْ إذَا
كان ما يُوجِبُ الْقَسَامَةَ على أَهْلِ الْبَيْتِ أو الْقَرْيَةِ أو الْجَمَاعَةِ
أَنْ يَحْلِفُوا على وَاحِدٍ منهم أو أَكْثَرَ فإذا أَمْكَنَ في الْمُدَّعَى عليه
أَنْ يَكُونَ في جُمْلَةِ الْقَتَلَةِ جَازَ أَنْ يُقْسِمَ عليه وَحْدَهُ وَعَلَى
غَيْرِهِ مِمَّنْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ في جُمْلَتِهِمْ معه ( 2 ) دَعْوَى إذَا
لم يَكُنْ معه ما وَصَفْت لَا يَجِبُ بها الْقَسَامَةُ وَكَذَلِكَ لَا تَجِبُ
الْقَسَامَةُ في أَنْ يُوجَدَ قَتِيلٌ في قَرْيَةٍ يَخْتَلِطُ بِهِمْ غَيْرُهُمْ
أو يَمُرُّ بِهِمْ الْمَارَّةُ إذَا أَمْكَنَ أَنْ يَقْتُلَهُ بَعْضُ من يَمُرُّ
وَيُلْقِيَهُ وإذا وَجَبَتْ الْقَسَامَةُ فَلِأَهْلِ الْقَتِيلِ أَنْ يُقْسِمُوا
وَإِنْ كَانُوا غُيَّبًا عن مَوْضِعِ الْقَتِيلِ لِأَنَّهُ قد يُمْكِنُ أَنْ
يَعْلَمُوا ذلك بِاعْتِرَافِ الْقَاتِل
(6/90)
أو بَيِّنَةٍ تَقُومُ
عِنْدَهُمْ لَا يَقْبَلُ الْحَاكِمُ منهم وَمِنْ غَيْرِهِمْ غير ذلك من وُجُوهِ
الْعِلْمِ التي لَا تَكُونُ شَهَادَةٌ بِقَطْعٍ وَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ
يَقُولَ اتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تَحْلِفُوا إلَّا بَعْدَ الِاسْتِثْبَاتِ
وَيَقْبَلُ أَيْمَانَهُمْ مَتَى حَلَفُوا - * من يُقْسِمُ وَيُقْسَمُ فيه وَعَلَيْهِ
- * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلِسَيِّدِ الْعَبْدِ الْقَسَامَةُ في الْعَبْدِ
وَجَبَتْ الْقَسَامَةُ له على الْأَحْرَارِ أو عَبِيدِهِمْ غير أَنَّ الدِّيَةَ
على الْأَحْرَارِ في اموالهم وَعَوَاقِلِهِمْ وَالدِّيَاتِ في رِقَابِ الْعَبِيدِ
وَدِيَةُ الْعَبْدِ ثَمَنُهُ ما كان وإذا وَجَبَتْ الْقَسَامَةُ في عَبْدٍ
مَأْذُونٍ له في التِّجَارَةِ أو غَيْرِ مَأْذُونٍ له فيها سَوَاءٌ وَالْقَسَامَةُ
لِسَيِّدِ الْعَبْدِ وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ قَسَامَةٌ لِأَنَّهُ ليس بِمَالِكٍ
وَكَذَلِكَ الْمُدَبَّرُ وَالْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ لِأَنَّ كُلَّ
هَؤُلَاءِ لَا يَمْلِكُ وَالْقَسَامَةُ لِسَادَاتِهِمْ دُونَهُمْ وَإِنْ كان
لِلْمَكَاتِبِ عَبْدٌ فَوَجَبَتْ له قَسَامَةٌ أَقْسَمَ لِأَنَّهُ مَالِكٌ فَإِنْ
لم يُقْسِمْ حتى يَعْجِزَ لم يَكُنْ له أَنْ يُقْسِمَ وهو مَمْلُوكٌ وكان لِسَيِّدِهِ
أَنْ يُقْسِمَ وَعَجْزُهُ كَمَوْتِهِ وَيَصِيرُ الْعَبْدُ الذي يُقْسَمُ فيه
لِسَيِّدِهِ بِالْمِيرَاثِ فَحَالُهُ كَحَالِ رَجُلٍ في هذا وَجَبَتْ له في عَبْدٍ
له أو بن أو غَيْرِهِ قَسَامَةٌ فلم يُقْسِمْ حتى مَاتَ فَتُقْسِمُ وَرَثَتُهُ
وَيَسْتَحِقُّونَ الدِّيَةَ لِأَنَّهُمْ يَقُومُونَ مَقَامَهُ وَيَمْلِكُونَ ما
مَلَكَ وَمَنْ قَتَلَ عَبْدًا لِأُمِّ وَلَدٍ فلم يُقْسِمْ سَيِّدُهَا حتى مَاتَ
وَأَوْصَى بِثَمَنِ الْعَبْدِ لها لم تُقْسِمْ وَأَقْسَمَ وَرَثَتُهُ وكان لها
ثَمَنُ الْعَبْدِ وَإِنْ لم تُقْسِمْ الْوَرَثَةُ لم يَكُنْ لها وَلَا لهم شَيْءٌ
إلَّا أَيْمَانُ الْمُدَّعَى عليهم وَلَوْ وَجَبَتْ الْقَسَامَةُ لِرَجُلٍ في
عَبْدٍ له فلم يُقْسِمْ حتى ارْتَدَّ عن الْإِسْلَامِ فَكَفَّ الْحَاكِمُ عن
أَمْرِهِ بِالْقَسَامَةِ فَإِنْ تَابَ أَقْسَمَ وَإِنْ مَاتَ أو قُتِلَ على الرِّدَّةِ
بَطَلَتْ الْقَسَامَةُ لِأَنَّهُ لَا وَارِثَ له إنَّمَا يُؤْخَذُ مَالُهُ فَيْئًا
وَلَوْ أَمَرَهُ مُرْتَدًّا فَأَقْسَمَ اسْتَحَقَّ الدِّيَةَ فَإِنْ أَسْلَمَ كانت
له وَإِنْ مَاتَ قبل الْإِسْلَامِ قُبِضَتْ فَيْئًا عنه وَلَوْ كانت الْقَسَامَةُ
وَجَبَتْ له في ابْنِهِ ثُمَّ ارْتَدَّ قبل أَنْ يُقْسِمَ كان الْجَوَابُ فيها
كَالْجَوَابِ في الْعَبْدِ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَأْمُرَهُ يُقْسِمَ وَتَثْبُتُ
الدِّيَةُ فَإِنْ تَابَ دَفَعَهَا إلَيْهِ وَإِنْ مَاتَ على الرِّدَّةِ قَبَضَهَا
فَيْئًا عنه وَلَوْ كان ابْنُهُ جُرِحَ فلم يَمُتْ حتى ارْتَدَّ أَبُوهُ ثُمَّ
مَاتَ الِابْنُ بَعْدَ رِدَّةِ الْأَبِ لم يَكُنْ الْأَبُ له وَارِثًا ولم يَكُنْ
له أَنْ يُقْسِمَ وَأَقْسَمَ وَرَثَةُ الِابْنِ سِوَى الْأَبِ وَلَوْ رَجَعَ
الْأَبُ إلَى الْإِسْلَامِ لم يَكُنْ له من مِيرَاثِ الِابْنِ شَيْءٌ وَلَوْ
جُرِحَ رَجُلٌ ثُمَّ ارْتَدَّ فَمَاتَ مُرْتَدًّا وَوَجَبَتْ فيه الْقَسَامَةُ
بَطَلَتْ الْقَسَامَةُ لِأَنَّهُ وَارِثٌ له وَلَوْ جُرِحَ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ
رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ قبل يَمُوتَ ثُمَّ مَاتَ كانت فيه الْقَسَامَةُ
لِأَنَّهُ مَوْرُوثٌ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ جُرِحَ عَبْدٌ فَأُعْتِقَ
ثُمَّ مَاتَ حُرًّا وَجَبَتْ فيه الْقَسَامَةُ لِوَرَثَتِهِ الْأَحْرَارِ
وَسَيِّدِهِ الْمُعْتِقِ بِقَدْرِ ما يَمْلِكُ سَيِّدُهُ الْمُعْتِقُ مِمَّا
وَجَبَ في جِرَاحِهِ وَقَدْرَ ما يَمْلِكُ الْوَرَثَةُ سُهْمَانَهُمْ من
مِيرَاثِهِ كَأَنَّ سَيِّدَهُ مَلَكَ بِجِرَاحِهِ ثُلُثَ دِيَةِ حُرٍّ فَيَحْلِفُ
ثُلُثَ الْأَيْمَانِ وَالْوَرَثَةُ ثُلُثَيْهَا بِقَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ فيها
وَلَا تَجِبُ الْقَسَامَةُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وإذا أُصِيبَ رَجُلٌ بِمَوْضِعٍ
تَجِبُ فيه الْقَسَامَةُ فَمَاتَ مَكَانَهُ فَفِيهِ الْقَسَامَةُ وَإِنْ أُصِيبَ
في ذلك الْمَوْضِعِ بِجُرْحٍ ثُمَّ عَاشَ بَعْدَ الْجُرْحِ مُدَّةً طَوِيلَةً أو
قَصِيرَةً صَاحِبَ فِرَاشٍ حتى مَاتَ فَفِيهِ الْقَسَامَةُ وَإِنْ كانت تُقْبِلُ
وَتُدْبِرُ وَإِنْ لم يَلْتَئِمْ الْجُرْحُ لم يَكُنْ فيه قَسَامَةٌ وَإِنْ مَاتَ
وقال وَرَثَتُهُ لم يَزَلْ صَاحِبَ فِرَاشٍ حتى مَاتَ وقال الذي يُقْسِمُ بَلْ كان
يُقْبِلُ وَيُدْبِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ وَرَثَتِهِ وَلَهُمْ الْقَسَامَةُ إلَّا
أَنْ يَأْتِيَ الْجَانِي بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ قد كان يُقْبِلُ وَيُدْبِرُ بَعْدَ
الْجُرْحِ فَتَسْقُطُ الْقَسَامَةُ وَإِنَّمَا جَعَلْت الْقَوْلَ قَوْلَ
الْوَرَثَةِ في أَنَّهُ كان صَاحِبَ فِرَاشٍ ( 1 ) وَذَلِكَ لِأَنَّهُ ليس بُدٌّ
من
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ يَحْلِفُ في الْقَسَامَةِ الْوَارِثُ
الْبَالِغُ غَيْرُ الْمَغْلُوبِ على عَقْلِهِ من كان منهم مُسْلِمًا أو كَافِرًا
عَدْلًا أو غير عَدْلٍ وَمَحْجُورًا عليه وَالْقَسَامَةُ في الْمُسْلِمِينَ على
الْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكِينَ على الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ فيما بَيْنَهُمْ
مِثْلُهَا على الْمُسْلِمِينَ لَا تَخْتَلِفُ لِأَنَّ كُلًّا وَلِيُّ دَمِهِ
وَوَارِثُ دِيَةِ الْمَقْتُولِ وَمَالِهِ إلَّا أَنَّا لَا نَقْبَلُ شَهَادَةَ
مُشْرِكٍ على مُسْلِمٍ وَلَا نَسْتَدِلُّ بِقَوْلِهِ بِحَالٍ لِأَنَّ من حُكْمَ
الْإِسْلَامِ إبْطَالُ أَخْذِ الْحُقُوقِ بِشَهَادَةِ الْمُشْرِكِينَ
(6/91)
الْقَسَامَةِ على النَّفْسِ
إنْ فُلَانًا قَتَلَهَا إذَا كان لها سَبَبٌ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ وَلَوْ قال
وَرَثَةُ الْمَيِّتِ لم يَزَلْ مَرِيضًا من الْجُرْحِ حتى مَاتَ فقال الْمُدَّعَى
عليه إنَّهُ مَاتَ من غَيْرِ الْجُرْحِ أو قالوا ذلك في رَجُلٍ قَامَتْ له
بَيِّنَةٌ أو اعْتِرَافٍ رَجُلٍ بِأَنَّهُ جَرَحَهُ جُرْحًا عَمْدًا أو خَطَأً
وَقَامَتْ لهم بَيِّنَةٌ في هذا بِأَنَّهُ لم يَزَلْ صَاحِبَ فِرَاشٍ حتى مَاتَ
جَعَلَتْ عليهم الْأَيْمَانُ في الْأَوَّلِ وَالْآخَرِ لَمَاتَ من ذلك الْجُرْحِ
وَجَعَلْت لهم في الْقَسَامَةِ الدِّيَةَ وفي الْجِنَايَةِ الْعَمْدِ التي قَامَتْ
بها الْبَيِّنَةُ أو أَقَرَّ بها الْجَانِي الْقَوَدَ إذَا أَقْسَمُوا لَمَاتَ
منها وَمَنْ أَوْجَبْت له دِيَةَ نَفْسٍ بِيَمِينٍ أو أَوْجَبْت له أَنْ يَبْرَأَ
من نَفْسٍ بِيَمِينٍ لم يَسْتَحِقَّ هذا ولم يَبْرَأْ من هذا بِأَقَلَّ من
خَمْسِينَ يَمِينًا وَالْأَيْمَانُ في الدِّمَاءِ خِلَافُ الْأَيْمَانِ في
الْحُقُوقِ وَهِيَ في جَمِيعِ الْحُقُوقِ يَمِينٌ يَمِينٌ وفي الدِّمَاءِ
خَمْسُونَ يَمِينًا بِمَا سَنَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في
الْقَسَامَةِ فلم نجز ( ( ( تجز ) ) ) في يَمِينِ دَمٍ يَبْرَأُ بها الْمُحَلَّفُ
وَلَا يَأْخُذُ بها الْمُدَّعِي أَقَلَّ من خَمْسِينَ يَمِينًا وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ - * الْوَرَثَةُ يُقْسِمُونَ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ
وَجَبَتْ في رَجُلٍ قَسَامَةٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَهُ وَصَايَا فَامْتَنَعَ
الْوَرَثَةُ من الْقَسَامَةِ فَسَأَلَ أَهْلَ الدَّيْنِ أو الْمُوصَى لهم أَنْ
يُقْسِمُوا لم يَكُنْ ذلك لهم وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَيْسُوا الْمَجْنِيَّ عليه الذي
وَجَبَ له على الْجَانِينَ الْمَالُ وَلَا الْوَرَثَةُ الَّذِينَ أَقَامَهُمْ
اللَّهُ تَعَالَى مَقَامَ الْمَيِّتِ في مَالِهِ بِقَدْرِ ما فُرِضَ له منه ( قال
الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ تَرَكَ الْقَتِيلُ وَارِثَيْنِ فَأَقْسَمَ أَحَدُهُمَا
فَاسْتَحَقَّ بِهِ نِصْفَ الدِّيَةِ أَخَذَهَا الْغُرَمَاءُ من يَدِهِ فَإِنْ
فَضَلَ منها فَضْلٌ أَخَذَ أَهْلُ الْوَصَايَا ثُلُثَهَا من يَدِهِ ولم يَكُنْ لهم
أَنْ يُقْسِمُوا وَيَأْخُذُوا النِّصْفَ الْآخَرَ فَإِنْ أَقْسَمَ الْوَارِثُ
الْآخَرُ أَخَذَ الْغُرَمَاءُ من يَدِهِ ما في يَدِهِ حتى يَسْتَوْفُوا دُيُونَهُمْ
وَإِنْ اسْتَوْفُوهَا أَخَذَ أَهْلُ الْوَصَايَا الثُّلُثَ مِمَّا في يَدِهِ
وَإِنْ كان لِلْغُرَمَاءِ مِائَةُ دِينَارٍ فَاسْتَوْفُوهَا من نِصْفِ الدِّيَةِ
الذي وَجَبَ لِلَّذِي أَقْسَمَ أَوَّلًا ثُمَّ أَقْسَمَ الْآخَرُ رَجَعَ
الْأَوَّلُ على الْآخَرِ بِخَمْسِينَ دِينَارًا وَلَا يَرْجِعُ عليه في
الْوَصَايَا لِأَنَّ أَهْلَ الْوَصَايَا إنَّمَا يَأْخُذُونَ منه ثُلُثَ ما في
يَدِهِ لَا كُلَّهُ كما يَأْخُذُهُ الْغُرَمَاءُ وَلَا يُقْسِمُ ذُو قَرَابَةٍ ليس
بِوَارِثٍ وَلَا وَلِيُّ يَتِيمٍ من وَلَدِ الْمَيِّتِ حتى يَبْلُغَ الْيَتِيمُ
فَإِنْ مَاتَ الْيَتِيمُ قام وَرَثَتُهُ في ذلك مَقَامَهُ وَإِنْ طَلَبَ ذُو
قَرَابَةٍ وهو غَيْرُ وَارِثٍ الْقَتِيلَ أَنْ يُقْسِمَ جَمِيعَ الْقَسَامَةِ لم
يَكُنْ ذلك له فَإِنْ مَاتَ بن الْقَتِيلِ أو زَوْجَةٌ له أو أُمٌّ أو جَدَّةٌ
فَوَرِثَهُ ذُو الْقَرَابَةِ كان له أَنْ يُقْسِمَ لِأَنَّهُ صَارَ وَارِثًا
وَمَنْ وَجَبَتْ له الْقَسَامَةُ وهو غَائِبٌ أو مَخْبُولٌ أو صَبِيٌّ فلم
يَحْضُرْ الْغَائِبُ أو حَضَرَ فلم يُقْسِمْ ولم يَبْلُغْ الصَّبِيُّ ولم يُفِقْ
الْمَعْتُوهُ أو بَلَغَ هذا وَأَفَاقَ هذا فلم يُقْسِمُوا ولم يُبْطِلُوا
حُقُوقَهُمْ في الْقَسَامَةِ حتى مَاتُوا قام وَرَثَتُهُمْ مَقَامَهُمْ في أَنْ
يُقْسِمُوا بِقَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ منهم وَذَلِكَ أَنْ يَرِثَ بن عُشْرَ مَالِ
أبيه ثُمَّ يَمُوتَ فَيَرِثُهُ عَشْرَةٌ فَيَكُونَ على كل وَاحِدٍ من الْعَشَرَةِ
يَمِينٌ وَاحِدَةٌ من قِبَلِ أَنَّ له عُشْرَ الْعَشْرِ من مِيرَاثِ الْقَتِيلِ
وَعُشْرُ الْعُشْرِ وَاحِدٌ وَهَكَذَا هذا في غَيْرِهِ من الْوَرَثَةِ يُقْسِمُونَ
على قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ فَإِنْ قال قَائِلٌ فَفِي حديث بن أبي لَيْلَى ذِكْرُ
أَخِي الْمَقْتُولِ وَرَجُلَيْنِ معه أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لهم
تَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ فَكَيْفَ لَا يَحْلِفُ إلَّا وَارِثٌ قُلْت قد
يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قال ذلك لِوَارِثِ الْمَقْتُولِ هو وَغَيْرُهُ وَيُمْكِنُ
أَنْ يَكُونَ قال ذلك لِوَارِثِهِ وَحْدَهُ تَحْلِفُونَ لِوَاحِدٍ أو قال ذلك
لِجَمَاعَتِهِمْ يَعْنِي بِهِ يَحْلِفُ الْوَرَثَةُ إنْ كان مع أَخِيهِ الذي حَكَى
أَنَّهُ حَضَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَارِثٌ غَيْرُهُ أو كان أَخُوهُ غير
وَارِثٍ له وهو يَعْنِي بِذَلِكَ الْوَرَثَةَ فَإِنْ قال قَائِلٌ ما الدَّلَالَةُ
على هذا فان جَمِيعَ حُكْمِ اللَّهِ وَسُنَنِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا قُتِلَ الرَّجُلُ فَوَجَبَتْ فيه الْقَسَامَةُ لم
يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يُقْسِمَ عليه إلَّا أَنْ يَكُونَ وَارِثًا كَأَنْ قَتَلَهُ
عَمْدًا أو خَطَأً وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا تَمْلِكُ ( 1 ) النَّفْسُ بِالْقَسَامَةِ
إلَّا دِيَةَ الْمَقْتُولِ وَلَا يَمْلِكُ دِيَةَ الْمَقْتُولِ إلَّا وَارِثٌ
فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْسِمَ على ما لَا يَسْتَحِقُّهُ إلَّا من له الْمَالُ
بِنَفْسِهِ أو من جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى له الْمَالَ من الْوَرَثَةِ
(6/92)
رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه
وسلم فِيمَا سِوَى الْقَسَامَةِ أَنَّ يَمِينَ الْمَرْءِ لَا تَكُونُ إلَّا فِيمَا
يَدْفَعُ بها الرَّجُلُ عن نَفْسِهِ كما يَدْفَعُ قَاذِفُ امْرَأَتِهِ الْحَدَّ عن
نَفْسِهِ وَيَنْفِي بها الْوَلَدَ ( 1 ) وَكَمَا يَدْفَعُ بها الْحَقَّ عن
نَفْسِهِ وَالْحَدَّ وَغَيْرَهُ وَفِيمَا يَأْخُذُ بها الرَّجُلُ مع شَاهِدٍ
وَيَدَّعِي الْمَالَ فَيَنْكُلُ الْمُدَّعَى عليه وَتُرَدُّ عليه الْيَمِينُ
فَيَأْخُذُ بِيَمِينِهِ وَنُكُولُ صَاحِبِهِ ما ادَّعَى عليه لَا أَنَّ الرَّجُلَ
يَحْلِفُ فَيَبْرَأُ غَيْرُهُ وَلَا يَحْلِفُ فَيَمْلِكُ غَيْرُهُ بِيَمِينِهِ
شيئا فلما لم يَكُنْ في الحديث بَيَانٌ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى
بها لِغَيْرِ وَارِثٍ وَيَسْتَحِقُّ بها الْوَارِثُ لم يَجُزْ فيها وَاَللَّهُ
اعلم إلَّا ان تَكُونَ في مَعَانِي ما حَكَمَ اللَّهُ عز وجل بِهِ من الْأَيْمَانِ
ثُمَّ رَسُولُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ الْمُسْلِمُونَ من أَنَّهُ لَا
يَمْلِكُ أَحَدٌ بِيَمِينِ غَيْرِهِ شيئا - * بَيَانُ ما يُحْلِفُ عليه
الْقَسَامَةَ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا
يَجِبُ على أَحَدٍ حَقٌّ في الْقَسَامَةِ حتى تَكْمُلَ أَيْمَانُ الْوَرَثَةِ
خَمْسِينَ يَمِينًا وَسَوَاءٌ كَثُرَ الْوَرَثَةُ أو قَلُّوا وإذا مَاتَ
الْمَيِّتُ وَتَرَكَ وَارِثًا وَاحِدًا أَقْسَمَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَاسْتَحَقَّ
الدِّيَةَ وَإِنْ تَرَكَ وَارِثَيْنِ أو أَكْثَرَ فَكَانَ أَحَدُهُمَا صَغِيرًا أو
غَائِبًا أو مَغْلُوبًا على عَقْلِهِ أو حَاضِرًا بَالِغًا فلم يَحْلِفْ فَأَرَادَ
أَحَدُهُمَا الْيَمِينَ لم يُحْبَسْ على غَائِبٍ وَلَا صَغِيرٍ ولم يَبْطُلْ
حَقُّهُ من مِيرَاثِهِ من دَمِهِ بِامْتِنَاعِ غَيْرِهِ من الْيَمِينِ وَلَا
إكْذَابِهِ دَعْوَى أَخِيهِ وَلَا صِغَرِهِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ
يَسْأَلَ من وَجَبَتْ له الْقَسَامَةُ من صَاحِبُكَ فإذا قال فُلَانٌ قال فُلَانٌ
وَحْدَهُ فَإِنْ قال نعم قال عَمْدًا أو خَطَأً فَإِنْ قال عَمْدًا سَأَلَهُ ما
الْعَمْدُ فَإِنْ وَصَفَ ما يَجِبُ بمثله قِصَاصٌ لو قَامَتْ بَيِّنَةٌ أَحْلَفَهُ
على ذلك وَإِنْ وَصَفَ من الْعَمْدِ ما لَا يَجِبُ فيه قِصَاصٌ وَإِنَّمَا يَكُونُ
فيه الْعَقْلُ أَحْلَفَهُ على ذلك بَعْدَ إثْبَاتِهِ وَإِنْ قال قَتَلَهُ فُلَانٌ
وَنَفَرٌ معه لم يُحْلِفْهُ حتى يُسَمِّيَ النَّفَرَ فَإِنْ قال لَا أَعْرِفُهُمْ
وأنا أَحْلِفُ على هذا أَنَّهُ فِيمَنْ قَتَلَهُ لم يُحْلِفْهُ حتى يُسَمِّيَ
عَدَدَ النَّفَرِ معه فَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً أَحْلَفَهُ على الذي أَثْبَتَهُ
وكان له عليه ثُلُثُ الدِّيَةِ أو على عَاقِلَتِهِ وَإِنْ كَانُوا أَرْبَعَةً
فَرُبُعُهَا وَإِنْ لم يُثْبِتْ عَدَدَهُمْ لم يَحْلِفْ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي
كَمْ يَلْزَمُ هذا الذي يَثْبُتُ وَلَا عَاقِلَتُهُ من الدِّيَةِ لو حَلَفَ عليه
وَلَوْ عَجَّلَ الْحَاكِمُ فَأَحْلَفَهُ قبل أَنْ يَسْأَلَهُ عن هذا كان عليه أَنْ
يُعِيدَ عليه الْيَمِينَ إذَا أَثْبَتَ كَمْ عَدَدُ من قَتَلَ معه وَلَوْ عَجَّلَ
الْحَاكِمُ فَأَحْلَفَهُ لِقَتْلِ فُلَانٍ فُلَانًا ولم يَقُلْ عَمْدًا وَلَا خَطَأً
أَعَادَ عليه عَدَدَ ما يَلْزَمُهُ من الْأَيْمَانِ لِأَنَّ حُكْمَ الدِّيَةِ في
الْعَمْدِ أنها في مَالِهِ وفي الْخَطَأِ أنها على عَاقِلَتِهِ وَلَوْ عَجَّلَ
فَأَحْلَفَهُ لِقَتْلِهِ مع غَيْرِهِ عَمْدًا ولم يَقُلْ قَتَلَهُ وَحْدَهُ
أَعَادَ عليه الْيَمِينَ لِقَتْلِهِ وَحْدَهُ وَلَوْ عَجَّلَ فَأَحْلَفَهُ
لِقَتْلِهِ مع غَيْرِهِ ولم يُسَمِّ عَدَدَ الَّذِينَ قَتَلُوهُ معه أَعَادَ عليه
الْأَيْمَانَ إذَا عَرَفَ الْعَدَدَ وَلَوْ أَحْلَفَهُ لِقَتْلِهِ وَثَلَاثَةٍ معه
لم يُسَمِّهِمْ قَضَى عليه بِرُبُعِ الدِّيَةِ أو على عَاقِلَتِهِ فَإِنْ جاء
بِوَاحِدٍ من الثَّلَاثَةِ فقال قد أَثْبَتَ هذا أَحْلَفَهُ أَيْضًا عليه عِدَّةَ
ما يَلْزَمُهُ من الْأَيْمَانِ فَإِنْ كان هذا الْوَارِثُ وَحْدَهُ أَحْلَفَهُ
خَمْسِينَ يَمِينًا لِقَتْلِهِ مع هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ فَإِنْ كان يَرِثُ النِّصْفَ
فَنِصْفُ الْأَيْمَانِ ولم تُعَدَّ عليه الْأَيْمَانُ الْأُولَى ثُمَّ كُلَّمَا
أَثْبَتَ وَاحِدًا معه أَعَادَ عليه ما يَلْزَمُهُ من الْأَيْمَانِ كما يَبْتَدِئُ
اسْتِحْلَافَهُ على وَاحِدٍ لو كانت دَعْوَاهُ عليه مُنْفَرِدَةً وَإِنْ كان له
وَارِثَانِ فَأَغْفَلَ الْحَاكِمُ بَعْضَ ما وَصَفْت أَنَّ عليه أَنْ يُحْلِفَهُ
عليه أو أَحْلَفَهُ مُغْفِلًا خَمْسِينَ يَمِينًا ثُمَّ جاء الْوَارِثُ الْآخَرُ
فَحَلَفَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ يَمِينًا أَعَادَ على الْأَوَّلِ خَمْسًا
وَعِشْرِينَ يَمِينًا لأنها ( ( ( لأنه ) ) ) هِيَ التي تَلْزَمُهُ مع الْوَارِثِ
معه وَإِنَّمَا أَحْلَفَهُ أَوَّلًا خَمْسِينَ يَمِينًا لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ
نَصِيبَهُ من الدِّيَةِ إلَّا بها إذَا لم تَتِمَّ أَيْمَانُ الْوَرَثَةِ معه
خَمْسِينَ يَمِينًا - * عَدَدُ الْأَيْمَانِ على كل حَالِفٍ - *
(6/93)
وَقِيلَ لِلَّذِي يُرِيدُ
الْيَمِينَ أنت لَا تَسْتَوْجِبُ شيئا من الدِّيَةِ على الْمُدَّعَى عليهم وَلَا
على عَوَاقِلِهِمْ إلَّا بِخَمْسِينَ يَمِينًا فَإِنْ شِئْت أَنْ تُعَجِّلَ
فَتَحْلِفَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَتَأْخُذُ نُصِيبَكَ من الْمِيرَاثِ لَا يُزَادُ
عليه قَبِلْت مِنْكَ وَإِنْ امْتَنَعْت فَدَعْ هذا حتى يَحْضُرَ مَعَكَ وَارِثٌ
تُقْبَلُ يَمِينُهُ فَتَحْلِفَانِ خَمْسِينَ يَمِينًا أو وَرَثَتُهُ فَتَكْمُلَ
أَيْمَانُكُمْ خَمْسِينَ يَمِينًا كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِقَدْرِ ما يَجِبُ عليه
من الْأَيْمَانِ أو أَكْثَرَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُزَادَ على وَارِثٍ في
الْأَيْمَانِ على قَدْرِ حِصَّتِهِ من الْمِيرَاثِ إلَّا في مَوْضِعَيْنِ
أَحَدُهُمَا ما وَصَفْت من أَنْ يَغِيبَ وَارِثٌ أو يَصْغُرَ أو يَنْكُلَ
فَيُرِيدُ أَحَدُ الْوَرَثَةِ الْيَمِينَ فَلَا يَأْخُذُ حَقَّهُ إلَّا بِكَمَالِ
خَمْسِينَ يَمِينًا فَيُزَادُ عليه في الْأَيْمَانِ في هذا الْمَوْضِعِ وَلَا
يُجْبَرُ على الْأَيْمَانِ أو يَدَعَ الْمَيِّتُ ثَلَاثَ بَنِينَ فَتَكُونُ
حِصَّةُ كل وَاحِدٍ منهم سَبْعَةَ عَشَرَ يَمِينًا إلَّا ثُلُثَ يَمِينٍ فَلَا
يَجُوزُ في الْيَمِينِ كَسْرٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْلِفَ وَاحِدٌ سِتَّةَ عَشَرَ
يَمِينًا وَعَلَيْهِ ثُلُثَا يَمِينٍ وَيَحْلِفُ آخَرُ سَبْعَةَ عَشَرَ ( 1 )
وَلَا سَبْعَةَ عَشَرَ وَزِيَادَةً وَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ منهم سَبْعَةَ عَشَرَ
يَمِينًا فَيَكُونُ عليهم زِيَادَةُ يَمِينٍ بَيْنَهُمْ وَهَكَذَا من وَقَعَ عليه
أو له كَسْرُ يَمِينٍ جَبَرَهَا وَإِنْ لم يَدَعْ الْقَتِيلُ وَارِثًا إلَّا
ابْنَهُ أو أَبَاهُ أو أَخَاهُ أَجْزَأَهُ أَنْ يَحْلِفَ خَمْسِينَ يَمِينًا
لِأَنَّهُ مَالِكٌ الْمَالَ كُلَّهُ وَكُلُّ من مَلَكَ شيئا حَلَفَ عليه وَهَكَذَا
لو لم يَدَعْ إلَّا ابْنَتَهُ وَهِيَ مَوْلَاتُهُ حَلَفَتْ خَمْسِينَ يَمِينًا
وَأَخَذَتْ الْكُلَّ النِّصْفَ بِالنَّسَبِ وَالنِّصْفَ بِالْوَلَاءِ وَهَكَذَا لو
لم يَدَعْ إلَّا زَوْجَةً وَهِيَ مَوْلَاتُه وإذا تَرَكَ أَكْثَرَ من خَمْسِينَ
وَارِثًا سَوَاءٌ في مِيرَاثِهِ كَأَنَّهُمْ بَنُونَ مَعًا أو إخْوَةٌ مَعًا أو
عُصْبَةٌ في ( 2 ) الْقُعْدَدِ إلَيْهِ سَوَاءٌ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ منهم
يَمِينًا وَإِنْ جَازُوا خَمْسِينَ أَضْعَافًا لِأَنَّهُ لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ
مَالًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَا إقْرَارٍ من الْمُدَّعَى عليه بِلَا يَمِينٍ منه
وَلَا يَمْلِكُ أَحَدٌ بِيَمِينِ غَيْرِهِ شيئا وَلَوْ كانت فِيهِمْ زَوْجَةٌ
فَوَرِثَتْ الرُّبُعَ أو الثُّمُنَ حَلَفَتْ رُبُعَ الْأَيْمَانِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ
يَمِينًا يُزَادُ عليها كَسْرُ يَمِينٍ أو ثُمُنَ الْأَيْمَانِ سَبْعَةَ أَيْمَانٍ
يُزَادُ عليها كَسْرُ يَمِينٍ لِمَا وَصَفْت من أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إذَا كان على
وَارِثٍ كَسْرُ يَمِينٍ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِيَمِينٍ تَامَّةٍ - * نُكُولُ
الْوَرَثَةِ وَاخْتِلَافُهُمْ في الْقَسَامَةِ وَمَنْ يدعي عليهم - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فإذا كان لِلْقَتِيلِ
وَارِثَانِ فَامْتَنَعَ أَحَدُهُمَا من الْقَسَامَةِ لم يَمْنَعْ ذلك الْآخَرَ من
أَنْ يُقْسِمَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَيَسْتَحِقَّ نَصِيبَهُ من الْمِيرَاثِ
وَكَذَلِكَ إنْ كان الْوَرَثَةُ عَدَدًا كَثِيرًا فَنَكَلُوا إلَّا وَاحِدًا
وَكَذَلِكَ إنْ كان الْمُقْسَمُ عليه عَدْلًا وَالْمُقْسِمُ غَيْرُ عَدْلٍ
قُبِلَتْ قَسَامَتُهُ لِأَنَّهُ حَقٌّ يَأْخُذُهُ بِيَمِينِهِ فَالْعَدْلُ
وَغَيْرُ الْعَدْلِ سَوَاءٌ كما يَكُونُ لِلرَّجُلَيْنِ شَاهِدٌ وَلِلرِّجَالِ
شَاهِدٌ فَيَمْتَنِعُ أَحَدُهُمْ أو أَكْثَرُهُمْ من الْيَمِينِ وَيَحْلِفُ
غَيْرُهُ منهم فَيَكُونُ لِلْحَالِفِ أَخْذُ حَقِّهِ كما يدعي على الرِّجَالِ
حَقٌّ فَيُقِرُّ بِهِ بَعْضُهُمْ وَيُنْكِرُ بَعْضٌ فَيَحْلِفُ الْمُنْكِرُ
وَيَبْرَأُ وَيُؤْخَذُ من الْمُقِرِّ ما أَقَرَّ بِهِ فإذا كانت على الرَّجُلِ في
الْقَسَامَةِ أَيْمَانٌ فلم يُكْمِلْهَا حتى مَاتَ كان على الْوَرَثَةِ أَنْ
يَبْتَدِئُوا الْأَيْمَانَ التي كانت على أَبِيهِمْ وَلَا يُحَاسَبُونَ
بِأَيْمَانِهِ لِأَنَّ أَيْمَانَهُ غَيْرُ أَيْمَانِهِمْ وهو لم يَكُنْ يَأْخُذُ
بِأَيْمَانِهِ شيئا حتى يُكْمِلَ ما عليه فيه وَلَوْ كان لم يَمُتْ وَلَكِنَّهُ لم
يُكْمِلْ أَيْمَانَهُ حتى غُلِبَ على عَقْلِهِ فإذا أَفَاقَ احْتَسَبَ بِمَا
بَقِيَ من أَيْمَانِهِ ولم يَسْقُطْ من أَيْمَانِهِ الْمَاضِيَةِ شَيْءٌ من قِبَلِ
أَنَّ عليه عَدَدَ شَيْءٍ فإذا أتى بِهِ مَجْمُوعًا أو مُفَرَّقًا عِنْدَ حَاكِمٍ
فَقَدْ أَدَّى ما عليه وَلَوْ جاء بِهِ عِنْدَ حَاكِمَيْنِ وَيَجِبُ على
الْحَاكِمِ أَنْ يُثْبِتَ له عَدَدَ ما حَلَفَ عِنْدَهُ قبل يَغْلِبَ على عَقْلِهِ
وما حَلَفَ عِنْدَ غَيْرِهِ وَلَوْ حَلَفَ على بَعْضِ الْأَيْمَانِ ثُمَّ سَأَلَ
الْحَاكِمَ أَنْ يُنْظَرَ أَنْظَرَهُ فإذا جاء لِيَسْتَكْمِلَ الْأَيْمَانَ
حُسِبَتْ له ما مَضَى منها عِنْدَهُ وإذا كان لِلْقَتِيلِ تَجِبُ فيه الْقَسَامَةُ
وَارِثَانِ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا على رَجُلٍ من أَهْلِ الْمَحَلَّةِ أَنَّهُ
قَتَلَهُ وَحْدَهُ وَأَبْرَأَهُ صَاحِبُهُ بِأَنْ قال ما قَتَلَهُ كان فيه
(6/94)
قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ
لِوَلِيِّ الدَّمِ الْمُدَّعِي الذي لم يُبْرِئْ أَنْ يَحْلِفَ خَمْسِينَ يَمِينًا
وَيَسْتَحِقَّ على الْمُدَّعَى عليه نِصْفَ الدِّيَةِ إنْ كان عَمْدًا في مَالِهِ
وَعَلَى الْعَاقِلَةِ إنْ كان خَطَأً وَمَنْ قال هذا الْقَوْلَ قال لو كان عَدْلًا
فَشَهِدَ له أَنَّهُ كان في الْوَقْتِ الذي قُتِلَ فيه وَهُمْ يَتَصَادَقُونَ على
الْوَقْتِ غَائِبًا بِبَلَدٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَصِلَ منه في ذلك الْوَقْتِ وَلَا
في يَوْمٍ إلَى مَوْضِعِ الْقَتِيلِ لم يُبَرَّأْ لِأَنَّهُ وَاحِدٌ لَا تَجُوزُ
شَهَادَتُهُ ولو كان الْوَارِثَانِ اثْنَيْنِ عَدْلَيْنِ فَشَهِدَا له بهذا أو
شَهِدَا على آخَرَ أَنَّهُ قَتَلَهُ أَجَزْنَا شَهَادَتَهُمَا ولم نَجْعَلْ فيه
قَسَامَةٌ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ ليس لِلْوَرَثَةِ أَنْ يُقْسِمُوا على
رَجُلٍ يُبَرِّئُهُ أَحَدُهُمْ إذَا كان الذي يُبَرِّئُهُ يَعْقِلُ فَإِنْ
أَبْرَأَهُ منهم مَغْلُوبٌ على عَقْلِهِ أو صَبِيٌّ لم يَبْلُغْ كان لِلْبَاقِينَ
منهم أَنْ يَحْلِفُوا - * ما يُسْقِطُ حُقُوقَ أَهْلِ الْقَسَامَةِ من
الِاخْتِلَافِ وما لَا يُسْقِطُهَا - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اخْتَلَفَ الْوَارِثَانِ فِيمَنْ تَجِبُ عليه
الْقَسَامَةُ فَكَانَتْ دَعْوَاهُمَا مَعًا مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يُصَدَّقَا فيه
بِحَالٍ لم يَسْقُطْ حَقُّهُمَا في الْقَسَامَةِ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ هذا
قَتَلَ أبي عبد اللَّهِ بن خَالِدٍ وَرَجُلٍ لَا أَعْرِفُهُ وَيَقُولُ الْآخَرُ
قَتَلَ أبي زَيْدٍ بن عَامِرٍ وَرَجُلٍ لَا أَعْرِفُهُ لِأَنَّهُ قد يَجُوزُ أَنْ
يَكُونَ زَيْدُ بن عَامِرٍ هو الرَّجُلُ الذي عَرَفَهُ الذي جَهِلَ عَبْدَ اللَّهِ
بن خَالِدٍ وَأَنْ يَكُونَ عبد اللَّهِ بن خَالِدٍ هو الرَّجُلُ الذي جَهِلَهُ
الذي عَرَفَ زَيْدَ بن عَامِرٍ وَلَوْ قال الذي ادَّعَى على عبد اللَّهِ قد
عَرَفْت زَيْدًا وَلَيْسَ بِاَلَّذِي قَتَلَ مع عبد اللَّهِ وقال الذي عَرَفَ
زَيْدًا قد عَرَفْت عَبْدَ اللَّهِ وَلَيْسَ بِاَلَّذِي قَتَلَ مع زَيْدٍ فَفِيهَا
قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُقْسِمَ على
الذي ادَّعَى عليه وَيَأْخُذَ منه رُبُعَ الدِّيَةِ وَمَنْ قال هذا قال حَقُّ كل وَاحِدٍ
مِنْهُمَا غَيْرُ حَقِّ صَاحِبِهِ كَرَجُلَيْنِ لَهُمَا حَقٌّ على رَجُلٍ
فَأَبْرَأَهُ أَحَدُهُمَا بِإِكْذَابِ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّهُ قد يُمْكِنُ في كل
الْمُدَّعَى عَلَيْهِمَا الْقَتْلُ وفي كل وَاحِدٍ من الْوَارِثِينَ وَعَلَى كل
وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْوَهْمُ أو يُثْبِتُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ مع الذي
ادَّعَى عليه قَاتِلًا غَيْرَهُ وَإِنْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على
غَيْرِ الذي أَبْرَأَهُ أَنَّهُ قَاتِلٌ مع الذي ثَبَتَ عليه كان لِكُلِّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا أَنْ يُقْسِمَ وَيَأْخُذَ منه حِصَّتَهُ من الدِّيَةِ وَالْقَوْلُ
الثَّانِي أَنْ ليس لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُقْسِمَ حتى تَجْتَمِعَ
دَعْوَاهُمَا على وَاحِدٍ فَيُقْسِمَانِ عليه وَمَنْ قال هذا قال هَذَانِ لَيْسَا
كَرَجُلَيْنِ لَهُمَا حَقٌّ على رَجُلٍ فَأَكْذَبَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَتَهُ
فَبَطَلَ حَقُّهُ وَصَدَّقَ الْآخَرُ بَيِّنَتَهُ فَأَخَذَ حَقَّهُ لِأَنَّ هذا
الْحَقَّ أُخِذَ بِغَيْرِ قَوْلِ الْمُدَّعِي وَحْدَهُ وَأَخَذَهُ بِشَهَادَةٍ
أَمْرُ الْمُسْلِمِينَ مَقْبُولٌ مِثْلُهَا وَالْقَسَامَةُ حَقٌّ أُخِذَ
بِدَلَالَةٍ وَأَيْمَانُهُمَا بها لِأَنَّهُمَا وَارِثَانِ له وَلَا يَأْخُذَانِهِ
وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُكَذِّبُ صَاحِبَهُ وَمَنْ قال هذا قال لو أَنَّ
وَارِثِينَ وَجَبَتْ لَهُمَا الْقَسَامَةُ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على
رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُ وَحْدَهُ لم يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ
يُقْسِمَ على وَاحِدٍ من الذي اُدُّعِيَا عليه وَلَا على غَيْرِهِ لِأَنَّهُ قد
أَبْرَأَ غَيْرَهُ بِدَعْوَاهُ عليه وَحْدَهُ وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِيهِمَا
أَنْ يَكُونَا صَادِقَيْنِ بِحَالٍ وَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ وَحْدَهُ
وَالْآخَرُ قَتَلَهُ وَحْدَهُ وَكَذَلِكَ لو كان له مَعَهُمَا وَارِثٌ ثَالِثٌ
فَادَّعَى على الذي ادَّعَيَا عليه وَحْدَهُ أو معه غَيْرُهُ لم يَكُنْ ذلك له
وَلَوْ وَجَبَتْ لَهُمَا فَادَّعَى أَحَدُهُمَا على وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ وقال
الْآخَرُ لَا أَعْرِفُهُ وَامْتَنَعَ من الْقَسَامَةِ كان لِلَّذِي أَثْبَتَ
الْقَسَامَةَ عليه أَنْ يُقْسِمَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَيَأْخُذَ حِصَّتَهُ من
الدِّيَةِ لِأَنَّ امْتِنَاعَ أَخِيهِ من الْيَمِينِ ليس بِإِكْذَابٍ له فإذا لم
يَكُنْ إكْذَابًا له فَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ بِكُلِّ حَالٍ وَكَذَلِكَ لو ادَّعَى وَارِثَانِ
أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُمَا فقال أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ وَحْدَهُ وقال الْآخَرُ
قَتَلَهُ وَآخَرُ معه كان لِلَّذِي أَفْرَدَ الدَّعْوَى عليه وَحْدَهُ أَنْ
يَحْلِفَ وَيَأْخُذَ منه رُبُعَ الدِّيَةِ وَالْآخَرُ يَحْلِفُ وَيَأْخُذُ رُبُعَ
الدِّيَةِ لِأَنَّهُمَا اجْتَمَعَا على أَنَّ عليه نِصْفَ الدِّيَةِ وَأَقَرَّ
أَحَدُهُمَا بِأَنَّهَا عليه كُلَّهَا وَلَا يُؤْخَذُ في هذا الْقَوْلِ إلَّا
بِمَا اجْتَمَعَا عليه وَلَا يَكُونُ لِلَّذِي ادَّعَى على الْبَاقِي أَنْ
يَحْلِفَ لِأَنَّ أَخَاهُ يُكَذِّبُهُ أَنْ يَكُونَ قَاتِلًا فَعَلَى هذا هذا
الْبَابُ كُلُّه
(6/95)
- * الْخَطَأُ وَالْعَمْدُ في
الْقَسَامَةِ - *
أخبرنا الرَّبِيعُ قال قال الشَّافِعِيُّ إذَا وَجَبَتْ الْقَسَامَةُ لم أُحَلِّفْ
الْوَرَثَةَ حتى أَسْأَلَهُمْ أَعَمْدًا قَتَلَ صَاحِبُهُمْ أو خَطَأً فَإِنْ
قالوا عَمْدًا أَحْلَفْتُهُمْ على الْعَمْدِ وَجَعَلْت لهم الدِّيَةَ في مَالِ
الْقَاتِلِ حَالَّةً مُغَلَّظَةً كَدِيَةِ الْعَمْدِ وَإِنْ قالوا خَطَأً
أَحْلَفْتُهُمْ لِقَتْلِهِ خَطَأً ثُمَّ جَعَلْت الدِّيَةَ على عَاقِلَةِ
الْقَاتِلِ في مُضِيِّ ثَلَاثِ سِنِينَ كَدِيَةِ الْخَطَأِ وَهَكَذَا إذَا كانت
لِمُسْلِمِينَ على مُشْرِكِينَ أو لِمُشْرِكِينَ على مُسْلِمِينَ أو لِمُشْرِكِينَ
على مُشْرِكِينَ أَحْرَارٍ لَا تَخْتَلِفُ فإذا كانت الْقَسَامَةُ على عَبْدٍ أو
قَوْمٍ فِيهِمْ عَبْدٌ كانت الدِّيَةُ في الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ في عُنُقِ
الْعَبْدِ دُونَ مَالِ سَيِّدِهِ وَعَاقِلَتِهِ وَلَا تَكُونُ الْقَسَامَةُ إلَّا
عِنْدَ حَاكِمٍ وإذا أَقْسَمُوا أَبِغَيْرِ أَمْرِ الْحَاكِمِ أَعَادَ عليهم
الْحَاكِمُ الْأَيْمَانَ ولم يَحْسِبْ لهم من أَيْمَانِهِمْ قبل اسْتِحْلَافِهِ
لهم شيئا - * الْقَسَامَةُ بِالْبَيِّنَةِ وَغَيْرِهَا - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا حَلَفَ وُلَاةُ الدَّمِ على رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ لهم
قَتِيلًا وَحْدَهُ وَأَخَذُوا منه الدِّيَةَ أو من عَاقِلَتِهِ ثُمَّ جاء
شَاهِدَانِ بِمَا فيه الْبَرَاءَةُ لِلَّذِي أَقْسَمُوا عليه من قَتْلِ
قَتِيلِهِمْ رَدَّ وُلَاةُ الْقَتِيلِ ما أَخَذُوا من الدِّيَةِ على من أَخَذُوهَا
منه وَذَلِكَ أَنْ يَشْهَدَ شَاهِدَانِ أَنَّ هذا الذي أَقْسَمُوا عليه كان يوم
كَذَا من شَهْرِ كَذَا وَذَلِكَ الْقَاتِلُ بِمَكَّةَ وَالْقَتِيلُ بِالْمَدِينَةِ
أو كان بِبَلَدٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَبْلُغَ مَوْضِعَ الْقَتِيلِ في يَوْمٍ وَلَا
أَكْثَرَ أو يَشْهَدُونَ على أَنَّ فُلَانًا الذي أَقْسَمُوا عليه كان مَعَهُمْ
قبل طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى زَوَالِ الشَّمْسِ وَإِنَّمَا قُتِلَ الْقَتِيلُ في
هذا الْوَقْتِ أو ما في مَعْنَى هذا مِمَّا يُثْبِتُ الشَّاهِدَانِ أَنَّ هذا
الْمُقْسَمَ عليه بَرِيءٌ من قَتْلِ صَاحِبِهِمْ فَإِنْ شَهِدُوا أَنَّ فُلَانًا
رَجُلًا آخَرَ قَتَلَ صَاحِبَهُمْ لم تُخْرَجْ الدِّيَةُ حتى يُنْظَرَ فَإِنْ
جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ على فُلَانٍ أُخْرِجَتْ الدِّيَةُ التي أُخِذَتْ
بِالْقَسَامَةِ فَرُدَّتْ إلَى من أُخِذَتْ منه وَإِنْ رُدَّتْ عن فُلَانٍ لم
تُخْرَجْ التي أُخِذَتْ بِالْقَسَامَةِ بِشَهَادَةِ من لم تَجُزْ شَهَادَتُهُ على
رَجُلٍ بِعَدَاوَةٍ وَلَا بِأَنْ يَعْدِلَهُمْ من يَجُرُّ إلَى نَفْسِهِ أو
يَدْفَعُ عنها وَلَا يُقْبَلُ شَاهِدَانِ من عَاقِلَةِ الْمُدَّعَى عليه إذَا
ادَّعَى الْقَتْلَ خَطَأً أَنْ يَبْتَدِئُوهَا بِمَا يُبَرِّئُ الْمُدَّعَى عليه
في الْخَطَأِ لِأَنَّ في ذلك بَرَاءَةً لهم مِمَّا يَلْزَمُهُمْ من الدِّيَةِ وقد
قِيلَ إنْ كان الْقَتْلُ عَمْدًا لم يُقْبَلْ ذلك لِلْمُدَّعَى عليه لِأَنَّ ذلك
إبْرَاءٌ له من اسْمِ الْقَتْلِ وَلَا إنْ كان الشَّاهِدَانِ يَكُونَانِ إذَا
شَهِدَا أبرءا ( ( ( أبرآ ) ) ) أَنْفُسَهُمَا من شَيْءٍ من الدِّيَةِ أو جَرَّا
إلَى أَنْفُسِهِمَا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ شَهِدُوا على الْوَرَثَةِ
أَنَّهُمْ أَقَرُّوا أَنَّ هذا الْمُقْسَمَ عليه لم يَقْتُلْ أَبَاهُمْ أو أَنَّهُ
كان غَيْرُ حَاضِرٍ قَتْلَ أَبِيهِمْ أو أَنَّهُ في الْيَوْمِ الذي قُتِلَ فيه
أَبُوهُمْ كان لَا يُمْكِنُ أَنْ يَبْلُغَ حَيْثُ قُتِلَ أَبُوهُمْ أو أَنَّهُمْ
أَقْسَمُوا عليه عَارِفِينَ بِأَنَّهُ لم يَقْتُلْهُ أَحَدٌ أُخِذَتْ الدِّيَةُ
منهم وللامام تَعْزِيرُهُمْ بِإِقْرَارِهِمْ وَأَخْذِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ
وَلَوْ كَانُوا شَهِدُوا على أَنَّهُمْ قالوا إنْ كنا لَغُيَّبًا عن قَتْلِهِ قبل
الْقَسَامَةِ وَبَعْدَهَا لم يَرُدُّوا شيئا لِأَنِّي أَحْلَفْتُهُمْ وأنا
أَعْلَمُهُمْ غُيَّبًا وَكَذَلِكَ لو شَهِدُوا قبل الْقَسَامَةِ وَبَعْدَهَا
أَنَّهُمْ قالوا ما نَحْنُ على يَقِينٍ من قَتْلِهِ كان لهم أَنْ يُقْسِمُوا
لِأَنَّهُمْ قد يُصَدِّقُونَ الشُّهُودَ بِمَا لَا يَسْتَيْقِنُونَ وَإِنَّمَا
الْيَقِينُ الْعِيَانُ لَا الشَّهَادَةُ وَلَوْ شَهِدُوا عليهم أَنَّهُمْ قالوا قد
أَخَذْنَا منه الدِّيَةَ أو من عَاقِلَتِهِ الدِّيَةَ بِظُلْمٍ سُئِلُوا فَإِنْ
قالوا قُلْنَاهُ لِأَنَّ الْقَسَامَةَ لَا تُوجِبُ لنا دِيَةً حَلَفُوا بِاَللَّهِ
ما أَرَادُوا غير هذا وَقِيلَ لهم ليس هذا بِظُلْمٍ وَإِنْ سَمَّيْتُمُوهُ ظُلْمًا
وَإِنْ لم يَحْلِفُوا على هذا حَلَفَ الْمُدَّعَى
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ لم يَقْطَعُوا الشَّهَادَةَ بِمَا يُبَيِّنُ
بَرَاءَتَهُ لم يَكُنْ بَرِيئًا وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْقَتِيلُ بِبَلَدٍ
فَيُقْتَلُ يوم الْجُمُعَةِ لَا يُدْرَى أَيُّ وَقْتٍ قُتِلَ فيه فَيَشْهَدُ
هَؤُلَاءِ الشُّهُودُ أَنَّ هذا كان مَعَهُمْ يوم الْجُمُعَةِ طُولَ النَّهَارِ أو
في بَعْضِ النَّهَارِ دُونَ بَعْضٍ أو في حَبْسٍ وَحَدِيدٍ أو مَرِيضًا لِأَنَّهُ قد
يُمْكِنُ أَنْ يَقْتُلَهُ في وَقْتٍ لم يَكُنْ مَعَهُمْ فيه وَيَنْفَلِتُ من
السِّجْنِ وَالْحَدِيدِ وَيَقْتُلُهُ في الْحَدِيدِ وَيَقْتُلُهُ وهو مَرِيضٌ
(6/96)
عليه ما قَتَلَ صَاحِبَهُمْ
وَرَدُّوا الدِّيَةَ فَإِنْ قالوا أَرَدْنَا بِقَوْلِنَا أَخَذْنَا الدِّيَةَ
بِظُلْمٍ بِأَنَّا كَذَبْنَا عليه رَدُّوا الدِّيَةَ وَعُزِّرُوا وَلَوْ أَقْسَمَ
الْوَرَثَةُ على رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُمْ وَحْدَهُ وَشَهِدَ شَاهِدَانِ
على رَجُلٍ غَيْرِهِ أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُمْ فَادَّعَى الْوَرَثَةُ على
الْقَاتِلِ الْمَشْهُودِ عليه دَمَ أَبِيهِمْ وَسَأَلُوا الْقَوَدَ بِهِ أو
الدِّيَةَ لم يَكُنْ ذلك لهم لِأَنَّهُمْ قد زَعَمُوا أَنَّ قَاتِلَ أَبِيهِمْ
رَجُلٌ وَاحِدٌ فَأَبْرَءُوا منه غَيْرَهُ وَرَدُّوا ما أَخَذُوا من الدِّيَةِ
بِالْقَسَامَةِ لِأَنَّهُ قد شُهِدَ لِمَنْ أَخَذُوا منه الدِّيَةَ بِالْبَرَاءَةِ
وَأَبْرَءُوهُ بِدَعْوَاهُمْ على غَيْرِهِ وَلَوْ ثَبَتُوا أَيْضًا على
دَعْوَاهُمْ على الْأَوَّلِ وَكَذَّبُوا الْبَيِّنَةَ لم يَأْخُذُوا من الْآخَرِ
عَقْلًا وَلَا قَوَدًا لِأَنَّهُمْ أَبْرَءُوهُ وَرَدُّوا ما أَخَذُوا من الْأَوَّلِ
لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ قد شَهِدَا له بِالْبَرَاءَةِ وَلَوْ أَنَّ شَاهِدَيْنِ
شَهِدَا لِرَجُلٍ بِمَا يُبَرِّئُهُ من دَمِ رَجُلٍ كما وَصَفْت ثُمَّ أَقَرَّ
الْمَشْهُودُ له أَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا أو خَطَأً لَزِمَهُ الدَّمُ كما أَقَرَّ
بِهِ وإذا أَقَرَّ بِهِ خَطَأً لَزِمَهُ في مَالِهِ في ثَلَاثِ سِنِينَ دُونَ
عَاقِلَتِهِ وَلَوْ أَنَّ وُلَاةَ الدَّمِ أَقَرُّوا أَنَّ رَجُلًا لم يَقْتُلْ
أَبَاهُمْ وَادَّعُوهُ على غَيْرِهِ وَأَقَرَّ الذي أَبْرَءُوهُ أَنَّهُ قَتَلَ
أَبَاهُمْ مُنْفَرِدًا فَقَدْ قِيلَ يُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ وَيَكُونُ أَصْدَقُ
عليه من إبْرَائِهِمْ له كَشَهَادَةِ من شَهِدَ له بِالْبَرَاءَةِ وَقِيلَ لَا
يُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ من قِبَلِ أَنَّ وُلَاةَ الدَّمِ قد أَبْرَءُوهُ من دَمِهِ
وَسَوَاءٌ ادَّعَوْا الْوَهْمَ في إبْرَائِهِ ثُمَّ قالوا أَثْبَتْنَا أَنَّكَ
قَتَلْته أو لم يَدَّعُوهُ - * اخْتِلَافُ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عليه في
الدَّمِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا وُجِدَ الْقَتِيلُ في مَحَلَّةِ
قَوْمٍ يَخْتَلِطُ بِهِمْ غَيْرُهُمْ أو صَحْرَاءَ أو مَسْجِدٍ أو سُوقٍ أو
مَوْضِعِ مَسِيرٍ إلَى دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ أو غَيْرِهَا فَلَا قَسَامَةَ فيه
فَإِنْ ادَّعَى أَوْلِيَاؤُهُ على أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لم يَحْلِفْ لهم منهم إلَّا
من أَثْبَتُوا بِعَيْنِهِ فَقَالُوا نَحْنُ نَدَّعِي أَنَّهُ قَتَلَهُ فَإِنْ
أَثْبَتُوهُمْ كُلَّهُمْ وَادَّعَوْا عليهم وَهُمْ مِائَةٌ أو أَكْثَرُ وَفِيهِمْ
نِسَاءٌ وَرِجَالٌ وَعَبِيدٌ مُسْلِمُونَ كلهم أو مُشْرِكُونَ كلهم أو فِيهِمْ
مُسْلِمٌ وَمُشْرِكٌ أُحْلِفُوا كلهم يَمِينًا يَمِينًا لِأَنَّهُمْ يَزِيدُونَ
على خَمْسِينَ وَإِنْ كَانُوا أَقَلَّ من خَمْسِينَ رُدَّتْ الْأَيْمَانُ عليهم فَإِنْ
كَانُوا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ حَلَفُوا يَمِينَيْنِ يَمِينَيْنِ وَإِنْ كَانُوا
ثَلَاثِينَ حَلَفُوا يَمِينَيْنِ يَمِينَيْنِ لِأَنَّ على كل وَاحِدٍ منهم
يَمِينًا وَكَسْرَ يَمِينٍ وَمَنْ كانت عليه كَسْرُ يَمِينٍ حَلَفَ يَمِينًا
تَامَّةً وَلَيْسَ الْأَحْرَارُ الْمُسْلِمُونَ بِأَحَقَّ بِالْأَيْمَانِ من
الْعَبِيدِ وَلَا الْعَبِيدُ من الْأَحْرَارِ وَلَا الرِّجَالُ من النِّسَاءِ
وَلَا النِّسَاءُ من الرِّجَالِ كُلُّ بَالِغٍ فيها سَوَاءٌ وَإِنْ كان فِيهِمْ
صَبِيٌّ ادَّعَوْا عليه لم يَحْلِفْ وإذا بَلَغَ حَلَفَ فَإِنْ مَاتَ قبل
الْبُلُوغِ فَلَا شَيْءَ عليه وَلَا يَحْلِفُ وَاحِدٌ منهم إلَّا وَاحِدًا
ادَّعَوْا عليه بِنَفْسِهِ فإذا حَلَفُوا بَرِئُوا وإذا نَكَلُوا عن الْأَيْمَانِ
حَلَفَ وُلَاةُ الدَّمِ خَمْسِينَ يَمِينًا وَاسْتَحَقُّوا الدِّيَةَ إنْ كانت
عَمْدًا فَفِي أَمْوَالِهِمْ وَرِقَابِ الْعَبِيدِ منهم بِقَدْرِ حِصَصِهِمْ فيها
وَإِنْ كانت خَطَأً فَعَلَى عَوَاقِلِهِمْ وَإِنْ كان وَلِيُّ الْقَتِيلِ ادَّعَى
على اثْنَيْنِ منهم فَحَلَفَ أَحَدُهُمَا وَامْتَنَعَ الْآخَرُ من الْيَمِينِ
بَرِيءَ الذي حَلَفَ وَحَلَفَ وُلَاةُ الدَّمِ على الذي نَكَلَ ثُمَّ لَزِمَهُ
نِصْفُ الدِّيَةِ في مَالِهِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ
أَبَاهُ عَمْدًا بِمَا فيه الْقَوَدُ وَأَقَرَّ الْمُدَّعَى عليه أَنَّهُ قَتَلَهُ
خَطَأً فَالْقَتْلُ خَطَأٌ وَالدِّيَةُ عليه في ثَلَاثِ سِنِينَ بَعْدَ أَنْ
يَحْلِفَ ما قَتَلَهُ إلَّا خَطَأً فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي لِقَتْلِهِ
عَمْدًا وكان له الْقَوَدُ وَهَكَذَا إنْ أَقَرَّ أَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا
بِالشَّيْءِ الذي إذَا قَتَلَهُ بِهِ لم يُقَدْ منه وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ على
رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُ وَحْدَهُ خَطَأً فَأَقَرَّ الْمُدَّعَى عليه
أَنَّهُ قَتَلَهُ هو وَغَيْرُهُ معه كان الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقِرِّ مع يَمِينِهِ
ولم يَغْرَمْ إلَّا نِصْفَ الدِّيَةِ وَلَا يَصْدُقُ على الذي زَعَمَ أَنَّهُ قَتَلَهُ
معه وَلَوْ قال قَتَلْته وَحْدِي عَمْدًا وأنا مَغْلُوبٌ على عَقْلِي بِمَرَضٍ
فَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ كان مَرِيضًا مَغْلُوبًا على عَقْلِهِ قُبِلَ قَوْلُهُ مع
يَمِينِهِ وَإِنْ لم يُعْلَمْ ذلك فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ
وَلِيُّ الدَّمِ لَقَتَلَهُ غَيْرُ مَغْلُوبٍ على عَقْلِهِ وَهَكَذَا لو قَامَتْ
عليه بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ قَتَلَهُ فقال قَتَلْته وأنا مَغْلُوبٌ على عَقْلِي
(6/97)
إنْ كان عَمْدًا وَعَلَى
عَاقِلَتِهِ إنْ كان خَطَأً لِأَنَّهُمْ إنَّمَا ادَّعَوْا أَنَّهُ قَاتِلٌ مع
غَيْرِهِ وَسَوَاءٌ في النُّكُولِ عن الْيَمِينِ الْمَحْجُورُ عليه وَغَيْرُ
الْمَحْجُورِ عليه إذَا نَكَلَ منهم وَاحِدٌ حَلَفَ الْمُدَّعَى عليه وَكَذَلِكَ
سَوَاءٌ في الْإِقْرَارِ إذَا أَقَرَّ الْمَحْجُورُ عليه وَغَيْرُ الْمَحْجُورِ
عليه بِالْجِنَايَةِ لَزِمَهُ منها ما يَلْزَمُ غير الْمَحْجُورِ عليه
وَالْجِنَايَةُ خِلَافُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وقد قِيلَ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا
بِجِنَايَةِ الْعَمْدِ في الْإِقْرَارِ وَالنُّكُولِ - * بَابُ الْإِقْرَارِ
وَالنُّكُولِ وَالدَّعْوَى في الدَّمِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا ادَّعَوْا
على جَمَاعَةٍ فِيهِمْ مَعْتُوهٌ فَهُوَ كَالصَّبِيِّ لَا يَحْلِفُ وَذَلِكَ
أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ على نَفْسِهِ فَإِنْ أَفَاقَ من الْعَتَهِ
أُحْلِفَ وَتَسَعُهُ الْيَمِينُ بَعْدَ مَسْأَلَتِهِ عَمَّا ادَّعَوْا عليه وَإِنْ
نَكَلَ حَلَفَ وُلَاةُ الدَّمِ وَاسْتَحَقُّوا عليه حِصَّتَهُ من الدِّيَةِ وَإِنْ
ادَّعَوْا على قَوْمٍ فِيهِمْ سَكْرَانُ لم يَحْلِفْ السَّكْرَانُ حتى يُفِيقَ
ثُمَّ يَحْلِفُ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ أَوْلِيَاءُ الدَّمِ وَاسْتَحَقُّوا عليه
حِصَّتَهُ من الدِّيَةِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا وُجِدَ الْقَتِيلُ في دَارِ
رَجُلٍ وَحْدَهُ فَقَدْ قِيلَ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِخَمْسِينَ يَمِينًا إذَا ادعى
عليه الْقَتْلُ - * قَتْلُ الرَّجُلِ في الْجَمَاعَةِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ )
رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كانت الْجَمَاعَةُ في مَسْجِدٍ أو مَجْمَعٍ غَيْرِ
الْمَسْجِدِ فَازْدَحَمُوا فَمَاتَ رَجُلٌ منهم في الزِّحَامِ قِيلَ لِوَلِيِّهِ
ادَّعِ على من شِئْت منهم فَإِنْ ادَّعَى على أَحَدٍ بعنيه ( ( ( بعينه ) ) ) أو
جَمَاعَةٍ كانت في الْمَجْمَعِ الذي قُتِلَ فيه أو جَمَاعَةٍ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ
قَاتِلَتَهُ بِزِحَامٍ قُبِلَتْ دَعْوَاهُ وَحَلَفَ وَاسْتَحَقَّ على
عَوَاقِلِهِمْ الدِّيَةَ في ثَلَاثِ سِنِينَ وَإِنْ ادَّعَاهُ على من لَا يُمْكِنُ
أَنْ يَكُونَ زَحَمَهُ بِالْكَثْرَةِ كَأَنْ يَكُونَ في الْمَسْجِدِ أَلْفٌ
فَيَدَّعِيهِ عليهم فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ
كلهم زَحَمَهُ فَإِنْ لم يَدَّعِ على أَحَدٍ بِعَيْنِهِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ
زَحَمَهُ لم يُعَرَّضْ لهم فيه ولم نَجْعَلْ فيه عَقْلًا وَلَا قَوَدًا + ( قال
الشَّافِعِيُّ ) وَهَكَذَا إنْ قُتِلَ بين صَفَّيْنِ لَا يُدْرَى من قَتَلَهُ
وَهَكَذَا قَتْلُ الْجَمَاعَاتِ في هذا كُلِّهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا
اُدُّعِيَ على رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فانكر الْمُدَّعَى عليه أَنْ يَكُونَ كان في
الْمَوْضِعِ الذي قُتِلَ فيه الْقَتِيلُ لم يُقْسِمْ وَلِيُّ الدَّمِ عليه حتى
تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ كان في ذلك الْمَوْضِعِ فإذا أَقَرَّ أو قَامَتْ عليه
بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ فَلِوَلِيِّ الْقَتِيلِ أَنْ يُقْسِمَ عليه + ( قال
الشَّافِعِيُّ ) وَسَوَاءٌ فِيمَا تَجِبُ فيه الْقَسَامَةُ كان بِالْمَيِّتِ
أَثَرُ سِلَاحٍ أو خَنْقٍ أو غَيْرُ ذلك أو لم يَكُنْ لِأَنَّهُ قد يُقْتَلُ بِمَا
لَا أَثَرَ له فَإِنْ قال الْمُدَّعَى عليه الْقَتْلُ إنَّمَا مَاتَ مَيِّتُكَ من
مَرَضٍ كان بِهِ أو مَاتَ فَجْأَةً أو بِصَاعِقَةٍ أو مِيتَةٌ ما كانت كان
لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ الْقَسَامَةُ بِمَا وَصَفْت من أَنَّهُ قد يُقْتَلُ بِمَا
لَا أَثَرَ له وَلَوْ دَفَعْت الْقَسَامَةَ بهذا دَفَعْتهَا بِأَنْ يَقُولَ
جَاءَنَا جَرِيحًا فَمَاتَ من جِرَاحِهِ عِنْدَنَا
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ سَوَاءٌ
في الْإِقْرَارِ بِالْجِنَايَةِ وَالنُّكُولِ عن الْيَمِينِ فيها إلَّا في
خَصْلَةٍ بِأَنَّ الْعَبْدَ إذَا أَقَرَّ بِجِنَايَةٍ لَا قِصَاصَ فيها لم
يُتْبَعْ فيها وَأُشْهِدَ الْحَاكِمُ بِإِقْرَارِهِ بها فَمَتَى عَتَقَ أَلْزَمَهُ
إيَّاهَا لِأَنَّهُ حين أَقَرَّ أَقَرَّ بِمَالٍ لِغَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ
إقْرَارُهُ في مَالِ غَيْرِهِ وإذا صَارَ له مَالٌ كان إقْرَارُهُ فيه وإذا
ادَّعَوْا على عَشَرَةٍ فِيهِمْ صَبِيٌّ رُفِعَتْ حِصَّةُ الصَّبِيِّ عَنْهُمْ من
الدِّيَةِ إنْ اُسْتُحِقَّتْ وَإِنْ نَكَلُوا حَلَفَ وُلَاةُ الدَّمِ وَأَخَذُوا
منهم تِسْعَةَ أَعْشَارِ الدِّيَةِ فإذا بَلَغَ الصَّبِيُّ حَلَفَ فبرئ ( ( (
فبريء ) ) ) أو نَكَلَ فَحَلَفَ الْوَلِيُّ وَأَخَذَ منه الْعُشْرَ إذَا كان
الْقَتْلُ عَمْدًا
(6/98)
- * نُكُولُ الْمُدَّعَى عليهم
بِالدَّمِ عن الْأَيْمَانِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا ادعي على رَجُلٍ
أَنَّهُ قَتَلَهُ فلم يَنْكُلْ ولم يَحْلِفْ أو حَلَفَ فلم يُتِمَّ الْأَيْمَانَ
التي يَبْرَأُ بها حتى يَمُوتَ لم يَكُنْ لِوَلِيِّ الدَّمِ أَنْ يَحْلِفَ
وَيَسْتَحِقَّ عليه الدَّمَ وَلَوْ نَكَلَ في حَيَاتِهِ عن الْيَمِينِ كان
لِوَلِيِّ الدَّمِ أَنْ يَحْلِفَ وَيَسْتَحِقَّ عليه الدَّمَ - * بَابُ دَعْوَى
الدَّمِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا اُدُّعِيَ
على رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ رَجُلًا وَحْدَهُ أو قَتَلَهُ هو وَغَيْرُهُ عَمْدًا
فَقَدْ قِيلَ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِخَمْسِينَ يَمِينًا وَقِيلَ يَبْرَأُ
بِحِصَّتِهِ من الْأَيْمَانِ وَهِيَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ يَمِينًا إذَا حَلَفَ مع
الْمُدَّعَى عليه وإذا ادعى عليه جُرْحٌ أو جِرَاحٌ دُونَ النَّفْسِ فَقَدْ قِيلَ
يَلْزَمُهُ من الْأَيْمَانِ على قَدْرِ الدِّيَةِ فَلَوْ اُدُّعِيَتْ عليه يَدٌ
حَلَفَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ يَمِينًا وَلَوْ اُدُّعِيَتْ عليه مُوضِحَةٌ حَلَفَ
ثَلَاثَةَ أَيْمَانٍ - * بَابُ كَيْفَ الْيَمِينُ على الدَّمِ - * + ( قال
الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ اُدُّعِيَ على رَجُلٍ أَنَّهُ
قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا حَلَفَ بِاَللَّهِ الذي لَا إلَهَ إلَّا هو عَالِمِ
خَائِنَةِ الْأَعْيُنِ وما تُخْفِي الصُّدُورُ ما قَتَلَ فُلَانًا وَلَا أَعَانَ
على قَتْلِهِ وَلَا نَالَهُ من فِعْلِهِ وَلَا بِسَبَبِ فِعْلِهِ شَيْءٌ جَرَحَهُ
وَلَا وَصَلَ إلَيْهِ شَيْءٌ من بَدَنِهِ وَلَا من فِعْلِهِ وَإِنَّمَا زِدْت هذا
في الْيَمِينِ عليه احْتِيَاطًا لِأَنَّهُ قد يَرْمِي وَلَا يُرِيدُهُ فَتُصِيبُهُ
الرَّمِيَّةُ أو يَرْمِي الشَّيْءَ فَيُصِيبُ رَمْيُهُ شيئا فَيَطِيرُ الذي
أَصَابَتْهُ رَمْيَتُهُ عليه فَيَقْتُلَهُ وقد يَجْرَحُهُ فَيَرَى أَنَّ مِثْلَ
ذلك الْجُرْحِ لَا يَقْتُلُهُ وَكَذَلِكَ يَضْرِبُهُ بِالشَّيْءِ فَلَا يَجْرَحُهُ
وَلَا يَرَى أَنَّ مِثْلَ ذلك يَقْتُلُهُ فَأُحَلِّفُهُ لِيَنْكُلَ فَيَلْزَمَهُ
ما أَقَرَّ بِهِ أو يَمْضِيَ عليه الْيَمِينُ فَيُبَرِّئَهُ + ( قال الشَّافِعِيُّ
) وإذا ادَّعَى خَطَأً حَلَفَ هَكَذَا وزاد وَلَا أَحْدَثَ شيئا عَطِبَ بِهِ
فُلَانٌ وَإِنَّمَا أَدْخَلْت هذا في يَمِينِهِ أَنَّهُ يُحْدِثُ الْبِئْرَ
فَيَمُوتُ فيها الرَّجُلُ وَيُحْدِثُ الْحَجَرَ في الطَّرِيقِ فَيَعْطَبُ بها
الرَّجُلُ وَإِنَّمَا مَنَعَنِي عن الْيَمِينَيْنِ مَعًا أَنْ أُحَلِّفَهُ ما كان
سَبَبًا لِقَتْلِهِ مُطْلَقًا أَنَّهُ قد يُحْدِثُ غَيْرُهُ في الْمَقْتُولِ
الشَّيْءَ فَيَأْتَنِفُ هو الْمُحْدِثُ فَيَقْتُلُهُ فَيَكُونَ سَبَبًا لِقَتْلِهِ
وَعَلَيْهِ الْعَقْلُ وَلَا قَوَدَ عليه
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا لم أَجْعَلْ لِوُلَاةِ
الدَّمِ الْأَيْمَانَ فَادَّعَى رَجُلٌ على رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُ عَمْدًا
أُحْلِفَ الْمُدَّعَى عليه خَمْسِينَ يَمِينًا ما قَتَلَهُ فإذا حَلَفَ بَرِيءَ من
دَمِهِ وَلَا عَقْلَ وَلَا قَوَدَ عليه وَإِنْ كان أَقَرَّ بِقَتْلِهِ قُتِلَ بِهِ
إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْوَارِثُ الْعَقْلَ وَيَأْخُذَهُ من مَالِهِ أو الْعَفْوَ عن
الْعَقْلِ وَالْقَوَدِ وَإِنْ لم يُقِرَّ وَنَكَلَ عن الْيَمِينِ قِيلَ
لِلْوَارِثِ احْلِفْ خَمْسِينَ يَمِينًا لَقَتَلَهُ وَلَكَ الْقَوَدُ كَهُوَ
بِإِقْرَارِهِ وَإِنْ كان الْمُدَّعَى عليه الْقَتْلُ مَعْتُوهًا أو صَبِيًّا لم
يَحْلِفْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ لو أَقَرَّ في حَالِهِ تِلْكَ لم أُلْزِمْهُ
إقْرَارَهُ فَإِنْ أَفَاقَ الْمَعْتُوهُ وَبَلَغَ الصَّبِيُّ أَحَلَفْتَهُ على دَعْوَى
وَلِيِّ الدَّمِ فَإِنْ حَلَفَ بريء وَإِنْ أَقَرَّ لم يَكُنْ عليه الْقَوَدُ
وَكَانَتْ الدِّيَةُ عليه في مَالِهِ حَالَّةً إنْ كان الْقَتْلُ عَمْدًا وَإِنْ
كان الْقَتْلُ خَطَأً في ثَلَاثِ سِنِينَ وَلَا تَضْمَنُ عَاقِلَتُهُ
بِإِقْرَارِهِ وَإِنْ نَكَلَ الْمُدَّعَى عليه الدَّمَ عن الْيَمِينِ وَامْتَنَعَ
الْوَارِثُ من الْيَمِينِ فَلَا شَيْءَ على الْمُدَّعَى عليه وَهَكَذَا الدَّعْوَى
فِيمَا دُونَ النَّفْسِ من جِرَاحِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ لَا تَخْتَلِفُ وَلَوْ
كانت الدَّعْوَى على رَجُلَيْنِ أَنَّهُمَا قَتَلَاهُ خَطَأً حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا خَمْسًا وَعِشْرِينَ يَمِينًا فَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا وَنَكَلَ
الْآخَرُ عن الْيَمِينِ حَلَفَ الْوَلِيُّ خَمْسِينَ يَمِينًا على النَّاكِلِ
وَاسْتَحَقَّ نِصْفَ الدِّيَةِ عليه وَلَا يَسْتَحِقُّ إلَّا بِخَمْسِينَ يَمِينًا
وَيُرَدِّدُ الْأَيْمَانَ على الذي حَلَفَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ يَمِينًا حتى
يَتِمَّ عليه خَمْسُونَ يَمِينًا لِأَنَّهُ لم يَحْلِفْ معه تَمَامَ خَمْسِينَ
يَمِينًا وقد قِيلَ لَا يَبْرَأُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لو حَلَفَا مَعًا إلَّا
بِخَمْسِينَ يَمِينًا وَلَا يُحْسَبُ له يَمِينُ غَيْرِهِ
(6/99)
- * يَمِينُ الْمُدَّعِي على
الْقَتْلِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أَقَرَّ
الرَّجُلُ أَنَّهُ قَتَلَ رَجُلًا هو وَآخَرُ معه خَطَأً حَلَفَ بِاَللَّهِ الذي
لَا إلَهَ إلَّا هو عَالَمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرحمن الرَّحِيمِ ما
قَتَلْت فُلَانًا وَحْدِي وَلَقَدْ ضَرَبَهُ مَعِي فُلَانٌ فَكَانَ مَوْتُهُ
بَعْدَ ضَرْبِنَا مَعًا وَإِنَّمَا مَنَعَنِي من أَنْ أُحَلِّفَهُ لَمَاتَ من
ضَرْبِكُمَا مَعًا أَنَّهُ قد يَمُوتُ من ضَرْبِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ
وَالْحُكْمُ أَنَّهُمَا إذَا ضَرَبَاهُ فَمَاتَ فَمِنْ ضَرْبِهِمَا مَاتَ وإذا
ادَّعَى وَلِيُّ الْقَتِيلِ أَنَّ فُلَانًا ضَرَبَهُ وَهَذَا ذَبَحَهُ أو فَعَلَ
بِهِ فِعْلًا لَا يَعِيشُ بَعْدَهُ إلَّا كَحَيَاةِ الذَّبِيحِ أَحَلَفْتَهُ على
ما ادَّعَى وَلِيُّ القتل ( ( ( القتيل ) ) ) - * يَمِينُ مُدَّعِي الدَّمِ - * +
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا ادَّعَى الْجَانِي على
وَلِيِّ الدَّمِ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ من غَيْرِ ضَرْبِهِ أَحَلَفْتُهُ على
دَعْوَاهُ فَإِنْ قال أُحَلِّفَهُ ما زَالَ أَبُوهُ ضَمِنًا من ضَرْبِ فُلَانٍ
لَازِمًا لِلْفِرَاشِ حتى مَاتَ من ضَرْبِهِ أَحَلَفْتَهُ وَإِنَّمَا أَحَلَفْتَهُ
لَمَاتَ من ضَرْبِ فُلَانٍ أَنَّهُ قد يَلْزَمُ الْفِرَاشَ حتى يَمُوتَ من غَيْرِ
مَرَضٍ وَيَلْزَمُ حتى يَمُوتَ بِحَدَثٍ يُحْدِثُ عليه آخَرُ أو جِنَايَةٍ يُحْدِثُهَا
على نَفْسِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَتَسَعُهُ الْيَمِينُ على ما أَحَلَفْتَهُ
عليه على الظَّاهِرِ من أَنَّهُ مَاتَ من ضَرْبِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَوْ
حَلَفَ لَمَاتَ من ضَرْبِهِ ثُمَّ قال قد كان بَعْدَ ضَرْبِهِ بَرَأَ لم أَقْضِ له
بِعَقْلٍ وَلَا قَوَدٍ لِأَنَّ الظَّاهِرَ إن هذا يَحْدُثُ عليه مَوْتٌ من غَيْرِ
ضَرْبِهِ إذَا أَقْبَلَ أو أَدْبَرَ وَلَوْ لم يَزِدْهُ السُّلْطَانُ على أَنْ لَا
يَحْلِفَ إلَّا بِاَللَّهِ أَجْزَأَهُ ذلك لِأَنَّ كُلَّ ما وَصَفْت من صِفَةِ
اللَّهِ عز وجل وَالْيَمِينَ بِاسْمِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَافِيَةٌ وَإِنَّمَا
جَعَلَ اللَّهُ على الْمُتَلَاعِنَيْنِ الْأَيْمَانَ بِاَللَّهِ عز وجل في
اللِّعَانِ - * التَّحَفُّظُ في الْيَمِينِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ
اللَّهُ تَعَالَى وَلْيَتَحَفَّظْ الذي يُحَلِّفُ فيقول لِلْحَالِفِ وَاَللَّهِ
لقد كان كَذَا وَكَذَا أو ما كان كَذَا فَإِنْ قال الْحَالِفُ بِاَللَّهِ كان
كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لِأَنَّ ظَاهِرَهُمَا مَعًا يَمِينٌ وَلَوْ لَحَنَ
الْحَالِفُ فقال وَاَللَّهُ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ أَحْبَبْت أَنْ يُعِيدَ
الْقَوْلَ حتى يُضْجِعَ وَلَوْ مَضَى على الْيَمِينِ بِغَيْرِ إضْجَاعٍ لم يَكُنْ
عليه إعَادَةٌ وَإِنْ قال يَاللَّهِ بِالْيَاءِ لَكَانَ كَذَا لم يَقْبَلْ منه
وَأَعَادَ عليه حتى يُدْخِلَ الْوَاوَ أو الْبَاءَ أو التَّاءَ وإذا نَسَّقَ
الْيَمِينَ ثُمَّ وَقَفَ لِغَيْرِ عِيٍّ وَلَا نَفَسٍ قبل
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا وَجَبَتْ لِرَجُلٍ
قَسَامَةٌ حَلَفَ بِاَللَّهِ الذي لَا إلَهَ إلَّا هو عَالَمِ خَائِنَةِ
الْأَعْيُنِ وما تُخْفِي الصُّدُورُ لقد قَتَلَ فُلَانٌ فُلَانًا مُنْفَرِدًا
بِقَتْلِهِ ما شَرَكَهُ في قَتْلِهِ غَيْرُهُ وَإِنْ ادَّعَى على غَيْرِهِ معه
حَلَفَ لَقَتَلَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ فُلَانًا مُنْفَرِدَيْنِ بِقَتْلِهِ ما
شَرَكَهُمَا فيه غَيْرُهُمَا وَإِنْ لم يَعْرِفْ الْحَالِفُ الذي قَتَلَهُ معه
حَلَفَ لَقَتَلَ فُلَانٌ فُلَانًا وَآخَرُ معه لم يُشْرِكْهُمَا في قَتْلِهِ
غَيْرُهُمَا فإذا أَثْبَتَ الْآخَرَ أَعَادَ عليه الْيَمِينَ ولم تُجْزِئْهُ
الْيَمِينُ الْأُولَى وَإِنْ كان الْحَالِفُ على الْقَسَامَةِ يَحْلِفُ على رَجُلٍ
جُرِحَ ثُمَّ عَاشَ مُدَّةً بَعْدَ الْجُرْحِ ثُمَّ مَاتَ حَلَفَ كما وَصَفْت
لَقَتَلَ فُلَانٌ فُلَانًا مُنْفَرِدًا بِقَتْلِهِ لم يُشْرِكْهُ فيه غَيْرُهُ
وَإِنْ ادَّعَى الْجَانِي أَنَّهُ بَرَأَ من الْجِرَاحَةِ أو مَاتَ من شَيْءٍ
غَيْرِ جِرَاحَتِهِ التي جَرَحَهُ إيَّاهَا حَلَفَ ما بَرَأَ منها حتى تُوُفِّيَ
منها - * يَمِينُ الْمُدَّعَى عليه من إقْرَارِهِ - *
(6/100)
أَنْ يُكْمِلَهَا ابْتَدَأَهَا
الْحَاكِمُ عليه وَإِنْ وَقَفَ لِنَفَسٍ أو لِعِيٍّ لم يُعِدْ عليه ما مَضَى منها
فَإِنْ حَلَفَ فَأَدْخَلَ الِاسْتِثْنَاءَ في شَيْءٍ من يَمِينِهِ ثُمَّ نَسَّقَ
الْيَمِينَ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ أَعَادَ عليه الْيَمِينَ من أَوَّلِهَا حتى
يُنَسِّقَهَا كُلَّهَا بِلَا اسْتِثْنَاءٍ - * عِتْقُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ
وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهِنَّ - *
أخبرنا الرَّبِيعُ قال قال الشَّافِعِيُّ إذَا وطىء الرَّجُلُ أَمَتَهُ
بِالْمِلْكِ فَوَلَدَتْ له فَهِيَ مَمْلُوكَةٌ بِحَالِهَا لَا تَرِثُ وَلَا
تُورَثُ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهَا وَجِنَايَتُهَا وَالْجِنَايَةُ عليها
جِنَايَةُ مَمْلُوكٍ وَكَذَلِكَ حُدُودُهَا وَلَا حَجَّ عليها فَإِنْ حَجَّتْ
ثُمَّ عَتَقَتْ فَعَلَيْهَا حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَلَا تُخَالِفُ الْمَمْلُوكَ في
شَيْءٍ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِسَيِّدِهَا بَيْعُهَا وإذا لم يَجُزْ له
بَيْعُهَا لم يَحِلَّ له إخْرَاجُهَا من مِلْكِهِ بِشَيْءٍ غَيْرِ الْعِتْقِ
وَأَنَّهَا حُرَّةٌ إذَا مَاتَ من رَأْسِ الْمَالِ وَكَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا
فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِغُرَمَائِهِ أَنْ يَبِيعُوهَا عليه (1) ( قال
الشَّافِعِيُّ ) وَلِلْمُكَاتِبِ أَنْ يَبِيعَ أُمَّ وَلَدِهِ وَلِلسَّيِّدِ أَنْ
يَنْزِعَ أُمَّ وَلَدٍ مُدَبَّرِهِ وَعَبْدِهِ لِأَنَّهُ ليس لَهُمَا أَنْ
يَتَسَرَّيَا وَلَيْسَ لِلْمَمْلُوكِ مَالٌ إنَّمَا الْمَالُ لِلسَّيِّدِ
وَلِسَيِّدِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ من كل مَمْلُوكٍ له أُمِّ وَلَدٍ أو مُدَبَّرٍ أو
غَيْرِهِمَا ما خَلَا الْمُكَاتَبِ فإنه مَحُولٌ دُونَ رَقَبَتِهِ وَمَالِهِ وما
كان لِلسَّيِّدِ أَنْ يَأْخُذَهُ فَلِغُرَمَائِهِ أَنْ يَأْخُذُوهُ وَيَأْخُذَهُ
السَّيِّدُ مَرِيضًا وَصَحِيحًا وَلَوْ مَاتَ قبل أَنْ يَأْخُذَهُ كان مَالًا من
مَالِهِ مَوْرُوثًا عنه إذَا عَقَلْنَا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
وَبِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ له أَنْ يَأْخُذَ أَمْوَالَهُمْ أَحْيَاءً
فَقَدْ عَقَلْنَا عنه ثُمَّ عَنْهُمْ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ إلَّا ما كان مَالِكًا
وما كان مَالِكًا فَهُوَ مَوْرُوثٌ عنه + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَوَصِيَّةُ
الرَّجُلِ لِأُمِّ وَلَدِهِ جَائِزَةٌ أنها إنَّمَا تَمْلِكُهَا بعد ما تُعْتَقُ
وَكَذَلِكَ وَصِيَّتُهُ لِمُدَبَّرِهِ إنْ خَرَجَ الْمُدَبَّرُ من الثُّلُثِ
وَإِنْ لم يَخْرُجْ الْمُدَبَّرُ كُلُّهُ من الثُّلُثِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ
لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لِوَرَثَتِهِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْوَلَدُ الذي تَكُونُ
بِهِ أُمَّ وَلَدٍ كُلُّ ما بَانَ له خَلْقٌ من سِقْطٍ من خَلْقِ الْآدَمِيِّينَ
عَيْنٌ أو ظُفُرٌ أو إصْبَعٌ أو غَيْرُ ذلك فَإِنْ أَسْقَطَتْ شيئا مُجْتَمِعًا
لَا يَبِينُ أَنْ يَكُونَ له خَلْقٌ سَأَلْنَا عُدُولًا من النِّسَاءِ فَإِنْ
زَعَمْنَ أَنَّ هذا لَا يَكُونُ إلَّا من خَلْقِ الْآدَمِيِّينَ كانت بِهِ أُمَّ
وَلَدٍ وَإِنْ شَكَكْنَ لم تَكُنْ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ وَلَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ
بهذا الْحُكْمِ بِأَنْ يَنْكِحَهَا وَهِيَ في مِلْكِ غَيْرِهِ فَتَلِدُ ثُمَّ
يَمْلِكُهَا وَوَلَدَهَا وَلَا بِحَبَلٍ وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لِغَيْرِهِ ثُمَّ
تَلِدُ في مِلْكِهِ لِأَنَّ الرِّقَّ قد جَرَى على وَلَدِهَا لِغَيْرِهِ وقد قال
بَعْضُ الناس إذَا نَكَحَهَا مَمْلُوكَةً فَوَلَدَتْ له فَمَتَى مَلَكَهَا فَلَهَا
هذا الْحُكْمُ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ وقد وَلَدَتْ منه وَلَوْ مَلَكَ انها ( ( (
ابنها ) ) ) عَتَقَ بِالنَّسَبِ فَإِنْ كان إنَّمَا أَعْتَقَهَا بِأَنَّ ابْنَهَا
يُعْتَقُ عليه مَتَى مَلَكَهُ فَقَدْ عَتَقَ عليه ابْنُهَا ( 1 ) وَهِيَ
مَمْلُوكَةٌ لِغَيْرِهِ وقد جَرَى عليها الرِّقُّ لِغَيْرِهِ وَلَا يَجُوزُ إلَّا
ما قُلْنَا فيها وهو تَقْلِيدٌ لِعُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه وَفِيهِ
أَنَّ الْمَوْلُودَ لم يَجْرِ عليه رِقٌّ وَهَذَا الْقَوْلُ الذي حَكَيْنَاهُ هو
مُخَالِفٌ لِلْأَثَرِ وَالْقِيَاسِ ( 2 ) فَأَمَّا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ قَوْلُنَا
إذَا وَلَدَتْ منه في مِلْكِ غَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا ثُمَّ يقول لو حَبَلَتْ
منه في مِلْكِ غَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَوَلَدَتْ بَعْدَ شِرَائِهِ بِيَوْمٍ
أو يَوْمَيْنِ فَهَذَا لَا على اسْمِ أنها قد وَلَدَتْ له وَمَلَكَهَا كما قال من
حَكَيْت قَوْلَهُ وَلَا على مَعْنَى أَنَّ الْوَلَدَ الذي تَكُونُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ
لها بِهِ هذا الْحُكْمُ كان حَمْلُهُ في مِلْكِ سَيِّدِهَا الْوَاطِئِ لها
وَيُزَوِّجُهَا من شَاءَ وَيُؤَاجِرُهَا غُرَمَاؤُهُ إنْ كانت لها صَنْعَةٌ فاما
إنْ لم تَكُنْ لها صَنْعَةٌ فَلَا وَلَيْسَ لِلْمَكَاتِبِ أَنْ يَتَسَرَّى وَلَوْ
فَعَلَ مُنِعَ لِأَنَّهُ ليس بِتَامِّ الْمِلْكِ وَلَوْ وَلَدَتْ له لم تَكُنْ
أُمَّ وَلَدٍ بهذا الْوَلَدِ حتى يُعْتَقَ ثُمَّ يُحْدِثُ لها وطءا ( ( ( وطئا ) )
) تَلِدُ منه بَعْدَ الْمِلْكِ
(6/101)
- * الْجِنَايَةُ على أُمِّ
الْوَلَدِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَحَبُّ إلَيْنَا
+ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا جَنَى عليها جِنَايَةً فلم يَحْكُمْ بها الْحَاكِمُ
حتى مَاتَ سَيِّدُهَا فَهِيَ لِوَرَثَةِ سَيِّدِهَا من قِبَلِ أَنَّ سَيِّدَهَا قد
مَلَكَهَا بِالْجِنَايَةِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَوَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ بِمَنْزِلَتِهَا
يَعْتِقُونَ بِعِتْقِهَا إذَا عَتَقَتْ كان من حَلَالٍ أو حَرَامٍ وَلَوْ مَاتَتْ
أُمُّ الْوَلَدِ قبل سَيِّدِهَا كان أَوْلَادُهَا في يَدِ سَيِّدِهَا فإذا مَاتَ
عَتَقُوا بِمَوْتِهِ كما كانت أُمُّهُمْ تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ وإذا أَسْلَمَتْ
أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَأُخِذَ بِالنَّفَقَةِ
عليها وَأَنْ تَعْمَلَ له ما يَعْمَلُ مِثْلُهَا لِمِثْلِهِ فَمَتَى أَسْلَمَ
خُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَإِنْ مَاتَ قبل أَنْ يُسْلِمَ فَهِيَ حُرَّةٌ
بِمَوْتِهِ وقال بَعْضُهُمْ إذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ فَهِيَ
حُرَّةٌ وَعَلَيْهَا أَنْ تَسْعَى في قِيمَتِهَا وَرُوِيَ عن الْأَوْزَاعِيِّ
مِثْلُ قَوْلِهِ إلَّا أَنَّهُ قال تَسْعَى في نِصْفِ قِيمَتِهَا وقال غَيْرُهُمَا
هِيَ حُرَّةٌ وَلَا تَسْعَى في شَيْءٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَإِنْ كان إنَّمَا
ذَهَبَ إلَى انه لم يَكُنْ له منها إلَّا أَنْ يُصِيبَهَا فَحَرُمَتْ عليه
الْإِصَابَةُ بِإِسْلَامِهَا فَهُوَ يَجْعَلُ لِلرَّجُلِ من أُمِّ وَلَدِهِ أَنْ
يَأْخُذَ مَالَهَا بِأَيِّ وَجْهٍ مَلَكَتْهُ وُهِبَ لها أو تُصُدِّقَ بِهِ عليها
أو وَجَدَتْ كَنْزًا أو اكْتَسَبَتْهُ وَيَجْعَلُ له خِدْمَتَهَا وَبَعْضُ هذا
أَكْثَرُ من رَقَبَتِهَا فَكَيْفَ أَخْرَجَهَا من مِلْكِهِ وَهَذَا لَا يَحِلُّ له
وهو لَا يَبِيعُ أُمَّ الْوَلَدِ وإذا لم يُبَعْ مُدَبَّرُ النَّصْرَانِيِّ
يُسْلِمُ فَكَيْفَ بَاعَ أُمَّ وَلَدِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَسَوَاءٌ في
الْحُكْمِ أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ أو الْمُسْلِمُ يَرْتَدُّ ( قال
الرَّبِيعُ لَا تُبَاعُ ) أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ كما لَا تُبَاعُ أُمُّ
وَلَدِ الْمُسْلِمِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَلَيْسَ لِلنَّصْرَانِيِّ أَنْ
يَبِيعَ أُمَّ وَلَدِهِ النَّصْرَانِيَّةِ إذَا حَكَمْنَا أَنَّهُ مَحُولٌ
دُونَهَا لم يُخَلَّ وَبَيْعَهَا كما لَا يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَيْعِ
ابْنِهِ وَلَا بين بَيْعِ مُكَاتَبِهِ وإذا تُوُفِّيَ الرَّجُلُ عن أُمِّ وَلَدِهِ
أو أَعْتَقَهَا فَلَا عِدَّةَ عليها وَتُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةٍ فَإِنْ كانت لَا
تَحِيضُ من صِغَرٍ أو كِبَرٍ فَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ أَحَبُّ إلَيْنَا قِيَاسًا
لِأَنَّ الْحَيْضَةَ إذَا كانت بَرَاءَةً في الظَّاهِرِ فَالْحَمْلُ يَبِينُ في
التي لَا تَحِيضُ في أَقَلَّ من ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ
عليها شَهْرًا بَدَلًا من الْحَيْضَةِ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل أَقَامَ ثَلَاثَةَ
أَشْهُرٍ مَقَامَ ثَلَاثِ حِيَضٍ ( قال الرَّبِيعُ ) وَبِهِ يقول الشَّافِعِيُّ (
قال الرَّبِيعُ ) وإذا كانت لِلرَّجُلِ أُمُّ وَلَدٍ فَخُصِيَ أو انْقَطَعَ عنه
الْجِمَاعُ فَلَيْسَ لها خِيَارٌ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ كَالزَّوْجَةِ في حَالٍ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا جني على أُمِّ الْوَلَدِ فَالْجِنَايَةُ عليها
جِنَايَةٌ على أَمَةٍ تُقَوَّمُ أَمَةً مَمْلُوكَةً ثُمَّ يَكُونُ سَيِّدُهَا وَلِيُّ
الْجِنَايَةِ عليها دُونَهَا يَعْفُوهَا إنْ شَاءَ أو يَسْتَقِيدُ إنْ كان فيها
قَوَدٌ أو يَأْخُذُ الْأَرْشَ وإذا كانت هِيَ الْجَانِيَةُ ضَمِنَ الْأَقَلَّ من
قِيمَتِهَا أو الْجِنَايَةَ لِلْمَجْنِيِّ عليه فَإِنْ عَادَتْ فَجَنَتْ أُخْرَى
وقد أَخْرَجَ قِيمَتَهَا كُلَّهَا فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا إسْلَامُهُ
بَدَنَهَا فَيَرْجِعُ الْمَجْنِيُّ عليه الثَّانِي بِأَرْشِ جِنَايَتِهِ على
الْمَجْنِيِّ عليه الْأَوَّلِ فَيَشْتَرِكَانِ فيها بِقَدْرِ جِنَايَتِهِمَا ثُمَّ
هَكَذَا إنْ جَنَتْ جِنَايَةً أُخْرَى رَجَعَ الْمَجْنِيُّ عليه الثَّالِثُ على
الْأَوَّلَيْنِ فَكَانُوا شُرَكَاءَ في قِيمَتِهَا بِقَدْرِ الْجِنَايَةِ عليهم
وَهَذَا قَوْلٌ يُتَوَجَّهُ وَيَدْخُلُ من قِبَلِ أَنَّهُ لو كان أَسْلَمَ
بَدَنَهَا إلَى الْأَوَّلِ أَخْرَجَهَا من يَدَيْ الْأَوَّلِ إلَى الثَّانِي ولم
يَجْعَلْهُمَا شَرِيكَيْنِ فإذا قام قِيمَتَهَا مَقَامَ بَدَنِهَا فَكَانَ
يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْرِجَ جَمِيعَ قِيمَتِهَا إلَى الْمَجْنِيِّ عليه الثَّانِي
إذَا كان ذلك أَرْشُ جِنَايَتِهَا ثُمَّ يَصْنَعُ ذلك بها كُلَّمَا جَنَتْ
وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنْ يَدْفَعَ الْأَقَلَّ من قِيمَتِهَا أو الْجِنَايَةَ
فإذا عَادَتْ فَجَنَتْ وقد دَفَعَ جَمِيعَ قِيمَتِهَا لم يَرْجِعْ الْآخَرُ على
الْأَوَّلِ بِشَيْءٍ وَرَجَعَ الْآخَرُ على سَيِّدِهَا فَأَخَذَ منه الْأَقَلَّ من
قِيمَتِهَا وَالْجِنَايَةَ وَهَكَذَا كُلَّمَا جَنَتْ وَهَذَا قَوْلٌ يَدْخُلُ من
قِبَلِ أَنَّهُ إنْ كان إنَّمَا ذَهَبَ إلَى الْعَبْدِ يَجْنِي فَيُعْتِقُهُ
سَيِّدُهُ أَنْ يَضْمَنَ الْأَقَلَّ من قِيمَتِهِ أو الْجِنَايَةَ فَهَذِهِ لم
يَعْتِقْهَا سَيِّدُهَا وَذَلِكَ إذَا عَادَ عَقَلَتْ عنه الْعَاقِلَةُ ولم يَعْقِلْ
هو عنه وهو يَجْعَلُهُ يَعْقِلُ عن هذه ( قال الرَّبِيعُ )
(6/102)
- * مَسْأَلَةُ الْجَنِينِ - *
( أخبرنا الرَّبِيعُ ) قال ( حدثنا الشَّافِعِيُّ ) إمْلَاءً قال أخبرنا يحيى بن
حَسَّانَ عن اللَّيْثِ بن سَعْدٍ عن بن شِهَابٍ عن سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ عن أبي
هُرَيْرَةَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى في جَنِينِ امْرَأَةٍ من
بَنِي لَحْيَانَ سَقَطَ مَيِّتًا بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أو أَمَةٍ ثُمَّ إنَّ
الْمَرْأَةَ التي قضى عليها بِالْغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ فَقَضَى رسول اللَّهِ صلى
اللَّهُ عليه وسلم بِأَنَّ مِيرَاثَهَا لِبَنِيهَا وَزَوْجِهَا وَالْعَقْلُ على
عَصَبَتِهَا (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا قَوْلُ أبي حَنِيفَةَ
وَأَصْحَابُهُ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَعْقِلُ نِصْفَ الْعُشْرِ
فَصَاعِدًا وَلَا تَعْقِلُ ما دُونَهُ وَقَوْلُ غَيْرِهِمْ تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ
كُلَّ ما كان له أَرْشٌ وإذا قَضَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ
الْعَاقِلَةَ تَعْقِلُ خَطَأَ الْحُرِّ في الْأَكْثَرِ قَضَيْنَا بِهِ في
الْأَقَلِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَإِنَّمَا ذَهَبَ أبو حَنِيفَةَ إلَى
أَنْ يقضى بِهِ فِيمَا قَضَى بِهِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم خَاصَّةً وَلَا
يُجْعَلُ شيئا قِيَاسًا عليه وَهَذَا يَلْزَمُهُ في غَيْرِ مَوْضِعٍ قد بُيِّنَ في
مَوْضِعِهِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وقال غَيْرُ أبي حَنِيفَةَ تَعْقِلُ
الْعَاقِلَةُ الثُّلُثَ فَصَاعِدًا وَلَا تَعْقِلُ ما دُونَهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ
يَكُونَ في هذا إلَّا ما قُلْنَا من أَنَّ جِنَايَةَ الْحُرِّ إذَا كانت خَطَأً
فَجَعَلَهَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في النَّفْسِ على الْعَاقِلَةِ
وَجَعَلَهَا في الْجَنِينِ وهو نِصْفُ عُشْرِ النَّفْسِ على الْعَاقِلَةِ وَفَرْقٌ
بين حُكْمِهَا وَحُكْمِ الْعَمْدِ وَفَرَّقَ الْمُسْلِمُونَ فَجَعَلُوا عَمْدَ
الْحُرِّ في النَّفْسِ وما دُونَهَا وَفِيمَا اُسْتُهْلِكَ من مَالٍ في مَالِ
نَفْسِهِ دُونَ عَاقِلَتِهِ وَحُكْمُ ما أَصَابَ من حُرٍّ خَطَأً في نَفْسٍ على
عَاقِلَتِهِ ( 2 ) إلَّا أَنْ يَكُونَ ما أَصَابَ من حُرٍّ من شَيْءٍ له أَرْشٌ
على عَاقِلَتِهِ كما حَمَلْت الْأَكْثَرَ حَمَلْت الْأَقَلَّ إذَا كان من وَجْهٍ
وَاحِدٍ وما ذَهَبَ إلَيْهِ أبو حَنِيفَةَ من أَنَّهُ يَقْضِي على الْعَاقِلَةِ
بِمَا قَضَى بِهِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا يَقْضِي عليها بِغَيْرِهِ
فَأَمَّا أنها تَعْقِلُ الثُّلُثَ فَصَاعِدًا فلم نَعْلَمْ عِنْدَ من قَالَهُ فيه
خَبَرًا يَثْبُتُ إلَّا رَأْيَ الرِّجَالِ الَّذِينَ لَا يَكُونُ رَأْيُهُمْ
حُجَّةً فِيمَا لَا خَبَرَ فيه أو خَبَرٌ لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ عِنْدَنَا وَلَا
عِنْدَهُمْ فِيمَا لَا يُرِيدُونَ أَنْ يَقُولُوا بِهِ وَالسُّنَّةُ الثَّابِتَةُ
عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِأَنَّهُ قَضَى بِنِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ على
الْعَاقِلَةِ فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يقضي بها على الْعَاقِلَةِ فَلْيَنْظُرْ
من خَالَفَ فَإِنْ قال فَقَدْ أُثْبِتَ الْمُنْقَطِعَ كما قد أَثْبَتَّ الثَّابِتَ
فَقَدْ رَوَى بن أبي ذِئْبٍ عن الزُّهْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ
عليه وسلم أَمَرَ رَجُلًا ضَحِكَ في الصَّلَاةِ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ
وَالصَّلَاةَ وهو يَعْرِفُ فَضْلَ الزُّهْرِيِّ في الْحِفْظِ على من روى هذا عنه
وَأَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عن مُحَمَّدِ بن الْمُنْكَدِرِ أَنَّ رَجُلًا جاء إلَى
النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال إنَّ لي مَالًا وَعِيَالًا وَإِنَّ لِأَبِي
مَالًا وَعِيَالًا وهو يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ مَالِي فَيُطْعِمَهُ عِيَالَهُ فقال
له النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أنت وَمَالُكَ لِأَبِيكَ وهو يُخَالِفُ هَذَيْنِ
الْحَدِيثَيْنِ مِمَّا لَعَلَّهُ لو جُمِعَ لَكَانَ كَثِيرًا من الْمُنْقَطِعِ
فَإِنْ كان أَحَدٌ أَخْطَأَ بِتَرْكِ تَثْبِيتِ الْمُنْقَطِعِ فَقَدْ شَرَكَهُ في
الخطأ وَتَفَرَّدَ دُونَهُ بِرَدِّ الموتصل ( ( ( المتصل ) ) ) إنَّهُ لِيُرْوَى
عن
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) فَبَيِّنٌ في قَضَاءِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه
وسلم إذا ( ( ( إذ ) ) ) قَضَى على امْرَأَةٍ أَصَابَتْ جَنِينًا بِغُرَّةٍ
وَقَضَى على عَصَبَتِهَا بِأَنَّ عليهم ما أَصَابَتْ وَأَنَّ مِيرَاثَهَا
لِوَلَدِهَا وَزَوْجِهَا ( 1 ) وأن الْعَقْلَ على الْعَاقِلَةِ وَإِنْ لم يَرِثُوا
وَأَنَّ الْمِيرَاثَ لِمَنْ جَعَلَهُ اللَّهُ عز وجل له وَبَيِّنٌ إذْ قَضَى على
عَصَبَتِهَا بِعَقْلِ الْجَنِينِ وَإِنَّمَا فيه غُرَّةٌ لَا اخْتِلَافَ بين
أَحَدٍ أَنَّ قِيمَتَهَا خَمْسٌ من الْإِبِلِ وفي قَوْلِ غَيْرِنَا على أَهْلِ
الذَّهَبِ خَمْسُونَ دِينَارًا وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ
أَنَّ الْعَاقِلَةَ في سُنَّةِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم تَعْقِلُ نِصْفَ
عُشْرِ الدِّيَةِ وَذَلِكَ أَنَّ خَمْسًا من الْإِبِلِ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ
الرَّجُلِ وقد رَوَى هذا إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ عن عُبَيْدِ بن نَضْلَةَ عن
الْمُغِيرَةِ بن شُعْبَةَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى في الْجَنِينِ
بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أو أَمَةٍ وَقَضَى بِهِ على عَاقِلَةِ الْجَانِيَةِ التي
أَصَابَتْهُ
(6/103)
النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
مُتَّصِلًا كَثِيرًا عن الثِّقَاتِ ثُمَّ يَدَعُهُ ( 1 ) فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ
يَكُونَ الموتصل ( ( ( المتصل ) ) ) مَرْدُودًا وَيَكُونُ الْمُنْقَطِعُ
مَرْدُودًا حَيْثُ أَرَادَ ثَابِتًا حَيْثُ أَرَادَ الْعِلْمَ أَدَّى في هذا إلَى
الذي يَزْعُمُ هذا إلَّا في الحديث - * الْجِنَايَةُ على الْعَبْدِ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ عن الزُّهْرِيِّ عن سَعِيدِ
بن الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قال عَقْلُ الْعَبْدِ في ثَمَنِهِ وَأَخْبَرَنَا يحيى بن
حَسَّانَ عن اللَّيْثِ بن سَعْدٍ عن بن شِهَابٍ عن سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ
أَنَّهُ قال عَقْلُ الْعَبْدِ في ثَمَنِهِ كَجِرَاحِ الْحُرِّ في دِيَتِهِ وقال بن
شِهَابٍ وكان رِجَالٌ سِوَاهُ يَقُولُونَ يُقَوَّمُ سِلْعَةً (1) ( قال الشَّافِعِيُّ
) وهو يُرِيدُ أَنْ يَجْعَلَ بن شِهَابٍ وَمِثْلَهُ حُجَّةً على سُنَّةِ رسول
اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا يَجْعَلَ قَوْلَ بن شِهَابٍ وَلَا قَوْلَ
الْقَاسِمِ وَلَا قَوْلَ عَامَّةِ أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم حُجَّةً
على رأى نَفْسِهِ مع ما لو جُمِعَ من الحديث مَوْصُولًا كان كَثِيرًا فإذا جَازَ
أَنْ يَكُونَ هذا مَرْدُودًا بِأَنَّ الْوَهْمَ قد يُمْكِنُ على عَدَدٍ كَثِيرٍ
يَرْوُونَ أَحَادِيثَ كلهم يُحِيلُهَا على الثِّقَةِ حتى يَبْلُغَ بها إلَى من
سَمِعَهَا من النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَكَيْفَ جَازَ لِأَحَدٍ أَنْ يَعِيبَ
من رَدَّ الحديث الْمُنْقَطِعَ لِأَنَّهُ لَا يدرى عَمَّنْ رَوَاهُ صَاحِبُهُ وقد
خُبِّرَ من كَثِيرٍ منهم أَنَّهُمْ قد يَقْبَلُونَ الْأَحَادِيثَ مِمَّنْ
أَحْسَنُوا الظَّنَّ بِهِ وَيَقْبَلُونَهَا مِمَّنْ لَعَلَّهُمْ لَا يَكُونُونَ
خَابِرِينَ بِهِ وَيَقْبَلُونَهَا من الثِّقَةِ وَلَا يَدْرُونَ عَمَّنْ قَبِلَهَا
من قَبِلَهَا عنه وما زَالَ أَهْلُ الحديث في الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ يُثْبِتُونَ
فَلَا يَقْبَلُونَ الرِّوَايَةَ التي يَحْتَجُّونَ بها وَيُحِلُّونَ بها
وَيُحَرِّمُونَ بها إلَّا عَمَّنْ أَمِنُوا وإن يُحَدِّثُوا بها هَكَذَا ذَكَرُوا
أَنَّهُمْ لم يَسْمَعُوهَا من ثَبْتٍ كان عَطَاءُ بن أبي رَبَاحٍ يَسْأَلُ عن
الشَّيْءِ فَيَرْوِيهِ عَمَّنْ قَبِلَهُ وَيَقُولُ سَمِعْته وما سَمِعْته من
ثَبْتٍ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا بِذَلِكَ مُسْلِمُ بن خَالِدٍ وَسَعِيدُ بن سَالِمٍ
عن بن جُرَيْجٍ عنه هذا في غَيْرِ قَوْلٍ وكان طَاوُسٌ إذَا حدثه رَجُلٌ حَدِيثًا
قال إنْ كان الذي حَدَّثَكَ مَلِيًّا وَإِلَّا فَدَعْهُ يَعْنِي حَافِظًا ثِقَةً
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا عَمِّي محمد بن عَلِيٍّ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن
أبيه أَنَّهُ قال إنِّي لَأَسْمَعُ الحديث أَسْتَحْسِنُهُ فما يَمْنَعُنِي من
ذِكْرِهِ إلَّا كَرَاهِيَةُ أَنْ يَسْمَعَهُ سَامِعٌ فَيَقْتَدِي بِهِ أَسْمَعُهُ
من الرَّجُلِ لَا أَثِقُ بِهِ قد حُدِّثَهُ عَمَّنْ أَثِقُ بِهِ وَأَسْمَعُهُ من
الرَّجُلِ أَثِقُ بِهِ حُدِّثَهُ عَمَّنْ لَا أَثِقُ بِهِ وقال سَعِيدُ بن
إبْرَاهِيمَ لَا يحدث عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا الثِّقَاتُ
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا سُفْيَانُ عن يحيى بن سَعِيدٍ قال سَأَلْت ابْنًا
لِعَبْدِ اللَّهِ بن عُمَرَ عن مَسْأَلَةٍ فلم يَقُلْ فيها شيئا فَقِيلَ له إنَّا
لَنُعْظِمُ أَنْ يَكُونَ مِثْلُكَ بن إمَامِ هُدًى تُسْأَلُ عن أَمْرٍ ليس
عِنْدَكَ فيه عِلْمٌ فقال أَعْظَمُ وَاَللَّهِ من ذلك عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ من
عَرَفَ اللَّهَ وَعِنْدَ من عَقَلَ عن اللَّهِ أَنْ أَقُولَ ما ليس لي بِهِ عِلْمٌ
أو أُخْبِرَ عن غَيْرِ ثِقَةٍ وكان بن سِيرِينَ وَالنَّخَعِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ
من التَّابِعِينَ يَذْهَبُ هذا الْمَذْهَبَ في أَنْ لَا يَقْبَلَ إلَّا عَمَّنْ
عَرَفَ وما لَقِيت وَلَا عَلِمْت أَحَدًا من أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ
يُخَالِفُ هذا الْمَذْهَبَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَخَالَفَ قَوْلَ الزُّهْرِيِّ من الناس الَّذِينَ قالوا
هو سِلْعَةٌ وَخَالَفَ قَوْلَ سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ وَالزُّهْرِيُّ لم يَحْكِ
فيه بِالْمَدِينَةِ إلَّا هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ ولم أَعْلَمْ أَحَدًا قَطُّ قال
غير هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ قَبْلَهُ فَزَعَمَ في مُوضِحَةِ الْعَبْدِ
وَمُنَقِّلَتِهِ وَمَأْمُومَتِهِ وَجَائِفَتِهِ أنها في ثَمَنِهِ مِثْلُ جِرَاحِ
الْحُرِّ في دِيَتِهِ وَزَعَمَ فِيمَا بَقِيَ من جِرَاحِهِ أنها مِثْلُ جِرَاحِ
الْبَعِيرِ فيه ما نَقَصَهُ فَلَا بِقَوْلِ سَعِيدٍ وَلَا بِقَوْلِ الناس
الَّذِينَ حَكَى عَنْهُمْ الزُّهْرِيُّ
(6/104)
- * دِيَاتُ الْخَطَأِ - * - *
دِيَاتُ الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ - *
أخبرنا الرَّبِيعُ بن سُلَيْمَانَ قال أخبرنا الشَّافِعِيُّ قال قال اللَّهُ عز
وجل { وما كان لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ
مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى
أَهْلِهِ } فَأَحْكَمَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى في تَنْزِيلِ كِتَابِهِ أَنَّ
على قَاتِلِ الْمُؤْمِنِ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ وَأَبَانَ على لِسَانِ
نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كَمْ الدِّيَةُ فَكَانَ نَقْلُ عَدَدٍ من أَهْلِ
الْعِلْمِ عن عَدَدٍ لَا تَنَازُعَ بَيْنَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ
عليه وسلم قَضَى بِدِيَةِ الْمُسْلِمِ مِائَةً من الْإِبِلِ فَكَانَ هذا أَقْوَى
من نَقْلِ الْخَاصَّةِ وقد رُوِيَ من طَرِيقِ الْخَاصَّةِ وَبِهِ نَأْخُذُ فَفِي
الْمُسْلِمِ يُقْتَلُ خَطَأً مِائَةٌ من الْإِبِلِ
أخبرنا سُفْيَانُ عن عَلِيِّ بن زَيْدِ بن جُدْعَانَ عن الْقَاسِمِ بن رَبِيعَةَ
عن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال أَلَا
إنَّ في قَتِيلِ الْعَمْدِ الْخَطَأَ بِالسَّوْطِ أو الْعَصَا مِائَةٌ من
الْإِبِلِ مُغَلَّظَةً منها أَرْبَعُونَ خَلِفَةً في بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا
أخبرنا عبد الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عن خَالِدٍ الْحَذَّاءَ عن الْقَاسِمِ بن
رَبِيعَةَ عن عُقْبَةَ بن أَوْسٍ عن رَجُلٍ من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه
وسلم قال يوم فَتْحِ مَكَّةَ أَلَا أن في قَتِيلِ الْخَطَأِ شِبْهِ الْعَمْدِ
قَتِيلِ السَّوْطِ أو الْعَصَا الدِّيَةَ مُغَلَّظَةً منها أَرْبَعُونَ خَلِفَةً
في بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا
أخبرنا مَالِكُ بن أَنَسٍ عن عبد اللَّهِ بن أبي بَكْرِ بن مُحَمَّدِ بن عَمْرِو
بن حَزْم عن أبيه أَنَّ في الْكِتَابِ الذي كَتَبَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ
عليه وسلم لِعَمْرِو بن حَزْمٍ في النَّفْسِ مِائَةٌ من الْإِبِلِ أخبرنا مُسْلِمُ
بن خَالِدٍ عن بن جُرَيْجٍ عن عبد اللَّهِ بن أبي بَكْرٍ في الدِّيَاتِ في كِتَابِ
النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِعَمْرِو بن حَزْمٍ في النَّفْسِ مِائَةٌ من
الْإِبِلِ قال بن جُرَيْجٍ فَقُلْت لِعَبْدِ اللَّهِ بن أبي بَكْرٍ أَفِي شَكٍّ
أَنْتُمْ من أَنَّهُ كِتَابُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال لَا أخبرنا بن
عُيَيْنَةَ عن بن طَاوُسٍ عن أبيه وَأَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن عُبَيْدِ
اللَّهِ بن عُمَرَ عن أَيُّوبَ بن مُوسَى عن بن شِهَابٍ وَعَنْ مَكْحُولٍ
وَعَطَاءٍ قالوا أَدْرَكْنَا الناس على أَنَّ دِيَةَ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ على
عَهْدِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مِائَةٌ من الْإِبِلِ فَقَوَّمَ عُمَرُ
بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه تِلْكَ الدِّيَةَ على أَهْلِ الْقُرَى أَلْفَ
دِينَارٍ أو اثْنَيْ عَشْرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَإِنْ كان الذي أَصَابَهُ من
الْأَعْرَابِ فَدِيَتُهُ مِائَةٌ من الْإِبِلِ لَا يُكَلَّفُ الْأَعْرَابِيُّ
الذَّهَبَ وَلَا الْوَرِقَ وَدِيَةُ الْأَعْرَابِيِّ إذَا أَصَابَهُ أَعْرَابِيٌّ
مِائَةٌ من الْإِبِلِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى في
الْمُعَاهَدِ يُقْتَلُ خَطَأً بِدِيَةٍ مُسَلَّمَةٍ إلَى أَهْلِهِ وَدَلَّتْ
سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على أَنْ لَا يُقْتَلَ مُؤْمِنٌ
بِكَافِرٍ مع ما فَرَّقَ اللَّهُ عز وجل بين الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ فلم
يَجُزْ أَنْ يُحْكَمَ على قَاتِلِ الْكَافِرِ إلَّا بِدِيَةٍ وَلَا أَنْ يُنْقَصَ
منها إلَّا بِخَبَرٍ لَازِمٍ فَقَضَى عُمَرُ بن الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ بن
عَفَّانَ رضي اللَّهُ عنهما في دِيَةِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ بِثُلُثِ
دِيَةِ الْمُسْلِمِ وَقَضَى عُمَرُ في دِيَةِ الْمَجُوسِيِّ بِثَمَانِمِائَةِ
دِرْهَمٍ وَذَلِكَ ثُلُثَا عُشْرِ دِيَةِ الْمُسْلِمِ لِأَنَّهُ كان يقول
تُقَوَّمُ الدِّيَةُ اثْنَيْ عَشْرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ ولم نَعْلَمْ أَحَدًا قال في
دِيَاتِهِمْ أَقَلَّ من هذا وقد قِيلَ إنَّ دِيَاتِهِمْ أَكْثَرُ من هذا
فَأَلْزَمْنَا قَاتِلَ كل وَاحِدٍ من هَؤُلَاءِ الْأَقَلَّ مِمَّا اُجْتُمِعَ عليه
فَمَنْ قَتَلَ يَهُودِيًّا أو نَصْرَانِيًّا خَطَأً وَلِلْمَقْتُولِ ذِمَّةٌ
بِأَمَانٍ إلَى مُدَّةٍ أو ذِمَّةٌ بِإِعْطَاءِ جِزْيَةٍ أو أَمَانِ سَاعَةٍ
فَقَتَلَهُ في وَقْتِ أَمَانِهِ من الْمُسْلِمِينَ فَعَلَيْهِ ثُلُثُ دِيَةِ
الْمُسْلِمِ وَذَلِكَ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ من الْإِبِلِ وَثُلُثٌ وَمَنْ قَتَلَ
مَجُوسِيًّا أو وَثَنِيًّا له أَمَانٌ فَعَلَيْهِ ثُلُثَا عُشْرِ دِيَةِ مُسْلِمٍ
وَذَلِكَ سِتُّ فَرَائِضَ وَثُلُثَا فَرِيضَةِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَدِيَةُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ مِائَةٌ من الْإِبِلِ لَا
دِيَةَ غَيْرَهَا كما فَرَضَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( قال ) فَإِنْ
أَعْوَزَتْ الْإِبِلُ فَقِيمَتُهَا وقد وُضِعَ هذا في غَيْرِ هذا الْمَوْضِعِ - *
دِيَةُ الْمُعَاهَدِ - *
(6/105)
مُسْلِمٍ وَأَسْنَانُ
الْإِبِلِ فِيهِمْ كَهِيَ في دِيَاتِ الْمُسْلِمِينَ إذَا كان قَتَلَهُمْ عَمْدًا
أو عَمْدَ خَطَأٍ فَخُمُسَا دِيَةِ الْمَقْتُولِ خَلِفَتَانِ وَثَلَاثَةُ
أَخْمَاسٍ نِصْفَيْنِ نِصْفٌ حِقَاقٌ وَنِصْفٌ جِذَاعٌ فإذا كان الْقَتْلُ خَطَأً
مَحْضًا فَالدِّيَةُ أَخْمَاسٌ خَمْسٌ بَنَاتُ مَخَاضٍ وَخَمْسٌ بَنَاتُ لَبُونٍ
وَخَمْسٌ بَنُو لَبُونٍ ذُكُورٍ وَخَمْسٌ حِقَاقٌ وَخَمْسٌ جِذَاعٌ وَدِيَاتُ
نِسَائِهِمْ على أَنْصَافِ دِيَاتِ رِجَالِهِمْ كما تَكُونُ دِيَاتُ نِسَاءِ
الْمُسْلِمِينَ على أَنْصَافِ دِيَاتِ رِجَالِهِمْ وإذا قَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا
قضى عليهم بِمَا وَصَفْت يُقْضَى بِهِ بين الْمُسْلِمِينَ وَعَلَى عَوَاقِلِ من
جَرَى عليه الْحُكْمُ وقد وَصَفْت هذا في الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ في قَتْلِ
الْعَمْدِ وإذا قُتِلَ لهم عَبْدٌ على دِينِهِمْ فَدِيَتُهُ ثَمَنُهُ بَالِغًا ما
بَلَغَ وَإِنْ بَلَغَ دِيَاتِ مُسْلِمٍ ( قال ) وإذا كان وَاحِدٌ منهم قَاتِلًا
لِمُسْلِمٍ قَتْلًا لَا قِصَاصَ فيه قُضِيَ عليه بِدِيَةِ مُسْلِمٍ كَامِلَةٍ على
عَاقِلَتِهِ إنْ كان قَتْلُهُ خَطَأً أو شِبْهَ عَمْدٍ كما يُقْضَى على عَاقِلَةِ
الْمُسْلِمِ وَإِنْ لم يَكُنْ له عَاقِلَةٌ يَجْرِي عليهم الْحُكْمُ فَفِي مَالِهِ
وَإِنْ قَتَلَهُ عَمْدًا فَاخْتَارَ وَرَثَتُهُ الْعَقْلَ فَفِي مَالِ الْجَانِي
كما قُلْنَا في الْمُسْلِمِينَ الْإِبِلُ أو قِيمَتُهَا إنْ لم تُوجَدْ في
الْجِنَايَةِ وَالدِّيَةُ الإبل ( ( ( والإبل ) ) ) لَا غَيْرُهَا ما كانت
الْإِبِلُ مَوْجُودَةً حَيْثُ كانت عَاقِلَةُ الْجَانِي وَالْمَحْكُومِ لهم (1) (
قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لم أَعْلَمْ مُخَالِفًا من أَهْلِ
الْعِلْمِ قَدِيمًا وَلَا حَدِيثًا في أَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ
الرَّجُلِ وَذَلِكَ خَمْسُونَ من الْإِبِلِ فإذا قَضَى في الْمَرْأَةِ بِدِيَةٍ
فَهِيَ خَمْسُونَ من الْإِبِلِ وإذا قُتِلَتْ عَمْدًا فَاخْتَارَ أَهْلُهَا
دِيَتَهَا فَدِيَتُهَا خَمْسُونَ من الْإِبِلِ أَسْنَانُهَا أَسْنَانُ دِيَةِ
عَمْدٍ وَسَوَاءٌ قَتَلَهَا رَجُلٌ أو نَفَرٌ أو امْرَأَةٌ لَا يُزَادُ في
دِيَتِهَا على خَمْسِينَ من الْإِبِلِ وَجِرَاحُ الْمَرْأَةِ في دِيَتِهَا
كَجِرَاحِ الرَّجُلِ في دِيَتِهِ لَا تَخْتَلِفُ فَفِي مُوضِحَتِهَا نِصْفُ ما في
مُوضِحَةِ الرَّجُلِ وفي جَمِيعِ جِرَاحِهَا بهذا الْحِسَابِ فَإِنْ قال قَائِلٌ
فَهَلْ في دِيَةِ الْمَرْأَةِ سِوَى ما وَصَفْت من الْإِجْمَاعِ أَمْرٌ
مُتَقَدِّمٌ فَنَعَمْ
أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ عن أَيُّوبَ بن مُوسَى عن بن
شِهَابٍ وَعَنْ مَكْحُولٍ وَعَطَاءٍ قالوا أَدْرَكْنَا الناس على أَنَّ دِيَةَ
الْحُرِّ الْمُسْلِمِ على عَهْدِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مِائَةٌ من
الْإِبِلِ فَقَوَّمَ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ تِلْكَ الدِّيَةَ على أَهْلِ الْقُرَى
أَلْفَ دِينَارٍ أو اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَدِيَةُ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ
إذَا كانت من أَهْلِ الْقُرَى خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ أو سِتَّةُ آلَافِ دِرْهَمٍ
فإذا كان الذي أَصَابَهَا من الْأَعْرَابِ فَدِيَتُهَا خَمْسُونَ من الْإِبِلِ
وَدِيَةُ الْأَعْرَابِيَّةِ إذَا أَصَابَهَا الْأَعْرَابِيُّ خَمْسُونَ من
الْإِبِلِ وَأَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عن بن أبي نَجِيحٍ عن أبيه أَنَّ رَجُلًا
أَوْطَأَ امْرَأَةً بِمَكَّةَ فَقَضَى فيها عُثْمَانُ بن عَفَّانَ رضي اللَّهُ عنه
بِثَمَانِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَثُلُثٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) ذَهَبَ
عُثْمَانُ إلَى التَّغْلِيظِ لِقَتْلِهَا في الْحَرَمِ - * دِيَةُ الْخُنْثَى - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا بَانَ الْخُنْثَى ذَكَرًا
حُكِمَ له بِذَلِكَ أو لم يُحْكَمْ فَدِيَتُهُ دِيَةُ الرَّجُلِ وإذا بَانَ
أُنْثَى فَدِيَتُهُ دِيَةُ امْرَأَةٍ وإذا كان مُشْكِلًا فَدِيَتُهُ دِيَةُ
امْرَأَةٍ فَإِنْ جني عليه وهو مُشْكِلٌ فلم يَمُتْ حتى بَانَ ذَكَرًا فَدِيَتُهُ
دِيَةُ رَجُلٍ وَكَذَلِكَ لو جني عليه جُرْحٌ فَبَرَأَ منه فَأُعْطِيَ أَرْشَهُ
وهو مُشْكِلٌ على أَنَّهُ أُنْثَى ثُمَّ بَانَ ذَكَرًا أُتِمَّ له أَرْشَ جُرْحِ
رَجُلٍ وإذا اخْتَلَفَ وَرَثَةُ الْخُنْثَى وَالْجَانِي فقال الْجَانِي هو
امْرَأَةٌ أو مُشْكِلٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ وَعَلَى الْخُنْثَى أو
وَرَثَتِهِ الْبَيِّنَةُ بِمَا يَدُلُّ على أَنَّهُ ذَكَرٌ وَلَوْ مَاتَ
الْخُنْثَى فَاخْتَلَفَتْ وَرَثَتُهُ وَالْجَانِي فَأَقَامَ وَرَثَتُهُ
الْبَيِّنَةَ بِمَا يَدُلُّ على أَنَّهُ ذَكَرٌ وَالْجَانِي الْبَيِّنَةَ بِمَا
يُبَيِّنُ أَنَّهُ أُنْثَى طُرِحَتْ الْبَيِّنَتَانِ مَعًا في قَوْلِ من طَرَحَ
الْبَيِّنَتَيْنِ إذَا تَكَافَأَتَا وكان الْقَوْلُ قَوْلَ الْجَانِي وَلَوْ كان
هذا وَالْخُنْثَى حَيٌّ ثُمَّ عَايَنَهُ الْحَاكِمُ فَرَآهُ ذَكَرًا قَضَى له
بِأَرْشِ ذَكَرٍ وَلَوْ كانت بَيِّنَةٌ مُتَظَاهِرَةٌ أَنَّهُ ذَكَرٌ أو أُنْثَى
قُبِلَتْ الْبَيِّنَةُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) يَعْقِلُ عَوَاقِلُ الذِّمِّيِّينَ إذَا كَانُوا مِمَّنْ
يَجْرِي عليهم الْحُكْمُ الْعَقْلَ عن جِنَايَتِهِمْ الْخَطَأَ كما تَعْقِلُ
عَوَاقِلُ الْمُسْلِمِينَ - * دِيَةُ الْمَرْأَةِ - *
(6/106)
كما تُقْبَلُ على
الِاسْتِئْنَافِ وَلَيْسَ ما أَدْرَكَ الْحَاكِمُ عِيَانَهُ وَأَدْرَكَهُ
الشُّهُودُ وكان قَائِمًا بِعَيْنِهِ يوم يَشْهَدُ عليه عِنْدَ الْحَاكِمِ حتى
يَكُونَ يُمْكِنُ الْحَاكِمُ أَنْ يَبْتَدِئَ أَنْ يُرِيَهُ الشُّهُودَ
فَيَشْهَدُونَ منه على عِيَانٍ ثُمَّ آخَرِينَ بَعْدُ فَتَتَوَاطَأُ
شَهَادَاتُهُمْ عليه وَيُدْرِكُ الْحَاكِمُ الْعِيَانَ فيه كَشَهَادَةٍ في أَمْرٍ
غَائِبٍ عن الْحَاكِمِ لَا يُدْرِكُ فيه مِثْلَ هذا وَلَا يَشْهَدُ منها إلَّا على
أَمْرٍ مُنْقِضٍ لَا يَسْتَأْنِفُ الشُّهُودُ عِلْمَهُ وَلَا غَيْرُهُمْ - *
دِيَةُ الْجَنِينِ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عن
أبي سَلَمَةَ بن عبد الرحمن عن أبي هُرَيْرَةَ رضي اللَّهُ عنه أَنَّ
امْرَأَتَيْنِ من هُذَيْلٍ رَمَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى فَطَرَحَتْ جَنِينَهَا
فَقَضَى فيه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِغُرَّةِ عَبْدٍ أو وَلِيدَةٍ
أخبرنا مَالِكُ بن أَنَسٍ عن بن شِهَابٍ عن سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى في الْجَنِينِ يُقْتَلُ في بَطْنِ أُمِّهِ
بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أو وَلِيدَةٍ فقال الذي قَضَى عليه كَيْفَ أَغْرَمُ ما لَا
شَرِبَ وَلَا أَكَلَ وَلَا نَطَقَ وَلَا اسْتَهَلَّ وَمِثْلُ ذلك يُطَلُّ فقال
رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا هذا من إخْوَانِ الْكُهَّانِ
أخبرنا الثِّقَةُ يحيى بن حَسَّانَ عن اللَّيْثِ بن سَعْدٍ عن بن شِهَابٍ عن
سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه
وسلم قَضَى في جَنِينِ امْرَأَةٍ من بَنِي لِحْيَانَ سَقَطَ مَيِّتًا بِغُرَّةِ
عَبْدٍ أو أَمَةٍ ثُمَّ إنَّ الْمَرْأَةَ التي قَضَى عليها بِالْغُرَّةِ
تُوُفِّيَتْ فَقَضَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ مِيرَاثَهَا
لِبَنِيهَا وَزَوْجِهَا وَالْعَقْلَ على عَصَبَتِهَا
أخبرنا سُفْيَانُ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن طَاوُسٍ عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي
اللَّهُ عنه قال أَذْكَرَ اللَّهُ امرءا سمع من النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في
الْجَنِينِ شيئا فَقَامَ حَمَلُ بن مَالِكِ بن النَّابِغَةِ فقال كُنْت بين
جَارِيَتَيْنِ لي فَضَرَبَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِمُسَطَّحٍ فَأَلْقَتْ
جَنِينًا مَيِّتًا فَقَضَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فيه بِغُرَّةٍ فقال
عُمَرُ إنْ كِدْنَا أَنْ نَقْضِيَ في مِثْلِ هذا بِآرَائِنَا (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ في الْجَنِينِ وَالْمَرْأَةِ
التي قَضَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في جَنِينِهَا بِغُرَّةِ حُرَّةٍ
مُسْلِمَةٍ فإذا كان الْجَنِينُ حُرًّا مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ
أو هُمَا فَفِيهِ غُرَّةٌ كَامِلَةٌ فَإِنْ كان جَنِينَ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ من
مُشْرِكٍ حُرٍّ أو عَبْدٍ من نِكَاحٍ أو زِنًا أو جَنِينَ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ
لَقِيطٍ من زَوْجٍ عَبْدٍ أو حُرٍّ أو زِنًا فَفِيهِ غُرَّةٌ كَامِلَةٌ
لِإِسْلَامِهِ وَحُرِّيَّتِهِ بِإِسْلَامِ أُمِّهِ وَحُرِّيَّتِهَا وَكَذَلِكَ جَنِينُ
الْأَمَةِ يَطَؤُهَا سَيِّدُهَا بِمِلْكٍ صَحِيحٍ أو مِلْكٍ فَاسِدٍ أو يَمْلِكُ
شِقْصًا منها وَكَذَلِكَ جَنِينُ الْأَمَةِ يَنْكِحُهَا وَيَغُرُّ بِأَنَّهَا
حُرَّةٌ لِأَنَّ من سَمَّيْت لَا يُرَقُّ بِحَالٍ وما قُلْت لَا يُرَقُّ بِحَالٍ
فَفِيهِ غُرَّةٌ كَامِلَةٌ وَأَيُّ جَنِينٍ جَعَلْته مُسْلِمًا بِكُلِّ حَالٍ
بِإِسْلَامِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ جَعَلْته جَنِينَ مُسْلِمٍ وَأَقَلُّ ما يَكُونُ
بِهِ السِّقْطُ جَنِينًا فيه غُرَّةٌ أَنْ يَتَبَيَّنَ من خَلْقِهِ شَيْءٌ
يُفَارِقُ الْمُضْغَةَ أو الْعَلَقَةَ أُصْبُعٌ أو ظُفْرٌ أو عَيْنٌ أو ما بَانَ
من خَلْقِ بن آدَمَ سِوَى هذا كُلِّهِ فَفِيهِ غُرَّةٌ كَامِلَةٌ وَإِنْ جَنَى
جَانٍ على امْرَأَةٍ فَجَاءَتْ مَكَانَهَا أو بَعْدُ بِجَنِينٍ فقالت هذا الذي
أَلْقَيْت وَأَنْكَرَ الْجَانِي لم يُقْبَلْ قَوْلُهَا وكان الْقَوْلُ قَوْلَهُ بِيَمِينِهِ
وَلَا تَلْزَمُهُ الْجِنَايَةُ إلَّا بِإِقْرَارِهِ أو بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عليه
رَجُلَانِ أو رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أو أَرْبَعُ نِسْوَةٍ بِأَنَّهَا أَلْقَتْ هذا
أو أَلْقَتْ جَنِينًا فَإِنْ شَهِدُوا أنها أَلْقَتْ شيئا ولم يُثْبِتُوا
الشَّيْءَ وَجَاءَتْ بِجَنِينٍ فقالت هذا هو وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ الذي
أَلْقَتْ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي عليها مع يَمِينِهِ وَكَذَلِكَ لو
أَلْقَتْهُ فَدَفَنَتْهُ ولم تُثْبِتْهُ الشُّهُودُ جَنِينًا بِأَنْ يَتَبَيَّنَ
فيه خَلْقُ آدَمِيٍّ ولم تَخْتَلِفْ رِوَايَةُ من رَوَى عن النبي صلى اللَّهُ عليه
وسلم أَنَّهُ لم يَسْأَلْ عن الْجَنِينِ ذَكَرٌ هو أو أُنْثَى فإذا أَلْقَتْهُ
الْمَرْأَةُ مَيِّتًا فَسَوَاءٌ ذكر أن الْأَجِنَّةِ وَإِنَاثُهُمْ في أَنَّ في كل
وَاحِدٍ منهم غُرَّةَ عَبْدٍ أو أَمَةٍ وفي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ
عليه وسلم قَضَى في الْجَنِينِ بِغُرَّةٍ دَلِيلٌ على أَنَّ الْحُكْمَ في
الْجَنِينِ غَيْرُ الْحُكْمِ في أُمِّهِ وإذا أَلْقَتْ الْمَرْأَةُ جَنِينًا
مَيِّتًا وَعَاشَتْ أُمُّهُ فَدِيَةُ الْجَنِينِ مَوْرُوثَةٌ كما يُورَثُ لو
أَلْقَتْهُ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ يَرِثُهُ أَبَوَاهُ مَعً
(6/107)
أو أُمُّهُ إنْ لم يَكُنْ له
أَبٌ ( 1 ) حرها ( ( ( ترثه ) ) ) مع من وَرِثَهُ مَعَهَا وَإِنْ لم يَخْرُجْ
إلَّا من الضَّرْبِ الذي سَقَطَ بِهِ الْجَنِينُ فَلَا شَيْءَ لها في الضَّرْبِ
لِأَنَّ الْأَلَمَ وَإِنْ وَقَعَ عليها فَالتَّلَفُ وَقَعَ على جَنِينِهَا في
جَوْفِهَا وَإِنْ جَرَحَهَا جُرْحًا له أَرْشٌ أو فيه حُكُومَةٌ فَلَهَا أَرْشُ
الْجِرَاحِ وَالْحُكُومَةِ فيه دُونَ ما في الْجَنِينِ لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ عليها
وَدِيَةُ الْجَنِينِ مَوْرُوثَةٌ لها وَلِأَبِيهِ أو وَرَثَتِهِ إنْ لم يَكُنْ
أَبُوهُ حَيًّا مَعَهَا ( قال ) وَبِهَذَا قُلْنَا إذَا أَلْقَتْ الْمَرْأَةُ
أَجِنَّةً مَوْتَى قبل مَوْتِهَا وَبَعْدَهُ فَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ وفي كل
جَنِينٍ منهم غُرَّةٌ وَلَهَا مِيرَاثُهَا مِمَّا أَلْقَتْهُ وَهِيَ حَيَّةٌ وما
أَلْقَتْهُ بَعْدَ الْمَوْتِ لم تَرِثْهُ لِأَنَّهُ لم يَخْرُجْ وَهِيَ تَرِثُهُ
ولم يَرِثْهَا لِأَنَّهُ لم يَخْرُجْ حَيًّا فَيَرِثُهَا وَإِنَّمَا يَرِثُ
الْأَحْيَاءُ وإذا أَلْقَتْ جَنِينَيْنِ يَجْمَعُهُمَا شَيْءٌ من خِلْقَةِ
الْإِنْسَانِ لم يَلْزَمْ عَاقِلَتَهُ إلَّا دِيَةُ جَنِينٍ وَاحِدٍ وَذَلِكَ أَنْ
تُلْقِيَ بَدَنَيْنِ مُفْتَرَقَيْنِ في رَأْسٍ وَاحِدٍ أو في رَقَبَتَيْنِ
مُفْتَرِقَتَيْ الصَّدْرَيْنِ وَالْيَدَيْنِ وَيَجْمَعُهُمَا رِجْلَانِ أو
أَرْبَعَةُ أَرْجُلٍ ( 2 ) إلَّا أَنَّهُمَا لَا يفرقا ( ( ( يفرقان ) ) ) بِأَنْ
خُلِقَا في الْجِلْدَةِ الْعُلْيَا أو فيها أو في أَكْثَرَ منها فَإِنْ خَرَجَا في
جِلْدَةِ بَطْنٍ فَشُقَّتْ عنهما وَبَقِيَا بِبَدَنَيْنِ مُتَفَرِّقَيْنِ فَهُمَا
جَنِينَانِ فِيهِمَا غُرَّتَانِ وَلَوْ كَانَا نَاقِصَيْنِ أو أَحَدَهُمَا إذَا
بَانَ في كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا من خِلْقَةِ الْإِنْسَانِ شَيْءٌ فَهُمَا
جَنِينَانِ إذَا خُلِقَا مُتَفَرِّقَيْنِ وإذا أَلْقَتْ الْجَنِينَ حَيًّا ثُمَّ
مَاتَ مَكَانَهُ فَفِيهِ دِيَةُ حُرٍّ كَامِلَةٌ إنْ كان ذَكَرًا فَمِائَةٌ من
الْإِبِلِ وَإِنْ كان أُنْثَى فَخَمْسُونَ من الْإِبِلِ وَلَا تُعْرَفُ حَيَاةُ
الْجَنِينِ إلَّا بِرَضَاعٍ أو اسْتِهْلَالٍ أو نَفَسٍ أو حَرَكَةٍ لَا تَكُونُ
إلَّا حَرَكَةَ حَيٍّ وإذا أَلْقَتْهُ فَادَّعَتْ حَيَاتَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ
الْجَانِي في أنها أَلْقَتْهُ مَيِّتًا وَعَلَى وَارِثِ الْجَنِينِ الْبَيِّنَةُ
فَإِنْ أَقَرَّ الْجَانِي على الْجَنِينِ أَنَّهُ خَرَجَ حَيًّا وَأَنْكَرَتْ
عَاقِلَتُهُ خُرُوجَهُ حَيًّا وَأَقَرَّتْ بِخُرُوجِهِ مَيِّتًا أو قَامَتْ
بَيِّنَةٌ بِخُرُوجِهِ ولم تُثْبِتْ له مَوْتًا وَلَا حَيَاةً ضَمِنَتْ
الْعَاقِلَةُ دِيَةَ الْجَنِينِ مَيِّتًا وَضَمِنَ الْجَانِي تَمَامَ دِيَةِ
نَفْسٍ حَيَّةٍ إنْ كان ذَكَرًا ضَمِنَ تِسْعَةَ أَعْشَارٍ وَنِصْفِ عُشْرِ دِيَةِ
رَجُلٍ وَذَلِكَ خَمْسٌ وَتِسْعُونَ من الْإِبِلِ فإذا كان أُنْثَى فَتِسْعَةُ
أَعْشَارِ دِيَةِ أُنْثَى وَذَلِكَ خَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ من الْإِبِلِ ( قال )
وَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ خَرَجَ حَيًّا وَبَيِّنَةٌ أَنَّهُ سَقَطَ
مَيِّتًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَيِّنَةِ التي شَهِدَتْ على الْحَيَاةِ لِأَنَّ
الْحَيَاةَ قد تَكُونُ فَلَا يَعْلَمُهَا شُهُودٌ حَاضِرُونَ وَيَعْلَمُهَا
آخَرُونَ فَيَشْهَدُونَ على أَنَّهُ خَرَجَ مَيِّتًا بِأَنَّهُمْ رَأَوْهُ
خَارِجًا لم يَعْلَمُوا حَيَاتَهُ وَلَوْ كانت الْبَيِّنَةُ قَامَتْ على الْجَانِي
بِإِقْرَارِهِ بِأَنَّهُ خَرَجَ حَيًّا وَقَامَتْ أُخْرَى بِأَنَّهُ قال خَرَجَ
مَيِّتًا وَلَيْسَ هذا وَلَا الْبَابُ قَبْلَهُ تَضَادًّا في الشَّهَادَةِ
يَسْقُطُ بِهِ كُلَّهَا ( قال ) وإذا أَلْقَتْ جَنِينَيْنِ أَحَدَهُمَا قبل
الْآخَرِ أو مَعًا فَشَهِدَ الشُّهُودُ على أَنَّهُمْ سَمِعُوا لِأَحَدِ
الْجَنِينَيْنِ صَوْتًا أو رَأَوْا له حَرَكَةَ حَيَاةٍ ولم يُثْبِتُوا أَيَّهُمَا
كان الْحَيَّ قُبِلَتْ شَهَادَاتُهُمْ وَلَزِمَ عَاقِلَةَ الْجَانِي دِيَةُ
جَنِينٍ حَيٍّ وَدِيَةُ جَنِينٍ مَيِّتٍ فَإِنْ كَانَا ذَكَرَيْنِ لَزِمَتْ
الْعَاقِلَةُ في الْحَيِّ دِيَةُ نَفْسِ رَجُلٍ وَإِنْ كَانَتَا أُنْثَيَيْنِ
لَزِمَتْ الْعَاقِلَةَ دِيَةُ أُنْثَى وَإِنْ كَانَا ذَكَرًا وَأُنْثَى لَزِمَتْ
الْعَاقِلَةَ دِيَةُ أُنْثَى لِأَنَّهَا الْيَقِينُ ولم أُعْطِ وَارِثَ الْجَنِينِ
الْفَضْلَ بين دِيَةِ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ بِالشَّكِّ ( قال ) وَإِنْ أَقَرَّ
الْجَانِي أَنَّ الذي خَرَجَ حَيًّا ذَكَرٌ أَعْطَتْ الْعَاقِلَةُ دِيَةَ أُنْثَى
وَالْجَانِي تَمَامَ دِيَةِ رَجُلٍ وهو نِصْفُ دِيَةِ رَجُلٍ خَمْسِينَ من
الْإِبِلِ وَيَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ دِيَةُ جَنِينٍ غُرَّةٌ مع دِيَةِ الْحَيِّ
وَلَوْ ضَرَبَ رَجُلٌ بَطْنَ امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا ثُمَّ
مَاتَتْ وَأَلْقَتْ بَعْدَ الْمَوْتِ جَنِينًا حَيًّا ثُمَّ مَاتَ وَرِثَتْ
الْمَرْأَةُ الْجَنِينَ الذي خَرَجَ قبل مَوْتِهَا وَوَرِثَهَا الْجَنِينُ الذي
خَرَجَ حَيًّا بَعْدَ مَوْتِهَا وَوَرِثَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَرَثَتُهُ غَيْرُهَا
لِأَنَّهَا لم تَرِثْهُ وَلَوْ أَلْقَتْ جَنِينًا حَيًّا ثُمَّ مَاتَتْ وَمَاتَ
فَاخْتَلَفَ وَرَثَتُهَا وَوَرَثَةُ الْجَنِينِ فقال وَرَثَةُ الْجَنِينِ مَاتَتْ
قبل مَوْتِ الْجَنِينِ فَوَرِثَهَا وقال وَرَثَتُهَا مَاتَتْ بَعْدَ الْجَنِينِ
فَوَرِثَتْهُ لم يَرِثْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَكَانُوا كَالْقَوْمِ يَمُوتُونَ
لَا يُدْرَى أَيُّهُمْ مَاتَ أَوَّلًا وَيَرِثُهُمْ وَرَثَتُهُمْ الْأَحْيَاءُ
بَعْدَ يَمِينِ كل وَاحِدٍ من الْفَرِيقَيْنِ على دَعْوَى صَاحِبِهِ ( قال ) وإذا
أَلْقَتْ الْمَرْأَةُ جَنِينًا
____________________
(6/108)
حَيًّا ثُمَّ جَنَى عليه
رَجُلٌ فَقَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ وَلَيْسَ على الْجَانِي عليه حين
أُجْهِضَتْ أُمُّهُ دِيَةُ جَنِينٍ وَفِيهِ حُكُومَةٌ لِأُمِّهِ خَاصَّةً بِقَدْرِ
الْأَلَمِ عليها في الْإِجْهَاضِ الذي هو شَبِيهٌ بِالْجُرْحِ ( قال ) وَلَوْ
قَتَلَهُ الْجَانِي عليه عَمْدًا أو جَرَحَ أُمَّهُ جُرْحًا لَا أَرْشَ له كان
عليه الْقَوَدُ وفي مَالِهِ حُكُومَةٌ لِأُمِّهِ وَلَوْ قَتَلَهُ خَطَأً كانت
دِيَةُ النَّفْسِ على عَاقِلَتِهِ وَكَذَلِكَ أُمُّهُ إنْ كانت هِيَ الْقَاتِلَةُ
خَطَأً فَدِيَتُهُ على عَاقِلَتِهَا وَإِنْ كانت قَتَلَتْهُ عَمْدًا فَدِيَتُهُ في
مَالِهَا وَكَذَلِكَ أَبُوهُ وَآبَاؤُهُ وَأُمَّهَاتُهُ لِأَنَّهُ لَا يُقَادُ
وَلَدٌ من وَالِدٍ وَلَا يَرِثُ الْجَنِينَ وَاحِدٌ من الْقَاتِلِينَ قَتَلَهُ
عَمْدًا أو خَطَأً وَسَوَاءٌ في أَنَّ دِيَةَ الْجَنِينِ دِيَةُ نَفْسٍ حَيَّةٍ
إذَا عَرَفَ حَيَاةَ الْجَنِينِ خَرَجَ لِتَمَامٍ أو أُجْهِضَ قبل التَّمَامِ (
قال ) وَالْمَرْأَةُ التي قَضَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِدِيَةِ الْجَنِينِ
على عَاقِلَتِهَا عَمَدَتْ ضَرْبَ الْمَرْأَةِ بِعَمُودِ بَيْتِهَا فإذا جَنَى
الرَّجُلُ أو الْمَرْأَةُ على حَامِلٍ فَأَجْهَضَتْ جَنِينًا مَيِّتًا أو حَيًّا
فَمَاتَ وَكَانَتْ جِنَايَتُهُ بِسَيْفٍ أو بِمَا يَكُونُ بمثله الْقَوَدُ فَلَا
قَوَدَ في الْجَنِينِ وَإِنْ خَلَصَ أَلَمُ الْجِنَايَةِ إلَى الْجَنِينِ
فَأَجْهَضَتْهُ فَجِنَايَتُهُ في غَيْرِ حُكْمِ الْعَمْدِ الْمَقْصُودِ بِهِ
قَصْدُ من يُقَادُ لَا حَائِلَ دُونَهُ وإذا مَاتَتْ الْمَرْأَةُ فَلَهَا
الْقَوَدُ وَإِنْ أَرَادَ وَرَثَتُهَا الدِّيَةَ فَفِي مَالِ الْجَانِي إذَا كان
ضَرَبَهَا بِمَا يُقَادُ من مِثْلِهِ وَإِنْ كان لَا يُقَادُ من مِثْلِهِ فَعَلَى
عَاقِلَةِ الْجَانِي الدِّيَةُ لِأَنَّ هذا يُشْبِهُ الْخَطَأَ الْعَمْدَ الذي
حَكَمَ فيه النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَسَوَاءٌ فِيمَا وَصَفْت من أَنَّهُ لَا
يُقَادُ من الْجَانِي على أُمِّ الْجَنِينِ لِيُجْهِضَ الْجَنِينَ حَيًّا ثُمَّ
يَمُوتَ لجنين ( ( ( الجنين ) ) ) عَمْدَ بَطْنِهَا أو فَرْجِهَا أو ظَهْرِهَا
بِضَرْبٍ لِيَقْتُلَ وَلَدَهَا أو أَرَادَهُمَا عَمْدًا لِأَنَّ وَقْعَ
الْجِنَايَةِ بِالْأُمِّ دُونَ الْجَنِينِ - * جَنِينُ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ - *
(1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا جَنَى رَجُلٌ على امْرَأَةٍ عَمْدًا أو خَطَأً
فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَعَلَى عَاقِلَتِهِ غُرَّةُ عَبْدٍ أو أَمَةٍ
يُؤَدُّونَ أَيَّهُمَا شاؤوا من أَيِّ جِنْسٍ شاؤوا وَلَيْسَ لهم أَنْ يُؤَدُّوا
ما فيه عَيْبٌ يَرُدُّ منه لو بِيعَ وَلَا خَصِيًّا لِأَنَّهُ نَاقِصٌ عن غُرَّةٍ
وَإِنْ زَادَ ثَمَنُهُ بِالْخِصَاءِ وَلِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم حَكَمَ
بِالْغُرَّةِ من عَبْدٍ أو أَمَةٍ وَلَا خُصْيَانِ نَعْلَمُهُمْ بِبِلَادِهِ
وَلَهُمْ أَنْ يُؤَدُّوا الْغُرَّةَ مُسْتَغْنِيَةً بِنْتَ سَبْعِ سِنِينَ أو
ثَمَانٍ وَلَا يُؤَدُّونَهَا في سِنٍّ دُونَ هذا السِّنِّ لِأَنَّهَا لَا
تَسْتَغْنِي بِنَفْسِهَا دُونَ هذه السِّنِّ وَلَا يُخَيَّرُ الْمَوْلُودُ بين
الْأَبَوَيْنِ إلَّا في هذه السِّنِّ وَلَا يُفَرَّقُ بين الْأَمَةِ وَوَلَدِهَا
في الْبَيْعِ لِأَنَّهَا صَغِيرَةٌ إلَّا بِهَذِهِ السِّنِّ وَقِيمَةُ الْغُرَّةِ
نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ وَذَلِكَ في الْعَمْدِ وَعَمْدِ
الْخَطَأِ قِيمَةُ خَمْسٍ من الْإِبِلِ خُمُسَاهَا وهو بَعِيرَانِ قِيمَةُ
خَلِفَتَيْنِ أَقَلَّ الْخَلِفَاتِ وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهَا وهو قِيمَةُ ثَلَاثِ
جِذَاعٍ وَحِقَاقٍ نِصْفَيْنِ من إبِلِ عَاقِلَةِ الْجَانِي فَإِنْ لم تَكُنْ لهم
إبِلٌ فَمِنْ إبِلِ بَلَدِهِ أو أَقْرَبِ الْبُلْدَانِ منه وإذا كانت جِنَايَةُ
الرَّجُلِ على جَنِينِ الْمَرْأَةِ وَرَمَى غير أُمِّهِ فاصاب أُمَّهُ فَدِيَةُ
الْجَنِينِ على عَاقِلَتِهِ غُرَّةٌ تُؤَدِّي عَاقِلَتُهُ أَيَّ غُرَّةٍ شاؤوا غير
ما وَصَفْت أَنْ ليس لهم أَدَاؤُهُ وَقِيمَتُهَا نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ رَجُلٍ من
دِيَاتِ الْخَطَأِ ( قال ) وَهَذَا هَكَذَا في جَنِينِ الْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ أو
الْكِتَابِيَّةِ من سَيِّدِهَا يَجْنِي عليها الْحَرْبِيُّ الذي له أَمَانٌ
وَجَنِينُ الذِّمِّيَّةِ يُجْنَى عليها من الْمُسْلِمِ الْحُرِّ وفي رَقَبَةِ
الْعَبْدِ إذَا جَنَى على بَعْضِ أَجِنَّةِ من سَمَّيْت لَا يَخْتَلِفُ في
الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ ( قال ) فَيُؤَدِّي في الْخَطَأِ على أُمِّ الْجَنِينِ
غُرَّةً قِيمَتُهَا قِيمَةُ خَمْسٍ من الْإِبِلِ أَخْمَاسِ قِيمَةِ بِنْتِ مَخَاضٍ
وَقِيمَةُ بِنْتِ لَبُونٍ وَقِيمَةُ بن لَبُونٍ ذَكَرٍ وَقِيمَةُ حِقَّةٍ
وَقِيمَةُ جَذَعَةٍ وَلَيْسَ لهم أَنْ يُؤَدُّوا غُرَّةَ هَرِمَةٍ وَلَا ضَعِيفَةٍ
عن الْعَمَلِ لِأَنَّ أَكْثَرَ ما يُرَادُ له الرَّقِيقُ الْعَمَلُ وَإِنَّمَا
يَحْكُمُ لِلنَّاسِ بِمَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ لَا بِمَا لَا يَنْفَعُهُمْ
ضَعِيفُهُ وإذا مُنِعَتْ من أَنْ تؤدى غُرَّةً مَعِيبَةً عَيْبًا يَضُرُّ
بِالْعَمَلِ فَالْعَيْبُ بِالْكِبَرِ أَكْبَرُ من كَثِيرٍ من الْعُيُوبِ التي
تُرَدُّ بها وإذا جَنَى الرَّجُلُ على جَنِينٍ فَخَرَجَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فقال
مَاتَ من حَادِثٍ كان بَعْدَ الْجِنَايَةِ من غَيْرِي وقال وَرَثَتُهُ مَاتَ من
الْجِنَايَةِ فَإِنْ كان مَاتَ مَكَانَهُ مَوْتًا يُعْلَمُ في الظَّاهِرِ أَنَّهُ
لَا يَكُونُ إلَّا من الْجِنَايَةِ فَفِيهِ دِيَةُ نَفْسٍ حَيَّةٍ على عَاقِلَتِهِ
وَإِنْ قِيلَ قد عَاشَ مُدَّةً وَإِنْ قَلَّتْ قد يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَاتَ من
غَيْرِ الْجِنَايَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي وَعَاقِلَتِهِ وَعَلَى وَرَثَةِ
الْجَنِينِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ مَاتَ من الْجِنَايَةِ وَأَقْبَلُ على مَوْتِهِ
ما أَقْبَلُ على أَنَّه
(6/109)
وَلَدٌ فَأَقْبَلُ أَرْبَعَ
نِسْوَةٍ وَرَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ إذَا كَانُوا عُدُولًا وَلَا أَقْبَلُ فِيهِمْ
وَارِثًا له ( قال الرَّبِيعُ ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ إنِّي لَا أَقْبَلُ عليه
إلَّا شَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ لِأَنَّهُ في مَوْضِعٍ يَجُوزُ لِلرِّجَالِ
النَّظَرُ إلَيْهِ إذَا أَمْكَنَهُمْ أَنْ يُخْرِجُوهُ حَيًّا بَعْدَ ما يُولَدُ
فَأَمَّا إذَا لم يُمْكِنْهُمْ أَنْ يُخْرِجُوهُ لِسُرْعَةِ مَوْتِهِ قَبِلْت عليه
شَهَادَةَ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ فَيَشْهَدْنَ على مَوْتِهِ بَعْدَ الْحَيَاةِ (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا أُجْهِضَ الْجَنِينُ حَيًّا حَيَاةً لم تَتِمَّ
لِجَنِينٍ أُجْهِضَ في مِثْلِهَا حَيَاةً قَطُّ كَأَنْ أُجْهِضَ لِأَقَلَّ من
سِتَّةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ مَاتَ فَفِيهِ دِيَةُ حُرٍّ تَامَّةٌ وَإِنْ أُجْهِضَ في
حَالٍ يَتِمُّ فيه لِأَحَدٍ من الْأَجِنَّةِ حَيَاةٌ بِحَالٍ فَهُوَ
كَالْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا وإذا خَرَجَ حَيًّا لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا
فَقَتَلَهُ رَجُلٌ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ كَيْفَ خَرَجَ إذَا عُرِفَتْ
حَيَاتُهُ وَإِنْ كان ضَعِيفًا مُفْرِطًا وَإِنْ خَرَجَ لِأَقَلَّ من سِتَّةِ
أَشْهُرٍ فَقَتَلَهُ إنْسَانٌ عَمْدًا فَأَرَادَ وَرَثَتُهُ الْقَوَدَ فَإِنْ كان
مِثْلُهُ يَعِيشُ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ أو الْيَوْمَ فَفِيهِ الْقَوَدُ
وإذا شَهِدَ رِجَالٌ أَنَّهُ جَنَى على امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا ولم
يُثْبِتُوا أَحَيًّا أَمْ مَيِّتًا فقال الْجَانِي أَلْقَتْهُ مَيِّتًا
وَغَيَّبَتْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ وَلَوْ أَقَرَّ هو بِأَنَّهُ
خَرَجَ مَيِّتًا أو حَيًّا فَمَاتَ لَزِمَهُ في مَالِهِ دُونَ عَاقِلَتِهِ لِأَنَّ
هذا اعْتِرَافٌ إذَا لم تُصَدِّقْهُ عَاقِلَتُهُ ولم تَكُنْ بَيِّنَةٌ وَلَوْ
جَنَى جَانٍ على امْرَأَةٍ فقالت أَلْقَيْت جَنِينًا وقال الْجَانِي لم تُلْقِ
شيئا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ لو جَاءَتْ بِجَنِينٍ مَكَانَهَا مَيِّتًا
كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ لِأَنَّهُ قد يُمْكِنُ أَنْ تَأْتِيَ بِجَنِينِ غَيْرِهَا
وَلَوْ خَرَجَ الْجَنِينُ حَيًّا فَقَتَلَهُ غَيْرُ الْجَانِي على أُمِّهِ عَمْدًا
قُتِلَ بِهِ ولم يَكُنْ على الْجَانِي على أُمِّهِ شَيْءٌ وَلَوْ قَتَلَهُ
الْجَانِي على أُمِّهِ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ أو الدِّيَةُ في مَالِهِ إنْ
شَاءَ الْوَرَثَةُ وَحُكُومَةٌ في مَالِهِ بِجُرْحٍ إنْ أَصَابَ أُمَّهُ لَا
أَرْشَ له مَعْلُومٌ لِأُمِّهِ دُونَ وَرَثَةِ الْجَنِينِ وإذا جَنَى على
الْمَرْأَةِ فَأَلْقَتْ مَكَانَهَا جَنِينًا مَيِّتًا فَعَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي
دِيَتُهُ وَلَا يُصَدَّقُ وَلَا يُصَدَّقُونَ أَنَّ إجْهَاضَهَا بِغَيْرِ
جِنَايَةٍ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ هذا من جِنَايَتِهِ وَلَوْ كانت تُطْلَقُ فجني
عليها فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فقال أَلْقَتْهُ من غَيْرِ جِنَايَتِي لَزِمَ
عَاقِلَتَهُ دِيَةُ الْجَنِينِ كما لو كان مَرِيضًا في السِّيَاقِ فَقَتَلَهُ
رَجُلٌ لَزِمَهُ عَمْدًا كان أو خَطَأً لِأَنَّهُ قد يَعِيشُ وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ
يَمُوتُ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ تُطْلَقُ ثُمَّ يَذْهَبُ الطَّلْقُ عنها فَتُقِيمُ
أَيَّامًا لَا تَلِدُ وَلَوْ كانت تُطْلِقُ فجني عليها فَأَلْقَتْ جَنِينًا حَيًّا
ثُمَّ مَاتَ مَكَانَهُ فقال لم تُلْقِهِ من جِنَايَتِي وَقَالَتْ أَسْقَطْتُهُ من
جِنَايَتِك فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَضَمِنَتْ عَاقِلَتُهُ دِيَةَ الْجَنِينِ
حَيًّا ذَكَرًا كان أو أُنْثَى وإذا جَنَى الرَّجُلُ على الْمَرْأَةِ
وَالْقَوَابِلُ عِنْدَهَا أو لَسْنَ عِنْدَهَا وَهِيَ تُرَى تُطْلِقُ أو لَا
تُطْلِقُ وَالْحَبَلُ بها ظَاهِرٌ فَمَاتَتْ وَسَكَنَتْ حَرَكَةُ ما في بَطْنِهَا
ضَمِنَ الْأُمَّ ولم يَضْمَنْ الْجَنِينَ من قِبَلِ أَنِّي على غَيْرِ إحَاطَةٍ
بِهِ أَنَّهُ جَنِينٌ مَاتَ بِجِنَايَتِهِ وَلَوْ خَرَجَ منها شَيْءٌ يَبِينُ فيه
خَلْقُ إنْسَانٍ من رَأْسٍ أو يَدٍ أو رِجْلٍ أو غَيْرِهِ ثُمَّ مَاتَتْ أُمُّ
الْجَنِينِ ولم تُخْرِجُ بَقِيَّةُ الْجَنِينِ ضَمِنَ الْأُمَّ وَالْجَنِينَ
لِأَنِّي قد عَلِمْت أَنَّهُ جَنَى على جَنِينٍ في بَطْنِهَا بِخُرُوجِ بَعْضِهِ
وَلَا فَرْقَ بين خُرُوجِ بَعْضِهِ وَكُلِّهِ في عِلْمِي بِأَنَّهُ جَنَى على
جَنِينٍ أَلَا تَرَى أنها لو أَلْقَتْ كَالْمُضْغَةِ يَبِينُ فيها شَيْءٌ من
خَلْقِ الْإِنْسَانِ ضَمَّنْتُهُ جِنَايَتُهُ على جَنِينٍ كَامِلٍ وَيَضْمَنُ
مَتَى خَرَجَ منها شَيْءٌ يَبِينُ بِهِ أَنَّهُ جَنَى على جَنِينٍ قبل مَوْتِهَا
أو بَعْدَهُ وَلَوْ خَرَجَ من فَرْجِ امْرَأَةٍ رَأْسَا جَنِينَيْنِ أو أَرْبَعَةُ
ايد لِجَنِينَيْنِ ولم يَخْرُجْ ما بَقِيَ منهما أَغْرَمْته جِنَايَةً على جَنِينٍ
وَاحِدٍ لِأَنِّي لَا أَدْرِي لَعَلَّهُ يَجْمَعُ الرَّأْسَيْنِ شَيْءٌ من
خِلْقَةِ الْإِنْسَانِ فَيَكُونَانِ فِيمَا يَلْزَمُهُ مِنْهُمَا كَجَنِينٍ
وَاحِدٍ لِأَنَّ ذلك يُمْكِنُ فِيهِمَا وإذا قَضَيْتُ بِدِيَةٍ في جَنِينٍ خَرَجَ
حَيًّا ثُمَّ مَاتَ أو خَرَجَ مَيِّتًا فَعَلَى الْجَانِي عليه عِتْقُ رَقَبَةٍ
مُؤْمِنَةٍ ( قال ) وإذا جني على امْرَأَةٍ فَخَرَجَ منها بَدَنَانِ في رَأْسٍ أو
جَمَعَ جَنِينَيْنِ شَيْءٌ وَاحِدٌ من خِلْقَةِ آدَمِيٍّ فَاللَّازِمُ له فيه
عِتْقُ رَقَبَةٍ وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يُعْتِقَ اثْنَيْنِ وَكَذَلِكَ لو خَرَجَ
رَأْسَانِ من فَرْجِ امْرَأَةٍ ثُمَّ مَاتَتْ ولم يَتَتَامَّ خُرُوجُهُمَا
فَيُعْرَفَانِ لم أَقْضِ فِيهِمَا إلَّا بِدِيَةِ جَنِينٍ وَاحِدٍ وَلَزِمَ
الْجَانِي عِتْقُ رَقَبَةٍ وكان أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَتَيْنِ في هذا الْمَعْنَى
أَوْكَدُ عليه لِأَنَّ الْأَغْلَبَ أَنَّ الرَّأْسَيْنِ من بَدَنَيْنِ
مُفْتَرِقَيْنِ ما لم يَعْلَمْ اجْتِمَاعَهُمَا بِمُعَايَنَتِهِ وَلَوْ اضْطَرَبَ
شَيْءٌ في بَطْنِ أُمِّهِ فَمَاتَتْ أَحْبَبْتُ لِلْجَانِي أَنْ لَا يَدَعَ أَنْ
يُعْتِقَ وَيَحْتَاطَ فَيُعْتِقَ رَقَبَتَيْنِ أو ثَلَاثًا وَلَا يَبِينُ أَنْ
يَلْزَمَهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لم يَعْلَمْهُ وَلَدًا وإذا مَاتَتْ الْأُمُّ
وَجَنِينُهَا أَعْتَقَ بِمَوْتِ الْأُمِّ رَقَبَةً وَبِمَوْتِ جَنِينِهَا أُخْرَ
(6/110)
- * جَنِينُ الذِّمِّيَّةِ - *
(1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْأَمَةُ الْمُكَاتَبَةُ
وَالْمُدَبَّرَةُ وَالْمُعْتَقَةُ إلَى أَجَلٍ وَغَيْرُ الْمُعْتَقَةِ سَوَاءٌ
أَجِنَّتُهُنَّ أَجِنَّةُ إمَاءٍ إذَا لم تَكُنْ أَجِنَّتُهُنَّ أَحْرَارًا بِمَا
وَصَفْتُ من أَنْ يَطَأَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ مَالِكٌ لها حُرٌّ أو زَوْجٌ حُرٌّ
غَرَّتْهُ بِأَنَّهَا حُرَّةٌ فَفِي جَنِينِ كل وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ إذَا خَرَجَ
مَيِّتًا عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ يوم جني عليها ( قال ) وَإِنَّمَا قلت هذا
لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَمَّا كان في قَضَائِهِ دَلَالَةٌ
على أَنْ لَا يُفَرَّقَ بين الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى من الْأَجِنَّةِ لم يَجُزْ
أَنْ يُفَرَّقَ بين الْجِنَايَةِ على الْجَنِينِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى من
الْمَمَالِيكِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَّفِقَ الْحُكْمُ فِيهِمَا بِحَالٍ إلَّا
بِأَنْ يَكُونَ في كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ وَمَنْ قال في
جَنِينِ الْأَمَةِ إذَا كان ذَكَرًا نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ لو كان حَيًّا وإذا
كان أُنْثَى عُشْرُ قِيمَتِهَا لو كانت حَيَّةً فَقَدْ فَرَّقَ بين ما جَمَعَ
بَيْنَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ( قال ) وإذا جني على الْأَمَةِ
فَأَلْقَتْ جَنِينًا حَيًّا ثُمَّ مَاتَ من الْإِجْهَاضِ فَفِيهِ قِيمَتُهُ
ذَكَرًا كان أو أُنْثَى كما يُقْتَلُ فَيَكُونُ فيه قِيمَتُهُ بَالِغَةً ما
بَلَغَتْ - * جَنِينُ الْأَمَةِ تَعْتِقُ وَالذِّمِّيَّةُ تُسْلِمُ - * + ( قال
الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا جَنَى الرَّجُلُ على الْأَمَةِ
الْحَامِلِ جِنَايَةً فلم تُلْقِ جَنِينَهَا حتى عَتَقَتْ أو على الذِّمِّيَّةِ
جِنَايَةً فلم تُلْقِ جَنِينَهَا حتى أَسْلَمَتْ فَفِي جَنِينِهَا ما في جَنِينِ
حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ عليها كانت وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ
فَيَضْمَنُ الْأَكْثَرَ مِمَّا في جِنَايَتِهِ عليها وإذا ضَرَبَ الرَّجُلُ
الْمَرْأَةَ فَأَقَامَتْ يَوْمًا أو يَوْمَيْنِ ثُمَّ أَلْقَتْ جَنِينًا فقالت
أَلْقَيْته
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان الذِّمِّيَّانِ
الزَّوْجَانِ الْحُرَّانِ على دِينٍ وَاحِدٍ فَجَنَى على جَنِينِ امْرَأَةٍ منهم
زَوْجُهَا على دِينِهَا فَخَرَجَ مَيِّتًا فَدِيَتُهُ عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ
وَإِنْ كَانَا مُخْتَلِفَيْ الدِّينِ فَحُكْمُهُ لِأَكْثَرِهِمَا دِيَةً أَجْعَلُ
دِيَتَهُ أَبَدًا لِخَيْرِ أَبَوَيْهِ وَأَجْعَلُ دِيَتَهُ بِحُكْمِ الْمُسْلِمِ
من أَبَوَيْهِ إنْ كان مِنْهُمَا مُسْلِمٌ مِثْلُ أَنْ تَكُونَ ذِمِّيَّةٌ عِنْدَ
مُسْلِمٍ فَتَكُونَ دِيَةُ جَنِينٍ مُسْلِمٍ وَمِثْلُ أَنْ تَكُونَ الْمُسْلِمَةُ
أَسْلَمَتْ عِنْدَ ذِمِّيٍّ فَتُجْعَلُ دِيَةُ جَنِينِهَا دِيَةُ جَنِينِ
مُسْلِمَةٍ وَمِثْلَ أَنْ تَكُونَ أَمَةً تُوطَأُ بِمِلْكِ سَيِّدِهَا فَتَكُونَ
دِيَةُ جَنِينِهَا نِصْفَ عُشْرِ دِيَةِ أبيه لِأَنَّ الْجَنِينَ حُرٌّ بَحْرِيَّة
أبيه وَلَا يَكُونَ مِلْكًا لِأَبِيهِ وَلَوْ كان أَبُوهُ مَمْلُوكًا أو
مُكَاتَبًا وطىء أَمَةً له فجني على جَنِينِهِ من أَمَةٍ له قبل عِتْقِ أبيه كان
فيه عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لَا فَضْلَ في الْحُكْمِ في
الدِّيَةِ لِأَبِيهِ على أُمِّهِ بِالْحُرِّيَّةِ وَهَكَذَا لو كانت مَجُوسِيَّةٌ
أو وَثَنِيَّةٌ عِنْدَ نَصْرَانِيٍّ جَعَلْتُ في جَنِينِهَا ما في جَنِينِ
النَّصْرَانِيَّةِ تَحْتَ النَّصْرَانِيِّ لِمَا وَصَفْتُ وَسَوَاءٌ جني على
جَنِينِ الذِّمِّيَّةِ مُسْلِمٌ أو ذِمِّيٌّ أو حَرْبِيٌّ يُحْكَمُ على
عَاقِلَتِهِ بِدِيَتِهِ إنْ كانت عَاقِلَتُهُ مِمَّنْ يَجْرِي عليه الْحُكْمُ
وَإِلَّا حُكِمَ بِدِيَتِهِ في مَالِ الْجَانِي ( قال ) وَهَكَذَا جَنِينُ
الْأَمَةِ الْكَافِرَةِ يَطَؤُهَا سَيِّدُهَا بِمِلْكٍ أو يَنْكِحُهَا مُسْلِمٌ
وَلَا يَعْلَمُ أنها مَمْلُوكَةٌ وَتَقُولُ إنَّهَا حُرَّةٌ فَفِيهِ دِيَةُ
جَنِينِ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ وَلَوْ أَنَّ ذِمِّيَّةً حَمَلَتْ فَجَنَى عليها جَانٍ
فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فقالت هو من زِنًا بِمُسْلِمٍ كانت فيه دِيَةُ
جَنِينِ نَصْرَانِيَّةِ عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُ بالزنى
نَسَبُهُ وَلَوْ جَنَى رَجُلٌ على نَصْرَانِيَّةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا
فقالت كان أَبُوهُ مُسْلِمًا وقال الْجَانِي بَلْ كان ذِمِّيًّا أو لَا نَعْرِفُ
له أَبًا لَزِمَهُ جَنِينُ نَصْرَانِيَّةٍ وَيَحْلِفُ ما كان أَبُوهُ مُسْلِمًا (
قال ) وَلَوْ اشْتَرَكَ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ في ظَهْرِ حُرَّةٍ بِنِكَاحِ شُبْهَةٍ
فَجَنَى رَجُلٌ على ما في بَطْنِهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا جَعَلْتُ على
الْقَاتِلِ جَنِينَ ذِمِّيَّةٍ من ذِمِّيٍّ فَإِنْ أُلْحِقَ الْجَنِينُ بِمُسْلِمٍ
أَتْمَمْتُ عليه جَنِينَ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ وَإِنْ هو أُشْكِلَ فلم يَبِنْ لِأَيِّهِمَا
هو لم أَجْعَلْ عليه إلَّا الْأَقَلَّ حتى أَعْرِفَ الْأَكْثَرَ - * جَنِينُ
الْأَمَةِ - *
(6/111)
من الضَّرْبَةِ وقال لم
تُلْقِهِ منها فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ وَعَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ أنها
لم تَزَلْ ضَمِنَةً من الضَّرْبَةِ أو لم تَزَلْ تَجِدُ الْأَلَمَ من الضَّرْبَةِ
حتى أَلْقَتْ الْجَنِينَ فإذا جَاءَتْ بهذا أُلْزِمَتْ عَاقِلَتُهُ عَقْلَ
الْجَنِينِ وإذا ضَرَبَهَا فَأَقَامَتْ على ذلك لَا تَجِدُ شيئا ثُمَّ أَلْقَتْ
جَنِينًا لم يَضْمَنْهُ لِأَنَّهَا قد تُلْقِيهِ بِلَا جِنَايَةٍ وَإِنَّمَا يَكُونُ
جَانِيًا عليه إذَا لم يَنْفَصِلْ عنها أَلَمُ الْجِنَايَةِ حتى تُلْقِيَهُ وَلَوْ
أَقَامَتْ بِذَلِكَ أَيَّامًا وإذا كانت الْأَمَةُ بين اثْنَيْنِ فَجَنَى عليها
أَحَدُهُمَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا ثُمَّ أَلْقَتْ من الْجِنَايَةِ جَنِينًا فَإِنْ
كان مُوسِرًا لِأَدَاءِ قِيمَتِهَا ضَمِنَ جَنِينَ حُرَّةٍ وَكَانَتْ مَوْلَاتُهُ
وكان لِشَرِيكِهِ فيها نِصْفُ قِيمَةِ الْأُمِّ وَلَا شَيْءَ له في الْجَنِينِ
لِأَنَّهُ ليس له وَلَاؤُهُ وَوَرِثَتْ أُمُّهُ ثُلُثَ دِيَتِهِ وَقَرَابَةُ
مَوْلَاهُ الذي جَنَى عليه الثُّلُثَيْنِ إنْ لم يَكُنْ له نَسَبٌ يَرِثُهُ وَلَا
يَرِثُ منه الْمَوْلَى شيئا لِأَنَّهُ قَاتِلٌ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يَجْنِي على
جَنِينِ امْرَأَتِهِ تَضْمَنُ عَاقِلَتُهُ دِيَتَهُ وَتَرِثُ أُمُّهُ الثُّلُثَ (
1 ) وَإِخْوَتُهُ ما بَقِيَ فَإِنْ لم يَكُنْ له إخْوَةٌ فَقَرَابَةُ أبيه وَلَا
يَرِثُهُ أَبُوهُ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ وإذا أَلْقَتْ الْجَنِينَ وهو مُعْسِرٌ
فَلِشَرِيكِهِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَةِ أُمَّةِ لِأَنَّهُ جَنِينُ أَمَةٍ وإذا جَنَى
الرَّجُلُ على أَمَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا ثُمَّ عَتَقَتْ فَأَلْقَتْ جَنِينًا
ثَانِيًا فَفِي الْأَوَّلِ عُشْرُ قِيمَةِ أَمَةٍ لِسَيِّدِهَا وفي الْآخَرِ ما في
جَنِينِ حُرٍّ يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ مَعَهَا - * حُلُولُ الدِّيَةِ - * (1) ( قال
الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى نَصُّ السُّنَّةِ في قَتْلِ الْعَمْدِ
الْخَطَأِ مِائَةٌ من الْإِبِلِ منها أَرْبَعُونَ خَلِفَةً في بُطُونِهَا
أَوْلَادُهَا وَالْخَلِفَةُ هِيَ الْحَامِلُ من الْإِبِلِ وَقَلَّمَا تَحْمِلُ
الْأَثْنِيَةُ فَصَاعِدًا فَأَيُّ نَاقَةٍ من إبِلِ الْعَاقِلَةِ حَمَلَتْ فَهِيَ
خَلِفَةٌ وَهِيَ تُجْزِي في الدِّيَةِ ما لم تَكُنْ مَعِيبَةً ( قال ) وَلَا يجزئ
في الْأَرْبَعِينَ إلَّا الْخَلِفَةُ وإذا رَآهَا أَهْلُ الْعِلْمِ فَقَالُوا هذه
خَلِفَةٌ ثَنِيَّةٌ أَجْزَأَتْ في الدِّيَةِ وَجُبِرَ من له الدِّيَةُ على
قَبُولِهَا فَإِنْ أَزَلَقَتْ قَبْلُ تُقْبَضُ لم تَجُزْ لِأَنَّهَا لم تُدْفَعْ
خَلِفَةً فَإِنْ أُجْهِضَتْ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَالْقَتْلُ ثَلَاثَةُ
وُجُوهٍ عَمْدٌ مَحْضٌ وَعَمْدٌ خَطَأٌ وَخَطَأٌ مَحْضٌ فَأَمَّا الْخَطَأُ فَلَا
اخْتِلَافَ بين أَحَدٍ عَلِمْتُهُ في أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
قَضَى فيه بِالدِّيَةِ في ثَلَاثِ سِنِينَ ( قال ) وَذَلِكَ في مُضِيِّ ثَلَاثِ
سِنِينَ من يَوْمِ مَاتَ الْقَتِيلُ فإذا مَاتَ الْقَتِيلُ وَمَضَتْ سَنَةٌ حَلَّ
ثُلُثُ الدِّيَةِ ثُمَّ إذَا مَضَتْ سَنَةٌ ثَانِيَةٌ حَلَّ الثُّلُثُ الثَّانِي
ثُمَّ إذَا مَضَتْ سَنَةٌ ثَالِثَةٌ حَلَّ الثُّلُثُ الثَّالِثُ وَلَا يُنْظَرُ في
ذلك إلَى يَوْمِ يَحْكُمُ الْحَاكِمُ وَلَا إبْطَاءٍ بِبَيِّنَةٍ إنْ لم تُثْبِتْ
زَمَانًا وَلَوْ لم يَثْبُتْ إلَّا بَعْدَ سَنَتَيْنِ من يَوْمِ الْقَتِيلِ
أَخَذُوا مَكَانَهُمْ بِثُلُثَيْ الدِّيَةِ لِأَنَّهَا قد حَلَّتْ عليهم ( قال )
وَاَلَّذِي أَحْفَظُ عن جَمَاعَةٍ من أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُمْ قالوا في
الْخَطَأِ الْعَمْدِ هَكَذَا وَذَلِكَ أَنَّهُمَا مَعًا من الْخَطَأِ الذي لَا
قِصَاصَ فيه بِحَالٍ فَأَمَّا الْعَمْدُ إذَا قُبِلَتْ فيه الدِّيَةُ وَعُفِيَ عن
الْقَتْلِ فَالدِّيَةُ كُلُّهَا حَالَّةٌ في مَالِ الْقَاتِلِ وَكَذَلِكَ
الْعَمْدُ الذي لَا قَوَدَ فيه مِثْلُ أَنْ يَقْتُلَ الرَّجُلُ ابْنَهُ
الْمُسْلِمَ أو غير الْمُسْلِمِ عَمْدًا وَهَكَذَا صَنَعَ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ
رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه في بن قَتَادَةَ الْمُدْلِجِيِّ أَخَذَ منه الدِّيَةَ في
مَقَامٍ وَاحِدٍ وَالدِّيَةُ في الْعَمْدِ في مَالِ الْجَانِي وفي الْخَطَأِ
الْمَحْضِ وَالْخَطَأِ الْعَمْدِ على الْعَاقِلَةِ في مُضِيِّ ثَلَاثِ سِنِينَ كما
وَصَفْتُ وما لَزِمَ الْعَاقِلَةَ من دِيَةِ جُرْحٍ وكان الثُّلُثُ فما دُونَهُ
فَعَلَيْهَا أَنْ تُؤَدِّيَهُ في مُضِيِّ سَنَةٍ من يَوْمِ جُرِحَ الْمَجْرُوحُ
فَإِنْ كان أَكْثَرَ من الثُّلُثِ فَعَلَيْهَا أَنْ تُؤَدِّيَ الثُّلُثَ في
مُضِيِّ سَنَةٍ وما زَادَ على الثُّلُثِ مِمَّا قَلَّ أو كَثُرَ أَدَّتْهُ في
مُضِيِّ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ إلَى الثُّلُثَيْنِ فما جَاوَزَ الثُّلُثَيْنِ
فَهُوَ في مُضِيِّ السَّنَةِ الثَّالِثَةِ وَهَذَا مَعْنَى السَّنَةِ وما لم
يَخْتَلِفْ الناس فيه في أَصْلِ الدِّيَةِ - * أَسْنَانُ الْإِبِلِ في الْعَمْدِ
وَشِبْهِ الْعَمْدِ - *
(6/112)
بعد ما تُقْبَضُ فَقَدْ
أَجْزَأَتْ وَإِنْ دُفِعَتْ وَأَهْلُ الْعِلْمِ يَقُولُونَ هِيَ خَلِفَةٌ ثُمَّ
عَلِمَ أنها غَيْرُ خَلِفَةٍ فَلِأَهْلِ الْقَتِيلِ رَدُّهَا وَأَخْذُهُمْ
بِخَلِفَةٍ غَيْرِهَا وَإِنْ غَابَ أَهْلُ الْقَتِيلِ عليها فَقَالُوا لم تَكُنْ
خَلِفَةً فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ مع أَيْمَانِهِمْ لِأَنَّهُ لم يَعْلَمْ أنها
خَلِفَةٌ إلَّا بِالظَّاهِرِ ( قال الرَّبِيعُ ) وَهَذَا عِنْدِي إذَا قَبَضُوهَا
بِغَيْرِ رُؤْيَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَالتَّغْلِيظُ كما
قال عَطَاءٌ فَيُؤْخَذُ في مُضِيِّ كل سَنَةٍ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَثُلُثُ خَلِفَةٍ
وَعَشْرُ جِذَاعٍ وَعَشْرُ حِقَاقٍ وَيُجْبَرُ على أَنْ يُعْطِيَهُ ثُلُثَ نَاقَةٍ
يَكُونُ شَرِيكًا له بها لَا يُجْبَرُ على قِيمَةٍ إنْ كان يَجِدُ الْإِبِلَ
وَمِثْلُ هذا أَسْنَانُ دِيَةِ الْعَمْدِ إذَا زَالَ فيه الْقِصَاصُ بِأَنْ لَا
يَكُونَ على الْقَاتِلِ قِصَاصٌ وَذَلِكَ مِثْلُ الرَّجُلِ يَقْتُلُ ابْنَهُ أو
يَقْتُلُ وهو مَغْلُوبٌ على عَقْلِهِ بِغَيْرِ سُكْرٍ أو صَبِيٍّ وَهَكَذَا
أَسْنَانُ الدِّيَةِ الْمُغَلَّظَةِ في الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَذِي الرَّحِمِ
وَمَنْ غَلُظَتْ فيه الدِّيَةُ لَا يُزَادُ على هذا في عَدَدِ الْإِبِلِ إنَّمَا
الزِّيَادَةُ في أَسْنَانِهَا وَدِيَةُ الْعَمْدِ حَالَّةٌ كُلُّهَا في مَالِ
الْقَاتِلِ - * سِنَانُ الْإِبِلِ في الْخَطَأِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ )
رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في قَتْلِ
الْعَمْدِ الْخَطَأِ مُغَلَّظَةٌ منها أَرْبَعُونَ خَلِفَةً في بطونها ( ( ( بعضها
) ) ) أَوْلَادُهَا فَفِي ذلك دَلِيلٌ على أَنَّ دِيَةَ الْخَطَأِ الذي لَا
يَخْلِطُهُ عَمْدٌ مُخَالَفَةٌ هذه الدِّيَةَ وقد اخْتَلَفَ الناس فيها فَأُلْزِمَ
الْقَاتِلُ عَدَدَ مِائَةٍ من الْإِبِلِ بِالسُّنَّةِ ثُمَّ ما لم يَخْتَلِفُوا
فيه وَلَا أُلْزِمُهُ من أَسْنَانِ الْإِبِلِ إلَّا أَقَلَّ ما قالوا يَلْزَمُهُ
لأن ( ( ( لأنه ) ) ) اسْمُ الْإِبِلِ يَلْزَمُ الصِّغَارَ وَالْكِبَارَ فَدِيَةُ
الْخَطَأِ أَخْمَاسٌ عِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ
وَعِشْرُونَ بن لَبُونٍ ذَكَرٍ وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَعِشْرُونَ جَذَعَةً
أخبرنا مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ وَرَبِيعَةَ وَبَلَغَهُ عن سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ
أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ دِيَةُ الْخَطَأِ عِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ
وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ بن لَبُونٍ ذَكَرٍ وَعِشْرُونَ حِقَّةً
وَعِشْرُونَ جَذَعَةً - * في تَغْلِيظِ الدِّيَةِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ )
رَحِمَهُ اللَّهُ وَتَغْلِيظُ الدِّيَةِ ( 2 ) في الْعَمْدِ وَالْعَمْدِ الْخَطَأِ
وَالْقَتْلِ في الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْبَلَدِ الْحَرَامِ وَقَتْلِ ذِي
الرَّحِمِ كما تَقَدَّمَ في الْعَمْدِ غَيْرِ الْخَطَأِ لَا تَخْتَلِفُ وَلَا
تُغَلَّظُ فِيمَا سِوَى هَؤُلَاءِ وإذا أَصَابَ ذَا رَحِمٍ في الشَّهْرِ
الْحَرَامِ وَالْبَلَدِ الْحَرَامِ وَهِيَ مَكَّةُ دُونَ الْبُلْدَانِ لم يَزِدْ
في التَّغْلِيظِ على ما وَصَفْتُ قَلِيلُ التَّغْلِيظِ وَكَثِيرُهُ في الدِّيَةِ
سَوَاءٌ فإذا قُوِّمَتْ الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ قُوِّمَتْ على ما يَجِبُ من
تَغْلِيظِهَا ( قال ) وَتُغَلَّظُ في الْجِرَاحِ دُونَ النَّفْسِ صَغِيرِهَا
وَكَبِيرِهَا بِقَدْرِهَا في السِّنِّ كما تُغَلَّظُ في النَّفْسِ فَلَوْ شَجَّ
رَجُلٌ رَجُلًا مُوضِحَةً عَمْدًا فَأَرَادَ الْمَشْجُوجُ الدِّيَةَ أَخَذَ من
الشَّاجِّ خَلِفَتَيْنِ وَجَذَعَةً وَنِصْفَ جَذَعَةٍ وَحِقَّةً وَنِصْفَ حِقَّةٍ
فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَكُونُ نِصْفُ حِقَّةٍ قلت يَكُونُ شَرِيكًا فيها له
نِصْفِهَا وَلِلْجَانِي النِّصْفُ كما يَكُونُ الْبَعِيرُ بَيْنَهُمَا وَهَذَا
هَكَذَا فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ مِمَّا له أَرْشٌ بِاجْتِهَادٍ لَا يَخْتَلِفُ
فَلَوْ شَجَّهُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا قالوا في الْبُدُنِ لَيْسَتْ خَلِفَةً فقال أَهْلُ
الْعِلْمِ هِيَ خَلِفَةٌ أَلْزَمُوهَا حتى يَعْلَمَ أنها لَيْسَتْ خَلِفَةً
وَالسِّتُّونَ التي مع الْأَرْبَعِينَ الْخَلِفَةُ ثَلَاثُونَ حِقَّةً
وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وقد رُوِيَ هذا عن بَعْضِ أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه
وسلم وهو قَوْلُ عَدَدٍ مِمَّنْ لَقِيت من أَهْلِ الْعِلْمِ الْمُفْتِينَ
أخبرنا مُسْلِمٌ عن بن جُرَيْجٍ قال قُلْت لِعَطَاءٍ ( 1 ) تَغْلِيظُ الْإِبِلِ
فقال مِائَةٌ من الْإِبِلِ من الْأَصْنَافِ كُلِّهَا من كل صِنْفٍ ثُلُثُهُ
(6/113)
هَاشِمَةً كانت له فيها عَشْرٌ
من الْإِبِلِ أَرْبَعُ خَلِفَاتٍ وَثَلَاثُ حِقَاقٍ وَثَلَاثُ جِذَاعٍ وَلَوْ
شَجَّهُ مُنَقِّلَةً كانت له فيها خَمْسَ عَشْرَةَ سِتُّ خَلِفَاتٍ وَأَرْبَعُ
جِذَاعٍ وَنِصْفٍ وَأَرْبَعُ حِقَاقٍ وَنِصْفٍ وَلَوْ فَقَأَ عَيْنَهُ كانت له
خَمْسُونَ من الْإِبِلِ عِشْرُونَ خَلِفَةً وَخَمْسَ عَشْرَةَ جَذَعَةً وَخَمْسَ
عَشَرَ حِقَّةً وإذا وَجَبَتْ له الدِّيَةُ خَطَأً فَكَانَ أَرْشُ شَجَّةٍ
مُوضِحَةٍ أُخِذَتْ منه على حِسَابِ أَصْلِ الدِّيَةِ كما وَصَفْتُ في الْعَمْدِ
فَتُؤْخَذُ في الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ من الْإِبِلِ بِنْتُ مَخَاضٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ
وبن لَبُونٍ ذَكَرٍ وَحِقَّةٌ وَجَذَعَةٌ - * أَيُّ الْإِبِلِ على الْعَاقِلَةِ -
* (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَعَامٌّ في أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَرَضَ الدِّيَةَ مِائَةً من الْإِبِلِ
ثُمَّ قَوَّمَهَا عُمَرُ رضي اللَّهُ عنه على أَهْلِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ
فَالْعِلْمُ مُحِيطٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ عُمَرَ لَا يُقَوِّمُهَا
إلَّا قِيمَةَ يَوْمِهَا وَلَعَلَّهُ قَوَّمَ الدِّيَةَ الْحَالَّةَ كُلَّهَا في
الْعَمْدِ وإذا قَوَّمَهَا عُمَرُ قِيمَةَ يَوْمِهَا فَاتِّبَاعُهُ أَنْ تُقَوَّمَ
كُلَّمَا وَجَبَتْ على إنْسَانٍ قِيمَةَ يَوْمِهَا كما لو قُوِّمَتْ إبِلُ رَجُلٍ
أَتْلَفَهَا رَجُلٌ شيئا ثُمَّ أَتْلَفَ آخَرُ بَعْدَهَا مِثْلَهَا قُوِّمَتْ
بِسُوقِ يَوْمِهَا وَلَوْ قُوِّمَتْ سَرِقَةً لِيَقْطَعَ صَاحِبُهَا شيئا ثُمَّ
سَرَقَ بَعْدَهَا آخَرُ مِثْلَهَا قُوِّمَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا قِيمَةَ
يَوْمِهَا وَلَعَلَّ عُمَرَ أَنْ لَا يَكُونَ قَوَّمَهَا إلَّا في حِينٍ وَبَلَدٍ
هَكَذَا قِيمَتُهَا فيه حين أَعْوَزَتْ وَلَا يَكُونُ قَوَّمَهَا إلَّا بِرِضًا من
الْجَانِي وَوَلِيِّ الْجِنَايَةِ كما يُقَوِّمُ ما أَعْوَزَ من الْحُقُوقِ
اللَّازِمَةِ غَيْرَهَا وما تَرَاضَى بِهِ من له الْحَقُّ وَعَلَيْهِ
أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عُمَرَ عن أَيُّوبَ بن مُوسَى
عن بن شِهَابٍ وَمَكْحُولٍ وَعَطَاءٍ قالوا أَدْرَكْنَا الناس على أَنَّ دِيَةَ
الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ الْحُرِّ على عَهْدِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
مِائَةٌ من الْإِبِلِ فَقَوَّمَ عُمَرُ رضي اللَّهُ عنه على أَهْلِ الْقُرَى
أَلْفَ دِينَارٍ أو اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَإِنْ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ قد حَفِظْتُ عن عَدَدٍ من أَهْلِ
الْعِلْمِ أَنَّهُمْ قالوا لَا يُكَلَّفُ أَحَدٌ غير إبِلِهِ وَلَا يُقْبَلُ منه
دُونَهَا كان مَذْهَبُهُمْ أَنَّ إبِلَهُ أن كانت حِجَازِيَّةً لم يُكَلَّفْ ما هو
خَيْرٌ منها وَإِنْ كانت مُهْرِيَّةً لم يُؤْخَذْ منه ما هو شَرٌّ منها ثُمَّ
هَكَذَا ما كان بين الْحِجَازِيَّةِ وَالْمُهْرِيَّةِ من مُرْتَفِعِ الْإِبِلِ
وَمُنْخَفِضِهَا وَبِهَذَا أَقُولُ وَهَكَذَا إنْ كانت إبِلُهُ عَوَادِيَ أو
أَوْرَاكَ أو خَمِيصَةً وإذا كان بِبَلَدٍ وَلَا إبِلَ له كُلِّفَ إبِلَ أَهْلِ
ذلك الْبَلَدِ فَإِنْ لم يَكُنْ لِأَهْلِ ذلك الْبَلَدِ إبِلٌ كُلِّفَ إبِلَ
أَقْرَبِ الْبُلْدَانِ بِهِ مِمَّا يَلِيهِ وَيُجْبَرُ على أَنْ يُؤَدِّيَ الْإِبِلَ
بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى عليه بها فإذا
كانت مَوْجُودَةً بِحَالٍ كَلِفَهَا كما يُكَلَّفُ ما سِوَاهَا من الْحُقُوقِ التي
تَلْزَمُهُ إذَا وُجِدَتْ وإذا سَأَلَ الذي له الدِّيَةُ غير الْإِبِلِ أو
سَأَلَهَا الذي عليه الدِّيَةُ لم يَكُنْ ذلك لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيُجْبَرَانِ
على الْإِبِلِ إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَا على الرِّضَا بِغَيْرِ الْإِبِلِ فَيَجُوزُ
لَهُمَا صَرْفُهَا إلَى ما تَرَاضَيَا بِهِ كما يَجُوزُ صَرْفُ الْحُقُوقِ إلَى ما
يَتَرَاضَيَانِ عليه فَإِنْ كانت إبِلُ الْجَانِي وَإِبِلُ عَاقِلَتِهِ هِيَ
مُبَايِنَةٌ لِإِبِلِ غَيْرِهِمْ فَإِنْ أَتَتْ عليها السَّنَةُ فَتَبْقَى
عِجَافًا أو مَرْضَى أو جُرْبًا فإذا كان هَكَذَا قِيلَ لِلْجَانِي إنْ أَدَّيْتَ
إلَيْهِ إبِلًا صِحَاحًا شَرْوَى إبِلِكَ أو خَيْرًا منها جُبِرَ على قَبُولِهَا
مِنْكَ وَأَنْتَ مُتَطَوِّعٌ بِالْفَضْلِ عن إبِلِكَ وَإِبِلِ عَاقِلَتِكَ وَإِنْ
أَرَدْت أَنْ تُؤَدِّيَ شَرًّا من إبِلِكَ وَإِبِلِ عَاقِلَتِكَ لم يَكُنْ لَك
وَلَا لهم أَنْ تُؤَدُّوا إلَّا شَرْوَاهَا ما كانت مَوْجُودَةً فَإِنْ لم تُوجَدْ
قِيلَ أَدِّ قِيَمَ صِحَاحٍ غَيْرِ مَعِيبَةٍ مِثْلَ إبِلِكَ وإذا حَكَمْنَا عليه
بِالْقِيمَةِ حَكَمْنَا بها على الْأَغْلَبِ من نَقْدِ الْبَلَدِ الذي بِهِ
الْجَانِي إنْ كان دَرَاهِمَ فَدَرَاهِمَ وَإِنْ كان دَنَانِيرَ فَدَنَانِيرَ ولم
يَحْكُمْ بِقِيمَةِ نَجْمٍ منها إلَّا بعد ما يَحِلُّ على صَاحِبِهِ فإذا
قَوَّمْنَاهُ أَخَذْنَاهُ بِهِ مَكَانَهُ فَإِنْ أَعْسَرَ بِهِ أو مَطَلَ حتى
يَجِدَ إبِلًا دَفَعَ الْإِبِلَ وَأُبْطِلَتْ الْقِيمَةُ فإذا حَلَّ نَجْمٌ آخَرُ
قُوِّمَتْ الْإِبِلُ قِيمَةَ يَوْمِهَا - * إعْوَازُ الْإِبِلِ - *
(6/114)
كان الذي أَصَابَهُ من
الْأَعْرَابِ فَدِيَتُهُ مِائَةٌ من الْإِبِلِ لَا يُكَلَّفُ الْأَعْرَابِيُّ
الذَّهَبَ وَلَا الْوَرِقَ ( قال ) وَهَذَا يَدُلُّ على ما وَصَفْتُ من أَنَّ
عُمَرَ لم يُقَوِّمْ الدِّيَةَ على من يَجِدُ الْإِبِلَ ولم يُقَوِّمْهَا إلَّا عِنْدَ
الْإِعْوَازِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ الْأَعْرَابِيَّ ذَهَبًا وَلَا
وَرِقًا لِوُجُودِ الْإِبِلِ وَأَخَذَ الذَّهَبَ وَالْوَرِقَ من الْقَرَوِيِّ
لِإِعْوَازِ الْإِبِلِ فِيمَا أَرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْحَقَّ لَا
يَخْتَلِفُ في الدِّيَةِ
أخبرنا مُسْلِمٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَمْرِو بن شُعَيْبٍ قال كان رسول اللَّهِ صلى
اللَّهُ عليه وسلم يُقَوِّمُ الْإِبِلَ على أَهْلِ الْقُرَى أَرْبَعَمِائَةِ
دِينَارٍ وَعَدْلَهَا من الْوَرِقِ وَيَقْسِمُهَا على أَثْمَانِ الْإِبِلِ فإذا
غَلَتْ رَفَعَ في قِيمَتِهَا وإذا هَانَتْ نَقَصَ من قِيمَتِهَا على أَهْلِ
الْقُرَى وَالثَّمَنُ ما كان
أخبرنا مُسْلِمٌ عن بن جُرَيْجٍ عن عَمْرِو بن شُعَيْبٍ قال قَضَى أبو بَكْرٍ رضي
اللَّهُ عنه على أَهْلِ الْقُرَى حين كَثُرَ الْمَالُ وَغَلَتْ الْإِبِلُ
فَأَقَامَ مِائَةً من الْإِبِلِ بِسِتِّمِائَةِ دِينَارٍ إلَى ثَمَانِمِائَةِ
دِينَارٍ
أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن بن جُرَيْجٍ عن بن طَاوُسٍ عن أبيه أَنَّهُ كان
يقول على الناس أَجْمَعِينَ أَهْلِ الْقُرَى وَأَهْلِ الْبَادِيَةِ مِائَةٌ من
الْإِبِلِ على الْأَعْرَابِيُّ وَالْقَرَوِيُّ
أخبرنا مُسْلِمٌ عن بن جُرَيْجٍ قال قلت لِعَطَاءٍ الدِّيَةُ الْمَاشِيَةُ أو
الذَّهَبُ قال كانت الْإِبِلَ حتى كان عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه
فَقَوَّمَ الْإِبِلَ بِعِشْرِينَ وَمِائَةٍ كل بَعِيرٍ فَإِنْ شَاءَ الْقَرَوِيُّ
أَعْطَى مِائَةَ نَاقَةٍ ولم يُعْطِ ذَهَبًا كَذَلِكَ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ (1) (
قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يَكُونُ لِلَّذِي عليه الدِّيَةُ أَنْ
يُعْطِيَ فيها بَعِيرًا مَعِيبًا عَيْبًا يُرَدُّ من مِثْلِ ذلك الْعَيْبِ في
الْبَيْعِ لِأَنَّهُ إذَا قضي عليه بِشَيْءٍ بِصِفَةٍ فَبَيَّنَ أَنْ ليس له أَنْ
يُؤَدِّيَ فيه مَعِيبًا كما يقضى عليه بِدِينَارٍ فَلَا يَكُونُ له أَنْ
يُؤَدِّيَهُ مَعِيبًا وَكَذَلِكَ الطَّعَامُ يقضى بِهِ عليه وَغَيْرُهُ لَا
يَكُونُ له أَنْ يُؤَدِّيَهُ مَعِيبًا + ( قال الشَّافِعِيُّ ) لم أَعْلَمْ
مُخَالِفًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى بِالدِّيَةِ على
الْعَاقِلَةِ وَهَذَا أَكْثَرُ من حديث الْخَاصَّةِ ولم أَعْلَمْ مُخَالِفًا في
أَنَّ الْعَاقِلَةَ الْعَصَبَةُ وَهُمْ الْقَرَابَةُ من قِبَلِ الْأَبِ وَقَضَى
عُمَرُ بن الْخَطَّابِ على عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنهما بِأَنْ
يَعْقِلَ عن مَوَالِي صَفِيَّةَ بِنْتِ عبد الْمُطَّلِبِ وَقَضَى لِلزُّبَيْرِ
بِمِيرَاثِهِمْ لِأَنَّهُ ابْنُهَا ( قال ) وَعِلْمُ الْعَاقِلَةِ أَنْ يُنْظَرَ
إلَى الْقَاتِلِ وَالْجَانِي ما دُونَ الْقَتْلِ مِمَّا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ
من الْخَطَأِ فَإِنْ كان له إخْوَةٌ لِأَبِيهِ حَمَلَ عليهم جِنَايَتَهُمْ على ما
تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ فَإِنْ احْتَمَلُوهَا لم تُرْفَعْ إلَى بَنِي جَدِّهِ
وَهُمْ عُمُومَتُهُ فَإِنْ لم يَحْتَمِلُوهَا رُفِعَتْ إلَى بَنِي جَدِّهِ فَإِنْ
لم يَحْتَمِلُوهَا رُفِعَتْ إلَى بَنِي جَدِّ أبيه ثُمَّ هَكَذَا تُرْفَعُ إذَا
عَجَزَ عنها أَقَارِبُهُ إلَى أَقْرَبِ الناس بِهِ وَلَا تُرْفَعُ إلَى بَنِي أَبٍ
وَدُونَهُمْ أَقْرَبُ منهم حتى يَعْجِزَ عنها من هو أَقْرَبُ منهم كَأَنَّ رَجُلًا
من بَنِي عبد مَنَافٍ جَنَى فَحَمَلَتْ جِنَايَتَهُ بَنُو عبد مَنَافٍ فلم
تَحْمِلْهَا بَنُو عبد مَنَافٍ فَتُرْفَعُ إلَى بَنِي قُصَيٍّ فَإِنْ لم
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ فَتُؤْخَذُ الْإِبِلُ ما
وُجِدَتْ وَتُقَوَّمُ عِنْدَ الْإِعْوَازِ على ما وَصَفْت لِأَنَّ من لَزِمَهُ
شَيْءٌ لم يُقَوَّمْ عليه وهو يُوجَدُ مِثْلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ من لَزِمَهُ
صِنْفٌ من الْعُرُوضِ لم يُؤْخَذْ منه إلَّا هو فَإِنْ أَعْوَزَ ما لَزِمَهُ من
الصِّنْفِ أُخِذَتْ قِيمَتُهُ يوم يَلْزَمُ صَاحِبَهُ وقد يَحْتَمِلُ تَقْوِيمَ
الْإِبِلِ أَنْ يَكُونَ أَعْوَزَ من عليه الدِّيَةُ فَقُوِّمَتْ عليه أو كانت
مَوْجُودَةً عِنْدَ غَيْرِهِ بِبَلَدِهِ فَقُوِّمَتْ وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وما رُوِيَ مِمَّا وَصَفْتُ من تَقْوِيمِ من قَوَّمَ
الدِّيَةَ وَاَللَّهُ اعلم على ما ذَهَبْت إلَيْهِ ( قال ) وَالدِّيَةُ لَا
تُقَوَّمُ إلَّا بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ كما لَا يُقَوَّمُ غَيْرُهَا
إلَّا بِهِمَا وَلَوْ جَازَ أَنْ نُقَوِّمَهَا بِغَيْرِهَا جَعَلْنَا على أَهْلِ
الْبَقَرِ الْبَقَرَ وَعَلَى أَهْلِ الشاءالشاء ( ( ( الشاة ) ) ) فَقَدْ رُوِيَ
هذا عن عُمَرَ كما رُوِيَتْ عنه قِيمَةُ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَجَعَلْنَا
على أَهْلِ الطَّعَامِ الطَّعَامَ وَعَلَى الْخَيْلِ الْخَيْلَ وَعَلَى أَهْلِ
الْحُلَلِ الْحُلَلَ بِقِيمَةِ الْإِبِلِ وَلَكِنَّ الْأَصْلَ كما وَصَفْتُ
الْإِبِلَ فإذا أَعْوَزَ فَالْقِيمَةُ قِيمَةُ ما لَا يُوجَدُ مِمَّا وَجَبَ على
صَاحِبِهِ وَلَيْسَ ذلك إلَّا من الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ ( قال ) وَإِنْ
وَجَدَتْ الْعَاقِلَةُ بَعْضَ الْإِبِلِ أَخَذَ منها ما وُجِدَ وَقِيمَةُ ما لم
تَجِدْ إذَا لم تَجِدْ الْوَفَاءَ منه بِحَالٍ وَإِنَّمَا تُقَوَّمُ إبِلُ من
وَجَبَتْ عليه الدِّيَةُ إنْ كانت الْجِنَايَةُ مِمَّا تَعْقِلُهَا الْعَاقِلَةُ
قُوِّمَتْ إبِلُهَا وَإِنْ كانت مِمَّا يَعْقِلُهَا الْجَانِي قُوِّمَتْ إبِلُهُ
إنْ اخْتَلَفَتْ إبِلُهُ وَإِبِلُ الْعَاقِلَةِ - * الْعَيْبُ في الْإِبِلِ - *
(6/115)
تَحْمِلْهَا رُفِعَتْ إلَى
بَنِي كِلَابٍ فَإِنْ لم تَحْمِلْهَا رُفِعَتْ إلَى بَنِي مُرَّةَ فَإِنْ لم
تَحْمِلْهَا رُفِعَتْ إلَى بَنِي كَعْبٍ فَإِنْ لم تَحْمِلْهَا رُفِعَتْ إلَى
بَنِي لُؤَيٍّ فَإِنْ لم تَحْمِلْهَا رُفِعَتْ إلَى بَنِي غَالِبٍ فَإِنْ لم
تحملها رفعت إلى بني فهر فإن لم تَحْمِلْهَا رُفِعَتْ إلَى بَنِي مَالِكٍ فَإِنْ
لم تَحْمِلْهَا رُفِعَتْ إلَى بَنِي النَّضْرِ فَإِنْ لم تَحْمِلْهَا رُفِعَتْ
إلَى بَنِي كِنَانَةَ كُلِّهَا ثُمَّ هَكَذَا حتى تَنْفَدَ قَرَابَتُهُ أو
تُحْتَمَلُ الدِّيَةُ ( قال ) وَمَنْ في الدِّيوَانِ وَمَنْ ليس فيه من
الْعَاقِلَةِ سَوَاءٌ قَضَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على الْعَاقِلَةِ
وَلَا دِيوَانَ حتى كان الدِّيوَانُ حين كَثُرَ الْمَالُ في زَمَنِ عُمَرَ بن
الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه - * ما تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ من الدِّيَةِ وَمَنْ
يَحْمِلُهَا منهم - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا تَعْقِلُ
الْمَوَالِي من أَعْلَى وَهُمْ الْمُعْتَقُونَ عن رَجُلٍ من الْمَوَالِي
وَلِلْمُعْتَقِينَ قَرَابَةٌ تَحْتَمِلُ الْعَقْلَ وَإِنْ كانت له قَرَابَةٌ تَحْتَمِلُ
بَعْضَ الْعَقْلِ عَقَلَتْ الْقَرَابَةُ وإذا نَفِدَ عَقَلَ الْمَوَالِيَ
الْمُعْتَقُونَ فَإِنْ عَجَزُوا هُمْ وَعَوَاقِلُهُمْ عَقَلَ ما بَقِيَ جَمَاعَةُ
الْمُسْلِمِينَ وَكَذَلِكَ لَا تَعْقِلُ الْمَوَالِي الْمُعْتَقُونَ عن الْمَوْلَى
الْمُعْتَقِ وَلِلْمَوْلَى الْمُعْتَقِ قَرَابَةٌ تَحْتَمِلُ الْعَقْلَ فَإِنْ
كانت له قَرَابَةٌ تَحْتَمِلُ بَعْضَ الْعَقْلِ بُدِئَ بِهِمْ فَإِنْ عَجَزُوا
عَقَلَ عنه مَوْلَاهُ الذي أَعْتَقَهُ ثُمَّ أَقْرَبُ الناس إلَيْهِ كما
يَعْقِلُونَ عن مَوْلَاهُ الذي أَعْتَقَهُ لو جَنَى وَهَكَذَا إذَا لم يَكُنْ
لِوَاحِدٍ من الْجَانِينَ قَرَابَةٌ عَقَلَ عنه الْمَوَالِي من أَعْلَى وَأَسْفَلَ
على ما وَصَفْتُ وَإِنْ كان لِلْمَوْلَى الْمُعْتَقِ مَوَالٍ من فَوْقَ وَمَوَالٍ
من أَسْفَلَ لم يَعْقِلْ عنه مَوَالِيهِ من أَسْفَلَ وَعَقَلَ عنه مَوَالِيهِ من
فَوْقَ فَإِنْ عَجَزُوا ولم تَكُنْ لهم عَاقِلَةٌ عَقَلَ عنه مَوَالِيهِ من
أَسْفَلَ وَإِنَّمَا جَعَلْتُ مَوَالِيهِ من فَوْقَ يَعْقِلُونَ عنه وَمَنْ
فَوْقَهُمْ من مَوَالِيهِمْ لِأَنَّهُمْ عَصَبَةٌ وَأَهْلُ مِيرَاثِهِ من دُونِ
مَوَالِيهِ من أَسْفَلَ ولم أَجْعَلْ على الْمَوَالِي من أَسْفَلَ عَقْلًا بِحَالٍ
حتى لَا يُوجَدَ نَسَبٌ وَلَا مَوَالٍ من فَوْقَ بِحَالٍ ثُمَّ يَحْمِلُونَهُ فإنه
يَعْقِلُ عَنْهُمْ لَا لِأَنَّهُمْ وَرَثَةٌ وَلَكِنَّهُمْ يَعْقِلُونَ عنه كما
يَعْقِلُ عَنْهُمْ ( قال ) وَالسَّائِبَةَ مُعْتِقٌ كَالْمُعْتِقِ غَيْرِ
السَّائِبَةِ - * عَقْلُ الْحُلَفَاءِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ
اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَعْقِلُ الْحَلِيفُ بِالْحِلْفِ وَلَا يَعْقِلُ عنه
بِحَالٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَضَى بِذَلِكَ خَبَرٌ لَازِمٌ وَلَا أَعْلَمُهُ وَلَا
يَعْقِلُ الْعَدِيدَ وَلَا يَعْقِلُ عنه وَلَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ وَإِنَّمَا
يَعْقِلُ بِالنَّسَبِ وَالْوَلَاءِ الذي هو نَسَبٌ وَمِيرَاثُ الْحَلِيفِ
وَالْعَقْلِ عنه مَنْسُوخٌ وَإِنَّمَا ثَبَتَ من الْحِلْفِ أَنْ تَكُونَ
الدَّعْوَةُ وَالْيَدُ وَاحِدَةً لَا غير ذلك
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ولم أَعْلَمْ مُخَالِفًا في
أَنَّ الْمَرْأَةَ وَالصَّبِيَّ إذَا كَانَا مُوسِرَيْنِ لَا يَحْمِلَانِ من
الْعَقْلِ شيئا وَكَذَلِكَ الْمَعْتُوهُ عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَا
يَحْمِلُ الْعَقْلَ إلَّا حُرٌّ بَالِغٌ وَلَا يَحْمِلُهَا من الْبَالِغِينَ
فَقِيرٌ فإذا قضي بها وَرَجُلٌ فَقِيرٌ فلم يَحِلَّ نَجْمٌ منها حتى أَيْسَرَ
أُخِذَ بها وَإِنْ قضي بها وهو غَنِيٌّ ثُمَّ حَلَّتْ وهو فَقِيرٌ طُرِحَتْ عنه
إنَّمَا يُنْظَرُ إلَى حَالِهِ يوم يَحِلُّ وَإِنَّمَا يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ
يَكْتُبَ إذَا حَكَمَ إنها على من احْتَمَلَ من عَاقِلَتِهِ يوم يَحِلُّ كُلُّ
نَجْمٍ منها فَإِنْ عَقَلَ رَجُلٌ نَجْمًا ثُمَّ أَفْلَسَ في الثَّانِي تُرِكَ من
ان يَعْقِلَ ثُمَّ إنْ أَيْسَرَ في الثَّالِثِ أَخَذَ بِذَلِكَ النَّجْمَ وَإِنْ
حَلَّ النَّجْمُ وهو مِمَّنْ يَعْقِلُ ثُمَّ مَاتَ أُخِذَ من مَالِهِ لِأَنَّهُ قد
كان وَجَبَ عليه بِالْحُلُولِ وَالْيُسْرِ وَالْحَيَاةِ ولم أَعْلَمْ مُخَالِفًا
في أَنْ لَا يَحْمِلَ أَحَدٌ من الدِّيَةِ إلَّا قَلِيلًا وَأَرَى على مَذْهَبِهِمْ
أَنْ يَحْمِلَ من كَثُرَ مَالُهُ وَشُهِرَ من الْعَاقِلَةِ إذَا قُوِّمَتْ
الدِّيَةُ نِصْفَ دِينَارٍ وَمَنْ كان دُونَهُ رُبُعَ دِينَارٍ وَلَا يُزَادُ على
هذا وَلَا يُنْقَصُ عن هذا ويحملون ( ( ( يحملون ) ) ) إذَا عَقَلُوا الْإِبِلَ
على قَدْرِ هذا حتى يَشْتَرِكَ النَّفَرُ في بَعِيرٍ فَيَقْبَلُ منهم إلَّا أَنْ
يَتَطَوَّعَ أَحَدٌ بِأَكْثَرَ فَيُؤْخَذُ منه - * عَقْلُ الْمَوَالِي - *
(6/116)
- * عَقْلُ من لَا يُعْرَفُ
نَسَبُهُ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْعَاقِلَةُ
النَّسَبُ فإذا جَنَى الرَّجُلُ بِمَكَّةَ وَعَاقِلَتُهُ بِالشَّامِ فَإِنْ لم
يَكُنْ مَضَى خَبَرٌ يَلْزَمُ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَكْتُبَ
حَاكِمُ مَكَّةَ إلَى حَاكِمِ الشَّامِ فَيَأْخُذُ عَاقِلَتُهُ بِالْعَقْلِ وَلَا
يَحْمِلُهُ أَقْرَبُ الناس إلَى عَاقِلَتِهِ بِمَكَّةَ بِحَالٍ وَلَهُ عَاقِلَةٌ
بِأَبْعَدَ منها وَإِنْ امْتَنَعَتْ عَاقِلَتُهُ من أَنْ يَجْرِيَ عليهم الْحُكْمُ
جُوهِدُوا حتى يُؤْخَذَ منهم كما يُجَاهِدُونِ على كل حَقٍّ لَزِمَهُمْ فَإِنْ لم
يَقْدِرْ عليهم لم يُؤْخَذْ من غَيْرِهِمْ وكان كَحَقٍّ عليهم غَلَبُوا عليه مَتَى
قَدَرَ عليهم أَخَذَ منهم ( قال ) وقد قِيلَ يَحْمِلُهُ عَاقِلَةُ الرَّجُلِ
بِبَلَدِهِ ثُمَّ أَقْرَبُ الْعَوَاقِلِ بِهِمْ وَلَا يُنْتَظَرُ بِالْعَقْلِ
غَائِبٌ يَقْدُمُ وَلَا رَجُلٌ بِبَلَدٍ يُؤْخَذُ منه بِكِتَابٍ وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ وَإِنْ كانت الْعَاقِلَةُ حَاضِرَةً فَغَابَ منهم رَجُلٌ يَحْتَمِلُ
الْعَقْلَ أَخَذَ من مَالِهِ ما يَلْزَمُهُ وإذا كانت الْعَاقِلَةُ كَثِيرًا
يَحْتَمِلُ الْعَقْلَ بَعْضُهُمْ على ما وَصَفْتُ إن الرَّجُلَ يَحْتَمِلُ من
الْعَقْلِ وَيَفْضُلُ وَكَانُوا حُضُورًا بِالْبَلَدِ وَأَمْوَالُهُمْ فَقَدْ
قِيلَ يَأْخُذُ الْوَالِي من بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ لِأَنَّ الْعَقْلَ لَزِمَ
الْكُلَّ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَفُضَّ ذلك عليهم حتى يَسْتَوُوا فيه وَإِنْ
قَلَّ كُلُّ ما يُؤْخَذُ من كل وَاحِدٍ منهم وَإِنْ كان من يَحْضُرُ من الْعَاقِلَةِ
يَحْتَمِلُ الْعَقْلَ وَمِنْهُمْ جَمَاعَةٌ غُيَّبٌ عن الْبَلَدِ فَقَدْ قِيلَ
يُؤْخَذُ من الْحُضُورِ دُونَ الْغُيَّبِ عن الْبَلَدِ على الْمَعْنَى الذي
وَصَفْتُ في مِثْلِ الْمَسْأَلَةِ التي قَبْلَهَا وَمَنْ ذَهَبَ إلَى هذا قال
الْجِنَايَةُ من غَيْرِ من تُؤْخَذُ منه وَكُلٌّ يَلْزَمُهُ اسْمُ عَاقِلَةٍ فأيهم
( ( ( رأيهم ) ) ) أُخِذَ منه فَهُوَ مُفْضٍ عليه مِمَّا أُخِذَ منه وَلَا
يُؤْخَذُ حَاضِرٌ بِغَائِبٍ غَيْرِهِ ( قال ) وَلَا أَرُدُّ الذي أَخَذْت منه على
من لم آخُذْ منه وَهَذَا يُشْبِهُ مَذَاهِبَ كَثِيرَةٍ لِأَهْلِ الْعِلْمِ
وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَمَنْ قال هذا الْقَوْلَ قال لو تَغَيَّبَ بَعْضُ
الْعَاقِلَةِ ولم يُوجَدْ له مَالٌ حَاضِرٌ ثُمَّ أُخِذَ الْعَقْلَ مِمَّنْ بَقِيَ
ثُمَّ حَضَرَ الْغَائِبُ لم يُؤْخَذْ منه شَيْءٌ وقال ( ( ( وقيل ) ) ) ذلك فيه لو
كان حَاضِرًا وَامْتَنَعَ من أَنْ يُؤَدِّيَ الْعَقْلَ وإذا كانت إبِلُ
الْعَاقِلَةِ مُخْتَلِفَةً أَدَّى كُلُّ رَجُلٍ منهم من إبِلِهِ وَيُجْبَرُونَ على
أَنْ يَشْتَرِكَ النَّفَرُ في الْبَعِيرِ بِقَدْرِ ما يَلْزَمُهُمْ من الْعَقْلِ
وإذا جَنَى الْحُرُّ على الْحُرِّ خَطَأً فما لَزِمَهُ من دِيَةٍ أو أَرْشِ
جِنَايَةٍ وَإِنْ قَلَّتْ جَعَلْتهَا على الْعَاقِلَةِ وإذا جَنَى الْحُرُّ على
الْعَبْدِ خَطَأً فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَحْمِلَهُ الْعَاقِلَةُ
عنه لِأَنَّهَا جِنَايَةُ حُرٍّ على نَفْسٍ مُحَرَّمَةٍ وَالثَّانِي لَا
تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ لِأَنَّهُ قِيمَةٌ لَا دِيَةٌ وإذا جَنَى الْحُرُّ
جِنَايَةَ عَمْدٍ لَا قِصَاصَ فيها بِحَالٍ مِثْلَ أَنْ يَقْتُلَ ذِمِّيًّا أو
وَثَنِيًّا أو مُسْتَأْمَنًا فَالدِّيَةُ في مَالِهِ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا كان الرَّجُلُ
أَعْجَمِيًّا وكان نُوبِيًا فَجَنَى فَلَا عَقْلَ على أَحَدٍ من النُّوبَةِ حتى
يَكُونُوا يُثْبِتُونَ أَنْسَابَهُمْ إثْبَاتَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَمَنْ ثَبَتَ
نَسَبُهُ قَضَيْتُ عليه بِالْعَقْلِ بِالنَّسَبِ فَأَمَّا إنْ أَثْبَتُوا
قُرَاهُمْ وَكَانُوا يَقُولُونَ إنَّمَا يَكُونُ في الْقَرْيَةِ أَهْلُ النَّسَبِ
لم أَقْضِ عليهم بِالْعَقْلِ بِحَالٍ إلَّا بِإِثْبَاتِ النَّسَبِ وَكَذَلِكَ
كُلُّ قَبِيلَةٍ أَعْجَمِيَّةٍ أو غَيْرِهَا لم تَثْبُتْ أَنْسَابُهُمْ وَكُلُّ من
لم يَثْبُتْ نَسَبُهُ من أَعْجَمِيٍّ أو لَقِيطٍ أو غَيْرِهِ لم يَكُنْ له وَلَاءٌ
فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَعْقِلُوا عنه لِمَا يَجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ
من وِلَايَةِ الدِّينِ وَإِنَّهُمْ يَأْخُذُونَ مَالَهُ إذَا مَاتَ وَمَنْ
انْتَسَبَ إلَى نَسَبٍ فَهُوَ منه إلَّا أَنْ تَثْبُتَ بَيِّنَةٌ قَاطِعَةٌ بِمَا
تَقْطَعُ الْبَيِّنَةَ على الْحُقُوقِ بِخِلَافِ ذلك وَلَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ
على دَفْعِ نَسَبٍ بِالسَّمَاعِ وإذا حَكَمْنَا على أَهْلِ الْعَهْدِ
وَالْمُسْتَأْمَنِينَ في الْعَقْلِ حَكَمْنَا عليهم حُكْمَنَا على الْمُسْلِمِينَ
يَلْزَمُ ذلك عَوَاقِلُهُمْ الَّذِينَ يَجْرِي حُكْمُنَا عليهم فإذا كانت
عَاقِلَةً لَا يَجْرِي حُكْمُنَا عليها أَلْزَمْنَا الْجَانِيَ ذلك وما عَجَزَتْ
عنه عَاقِلَةٌ إنْ كانت له أَلْزَمْنَاهُ في مَالِهِ دُونَ غَيْرِ عَاقِلَتِهِ منهم
وَلَا نَقْضِي بِهِ على أَهْلِ دِينِهِ إذَا لم يَكُونُوا عَصَبَةً له لِأَنَّهُمْ
لَا يَرِثُونَهُ وَلَا على الْمُسْلِمِينَ لِقَطْعِ الْوِلَايَةِ بين
الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُشْرِكِينَ وَأَنَّهُمْ لَا يَأْخُذُونَ مَالَهُ على
الْمِيرَاثِ إنَّمَا يَأْخُذُونَهُ فَيْئًا - * أَيْنَ تَكُونُ الْعَاقِلَةُ - *
(6/117)
لَا تَضْمَنُ الْعَاقِلَةُ
منها وَكَذَلِكَ إذَا جَنَى رَجُلٌ على رَجُلٍ جَائِفَةً أو ما لَا قِصَاصَ فيه
فَهُوَ في مَالِهِ دُونَ عَاقِلَتِهِ وإذا جَنَى الصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ
جِنَايَةَ خَطَأٍ ضَمِنَتْهَا الْعَاقِلَةُ وَإِنْ جَنَيَا عَمْدًا فَقَدْ قِيلَ
تَعْقِلُهَا الْعَاقِلَةُ كَالْخَطَأِ في ثَلَاثِ سِنِينَ وَقِيلَ لَا تَعْقِلُهَا
الْعَاقِلَةُ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا قَضَى أَنْ تَحْمِلَ
الْعَاقِلَةُ الْخَطَأَ في ثَلَاثِ سِنِينَ وَيَدْخُلُ هذا أَنَّا إنْ قَضَيْنَا
بِهِ عَمْدًا إلَى ثَلَاثِ سِنِينَ فَإِنَّمَا يقضى بِدِيَةِ الْعَمْدِ حَالَّةً
وَإِنْ قَضَيْنَا بها حَالَّةً فلم يَقْضِ على الْعَاقِلَةِ بِدِيَةٍ إلَّا في
ثَلَاثِ سِنِينَ وَلَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ جِنَايَةَ عَمْدٍ بِحَالٍ - *
جِمَاعُ الدِّيَاتِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخبرنا مَالِكٌ عن عبد اللَّهِ
بن أبي بَكْرِ بن مُحَمَّدِ بن عَمْرِو بن حَزْم عن أبيه أَنَّ في الْكِتَابِ الذي
كَتَبَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِعَمْرِو بن حَزْمٍ وفي الْأَنْفِ
إذَا أوعى جَدْعًا مِائَةٌ من الْإِبِلِ وفي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ النَّفْسِ وفي
الْجَائِفَةِ مِثْلُهَا وفي الْعَيْنِ خَمْسُونَ وفي الْيَدِ خَمْسُونَ وفي
الرِّجْلِ خَمْسُونَ وفي كل أُصْبُعٍ مِمَّا هُنَالِكَ عَشْرٌ من الْإِبِلِ وفي
السِّنِّ خَمْسٌ وفي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ - * بَابُ دِيَةِ الْأَنْفِ - * (1) (
قال الشَّافِعِيُّ ) حَدِيثُ بن طَاوُسٍ في الْأَنْفِ أَبْيَنُ من حديث آلِ حَزْمٍ
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَنْفَ هو الْمَارِنُ لِأَنَّهُ غُضْرُوفٌ يَقْدِرُ على
قَطْعِهِ بِلَا قَطْعٍ لِغَيْرِهِ وَأَمَّا الْعَظْمُ فَلَا يَقْدِرُ على قَطْعِهِ
إلَّا بِمُؤْنَةٍ وَضَرَرٍ على غَيْرِهِ من قَطْعٍ أو كَسْرٍ أو أَلَمٍ شَدِيدٍ +
( قال الشَّافِعِيُّ ) فَفِي الْمَارِنِ الدِّيَةُ وَمَذْهَبُ من لَقِيت أَنَّ في
الْمَارِنِ الدِّيَةَ وإذا قُطِعَ بَعْضُ الْمَارِنِ فَأُبِينَ فَأَعَادَهُ
الْمَجْنِيُّ عليه أو غَيْرُهُ فَالْتَأَمَ فَفِيهِ عَقْلٌ تَامٌّ كما يَكُونُ لو
لم يَعُدْ وَلَوْ لم يَلْتَئِمْ وَلَوْ قُطِعَتْ منه قِطْعَةٌ فلم تُوعَبْ
وَتَدَلَّتْ فَأُعِيدَتْ فَالْتَأَمَتْ كان فيها حُكُومَةٌ لِأَنَّهَا لم تُجْدَعْ
إنَّمَا الْجَدْعُ الْقَطْعُ وإذا ضَرَبَ الْأَنْفَ فَاسْتُحْشِفَ حتى لَا
يَتَحَرَّكَ غُضْرُوفُهُ وَلَا الْحَاجِزُ بين مَنْخِرَيْهِ وَلَا يَلْتَقِي
مَنْخِرَاهُ فَفِيهِ حُكُومَةٌ لَا أَرْشٌ تَامٌّ وَلَوْ كانت الْجِنَايَةُ عليه
في هذا عَمْدًا لم يَكُنْ فيه قَوَدٌ وَلَوْ خُلِقَ هَكَذَا أو جُنِيَ عليه
فَصَارَ هَكَذَا ثُمَّ قَطَعَ كانت فيه حُكُومَةٌ أَكْثَرُ من حُكُومَتِهِ إذَا
اُسْتُحْشِفَ وما أَصَابَهُ من هذا الِاسْتِحْشَافِ وَبَقِيَ بَعْضُهُ دُونَ
بَعْضٍ فَفِيهِ حُكُومَةٌ بِقَدْرِ ما اصاب من الِاسْتِحْشَافِ وَإِنَّمَا
مَنَعَنِي أَنْ أَجْعَلَ اسْتِحْشَافَهُ كَشَلَلِ الْيَدِ أَنَّ في الْيَدِ
مَنْفَعَةً تَعْمَلُ وَلَيْسَ في الْأَنْفِ اكثر من الْجَمَالِ أو سَدُّ
مَوْضِعِهِ وَأَنَّهُ مَجْرَى لِمَا يَخْرُجُ من الرَّأْسِ وَيَدْخُلُ فيه فَكُلُّ
ذلك قَائِمٌ فيه وَإِنْ كان قد نَقَصَ الِانْضِمَامُ أَنْ يَكُونَ عَوْنًا على ما
يَدْخُلُ الرَّأْسَ من السَّعُوطِ ولم يَجُزْ أَنْ يُجْعَلَ فيه إذَا اُسْتُحْشِفَ
ثُمَّ قُطِعَ الدِّيَةُ كَامِلَةٌ وقد جَعَلْتُ في اسْتِحْشَافِهِ حُكُومَةً وهو
نَاقِصٌ بِمَا وَصَفْتُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِيمَا قُطِعَ من الْمَارِنِ فَفِيهِ
من الدِّيَةِ بِحِسَابِ الْمَارِنِ إنْ قُطِعَ نِصْفُهُ فَفِيهِ النِّصْفُ أو
ثُلُثُهُ فَفِيهِ الثُّلُثُ ( قال ) وَيُحْسَبُ بِقِيَاسِ مَارِنِ الْأَنْفِ
نَفْسِهِ وَلَا يَفْضُلُ وَاحِدَةٌ من صَفْحَتَيْهِ على وَاحِدَةٍ وَلَا
رَوْثَتُهُ على شَيْءٍ لو قُطِعَ من مُؤَخَّرِهِ وَلَا الْحَاجِزُ من مَنْخِرَيْهِ
منه على ما سِوَاهُ وَإِنْ كان أَوْعَيْت الرَّوْثَةُ إلَّا الْحَاجِزَ كان فِيمَا
أَوْعَيْت سِوَى الْحَاجِزِ من الدِّيَةِ بِحِسَابِ ما ذَهَبَ منه وإذا شُقَّ في
الْأَنْفِ شَقٌّ ثُمَّ الْتَأَمَ فَفِيهِ حُكُومَةٌ فإذا شُقَّ فلم يَلْتَئِمْ
فَتَبَيَّنَ انْفِرَاجُهُ أُعْطِيَ من دِيَةِ الْمَارِنِ بِقَدْرِ ما ذَهَبَ منه
وَحُكُومَةٌ إنْ لم يَذْهَبْ منه شَيْءٌ ( قال ) وقد ( ( ( قد ) ) ) رُوِيَ عن بن
طَاوُسٍ عن أبيه قال عِنْدَ أبي كِتَابٌ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فيه وفي
الْأَنْفِ إذَا قُطِعَ الْمَارِنُ مِائَةٌ من الْإِبِلِ
(6/118)
- * الدِّيَةُ على الْمَارِنِ
- * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا كُسِرَ الْأَنْفُ ثُمَّ
جُبِرَ فَفِيهِ حُكُومَةٌ وَلَوْ جُبِرَ أَعْوَجُ كانت فيه الْحُكُومَةُ بِقَدْرِ
عَيْبِ الْعِوَجِ وَلَوْ ضُرِبَ الْأَنْفُ فلم يُكْسَرْ لم يَكُنْ فيه حُكُومَةٌ
لِأَنَّهُ ليس بِجُرْحٍ وَلَا كَسْرِ عَظْمٍ وَلَوْ كُسِرَ الْأَنْفُ أو لم
يُكْسَرْ فَانْقَطَعَ عن الْمَجْنِيِّ عليه أَنْ يَشُمَّ رِيحَ شَيْءٍ بِحَالٍ
فَقَدْ قِيلَ فيه الدِّيَةُ وَمَنْ قال هذا قَالَهُ لو جُدِعَ وَذَهَبَ عنه
الشَّمُّ فَجَعَلَ فيه الدِّيَةَ وفي الْجَدْعِ دِيَةٌ ( قال ) وَإِنْ كان ذَهَبَ
الشَّمُّ عنه في وَقْتِ الْأَلَمِ ثُمَّ يَعُودُ إلَيْهِ بَعْدُ انْتَظَرْته حتى
يَأْتِيَ ذلك الْوَقْتُ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ أُعْطِيَ وَرَثَتُهُ الدِّيَةَ
وَإِنْ جاء وقال لَا أَشُمُّ شيئا أُعْطِيَ الدِّيَةَ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ ما
يَجِدُ رَائِحَةَ شَيْءٍ بِحَالٍ وَإِنْ قال أَجِدُ رِيحَ ما اشْتَدَّتْ رَائِحَتُهُ
وَحَدَّتْ وَلَا أَجِدُ رِيحَ ما لَانَتْ رَائِحَتُهُ وقد كُنْت أَجِدُهَا فَكَانَ
يُعْلَمُ لِذَلِكَ قَدْرٌ جُعِلَ فيه بِقَدْرِهِ وَإِنْ كان لَا يُعْلَمُ له
قَدْرٌ وَلَا أَحْسِبُهُ يُعْلَمُ فَفِيهِ حُكُومَةٌ بِقَدْرِ ما يَصِفُ منه
وَيَحْلِفُ فيه كُلِّهِ وَإِنْ قُضِيَ له بِالدِّيَةِ ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ
يَجِدُ رَائِحَةً قُضِيَ عليه بِرَدِّ الدِّيَةِ وَإِنْ مَرَّ بِرِيحٍ مَكْرُوهَةٍ
فَوَضَعَ يَدَهُ على أَنْفِهِ فَقِيلَ قد ( ( ( وقد ) ) ) وَجَدَ الرَّائِحَةَ ولم
يُقِرَّ بِأَنَّهُ وَجَدَهَا لم يَرُدَّ الدِّيَةَ من قِبَلِ أَنَّهُ قد يَضَعُ
يَدَهُ على أَنْفِهِ ولم يَجِدْ شيئا من الرِّيحِ وَيَضَعُهَا حَاكًّا له
وَمُمْتَخِطًا وَعَبَثًا وَمُحَدِّثًا نَفْسَهُ وَمِنْ غُبَارٍ أو غَيْرِهِ - *
الدِّيَةُ في اللِّسَانِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا قُطِعَ
اللِّسَانُ قَطْعًا لَا قَوَدَ فيه خَطَأٌ فَفِيهِ الدِّيَةُ وهو في مَعْنَى
الْأَنْفِ وَمَعْنَى ما قَضَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فيه بِدِيَةٍ من
تَمَامِ خِلْقَةِ الْمَرْءِ وَأَنَّهُ ليس في الْمَرْءِ منه إلَّا وَاحِدٌ وَمَعَ
أَنَّهُ لَا اخْتِلَافَ بين أَحَدٍ حَفِظْت عنه مِمَّنْ لَقِيَتْهُ في أَنَّ في
اللِّسَانِ إذَا قُطِعَ الدِّيَةَ وَاللِّسَانُ مُخَالِفٌ لِلْأَنْفِ في مَعَانٍ
منها أَنَّهُ الْمُعَبِّرُ عَمَّا في الْقَلْبِ وَأَنَّ أَكْثَرَ مَنْفَعَتِهِ ذلك
وَإِنْ كانت فيه الْمَنْفَعَةُ بِمَعُونَتِهِ على إمْرَارِ الطَّعَامِ
وَالشَّرَابِ وإذا جُنِيَ على اللِّسَانِ فَذَهَبَ الْكَلَامُ من قَطْعٍ أو غَيْرِ
قَطْعٍ فَفِيهِ الدِّيَةُ تَامَّةً وَلَا أَحْفَظُ عن أَحَدٍ لَقِيَتْهُ من أَهْلِ
الْعِلْمِ في هذا خِلَافًا وإذا قُطِعَ من اللِّسَانِ شَيْءٌ لَا يُذْهِبُ الْكَلَامَ
قِيسَ ثُمَّ كان فِيمَا قُطِعَ منه بِقَدْرِهِ من اللِّسَانِ فَإِنْ قُطِعَ
حَذِيَّةٌ من اللِّسَانِ تَكُونُ رُبُعَ اللِّسَانِ فَذَهَبَ من كَلَامِهِ قَدْرَ
رُبُعِ الْكَلَامِ فَفِيهِ رُبُعُ الدِّيَةِ وَإِنْ ذَهَبَ أَقَلُّ من رُبُعِ
الْكَلَامِ فَفِيهِ رُبُعُ الدِّيَةِ وَإِنْ ذَهَبَ نِصْفُ كَلَامِهِ فَفِيهِ
نِصْفُ الدِّيَةِ أَجْعَلُ عليه الْأَكْثَرَ من قِيَاسِ ما أُذْهِبَ من كَلَامِهِ
أو لِسَانِهِ وإذا ذَهَبَ بَعْضُ كَلَامِ الرَّجُلِ اُعْتُبِرَ عليه بِأُصُولِ
الْحُرُوفِ من التَّهَجِّي فَإِنْ نَطَقَ بِنِصْفِ التَّهَجِّي ولم يَنْطِقْ
بِنِصْفِهِ فَلَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ وَكَذَلِكَ ما نَطَقَ بِهِ مِمَّا زَادَ أو
نَقَصَ على النِّصْفِ فَفِيهِ بِحِسَابِهِ وَسَوَاءٌ كُلُّ حَرْفٍ أَذْهَبَهُ منه
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا قُطِعَ من الْعَظْمِ
الْمُتَّصِلِ بِالْمَارِنِ شَيْءٌ من الْمَارِنِ كانت فيه حُكُومَةٌ مع دِيَةِ
الْمَارِنِ وَكَذَلِكَ لو قُطِعَ دُونَ الْمَارِنِ فَصَارَ جَائِفًا وَصَارَ
الْمَارِنُ مُنْقَطِعًا منه فَإِنَّمَا فيه حُكُومَةٌ وَهَكَذَا لو قُطِعَ معه من
مَحَاجِرِ الْعَيْنَيْنِ وَالْحَاجِبَيْنِ وَالْجَبْهَةِ شَيْءٌ لَا يُوَضِّحُ
كانت فيه حُكُومَةٌ وَلَوْ أَوْضَحَ شَيْءٌ مِمَّا قُطِعَ من جِلْدِهِ وَلَحْمِهِ
كانت فيه مُوضِحَةٌ أو هَشْمٌ كانت فيه هَاشِمَةٌ وَكَذَلِكَ مُنَقِّلَةٌ وَلَوْ
قَطَعَ ذلك قَطْعًا كانت فيه حُكُومَةٌ أَكْثَرُ من هذا كُلِّهِ لِأَنَّهُ
أَزْيَدُ من الْمُنَقِّلَةِ وَلَا يَبِينُ أَنْ يَكُونَ فيه مَأْمُومَةٌ لِأَنَّهُ
لَا يَصِلُ إلَى دِمَاغٍ وَالْوُصُولُ إلَى الدِّمَاغِ يَقْتُلُ كما يَكُونُ
وُصُولُ الْجَائِفَةِ إلَى الْجَوْفِ يَقْتُلُ - * كَسْرُ الْأَنْفِ وَذَهَابُ
الشَّمِّ - *
(6/119)
خَفَّ على اللِّسَانِ وَقَلَّ
هِجَاؤُهُ أو ثَقُلَ على اللِّسَانِ وَكَثُرَ هِجَاؤُهُ كَالشِّينِ وَالصَّادِ
وَالْأَلِفِ وَالتَّاءِ وَالرَّاءِ سَوَاءٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ منها حِصَّتُهُ من
الدِّيَةِ من الْعَدَدِ وَلَا يَفْضُلُ بَعْضُهَا على بَعْضٍ في ثِقَلٍ وَخِفَّةٍ
وَأَيُّ حَرْفٍ منها لم يُفْصِحْ بِهِ حين يَنْطِقُ بِهِ كما يَنْطِقُ بِهِ قبل
أَنْ يُجْنَى عليه وَإِنْ خَفَّ لِسَانُهُ لَأَنْ يَنْطِقَ بِغَيْرِهِ يُرِيدُهُ
فَهُوَ كما لم يَخِفَّ لِسَانُهُ بِأَنْ يَنْطِقَ بِهِ له أَرْشُهُ من الْعَقْلِ
تَامًّا مِثْلَ أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَنْطِقَ بِالرَّاءِ فَيَجْعَلَهَا بَاءً أو
لَامًا وما في هذا الْمَعْنَى ( قال ) وَإِنْ نَطَقَ بِالْحَرْفِ مُبِينًا له غير
أَنَّ لِسَانَهُ ثَقُلَ عَمَّا كان عليه قبل يُجْنَى عليه فَفِيهِ حُكُومَةٌ وَإِنْ
جني على رَجُلٍ كان أَرَتَّ أو لَا يُفْصِحُ بِحَرْفٍ أو كان لِسَانُهُ يَخِفُّ
بِهِ فَزَادَ في خِفَّتِهِ وَنَقَصَ عن إفْصَاحِهِ بِهِ أو زَادَ في رَتَّتِهِ أو
لَثَغِهِ على ما كان في الْحَرْفِ فَفِيهِ حُكُومَةٌ لَا أَرْشُ الْحَرْفِ تَامًّا
وإذا جني على لِسَانِ الْمُبَرْسَمِ الثَّقِيلِ وهو يُفْصِحُ بِالْكَلَامِ فَفِيهِ
ما في لِسَانِ الْفَصِيحِ الْخَفِيفِ وَكَذَلِكَ إذَا جُنِيَ على لِسَانِ
الْأَعْجَمِيِّ وهو يَنْطِقُ بِلِسَانِهِ وَكَذَلِكَ إذَا جُنِيَ على لِسَانِ
الصَّبِيِّ وقد حَرَّكَهُ بِبُكَاءٍ أو بِشَيْءٍ يُعَبِّرُهُ اللِّسَانُ فَبَلَغَ
أَنْ لَا يَنْطِقَ فَفِيهِ الدِّيَةُ لِأَنَّ الْعَامَّ الْأَغْلَبَ أَنَّ
الْأَلْسِنَةَ نَاطِقَةٌ حتى يَعْلَمَ أنها لَا تَنْطِقُ وَإِنْ بَلَغَ أَنْ
يَنْطِقَ بِبَعْضِ الْحُرُوفِ وَلَا يَنْطِقَ بِبَعْضِهَا كان له من الدِّيَةِ بِقَدْرِ
ما لَا يَنْطِقُ بِهِ وإذا جني على لِسَانِ رَجُلٍ كان يَنْطِقُ بِهِ ثُمَّ
أَصَابَهُ مَرَضٌ فَذَهَبَ مَنْطِقُهُ أو على لِسَانِ الْأَخْرَسِ فَفِيهِمَا
حُكُومَةٌ وإذا جَنَى الرَّجُلُ على لِسَانِ الرَّجُلِ فقال جَنَيْتُ عليه وهو
أَبْكَمُ أو يُفْصِحُ بِبَعْضِ الْكَلَامِ وَلَا يُفْصِحُ بِبَعْضٍ فَالْقَوْلُ
قَوْلُهُ حتى يَأْتِيَ الْمَجْنِيُّ عليه بِأَنَّهُ كان يَنْطِقُ فإذا جاء
بِذَلِكَ لم يُقْبَلْ قَوْلُ الْجَانِي إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَمَنْ كان له لِسَانٌ
نَاطِقٌ فَهُوَ يَنْطِقُ حتى يَعْلَمَ خِلَافَ ذلك وَهَكَذَا لو قال جَنَيْتُ عليه
وهو أَعْمَى فَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ كان يُبْصِرُ لم يُقْبَلْ قَوْلُ
الْجَانِي أَنَّهُ حَدَثَ على بَصَرِهِ ذَهَابٌ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَلَوْ عُرِفَ
الْمَجْنِيُّ عليه بِبُكْمٍ أو عَمًى ثُمَّ ادَّعَى أَوْلِيَاؤُهُ أَنَّ بَصَرَهُ
صَحَّ وَأَنَّ لِسَانَهُ فَصَحَ كان الْقَوْلُ قَوْلَ الْجَانِي وَكُلِّفُوا هُمْ
وَالْمَجْنِيُّ عليه الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ عَادَ إلَيْهِ بَصَرُهُ وَأَفْصَحَ
بَعْدَ الْبَكَمِ فَإِنْ خُلِقَ لِلِسَانٍ طَرَفَانِ فَقَطَعَ رَجُلٌ أَحَدَ
طَرَفَيْهِ فَإِنْ أَذْهَبَ الْكَلَامَ فَفِيهِ الدِّيَةُ وَإِنْ ذَهَبَ بَعْضُهُ
فَفِيهِ من الدِّيَةِ بِحِسَابِ ما ذَهَبَ منه وَإِنْ أَذْهَبَ الْكَلَامَ أو
بَعْضَهُ فَأُخِذَتْ له الدِّيَةُ ثُمَّ نَطَقَ بَعْدَهَا رَدَّ ما أُخِذَ له من
الدِّيَةِ وَإِنْ نَطَقَ بِبَعْضِ الْكَلَامِ الذي ذَهَبَ ولم يَنْطِقْ بِبَعْضٍ
رَدَّ من الدِّيَةِ بِقَدْرِ ما نَطَقَ بِهِ من الْكَلَامِ ( قال ) وَإِنْ قُطِعَ
أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ ولم يَذْهَبْ من الْكَلَامِ شَيْءٌ فَإِنْ كان الطَّرَفَانِ
مُسْتَوِيِي الْمَخْرَجِ من حَيْثُ افْتَرَقَا كان فيه من الدِّيَةِ بِقِيَاسِ
اللِّسَانِ رُبْعًا كان أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ فَإِنْ كان الْمَقْطُوعُ زَائِلًا
عن حَدِّ مَخْرَجِ اللِّسَانِ ولم يَذْهَبْ من الْكَلَامِ شَيْءٌ فَفِيهِ
حُكُومَةٌ وَإِنْ كانت الْحُكُومَةُ أَكْثَرَ من قَدْرِهِ من قِيَاسِ اللِّسَانِ
لم يَبْلُغْ بِحُكُومَتِهِ قَدْرَ قِيَاسِ اللِّسَانِ وَإِنْ قَطَعَ الطَّرَفَانِ
جميعا وَذَهَبَ الْكَلَامُ فَفِيهِ الدِّيَةُ وَإِنْ كان أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ في
حُكْمِ الزَّائِدِ من اللِّسَانِ جَعَلَ فيه دِيَةً وَحُكُومَةً بِقَدْرِ
الْأَلَمِ وإذا قَطَعَ الرَّجُلُ من بَاطِنِ اللِّسَانِ شيئا فَهُوَ كما قَطَعَ من
ظَاهِرِهِ وَفِيهِ من الدِّيَةِ بِقَدْرِ ما مَنَعَ من الْكَلَامِ فَإِنْ لم
يَمْنَعْ كَلَامًا فَفِيهِ من الدِّيَةِ بِحِسَابِ اللِّسَانِ وإذا قَطَعَ
الرَّجُلُ من اللِّسَانِ شيئا لم يَمْنَعْ الْكَلَامَ أو يَمْنَعْ بَعْضَ الْكَلَامِ
وَلَا يَمْنَعُ بَعْضَهُ كان فيه الْأَكْثَرُ مِمَّا مَنَعَ من الْكَلَامِ أو
قِيَاسِ اللِّسَانِ - * اللَّهَاةُ - * (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا قَطَعَ الرَّجُلُ لَهَاةَ
الرَّجُلِ عَمْدًا فَإِنْ كان يَقْدِرُ على الْقِصَاصِ منها فَفِيهَا الْقِصَاصُ
وَإِنْ كان لَا يَقْدِرُ على الْقِصَاصِ منها أو أَقْطَعَهَا خَطَأً فَفِيهَا
حُكُومَة
(6/120)
- * دِيَةُ الذَّكَرِ - * (1)
( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا قُطِعَ ذَكَرُ الْخُنْثَى وُقِفَ فَإِنْ كان رَجُلًا
فَكَانَ قَطْعُ ذَكَرِهِ عَمْدًا فَفِيهِ الْقَوَدُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الدِّيَةَ
وَإِنْ كان خَطَأً فَفِيهِ الدِّيَةُ تَامَّةً وَإِنْ كان أُنْثَى فَفِي ذَكَرِهِ
حُكُومَةٌ وَإِنْ مَاتَ مُشْكِلًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي أَنَّهُ أُنْثَى
مع يَمِينِهِ وَفِيهِ حُكُومَةٌ وَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ رُدَّتْ الْيَمِينُ
على وَرَثَةِ الْخُنْثَى يَحْلِفُونَ أَنَّهُ بَانَ ذَكَرًا قبل أَنْ يَمُوتَ
وَفِيهِ الدِّيَةُ تَامَّةً وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ وَرَثَتِهِ بِأَنَّهُ بَانَ
ذَكَرًا وَلَا الْجَانِي بِأَنَّهُ بَانَ أُنْثَى إلَّا بِأَنْ يَصِفَ الْحَالِفُ
منهم ما إذَا كان كما يَصِفُ قضى بِهِ على ما يقول وَإِنْ قالوا مَعًا بَانَ ولم
يَصِفُوا أو وَصَفُوا فأخطؤوا ( ( ( فأخطئوا ) ) ) وُقِفَ حتى يُعْلَمَ فَإِنْ لم
يُعْلَمْ فَفِيهِ حُكُومَةٌ وَإِنْ عَدَا رَجُلٌ على خُنْثَى مُشْكِلٍ فَقَطَعَ
ذَكَرَهُ وَأُنْثَيَيْهِ وَشَفْرَيْهِ عَمْدًا فَسَأَلَ الْخُنْثَى الْقَوَدَ
قِيلَ إنْ شِئْت وَقَفْنَاكَ فَإِنْ بِنْت ذَكَرًا أَقَدْنَاك بِالذَّكَرِ
وَالْأُنْثَيَيْنِ وَجَعَلْنَا لَك حُكُومَةً في الشَّفْرَيْنِ وَإِنْ بِنْت
أُنْثَى فَلَا قَوَدَ لك عليه وَجَعَلْنَا لك دِيَةَ امْرَأَةٍ تَامَّةً في
الشَّفْرَيْنِ وَحُكُومَةً في الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَإِنْ مِتَّ قبل أَنْ
تَبِينَ فَلَكَ دِيَةُ امْرَأَةٍ تَامَّةٌ وَحُكُومَةٌ لِأَنَّا على إحَاطَةٍ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا قَطَعَ الذَّكَرَ فَأَوْعَبَ فَفِيهِ الدِّيَةُ
تَامَّةً لِأَنَّهُ في مَعْنَى الْأَنْفِ لِأَنَّهُ من تَمَامِ خِلْقَةِ الْمَرْءِ
وَأَنَّهُ ليس في الْمَرْءِ منه إلَّا وَاحِدٌ ولم أَعْلَمْ خِلَافًا في أَنَّ في
الذَّكَرِ إذَا قُطِعَ الدِّيَةُ تَامَّةً وقد يُخَالِفُ الْأَنْفَ في بَعْضِ
أَمْرِهِ وإذا قُطِعَتْ حَشَفَتُهُ فَأُوعِبَتْ فَفِيهَا الدِّيَةُ تَامَّةً ولم
أَعْلَمْ في هذا بين أَحَدٍ لَقِيَتْهُ خِلَافًا وَسَوَاءٌ في هذا ذَكَرُ
الشَّيْخِ الْفَانِي الذي لَا يَأْتِي النِّسَاءَ إذَا كان يَنْقَبِضُ
وَيَنْبَسِطُ وَذَكَرُ الْخَصِيِّ وَاَلَّذِي لم يَأْتِ امْرَأَةً قَطُّ وَذَكَرُ
الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ عُضْوٌ أُبِينَ من الْمَرْءِ سَالِمٌ ولم تَسْقُطْ فيه
الدِّيَةُ بِضَعْفٍ في شَيْءٍ منه وَإِنَّمَا يَسْقُطُ أَنْ يَكُونَ فيه دِيَةٌ
تَامَّةٌ بِأَنْ يَكُونَ بِهِ كَالشَّلَلِ فَيَكُونَ مُنْبَسِطًا لَا يَنْقَبِضُ
أو مُنْقَبِضًا لَا يَنْبَسِطُ فَأَمَّا بِغَيْرِ ذلك من قُرْحٍ فيه أو غَيْرِهِ
من عُيُوبِهِ جُذَامٍ أو بَرَصٍ أو عِوَجِ رَأْسٍ فَلَا تَسْقُطُ الدِّيَةُ فيه
بِوَاحِدٍ من هذا وَالْقَوْلُ في أَنَّ الذَّكَرَ يَنْقَبِضُ وَيَنْبَسِطُ قَوْلُ
الْمَجْنِيِّ عليه مع يَمِينِهِ لِأَنَّهُ عَوْرَةٌ فَلَا أُكَلِّفُهُ أَنْ
يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ كان يَنْقَبِضُ وَيَنْبَسِطُ وَعَلَى الْجَانِي
الْبَيِّنَةُ إنْ ادَّعَى بِخِلَافِ ما قال الْمَجْنِيُّ عليه وإذا جَنَى
الرَّجُلُ على ذَكَرِ الرَّجُلِ فَجَافَهُ فَالْتَأَمَ فَفِيهِ حُكُومَةٌ
وَكَذَلِكَ إذَا جَرَحَهُ أَيَّ جُرْحٍ كان فلم يَشُلَّهُ فَفِيهِ حُكُومَةٌ
فَإِنْ أَشَلَّهُ فَفِيهِ الدِّيَةُ تَامَّةً ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا جُنِيَ
على ذَكَرِ الْأَشَلِّ فَفِيهِ حُكُومَةٌ وإذا جني عليه فَقَطَعَ منه حِذْيَةً حتى
يُبِينَهَا فَإِنْ كانت من نَفْسِ الذَّكَرِ دُونَ الْحَشَفَةِ ثُمَّ أَعَادَهَا
فَالْتَأَمَتْ أو لم يُعِدْهَا فَسَوَاءٌ فيها بِقَدْرِ حِسَابِهَا من الذَّكَرِ
وَيُقَاسُ الذَّكَرُ في الطُّولِ وَالْعَرْضِ مَعًا في طُولِهِ وَعَرْضِهِ فيه
الْحَشَفَةُ وَإِنْ كانت الْجِنَايَةُ في الْحَشَفَةِ فَفِيهَا قَوْلَانِ
أَحَدُهُمَا إنَّ الْحِسَابَ في الْجِنَايَةِ بِالْقِيَاسِ من الْحَشَفَةِ لِأَنَّ
الدِّيَةَ تَتِمُّ في الْحَشَفَةِ لو قُطِعَتْ وَحْدَهَا لِأَنَّ الذي يَلِي
الْجِمَاعَ هِيَ فإذا ذَهَبَتْ فَسَدَ الْجِمَاعُ وَالثَّانِي أَنَّ فيها
بِحِسَابِ الذَّكَرِ كُلِّهِ وَلَوْ قُطِعَ من الذَّكَرِ حِذْيَةٌ أو جَافَهَا
فَكَانَ الْمَاءُ وَالْبَوْلُ يَنْصَبُّ منها كان فيها الْأَكْثَرُ مِمَّا ذَهَبَ
من الذَّكَرِ بِالْقِيَاسِ أو الْحُكُومَةِ في نَقْصِ ذلك وَعَيْبِهِ في الذَّكَرِ
وفي ذَكَرِ الْعَبْدِ ثَمَنُهُ كما في ذَكَرِ الْحُرِّ دِيَتُهُ وَلَوْ زَادَ
قَطْعُ الذَّكَرِ ثَمَنَ الْعَبْدِ أَضْعَافًا وَلَوْ جَنَى رَجُلٌ على ذَكَرِ
رَجُلٍ فَقَطَعَ حَشَفَتَهُ ثُمَّ جَنَى عليه آخَرُ فَقَطَعَ ما بَقِيَ منه كان في
حَشَفَتِهِ الدِّيَةُ وَفِيمَا بَقِيَ حُكُومَةٌ وفي ذَكَرِ الْخَصِيِّ الدِّيَةُ
تَامَّةً لِأَنَّهُ ذَكَرٌ بِكَمَالِهِ وَالْأُنْثَيَانِ غَيْرُ الذَّكَرِ وإذا
جَنَى الرَّجُلُ على ذَكَرِ الرَّجُلِ فلم يُشْلَلْ وَانْقَبَضَ وَانْبَسَطَ
وَذَهَبَ جِمَاعُهُ لم تَتِمَّ فيه الدِّيَةُ لِأَنَّ الذَّكَرَ ما كان سَالِمًا
فَالْجِمَاعُ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ إلَّا من حَادِثٍ في غَيْرِ الذَّكَرِ وَلَكِنَّهُ
لو انْقَبَضَ فلم يَنْبَسِطْ أو انْبَسَطَ فلم يَنْقَبِضْ كان هذا شَلَلًا
وَكَانَتْ فيه الدِّيَةُ تَامَّةً - * ذَكَرُ الْخُنْثَى - *
(6/121)
من أَنَّكَ ذَكَرٌ أو أُنْثَى
فَأَعْطَيْنَاك دِيَةَ أُنْثَى بِالشَّفْرَيْنِ وَحُكُومَةً بِالذَّكَرِ
وَالْأُنْثَيَيْنِ وَلَوْ كُنْت ذَكَرًا أَعْطَيْنَاكَ دِيَةَ رَجُلٍ بِالذَّكَرِ
وَالْأُنْثَيَيْنِ وَحُكُومَةً بِالشَّفْرَيْنِ فَكَانَ ذلك أَكْثَرَ مِمَّا
أَعْطَيْنَاك أَوَّلًا فَيُدْفَعُ إلَيْكَ ما لَا يُشَكُّ أَنَّهُ لك وَإِنْ كان
لك أَكْثَرُ منه وَلَا يَدْفَعُ إلَيْكَ ما لَا يدرى لَعَلَّ لك أَقَلَّ منه
وَهَكَذَا لو كان الْجَانِي على هذا الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ امْرَأَةٌ لَا
يَخْتَلِفُ وَلَوْ أَرَادَ الْقَوَدَ لم يُقَدْ حتى يَتَبَيَّنَ أُنْثَى فَيُقَادَ
في الشَّفْرَيْنِ وَتَكُونَ له حُكُومَةٌ في الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ أو
يَبِينَ ذَكَرًا فَيَكُونَ له دِيَتَانِ في الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ
وَحُكُومَةٌ في الشَّفْرَيْنِ وَلَا يَكُونَ له قَوَدٌ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِذَكَرٍ
وَهِيَ وَإِنْ كانت قَطَعَتْ له شَفْرَيْنِ فَإِنَّمَا قَطَعَتْ شَفْرَيْنِ
زَائِدَيْنِ في خِلْقَتِهِ إنْ كان ذَكَرًا لَا شَفْرَيْنِ كَشَفْرَيْهَا
اللَّذَيْنِ هُمَا من تَمَامِ خِلْقَتِهَا وَلَوْ جَنَى عليه خُنْثَى مُشْكِلٌ
مِثْلُهُ كان هَكَذَا لَا يُقَادُ حتى يَتَبَيَّنَ الْجَانِي وَالْمَجْنِيُّ عليه
مَعًا فإذا كَانَا ذَكَرَيْنِ فَفِيهِمَا الْقَوَدُ وَإِنْ كان أَحَدُهُمَا
ذَكَرًا وَالْآخَرُ أُنْثَى فَلَا قَوَدَ وإذا جَنَى الرَّجُلُ على الْخُنْثَى
الْمُشْكِلِ فَقَطَعَ له ذَكَرًا وَأُنْثَيَيْنِ وَشَفْرَيْنِ فَسَأَلَ عَقْلَ
أَقَلِّ ما له أَعْطَيْته إيَّاهُ ثُمَّ إنْ بَانَتْ له زِيَادَةٌ زِيدَتْ
وَذَلِكَ إنْ أَعْطَيْته دِيَةَ امْرَأَةٍ في الشَّفْرَيْنِ وَحُكُومَةً في
الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ فَتَبَيَّنَ ذَكَرًا فَأَزِيدُهُ دِيَةَ رَجُلٍ
وَنِصْفَ دِيَتِهِ حتى أُتِمَّ له بِالْأُنْثَيَيْنِ دِيَةً وَبِالذَّكَرِ دِيَةً
وَأَنْظُرُ في حُكُومَةِ الذَّكَرِ التي أُخِذَتْ له أَوَّلًا وَالْأُنْثَيَيْنِ
فإذا كانت أَكْثَرَ من حُكُومَةِ الشَّفْرَيْنِ رَدَدْت على الْجَانِي ما زَادَتْ
حُكُومَةُ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ على دِيَةِ الشَّفْرَيْنِ ثُمَّ جَعَلْتهَا
قِصَاصًا من الدِّيَةِ وَالنِّصْفِ الذي زِدْته إيَّاهَا ( قال ) وَلَوْ جَنَى
رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ على خُنْثَى مُشْكِلٍ فَقَطَعَا الذَّكَرَ وَالْأُنْثَيَيْنِ
وَالشَّفْرَيْنِ فَسَأَلَ الْخُنْثَى الْقَوَدَ كان كَجِنَايَةِ كل وَاحِدٍ
مِنْهُمَا على الْأُنْثَى وَلَا يُقَادُ حتى يَتَبَيَّنَ ذَكَرًا فَيُقَادَ من
الذَّكَرِ وَيُحْكَمُ له على الْمَرْأَةِ بِالْأَرْشِ أَرْشِ امْرَأَةٍ أو
يَتَبَيَّنُ امْرَأَةً فَيُقَادُ من الْمَرْأَةِ وَيُحْكَمُ على الرَّجُلِ
بِالْأَرْشِ أَرْشِ امْرَأَةٍ وَلَوْ خُلِقَ لِرَجُلٍ ذَكَرَانِ أَحَدَهُمَا
يَبُولُ منه وَالْآخَرُ لَا يَبُولُ منه فَأَيُّهُمَا بَالَ منه فَهُوَ الذَّكَرُ
الذي يقضى بِهِ وَتَكُونُ فيه الدِّيَةُ وفي الذي لَا يَبُولُ منه حُكُومَةٌ
وَإِنْ بَالَ مِنْهُمَا جميعا فَأَيُّهُمَا كان مَخْرَجُهُ أَشَدَّ اسْتِقَامَةً
على مَخْرَجِ الذَّكَرِ فَهُوَ الذَّكَرُ وَإِنْ كَانَا مُسْتَوِيَيْنِ مَعًا
فَأَبْقَاهُمَا الذَّكَرَ فَإِنْ أَشْكَلَا فَلَا قَوَدَ له وفي كل وَاحِدٍ
مِنْهُمَا حُكُومَةٌ أَكْثَرُ من نِصْفِ دِيَةِ ذَكَرٍ - * دِيَةُ الْعَيْنَيْنِ -
*
( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أخبرنا مَالِكٌ عن عبد اللَّهِ بن أبي
بَكْرٍ عن أبيه أَنَّ في الْكِتَابَ الذي كَتَبَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه
وسلم لِعَمْرِو بن حَزْمٍ وفي الْعَيْنِ خَمْسُونَ وفي الْيَدِ خَمْسُونَ وفي
الرِّجْلِ خَمْسُونَ (1)
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وفي الحديث ما يُبَيِّنُ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم
يَعْنِي خَمْسِينَ من الْإِبِلِ ( قال ) وَهَذَا دَلِيلٌ على أَنَّ كُلَّ ما كان
من تَمَامِ خِلْقَةِ الْإِنْسَانِ وكان يَأْلَمُ بِقَطْعِهِ منه فَكَانَ في
الْإِنْسَانِ منه اثْنَانِ فَفِي كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَسَوَاءٌ
في ذلك الْعَيْنُ الْعَمْشَاءُ الْقَبِيحَةُ الضَّعِيفَةُ الْبَصَرِ وَالْعَيْنُ
الْحَسَنَةُ التَّامَّةُ الْبَصَرِ وَعَيْنُ الصَّبِيِّ وَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ
وَالشَّابِّ إنْ ذَهَبَ بَصَرُ الْعَيْنِ فَفِيهَا نِصْفُ الدِّيَةِ أو بُخِقَتْ
أو صَارَتْ قَائِمَةً من الْجِنَايَةِ فَفِيهَا نِصْفُ الدِّيَةِ وإذا ذَهَبَ
بَصَرُهَا وَكَانَتْ قَائِمَةً فَبُخِقَتْ فَفِيهَا حُكُومَةٌ وَلَوْ كان على
سَوَادِ الْعَيْنِ بَيَاضٌ مُتَنَحٍّ عن النَّاظِرِ ثُمَّ فُقِئَتْ الْعَيْنُ كانت
دِيَتُهَا كَامِلَةً وَلَوْ كان الْبَيَاضُ على بَعْضِ النَّاظِرِ كان فيها من
الدِّيَةِ بِحِسَابِ ما صَحَّ من النَّاظِرِ وَأُلْغِيَ ما يُغَطَّى من النَّاظِرِ
وَلَوْ كان الْبَيَاضُ رَقِيقًا يُبْصِرُ من وَرَائِهِ وَلَا يَمْنَعُ شيئا من الْبَصَرِ
وَلَكِنَّهُ يَكِلُهُ كان كَالْعِلَّةِ من غَيْرِهِ وكان فيها الدِّيَةُ تَامَّةً
وإذا نَقَصَ الْبَيَاضُ الْبَصَرَ ولم يَذْهَبْ كان فيه من الدِّيَةِ بِحِسَابِ
نُقْصَانِهِ وَعِلَلُ الْبَصَرِ وَقِيَاسُ نَقْصِهِ مَكْتُوبٌ في كِتَابِ
الْعَمْدِ وَسَوَاءٌ الْعَيْنُ الْيُمْنَى وَالْيُسْرَى وَعَيْنُ الْأَعْوَرِ
وَعَيْنُ الصَّحِيحِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ في عَيْنِ الْأَعْوَرِ الدِّيَةُ
تَامَّةٌ وَإِنَّمَا قَضَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْعَيْنِ
بِخَمْسِينَ وَهِيَ نِصْفُ الدِّيَةِ وَعَيْنُ الْأَعْوَر
(6/122)
لَا تَعْدُو أَنْ تَكُونَ
عَيْنًا وإذا فَقَأَ الرَّجُلُ عَيْنَ الرَّجُلِ فقال فَقَأْتهَا وَهِيَ قَائِمَةٌ
وقال الْمَفْقُوءَةُ عَيْنُهُ إنْ كان حَيًّا أو أَوْلِيَاؤُهُ إنْ كان مَيِّتًا
فَقَأَهَا صَحِيحَةً فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْفَاقِئِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ
الْمَفْقُوءَةُ عَيْنُهُ أو أَوْلِيَاؤُهُ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ أَبْصَرَ بها في
حَالٍ فإذا جاؤوا بها بِأَنَّهُ كان يُبْصِرُ بها في حَالٍ فَهِيَ صَحِيحَةٌ
وَإِنْ لم يَشْهَدُوا أَنَّهُ كان يُبْصِرُ بها في الْحَالِ التي فَقَأَهَا فيه
حتى يَأْتِيَ الْفَاقِئُ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ فَقَأَهَا قَائِمَةً وَهَكَذَا
إذَا فَقَأَ عَيْنَ الصَّبِيِّ فقال فَقَأْتهَا وَلَا يُبْصِرُ وقال أَوْلِيَاؤُهُ
فَقَأَهَا وقد أَبْصَرَ فَعَلَيْهِمْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ أَبْصَرَ بها بَعْدَ
أَنْ وُلِدَ وَيَسَعُ الشُّهُودُ الشَّهَادَةَ على أَنَّهُ كان يُبْصِرُ بها
وَإِنْ لم يَتَكَلَّمْ إذَا رَأَوْهُ يُتْبِعُ الشَّيْءَ بِبَصَرِهِ وَتَطْرِفُ
عَيْنَاهُ وَيَتَوَقَّاهُ وَهَكَذَا إنْ أَصَابَ الْيَدَ فقال أَصَبْتهَا شَلَّاءَ
وقال الْمُصَابَةُ يَدُهُ صَحِيحَةً فَعَلَى الْمُصَابَةِ يَدُهُ أَنْ يَأْتِيَ
بِالْبَيِّنَةِ أنها كانت في حَالٍ تَنْقَبِضُ وَتَنْبَسِطُ فإذا جاء بها فَهِيَ
على الصِّحَّةِ حتى يَأْتِيَ الْجَانِي بِالْبَيِّنَةِ أنها شُلَّتْ بَعْدَ
الِانْقِبَاضِ وَالِانْبِسَاطِ وَأَصَابَهَا شَلَّاءَ وَهَكَذَا إذَا قَطَعَ
ذَكَرَ الرَّجُلِ أو الصَّبِيِّ فقال قَطَعْته أَشَلَّ أو قال قد قُطِعَ بَعْضُهُ
فَعَلَى الْمَقْطُوعِ ذَكَرُهُ أو أَوْلِيَاؤُهُ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ كان
يَتَحَرَّكُ في حَالٍ فإذا جاء بها فَهِيَ على الصِّحَّةِ حتى يَعْلَمَ أَنَّهُ
أَشَلُّ بَعْدَ الصِّحَّةِ وإذا أَصَابَ عَيْنَ الرَّجُلِ الْقَائِمَةَ فَفِيهَا
حُكُومَةٌ - * دِيَةُ أَشْفَارِ الْعَيْنَيْنِ - * (1) ( قال الشَّافِعِيُّ )
رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا نَتَفَ حَاجِبَا الرَّجُلِ عَمْدًا فَلَا قَوَدَ فِيهِمَا
فَإِنْ قَطَعَ جِلْدَتَهُمَا حتى يَذْهَبَ الْحَاجِبَانِ فَكَانَ يُقْدَرُ على
قَطْعِ الْجِلْدِ كما قَطَعَ فَفِيهَا الْقَوَدُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمَجْنِيُّ
عليه الْعَقْلَ فَإِنْ شَاءَ فَهُوَ في مَالِ الْجَانِي وَكَذَلِكَ إنْ كان
قَطَعَهُمَا عَمْدًا وَالْقِصَاصُ لَا يُسْتَطَاعُ فِيهِمَا فَفِيهِمَا حُكُومَةٌ
في مَالِ الْجَانِي وَفِيهِمَا حُكُومَةٌ إذَا قَطَعَهُمَا خَطَأً إلَّا أَنْ
يَكُونَ حين قَطَعَ جِلْدَهُمَا أَوْضَحَ عن الْعَظْمِ فَيَكُونُ فِيهِمَا
الْأَكْثَرُ من مُوضِحَتَيْنِ أو حُكُومَةٍ وَهَكَذَا اللِّحْيَةُ وَالشَّارِبَانِ
وَالرَّأْسُ يُنْتَفُ لَا قَوَدَ في النَّتْفِ وقد قِيلَ فيه حُكُومَةٌ إذَا
نَبَتَ وَإِنْ لم يَنْبُتْ فَفِيهِ حُكُومَةٌ أَكْثَرُ منها وَإِنْ قُطِعَ من هذا
شَيْءٌ بِجِلْدَتِهِ كما وَصَفْت في الْحَاجِبَيْنِ فَفِيهِ الْأَكْثَرُ من
حُكُومَةِ الشَّيْنِ وَمُوضِحَةٌ أو مَوَاضِحُ إنْ أَوْضَحَ مُوضِحَةً أو مَوَاضِحَ
بَيْنَهُنَّ صِحَّةٌ من الرَّأْسِ أو اللِّحْيَةِ لم تُوضَحْ
أخبرنا مُسْلِمٌ عن بن جُرَيْجٍ قال سَأَلْت عَطَاءً عن الْحَاجِبِ يَشِينُ قال ما
سَمِعْت فيه بِشَيْءٍ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فيه حُكُومَةٌ
بِقَدْرِ الشَّيْنِ وَالْأَلَمِ
أخبرنا مُسْلِمٌ عن بن جُرَيْجٍ قال قُلْت لِعَطَاءٍ حَلْقُ الرَّأْسِ له قَدْرٌ
قال لم أَعْلَمْ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) لَا قَدْرَ في الشَّعْرِ مَعْلُومٌ
وَفِيهِ إذَا لم يَنْبُتْ أو نَبَتَ مَعِيبًا حُكُومَةٌ بِقَدْرِ الْأَلَمِ أو
الْأَلَمِ وَالشَّيْنِ - * دِيَةُ الْأُذُنَيْنِ - * + ( قال الشَّافِعِيُّ ) في
الْأُذُنَيْنِ إذَا اصْطَلَمَتَا فَفِيهَا الدِّيَةُ قِيَاسًا على ما قَضَى النبي
صلى اللَّهُ عليه وسلم فيه بِالدِّيَةِ من الِاثْنَيْنِ في الْإِنْسَانِ
أخبرنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ عن بن جُرَيْجٍ قال قال عَطَاءٌ في الْأُذُنِ إذَا
اُسْتُوْعِبَتْ نِصْفُ الدِّيَةِ + ( قال الشَّافِعِيُّ ) وإذا اُصْطُلِمَتْ
الْأُذُنَانِ فَفِيهِمَا الدِّيَةُ وفي كل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ
وَإِنْ ذَهَبَ سَمْعُهُمَا ولم يَصْطَلِمَا فَفِي السَّمْعِ الدِّيَةُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وإذا قَطَعَ جُفُونَ الْعَيْنَيْنِ حتى
يَسْتَأْصِلَهَا فَفِيهَا الدِّيَةُ كَامِلَةٌ في كل جَفْنٍ رُبُعُ الدِّيَةِ
لِأَنَّهَا أَرْبَعَةٌ في الْإِنْسَانِ وَهِيَ من تَمَامِ خِلْقَتِهِ وَمِمَّا
يَأْلَمُ بِقَطْعِهِ قِيَاسًا على أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم جَعَلَ في
بَعْضِ ما في الْإِنْسَانِ منه وَاحِدٌ الدِّيَةُ وفي بَعْضِ ما في الْإِنْسَانِ
منه اثْنَانِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَلَوْ فَقَأَ الْعَيْنَيْنِ وَقَطَعَ جُفُونَهُمَا
كان في الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ وفي الْجُفُونِ الدِّيَةُ لِأَنَّ الْعَيْنَيْنِ
غَيْرُ الْجُفُونِ وَلَوْ نَتَفَ أَهْدَابَهُمَا فلم تَنْبُتْ كان فيها حُكُومَةٌ
وَلَيْسَ في شَعْرِ الشَّفْرِ أَرْشٌ مَعْلُومٌ لِأَنَّ الشَّعْرَ بِنَفْسِهِ
يَنْقَطِعُ فَلَا يَأْلَمُ بِهِ صَاحِبُهُ وَيَنْبُتُ وَيَقِلُّ وَيَكْثُرُ وَلَا
يُشْبِهُ ما يَجْرِي فيه الدَّمُ وَتَكُونُ فيه الْحَيَاةُ فَيَأْلَمُ
الْمَجْنِيُّ عليه بِمَا نَالَهُ مِمَّا يُؤْلَمُ وما أُصِيبَ من جُفُونِ
الْعَيْنَيْنِ فَفِيهِ من الدِّيَةِ بِحِسَابِهِ - * دِيَةُ الْحَاجِبَيْنِ
وَاللِّحْيَةِ وَالرَّأْسِ - *
(6/123)
وَإِنْ ضُرِبَتَا
فَاصْطُلِمَتَا وَذَهَبَ السَّمْعُ فَفِي الْأُذُنَيْنِ الدِّيَةُ وَالسَّمْعِ
الدِّيَةُ وَالْأُذُنَانِ غَيْرُ السَّمْعِ ( قال ) وَإِنْ كانت الْأُذُنَانِ
مُسْتَحْشِفَتَيْنِ بِهِمَا من الِاسْتِحْشَافِ ما بِالْيَدِ من الشَّلَلِ وَذَلِكَ
أَنْ تَكُونَا إذَا حُرِّكَتَا لم تَتَحَرَّكَا لِيَبَسٍ أو غُمِزَتَا بِمَا
يُؤْلِمُ لم تَأْلَمَا فَقَطَعَهُمَا فَفِيهِمَا حُكُومَةٌ لَا دِيَةٌ تَامَّةٌ
وَإِنْ ضَرَبَهُمَا إنْسَانٌ صَحِيحَتَيْنِ فَصَيَّرَهُمَا إلَى هذه الْحَالِ
فَفِيهِمَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ دِيَتَهُمَا تَامَّةٌ كما تَتِمُّ دِيَةُ
الْيَدِ إذَا شُلَّتْ وَالثَّانِي أَنَّ فِيهِمَا حُكُومَةً لِأَنَّهُ لَا
مَنْفَعَةَ فِيهِمَا في حَرَكَاتِهِمَا كَالْمَنْفَعَةِ في حَرَكَةِ الْيَدِ
إنَّمَا هُمَا جَمَالٌ فَالْجَمَالُ بَاقٍ وإذا قُطِعَ من الْأُذُنِ شَيْءٌ
فَفِيهِ بِحِسَابِهِ من أَعْلَاهَا كان أو أَسْفَلِهَا بِحِسَابِهِ من الْقِيَاسِ
في الطُّولِ وَالْعَرْضِ لَا في إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى وَإِنْ كان قَطْعُ
بَعْضِهِ أَشْيَن من بَعْضٍ لم أَزِدْ فيه لِلشَّيْنِ وَلَا أَزِيدُ لِلشَّيْنِ
فِيمَا جَعَلْت فيه أَرْشًا مَعْلُومًا شيئا في مَمْلُوكٍ وَلَا حُرٍّ أَلَا تَرَى
أَنَّهُ إذَا قِيلَ في الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ فَلَوْ لم يَشِنْ بِالْمُوضِحَةِ حُرٌّ
ولم يَنْقُصْ ثَمَنُ مَمْلُوكٍ فَأَعْطَيْت الْحُرَّ خَمْسًا وَالْمَمْلُوكَ
نِصْفَ عُشْرِ قِيمَتِهِ بِلَا شَيْنٍ كُنْت أَعْطَيْت الْحُرَّ ما وُقِّتَ له من
اسْمِ الْمُوضِحَةِ فِيمَا أُصِيبَ بِهِ وَالْعَبْدُ لِأَنَّهُ في مَعْنَاهُ فإذا
أَعْطَيْتهمَا بما ( ( ( بمال ) ) ) لَا يَشِينُ وَلَا يَنْقُصُ الثَّمَنَ فَإِنْ
شأن وَنَقَصَ الثَّمَنُ لم يَجُزْ أَنْ أَزِيدَهُمَا شيئا فَأَكُونَ قد
أَعْطَيْتهمَا مَرَّةً على ما وُقِّتَ لَهُمَا من الْجِرَاحِ وَمَرَّةً على
الشَّيْنِ فَيَكُونُ هذا حُكْمًا مُخْتَلِفًا - * دِيَةُ الشَّفَتَيْنِ - * (1) (
قال الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْأَسْنَانُ الْعُلْيَا ثَابِتَةٌ
في عَظْمِ الرَّأْسِ وَالْأَسْنَانُ السُّفْلَى ثَابِتَةٌ في عَظْمِ اللَّحْيَيْنِ
مُلْتَصِقَتَيْنِ فإذا قُلِعَ اللَّحْيَانِ من أَسْفَلَ مَعًا فَفِيهِمَا
الدِّيَةُ تَامَّةٌ وَإِنْ قُلِعَ أَحَدُهُمَا وَثَبَتَ الْآخَرُ فَفِي
الْمَقْلُوعِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَإِنْ لم يَثْبُتْ وَسَقَطَ الْآخَرُ معه
فَفِيهِمَا الدِّيَةُ مَعًا وفي الْأَسْنَانِ التي فِيهِمَا في كل سِنٍّ مع
الدِّيَةِ في اللَّحْيَيْنِ وَلَيْسَتْ تُشْبِهُ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) وفي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ وَسَوَاءٌ الْعُلْيَا مِنْهُمَا
وَالسُّفْلَى وَكَذَلِكَ كُلُّ ما جَعَلْت فيه الدِّيَةَ من شَيْئَيْنِ أو
أَكْثَرَ أو أَقَلَّ فَالدِّيَةُ فيه على الْعَدَدِ لَا يُفَضَّلُ أَيْمَنُ منه
على أَيْسَرَ وَلَا أَعْلَى منه على أَسْفَلَ وَلَا أَسْفَلَ على أَعْلَى وَلَا
يُنْظَرُ إلَى مَنَافِعِهِ وَلَا إلَى جَمَالِهِ إنَّمَا يُنْظَرُ إلَى عَدَدِهِ
وما قُطِعَ من الشَّفَتَيْنِ فَبِحِسَابِهِ وَكَذَلِكَ إنْ قُطِعَ من
الشَّفَتَيْنِ شَيْءٌ ثُمَّ قُطِعَ بَعْدَهُ شَيْءٌ كان عليه فِيمَا قُطِعَ
بِحِسَابِ ما قُطِعَ وفي الشَّفَتَيْنِ الْقَوَدُ إذَا قُطِعَتَا عَمْدًا
وَسَوَاءٌ الشَّفَتَانِ الْغَلِيظَتَانِ وَالرَّقِيقَتَانِ وَالتَّامَّتَانِ
وَالْقَصِيرَتَانِ إذَا كان قِصَرُهُمَا من خِلْقَتِهِمَا وَإِنْ أَصَابَ إنْسَانٌ
شَفَتَيْنِ فَيَبِسَتَا حتى تَصِيرَا مُقَلَّصَتَيْنِ لَا تَنْطَبِقَانِ على
الْأَسْنَانِ أو اسْتَرْخَتَا حتى تصيرا ( ( ( تصير ) ) ) لَا تُقَلَّصَانِ عن
الْأَسْنَانِ إذَا كَشَّرَ أو ضَحِكَ أو عَمَدَ تَقْلِيصَهُمَا فَفِيهِمَا
الدِّيَةُ تَامَّةٌ فَإِنْ أَصَابَهُمَا جَانٍ فَكَانَتَا مُقَلَّصَتَيْنِ عن
الْأَسْنَانِ بَعْضَ التَّقْلِيصِ لَا تَنْطَبِقَانِ عليها كُلِّهَا
وَتَرْتَفِعَانِ إلَى فَوْقَ أو كَانَتَا مُسْتَرْخِيَتَيْنِ تَنْطَبِقَانِ على
الْأَسْنَانِ وَلَا تَتَقَلَّصَانِ إلَى فَوْقَ كما تُقَلَّصُ الصَّحِيحَتَانِ كان
فِيهِمَا من الدِّيَةِ بِحِسَابِ ما قَصَرَتَا عن بُلُوغِهِ مِمَّا يَبْلُغُهُ
الشَّفَتَانِ السَّالِمَتَانِ يَرَى ذلك أَهْلُ الْبَصَرِ بِهِ ثُمَّ يَحْكُمُونَ
فيه إنْ كان نِصْفًا أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ وَإِنْ شَقَّ فِيهِمَا شَقًّا ثُمَّ
الْتَأَمَ أو لم يَلْتَئِمْ ولم يُقَلَّصْ عن الْأَسْنَانِ فَفِيهِ حُكُومَةٌ
وَإِنْ قُلِّصَ عن الْأَسْنَانِ شيئا حتى يَكُونَ كما قُطِعَ مِنْهُمَا فَإِنْ كان
إذَا مُدَّ الْتَأَمَ وإذا أُرْسِلَ عَادَ فَهَذَا انْقِبَاضٌ لِافْتِرَاقِ
الشَّفَةِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ قَطَعَهُ فَأَبَانَهُ منها فَلَيْسَ فيه عَقْلٌ
مَعْلُومٌ وَفِيهِ حُكُومَةٌ بِقَدْرِ الشَّيْنِ وَالْأَلَمِ وَلَوْ قَطَعَ من
الشَّفَةِ شيء ( ( ( بشيء ) ) ) كان فيها بِحِسَابِ ما قَطَعَ وَالشَّفَةُ كُلُّ
ما زَايَلَ جِلْدَ الذَّقَنِ وَالْخَدَّيْنِ من أَعْلَى وَأَسْفَلَ مستدايرا ( ( (
مستديرا ) ) ) بِالْفَمِ كُلِّهِ مِمَّا ارْتَفَعَ عن الْأَسْنَانِ وَاللِّثَةِ
فإذا قُطِعَ من ذلك شَيْءٌ طُولًا حُسِبَ طُولُهُ وَعَرْضُهُ وَطُولُ الشَّفَةِ
التي قُطِعَ منها الْعُلْيَا كانت أو السُّفْلَى ثُمَّ كان فيه بِحِسَابِ
الشَّفَةِ التي قُطِعَ منها - * دِيَةُ اللَّحْيَيْنِ - *
(6/124)
الْأَسْنَانَ الْيَدُ فيها
الْأَصَابِعُ في الْكَفِّ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْكَفِّ وَالْيَدِ بِالْأَصَابِعِ
فإذا ذَهَبَتْ لم يَكُنْ فيها كَبِيرُ مَنْفَعَةٍ وَاللَّحْيَانِ إذَا ذَهَبَا
ذَهَبَتْ الْأَسْنَانُ وَهُمَا وِقَايَةُ اللِّسَانِ وَمَنْعًا لِمَا يَدْخُلُ
الْجَوْفَ وَرَدُّ الطَّعَامِ حتى يَصِلَ إلَى الْجَوْفِ فَفِيهِمَا الدِّيَةُ
دُونَ الْأَسْنَانِ وَلَوْ لم يَكُنْ فِيهِمَا سِنٌّ فَذَهَبَا كانت فِيهِمَا
الدِّيَةُ لِمَا وَصَفْت وَإِنْ ضُرِبَا فَيَبِسَا حتى لَا يَنْفَتِحَا وَلَا
يَنْطَبِقَا كانت فِيهِمَا الدِّيَةُ وَكَذَلِكَ لو انْفَتَحَا فلم يَنْطَبِقَا أو
انْطَبَقَا فلم يَنْفَتِحَا كانت فِيهِمَا الدِّيَةُ وَلَا شَيْءَ في الْأَسْنَانِ
لِأَنَّهُ لم يَجْنِ على الْأَسْنَانِ بِشَيْءٍ إنَّمَا جَنَى على اللَّحْيَيْنِ
وَإِنْ كانت مَنْفَعَةُ الْأَسْنَانِ قد ذَهَبَتْ إذَا لم يَتَحَرَّكْ
اللَّحْيَانِ وَإِنْ ضُرِبَ اللَّحْيَانِ فشانهما وَهُمَا يَنْطَبِقَانِ
وَيَنْفَتِحَانِ فَفِيهِمَا حُكُومَةٌ بِقَدْرِ الشَّيْنِ لَا يَبْلُغُ بها دِيَةً
- * دِيَةُ الْأَسْنَانِ - *
( قال الشَّافِعِيُّ ) أخبرنا مَالِكٌ عن عبد اللَّهِ بن أبي بَكْرٍ عن أبيه أَنَّ
في الْكِتَابِ الذي كَتَبَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِعَمْرِو بن
حَزْمٍ في السِّنِّ خَمْسٌ
أخبرنا مُسْلِمٌ عن أبيه عن أبن جُرَيْجٍ عن بن طَاوُسٍ عن أبيه (1) ( قال
الشَّافِعِيُّ ) وَهَذَا كما قال بن عَبَّاسٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( قال )
وَالدِّيَةُ الْمُؤَقَّتَةُ على الْعَدَدِ لَا على الْمَنَافِعِ ( قال ) وفي سِنِّ
من قد ثَغَرَ وَاسْتُخْلِفَ له من بَعْدِ سُقُوطِ أَسْنَانِ اللَّبِنِ فَفِيهَا
عَقْلُهَا خَمْسٌ من الْإِبِلِ فَإِنْ نَبَتَ بَعْدَ ذلك رَدَّ ما أَخَذَ من
الْعَقْلِ وقد قِيلَ لَا يَرُدُّ شيئا إلَّا أَنْ يَكُونَ من أَسْنَانِ اللَّبِنِ
فَإِنْ اُسْتُخْلِفَ لم يَكُنْ له شَيْءٌ وإذا أَثْغَرَ الرَّجُلُ وَاسْتُخْلِفَتْ
أَسْنَانُهُ فَكَبِيرُهَا وَمُتَرَاصِفُهَا وَصَغِيرُهَا وَتَامُّهَا
وَأَبْيَضُهَا وَحَسَنُهَا سَوَاءٌ في الْعَقْلِ كما يَكُونُ ذلك سَوَاءٌ فِيمَا
خُلِقَ من الْأَعْيُنِ وَالْأَصَابِعِ التي يَخْتَلِفُ حُسْنُهَا وَقُبْحُهَا
وَأَمَّا إذَا نَبَتَتْ الْأَسْنَانُ مُخْتَلِفَةً يَنْقُصُ بَعْضُهَا عن بَعْضٍ
نَقْصًا مُتَبَايِنًا نَقَصَ من أَرْشِ النَّاقِصَةِ بِحِسَابِ ما نَقَصَتْ عن
قَرِينَتِهَا وَذَلِكَ مِثْلُ الثَّنِيَّةِ تَنْقُصُ عن التي هِيَ قَرِينَتُهَا
مِثْلُ أَنْ تَكُونَ كَنِصْفِهَا أو ثُلُثَيْهَا أو أَكْثَرَ فإذا تَفَاوَتَ
النَّقْصُ فِيهِمَا فَنُزِعَتْ النَّاقِصَةُ مِنْهُمَا فَفِيهَا من الْعَقْلِ
بِقَدْرِ نَقْصِهَا عن التي تَلِيهَا وَإِنْ كان نَقْصُهَا عن التي تَلِيهَا
مُتَقَارِبًا كما يَكُونُ في كَثِيرٍ من الناس كَنَقْصِ الْأُشُرِ وَدُونِهِ
فَنُزِعَتْ فَفِيهَا خَمْسٌ من الْإِبِلِ وَهَكَذَا هذا في كل سِنٍّ نَقَصَتْ عن
نَظِيرَتِهَا كَالرَّبَاعِيَتَيْنِ تَنْقُصُ إحْدَاهُمَا عن خِلْقَةِ الْأُخْرَى
وَلَا تُقَاسُ الرَّبَاعِيَةُ بِالثَّنِيَّةِ لِأَنَّ الْأَغْلَبَ أَنَّ
الرَّبَاعِيَةَ أَقْصَرُ من الثَّنِيَّةِ وَلَا أَعْلَى الْفَمِ من الثَّنَايَا
وَغَيْرِهَا بِأَسْفَلِهِ لِأَنَّ ثَنِيَّةَ أَعْلَى الْفَمِ غَيْرُ ثَنِيَّةِ
أَسْفَلِهِ وَتُقَاسُ الْعُلْيَا بِالْعُلْيَا وَالسُّفْلَى بِالسُّفْلَى على
مَعْنَى ما وَصَفْت وَلَوْ كانت لِرَجُلٍ ثَنِيَّتَانِ فَكَانَتْ إحْدَاهُمَا
مَخْلُوقَةً خِلْقَةَ ثَنَايَا الناس تَفُوتُ الرَّبَاعِيَةُ في الطُّولِ
بِأَكْثَرَ مِمَّا تَطُولُ بِهِ الثَّنِيَّةُ الرَّبَاعِيَةَ وَالثَّنِيَّةُ
الْأُخْرَى تَفُوتُهَا فَوْتًا دُونَ ذلك فَنُزِعَتْ التي هِيَ أَطْوَلُ كان فيها
أَرْشُهَا تَامًّا وَفَوْتُهَا لِلْأُخْرَى التَّامَّةِ كَالْعَيْبِ فيها أو
غَيْرِ الزِّيَادَةِ وَسَوَاءٌ ضُرِبَتْ الزَّائِدَةُ أو أَصَابَتْ صَاحِبَتُهَا
عِلَّةٌ فَزَادَتْ طُولًا أو نَبَتَتْ هَكَذَا فإذا أُصِيبَتْ هذه الطَّائِلَةُ أو
التي تَلِيهَا الْأُخْرَى فَفِي كل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا خَمْسٌ من الْإِبِلِ وإذا
أُصِيبَ من وَاحِدَةٍ من هَاتَيْنِ شَيْءٌ فَفِيهَا بِقِيَاسِهَا وَيُقَاسُ
السِّنُّ عَمَّا ظَهَرَ من اللِّثَة منها فإذا أَصَابَ اللِّثَةَ مَرَضٌ
فَانْكَشَفَتْ عن بَعْضِ الْأَسْنَانِ بِأَكْثَرَ مِمَّا انْكَشَفَتْ بِهِ عن
غَيْرِهَا فَأُصِيبَتْ سِنُّ مِمَّا انْكَشَفَتْ عنها اللِّثَةُ فَيَبِسَتْ
السِّنُّ بِمَوْضِعِ اللِّثَةِ قبل انْكِشَافِهَا فَإِنْ
____________________
1- ( قال الشَّافِعِيُّ ) ولم أَرَ بين أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا في أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى في السِّنِّ بِخَمْسٍ وَهَذَا
أَكْثَرُ من خَبَرِ الْخَاصَّةِ وَبِهِ أَقُولُ فَالثَّنَايَا وَالرَّبَاعِيَاتُ
وَالْأَنْيَابُ وَالْأَضْرَاسُ كُلُّهَا ضِرْسُ الْحُلُمِ وَغَيْرُهُ أَسْنَانٌ
وفي كل وَاحِدٍ منها إذَا قُلِعَ خَمْسٌ من الْإِبِلِ لَا يَفْضُلُ منها سِنٌّ على
سِنٍّ
أخبرنا مَالِكٌ عن دَاوُد بن الْحُصَيْنِ عن أبي غَطَفَانَ بن طَرِيفٍ الْمُرِّيَّ
أَنَّ مَرْوَانَ بن الْحَكَمِ بَعَثَهُ إلَى عبد اللَّهِ بن عَبَّاسٍ يَسْأَلُ
مَاذَا في الضِّرْسِ فقال عبد اللَّهِ بن عَبَّاسٍ فيه خَمْسٌ من الْإِبِلِ قال
فَرَدَّنِي إلَيْهِ مَرْوَانُ فقال أَتَجْعَلُ مُقَدَّمَ الْفَمِ مِثْلَ
الْأَضْرَاسِ فقال بن عَبَّاسٍ لو لم تَعْتَبِرْ ذلك إلَّا بِالْأَصَابِعِ
عَقْلُهَا سَوَاءٌ
(6/125)
جَهِلَ ذلك كان الْقَوْلُ قَوْلَ الْجَانِي فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ما يُمْكِنُ مِث